ج15. وج16.عمدة القارئ بدر الدين العيني
ج15.عمدة القارئ
الأحاديث في ذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه عند مسلم عنه أنه قال قال رسول الله يوم الخندق شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عند مسلم أيضا عنه حبس المشركون النبي عن صلاة العصر حتى غابت الشمس فقال حبسونا عن الصلاة الوسطى وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند مسلم أيضا عن أبي يونس مولى عائشة أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات قال فلما بلغتها آذنتها فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقالت سمعتها من رسول الله ( قلت ) كذا وقع عند مسلم وصلاة العصر بواو العطف ووقع في رواية أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني من رواية أبي هريرة عن قبيصة بن ذؤيب قال في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر يعني بلا واو وفي كتاب ابن حزم روينا من طريق ابن مهدي عن أبي سهل محمد بن عمرو الأنصاري عن القاسم عنها فذكرته بغير واو قال أبو محمد فهذه أصح رواية عن عائشة وأبو سهل ثقة ( قلت ) وفيه رد لما قاله أبو عمر لم يختلف في حديث عائشة في ثبوت الواو قال وعلى تقدير صحته يجاب عنه بأشياء منها أنه من أفراد مسلم وحديث علي متفق عليه الثاني أن من أثبت الواو امرأة ومسقطها جماعة كثيرة الثالث موافقة مذهبها لسقوط الواو الرابع مخالفة الواو للتلاوة وحديث علي موافق الخامس حديث علي يمكن فيه الجمع وحديثها لا يمكن فيه الجمع إلا بترك غيره السادس معارضة روايتها برواية البراء بن عازب عند مسلم نزلت هذه الآية ( حافظوا على الصلوات وصلاة العصر ) فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل هي إذا صلاة العصر فقال البراء قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخت السابع تكون الواو زائدة كما زيدت عند بعضهم في قوله تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من القانتين وقوله تعالى وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست وقال الأخفش في قوله تعالى حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها لأن الجواب فتحت وقيل أن العطف فيه من باب التخصيص والتفضيل والتنبيه كما في قوله تعالى قل من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ( فإن قلت ) قد حصل ما ذكرت من التخصيص في العطف وهو قوله تعالى والصلاة الوسطى فوجب أن يكون العطف الثاني وهو قوله ( وصلاة العصر ) مغايرا له ( قلت ) لما اختلف اللفظان كان الثاني للتأكيد والبيان كما تقول جاءني زيد الكريم والعاقل فتعطف إحدى الصفتين على الأخرى ومنها حديث سمرة بن جندب عند الترمذي عنه عن النبي أنه قال في الصلاة الوسطى صلاة العصر وعند أحمد أن النبي سئل عن الصلاة الوسطى قال هي صلاة العصر وفي لفظ قال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها هي العصر وعند الحاكم محسنا من حديث خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة يرفعه وأمرنا أن نحافظ على الصلوات كلهن وأوصانا بالصلاة الوسطى ونبأنا أنها صلاة العصر وحديث حفصة عند أبي عمر في التمهيد بسند صحيح وفي الاستذكار اختلف في رفعه وفي ثبوت الواو فيه أنها أمرت كاتبها بكتب مصحف فإذا بلغ هذه الآية يستأذنها فلما بلغها أمرته بكتب حافظوا على الصلاة الوسطى وصلاة العصر ورفعته إلى النبي ورواه هشام عن جعفر بن إياس عن رجل حدثه عن سالم عنها ولم يثبت الواو قال والصلاة الوسطى صلاة العصر وحديث ابن عباس عند الطبراني من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم وسعيد بن جبير عنه قال قال النبي يوم الخندق شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا وفي كتاب المصاحف لابن أبي داود من حديث أبي إسحق عن عبيد بن مريم سمع ابن عباس قرأ هذه الحروف حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وفي كتاب ابن حزم من هذه الطريق صلاة العصر أبغير واو ثم قال كذا قاله وكيع وحديث ابن عمر عند أبي عبيد الله محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني حدثنا إبراهيم بن عامر بن إبراهيم حدثنا أبي حدثنا يعقوب القمي عن عنبسة بن سعيد الرازي عن ابن أبي ليلى وليث عن نافع عنه عن النبي أنه قال الموتور أهله وماله من وتر صلاة الوسطى في جماعة وهي صلاة العصر وحديث أبي هريرة عند ابن خزيمة
(7/273)
في صحيحه قال قال رسول الله
صلاة الوسطى صلاة العصر وحديث أبي هشام بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس عند ابن جعفر
الطبري من حديث كهيل بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها
كما اختلفتم فيها ونحن بفناء بيت رسول الله وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة
فقال أنا أعلم ذلك فقام فاستأذن على رسول الله فدخل عليه ثم خرج إلينا فقال أخبرنا
أنها صلاة العصر قال أبو موسى المديني في كتاب الصحابة أبو هاشم هذا له حديثان
حسنان وقال الذهبي أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة العبشمي أخو أبي حذيفة وأخو مصعب بن
عمير لأمه أسلم يوم الفتح وسكن الشام وكان صالحا توفي في زمن عثمان رضي الله تعالى
عنه في الترمذي وغيره وحديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها عند الطبري أيضا من
رواية شتير بن شكيل عنها عن النبي أنه قال يوم الخندق شغلونا عن الصلاة الوسطى
صلاة العصر حتى غربت الشمس وحديث رجل من الصحابة عنده أيضا قال أرسلني أبو بكر
وعمر رضي الله تعالى عنهما وأنا غلام صغير إلى النبي أسأله عن الصلاة الوسطى فأخذ
أصبعي الصغير فقال هذه الفجر وقبض التي تليها فقال هذه الظهر ثم قبض الإبهام فقال
هذه المغرب ثم قبض التي تليها فقال هذه العشاء ثم قال أي أصابعك بقيت فقلت الوسطى
فقال أي الصلاة بقيت فقلت العصر قال هي العصر ورواه الطبري عن أحمد بن إسحاق حدثنا
أبو أحمد حدثنا عبد السلام مولى أبي منصور حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال كنت
جالسا عند عبد العزيز بن مروان فقال يا فلان اذهب إلى فلان فقل له أيش سمعت من
رسول الله في الصلاة الوسطى فقال رجل جالس أرسلني فذكره وحديث أم سلمة رضي الله
تعالى عنها في كتاب المصاحف لابن أبي داود أنها قالت لكاتب يكتب لها مصحفا إذا
كتبت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فاكتبها العصر ورواه ابن حزم من طريق وكيع
عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها وحديث أنس بن
مالك أن رسول الله قال شغلونا عن صلاة العصر التي غفل عنها سليمان بن داود عليهما
الصلاة والسلام حتى توارت بالحجاب ذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره عن
أبان عن أنس رضي الله تعالى عنه
( القول الثاني ) إن الصلاة الوسطى المغرب وهو قول قبيصة بن ذئب قال أبو عمر هذا
لا أعلم قاله غير قبيصة قال ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في
السفر وأن رسول الله لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها قال أبو جعفر وجه قوله أنه
يريد التوسط الذي هو يكون صفة للشيء الذي يكون عدلا بين الأمرين كالرجل المعتدل
القامة
( الثالث ) أنها العشاء الأخيرة وهو قول المازري وزعم البغوي في شرح السنة أن
السلف لم ينقل عن أحد منهم هذا القول قال وقد ذكره بعض المتأخرين
( الرابع ) أنها الصبح وهو قول جابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وابن عباس في قول
وابن عمر في قول وعطاء بن أبي رباح وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس
والشافعي في قول وقال أبو عمر وممن قال الصلاة الوسطى صلاة الصبح عبد الله بن عباس
وهو أصح ما روي عنه في ذلك وهو قول طاوس ومالك وأصحابه وروى النسائي من حديث جابر
بن زيد عن ابن عباس قال أدلج النبي ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها فلم
يصل حتى ارتفعت الشمس وهي الصلاة الوسطى وفي حديث صالح أبي الخليل عن جابر بن زيد
عن ابن عباس أنه قال صلاة الوسطى صلاة الفجر وعن أبي رجاء قال صليت مع ابن عباس
صلاة الغداة في مسجد البصرة فقنت بنا قبل الركوع وقال هذه الصلاة صلاة الوسطى التي
قال الله تعالى وقوموا لله قانتين قال الطحاوي وقد خولف ابن عباس في هذه الآية فيم
نزلت ثم روى حديث زيد بن أرقم المذكور فيما مضى ( قلت ) المخالفون لابن عباس في
سبب نزول هذه الآية زيد بن أرقم من الصحابة ومن التابعين مجاهد بن جبير والشعبي
وجابر بن زيد فإنهم أخبروا أن القنوت المذكور في قوله تعالى وقوموا لله قانتين
بصورة الأمر هو السكوت عن الكلام في الصلاة لأنهم كانوا يتكلمون فيها وليس هو
القنوت الذي كان يفعل في صلاة الصبح فلا يسمى حينئذ بسبب ذلك لصلاة الصبح الصلاة
الوسطى على أن عمرو بن ميمون والأسود وسعيد بن جبير وعمران بن الحارث قالوا لم
يقنت ابن عباس في الفجر وقال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع قال حدثنا
سفيان عن واقد مولى زيد بن خليدة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى
عنهما أنهما
(7/274)
كانا لا يقنتان في الفجر حدثنا
هشيم قال أخبرنا حصين عن عمران بن الحارث قال صليت مع ابن عباس في داره صلاة الصبح
فلم يقنت قبل الركوع ولا بعده
( الخامس ) أنها إحدى الصلوات الخمس ولا تعرف بعينها روي عن ابن عمر من طريق صحيحة
قال نافع سأل رجل ابن عمر عن الصلاة الوسطى فقال هي منهن فحافظوا عليهن كلهن
وبنحوه قال الربيع بن خيثم وزيد بن ثابت في رواية وشريح القاضي ونافع وقال النقاش
قالت طائفة هي الخمس ولم تميز أي صلاة هي قال أبو عمر كل واحدة من الخمس وسطى لأن
قبل كل واحدة صلاتين وبعدها صلاتين
( السادس ) أنها هي الخمس إذ هي الوسطى من الدين كما قال رسول الله بني الإسلام
على خمس قالوا فهي الوسطى من الخمس روي ذلك عن معاوية بن جبل وعبد الرحمن بن غنم
فيما ذكر النقاش وفي كتاب الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل قيل ذلك لأنها وسط
الإسلام أي خياره وكذلك قاله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
( السابع ) أنها هي المحافظة على وقتها قاله ابن أبي حاتم في كتاب التفسير حدثنا
أبو سعيد الأشج حدثنا المحاربي وابن فضيل عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قال
ذلك
( الثامن ) أنها مواقيتها وشرطها وأركانها وتلاوة القرآن فيها والتكبير والركوع
والسجود والتشهد والصلاة على النبي فمن فعل ذلك فقد أتمها وحافظ عليها قاله مقاتل
بن حبان قال ابن أبي حاتم أنبأنا به محمد بن الفضل حدثنا محمد بن علي بن شقيق
أخبرنا محمد بن مزاحم عن بكر بن معروف عنه وذكر أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن
ابن عباس نحوه
( التاسع ) أنها الجمعة خاصة حكاه الماوردي وغيره لما اختصت به دون غيرها وقال ابن
سيده في المحكم لأنها أفضل الصلوات ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ إلا أن يقوله برواية
يسندها إلى سيدنا رسول الله
( العاشر ) أنها الجمعة يوم الجمعة وفي سائر الأيام الظهر حكاه أبو جعفر محمد بن
مقسم في تفسيره
( الحادي عشر ) أنها صلاتان الصبح والعشاء وعزاه ابن مقسم في تفسيره لأبي الدرداء
لقوله لو يعلمون ما في العتمة والصبح الحديث
( الثاني عشر ) أنها العصر والصبح وهو قول أبي بكر المالكي الأبهري
( الثالث عشر ) أنها الجماعة في جميع الصلوات حكاه الماوردي
( الرابع عشر ) أنها الوتر
( الخامس عشر ) أنها صلاة الضحى
( السادس عش ) أنها صلاة العيدين
( السابع عشر ) أنها صلاة عيد الفطر
( الثامن عشر ) أنها صلاة الخوف
( التاسع عشر ) أنها صلاة عيد الأضحى
( العشرون ) أنها المتوسطة بين الطول والقصر وأصحها العصر للأحاديث الصحيحة التي
ذكرناها والباقي بعضها ضعيف وبعضها مردود وقد أمرنا بالسكوت وفي مسلم ونهينا عن
الكلام قال ابن العربي وهذا بظاهره يعطي أن الأمر بالشيء منهى عن ضده وقد اختلف
الأصوليون فيه قال وليس كذلك فإن الأمر إذا اقتضى فعلا فالنهي عن تركه لا يعطيه
الأمر بذاته وإنما يقتضيه أن الامتثال لا يأتي إلا بترك الضد وقال شيخنا زين الدين
الأمر بالسكوت مناف لعدم السكوت بالذات وهو المسمى بالنقيض فلا نزاع في دلالة
الأمر عليه لأنه جزؤه وأما الكلام فهو ضده وهو محل النزاع بيننا وبين المعتزلة فأكثر
أصحابنا على أن الأمر بالشيء يدل على النهي عن ضده وذهب جمهور المعتزلة وكثير من
أصحابنا إلى عدم دلالته عليه كما حكاه صاحب المحصل وأما ما حكاه صاحب الحاصل وتبعه
البيضاوي من موافقة أكثر أصحابنا لجمهور المعتزلة فليس بجيد ودلالته عليه
بالالتزام فإن دلالة الالتزام دلالته على خارج عنه ( قلت ) ذهب بعض الشافعية
والقاضي أبو بكر أولا إلى أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده وقال القاضي آخرا
وكثير من الشافعية وبعض المعتزلة إلى أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده لأنه
عينه إذ اللازم غير الملزوم وذهب إمام الحرمين والغزالي وباقي المعتزلة إلى أنه لا
حكم لكل واحد منهما في ضده أصلا بل هو مسكوت عنه وقال أبو بكر الجصاص وهو مذهب
عامة العلماء من أصحابنا وأصحاب الشافعي وأهل الحديث أن الأمر بالشيء نهي عن ضده
إذا كان له ضد واحد كالأمر بالإيمان نهي عن الكفر وإن كان له أضداد كالأمر بالقيام
له أضداد من القعود والركوع والسجود والاضطجاع يكون الأمر به نهيا عن جميع أضداده
كلها وقال بعضهم يكون نهيا عن واحد منها غير معين وفصل بعضهم بين الأمر للإيجاب
فقال أمر الإيجاب يكون نهيا عن ضد المأمور به وعن
(7/275)
أضداده لكونه مانعا من فعل
الواجب وأمر الندب لا يكون كذلك فكانت أضداد المندوب غير منهي عنها لا نهي تحريم
ولا نهي تنزيه ومن لم يفصل جعل أمر الندب نهيا عن ضده فهي ندب حتى يكون الامتناع
عن ضد المندوب مندوبا كما يكون فعله وأما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد
واحد باتفاقهم كالنهي عن الكفر أمر بالإيمان وإن كان له أضداد فعند بعض أصحابنا
وبعض أصحاب الحديث يكون أمرا بالأضداد كلها كما في جانب الأمر وعند عامة أصحابنا
وعامة أصحاب الحديث يكون أمرا بواحد من الأضداد غير معين وذهب بعضهم إلى أنه يوجب
حرمة ضده وقال بعضهم يدل على حرمة ضده وقال بعض الفقهاء يدل على كراهة ضده وقال
بعضهم يوجب كراهة ضده ومختار القاضي الإمام أبي زيد وشمس الأئمة وفخر الإسلام ومن
تابعهم أنه يقتضي كراهة ضده والنهي عن الشيء ينبغي أن يكون ضده في معنى سنة مؤكدة
فافهم ( فإن قلت ) فإذا كان قوله أمرنا بالسكوت دالا على النهي عن الكلام فما
فائدة ذكر النهي عن الكلام في قوله فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ( قلت )
التصريح أبلغ من دلالة الالتزام فاقتضى التصريح به نفي الخلاف المعروف فيه ( فإن
قلت ) الألف واللام في قوله أمرنا بالسكوت لماذا ( قلت ) للعهد لا للعموم وهي
راجعة إلى قوله يكلم الرجل صاحبه إلى جنبه أي فأمرنا بالسكوت عما كانوا يفعلونه من
ذلك وكذلك الألف واللام في قوله ونهينا عن الكلام أي عن مخاطبة الآدميين وحمل ابن
دقيق العيد الألف واللام في الكلام على العموم وفيه نظر لأن النهي عن الكلام مخصوص
بمخاطبة الآدميين بدليل حديث معاوية بن الحكم أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من
رواية عطاء بن يسار عنه قال بينا أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت
له يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم الحديث وفيه أنه قال إن هذه الصلاة لا يصلح
فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن
( باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال )
أي هذا باب في بيان ما يجوز من قول سبحان الله وقول الحمد لله في أثناء الصلاة
للرجال إذا نابهم شيء فيها نحو ما إذا رأى المصلي أن إمامه يفعل شيئا في غير محله
يقول سبحان الله ليسمع الإمام ذلك ويرجع إلى الصواب وإنما قيد ذلك بالرجال لأن
النساء إذا نابهن شيء في الصلاة يصفقن لقوله التسبيح للرجال والتصفيق للنساء على
ما يأتي بعد باب مفردا ويدخل في هذا ما إذا فتح على إمامه لا تفسد صلاته
224 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل
رضي الله عنه قال خرج النبي يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة فجاء بلال أبا
بكر رضي الله عنهما فقال حبس النبي فتؤم الناس قال نعم إن شئتم فأقام بلال الصلاة
فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فصلى فجاء النبي يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في
الصف الأول فأخذ الناس بالتصفيح قال سهل هل تدرون ما التصفيح هو التصفيق وكان أبو
بكر رضي الله تعالى عنه لا يلتفت في صلاته فلما أكثروا التفت فإذا النبي في الصف
فأشار إليه مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه وتقدم النبي
فصلى )
مطابقته للترجمة من حيث أنه ذكر هذا الحديث بتمامه في باب من دخل ليؤم الناس فجاء
الإمام الأول وفيه من نابه شيء في الصلاة فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما
التصفيق للنساء وذكر هذه الترجمة ههنا على هذا الوجه اكتفاء بما ذكر هناك لأن
الحديث واحد على أنه ذكره في سبعة مواضع مترجما في كل موضع بما يناسبه وقد ذكرناه
هناك مستقصى والشارح ههنا على قسمين منهم من لم يتعرض قط لوجه هذه الترجمة ولا
لوجه مناسبتها للحديث منهم صاحب التلويح والتوضيح ومنهم من ذكر شيئا لا يساوي
سماعه منهم الكرماني فإنه قال ( فإن قلت ) ذكر في الترجمة لفظ التسبيح والحديث لا
يدل عليه ( قلت )
(7/276)
علم من الحمد بالقياس عليه إلى
آخره ولم يذكر شيئا تحته طائل ومنهم من قال أراد إلحاق التسبيح بالحمد لجامع الذكر
لأن الذي في الحديث الذي ساقه ذكر التحميد دون التسبيح واعترضه بعضهم وقال بل
الحديث مشتمل عليهما لكنه ساقه هنا مختصرا وقد تقدم في باب من دخل ليؤم الناس في
أبواب الإمامة انتهى ( قلت ) هؤلاء كأنهم فهموا أن المراد من الترجمة جواز التسبيح
والحمد في الصلاة مطلقا وليس كذلك فإن مراده الإتيان بلفظ التسبيح لمن نابه شيء
وهو في الصلاة بدليل قيده للرجال فإنه ترجم ههنا بقوله باب ما يجوز إلى آخره وفيه
قيد بقوله للرجال ثم ترجم للنساء بباب آخر وهو قوله باب التصفيق للنساء ولو كان
مراده من الترجمة الإطلاق في ذلك لما قيده بقوله للرجال فإن التسبيح والحمد
ونحوهما لأمر نابه في الصلاة يجوز للرجال والنساء ما لم يقع جوابا لشيء آخر وأما
قوله في الترجمة والحمد فللتنبيه على أن الذي ينوبه شيء وهو في الصلاة إذا حمد
الله عوض سبحان الله فإنه يجوز لأن الغرض من ذلك التنبيه على عروض أمر لا مجرد
التسبيح والحمد لأن مجرد التسبيح والحمد ونحوهما لا يضر صلاة المصلي إذا لم يقع
جوابا وقال صاحب التوضيح وفيه يعني في هذا الحديث أن التسبيح جائز للرجال والنساء
عندما ينزل بهم من حاجة إلا يرى أن الناس أكثروا بالتصفيق لأبي بكر ليتأخر للنبي
وبهذا قال مالك والشافعي أن من سبح في صلاته لشيء ينوبه أو أشار إلى إنسان فإنه لا
يقطع صلاته وخالف في ذلك أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ( قلت ) لا نسلم أن أبا
حنيفة خالف فإنه هو الذي خالف فإن مذهب أبي حنيفة أنه إذا سبح أو حمد جوابا لإنسان
فإنه يقطع لأنه يكون كلاما وأما إذا وقع شيء من ذلك لغير جواب فلا يضر ذلك لأن
الصلاة هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن كما ثبت ذلك في الصحيح ثم أنهم فهموا أن
حمد أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو في الصلاة إنما كان لأمر نابه وهو في الصلاة
وليس كذلك فإنه حمد الله على ما أمر به رسول الله وقد صرح به في الحديث في باب من
دخل ليؤم الناس حيث قال فلما أكثر الناس التصفيق فرأى رسول الله فأشار إليه رسول
الله أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره رسول الله من ذلك على
أن ابن الجوزي ادعى أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم ثم إن البخاري روى حديث
هذا الباب عن عبد الله بن مسلمة بفتح الميم واللام ابن قعنب التيمي الحارثي وقد
تقدم غير مرة عن عبد العزيز بن أبي حازم واسم أبي حازم بالزاي سلمة بن دينار
المديني عن أبيه سلمة عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وأخرجه هناك عن عبد الله بن
يوسف عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد وقد تكلمنا هناك على ما يتعلق به
من الأنواع فلنذكر هنا ما هو المهم وإن وقع فيه بعض التكرار فإنه لا يضر لبعد
المسافة قوله يصلح حال منتظرة قوله وحانت الصلاة أي حضرت وحلت قوله حبس النبي أي
تأخر هناك لأجل الصلح قوله يمشي حال أيضا وكذلك قوله يشقها أي حال يشق الصفوف قوله
فقال سهل وهو سهل بن سعد المذكور قوله هو التصفيق تفسير لقوله ما التصفيح واحتج به
بعضهم على أن التصفيح والتصفيق بمعنى واحد وبه صرح الخطابي والجوهري وأبو علي
القالي وآخرون حتى ادعى ابن حزم نفي الخلاف في ذلك وليس كذلك فإن القاضي عياض حكى
أنه بالحاء الضرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى وبالقاف بباطنها على باطن الأخرى
وقيل بالحاء الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه وبالقاف بجميعها للهو واللعب وأغرب
الداودي فزعم أن الصحابة ضربوا بأكفهم على أفخاذهم قال القاضي عياض كأنه أخذه من
حديث معاوية بن الحكم الذي أخرجه مسلم ففيه وجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم
( باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم )
أي هذا باب في بيان حكم من سمى قوما بذكر أسمائهم أو سلم في صلاته على غيره مواجهة
بفتح الجيم وهي نصب على المصدرية والحال أنه لا يعلم أي المسلم عليه لا يعلم يعني
لا يسمع السلام وليس في رواية الأكثرين لفظ مواجهة وإنما هو وقع في رواية أبي ذر
وقيل في رواية أبي ذر عن الحموي على غير بالتنوين بلا هاء الضمير وقال الكرماني
وفي بعض النسخ على غيره مواجهة بلفظ اسم الفاعل المضاف إلى الضمير وإضافة الغير
إليه ( فإن قلت ) لم يبين في الترجمة حكم الباب ما هو أجواز أو بطلان ( قلت )
(7/277)
كأنه ترك ذلك لاشتباه الأمر
فيه ولكن قيل الظاهر الجواز وأن شيئا في ذلك لا يبطل الصلاة لأنه لم يأمرهم
بالإعادة فيه إنما علمهم ما يستقبلون ( قلت ) وفيه نظر لأن هذا منسوخ وقد كان ذلك
مقررا عندهم ثم منعهم النبي عن ذلك وأمرهم بما يقولون فنسخ هذا ذاك
225 - ( حدثنا عمرو بن عيسى قال حدثنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد قال
حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا
نقول التحية في الصلاة ونسمي ويسلم بعضنا على بعض فسمعه رسول الله فقال قولوا
التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض )
مطابقته للترجمة في قوله كنا نقول التحية في الصلاة ونسمي ويسلم بعضنا على بعض
وللترجمة جزآن أحدهما قوله من سمى قوما وقد مر في باب ما يتخير من الدعاء بعد
التشهد في حديث عبد الله بن مسعود أيضا قال كنا إذا كنا مع النبي في الصلاة قلنا
السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان الحديث وفي رواية عنه قلنا السلام
على جبرائيل وميكائيل والجزء الآخر هو قوله أوسلم في الصلاة إلى آخره وهو المراد
من قوله ويسلم بعضنا على بعض
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول عمرو بن عيسى أبو عثمان الضبعي بضم الضاد المعجمة
الأدي بفتح الهمزة وفتح الدال الثاني عبد العزيز بن عبد الصمد العمي بفتح العين
المهملة وتشديد الميم الثالث حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة ابن عبد
الرحمن مر في باب الأذان بعد ذهاب الوقت الرابع أبو وائل واسمه شقيق بن سلمة
الخامس عبد الله بن مسعود
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في
موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وهو بصري وكذلك عبد
العزيز بصري وحصين وأبو وائل كوفيان وفيه عبد العزيز مذكورا أولا بالكنية ثم بين
باسمه وهو مذكور أيضا بنسبته إلى عم قبيلة من بني تميم وفيهم كثرة ومن الرواة زيد
العمي وهو لقب له لأنه كلما كان يسأل عن شيء قال حتى أسأل عمي
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه ابن ماجه أيضا في الصلاة عن محمد بن يحيى الذهلي عن
عبد الرزاق وعن محمد بن معمر عن قبيصة بن عقبة كلاهما عن سفيان الثوري عن حصين به
وقد مر الكلام فيه مستوفي في باب التشهد في الأخيرة وفي باب ما يتخير من الدعاء
بعد التشهد قوله التحية بالرفع على الابتداء وقوله في الصلاة خبره ويروى التحية
بالنصب على أنه مفعول قلنا ( فإن قلت ) مقول القول لا بد أن يكون جملة ( قلت ) قد
يقع مفردا إذا كان عبارة عن الجملة كما في قولك قلت قصة وقلت خبرا وكذلك ههنا
التحية بالنصب عبارة عن قولهم السلام على فلان قوله إذا فعلتم ذلك أي إذا قلتموها
قوله صالح بالجر صفة عبد ولفظة لله معترضة بينهما
( باب التصفيق للنساء )
يجوز في باب الإضافة إلى التصفيق ويجوز فيه التنوين بقطعه عن الإضافة فالتقدير في
الأول هذا باب في بيان أن التصفيق للنساء وفي الثاني هذا باب يذكر فيه التصفيق
للنساء وقد مر تفسيره عن قريب
226 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري عن أبي سلمة عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال التسبيح للرجال والتصفيق للنساء )
(7/278)
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها
عين الحديث وجزء منه
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول علي بن عبد الله بن المديني الثاني سفيان بن عيينة
الثالث محمد بن مسلم الزهري الرابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الخامس أبو
هريرة رضي الله تعالى عنه والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة
وعمرو الناقد وزهير بن حرب وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة وأخرجه النسائي عن قتيبة
ومحمد بن المثنى وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار كلهم
عن سفيان بن عيينة وفي التوضيح وقد قام الإجماع على أن سنة الرجل إذا نابه شيء في
الصلاة التسبيح وإنما اختلفوا في النساء فذهبت طائفة إلى أنها تصفيق وهو ظاهر
الحديث وبه قال إسحاق والشافعي وأبو ثور وهو رواية عن مالك حكاها ابن شعبان عنه
وهو مذهب النخعي والأوزاعي وذهب آخرون إلى أنها تسبيح وهو قول مالك وتأول أصحابه
قوله إنما التصفيق للنساء أنه من شأنهن في غير الصلاة فهو على وجه الذم فلا تفعله
المرأة ولا الرجل في الصلاة ويرده ما ورد في حديث حماد بن زيد عن أبي حازم في باب
الأحكام بصيغة الأمر فليسبح الرجال وليصفق النساء وإنما كره لها التسبيح لأن صوتها
فتنة ولهذا منعت من الأذان والإمامة والجهر بالقراءة في الصلاة
227 - ( حدثنا يحيى قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله
عنه قال قال النبي التسبيح للرجال والتصفيق للنساء )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها جزء من الحديث ويحيى هو ابن جعفر البلخي وقال
الكرماني يحيى إما يحيى بن موسى الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من
فوق وإما يحيى بن جعفر البلخي قال الكلاباذي إنهما يرويان عن وكيع في الجامع
وسفيان هو الثوري وأبو حازم بالزاي سلمة بن دينار وقد مر الكلام في الحديث وفي بعض
النسخ يوجد هنا عقيب هذا الباب باب من صفق جاهلا من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته
قال وفيه سهل بن سعد عن النبي وليس هذا بموجود في كثير من النسخ ولهذا أنكر بذلك
بعض الشراح ومعناه على تقدير وجوده أن التصفيق وظيفة النساء فمن صفق من الرجال
جاهلا بذلك فليس عليه إعادة صلاته لأنه لم يأمر من صفق بالإعادة وذلك لكونه عملا
يسيرا وبه لا تفسد الصلاة على ما عرف
( باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم بأمر ينزل به )
أي هذا باب في بيان المصلي الذي رجع القهقرى في صلاته وقال ابن الأثير القهقرى هو
المشي إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه قيل أنه من باب القهر وقال
الجوهري القهقرى الرجوع إلى خلف فإذا قلت رجعت القهقرى فكأنك قلت رجعت الرجوع الذي
يعرف بهذا الاسم لأن القهقرى ضرب من الرجوع ( قلت ) فعلى هذا انتصابه على المصدرية
من غير لفظه قوله أو تقدم أي تقدم المصلي إلى قدام لأجل أمر ينزل به
( رواه سهل بن سعد عن النبي )
أي روى كل واحد من رجوع المصلي القهقرى في صلاته وتقدمه لأمر ينزل به سهل بن سعد
وروى ذلك البخاري عن سهل في باب الصلاة في المنبر والسطوح في أوائل كتاب الصلاة
فقال حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال أخبرنا أبو حازم قالوا سألوا سهل
بن سعد من أي شيء المنبر الحديث وفيه فقام عليه رسول الله أي على المنبر إلى أن
قال فاستقبل القبلة وكبر وقام الناس خلفه فقرأ وركع وركع الناس خلفه ثم رفع رأسه
ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم
رجع القهقرى حتى سجد بالأرض فهذا شأنه وقال بعضهم يشير بذلك يعني بقوله رواه سهل
بن سعد عن النبي إلى حديثه الماضي قريبا ففيه فرفع أبو بكر يده فحمد الله ثم رجع
القهقرى وأما قوله أو تقدم فهو مأخوذ من الحديث أيضا وذلك أن النبي وقف في الصف
الأول خلف أبي بكر على إرادة الائتمام به فامتنع أبو بكر من ذلك فتقدم النبي ورجع
أبو بكر من موقف الإمام
(7/279)
إلى موقف المأموم انتهى ( قلت
) الذي قاله يرده الضمير المنصوب في رواه يفهم ذلك من له أدنى ذوق من أحوال تركيب
الكلام ولذلك أعدنا الضمير فيه إلى ما قدرناه وصاحب التلويح أيضا ذهل في هذا وقال
بعد قوله رواه سهل هذا الحديث تقدم مسندا في باب ما يجوز من التسبيح في الصلاة ثم
قال وفي قوله رواه سهل عن النبي فيه نظر وذلك أنه إنما شاهد الفعل وهو التقدم من
سيدنا رسول الله والتأخر من أبي بكر رضي الله تعالى عنه ثم قال القائل المذكور
ويحتمل أن يكون المراد بحديث سهل ما تقدم في الجمعة من صلاته على المنبر ونزوله
القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد إلى مقامه ( قلت ) قوله يحتمل غير سديد لأن
البخاري ما أراد إلا هذا الحديث وهو المناسب لما ذكره ولا يقال في مثل هذا
بالاحتمال
228 - ( حدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال يونس قال الزهري أخبرني أنس بن
مالك أن المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم
ففجأهم النبي وقد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها فنظر إليهم وهم صفوف فتبسم
يضحك فنكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه وظن أن رسول الله يريد أن يخرج إلى
الصلاة وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا بالنبي حين رأوه فأشار بيده أن
أتموا ثم دخل الحجرة وأرخى الستر وتوفي ذلك اليوم )
مطابقته للترجمة ظاهرة في التقدم يستأنس من قوله ففجأهم النبي وهذا يدل على أنه
اتصل بالصف فلولا ذلك لما نكص أبو بكر على عقبيه ومطابقته في التأخر في قوله فنكص
أبو بكر على عقبيه والحديث مر في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة فإنه أخرجه
هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أنس وعن أبي معمر عن عبد الوارث عن عبد
العزيز عن أنس وذكرنا هناك جميع ما يتعلق به وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين
المعجمة وبالراء ابن محمد المروزي قد مر في باب بدء الوحي وعبد الله هو ابن
المبارك وقد تكرر ذكره ويونس هو ابن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم قوله قال يونس
قال الزهري أي قال قال يونس قال الزهري وهي تحذف خطأ في الاصطلاح لا نطقا قوله
بينما هم أي الصحابة في صلاة الفجر والحديث الذي فيه مروا أبا بكر كانت صلاة
العشاء والذي فيه خرج يهادي بين اثنين كانت صلاة الظهر قوله وأبو بكر الواو فيه
للحال قوله ففجأهم بفتح الجيم وكسرها أي فاجأهم وقال ابن التين كذا وقع في الأصل
بالألف وحقه أن يكتب بالياء لأن عينه مكسورة كوطئهم ( قلت ) إذا كسرت عينه يقال
فجئهم وإذا فتحت يقال فجأهم قوله كشف ستر حجرة عائشة كذا هو في أصل الحافظ
الدمياطي بخطه وكذا في الإسماعيلي وأبي نعيم وقال الشيخ قطب الدين في سماعنا إسقاط
لفظ حجرة قوله فنكص بالصاد وبالسين المهملتين أي رجع بحيث لم يستدبر القبلة وهو
الرجوع إلى الوراء قوله فرحا نصب على التعليل ويجوز أن يكون حالا على تأويل فرحين
قوله أن أتموا أن مصدرية أي أشار بالإتمام
( باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا دعت الأم ولدها وهو في الصلاة وجواب إذا محذوف تقديره هل
تجب إجابتها أم لا وإذا وجبت هل تبطل الصلاة أو لا وفي المسألتين خلاف فلذلك لم
يذكر الجواب
229 - ( وقال الليث حدثني جعفر عن عبد الرحمن بن هرمز قال قال أبو هريرة رضي الله
عنه قال رسول الله نادت امرأة ابنها وهو في صومعة قالت يا جريج قال اللهم أمي
وصلاتي
(7/280)
قالت يا جريج قال اللهم أمي
وصلاتي قالت يا جريج قال اللهم أمي وصلاتي قالت اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في
وجه المياميس وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت فقيل لها ممن هذا
الولد قالت من جريج نزل من صومعته قال جريج أين هذه التي تزعم أن ولدها لي قال يا
بابوس من أبوك قال راعي الغنم )
مطابقته للترجمة ظاهرة
( ذكر رجاله ) وهم أربعة الأول الليث بن سعد الثاني جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن
حسنة القرشي الثالث عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الرابع أبو هريرة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه العنعنة في
موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن الليث وشيخه مصريان وعبد الرحمن مدني
وهذا تعليق من البخاري لأنه لم يدرك الليث ووصله الإسماعيلي أخبرنا أبو بكر
المروزي حدثنا عاصم بن علي حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة الحديث مطولا وفيه لا
أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة فعرف أن ذلك يصيبه فلما مروا به على
بيت الزواني خرجن يضحكن فتبسم فقالوا لم يضحك حتى مر بالزواني ووصله أبو نعيم أيضا
حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا يحيى بن بكير قال
حدثنا الليث عن جعفر وأسنده البخاري أيضا في باب ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت
من أهلها ) حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي
هريرة عن النبي قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل
يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت اللهم لا تمته
حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا
فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقيل لها ممن فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته
وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك قال الراعي قالوا نبني
صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين الحديث
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في باب بر الوالدين ودعاء الوالدة على الولد
حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن أبي رافع عن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال كان جريج يتعبد في صومعته فجاءت
أمه فقالت يا جريج أنا أمك كلمني فصادفته يصلي فقال اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته
فرجعت ثم عادت في الثانية فقالت يا جريج أنا أمك فكلمني فقال اللهم أمي وصلاتي
فاختار صلاته فقالت اللهم إن هذا جريج وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني اللهم
لا تمته حتى تريه وجوه المومسات قال ولو دعت عليه أن يفتن لفتن وكان راعي ضأن يأوي
إلى ديره قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي فحملت فولدت غلاما فقيل لها
ما هذا قالت من صاحب هذا الدير قال فجاؤا بفؤسهم ومساحيهم فنادوه فصادفوه وهو يصلي
فلم يكلمهم قال فأخذوا يهدمون ديره فلما رأى ذلك نزل إليهم فقالوا له سل هذه فتبسم
ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك قال أبي راعي الضأن فلما سمعوا ذلك منه قالوا له
نبني ما هدمناه من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه ترابا كما كان وأخرجه
أيضا من طريق جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قال لم يتكلم
في المهد الحديث وفيه وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه لكم
فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع
عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا
يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك فقال أين الصبي فجاؤا به
فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك
قال فلان الراعي قال فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك
من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا الحديث وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم
كما ذكرنا وذكر الفقيه أبو الليث السمرقندي في كتابه تنبيه الغافلين كان جريج
راهبا في بني إسرائيل يعبد الله في صومعته فجاءته أمه يوما وهو قائم في الصلاة
فنادته يا جريج فلم يجبها لاشتغاله بصلاته فقالت ابتلاك الله بالمومسات يعني
الزواني وكانت امرأة في تلك البلدة خرجت لحاجتها
(7/281)
فأخذها راعي الغنم فواقعها عند
صومعة جريج فحملت منه وكان أهل تلك البلدة يعظمون أمر الزنا فظهر أمر تلك المرأة
في البلد فلما وضعت حملها أخبر الملك أن امرأة قد ولدت من الزنا فدعاها فقال من
أين لك هذا الولد قالت من جريج الراهب قد واقعني فبعث الملك أعوانه إليه وهو في الصلاة
فنادوه فلم يجبهم حتى جاءوا إليه بالمرور وهدموا صومعته وجعلوا في عنقه حبلا وجاؤا
به إلى الملك فقال له الملك إنك قد جعلت نفسك عابدا ثم تهتك حريم الناس وتتعاطى ما
لا يحل لك قال أي شيء فعلت قال إنك قد زنيت بامرأة كذا فقال لم أفعل فلم يصدقوه
وحلف على ذلك ولم يصدقوه فقال ردوني إلى أمي فردوه إلى أمه فقال لها يا أماه إنك
قد دعوت الله علي أفاستجاب الله دعاءك فادعي الله أن يكشف عني بدعائك فقالت أمه
اللهم إن كان جريج إنما أخذته بدعوتي فاكشف عنه فرجع جريج إلى الملك فقال أين هذه
المرأة وأين الصبي فجاؤا بالمرأة والصبي فسألوها فقالت بلى هذا الذي فعل بي فوضع
جريج يده على رأس الصبي وقال بحق الذي خلق أن تخبرني من أبوك فتكلم الصبي بإذن
الله تعالى وقال إن أبي فلان الراعي فلما سمعت المرأة بذلك اعترفت وقالت كنت كاذبة
وإنما فعل بي فلان الراعي وفي رواية أن المرأة كانت حاملا لم تضع بعد فقال لها أين
أصبتك قالت تحت شجرة وكانت الشجرة بجنب صومعته قال جريج أخرجوا إلى تلك الشجرة ثم
قال يا شجرة أسألك بالذي خلقك أن تخبريني من زنا بهذه المرأة فقال كل غصن منها
راعي الغنم ثم طعن بأصبعه في بطنها وقال يا غلام من أبوك فنادى من بطنها أبي راعي
الضأن فاعتذر الملك إلى جريج الراهب وقال إيذن لي ابني صومعتك بالذهب قال لا قال
بالفضة قال لا ولكنه بالطين كما كانت فبنوه بالطين وفي كتاب البر والصلة لعبد الله
بن المبارك من حديث الحسن أن اسمه كان جريا وأنهم لما أحاطوا به قال بالله أما
أنظرتموني ليالي أدعوا الله عز و جل فأنظروه ليالي الله أعلم كم هي فأتاه آت في
منامه فقال له إذا اجتمع الناس فاطعن في بطن المرأة وقل أيتها السخلة من أنت ومن
أبوك فإنه سيقول راعي الغنم فلما أصبح طعن في بطن المرأة وقال أيتها السخلة من
أبوك قالت راعي الغنم قال الحسن ذكر لي أن مولودا لم يتكلم في بطن أمه إلا هذا
وعيسى عليه الصلاة و السلام
( ذكر معناه ) قوله وهو في صومته الواو فيه للحال والصومعة على وزن فوعلة من صمعت
إذا دققت لأنها دقيقة الرأس قوله جريج بضم الجيم وفتح الراء وسكون الياء آخر
الحروف وفي آخره جيم أيضا قوله اللهم أمي وصلاتي أي اجتمع إجابة أمي وإتمام صلاتي
فوفقني لأفضلهما قوله لا يموت جريج نفي في معنى الدعاء قوله حتى ينظر بضم الياء
على صيغة المجهول قوله المياميس جمع مومسة وهي الفاجرة المتجاهرة به وفي التلويح
المياميس الزواني والفاجرات الواحدة مومسة والجمع مومسات ومياميس وقال ابن الجوزي
إثبات الياء فيه غلط والصواب حذفها ( قلت ) ليس بغلط لأن العرب يشبعون الكسرة
فتصير في صورة الياء وقال ابن قرقول وبالياء روينا وكذا ذكره أصحاب العربية ورواه
السماك المياميس بضم الميم وقال القزاز قد يقال للخدم مومسات قوله يابابوس كلمة يا
حرف نداء وبابوس بفتح الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى مضمومة وبعد الواو
الساكنة سين مهملة قال القزاز هو الصغير ووزنه فاعول فاؤه وعينه من جنس واحد وهو
قليل وقيل هو اسم أعجمي وقيل هو عربي وقال الداودي هو اسم ذلك الولد بعينه وقال
ابن بطال هو الرضيع وقال الكرماني لو صحت الرواية بكسر السين وتنوينها يكون كنية
له ومعناه يا أبا شدة
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه دلالة على أن الكلام لم يكن ممنوعا في الصلاة في
شريعتهم فلما لم يجب أمه والحال أن الكلام مباح له أستجيبت دعوة أمه فيه وقد كان
الكلام مباحا أيضا في شريعتنا أولا حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأما الآن فلا يجوز
للمصلي إذا دعت أمه أو غيرها أن يقطع صلاته لقوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
وحق الله عز و جل الذي شرع فيه آكد من حق الأبوين حتى يفرع منه لكن العلماء
يستحبون أن يخفف صلاته ويجيب أبويه وقال صاحب التوضيح وصرح أصحابنا فقالوا من
خصائص النبي أنه لو دعا إنسانا وهو في الصلاة وجب عليه الإجابة ولا تبطل صلاته
وحكى الروياني في البحر ثلاثة أوجه في إجابة أحد الوالدين أحدها لا تجب الإجابة
ثانيها تجب وتبطل
(7/282)
ثالثها تجب ولا تبطل والظاهر
عدم الوجوب إن كانت الصلاة فرضا وقد ضاق الوقت وقال عبد الملك بن حبيب كانت صلاته
نافلة وإجابة أمه أفضل من النافلة وكان الصواب إجابتها لأن الاستمرار في صلاة
النقل تطوع وإجابة أمه وبرها واجب وكان يمكنه أن يخففها ويجيبها قيل لعله خشي أن
تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا وتعلقاتها وفي الوجوب في حق الأم حديث
مرسل رواه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن
النبي قال إذا دعتك أمك في الصلاة فأجبها وإن دعاك أبوك فلا تجبه وقال مكحول رواه
الأوزاعي عنه وقال العوام سألت مجاهدا عن الرجل تدعوه أمه أو أبوه في الصلاة قال
يجيبهما وعن مالك إذا منعته أمه عن شهود العشاء في جماعة لم يطعها وإن منعته عن
الجهاد أطاعها والفرق ظاهر لأن الأمن غالب في الأول دون الثاني وفي كتاب البر
والصلة عن الحسن في الرجل تقول له أمه أفطر قال يفطر وليس عليه قضاء وله أجر الصوم
وإذا قالت أمه له لا تخرج إلى الصلاة فليس لها في هذا طاعة لأن هذا فرض وقالوا إن
مرسل ابن المنكدر الفقهاء على خلافه ولم يعلم به قائل غير مكحول ويحتمل أن يكون
معناه إذا دعته أمه فليجبها يعني بالتسبيح وبما أبيح للمصلي الإجابة به وقال ابن
حبيب من أتاه أبوه ليكلمه وهو في نافلة فليخفف ويسلم ويتكلم
وفي الاحتجاج لمن يقول أن الزنا يحرم كما يحرم وطء الحلال قال القرطبي وهو رواية
ابن القاسم عن مالك في المدونة وفي الموطأ عكسه لا يحرم الزنا حلالا قال ويستدل به
أيضا على أن المخلوق من ماء الزاني لا تحل للزاني أم أمها وهو المشهور وقال ابن
الماجشون أنها تحل ووجه التمسك على المسألتين أن النبي حكى عن جريج أنه نسب الزنا
للزاني وصدق الله نسبته بما خلق له من العادة فكانت تلك النسبة صحيحة فيلزم على
هذا أن تجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة من التوارث والولايات وغير ذلك وقد اتفق
المسلمون على أن لا توارث بينهما فلم تصح تلك النسبة والمراد من ذلك تبيين هذا
الصغير من ماء من كان وسماه أباه مجازا أو يكون في شرعهم أنه يلحقه وفيه دلالة على
صحة وقوع الكرامات من الأولياء وهو قول جمهور أهل السنة والعلماء خلافا للمعتزلة
وقد نسب لبعض العلماء إنكارها والذي نظنه بهم أنهم ما أنكروا أصلها لتجويز العقل
لها ولما وقع في الكتاب والسنة وأخبار صالحي هذه الأمة ما يدل على وقوعها وإنما
محل الإنكار ادعاء وقوعها ممن ليس موصوفا بشروطها ولا هو أهل لها وفيه أن كرامة
الولي قد تقع باختياره وطلبه وهو الصحيح عند جماعة المتكلمين كما في حديث جريج
ومنهم من قال لا تقع باختياره وطلبه وفيه أن الكرامة قد تقع بخوارق العادات على
جميع أنواعها ومنعه بعضهم وأدعى أنها تختص بمثل إجابة دعاء ونحوه قال بعض العلماء
هذا غلط من قائله وإنكار للحس فيه دلالة على أن من أخذ بالشدة في أمور العبادات
كان أفضل إذا علم من نفسه قوة على ذلك لأن جريجا دعا الله في التزام الخشوع له في
صلاته وفضله على الاستجابة لأمه فعاقبه الله تعالى على ترك الاستجابة لها بما
ابتلاه الله به من دعوة أمه عليه ثم أراه فضل ما آثره من مناجاة ربه والتزام
الخشوع له أن جعل له آية معجزة في كلام الطفل فخلصه بها من محنة دعوة أمه عليه
وفيه أن من ابتلى بشيئين يسأل الله تعالى أن يلقي في قلبه الأفضل ويحمله على أولي
الأمرين فإن جريجا لما ابتلي بشيئين وهو قوله اللهم أمي وصلاتي فاختار التزام
مراعاة حق الله تعالى على حق أمه وقال ابن بطال قد يمكن أن يكون جريج نبيا لأنه
كان في زمن تمكن النبوة فيه وروى الليث بن سعد عن يزيد بن حوسب عن أبيه قال سمعت
رسول الله يقول لو كان جريج الراهب فقيها عالما لعلم أن إجابة أمه خير من عبادة
ربه قال صاحب التوضيح وحوشب هذا هو ابن طخمة بالميم الحميري ( قلت ) قال الذهبي في
تجريد الصحابة حوشب بن طخنة وقيل طخمة يعني بالميم الحميري الألهاني يعرف بذي ظليم
أسلم على عهد النبي وعداده في أهل اليمن وكان مطاعا في قومه كتب إليه النبي في قتل
الأسود العنسي وفي تاريخ دمشق كان على رجالة حمص يوم صفين ثم قال حوشب له صحبة وله
حديث ففي مسند الشاميين في مسند أحمد ولعله الأول ثم قال حوشب بن يزيد الفهري
مجهول روى عنه ابنه يزيد في ذكر جريج الراهب وفيه عظم بر الوالدين وأن دعاءهما
مستجاب وعن هذا قال العلماء إن إكرامهما واجب ولو كانا كافرين حتى روى عن ابن عباس
أن له أن يزور قبر والديه ولو كانا كافرين وتجب نفقتهما على الولد
(7/283)
مع اختلاف الدين عند أصحابنا
وقال أبو عبد الملك وهذا من عجائب بني إسرائيل يعني أمر جريج وهذا من أخبار الآحاد
وفي صحيح مسلم لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج والصبي الذي
قالت أمه ورأت رجلا له شارة اللهم اجعل ابني مثله فنزع الثدي من فمه وقال اللهم لا
تجعلني مثله ( فإن قلت ) ظاهر هذا يقتضي الحصر ومع هذا روي عن ابن عباس شاهد يوسف
كان في المهد قاله القرطبي وعن الضحاك تكلم في المهد أيضا يحيى بن زكريا عليهما
السلام وفي حديث صهيب أنه لما خدد الأخدود تقاعست امرأة عن الأخدود فقال لها صبيها
وهو يرتضع منها يا أمه اصبري فإنك على الحق ( قلت ) الجواب عن ذلك بوجهين أحدهما
أن الثلاثة المذكورين في الصحيح ليس فيها خلاف والباقون مختلف فيهم وقال ابن عباس
وعكرمة كان صاحب يوسف ذا لحية وقال مجاهد الشاهد هو القميص والجواب الآخر أن النبي
قال ذلك أولا ثم أطلعه الله على غيرهم وقد يقال التنصيص على الشيء باسمه العلم لا
يقتضي الخصوص سواء كان المنصوص عليه باسمه العدد مقرونا أو لم يكن ( قلت ) الخلاف
فيه مشهور
( باب مسح الحصا في الصلاة )
أي هذا باب في بيان حكم مسح الحصاة في الصلاة وفي بعض النسخ مسح الحصى ولم يبين في
الترجمة حكمه هل هو مباح أو مكروه أو غير جائز للاختلاف الواقع فيه
230 - ( حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة قال حدثني معيقيب أن
النبي قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال إن كنت فاعلا فواحدة )
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن المذكور في الحديث التراب وفي الترجمة
الحصى ( قلت ) قال الكرماني الغالب في التراب الحصى فيلزم من تسوية التراب مسح
الحصى ( قلت ) فيه نظر لأن الحصى ربما تكون غريقة في التراب عند كونها فيه فلا يقع
عليها المسح وقيل ترجم بالحصى وفي الحديث التراب لينبه على إلحاق الحصى بالتراب في
الاقتصار على التسوية مرة وقيل أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الحصى كما
أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن
معيقيب قال ذكر النبي المسح في المسجد يعني الحصى قال إن كنت لا بد فاعلا فواحدة
وفي لفظ له في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال إن كنت فاعلا فواحدة وقيل لما كان
في الحديث يعني ولا يدري أهي قول الصحابي أو غيره عدل البخاري إلى ذكر الرواية
التي فيها التراب ( قلت ) الأوجه أن يقال جاء في الحديث لفظ الحصى ولفظ التراب
فأشار بالترجمة إلى الحصى وبالحديث إلى التراب ليشمل الاثنين
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول أبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين الثاني شيبان بفتح
الشين المعجمة ابن عبد الرحمن الثالث يحيى بن أبي كثير الرابع أبو سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف الخامس معيقب بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف
وكسر القاف بعدها باء موحدة ابن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس أسلم قديما كان
على خاتم رسول الله واستعمله الشيخان على بيت المال وأصابه الجذام فجمع له عمر رضي
الله تعالى عنه الأطباء فعالجوه فوقف المرض وهو الذي سقط من يده خاتم النبي أيام
عثمان رضي الله تعالى عنه في بئر أريس فلم يوجد فمذ سقط الخاتم اختلفت الكلمة
وتوفي في آخر خلافة عثمان وقيل توفي في سنة أربعين في خلافة علي رضي الله تعالى
عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع
وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه كوفي وشيبان بصري سكن الكوفة ويحيى يمامي
وأبو سلمة مدني وفيه أن معيقيبا ليس له في البخاري إلا هذا الحديث فقط وقال ابن
التين وليس في الصحابة أحد أجذم غيره
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم
(7/284)
في الصلاة عن أبي موسى عن يحيى
القطان وعن أبي بكر أبي وكيع وعن عبيد الله بن عمر القواريري وعن أبي بكر عن الحسن
بن موسى عن شيبان به وأخرجه أبو داود فيه عن مسلم بن إبراهيم عن هشام وأخرجه
الترمذي فيه عن الحسن بن الحريث وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر وأخرجه ابن
ماجة فيه عن دحيم ومحمد بن الصباح
( ذكر معناه ) قوله عن أبي سلمة وفي رواية الترمذي من طريق الأوزاعي عن يحيى حدثني
أبو سلمة قوله في الرجل أي في شأن الرجل وذكر الرجل لأنه الغالب وإلا فالحكم جار
في الذكر والأنثى من المكلفين قوله يسوي التراب جملة حالية من الرجل قوله حيث يسجد
يعني في المكان الذي يسجد فيه قوله قال أي الرسول قوله إن كنت فاعلا أي مسويا
للتراب ولفظ الفعل أعم الأفعال ولهذا استعمل لفظ فاعلون في موضع مؤدون في قوله
تعالى والذين هم للزكاة فاعلون قوله فواحدة بالنصب على إضمار الناصب تقديره فامسح
واحدة ويجوز أن تكون منصوبة على أنها صفة لمصدر محذوف والتقدير إن كنت فاعلا فافعل
فعلة واحدة يعني مرة واحدة وكذا في رواية الترمذي إن كنت فاعلا فمرة واحدة ويجوز
رفعها على الابتداء وخبره محذوف أي ففعلة واحدة تكفي ويجوز أن تكون خبر مبتدأ
محذوف أي المشروع فعلة واحدة
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الرخصة بمسح الحصى في الصلاة مرة واحدة وممن رخص به
فيها أبو ذر وأبو هريرة وحذيفة وكان ابن مسعود وابن عمر يفعلانه في الصلاة وبه قال
من التابعين إبراهيم النخعي وأبو صالح وحكى الخطابي في المعالم كراهته عن كثير من
العلماء وممن كرهه من الصحابة عمر بن الخطاب وجابر ومن التابعين الحسن البصري وجمهور
العلماء بعدهم وحكى النووي في شرح مسلم اتفاق العلماء على كراهته لأنه ينافي
التواضع ولأنه يشغل المصلي ( قلت ) في حكايته الاتفاق نظر فإن مالكا لم ير به بأسا
وكان يفعله في الصلاة وفي التلويح روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يمسحون الحصى
لموضع سجودهم مرة واحدة وكرهوا ما زاد عليها وذهب أهل الظاهر إلى تحريم ما زاد على
المرة الواحدة وقال ابن حزم فرض عليه أن لا يمسح الحصى وما يسجد عليه إلا مرة
واحدة وتركها أفضل لكن يسوي موضع سجوده قبل دخوله في الصلاة وأخرجه الترمذي عن أبي
ذر عن النبي قال إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه ورواه
أيضا بقية الأربعة وقال الترمذي حديث أبي ذر حديث حسن وتعليل النهي عن مسح الحصى
بكون الرحمة تواجهه يدل على أن النهي حكمته أن لا يشتغل خاطره بشيء يلهيه عن
الرحمة المواجهة له فيفوته حظه وفي معنى مسح الحصى مسح الجبهة من التراب والطين
والحصى في الصلاة ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي الدرداء قال ما أحب أن لي
حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى إلا أن يغلبني فامسح مسحة وفي حديث أبي
سعيد الخدري المتفق عليه أن النبي انصرف عن الصلاة وعلى جبهته أثر الماء والطين من
صبيحة إحدى وعشرين قال القاضي عياض وكره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف
يعني من المسجد مما يتعلق بها من تراب ونحوه وحكى ابن عبد البر عن سعيد بن جبير
والشعبي والحسن البصري أنهم كانوا يكرهون أن يمسح الرجل جبهته قبل أن ينصرف
ويقولون هو من الجفاء وقال ابن مسعود أربع من الجفاء أن تصلي إلى غير سترة أو تمسح
جبهتك قبل أن تنصرف أو تبول قائما أو تسمع المنادي ثم لا تجيبه
( باب بسط الثوب في الصلاة للسجود )
أي هذا باب في بيان بسط المصلي ثوبه في الصلاة ليسجد عليه ولم يبين حكمه طلبا
للعموم بأن يفعل ذلك وهو في الصلاة أو يفعله قبل أن يدخل فيها
231 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا بشر قال حدثنا غالب عن بكر بن عبد الله عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال كنا نصلي مع النبي في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن
(7/285)
يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه
فسجد عليه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر بشرحه في باب السجود على الثوب في شدة الحر
في أوائل كتاب الصلاة فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك عن بشر بن
المفضل عن غالب القطان إلى آخره وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة
( باب ما يجوز من العمل في الصلاة )
أي هذا باب في بيان ما يجوز فعله في الصلاة
232 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن
عائشة رضي الله عنها قالت كنت أمد رجلي في قبلة النبي وهو يصلي فإذا سجد غمزني
فرفعتها فإذا قام مددتها )
مطابقته للترجمة من حيث أنه يدل على أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها وقد مر
الحديث في باب الصلاة على الفراش في أوائل كتاب الصلاة فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل
عن مالك عن أبي النضر إلى آخره وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة اسمه
سالم
233 - ( حدثنا محمود قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي أنه صلى صلاة قال إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة
علي فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه
فذكرت قول سليمان عليه السلام رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله
خاسئا ثم قال النضر بن شميل فذعته بالذال أي خنقته وفدعته من قول الله تعالى يوم
يدعون أي يدفعون والصواب فدعته إلا أنه كذا قال بتشديد العين والتاء )
مطابقته للترجمة في قوله فدعته لأن معناه دفعته في قول على ما نذكره عن قريب وكان
ذلك عملا يسيرا وقد مر الحديث في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد فإنه أخرجه
هناك عن اسحق بن إبراهيم عن روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد إلى آخره
وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى مفتوحة وفي
آخره هاء ابن سوار الفزاري مر في آخر كتاب الحيض ولفظه هناك أن عفريتا من الجن
تفلت علي
( ذكر معناه ) قوله فشد علي أي حمل يقال شد في الحرب يشد بالكسر وضبطه بعضهم
بالمعجمة أعني الدال وأظن أنه غلط قوله يقطع الصلاة جملة وقعت حالا وهذه رواية
الحموي والمستملي وفي رواية غيرهما ليقطع بلام التعليل قوله فذعته الفاء للعطف
وذعته فعل ماض للمتكلم وحده بالذال المعجمة من ألذعت بالذال المعجمة والعين
المهملة والتاء المثناة من فوق وهو الخنق ويروى فدعته من الدع بالدال والعين
المهملتين وهو الدفع ومنه قوله تعالى يوم يدعون إلى نار جهنم أي يدفعون وعلى هذا
أصل دعت دععت وأدغم العين في التاء ويقال معنى ذعته بالمعجمة مرغته في التراب قوله
ولقد هممت أي قصدت قوله أن أوثقه كلمة أن مصدرية أي قصدت أن أربطه قوله إلى سارية
أي أسطوانة قوله فتنظروا وفي رواية الحموي والمستملي أو تنظروا إليه بكلمة الشك
قوله خاسئا نصب على الحال أي مطرودا متحيرا وههنا أسئلة الأول في أي صورة عرض له
الشيطان ( قلت ) روى عبد الرزاق أنه كان في صورة هر وهذا معنى قوله فأمكنني الله
منه أي صوره لي في صورة هر مشخصا يمكنه أخذه
(7/286)
الثاني قيل مجرد هذا القدر
يعني ربطه إلى سارية لا يوجب عدم اختصاص الملك لسليمان عليه الصلاة و السلام إذ المراد
بملك لا ينبغي لأحد من بعده مجموع ما كان له من تسخير الرياح والطير والوحش ونحوه
وأجيب بأنه أراد الاحتراز عن الشريك في جنس ذلك الملك الثالث ثبت أن الشيطان يفر
من ظل عمر رضي الله تعالى عنه وأنه يسلك فجا غير فجه ففراره عنه بالطريق الأولى
وأجيب بأن المراد من فراره من ظل عمر ليس حقيقة الفرار بل بيان قوة عمر وصلابته
على قهر الشيطان وهنا صريح أنه قهره وطرده غاية الإمكان وفي بعض النسخ عقيب الحديث
عن النظر من شميل فذعته بالذال أي خنقته وفدعته من قول الله عز و جل يوم يدعون أي
يدفعون والصواب فدعته أي بالمهملة إلا أنه كذا قال بتشديد العين والتاء
( ومما يستفاد منه ) أن العمل اليسير لا يفسد الصلاة وأخذوا من ذلك جواز أخذ
البرغوث والقملة ودفع المار بين يديه والإشارة والالتفات الخفيف والمشي الخفيف
وقتل الحية والعقرب ونحو ذلك وهذا كله إذا لم يقصد المصلي بذلك العبث في صلاته ولا
التهاون بها وممن أجاز أخذ القملة وقتلها في الصلاة الكوفيون والأوزاعي وقال أبو
يوسف قد أساء وصلاته تامة وكره الليث قتلها في المسجد ولو قتلها لم يكن عليه شيء
وقال مالك لا يقتلها في المسجد ولا يطرحها فيه ولا يدفنها في الصلاة وقال الطحاوي
لو حك بدنه لم يكره كذلك أخذ القملة وطرحها ورخص في قتل العقرب في الصلاة ابن عمر
والحسن والأوزاعي واختلف قول مالك فيه فمرة كرهه ومرة أجازه وقال لا بأس بقتلها
إذا آذته وكذا الحية والطير يرميه بحجر يتناوله من الأرض فإن لم يطل ذلك لم تبطل
صلاته وأجاز قتل الحية والعقرب في الصلاة الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق وكره قتل
العقرب في الصلاة إبراهيم النخعي وسئل مالك عمن يمسك عنان فرسه في الصلاة ولا
يتمكن من وضع يديه بالأرض قال أرجو أن يكون خفيفا ولا يبعد ذلك وروى علي بن زياد
عن مالك في المصلي يخاف على صبي يقرب من نار فذهب إليه فقال إن انحرف عن القبلة
ابتدا وإن لم ينحرف بنى وسئل أحمد عن رجل أمامه سترة فسقطت فأخذها وركزها قال أرجو
أن لا يكون به بأس فذكر له عن ابن المبارك أنه أمر رجلا صنع ذلك بالإعادة قال لا
آمره بالإعادة وأرجو أن يكون خفيفا وأجاز مالك والشافعي حمل الصبي في الصلاة المكتوبة
وهو قول أبي ثور ( قلت ) عندنا يكره حمل الصبي في الصلاة وإن كان بعذر لا يكره
( باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا انفلتت الدابة في حال الصلاة الانفلات والإفلات والتفلت
التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث وجواب إذا محذوف تقديره إذا انفلتت الدابة وهو
في الصلاة ماذا يصنع
( وقال قتادة إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة )
مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث أن دابة المصلي إذا انفلتت له أن يتبعها على ما
يجيء فكذلك إذا أخذ السارق ثوبه وهو في الصلاة له أن يتبعه ويقطع صلاته فمن هذه
الحيثية تأخذ المطابقة والأثر معلق ووصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بمعناه وزاد
فيرى صبيا على بئر فيتخوف أن يسقط فيها قال ينصرف له قوله ويدع أي يترك الصلاة
233 - ( حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا الأزرق بن قيس قال كنا بالأهواز نقاتل
الحرورية فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي وإذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة
تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة هو أبو برزة الأسلمي فجعل رجل من الخوارج يقول اللهم
افعل بهذا الشيخ فلما انصرف الشيخ قال إني سمعت قولكم وإني غزوت مع رسول الله ست
غزوات
(7/287)
أو سبع غزوات أو ثمان وشهدت
تيسيره وإني أن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق
علي )
مطابقته للترجمة في قوله فجعلت الدابة تتنازعه وجعل يتبعها
( ذكر رجاله ) فيه خمس أنفس آدم بن أبي إياس وشعبة بن الحجاج والأزرق بفتح الهمزة
وسكون الزاي ابن قيس الحارثي البصري وهو من أفراد البخاري ورجلان أحدهما هو أبو
برزة الأسلمي فسره شعبة بقوله هو أبو برزة الأسلمي واسمه نضلة بن عبيد أسلم قديما
ونزل البصرة وروي أنه مات بها ورد أنه مات بنيسابور وروي أنه مات في مفازة بين
سجستان وهراة وقال خليفة بن خياط وافي خراسان ومات بها بعد سنة أربع وستين وقال
غيره مات في آخر خلافة معاوية أو في أيام يزيد بن معاوية والآخر مجهول وهو قوله
فجعل رجل من الخوارج وإسناد هذا كله بالتحديث بصيغة الجمع وتفرد به البخاري عن
الجماعة
( ذكر معناه ) قوله بالأهواز بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالزاي قاله الكرماني هي
أرض خوزستان وقال صاحب العين الأهواز سبع كور بين البصرة وفارس لكل كورة منها اسم
ويجمعها الأهواز ولا تنفرد واحدة منها بهوز في وفي المحكم ليس للأهواز واحد من
لفظه وقال ابن خردابة هي بلاد واسعة متصلة بالجبل وأصبهان وقال البكري بلد يجمع
سبع كور كورة الأهواز وجندي وسابور والسوس وسرق ونهر بين ونهر تيرى وقال ابن
السمعاني يقال لها الآن سوق الأهواز وقال بعضهم الأهواز بلدة معروفة بين البصرة
وفارس فتحت أيام عمر رضي الله تعالى عنه ( قلت ) قوله بلدة ليس كذلك بل هي بلاد
كما ذكرنا قوله الحرورية بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى المخففة نسبة إلى
حروراء اسم قرية يمد ويقصر وقال الرشاطي حروراء قرية من قرى الكوفة والحرورية صنف
من الخوارج ينسبون إلى حروراء اجتمعوا بها فقال لهم علي ما نسميكم قال أنتم
الحرورية لاجتماعكم بحروراء والنسب إلى مثل حروراء أن يقال حروراوي وكذلك ما كان
في آخره ألف التأنيث الممدودة ولكنه حذفت الزوائد تخفيفا فقيل الحروري وكان الذي
يقاتل الحرورية إذ ذاك المهلب بن أبي صفرة كما في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عن
الإسماعيلي وذكر محمد بن قدامة الجوهري في كتابه أخبار الخوارج أن ذلك كان في خمس
وستين من الهجرة وكان الخوارج قد حاصروا أهل البصرة مع نافع بن الأزرق حتى قتل
وقتل من أمراء البصرة جماعة إلى أن ولي عبد الله بن الزبير بن الحارث بن عبد الله
بن أبي ربيعة المخزومي على البصرة وولي المهلب بن أبي صفرة على قتال الخوارج وفي
الكامل لأبي العباس المبرد أن الخوارج تجمعت بالأهواز مع نافع بن الأزرق سنة أربع
وستين فلما قتل نافع وابن عبيس رئيس المسلمين من جهة ابن الزبير ثم خرج إليهم
حارثة بن بدر ثم أرسل إليهم ابن الزبير عثمان بن عبيد الله ثم توفي القياع فبعث
إليهم المهلب بن أبي صفرة وكل من هؤلاء الأمراء يمكثون معهم في القتال حينا فلعل
ذلك انتهى إلى سنة خمس وهو يعكر على من قال أن أبا برزة توفي سنة ستين وأكثر ما
قيل سنة أربع قوله فبينا أصله بين أشعث فتحة النون فصارت ألفا يقال بينا وبينما
وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى جملة من مبتدأ وخبر وفعل وفاعل
ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى والجواب هنا هو قوله إذا رجل يصلي والأفصح في
جوابهما ألا يكون فيه إذا وإذا تقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو وإذ دخل عليه
عمرو وإذا دخل عليه عمرو قوله إنا مبتدأ وخبره قوله على جرف نهر جرف بضم الجيم
والراء وبسكونها أيضا وفي آخره فاء وهو المكان الذي أكله السيل وفي رواية
الكشميهني على حرف نهر بفتح الحاء المهملة وسكون الراء أي على جانبه ووقع في رواية
حماد بن زيد عن الأزرق في الأدب كنا على شاطيء نهر قد نضب عنه الماء أي زال وفي
رواية مهدي ابن ميمون عن الأزرق عن محمد بن قدامة كنت في ظل قصر مهران بالأهواز على
شط دجيل وبين هذا تفسير النهر في رواية البخاري والدجيل بضم الدال وفتح الجيم
وسكون الياء آخر الحروف في آخره لام وهو نهر ينشق من دجلة نهر بغداد قوله إذا رجل
كلمة إذا في الموضعين للمفاجأة وفي رواية الحموي والكشميهني إذا جاء رجل قوله قال
شعبة هو أبو برزة الأسلمي أي الرجل المصلي والذي يقتضيه المقام أن الأزرق بن قيس
الذي يروي عنه
(7/288)
شعبة لم يسم الرجل شعبة ولكن
رواه ابو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال في آخره فإذا هو أبو برزة الأسلمي
وفي رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي فجاء أبو برزة وفي رواية حماد في الأدب
فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلاها فانطلقت فاتبعها ورواه عبد الرزاق عن
معمر عن الأزرق بن قيس أن أبا برزة الأسلمي مشى إلى دابته وهو في الصلاة الحديث
وبين مهدي بن ميمون في روايته أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر وفي رواية عمرو بن
مرزوق فمضت الدابة في قبلته فانطلق أبو برزة حتى أخذها ثم رجع القهقري قوله افعل
بهذا الشيخ دعاء عليه وفي رواية الطيالسي فإذا شيخ يصلي قد عمد إلى عنان دابته
فجعله في يده فنكصت الدابة فنكص معها ومعنا رجل من الخوارج فجعل يسبه وفي رواية
مهدي قال ألا ترى إلى هذا الحمار وفي رواية حماد انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته
من أجل فرس قوله أو ثماني بغير ألف ولا تنوين وفي رواية الكشميهني أو ثماني وقال
بن مالك الأصل ثماني غزوات فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله وقد رواه عمرو
بن مرزوق بلفظ سبع غزوت بغير شك قوله وشهدت تيسيره أي تسهيله على الناس وغالب
النسخ على هذا قال الكرماني وفي بعض الروايات كل سيره أي سفره وفي بعضها شهدب سيره
بكسر السين وفتح الياء آخر الحروف جمع السيرة وحكى ابن التين عن الداودي أنه وقع
عنده وشهدت تستر بضم التاء المثناة من فوق وسكون السين اسم مدينة بحوزستان من بلاد
العجم ومعناه وشهدت فتحها وكانت فتحت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في
سنة سبع عشرة من الهجرة قوله وإني إن كنت أن أرجع نقل بعضهم عن السهيلي أنه قال
إني وما بعدها اسم مبتدأ وأن أرجع اسم مبدل في الاسم الأول وأحب خبر عن الثاني
وخبر كان محذوف أي إني إن كنت راجعا أحب إلي ( قلت ) ما أظن أن السهيلي أعرب بهذا
الإعراب فكيف يقول إني وما بعدها اسم وهي جملة ( فإن قيل ) أراد أنه جملة اسمية
مؤكدة بأن يقال له المبتدأ اسم مفرد والجملة لا تقع مبتدأ وكذلك قوله وأن أرجع ليس
باسم فكيف يقول اسم مبدل وهذا تصرف من لم يمس شيئا من علم النحو والذي يقال أن
الياء في إني اسم إن في إن كنت شرطية واسم كان هو الضمير المرفوع فيه وكلمة أن
بالفتح مصدرية تقدر لام العلة فيما قبلها والتقدير وإن كنت لأن أرجع وقوله أحب خبر
كان وهذه الجملة الشرطية سدت مسد خبر أن في إني وذلك لأن رجوعه إلى دابته وانطلاقه
إليها وهو في الصلاة أحب إليه من أن يدعها أي يتركها ترجع إلى مألفها بفتح اللام
أي معلفها فيشق عليه وكان منزله بعيدا إذا صلاها وتركها لم يكن يأتي إلى أهله إلى
الليل لبعد المسافة وقد صرح بذلك في رواية حماد فقال إن منزلي متراخ أي متباعد فلو
صليت وتركتها أي الفرس لم آت أهلي إلى الليل لبعد المكان
( ذكر ما يستفاد منه ) قال ابن بطال لا خلاف بين الفقهاء أن من أفلتت دابته وهو في
الصلاة أنه يقطع الصلاة ويتبعها وقال مالك من خشي على دابته الهلاك أو على صبي رآه
في الموت فليقطع صلاته وروى ابن القاسم عنه في مسافر أفلتت دابته وخاف عليها أو
على صبي أو أعمى أن يقع في بئر أو نار أو ذكر متاعا يخاف أن يتلف فذلك عذر يبيح له
أن يستخلف ولا تفسد على من خلفه شيئا ولا يجوز أن يفعل هذا أبو برزة دون أن يشاهده
من النبي وقال ابن التين والصواب أنه إذا كان له شيء له قدر يخشى فواته يقطع وإن
كان يسيرا فعادته على صلاته أولى من صيانة قدر يسير من ماله هذا حكم الفذ والمأموم
فأما الإمام ففي كتاب سحنون إذا صلى ركعة ثم انفلتت دابته وخاف عليها أو على صبي
أو أعمى أن يقعا في البئر وذكر متاعا له يخاف تلفه فذلك عذر يبيح له أن يستخلف ولا
يفسد على من خلفه شيئا وعلى قول أشهب إن لم يعد واحد منهم بني قياسا على قوله إذا
خرج لغسل دم رآه في ثوبه وأحب إلي أن يستأنف وإن بنى أجزاء ( قلت ) ذكر محمد رحمه
الله تعالى في السير الكبير حديث الأزرق بن قيس أنه رأى أبا برزة يصلي آخذا بعنان
فرسه حتى صلى ركعتين ثم انسل قياد فرسه من يده فمضى الفرس إلى القبلة فتبعه أبو
برزة حتى أخذ بقياده ثم رجع ناكصا على عقبيه حتى صلى الركعتين الباقيتين قال محمد
رحمه الله وبهذا نأخذ الصلاة تجزي مع ما صنع لا يفسدها الذي صنع لأنه رجع على
عقبيه ولم يستدبر القبلة بوجهه حتى لو جعلها خلف ظهره فسدت صلاته ثم ليس في هذا
الحديث فصل بين المشي القليل والكثير فهذا يبين لك أن المشي في الصلاة مستقبل
القبلة لا يوجب فساد الصلاة وإن كثر وبعض مشايخنا أولوا هذا الحديث واختلفوا فيما
بينهم في التأويل
(7/289)
فمنهم من قال تأويله أنه لم
يجاوز موضع سجوده فإما إذا جاوز ذلك فإن صلاته تفسد لأن موضع سجوده في الفضاء
مصلاه وكذلك موضع الصفوف في المسجد وخطاه في مصلاه عفو ومنهم من قال تأويله أن
مشيه لم يكن متلاصقا بل مشى خطوة فسكن ثم مشى خطوة وذلك قليل وأنه لا يوجب فساد
الصلاة أما إذا كان المشي متلاصقا تفسد وإن لم يستدبر القبلة لأنه عمل كثير ومن
المشايخ من أخذ بظاهر الحديث ولم يقل بالفساد قل المشي أو كثر استحسانا والقياس أن
تفسد صلاته إذا كثر المشي إلا أنا تركنا القياس بحديث أبي برزة رضي الله تعالى عنه
وأنه خص بحالة العذر ففي غير حالة العذر يعمل بقضية القياس
234 - ( حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري عن
عروة قال قالت عائشة خسفت الشمس فقام النبي فقرأ سورة طويلة ثم ركع فأطال ثم رفع
رأسه ثم استفتح بسورة أخرى ثم ركع حتى قضاها وسجد ثم فعل ذلك في الثانية ثم قال
إنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى يفرج عنكم لقد رأيت في مقامي
هذا كل شيء وعدته حتى لقد رأيت أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم
ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت ورأيت فيها عمرو بن لحي وهو
الذي سيب السوائب )
قال الكرماني تعلق الحديث بالترجمة هو أن فيه مذمة تسييب السوائب مطلقا سواء كان
في الصلاة أو لا ( قلت ) ما أبعد هذا الوجه أو تعلق الحديث بالترجمة في قوله جعلت
أتقدم وفي قوله تأخرت وذلك لأن في الحديث السابق ذكر انفلات فرس أبي برزة وأنه
تقدم من موضع سجوده ومشى ثم تأخر ورجع القهقري وفي هذا الحديث أيضا التقدم والتأخر
وهذا المقدار يقنع به وهذا الحديث قد مر في صلاة الكسوف بوجوه مختلفة منها أنه
رواه من رواية يونس عن ابن شهاب وهو الزهري عن عروة عن عائشة ومنها ما رواه من
رواية الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به من
الأشياء ولنذكر ههنا ما يحتاج إليه ههنا فقوله عبد الله هو ابن المبارك ويونس هو
ابن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم قوله حتى قضاها أي الركعة والقضاء ههنا بمعنى
الفراغ والأداء كما في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة أي أديت قوله ذلك أي المذكور
من القيامين والركوعين في الركعة الثانية قوله أنهما قال الكرماني أي الخسوف
والكسوف ( قلت ) ليسا بمذكورين غير أن قولها خسفت الشمس يدل على الكسوف والظاهر أن
الضمير يرجع إلى الشمس والقمر كما جاء صريحا إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله
تعالى والشمس مذكورة والقمر لما كان كالشمس في ذلك كان كالمذكور قوله فإذا رأيتم
ذلك أي الخسوف الذي دل عليه قولها خسفت والخسوف يستعمل فيها جميعا كما مر في باب
الكسوف قوله وعدته بضم الواو على صيغة المجهول ويروى وعدت بلا ضمير في آخره وعلى
الوجهين هي جملة في محل الخفض لأنها صفة لقوله شيء وفي رواية ابن وهب عن يونس في
رواية مسلم وعدتم قوله حتى لقد رأيته كذا في رواية المستملي بالضمير المنصوب بعد
رأيت وفي رواية الأكثرين بلا ضمير وفي رواية مسلم لقد رأيتني قوله أريد جملة حالية
وكلمة أن في أن آخذ مصدرية وفي رواية جابر حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه
قوله قطفا بكسر القاف وهو العنقود من العنب ويفسر ذلك حديث ابن عباس في الكسوف وقد
تقدم قوله جعلت أي طفقت قال الكرماني ( فإن قلت ) لم قال هنا بلفظ جعلت ولم يقل في
التأخر به بل قال تأخرت ( قلت ) لأن التقدم كاد أن يقع بخلاف التأخر فإنه قد وقع
واعترض عليه بعضهم بقوله وقد وقع التصريح بوقوع التقدم والتأخر جميعا في حديث جابر
عند مسلم ولفظه لقد جيء بالنار ودلكم حين رأيتموني تأخرت
(7/290)
مخافة أن يصيبني من لفحها وفيه
ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ( قلت ) لا يرد عليه ما
قاله لأن جعلت في قوله ههنا بمعنى طفقت كما ذكرنا وبني السؤال والجواب عليه وجعل
الذي بمعنى طفق من أفعاله المقاربة من القسم الذي وضع للدلالة على المشروع في
الخبر وقد علم أن أفعال المقاربة على ثلاثة أنواع أحدها هذا والثاني ما وضع
للدلالة على قرب الخبر وهو ثلاثة كاد وقرب وأوشك والثالث ما وضع للدلالة على رجائه
نحو عسى وأيضا لا يلزم أن يكون حديث عائشة مثل حديث جابر من كل الوجوه وإن كان
الأصل متحدا قوله يحطم بكسر الطاء المهملة قوله عمرو بن لحي بضم اللام وفتح الحاء
المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وسيجيء في قصة خزاعة أنه قال رأيت عمرو بن عامر
الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب والسوائب جمع سائبة وهي التي
كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحل عليها شيء ( فإن قلت ) السوائب هي المسيبة فكيف
يقال سيب السوائب ( قلت ) معناه سيب النوق التي تسمى بالسوائب وقال الزمخشري في
قوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة كان يقول الرجل إذا قدمت من سفري أو
برئت من مرضي فناقتي سائبة أي لا تركب ولا تطرد عن ماء ولا عن مرعى
( باب ما يجوز من البزاق والنفخ في الصلاة )
أي هذا باب في بيان ما يجوز من البزاق أي من رمى البزاق وجاء فيه الزاي والصاد
وكلاهما لغة قوله والنفخ أي ما يجوز من النفخ وقال بعضهم أشار المصنف إلى أن بعض
ذلك يجوز وبعضه لا يجوز فيحتمل أنه يرى التفرقة بين ما إذا حصل من كل منهما كلام
مفهم أم لا ( قلت ) لا نسلم أن الترجمة تدل على ما ذكره وإنما تدل ظاهرا على أن كل
واحد من البصاق والنفخ جائز في الصلاة مطلقا وذكره بعد ذلك ما روي عن عبد الله بن
عمر ويدل على جواز النفخ وما رواه عن ابن عمر يدل على جواز البصاق لأن كلا منهما
صريح فيما يدل عليه من غير قيد والآن نذكر مذاهب العلماء فيه إن شاء الله تعالى
( ويذكر عن عبد الله بن عمرو نفخ النبي في سجوده في كسوف )
مطابقته للترجمة ظاهرة وفيه ما يدل على ما ذكرنا لأنه ذكره مطلقا واعترض أبو عبد
الملك بأن البخاري ذكر النفخ ولم يذكر فيه حديثا ( قلت ) هذا عجيب منه فكأنه لم
يطلع على ما ذكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو تعليق أسنده أبو داود من حديث
عطاء بن السائب عن أبيه عبد الله بن عمرو قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله
الحديث وفيه ثم نفخ في آخر سجوده فقال أف أف إلى آخره وأخرجه الترمذي والنسائي
والحاكم في المستدرك وقال صحيح وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأنه من رواية
عطاء بن السائب عن أبيه لأنه مختلف فيه في الاحتجاج به وقد اختلط في آخر عمره لكن
أورده ابن خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه وأبوه
وثقه العجلي وابن حبان وليس هو من شرط البخاري وقد فسر النفخ في الحديث بقوله فقال
أف أف بتسكين الفاء وأف لا تكون كلاما حتى تشدد الفاء فتكون على ثلاثة أحرف من
التأفيف وهو قولك أف لكذا فأما أف والفاء فيه خفيفة فليس بكلام والنافخ لا يخرج
الفاء مشددة ولا يكاد يخرجها فاء صادقة من مخرجها ولكنه يفشها من غير إطباق الشفة
على الشفة وما كان كذلك لا يكون كلاما وبهذا استدل أبو يوسف على أن المصلي إذا قال
في صلاته أف أو آه أو أخ لا تفسد صلاته وقال أبو حنيفة ومحمد تفسد لأنه من كلام
الناس وأجابا بأن هذا كان ثم نسخ وذكر ابن بطال أن العلماء اختلفوا في النفخ في
الصلاة فكرهه طائفة ولم يوجبوا على من نفخ إعادة روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس
والنخعي وهو رواية عن ابن زياد وعن مالك أنه قال أكره النفخ في الصلاة ولا يقطعها
كما يقطع الكلام وهو قول أبي يوسف وأشهب وأحمد وإسحاق وقالت طائفة هو بمنزلة
الكلام يقطع الصلاة روي ذلك عن سعيد بن جبير وهو قول مالك في المدونة وفيه قول
ثالث وهو أن النفخ إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة وهذا قول الثوري وأبي
حنيفة ومحمد والقول الأول أولى لحديث ابن عمرو قال ويدل على صحة هذا أيضا اتفاقهم
على جواز النفخ والبصاق في الصلاة وليس في النفخ من النطق بالفاء والهمزة أكثر مما
في البصاق من النطق بالفاء والتاء اللتين فيهما من رمى البصاق ولما
(7/291)
اتفقوا على جواز الصلاة في
البصاق جاز النفخ فيها إذ لا فرق بينهما في أن كل واحد منهما بحروف ولذلك ذكر
البخاري حديث البصاق في هذا الباب ليستدل على جواز النفخ لأنه لم يسند حديث ابن
عمرو واعتمد على الاستدلال من حديث النخامة والبصاق وهو استدلال حسن ( قلت ) يعكر
عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد جيد أنه قال النفخ في الصلاة كلام وروي
عنه أيضا بإسناد صحيح أنه قال والنفخ في الصلاة يقطع الصلاة وروى البيهقي بإسناد
صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون كلاما يعني النفخ في الصلاة وقال شيخنا
زين الدين رحمه الله وفرق أصحابنا في النفخ بين أن يبين منه حرفان أم لا فإن بان
منه حرفان وهو عامد عالم بتحريمه بطلت صلاته وإلا فلا وحكاه ابن المنذر عن مالك
وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وقال أبو يوسف لا تبطل إلا أن يريد به
التأفيف وهو قول أف وقال ابن المنذر ثم رجع أبو يوسف فقال لا تبطل صلاته مطلقا
وحكى ابن العربي وغيره عن مالك خلافا وأنه قال في المختصر النفخ كلام لقوله تعالى
ولا تقل لهما أف وقال في المجموعة لا يقطع الصلاة وقال الأبهري من المالكية ليس له
حروف هجاء فلا يقطع الصلاة وقال شيخنا وما حكيناه عن أصحابنا هو الذي جزم به
النووي في الروضة في شرح المهذب ثم أنه حكى الخلاف فيه في المنهاج تبعا للمحرر
فقال فيه والأصل أن التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ إن ظهر به حرفان بطلت
وإلا فلا
236 - ( حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن النبي رأى نخامة في قبلة المسجد فتغيظ على أهل المسجد وقال إن الله قبل
أحدكم فإذا كان في صلاته فلا يبزقن أو قال لا يتنخعن ثم نزل فحتها بيده وقال ابن
عمر رضي الله عنهما إذا بزق أحدكم فليبزق على يساره )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مر هذا الحديث في باب حك البزاق باليد من المسجد فإنه
أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع إلى آخره ولفظه هناك رأى بصاقا في
جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجه فإن
الله قبل وجهه إذا صلى وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك قوله قبل أحدكم بكسر القاف
وفتح الباء الموحدة أي مقابل قوله أو قال لا يتنخعن وفي رواية الإسماعيلي لا يبزق
بين يديه وقال الكرماني وفي بعض الرواية ولا يتنخمن من النخامة بضم النون وهو ما
يخرج من الصدر قوله فحتها بفتح الحاء المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق ويروى
فحكها بالكاف ومعناهما واحد قوله وقال ابن عمر إلى آخره موقوف قوله عن يساره هكذا
رواية الكشميهني بلفظ عن وفي رواية غيره على يساره بلفظ على ووقع في رواية
الإسماعيلي من طريق اسحق بن أبي إسرائيل عن حماد بن زيد بلفظ لا يبزقن أحدكم بين
يديه ولكن ليبزق خلفه أو عن شماله أو تحت قدمه وهذا الموقوف عن ابن عمر قد روي عن
أنس مرفوعا
237 - ( حدثنا محمد قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس رضي الله
عنه عن النبي قال إذا كان في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن
يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى )
مطابقته للترجمة أكثر وضوحا من مطابقة الحديث السابق لها لأن فيه إباحة البزاق في
الصلاة عن شماله تحت قدمه اليسرى وفي ذاك عن ابن عمر موقوفا وهذا الحديث أيضا قد
مر في باب ليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى رواه عن آدم عن شعبة عن قتادة عن أنس
بن مالك قال قال النبي إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه فلا يبزقن بين
يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه ورواه أيضا عن قتيبة عن إسماعيل بن
جعفر عن حميد عن أنس أن النبي رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه الحديث وقد مر
الكلام في أحاديث أنس هناك مستوفي بجميع ما يتعلق
(7/292)
بها ومحمد شيخ البخاري في هذا
الحديث هو محمد بن بشار العبدي البصري وقد مر غير مرة وغندر بضم الغين المعجمة هو
محمد بن جعفر البصري يكنى أبا عبد الله وقد مر غير مرة قوله إذا كان أي المؤمن في
الصلاة كما ورد في الحديث الآخر لأنس هكذا كما ذكرناه إلى أن قوله فإنه أي فإن المصلي
لدلالة القرينة عليه
( باب من صفق جاهلا من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته )
أي هذا باب في بيان حكم من صفق حال كونه جاهلا بنفي كون التصفيق للرجال وأنه
للنساء قوله من الرجال بيان لقوله من فإن كلمة من للعقلاء تشمل الذكور والإناث
وأراد بهذه الترجمة أن الرجل إذا صفق في الصلاة عند حدوث نائبة لا تفسد صلاته إذا
كان جاهلا وقيد بذلك لأنه إذا صفق عامدا تفسد صلاته بقضية القيد المذكور والدليل
على عدم الفساد في حالة الجهل أنه لم يأمرهم بالإعادة في حديث سهل رضي الله تعالى
عنه
( فيه سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي )
قد مر حديث سهل في باب التصفيق للنساء أخرجه عن يحيى عن وكيع عن سفيان عن أبي حازم
عن سهل بن سعد قال قال التسبيح للرجال والتصفيق للنساء وسيأتي حديث سهل بن سعد
أيضا في باب الإشارة في الصلاة قبل كتاب الجنائز وقد مر الكلام فيه في باب التصفيق
للنساء
( باب إذا قيل للمصلي تقدم أو انتظر فانتظر فلا بأس )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قيل للمصلي تقدم أي قبل رفيقك أو انتظر أي أو قيل له
انتظر أي تأخر عنه هكذا فسره ابن بطال وكأنه أخذ ذلك من حديث الباب وفيه فقيل
للنساء لا ترفعن رؤسكن حتى يستوي الرجال جلوسا فمقتضاه تقدم الرجال على النساء
وتأخرهن عنهم واعترض الإسماعيلي على البخاري هنا بقوله ظن أي البخاري أن المخاطبة
للنساء وقعت بذلك وهن في الصلاة وليس كما ظن بل هو شيء قيل لهن قبل أن يدخلن في
الصلاة وأجاب بعضهم عن ذلك نصرة للبخاري بقوله أن البخاري لم يصرح بكون ذلك قيل
لهن وهن داخل الصلاة أو خارجها والذي يظهر أن النبي وصاهن بنفسه أو بغيره
بالانتظار المذكور قبل أن يدخلن فيها على علم انتهى ( قلت ) الاعتراض المذكور
والجواب عنه كلاهما واهيان أما الاعتراض فليس بوارد لأن نفيه ظن البخاري بذلك غير
صحيح لأن ظاهر متن الحديث يقتضي ما نسبه إلى البخاري من الظن بل هو أمر ظاهر وليس
بظن لأن قوله فقيل للنساء إلى آخر بفاء العطف على ما قبله يقتضي أن هذا القول قيل
لهن والناس يصلون مع النبي فالظاهر أنهن كن مع الناس في الصلاة وإن كان يحتمل أن
يكون هذا القول لهن عند شروعهن في الصلاة مع الناس ولا يلتفت إلى الاحتمال إذا كان
غير ناشىء عن دليل وأما الجواب فكذلك هو غير سديد لأن قوله والذي يظهر إلى آخره
غير ظاهر لا من الترجمة ولا من حديث الباب أما الترجمة فلا شيء فيها من الدلالة
على ذلك وأما متن الحديث فليس فيه إلا لفظ قيل بصيغة المجهول فمن أين ظهر أنه هو
الذي وصاهن به بنفسه أو بغيره ولا فيه شيء يدل على أن ذلك كان قبل دخولهن في
الصلاة بل الذي يظهر من ذلك ما ذكرناه بقضية تركيب متن الحديث فافهم فإنه بحث دقيق
238 - ( حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله
عنه قال كان الناس يصلون مع النبي وهم عاقدوا أزرهم على رقابهم من الصغر فقيل
للنساء لا ترفعن رؤسكن حتى يستوي الرجال جلوسا )
مطابقته للترجمة على ما قيل أن النساء قيل لهن ذلك أما في الصلاة أو قبلها فإن كان
فيها فقد أفاد المسألتين خطاب المصلي وتربصه بما لا يضر وإن كان قبلها أفاد جواز
الانتظار والحديث أخرجه في باب إذا كان الثوب ضيقا وقال حدثنا مسدد قال
(7/293)
حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثنا
أبو حازم عن سهل بن سعد إلى آخره نحوه قوله على رقابهم وهناك على أعناقهم قوله من
الصغر أي من صغر الثياب وهذا في أول الإسلام حين القلة ثم جاء الفتوح وهناك في
موضع من الصغر كهيئة الصبيان وتقدم قطعة منه أيضا في باب عقد الإزار على القفا
معلقا وقد مر الكلام فيه هناك مستوفي وفي التوضيح وفيه تقدم الرجال بالسجود على
النساء لأنهم إذا لم يرفعن رؤسهن حتى يستوي الرجال جلوسا فقد تقدموهن بذلك وصرن
منتظرات لهم وفيه جواز وقوع فعل المأموم بعد الإمام بمدة ويصح ائتمامه كمن زوحم
ولم يقدر على الركوع والسجود حتى قام الناس ( قلت ) هذا مبني على مذهب إمامه
وعندنا إذا لم يشارك المأموم الإمام في ركن من أركان الصلاة ولو في جزء منه لا تصح
صلاته قال وفيه جواز سبق المأمومين بعضهم لبعض في الأفعال ولا يضر ذلك ( قلت ) نعم
لا يضر ذلك ولكن من أين فهم هذا من الحديث قال وفيه إنصات المصلي لخبر يخبره وفيه
جواز الفتح على المصلي وإن كان الفاتح في غير صلاته ( قلت ) هذا عندنا على أربعة
أقسام بحسب القسمة العقلية الأول أن لا يكون المستفتح ولا الفاتح في الصلاة وهذا
ليس مما نحن فيه والثاني أن يكون كلاهما في الصلاة ثم لا يخلو إما أن تكون الصلاة
متحدة بأن يكون المستفتح إماما والفاتح مأموما أو لا يكون ففي الأول الذي هو القسم
الثالث لا تفسد صلاة كل منهما وفي الثاني الذي هو القسم الرابع تفسد صلاة كل واحد
منهما لأنه تعليم وتعلم وقال بعضهم ويستفاد منه جواز انتظار الإمام في الركوع لمن
يدرك الركعة وفي التشهد لإدراك الصلاة ( قلت ) مذهبنا في هذا على التفصيل وهو أن
الإمام إذا كان يعلم الجائي ليس له أن ينتظره إلا إذا خاف من شره وإن كان لا يعلم
فلا بأس بالانتظار ليدركه
( باب لا يرد السلام في الصلاة )
أي هذا باب يذكر فيه أن المصلي لا يرد السلام على المسلم في الصلاة لأنه خطاب آدمي
239 - ( حدثنا عبد الله بن أبي شيبة قال حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن
علقمة عن عبد الله قال كنت أسلم على النبي وهو في الصلاة فيرد علي فلما رجعنا سلمت
عليه فلم يرد علي وقال إن في الصلاة شغلا )
مطابقته للترجمة في قوله فلم يرد علي وقد مضى الحديث في باب ما ينهى عنه من الكلام
وأخرجه عن ابن نمير عن ابن فضيل عن الأعمش وقد مضى هناك ما يتعلق به من الأشياء
وعبد الله هو ابن محمد بن أبي شيبة الكوفي الحافظ أخو عثمان بن أبي شيبة مات في
المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين وابن فضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مر في
كتاب الإيمان والأعمش هو سليمان وإبراهيم هو النخعي وعلقمة بن قيس النخعي وعبد
الله هو ابن مسعود وحكى ابن بطال الإجماع أنه لا يرد السلام نطقا واختلفوا هل يرد
إشارة فكرهه طائفة روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد
وإسحاق وأبي ثور ورخص فيه طائفة روى ذلك عن سعيد بن المسيب وقتادة والحسن وعن مالك
روايتان في رواية أجازه وفي أخرى كرهه وعند طائفة إذا فرغ من الصلاة يرد واختلفوا أيضا
في السلام على المصلي فكره ذلك قوم روي ذلك عن جابر رضي الله تعالى عنه قال لو
دخلت على قوم وهم يصلون ما سلمت عليهم وقال أبو مجلز السلام على المصلي عجز وكرهه
عطاء والشعبي رواه ابن وهيب عن مالك وبه قال إسحاق ورخصت فيه طائفة روي ذلك عن ابن
عمر وهو قول مالك في المدونة وقال لا يكره السلام عليه في فريضة ولا نافلة وفعله
أحمد رحمه الله تعالى
240 - ( حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا كثير بن شنظير عن عطاء بن
أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال بعثني رسول الله في حاجة له
فانطلقت ثم رجعت وقد قضيتها فأتيت النبي فسلمت عليه فلم يرد علي فوقع في قلبي ما
الله أعلم به فقلت في نفسي لعل رسول الله وجد علي أني أبطأت عليه ثم سلمت عليه فلم
يرد علي
(7/294)
فوقع في قلبي أشد من المرة
الأولى ثم سلمت عليه فرد علي فقال إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي وكان على
راحلته متوجها إلى غير القبلة )
مطابقته للترجمة ظاهرة
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي
الحجاج واسمه ميسرة التميمي المقعد الثاني عبد الوارث بن سعيد التنوري الثالث كثير
ضد قليل ابن شنظير بكسر الشين المعجمة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة وسكون الياء
آخر الحروف وفي آخره راء الرابع عطاء بن أبي رباح الخامس جابر بن عبد الله
الأنصاري
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في
موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته بصريون وفيه شنظير وهو علم والد
كثير ومعناه في اللغة السيء الخلق ولقب كثير أبو قرة
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الصلاة عن أبي كامل عن حماد وعن محمد بن حاتم
عن معلى بن منصور
( ذكر معناه ) قوله في حاجة بين مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر أن ذلك كان في
غزوة بني المصطلق قوله فلم يرد علي وفي رواية مسلم المذكورة فقال لي بيده هكذا وفي
رواية أخرى فأشار إلي فإذا كان كذلك يحمل قول جابر في ورواية البخاري فلم يرد علي
أي باللفظ وكان جابرا لم يعرف أولا أن المراد بالإشارة الرد عليه فلذلك قال فوقع
في قلبي ما الله أعلم به أي من الحزن وكأنه أبهم ذلك إشعارا بأنه لا يدخل من شدته
تحت العبارة قوله ما الله أعلم به كلمة ما فاعل لقوله وقع ولفظة الله مبتدأ وخبره
قوله أعلم به قوله وجد علي بفتح الواو والجيم معناه غضب يقال وجد عليه يجد وجدا
وموجدة ووجد ضالته يجدها وجدانا إذا رآها ولقيها ووجد يجد جدة أي استغنى غنى لا
فقر بعده ووجدت بفلانة وجدا إذا أحببتها حبا شديدا قوله إني أبطأت وفي رواية
الكشميهني أن أبطأت بنون خفيفة قوله فرد علي أي بعد أن فرغ من صلاته قوله ما منعني
أن أرد عليك أي السلام إلا أني كنت أصلي قوله وكان على راحلته متوجها إلى غير القبلة
وفي رواية مسلم فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه على غير القبلة ومما يستفاد أمنه
إثبات الكلام النفساني وأن الكبير إذا وقع منه ما يوجب حزنا يظهر سببه ليندفع ذلك
وجواز صلاة النفل على الراحلة إلى غير القبلة وفيه كراهة السلام على المصلي وقد مر
الكلام فيه عن قريب
( باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر نزل به )
أي هذا باب في بيان حكم رفع الأيدي في الصلاة لأجل أمر نزل به
241 - ( حدثنا قتيبة قال حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه
قال بلغ رسول الله أن بني عمرو بن عوف بقباء كان بينهم شيء فخرج يصلح بينهم في
أناس من أصحابه فحبس رسول الله وحانت الصلاة فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما
فقال يا أبا بكر إن رسول الله قد حبس وقد حانت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس قال نعم
إن شئت فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر رضي الله عنه فكبر للناس وجاء رسول الله
يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف فأخذ الناس في التصفيح قال سهل التصفيح
هو التصفيق قال وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس
التفت فإذا رسول الله فأشار إليه يأمره أن يصلي فرفع أبو بكر رضي الله عنهاده يده
فحمد الله ثم رجع القهقري وراءه حتى قام في الصف وتقدم رسول الله فصلى للناس فلما
فرغ
(7/295)
أقبل على الناس فقال يا أيها
الناس مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم بالتصفيح إنما التصفيح للنساء من نابه
شيء في صلاته فليقل سبحان الله ثم التفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر
ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك قال أبو بكر ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن
يصلي بين يدي رسول الله )
مطابقته للترجمة في قوله فرفع أبو بكر يديه وقد مضى هذا الحديث في باب من دخل ليؤم
الناس فجاء الإمام الأول ورواه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي حازم بن
دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم
إلى آخره وعبد العزيز هناك هو ابن أبي حازم وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى قوله
وحانت أي حضرت والواو فيه للحال وفي رواية الكشميهني وقد حانت الصلاة قوله قد حبس
أي تعوق هناك قوله إن شئتم هذه رواية الحموي وفي رواية غيره إن شئت قوله في الصف
هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره من الصف قوله فرفع أبو بكر يديه هذه رواية
الكشميهني وفي رواية غيره يده بالإفراد قوله من نابه شيء أي من نزل به أمر من
الأمور قوله حيث أشرت إليك وفي رواية الكشميهني حين أشرت إليك
( باب الخصر في الصلاة )
أي هذا باب في بيان حكم الخصر في الصلاة والخصر بفتح الخاء المعجمة وسكون الصاد
المهملة وهو أن يضع يده على خاصرته في الصلاة
242 - ( حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال نهي عن الخصر في الصلاة وقال هشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن
النبي )
243 - ( حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا هشام قال حدثنا محمد عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال نهي أن يصلي الرجل مختصرا )
مطابقة هذا الحديث بطرقه للترجمة ظاهرة والكلام فيه على أنواع الأول في رجاله وهم
تسعة الأول أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الملقب بعارم الثاني حماد بن زيد
الثالث أيوب بن أبي تميمة السختياني الرابع محمد بن سيرين الخامس هشام بن حسان أبو
عبد الله القردسي بضم القاف مات سنة سبع وأربعين ومائة السادس أبو هلال محمد بن
سليم الراسبي بالراء وبالسين المهملة وبالباء الموحدة مات سنة سبع وستين ومائة
السابع عمرو بن علي الصيرفي الفلاس الثامن يحيى بن سعيد القطان التاسع أبو هريرة
( النوع الثاني في لطائف إسناده ) هذه الطرق فيها التحديث بصيغة الجمع في خمسة
مواضع وفيها العنعنة في سبعة مواضع وفيها القول في ستة مواضع وفيها أن رواتها
بصريون وفيها أبو هلال وقد أدخله البخاري في الضعفاء واستشهد به ههنا وروي له في
كتاب القراءة خلف الإمام وغيره وفيها أن الطريق الأول مسند ولكنه موقوف ظاهرا ولكن
في الحقيقة مرفوع لأن قوله نهي وإن كان بضم النون على صيغة المجهول لكن الناهي هو
النبي كما في الطريق الثاني وهو رواية هشام وقد صلها البخاري لكن وقع في رواية أبي
ذر عن الحموي والمستملي نهى بفتح النون على البناء للفاعل ولكنه لم يسمه وقد رواه
مسلم والترمذي من طريق أبي أسامة عن هشام بلفظ نهى النبي أن يصلي الرجل مختصرا
(7/296)
النوع الثالث فيمن أخرجه غيره
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وأبي خالد الأحمر وعن الحكم بن
موسى عن ابن المبارك ورواه أبو داود عن يعقوب بن كعب عن محمد بن سلمة الحراني
ورواه الترمذي عن أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام بن حسان ورواه النسائي عن سويد بن
نصر عن ابن المبارك وعن اسحق بن إبراهيم عن جرير بن عبد الحميد
النوع الرابع في اختلاف ألفاظه ففي إحدى روايتي البخاري نهى عن الخصر وفي الأخرى
مختصرا وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني مخصرا بتشديد الصاد وفي رواية النسائي
متخصرا بزيادة التاء المثناة من فوق وفي رواية أبي داود نهى عن الاختصار وفي رواية
البيهقي نهى عن التخصر
النوع الخامس في معناه وقد ذكرنا أن الخصر وضع اليد على الخاصرة وقوله مختصرا من
الاختصار وقد فسره الترمذي بقوله والاختصار هو أن يضع الرجل يده على خاصرته في
الصلاة وكأنه أراد نفس الاختصار المنهي عنه وإلا فحقيقة الاختصار لا تتقيد بكونها
في الصلاة وفسره أبو داود عقيب حديث أبي هريرة فقال يعني أن يضع يده على خاصرته
وما فسره به الترمذي فسره به محمد بن سيرين راوي الحديث فيما رواه ابن أبي شيبة في
مصنفه عن أبي أسامة عن هشام عن محمد وهو أن يضع يده على خاصرته وهو يصلي وكذا فسره
هشام فيما رواه البيهقي في سننه عنه وحكى الخطابي وغيره قولا آخر في تفسير
الاختصار وهو أن يمسك بيديه مخصرة أي عصا يتوكأ عليها وأنكره ابن العربي وعن
الهروي في الغريبين وابن الأثير في النهاية وهو أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها
آية أو آيتين وحكى الهروي أيضا وهو أن يحذف في الصلاة فلا يمد قيامها وركوعها
وسجودها وقيل يختصر الآيات التي فيها السجدة في الصلاة فيسجد فيها والقول الأول هو
الأصح ويؤيده ما رواه أبو داود حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن سعيد بن زياد عن
زياد بن صبيح الحنفي قال صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فوضعت يدي على
خاصرتي فلما صلى قال هذا الصلب في الصلاة وكان رسول الله ينهى عنه قوله هذا الصلب
أي شبه الصلب لأن المصلوب يمد باعه على الجذع وهيئة الصلب في الصلاة أن يضع يديه
على خاصرته ويجافي بين عضديه في القيام
النوع السادس في الحكمة في النهي عن الخصر فقيل لأن إبليس أهبط مختصرا رواه ابن
أبي شيبة من طريق حميد بن هلال موقوفا قيل لأن اليهود تكثر من فعله فنهى عنه كراهة
للتشبه بهم أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل من رواية أبي الفتح عن مسروق عن
عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تكره أن يضع يده على خاصرته تقول أن اليهود
تفعله زاد ابن أبي شيبة في رواية له في الصلاة وفي رواية أخرى لا تشبهوا باليهود
وقيل لأنه راحة أهل النار كما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد قال وضع اليدين
على الحقو استراحة أهل النار وروى ابن أبي شيبة أيضا من رواية خالد بن معدان عن
عائشة رضي الله تعالى عنها أنها رأت رجلا واضعا يده على خاصرته فقالت هكذا أهل
النار في النار وهذا منقطع وقد جاء ذلك من حديث مرفوع رواه البيهقي من رواية عيسى
بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول
الله قال الاختصار في الصلاة راحة أهل النار وظاهر هذا الإسناد الصحة إلا أن
الطبراني رواه في الأوسط فأدخل بين عيسى بن يونس وبين هشام عبد الله بن الأزور
وقال لم يروه عن هشام إلا عبد الله بن الأزور تفرد به عيسى بن يونس وعبد الله بن
الأزور ضعفه الأزدي والله أعلم وقيل لأنه فعل المختالين والمتكبرين قاله المهلب بن
أبي صفرة وقيل لأنه شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أيديهم على الخواصر إذا قاموا
في المآثم قاله الخطابي
النوع السابع في حكم الخصر في الصلاة اختلفوا فيه فكرهه ابن عمر وابن عباس وعائشة
وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجلز وآخرون وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي
والأوزاعي وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الاختصار في الصلاة عملا بظاهر الحديث
( أسئلة وأجوبة ) منها ما قيل أن حديث أم قيس بنت محصن عند أبي داود من رواية هلال
بن يساف قال فيه فدفعنا
(7/297)
إلى وابصة بن معبد فإذا هو
معتمد على عصا في صلاته فقلنا بعد أن سلمنا فقال حدثتني أم قيس بنت محصن أن رسول
الله لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه انتهى يعارض قول من يفسر
الاختصار المنهي عنه بإمساك المصلي مخصرة يتوكأ عليها وأجيب بأن هذا الحديث لا يصح
فلا يقاوم الحديث المتفق عليه والحديث وإن كان أبو داود سكت عنه فإنه رواه عن عبد
السلام بن عبد الرحمن بن صخر الوابصي عن أبيه وعبد الرحمن بن صخر هذا لم يروه عنه
سوى ولده عبد السلام قاله الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الإمام وقال المزي في
التهذيب أن عبد السلام لم يدرك أباه وجواب آخر هو أن يكون النهي في حق من فعله
بغير عذر بل للاستراحة وحديث أم قيس محمول على من فعل ذلك لعذر من كبر السن والمرض
ونحوهما وهكذا قال أصحابنا واستدلوا به على أن الضعيف والشيخ الكبير إذا كان قادرا
على القيام متكئا على شيء يصلي قائما متكئا ولا يقعد وروى أبو بكر بن أبي شيبة في
مصنفه حدثنا مروان بن معاوية عن عبد الرحمن بن عراك ابن مالك عن أبيه قال أدركت
الناس في شهر رمضان يربط لهم الحبال يتمسكون بها من طول القيام وحدثنا وكيع عن
عكرمة بن عمار رضي الله تعالى عنه عن عاصم بن سميح قال رأيت أبا سعيد الخدري رضي
الله تعالى عنه يصلي متكئا على عصا وحدثنا وكيع عن أبان بن عبد الله البجلي قال
رأيت أبا بكر بن أبي موسى يصلي متكئا على عصا ومنها ما قيل أن صاحب الإكمال ذكر في
حديث آخر المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور ثم قال هم الذين يصلون بالليل
ويضعون أيديهم على خواصرهم من التعب قال وقيل يأتون يوم القيامة معهم أعمال يتكؤن
عليها مأخوذ من المخصرة وهي العصا وأجاب عنه شيخنا زين الدين رحمه الله هذا الحديث
لا أعلم له أصلا وهو مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك وعلى تقدير وروده
يكون المراد أن يكون بأيديهم مخاصر يختصرون ويجوز أن تكون أعمالهم تجسد لهم كما
ورد في بعض الأعمال وفي حديث عبد الله بن أنيس إن أقل الناس يومئذ المتخصرون أي
يوم القيامة رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير في قصة قتله لخالد بن سفيان
الهذلي وفي رواية الطبراني خالد بن نبيح من بني هذيل وأنه أعطاه عصا فقال أمسك هذه
عنك يا عبد الله بن أنيس وفيه أنه سأله لم أعطيتني هذه قال آية بيني وبينك يوم
القيامة وإن أقل الناس المتخصرون يومئذ وفيه أنها دفنت معه ومنها ما قيل أنه ليس
لأهل النار المخلدين فيها راحة وكيف يذكر في حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال
الاختصار في الصلاة راحة أهل النار ( وأجيب ) بأن أهل النار في النار على هذه
الحالة ولا مانع من ذلك أنهم يختصرون لقصد الراحة ولا راحة لهم في ذلك
( باب تفكر الرجل الشيء في الصلاة )
أي هذا باب في بيان تفكر الرجل الشيء والتفكر مصدر مضاف إلى فاعله وقوله الشيء
مفعوله وفي بعض النسخ شيئا وهو أيضا مفعول وقيد الرجل وقع إتفاقيا لأن المكلفين
كلهم فيه سواء قال المهلب التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز عنه في الصلاة ولا في
غيرها لما جعل الله للشيطان من السبيل على الإنسان ولكن إن كان في أمر أخروي ديني
فهو أخف مما يكون في أمر دنياوي
( وقال عمر رضي الله عنه إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قول عمر هذا يدل على أنه يتفكر حال جيشه في الصلاة وهذا
أمر أخروي وهذا تعليق رواه ابن أبي شيبة عن حفص عن عاصم عن أبي عثمان النهدي عنه
بلفظ إني لأجهز جيوشي وأنا في الصلاة وقال ابن التين إنما هذا فيما يقل فيه التفكر
كان يقول أجهز فلانا أقدم فلانا أخرج من العدد كذا وكذا فيأتي على ما يريد في أقل
شيء من المفكرة فأما إذا تابع الفكر وأكثر حتى لا يدري كم صلى فهذا لاه في صلاته
فيجب عليه الإعادة انتهى قيل هذا الإطلاق ليس على وجهه وقد جاء عن عمر رضي الله
تعالى عنه ما يأباه فروى ابن أبي شيبة من طريق عروة ابن الزبير قال قال عمر إني
لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة وروى صالح بن أحمد بن حنبل في كتاب المسائل عن
أبيه من طريق همام
(7/298)
ابن الحارث أن عمر صلى المغرب
فلم يقرأ فلما انصرف قالوا يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ فقال إني حدثت نفسي وأنا
في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام ثم أعادوا وأعاد القراءة ومن
طريق عياض الأشعري قال صلى عمر المغرب فلم يقرأ فقال له أبو موسى إنك لم تقرأ
فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال صدق فأعاد فلما فرغ قال لا صلاة ليست فيها قراءة
إنما شغلني عير جهزتها إلى الشام فجعلت أتفكر فيها فهذا يدل على أنه إنما أعاد
لتركه القراءة لا لكونه مستغرقا في الفكر ويؤيده ما رواه الطحاوي من طريق ضمضم بن
حوس عن عبد الله بن حنظلة الراهب أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى
فلما كان الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو
244 - ( حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا روح قال حدثنا عمر هو ابن سعيد قال أخبرني
ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال صليت مع النبي العصر فلما سلم
قام سريعا فدخل على بعض نسائه ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته فقال
ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته )
مطابقته للترجمة في قوله ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا وذلك لأنه تفكر في أمر
ذاك التبر وهو في الصلاة ومع هذا لم يعد الصلاة وهذا الحديث قد مضى في باب من صلى
بالناس فذكر حاجة فتخطاهم رواه عن محمد بن عبيد عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد
إلى آخره وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به من الأشياء مستوفي وروح بفتح الراء ابن عبادة
مر في باب اتباع الجنائز من كتاب الإيمان وعمر بن سعيد هو ابن أبي حسين المكي وابن
أبي مليكة هو عبد الله بن أبي مليكة مصغر الملكة وعقبة بضم العين المهملة وسكون
القاف ابن الحارث مر في باب الرحلة في المسألة النازلة وفي الباب المذكور
245 - ( حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن جعفر عن الأعرج قال قال أبو هريرة
رضي الله عنه قال رسول الله إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع
التأذين فإذا سكت المؤذن أقبل فإذا ثوب أدبر فإذا سكت أقبل فلا يزال بالمريء يقول
له أذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري كم صلى قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إذا فعل
ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو قاعد وسمعه أبو سلمة من أبي هريرة رضي الله عنه )
مطابقته للترجمة في قوله فلا يزال بالمريء يقول له أذكر ما لم يكن يذكر حتى لا
يدري كم صلى وهذا يتفكر أشياء حتى لا يعلم كم ركعة صلاها وهذا لا يقدح في صحة
الصلاة ما لم يترك شيئا من أركانها وهذا الحديث مضى في باب فضل التأذين رواه عن
عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة إلى آخره وليس فيه
قال أبو سلمة إلى آخره وجعفر هو ابن ربيعة المصري والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
قوله قال أبو سلمة إلى آخره تعليق وطرف من حديث أخرجه في الباب السادس من الأبواب
التي عقيب الحديث المذكور وفي الباب السابع أيضا على ما يجيء إن شاء الله تعالى
ولا يظن ظان أن هذه الزيادة من رواية جعفر بن ربيعة المذكور في سند الحديث المذكور
ولكن من رواية يحيى بن كثير عن أبي سلمة ورواية الزهري عنه عن أبي هريرة مرفوعا
وستقف عليه في البابين المذكورين إن شاء الله تعالى
246 - ( حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرني ابن أبي ذئب
(7/299)
عن سعيد المقبري قال قال أبو
هريرة رضي الله عنه يقول الناس أكثر أبو هريرة فلقيت رجلا فقلت بما قرأ رسول الله
البارحة في العتمة فقال لا أدري فقلت ألم تشهدها قال بلى قلت لكن أنا أدري قرأ
سورة كذا وكذا )
مطابقته للترجمة من حيث أن ذلك الرجل كان متفكرا في الصلاة بفكر دنيوي حتى لم يضبط
ما قرأه رسول الله فيها ويجوز أن يكون من حيث أن أبا هريرة كان متفكرا بأمر الصلاة
حتى ضبط ما قرأه رسول الله
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول محمد بن المثنى بن عبيد أبو موسى المعروف بالزمن
الثاني عثمان بن عمر بن فارس العبدي الثالث محمد بن عبد الرحمن أبي ذئب الرابع
سعيد بن أبي سعيد المقبري وقد تكرر ذكره الخامس أبو هريرة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الجمع في
موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه
بصريان وابن أبي ذئب وسعيد مدنيان وفيه قال أبو هريرة وفي رواية الإسماعيلي عن أبي
هريرة وفيه أن هذا الحديث من أفراده
( ذكر معناه ) قوله يقول الناس أكثر أبو هريرة أي من الرواية عن النبي وروى
البيهقي في المدخل من طريق أبي مصعب عن محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن أبي ذئب
بلفظ أن الناس قالوا قد أكثر أبو هريرة من الحديث عن رسول الله وإني كنت ألزمه
لشبع بطني فلقيت رجلا فقلت له بأي سورة فذكر الحديث وعند الإسماعيلي من طريق ابن
أبي فديك عن ابن أبي ذئب في أول هذا الحديث حفظت من رسول الله وعاءين الحديث وفيه
أن الناس قالوا أكثر أبو هريرة فذكره وتقدم في العلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة
أن الناس يقولون أكثر أبو هريرة والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت وسيأتي في
أوائل البيوع من طريق سعيد ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال إنكم تقولون أن
أبا هريرة أكثر الحديث قوله بم بكسر الباء الموحدة بغير ألف لأبي ذر وهو المعروف
وفي رواية الأكثرين بما بإثبات الألف وهو قليل قوله البارحة نصب على الظرف وهي
الليلة الماضية قوله في العتمة وهي العشاء الآخرة قوله ألم تشهد بهمزة الاستفهام
ويروى لم تشهد بدون الهمزة
( ومما يستفاد منه ) إتقان أبي هريرة وشدة ضبطه وفيه إكثار أبي هريرة وهو ليس بعيب
إذا لم يخش منه قلة الضبط ومن الناس من لا يكثر ولا يضبط مثل هذا الرجل لم يحفظ ما
قرأه رسول الله في العتمة وفيه ما يدل على أنه قد يجوز أن ينفي الشيء عمن لم يحكمه
لأن أبا هريرة قال للرجل ألم تشهدها يريد شهودا تاما فقال الرجل بلى شهدتها كما
يقال للصانع إذا لم يحسن صنعته ما صنعت شيئا يريدون الإتقان وللمتكلم ما قلت شيئا
إذا لم يعلم ما يقول
( بسم الله الرحمن الرحيم )
( باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة )
أي هذا باب في بيان ما جاء في أمر السهو الواقع في الصلاة إذا قام المصلي من ركعتي
الفريضة ولم يجلس عقبيهما وهذا بيانه إذا وقع وحكمه في حديث الباب والسهو الغفلة
عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره وقال بعضهم وفرق بعضهم بين السهو والنسيان وليس
بشيء ( قلت ) هذا الذي قاله ليس بشيء بل بينهما فرق دقيق وهو أن السهو أن ينعدم له
شعور والنسيان له فيه شعور ثم اعلم أن لفظة باب ساقطة في رواية أبي ذر وفي رواية
الكشميهني والأصيلي وأبي الوقت من ركعتي الفرض
247 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن
الأعرج عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أنه قال إن رسول الله قام من اثنتين من
الظهر لم يجلس بينهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك )
(7/300)
مطابقته للترجمة في قوله قام
من اثنتين من الظهر وهو معنى قوله في الترجمة إذا قام من ركعتي الفريضة
( ذكر رجاله ) وهم خمسة ذكروا غير مرة وعبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج ووقع كذا
عبد الرحمن الأعرج في رواية كريمة وفي رواية غيرها عن الأعرج ولم يقع اسمه وبحينة
بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وفي آخره
هاء وهو اسم أم عبد الله وقيل اسم أم أبيه فينبغي أن يكتب ابن بحينة بألف وقد تقدم
هذا الحديث في باب من لم ير التشهد الأول واجبا وقد ذكرنا هناك أن هذا الحديث
أخرجه البخاري في مواضع وأخرجه بقية الجماعة
( ذكر معناه وما يتعلق به من الأحكام ) قوله قام من اثنتين أي من ركعتين من صلاة
الظهر وفي مسند السراج من حديث ابن إسحق عن الزهري الظهر أو العصر ومن حديث أبي
معاوية عن يحيى مثله ومن حديث سفيان عن الزهري أي إحدى صلاتي العشي قوله لم يجلس
بينهما أي بين هاتين الثنتين اللتين هما الركعتان الأوليان وبين الركعتين الأخريين
قوله فلما قضى صلاته أي لما فرغ منها قوله بعد ذلك أي بعد أن سجد سجدتين وهما
سجدتا السهو واحتج قوم بظاهر هذا الحديث أن سجود السهو قبل السلام مطلقا في
الزيادة والنقصان وهو الصحيح من مذهب الشافعي وروي ذلك عن أبي هريرة والزهري
ومكحول وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والسائب القاري والأوزاعي والليث بن سعد
وزعم أبو الخطاب أنها رواية عن أحمد بن حنبل ولهم أحاديث أخرى في ذلك منها ما رواه
الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن عوف قال سمعت النبي يقول إذا سها أحدكم
في صلاته الحديث وفيه فليسجد سجدتين قبل أن يسلم وقال الترمذي حديث حسن صحيح ومنها
ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد قال رسول الله إذا شك أحدكم في صلاته الحديث وفيه
فليسجد سجدتين من قبل أن يسلم ومنها ما رواه النسائي من طريق ابن عجلان أن معاوية
سها فسجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتم الصلاة وقال سمعت رسول الله يقول من نسي شيئا
من صلاته فليسجد مثل هاتين السجدتين ومنها ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة
المخرج عند الستة وفيه زيادة فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم ليسلم ومنها ما رواه
الدارقطني من حديث ابن عباس قال رسول الله إذا شك أحدكم في صلاته الحديث وفيه فإذا
فرغ فلم يبق إلا التسليم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم ليسلم ومنها ما رواه أبو داود
من حديث أبي عبيدة عن أبيه عن ابن مسعود عن رسول الله قال إذا كنت في صلاة فشككت
في ثلاث أو أربع وفيه وتشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم ثم تشهدت أيضا
ثم تسلم وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن السجود يكون بعد السلام في الزيادة
والنقص وهو مروي عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعمار وابن عباس
وابن الزبير وأنس بن مالك والنخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري واحتجوا بحديث ذي
اليدين المخرج في الصحيحين وقد مر فيما مضى وفيه فأتم رسول الله ما بقي من الصلاة
ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم واحتجوا أيضا بأحاديث أخرى منها ما رواه
الترمذي من حديث الشعبي قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به
القوم وسبح بهم فلما صلى بقية صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم حدثهم أن
رسول الله فعل بهم مثل الذي فعل ومنها ما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين أن رسول
الله صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات فقام رجل يقال له الخرباق قد ذكر له صنيعه فقال
أصدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم ومنها ما رواه الطبراني
من حديث محمد بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قال صليت خلف أنس بن مالك صلاة
فسها فيها فسجد بعد السلام ثم التفت إلينا وقال أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول
الله يصنع ومنها ما رواه ابن سعد في الطبقات عن عطاء بن أبي رباح قال صليت مع عبد
الله بن الزبير المغرب فسلم في الركعتين ثم قام يسبح به القوم فصلى بهم الركعة ثم
سلم ثم سجد سجدتين قال فأتيت ابن عباس من فوري فأخبرته فقال لله أبوك ما ماط عن
سنة رسول الله ومنها ما رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث عبد الله بن جعفر أن رسول
الله قال من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم ومنها ما رواه أبو داود
(7/301)
وابن ماجه وأحمد في مسنده وعبد
الرزاق في مصنفه والطبراني في معجمه من حديث ثوبان عن النبي أنه قال لكل سهو
سجدتان بعدما يسلم وبما رواه الطحاوي من حديث قتادة عن أنس في الرجل يهم في صلاته
لا يدري أزاد أم نقص قال يسجد سجدتين بعد السلام ( فإن قلت ) قال البيهقي في
المعرفة روى عن الزهري أنه ادعى نسخ السجود بعد السلام وأسنده الشافعي عنه ثم أكده
بحديث معاوية أنه سجدهما قبل السلام رواه النسائي في سننه قال وصحبة معاوية متأخرة
( قلت ) قول الزهري منقطع وهو غير حجة عندهم وقال الطرطوشي هذا لا يصح عن الزهري
وفي إسناده أيضا مطرف بن مازن قال يحيى كذاب وقال النسائي غير ثقة وقال ابن حبان
لا تجوز الرواية عنه إلا للاعتبار ( فإن قلت ) قالوا المراد بالسلام في الأحاديث
التي جاءت بالسجود بعد السلام هو السلام على النبي في التشهد أو يكون تأخيرها على
سبيل السهو ( قلت ) هذا بعيد جدا مع أنه معارض بمثله وهو أن يقال حديثهم قبل
السلام يكون على سبيل السهو ويحتمل حديثهم على السلام المعهود الذي يخرج به عن
الصلاة وهو سلام التحلل ويبطل أيضا حملهم على السلام الذي في التشهدان سجود السهو
لا يكون إلا بعد التسليمتين اتفاقا وأما الجواب عن أحاديثهم فنقول أما حديث الباب
وهو حديث ابن بحينة فهو يخبر عن فعله وفي أحاديثنا ما يخبر عن قوله فالعمل بقوله
أولى على أنه قد تعارض فعلاه لأن في أحاديثهم أنه سجد للسهو قبل السلام وفي
أحاديثنا سجد بعد السلام ففي مثل هذا المصير إلى قوله أولى وقد يقال أن سجوده بعد
السلام إنما كان لبيان الجواز قبل السلام لا لبيان المسنون وقال بعض الشافعية
وللشافعي قول آخر أنه يتخير إن شاء قبل السلام وإن شاء بعده والخلاف عندنا في
الأجزاء وقيل في الأفضل وادعى الماوردي اتفاق الفقهاء يعني جميع العلماء عليه وقال
صاحب الذخيرة للحنفية لو سجد قبل السلام جاز عندنا قال القدوري هذا في رواية
الأصول قال وروى عنهم أنه لا يجوز لأنه أداه قبل وقته ووجه رواية الأصول أنه فعل
حصل في مجتهد فيه فلا يحكم بفساده وهذا لو أمرناه بالإعادة يتكرر عليه السجود ولم
يقل به أحد من العلماء وذكر صاحب الهداية أن هذا الخلاف في الأولوية وذكر ابن عبد
البر كلهم يقولون لو سجد قبل السلام فيما يجب السجود بعده أو بعده فيما يجب قبله
لا يضر وهو موافق لنقل الماوردي المذكور آنفا وقال الحازمي طريق الإنصاف أن نقول
أما حديث الزهري الذي فيه دلالة على النسخ ففيه انقطاع فلا يقع معارضا للأحاديث
الثابتة وأما بقية الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده قولا وفعلا فهي وإن كانت
ثابتة صحيحة ففيها نوع من تعارض غير أن تقديم بعضها على بعض غير معلوم رواية صحيحة
موصولة والأشبه حمل الأحاديث على التوسع وجواز الأمرين انتهى وأما حديث أبي سعيد
فإن مسلما أخرجه منفردا به ورواه مالك مرسلا ( فإن قلت ) قال الدارقطني القول لمن
وصله ( قلت ) قال البيهقي الأصل الإرسال وأما حديث معاوية فإن النسائي أخرجه من
حديث ابن عجلان عن محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه عنه ثم قال ويوسف ليس بمشهور
وأما حديث أبي هريرة فهو منسوخ وأما حديث ابن عباس فإنه من حديث ابن إسحاق عن
مكحول عن كريب عن ابن عباس ورواه أبو علي الطوسي في الأحكام عن يعقوب بن إبراهيم
حدثنا ابن علية حدثنا محمد بن إسحاق حدثني مكحول أن رسول الله قال فذكره وقال
الدراقطني رواه حماد بن سلمة عن ابن إسحق عن مكحول مرسلا ورواه ابن علية وعبد الله
بن نمير والمحاربي عن ابن إسحق عن مكحول مرسلا ووصله يرجع إلى حسين بن عبد الله
وإسماعيل بن مسلم وكلاهما ضعيفان وأما حديث ابن مسعود فإن أبا عبيدة رواه عن أبيه
ولم يسمع منه
وبقيت هنا أحكام أخرى الأول أن في محل سجدتي السهو خمسة أقوال القولان للحنفية
والشافعية ذكرناهما والثالث مذهب المالكية فإن عندهم إن كان للنقصان فقبل السلام
وإن كان للزيادة فبعد السلام وهو قول للشافعي والرابع مذهب الحنابلة أنه يسجد قبل
السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله وبعد السلام في المواضع التي سجد فيها
بعد السلام وما كان من السجود في غير تلك المواضع يسجد له أبدا قبل السلام والخامس
مذهب الظاهرية أنه لا يسجد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله فقط وغير
ذلك إن كان فرضا أتى به وإن كان ندبا فليس عليه شيء والمواضع التي سجد فيها رسول
الله خمسة أحدها قام من ثنتين على ما جاء به في حديث
(7/302)
ابن بحينة والثاني سلم من
ثنتين كما جاء في حديث ذي اليدين والثالث سلم من ثلاث كما جاء به في حديث عمران بن
حصين والرابع أنه صلى خمسا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
والخامس السجود على الشك كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري
الحكم الثاني أن في الحديث دلالة على سنية التشهد الأول والجلوس له إذ لو كانا
واجبين لما جبرا بالسجود كالركوع وغيره وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة كذا نقله
صاحب التوضيح عن أبي حنيفة فإن كان مراده من السنة السنة المؤكدة يصح النقل عنه
لأن السنة المؤكدة في قوة الواجب وفي المحيط قال الكرخي والطحاوي وبعض المتأخرين
القعدة الأولى واجبة وقراءة التشهد فيها سنة عند بعض المشايخ وهو الأقيس وعند
بعضهم واجبة وهو الأصح وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتفاق
الحكم الثالث في أن التكبير مشروع لسجود السهو بالإجماع وفي التوضيح مذهبنا أن
تكبير الصلوات كلها سنة غير تكبيرة الإحرام فهو ركن وهو قول الجمهور وأبو حنيفة
يسمى تكبيرة الإحرام واجبة وفي رواية عن أحمد والظاهرية أن كلها واجبة ( قلت )
مذهب أبي حنيفة أن تكبيرة الإحرام فرض ونحن نفرق بين الفرض والواجب ولكنه شرط أو
ركن فعندنا شرط وعند الشافعي ركن كما عرف في موضعه
الحكم الرابع في أنه هل يتشهد في سجود السهو أم لا فعندنا يتشهد وعند الشافعي في
الصحيح لا يتشهد كما في سجود التلاوة والجنازة وقال ابن قدامة إن كان قبل السلام
يسلم عقيب التكبير وإن كان بعده يتشهد ويسلم قال وبه قال ابن مسعود وقتادة والنخعي
والحكم وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وعن النخعي يتشهد ولا يسلم وعن أنس
والشعبي والحسن وعطاء ليس فيهما تشهد ولا تسليم وعن سعد بن أبي وقاص وعمار وابن
أبي ليلى وابن سيرين وابن المنذر فيهما تسليم بغير تشهد وقال ابن المنذر التسليم
فيهما ثابت من غير وجه وفي ثبوت التشهد عنه نظر وقال أبو عمر لا أحفظه مرفوعا من
وجه صحيح وعن عطاء إن شاء يتشهد ويسلم وإن شاء لم يفعل ( قلت ) عندنا يسلم ثنتين
وبه قال الثوري وأحمد ويسلم عن يمينه وشماله وفي المحيط ينبغي أن يسلم واحدة عن
يمينه وهو قول الكرخي وبه قال النخعي كالجنازة وفي البدائع يسلم تلقاء وجهه في صفة
السلام فهما روايتان عن مالك
الحكم الخامس في أنه لا يتكرر السجود فإنه لما ترك التشهد الأول والجلوس له اكتفى
بسجدتين وهو قول أكثر أهل العلم وعن الأوزاعي إذا سها عن شيئين مختلفين يكرر ويسجد
أربعا وقال ابن أبي ليلى يتكرر السجود بتكرر السهو وقال ابن أبي حازم وعبد العزيز
بن أبي سلمة إذا كان عليه سهوان في صلاة واحدة منه ما يسجد له قبل السلام ومنه ما
يسجد له بعد السلام فليفعلهما
الحكم السادس في أن سجود السهو في التطوع كالفرض سواء وقال ابن سيرين وقتادة لا
سجود في التطوع وهو قول غريب ضعيف للشافعي
الحكم السابع في أن متابعة الإمام عند القيام من هذا الجلوس واجبة أم لا فذكر في
التوضيح أنها واجبة وقد وقع كذلك في الحديث ويجوز أن يكونوا علموا حكم هذه الحادثة
أو لم يعلموا فسبحوا فأشار إليهم أن يقوموا نعم اختلفوا فيمن قام من اثنتين ساهيا
هل يرجع إلى الجلوس فقالت طائفة بهذا الحديث أن من استتم قائما واستقل من الأرض
فلا يرجع وليمض في صلاته وإن لم يستو قائما جلس وروى ذلك عن علقمة وقتادة وعبد
الرحمن بن أبي ليلى وهو قول الأوزاعي وابن القاسم في المدونة والشافعي وقالت طائفة
إذا فارقت إليته الأرض وإن لم يعتدل فلا يرجع ويتمادى ويسجد قبل السلام رواه ابن
القاسم عن مالك في المجموعة وقالت طائفة يقعد وإن كان استتم قائما روي ذلك عن
النعمان بن بشير والنخعي والحسن البصري إلا أن النخعي قال يجلس ما لم يستتم
القراءة وقال الحسن ما لم يركع وقد روى عن
(7/303)
عمر وابن مسعود ومعاوية وسعيد
والمغيرة بن شعبة وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهم أنهم قاموا من اثنتين فلما
ذكروا بعد القيام لم يجلسوا وقالوا أن النبي كان يفعل ذلك وفي قول أكثر العلماء أن
من رجع إلى الجلوس بعد قيامه من ثنتين أنه لا تفسد صلاته إلا ما ذكر ابن أبي زيد
عن سحنون أنه قال أفسد الصلاة رجوعه والصواب قول الجماعة
الحكم الثامن فيمن سها في سجدتي السهو لا سهو عليه قاله النخعي والحكم وحماد
والمغيرة وابن أبي ليلى والحسن
الحكم التاسع أن سجود السهو واجب عند أبي حنيفة لوجود الأمر به في غير حديث لقوله
في حديث أبي هريرة المتفق عليه فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وذهب الشافعي إلى
أن سجود السهو سنة يجوز تركه والحديث حجة عليه وقال ابن شبرمة في رجل نسي سجدتي
السهو حتى يخرج من المسجد قال يعيد الصلاة ( فإن قلت ) روى الطبراني من حديث ابن
عمر أن النبي لم يسجد يوم ذي اليدين ( قلت ) في إسناده عبد الله بن عمر العمري وهو
مختلف في الاحتجاج به ولئن سلمنا صحته فإنه لا يقاوم حديث أبي هريرة فافهم
248 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن
الأعرج عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أنه قال صلى لنا رسول الله ركعتين من
بعض الصلوات ثم قام فلم يجلس فنام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل
التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم )
مطابقته للترجمة في قوله صلى لنا رسول الله ركعتين من بعض الصلوات ثم قام وهذا
الحديث نحو الحديث الأول غير أن مالكا يروي عن يحيى بن سعيد فيه وههنا يروي عن ابن
شهاب وهو محمد بن مسلم الزهري وفيه زيادة وفي أكثر النسخ هذا الحديث مذكور قبل
الحديث الأول قوله من بعض الصلوات بين ذلك في الحديث السابق أنها صلاة الظهر قوله
ثم قام أي إلى الثالثة وزاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج فسبحوا به فمضى حتى فرغ من
صلاته أخرجه ابن خزيمة قوله فلما قضى صلاته أي لما فرغ منها وليس المراد منه
القضاء الذي يقابل الأداء قوله ونظرنا تسليمه أي انتظرنا وفي رواية شعيب وانتظر
الناس تسليمه قوله وهو جالس جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي في فسجد قوله ثم
سلم زاد في رواية يحيى بن سعيد ثم سلم بعد ذلك وسيأتي في رواية الليث وسجدهما
الناس معه مكان ما نسي من الجلوس
( ويستفاد منه أشياء ) الأول في قوله فلما قضى صلاته دلالة على أن السلام ليس من
الصلاة حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته وهو مذهب أبي حنيفة وقال
بعضهم وتعقب بأن السلام لما كان للتحليل من الصلاة كان المصلي إذا انتهى إليه كمن
فرغ من صلاته ويدل على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق جماعة من الثقات عن
يحيى بن سعيد عن الأعرج حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم فدل أن بعض الرواة حذف
الاستثناء لوضوحه والزيادة من الحافظ مقبولة انتهى ( قلت ) أصحابنا ما اكتفوا بهذا
في عدم فرضية السلام حتى يذكر هذا القائل التعقب بل احتجوا أيضا بحديث عبد الله بن
مسعود أن نبي الله أخذ بيده فعلمه التشهد وفي آخره إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد
قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه أبو داود وأحمد في مسنده
وابن حبان في صحيحه وإسحاق في مسنده وهذا ينافي فرضية السلام في الصلاة لأنه خير
المصلي بعد القعود بقوله إن شئت أي آخره وهم تمسكوا بقوله تحريمها التكبير
وتحليلها التسليم ومعناه لا يخرج من الصلاة إلا به ونحن نمنع إثبات الفرضية بخبر
الواحد على أن مدار هذا الحديث على عبد الله بن محمد بن عقيل وعلى أبي سفيان من
طريق ابن شهاب وكلاهما ضعيفان والعجب من هذا القائل أنه يجوز للراوي حذف شيء من
الحديث لوضوحه وكيف يجوز التصرف في كلام النبي بالزيادة والنقصان ولا سيما في باب
الأحكام
(7/304)
الثاني فيه الدلالة على
مشروعية سجدتي السهو وأن المشروع سجدتان فلو اقتصر على سجدة واحدة ساهيا أو عامدا
ليس عليه شيء وذكر بعضهم أنه لو تركها عامدا بطلت صلاته لأنه تعمد الإتيان بسجدة
زائدة ليست مشروعة ( قلت ) كيف تبطل الصلاة إذا زاد فيها شيئا من جنسها
الثالث فيه أن سجدتي السهو قبل السلام وقد ذكرنا الخلاف فيه مع حججه فيما مضى
الرابع فيه أن المأموم يسجد مع الإمام سجدتي السهو إذا سها الإمام وإن سها المأموم
لم يلزمه ولا الإمام وفي مبسوط أبي اليسر ويسجد المسبوق مع الإمام للسهو سواء
أدركه في القعدة أو في وسط الصلاة
الخامس فيه أن السهو والنسيان جائزان على الأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام فيما
طريقه التشريع
السادس فيه أن محل سجدتي السهو آخر الصلاة
( باب إذا صلى خمسا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا صلى المصلي الرباعية خمس ركعات وأشار بهذا إلى التفرقة
بين ما إذا كان السهو بالنقصان وبين ما إذا كان بالزيادة ففي الباب الأول كان
السجود قبل السلام وفي هذا بعد السلام وإلى التفرقة ذهب مالك كما ذكرناه
249 - ( حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد
الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما
ذاك قال صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومضى هذا الحديث بعينه في باب ما جاء في القبلة فإنه أخرجه
هناك عن مسدد عن يحيى عن شعبة عن الحكم إلى آخره وهنا عن أبي الوليد هشام بن عبد
الملك عن شعبة بن الحجاج عن الحكم بفتحتين ابن عتيبة عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن
علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه والتفاوت بينهما يسير سندا
ومتنا فاعتبر ذلك بالنظر وأخرجه أيضا في باب التوجه نحو القبلة بأطول منه عن عثمان
عن جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال قال عبد الله صلى النبي إلى آخره وقد
ذكرنا هناك أن حديث عثمان أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وحديث أبي
الوليد أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه فلفظ مسلم أن النبي صلى
الظهر خمسا فلما سلم قيل أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين
وفي لفظ له صلى بنا رسول الله خمسا فقلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة قال وما ذاك
قالوا صليت خمسا قال إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد
سجدتي السهو وفي لفظ له صلى رسول الله فزاد أو نقص قال إبراهيم والوهم مني فقيل يا
رسول الله أزيد في الصلاة شيء فقال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي
أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم تحول رسول الله فسجد سجدتين وفي لفظ له أن النبي
سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام وفي لفظ له قال صلينا مع رسول الله فإما زاد
أو نقص قال إبراهيم وأيم الله ما جاء ذاك إلا من قبلي قال قلنا يا رسول الله أحدث
في الصلاة شيء قال لا قال قلنا له الذي صنع فقال إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد
سجدتين قال ثم سجد سجدتين وفي لفظ أبي داود قال صلى رسول الله الظهر خمسا والباقي
نحو لفظ البخاري وفي لفظ له قال عبد الله صلى رسول الله قال إبراهيم فلا أدري أزاد
أم نقص فلما سلم قيل يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال وما ذاك قالوا صليت كذا
وكذا قال فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم فلما انفتل أقبل علينا
بوجهه فقال أنه لو أحدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما
تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم
ليسلم ثم ليسجد سجدتين وفي لفظ له فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ثم تحول فسجد
سجدتين وفي لفظ له قال عبد الله صلى بنا رسول الله خمسا فلما انفتل توشوش القوم
بينهم فقال
(7/305)
ما شأنكم قالوا يا رسول الله
هل زيد في الصلاة قال لا قالوا فإنك قد صليت خمسا فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم ثم
قال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ولفظ الترمذي أن النبي صلى الظهر خمسا فقيل
له أزيد في الصلاة فسجد سجدتين بعدما سلم وفي لفظ له سجد سجدتين بعد الكلام ولفظ
النسائي قال عبد الله صلى رسول الله فزاد أو نقص فقيل يا رسول الله هل حدث في
الصلاة شيء قال لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكموه ولكني إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما
تنسون فأيكم ما شك في صلاته فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ويسجد
سجدتين وفي لفظ له صلى رسول الله فزاد فيها أو نقص فلما سلم قلنا يا نبي الله هل
حدث في الصلاة شيء قال وما ذاك قال فذكرنا له الذي فعل فثنى رجله فاستقبل القبلة
فسجد سجدتي السهو ثم أقبل علينا بوجهه فقال لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم به ثم
قال إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فأيكم أنسى في صلاته شيئا فليتحر الذي يرى أنه هو
صواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو وفي لفظ له إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب
ذلك من الصواب ثم ليتم عليه ثم يسجد سجدتين ولفظ ابن ماجه قال عبد الله صلى رسول
الله صلاة لا ندري أزاد أو نقص فسأل فحدثاه فثنى رجله واستقبل الصلاة وسجد سجدتين
ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكموه وإنما أنا بشر
أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وأيكم ما شك في الصلاة فليتحر أقرب ذلك من
الصواب فيتم عليه ويسجد سجدتين وقد استقصينا الكلام في هذا في باب التوجه نحو
القبلة
( ذكر معناه ) قوله صلى الظهر خمسا أي خمس ركعات فهنا جزم بأن الذي صلى كان خمسا
وقد مر في باب التوجه إلى القبلة في رواية منصور عن إبراهيم وفيه قال إبراهيم لا
أدري زاد أو نقص قوله قيل له أي لرسول الله قوله أزيد الهمزة فيه للاستفهام على
سبيل الاستخبار قوله وما ذاك أي وما سؤالكم عن الزيادة في الصلاة قوله فسجد سجدتين
أي للسهو قوله بعدما سلم كلمة ما مصدرية أي بعد سلام الصلاة
( ذكر ما يستفاد منه ) هذا الحديث حجة لأبي حنيفة وأصحابه أن سجدتي السهو بعد
السلام وإن كانت للزيادة وقال بعضهم وتعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد
السلام حين سألوه هل زيد في الصلاة وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود
السهو بعد السلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو ورد بأنه وقع في حديث ابن مسعود
هذا في لفظ مسلم في الزيادة أنه أمر بالإتمام والسلام ثم بسجدتي السهو وهو قوله
إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين والشك
بالسهو غير العلم به وعورض بأنه معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه إذا شك أحدكم
في صلاته فلم يدر كم صلى فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن
يسلم وأجيب بأن التعارض إذا كان بين القولين يصار إلى جانب الفعل لسلامته عن
المعارض وإذا كان بين القول والفعل يصار إلى جانب القول لقوته أو يقال كان ذلك منه
لبيان الجواز والتوسع في الأمرين وقال ابن خزيمة لا حجة للعراقيين في حديث ابن
مسعود لأنهم خالفوه فقالوا إن جلس المصلي في الرابعة مقدار التشهد يضاف إلى
الخامسة سادسة ثم سلم وسجد للسهو وإن لم يجلس في الرابعة لم تصح صلاته ولم ينقل في
حديث ابن مسعود إضافة سادسة ولا إعادة ولا بد من أحدهما عندهم ويحرم على العالم أن
يخالف السنة بعد علمه بها ( قلت ) لا نسلم أنهم خالفوه فلو وقف هذا المعترض على
مدارك هذه الصورة لما قال ذلك المدرك الأول أن القعدة الأخيرة فرض عندهم فلو ترك
شخص فرضا من فروض الصلاة تبطل صلاته المدرك الثاني أنه حين قام إلى السادسة بعد
القعود صار شارعا في صلاة أخرى بناء على التحريمة الأولى لأنها شرط عندهم وليس
بركن المدرك الثالث أن الصلاة بركعة واحدة منهية عندهم كما ثبت ذلك في موضعه فإذا
كان كذلك فبالضرورة من إضافة ركعة أخرى إليها ليخرج عن البتيراء المدرك الرابع أن
التسليم في آخر الصلاة غير فرض عندهم فبتركه لا تبطل صلاته فإذا وقف أحد على هذه
المدارك لا يصدر منه هذا الاعتراض ويحرم عليه أن ينسب أحدا إلى مخالفة السنة بعد
العلم بها وقال النووي في قوله أزيد في الصلاة دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد
والجمهور من السلف والخلف أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته بل إن علم
بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهو وقال أبو حنيفة إذا
(7/306)
زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته
ولزمه إعادتها وقال أيضا إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسة أضاف إليها سادسة
تشفعها وإن لم يكن تشهد بطلت صلاته وهذا الحديث يرد عليه وهو حجة للجمهور ( قلت )
لا نسلم صحة النقل عن أبي حنيفة ببطلان صلاته إذا زاد ركعة سادسة ساهيا والظاهر من
حال النبي أنه قعد على الرابعة لأن حمل فعله على الصواب أحسن من حمله على غيره وهو
اللائق بحاله على أن المذكور فيه صلى الظهر خمسا والظهر اسم للصلاة المعهودة في وقتها
بجميع أركانها ( فإن قلت ) لم يرجع النبي من الخامسة ولم يشفعها ( قلت ) لا يضرنا
ذلك لأنا لا نلزمه بضم الركعة السادسة على طريق الوجوب حتى قال صاحب الهداية ولو
لم يضم لا شيء عليه لأنه مظنون وقال صاحب البدائع والأولى أن يضيف إليها ركعة أخرى
ليصيرا نفلا إلا في العصر
( باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول )
أي هذا باب يذكر فيه إذا سلم المصلي في ركعتين وكلمة في بمعنى من أو بمعنى على
قوله أو في ثلاث أي أو سلم على ثلاث ركعات قوله مثل سجود الصلاة أو أطول أي أطول
منه وهذا اللفظ في حديث أبي هريرة يأتي في الباب الثاني وهو قوله ثم كبر فسجد مثل
سجوده أو أطول
250 - ( حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال صلى بنا النبي الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين الصلاة يا رسول
الله أنقصت فقال النبي لأصحابه أحق ما يقول قالوا نعم فصلى ركعتين أخريين ثم سجد
سجدتين قال سعد ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين فسلم وتكلم ثم صلى ما
بقي وسجد سجدتين وقال هكذا فعل النبي )
مطابقته للترجمة من حيث أن الحديث ينبىء أنه سلم على آخر الركعتين وهذا ظاهر ولكن
ليس في الباب ذكر ما إذا سلم على آخر ثلاث ركعات وأخرج البخاري هذا الحديث في باب
هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس من طريقين أحدهما عن عبد الله بن مسلمة عن مالك
بن أنس عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله انصرف من اثنتين إلى
آخره والآخر عن أبي الوليد عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة
وقد ذكر البخاري هذا الحديث مطولا في باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره وقد ذكرنا
هناك جميع ما يتعلق بحديث ذي اليدين مستقصى فمن أراد ذلك فليرجع إلى ذاك الباب
قوله صلى بنا النبي الظهر ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة وذو اليدين استشهد ببدر
قاله الزهري ومقتضاه أن تكون القصة قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس
سنين ولكن معنى قول أبي هريرة صلى بنا أي صلى بالمسلمين وهذا جائز في اللغة كما
روي عن النزال بن سبرة قال قال لنا رسول الله أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف
الحديث والنزال لم ير رسول الله وإنما أراد بذلك قال لقومنا وروى عن طاوس قال قدم
علينا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فلم يأخذ من الخضراوات شيئا وإنما أراد قدم
بلدنا لأن معاذا قدم اليمن في عهد رسول الله قبل أن يولد طاوس وقال بعضهم اتفق
أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك وسببه أنه جعل
القصة لذي الشمالين وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمرو بن نضلة
وأما ذو اليدين فتأخر بعد النبي وهو سلمي واسمه الخرباق وقد وقع عند مسلم من طريق
أبي سلمة عن أبي هريرة فقام رجل من بني سليم فلما وقع عند الزهري بلفظ فقام ذو
الشمالين وهو يعرف أنه قتل ببدر قال لأجل ذلك أن القصة وقعت قبل بدر انتهى ( قلت )
وقع في كتاب النسائي أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد كلاهما لقب على الخرباق حيث
قال أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي
(7/307)
سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبي هريرة قال صلى النبي الظهر أو العصر فسلم من ركعتين فانصرف فقال له ذو الشمالين ابن عمرو أنقصت الصلاة أم نسيت قال النبي ما يقول ذو اليدين قالوا صدق يا رسول الله فأتم بهم الركعتين اللتين نقص وهذا سند صحيح متصل صرح فيه بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين وروى النسائي أيضا بسند صحيح صرح فيه أيضا أن ذا الشمالين هو ذو اليدين وقد تابع الزهري على ذلك عمران بن أبي أنس قال النسائي أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى يوما فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال يا رسول الله أنقصت الصلاة أم نسيت فقال لم تنقص الصلاة ولم أنس قال بلى والذي بعثك بالحق قال رسول الله أصدق ذو اليدين قالوا نعم فصلى بالناس ركعتين وهذا أيضا سند صحيح على شرط مسلم وأخرج نحوه الطحاوي عن ربيع المؤذن عن شعيب بن الليث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره فثبت أن الزهري لم يهم ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في الصحيحين عدم صحته فثبت أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد والعجب من هذا القائل أنه مع اطلاعه على ما رواه النسائي من هذا كيف اعتمد على قول من نسب الزهري إلى الوهم ولكن أريحية العصبية تحمل الرجل على أكثر من هذا وقال هذا القائل أيضا وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين وهذا يحتمل في طريق الجمع ( قلت ) هذا يحتاج إلى دليل صحيح وجعل الواحد اثنين خلاف الأصل وقد يلقب الرجل بلقبين وأكثر وقال أيضا ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلاة الظهر سلم رسول الله من ركعتين فقام رجل من بني سليم واقتص الحديث ( قلت ) هذا الحديث رواه مسلم من خمس طرق فلفظه من طريقين صلى بنا وفي طريق صلى لنا وفي طريق أن رسول الله صلى ركعتين وفي طريق بينما أنا أصلي وفي ثلاث طرق التصريح بلفظ ذي اليدين وفي الطريقين بلفظ رجل من بني سليم وفي الطريق الأول إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر بالشك وفي الثاني إحدى صلاتي العشي من غير ذكر الظهر والعصر بدون اليقين وفي الثالث صلاة العصر بالجزم وفي الرابع والخامس صلاة الظهر بالجزم فهذا كله يدل على اختلاف القضية وإلا يكون فيها إشكال فإذا كان الأمر كذلك يحتمل أن يكون الرجل المذكور الذي نص عليه أنه من بني سليم غير ذي اليدين وأن تكون قضيته غير قضية ذي اليدين وأن أبا هريرة شاهد هذا حتى أخبر عن ذلك بقوله بينا أنا أصلي وكون ذي اليدين من بني سليم على قول من يدعي ذلك لا يستلزم أن لا يكون غيره من بني سليم وقال هذا القائل أيضا والظاهر أن الاختلاف فيه أي في المذكور من إحدى صلاتي العشى والعصر والظهر من الرواة وأبعد من قال يحمل على أن القضية وقعت مرتين ( قلت ) أن الحمل على التعدد أولى من نسبة الرواة إلى الشك ( فإن قلت ) روى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة ولفظه صلى النبي إحدى صلاتي العشى قال ولكني نسيت فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم ( قلت ) ليس في الذي رواه النسائي من الطريق المذكور شك وإنما صرح أبو هريرة بأنه نسي والنسيان غير الشك وقوله فالظاهر إلى آخره غير ظاهر فلا دليل على ظهوره من نفس المتون ولا من الخارج يعرف هذا بالتأمل قوله فسلم يعني على آخر الركعتين وزاد أبو داود من طريق معاذ عن شعبة في الركعتين قوله قال سعد يعني سعد بن إبراهيم المذكور في سند الحديث وهو بالإسناد المذكور وأخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عن سعد فذكره وقال أبو نعيم رواه يعني البخاري عن آدم عن شعبة وزاد قال سعد ورأيت عروة إلى آخره وأورده الإسماعيلي من طريق معاذ ويحيى عن شعبة حدثنا سعد بن إبراهيم سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة الحديث ثم قال في آخره ورواه غندر ( فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين لم يقل ثم سلم ثم سجد قال لم يتضمن هذا
(7/308)
الحديث ما ذكره في الترجمة
وخرج ما ذكره من ترجمة هذا الباب في الباب الذي يليه وكذا قال ابن التين لم يأت في
الحديث شيء مما يشهد للسلام من ثلاث قوله الصلاة يا رسول الله أنقصت الصلاة مرفوع
لأنه مبتدأ وخبره قوله أنقصت ويروى نقصت بدون همزة الاستفهام ويجوز في نون نقصت
الفتح على أن يكون لازما ويجوز ضمها على أن يكون متعديا وقوله يا رسول الله جملة
معترضة بين المبتدأ والخبر قوله أحق ما يقول يجوز في إعرابه وجهان أحدهما أن يكون
لفظ حق مبتدأ دخلت عليه همزة الاستفهام وقوله ما يقول ساد مسد الخبر والآخر أن
يكون أحق خبرا وما يقول مبتدأ قوله أخريين ويروى أخراوين على خلاف القياس وقال
الكرماني ( فإن قلت ) كيف بنى الصلاة على الركعتين وقد فسدتا بالكلام ( قلت ) كان
ساهيا لأنه كان يظن أنه خارج الصلاة ( قلت ) في هذا اختلاف العلماء فذهب مالك
والشافعي وأحمد وإسحق إلى أن كلام القوم في الصلاة لإمامهم لإصلاح الصلاة مباح
وكذا الكلام من الإمام لأجل السهو لا يفسدها وقال أبو عمر ذهب الشافعي وأصحابه إلى
أن الكلام والسلام ساهيا في الصلاة لا يفسدها كقول مالك وأصحابه سواء وإنما الخلاف
بينهما أن مالكا يقول لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان في إصلاحها وهو قول
ربيعة وابن القاسم إلا ما روي عنه في المنفرد وهو قول أحمد وقال عياض وقد اختلف
قول مالك وأصحابه في التعمد بالكلام لإصلاح الصلاة من الإمام والمأموم ومنع ذلك
بالجملة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأهل الظاهر وجعلوه مفسدا للصلاة إلا أن أحمد
أباح ذلك للإمام وحده وسوى أبو حنيفة بين العمد والسهو ( فإن قلت ) كيف تكلم ذو
اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة ( قلت ) أجاب النووي بوجهين أحدهما أنهم لم
يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع
إلى ركعتين والآخر أن هذا كان خطابا للنبي وجوابا وذلك لا يبطل عندنا ولا عند
غيرنا وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح أن الجماعة أومأوا أي أشاروا نعم فعلى هذه
الرواية لم يتكلموا ( قلت ) الكلام والخروج من المسجد ونحو ذلك كله قد نسخ حتى لو
فعل أحد مثل هذا في هذا اليوم بطلت صلاته والدليل عليه ما رواه الطحاوي أن عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه كان مع النبي يوم ذي اليدين ثم حدث به تلك الحادثة بعد
النبي فعمل فيها بخلاف ما عمل يومئذ ولم ينكر عليه أحد ممن حضر فعله من الصحابة
وذلك لا يصح أن يكون منه ومنهم إلا بعد وقوفهم على نسخ ما كان منه يوم ذي اليدين
( باب من لم يتشهد في سجدتي السهو )
أي هذا باب في بيان من لم يتشهد في سجدتي السهو يعني يسجد سجدتين للسهو فقط ولا
يتشهد وقال بعضهم أي إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة وأما قبل السلام فالجمهور
على أنه لا يعيد التشهد ( قلت ) لم يشر البخاري إلى هذا التفصيل أصلا لا في
الترجمة ولا في الذي ذكره في الباب وإنما أراد بهذه الترجمة الإشارة إلى بيان من
لا يرى التشهد في سجدتي السهو وهو مذهب سعد وعمار وابن سيرين وابن أبي ليلى فإنهم
قالوا من عليه السهو يسجد ويسلم ولا يتشهد وقال أنس والحسن وعطاء وطاوس ليس في
سجدتي السهو تشهد ولا سلام وقال ابن مسعود والشعبي والثوري وقتادة والحكم والليث
وحماد يتشهد ويسلم وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وفي التوضيح
والأصح عندنا لا يتشهد وهو ما حكاه الطحاوي عن الشافعي والأوزاعي وهنا قول رابع إن
سجد قبل السلام لا يتشهد وإن سجد بعده يتشهد رواه أشهب عن مالك وهو قول ابن
الماجشون وأحمد
( وسلم أنس والحسن ولم يتشهدا )
أي سلم أنس بن مالك والحسن البصري عقيب سجدتي السهو ولم يتشهدا وهذا التعليق وصله
ابن أبي شيبة وقال حدثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب أن أنس بن مالك قعد في
الركعة الثانية فسبحوا به فقام وأتمهن أربعا فلما سلم سجد سجدتين ثم أقبل على
القوم بوجهه وقال افعلوا هكذا وروى ابن أبي شيبة أيضا عن ابن مهدي عن حماد بن سلمة
عن قتادة عن الحسن وأنس أنهما سجدا للسهو بعد السلام ثم قاما ولم يسلما
(7/309)
( وقال قتادة لا يتشهد )
لأنه روى عن شيخه أنس والحسن أنهما لم يتشهدا فذهبا فيه إلى ما ذهبا إليه قال
بعضهم وفيه نظر فقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال يتشهد في سجدتي السهو
ويسلم فلعل لا في الترجمة زائدة ( قلت ) في نظره نظر لجواز أن يكون عن قتادة
روايتان فإذا قيل بزيادة لا فيما ذكره البخاري فللقائل أن يقول لعلها سقطت فيما
رواه عبد الرزاق وقوله أيضا فلعل لا في الترجمة زائدة ليس كذلك فإن الترجمة ليست
فيها كلمة لا وإنما ظنه بالزيادة في الأثر الذي ذكره عن قتادة
251 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك بن أنس عن أيوب بن أبي تميمة
السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله انصرف من اثنتين
فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله أصدق ذو
اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل
سجوده أو أطول ثم رفع )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه لم يتشهد في هذه الصورة وادعى ابن المهلب أنه ليس في
حديث ذي اليدين تشهد ولا تسليم قيل يحتمل ذلك وجهين أحدهما أن يكون تشهد فيها وسلم
ولم ينقل ذلك المحدث والثاني أنه لم يتشهد فيهما ولا سلم وألحق المسلمون بهاتين
السجدتين سنن الصلاة تأكيدا لهما وقال ابن المنذر في التسليم فيهما أنه ثابت عن
رسول الله من غير وجه وفي ثبوت التشهد عنه نظر والحديث قد مر في باب هل يأخذ
الإمام إذا شك بقول الناس بعينه بهذا الإسناد والمتن بلا اختلاف قوله ثم رفع أي
رفع رأسه من السجدتين ولم يتشهد ولم يسلم واستشكل بعضهم في قوله فقام رسول الله
لأنه كان قائما ( وأجيب ) بأن المراد بقوله فقام أي اعتدل لأنه كان مستندا إلى
الخشبة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقيل هو كناية عن الدخول في الصلاة
252 - ( حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن سلمة بن علقمة قال قلت لمحمد في
سجدتي السهو تشهد قال ليس في حديث أبي هريرة )
مطابقته للترجمة ظاهرة وحماد هو ابن زيد وسلمة بفتح اللام ابن علقمة أبو بشر
التميمي البصري ومحمد هو ابن سيرين وفي رواية أبي نعيم في المستخرج سألت محمد بن
سيرين قوله ليس في حديث أبي هريرة يعني ليس فيه تشهد وفي رواية أبي نعيم فقال لم
أحفظ فيه عن أبي هريرة شيئا وأحب إلى أن يتشهد وقد ورد التشهد في حديث غيره من ذلك
ما رواه أبو داود من رواية أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى بهم فسها
فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب أخرجه النسائي أيضا
وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأخرجه ابن حبان أيضا
( باب يكبر في سجدتي السهو )
أي هذا باب يذكر فيه أن الساهي في صلاته يكبر في سجدتي السهو وفي بعض النسخ باب من
يكبر في سجدتي السهو فجمهور العلماء على الاكتفاء بتكبير السجود وبذلك يشهد غالب
الأحاديث وحكى القرطبي أن قول مالك مختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو قال وما
يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة إحرام قال ويؤيده ما رواه أبو داود من
(7/310)
طريق حماد بن زيد عن هاشم بن
حسان عن ابن سيرين في حديث الباب ثم رفع وكبر ثم كبر وسجد للسهو وهذا يدل على
تكبيرتين إحداهما تكبيرة الإحرام والأخرى تكبيرة السجدة ولكن أشار أبو داود إلى
شذوذ هذه الرواية حيث قال وقال أبو داود ولم يقل أحد فكبر ثم كبر إلا حماد بن زيد
253 - ( حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا يزيد بن إبراهيم عن محمد عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال صلى النبي إحدى صلاتي العشي قال محمد وأكثر ظني العصر ركعتين ثم سلم
ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة ورجل يدعوه النبي ذا اليدين
فقال أنسيت أم قصرت فقال لم أنس ولم تقصر قال بلى قد نسيت فصلى ركعتين ثم سلم ثم
كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو
أطول ثم رفع رأسه وكبر )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويزيد من الزيادة هو ابن إبراهيم التستري ومحمد هو ابن
سيرين والإسناد كله بصريون وقد مضى الحديث في باب تشييك الأصابع في المسجد وغيره
فإنه أخرجه هناك عن إسحق عن ابن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة إلى
آخره وهناك بعض زيادة تعلم عند الرجوع إليه وتكلمنا هناك أيضا على ما يحتاج إليه
من الأشياء المتعلقة به قوله قال محمد هو ابن سيرين قوله في مقدم المسجد بتشديد
الدال المفتوحة أي في جهة القبلة وفي رواية ابن عون فقام إلى خشبة معروضة في
المسجد أي موضوعة بالعرض وفي رواية مسلم من طريق ابن عيينة عن أيوب ثم أتى جذعا في
قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا قوله فهابا أن يكلماه وفي رواية ابن عون فهاباه
بزيادة الضمير والمعنى أنهما غلب عليهما احترام النبي وتعظيمه عن الاعتراض عليه
قوله سرعان الناس بالمهملات المفتوحة أي أخفاؤهم والمستعجلون منهم وأوائلهم ويلزم
الإعراب نونه في كل وجه وهذا الوجه هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث
واللغة وهكذا ضبطه المتقنون وقال ابن الأثير السرعان بفتح السين والراء أوائل
الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة ويجوز تسكين الراء ( قلت )
وكذا نقل القاضي عن بعضهم قال وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء
ووجهه أنه جمع سريع كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان ومن قال سرعان بكسر السين فهو خطأ
وقيل يقال أيضا بكسر السين وسكون الراء وهو جمع سريع كرعيل ورعلان وأما قولهم
سرعان ما فعلت ففيه ثلاث لغات الضم والكسر والفتح مع إسكان الراء والنون مفتوحة
أبدا قوله أقصرت الصلاة بهمزة الاستفهام وفي رواية ابن عون بحذفها وقصرت على صيغة
المجهول ويروى على بناء الفاعل قال النووي هذا أكثر قوله ورجل يدعوه النبي أي
يسميه ذا اليدين ( فإن قلت ) ما الرافع للرجل ( قلت ) هو مبتدأ تخصص بالصفة وهو
قوله يدعوه النبي وخبره محذوف تقديره وهناك رجل وفي رواية ابن عون وفي القوم رجل
في يده طول يقال له ذو اليدين
254 - ( حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ليث عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة
الأسدي حليف بني عبد المطلب أن رسول الله قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم
صلاته سجد سجدتين فكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه مكان ما
نسي من الجلوس )
(7/311)
مطابقته للترجمة في قوله يكبر
في كل سجدة وقد مضى هذا الحديث عن قريب في باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي
الفريضة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج وهنا
عن قتيبة عن ليث بن سعد عن ابن شهاب وهو محمد بن مسلم الزهري عن عبد الرحمن بن
هرمز الأعرج وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به من الأشياء قوله الأسدي بفتح الهمزة وسكون
السين المهملة ومنهم من يقول الأزدي بالزاي موضع السين نسبة إلى أزد قوله بني عبد
المطلب الصواب بني المطلب بإسقاط عبد لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف
( تابعه ابن جريج عن ابن شهاب في التكبير )
أي تابع الليث عبد العزيز بن عبد الملك بن جريج في رواية عن محمد بن مسلم بن شهاب
الزهري في الإتيان بلفظ التكبير في سجدتي السهو وقد وصله عبد الرزاق عن ابن جريج
وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومحمد بن بكير كلاهما عن ابن جريج بلفظ فكبر فسجد ثم
كبر فسجد ثم سلم
( باب إذا لم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا سجد سجدتين وهو جالس )
أي هذا باب يذكر فيه إذا لم يدر المصلي كم صلى ثلاث ركعات أو أربع ركعات فإنه يسجد
سجدتين والحال أنه جالس
255 - ( حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن يحيى
ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا نودي
بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوب
بها أدبر فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا وكذا ما
لم يكن يذكر حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ثلاثا أو
أربعا فليسجد سجدتين وهو جالس )
مطابقته للترجمة في قوله فإذا لم يدر إلى آخره والحديث مضى في باب تفكر الرجل
الشيء في الصلاة فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن جعفر عن الأعرج ومضى
أيضا في باب فضل التأذين فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به ونذكر ههنا ما يتعلق بالمسائل
مع بعض التعرض إلى بعض المتن قوله فإذا قضى التثويب أي إذا فرغ منه وهو إقامة
الصلاة قوله حتى يخطر أكثر الرواة على ضم الطاء والمتقنون على أنه بالكسر قوله أن
يدري بكسر الهمزة لأنها نافية أي ما يدري قوله فليسجد سجدتين وهو جالس ليس فيه
تعيين محل السجود وقد رواه الدارقطني من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير
بهذا الإسناد مرفوعا إذا سها أحدكم فلم يدر أزاد أو نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ثم
يسلم وروى أبو داود من طريق ابن أخي الزهري عن عمه نحوه بلفظ وهو جالس قبل التسليم
وروى أيضا من طريق ابن إسحق قال حدثني الزهري بإسناده وقال فيه فليسجد سجدتين قبل
أن يسلم ثم يسلم ( فإن قلت ) هذه الروايات تدل على أن سجدتي السهو قبل السلام (
قلت ) روايات الفعل متعارضة فبقي لنا رواية القول وهو حديث ثوبان لكل سهو سجدتان
بعدما يسلم من غير فصل بين الزيادة والنقصان سالما من المعارض فيعمل به لسلامته عن
المعارض ثم العلماء اختلفوا في المراد بالحديث المذكور فقال الحسن البصري وطائفة
من السلف بظاهر هذا الحديث وقالوا إذا شك المصلي فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا
سجدتان وهو جالس عملا بظاهر هذا الحديث وقال الشعبي والأوزاعي وجماعة كثيرة من
السلف إذا لم يدر كم صلى لزمه أن يعيد الصلاة مرة بعد أخرى أبدا حتى يستيقن وقال
بعضهم يعيد ثلاث مرات فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه وقال مالك والشافعي وأحمد
وآخرون متى شك في صلاته هل
(7/312)
صلى ثلاثا أو أربعا لزمه البناء على اليقين فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو عملا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه فلفظ مسلم قال أبو سعيد قال رسول الله إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان ولفظ أبي داود إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتين وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمتين للشيطان أي مغيظتين له ومذلتين له مأخوذ من الرغام وهو التراب ومنه أرغم الله أنفه وإنما يكون إرغاما لأنه يبغض السجدة لأنه ما لعن إلا من إبائه عن سجود آدم عليه الصلاة و السلام قالت الشافعية فحديث أبي سعيد هذا مفسر لحديث أبي هريرة المذكور فيحمل حديث أبي هريرة عليه وقال أصحابنا إن كان الشك عرض له أول مرة يستقبل وإن كان يعرض له كثيرا بنى على أكبر رأيه لما رواه البخاري ومسلم إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين لقوله إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنين فليبن على واحدة فإن لم يدر ثنتين صلى أو واحدة فليبن على ثنتين فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم رواه الترمذي من حديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت النبي يقول إذا سها أحدكم إلى آخره وقال حديث حسن صحيح رواه ابن ماجه أيضا ولفظه إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو ثنتين فليجعلها واحدة وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك ولفظه فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليتم فإن الزيادة خير من النقصان وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في مختصره فيه عمار بن مطر الرهاوي وقد تركوه وعمار ليس في السنن وحديث أبي هريرة هذا فيما إذا شك ثم تحرى الصواب فإنه يبني على أكبر رأيه لما قلنا وتبويب أبي داود يدل على هذا حيث قال باب من قال يتم على أكبر ظنه وذكر الطبري عن بعض أهل العلم أنه يأخذ بأيهما أحب لعدم التاريخ قال ومنهم من رجح حديث أبي سعيد بالقياس لأن من شك أنه لم يفعل والركعة في ذمته بيقين فلا يبرأ بشك وفي التوضيح وقال أبو عبد الملك حديث أبي هريرة يحمل على كل ساه وأن حكمه السجود ويرجع في بيان حكم المصلي فيما يشك فيه وفي موضع سجوده من صلاته إلى سائر الأحاديث المفسرة وهو قول أنس وأبي هريرة والحسن وربيعة ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وإسحق وما حمله عليه أبو عبد الملك هو ما فسره الليث بن سعد قاله مالك وابن القاسم وعن مالك قول آخر لا يسجد له أيضا حكاه ابن نافع عنه وقال ابن عبد الحكم لو سجد بعد السلام كان أحب إلي وقال آخرون إذا لم يدر كم صلى أعادها أبدا حتى يحفظ روي عن ابن عباس وابن عمر والشعبي وشريح وعطاء وميمون بن مهران وسعيد بن جبير وقول آخر أنهم إذا شكوا في الصلاة أعادوها ثلاث مرات فإذا كان الرابعة لم يعيدوها والقولان مخالفان للآثار ولا معنى لمن حد ثلاث مرات وقال النووي وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته وإن صار عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه وإن لم يظن شيئا عمل بالأقل ثم قال قال أبو حامد قال الشافعي في القديم ما رأيت قولا أقبح من قول أبي حنيفة هذا ولا أبعد من السنة ( قلت ) النقل عن إمام بما ليس قوله والتشنيع عليه بغير وجه أقبح من هذا فكيف رأى النووى نقل هذا التشنيع الباطل عمن فيه ميل إلى التعصب الفاحش عن مثل الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الذي شهد لأبي حنيفة بأن الناس عيال له في الفقه وهذا الذي نقله عن أبي حنيفة ونقله أيضا ابن قدامة وغيره من المخالفين ليس بصحيح ولا هو بموجود في أمهات كتب أصحابنا المشهورة بل المشهور فيها أنهم قالوا يستقبل لتقع صلاته على وصف الصحة بيقين حتى قال أبو نصر البغدادي المشهور بالأقطع الاستئناف أولى لأنه يسقط به الشك بيقين ومع هذا فأبو حنيفة عمل في كل واحدة من الأحوال الثلاث بحديث مع كون قول ابن عمر مثله وروى ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث ابن سيرين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال أما أنا فإذا لم أدر كم صليت فإني أعيد وروى من حديث جبير عن ابن عمر
(7/313)
في الذي لا يدري ثلاثا صلى أو
أربعا قال يعيد حتى يحفظ وعن جرير بن منصور قال سألت ابن جبير عن الشك في الصلاة
فقال أما أنا فإذا كان في المكتوبة فإني أعيد وعن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي
قال يعيد وكان شريح يقول يعيد وعن ليث عن طاوس قال إذا صليت فلم تدر كم صليت
فأعدها مرة فإن التبست عليك مرة أخرى فلا تعدها وقال عطاء يعيدها مرة روى ذلك عنه
مالك
( باب السهو في الفرض والتطوع )
أي هذا باب في بيان حكم السهو في الفرض والتطوع هل هو سواء فيهما أو يفترق حكمهما
ففيه خلاف والأثر والحديث اللذان في الباب يدلان على أن حكمه فيهما سواء أما الأثر
فإن ابن عباس يرى أن الوتر غير واجب ومع ذلك سجد فيه وأما الحديث فإن قوله إذا صلى
فإن الصلاة أعم من الفرض والتطوع على أن قوله في حديث الباب الذي قبله إذا نودي
بالصلاة أدبر الشيطان فالنداء غالبا يكون للفرض وقد اختلفوا في إطلاق الصلاة على
الفرض والنفل هل هو من الاشتراك اللفظي أو المعنوي فذهب جمهور الأصوليين إلى
الثاني وذهب الإمام فخر الدين الرازي إلى الأول
( وسجد ابن عباس رضي الله عنهما سجدتين بعد وتره )
مطابقته للترجمة من حيث أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه كان يرى الوتر سنة ومع هذا
سجد فيه فدل على أن حكمه في السنة مثل حكمه في الفرض ووصل هذا المعلق ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح عن أبي العالية قال رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سجد بعد وتره
سجدتين
256 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إن أحدكم إذا قام يصلي جاء
الشيطان فلبس عليه حتى يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى الحديث في الباب الذي قبله مستوفي قوله فلبس بالباء
الموحدة المخففة هو الصحيح أي خلط عليه أمر صلاته ومنهم من يثقل الباء من التلبيس
( باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع )
أي هذا باب يذكر فيه إذا كلم المصلي والحال أنه في الصلاة فأشار بيده يعلمه أنه في
الصلاة وكلم بضم الكاف على صيغة المجهول
257 - ( حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني عمرو عن بكير عن كريب
أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة
رضي الله عنها فقالوا اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة
العصر وقل لها إنا أخبرنا أنك تصليهما وقد بلغنا أن النبي نهى عنهما وقال ابن عباس
وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنها قال كريب فدخلت على عائشة رضي الله عنها
فبلغتها ما أرسلوني به فقالت سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى
أم سلمة بمثل
(7/314)
ما أرسلوني به إلى عائشة فقالت
أم سلمة رضي الله عنها سمعت النبي ينهى عنها ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم
دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فأرسلت إليه الجارية فقلت قومي بجنبه
قولي له تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما فإن أشار
بيده فاستأخري عنه ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال يا بنت
أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن
الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان )
مطابقته للترجمة في قوله ففعلت الجارية أي قالت يا رسول الله فكلمته مثل ما قالت
لها أم سلمة فأشار النبي بيده وهذه عين الترجمة لأن رسول الله كلم وهو في الصلاة
فأشار بيده
( ذكر رجاله ) وهم أحد عشر الأول يحيى بن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي مات بمصر
سنة ثمان ويقال سنة سبع وثلاثين ومائتين قاله الحافظ المنذري الثاني عبد الله بن
وهب وقد تكرر ذكره الثالث عمرو بن الحارث الرابع بكير بضم الباء الموحدة تصغير بكر
بن عبد الله بن الأشج الخامس كريب بضم الكاف مولى ابن عباس السادس عبد الله بن
عباس السابع المسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح
الراء الزهري الصحابي الثامن عبد الرحمن بن أزهر على وزن أفعل القريشي الزهري
الصحابي عم عبد الرحمن بن عوف مات قبل الحرة وشهد حنينا مع النبي التاسع عائشة أم
المؤمنين العاشر أم سلمة أم المؤمنين واسمها هند بنت أبي أمية واسم أبي أمية حذيفة
ويقال سهيل بن المغيرة الحادي عشر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار مفردا في
موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه الإرسال والبلاغ وفيه القول في موضعين وفيه أن
شيخه كوفي سكن مصر وابن وهب وعمرو مصريان والبقية مدنيون وفيه عمرو يروي عن اثنين
وفيه ستة من الصحابة أربعة من الرجال وثنتان من النساء وفيه اثنان مذكوران باسم
أبيه واثنان بالتصغير مجردان عن النسبة وواحد بلا نسبة أيضا وفيه أن شيخ البخاري
من أفراده
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن يحيى بن
سليمان وأخرجه مسلم في الصلاة عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب وأخرجه أبو داود فيه عن
أحمد بن صالح عن ابن وهب
( ذكر معناه ) قوله أرسلوه أي أرسلوا كريبا إلى عائشة قوله وسلها أصله اسألها قوله
عن الركعتين أي صلاة الركعتين قوله أخبرنا على صيغة المجهول قيل كان المخبر عبد
الله بن الزبير وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن الحارث قال دخلت مع ابن
عباس على معاوية فأجلسه معاوية على السرير ثم قال ما ركعتان يصليهما الناس بعد
العصر قال ذلك ما يفتي به الناس ابن الزبير فأرسل إلى ابن الزبير فسأله فقال
أخبرتني بذلك عائشة فأرسل إلى عائشة فقالت أخبرتني أم سلمة فأرسل إلى أم سلمة
فانطلقت مع الرسول فذكر القصة واسم الرسول كثير بن الصلت سماه الطحاوي في روايته
قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن عبد
الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن معاوية بن أبي سفيان قال وهو على
المنبر لكثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن ركعتي النبي بعد العصر فقال أبو
سلمة فقمت معه قال ابن عباس لعبد الله بن الحارث اذهب معه فجئناها فسألناها فقالت
لا أدري سلوا أم سلمة قال فسألناها فقالت دخل علي رسول الله ذات يوم بعد العصر
فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله ما كنت تصلي هاتين الركعتين فقال قدم علي وفد من
بني تميم أو جاءتني صدقة فشغلوني عن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر وهما هاتان (
قلت ) كثير بن الصلت ابن معدي كرب الكندي أبو عبد الله المدني قيل أنه أدرك النبي
وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وكان كاتبا لعبد الملك بن مروان وهو أخو زبيد بن
الصلت وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي الصحابي قوله إنك تصليهما بحذف النون في
رواية الكشميهني وفي رواية غيره تصلينهما
(7/315)
أي الركعتين ويروى تصليها بإفراد الضمير راجعا إلى الصلاة قوله وقال ابن عباس وكنت أضرب الناس من الضرب بالضاد المعجمة وهو الصحيح لأنه جاء في الموطأ كان عمر رضي الله تعالى عنه يضرب الناس عليها وروى السائب بن يزيد أنه رأى عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر وروى أصرف الناس من الصرف بالصاد المهملة والفاء قوله عنها أي عن الصلاة بعد العصر والمعنى لأجلها وفي رواية الكشميهني عنه أي عن فعل الصلاة وقوله وقال ابن عباس موصول بالإسناد المذكور وكذا قوله قال كريب موصول بالإسناد المذكور قوله سل أم سلمة أصله اسأل أم سلمة وفي رواية مسلم فقالت سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة وفي رواية أخرى للطحاوي أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها عن السجدتين بعد العصر فقالت ليس عندي صلاهما ولكن أم سلمة حدثتني أنه صلاهما عندها فأرسل إلى أم سلمة فقالت صلاهما رسول الله عندي لم أره صلاهما قبل ولا بعد فقلت يا رسول الله ما سجدتان رأيتك صليتهما بعد العصر ما رأيتك صليتهما قبل ولا بعد فقال هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر فقدم علي قلائص من الصدقة فنسيتهما حتى صليت العصر ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يرونني فصليتهما عندك ( قلت ) القلائص جمع قلوص وهو من النوق الشابة وهي بمنزلة الجارية من النساء قوله ثم دخل أي النبي قوله من بني حرام بحاء وراء مهملتين مفتوحتين وهم من الأنصار ( فإن قلت ) إذا كان بنو حرام من الأنصار فما الفائدة في قولها من الأنصار ( قلت ) يحتمل أن يكون هذا احترازا من غير الأنصار فإن في العرب عدة بطون يقال لهم بنو حرام بطن في تميم وبطن في جذام وبطن في بكر بن وائل وبطن في خزاعة وبطن في عذرة وبطن في بلى قوله فأرسلت إليه الجارية وفي رواية البخاري في المغازي فأرسلت إليه الخادم ولم يعلم اسمها قيل يحتمل أن تكون بنتها زينب ( قلت ) هذا حدس وتخمين قوله هاتين يعني الركعتين قوله يا بنت أبي أمية قد ذكرنا أن أبا أمية والد أم سلمة قوله عن الركعتين أي اللتين صليتهما الآن قوله ناس من عبد القيس وللبخاري في المغازي أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني وقد مر أن للطحاوي في رواية قدم علي وفد من بني تميم أو جاءتني صدقة فشغلوني وقال بعضهم قوله من تميم وهم وإنما هم من عبد القيس قلت لم يبين وجه الوهم قوله فهما هاتان أي اللتان سألتهما يا بنت أبي أمية هاتان الركعتان اللتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما وقال بعضهم في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم سلمة عند الطحاوي من الزيادة فقلت أمرت بهما فقال لا ولكن كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن وله من وجه آخر عنها لم أره صلاهما قبل ولا بعد لكن هذا لا ينفي الوقوع فقد ثبت في مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عنها فقالت كان يصليهما قبل العصر فشغل عنهما أو نسيهما أو صلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها أي داوم عليها ومن طريق عروة عنها ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط ( قلت ) أراد هذا القائل بما نقله من كلام الطحاوي الغمز عليه والطحاوي ما ادعى نفي الوقوع ولكن ادعى الانتفاء أعني انتفاء ما روي عن عائشة بما روي عن أم سلمة فإنه روى أولا ما روي عن عائشة من تسع طرق إحداها من رواية الأسود ومسروق عن عائشة قالت ما كان اليوم الذي يكون عندي فيه رسول الله إلا صلى ركعتين بعد العصر واحتج به قوم وقالوا لا بأس أن يصلي الرجل بعد العصر ركعتين على أنا نقول أن هذه الرواية التي رواها الطحاوي من طريق عبيد الله بن عبد الله غير حديث الباب فإن حديث الباب عن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأزهر وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن معاوية أنه أرسل إلى أم سلمة يسألها عن الركعتين اثنتين ركعهما رسول الله بعد العصر فقالت نعم صلى رسول الله عندي ركعتين بعد العصر فقلت أمرت بهما إلى آخر ما ذكرناه ورواه أحمد أيضا في مسنده حدثنا ابن نمير قال حدثنا طلحة بن يحيى قال زعم لي عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة أن معاوية أرسل إلى آخره نحوه ولكن فيه يا نبي الله أنزل عليك في هاتين السجدتين قال لا انتهى وجه الاستدلال للجمهور بذلك أنه قال أمرت بها فدل ذلك أنها من خصائصه
(7/316)
والدليل على ذلك ما جاء في
رواية أخرى عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا وبهذا
بطل ما قال بعض الشافعية أن الأصل الاقتداء به وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به ولا
دليل أعظم وأقوى من هذا وهنا شيء آخر يلزمهم وهو أنه كان يداوم عليهما وهم لا
يقولون به في الصحيح الأشهر فإن عورضوا يقولون هو من خصائص النبي ثم في الاستدلال
بالحديث يقولون الأصل عدم التخصيص وهذا كما يقال فلان مثل الظليم يستحمل عند
الاستطارة ويستطير عند الاستحمال ويقال أنه صلى بعد العصر تبيينا لأمته أن نهيه عن
الصلاة بعد الصبح وبعد العصر على وجه الكرامة لا على التحريم ويقال أنه صلاهما
يوما قضاء لفائت ركعتي الظهر وكان إذا فعل فعلا واظب عليه ولم يقطعه فيما بعد
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز استماع المصلي إلى كلام غيره وفهمه له ولا يضر ذلك
صلاته وفيه أن إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة وفيه
أنه يستحب للعالم إذا طلب له تحقيق أمر مهم وعلم أن غيره أعلم أو أعرف بأصله أن
يرسل إليه إذا أمكنه وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم وفيه من أدب الرسول أن لا
يستقل بتصرف شيء لم يؤذن له فيه فإن كريبا لم يستقل بالذهاب إلى أم سلمة حتى رجع
إليهم وفيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع وفيه لا بأس
للإنسان أن يذكر نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها وفيه ينبغي للتابع إذا رأى من
المتبوع شيئا يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه فإن كان
ناسيا يرجع عنه وإن كان عامدا وله معنى مخصص عرفه للتابع واستفاده وفيه إثبات سنة الظهر
بعدها وفيه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدأ بأهمها ولهذا بدأ النبي بحديث القوم
في الإسلام وترك سنة الظهر حتى فات وقتها لأن الاشتغال بإرشادهم وبهدايتهم إلى
الإسلام أهم وفيه أن الأدب إذا سئل من المصلي شيئا أن يقوم إلى جنبه لا خلفه ولا
أمامه لئلا يشوش عليه بأن لا تمكنه الإشارة إليه إلا بمشقة وفيه دلالة على فطنة أم
سلمة وحسن تأتيها بملاطفة سؤالها واهتمامها بأمر الدين وفيه إكرام الضيف حيث لم
تأمر أم سلمة امرأة من النسوة اللاتي كن عندها وفيه زيارة النساء المرأة ولو كان
زوجها عندها وفيه جواز التنفل في البيت وفيه كراهة القرب من المصلي لغير ضرورة
وفيه المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فرارا من الوسوسة وفيه جواز النسيان على
النبي وقد مر البحث عنه عن قريب
( باب الإشارة في الصلاة )
أي هذا باب في بيان حكم الإشارة في الصلاة والفرق بين البابين أن في الباب الأول
كانت الإشارة بمقتض لهم وهذا الباب أعم من ذلك وقد مر البحث في الإشارة فيما مضى
( قاله كريب عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي )
أي قال ما ذكر من الإشارة كريب عن أم سلمة في حديث الباب السابق
258 - ( حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن
سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء
فخرج رسول الله يصلح بينهم في أناس معه فحبس رسول الله وحانت الصلاة فجاء بلال إلى
أبي بكر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر إن رسول الله قد حبس وقد
(7/317)
حانت الصلاة فهل لك أن تؤم
الناس قال نعم إن شئت فأقام بلال وتقدم أبو بكر رضي الله عنه فكبر للناس وجاء رسول
الله يمشي في الصفوف حتى قام في الصف فأخذ الناس في التصفيق وكان أبو بكر رضي الله
عنه لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التفت فإذا رسول الله فأشار إليه رسول الله
يأمره أن يصلي فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله ورجع القهقرى وراءه حتى
قام في الصف فتقدم رسول الله فصلى للناس فلما فرغ أقبل على الناس فقال يا أيها
الناس مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق إنما التصفيق للنساء من
نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا
التفت يا أبا بكر ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك فقال أبو بكر رضي الله عنه
ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأخذ الناس في التصفيق لأن التصفيق يكون باليد
وحركتها به كحركتها بالإشارة ويمكن أن تؤخذ من قوله التفت أي أبو بكر لأن الالتفات
في معنى الإشارة ( فإن قلت ) قد أنكر عليهم في التصفيق فكيف تؤخذ منه إباحة
الإشارة ( قلت ) لا يضر ذلك لإباحة الإشارة ألا ترى أنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة
بسبب ذلك ( فإن قلت ) لم لا يؤخذ وجه الترجمة من قوله حين أشرت إليك ( قلت ) لا
يطابق هذا لأن هذه الإشارة وقعت منه قبل أن يحرم بالصلاة والكلام في الإشارة
الواقعة في الصلاة ثم إن هذا الحديث قد مضى في باب من دخل ليؤم الناس أخرجه هناك
عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد وفي باب رفع
الأيدي في الصلاة لأمر نزل به وقد تكلمنا فيه بما فيه الكفاية وقال الخطابي فيه أن
الصحابة بادروا إلى إقامة الصلاة في أول وقتها ولم ينكر عدم انتظارهم ( قلت ) لا
يفهم من لفظ الحديث مبادرتهم وإنما كانت المبادرة من بلال لا لأجل أن الأفضل أداؤها
في أول الأوقات وإنما بادر لأن الجماعة قد حضروا وربما كانوا يتضررون بالتأخير
والانتظار إلى مجيء رسول الله لما لهم من الأمور الشاغلة
259 - ( حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثنا الثوري عن هشام عن
فاطمة عن أسماء قالت دخلت على عائشة رضي الله عنها وهي تصلي قائمة والناس قيام
فقلت ما شأن الناس فأشارت برأسها إلى السماء قلت آية فأشارت برأسها أي نعم )
مطابقته للترجمة في قوله فأشارت برأسها أي نعم والحديث مضى في باب الفتيا بإشارة
اليد والرأس عن موسى بن إسماعيل عن ابن وهب عن هشام عن فاطمة عن أسماء الحديث مضى
في كتاب العلم ومضى أيضا في باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف فإنه أخرجه هناك
عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر عن أسماء
بنت أبي بكر أنها قالت أتيت عائشة زوج النبي حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون
وإذا هي قائمة تصلي الحديث مطولا وابن وهب هو عبد الله بن وهب والثوري بالثاء
المثلثة سفيان وقد مضى شرحه مستوفي
260 - ( حدثنا إسماعيل قال حدثنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج
النبي أنها قالت صلى رسول الله في بيته وهو شاك جالسا وصلى وراءه
(7/318)
قوم قياما فأشار إليهم أن
اجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع
فارفعوا )
مطابقته للترجمة في قوله فأشار إليهم والحديث مضى في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم
المؤمنين الحديث بأطول منه وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس قوله وهو
شاك أي يشكو عن انحراف مزاجه أراد أنه مريض وقد استوفينا الكلام فيه هناك
بعون الله كمل طبع الجزء السابع من عمدة القاري شرح صحيح البخاري للإمام البدر
العيني ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثامن ومطلعه ( كتاب الجنائز ) نسأله
سبحانه الإعانة لإتمامه على هذا الوجه الحسن وما ذلك على الله بعزيز
(7/319)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الثامن
ملتقى أهل الحديث
32 -
( كتاب الجنائز )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الجنائز كذا وقع للأصيلي وأبي الوقت ووقع لكريمة باب
الجنائز وكذا وقع لأبي ذر ولكن بحذف لفظة باب والجنائز جمع جنازة وهي بفتح الجيم
اسم للميت المحمول وبكسرها اسم للنعش الذي يحمل عليه الميت ويقال عكس ذلك حكاه
صاحب ( المطالع ) واشتقاقها من جنز إذا ستر ذكره ابن فارس وغيره ومضارعه يجنز بكسر
النون وقال الجوهري الجنازة واحدة الجنائز والعامة تقول الجنازة بالفتح والمعنى
للميت على السرير فإذا لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش قيل أورد المصنف كتاب
الجنائز بين الصلاة والزكاة لأن الذي يفعل بالميت من غسل وتكفين وغير ذلك أهمه
الصلاة عليه لما فيها من فائدة الدعاء بالنجاة من العذاب ولا سيما عذاب القبر الذي
يدفن فيه انتهى قلت للإنسان حالتان حالة الحياة وحالة الممات ويتعلق بكل منهما
أحكام العبادات وأحكام المعاملات فمن العبادات الصلاة المتعلقة بالإحياء ولما فرغ
من بيان ذلك شرع في بيان الصلاة المتعلقة بالموتى
1 - ومن كان آخر كلامه لا إلاه إلا الله
هذا من الترجمة وفي غالب النسخ باب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله أي هذا باب
في بيان حال من كان آخر كلامه عند خروجه من الدنيا لا إله إلا الله ولم يذكر جواب
من وهو في الحديث مذكور وهو لفظ دخل الجنة وقد رواه أبو داود عن مالك بن عبد
الواحد المسمعي عن الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن
كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من كان
آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وقال الحاكم صحيح الإسناد وروى أبو بكر بن
أبي شيبة بإسناده عن أنس بن مالك قال قال رسول الله إعلم أن من شهد أن لا إله إلا
الله دخل الجنة وفي ( مسند مسدد ) عن معاذ أن النبي قال يا معاذ قال لبيك يا رسول
الله قالها ثلاثا قال بشر الناس أنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وروى أبو
يعلى في ( مسنده ) عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني قال أشهد على أبي أنه قال
أمرني رسول الله أن أنادي أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة وقال الكرماني
قوله لا إله إلا الله أي هذه الكلمة والمراد هي وضميمتها محمد رسول الله قلت ظاهر
الحديث في حق المشرك فإنه إذا قال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه فإذا استمر على
ذلك إلى أن مات دخل الجنة وأما الموحد من الذين ينكرون نبوة سيدنا محمد رسول الله
أو يدعي أنه مبعوث للعرب خاصة فإنه لا يحكم بإسلامه بمجرد قوله لا إله إلا الله
فلا بد من ضميمة
(8/2)
محمد رسول الله على أن جمهور
علمائنا شرطوا في صحة إسلامه بعد التلفظ بالشهادتين أن يقول تبرأت عن كل دين سوى
دين الإسلام ومراد البخاري من هذه الترجمة أن من قال لا إله إلا الله من أهل الشرك
ومات لا يشرك بالله شيئا فإنه يدخل الجنة والدليل على ذلك حديث الباب على ما نذكر
ما قالوا فيه وقيل يحتمل أن يكون مراد البخاري الإشارة إلى من قال لا إله إلا الله
عند الموت مخلصا كان ذلك مسقطا لما تقدم له والإخلاص يستلزم التوبة والندم ويكون
النطق علما على ذلك قلت يلزم مما قاله أن من قال لا إلاه إلا الله واستمر عليه
ولكنه عند الموت لم يذكره ولم يدخل تحت هذا الوعد الصادق والشرط أن يقول لا إله
إلا الله واستمر عليه فإنه يدخل الجنة وإن لم يذكره عند الموت لأنه لا فرق بين
الإسلام النطقي وبين الحكمي المستصحب وأما أنه إذا عمل أعمالا سيئة فهو في سعة
رحمة الله تعالى مع مشيئته فإن قلت لم حذف البخاري جواب من من الترجمة مع أن لفظ
الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة قلت قيل مراعاة لتأويل وهب بن
منبه لأنه لما قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال بلى ولكن ليس مفتاح
إلا وله أسنان إلى آخره فكأنه أشار بهذا إلى أنه لا بد له من الطاعات وأن بمجرد
القول به بدون الطاعات لا يدخل الجنة فظن هذا القائل أن رأي البخاري في هذا مثل
رأي وهب فلذلك حذف لفظ دخل الجنة الذي هو جواب من قلت الذي يظهر أن حذفه إنما كان
اكتفاء بما ذكر في حديث الباب فإنه صرح بأن من مات ولم يشرك بالله شيئا فإنه يدخل
الجنة وإن ارتكب الذنبين العظيمين المذكورين فيه مع أن الداودي قال قول وهب محمول
على التشديد أو لعله لم يبلغه حديث أبي ذر وهو حديث الباب
وقيل لوهب بن منبه أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال بلى ولاكن ليس مفتاح إلا
له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك
وهب بن منبه مر في كتاب العلم وهذا القول وقع في حديث مرفوع إلى النبي ذكره
البيهقي عن معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال له حين بعثه إلى
اليمن إنك ستأتي أهل كتاب يسألونك عن مفتاح الجنة فقل شهادة أن لا إله إلا الله
ولكن مفتاح بلا أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك وذكر أبو
نعيم الأصفهاني في كتابه ( أحوال الموحدين ) أن أسنان هذا المفتاح هي الطاعات
الواجبة من القيام بطاعة الله تعالى وتأديتها والمفارقة لمعاصي الله تعالى
ومجانبتها قلت قد ذكرنا أحاديث فيما مضى تدل على أن قائل لا إله إلا الله يدخل
الجنة وليست مقيدة بشيء غاية ما في الباب جاء في حديث آخر أن هذه الكلمة مفتاح
الجنة والظاهر أن قيد المفتاح بالأسنان مدرج في الحديث وذكر المفتاح ليس على
الحقيقة وإنما هو كناية عن التمكن من الدخول عند هذا القول وليس المراد منه
المفتاح الحقيقي الذي له أسنان ولا يفتح إلا بها وإذا قلنا المراد من الأسنان
الطاعات يلزم من ذلك أن من قال لا إلاه ألا الله واستمر على ذلك إلى أن من مات ولم
يعمل بطاعة أنه لا يدخل الجنة وهو مذهب الرافضة والإباضية وأكثر الخوارج فإنهم
يقولون إن أصحاب الكبائر والمذنبين من المؤمنين يخلدون في النار بذنوبهم والقرآن
ناطق بتكذيبهم قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء ( النساء 84 ) وحديث الباب أيضا يكذبهم وفي صحيح مسلم من حديث عثمان مرفوعا
من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة
7321 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا مهدي بن ميمون قال حدثنا واصل الأحدب عن
المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله أتاني آت من ربي
فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن
زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
مطابقته للترجمة من حيث إن الحديث يدل على أن من مات ولم يشرك بالله شيئا فإنه
يدخل الجنة وهو معنى
(8/3)
قوله في الترجمة من كان آخر
كلامه لا إله إلا الله فإن ترك الإشراك هو التوحيد والقول بلا إله إلا الله هو
التوحيد بعينه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول ( موسى بن إسماعيل ) أبو سلمة المنقري يقال له التبوذكي
وقد مر غير مرة الثاني مهدي بفتح الميم ابن ميمون المعولي الأزدي مر في باب إذا لم
يتم السجود الثالث واصل اسم فاعل من الوصول ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد
الياء آخر الحروف وقد تقدم في باب المعاصي من أمر الجاهلية في كتاب الإيمان الرابع
المعرور بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالراء المكررة ابن سويد بضم السين
المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة وقد تقدم أيضا في
الباب المذكور الخامس أبو ذر اسمه جندب بن جنادة وقد تكرر ذكره
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه ومهديا بصريان وواصل ومعرور كوفيان وفيه
واصل مذكور بلا نسبة وقد ذكر بلقبه الأحدب ضد الأقعس
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن بندار عن غندر عن
شعبة وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر به وأخرجه النسائي
في اليوم والليلة عن بندار به وعن محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الله بن بكر
عن ( مهدي بن ميمون ) وأخرجه الترمذي فقال حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو
داود وقال أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع والأعمش كلهم
سمعوا زيد بن وهب عن ( أبي ذر ) أن رسول الله قال أتاني جبريل عليه الصلاة و
السلام فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زني وإن سرق قال
نعم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أبي الدرداء قلت روى حديث أبي
الدرداء مسدد في ( مسنده ) حدثنا يحيى حدثنا نعيم بن حكيم حدثني أبو مريم سمعت أبا
الدرداء يحدث عن النبي قال ما من رجل يشهد أن لا إله إلا الله ومات لا يشرك بالله
شيئا إلا دخل الجنة أو لم يدخل النار قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
ورغم أنف أبي الدرداء ورواه أبو يعلى حدثنا أبو عبد الله المقري حدثنا يحيى فذكره
ورواه أحمد أيضا في ( مسنده ) قلت يحيى هو القطان ونعيم بن حكيم وثقه ابن معين
والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وأبو مريم الثقفي قاضي البصرة ذكره ابن حبان في
الثقات
ذكر معناه قوله أتاني آت من ربي والمراد به جبريل عليه الصلاة و السلام وفسره به
في التوحيد من طريق شعبة وكان هذا في رؤيا منام والدليل عليه ما رواه البخاري في
اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر قال أتيت النبي وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم
انتبه وقد استيقظ ورواه الإسماعيلي من طريق مهدي في أول قصة كنا مع رسول الله في
مسير له فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا ثم أتانا فذكر الحديث قوله وإن زنى
وإن سرق حرف الاستفهام فيه مقدر وتقديره أدخل الجنة وإن سرق وإن زنى قال الكرماني
والشرط حال فإن قلت ليس في الجواب استفهام فلزم منه أن من لم يسرق ولم يزن لم يدخل
الجنة إذ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط قلت هو من باب نعم العبد صهيب لو لم
يخف الله لم يعصه والحكم في المسكوت عنه ثابت بالطريق الأولى قوله من أمتي يشمل
أمة الإجابة وأمة الدعوة قوله لا يشرك بالله شيئا وفي رواية البخاري في اللباس
بلفظ ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك الحديث ونفي الشرك يستلزم
إثبات التوحيد والشاهد له حديث عبد الله بن مسعود من مات يشرك بالله شيئا دخل
النار على ما يجيء عن قريب قوله فقلت القائل هو أبو ذر وليس هو النبي وقد يتبادر
الذهن إلى أنه هو النبي وليس كذلك لأنه في رواية قال أبو ذر يا رسول الله وإن سرق
وإن زنى ثلاث مرات وفي الرابعة قال على رغم أنف أبي ذر وقال صاحب ( التلويح )
ويجمع بين اللفظين بأن النبي قاله مستوضحا وأبو ذر قاله مستبعدا لأن في ذهنه قوله
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وما في معناه وإنما ذكر من الكبائر نوعين لأن
(8/4)
الذنب إما حق الله تعالى وأشار
بالزنا إليه وإما حق العباد وأشار بالسرقة إليه
ذكر ما يستفاد منه فيه حجة لأهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار وأنهم
إن دخلوها خرجوا منها وقال ابن بطال من مات على اعتقاد لا إله إلا الله وإن بعد
قوله لها عن موته إذا لم يقل بعدها خلافها حتى مات فإنه يدخل الجنة ويقال وجه هذا
الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا في النار
بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار وقيل حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى
الاتكال عليها لبعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات وليس هو على ظاهره فإن
القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان ولكن لا
يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة ومن ثم رد رسول
الله على أبي ذر استبعاده ويحتمل أن يكون المراد بقوله دخل الجنة أي صار إليها إما
ابتداء من أول الحال وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب
8321 - حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا ( شقيق
) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من مات يشرك بالله شيئا
دخل النار وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
مطابقته للترجمة من حيث أن الذي يموت مشركا يدخل النار ويفهم منه أن الذي يموت ولا
يشرك بالله يدخل الجنة فلذلك قال ابن مسعود قلت أنا إلى آخره والذي لا يشرك بالله
هو القائل لا إله إلا الله فوقع التطابق بين الترجمة والحديث من هذه الحيثية وبهذا
يرد على من يقول ليس الحديث موافقا للتبويب
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمر بن حفص النخعي الثاني أبوه حفص بن غياث بن طلق
الثالث سليمان الأعمش الرابع شقيق بن سلمة الخامس عبد الله بن مسعود رضي الله
تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضع
واحد وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه رواية الابن عن
الاب وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وذلك لأن الأعمش روى حديثا عن أنس
بن مالك في دخول الخلاء وإما في رؤيته إياه فلا نزاع فيها
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن عبدان عن أبي
حمزة وفي الإيمان والنذور عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد وأخرجه مسلم
في الإيمان عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه ووكيع وأخرجه النسائي في التفسير
عن محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود وعن إسحاق بن إبراهيم عن النضر بن شميل
ذكر معناه وما يستفاد منه قوله من مات يشرك بالله وفي رواية أبي حمزة عن الأعمش في
تفسير البقرة من مات وهو يدعو من دون الله ندا وفي أوله قال النبي كلمة وأنا أخرى
قال من مات يجعل لله ندا دخل النار وقلت من مات لا يجعل لله ندا دخل الجنة وفي
رواية وكيع وابن نمير لمسلم بالعكس من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وقلت أنا
من مات يشرك بالله شيئا دخل النار وقال في ( التلويح ) وهذا يرد قول من قال إن ابن
مسعود سمع أحد الحكمين فرواه وضم إليه الحكم الآخر قياسا على القواعد الشرعية
والذي يظهر أنه نسي مرة وهي الرواية الأولى وحفظ مرة وهي الأخرى فرواهما مرفوعين
كما فعله غيره من الصحابة وقال بعضهم لم تختلف الروايات في ( الصحيحين ) في أن
المرفوع الوعيد والموقوف الوعد وزعم الحميدي في ( جمعه ) وتبعه مغلطاي في ( شرحه )
ومن أخذ عنه أن رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس وهو الذي ذكرناه وكان
سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس لكن بين
الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري قلت كيف يكون وهما وقد وقع عند مسلم
بالعكس ووجه ذلك ما ذكرناه وقد قال النووي الجيد أن يقال سمع ابن مسعود اللفظين من
النبي ولكنه في وقت حفظ أحدهما وتيقنه ولم يحفظ الآخر فرفع المحفوظ وضم الآخر إليه
وفي وقت بالعكس فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود وموافقة
(8/5)
لرواية غيره في رفع اللفظين
وقال الكرماني من أين علم ابن مسعود هذا الحكم قلت من حيث إن انتفاء السبب يوجب
انتفاء المسبب فإذا انتفى الشرك انتفى دخول النار وإذا انتفى دخول النار يلزم دخول
الجنة إذ لا ثالث لهما أو مما قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ( النساء
84 ) الآية ونحوه
2 -
( باب الأمر باتباع الجنائز )
أي هذا باب في بيان كيفية أمر النبي باتباع الجنائز وإنما لم يبين حكم هذا الأمر
لأن قوله أمرنا أعم من أن يكون للوجوب أو للندب ويجيء الكلام فيه إن شاء الله
تعالى
9321 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( الأشعث ) قال سمعت ( معاوية
بن سويد بن مقرن ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال أمرنا النبي بسبع ونهانا
عن سبع أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصر المظلوم وإبرار
القسم ورد السلام وتشميت العاطس ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير
والديباج والقسي والإستبرق
مطابقته للترجمة في قوله أمرنا باتباع الجنائز
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وقد تكرر ذكره
الثاني شعبة بن الحجاج الثالث الأشعث بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين
المهملة وفي آخره ثاء مثلثة ابن سليم بن الأسود المحاربي وسليم يكنى أبا الشعثاء
مات سنة خمس وعشرين ومائة مر في باب التيمن في الوضوء الرابع معاوية بن سويد بضم
السين المهملة ابن مقرن بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة وفي آخره نون
الخامس البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه السماع وفيه العنعنة في
موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري وشعبة واسطي والأشعث ومعاوية
كوفيان وفيه أحدهم مكنى واثنان مذكوران مجردين عن النسبة وآخر مذكور باسم أبيه
وجده وفيه عن البراء بن عازب فسمعته يقول فذكر الحديث
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في عشرة مواضع هنا عن أبي الوليد وفي
المظالم عن سعيد ابن الربيع وفي اللباس عن آدم وعن قبيصة وعن محمد بن مقاتل وفي
الطب عن حفص بن عمر وفي الأدب عن سليمان بن حرب وفي النذور عن بندار وعن قبيصة وفي
النكاح عن الحسن بن الربيع وفي الاستئذان عن قتيبة وفي الأشربة عن موسى بن إسماعيل
وأخرجه مسلم في الأطعمة عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس وعن أبي الربيع الزهراني
وعن أبي بكر ابن أبي شيبة وعن عثمان بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن أبي موسى وبندار
وعن عبد الله بن معاذ وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبد الرحمن بن بشر وعن إسحاق عن
يحيى وعمرو بن محمد وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن بندار عن غندر وفي اللباس عن
علي بن حجر وأخرجه النسائي في الجنائز عن سليمان بن منصور وهناد بن السري وفي
الأيمان والنذور عن أبي موسى وبندار وفي الزينة عن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه
في الكفارات عن علي بن محمد مختصرا وفي اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة ببعضه
ذكر معناه قوله بسبع بسبعة أشياء قوله باتباع الجنائز الاتباع افتعال من اتبعت
القوم إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وكذلك تبعت القوم بالكسر تبعا وتباعة
واتباع الجنازة المضي معها قوله وعيادة المريض من عدت المريض أعوده عيادة إذا زرته
وسألت عن حاله وعاد إلى فلان يعود عودة وعودا إذا رجع وفي المثل العود أحمد وأصل
عيادة عوادة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها طلبا للخفة قوله وإجابة الداعي الإجابة
مصدر والاسم الجابة بمنزلة الطاعة تقول منه أجابه وأجاب عن سؤاله والاستجابة بمعنى
الإجابة وأصل إجابة أجوابا حذفت الواو وعوضت عنها التاء لأن أصله أجوف واوي ومنه
الجواب والداعي من دعا يدعو دعوة والدعوة بالفتح إلى الطعام وبالكسر
(8/6)
في النسب وبالضم في الحرب يقال
دعوت الله له وعليه دعاء و الدعوة المرة الواحدة وأصل دعاء دعا وإلا أن الواو لما
جاءت بعد الألف همزت قوله وإبرار القسم الإبرار بكسر الهمزة إفعال من البر خلاف
الحنث يقال أبر القسم إذا صدقه ويروى إبرار المقسم بضم الميم وسكون القاف وكسر
السين قيل هو تصديق من أقسم عليك وهو أن يفعل ما سأله الملتمس وقال الطيبي يقال
المقسم الحالف ويكون المعنى أنه لو حلف أحد على أمر يستقبل وأنت تقدر على تصديق
يمينه كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث في
يمينه قوله وتشميت العاطس تشميت العاطس دعاء وكل داع لأحد بخير فهو مشمت ويقال
أيضا بالسين المهملة وقال ابن الأثير التشميت بالشين والسين الدعاء بالخير والبركة
والمعجمة أعلاهما يقال شمت فلانا وشمت عليه تشميتا فهو مشمت واشتقاقه من الشوامت
وهي القوائم كأنه دعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله عز و جل وقيل معناه أبعدك
الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك والشماتة فرح العدو ببلية تنزل بمن يعاديه
يقال شمت به يشمت فهو شامت وأشمته غيره قوله ونهانا عن سبع آنية الفضة أي نهانا عن
سبعة أشياء ولم يذكر البخاري في المنهيات إلا ستة قال بعضهم إما سهو من المصنف أو
من شيخه وقال الكرماني أبو الوليد اختصر الحديث أو نسيه قلت حمل الترك على الناسخ
أولى من نسبته إلى البخاري أو شيخه ومع هذا ذكر البخاري في باب خواتيم الذهب عن
آدم عن شعبة إلى آخره وذكر السابع وهو المثيرة الحمراء وسنذكر ما قيل فيها في
موضعه إن شاء الله تعالى قوله آنية الفضة يجوز فيه الرفع والجر أما الرفع فعلى أنه
خبر مبتدأ محذوف أي أحدها آنية الفضة وأما الجر فعلى أنه بدل من سبع قوله والحرير
يتناول الثلاثة التي بعده فيكون وجه عطفها عليه لبيان الاهتمام بحكم ذكر الخاص بعد
العام أو لدفع وهم أن تخصيصه باسم مستقل لا ينافي دخوله تحت حكم العام أو الإشعار
بأن هذه الثلاثة غير الحرير نظرا إلى العرف وكونها ذوات أسماء مختلفة يكون مقتضيا
لاختلاف مسمياتها قوله وخاتم الذهب الخاتم والخاتم بكسر التاء وفتحها والخيتام
والخاتام كله بمعنى والجمع الخواتيم قوله والديباج بكسر الدال فارسي معرب وقال ابن
الأثير الديباج الثياب المتخذة من الإبريسم وقد تفتح داله ويجمع على دباييج
ودبابيج بالياء وبالباء لأن أصله دباج قوله والقسي بفتح القاف وكسر السين المهملة
المشددة قال ابن الأثير هو ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر نسبت إلى
قرية على ساحل البحر قريبا ممن تنيس يقال لها القس بفتح القاف وبعض أهل الحديث
يكسرها وقيل أصل القسي القزي بالزاي منسوب إلى القز وهو ضرب من الإبريسم وأبدل من
الزاي سينا وقيل هو منسوب إلى القس وهو الصقيع لبياضه قلت القس وتنيس وفرما كانت
مدنا على ساحل بحر دمياط غلب عليها البحر فاندثرت فكانت يخرج منها ثياب مفتخرة
ويتاجر بها في البلاد قوله والاستبرق بكسر الهمزة ثخين الديباج على الأشهر وقيل
رقيقه وقال النسفي في قوله تعالى ويلبسون من سندس واستبرق ( الدخان 35 ) السندس ما
رق من الحرير والديباج والاستبرق ما غلظ منه وهو تعريب إستبرك وإذا عرب خرج من أن
يكون عجميا لأن معنى التعريب أن يجعل عربيا بالتصرف فيه وتغيير عن منهاجه وإجرائه
على أوجه الإعراب
ذكر ما يستفاد منه وهو على أوجه
الأول في اتباع الجنائز والمشي معها إلى حين دفنها بعد الصلاة عليها أما الصلاة
فهي من فروض الكفاية عند جمهور العلماء وقال إصبغ الصلاة على الميت سنة وقال
الداودي اتباع الجنائز حملها بعض الناس عن بعض قال وهو واجب على ذي القرابة الحاضر
والجار ويراه للتأكد لا الوجوب الحقيقي ثم الاتباع على ثلاثة أقسام أن يصلي فقط
فله قيراط الثاني أن يذهب فيشهد دفنها فله قيراطان وثالثها أن يلقنه قلت التلقين عندنا
عند الإحتضار وقد عرف في الفروع وكذا المشي عندنا خلف الجنازة أفضل وفي ( التوضيح
) والمشي عندنا أمامها بقربها أفضل من الإتباع وبه قال أحمد لأنه شفيع وعند
المالكية ثلاثة أقوال ومشهور مذهبم كمذهبنا قلت احتجت الشافعية فيما ذهبوا إليه
بحديث أخرجه الأربعة عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال أبو داود حدثنا
القعنبي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت النبي وأبا بكر
وعمر يمشون أمام الجنازة وقال الترمذي حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع وإسحاق بن منصور
ومحمود بن غيلان قالوا حدثنا سفيان بن
(8/7)
عيينة إلى آخره نحوه وقال
النسائي حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر وقتيبة بن سعيد عن سفيان عن الزهري عن
سالم عن أبيه أنه رأى النبي إلى آخره نحوه وقال ابن ماجه حدثنا علي بن محمد وهشام
بن عمار وسهل ابن أبي سهل قالوا حدثنا سفيان إلى آخره نحو رواية أبي داود وبه قال
القاسم وسالم بن عبد الله والزهري وشريح وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد ويحكى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبد
الله بن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي قتادة وأبي أسيد
ذهب إبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وسويد بن غفلة ومسروق وأبو قلابة وأبو
حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأهل الظاهر إلى أن المشي خلف الجنازة أفضل ويروى
ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وأبي أمامة وعمر بن العاص
واحتجوا بما رواه أبو داود قال حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عبد الصمد وحدثنا
ابن المثنى حدثنا أبو داود قال حدثنا حرب يعني ابن شداد حدثني يحيى حدثني ناب بن
عمير حدثني رجل من أهل المدينة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال لا تتبع الجنازة
بصوت ولا نار وزاد هارون ولا يمشي بين يديها واحتجوا أيضا بحديث سهل بن سعد أن
النبي كان يمشي خلف الجنازة رواه ابن عدي في ( الكامل ) وبحديث أبي أمامة قال سأل
أبو سعيد الخدري علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه المشي خلف الجنازة أفضل أم
أمامها فقال علي رضي الله تعالى عنه والذي بعث محمدا بالحق إن فضل الماضي خلفها على
الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع فقال له أبو سعيد أبرأيك تقول أم
بشيء سمعته من النبي فغضب وقال لا والله بل سمعته غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث حتى
سبعا فقال أبو سعيد إني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمامها فقال علي يغفر الله لهما
لقد سمعا ذلك من رسول الله كما سمعته وإنهما والله لخير هذه الأمة ولكنهما كرها أن
يجتمع الناس ويتضايقوا فأحبا أن يسهلا على الناس رواه عبد الرزاق في ( مصنفه )
وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال ما مشى رسول الله حتى
مات إلا خلف الجنازة وروى ابن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن شريح عن
مسروق قال قال رسول الله إن لكل أمة قرباناا وإن قربان هذه الأمة موتاها فاجعلوا
موتاكم بين أيديكم وروى الدارقطني من حديث عبيد الله بن كعب بن مالك قال جاء ثابت
بن قيس بن شماس إلى رسول الله فقال إن أمه توفيت وهي نصرانية وهو يحب أن يحضرها
فقال النبي إركب دابتك وسر أمامها فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها وروى ابن أبي
شيبة حدثنا عبد الله أخبرنا إسرائيل عن عبيد الله بن المختار عن معاوية بن قرة
حدثنا أبو كريب أو أبو حرب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن أباه قال له كن خلف
الجنازة فإن مقدمها للملائكة ومؤخرها لبني آدم فإن قالوا في حديث أبي هريرة
مجهولان وفي حديث سهل بن سعد قال ابن قطان لا يعرف من هو وفيه يحيى بن سعيد الحمصي
قال ابن معين ليس بشيء وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه مطرح بن يزيد ضعفه ابن
معين وفيه عبيد الله بن زجر قال ابن حبان منكر الحديث جدا وأثر طاووس مرسل وفي
حديث كعب بن مالك أبو معشر ضعفه الدارقطني قلنا إذا سلمنا ضعف الأحاديث التي تكلم
فيها فإنها تتقوى وتشتد فتصلح للاحتجاج مع أن لنا حديثا فيه رواه البخاري من حديث
أبي هريرة قال قال رسول الله من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى
يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين والاتباع لا يكون إلا إذا
مشى خلفها فدل ذلك على أن الجنازة متبوعة وقد جاء هذا اللفظ صريحا في حديث رواه
أبو داود عن ابن مسعود مرفوعا الجنازة متبوعة ولا تتبع وليس معها من تقدمها ورواه
الترمذي وابن ماجه وأحمد وإسحاق وأبو يعلى وابن أبي شيبة وأما أثر طاووس فإنه وإن
كان مرسلا فهو حجة عندنا وحديثهم الذي احتجوا به وهو حديث ابن عمر قد اختلف فيه
أئمة الحديث بحسب الصحة والضعف وقد روي متصلا ومرسلا فذهب ابن المبارك إلى ترجيح
الرواية المرسلة على المتصلة ما رواه الترمذي وغيره عنه وقال النسائي بعد تخريجه
للرواية المتصلة هذا خطأ والصواب مرسل وقد طول شيخنا زين الدين رحمه الله في هذا
الموضع نصرة لمذهبه ومع هذا كله فقد قال الترمذي وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث
المرسل في ذلك أصح فإن قلت
(8/8)
روى الترمذي حدثنا محمد بن
المثنى حدثنا محمد بن بكر حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي
كان يمشي أمام الجنازة وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم قلت قال الترمذي
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال هذا خطأ فيه محمد بن بكر وإنما يروي هذا يونس عن
الزهري أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة فإذا صح الأمر على ذلك
فلا يبقى لهم حجة فيه لأن المرسل ليس بحجة عندهم
الوجه الثاني في عيادة المريضهي سنة وقيل واجبة بظاهر حديث أبي هريرة الآتي وقد
روي في ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم أبو موسى وثوبان وأبو
هريرة وعلي بن أبي طالب وأبو أمامة وجابر بن عبد الله وجابر ابن عتيك وأبو مسعود
وأبو سعيد وعبد الله بن عمر وأنس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص
وابن عباس وابن عمرو وأبو أيوب وعثمان وكعت بن مالك وعبد الله بن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح والمسيب بن
حزن وسلمان وعثمان بن أبي العاص وعوف بن مالك وأبو الدرداء وصفوان بن عسال ومعاذ
بن جبل وجبير بن مطعم وعائشة وفاطمة الخزاعية وأم سليم وأم العلاء فحديث أبي موسى
عند البخاري عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني وحديث ثوبان عند مسلم إن
المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما
خرفة الجنة قال جناها وحديث أبي هريرة عند البخاري يأتي إن شاء الله تعالى وحديث
علي بن أبي طالب عند الترمذي ما من مسلم يعود مسلما إلا يبعث الله سبعين ألف ملك
يصلون عليه أي ساعة من النهار كانت حتى يمسي وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح
وحديث أبي أمامة عند أحمد من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو يده
ويسأله كيف هو وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد أيضا من عاد مريضا لم يزل يخوض في
الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها وحديث جابر بن عتيك عند أبي داود أن رسول
الله عاد عبد الله بن ثابت الحديث مطولا وحديث أبي مسعود عند الحاكم للمسلم على
المسلم أربع خلال يشمته إذا عطس ويجيبه إذا دعاه ويشهده إذا مات ويعوده إذا مرض
وحديث أبي سعيد عند ابن حبان عودوا المريض واتبعوا الجنائز وحديث عبد الله بن عمر
عند مسلم من يعود منكم سعد بن عبادة فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشرة وحديث أنس عند
البخاري عاد النبي غلاما يهوديا كان يخدمه وحديث أسامة ابن زيد عند الحاكم قال خرج
رسول الله يعود عبد الله بن أبي في مرضه الذي مات فيه وحديث زيد ابن أرقم عادني
رسول الله من وجع كان بعيني وقال الحاكم صحيح على شرطهما وحديث سعد ابن أبي وقاص
عند الحاكم قال اشتكيت بمكة فجاءني رسول الله يعودني ووضع يده على جبهتي وحديث ابن
عباس عند الحاكم أيضا من عاد أخاه المسلم فقعد عند رأسه الحديث وقال صحيح على شرط
البخاري وحديث ابن عمرو عنده أيضا إذا عاد أحدكم مريضا فليقل اللهم إشف عبدك وقال
صحيح على شرط مسلم وحديث أبي أيوب عند ابن أبي الدنيا قال عاد رسول الله رجلا من
الأنصار فأكب عليه يسأله قال يا رسول الله ما غمضت منذ سبع ليال ولا أحد يحضرني
فقال رسول الله أي أخي إصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها وحديث عثمان عند قال دخل
علي رسول الله يعودني وأنا مريض فقال أعيذك بالله الأحد الصمد الحديث وسنده جيد
وحديث كعب بن مالك عند الطبراني في ( الكبير ) من عاد مريضا خاض في الرحمة فإذا
جلس استنقع فيها وحديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده
عند الطبراني أيضا من عاد مريضا فلا يزال في الرحمة حتى إذا قعد عنده استنقع فيها
ثم إذا خرج من عنده فلا يزال يخوض فيها حتى يروح من حيث خرج وحديث عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه عند ابن مردويه قال يا رسول الله ما لنا من الأجر في عيادة
المريض فقال أن العبد إذا عاد المريض خاض في الرحمة إلى حقوه وحديث أبي
(8/9)
عبيدة بن الجراح رضي الله
تعالى عنه عند ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) قال قال رسول الله من عاد مريضا أو أماط
أذى من الطريق فحسنته بعشر أمثالها وحديث المسيب بن حزن وحديث سلمان عند الطبراني
قال دخل علي رسول الله يعودني فلما أراد أن يخرج قال يا سلمان كشف الله ضرك وغفر
ذنبك وعافاك في دينك وجسدك إلى أجلك وحديث عثمان بن أبي العاص عند الحاكم في (
المستدرك ) جاءني رسول الله يعودني من وجع اشتد بي وحديث عوف بن مالك عند الطبراني
عن النبي قال عودوا المريض واتبعوا الجنازة وحديث أبي الدرداء عند الطبراني أيضا
أن رسول الله قال إن الرجل إذا خرج يعود أخاه مؤمنا خاض في الرحمة إلى حقويه فإذا
جلس عند المريض فاستوى جالسا غمرته الرحمة وحديث صفوان بن عسال عند الطبراني أيضا
قال قال رسول الله من زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجع ومن زار أخاه المؤمن
خاض في رياض الجنة حتى يرجع وحديث معاذ بن جبل عند الطبراني أيضا قال قال رسول
الله خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله تعالى من عاد مريضا أو خرج مع
جنازة أو خرج غازيا أو دخل على إمامه يريد تعزيزه وتوقيره أو قعد في بيته فسلم
الناس منه وسلم من الناس وحديث جبير بن مطعم عنده أيضا قال رأيت رسول الله عاد
سعيد بن العاص فرأيت رسول الله يكمده بخرقة وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند
سيف في ( كتاب الردة ) قالت قال رسول الله العيادة سنة عودوا غبا فإن أغمي على
مريض فحتى يفيق وحديث فاطمة الخزاعية عند ابن أبي الدنيا قالت عاد رسول الله امرأة
من الأنصار فقال كيف تجدك قالت بخير يا رسول الله الحديث وحديث أم سليم عند ابن
أبي الدنيا أيضا في ( كتاب المرضى والكفارات ) قالت مرضت فعادني رسول الله فقال يا
أم سليم أتعرفين النار والحديث وخبث الحديد قلت نعم يا رسول الله قال فأبشري يا أم
سليم فإنك إن تخلصي من وجعك هذا تخلصي منه كما يخلص الحديد من النار من خبثه وحديث
أم العلاء عند أبي داود قالت عادني رسول الله وأنا مريضة الحديث
الوجه الثالث في إجابة الداعي وسيأتي في حديث أبي هريرة إن من حق المسلم على
المسلم أن يجيبه إذا دعاه وفي ( التوضيح ) إن كانت إجابة الداعي إلى نكاح فجمهور
العلماء على الوجوب قالوا والأكل واجب على الصائم وعندنا مستحب وقال الطيبي إذا
دعا المسلم المسلم إلى الضيافة والمعاونة وجب عليه طاعته إذا لم يكن ثم يتضرر
بدينه من الملاهي ومفارش الحرير وقال الفقيه أبو الليث إذا دعيت إلى وليمة فإن لم
يكن ماله حراما ولم يكن فيها فسق فلا بأس بالإجابة وإن كان ماله حراما فلا يجيب
وكذلك إذا كان فاسقا معلنا فلا يجيبه ليعلم أنك غير راض بفسقه وإذا أتيت وليمة
فيها منكر عن ذلك فإن لم ينتهوا عن ذلك فارجع لأنك إن جالستهم ظنوا أنك راض بفعلهم
وروي عن النبي أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم وقال بعضهم إجابة الدعوة واجبة لا
يسع تركها واحتجوا بما روي عن النبي أنه قال من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم
وقال عامة العلماء ليست بواجبة ولكنها سنة والأفضل أن يجيب إذا كانت وليمة يدعى
فيها الغني والفقير وإذا دعيت إلى وليمة وأنت صائم فأخبره بذلك فإن قال لا بد لك
من الحضور فأجبه فإذا دخلت المنزل فإن كان صومك تطوعا وتعلم أنه لا يشق عليه ذلك
لا تفطر وإن علمت أنه يشق عليه امتناعك من الطعام فإن شئت فأفطر واقض يوما مكانه
وإن شئت فلا تفطر والإفطار أفضل لأن فيه إدخال السرور على المؤمن
الوجه الرابع في نصر المظلوم وهو فرض على من قدر عليه ويطاع أمره وعن أنس رضي الله
تعالى عنه قال قال رسول الله أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله
أنصره إن كان مظلوما أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه أو تمنعه عن الظلم
فإن ذلك نصره رواه البخاري والترمذي وفي رواية مسلم عن جابر عن النبي
(8/10)
قال ولينصر الرجل أخاه ظالما
أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصرة وإن كان مظلوما فلينصره وعن سهل ابن
معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي قال من حمى مؤمنا عن منافق إراه قال بعث الله
ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم رواه أبو داود وعن ابن عباس قال قال رسول
الله قال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله
ولأنتقمن من رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل رواه أبو الشيخ بن حبان في ( كتاب
التوبيخ )
الوجه الخامس في إبرار القسم وهو خاص فيما يحل وهو من مكارم الأخلاق فإن ترتب على
تركه مصلحة فلا ولهذا قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه في قصة تعبير الرؤيا لا
تقسم حين قال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت
الوجه السادس في رد السلام هو فرض على الكفاية وفي ( التوضيح ) رد السلام فرض على
الكفاية عند مالك والشافعي وعند الكوفيين فرض عين كل واحد من الجماعة وقال صاحب (
المعونة ) الابتداء بالسلام سنة ورده آكد من ابتدائه وأقله السلام عليكم قلت قال
أصحابنا رد السلام فريضة على كل من سمع السلام إذا قام به البعض سقط عن الباقين
والتسليم سنة والرد فريضة وثواب المسلم أكثر ولا يصح الرد حتى يسمعه المسلم إلا أن
يكون أصم فينبغي أن يرد عليه بتحريك شفتيه وكذلك تشميت العاطس ولو سلم على جماعة
وفيهم صبي فرد الصبي إن كان لا يعقل لا يصح وإن كان يعقل هل يصح فيه اختلاف ويجب
على المرأة رد سلام الرجل ولا ترفع صوتها لأن صوتها عورة وإن سلمت عليه فإن كانت
عجوزا رد عليها وإن كانت شابة رد في نفسه وعلى هذا التفصيل تشميت الرجل المرأة
وبالعكس ولا يجب رد سلام السائل ولا ينبغي أن يسلم على من يقرأ القرآن فإن سلم
عليه يجب الرد عليه
الوجه السابع في تشميت العاطس وهو أن يقول يرحمك الله إذا حمد العاطس ويرد العاطس
بقوله يهديكم الله ويصلح بالكم وروي عن الأوزاعي أن رجلا عطس بحضرته فلم يحمد فقال
له كيف يقول إذا عطست قال الحمد لله فقال له يرحمك الله وجوابه كفاية خلافا لبعض
المالكية قال مالك ومن عطس في الصلاة حمد في نفسه وخالفه سحنون فقال ولا في نفسه
وقد ذكرنا حكمه الآن وهذا الذي ذكرناه حكم السبعة التي أمر بها النبي
وأما السبعة التي نهانا عنها فأولها آنية الفضة والنهي فيه تحريم وكذلك الآنية
الذهب بل هي أشد قال أصحابنا لا يجوز استعماله آنية الذهب والفضة للرجال والنساء
لما في حديث حذيفة عند الجماعة ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في
صحافها الحديث قالوا وعلى هذا المجمرة والملعقة والمدهن والميل والمكحلة والمرآة
ونحو ذلك فيستوي في ذلك الرجال والنساء لعموم النهي وعليه الإجماع ويجوز الشرب في
الإناء المفضض والجلوس على السرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة أي يتقي فمه ذلك
وقيل يتقي أخذه باليد وقال أبو يوسف يكره وقول محمد مضطرب ويجوز التجمل بالأواني
من الذهب والفضة بشرط أن لا يريد به التفاخر والتكاثر لأن فيه إظهار نعم الله
تعالى
الثاني خاتم الذهب فإنه حرام على الرجال والحديث يدل عليه ومن الناس من أباح
التختم بالذهب لما روى الطحاوي في ( شرح الآثار ) بإسناده إلى محمد بن مالك قال
رأيت على البراء خاتما من ذهب فقيل له فقال قسم رسول الله فألبسنيه وقال إلبس ما
كساك الله عز و جل ورسوله والجواب عنه أن الترجيح للمحرم وما روي من ذلك كان قبل
النهي وأما التختم بالفضة فإنه يجوز لما روي عن أنس أن رسول الله اتخذ خاتما من
فضة له فص حبشي ونقش عليه محمد رسول الله رواه الجماعة والسنة أن يكون قدر مثقال
فما دونه والتختم سنة لمن يحتاج إليه كالسلطان والقاضي ومن في معناهما ومن لا حاجة
له إليه فتركه أفضل
الثالث الحرير وهو حرام على الرجال دون النساء لما روى أبو داود وابن ماجه من حديث
علي رضي الله تعالى عنه أن النبي أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في
شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي زاد ابن ماجه حل لإناثهم وروي عن جماعة
من الصحابة أنهم رووا حل الحرير للنساء وهم عمر فحديثه عند البزار وأبو موسى
(8/11)
الأشعري فحديثه عند الترمذي
وعبد الله بن عمرو فحديثه عند إسحاق والبزار وأبي يعلى وعبد الله بن عباس فحديثه
عن البزار وزيد بن أرقم فحديثه عند ابن أبي شيبة وواثلة بن الأسقع فحديثه عند
الطبراني وعقبة بن العامر الجهني فحديثه عند أبي سعيد بن يونس فأحاديثهم خصت
أحاديث التحريم على الإطلاق وقال بعضهم حرام على النساء والرجال لعموم النهي
الرابع الديباح
والخامس القسي
السادس الاستبرق وكل هذا داخل في الحرير وقد ذكرنا أن واحدة قد سقطت من المنهيات
وهي الميثرة الحمراء وسنذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى وقد سأل الكرماني ههنا
بما حاصله أن الأمر في المأمور به في بعضه للندب وفي النهي كذلك بعضه للحرمة وبعضه
لغيرها فهو استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي وذلك ممتنع وأجاب بما حاصله
أن ذلك غير ممتنع عند الشافعي وعند غيره بعموم المجاز وسأل أيضا بأن بعض هذه
الأحكام عام للرجال والنساء كآنية الفضة وبعضها خاص كحرمة خاتم الذهب للرجال ولفظ
الحديث يقتضي التساوي وأجاب بأن التفصيل علم من غير هذا الحديث
0421 - حدثنا ( محمد ) قال حدثنا ( عمرو بن أبي سلمة ) عن ( الأوزاعي ) قال أخبرني
( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه
قال سمعت رسول الله يقول حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع
الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس
مطابقته للترجمة في قوله واتباع الجنائز
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد قال الكلاباذي روى البخاري عن محمد بن أبي سلمة غير
منسوب في ( كتاب الجنائز ) يقال إنه محمد بن يحيى الذهلي وقال في ( أسماء رجال
الصحيحين ) محمد بن يحيى ابن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذئب أبو عبد الله الذهلي
النيسابوري روى عنه البخاري في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير موضع في قريب من
ثلاثين موضعا ولم يقل حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا ويقول حدثنا محمد ولا يزيد
عليه ويقول محمد بن عبد الله ينسبه إلى جده ويقول محمد بن خالد ينسبه إلى جد أبيه
والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة
خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه مات محمد بن يحيى
بعد البخاري بيسير تقديره سنة سبع وخمسين ومائتين الثاني عمرو بن أبي سلمة بفتح
اللام أبو حفص التنيسي مات سنة ثنتي عشرة ومائتين الثالث عبد الرحمن بن عمرو
الأوزاعي الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس سعيد بن المسيب السادس أبو
هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه
الإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه السماع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه
رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه أن شيخه مذكور بلا نسبة وواحد مذكور
بنسبته والآخر مذكور باسم جده قيل عمرو بن أبي سلمة ضعفه ابن معين وغيره فكيف حال
حديثه عند البخاري وأجيب بأن تضعيفه كان بسبب أن في حديثه عن الأوزاعي مناولة
وإجازة فلذلك عنعن فدل على أنه لم يسمعه وأجيب نصرة للبخاري بأنه اعتمد على
المناولة واحتج بها وكان يعتمد عليها ويحتج بها ومع هذا لم يكتب بذلك وقد قواه
بالمتابعة على ما نذكرها عن قريب وفيه أن شيخه نيسابوري وعمرو بن أبي سلمة تنيسي
سكن بها ومات بها وأصله من دمشق والأوزاعي شامي وابن شهاب وابن المسيب مدنيان
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عمرو بن عثمان عن بقية بن الوليد عن
الأوزاعي نحوه
ذكر معناه قوله حق المسلم على المسلم وفي رواية مسلم من طريق عبد الرزاق أخبرنا
معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله خمس يجب للمسلم على
أخيه رد السلام وتشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المريض واتباع الجنائز قال عبد
الرزاق كان معمر يرسل هذا الحديث عن الزهري
(8/12)
فأسنده مرة عن ابن المسيب عن
أبي هريرة حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر
عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال حق المسلم على المسلم ست قيل ما
هن يا رسول الله قال إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له
فإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه والعلاء هو ابن عبد
الرحمن قوله حق المسلم قال الكرماني هذا اللفظ أعم من الواجب على الكفاية وعلى
العين ومن المندوب وقال ابن بطال أي حق الحرمة والصحبة وفي ( التوضيح ) الحق فيه
بمعنى حق حرمته عليه وجميل صحبته له لا أنه من الواجب ونظيره حق المسلم أن يغتسل
كل جمعة وقال بعضهم المراد من الحق هنا الوجوب خلافا لقول ابن بطال قلت المراد هو
الوجوب على الكفاية وقال الطيبي هذه كلها من حق الإسلام يستوي فيها جميع المسلمين
برهم وفاجرهم غير أنه يخص البر بالبشاشة والمصافحة دون الفاجر المظهر للفجور وقد
مر الكلام في بقية الحديث عن قريب
تابعه عبد الرزاق قال أخبرنا معمر
أي تابع عمرو بن أبي سلمة عبد الرزاق بن هما قال أخبرنا معمر بن راشد وهذه
المتابعة ذكرها مسلم رحمه الله وقد ذكرناها الآن
ورواه سلامة عن عقيل أي روى الحديث المذكور سلامة بتخفيف اللام ابن خالد بن عقيل
الأيلي توفي سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن أخي عقيل بضم العين إبن خالد بن عقيل
ذكر البخاري أنه سمع من عقيل بن خالد وذكر غير واحد أن حديثه عنه كتاب ولم يسمع
منه وسئل أبو زرعة عن سلامة فقال ضعيف منكر الحديث
3 -
( باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه )
أي هذا باب في بيان جواز الدخول على الميت إذا أدرج أي إذا لف في أكفانه
2421 - حدثنا ( بشر بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرني ( معمر ويونس )
عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج
النبي أخبرته قالت أقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى
نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها فتيمم
النبي وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى فقال بأبي أنت يا
نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها قال
أبو سلمة فأخبرني ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه
خرج وعمر رضي الله تعالى عنه يكلم الناس فقال اجلس فأبى فقال إجلس فأبى فتشهد أبو
بكر رضي الله تعالى عنه فمال إليه الناس وتركوا عمر فقال أما بعد فمن كان منكم
يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله
تعالى وما محمد إلا رسول إلى الشاكرين والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله
أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فتلقاها منه الناس فما يسمع بشر
إلا يتلوها
مطابقته للترجمة ظاهرة قيل لا نسلم الظهور لأن الترجمة في الدخول على الميت إذا
أدرج في الكفن ومتن الحديث وهو مسجى يبرد حبرة ولم يكن حينئذ غسل فضلا عن أن يكون
مدرجا في الكفن وأجيب بأن كشف الميت بعد تسجيته
(8/13)
مساو لحاله بعد تكفينه وذلك
لأن منهم من منع عن الاطلاع على الميت إلا الغاسل ومن يليه لأن الموت سبب لتغير
محاسن الحي لأنه يكون كريها في المنظر فلذلك أمر بتغميضه وتسجيته وأشار البخاري
إلى جواز ذلك بالترجمة المذكورة ولما كان حاله بعد التسجية مثل حاله بعد التكفين
وقع التطابق بين الترجمة والحديث من هذه الحيثية
ذكر رجاله وهم سبعة الأول بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد
أبو محمد السختياني المروزي مات سنة أربع وعشرين ومائتين الثاني عبد الله بن
المبارك الثالث معمر بفتح الميمين ابن راشد الرابع يونس ابن يزيد الخامس محمد بن
مسلم الزهري السادس أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف السابع أم المؤمنين
عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار بصيغة الجمع
في موضع وبصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من
أفراده وهو وعبد الله مروزيان ومعمر بصري ويونس أيلي والزهري وأبو سلمة مدنيان
وفيه أربعة منهم بلا نسبة وواحد بالكنية وفيه رواية التابعي عن التابعي عن
الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن يحيى بن بكير عن
ليث عن عقيل وفي فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن إسماعيل بن أبي أويس وأخرجه
النسائي في الجنائز عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي
بن محمد عن أبي معاوية
ذكر معناه قوله بالسنح بضم السين المهملة والنون والحاء المهملة وهو منازل بني
الحارث بن الخزرج بينهما وبين منزل رسول الله ميل وزعم صاحب ( المطالع ) أن أبا ذر
كان يقوله بإسكان النون قوله فتميم أي قصد النبي قوله وهو مسجى جملة إسمية وقعت
حالا ومسجى إسم مفعول من سجى يسجي تسجية يقال سجيت الميت تسجية إذا مددت عليه ثوبا
ومعنى مسجى هنا مغطى قوله ببر حبرة بالوصف والإضافة والبرد بضم الباء الموحدة
وسكون الراء وهو نوع من الثياب معروف والجمع أبراد وبرود والبردة والشملة المخططة
وحبرة على وزن عنبة ثوب يماني يكون من قطن أو كتاب مخطط وقال الداودي هو ثوب أخضر
قوله ثم أكب عليه هذا اللفظ من النوادر حيث هو لازم وثلاثيه كب متعد عكس ما هو المشهور
في القواعد التصريفية قوله فقبله أي بين عينيه وقد ترجم عليه النسائي وأورده صريحا
حيث قال تقبيل الميت وأين يقبل منه قال أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال أخبرنا
ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أبا بكر قبل بين عيني
النبي وهو ميت قوله بأبي أنت أي أنت مفدى بأبي فالباء متعلقة بمحذوف فيكون مرفوعا
لأنه يكون مبتدأ وخبرا وقيل فعل فيكون ما بعده منصوبا تقديره فديتك بأبي قوله لا
يجمع الله عليك موتتين قال الداودي لم يجمع الله عليك شدة بعد الموت لأن الله
تعالى قد عصمك من أهوال القيامة قال وقيل لا يموت موتة أخرى في قبره كما يحيى غيره
في القبر فيسأل ثم يقبض وقال ابن التين أراد بذلك موته وموت شريعته يدل عليه قوله
من كان يعبد محمدا وقيل إنما قال ذلك ردا لمن قال إن رسول الله لم يمت وسيبعث
ويقطع أيدي رجال وأرجلهم قيل إنه معارض لقوله تعالى امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين
( غافر 11 ) وأجيب بأن الأولى الخلقة من التراب ومن نطفة لأنهما موات والثانية
التي بموت الخلق وإحدى الحياتين في الدنيا والأخرى بعد الموت في الآخرة وعن الضحاك
أن الأولى الموت في الدنيا والثانية الموت في القبر بعد الفتنة والمسالة واحتج
بأنه لا يجوز أن يقال للنطفة والتراب ميت وإنما الميت من تقدمت له حياة ورد عليه
بقوله تعالى وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ( يس 33 ) لم يتقدم لها حياة قط وإنما
خلقها الله جمادا ومواتا وهذا من سعة كلام العرب قوله التي كتب الله أي قدر الله
وفي رواية الكشميهني التي كتبت على صيغة المجهول أي قدرت قوله منها بضم الميم
وكسرها من مات يموت ومات يمات والضمير فيه يرجع إلى الموتة قوله وعمر يكلم الناس
الواو فيه للحال قوله فما يسمع بشر يسمع على صيغة المجهول تقديره ما يسمع بشر يتلو
شيئا إلا هذه الآية
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب تسجية الميت وفيه جواز تقبيل الميت لفعل أبي بكر
رضي الله تعالى عنه وكأن
(8/14)
أبا بكر في تقبيله النبي لم
يفعله إلا قدوة به عليه الصلاة و السلام لما روى الترمذي مصححا أن رسول الله دخل
على عثمان بن مظعون وهو ميت فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت الدموع تسيل على
وجنتيه وفي ( التمهيد ) لما توفي عثمان كشف النبي الثوب عن وجهه وبكى بكاء طويلا
وقبل بين عينيه فلما رفع على السرير قال طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم
تلبسها وفيه جواز البكاء على الميت من غير نوح وفيه أن الصديق أعلم من عمر وهذه
إحدى المسائل التي ظهر فيها ثاقب علمه وفضل معرفته ورجاحة رأيه وبارع فهمه وحسن
إسراعه بالقرآن وثبات نفسه وكذلك مكانته عند الإمرة لا يساويه فيها أحد إلا يرى
أنه حين تشهد بدأ بالكلام مال إليه الناس وتركوا عمر ولم يكن ذلك إلا لعظيم منزلته
في النفوس على عمر وسمو محله عندهم وقد أقر بذلك عمر حين مات الصديق فقال والله ما
أحب أن ألقى الله بمثل عمل أحد إلا بمثل عمل أبي بكر ولوددت أني شعرة في صدره وذكر
الطبري عن ابن عباس قال إني والله لأمشي مع عمر في خلافته وبيده الدرة وهو يحدث
نفسه ويضرب قدمه بدرته ما معه غيري إذ قال لي يا ابن عباس هل تدري ما حملني على
مقالتي التي قلت حين مات رسول الله قلت لا أدري والله يا أمير المؤمنين قال فإنه
ما حملني على ذلك إلا قوله عز و جل وكذلك جعلناكم أمة وسطا إلى قوله شهيدا (
البقرة 341 ) فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها
بأجزاء أعمالها وفيه حجة مالك في قوله في الصحابة مخطىء ومصيب في التأويل وفيه
اهتمام عائشة رضي الله تعالى عنها بأمر الشريعة وإنها لم يشغلها ذلك عن حفظها ما
كان من أمر الناس في ذلك اليوموفيه غيبة الصديق عن وفاته لأنه كان في ذلك اليوم
بالسنح وكان متزوجا هناك وفيه الدخول على الميت بغير استئذان ويجوز أن يكون عند
عائشة غيرها فصار كالمحفل لا يحتاج الداخل إلى إذن وروي أنه استأذن فلما دخل أذن
للناس وفيه قول أبي بكر لعمر إجلس فأبى إنما ذلك لما دخل عمر من الدهشة والحزن وقد
قالت أم سلمة ما صدقت بموت النبي حتى سمعت وقع الكرازين قال الهروي هي الفئوس وقيل
تريد وقع المساحي تحثو التراب عليه ويحتمل أن عمر رضي الله تعالى عنه ظن أن أجله
لم يأت وأن الله تعالى من على العباد بطول حياته ويحتمل أن يكون أنسي قوله تعالى
إنك ميت ( الزمر 03 ) وقوله وما محمد إلا رسول إلى أفائن مات ( آل عمران 441 ) وكان
يقول مع ذلك ذهب محمد لميعاد ربه كما ذهب موسى لمناجاة ربه وكان في ذلك ردعا
للمنافقين واليهود حين اجتمع الناس وأما أبو بكر رضي الله تعالى عنه فرأى إظهار
الأمر تجلدا ولما تلا الآية كانت تعزيا وتصبرا وفيه جواز التفدية بالآباء والأمهات
وفيه ترك تقليد المفضول عند وجود الفاضل
3421 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
قال أخبرني ( خارجة ابن زيد بن ثابت ) أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبي
أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا
فوجع وجعه الذي توفي فيه فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله فقلت رحمة
الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي وما يدريك أن الله
أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال أما هو فقد جاءه اليقين
والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي قالت فوالله لا
ازكي أحدا بعده أبدا
مطابقته للترجمة في قوله دخل رسول الله يعني على عثمان بعد أن غسل وكفن وهذه
المطابقة أظهر من مطابقة الحديث السابق للترجمة
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي الثاني
الليث بن سعد الثالث عقيل بضم العين ابن خالد الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
الخامس خارجة اسم فاعل من الخروج ابن زيد بن ثابت الأنصاري أحد الفقهاء السبعة
بالمدينة مات سنة مائة السادس أم العلاء بنت الحارث
(8/15)
ابن ثابت بن خارجة الأنصارية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في
موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه مذكور باسم جده
وأنه وشيخه مصريان وعقيلي أيلي وابن شهاب وخارجة مدنيان وفيه رواية التابعي عن
التابعي عن الصحابية وفيه أم العلاء ذكر في ( تهذيب الكمال ) ويقال إن أم العلاء
زوجة زيد بن ثابت وأم أبيه خارجة وقال الكرماني قال الترمذي هي أم خارجة ثم قال
ولا يخفى أن ذكر خارجة مبهمة لا يخلو عن غرض أو أغراض
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الشهادات وفي التفسير عن أبي
اليمان وفي الهجرة عن موسى بن إسماعيل وفي التفسير أيضا عن عبدان وفي التعبير
والجنائز أيضا عن سعيد بن عقيل وأخرجه النسائي في الرؤيا عن سويد بن نصر عن عبد
الله بن المبارك به
ذكر معناه قوله أم العلاء منصوب بأن وخبره قوله أخبرته قوله امرأة من الأنصار عطف
بيان ويجوز أن يرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي امرأة من الأنصار قوله
بايعت النبي جملة في محل الرفع أو النصب على أنها صفة لامرأة على الوجهين قوله أنه
الضمير فيه للشأن قوله اقتسم المهاجرون قرعة اقتسم على صيغة المجهول و المهاجرون
مفعول ناب عن الفاعل و قرعة منصوب بنزع الخافض أي بقرعة والمعنى اقتسم الأنصار
المهاجرين بالقرعة في نزولهم عليهم وسكناهم في منازلهم لأن المهاجرين لما دخلوا
المدينة لم يكن معهم شيء من أموالهم فدخلوها فقراء وكان بنو مظعون ثلاثة عثمان
وعبد الله وقدامة بدريون أخوال ابن عمر قوله فطار لنا عثمان يعني وقع في القرعة في
سهم الأنصار الذين أم العلاء منهم ويروى فصار لنا فإن ثبتت هذه الرواية فمعناها
صحيح قوله وجعه نصب على المصدر قوله أبا السائب بالسين المهملة وفي آخره باء موحدة
منادى حذف حرف ندائه والتقدير يا أبا السائب وهو كنية عثمان بن مظعون ولفظ البخاري
في كتاب الشهادات في باب القرعة في المشكلات أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في
السكنى حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين قالت أم العلاء فسكن عندنا عثمان بن
مظعون فاشتكى فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله فقلت
رحمة الله عليك أبا السائب وفي كتاب الهجرة والتعبير قالت أم العلاء فأحزنني ذلك
فنمت فأوريت له عينا تجري فجئت رسول الله فأخبرته فقال ذاك عمله يجري لهقوله
فشهادتي عليك جملة من المبتدأ والخبر ومثل هذا التركيب يستعمل عرفا ويراد به معنى
القسم كأنها قالت أقسم بالله لقد أكرمك الله قال الكرماني شهادتي مبتدأ وعليك صلته
والقسم مقدر والجملة القسمية خبر المبتدأ وتقديره شهادتي عليك قولي والله لقد
أكرمك الله ثم قال فإن قلت هذه الشهادة له لا عليه قلت المقصود منها معنى
الاستعلاء فقط بدون ملاحظة المضرة والمنفعة قوله وما يدريك بكسر الكاف أي من أين
علمت أن الله أكرمه أي عثمان قوله بأبي أنت أي مفدى أنت بأبي وقد ذكرناه عن قريب
قوله فمن يكرمه الله أي هو مؤمن خالص مطيع فإذا لم يكن هو من المكرمين من عند الله
فمن يكرمه قوله أما هو أي عثمان وكلمة أما تقتضي القسيم وقسميهما هنا مقدر تقديره
وأما غيره فخاتمة أمره غير معلومة أهو مما يرجى له الخير عند اليقين أي الموت أم
لا قوله والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي كلمة ما موصولة أو استفهامية قال
الداودي ما يفعل بي وهم والصواب ما يفعل به أي بعثمان لأنه لا يعلم من ذلك إلا ما
يوحى إليه وقيل قوله ما يفعل بي يحتمل أن يكون قبل إعلامه بالغفران له أو يكون
المعنى ما يفعل بي في أمر الدنيا مما يصيبهم فيها فإن قلت عثمان هذا أسلم بعد
ثلاثة عشر رجلا وهاجر الهجرتين وشهد بدرا وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة
وقد أخبر النبي بأن أهل بدر غفر الله لهم قلت قد قيل بأن ذلك قبل أن يخبر أن أهل
بدر من أهل الجنة فإن قلت هذا أيضا يعارض قوله في حديث جابر رضي الله تعالى عنه ما
زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه قلت لا تعارض في ذلك لأنه لا ينطق عن
الهوى فأنكر على أم العلاء قطعها على عثمان إذ لم تعلم هي من أمره شيئا وفي حديث
جابر قال ما علمه إلا بطريق الوحي إذ لا يقطع على مثل هذا إلا بوحي حاصله أن ما
قاله النبي إخبار من لا ينطق عن الهوى وذلك كلام أم العلاء وليسا بالسواء
ذكر ما يستفاد منه فيه دليل على أنه لا يجزم لأحد بالجنة إلا ما نص عليه الشارع
كالعشرة المبشرة وأمثالهم
(8/16)
سيما والإخلاص أمر قلبي لا
اطلاع لنا عليه وفيه مواساة الفقراء الذين ليس لهم مال ولا منزل ببذل المال وإباحة
المنزل وفيه إباحة الدخول على الميت بعد التكفين وفيه جواز القرعة وفيه الدعاء
للميت
حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا الليث مثله
سعيد هذا هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر
الحروف بعدها راء أبو عثمان المصري يروي عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري بمثله
أي مثل الحديث المذكور وأخرج من هذا الطريق في التعبير على ما يأتي إن شاء الله
تعالى
وقال نافع بن يزيد عن عقيل ما يفعل به
أشار بهذا التعليق إلى أن المحفوظ في رواية الليث ما يفعل به وقد مر أنه الصواب
دون ما يفعل بي وأكتفي بهذا القدر إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه ونافع بن
يزيد أبو يزيد مولى شرحبيل بن حسنة القرشي المصري مات سنة ثمان وستين ومائة ووصل
الإسماعيلي هذا التعليق عن القاسم بن زكريا حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي
حدثنا عبد الله بن يحيى المغافري حدثنا نافع بن يزيد عن عقيل به
وتابعه شعيب وعمرو بن دينار ومعمر
ذكر البخاري متابعة شعيب في كتاب الشهادات قال حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن
الزهري قال حدثني خارجة ابن زيد الأنصاري رضي الله تعالى عنه الحديث ومتابعة عمرو
بن دينار وصلها ابن أبي عمر في ( مسنده ) عن ابن عيينة عنه ومتابعة معمر بن راشد
ذكرها البخاري في التعبير في باب العين الجارية حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله
أخبرنا معمر عن الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء إلى آخره
4421 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( محمد بن المنكدر )
قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال لما قتل أبي جعلت أكشف
الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه والنبي لا ينهاني فجعلت عمتي فاطمة تبكي فقال
النبي تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه
مطابقته للترجمة في قوله جعلت أكشف الثوب عن وجهه والثوب أعم من أن يكون الثوب
الذي سجوه به أو من الكفن
ورجاله قد ذكروا غير مرة وغندر بضم الغين المعجمة محمد بن جعفر البصري
وأخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي الوليد وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن
المثنى وأخرجه النسائي في الجنائز عن عمرو بن يزيد وفي المناقب عن أبي كريب
ذكر معناه قوله لما قتل أبي وكان قتل أبيه عبد الله يوم أحد وكان المشركون مثلوا
به جدعوا أنفه وأذنيه وكانت غزوة أحد في سنة ثلاث من الهجرة في شوال قوله أبكي
جملة وقعت حالا قوله وينهوني وفي رواية الكشميهني وينهونني على الأصل قوله عمتي
فاطمة عمة جابر هي شقيقة أبيه عبد الله بن عمرو قوله تبكين أو لا تبكين كلمة أو
ليست هي للشك من الراوي بل هي من كلام الرسول للتسوية بين البكاء وعدمه أي فوالله
إن الملائكة تظله سواء تبكين أم لا وفي ( التلويح ) في موضع آخر لم تبكي قال
القرطبي كذا صحت الرواية بلم التي للاستفهام وفي مسلم تبكي بغير نون لأنه استفهام
لمخاطب عن فعل غائبة قال القرطبي ولو خاطبها بالاستفهام خطاب الحاضرة قال لم تبكين
بالنون وفي رواية تبكيه أو لا تبكيه وهو إخبار عن غائبة ولو كان خطاب الحاضرة لقال
تبكينه أو لا تبكينه بنون فعل الواحدة الحاضرة ثم معنى هذا أن عبد الله مكرم عند
الملائكة عليهم الصلاة والسلام قوله تبكين إلى آخره
(8/17)
يعزيها بذلك ويخبرها بما صار
إليه من الفضل قوله حتى رفعتموه أي من مغسلة لأنه نسب الفعل إلى أصله قاله الداودي
وإظلاله بأجنحتها لاجتماعهم عليه وتزاحمهم على المبادرة بصعود روحه رضي الله تعالى
عنه وتبشيره بما أعد الله له من الكرامة أو أنهم أظلوه من الحر لئلا يتغير أو لأنه
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وروى بقي بن مخلد عن جابر
لقيني رسول الله فقال ألا أبشرك أن الله أحي أباك وكلمة كفاحا وما كلم أحدا قط إلا
من وراء حجاب
وفيه فضيلة عظيمة لم تسمع لغيره من الشهداء في دار الدنيا وفيه جواز البكاء على
الميت كما مضى ونهى أهل الميت بعضهم بعضا عن البكاء للرفق بالباكي
تابعه ابن جريج قال أخبرني ابن المنكدر سمع جابرا رضي الله تعالى عنه
يعني تابع شعبة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ذكر هذه المتابعة لينفي ما وقع في
نسخة ابن ماهان في ( صحيح مسلم ) عن عبد الكريم عن محمد بن علي بن حسين عن جابر
جعل بدل محمد بن المنكدر فبين البخاري أن الصواب ابن المنكدر كما رواه شعبة وشده
برواية ابن جريج ووصل مسلم هذه المتابعة حدثنا عبد بن حميد حدثنا روح بن عبادة
حدثنا ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر
وأخرج مسلم هذا الحديث من خمسة طرق الأول من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن
المنكدر عن جابر يقول لما كان يوم أحد جيء بأبي مسجى وقد مثل به الحديث الثاني من
طريق شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر الثالث من طريق ابن جريج عن محمد بن المنكدر
عن جابر الرابع من طريق معمر عن محمد بن المنكدر الخامس من طريق محمد بن علي بن
الحسين عن جابر وهذا في نسخة ابن ماهان
4 -
( باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه )
أي هذا باب يذكر فيه الرجل ينعي إلى أهل الميت فقوله باب منون خبر مبتدأ محذوف كما
قدرنا وقوله الرجل مرفوع على أنه مبتدأ وقوله ينعى خبره ومعنى ينعى إلى أهل الميت
يظهر خبر موته إليهم يقال نعاه ينعاه نعيا ونعيانا وهو من باب فعل يفعل بفتح العين
فيهما وفي ( المحكم ) النعي الدعاء بموت الميت والإشعار به وفي ( الصحاح ) النعي
خبر الموت وكذلك النعي على فعيل وفي ( الواعي ) النعي على فعيل هو نداء الناعي
والنعي أيضا هو الرجل الذي ينعى والنعي الرجل الميت والنعي ) الفعل والضمير في
بنفسه يرجع إلى الميت أي بنفس الميت وهذه الترجمة بهذه الصفة هي المشهورة في أكثر
الروايات وفي رواية الكشميهني بحذف الباء في بنفسه أي ينعي نفس الميت إلى أهله وفي
رواية الأصيلي سقط ذكر الأهل وليس لها وجه وقال المهلب الصواب أن يقول باب الرجل
ينعى إلى الناس الميت بنفسه وإليه مال ابن بطال فقال في الترجمة خلل ومقصود
البخاري باب الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه ويكون الميت نصبا مفعول ينعى وقال
الكرماني لا خلل فيه لجواز حذف المفعول عند القرينة وقال بعضهم نصرة للبخاري
التعبير بالأهل لا خلل فيه لأن مراده به ما هو أعم من القرابة أو أخوة الدين وهو
أولى من التعبير بالناس لأنه يخرج من ليس له به أهلية كالكفار قلت فيه نظر لأن
الأهل لا يستعمل في أخوة الدين وقد تكلم جماعة في هذا الموضع بما لا طائل تحته
وفيما ذكرناه كفاية فافهم
5421 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد ابن
المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نعى النجاشي في اليوم
الذي مات فيه خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا
( 5421 -
مطابقته للترجمة من حيث النظر إلى مجرد النعي وقال الكرماني فإن قلت من كان في
المدينة أهلا للنجاشي حتى تصح الترجمة قلت المؤمنون أهله من حيث أخوة الإسلام قلت
قد ذكرنا أن الأهل لا يستعمل في أخوة الدين أللهم إلا إذا ارتكب المجاز فيه ورجال
هذا الحديث قد تكرر واجدا وإسماعيل هو ابن أويس عبد الله الأصبحي المدني إبن أخت
مالك ابن أنس وابن شهاب وهو محمد بن مسلم الزهري
(8/18)
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره
أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن مسدد عن يزيد بن زريع وأخرجه الترمذي فيه عن
أحمد بن منيع مختصرا على التكبير وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع وأخرجه ابن
ماجه فيه عن أبي بكر ابن أبي شيبة وأخرجه مسلم في الجنائز عن يحيى بن يحيى وأخرجه
أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن سويد بن نصر عن عبد الله
بن المبارك ستتهم عن مالك
ذكر معناه قوله نعى النجاشي أي أخبر بموته والنجاشي بفتح النون وكسرها كلمة للحبش
تسمى بها ملوكها والمتأخرون يلقبونه الأبجري قال ابن قتيبة هو بالنبطية ذكره ابن
سيده وفي ( الجامع ) للقزاز هو بكسر النون يجوز أن يكون من نجش أوقد كأنه يطريه
ويوقد فيه قاله قطرب وفي ( الفصيح ) النجاشي بالفتح وفي ( العلم المشهور ) لأبي
الخطاب مشدد الياء قالوا والصواب تخفيفها وفي ( المثنى ) لابن عديس النجاشي بالفتح
والكسر المستخرج للشيء وفي ( سيرة ابن إسحاق ) اسمه أصحمة ومعناه عطية وقال أبو
الفرج أصحمة بن أبجري بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين قال وقع في (
مسند ابن أبي شيبة ) في هذا الحديث تسميته صحمة بفتح الصاد وإسكان الحاء قال هكذا
قال لنا يزيد بن هارون وإنما هو صمحة بتقديم الميم على الحاء قال وهذان شاذان وفي
( التلويح ) أخبرني غير واحد من نبلاء الحبشة أنهم لا ينطقون بالحاء على صرافتها
وإنما يقولون في اسم الملك أصمخة بتقديم الميم على الخاء المعجمة وذكر السهيلي أن
اسم أبيه يجري بغير همزة وذكر مقاتل بن سليمان في كتابه ( نوادر التفسير ) إسمه
مكحول بن صصه وفي كتاب ( الطبقات ) لابن سعد لما رجع رسول الله من الحديبية سنة ست
أرسل النجاشي سنة سبع في المحرم عمرو بن أمية الضمري فأخذ كتاب النبي فوضعه على
عينيه ونزل عن سريره فجلس على الأرض تواضعا ثم أسلم وكتب إلى النبي بذلك وأنه أسلم
على يدي جعفر ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وتوفي في رجب سنة تسع منصرفة من
تبوك فإن قلت وقع في ( صحيح مسلم ) كتب إلى النجاشي وهو غير النجاشي الذي صلى عليه
قلت قيل كأنه وهم من بعض الرواة أو أنه عبر ببعض ملوك الحبشة عن الملك الكبير أو
يحمل على أنه لما توفي قام مقامه آخر فكتب إليه قوله خرج إلى المصلى ذكر السهيلي
من حديث سلمة بن الأكوع أنه صلى عليه بالبقيع
ذكر ما يستنبط منه من الأحكام وهو على وجوه
الأول فيه إباحة النعي وهو أن ينادى في الناس أن فلانا مات ليشهدوا جنازته وقال
بعض أهل العلم لا بأس أن يعلم الرجل قرابته وإخواته وعن إبراهيم لا بأس أن يعلم
قرابته وقال شيخنا زين الدين إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه استحسنه المحققون
والأكثرون من أصحابنا وغيرهم وذكر صاحب ( الحاوي ) من أصحابنا وجهين في استحباب
الإنذار بالميت وإشاعة موته بالنداء والإعلام فاستحب ذلك بعضهم للغريب والقريب لما
فيه من كثرة المصلين عليه والداعين له وقال بعضهم يستحب ذلك للغريب ولا يستحب
لغيره وقال النووي والمختار استحبابه مطلقا إذا كان مجرد إعلام وفي ( التوضيح )
وقال صاحب البيان ) من أصحابنا يكره نعي الميت وهو أن ينادى عليه في الناس أن
فلانا قد مات ليشهدوا جنازته وفي وجه حكاه الصيدلاني لا يكره وفي ( حلية الروياني
) من أصحابنا الإختيار إن ينادى به ليكثر المصلون وقال ابن الصباغ قال أصحابنا
يكره النداء عليه ولا بأس أن يعلم أصدقاءه وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا بأس به
ونقله العبدري عن مالك أيضا ونقل ابن التين عن مالك كراهة الإنذار بالجنائز على
أبواب المساجد والأسواق لأنه من النعي قال علقمة بن قيس الإنذار بالجنائز من النعي
وهو من أمر الجاهلية وقال البيهقي وروي النهي أيضا عن ابن عمر وأبي سعيد وسعيد بن
المسيب وعلقمة وإبراهيم النخعي والربيع بن خيثم قلت وأبي وائل وأبي ميسرة وعلي بن
الحسين وسويد بن غفلة ومطرف بن عبد الله ونصر بن عمران أبي جمرة وروى الترمذي من
حديث حذيفة أنه قال إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا فإني أخاف أن يكون نعيا وإني سمعت
رسول الله ينهى عن النعي وقال هذا حديث حسن وروى أيضا من حديث عبد الله عن النبي
قال إياكم والنعي فإن النعي من أمر الجاهلية وقال حديث غريب والمجوزون احتجوا
بحديث الباب وربما ورد في الصحيح أن النبي نعى للناس زيدا وجعفرا وفي الصحيح أيضا
(8/19)
قول فاطمة رضي الله تعالى عنها
حين توفي النبي وأبتاه من ربه ما أدناه وأبتاه إلى جبريل ننعاه وفي الصحيح أيضا في
قصة الرجل الذي مات ودفن ليلا فقال النبي أفلا كنتم آذنتموني فهذه الأحاديث دالة
على جواز النعي وقال النووي إن النعي المنهي عنه إنما هو نعي الجاهلية قال وكانت
عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى القبائل يقول نعا يا فلان أو يا نعاء
العرب أي هلكت العرب بهلاك فلان ويكون مع النعي ضجيج وبكاء وأما إعلام أهل الميت
وأصدقائه وقرابته فمستحب على ما ذكرناه آنفا واعترض بأن حديث النجاشي لم يكن نعيا
إنما كان مجرد إخبار بموته فسمى نعيا لشبهه به في كونه إعلاما وكذا القول في جعفر
بن أبي طالب وأصحابه ورد بأن الأصل الحقيقة على أن حديث النجاشي أصح من حديث حذيفة
وعبد الله فإن قلت قال ابن بطال إنما نعي النبي النجاشي وصلى عليه لأنه كان عند
بعض الناس على غير الإسلام فأراد إعلامهم بصحة إسلامه ( قلت ) نعيه جعفرا وأصحابه
يرد ذلك وحمل بعضهم النهي على نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وشبهها
الوجه الثاني فيه دليل على أنه لا يصلي على الجنازة في المسجد لأن النبي أخبر
بموته في المسجد ثم خرج بالمسلمين إلى المصلى وهو مذهب أبي حنيفة أنه لا يصلى على
ميت في مسجد جماعة وبه قال مالك وابن أبي ذئب وعند الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور
لا بأس بها إذا لم يخف تلويثه واحتجوا بما روي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى
عنه لما توفي أمرت عائشة رضي الله تعالى عنها بإدخال جنازته المسجد حتى صلى عليها
أزواج النبي ثم قالت هل عاب الناس علينا ما فعلنا فقيل لها نعم فقالت ما أسرع ما
نسوا ما صلى رسول الله على جنازة سهيل بن البيضاء إلا في المسجد رواه مسلم واحتج
أصحابنا من حديث ابن أبي ذئب عن صالح مولى التومة عن أبي هريرة قال قال رسول الله
من صلى على ميت في المسجد فلا شيء له رواه أبو داود بهذا اللفظ ورواه ابن ماجه
ولفظه فليس له شيء وقال الخطيب المحفوظ فلا شيء له وروي فلا شيء عليه وروي فلا أجر
له وقال ابن عبد البر رواية فلا أجر له خطأ فاحش والصحيح فلا شيء له ورواه ابن أبي
شيبة في ( مصنفه ) بلفظ فلا صلاة له فإن قلت روى ابن عدي في ( الكامل ) هذا الحديث
وعده من منكرات صالح ثم أسند إلى شعبة أنه كان لا يروي عنه وينهى عنه وإلى مالك لا
تأخذوا منه شيئا فإنه ليس بثقة وإلى النسائي أنه قال فيه ضعيف وقال ابن حبان في (
كتاب الضعفاء ) اختلط بآخره ولم يتميز حديثه من قديمه فاستحق الترك ثم ذكر له هذا
الحديث وقال إنه باطل وكيف يقول رسول الله وقد صلى على سهيل بن البيضاء في المسجد
وقال البيهقي صالح مختلف في عدالته كان مالك يجرحه وقال النووي أجيب عن هذا بأجوبة
أحدها أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد بن حنبل هذا حديث ضعيف تفرد به صالح
مولى التومة وهو ضعيف الثاني أن الذي في النسخ المشهورة المسموعة من سنن أبي داود
فلا شيء عليه فلا حجة فيه الثالث أن اللام فيه بمعنى على كقوله تعالى وإن أسأتم
فلها ( الإسراء 7 ) أي فعليها جمعا بين الأحاديث قلت الجواب عما قالوه من وجوه
الأول أن أبا داود روى بهذا الحديث وسكت عنه فهذا دليل رضاه به وأنه صحيح عنده
الثاني أن يحيى بن معين الذي هو فيصل في هذا الباب قال صالح ثقة إلا أنه اختلط قبل
موته فمن سمع منه قبل ذلك فهو ثبت حجة وممن سمع منه قبل الاختلاط ابن أبي ذئب هو
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب الثالث قال ابن عبد البر منهم
من يقبل عن صالح ما رواه عنه ابن أبي ذئب خاصة الرابع أن غالب ما ذكر فيه تحامل من
ذلك قول النووي إن الذي في النسخ المشهورة المسموعة من سنن أبي داود فلا شيء عليه
فإنه يرده قول الخطيب المحفوظ فلا شيء له وقول السروجي وفي الاسرار فلا صلاة له
وفي المرغيناني فلا أجر له ولم يذكر ذلك في كتب الحديث يرده ما ذكرناه من رواية
ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) فلا صلاة له وقال الخطيب فلا أجر له فلعدم إطلاعه في
هذا الموضع جازف فيه ومن تحاملهم جعل اللام بمعنى على بالتحكم من غير دليل ولا داع
إلى ذلك ولا سيما أن المجاز عندهم ضروري لا يصار إليه إلا عند الضرورة فلا ضررة
ههنا وأقوى ما يرد كلامه هذا رواية ابن أبي شيبة
(8/20)
فلا صلاة له فلا يمكن له أن
يقول اللام بمعنى على لفساد المعنى الخامس أن قول ابن حبان هذا باطل جرأة منه على
تبطيل الصواب فكيف يقول هذا القول وقد رواه أبو داود وسكت عنه فأقل الأمر أنه عنده
حسن لأنه رضي به وحاشاه من أن يرضى بالباطل السادس ما قاله الجهبذ النقاد الإمام
أبو جعفر الطحاوي رحمه الله ملخصا وهي أن الروايات لما اختلفت عن رسول الله في هذا
الباب يحتاج إلى الكشف ليعلم المتأخر منها فيجعل ناسخا لما تقدم فحديث عائشة إخبار
عن فعل رسول الله في حال الإباحة التي لم يتقدمها شيء وحديث أبي هريرة إخبار عن
نهي رسول الله الذي تقدمه الإباحة فصار ناسخا لحديث عائشة وإنكار الصحابة عليها
مما يؤكد ذلك فإن قلت من أي قبيل يكون هذا النسخ قلت من قبيل النسخ بدلالة التاريخ
وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر والآخر موجبا للإباحة ففي مثل هذا يتعين
المصير إلى النص الموجب للحظر لأن الأصل في الأشياء الإباحة والحظر طار عليها
فيكون متأخرا فإن قلت فلم لا يجعل بالعكس قلت لئلا يلزم النسخ مرتين وهذا ظاهر فإن
قلت ليس بين الحديثين منافاة فلا تعارض فلا يحتاج إلى التوفيق قلت ظهر لك صحة حديث
أبي هريرة بالوجوه التي ذكرناها فثبت التعارض ( فإن قلت ) مسلم أخرج حديث عائشة
ولم يخرج حديث أبي هريرة قلت لا يلزم من ترك مسلم تخريجه عدم صحته لأنه لم يلتزم
بإخراج كل ما صح عن النبي وكذلك البخاري ولئن سلمنا ذلك وأن حديث أبي هريرة لا
يخلو من كلام فكذلك حديث عائشة لا يخلو عن كلام لأن جماعة من الحفاظ مثل الدارقطني
وغيره عابوا على مسلم تخريجه إياه مسندا لأن الصحيح أنه مرسل كما رواه مالك
والماجشون عن أبي النضر عن عائشة مرسلا والمرسل ليس بحجة عندهم وقد أول بعض
أصحابنا حديث عائشة بأنه إنما صلى في المسجد بعذر مطر وقيل بعذر الاعتكاف وعلى كل
تقدير الصلاة على الجنازة خارج المسجد أولى وأفضل بل أوجب للخروج عن الخلاف لا
سيما في باب العبادات ولأن المسجد بني لأداء الصلوات المكتوبات فيكون غيرها في
خارج المسجد أولى وأفضل فإن قلت قالوا خروج النبي من المسجد إلى المصلى كان لكثرة
المصلين وللإعلام قلت نحن أيضا نقول صلاته في المسجد كان للمطر أو للاعتكاف كما
ذكرنا
الوجه الثالث فيه دليل على أن سنة هذه الصلاة الصف كسائر الصلوات وروى الترمذي من
حديث مالك بن هبيرة قال قال رسول الله من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب معناه وجبت
له الجنة أو وجبت له المغفرة وروى النسائي من رواية الحكم بن فروخ قال صلى بنا أبو
المليح على حنازة فظننا أنه كبر فأقبل علينا بوجهه فقال أقيموا صفوفكم ولتحسن
شفاعتكم وقال أبو المليح حدثني عبد الله عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج
النبي قالت أخبرني النبي قال ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه
فسألت أبا المليح عن الأمة قال أربعون
الوجه الرابع فيه حجة لمن جوز الصلاة على الغائب ومنهم الشافعي وأحمد قال النووي
فإن كان الميت في البلد فالمذهب أنه لا يجوز أن يصلى عليه حتى يحضر عنده وقيل يجوز
وفي الرافعي ينبغي أن لا يكون بين الإمام والميت أكثر من مائتي ذراع أو ثلثمائة
تقريبا
فرع عندهم لو صلى على الأموات الذين ماتوا في قرية وغسلوا في البلد الفلاني ولا
يعرف عددهم جاز قاله في ( البحر ) قال في ( التوضيح ) وهو صحيح لكن لا يختص ببلد
وقال الخطابي النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله وصدقه على ثبوته إلا أنه كان
يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين
ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه فلزم رسول الله أن
يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى
الصلاة عليه بظهر الغيب فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضى حقه من
الصلاة عليه فإنه لا يصلى عليه من كان ببلد آخر غائبا عنه فإن علم أنه لم يصل عليه
لعائق أو مانع عذر كان السنة
(8/21)
أن يصلى عليه ولا يترك ذلك
لبعد المسافة فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في
غير جهة القبلة وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الصلاة على الميت الغائب وزعموا أن
النبي كان مخصوصا بهذا الفعل إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي لما روي في بعض
الأخبار أنه قد سويت له الأرض حتى يبصر مكانه وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله إذا
فعل شيئا من أفعال الشريعة كان علينا اتباعه والأيتساء به والتخصيص لا يعلم إلا
بدليل ومما يبين ذلك أنه خرج بالناس إلى الصلاة فصف بهم وصلوا معه فعلم أن هذا
التأويل فاسد قلت هذا التشنيع كله على الحنفية من غير توجيه ولا تحقيق فنقول ما
يظهر لك فيه دفع كلامه وهو أن النبي رفع سريره فرآه فتكون الصلاة عليه كميت رآه
الإمام ولا يراه المأموم فإن قلت هذا يحتاج إلى نقل يبينه ولا يكتفي فيه بمجرد
الاحتمال قلت ورد ما يدل على ذلك فروى ابن حبان في ( صحيحه ) من حديث عمران بن
حصين أن النبي قال إن أخاكم النجاشي توفي فقوموا صلوا عليه فقام رسول الله وصفوا
خلفه فكبر أربعا وهم يظنون أن جنازته بين يديه وجواب آخر أنه من باب الضرورة لأنه
مات بأرض لم تقم فيها عليه فريضة الصلاة فتعين فرض الصلاة عليه لعدم من يصلي عليه
ثمة ويدل على ذلك أن النبي لم يصل على غائب غيره وقد مات من الصحابة خلق كثير وهم
غائبون عنه وسمع بهم فلم يصل عليهم إلا غائبا واحدا ورد أنه طويت له الأرض حتى
حضره وهو معاوية بن معاوية المزني روى حديثه الطبراني في ( معجمه الأوسط ) وكتاب (
مسند الشاميين ) حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا نوح بن عمير بن حوى السكسكي حدثنا
بقية بن الوليد عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة قال كنا مع رسول الله بتبوك
فنزل عليه جبريل عليه الصلاة و السلام فقال يا رسول الله إن معاوية بن معاوية
المزني مات بالمدينة أتحب أن تطوى لك الأرض فتصلي عليه قال نعم فضرب بجناحه على
الأرض ورفع له سريره فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك ثم
رجع وقال النبي لجبريل عليه الصلاة و السلام بم أدرك هذا قال بحبه سورة قل هو الله
أحد وقراءته إياها جاثيا وذاهبا وقائما وقاعدا وعلى كل حال انتهى فإن قلت قد صلى
على اثنين أيضا وهما غائبان وهما زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ورد عنه أنه كشف
له عنهما أخرجه الواقدي في كتاب ( المغازي ) فقال حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن
عمر بن قتادة وحدثني عبد الجبار بن عمارة عن عبد الله بن أبي بكر قالا لما التقى
الناس بمؤتة جلس رسول الله على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى
معتركهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى استشهد وصلى عليه ودعا له وقال
استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى
استشهد فصلى عليه رسول الله ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة فهو يطير فيها
بجناحيه حيث شاء قلت هو مرسل من الطريقين المذكورين والمرسل ليس بحجة على أنهم
يقولون في الواقدي مقال وقال صاحب ( التوضيح ) في معرض التحامل ومن ادعى أن الأرض
طويت له حتى شاهده لا دليل عليه وإن كانت القدرة صالحة لذلك قلت كأنه لم يطلع على
ما رواه ابن حبان والطبراني وقد ذكرناه الآن ووقع في كلام ابن بطال تخصيص ذلك
بالنجاشي فقال بدليل إطباق الأمة على ترك العمل بهذا الحديث قال ولم أجد لأحد من
العلماء إجازة الصلاة على الغائب إلا ما ذكره ابن زيد عن عبد العزيز بن أبي سلمة
فإنه قال إذا استؤذن أنه غرق أو قتل أو أكله السباع ولم يوجد منه شيء صلى عليه كما
فعل بالنجاشي وبه قال ابن حبيب وقال ابن عبد البر أكثر أهل العلم يقولون إن ذلك
مخصوص به وأجازه بعضهم إذا كان في يوم الموت أو قريب منه وفي ( المصنف ) عن الحسن
إنما دعا له ولم يصل
الوجه الخامس في أن التكبير على الجنازة أربعة وصرح بذلك في الحديث وهو آخر ما
استقر عليه أمره وقال ابن أبي ليلى يكبر خمسا وإليه ذهب الشيعة وقيل ثلاثا قاله
بعض المتقدمين وقيل أكثره سبع وأقله ثلاث ذكره القاضي أبو محمد وقيل ست ذكره ابن
المنذر عن علي رضي الله تعالى عنه وعن أحمد لا ينقص من أربع ولا يزاد على سبع وقال
ابن
(8/22)
مسعود يكبر ما كبر إمامه وروى
مسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا خمسا
فسألته فقال كان رسول الله يكبرها ورواه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه
والطحاوي وقال ذهب قوم إلى أن التكبير على الجنائز خمس وأخذوا بهذا الحديث قلت
أراد بالقوم هؤلاء عبد الرحمن بن أبي ليلى وعيسى مولى حذيفة وأصحاب معاذ بن جبل
وأبا يوسف من أصحاب أبي حنيفة وإليه ذهبت الظاهرية والشيعة وفي ( المبسوط ) وهي
رواية عن أبي يوسف وقال الحازمي وممن رأى التكبير على الجنازة خمسا ابن مسعود وزيد
بن أرقم وحذيفة بن اليمان وقال فرقة يكبر سبعا روي ذلك عن ذر بن حبيش وقال فرقة
يكبر ثلاثا روى ذلك عن أنس وجابر بن زيد وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وقال
الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون قلت أراد بهم محمد بن الحنفية وعطاء بن أبي رباح
وابن سيرين والنخعي وسويد بن غفلة والثوري وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد وأبا
مجلز لاحق بن حميد ويحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت وجابر
وابن أبي أوفى والحسن بن علي والبراء بن عازب وأبي هريرة وعقبة بن عامر رضي الله
تعالى عنهم ولم يذكر التسليم هنا في حديث النجاشي وذكر في حديث سعيد ابن المسيب
رواية ابن حبيب عن مطرف عن مالك واستغربه ابن عبد البر قال إلا أنه لا خلاف علمته
بين العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفقهاء في السلام وإنما اختلفوا
هل هي واحدة أو اثنتان فالجمهور على تسليمة واحدة وهو أحد قولي الشافعي وقالت
طائفة تسليمتان وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو قول الشعبي ورواية عن إبراهيم وممن
روي عنه واحدة عمر وابنه عبد الله وعلي وابن عباس وأبو هريرة وجابر وأنس وابن أبي
أوفى وواثلة وسعيد بن جبير وعطاء وجابر بن زيد وابن سيرين والحسن ومكحول وإبراهيم
في رواية وقال الحاكم صحت الرواية في الواحدة عن علي وابن عمر وابن عباس وجابر
وأبي هريرة وابن أبي أوفى أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة وقال ابن التين وسأل
أشهب مالكا أتكره السلام في صلاة الجنائز قال لا وقد كان ابن عمر يسلم قال فاستناد
مالك إلى فعل ابن عمر دليل على أنه لم يسلم في صلاته على النجاشي ولا على غيره
6421 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( حميد
بن هلال ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي أخذ الراية زيد
فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله
لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله أخذ الراية زيد إلى آخره نعى منه إليهم لأنه أخبر
بموتهم غاية ما في الباب أنه صرح بالنعي في الحديث السابق وههنا ذكره بالمعنى وصرح
بالنعي في علامات النبوة حيث قال إن النبي نعى زيدا وجعفرا الحديث
ورجاله قد ذكروا غير مرة ومعمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد وعبد الوارث
ابن سعيد وأيوب هو السختياني
وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في الجهاد عن يوسف بن يعقوب ويعقوب بن إبراهيم فرقهما
وفي علامات النبوة عن سليمان بن حرب وفي فضل خالد وفي المغازي عن أحمد بن واقد
وأخرجه النسائي في الجنائز عن إسحاق بن إبراهيم
ذكر معناه قوله أخذ الراية زيد وقصته في غزوة مؤتة وهي موضع في أرض البلقاء من
أطراف الشام وذلك أنه أرسل سرية في جمادى الأولى من سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن
حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر ابن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن
رواحة على الناس فخرجوا وهم ثلاثة آلاف فتلاقوا مع الكفار فاقتتلوا فقتل زيد بن
حارثة ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى قتل ثم أخذها عبد الله بن
رواحة فقاتل بها حتى قتل ثم أخذها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ففتح الله
على يديه وعن أنس أن رسول الله نعى زيدا
(8/23)
وجعفرا وابن رواحة للناس قبل
أن يأتيهم خبر ولما أخبر رسول الله بخبرهم حتى قال ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله
حتى فتح الله عليهم وفي رواية للبخاري عن ابن عمر فالتمسنا جعفر بن أبي طالب
فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وسبعين من طعنة ورمية وعن خالد لقد انقطعت
في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية رواه البخاري وزيد هو
ابن حارثة بن شراحيل بن كعب الكلبي القضاعي مولى رسول الله أعتقه رسول الله وتبناه
ولم يذكر الله تعالى أحدا من الصحابة في القرآن باسمه الخاص إلا زيدا قال الله
تعالى فلما قضى زيد منها وطرا ( الأحزاب 73 ) وجعفر ابن أبي طالب الهاشمي الطيار
ذو الجناحين وهو صاحب الهجرتين الجواد ابن الجواد وكان أمير المهاجرين إلى الحبشة
وعبد الله بن رواحة بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة الخزرجي المدني أحد
النقباء ليلة العقبة قوله لتذرفان اللام للتأكيد وتذرفان بالذال المعجمة من ذرفت
عينه إذا سال منها الدمع قوله من غير إمرة بكسر الهمزة وسكون الميم وفتح الراء
ذكر ما يستفاد منه فيه دليل النبوة لأنه أخبر بأصابتهم في المدينة وهم بمؤتة وكان
كما قال وفيه جواز البكاء على الميت وفيه أن الرحمة التي تكون في القلب محمودة
وفيه جواز تولي أمر القوم من غير تولية إذا خاف ضياعه وحصول الفساد بتركه وقال
الخطابي لما نظر خالد بعد موتهم وهو في ثغر مخوف وبإزاء عدو عددهم جم وبأسهم شديد
خاف ضياع الأمر وهلاك من معه من المسلمين فتصدى للإمارة عليهم وأخذ الراية من غير
تأمير وقاتل إلى أن فتح الله على المسلمين فرضي رسول الله فعله إذ وافق الحق وإن
لم يكن من رسول الله إذن ولا من القوم الذين معه بيعة وتأمير فصار هذا أصلا في
الضرورات إذا وقعت من معاظم أمر الدين في أنها لا تراعى فيها شرائط أحكامها عند
عدم الضرورة وكذا في حقوق آحاد أعيان الناس مثل أن يموت رجل بفلاة وقد خلف تركة
فإن على من شهده حفظ ماله وإيصاله إلى أهله وإن لم يوص المتوفي بذلك فإن النصيحة واجبة
للمسلمين وفيه أيضا جواز دخول الخطر في الوكالات وتعليقها بالشرائط
5 -
( باب الإذن بالجنازة )
أي هذا باب في بيان الإذن بكسر الهمزة والمراد العلم بها ويروى باب الأذان أي
الإعلام بها وقيل باب الآذان بمد الهمزة وكسر الذال على وزن الفاعل وهو الذي يؤذن
بالجنازة أي يعلم بها بأنها تهيأت والفرق بين هذه الترجمة والترجمة التي قبلها أن
الأولى إعلام وليس له علم بالميت وهذه إعلام من أعلم يتهيء أمره
وقال أبو رافع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي ألا آذنتموني
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو رافع الصائغ اسمه نفيع بضم النون وهو طرف حديث أخرجه
في باب كنس المسجد والتقاط الخرق حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن
ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات
فسأل النبي عنه فقالوا مات فقال أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره أو على
قبرها فأتى قبره فصلى عليها وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
7421 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( أبو معاوية ) عن ( أبي إسحاق الشيباني ) عن (
الشعبي ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال مات إنسان كان رسول الله يعوده
فمات بالليل فدفنوه ليلا فلما أصبح أخبروه فقال ما منعكم أن تعلموني قالوا كان
الليل فكرهنا وكانت ظلمة أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه
مطابقته للترجمة في قوله ما منعكم أن تعلموني
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن سلام أو ابن المثنى
(8/24)
لأن كلا منهما روى عن أبي
معاوية ولكن جزم أبو علي بن السكن في روايته عن الفربري أنه محمد بن سلام الثاني
أبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير الثالث أبو إسحاق بن أبي
سليمان فيروز الشيباني بفتح الشين المعجمة الرابع عامر بن شراحيل الشعبي الخامس
عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في
موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده
وهو البيكندي البخاري وبقية الرواة كوفيون وفيه ذكر شيخه بلا نسبة وإثنان بالكنية
وواحد بالنسبة إلى شعب بطن من همدان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الصلاة عن محمد بن المثنى عن غندر
وفي الجنائز عن مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال فرقهم أربعتهم عن
شعبة وفيه عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد وعن عثمان بن أبي شيبة عن جرير وعن
محمد وعن أبي معاوية هنا وعن يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن أبي بكير عن زائدة
خمستهم عن أبي إسحاق الشيباني عنه به وأخرجه مسلم في الجنائز عن محمد بن المثنى عن
الحسن بن الربيع وأبي كامل الجحدري وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبيد الله بن معاذ
وعن الحسن بن الربيع ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن يحيى ابن يحيى وعن محمد بن
حاتم وعن إسحاق بن إبراهيم وهارون بن عبد الله وعن أبي غسان وأخرجه أبو داود فيه
عن محمد ابن العلاء وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن
يعقوب بن إبراهيم وعن إسماعيل بن مسعود وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد
ذكر اختلاف الألفاظ فيه وفي لفظ للبخاري فقال متى دفن فقالوا البارحة وفي لفظ مسلم
انتهى رسول الله إلى قبر رطب وقال البيهقي روى هريم بن سفيان عن الشعبي فقال بعد
موته بثلاث ليال وروى عن إسماعيل بن زكرياء عن الشيباني فقال صلى على قبره بعد ما
دفن بليلتين ورواه بشر بن آدم وغيره عن أبي عاصم عن سفيان عن الشيباني صلى على قبر
بعد شهر وقال الدارقطني تفرد بهذا بشر بن آدم وخالفه عن أبي عاصم وهو العباس بن
محمد فقال صلى على قبر بعدما دفن وروى الترمذي بإسناده عن سعيد بن المسيب أن أم
سعد ماتت والنبي غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر وقال الترمذي قال أحمد
وإسحاق أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب أن النبي صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر
فإن قلت قد وردت الصلاة على القبر بعد سنة فيما رواه البيهقي في سننه من رواية أبي
معبد بن معبد بن أبي قتادة أن البراء بن معرور كان أول من استقبل القبلة وكان أحد
السبعين النقباء فقدم المدينة قبل أن يهاجر رسول الله فجعل يصلي نحو القبلة فلما
حضرته الوفاة أوصى بثلث ماله لرسول الله يضعه حيث يشاء وقال وجهوني إلى القبلة في
قبري فقدم النبي بعد سنة فصلى عليه هو وأصحابه ورد ثلث ميراثه على ولده قلت قال
البيهقي بعد روايته كذا وجدت في كتابي والصواب بعد شهر
ذكر معناه قوله مات إنسان كان رسول الله يعوده قيل الإنسان هذا هو طلحة بن البراء
ابن عمير البلوي حليف الأنصار وروى الطبراني من طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن
أبيه عن حصين بن وحوح الأنصاري أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي يعوده فقال إني
لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فلم يبلغ النبي بني سالم بن
عوف حتى توفي وكان قال لأهله لما دخل الليل إذا مت فادفنوني ولا تدعو رسول الله
فإني أخاف عليه يهود أن يصاب بسببي فأخبر النبي حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره
فصف الناس معه ثم رفع يديه فقال اللهم إلق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه وأخرجه أبو
داود مختصرا من حديث الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي يعوده فقال
إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم
أن تحبس بين ظهراني أهله وقال صاحب ( التوضيح ) إن هذا الإنسان هو الميت المذكور
(8/25)
في حديث أبي هريرة الذي يقم
المسجد قيل وهذا وهم لأن الصحيح في حديث أبي هريرة أنها امرأة يقال لها أم محجن
قوله فلما أصبح أي دخل رسول الله في الصباح قوله وكان الليل برفع الليل وكان تامة
وكذا كان في كانت ظلمة قوله أن نشق كلمة أن مصدرية أي كرهنا المشقة عليه وقوله
وكانت ظلمة جملة معترضة
ذكر ما يستفاد منه فيه عيادة المريض وقد مر الكلام فيه مستقصى وفيه جواز دفن الميت
بالليل وروى الترمذي من حديث عطاء عن عباس أن النبي دخل قبرا ليلا فأسرج له بسراج
فأخذ من قبل القبلة وقال رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن وكبر عليه أربعا ثم
قال الترمذي ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل وروى ابن أبي شيبة في ( المصنف )
بإسناده عن أبي ذر قال كان رجل يطوف بالبيت يقول أوه أوه قال أبو ذر فخرجت ليلة فإذا
النبي في المقابر يدفن ذلك الرجل ومعه مصباح وفيه الأذن بالجنازة والإعلام به وقد
مر بيانه مع الخلاف فيه وفيه تعجيل الجنازة فإنهم ظنوا أن ذلك آكد من إيذانه وفيه
جواز الصلاة على القبر وفيه خلاف وقال الترمذي العمل على هذا أي الصلاة على القبر
عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعض
أهل العلم لا يصلى على القبر وهو قول مالك بن أنس وقال عبد الله بن المبارك إذا
دفن الميت ولم يصل عليه صلى على القبر وقال أحمد وإسحاق يصلى على القبر إلى شهر
وقال ابن التين جمهور أصحاب مالك على الجواز خلافا لأشهب وسحنون فإنهما قالا إن
نسي أن يصلي على الميت فلا يصلي على قبره وليدع له وقال ابن قاسم وسائر أصحابنا
يصلى على القبر إذا فاتت الصلاة على الميت فإذا لم تفت وكان قد صلي عليه فلا يصلي
عليه وقال ابن وهب عن مالك ذلك جائز وبه قال الشافعي وعبد الله بن وهب وابن عبد
الحكم وأحمد وإسحاق وداود وسائر أصحاب الحديث وكرهها النخعي والحسن وهو قول أبي
حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد قال ابن القاسم قلت لمالك
فالحديث الذي جاء في الصلاة عليه قال قد جاء وليس عليه العمل وقال صاحب ( الهداية
) وإن دفن الميت ولم يصل عليه صلي على قبره ولا يخرج منه ويصلي عليه ما لم يعلم
أنه تفرق هكذا في ( المبسوط ) وإذا شك في ذلك نص الأصحاب على أنه لا يصلي عليه وبه
قال الشافعي وأحمد وهو قول عمر وأبي موسى وعائشة وابن سيرين والأوزاعي وهل يشترط
في جواز الصلاة على قبره كونه مدفونا بعد الغسل فالصحيح أنه يشترط وروى ابن سماعة
عن محمد أنه لا يشترط وفي ( المحيط ) لو صلى عليه من لا ولاية له عليه يصلي على
قبره ويصلي عليه قبل أن يتفسخ والمعتبر في ذلك أكبر الرأي أي غالب الظن فإن كان
غالب الظن أنه تفسخ لا يصلي عليه وإن كان غالب الظن أنه لم يتفسخ يصلي عليه وإذا
شك لا يصلي عليه وروي عن أبي يوسف يصلي عليه إلى ثلاثة أيام وبعدها لا يصلي عليه
وللشافعية ستة أوجه أولها إلى ثلاثة أيام ثانيها إلى شهر كقول أحمد ثالثها ما لم
يبل جسده رابعها يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه يوم موته خامسها يصلي عليه
من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته سادسها يصلي عليه أبدا فعلى هذا تجوز
الصلاة على قبور الصحابة ومن قبلهم اليوم واتفقوا على تضعيفه وممن صرح به الماوردي
والمحاملي والفوراني والبغوي وإمام الحرمين والغزالي فإن قلت في البخاري عن عقبة
بن عامر رضي الله تعالى عنه أنه صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين قلت أجاب السرخسي
في ( المبسوط ) وغيره أن ذلك محمول على الدعاء ولكنه غير سديد لأن الطحاوي روى عن
عقبة بن عامر أنه خرج يوما فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت والجواب السديد أن
أجسادهم لم تبل
6 -
( باب فضل من مات له ولد فاحتسب )
أي هذا باب في بيان فضل من مات له ولد فاحتسب أي صبر راضيا بقضاء الله تعالى راجيا
لرحمته وغفرانه والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد وإنما قيل لمن ينوي بعمله
وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد بعمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد
به والاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله
بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا
للثواب المرجو منها وإنما ذكر لفظ الولد ليتناول
(8/26)
الذكر والأنثى والواحد فما
فوقه فإن قلت أحاديث الباب ثلاثة وفيها التقييد بثلاثة واثنين قلت في بعض طرق
الحديث الوارد فيه ذكر الواحد كما ستقف عليه فيما نذكره الآن لأنه روى في هذا
الباب عن جماعة من الصحابة وهم أبو هريرة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس
وأبو سعيد الخدري ومعاذ بن جبل وعتبة بن عبد وجابر بن عبد الله ومطرف ابن الشخير
وأنس بن مالك وأبو ذر وعبادة بن الصامت وأبو ثعلبة وعقبة بن عامر وقرة بن أياس
المزني وعلي بن أبي طالب وأبو أمامة وأبو موسى والحارث بن وقيش وجابر بن سمرة
وعمرو بن عبسة ومعاوية بن حيدة وعبد الرحمن بن بشير وزهير بن علقمة وعثمان بن أبي
العاص وعبد الله بن الزبير وابن النضر السلمي وسفينة وحوشب بن طخمة والحسحاس بن
بكر وعبد الله بن عمر والزبير بن العوام وبريدة وأبو سلمة راعي رسول الله وأبو
برزة الأسلمي وعائشة أم المؤمنين وحبيبة بنت سهل وأم سليم وأم مبشر ورجل لم يسم
رضي الله تعالى عنهم
فحديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم والنسائي وحديث عبد الله بن مسعود عند الترمذي
عن ابنه أبي عبيدة عنه قال قال رسول الله من قدم ثلاثة لم يبلغوا الحنث كانوا له
حصنا حصينا قال أبو ذر قدمت اثنين قال وإثنين قال أبي بن كعب سيد القراء قدمت
واحدا قال وواحدا ولكن إنما ذلك عند الصدمة الأولى قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب
وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه وحديث عبد الله ابن عباس عند الترمذي أيضا من حديث
سماك بن الوليد الحنفي يحدث أنه سمع ابن عباس يحدث أنه سمع رسول الله يقول من كان
له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة فقالت عائشة فمن كان له فرط من أمتك فقال
ومن كان له فرط يا موفقة قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال أنا فرط أمتي لن
يصابوا بمثلي وقال هذا حديث حسن غريب وحديث أبي سعيد عند البخاري ومسلم والنسائي
من رواية ذكروان عنه على ما يجيء إن شاء الله تعالى وحديث معاذ عند ابن أبي شيبة
في ( مصنفه ) عن النبي أنه قال أوجب ذو الثلاثة قالوا وذو الإثنين يا رسول الله
قال وذو الإثنين ورواه أحمد والطبراني أيضا وروى ابن ماجه عنه عن النبي قال والذي
نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسروره إلى الجنة إذا احتسبته والسرور بفتحتين هو ما
تقطعه القابلة من السرة وحديث عتبة بن عبد عند ابن ماجه عن محمود بن لبيد عنه قال
سمعت رسول الله يقول ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه
من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل وحديث جابر بن عبد الله عند البيهقي قال
سمعت رسول الله يقول من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم عند الله دخل الجنة قال
قلت يا رسول الله وإثنان قال وإثنان قال محمود فقلت لجابر والله إني لأراكم لو
قلتم واحدا لقال واحدا قال أنا والله أظن ذلك ورواه أحمد أيضا وحديث مطرف بن
الشخير عند مسدد في ( مسنده ) قال قال رسول الله للأنصار ما الرقوب فيكم قالوا
الذي لا ولد له قال رسول الله ليس ذاكم بالرقوب الرقوب الذي يقدم على ربه ولم يقدم
أحدا من ولده الحديث عند البخاري والنسائي وحديث أبي ذر عند النسائي من رواية
الحسن عن صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر قلت حدثني قال نعم قال رسول الله ما من
مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما بفضل رحمته
إياهم وحديث عبادة بن الصامت عند أبي داود الطيالسي أن رسول الله قال والنفساء
يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة وحديث أبي ثعلبة الأشجعي عند أحمد في (
مسنده ) والطبراني في ( معجمه الكبير ) من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن
نبهان عنه قال قلت يا رسول الله مات لي ولدان في الإسلام فقال من مات له ولدان في
الإسلام أدخله الجنة بفضل رحمته إياهما وحديث عقبة بن عامر عند الطبراني في (
الكبير ) من حديث أبي غثانة المغافري أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله من
أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله عز و جل وجبت له الجنة ورواه أحمد أيضا
وحديث قرة بن إياس عند النسائي من حديث معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا أتى النبي
ومعه ابن له فقال أنحبه فقال أحبك الله كما أحبه فمات ففقده فسأل عنه فقال ما يسرك
أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك وحديث علي عند
الدارقطني في العلل عنه عن النبي من مات له ثلاثة من الولد وروى ابن أبي شيبة في (
مصنفه ) عنه قال قال رسول الله صلى الله
(8/27)
عليه وسلم إن السقط ليراغم ربه إن أدخل أبويه النار حتى يقال له أيها السقط المراغم ربه إرجع فإني قد أدخلت أبويك الجنة قال فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة ورواه أبو يعلى أيضا وحديث أبي أمامة عند ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عنه قال قال رسول الله ما من مؤمنين يموت لهما ثلاثة من الأولاد لم يبلغوا الحلم إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم وحديث أبي موسى عند البخاري في الجنائز وحديث الحارث بن وقيش ويقال أقيش عند ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) أن رسول الله قال ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط إلا أدخلهما الله الجنة قالوا يا رسول الله وثلاثة قال وثلاثة قالوا وإثنان قال وإثنان وحديث جابر بن سمرة عند الطبراني في ( الكبير ) أنه قال قال رسول الله من دفن ثلاثة من الولد فصبر عليهم واحتسبهم وجبت له الجنة فقالت أم أيمن أو اثنين فقال ومن دفن اثنين فصبر عليهما واحتسبهما وجبت له الجنة فقالت أم أيمن أو واحدا قالت فسكت أو أمسك فقال سمعت أم أيمن من دفن واحدا فصبر واحتسب كانت له الجنة وحديث عمرو بن عبسة عند الطبراني أيضا في ( الكبير ) من رواية الوضين الحديث وفيه سمعت رسول الله يقول ما من مؤمن ولا مؤمنة يقدم الله له ثلاثة أولاد من صلبه لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته هو وإياهم وحديث معاوية بن حيدة عند ابن حبان في الضعفاء عنه عن النبي قال سوداء ولود خير من حسناء لا تلد إني مكاثر بكم الأمم حتى إن السقط ليظل محبنطيا على باب الجنة فيقال أدخل فيقول أنا وأبوي فيقال أنت وأبويك وحديث عبد الرحمن بن بشير عند الطبراني في ( الكبير ) قال قال رسول الله من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لن يلج النار إلا عابر سبيل يعني الجواز على الصراط وحديث زهير بن علقمة عند الطبراني في ( الكبير ) قال جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله في ابن لها مات فكان القوم عنفوها فقالت يا رسول الله مات لي ابنان فقال النبي لقد احتظرت من النار احتظارا شديدا ورواه البزار أيضا رحمه الله تعالى وحديث عثمان بن أبي العاص عند الطبراني أيضا قال قال رسول الله قد استجن جنة حصينة من النار رجل سلف بين يديه ثلاثة من صلبه في الإسلام وحديث عبد الله بن الزبير عند الدارقطني في ( العلل ) عن النبي قال من مات له ثلاثة من الولد الحديث وحديث ابن النضر السلمي عند مالك في ( الموطأ ) أن رسول الله قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار فقالت امرأة عند رسول الله أو اثنان قال أو اثنان قال ابن عبد البر ابن النضر هذا مجهول في الصحابة والتابعين واختلف الرواة ( للموطأ ) فبعضهم يقول عن ابن النضر وهو الأكثر وبعضهم يقول عن أبي النضر ولا يعرف إلا بهذا الحديث وحديث سفينة عند ابن إسحاق بن إبراهيم البغدادي في كتاب ( رواية الأكابر عن الأصاغر ) قال قال رسول الله بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وفرط صالح يفرطه وحديث حوشب بن طخمة الحميري عند ابن منده في كتاب ( الصحابة ) وابن قانع أيضا في ( معجم الصحابة ) عن النبي أنه قال من مات له ولد فصبر واحتسب قيل له ادخل الجنة بفضل ما أخذنا منك اللفظ لابن قانع وهو عند ابن منده مطول بلفظ آخر وحديث الحسحاس ابن بكر عند أبي موسى المديني الذي ذيل به على الصحابة لابن منده عن النبي قال من لقي الله بخمس عوفي من النار وأدخل الجنة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وولد يحتسب وحديث عبد الله بن عمر عند الطبراني قال إن رجلا من الأنصار كان له ابن يروح إذا راح النبي فسأل نبي الله عنه فقال أتحبه قال يا نبي الله نعم فأحبك الله كما أحبه فقال إن الله أشد لي حبا منك له فلم يلبث أن مات ابنه ذاك فراح إلى النبي وقد أقبل عليه بثه فقال له رسول الله أجزعت قال نعم فقال له رسول الله أو لا ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش قال بلى يا رسول الله وحديث الزبير بن العوام عند الدارقطني في ( العلل ) عن النبي من مات له ثلاثة من الولد الحديث وحديث بريدة عند البزار قال كنت عند النبي فبلغه أن امرأة من الأنصار مات ابن لها الحديث وفيه فقال رسول الله إنما الرقوب الذي
(8/28)
يعيش ولدها إنه لا يموت لامرأة
مسلمة أو امرىء مسلم نسمة أو قال ثلاثة من ولده فيحتسبهم إلا وجبت له الجنة فقال
عمر واثنين قال واثنين وحديث ابن سلمى عند النسائي في اليوم والليلة عنه مرفوعا بخ
بخ بخمس مثل حديث سفينة وحديث أبي برزة الأسلمي عند أحمد رواه من حديث الحارث بن
وقيش قال كنا عند أبي برزة فحدث ليلتئذ عن النبي قال ما من مسلمين يموت لهما أربعة
أفراط ألا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته فقالوا يا رسول الله وثلاثة قال وثلاثة
قالوا وإثنان قال وإثنان واسم أبي برزة نضلة بن عبيد على الصحيح وحديث عائشة رضي
الله تعالى عنها عند الطبراني في ( الأوسط ) من قدم ثلاثة من الولد صابرا محتسبا
حجبوه عن النار بإذن الله تعالى وحديث حبيبة بنت سهل عند الطبراني في ( الكبير )
من حديث محمد بن سيرين عنها قالت قال النبي ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أطفال لم
يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم وحديث أم سليم عند ابن أبي
شيبة في ( مصنفه ) من حديث عمرو الأنصاري عن أم سليم ابنة ملحان وهي أم أنس أنها
سمعت النبي يقول ما من مسلمين الحديث نحو حديث حبيبة بنت سهل وحديث أم مبشر عند
الطبراني في ( الكبير ) من حديث سعيد بن المسيب عنها أن رسول الله قال لها يا أم
مبشر من كان له ثلاثة أفراط من ولده أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم وكانت أم
مبشر تطبخ طبيخا فقالت أو فرطان فقال أو فرطان وحديث رجل لم يسم عند ابن أبي شيبة
في ( مصنفه ) عن النبي أنه قال لامرأة أتته بصبي لها فقالت يا رسول الله أدع الله
سبحانه وتعالى أن يبقيه فقد مضى لي ثلاثة فقال أمذ أسلمت قالت نعم قال جنة حصينة
من النار
وقول الله عز و جل وبشر الصابرين ( البقرة 551 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله من مات وفي بعض النسخ قال الله تعالى وبشر الصابرين
ووقع هذا في رواية الأصيلي وكريمة وذكر هذا تأكيدا لقوله فاحتسب لأن الاحتساب لا
يكون إلا بالصبر وقد بشر الله الصابرين في هذه الآية التي في سورة البقرة ووصفهم
بقوله عز و جل وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه
راجعون ( البقرة 551 ) ولفظ المصيبة عام فيتناول المصيبة بالولد وغيره
8421 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) عن
( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة من
الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم
( الحديث 8421 - طرفه في 1831 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وذكر الولد فيها يتناول الثلاثة فما فوقها فإن قلت ذكر فيها
الاحتساب وليس ذلك في الحديث قلت هو مراد فيه وإن لم يذكر صريحا لأن دخول الجنة لا
يكون إلا بالاحتساب فيه
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو الثاني عبد
الوارث بن سعيد الثالث عبد العزيز بن صهيب وصرح به في رواية ابن ماجه الرابع أنس
بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع
واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه أنه من الرباعيات
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه جميعا في الجنائز عن يوسف ابن حماد وعند النسائي
من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة فقامت امرأة فقالت أو اثنان قال وإثنان قالت
المرأة يا ليتني قلت واحدا
ذكر معناه قوله ما من الناس من مسلم كلمة من الأولى بيانية والثانية زائدة وهو اسم
لما قوله ثلاثة أي ثلاثة أولاد ويروى ثلاث لا يقال الولد مذكر فلا بد من علامة
التأنيث فيه لأنا نقول إذا كان المميز محذوفا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث
قوله يتوفى على صيغة المجهول أي يموت قوله لم يبلغوا الحنث بكسر الحاء المهملة
وسكون النون وفي آخره ثاء مثلثة كذا هو في جميع الروايات وحكى صاحب ( المطالع ) عن
الداودي أنه روى لم يبلغوا
(8/29)
الخبث بفتح الخاء المعجمة
والباء الموحدة أي لم يبلغوا فعل المعاصي قال وهذا لا يعرف إنما هو الحنث وهو
المحفوظ قال أبو المعالي في ( المنتهى ) بلغ الغلام الحنث أي بلغ مبلغا تجري عليه
الطاعة والمعصية وفي ( المحكم ) الحنث الحلم وقال الخليل بلغ الغلام الحنث أي جرى
عليه القلم والحنث الذنب قال تعالى وكانوا يصرون على الحنث العظيم ( الواقعة 64 )
وقيل المراد بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث وقال الراغب عبر بالحنث عن البلوغ
لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله قوله إلا أدخله الجنة هذا
الاستثناء وما بعده خبر قوله وما من مسلم قوله بفضل رحمته أي بفضل رحمة الله للأولاد
وقيل إن الضمير في رحمته يرجع إلى الأب لكونه كان يرحمهم في الدنيا فيجازى بالرحمة
في الآخرة ورد ذلك بأن الضمير يرجع إلى الله تعالى بدليل ما روى في رواية ابن ماجه
من هذا الوجه بفضل رحمة الله إياهم وفي رواية النسائي من حديث أبي ذر إلا غفر الله
لهما بفضل رحمته وكذا في حديث الحارث بن وقيش وقد مر عن قريب وكذا في حديث عمرو بن
عبسة وقد مر أيضا فكأن هذا القائل لم يطلع على الأحاديث المذكورة وتصرف فيما قاله
قوله إياهم الضمير يرجع إلى قوله ثلاثة من الولد وقال الكرماني الظاهر أن المراد
به المسلم الذي توفيت أولاده لا الأولاد وإنما جمع باعتبار أنه نكرة في سياق النفي
تفيد العموم قلت الظاهر غير ظاهر لأن في غير طريق هذا الحديث ما يدل على أن الضمير
للأولاد وذلك في حديث عمرو بن أبي عبسة وأبي ثعلبة الأشجعي وقد مر ذكرهما وقد تكلف
الكرماني فيما قاله لعدم إطلاعه على هذه الأحاديث وقد علم أن الأحاديث يفسر بعضها
بعضا ولا سيما إذا كانت في قضية واحدة فافهم
ذكر ما يستفاد منه فيه خص الصغير لأن الشفقة عليهم أعظم والحب له أشد والرحمة له
أوفر وعلى هذا فمن بلغ الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب وإن كان في
فقد الولد مطلقا أجر في الجملة وعلى هذا كثير من العلماء لأن البالغ يتصور منه
العقوق المقتضي لعدم الرحمة بخلاف الصغير فإنه لا يتصور منه ذلك لأنه غير مخاطب
وقيل بل يدخل الكبير في ذلك من طرق الفحوى لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل
على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه
إليه الخطاب بالحقوق قال هذا القائل دليل هذا هو السر في إلغاء البخاري التقييد
بذلك في الترجمة قيل يقول الأول قوله بفضل رحمته إياهم لأن الرحمة للصغار أكثر
لعدم حصول الإثم منهم قلت رحمة الله واسعة تشمل الصغير والكبير فلا يحتاج إلى
التقييد فإن قلت هل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا واستمر على ذلك فمات قلت
الظاهر أنه يلحق لعدم الخطاب فإن قلت في الناس من يكره ولده ويتبرأ منه ولا سيما
إذا كان ضيق الحال قلت لما كان الولد مظنة المحبة نيط بها الحكم وإن كان يوجد
التخلف في بعض الأفراد فإن قلت هل يدخل أولاد الأولاد في هذا الحكم قلت الحديث
الذي أخرجه النسائي من طريق حفص بن عبيد الله عن أنس عن رسول الله قال من احتسب
ثلاثة من صلبه دخل الجنة الحديث يدل على أن أولاد الأولاد لا يدخلون وكذلك حديث
عثمان بن أبي العاص رجل سلف بين يديه ثلاثة من صلبه في الأسلام وقد مر عن قريب
ولكن الظاهر أن أولاد الأولاد الذكور منهم يدخلون وأولاد البنات لا يدخلون وفيه
التقييد بالإسلام ليدل على اختصاص ذلك الثواب بالمسلم فإن قلت من مات له أولاد في
الكفر ثم أسلم هل يدخل فيه قلت حديث أبي ثعلبة الأشجعي وحديث عمرو ابن عبسة اللذين
قد ذكرا عن قريب يدلان على عدم ذلك وفيه دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة قال
في ( التوضيح ) وهو إجماع ولا عبرة للمجبرة حيث جعلوهم تحت المشيئة فلا يعتد
بخلافهم ولا بوفاقهم وفي أطفال المشركين اختلاف بين العلماء فذهب جماعة إلى التوقف
في أطفال المشركين أن يكونوا في جنة أو نار منهم ابن المبارك وحماد وإسحاق لحديث
أبي هريرة سئل رسول الله عن الأطفال فقال الله أعلم بما كانوا عاملين كذا قال
الأطفال ولم يخص طفلا من طفل قال الطبراني في ( معجمه الأوسط ) روي أن النبي قال
لعائشة في أطفال المشركين إن شئت دعوت الله تعالى أن يسمعك تضاغيهم في النار وقال
سمرة بن جندب قال رسول الله أولاد المشركين هم خدم أهل الجنة وروي عنه أنه سئل
عنهم فقال الله أعلم بما كانوا عاملين فرجع الأمر إلى قول رسول الله ألله أعلم بما
كانوا عاملين فمن سبق علم
(8/30)
الله فيه أنه لو كبر آمن هم الذين
قال هم خدم أهل الجنة وهو قول أهل السنة فإن قلت روى أبو داود الطيالسي حدثنا قيس
بن الربيع عن يحيى بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أن النبي أتى بصبي من
الأنصار ليصلي عليه فقالت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوأ قط ولم يدره
فقال يا عائشة أولا تدرين أن الله تبارك خلق الجنة وخلق لها أهلا خلقها لهم وهم في
أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وروي عن سلمة بن يزيد
الجعفي قال قلت يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية وإنها وأدت أختا لنا لم
تبلغ الحنث في الجاهلية فهل ذلك نافع أختنا فقال رسول الله أما إن الوائدة
والموءودة فإنهما في النار إلا أن يدرك الإسلام وروي بقية عن محمد بن يزيد
الألهاني قال سمعت عبد الله بن قيس سمعت عائشة سألت النبي عن ذراري المسلمين فقال
هم من آبائهم قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين وسألته عن ذراري المشركين
فقال مع آبائهم قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين وروى أبو داود
الطيالسي من حديث أبي عقيل صاحب بهية عن بهية عن عائشة قالت سألت رسول الله عن
أطفال المشركين الحديث قلت قيس بن الربيع وأبو عقيل وبقية متكلم فيهم فأحاديثهم
ضعاف وقال أبو عمر قوله إن الله خلق الجنة إلى آخره ساقط ضعيف مردود بالإجماع وفي
إسناده طلحة بن يحيى وهو ضعيف قلت كيف يقال إنه ساقط وطلحة ضعيف والحديث أخرجه
مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت
طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت دعي رسول الله إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت يا
رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه قال أو غير
ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب الرجال وخلق للنار
أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم والجواب عنه أن المراد به النهي عن المسارعة
إلى القطع من غير دليل قاطع وقيل ذلك قبل أن يعلم كونهم في الجنة فلما علم ذلك
أثبته بحديث شفاعة الأطفال ويقال على تقدير الصحة يعارض الأحاديث المذكورة ما في
الصحيح من حديث سمرة حديث الرؤيا وأما الرجل الذي في الروضة إبراهيم عليه الصلاة و
السلام وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة قيل يا رسول الله وأولاد
المشركين قال وأولاد المشركين وفي لفظ وأما الشيخ في أصل الشجرة فإبراهيم عليه
الصلاة و السلام والصبيان حوله أولاد الناس وروى الحاكم عن أبي هريرة على شرط
الشيخين يرفعه أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه الصلاة و
السلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة وفي ( التمهيد ) حديث مفسر يقضي على ما
روي في الأحاديث بأن ذلك كان في أحوال ثلاثة عن عائشة أن خديجة رضي الله تعالى
عنها سألت رسول الله عن أولاد المشركين رضي الله تعالى عنها سألت رسول الله عن
أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا
عاملين ثم بعدما استحكم الإسلام ونزلت ولا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على الفطرة
وذكر محمد بن سنجر في مسنده حدثنا هودة حدثنا عوف عن خنساء بنت معاوية قالت حدثني
عمي قال قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة
والمولود في الجنة والوئيد في الجنة وعن أنس قال رسول الله سألت ربي في اللاهين
يعني الأطفال من ذرية المشركين أن لا يعذبهم فأعطانيهم وروى الحجاج بن نصير عن
المبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أنس يرفعه أولاد المشركين خدم أهل الجنة وروى
الحكيم في ( نوادر الأصول ) عن أبي طالب الهروي حدثنا يوسف بن عطية حدثنا أنس بلفظ
كل مولود من ولد كافر أو مسلم فإنهم إنما يولدون على فطرة الإسلام كلهم وفي حديث
عياض بن حماد المجاشعي أن رسول الله قال في خطبته إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم
وقال إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فاتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن
يشركوا بي وحرمت عليهم ما أحللت لهم والجواب عن حديث سلمة بن يزيد أنه وإن كان
صحيحا ولكنه يحتمل أن يكون خرج على جواب السائل في غير مقصوده فكانت الإشارة إليها
9421 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا عبد الرحمان بن الأصبهاني عن
ذكوان عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النساء قلن للنبي اجعل لنا يوما فوعظهن
وقال أيما
(8/31)
امرأة مات لها ثلاثة من الولد
كانوا حجابا من النار قالت امرأة واثنان قال واثنان
( أنظر الحديث 101 )
مطابقته للترجمة مثل الوجه الذي ذكرناه في الحديث السابق
ذكر رجاله وهم خمسة الأول مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب وقد مر غير مرة الثاني
شعبة بن الحجاج الثالث ( عبد الرحمن بن الأصبهاني ) واسم الأصبهاني عبد الله ويروى
عبد الرحمن الأصبهاني بدون لفظة ابن والأصبهاني بكسر الهمزة وفتحها وبالفاء
وبالباء الموحدة أربع لغات قاله الكرماني قلت بالباء الموحدة في لسان العجم
وبالفاء في استعمال العرب الرابع ( ذكوان ) هو أبو صالح السمان الخامس أبو سعيد
الخدري واسمه سعد بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول في موضعين وفيه حدثنا عبد الرحمن وفي رواية الأصيلي أخبرنا وفيه أن
شيخه بصري وشعبة واسطي وعبد الرحمن كوفي وأصله من أصبهان وكان أبوه يتجر إلى
أصبهان فقيل له الأصبهاني وذكوان مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في مواضع قد ذكرناها في كتاب العلم
في باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم وهناك أخرجه عن آدم عن شعبة إلى آخره
نحوه مع زيادة فيه وأخرجه مسلم والنسائي أيضا
ذكر معناه قوله أن النساء قلن وفي رواية مسلم أنهن كن من نساء الأنصار قوله فوعظهن
عطف على مقدر تقديره فجعل لهن يوما فوعظهن فيه ومن جملة ما قال لهن قوله أيما
امرأة قوله ثلاث من الولد في رواية أبي ذر هكذا وفي رواية غيرة ثلاثة وقد مر
توجيهه عن قريب وقوله ولد يتناول الذكر والأنثى والمفرد والجمع قوله كن هكذا رواية
الحموي والمستملي وكأنه أنث باعتبار النفس أو النسمة وفي رواية غيرهما كانوا وفي
رواية أبي الوقت كانوا لها حجابا وقال الكرماني القياس كانوا ولكن الأطفال كالنساء
في كونهم غير عاقلين أو المراد كانت النساء محجوبات قلت تشبيههم بالنساء هكذا غير
موجه لأن النساء عاقلات غير أن في عقولهن قصورا قوله فقالت امرأة هي أم سليم
الأنصارية والدة أنس بن مالك رواه الطبراني عنها بإسناد جيد قالت قال رسول الله
ذات يوم وأنا عنده ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله
الجنة بفضل رحمته إياهم فقلت وإثنان قال واثنان وممن سأل عن ذلك أم أيمن وقد تقدم
في حديث جابر بن سمرة ومنهن أم مبشر مضى من حديث جابر بن عبد الله وفي حديث ابن
عباس أن عائشة منهن وحكى ابن بشكوال أن أم هانىء سألت عن ذلك فإن قلت سؤالهن كان
في مجلس واحد أو في مجالس قلت يحتمل كلا منهما وقال بعضهم في تعدد القصة بعد قلت
الأقرب تعدد القصة ألا ترى أنه قد تقدم في حديث جابر بن عبد الله أنه ممن سأل عن
ذلك أيضا وقد مضى في حديث بريدة أن عمر سأل عن ذلك أيضا فظهر من ذلك أن اتحاد
المجلس فيه بعد ظاهر فافهم قوله وإثنان عطف على ثلاثة ومثله يسمى بالعطف التلقيني
أي قل يا رسول الله واثنان ونظيره قوله تعالى حكاية عن إبراهيم ومن ذريتي (
إبراهيم 04 ) وقال بعضهم وإثنان أي وإذا مات اثنان ما الحكم فقال وإثنان أي وإذا
مات اثنان فالحكم كذلك قلت فيه كثرة الحذف المخلة بالفصاحة وفي رواية مسلم من هذا
الوجه واثنين بالنصب أي وما أمر اثنين وفي رواية سهيل أو إثنان أي أو إن وجد إثنان
فكالثلاثة وفيه التسوية بين ثلاثة وإثنين فإن قلت كيف قال في الحال وإثنان قلت قال
ابن بطال هو محمول على أنه أوحي إليه بذلك في الحال ولا يبعد أن ينزل عليه الوحي
في أسرع من طرفة عين ويحتمل أن يكون كان العلم عنده حاصلا لكنه أشفق عليهم أن
يتكلموا لأن موت الإثنين غالبا أكثر من موت الثلاثة ثم لما سئل عن ذلك لم يكن بد
من الجواب
ومما يستفاد منه ما قاله ابن التين تبعا للقاضي عياض أن مفهوم العدد ليس بحجة لأن
الصحابية من أهل اللسان ولم تعتبره إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا
الثلاثة لكنها جوزت ذلك فسألت وقال بعضهم الظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد إذ لو لم
تعتبره لم تسأل قلت دلالة مفهوم العدد بطريق الاحتمال لا بطريق القطع فلذلك وقع
السؤال عن ذلك فإن قلت لم خصت الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة فتعظم
المصيبة فيكثر الأجر فإذا زاد عليها يخف أمرها لكونها تصير
(8/32)
كالعادة كما قيل
روعت بالبين حتى ما اراع به
كذا قاله القرطبي وقيل هذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة ثم في
الاثنين بخلاف الأربعة والخمسة ويلزم في ذلك أن يرتفع الأجر في الأربعة مع وجود
الثلاثة فيها مع تجدد المصيبة والوجه السديد في هذا أن يقال إن تناول الخبر
الأربعة فما فوقها من باب الأولى والأجدر ألا ترى أنهم ما سألوا عن الأربعة ولا ما
فوقها لأنه كالمعلوم عندهم أن المصيبة إذا كثرت كان الأجر أعظم
وقال شريك عن ابن الأصبهاني قال حدثني أبو صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله
تعالى عنهما عن النبي قال أبو هريرة لم يبلغوا الحنث
شريك بن عبد الله وابن الاصبهاني هو عبد الرحمن وقد مضى الآن وأبو صالح ذكوان وقد
مضى صريحا في الحديث السابق وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عنه حدثنا عبد الرحمن
بن الأصبهاني قال أتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي فأخذ يحدث عن أبي سعيد وأبي
هريرة أن النبي قال ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابا من النار
فقالت امرأة يا رسول الله قدمت اثنين قال ثلاثة ثم قال واثنين وإثنين قال أبو
هريرة الفرط من لم يبلغ الحنث وقد قال في كتاب العلم وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني
سمعت أبا حازم عن أبي هريرة وقال ثلاثة لم يبلغوا الحنث
1521 - حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) عن ( سعيد بن
المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا يموت لمسلم ثلاثة
من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم
( الحديث 1521 - طرفه في 6566 )
مطابقته للترجمة قد ذكرناها في الحديثين السابقين ورجاله قد ذكروا غير مرة وعلي هو
ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والزهري هو محمد بن مسلم
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن أبي بكر بن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد
وزهير بن حرب وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الله بن يزيد وأخرجه ابن
ماجه في الجنائز عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله لا يموت لمسلم قيد الإسلام شرط لأنه لا نجاة للكافر بموت أولاده
وإنما ينجو من النار بالإيمان والسلامة من المعاصي وهذه اللفظة فيها عموم تشمل
الرجال والنساء بخلاف الرواية الماضية لأبي هريرة فإنها مقيدة بالنساء قوله فيلج
النار من الولوج وهو الدخول يقال ولج يلج ولوجا ولجة أي دخل قال سيبويه إنما جاء
مصدره ولوجا وهو من مصادر غير المتعدي على معنى ولجت فيه وأولجه أدخله قال الله
تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( الحج 16 ) أي يزيد من هذا في
ذلك ومن ذلك في هذا قوله إلا تحلة القسم بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الحاء
وتشديد اللام وهو مصدر حلل اليمين أي كفرها يقال حلل تحليلا وتحلة وتحلا وهو شاذ
والتاء فيه زائدة ومعنى تحلة القسم ما ينحل به القسم وهو اليمين تقول العرب ضربه
تحليلا وضربه تعزيرا إذا لم يبالغ في ضربه وهذا مثل في القليل المفرط القلة وهو أن
يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر قسمه به مثل أن يحلف على النزول
بمكان فلو وقع به وقعة خفيفة أجزأته فتلك تحلة قسمه وقال أهل اللغة يقال فعلته تحلة
القسم أي قدر ما حللت به يميني ولم أبالغ وقال الخطابي حللت القسم تحلة أي أبررتها
بقوله وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) أي لا يدخل النار ليعاقبه بها ولكنه يجوز
عليها فلا يكون ذلك إلا بقدر ما يبر الله به قسمه والقسم مضمر كأنه قال وإن منكم
والله إلا واردها وقال ابن بطال المراد بهذه الكلمة تقليل مكث الشيء وشبهوه بتحليل
القسم وقال الجوهري التحليل ضد التحريم تقول حللته تحليلا وتحلة وفي الحديث إلا
تحلة القسم أي قدر ما يبر الله قسمه فيه بقوله وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 )
وقال القرطبي اختلف في المراد بهذا القسم فقيل هو معين وقيل غير معين فالجمهور على
الأول وقيل لم يعن به قسم بعينه وإنما معناه التقليل لأمر ورودها وهذا اللفظ
يستعمل في هذا يقال ما ينام فلان إلا كتحليل الألية ويقال ما ضربه إلا تحليلا إذا
لم يبالغ في الضرب أي قدرا يصيبه منه مكروه وقال جمهور العلماء المراد به قوله
تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) وليس المراد دخولها للعقاب ولكن للجواز كما
قاله
(8/33)
الخطابي ويدل على ذلك ما رواه
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر هذا الحديث إلا تحلة القسم يعني الورود وفي (
سنن أبي سعيد بن منصور ) عن سفيان بن عيينة في آخره ثم قرأ سفيان وإن منكم إلا
واردها ( مريم 17 ) ومن طريق زمعة بن صالح عن الزهري في آخره قيل وما تحلة القسم
قال قوله تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) وكذا وقع في رواية كريمة في أصل
البخاري قال أبو عبد الله وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) والمراد بأبو عبد الله
هو البخاري نفسه ولم يقع هذا في رواية غير كريمة ومن أقوى الدليل على أن المراد من
الورود الجواز حديث عبد الرحمن بن بشير الأنصاري الذي ذكرناه في أوائل الباب وهو
من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا على عابر سبيل يعني
الجواز على الصراط ومع هذا اختلف السلف في المراد بالورود في الآية فقيل هو الدخول
واستدل على ذلك بما رواه أحمد والنسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعا الورود الدخول
لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فيكون على المؤمنين بردا وسلاما ورواه ابن أبي شيبة
أيضا وزاد كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار أو لجهنم ضجيج من بردهم ثم ينجي الله
الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا وروى الترمذي وقال حدثنا عبد بن حميد قال
أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي قال سألت مرة الهمداني عن قول الله
تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم قال قال
رسول الله يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح
ثم كحضر الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل ثم كمشيه هذا حديث حسن ورواه شعبة
عن السدي ولم يرفعه حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن السدي
بمثله قال عبد الرحمن قلت لشعبة إن إسرائيل حدثني عن السدي عن مرة عن عبد الله عن
النبي قال شعبة وقد سمعته من السدي مرفوعا ولكني أدعه عمدا وقيل المراد بالورود
الممر عليها واستدل على ذلك بما رواه الإمام أبو الليث السمرقندي قال حدثنا أبو
الحسن محمد بن محمد مندوست قال حدثنا فارس بن مردويه قال حدثنا محمد بن الفضل قال
حدثنا علي بن عاصم قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا الجريري عن أبي السليل عن
غنيم بن قيس عن أبي العوام قال قال كعب هل تدرون ما قوله وإن منكم إلا واردها (
مريم 17 ) قالوا ما كنا لنرى ورودها إلا دخولها قال لا ولكن ورودها أن يجاء بجهنم
كأنها متن إهالة حتى استوت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد خذي أصحابك
وذري أصحابي فتجيب بكل ولي لها وهي أعلم بهم من الوالد بولده وينجو المؤمنون ندية
ثيابهم قوله كأنها متن إهالة أي ظهرها والإهالة بكسر الهمزة كل شيء من الأدهان مما
يؤتدم به وقيل هو ما أذيب من الإلية والشحم وقيل الدسم الجامد وقيل المراد بالورود
الدنو منها وقيل الإشراف عليها وقيل المراد به ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى
وهو محكي عن مجاهد فإنه قال الحمى حظ المؤمن من النار وقيل الورود مختص بالكفار
واستدل على ذلك بقراءة بعضهم وإن منكم إلا واردها وحكي ذلك عن ابن عباس أيضا ويكون
الورود على ذلك في الكفار دون المؤمنين وقال أبو عمر ظاهر قوله فتمسه النار يدل
على أن المراد بالورود الدخول لأن المسيس حقيقة في اللغة المماسة ثم قال روي عن
ابن عباس وعلي رضي الله تعالى عنه أن الورود الدخول وكذا رواه أحمد بن حنبل عن
جابر انتهى ويدل على صحة ذلك ما رواه مسلم من حديث أم مبشر أن حفصة قالت للنبي لما
قال لا يدخل أحد شهد الحديبية النار أليس الله يقول وإن منكم إلا واردها ( مريم 17
) فقال لها أليس الله يقول ثم ننجي الذين اتقوا ( مريم 27 ) الآية ويكون على مذهب
هؤلاء ثم ننجي الذين اتقوا بخروج المتقين من جملة من يدخلها ليعلم فضل النعمة بما
شاهدوا فيه أهل العذاب
ذكر إعرابه قوله فيلج النار منصوب بأن المقدرة تقديره فأن يلج النار لأن الفعل
المضارع المنفي ينصب بأن المقدرة وحكى الطيبي عن بعضهم إنما تنصب الفاء الفعل
المضارع بتقدير أن إذا كان ما قبلها أو ما بعدها سببية ولا سببية ههنا إذ لا يجوز
أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببا لولوج أبيهم النار فالفاء بمعنى الواو التي
للجمعية وتقديره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من أولاده وولوجه النار ونظيره ما ورد
ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في
الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم فيضره شيء بالنصب وتقديره لا يجتمع قول عبد
هذه الكلمات في هذه الأوقات وضر شيء إياه قال الطيبي إن كانت الرواية على النصب
فلا محيد عن ذلك والرفع يدل على أنه لا يوجد ولوج النار عقيب موت الأولاد إلا
مقدارا يسيرا ومعنى فاء التعقيب كمعنى الماضي في قوله تعالى
(8/34)
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار
( ك 44 ) في أن ما سيكون بمنزله الكائن لأن ما أخبر به الصادق من المستقبل كالواقع
وقال بعضهم وهذا قد تلقاه جماعة عن الطيبي وأقروه عليه وفيه نظر لأن السببية حاصلة
بالنظر إلى الاستثناء لأن الاستثناء بعد النفي إثبات فكان المعنى أن تخفيف الولوج
مسبب عن موت الأولاد وهو ظاهر لأن الولوج عام وتخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد
بشرطه وما ادعاه أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر قلت في كل واحد من نظريه
نظر أما الأول فلأنا لا نسلم حصول السببية بالنظر إلى الاستثناء لأن الولوج ههنا
ليس على حقيقته بالاتفاق لأنه بمعنى الورود وقد مر أن في معناه أقوالا وقوله لأن
الاستثناء بعد النفي إثبات محل نزاع وقد علم في موضعه وإما الثاني فأيضا ممنوع لأن
الحروف ينوب بعضها عن بعض ولم يمنع أحد عن ذلك ألا ترى أن بعضهم قالوا إن
الاستثناء بمعنى الواو أي لا تمسه النار قليلا ولا كثيرا ولا تحلة القسم وقد جوز
الفراء والأخفش وأبو عبيدة مجيء إلا بمعنى الواو وجعلوا منه قوله تعالى لئلا يكون
للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم ( البقرة 051 ) أي ولا الذين ظلموا منهم
7 -
( باب قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري )
أي هذا باب في بيان جواز قول الرجل للمرأة عند قبر الميت إصبري والقصد من هذه
الترجمة جواز مخاطبة الرجال للنساء بما فيه موعظة وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإنما
ذكر بقوله قول الرجل إشارة إلى أن ذلك لا يختص بالنبي وإن كان في الحديث قوله
وأطلق إمرأة ليتناول الشابة والعجوز وعين لفظ اصبري ولم يقل لفظ اتقي كما في
الحديث لأنه هو المناسب في ذلك الوقت فإن قلت لم قال قول الرجل ولم يقل وعظ الرجل
ونحوه قلت لعموم معنى القول وشموله
2521 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( ثابت ) عن ( أنس بن مالك )
رضي الله تعالى عنه قال مر النبي بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال اتقي الله واصبري
مطابقته للترجمة في قوله واصبري ورجاله قد ذكروا غير مرة
وأخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن بندار عن غندر وفي الأحكام أيضا عن إسحاق بن
منصور عن عبد الصمد بن عبد الوارث وأخرجه مسلم في الجنائز عن بندار وعن غندر عن
أبي موسى وعن يحيى بن حبيب وعن عقبة بن مكرم وعن أحمد بن إبراهيم الدورقي وزهير بن
حرب عن عبد الصمد ستتهم عنه به وأخرجه أبو داود فيه عن أبي موسى محمد بن المثنى
نحوه وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به وأخرجه النسائي فيه عن عمر بن علي عن غندر
قوله وهي تبكي جملة إسمية وقعت حالا قوله فقال أي النبي لها اتقي الله واصبري أي
لا تجزعي فإن الجزع يحبط الأجر واصبري فإن الصبر يجزل الأجر قال تعالى إنما يوفى
الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر 01 ) وقال ابن ابن بطال أراد النبي أن لا يجتمع
عليها مصيبتان مصيبة فقد الولد ومصيبة فقد الأجر الذي يبطله الجزع فأمرها بالصبر
الذي لا بد للجازع من الرجوع إليه بعد سقوط أجره وقيل كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها
ألم حزنها فهي المصيبة الدائمة والحزن الباقي وقال الحسن الحمد لله الذي أجرنا على
ما لا بد لنا منه
ومما يستفاد منه جواز زيارة القبور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه دلالة
على تواضعه وكونه لم ينهرها وفيه النهي عن البكاء بعد الموت وفيه الموعظة للباكي
بتقوى الله والصبر
8 -
( باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر )
أي هذا باب في بيان حكم غسل الميت إلى آخره
وهذه الترجمة مشتملة على أمور
الأول في غسل الميت هل هو فرض أو واجب أو سنة فقال أصحابنا هو واجب على الأحياء
بالسنة وإجماع الأمة أما السنة فقوله للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر منها إذا مات
أن يغسله وأجمعت الأمة على هذا وفي ( شرح الوجيز ) الغسل والتكفين والصلاة فرض
(8/35)
على الكفاية بالإجماع وكذا نقل
النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية وقد أنكر بعضهم على النووي في نقله هذا
فقال وهو ذهول شديد فإن الخلاف مشهور جدا عند المالكية حتى أن القرطبي رجح في (
شرح مسلم ) أنه سنة ولكن الجمهور على وجوبه انتهى قلت هذا ذهول أشد من هذا القائل
حيث لم ينظر إلى معنى الكلام فإن معنى قوله سنة أي سنة مؤكدة وهي في قوة الوجوب
حتى قال هو وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك أي بالوجوب وقال توارد به القول
والعمل وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه
الثاني في أن أصل وجوب غسل الميت ما رواه عبد الله بن أحمد في ( المسند ) أن آدم
عليه الصلاة و السلام غسلته الملائكة وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه
ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عليه اللبن ثم خرجوا من قبره ثم حثوا عليه التراب
ثم قالوا يا بني آدم هذه سبيلكم ورواه البيهقي بمعناه
الثالث في سبب وجوب غسل الميت فقال بعضهم هو الحدث فإن الموت سبب لاسترخاء مفاصله
وقال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من مشايخ العراق إنما أوجب النجاسة الموت
إذ الآدمي له دم مسفوح كسائر الحيوانات ولهذا يتنجس البئر بموته فيها وفي (
البدائع ) عن محمد بن الشجاع البجلي أن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له لأنه لو
تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت وسيأتي قول
ابن عباس إن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا وقال بعض الحنابلة ينجس بالموت ولا يطهر
بالغسل ويتنجس الثوب الذي ينشف به كسائر الميتات وهذا باطل بلا شك وخرق للإجماع
الرابع في وضوء الميت فوضوؤه سنة كما في الاغتسال في حالة الحياة غير أنه لا يمضمض
ولا يستنشق عندنا لأنهما متعسران وقال صاحب ( المغني ) ولا يدخل الماء فاه ولا
منخريه في قول أكثر أهل العلم وهو قول سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأحمد وقال
الشافعي يمضمض ويستنشق كما يفعله الحي وقال النووي المضمضة جعل الماء في فيه قلت
هذا خلاف ما قاله أهل اللغة فقال الجوهري المضمضة تحريك الماء في الفم وإمام
الحرمين لم يصوب من قال مثل ما قال النووي
الخامس في الماء والسدر فالحكم فيه عندنا أن الماء يغلي بالسدر والأشنان مبالغة في
التنظيف فإن لم يكن السدر أو الأشنان فالماء القراح وذكر في ( المحيط ) و (
المبسوط ) أنه يغسل أولا بالماء القراح ثم بالماء الذي يطرح فيه السدر وفي الثالثة
يجعل الكافور في الماء ويغسل به هكذا روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وعند
سعيد بن المسيب والنخعي والثوري يغسل في المرة الأولى والثانية بالماء القراح
والثالثة بالسدر وقال الشافعي يختص السدر بالأولى وبه قال ابن الخطاب من الحنابلة
وعن أحمد يستعمل السدر في الثلاث كلها وهو قول عطاء وإسحاق وسليمان بن حرب وقال
القرطبي يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك جسده ثم يصب عليه الماء
القراح فهذه غسلة وكرهت الشافعية وبعض الحنابلة الماء المسخن وخيره مالك ما ذكره
في ( الجواهر ) وفي ( الختلي ) من كتب الشافعية قيل المسخن أولى بكل حال وهو قول
إسحاق وفي ( الدراية ) وعند الشافعي وأحمد الماء البارد أفضل إلا أن يكون عليه وسخ
أو نجاسة لا تزول إلا بالماء الحار أو يكون البرد شديدا فإن قلت الوضوء مذكور في
الترجمة ولم يذكر له حديثا قلت اعتمد على المعهود من الاغتسال من الجنابة عن يمكن
أن يقال إنه اعتمد على ما ورد في بعض طرق حديث الباب من حديث أم عطية إبدأن
بميامنها ومواضع الوضوء منها وقيل أراد وضوء الغاسل أي لا يلزمه وضوء قلت هذا بعيد
لأن الغاسل لم يذكر فيما قبله ولا يعود الضمير في قوله ووضوئه إلا إلى الميت ووجه
بعضهم هذا فقال إلا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي الميت لأن الميت لا يتولى
ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف قلت هذا عسف وإن كان له وجه مع أن رجوع الضمير
إلى أقرب الشيئين إليه أولى
وحنط ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ
مطابقتة للترجمة تؤخذ من موضعين الأول من قوله حنط لأن التحنيط يستلزم الغسل فكأنه
قال غسله وحنطه وهو مطابق لقوله باب غسل الميت والثاني من قوله ولم يتوضأ لأنا قد
ذكرنا أن الضمير في قوله ووضوئه يرجع إلى الميت وقوله لم
(8/36)
يتوضأ يدل على أن الغاسل ليس
عليه وضوء فوقع التطابق من هذه الحيثية وقال بعضهم وقيل تعلق هذا الأثر وما بعده
بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت وأن غسله إنما هو للتعبد
لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء والسدر ولا الماء وحده ولو كان نجسا ما مسه ابن
عمر ولغسل ما مسه من أعضائه قلت ليس بين هذا الأثر وبين الترجمة تعلق أصلا من هذه
الجهة البعيدة والذي ذكرناه هو الأوجه نعم هذا الذي ذكره يصلح أن يكون وجه التطابق
بين الترجمة وبين أثر ابن عباس الآتي لأن إيراده أثر ابن عباس في هذا الباب يدل
على أنه يرى فيه رأي ابن عباس ويفهم منه أن غسل الميت عنده أمر تعبدي وإن كان قوله
باب غسل الميت أعم من ذلك لكن إيراده أثر ابن عباس وأثر سعد والحديث المعلق يدل
على ذلك فافهم
وقال هذا القائل أيضا وكأنه أشار إلى تضعيف ما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن
عمير عن أبي هريرة مرفوعا من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ رواته ثقات إلا
عمرو بن عمير فليس بمعروف وروى الترمذي وابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نحوه وهو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من
أبي هريرة وقال ابن أبي حاتم عن أبيه الصواب عن أبي هريرة موقوف وقال أبو داود بعد
تخريجه هذا منسوخ ولم يبين ناسخه وقال الذهلي فيما حكاه الحاكم في ( تاريخه ) ليس
فيمن غسل ميتا فليتغسل حديث ثابت انتهى قلت إيش وجه إشارة البخاري بهذه الترجمة
إلى تضعيف الحديث المذكور فأي عبارة تدل على هذا بدلالة من أنواع الدلالات وهذا
كلام واه
قلت أما حديث أبي داود فقد قال في ( سننه ) حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا ابن أبي
فديك حدثني ابن أبي ذئب عن القاسم ابن عباس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة أن رسول
الله قال من غسل الميت الحديث وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وابن
أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب وعمرو بن عمير بفتح
العين في الإبن وضمها في الأب قلت قوله عمرو بن عمير ليس بمعروف إشارة إلى تضعيف
الحديث فهذا أبو داود قد روى له وسكت عليه فدل على أنه قد رضي به ولكنه قال هذا
منسوخ فرده هذا الحديث لم يكن إلا من جهة كونه منسوخا ثم قال هذا القائل ولم يبين
ناسخه قلت بتركه بيان الناسخ لا يلزم تضعيف الحديث والنسخ يعلم بأمور منها ترك
العمل بالحديث فإنه يدل على وجود ناسخ وإن لم يطلع عليه
وأما حديث الترمذي فقد قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا عبد
العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال من غسله
الغسل ومن حمله الوضوء يعني الميت وقال حديث أبي هريرة حديث حسن وقد روي عن أبي
هريرة موقوفا ثم قال وقد اختلف أهل العلم في الذي يغسل الميت فقال بعض أهل العلم
من أصحاب النبي وغيرهم إذا غسل ميتا فعليه الغسل وقال بعضهم عليه الوضوء وقال مالك
بن أنس استحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبا وهكذا قال الشافعي وقال أحمد
من غسل ميتا أرجو أن لا يجب عليه الغسل فأما الوضوء فأقل ما فيه وقال إسحاق لا بد
من الوضوء وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل
الميت وقال الترمذي وفي الباب عن علي وعائشة قلت كلاهما عند أبي داود وفي الباب عن
حذيفة عند البيهقي بإسناد ساقط وقال مالك في ( العتبية ) أدركت الناس على أن غاسل
الميت يغتسل واستحسنه ابن القاسم وأشهب وقال ابن حبيب لا غسل عليه ولا وضوء وفي (
التوضيح ) وللشافعي قولان الجديد هذا والقديم الوجوب وبالغسل قال ابن المسيب وابن
سيرين والزهري قاله ابن المنذر وقال الخطابي لا أعلم أحدا قال بوجوب الغسل منه
وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه
وأما التعليق المذكور فقد وصله مالك في ( موطئه ) عن نافع أن ابن عمر حنط ابنا
لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن
هشام بن عروة عن أبيه أن ابن عمر كفن ميتا وحنطه ولم يمس ماء وعن أبي الأحوص عن
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عمر اغتسل من غسل الميت قال لا
وحدثنا عباد بن العوام عن حجاج عن سليمان بن ربيع عن سعيد بن جبير قال غسلت أمي
ميتة فقالت لي سل علي غسل فأتيت ابن عمر فسألته فقال أنجسا غسلت ثم أتيت ابن عباس
فسألته فقال مثل ذلك أنجسا غسلت وحدثنا عباد عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس وابن عمر
أنهما قالا ليس على غاسل الميت غسل
قوله حنط بفتح الحاء المهملة وتشديد النون أي استعمل الحنوط وهو كل شيء خلط من
الطيب
(8/37)
للميت خاصة قاله الكرماني
وتبعه بعضهم على هذا وفي ( الصحاح ) بالحنوط ذريرة وهو طيب الميت قلت الحنوط عطر
مركب من أنواع الطيب يجعل على رأس الميت ولحيته ولبقيه جسده إن تيسر وفي الحديث أن
ثمودا لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع وتحنطوا بالصبر لئلا يجيفوا وينتنوا
وفي ( المحيط ) لا بأس بسائر الطيب في الحنوط غير الزعفران والورس في حق الرجال
ولا بأس بهما في حق النساء فيدخل فيه المسك وأجازه أكثر العلماء وأمر به علي رضي
الله تعالى عنه واستعمله أنس وابن عمر وابن المسيب وبه قال مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق وكرهه عطاء والحسن ومجاهد وقالوا إنه ميتة واستعماله في الحنوط على الجبهة
والراحتين والركبتين والقدمين وفي ( الروضة ) ولا بأس بجعل المسك في الحنوط وقال
النخعي يوضع الحنوط على الجبهة والراحتين والركبتين والقدمين وفي ( المفيد ) وإن
لم يفعل فلا يضر وقال ابن الجوزي والقرافي يستحب في المرة الثالثة شيء من الكافور
قالا وقال أبو حنيفة لا يستحب قلت نقلهما ذلك عنه خطأ
قوله ابنا لسعيد واسم الابن عبد الرحمن روى عن الليث عن نافع أنه رأى عبد الله بن
عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد وسعيد بن زيد هذا أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم
قديما ومات بالعقيق ونقل إلى المدينة فدفن بها سنة إحدى وخمسين رضي الله تعالى عنه
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا
وجه مطابقته للترجمة قد ذكرناها في أثر ابن عمر الذي مضى وقد وصل هذا التعليق ابن
أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه قال لا تنجسوا موتاكم
فإن المؤمن ليس بنجس حيا ولا ميتا قوله لا تنجسوا موتاكم أي لا تقولوا إنهم نجس
ورواه سعيد بن منصور أيضا عن سفيان نحوه ورواه الحاكم مرفوعا قال أخبرنا إبراهيم
ابن عصمة بن إبراهيم العدل حدثنا أبو مسلم المسيب بن زهير البغدادي حدثنا أبو بكر
وعثمان ابنا ابن أبي شيبة قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن
أبي رباح عن ابن عباس قال قال رسول الله لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حيا
ولا ميتا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته
وجه المطابقة ما ذكرناه ووقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت سعيد بالياء والأول أشهر
وأصح وهو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة عن
يحيى بن سعيد القطان عن الجعد عن عائشة قالت أوذن سعد بجنازة سعيد بن زيد وهو
بالبقيع فجاءه فغسله وكفنه وحنطه ثم أتى داره فصلى عليه ثم دعا بماء فاغتسل ثم قال
لم أغتسل من غسله ولو كان نجسا ما غسلته أو ما مسسته ولكني أغتسل من الحر
وفي هذا الأثر فائدة حسنة وهي أن العالم إذا عمل عملا يخشى أن يلتبس على من رآه
ينبغي له أن يعلمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله
وقال النبي المؤمن لا ينجس
هذا طرف من حديث أبي هريرة ذكره البخاري مسندا في باب الجنب يمشي في كتاب الغسل
حدثنا عياش قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا حميد عن أبي رافع عن أبي هريرة قال
لقيني رسول الله وأنا جنب الحديث وقد ذكرنا هناك حميع ما يتعلق به مستقصى
3521 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أيوب السختياني )
عن ( محمد بن سيرين ) عن أم ( عطية الأنصارية ) رضي الله تعالى عنها قالت دخل
علينا رسول الله حين توفيت ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذالك أن
رأيتن ذالك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني
فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال
(8/38)
أشعرنها إياه تعني إزاره
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس
ابن أخت مالك وأم عطية اسمها نسيبة بضم النون بنت كعب ويقال بنت الحارث الأنصارية
وقد شهدت غسل ابنة رسول الله وحكت ذلك فأتقنت وحديثها أصل في غسل الميت ومدار
حديثها على محمد وحفصة ابني سيرين حفظت منها حفصة ما لم يحفظ محمد وقال ابن المنذر
ليس في أحاديث غسل الميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه
العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مدنيان وأيوب
وابن سيرين بصريان وفيه عن أيوب عن محمد وفي رواية ابن جريج عن أيوب سمعت ابن
سيرين وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرج البخاري هذا الحديث من أحد عشر طريقا الأول
أخرجه في الطهارة في باب التيمن في الوضوء والغسل عن مسدد وقد ذكرنا هناك من أخرجه
غيره الثاني عن إسماعيل المذكور في هذا الباب الثالث عن محمد بن عبد الوهاب في باب
ما يستحب أن يغسل وترا الرابع عن علي بن عبد الله في باب ما يبدأ بميامن الميت
وأخرجه مسلم في الجنائز عن يحيى بن أيوب وابن أبي شيبة وعمرو الناقد ثلاثتهم عن
إسماعيل وعن إسماعيل بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن أبي كامل الجحدري عن إسماعيل به
وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع عن هشيم به وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن
منصور عن أحمد بن جنبل عن إسماعيل به الخامس عن يحيى بن موسى في باب مواضع الوضوء
من الميت السادس عن عبد الرحمن بن حماد في باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل
وأخرجه النسائي فيه عن شعيب بن يوسف السابع عن حامد بن عمر في باب يجعل الكافور في
آخرة الثامن عن أحمد عن ابن وهب في باب ينقض شعر المرأة التاسع عن أحمد عن ابن وهب
أيضا في باب كيف الإشعار للميت وأخرجه مسلم في الجنائز عن أبي الربيع الزهراني
وقتيبة كلاهما عن حماد بن زيد وعن قتيبة عن مالك وعن يحيى بن يحيى وعن يحيى بن
أيوب وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وعن مسدد ومحمد بن عبيد كلاهما عن
حماد بن زيد به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن مالك وحماد بن زيد فرقهما به وعن
إسماعيل بن مسعود وعن عمرو بن زرارة وعن يوسف بن سعيد وأخرجه ابن ماجه عن ابن أبي
شيبة عن الثقفي به العاشر عن قبيصة عن سفيان في باب هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون
وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن المثنى الحادي عشر عن مسدد عن يحيى بن سعيد في باب
يلقى شعر المرأة خلفها وأخرجه مسلم في الجنائز عن عمرو الناقد وأخرجه الترمذي فيه
عن عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن عمر
بن علي عن يحيى به
ذكر معناه قوله حين توفيت ابنة هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة هي
التي كان رسول الله يحملها في الصلاة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها وزينب أكبر
بنات رسول الله وتزوج بزينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة وتوفيت
زينب في سنة ثمان قاله الواقدي وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان ولم يقع في
روايات البخاري ابنته هذه مسماة وهو مصرح به في لفظ مسلم عن أم عطية قالت لما ماتت
زينب بنت رسول الله قال لنا رسول الله اغسلنها الحديث هذا هو المروي الأكثر وذكر
بعض أهل السير أنها أم كلثوم زوج عثمان رضي الله تعالى عنه وقد ذكره أبو داود أيضا
قال حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن أبي إسحاق حدثني نوح
بن حكيم الثقفي وكان قارئا للقرآن عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود وقد
ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت كنت فيمن
غسل أم كلثوم ابنة رسول الله عند وفاتها فكان أول ما أعطانا الحقا ثم الدرع ثم
الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر قالت ورسول الله جالس عند الباب
معه
(8/39)
كفنها يناولنا ثوبا ثوبا وقال
المنذري فيه محمد بن إسحاق وفيه من ليس بمشهور والصحيح أن هذه القصة في زينب لأن
أم كلثوم توفيت ورسول الله غائب ببدر وقال ابن القطان في كتابه ونوح بن حكيم رجل
مجهول لم تثبت عدالته وقد غلطوا المنذري في قوله أم كلثوم توفيت ورسول الله غائب
ببدر لأن التي توفيت حينئذ رقية فإن قلت حكى ابن التين عن الداودي الشارح بأنه جزم
بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان وذكر صاحب ( التلويح ) بأن الترمذي زعم
أنها أم كلثوم قلت أما الداودي فإنه لم يذكر مستنده وأما الترمذي فلم يذكر شيئا من
ذلك فإن قلت ذكر الدولابي من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم
كلثوم بنت النبي قلت لا يلزم من ذلك أن تكون البنت في حديث الباب أم كلثوم لأن أم
عطية كانت غاسلة الميتات فيمكن أن تكون حضرت لهما جميعا
قوله ثلاثا أو خمسا وفي رواية هشام بن حسان عن حفصة إغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا
وكلمة أو هنا للتنويع والنص على الثلاث أو الإشارة إلى أن المستحب الإيتار ألا يرى
أنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس دون الأربع وقال بعضهم أو هنا للترتيب لا للتخيير
قلت لم ينقل عن أحد أن أو تجيء للترتيب وقد ذكر النحاة أن أو تأتي لاثني عشر معنى
وليس فيها ما يدل على أنها تجيء للترتيب والظاهر أنه أخذه من الطيبي فإنه نقل من
المظهر شرح المصابيح ) أن فيه للترتيب دون التخيير إذ لو حصل الاكتفاء بالغسلة
الأولى استحب التثليث وكره التجاوز عنه فإن حصلت بالثانية أو بالثالثة استحب التخميس
وإلا فالتسبيع والمنع باق فيه وفي الطيبي في نقله وفي صاحب المظهر شارح ( المصابيح
) قوله أو أكثر من ذلك أي من الخمس ينتهي إلى السبع كما في رواية أيوب عن حفصة
ثلاثا أو خمسا أو سبعا وسيأتي في الباب الذي يليه وليس في الروايات أكثر من السبع
إلا في رواية أبي داود حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أم عطية بمعنى حديث مالك زاد
في حديث حفصة عن أم عطية نحو هذا وزادت فيه أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيته
ويستفاد من هذا استحباب الإيتار بالزيادة على السبعة لأن ذلك أبلغ في التنظيف وكره
أحمد مجاوزة السبع وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع وساق من طريق
قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا وإلا فخمسا وإلا فسبعا قال
فرأينا أن الأكثر من ذلك سبع وقال الماوردي الزيادة على السبع سرف وقال ابن المنذر
بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك قوله إن رأيتن ذلك قال
الطيبي بكسر الكاف خطاب لأم عطية ورأيت بمعنى الرأي يعني أن احتجتن إلى أكثر من
ثلاث أو خمس للانقاء لا للتشهي فلتفعلن قلت كسر الكاف في ذلك الثاني لا في الأول
فإن بعضهم نقل ذلك عن الطيبي ولكنه غلط فيه وذكره في ذلك الأول وليس كذلك على ما
يخفى وقال ابن المنذر إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار وحكى ابن
التين عن بعضهم قال يحتمل قوله إن رأيتن أن يرجع إلى الأعداد المذكورة ويحتمل أن
يكون معناه إن رأيتن أن تفعلن ذلك وإلا فالاتقاء يكفي قوله بماء وسدر الباء تتعلق
بقوله اغسلنها قال الطيبي ناقلا عن المطهر قوله بماء وسدر لا يقتضي استعمال السدر
في جميع الغسلات والمستحب استعماله في الكرة الأولى ليزيل الأقذار ويمنع من تسارع
الفساد وقال ابن العربي قوله بماء وسدر أصل في جواز التطهر بالماء المضاف إذا لم
يسلب الإطلاق وقال ابن التين قوله بماء وسدر هو السنة في ذلك والخطمي مثله فإن عدم
فما يقوم مقامه كالأشنان والنطرون ولا معنى لطرح ورق السدر في الماء كما تفعل
العامة وأنكرها أحمد ولم يعجبه ومثله من قال يحك الميت بالسدر ويصب عليه الماء
فتحصل طهارته بالماء وعن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء
والسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور ومنهم من ذهب إلى أن الغسلات كلها بالماء
والسدر وهو قول أحمد ولما غسلوا النبي غسلوه بماء وسدر ثلاث مرات في كلهن ذكره أبو
عمر قوله واجعلن في الآخرة أي في المرة الآخرة ويروى الأخيرة قوله كافورا والحكمة
فيه أن الجسم يتصلب به وتنفر الهوام من رائحته وفيه إكرام الملائكة وخصه صاحب (
المذهب ) بالثالثة والجرجاني بالثانية وهما غريبان وقال صاحب ( التوضيح ) وانفرد
أبو حنيفة فقال لا يستحب الكافور
(8/40)
والسنة قاضية عليه قلت لم يقل
أبو حنيفة هذا أصلا وقد بينا فيما مضى مذهبه وقال أيضا يستحب عندنا أن يجعل في كل
غسلة قليل كافور قوله أو شيئا من كافور شك من الراوي أي اللفظين قال وقوله شيئا
نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وهل يقوم المسك مقام الكافور قال بعضهم إن
نظر إلى مجرد التطيب نعم وإلا فلا قلت ليس كذلك بل ينظر إن كان يوجد فيه ما ذكره
من الأمور في الكافور ينبغي أن يقوم وإلا فلا إلا عند الضرورة فيقوم غيره مقامه
قوله آذنني بتشديد النون الأولى قاله الكرماني ولم يبين وجهه قلت هذا أمر لجماعة
الإناث من آذن يؤذن إيذانا إذا علم قوله فلما فرغنا هكذا هو بصيغة الماضي لجماعة
المتكلمين وفي رواية الأصيلي فلما فرغن بصيغة الماضي للجمع المؤنث وقال بعضهم فلما
فرغنا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر وللأصيلي فلما فرغن بصيغة الغائب قلت هذا
القائل لم يمس شيئا من علم التصريف ولا يخفى فساد تصرفه قوله حقوه بفتح الحاء
المهملة وسكون القاف وفي ( المحكم ) الحقو والحقو يعني بالفتح والكسر والحقوة
والحقا كله الإزار كأنه سمي بما يلاث عليه والجمع أحق وأحقاء وحقي وحقاء وقد فسره
في المتن بقوله تعني إزاره يعني إزار النبي وقال بعضهم الحقو في الأصل معقد الإزار
واطلق على الإزار مجازا وفي رواية ابن عوف عن محمد بن سيرين بلفظ فنزع من حقوه
إزاره والحقو في هذا على حقيقته قلت إن كان أخذا من موضع كان يتعين عليه أن يبين
مأخذه وإن كان هذا تصرفا من عنده فهو غير صحيح ولم يقل أحد إن الحقو في موضع مجاز
وفي موضع حقيقة بل هو في الموضعين حقيقة لأنه مشترك بين المعنيين والمشترك حقيقة
في المعنيين والثلاثة وأكثر والدليل على ذلك أن الجوهري قال الحقو الإزار وثلاثة
أحق ثم قال والحقو أيضا الخصر ومشد الإزار قوله أشعرنها إياه أمر من الإشعار وهو
إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان أي إجعلن هذا الإزار شعارها وسمي شعارا لأنه
يلي شعر الجسد والدثار ما فوق الجسد والحكمة فيه التبرك بآثاره الشريفة وإنما أخره
إلى فراغهن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الشريف حتى
لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين
واختلف في صفة إشعارها إياه فقيل يجعل لها مئزرا وقيل تلف فيه
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب استعمال السدر والكافور في حق الميت وفيه دليل على
جواز استعمال المسك وكل ما شابهه من الطيب وأجاز المسك أكثر العلماء وأمر علي رضي
الله تعالى عنه به في حنوطه وقال هو من فضل حنوط النبي واستعمله أنس وابن عمر
وسعيد بن المسيب وكرهه عمر وعطاء والحسن ومجاهد وقال عطاء والحسن أنه ميتة وفي
استعمال الشارع له في حنوطه حجة عليهم وقال أصحابنا المسك حلال للرجال والنساء
وفيه ما يدل على أن النساء أحق بغسل المرأة من الزوج وبه قال الحسن والثوري
والشعبي وأبو حنيفة والجمهور على خلافه وهو قول الثلاثة والأوزاعي وإسحاق وفي (
التوضيح ) وقد وصت فاطمة رضي الله تعالى عنها زوجها عليا رضي الله تعالى عنه بذلك
وكان بحضرة الصحابة ولم ينكر أحد فصار إجماعا قلت وفيه نظر لأن صاحب ( المبسوط ) و
( المحيط ) و ( البدائع ) وآخرون قالوا إن ابن مسعود سئل عن فعل علي رضي الله
تعالى عنه في ذلك فقال إنها زوجته في الدنيا والآخرة وعنى بذلك أن الزوجية باقية
بينهما لم تنقطع وفيه نظر لأنه لو بقيت الزوجية بينهما لما تزوج أمامة بنت زينب
بعد موت فاطمة رضي الله تعالى عنها وقد مات عن أربع حرائر ووصية فاطمة عليا بغسلها
رواه البيهقي وابن الجوزي وفي إسناده عبد الله بن نافع قال يحيى ليس بشيء وقال
النسائي متروك والبيهقي رواه في ( سننه الكبير ) وسكت وظن أنه يخفى وأما المرأة
إذا غسلت زوجها وهي معتدة فهو جائز له لأنها في العدة وفيه جواز تكفين المرأة في
ثوب الرجل
9 -
( باب ما يستحب أن يغسل وترا )
كلمة ما مصدرية وكذا كلمة أن والتقدير هذا باب في بيان استحباب غسل الميت وترا قيل
يحتمل أن تكون ما مصدرية
(8/41)
أو موصولة والثاني أظهر قلت
الأول أظهر بل المعنى لا يصح إلا على هذا وقال بعضهم وفيه نظر لأنه لو كان المراد
ذلك أوقع التعبير بمن التي لمن يعقل قلت هذا نظر يستحق العمى لأن المراد من
الترجمة بيان استحباب غسل الميت وترا لا بيان من يستحب ذلك فإن حديث الباب بطريقيه
في بيان الاستحباب لا في بيان المستحب وغيره
4521 - حدثني ( محمد ) قال حدثنا ( عبد الوهاب الثقفي ) عن ( أيوب ) عن ( محمد )
عن أم ( عطية ) رضي الله تعالى عنها قالت دخل علينا رسول الله ونحن نغسل ابنته
فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذالك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا
فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال أشعرنها إياه فقال أيوب
وحدثتني حفصة بمثل حديث محمد وكان في حديث حفصة اغسلنها وترا وكان فيه ثلاثا أو
خمسا أو سبعا وكان فيه أنه قال ابدأوا بميامنها ومواضع الوضوء منها وكان فيه أن أم
عطية قالت ومشطناها ثلاثة قرون
مطابقته للترجمة ظاهرة وقال بعضهم أورد المصنف فيه حديث أم عطية أيضا من رواية
أيوب عن محمد وليس فيه التصريح بالوتر ومن رواية أيوب قال حدثتني حفصة وفيه ذلك
قلت مراده من قوله وترا في الترجمة أن يكون خلاف الشفع وهو موجود في حديث الباب
وهو قوله ثلاثا أو خمسا وليس المراد منه لفظ الوتر حتى إذا ذكر حديثا ليس فيه لفظ
الوتر لا يكون مطابقا للترجمة وإن كان مراد هذا القائل لفظ الوتر فليس بموجود هذا
أيضا في حديث حفصة والحديثان سواء في الدلالة على الوتر فكيف يفرق بينهما ولفظ
الوتر لم يقع في حديث أم عطية إلا في رواية هشام بن حسان عن حفصة عنها على ما يجيء
في باب يلقى شعر المرأة خلفها
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد ذكر بلا نسبة في أكثر الروايات قال ابن السكن هو
محمد بن سلام ووقع عند الأصيلي حدثنا محمد بن المثنى وأخرجه الإسماعيلي من رواية
محمد بن الوليد وهو التستري ولقبه حمدان وهو من شيوخ البخاري أيضا الثاني عبد
الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري يكنى أبا محمد الثالث أيوب السختياني الرابع
محمد بن سيرين الخامس أم عطية
وقد مر الكلام فيه ولنتكلم في الزيادات التي فيه
قوله فقال أيوب يعني السختياني ووقع في رواية الأكثرين بالفاء وفي رواية الأصيلي
بالواو وربما يظن أنه معلق وليس كذلك بل هو بالإسناد المذكور وقد رواه الإسماعيلي
بالإسنادين موصولا قوله وابدأوا ويروى وابدأن بلفظ خطاب جمع المؤنث وهو ظاهر وأما
رواية ابدأوا بجمع المذكر فوجهها أن يكون تغليبا للذكور لأنهن كن محتاجات إلى
معاونة الرجال من حمل الماء إليهن ونحوه أو الخطاب باعتبار الأشخاص أو الناس قوله
بميامنها جمع ميمنة قوله ومشطناها من مشطت الماشطة تمشطها مشطا إذا سرحت شعرها
قوله ثلاثة قرون انتصاب ثلاثة يجوز أن يكون بنزع الخافض أي بثلاثة قرون أو على
الظرفية أي في ثلاثة قرون والقرون جمع القرن وهو الخصلة من الشعر وحاصل المعنى
جعلن شعرها ثلاث ضفائر بعد أن حللوها بالمشط
ذكر ما يستفاد منه فيه الغسل بالماء والسدر وجعل الشعر ثلاثة قرون وقد ذكرناه وفيه
في حديث حفصة التنصيص على لفظ الوتر بالثلاث أو بالخمس أو بالسبع وفي حديث غيرها
التنصيص على عدد الثلاث والخمس وقد مر الكلام فيه أيضا وقال بعضهم قوله وترا ثلاثا
أو خمسا استدل به على أن أقل الوتر ثلاث ولا دلالة فيه لأنه سيق مساق البيان
للمراد إذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها قلت المراد بالغسل الإنقاء والتنصيص
على الوتر بالعدد المذكور لأجل استحباب الوتر في الغسلات لأن الله وتر يحب الوتر
حتى لو حصل الإنقاء بالمرة الواحدة لقام بالواجب كما في الاستنجاء وفيه البداءة
بالميامن لأن النبي كان يحب التيمن في شأنه كله أي في التنظيفات وفيه الابتداء
بمواضع الوضوء منها قال في ( التوضيح ) معناه عند مالك أن يبدأ بها عند الغسل الذي
هو محض العبادة في غسل الجسد من أذى وهو المستحب
(8/42)
وقال أبو حنيفة لا يوضأ الميت
قلت لم يقل أبو حنيفة بهذا بل مذهبه أنه يوضأ من غير مضمضة واستنشاق وقد مر الكلام
فيه فيما مضى وفيه مشط شعرها بثلاث ضفائر وبه قال الشافعي وعندنا يجعل ضفيرتين على
صدرها فوق الدرع وقال الشافعي يسرح شعرها ويجعل ثلاث ضفائر ويجعل خلف ظهرها وبه قاله
أحمد وإسحاق قلنا ليس في الحديث إشارة من النبي إلى ذلك وإنما المذكور فيه الإخبار
من أم عطية أنها مشطت شعرها ثلاثة قرون وكونها فعلت ذلك بأمر النبي احتمال والحكم
لا يثبت به ولأن ما ذكره زينة والميت مستغن عنها فإن قلت جاء في حديث ابن حبان
واجعلن لها ثلاثة قرون قلت هذا أمر بالتضفير ونحن لا ننكر التضفير حتى يكون الحديث
حجة علينا وإنما ننكر جعلها خلف ظهرها لأن هذا التصنيع زينة والميت ممنوع منها ألا
ترى أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت علام تنصون ميتكم أخرجه عبد الرزاق في (
مصنفه ) عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عنها وتنصون في نصوت الرجل أنصوه نصوا إذات
مددت ناصيه وأرادت عائشة منه أن الميت لا يحتاج إلى التسريح ونحوه لأنه للبلى
والتراب
01 -
( باب يبدأ بميامن الميت )
أي هذا باب يذكر فيه أن الغاسل يبدأ بميامن الميت
5521 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) قال حدثنا (
خالد ) عن ( حفصة بنت سيرين ) عن أم ( عطية ) رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول
الله في غسل ابنته ابدأن بميامنها ومواضع االوضوء منها
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني وإسماعيل هو ابن
علية وخالد هو الحذاء قوله حدثنا خالد إلى آخره وقال مسلم حدثنا يحيى بن يحيى قال
أخبرنا هشيم عن خالد عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية أن رسول الله حيث أمرها أن تغسل
ابنته فقال لها إبدأن بميامنها قوله إبدأن أمر لجمع المؤنث من بدأ يبدأ والبداءة
بالميامن في الغسلات التي لا وضوء فيها قوله ومواضع الوضوء أي في الغسلات المتصلة
بالوضوء قوله منها أي من الابنة وفي هذا رد على أبي قلابة يقول يبدأ أولا بالرأس
ثم باللحية والحكمة في أمره بالوضوء تجديد أثر سيماء المؤمنين في ظهور أثر الغرة
والتحجيل
11 -
( باب مواضع الوضوء من الميت )
أي هذا باب في بيان البداءة بمواضع الوضوء من الميت أشار به إلى استحبابها
6521 - حدثنا ( يحيى بن موسى ) الله قال حدثنا ( وكيع ) عن ( سفيان ) عن ( خالد
الحذاء ) عن ( حفصة بنت سيرين ) عن أم ( عطية ) رضي الله تعالى عنها قالت لما
غسلنا بنت النبي قال لنا ونحن نغسلها ابدأوا بميامنها ومواضع الوضوء منها
مطابقته للترجمة في قوله ومواضع الوضوء منها ويحيى بن موسى بن عبد ربه السختياني
البلخي ويقال له خت مات في سنة تسع وثلاثين ومائتين وهو من أفراد البخاري وسفيان
هو الثوري
وقال بعضهم استدل به على استحباب المضمضة والاستنشق في غسل الميت خلافا للجنفية بل
قالوا لا يستحب وضوؤه أصلا قلت هذا تقول على الحنفية ومذهب أبي حنيفة أن الميت
يوضأ لكن لا يمضمض ولا يستنشق لتعذر إخراج الماء من الأنف والفم وقد ذكرناه مرة
قوله ابدأوا بصيغة الخطاب للجمع المذكر وهذه في رواية الأكثرين وفي رواية
الكشميهني ابدأن بصيغة الخطاب للجمع المؤنث وقد ذكرنا وجه إبدأوا عن قريب
(8/43)
21 -
( باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل )
أي هذا باب يذكر فيه هل تكفن المرأة في إزار الرجل وجواب الاستفهام محذوف تقديره
نعم تكفن ولاعتماده على ما في الحديث اقتصر على الاستفهام بدون الجواب
7521 - حدثنا عبد الرحمان بن حماد قال أخبرنا ابن عون عن محمد عن أم عطية قالت
توفيت بنت النبي فقال لنا اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذالك إن رأيتن فإذا
فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فنزع من حقوه إزاره فأعطانا وقال أشعرنها إياه
مطابقته للترجمة في قوله فأعطانا وهذا يدل على جواز تكفين المرأة في إزار الرجل و
( عبد الرحمن بن حماد ) أبو سلمة البصري العنبري مات سنة إثنتي عشرة ومائتين وهو
من أفراد البخاري و ( ابن عون ) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري و ( محمد )
هو ابن سيرين وقال ابن المنذر ولا خلاف بين العلماء أنه يجوز تكفين المرأة في ثوب
الرجل وعكسه وأكثر العلماء على أنها تكفن في خمسة أثواب وقال ابن القاسم الوتر أحب
إلى مالك في الكفن وإن لم يوجد إلا ثوبان تلف فيهما وقال أشهب لا بأس بتكفين
المرأة في ثوب الرجل وقال ابن شعبان المرأة في عدد الأكفان أكثر من الرجال وأقله
لها خمسة وقال ابن المنذر درع وخمار ولفافتان لفافة تحت الدرع تلف بها وأخرى فوقه
وثوب لطيف يشد على وسطها يجمع ثيابها وقال أصحابنا تكفن المرأة في خمسة أثواب درع
وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها تلبس الدرع وهو القميص أولا ثم يوضع
الخمار على رأسها كالمقنعة منشورا فوق الدرع تحت اللفافة والإزار ثم الخمار فوق
ذلك تحت الإزار ثم الإزار تحت اللفافة وتربط الخرقة فوق اللفافة عند الصدر وقال
إبن المنذر كل من يحفظ عنه يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب كالشعبي والنخعي
والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وعن ابن سيرين تكفن المرأة في خمسة
أثواب درع وخمار ولفافتين وخرقة وعن النخعي تكفن في خمسة درع وخمار ولفافة ومبطن
ورداء وعن الحسن في خمسة درع وخمار وثلاث لفائف وعن عطاء تكفن في ثلاثة أثواب درع
وثوب تحته تلف به وثوب فوقه وقال الشافعي تكفن في خمسة ثلاث لفائف وإزار وخمار وفي
القديم قميص ولفافتان وهو الأصح واختاره المزني وقال أحمد تكفن في قميص ومئزر
ولفافة ومقنعة وخامسة تشد بها فخذاها
31 -
( باب يجعل الكافور في آخره )
أي هذا باب يذكر فيه أنه يجعل الكافور في آخر الغسل وفي بعض النسخ الأخيرة أي في
الغسلة الأخيرة
8521 - حدثنا ( حامد بن عمر ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( محمد )
عن أم ( عطية ) قالت توفيت إحدى بنات النبي فخرج فقال اغسهلنها ثلاثا أو خمسا أو
أكثر من ذالك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا
فرغتن فآذنني قالت فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال أشعرنها إياه
مطابقته للترجمة في قوله واجعلن في الآخرة كافورا وحامد عمر بن حفص الثقفي
البكراوي البصري قاضي كرمان سكن نيسابور ومات بها أول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين
9521 - وعن ( أيوب ) عن ( حفصة ) أم ( عطية ) رضي الله تعالى عنهما بنحوه وقالت
إنه قال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذالك إن رأيتن قالت حفصة قالت
أم عطية رضي الله تعالى عنها وجعلنا
(8/44)
رأسها ثلاثة قرون
هو عطف على الإسناد الأول تقديره وحدثنا حامد بن عمر حدثنا حماد بن زيد عن أيوب
السختياني عن حفصة بنت سيرين قوله بنحوه أي بنحو الحديث الأول قوله وجعلنا رأسها
أي شعر رأسها ثلاث قرون أي ثلاث ضفائر
41 -
( باب نقض شعر المرأة )
أي هذا باب في بيان نقض شعر المرأة الميتة عند الغسل وذكر المرأة خرج مخرج الغالب
لأن حكم الرجل الميت كذلك إذا كان شعره مضفورا ليصل الماء إلى أصول الشعر لأجل
التنظيف وفي بعض النسخ باب بالقطع وينقض على صيغة المجهول وشعر المرأة كلام إضافي
مرفوع لأنه مفعول ناب عن الفاعل فافهم
وقال ابن سيرين لا بأس أن ينقض شعر المرأة
أي قال محمد بن سيرين لا بأس بنقض شعر المرأة ويروى بنقض شعر الميت وهو أعم
لتناوله الرجل والمرأة من حيث الحكم وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن أيوب عن
محمد بن سيرين وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن حفصة حدثنا أشعث عن محمد أنه كان
يقول إذا غسلت المرأة ذوب شعرها ثلاث ذوائب ثم جعل خلفها
0621 - حدثنا ( أحمد ) قال حدثنا ( عبد الله بن وهب ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال
( أيوب ) وسمعت ( حفصة بنت سيرين ) قالت ( حدثتنا ) أم ( عطية ) رضي الله تعالى
عنها أنهن جعلن رأس بنت رسول الله ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون
مطابقته ظاهرة وأحمد كذا وقع غير منسوب في رواية الأكثرين ونسبه ابن السكن وقال
أحمد بن صالح المصري وقال الجياني وقيل أحمد بن عيسى التستري وقال ابن منده
الأصفهاني كلما قال البخاري في ( الجامع ) حدثنا أحمد عن ابن وهب فهو ابن صالح
المصري وإذا حدث عن أحمد بن عيسى ذكره بنسبته وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري
وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
قوله قال أيوب وسمعت حفصة الواو فيه معطوف على مقدر تقديره سمعت كذا وسمعت حفصة
قوله أنهن أي أن النساء اللاتي باشرن غسل بنت رسول الله قيل منهن أسماء بنت عميس
وصفية بنت عبد المطلب وليلى بنت قانف وفي رواية أبي داود وقانف بالقاف والنون قوله
جعلن رأس بنت رسول الله أي جعلن شعر رأسها قوله ثلاثة قرون أي ثلاث ضفائر قوله
نقضنه لأجل إيصال الماء إلى أصوله قوله ثم جعلنه ثلاثة قرون يعني بعد الغسل لينجمع
وينضم ولا ينتشر وفي رواية مسلم من حديث أيوب عن حفصة عن أم عطية مشطناها ثلاثة
قرون قال بعضهم أي سرحناها بالمشط
وفيه حجة للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر قلت ليت شعري كيف يقول وفيه
حجة للشافعي وهو لا يرى قول الصحابي ولا فعله حجة وأم عطية أخبرت ذلك عن فعلهن ولا
يخبر عن النبي
51 -
( باب كيف الإشعار للميت )
أي هذا باب يذكر فيه كيف الإشعار للميت في قوله أشعرنها إياه وإنما أورد هذه
الترجمة مختصا بقوله كيف الإشعار مع أن هذه اللفظة قد ذكرت في الأحاديث المذكورة
غير مرة تنبيها على أن الإشعار معناه في هذا الطريق الإلفاف وهو قوله وزعم الإشعار
ألففنها فيه على ما يجيء الآن
وقال الحسن الخرقة الخامسة تشد بها الفخذين والوركين تحت الدرع
مطابقته للترجمة من حيث إن شد الفخذين والوركين بالخرقة الخامسة هو لفها وقد فسر
الإشعار في آخر حديث
(8/45)
الباب باللف وبهذا المقدار
يستأنس به في وجه المطابقة والحسن هو البصري وأشار بقوله الخرقة الخامسة إلى أن
الميت يكفن بخمسة أثواب لكن هذا في حق النساء وفي حق الرجال بثلاثة وهو كفن السنة
في حقهما على ما عرف في موضعه
قوله الفخذين والوركين منصوبان على المفعولية والفاعل هو الضمير الذي في يشد
الراجع إلى الغاسل بالقرينة الدالة عليه ويروى الفخذان والوركان مرفوعين لأنهما
مفعولان نابا عن الفاعل ففي الأولى يشد على بناء المعلوم وفي الثانية على بناء
المجهول قوله تحت الدرع بكسر الدال وهو القميص هنا وقال صاحب ( التلويح ) وهذا
التعليق رواه وأخلى بعده بياضا وقال بعضهم وقد وصله ابن أبي شيبة نحوه قلت لم يبين
وصله بمن وفي أي موضع وصله والظاهر أنه غير صحيح ثم قال وروى الجوزقي من طريق
إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية قالت فكفناها في
خمسة أثواب وخمرناها بما يخمر به الحي وهذا يصلح مستندا لكون كفن المرأة خمسة أثواب
لأن قوله الخرقة الخامسة تستدعي الأربعة قبلة وهذا عين مذهب أبي حنيفة رضي الله
تعالى عنه
1621 - حدثنا ( أحمد ) قال حدثنا ( عبد الله بن وهب ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) أن
( أيوب ) أخبره قال سمعت ( ابن سيرين ) يقول جاءت أم عطية رضي الله تعالى عنها
امرأة من الأنصار من اللاتي بايعن قدمت البصرة تبادر ابنا لها فلم تدركه فحدثتنعا
قالت دخل علينا النبي ونحن نغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذالك
إن رأيتن ذالك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا فإذا فرغتن فآذنني قالت فلما
فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال أشعرنها إياه ولم يزد على ذالك ولا أدري أي بناته وزعم
الإشعار الففنها فيه وكذالك كان ابن سيرين يأمر بالمرأة أن تشعر ولا تؤزر
مطابقته للترجمة في قوله وزعم الإشعار ألففنها فيه وفيه بيان كيفية الإشعار وهو
اللف وصدر السند مثل صدر سند الحديث في الباب السابق لأن في كل منهما حدثنا أحمد
قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا ابن جريج إلى هنا كلاهما سواء عن أحمد بن صالح على
الخلاف عن عبد الله بن وهب المصري عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهناك قال
أيوب وسمعت حفصة بنت سيرين قال حدثنا أم عطية وهنا أن أيوب أخبره قال سمعت ابن سيرين
يقول جاءت أم عطية امرأة الحديث
ذكر معناه قوله امرأة من الأنصار مرفوع لأنه عطف بيان ولا يلزم في عطف البيان أن
يكون من الأعلام والكنى وكلمة من في الموضعين بيانية ويجوز أن تكون الثانية
للتبعيض قوله قدمت البصرة بيان لقوله جاءت أو بدل منه قوله تبادر ابنا لها جملة
حالية و تبادر من المبادرة وهي الإسراع والمعنى أنها أسرعت في المجيء إلى بصرة
لأجل إبنها الذي كان فيها ولم تدركه لأنه إما مات قبل مجيئها وإما خرج إلى موضع
آخر قوله فحدثتنا أي أم عطية والقائل بهذا ابن سيرين قوله ذلك بكسر الكاف خطابا
لأم عطية لأنها كانت الغاسلة قوله في الآخرة أي في الغسلة الآخرة قوله حقوه أي
إزاره قوله ولم يزد على ذلك أي قال أيوب لم يزد ابن سيرين على المذكور بخلاف حفصة
بنت سيرين فإنها زادت أشياء منها أنها قالت قال رسول الله إبدأوا بميامنها ومواضع
الوضوء منها قوله ولا أدري أي بناته أي قال أيوب ولا أدري أي بناته كانت المغسولة
فأي مبتدأ وخبره محذوف والتقدير أي بناته كانت ونحوه وهذا لا ينافي ما قاله آخرون
أنها زينب إذ عدم علمه لا ينافي علم الغير وقد صرح عاصم في روايته عن حفصة أنها
زينب وهي رواية مسلم قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد جميعا عن أبي
معاوية قال عمرو حدثنا محمد بن حازم أبو معاوية قال حدثنا عاصم الأحول عن حفصة بنت
سيرين عن أم عطية قالت لما ماتت زينب بنت رسول الله قال لنا رسول الله إغسلنها
وترا الحديث قوله وزعم أي أيوب قوله الإشعار منصوب بقوله زعم أي قال أيوب إن معنى
أشعرنها في الحديث أي ألففنها
(8/46)
فيه من الإلفاف وذكر فيه لفظة
الإشعار مع أنه ليس فيه صيغة الأمر ثم فسره بصيغة الأمر بقوله ألففنها فيه وذلك
لأنه طلب الاختصار وتقديره أن الإشعار هو اللف فمعنى أشعرنها إياه ألففنها فيه ولا
التباس فيه للقرينة الدالة على ذلك قوله وكذلك كان ابن سيرين أي قال أيوب وكذلك
كان محمد بن سيرين يأمر بالمرأة أن تشعر أي تلف وتشعر على صيغة المجهول وكذلك قوله
ولا تؤزر أي ولا تجعل الشعار عليها مثل الإزار لأن الإزار لا يعم البدن بخلاف
الشعار وكان ابن سيرين أعلم التابعين بعمل الموتى وأيوب بعده قوله لا تؤزر بضم
التاء وسكون الهمزة وفتح الزاي ويجوز بفتح الهمزة وتشديد الزاي من التأزير
61 -
( باب هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون )
أي هذا باب يذكر فيه هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون أي ضفائر وجواب الاستفهام
محذوف تقديره يجعل والدليل عليه أن في غالب النسخ باب يجعل إلى آخره بدون كلمة هل
2621 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن أم ( الهذيل ) عن أم (
عطية ) رضي الله تعالى عنها قالت ضفرنا شعر بنت النبي تعني ثلاثة قرون
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول قبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ابن عقبة العامري
الثاني سفيان الثوري الثالث هشام بن حسان الفردوسي الأزدي الرابع أم الهذيل بضم
الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام واسمها حفصة بنت
سيرين الخامس أم عطية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه وشيخ شيخه كوفيان وهشام بصري وأم الهذيل
مصريان وفيه ثلاثة ذكروا من غير نسبة وفيه اثنتان مذكورتان بالكنية ولم تذكر أم
حفصة بكنيتها إلا في هذا الطريق
ذكر معناه قوله ضفرنا بالضاد وتخفيف الفاء من الضفر وهو نسج الشعر عريضا وكذلك
التضفير قوله تعني أي أم عطية قوله ثلاثة قرون أي ضفائر
وقال وكيع قال سفيان ناصيتها وقرنيها
أي قال وكيع بن جراح عن سفيان الثوري بهذا الإسناد ناصيتها وقرنيها أي جانبي رأسها
وهذا التعليق وصله الإسماعيلي عن محمد بن علوية حدثنا عمرو بن عبد الله حدثنا وكيع
عن سفيان ورواه أيضا عن حارث المحاربي عن سفيان ومن حديث عبد الله بن صالح حدثنا
هارون بن عبد الله حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن هشام ورواه الفريابي عن سفيان ومعنى
ناصيتها وقرنيها أنها جعلت ناصيتها ضفيرة وقرناها ضفيرتين ولا تنافي بين قولها
قرنيها ههنا وفيما قبله ثلاثة قرون لأن المراد بالقرنين جانبا الرأس كما ذكرنا
وبالقرون الذوائب
قال الكرماني وفيه استحباب تضفير الشعر خلافا للكوفيين قلت ليت شعري كيف ينقل
هؤلاء مذاهب الناس على غير ما هي عليه والكوفيون ما أنكروا التضفير وإنما مذهبهم
أن شعرها يجعل ضفيرتين على صدرها فوق الدرع وعند الشافعي ومن تبعه يجعل ثلاثة
ضفائر خلف ظهرها وقال بعضهم والحنفية ترسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها متفرقا قلت
هذا أبعد من الصواب من ذاك ولم ينقل أحد منهم بهذا الوجه إلا ممن لا يقبل قوله وقد
مضى الكلام فيه في باب ما يستحب أن يغسل وترا
71 -
( باب يلقى شعر المرأة خلفها )
أي هذا باب يذكر فيه يلقى شعر المرأة خلفها بعد الفراغ من الغسل وفي رواية الأصيلي
وأبي الوقت يجعل شعر المرأة خلفها وفي رواية الحموي يلقى شعر المرأة خلفها ثلاثة
قرون
3621 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( هشام بن حسان ) قال (
حدثتنا
(8/47)
حفصة ) عن أم ( عطية ) رضي
الله تعالى عنها قالت توفيت إحدى بنات النبي فأتانا النبي فقال اغسلنها بالسدر
وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذالك إن رأيتن ذالك واجعلن في الآخرة كافورا أو
شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فضفرنا شعرها
ثلاثة قرون وألقيناها خلفها
مطابقته للترجمة في قوله فألقيناها خلفها وهذه الترجمة هي العاشرة التي ذكرها ههنا
والحادية عشرة ذكرها في كتاب الوضوء قوله فضفرنا شعرها وفي رواية النسائي عن عمرو
بن علي عن يحيى بلفظ ومشطناها وفي رواية عبد الرزاق من طريق أيوب عن حفصة ضفرنا
رأسها ثلاثة قرون ناصيتها وقرنيها واستدل بعضهم بهذا الحديث على عدم وجوب الغسل
على غاسل الميت لأنه موضع تعليم ولم يأمر به ورد بأنه يحتمل أن يكون شرع ذلك بعد
هذه القضية وفي هذه المسألة خلاف فعن علي وأبي هريرة أنهما قالا من غسل ميتا
فليغتسل وبه قال سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والزهري وقال النخعي وأحمد وإسحاق
يتوضأ وقال مالك أحب له الغسل واستحبه الشافعي وقال البويطي إن صح الحديث قلت
بوجوبه وعند عامة أهل العلم لا غسل عليه وهو قول ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن
البصري والنخعي
واستدل الفريق الأول بما رواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) والحاكم في ( مستدركه ) عن
عائشة أن النبي كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة وغسل الميت
وبما رواه أبو هريرة أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) قال رسول الله من غسل الميت
فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وقال الترمذي هذا حديث حسن وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح
أن عليا رضي الله تعالى عنه لما غسل أباه أمره النبي أن يغتسل وعن مكحول قال سأل
رجل حذيفة عن غسل الميت فعلمه وقال إذا فرغت فاغتسل وعن أبي قلابة بسند صحيح أنه
كان إذا غسل ميتا اغتسل وأجابت الفرقة الثانية بما قال الحاكم عن محمد بن يحيى
الذهلي لا نعلم فيمن غسل ميتا فليغتسل حديثا ثابتا ولو ثبت للزمني استعماله وحديث
أبي هريرة روي موقوفا وقال ابن أبي حاتم عن أبيه إن رفعه خطأ إنما هو موقوف لا
يرفعه الثقات وقال أبو داود هذا حديث منسوخ وقال ابن العربي قالت جماعة أهل الحديث
هو حديث ضعيف وروى الدارقطني حديثا عن ابن عمر فمنا من اغتسل ومنا من لم يغتسل
والله أعلم
81 -
( باب الثياب البيض للكفن )
أي هذا باب في بيان حكم الثياب البيض لأجل الكفن والبيض بكسر الباء جمع أبيض ولما
فرغ عن بيان أحكام غسل الموتى شرع في بيان الكفن على الترتيب
91 -
( باب الكفن في ثوبين )
أي هذا باب في بيان جواز الكفن في ثوبين وأشار بهذه الترجمة إلى أن الثلاثة ليس
بواجب بل هو كفن السنة فإن اقتصر على الإثنين من غير ضرورة يكون ترك السنة وأما
الواحد فلا بد منه
5621 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( سعيد بن جبير )
عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن
راحلته فوقصته أو قال فأوقصته قال النبي اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا
تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو النعمان اسمه محمد بن الفضل السدوسي يعرف بعارم
الثاني حماد بن زيد الثالث أيوب السختياني الرابع سعيد بن جبير الخامس عبد الله بن
عباس رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في في ثلاثة
مواضع وفيه القول في موضعين وفيه شيخه وحماد وأيوب بصريون وسعيد بن جبير كوفي وفيه
شيخه بكنيته واثنان بلا نسبة وفيه حماد عن أيوب وفي رواية الأصيلي حماد بن زيد عن
أيوب
ذكر تعدد
(8/48)
موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه
البخاري رحمه الله تعالى أيضا في الجنائز عن قتيبة ومسدد وفي الحج عن سليمان بن
حرب وأخرجه مسلم عن أبي الربيع الزهراني وأخرجه أبو داود رضي الله تعالى عنه فيه
عن سليمان ومحمد بن عبيد ومسدد وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن حفص وأخرجه ابن
ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة
( ذكر الاختلاف في عدد كفنه وفي صفته ) ففي البخاري ما ذكر وفي مسلم عن عائشة قالت
أدرج رسول الله في حلة يمانية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في
ثلاثة أثواب سحولية يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص الحديث وفي سنن أبي داود عنها
أدرج رسول الله في ثوب واحد حبرة ثم أخرج عنه وفيه أيضا مثل رواية البخاري وفيه عن
ابن عباس في ثلاثة أثواب نجرانية الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه قال عثمان بن
أبي شيبة في ثلاثة أثواب حلة حمراء وقميصه الذي مات فيه وفي الترمذي عنها كفن
النبي في ثلاثة أثواب بيض يمانية وليس فيها قميص ولا عمامة قال فذكروا لعائشة
قولهم في ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه وفي
النسائي عنها كذلك وفي سنن ابن ماجة كذلك وفي رواية له عن ابن عمر قال كفن رسول
الله في ثلاثة رياط بيض سحولية وفي رواية عن ابن عباس قال كفن رسول الله في ثلاثة
أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة نجرانية وفي مسند أحمد عنها أن رسول الله كفن في
ثلاث رياط بيض يمانية وفيه أيضا عن ابن عباس كفن رسول الله في ثوبين أبيض وبرد
أحمر وانفرد أحمد بالحديثين وعند أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي هريرة قال كفن رسول
الله في ريطتين وبرد نجراني وعند ابن عساكر كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ليس فيها
قميص ولا قباء ولا عمامة وعند ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول
الله كفن في ثلاثة أثواب وفي إسناده سويد بن عمرو وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما
وضعفه ابن حبان وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل اختلف في الاحتجاج به وعند البزار
كفن في سبعة ثلاثة سحولية وقميصه وعمامة وسراويل والقطيفة التي جعلت تحته وعند ابن
سعد عن الشعبي كفن في ثلاثة أثواب برد يمانية غلاظ إزار ورداء ولفافة وعن مرة بن
شرحبيل عن ابن مسعود أن رسول الله لما ثقل قلنا فيم نكفنك قال في ثيابي هذه إن
شئتم أو في يمانية أو في ثياب مصر وعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله زر
عليه قميصه الذي كفن فيه قال ابن سيرين وأنا زررت على أبي هريرة وعند أبي بشر
الدولابي عن سالم عن أبيه أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحارين وثوب حبرة
وعند ابن عدي عن ابن عباس قال كفن النبي في ثوبين أبيضين سحولتين وقال الترمذي وقد
روي في كفن النبي روايات مختلفة حديث عائشة أصح الروايات التي رويت في كفن النبي
والعمل على حديث عائشة رضي الله عنها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم
( ذكر معناه ) قوله يمانية بتخفيف الياء منسوبة إلى اليمن وإنما خففوا الياء وإن
كان القياس تشديد ياء النسب لأنهم حذفوا ياء النسب لزيادة الألف وكان الأصل يمنية
قال الأزهري في التهذيب قولهم رجل يمان منسوب إلى اليمن وكان في الأصل يمني فزادوا
الفا قبل النون وحذفوا ياء النسبة قال وكذلك قالوا رجل شآم كان في الأصل شامي
فزادوا الفا وحذفوا ياء النسبة قال وهذا قول الخليل وسيبويه وقال الهروي في
الغريبين يقال رجل يمان والأصل يماني فخففوا ياء النسبة وحكى الجوهري فيه التشديد
مع إثبات الألف فيقال يماني وهي لغة حكاها سيبويه أيضا والتخفيف أصح قوله سحولية
قال الأزهري بالفتح ناحية باليمن تعمل فيها الثياب وبالضم الثياب البيض وقيل
بالفتح نسبة إلى قرية باليمن وبالضم ثياب القطن وفي التلخيص لأبي هلال العسكري وفي
الحديث كفن رسول الله في ثوبين سحولين بفتح السين فسحول قبيلة باليمن تنسب إليها
هذه الثياب والسحل ثوب أبيض وجمعه سحول وسحل وذكر ابن سيده والقزاز أن السحل ثوب
لا يبرم غزله طاقين والسحل ثوب أبيض رقيق وخص به بعضهم القطن وجمعه أسحال وسحول
موضع باليمن تعمل فيه هذه الثياب وفي المغرب للمطرزي منسوبة إلى سحول قرية باليمن
بالفتح والضم
(8/49)
قوله من كرسف بضم الكاف وسكون
الراء وضم السين المهملة وفي آخره فاء وهو القطن وتفسير بقية الألفاظ التي في
أحاديث غير الباب قوله حبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة والراء برد هو
يمان يقال برد حبير وبرد حبرة على الوصف والإضافة والجمع حبر وحبرات وقيل الحبرة
ما كان من البرود مخططا موشيا وفي التهذيب ليس حبرة موضعا أو شيئا معلوما إنما هو
وشى كقولك ثوب قرمز والقرمز صبغه قوله نجرانية بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى
نجران بليدة في اليمن قوله حلة بضم الحاء المهملة وتشديد اللام وهي إزار ورداء ولا
تكون الحلة إلا من اثنين قوله رياط بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف جمع ريطة
وهي كل ملاءة ليست بلفقين وكل ثوب رقيق لين ويجمع على ريط أيضا والقطيفة بفتح
القاف وكسر الطاء كساء له خمل
( ذكر ما يستفاد منه ) به احتج أصحابنا في أن كفن السنة في حق الرجل ثلاثة أثواب
ولكن قولهم في الكتب إزار وقميص ولفافة يمنع الاستدلال به فيكون حجة عليهم في عدم
القميص والشافعي أخذ بظاهره واحتج به على أن الميت يكفن في ثلاثة لفائف وبه قال
أحمد ولكن الذي يتم به استدلال أصحابنا فيما ذهبوا إليه بحديث جابر بن سمرة فإنه
قال كفن رسول الله في ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة رواه ابن عدي في الكامل وفيه
ترك العمامة وفي المبسوط وكره بعض مشايخنا العمامة لأنه يصير شفعا واستحسنه بعض
المشايخ لما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كفن ابنه واقدا في خمسة
أثواب قميص وعمامة وثلاث لفائف وأدار العمامة إلى تحت حنكه رواه سعيد بن منصور
( باب الكفن في ثوبين )
أي هذا باب في بيان جواز الكفن في ثوبين وأشار بهذه الترجمة إلى أن الثلاثة ليس
بواجب بل هو كفن السنة فإن اقتصر على الاثنين من غير ضرورة يكون ترك السنة وأما
الواحد فلا بد منه
27 - ( حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي
الله عنهم قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته قال
النبي اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم
القيامة ملبيا )
مطابقته للترجمة ظاهرة
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول أبو النعمان اسمه محمد بن الفضل السدوسي يعرف بعارم
الثاني حماد بن زيد الثالث أيوب السختياني الرابع سعيد بن جبير الخامس عبد الله بن
عباس رضي الله تعالى عنهم
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة
مواضع وفيه القول في موضعين وفيه شيخه وحماد وأيوب بصريون وسعيد بن جبير كوفي وفيه
شيخه بكنيته واثنان بلا نسبة وفيه حماد عن أيوب وفي رواية الأصيلي حماد بن زيد عن
أيوب
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري رحمه الله تعالى أيضا في الجنائز
عن قتيبة ومسدد وفي الحج عن سليمان بن حرب وأخرجه مسلم عن أبي الربيع الزهراني
وأخرجه أبو داود رضي الله تعالى عنه فيه عن سليمان ومحمد بن عبيد ومسدد وأخرجه
النسائي فيه عن قتيبة -
ذكر معناه قوله بينما أصله بين فزيدت فيه الألف والميم وهو من الظروف الزمانية
يضاف إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى وجوابه هنا
قوله إذ وقع أي وقع رجل واقف قوله فوقصته أو قال فأوقصته شك من الراوي الأول من
الوقص وهو كسر العنق وهو المعروف عند أهل اللغة والثاني من الإيقاص وهو شاذ لأن
الأصح هو الثلاثي وفي ( فصيح ثعلب ) وقص الرجل إذا سقط عن دابته فاندقت عنقه فهو
موقوص وعن
(8/50)
الكسائي وقصا ولا يكون وقصت
العنق نفسها وقال الخطابي معناه أنها صرعته فكسرت عنقه وقال أقصعته بتقديم الصاد
المهملة على العين المهملة ليس بشيء والقصع هو كسر العطش ويحتمل أن يستعار لكسر
الرقبة وأما الإقعاص أي بتقديم العين فهو إعجال الهلاك أي لم يلبث أن مات وقال
الجوهري يقال ضربه فأقعصه أي قتله مكانه ويقال قصع القملة أي قتلها وقصع الماء
عطشه أي أذهبه وسكنه واعلم أن الضمير المرفوع في فوقصته للراحلة والمنصوب يرجع إلى
الرجل وقال بعضهم ويحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعة أو الراحلة بأن تكون أصابته
بعد أن وقع قلت الفاعل هو الراحلة وهو الذي يقتضيه ظاهر التركيب وكون الفاعل هو
الوقعة بعيد وخلاف الظاهر وقال أيضا وقال الكرماني فوقصته أي راحلته قلت لم يقل
الكرماني هذا وإنما نقل عن الخطابي ما ذكرناه عنه آنفا والعنق بضمتين وبسكون النون
وصله ما بين الرأس والجسد ويذكر ويؤنث فمن قال عنق بإسكان النون ذكر ومن قال بضم
النون أنث وعند ابن خالويه التصغير في لغة من ذكر عنيق وفي لغة من أنث عنيقة
والجمع أعناق قوله وكفنوه في ثوبين إنما لم يزده ثالثا إكراما له كما في الشهيد لم
يزد على ثيابه قوله ولا تحنطوه بالحاء المهملة أي لا تمسوه حنوطا قوله ولا تخمروا
رأسه أي ولا تغطوها وفي ( أفراد مسلم ) ولا تخمروا رأسه ولا وجهه وقال البيهقي
وذكر الوجه وهم من بعض رواته في الإسناد والمتن والصحيح لا تغطوا رأسه قوله فإنه
أي فإن هذا الرجل قوله ملبيا نصب على الحال أي حال كونه قائلا لبيك والمعنى أنه
يحشر يوم القيامة على هيئته التي مات عليها ليكون ذلك علامة لحجه كالشهيد يأتي
وأوداجه تشخب دما وفي ( التوضيح ) وفي رواية ملبدا ) أي على هيئة ملبدا شعره بصمغ
ونحوه
ذكر ما يستفاد منه احتج به الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر في أن المحرم على
إحرامه بعد الموت ولهذا يحرم ستر رأسه وتطييبه وهو قول عثمان وعلي وابن عباس وعطاء
والثوري وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي إلى أنه يصنع به ما يصنع بالحلال وهو مروي
عن عائشة وابن عمر وطاوس لأنها عبادة شرعت فبطلت بالموت كالصلاة والصيام وقال إذا
مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وإحرامه من عمله ولأن الإحرام لو بقي لطيف به
وكملت مناسكه وقال بعضهم وأجيب بأن ذلك ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على مورد
النص ولا سيما قد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهداء
قلت لا نسلم أنه ورد على خلاف الأصل وكيف ورد على خلاف الأصل وقد أمر بغسله بالماء
والسدر وهو الأصل في الموتى وأما قوله لا تحنطوه إلى آخره فهو مخصوص به والدليل
عليه قوله الحكمة في ذلك إلى آخره وفيه الرد على كلامه بيان ذلك أن استبقاء دم
الشهيد مخصوص به فكذلك استبقاء شعار الإحرام مخصوص بالموقوص وأجابوا عن الحديث
بأنه ليس عاما بلفظه لأنه في شخص معين ولأنه لم يقل يبعث يوم القيامة ملبيا لأنه
محرم فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل وقال اغسلوه بسدر والمحرم لا يجوز غسله
بسدر وذكر الطرطوشي في ( كتاب الحج ) أن أبا الشعثاء جابر بن زيد روى عن ابن عباس
قال لا تخمروا رأسه وخمروا وجهه وقد روى عبد الرزاق ابن جريج عن عطاء أن رسول الله
قال خمروا وجوههم ولا تتشبهوا باليهود ورواه الدارقطني بإسناد عن عطاء عن ابن عباس
يرفعه وحكم ابن القطان بصحته ولفظه خمروا وجوه موتاكم وفي ( الموطأ ) أن عبد الله
بن عمر لما مات ابنه واقد وهو محرم كفنه وخمر وجهه ورأسه وقال لولا أنا محرمون
لحنطناك يا واقد وفي ( المصنف ) بأسانيد جياد عن عطاء قال وسئل عن المحرم يغطى
رأسه إذا مات قيل غطى ابن عمر وكشف غيره وقال طاووس يغيب رأس المحرم إذا مات وقال
الحسن إذا مات المحرم فهو حلال ومن حديث مجالد عن عامر إذا مات المحرم ذهب إحرامه
ومن حديث إبراهيم عن عائشة إذا مات المحرم ذهب إحرام صاحبكم وقاله عكرمة بسند جيد
وحكى ابن حزم أنه صح عن عائشة تحنيط الميت المحرم إذا مات وتطييبه وتخمير رأسه وعن
جابر عن أبي جعفر قال المحرم يغطي رأسه ولا يكشف وفيه جواز الكفن في ثوبين وهو كفن
الكفاية وكفن الضرورة واحد وفيه في قوله في ثوبين استدلال بعضهم على إبدال ثياب
المحرم وقال بعضهم وليس بشيء لأنه سيأتي في الحج بلفظ في ثوبه وللنسائي من طريق
يونس بن نافع عن عمرو بن دينار في ثوبيه الذين أحرم فيهما قلت ظاهر متن الحديث هنا
يدل على صحة استدلال بعضهم على إبدال ثياب المحرم وهذا يدل على أنه خرج من
(8/51)
الإحرام ولا يضرنا رواية ثوبيه
ولا رواية النسائي لأن رواية ثوبين أقوى لكون البخاري أخرجه من ثلاث طرق وفيه غسله
بالسدر وهذا يدل على أنه خرج من الإحرام وعكس صاحب التوضيح فقال غسله بالسدر يدل
على أنه جائز للمحرم وفيه رد على مالك وأبي حنيفة وآخرين حيث منعوه قلت ظاهر
الحديث يرد عليه كلامه لأن الأصل عدم جواز غسل المحرم بالسدر فلولا أنه خرج عن
لإحرام ما أمر بغسله بالسدر وفيه إطلاق الواقف على الراكب والرجل لم يوقف على اسمه
وكان وقوعه عن راحلته عند الصخرات موقف رسول الله قاله ابن حزم وفيه أن الكفن من
رأس المال وفيه أن المحرم إذا مات لا يكمل عليه غيره كالصلاة وقد وقع أجره على
الله ومنه أخذ بعضهم أن النيابة في الحج لا تجوز لأنه لم يأمر أحدا أن يكمل عن هذا
الموقوص أفعال الحج ولا يخفى ما فيه من النظر وفيه أن إحرام الرجل في الرأس دون
الوجه وفيه أن من شرع في طاعة ثم حال بينه وبين إتمامها الموت يرجى له أن الله
تعالى يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل ويقبله منه إذا صحت النية ويشهد له قوله
تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ( النساء 001 ) الآية
02 -
( باب الحنوط للميت )
أي هذا باب في بيان حكم الحنوط للميت وقد مر تفسير الحنوط
6621 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( سعيد بن جبير ) عن (
ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال بينما رجل واقف مع رسول الله بعرفة إذ وقع من
راحلته فأقصعته أو قال فأفعصته فقال رسول الله اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين
ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا
مطابقته للترجمة في قوله ولا تحنطوه وهذا الحديث بعينه هو الحديث السابق سندا
ومتنا غير أن شيخه هنا قتيبة ابن سعد وهناك أبو النعمان
قوله فأقصعته أو قال فأفعصته شك من الراوي من ابن عباس فالأول بتقديم القاف على
الصاد المهملة والثاني بتقديم العين على الصاد من قعاص الغنم
12 -
( باب كيف يكفن المحرم )
أي هذا باب يذكر فيه كيف يكفن المحرم إذا مات وليست هذه الترجمة بموجودة في رواية
الأصيلي قيل ضمن هذه الترجمة الاستفهام عن الكيفية مع أنها مبينة لكنها لما كانت
يحتمل أن تكون خاصة بذلك الرجل وأن تكون عامة لكل محرم آثر المصنف الاستفهام وقال
بعضهم يظهر أن المراد بقوله كيف يكفن أي كيفية التكفين ولم يرد الإستفهام وكيف يظن
به أنه متردد فيه وقد جزم قبل ذلك بأنه عام في حق كل أحد حيث ترجم بجواز التكفين
في ثوبين قلت قوله لم يرد به الاستفهام غير صحيح لأن كيف للاستفهام الحقيقي في
الغالب ومعناه السؤال عن الحال وعدم تردد البخاري في باب التكفين في ثوبين لا
يستلزم عدم تردده في هذا الباب
29 - ( حدثنا أبو النعمان قال أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع النبي وهو محرم فقال النبي اغسلوه
بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم
القيامة ملبدا )
مطابقته للترجمة في قوله ولا تخمروا رأسه وهو مثل الحديث الأول غير أن سنده عن أبي
النعمان محمد بن الفضل عن ابن عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ويقال الكندي
الواسطي عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة جعفر بن أبي
(8/52)
وحشية قوله ونحن الواو فيه
للحال وكذلك الواو في وهو محرم قوله ولا تمسوه بضم التاء وكسر الميم من الإمساس
قوله ملبدا كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ملبيا كما في الرواية
الأولى والثانية وهو من التلبيد وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من الصمغ ليلتصق
شعره فلا يشعث في الإحرام وأنكر عياض رواية التلبيد وقال ليس له معنى ( قلت ) له
معنى وهو أن الله تعالى يبعثه على هيئته التي مات عليها
30 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو وأيوب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال كان رجل واقف مع النبي بعرفة فوقع عن راحلته قال أيوب
فوقصته وقال عمرو فأقعصته فمات فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه
ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة قال أيوب يلبي وقال عمرو ملبيا )
مطابقته للترجمة في قوله ولا تخمروا وجهه وهذا طريق آخر لحديث ابن عباس عن مسدد
إلى آخره وعمرو بفتح العين هو ابن دينار وحماد بن زيد يرويه عن عمرو وعن أيوب
جميعا وكلاهما يرويان عن سعيد بن جبير قوله كان رجل واقف بالرفع لأن كان تامة
ويروى واقفا بالنصب على أنها ناقصة قوله قال أيوب فوقصته أي قال أيوب السختياني في
روايته فوقصته بالقاف بعدها الصاد من الوقص وهو كسر العنق كما ذكرنا قوله وقال
عمرو أي قال عمرو بن دينار في رواية فأقعصته بالقاف بعدها العين ثم الصاد
المهملتان من الإقعاص وهو إعجال الهلاك كما قلنا فيما مضى مستقصى قوله قال أيوب أي
قال أيوب السختياني في روايته يلبي بصيغة المضارع المبني للفاعل وقال عمرو بن
دينار في روايته ملبيا على صيغة اسم الفاعل المنصوب على الحال والفرق بينهما أن
يلبي يدل على تجدد التلبية مستمرا وملبيا يدل على ثبوتها -
22 -
( باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ومن كفن بغير قميص )
أي هذا باب في بيان كفن الميت حال كونه في القميص الذي يكف بضم الياء آخر الحروف
وفتح الكاف وتشديد الفاء قال الكرماني أي في القميص الذي خيطت حاشيته أولا يكف على
صيغة المجهول أيضا أي أو لم تخط حاشيته وكف الثواب هو خياطة حاشيته وكففت الثوب أي
خطت حاشيته وقال ابن التين ضبطه بعضهم بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الفاء وضبطه
بعضهم بفتح الياء وضم الكاف وتشديد الفاء وقيل بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الفاء
من الكفاية وأصلها يكفي أو لا يكفي وقيل هذا لحن إذ لا موجب لحذف الياء وقد جزم
المهلب بأنه الصواب وأن الياء سقطت من الكاتب غلطا قلت لا ينسب هذا إلى غلط من
الكاتب وإنما سقوط الياء من مثل هذا من غير موجب اكتفاء بالكسرة جاء من بعض العرب
وفي نسخة صاحب ( التلويح ) باب الكفن في القميص ومن كفن بغير قميص وقال كذا في
نسخة سماعنا وفي بعض النسخ باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف وقال ابن بطال
صوابه يكفي أو لا يكفي بإثبات الياء ومعناه طويلا كان الثوب أو قصيرا فإنه يجوز
الكفن فيه
9621 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن
عمر رضي الله تعالى عنهما أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي فقال يا
رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه النبي قميصه فقال
آذني أصلي عليه فآذنه فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله تعالى عنه فقال
أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين فقال أنا بين خيرتين قال الله تعالى استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فصلى عليه فنزلت
عليه ولا تصل على أحد منهم مات أبدا
(8/53)
مطابقته للترجمة من حيث
اشتماله على الكفن في القميص وذلك أن النبي أعطى قميصه لعبد الله ابن أبي وكفن فيه
ورجاله قد ذكروا غير مرة و ( يحيى بن سعيد ) هو القطان و ( عبيد الله ) بن عمر
العمري
وأخرجه البخاري أيضا في اللباس عن صدقة بن الفضل وأخرجه مسلم في اللباس وفي التوبة
عن محمد بن المثنى وأبي قدامة وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار وأخرجه
النسائي فيه وفي الجنائز عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بشر بكر بن
خلف
ذكر معناه قوله أن عبد الله بن أبي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء
آخر الحروف ابن سلول رأس المنافقين وأبي هو أبو مالك بن الحارث بن عبيد وسلول
امرأة من خزاعة وهي أم أبي مالك بن الحارث وأم عبد الله ابن أبي خولة بنت المنذر
بن حرام من بني النجار وكان عبد الله سيد الخزرج في الجاهلية وكان عبد الله هذا هو
الذي تولى كبره في قصة الصديقة وهو الذي قال ليخرجن الأعز منها الأذل وقال لا
تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا ورجع يوم أحد بثلث العسكر إلى المدينة بعد
أن خرجوا مع رسول الله
قوله لما توفي قال الواقدي مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال ومات في ذي
القعدة سنة تسع منصرف رسول الله من تبوك وكان مرضه عشرين ليلة وكان رسول الله
يعوده فيها فلما كان اليوم الذي توفي فيه دخل عليه رسول الله وهو يجود بنفسه فقال
قد نهيتك عن حب اليهود فقال قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما نفعه ثم قال يا رسول الله
ليس هذا بحين عتاب هو الموت فإن مت فاحضر غسلي وأعطني قميصك الذي يلي جسدك فكفني
فيه وصل علي واستغفر لي ففعل ذلك به رسول الله وقال الحاكم كان على النبي قميصان
فقال عبد الله وأعطني قميصك الذي يلي جسدك فأعطاه إياه وفي حديث الباب أن ابنه هو
الذي أعطاه رسول الله قميصه على ما يجيء الآن قوله جاء ابنه أي ابن عبد الله بن
أبي وكان اسمه الحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره باء أيضا
فسماه رسول الله بعبد الله كاسم أبيه وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم شهد المشاهد
واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكان أشد الناس على أبيه
ولو أذن له رسول الله فيه لضرب عنقه قوله فقال أعطني قميصك القائل هو عبد الله بن
عبد الله بن أبي قوله أكفنه فيه أي أكفن عبد الله بن أبي فيه قوله فأعطاه قميصه أي
أعطي النبي عبد الله بن عبد الله قميصه وهذا صريح في أن ابنه هو الذي أعطى له رسول
الله قميصه وفي رواية للبخاري عن جابر رضي الله تعالى عنه على ما سيأتي إن شاء
الله تعالى أنه أخرج بعدما أدخل حفرته فوضعه على ركبته ونفث فيه من ريقه وألبسه
قميصه وكان أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي المشقة في حضوره فبادروا إلى
تجهيزه قبل وصول النبي فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمرهم بإخراجه إنجازا
لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه فإن قلت في رواية الواقدي إن عبد الله بن
أبي هو الذي أعطاه النبي القميص وفي رواية البخاري أن ابنه هو الذي أعطاه النبي
وفي رواية جابر أنه ألبسه قميصه بعدما أخرجه من حفرته قلت رواية الواقدي وغيره لا
تقاوم رواية البخاري وأما التوفيق بين رواتي ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم
فقيل إن معنى قوله في حديث ابن عمر فأعطاه أي أنعم له بذلك فأطلق على الوعد اسم
العطية مجازا لتحقق وقوعها وقال ابن الجوزي يجوز أن يكون أعطاه قميصين قميصا للكفن
ثم أخرجه فألبسه غيره والله أعلم فإن قلت ما الحكمة في دفع قميصه له وهو كان رأس
المنافقين قلت أجيب عن هذا بأجوبة فقيل كان ذلك إكراما لولده وقيل لأنه ما سئل
شيئا فقال لا وقيل إنه قال إن قميصي لن يغني عنه شيئا من الله إني أؤمل من أبيه أن
يدخل في الأسلام بهذا السبب فروى أنه أسلم من الخزرج ألف ما رأوه يطلب الاستشفاء
بثوب رسول الله والصلاة عليه وقال أكثرهم إنما ألبسه قميصه مكافأة لما صنع في
إلباس العباس عم النبي قميصه يوم بدر وكان العباس طويلا فلم يأت عليه إلا قميص ابن
أبي وروى عبد بن حميد عن ابن عباس أنه لم يخدع إنسانا قط غير أن ابن أبي قال يوم
الحديبية كلمة حسنة وهي أن الكفار قالوا لو طفت أنت بالبيت فقال لا لي في رسول
الله إسوة حسنة فلم يطف قوله فقال آذني أي أعلمني وهو أمر من آذن ويؤذن إيذانا
قوله أصل عليه يجوز فيه الوجهان الجزم جوابا للأمر وعدم الجزم استئنافا
(8/54)
قوله فقال أليس الله نهاك أي
فقال عمر للنبي أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين وكلمة أن مصدرية تقديره نهاك
من الصلاة عليهم أخذ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه من قوله تعالى استغفر لهم أو لا
تستغفر لهم ( التوبة 08 ) وبهذا يدفع من يستشكل في قول عمر رضي الله تعالى عنه هذا
فإن قوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( التوبة 48 ) نزل بعد ذلك كما
يقتضيه سياق حديث الباب فإن قلت ليس فيه الصلاة قلت لما كانت الصلاة تتضمن
الاستغفار وغيره أولها على ذلك وقال الإسماعيلي الإستغفار والدعاء يسمى صلاة قوله
أنا بين خيرتين تثنية خيرة على وزن عنبة إسم من قولك إختاره الله أي أنا مخير بين
أمرين وهما الاستغفار وعدمه فإيهما أردت إختاره وقال الداودي هذا اللفظ أعني قوله
أنا بين خيرتين غير محفوظ لأنه خلاف ما رواه أنس وأرى رواية أنس هي المحفوظة لأنه
قال هناك أليس قد نهاك الله تعالى أن تصلي على المنافقين ثم قال فنزلت ولا تصل على
أحد منهم مات أبدا ( التوبة 48 ) جعل النهي بعد قوله أليس قد نهاك وقال صاحب (
التوضيح ) بل هو أي قوله أنا بين خيرتين محفوظ وكان عمر رضي الله تعالى عنه فهم
النهي من الاستغفار لاشتمالها عليه وقال صاحب ( التلويح ) الصحيح ما رواه أنس رضي
الله تعالى عنه وإنما فعل ذلك رجاء التخفيف قوله قال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم
إن تستغفر لهم سبعين مرة ( التوبة 48 ) ذكر السبعين على التكثير وروي أنه قال
لأستغفرن لهم أكثر من سبعين فنزلت سواء عليهم استغفرت لهم ( المنافقون 6 ) الآية
فتركه واستغفار الشارع لسعة حمله عمن يؤذيه أو لرحمته عند جريان القضاء عليهم أو
إكراما لولده وقيل معنى الآية الشرط أي إن شئت فاستغفر وإن شئت فلا نحو قوله تعالى
قل انفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( التوبة 35 ) وقيل معناه هما سواء وقيل
معناه المبالغة في اليأس وقال الفراء ليس بأمر إنما هو على تأويل الجزاء وقال ابن
النحاس منهم من قال استغفر لهم ( التوبة 08 ) منسوخ بقوله ولا تصل ( التوبة 48 )
ومنهم من قال لا بل هي على التهديد وتوهم بعضهم أن قوله لا تصل ( التوبة 48 ) ناسخ
له لقوله وصل عليهم ( التوبة 301 ) وهو غلط فإن تلك نزلت في أبي لبابة وجماعة معه
لما ربطوا أنفسهم لتخلفهم عن تبوك
ذكر ما يستفاد منه فيه دلالة على الكفن في القميص وسواء كان القميص مكفوف الأطراف
أو غير مكفوف ومنهم من قال إن القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو
كان غير مزرر ليشبه الرداء ورد البخاري ذلك بالترجمة المذكورة وفي ( الخلافيات )
للبيهقي من طريق ابن عون قال كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص
الحي مكففا مزررا وفيه النهي عن الصلاة على الكافر الميت وهل يجوز غسله وتكفينه
ودفنه أم لا فقال ابن التين من مات له والد كافر لا يغسله ولده المسلم ولا يدخله قبره
إلا أن يخاف أن يضيع فيواريه نص عليه مالك في ( المدونة ) وروى أن عليا رضي الله
تعالى عنه جاء إلى رسول الله فأخبره أن أباه مات فقال إذهب فواره ولم يأمره بغسله
وروى أنه أمره بغسله ولا أصل له كما قال القاضي عبد الوهاب وقال الطبري يجوز أن
يقوم على قبر والده الكافر لإصلاحه ودفنه قال وبذلك صح الخبر وعمل به أهل العلم
وقال ابن حبيب لا بأس أن يحضره ويلي أمر تكفينه فإذا كفن دفنه وقال صاحب ( الهداية
) وإن مات الكافر وله ابن مسلم يغسله ويكفنه ويدفنه بذلك أمر علي رضي الله تعالى
عنه في حق أبيه أبي طالب وهذا أخرجه ابن سعد في ( الطبقات ) فقال أخبرنا محمد بن
عمر الواقدي حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن
علي قال لما أخبرت رسول الله بموت أبي طالب بكى ثم قال لي إذهب فاغسله وكفنه وواره
قال ففعلت ثم أتيته فقال لي إذهب فاغتسل قال وجعل رسول الله يستغفر له أياما ولا
يخرج من بيته حتى نزل جبرائيل عليه الصلاة و السلام بهذه الآية ما كان للنبي
والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( التوبة 311 ) الآية وقال صاحب ( الهداية )
لكن يغسل غسل الثوب النجس ويلف في خرقة من غير مراعاة سنة التكفين من اعتبار عدد
وغير حنوط وبه قال الشافعي وقال مالك وأحمد ليس لولي الكافر غسله ولا دفنه ولكن
قال مالك له مواراته وفيه فضيلة عمر رضي الله تعالى عنه وفيه في قول عمر رضي الله
تعالى عنه أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين جواز الشهادة على الأنسان بما فيه
في الحياة والموت عند الحاجة وإن كانت مكروهة وفيه جواز المسألة لمن عنده جدة
تبركا
(8/55)
721 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل
) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( عمرو ) سمع ( جابرا ) رضي الله تعالى عنه قال أتى
النبي عبد الله بن أبي بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله وألبسه قميصه وعن مالك بن إسماعيل بن زياد النهري
الكوفي وابن عيينة هو سفيان ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
وأخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن علي بن عبد الله وفي اللباس عن عبد الله بن
عثمان وفي الجهاد عن عبد الله بن محمد الجعفي وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن
حرب وأبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة وأخرجه النسائي في الجنائز عن الحارث بن
مسكين وعبد الجبار بن علاء وعبد الله بن محمد الزهري فرقهم
ذكر معناه قوله أتى النبي جملة من الفعل والفاعل وعبد الله بالنصب مفعوله قوله
بعدما دفن وهذا يدل على أنه ما جاءه إلا بعد أن دفنوه فلذلك قال فأخرجه أي من قبره
وقد ذكرنا فيما مضى أن أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي المشقة في حضوره
فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي إلى آخر ما ذكرناه قوله فنفث فيه من ريقه وفي (
تفسير الثعلبي ) لما مات عبد الله بن أبي انطلق ابنه ليؤذن به النبي فقال له ما
اسمك قال الحباب قال أنت عبد الله والحباب شيطان ثم شهده النبي ونفث في جلده ودلاه
في قبره فما لبث النبي إلا يسيرا حتى نزلت عليه ولا تصل على أحد منهم ( التوبة 48
) الآية وفي ( تفسير أبي بكر بن مردويه ) من حديث ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد
الله عن ابن عباس عن عمر جاء عبد الله بن عبد الله فقال يا رسول الله إن عبد الله
قد وضع موضع الجنائز فانطلق فصلى عليه قوله وألبسه قميصه قد مر في حديث ابن عمر أن
ابن عبد الله بن أبي جاء إلى النبي فسأله قميصه فأعطاه وقد ذكرنا هناك وجه التوفيق
بين الروايتين وقال ابن الجوزي يجوز أن يكون جابر شاهد من ذلك ما لم يشاهده ابن
عمر وفي ( التلويح ) كان البخاري فهم من قول جابر أخرج بعد دفنه فيه وألبسه قميصه
أنه كان دفن بغير قميص فلهذا بوب ومن دفن بغير قميص قلت هذا الذي قاله إنما يتمشى
على الترجمة التي في نسخته التي ادعى أنها كذلك في نسخة سماعه وقد ذكرناه وذكرنا
أيضا أنه يجوز أن يكون أعطاه قميصين ويجوز أن يكون خلع عنه القميص الذي كفن فيه
وألبسه قميصه
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز إخراج الميت من قبره لحاجة أو لمصلحة ونفث الريق فيه
قاله الكرماني وفي ( التوضيح ) وهو دليل لابن القاسم الذي يقول بإخراجه إذا لم يصل
عليه للصلاة ما لم يخش التغير وقال ابن وهب إذا سوى عليه التراب فات إخراجه وقاله
يحيى بن يحيى وقال أشهب إذا أهيل عليه التراب فات إخراجه ويصلى عليه في قبره وفي (
المبسوط ) و ( البدائع ) لو وضع الميت في قبره لغير القبلة أو على شقه الأيسر أو
جعل رأسه في موضع رجليه وأهيل عليه التراب لا ينبش قبره لخروجه من أيديهم فإن وضع
اللبن ولم يهل التراب عليه ينزع اللبن وتراعى السنة في وضعه ويغسل إن لم يكن غسل
وهو قول أشهب ورواية ابن نافع عن مالك وقال الشافعي يجوز نبشه إذا وضع لغير القبلة
وأما نقل الميت من موضع إلى موضع فكرهه جماعة وجوزه آخرون فقيل إن نقل ميلا أو
ميلين فلا بأس به وقيل ما دون السفر وقيل لا يكره السفر أيضا وعن عثمان رضي الله
تعالى عنه أنه أمر بقبور كانت عند المسجد أن تحول إلى البقيع وقال توسعوا في
مسجدكم وعن محمد أنه إثم ومعصية وقال المازري ظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد
إلى بلد وقد مات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بالعقيق ودفنا بالمدينة وفي (
الحاوي ) قال الشافعي لا أحب نقله إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس
فاختار إن ينقل إليها لفضل الدفن فيها وقال البغوي والبندنيجي يكره نقله وقال
القاضي حسين والدارمي والبغوي يحرم نقله قال النووي هذا هو الأصح ولم ير أحمد بأسا
أن يحول الميت من قبره إلى غيره وقال قد نبش معاذ امرأته وحول طلحة وخالف الجماعة
في ذلك
32 -
( باب الكفن بغير قميص )
أي هذا باب في بيان الكفن بغير قميص وهذه الترجمة موجودة عند الأكثرين وعند
المستملي ساقطة
(8/56)
1721 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال
حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت
كفن النبي في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة
مطابقته للترجمة في قوله ليس فيها قميص ولا عمامة هذه الترجمة تتضمن الترجمة التي
قبلها التي صورتها ومن كفن بغير قميص كما هي في بعض النسخ وقد ذكرناه
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وهشام هو ابن عروة بن الزبير
بن العوام
قوله سحول بضم السين والحاء المهملتين وفي آخره لام جمع سحل وهو الثوب الأبيض
النقي وهي صفة لأثواب قوله كرسف بضم الكاف هو القطن وهو بيان لسحول والمعنى ثلاثة
أثواب بيض نقية من قطن وقال الكرماني فإن قلت لم لا تجعله اسم القرية قلت لأن
تقديره حينئذ من سحول وحذف حرف الجر من الاسم الصريح غير فصيح ولو صحت الرواية
بالإضافة فهو ظاهر انتهى قلت هذا السؤال مع جوابه غير موجهين لأن المراد من السحول
الثياب البيض كما قلنا وقد تقدم في باب الثياب البيض للكفن بلفظ كفن في ثلاثة
أثواب يمانية بيض سحولية من كرسف فالسحولية ههنا بفتح السين نسبة إلى سحول قرية
باليمن والسحول ههنا بضم السين وقال الأزهري بفتح السين المدينة وبالضم الثياب
البيض وقد تعسف الكرماني فيه لعدم إمعانه في الاطلاع عليه
42 -
( باب الكفن بلا عمامة )
أي هذا باب في بيان الكفن بلا عمامة هذه الترجمة هكذا في رواية الأكثرين وعند
المستملي باب الكفن في الثياب البيض فالأول أولى وأرجح لئلا تتكرر الترجمة بلا
فائدة وفي بعض النسخ لا توجد هذه الترجمة أصلا
3721 - حدثنا ( أسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن (
عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها
قميص ولا عمامة
قد مر هذا الحديث في باب الثياب البيض للكفن أخرجه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله
عن هشام إلى آخره وفيه زيادة وهي يمانية بعد قوله أثواب ولفظ كرسف بعد قوله سحولية
وهذا أخرجه النسائي أيضا عن قتيبة عن مالك
52 -
( باب الكفن من جميع المال )
أي هذا باب في بيان أن كفن الميت من جميع المال يعني لا من الثلث كما ذهب إليه
خلاس بن عمر وذكر الطحاوي رحمه الله أنه أحد قولي سعيد بن المسيب وقول طاووس
فإنهما قالا الكفن من الثلث وعن طاووس من الثلث إن كان قليلا
وبه قال عطاء والزهري وعمرو بن دينار وقتادة
أي يكون الكفن من جميع المال قال عطاء بن أبي رباح ووصله الدارمي من طريق ابن
المبارك عن ابن جريج عنه
(8/57)
قال الحنوط والكفن من رأس
المال قوله والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب ووصل قوله عبد الرزاق أخبرنا معمر عن
الزهري وقتادة قالا الكفن من جميع المال قوله وعمرو بن دينار عطف على قوله والزهري
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الكفن والحنوط من رأس المال قال وقاله عمر بن
دينار قوله وقتادة هو ابن دعامة السدوسي وهو أيضا قال مثل ما قال عطاء والزهري وقد
مر الآن
وقال عمرو بن دينار الحنوط من جميع المال
ذكر عبد الرزاق عنه هكذا وقد ذكرناه
وقال إبراهيم يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية
أي قال إبراهيم النخعي ووصل قوله الدارمي وإنما يبدأ بالكفن أولا لأن النبي لم
يستفسر في حديث حمزة ومصعب بن عمر بأنه عليهما دين ولو لم يكن مقدما على الدين
لاستفسر لأنه موضع الحاجة إلى البيان وسكوت الشارع في موضع الحاجة إلى البيان بيان
فإن قلت يرد عليه العبد الجاني والمرهون والمستأجر في بعض الروايات والمشتري قبل
القبض إذا مات المشتري قبل أداء الثمن فإن ولي الجناية والمرتهن والمستأجر والبائع
أحق بالعين من تجهيز الميت وتكفينه فإن فضل شيء من ذلك يصرف إلى التجهيز والتكفين
قلت هذا كله ليس بتركة لأن التركة ما يتركه الميت من الأموال صافيا عن تعلق حق
الغير بعينه وههنا تعلق بعينه حق الغير قبل أن يكون تركة
وقال سفيان أجر القبر والغسل هو من الكفن
سفيان هو الثوري قوله أجر القبر أي أجر حفر القبر وأجر الغسل من جنس الكفن أو من
بعض الكفن والغرض أن حكمه حكم الكفن في أنه من رأس المال لا من الثلث
4721 - حدثنا ( حمد بن محمد المكي ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( سعد ) عن
أبيه قال أتي عبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه يوما بطعامه فقال قتل مصعب بن
عمير وكان خيرا مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة وقتل حمزة أو رجل آخر خير
مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة لقد خشيت أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في
حياتنا الدنيا ثم جعل يبكي
مطابقته للترجمة في قوله فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة وكفن رسول الله مصعب بن
عمير في بردته وحمزة ابن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه في بردته ولم يلتفت إلى
غريم ولا إلى وصية ولا إلى وارث وبدأ بالتكفين على ذلك كله فعلم أن التكفين مقدم
وأنه من جميع المال لأن جميع ما لهما كان لكل منهما بردة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن محمد المكي الأزرقي أبو محمد ويقال الزرقي
الثاني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مر في باب تفاضل أهل
الإيمان الثالث أبوه سعد بن إبراهيم كان قاضي المدينة مات سنة خمس وعشرين ومائة
الرابع أبو سعد إبراهيم ابن عبد الرحمن الخامس عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة
المبشرة أسلم قديما على يد الصديق وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد وثبت يوم أحد وجرح
عشرين جراحة وأكثر وصلى رسول الله خلفه يوم تبوك مات سنة اثنتين وثلاثين ودفن في
البقيع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد
وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وفيه الثلاثة البقية مدنيون وفيه
إبراهيم يروي عن أبيه عن جده عن جد أبيه توضيحه إبراهيم يروي عن أبيه سعد وسعد
يروي عن أبيه إبراهيم وإبراهيم يروي عن أبيه عبد الرحمن فإبراهيم يروي عن أبيه عن
جده إبراهيم ويروي عن جد أبيه عبد الرحمن فافهم
وأخرجه البخاري في الجنائز عن محمد بن مقاتل وفي المغازي عن عبدان كلاهما عن عبد
الله بن المبارك عن شعبة عن سعد بن إبراهيم به
(8/58)
ذكر معناه قوله أتي بضم الهمزة
على صيغة المجهول وعبد الرحمن بالرفع لأنه نائب عن الفاعل قوله قتل على صيغة
المجهول أيضا ومصعب بن عمير مرفوع كذلك وهو بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين
المهملتين وعمير بضم العين مصغر عمرو القرشي العبدري كان من أجلة الصحابة بعثه
رسول الله إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين وهو أول من جمع الجمعة
بالمدينة قبل الهجرة وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا وأحسنهم
جمالا فلما أسلم زهد في الدنيا وتقشف وتحشف وفيه نزل رجال صدقوا ما عاهدوا الله
عليه ( الأحزاب 32 ) قتل يوم أحد شهيدا رضي الله تعالى عنه قوله وكان خيرا مني
يعني قال عبد الرحمن كان مصعب خيرا مني إنما قال هذا القول تواضعا وهضما لنفسه كما
قال لا تفضلوني على يونس ابن متى وإلا فعبد الرحمن من العشرة المبشرة قوله إلا
بردة واحدة البرود وهو رواية الكشميهني وفي رواية غيره إلا برده بالضمير العائد
عليه والبردة بضم الباء الموحدة النمرة كالمئزر وربما اتزر به وربما ارتدى وربما
كان لأحدهم بردتان يترز بأحدهما ويرتدي بالأخرى وربما كانت كبيرة وقيل النمرة كل
شملة مخططة من ميازر العرب وقال القتبي هي بردة تلبسها الإماء وقال ثعلب هي ثوب
مخططة تلبسها العجوز وقيل كساء ملون وقال الفراء هي دراعة تلبس أو تجعل على الرأس
فيها لونان سواد وبياض قوله وقتل حمزة وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله وأخوه
من الرضاعة يقال له أسد الله وحين أسلم اعتز الإسلام بإسلامه استشهد يوم أحد وهو
سيد الشهداء وفضائله كثيرة جدا قوله أو رجل آخر لم يعرف هذا الرجل ولم يقع هذا في
أكثر الروايات ولم يذكر إلا حمزة ومصعب وكذا أخرجه أبو نعيم في ( مستخرجه ) من
طريق منصور بن أبي مزاحم عن إبراهيم بن سعد قوله لقد خشيت إلى آخره من كلام عبد
الرحمن وكان خوفه وبكاؤه وإن كان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة مما كان عليه
الصحابة من الإشفاق والخوف من التأخر عن اللحاق بالدرجات العلى وطول الحساب
ذكر ما يستفاد منه فيه ما ترجم البخاري من أن الكفن من جميع المال وهو قول جمهور
العلماء وفيه أنه كفن حمزة ومصعبا في برديهما وهو يدل على جواز التكفين في ثوب
واحد عند عدم غيره والأصل ستر العورة وإنما استحب لهما التكفين في تلك الثياب التي
ليست بسابغة لأنهما فيها قتلا وفيهما يبعثان إن شاء الله تعالى وفيه أن العالم
يذكر سيرة الصالحين وتقللهم من الدنيا لتقل رغبته فيها ويبكي خوفا من تأخر لحاقه
بالأخيار ويشفق من ذلك وفيه أنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعم الله عنده ويعترف
بالتقصير عن أداء شكرها ويتخوف أن يقاص بها في الآخرة ويذهب سعيه فيها
62 -
( باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد )
أي هذا باب يذكر فيه إذا لم يوجب للميث إلا ثوب واحد فالحكم فيه أن يقتصر عليه ولا
ينتظر شيء آخر
5721 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( شعبة ) عن (
سعد بن إبراهيم ) عن أبيه ( إبراهيم ) أن ( عبد الرحمان بن عوف رضي الله ) تعالى
عنه أتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب ابن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي
رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه وأراه قال وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسط
لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون
حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام
مطابقته للترجمة في قوله كفن في بردة وهو ثوب واحد وقد كفن حمزة في بردة ومصعب في
أخرى ولم يكن غيرها وهو مطابق للترجمة وفي قوله إذا لم يوجد إلا ثوب واحد والحديث
بعينه مضى في الباب السابق غير أنه روى ذاك عن أحمد المكي عن إبراهيم بن سعيد وهذا
عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن شعبة عن سعد بن إبراهيم وفيه زيادة
وهي قوله وكان صائما أي كان عبد الرحمن يومئذ صائما وقوله أيضا إن غطى رأسه بدت
رجلاه
(8/59)
وإن غطى رجلاه بدا رأسه أي ظهر
وقوله وأراه بضم الهمزة أي أظنه وقوله حتى ترك الطعام أي في وقت الإفطار والتكفين
في الثوب الواحد كفن الضرورة وحالة الضرورة مستثناة في الشرع وفي ( المبسوط ) ولو
كفنوه في ثوب واحد فقد أساءوا لأن في حياته تجوز صلاته في إزار واحد مع الكراهة
فكذا بعد الموت إلا عند الضرورة بأن لم يوجد غيره ومسألة حمزة ومصعب من باب
الضرورة
72 -
( باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يوارى رأسه أو قدميه غطى به رأسه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا لم يجد إلى آخره أي إذا لم يجد من يتولى أمر الميت كفنا
إلا ما يواري أي إلا ما يستر رأسه أو يستر قدميه غطي به أي بذلك الكفن رأسه
والمعنى لا يجد كفنا إلا ما يواري رأسه مع بقية جسده أو ما يواري قدميه مع بقية
جسده ومعنى حديث الباب يفسر كذلك لأنه إذا لم يوار إلا رأسه أو إلا قدميه فقط كان
لتغطية عورته أحق
6721 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال
حدثنا ( شقيق ) قال حدثنا ( خباب ) رضي الله تعالى عنه قال هاجرنا مع النبي نلتمس
وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير
ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا
غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي أن نغطي رأسه
وأن نجعل على رجليه من الإذخر
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمر بن حفص بن غياث بن طلق بن معاوية أبو حفص النخعي
الثاني أبوه حفص بن غياث الثالث سليمان الأعمش الرابع شقيق بفتح الشين وبالقافين
ابن سلمة الأسدي أبو وائل الخامس خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة
وفي آخره باء أخرى ابن الأرت بفتح الهمزة والراي وتشديد التاء المثناة من فوق أبو
يحيى ويقال أبو عبد الله
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع وهذا السند كله بالتحديث
وهو عزيز الوجود وفيه القول في خمسة مواضع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه رواية
الإبن عن الأب وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الهجرة وفي الرقاق عن
الحميدي وعن محمد بن كثير وفي الهجرة أيضا عن مسدد وفي الموضعين من المغاوي عن
أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية وأخرجه مسلم في الجنائز عن يحيى بن يحيى وأبي بكر
بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب أربعتهم عن أبي معاوية وعن عثمان
ابن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وعن منجاب بن الحارث وعن إسحاق بن إبراهيم
ومحمد بن يحيى بن أبي عمر كلاهما عن ابن عيينة وأخرجه أبو داود في الوصايا عن محمد
بن كثير به مختصرا وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان وعن هناد بن السري
وأخرجه النسائي في الجنائز عن عبيد الله بن سعيد وإسماعيل بن مسعود
ذكر معناه قولهنلتمس وجه الله أي ذات الله تعالى أي جهة الله تعالى لا جهة الدنيا
وهذه الجملة محلها النصب على الحال قوله فوقع أجرنا على الله أي حق شرعا لا وجوبا
عقليا وفي رواية وجب أجرنا على الله أي بما وعد بقوله الصدق لأنه لا يجب على الله
شيء وله لم يأكل من أجره شيئا يعني لم يكسب من الدنيا شيئا ولا اقتناه وقصر نفسه
عن شهواتها لينالها موفرة في الآخرة قوله أينعت له ثمرته بفتح الهمزة وسكون الياء
آخر الحروف وفتح النون يقال ينع الثمر ينع وينع ينعا وينعا وينوعا فهو يانع معناه
أدرك وكذلك أينع معناه أدرك ونضج وتمر ينيع وقال الفراء أينع أكثر من ينع وقال
القزاز يونع إيناعا فهو مونع وقال الجوهري جمع اليانع ينع مثل صاحب وصحب قوله
يهدبها بفتح الياء آخر الحروف وسكون الهاء وكسر الدال المهملة وضمها أي يجتنيها
وقال ابن سيده هدب الثمرة يهدبها هدبا اجتناها قوله قتل يوم أحد أي قتل مصعب بن
عمير يوم أحد والذي قتله عبد الله بن قميئة عن نيف وأربعين سنة وهذه
(8/60)
الجملة استئنافية قوله ما
نكفنه وفي رواية أبي ذر ما نكفنه به قوله من الاذخر بكسر الهمزة وسكون الذال
المعجمة وكسر الخاء المعجمة وفي آخره راء قيل هو نبت بمكة قلت ليس بمخصوص بمكة
ويكون بأرض الحجاز طيب الرائحة ينبت في السهول والحزون وإذا جف ابيض وذكر أبو
حنيفة في ( كتاب النبات ) أن له أصلا مندفنا وله قضبان دقاق ذفر الريح وهو مثل
الأسل أسل الكولان يعني الذي يعمل منه الحصر إلا أنه أعرض وأصغر كعوبا وله ثمرة
كأنها مكاسع القصب إلا أنه أرق وأصغر وله كعوب كثيرة
ذكر ما يستفاد منه قال ابن بطال وفيه أن الثوب إذا ضاق فتغطية رأس الميت أولى من
رجليه لأنه أفضل وفيه بيان ما كان عليه صدر هذه الأمة وفيه أن الصبر على مكابدة
الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار وفيه أن الثوب إذا ضاق عن تغطية
رأسه وعورته غطيت بذلك عورته وجعل على سائره من الإذخر لأن ستر العورة واجب في حال
الحياة والموت والنظر إليها ومباشرتها باليد محرم إلا من حل له من الزوجين كذا
قاله المهلب قلت هذا عند من يقول إن الكفن يكون ساترا لجميع البدن وإن الميت يصير
كله عورة ومذهبنا أن الآدم كله محترم حيا وميتا فلا يحل للرجال غسل النساء ولا
للنساء غسل الرجال الأجانب بعد الوفاة وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الميت يؤزر
بإزار سابغ كما يفعله في حال حياته إذا أراد الاغتسال وفي ظاهر الرواية يشق عليهم
غسل ما تحت الإزار فيكتفي بستر العورة الغليظة بخرقة وفي ( البدائع ) تغسل عورته
تحت الخرقة بعد أن يلف على يديه خرقة وينجي عند أبي حنيفة كما كان يفعله في حياته
وعندهما لا ينجى وفي ( المحيط ) و ( الروضة ) لا ينجى عند أبي يوسف وفهم من هذا
كله أن الميت لا يصير كله عورة وإنما يعتبر حاله بحال حياته وفي حال حياته عورته
من السرة إلى الركبة والركبة عورة عندنا وهذا هو الأصل في الميت أيضا ولكن يكتفي
بستر العورة الغليظة وهي القبل والدبر تخفيفا وهو الصحيح من المذهب وبه قال مالك
ذكره في ( المدونة
82 -
( باب من استعد الكفن في زمن النبي فلم ينكر عليه )
أي هذا باب في بيان من استعد الكفن أي أعده وليست السين للطلب قوله فلم ينكر عليه
على صيغة المجهول ويروى على صيغة المعلوم ويكون الفاعل هو النبي وقيل يروى فلم
ينكره بها أي فلم ينكر النبي الرجل الذي طلب البردة التي أهديت إليه وكان طلبه
إياها منه لأجل أن يكفن فيها وكانت الصحابة أنكروا عليه فلما قال إنما طلبتها
لأكفن فيها أعذروه فلم ينكروا ذلك عليه وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى تلك القضية
واستفيد من ذلك جواز تحصيل ما لا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته لأن أفضل
ما ينظر فيه الرجل في الوقت المهمل وفسحة الأجل الاعتداد للمعاد وقد قال أفضل المؤمنين
إيمانا أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا وقال الضميري لا يستحب الإنسان أن
يعد لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه وهو صحيح إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من أثر
أهل الخير والصلحاء فإنه حسن وهل يلحق بذلك حفر القبر في حياته فقال ابن بطال قد
حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت بأيديهم ليتمثلوا حلول الموت فيه ورد عليه
بعضهم بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة ولو كان مستحبا لكثر فيهم قلت لا يلزم من
عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه لأن ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن
ولا سيما إذا فعله قوم من الصلحاء الأخيار
7721 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهله
) رضي الله تعالى عنه أن امرأة جاءت النبي ببردة منسوجة فيها حاشيتها أتدرون ما
البردة قالوا الشملة قال نعم قالت نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها فأخذها النبي محتاجا
إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فحسنها فلان فقال اكسنيها ما أحسنها قال القوم ما
أحسنت لبسها النبي محتاجا إليها ثم
(8/61)
سألته وعلمت أنه لا يرد قال
إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني قال سهل فكانت كفنه
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الرجل الذي سأل تلك البردة عن النبي لما أنكرت الصحابة
عليه سؤاله قال سألته لتكون تلك البردة كفني فأعطاه النبي إياها واستعدها ليكفن
فيها فكفن فيها وأخبر بذلك سهل حيث قال فكانت كفنه
ذكر رجاله وهم أربعة الأول عبد الله بن مسلمة القعنبي الثاني عبد العزيز بن أبي
حازم الثالث أبوه أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج القاضي من عباد أهل المدينة
وزهادهم الرابع سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه
القول في موضع واحد وفيه أن رواته مدنيون غير أن عبد الله بن مسلمة سكن البصرة وهو
من رباعيات البخاري وأخرجه ابن ماجه أيضا في اللباس عن هشام بن عمار به
ذكر معناه قوله أن امرأة لم يعرف اسمها قوله ببردة هي كساء كانت العرب تلتحف به
فيه خطوط ويجمع على برد كغرفة وغرف وقال ابن قرقول هي النمرة قوله حاشيتها مرفوع بقوله
منسوجة واسم المفعول يعمل عمل فعله كاسم الفاعل قاله الداودي يعني أنها لم تقطع من
ثوب فتكون بلا حاشية وقيل حاشية الثوب هدبه فكأنه أراد أنها جديدة لم تقطع هدبها
ولم تلبس بعد وقال القزاز حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان في طرفيهما الهدب قال قال
الجوهري الحاشية واحدة حواشي الثوب وهي جوانبه قوله تدرون ويروى أتدرون بهمزة
الاستفهام ويروى هل تدرون وعلى كل حال هذه الجملة قول سهيل بن سعد بينه أبو غسان
عن أبي حازم كما أخرجه البخاري في الأدب ولفظه فقال سهل للقوم أتدرون ما البردة
قالوا الشملة انتهى والشملة كساء يشتمل به وهي أعم لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها
اطلقوا عليها اسمها قوله تدرون إلى قوله قالت نسجتها جمل معترضة في كلام المرأة
المذكورة قوله فأخذها النبي محتاجا إليها أي حال كونه محتاجا إلى تلك البردة ويروى
محتاج إليها بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أخذها وهو محتاج إليها وإن شئت
تقول وهو محتاج إليها وقد علم أن الجملة الإسمية إذا وقعت حالا يجوز فيها الأمران
الواو وتركها فإن قلت من أين عرفوا احتياج النبي إلى ذلك قلت يمكن أن يكون ذلك
بصريح القول من النبي أو بقرينة حالية دلت على ذلك قوله فخرج إلينا وإنها إزاره أي
فخرج النبي إلينا وإن البردة المذكورة إزاره يعني متزرا بها يدل على ذلك رواية
الطبراني عن هشام بن سعد عن أبي حازم فاتزر بها ثم خرج وفي رواية ابن ماجه عن هشام
بن عمار عن عبد العزيز فخرج إلينا فيها قوله فحسنها فلان أي نسبها إلى الحسن وهو
ماض من التحسين في الروايات كلها وفي رواية للبخاري في اللباس من طريق يعقوب بن
عبد الرحمن عن أبي حازم فجسها بالجيم وتشديد السين بغير نون وكذا وقع في رواية
الطبراني من طريق أخرى عن ابن أبي حازم وقال المحب الطبري فلان هو عبد الرحمن بن
عوف وفي الطبراني عن قتيبة هو سعد بن أبي وقاص وقد أخرج البخاري في اللباس
والنسائي في الزينة عن قتيبة ولم يذكرا ذلك عنه وفي رواية ابن ماجه فجاء فلان ابن
فلان رجل سماه يومئذ وهذا يدل على أن الراوي سماه ونسبه وفي رواية أخرى للطبراني
أن السائل المذكور أعرابي ولكن في سنده زمعة بن صالح وهو ضعيف قوله ما أحسنها كلمة
ما هنا للتعجب وهو بنصب النون وفي رواية ابن ماجه فقال يا رسول الله ما أحسن هذه
البردة أكسنيها قال نعم فلما دخل طواها وأرسل بها إليه قوله ما أحسنت كلمة ما هنا
نافية قوله لبسها النبي محتاجا إليها أي لبس البردة المذكورة النبي حال كونه
محتاجا إليها وفي رواية ابن ماجه والله ما أحسنت كساها النبي محتاج إليها أي وهو
محتاج إليها قوله أنه لا يرد أي أن النبي لا يرد سائلا وكذا وقع في رواية ابن ماجه
بتصريح المفعول ونحوه وقع في رواية يعقوب في البيوع وفي رواية أبي غسان في الأدب
لا يسأل شيء
(8/62)
فيمنعه أي يعطي كل من طلب ما
يطلبه قوله ما سألته لألبسها أي ما سألت النبي لأجل أن ألبسها وأن المقدرة مصدرية
وفي رواية أبي غسان فقال رجوت بركتها حين لبسها النبي وفي رواية للطبراني عن زمعة
بن صالح أنه أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن تفرغ
ذكر ما يستفاد منه فيه حسن خلق النبي وسعة جوده وقبوله الهدية قال المهلب وفيه
جواز ترك مكافأة الفقير على هديته وفيه نظر لأن المكافأة كانت عادة النبي مستمرة
فلا يلزم من السكوت عنها هنا أن لا يكون فعلها على أنه ليس في الحديث الجزم يكون
ذلك هدية لاحتمال عرضها إياها عليه لأجل الشراء ولئن سلمنا أنها كانت هدية فلا
يلزم أن تكون المكافأة على الفور قال وفيه جواز الاعتماد على القرائن ولو تجردت
لقولهم فأخذها محتاجا إليها وفيه نظر أيضا لاحتمال سبق القول منه بذلك كما ذكرناه
قال وفيه الترغيب في المصنوع بالنسبة إلى صانعة إذا كان ماهرا وفيه نظر أيضا
لاحتمال إرادتها بنسبتها إليه إزالة ما يخشى من التدليس وفيه جواز استحسان الإنسان
ما يراه على غيره من الملابس إما ليعرفه قدرها وإما ليعرض له بطلبه منه حيث يسوغ
له ذلك وفيه مشروعية الإنكار عند مخالفة الأدب ظاهرا وإن لم يبلغ المنكر درجة
التحريم وفيه التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز إعداد الشيء قبل وقت الحاجة إليه
كما قد ذكرناه وفيه جواز المسألة بالمعروف وفيه أنه لم يكن يرد سائلا وفيه بركة ما
لبسه مما يلي جسده وفيه قبول السلطان الهدية من الفقير وفيه جواز السؤال من
السلطان وفيه ما كان النبي أنه يعطي حتى لا يجد شيئا فيدخل بذلك في جملة المؤثرين
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
92 -
( باب اتباع النساء الجنائز )
أي هذا باب في بيان اتباع النساء الجنائز ولم يبين كيفية الحكم هل هو جائز أو غير
جائز أو مكروه لاختلاف العلماء فيه لأن قول أم عطية يحتمل أن يكون نهي تحريم
ويحتمل أن يكون نهي تنزيه على أن ظاهر قول أم عطية ولم يعزم علينا يقتضي أن يكون
النهي نهي تنزيه وقد ورد في هذا الباب أحاديث تدل على الجواز فلأجل هذا الاختلاف
أطلق البخاري الترجمة ولم يقيدها بحكم وفي بعض النسخ باب اتباع النساء الجنازة
8721 - حدثنا ( قبيصة بن عقبة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( خالد ) عن أم ( الهذيل )
عن أم ( عطية ) رضي الله تعالى عنها قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين ما أبهمه البخاري في الترجمة في إطلاق الحكم بأنه
منهي وسفيان هو الثوري وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين وأم عطية هي نسيبة وقد تقدم
كل الرواة وتقدم الحديث أيضا في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض في كتاب
الحيض من طريق أيوب عن حفصة عن أم عطية مطولا وفيه وكنا ننهى عن اتباع الجنائز
ورواه هشام بن حسان أيضا عن حفصة عن أم عطية عن النبي وأخرج الإسماعيلي هذا الحديث
من رواية يزيد ابن أبي حكيم عن الثوري بإسناد هذا الباب ولفظه نهانا رسول الله فإن
قلت هذا الحديث لا حجة فيه لأنه لم يسم الناهي فيه قلت الذي أخرجه الإسماعيلي يرد
ما قيل فيه من ذلك وهذا الباب مختلف فيه فالجمهور على أن كل ما ورد بهذه الصيغة
حكمه حكم المرفوع وروى الطبراني عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية
قالت لما دخل رسول الله المدينة جمع النساء في بيت ثم بعث إلينا عمر رضي الله
تعالى عنه فقال إني رسول رسول الله إليكن بعثني لأبايعكن على أن لا تسرقن الحديث
وفي آخره وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق ونهانا أن نخرج في جنازة وهذا يدل على
أن حديث الباب مرسل قوله ولم يعزم علينا على صيغة المجهول أي لم يوجب ولم يفرض أو
لم يشدد ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات فكان المعنى
أنها قالت كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم وقال القرطبي ظاهر الحديث يقتضي أن
النهي للتنزيه وبه قال جمهور أهل العلم وقال ابن المنذر روينا عن ابن مسعود وابن
عمر
(8/63)
وعائشة وأبي أمامة أنهم كرهوا
ذلك للنساء وكرهه أيضا إبراهيم والحسن ومسروق وابن سيرين والأوزاعي وأحمد وإسحاق
وقال الثوري اتباع النساء الجنائز بدعة وعن أبي حنيفة لا ينبغي ذلك للنساء وروى
إجازة ذلك عن ابن عباس والقاسم وسالم والزهري وربيعة وأبي الزناد ورخص فيه مالك
وكرهه للشابة وعند الشافعي مكروه وليس بحرام ونقل العبدري عن مالك يكره إلا أن
يكون الميت ولدها أو والدها أو زوجها وكانت ممن يخرج مثلها لمثله وقال ابن حزم لا
يمنعن من اتباعها وآثار النهي عن ذلك لا تصح لأنها إما عن مجهول أو مرسلة أو عمن
لا يحتج به وأشبه شيء فيه حديث الباب وهو غير مسند لأنا لا ندري من هو الناهي
ولعله بعض الصحابة ثم لو صح مسندا لم يكن فيه حجة بل كان يكون على كراهة فقط وقد
صح خلافه روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه كان في جنازة
فرأى عمر رضي الله تعالى عنه امرأة فصاح بها فقال له رسول الله دعها يا عمر فإن
العين دامعة والنفس مصابة والعهد قريب قلت أخرج الحاكم هذا وقال صحيح على شرط
الشيخين وفيه نظر لأن البيهقي نص على انقطاعه وفي سنده سلمة بن الأزرق قال ابن
القطان سلمة هذا لا يعرف حاله ولا أعرف أحدا من مصنفي الرجال ذكره وروى الحاكم قال
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل
حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد أخبرني ربيعة ابن سيف حدثني أبو عبد
الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قبرنا مع رسول الله رجلا فلما
رجعنا وحاذينا بابه إذا هو بامرأة لا نظنه عرفها فقال يا فاطمة من أين جئت قالت
جئت من أهل الميت رحمت إليهم ميتهم وعزيتهم قال فلعلك بلغت معهم الكدي قالت معاذ
الله أن أبلغ معهم الكدى وقد سمعتك تذكر فيه ما تذكر قال لو بلغت معهم الكدى ما
رأيت الجنة حتى يرى جد أبيك والكدى المقابر قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه قلت كيف يقول على شرط الشيخين وربيعة بن سيف لم يخرج له أحد منهما وقال
الداودي قولها نهينا عن اتباع الجنائز أي إلى أن نصل إلى القبور وقولها ولم يعزم
علينا أي لا نأتي أهل الميت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته وقال
بعضهم وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر قلت وفي نظره نظر لأن الحديث الذي
رواه الحاكم عن عبد الله بن عمرو المذكور يساعده وقيل يحتمل أن يكون المراد بقولها
ولم يعزم علينا أي كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط ونحو ذلك
انتهى وأحسن حالات المرأة مع الجنازة أنها لا توجد في حضورها وقال الحازمي أما
باتباع الجنازة فلا رخصة لهن فيه وقد روي عن يزيد بن أبن حبيب أن رسول الله حضر
جنازة رجل فلما وضعت ليصلى عليها أبصر امرأة فسأل عنها فقيل هي أخت الميت فقال لها
إرجعي فلم يصل عليها حتى توارت وقال لامرأة أخرى إرجعي وإلا رجعت
03 -
( باب حد المرأة على غير زوجها )
أي هذا باب في بيان إحداد المرأة على غير زوجها والإحداد بكسر الهمزة من أحدت المرأة
على زوجها تحد فهي محدة إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة وكذلك حدت
المرأة من الثلاثي تحد من باب نصر ينصر وتحد بكسر الحاء من باب ضرب يضرب فهي حادة
وقال الجوهري أحدت المرأة أي امتنعت من الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها وكذلك حدت
حدادا ولم يعرف الأصمعي إلا أحدت فهي محدة وفي بعض النسخ باب حداد المرأة بغير
همزة على لغة الثلاثي وفي بعضها باب حد المرأة من مصدر الثلاثي وأبيح للمرأة
الحداد لغير الزوج ثلاثة أيام وليس ذلك بواجب وقال ابن بطال أجمع العلماء على أن
من مات أبوها أو ابنها وكانت ذات زوج وطالبها زوجها بالجماع في الثلاثة الأيام
التي أبيح لها الإحداد فيها أنه يقضي له عليها بالجماع فيها وقوله على غير زوجها
يشمل كل ميت غير الزوج سواء كان قريبا أو أجنبيا وأما الحداد لموت الزوج فواجب
عندنا سواء كانت حرة أو أمة وكذلك يجب على المطلقة طلاقا بائنا مطلقا وقال مالك
والشافعي وأحمد لا يجب ولا يجب على ذمية ولا صغيرة عندنا خلافا لهم فإن قلت لم
يقيد في الترجمة بالموت قلت قال بعضهم لم يقيده في الترجمة بالموت لأنه مختص به
عرفا وظاهر الترجمة ينافي ما قاله فكان البخاري لا يرى أنه مختص به عنده فترك
التقييد به
(8/64)
9721 - حدثنا ( مسدد ) قال
حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( سلمة بن علقمة ) عن ( محمد بن سيرين ) قال
توفي ابن لأم عطية رضي الله تعالى عنها فلما كان اليوم الثالث دعت بصفرة فتمسحت به
وقالت نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا بزوج
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه أن أم عطية أحدث لابنها فقوله في الترجمة على غير
زوجها يصدق عليه
ذكر رجاله وهم أربعة الأول مسدد تكرر ذكره الثاني بشر بكسر الباء الموحدة وسكون
الشين المعجمة ابن المفضل بن لاحق أبو إسماعيل مر في باب قول النبي رب مبلغ الثالث
سلمة بن علقمة التميمي مر في باب من لم يتشهد في سجدتي السهو الرابع محمد بن سيرين
تكرر ذكره
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع
واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته بصريون
ذكر معناه قوله يوم الثالث كذا هو في رواية الأكثرين من باب إضافة الموصوف إلى
الصفة وفي رواية المستملي في اليوم الثالث على الأصل قوله بصفرة الصفرة في الأصل
لون الأصفر والمراد ههنا نوع من الطيب فيه صفرة قوله نهينا وروى عبد الرزاق عن
أيوب عن ابن سيرين بلفظ أمرنا أن لا نحد على هالك فوق ثلاثة وفي رواية الطبراني من
طريق قتادة عن ابن سيرين عن أم عطية قالت سمعت رسول الله يقول فذكر معناه قوله أن
نحد بضم النون من الإحداد وكلمة أن مصدرية قوله إلا بزوج أي بسبب زوج وهذه رواية
الأكثرين وفي رواية الكشميهني إلا لزوج باللام ووقع في العدد إلا على زوج والكل
بمعنى التسبب
0821 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( أيوب بن موسى ) الله
قال أخبرني ( حميد بن نافع ) عن ( زينب ابنة أبي سلمة ) قالت لما جاء نعي أبي
سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله تعالى عنها بصفرة في اليوم الثالث فمسحت
عارضيها وذراعيها وقالت إني كنت عن هاذا لغنية لولا أني سمعت النبي يقول لا يحل
لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد
عليه أربعة أشهر وعشرا
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن فيه الإحداد على غير الزوج
ذكر رجاله وهم خمسة الأول الحميدي بضم الحاء عبد الله بن الزبير بن عيسى القريشي
الأسدي أبو بكر الثاني سفيان بن عيينة الثالث أيوب بن موسى بن عمرو ابن سعيد بن
العاص الأموي أحد الفقهاء مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة بمكة الرابع حميد الطويل بضم
الحاء بن نافع أبو أفلح بالفاء وبالحاء المهملة الخامس زينب بنت أبي سلمة وأسمه
عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي أخت عمر بن أبي سلمة أمهما أم سلمة
رضي الله تعالى عنها زوج النبي مرت في باب الخباء في العلم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع والإخبار بصيغة الإفراد
في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه الثلاثة الأول من
الرواة مكيون والرابع مدني وفيه شيخه مذكور بنسبته إلى أحد أجداده
ذكر معناه قوله نعى أبو سفيان بفتح النون وسكون العين وتخفيف الياء وهو الخبر بموت
الشخص ويروى بكسر العين وتشديد الياء وأبو سفيان هو ابن حرب والدمعاوية قوله من
الشام قال بعضهم فيه نظر لأن أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل العلم
بالأخبار والجمهور على أنه مات سنة اثنتين وثلاثين وعلل على ذلك بقوله ليس في طرق
هذا الحديث التقييد بذلك إلا في رواية سفيان بن عيينة وأظنها وهما وأظن أنه حذف
منه لفظ ابن لأن الذي جاء نعيه من الشام وأم حبيبة في الحياة هو أخوها يزيد بن أبي
سفيان الذي كان أميرا على الشام قلت يزيل هذا الظن أن
(8/65)
البخاري روى الحديث في ( العدد
) من طريق مالك ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن
حميد بن نافع بلفظ حين توفي أبوها أبو سفيان وفيه تصريح بأن الذي جاء نعيه هو أبو
سفيان لا نعي ابن سفيان فإن قلت هما لم يذكرا في روايتهما من الشام قلت لا يلزم من
عدم ذكرهما من الشام أن يكون ذكر سفيان بن عيينة من الشام وهما وهو إمام في الحديث
حجة ثبت وعن الشافعي لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز وفي قول هذا
القائل أبو سفيان مات بالمدينة بلا خلاف نظر لأنه مجرد دعوى فافهم قوله أم حبيبة
هي بنت أبي سفيان المذكور واسمها رملة أم المؤمنين قوله بصفرة قد ذكرنا معناها عن
قريب وفي رواية مالك بطيب فيه صفرة خلوق وزاد فيه فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها
قوله وعشرا هل المراد منه الأيام أو الليالي ففيه قولان للعلماء أحدهما وهو قول
الجمهور أن المراد الأيام بلياليها والآخر أن المراد الليالي وأنها تحل في اليوم
العاشر وهو قول يحيى بن أبي كثير والأوزاعي وذكرنا الأحكام المتعلقة بالحديث
والخلاف فيها في باب الطيب عند الغسل من المحيض
1821 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم ) عن ( حميد بن نافع ) عن ( زينب بنت أبي سلمة ) أخبرته قالت دخلت على
أم حبيبة زوج النبي فقالت سمعت رسول الله يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ثم دخلت على زينب بنت
جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست ثم قالت مال بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول
الله على المنبر يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث
إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
( 2821 - طرفه في 5335 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أويس ابن أخت مالك
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن عبد الله بن يوسف
وعن محمد بن كثير عن سفيان الثوري وعن آدم بن أبي إياس عن شعبة وأخرجه مسلم في
الطلاق عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن عمرو الناقد وابن أبي عمر كلاهما عن سفيان
بن عيينة به وعن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر وعبد الله بن معاذ عن أبيه عن
شعبة به وأخرجه أبو داود في الطلاق عن القعنبي عن مالك به وأخرجه الترمذي في
النكاح عن إسحاق بن موسى عن معن عن مالك به وأخرجه النسائي فيه عن الحارث بن مسكين
وفيه وفي التفسير عن محمد بن سلمة وفي التفسير أيضا عن عمرو بن منصور وعن هناد وعن
وكيع
ذكر معناه قوله ثم دخلت علي زينب بنت جحش فاعل دخلت هو زينب بنت أم سلمة وكذلك في
رواية مسلم والنسائي ثم دخلت وفي رواية أبي داود والترمذي فدخلت بالفاء وقال بعضهم
ووقع في رواية أبي داود ودخلت بالواو قلت ما وجدت في نسخ أبي داود إلا بالفاء مثل
رواية الترمذي والفرق بين هذه الروايات الثلاث على تقدير كون رواية أبي داود
بالواو أن كلمة ثم للعطف على التراخي والمهلة والتشريك في الحكم والترتيب وكلمة الفاء
للعطف على التعقيب وكلمة الواو العطف على الجمع
فإن قلت على ما ذكرت معنى ثم يقتضي أن تكون قصة زينب هذه بعد قصة أم حبيبة ولا يصح
ذلك لأن زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح قلت في دلالة ثم
على الترتيب خلاف ولئن سلمنا ضعف الخلاف فإن ثم ههنا لترتيب الإخبار لا لترتيب
الحكم وذلك كما يقال بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب أي ثم أخبرك أن الذي
صنعته أمس أعجب وأما الفاء فإن الفراء قال لا تفيد الترتيب مطلقا ولئن سلمنا فنقول
الترتيب ذكري لا معنوي وأما الواو فإنها لا تفيد الترتيب أصلا فإن صحت رواية الواو
فلا إشكال أصلا فافهم فإنه موضع دقيق لم ينبه عليه أحد من الشراح قوله حين توفي
أخوها قال شيخنا زين الدين فيه إشكال لأن لزينب ابنة جحش ثلاثة إخوة عبد الله
وعبيد الله مصغرا وأبو أحمد مشهور بكنيته واسمه عبد على الصحيح وقيل عبد الله ولا
جائز أن يكون عبد الله مكبرا
(8/66)
لأنه قتل بأحد قبل أن يتزوج
النبي زينب بنت جحش ولا جائز أن يكون عبيد الله فإنه مات بالحبشة نصرانيا أما في
سنة خمس أو في سنة ست فإن النبي تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعده فإنه مات عنها
بأرض الحبشة وكان تزوج النبي بها إما في سنة ست أو سبع على الخلاف المعروف فيه
وزينب بنت أبي سلمة كانت حينئذ صغيرة وإن أمكن أن تعقل ذلك وهي صغيرة على بعد فيه
ولا جائز أيضا أن يكون أبا أحمد فإنها توفيت قبله وتأخر بعدها كما جزم به ابن عبد
البر وغيره وأقرب الاحتمالات أن يكون عبيد الله الذي مات نصرانيا على بعد فيه فإن
قلت مثلها لا يحزن على من مات كافرا في بيت النبوة قلت ذاك الحزن بالجبلة والطبع
فتعذر فيه ولا تلام به وقد بكى النبي لما رأى قبر أمه توجعا لها وقيل يحتمل أن
يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاع قوله فمست به أي شيئا من جسدها وفي
رواية للبخاري في العدد فمست منه
ذكر ما يستفاد منه استدل به بعض الحنفية على وجوب إحداد المرأة على الزوج وقال
الرافعي في الاستدلال به نظر لأن الاستثناء من النفي إثبات للمنفي وإنما هو عدم
الحل على غير الزوج بعد الثلاث فيكون الاستثناء إثباتا لحل الإحداد لا لوجوبه قلت
أجيب بأن ظاهر اللفظ وإن كان هكذا ولكن حمل على الوجوب لإجماع العلماء عليه فإن
قلت الحسن البصري لا يرى وجوب الإحداد قلت لا يصح هذا عن الحسن قاله ابن العربي
فإن قلت روى أحمد في ( مسنده ) من حديث أسماء بنت عميس قالت دخل علي رسول الله
اليوم الثالث من قتل جعفر فقال لا تحدي بعد يومك هذا وفيه لا يجب الإحداد بعد
اليوم الثالث بل فيه أنه لا يجوز لظاهر النهي ( قلت ) هذا الحديث مخالف الأحاديث
الصحيحة في الأحداد فهو شاذ لا عمل عليه للإجماع إلى خلافه وأيضا أن جعفر بن أبي
طالب كان قتل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم فلذلك نهى زوجته عن الإحداد عليه بعد
الثلاث وهذا الجواب فيه نظر لا يخفى وهو أن الشهيد حي في حق الآخرة لا في حق
الدنيا إذ لو كان حيا في حق الدنيا لما كان يجوز تزوج نسائه ولا كان تقسم تركته
فإن قلت جعفر مقطوع له بالشهادة لقول النبي إنه رآه يطير في الجنة بجناحين فقطعنا
بأنه حي بخلاف عموم من قتل في حرب الكفار لقوله لا تقولوا فلان مات شهيدا قلت قد
أخبر عن جماعة بأنهم شهداء ولم ينه نساءه عن الإحداد عليهم كعبد الله بن حرام والد
جابر بن عبد الله وقال في حمزه إنه سيد الشهداء ومع هذا فلم ينقل أنه نهى نساءهم
عن الإحداد عليهم وفيه دلالة لأبي حنيفة وأبي ثور أنه لا يجب الإحداد على الزوجة
الذمية لأنه قيد ذلك بقوله لامرأة تؤمن بالله وفيه دلالة على أن الإحداد لا يجب
على الصبية لأنه لا تسمى امرأة إلا بعد البلوغ
13 -
( باب زيارة القبور )
أي هذا باب في بيان حكم زيارة القبور ولم يصرح بالحكم لما فيه من الخلاف بين
العلماء ويأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى
3821 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( ثابت ) عن ( أنس بن مالك )
رضي الله تعالى عنه قال مر النبي بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت
إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي فأتت باب النبي فلم
تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم ينه المرأة المذكورة عن زيارتها قبر ميتها وإنما
أمرها بالصبر فدل على الجواز من هذه الحيثية فلعدم التصريح به لم يصرح البخاري
أيضا بالحكم وقد مر هذا الحديث بعين هذا الإسناد في باب قول الرجل للمرأة عند
القبر اصبري غير أن هنا زيادة من قوله قالت إليك عني إلى آخره
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع
واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع
(8/67)
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره
أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن بندار عن غندر وفي الأحكام عن إسحاق ابن منصور
وأخرجه مسلم في الجنائز عن بندار عن غندر وعن أبي موسى وعن عقبة بن مكرم وعن أحمد
بن إبراهيم وزهير بن حرب وأخرجه أبو داود فيه عن أبي موسى محمد بن المثنى وأخرجه
الترمذي فيه عن بندار به مختصرا وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي عن غندر به وفي
اليوم والليلة عن عمرو بن علي عن أبي داود عنه به
ذكر معناه قوله بامرأة لم يوقف على اسمها قوله عند قبر ولفظ مسلم أتى على امرأة
تبكي على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري فقالت وما تبالي مصيبتي فلما ذهب قيل
لها إنه رسول الله فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا
رسول الله لم أعرفك فقال إنما الصبر عند أول صدمة أو قال عند أول الصدمة وفي رواية
عبد الرزاق قد أصيبت بولدها قوله اتقي الله قال القرطبي الظاهر أنها كانت تنوح وهي
تبكي فلهذا أمرها بالتقوى وهو الخوف من الله تعالى وقال الطيبي اتقي الله توطئة
لقوله واصبري كأنه قال لها خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي ليحصل لك الثواب
وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) فقال يا أمة الله اتقي الله قوله إليك من
أسماء الأفعال ومعناها تنح عني وأبعد قوله فإنك لم تصب على صيغة المجهول وفي لفظ
للبخاري في الأحكام من وجه آخر عن شعبة فإنك خلو من مصيبتي والخلو بكسر الخاء
المعجمة وسكون اللام وفي لفظ لمسلم ما تبالي مصيبتي وفي رواية أبي يعلى الموصلي من
حديث أبي هريرة أنها قالت يا عبد الله أنا الحراء الثكلاء ولو كنت مصابا عذرتني
وفي بعض النسخ بعد قوله فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه الواو فيه للحال أي قالت
للنبي هذا القول والحال أنها لم تعرف النبي إذ لو عرفته لما خاطبته بهذا الخطاب
قوله فقيل لها أي للمرأة المذكورة فكأن القائل لها واحد ممن كان هناك وفي رواية
الأحكام فمر بها رجل فقال لها إنه رسول الله وفي رواية أبي يعلى قال فهل تعرفينه
قالت لا وفي رواية الطبراني في ( الأوسط ) من طريق عطية عن أنس أن الذي سألها هو
الفضل بن عباس وقد مر في رواية مسلم فأخذها مثل الموت أي من شدة الكرب الذي أصابها
لما عرفت أنه رسول الله خجلا منه ومهابة قوله فلم تجد عنده أي لم تجد هذه المرأة
عند النبي بوابين يمنعون الناس وفي رواية الأحكام بوابا بالإفراد قال الطيبي فائدة
هذه الجملة أنه لما قيل لها إنه النبي استشعرت خوفا وهيبة في نفسها فتصورت أنه مثل
الملوك له صاحب أو بواب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته
قوله فقالت لم أعرفك وفي حديث أبي هريرة فقالت والله ما عرفتك قوله إنما الصبر أي
إنما الصبر الكامل ليصح معنى الحصر على الصدمة الأولى وفي رواية الأحكام عند أول
صدمة وأصل الصدم لغة الضرب في الشيء الصلب ثم استعير لكل أمر مكروه وحاصل المعنى
أن الصبر الذي يكون عند الصدمة الأولى هو الذي يكون صبرا على الحقيقة وأما السكون
بعد فوات المصيبة ربما لا يكون صبرا بل قد يكون سلواه كما يقع لكثير من أهل
المصائب بخلاف أول وقوع المصيبة فإنه يصدم القلب بغتة فلا يكون السكون عند ذلك
والرضى بالمقدور إلا صبرا على الحقيقة وقال الخطابي المعنى أن الصبر الذي يحمد
عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو وقيل
إن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه وإنما يؤجر على حسن نيته وجميل صبره
وقال ابن بطال أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأجر
ذكر ما يستفاد منه فيه ما كان عليه من التواضع والرفق بالجاهل وترك مؤاخذة المصاب
وقبول اعتذاره وفيه إن الحاكم لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس وفيه
أن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل وإن لم يعرف الآمر وفيه أن الجزع من المنهيات
لأمره لها بالتقوى مقرونا بالصبر وفيه الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة
ونشر الموعظة وفيه أن المواجهة بالخطاب إذا لم تصادف المنوي لا أثر لها وبنى عليه
بعضهم ما إذا قال يا هند أنت طالق فصادف عمرة أن عمرة لا تطلق وفيه جواز زيارة
القبور مطلقا سواء كان الزائر رجلا أو امرأة وسواء كان المزور مسلما أو كافرا لعدم
الفصل في ذلك وقال النووي وبالجواز قطع الجمهور وقال الماوردي لا يجوز زيارة قبر
الكافر مستدلا بقوله تعالى ولا تقم على قبره ( التوبة 48 ) وهذا غلط وفي الاستدلال
(8/68)
بالآية المذكورة نظر لا يخفى
واعلم أن الناس اختلفوا في زيارة القبور فقال الحازمي أهل العلم قاطبة على الإذن
في ذلك للرجال وقال ابن عبد البر الإباحة في زيارة القبور إباحة عموم كما كان
النهي عن زيارتها نهي عموم ثم ورد النسخ في الإباحة على العموم فجائز للرجال
والنساء زيارة القبور وروى في الإباحة أحاديث كثيرة منها حديث بريدة أخرجه مسلم
قال قال رسول الله نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها الحديث ورواه الترمذي أيضا
ولفظه قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها
فإنها تذكر بالآخرة ومنها حديث ابن مسعود أخرجه ابن ماجه عنه أن رسول الله قال كنت
نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تذكر في الدنيا وتذكر الآخرة ومنها
حديث أنس أخرجه ابن أبي شيبة عنه قال نهى رسول الله عن زيارة القبور ثم قال زوروها
ولا تقولوا هجرا يعني سوأ ومنها حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود عنه قال زار النبي
قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي
واستأذنته في أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ورواه أيضا مختصرا
ومنها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أخرجه ابن ماجه عنها أن رسول الله رخص في
زيارة القبور ومنها حديث حيان الأنصاري أخرجه الطبراني في ( الكبير ) قال خطب رسول
الله يوم خيبر الحديث وفيه وأحل لهم ثلاثة أشياء كان ينهاهم عنها أحل لهم لحوم
الأضاحي وزيارة القبور والأوعية ومنها حديث أبي ذر أخرجه الحاكم عنه قال قال لي
رسول الله زر القبور تذكر بها الآخرة ومنها حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى
عنه أخرجه أحمد عنه أن رسول الله قال إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
فإنها تذكركم الآخرة ومنها حديث ابن عباس أخرجه أحمد عنه مر رسول الله بقبور فأقبل
عليهم بوجهه فقال السلام عليكم ومنها حديث مجمع بن جارية أخرجه ابن أبي الدنياأن
رسول الله انتهى إلى المقبرة فقال السلام على أهل القبور الحديث وفيه إسماعيل بن
عياش
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أتى المقبرة فسلم عليهم وقال رأيت النبي يسلم
عليهم وعند ابن عبد البر بسند صحيح ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في
الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ولما أخرج الترمذي حديث بريدة قال
والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور بأسا وهو قول ابن المبارك
والشافعي وأحمد وإسحاق ولما روى حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله
قال لعن الله زوارات القبور قال هذا حديث حسن صحيح ثم قال وقد رأى بعض أهل العلم
أن هذا كان قبل أن يرخص النبي في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال
والنساء وقال بعضهم إنما تكره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن وروى
أبو داود عن ابن عباس قال لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد
والسرج واحتج بهذا الحديث قوم فقالوا إنما اقتضت الإباحة في زيارة القبور للرجال
دون النساء وقال ابن عبد البر يمكن أن يكون هذا قبل الإباحة قال وتوقي ذلك للنساء
المتجملات أحب إلي وإما الشواب فلا يؤمن من الفتنة عليهن وبهن حيث خرجن ولا شيء
للمرأة أحسن من لزوم قعر بيتها ولقد كره أكثر العلماء خروجهن إلى الصلوات فكيف إلى
المقابر وما أظن سقوط فرض الجمعة عليهن إلا دليلا على إمساكهن عن الخروج فيما
عداها قال واحتج من أباح زيارة القبور للنساء بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها
رواه في ( التمهيد ) من رواية بسطام بن مسلم عن أبي التياح عن عبد الله بن أبي
مليكة أن عائشة رضي الله تعالى عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها يا أم
المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه
فقلت لها أليس كان رسول الله ينهى عن زيارة القبور قالت نعم كان ينهى عن زيارتها
ثم أمر بزيارتها وفرق قوم بين قواعد النساء وبين شبابهن وبين أن ينفردن بالزيارة
أو يخالطن الرجال فقال القرطبي أما الشواب فحرام عليهن الخروج وأما القواعد فمباح
لهن ذلك قال وجائز ذلك لجميعهن إذا انفردن بالخروج عن الرجال قال ولا يختلف في هذا
إن شاء الله تعالى وقال القرطبي أيضا حمل بعضهم حديث الترمذي في المنع على من يكثر
(8/69)
الزيارة لأن زوارات للمبالغة
ويمكن أن يقال إن النساء إنما يمنعن من إكثار الزيارة لما يؤدي إليه الإكثار من
تضييع حقوق الزوج والتبرج والشهرة والتشبه بمن يلازم القبور لتعظيمها ولما يخاف
عليها من الصراخ وغير ذلك من المفاسد وعلى هذا يفرق بين الزائرات والزوارات
وفي ( التوضيح ) وحديث بريدة صريح في نسخ نهي زيارة القبور والظاهر أن الشعبي
والنخعي لم يبلغهما أحاديث الإباحة
وكان الشارع يأتي قبور الشهداء عند رأس الحول فيقول السلام عليكم بما صبرتم فنعم
عقبى الدار وكان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم يفعلون ذلك وزار الشارع
قبر أمه يوم الفتح في ألف مقنع ذكره ابن أبي الدنيا وذكر ابن أبي شيبة عن علي وابن
مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهم إجازة الزيارة وكانت فاطمة رضي الله تعالى عنها
تزور قبر حمزة رضي الله تعالى عنه كل جمعة وكان عمر رضي الله تعالى عنه يزور قبر
أبيه فيقف عليه ويدعو له وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تزور قبر أخيها عبد
الرحمن وقبره بمكة ذكره أجمع عبد الرزاق وقال ابن حبيب لا بأس بزيارة القبور
والجلوس إليها والسلام عليها عند المرور بها وقد فعل ذلك رسول الله وسئل مالك عن
زيارة القبور فقال قد كان نهى عنه ثم أذن فيه فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرا
لم أر بذلك بأسا وفي ( التوضيح ) أيضا والأمة مجمعة على زيارة قبر نبينا وأبي بكر
وعمر رضي الله تعالى عنهما وكان ابن عمر إذا قدم من سفر أتي قبره المكرم فقال
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه ومعنى
النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإسلام عند قربهم بعبادة الأوثان واتخاذ
القبور مساجد فلما استحكم الإسلام وقوي في قلوب الناس وأمنت عبادة القبور والصلاة
إليها نسخ النهي عن زيارتها لأنها تذكر الآخرة وتزهد في الدنيا وعن طاووس كانوا
يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم سبعة
أيام وحاصل الكلام من هذا كله أن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا
الزمان ولا سيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه فيه الفساد والفتنة وإنما رخصت
الزيارة لتذكر أمر الآخرة وللاعتبار بمن مضى وللتزهد في الدنيا
23 -
( باب قول النبي يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته لقول الله
تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا )
أي هذا باب في بيان قول النبي إلى آخره هذه الترجمة بعينها لفظ حديث نذكره عن قريب
مسندا وقال بعضهم هذا تقييد من المصنف لمطلق الحديث وحمل منه لرواية ابن عباس
المقيدة بالبعضية على رواية ابن عمر المطلقة قلت لا نسلم أن التقييد من المصنف بل
هما حديثان أحدهما مطلق والآخر مقيد فترجم بلفظ الحديث المقيد تنبيها على أن
الحديث المطلق محمول عليه لأن الدلائل دلت على تخصيص العذاب ببعض البكاء لا بكله
لأن البكاء بغير نوح مباح كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وقوله إذا كان النوج إلى آخره ليس من الحديث المرفوع بل هو من كلام البخاري قاله
استنباطا قوله من سنته بضم السين وتشديد النون وكسر التاء المثناة من فوق أي من
عادته وطريقته وهكذا هو للأكثرين وقال ابن قرقول أي مما سنه واعتاده إذ كان من
العرب من يأمر بذلك أهله وهو الذي تأوله البخاري وهو أحد التأويلات في الحديث وضبطه
بعضهم بالباء الموحدة المكررة أي من أجله وذكر عن محمد بن ناصر أن الأول تصحيف
والصواب الثاني وأي سنة للميت وفي بعض النسخ باب إذا كان النوح من سننه وضبطه
بالنون قوله لقول الله تعالى إلى آخره وجه الاستدلال بالآية أن الشخص إذا كان
نائحا وأهله يقتدون به فهو صار سببا لنوح أهله فما وقى أهله من النار فخالف الأمر
ويعذب بذلك قوله قوا أمر للجماعة من وقى يقي وأصله أوقيوا لأن الأمر من يقي ق
وأصله أوق فحذفت الواو تبعا ليقي وأصله يوقي حذفت الواو ولوقوعها بين الياء
والكسرة فصار يقي على وزن يعي والأمر منه ق وعلى الأصل أوق فلما حذفت الواو منه
تبعا للمضارع استغنى عن الهمزة فحذفت فصار ق على وزن ع تقول ق قيا قوا ومعنى قوا
إحفظوا لأنه من الوقاية وهو الحفظ
وقال النبي كلكم راع ومسؤول عن رعيته
(8/70)
هذا حديث ابن عمر أخرجه في باب
الجمعة في القرى والمدن موصولا مطولا وجه إيراد هذه الآية في معرض الاستدلال هو أن
الأمر فيها يشمل سائر جهات الوقاية فالرجل إذا كان راعيا لأهله وجاء منه شر وتبعه
أهله على ذلك أو هو رآهم يفعلون الشر ولم ينههم عن ذلك فإنه يسأل عنه لأن ذلك كان
من سنته
فإن قلت ما وجه المناسبة بين الآية والحديث وهو مقيد والآية مطلقة قلت الآية
بظاهرها وإن دلت على العموم ولكن خص منها من لم يكن له علم بما يفعله أهله من الشر
ومن نهاهم عنه فلم ينتهوا فلا مؤاخذة ههنا ولهذا قال عبد الله بن المبارك إذا كان
ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء
فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لا تزر وازرة وزر
أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81 الزمر 7 )
هذا قسيم قوله إذا كان النوح من سنته يعني فإذا لم يكن النوح مع البكاء من سنته أي
من عادته وطريقته قوله كما قالت جواب إذا المتضمن معنى الشرط فحاصل المعنى إذا لم
يكن من سنته فلا شيء عليه كقول عائشة فالكاف للتشبيه وكلمة ما مصدرية أي كقول
عائشة مستدلة بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر
81 الزمر 7 ) أي ولا تحمل نفس حاملة ذنبا ذنب نفس أخرى حاصله لا تؤاخذ نفس بغير
ذنبها وأصل لا تزر لا توزر لأنه من الوزر فحذفت الواو لوقوعها بين الياء التي
للغائب والكسرة وحملت عليه بقية الأمثلة
وهو كقوله تعالى وإن تدع مثقلة ذنوبا إلى حملها لا يحمل منه شيء
هذا وقع في رواية أبي ذر وحده أي ما استدلت عائشة بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر
أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81 الزمر 7 ) كقوله تعالى وان تدع مثقلة (
فاطر 81 ) أي وإن تدع نفس مثقلة بذنوبها غيرا إلى حمل أوزارها لا يحمل منه شيء (
فاطر 81 ) وهذا يدل على أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث من الكفار حتى إن نفسا قد
أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخف بعض حملها لم تجب ولم تغث ولو كان ذا قربى (
فاطر 81 ) أي وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو أم أو ولد أو أخ والمدعو وإن لم
يكن له ذكر يدل عليه وإن تدع مثقلة ( فاطر 81 ) وإنما لم يذكر المدعو ليعم ويشمل
كل مدعو واستقام إضمار العام وإن لم يصح أن يكون العام ذا قربى للمثقلة لأنه من
العموم الكائن على البدل
وما يرخص من البكاء في غير نوح
هذا عطف على أول الترجمة تقديره باب في بيان قول النبي يعذب الميت إلى آخره وفي
بيان ما يرخص من البكاء بغير نياحة وقال الكرماني أو هو عطف على كما قالت أي فهو
كما يرخص في عدم العذاب وكلمة ما يجوز أن تكون موصولة وأن تكون مصدرية والترخيص من
البكاء في غير نوح جاء في حديث أخرجه الطبراني في الكبير قال حدثنا علي بن عبد
العزيز حدثنا ابن الأصبهاني حدثنا شريك عن عامر بن سعد قال دخلت عرسا وفيه قرظة بن
كعب وأبو مسعود الأنصاري قال فذكر حديثا لهما قالا فيه إنه قد رخص لنا في البكاء
عند المصيبة من غير نوح وصححه الحاكم ولكن ليس إسناده على شرط البخاري فلذلك لم
يذكره ولكنه أشار إليه بقوله وما يرخص إلى آخره وقرظه بفتح القاف والراء والظاء
المشالة أنصاري خزرجي كان أحد من وجهه عمر رضي الله تعالى عنه إلى الكوفة ليفقه
الناس وكان على يديه فتح الري واستخلفه علي رضي الله تعالى عنه على الكوفة وقال
ابن سعيد وغيره مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه
وقال النبي لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها وذالك لأنه
أول من سن القتل
هذا أخرجه البخاري عن ابن مسعود موصولا في خلق آدم حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا
أبي حدثنا الأعمش قال حدثني عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال قال رسول
الله الحديث وأخرجه
(8/71)
أيضا في الديات في باب قول
الله تعالى ومن أحياها ( المائدة 22 ) عن قبيصة عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن
مرة عن مسروق إلى آخره وفي الاعتصام أيضا عن الحميدي عن سفيان بن عيينة وأخرجه
مسلم في الحدود عن جماعة والترمذي في العلم عن محمود بن غيلان والنسائي في التفسير
عن علي بن خشرم وفي المحاربة عن عمرو بن علي وابن ماجه في الديات عن هشام ابن عمار
ثم وجه الاستدلال بهذا الحديث أن القاتل المذكور يشارك من فعل مثله لأنه هو الذي
فتح هذا الباب وسوى هذا الطريق فكذلك من كان طريقته النوح على الميت يكون قد فتح
لأهله هذا الطريق فيؤخذ على فعله ومدار مراد البخاري في هذه الترجمة على أن الشخص
لا يعذب بفعل غيره إلا إذا كان له فيه تسبب فمن قال بجواز تعذيب شخص يفعل غيره
فمراده هذا ومن نفاه فمراده ما إذا لم يكن فيه تسبب أصلا
قوله لا تقتل نفس على صيغة المجهول قوله ظلما نصب على التمييز أي من حيث الظلم
قوله ابن آدم الأول المراد به قابيل الذي قتل أخاه شقيقه هابيل ظلما وحسدا قوله كفل
بكسر الكاف وهو النصيب والحظ وقال الخليل الضعيف وهذا الحديث من قواعد الإسلام
موافق لحديث من سن سنة حسنة الحديث وغيره في الخير والشر قوله وذلك أي كون الكفل
على ابن آدم الأول قوله بأنه أي بسبب أن ابن آدم الأول هو الذي سن سنة قتل النفس
ظلما وحسدا
4821 - حدثنا ( عبدان ومحمد ) قالا أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( عاصم بن
سليمان ) عن ( أبي عثمان ) قال حدثني ( أسامة بن زيد ) رضي الله تعالى عنهما قال
أرسلت ابنة النبي إليه إن ابنا لي قبض فأتنا فأرسل يقرىء السلام ويقول إن للاه ما
أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه
ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل وابي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال
فرفع إلى رسول الله الصبي ونفسه تتقعقع قال حسبته أنه قال كأنها شن ففاضت عيناه
فقال سعد يا رسول الله ما هاذا فقال هاذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما
يرحم الله من عباده الرحماء
هذا الحديث مطابق لقوله وما يرخص من البكاء في غير نوح فإن قوله ففاضت عيناه بكاء
من غير نوح فيدل على أن البكاء الذي يكون من غير نوح جائز فلا يؤاخذ به الباكي ولا
الميت
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبدان بفتح العين وسكون الباء الموحدة واسمه عبد الله بن
عثمان أبو عبد الرحمن الثاني محمد بن مقاتل الثالث عبد الله ابن المبارك الرابع
عاصم بن سليمان الأحول الخامس أبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل بفتح الميم
وتشديد اللام مر في باب الصلاة كفارة السادس أسامة بن زيد بن حارثة حب رسول الله
ومولاه وأمه أم أيمن وأسمها بركة حاضنة النبي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه
الإخبار بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في أربعة مواضع
وفيه أن الثلاثة الأول من الرواة مروزيون وعاصم وأبو عثمان بصريان وفيه عاصم عن
أبي عثمان وفي رواية شعبة في أواخر الطب عن عاصم سمعت أبا عثمان وفيه عن أبي عثمان
بلا نسبة وفي التوحيد من طريق حماد عن عاصم عن أبي عثمان هو النهدي وفيه أن روايته
عن شيخين أحدهما بلقبه لأن عبدان لقب عبد الله والآخر بلا نسبة وكذلك عبد الله بلا
نسبة وفيه أبو عثمان مذكور بكنيته
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطب عن حجاج بن منهال وفي
النذور عن حفص بن عمر وفي التوحيد عن أبي النعمان محمد ابن الفضل وعن موسى بن
إسماعيل وعن مالك بن إسماعيل مختصرا وأخرجه مسلم في الجنائز عن أبي كامل الجحدري
وعن ابن نمير وعن أبي بكر وأخرجه أبو داود فيه عن الوليد وأخرجه النسائي فيه عن
سويد بن نصر وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الملك سبعتهم عن عاصم الأحول عن أبي
عثمان به فافهم
(8/72)
ذكر معناه قوله أرسلت بنت النبي هي زينب كما وقع في رواية أبية معاوية عن عاصم المذكور في ( مصنف ابن أبي شيبة ) وكذا ذكره ابن بشكوال قوله إن ابنا لها أي لبنت النبي كتب الدمياطي بخطه في الحاشية إن اسمه علي بن أبي العاص بن الربيع وقال بعضهم فيه نظر لأنه لم يقع مسمى في شيء من طرق هذا الحديث قلت في نظره نظر لأنه لا يلزم من عدم اطلاعه على أن ابنها هو علي في طرق هذا الحديث أن لا يطلع عليه غيره في طريق من الطرق التي لم يطلع هو عليها ومن أين له إحاطة جميع طرق هذا الحديث أو غيره والدمياطي حافظ متقن وليس ذكر هذا من عنده لأن مثل هذا توقيفي فلا دخل للعقل فيه فلو لم يطلع عليه لم يصرح به وقال هذا القائل أيضا إن الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار ذكروا أن عليا المذكور عاش حتى ناهز الحلم وأن النبي أردفه على راحلته يوم فتح مكة ومثل هذا لا يقال في حقه صبي عرفا قلت بلى يقال صبي إلى أن يقرب من البلوغ عرفا وأما الصبي في اللغة فقد قال ابن سيده في ( المحكم ) الصبي من لدن يولد إلى أن يعظم والجمع أصبية وصبية وصبوان وصبوات وصبيان قلبوا الواو فيها ياء للكسرة التي قبلها ولم يعتدوا بالساكن حاجزا حصينا لضعفه بالسكون قوله قبض على صيغة المجهول أي قرب من أن يقبض ويدل على ذلك أن في رواية حماد أرسلت تدعوه إلى ابنها في الموت وفي رواية شعبة إن ابنتي قد حضرت وروى أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن عاصم الأحول سمعت أبا عثمان عن أسامة بن زيد أن ابنة لرسول الله أرسلت إليه وإنا معه وسعد أحسب وأبي أن ابني أو ابنتي قد حضر فاشهدنا الحديث وقوله أو ابنتي شك من الراوي وقال بعضهم الصواب قول من قال ابنتي لا ابني كما ثبت في ( مسند أحمد ) ولفظه أتي النبي بأمامة بنت زينب وهي لأبي العاص بن الربيع ونفسها تتقعقع كأنها في شن وفي رواية بعضهم أميمة بالتصغير وهي أمامة المذكورة قلت أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن أمامة بنت أبي العاص من زينب بنت النبي عاشت بعد النبي حتى تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله تعالى عنها ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها ثم إن هذا القائل أيد ما ادعاه من أن الصواب قول من قال ابنتي لا ابني بما رواه الطبراني من طريق الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال استعز بأمامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله إليه تقول له فذكر نحو حديث أسامة وقوله استعز بضم التاء المثناة من فوق وكسر العين المهملة وتشديد الزاي أي اشتد بها المرض وأشرفت على الموت قلت اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا عليا وأمامة فقط واتفقوا أيضا أن أمامة تأخرت وفاتها إلى التاريخ الذي ذكرناه آنفا فدل أن الصواب قول من قال ابني لا ابنتي كما نص عليه في رواية البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن سليمان الأحول عن أبي عثمان النهدي قوله يقريء السلام بضم الياء وروي بفتحها وقال ابن التين ولا وجه له إلا أن يريد يقرأ عليك وذكر الزمخشري عن الفراء يقال قرأت عليه السلام وأقرأته السلام وقال الأصمعي لا يقال أقرأته السلام وقال الزمخشري والعامة تقول قريت السلام بغير همز وهو خطأ قوله إن لله ما أخذ وله ما أعطى أي له الخلق كله وبيده الأمر كله وكل شيء عنده بأجل مسمى لأنه لما خلق الدواة واللوح والقلم أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لا معقب لحكمه قيل قدم ذكر الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخرا في الواقع لما يقتضيه المقام والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له فلا ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه وكلمة ما في الموضعين موصولة ومفعول أخذ وأعطى محذوف لأن الموصول لا بد له من صلة وعائد ونكتة حذف المفعول فيهما الدلالة على العموم فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاؤه وغيرهما ويجوز أن تكون كلمة ما في الموضعين مصدرية والتقدير إن لله الأخذ والإعطاء وهو أيضا أعم من إعطاء الولد وأخذه قوله وكل عنده بأجل مسمى أي كل واحد من الأخذ والإعطاء عند الله مقدر بأجل مسمى أي معلوم والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر ومعنى عنده في علمه وإحاطته قوله فلتبصر أمر للغائب المؤنث ولتحتسب أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح قوله فأرسلت إليه تقسم أي إلى النبي و تقسم جملة فعلية وقعت حالا ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين
(8/73)
وأنه إنما قام في ثالث مرة أما
ترك إجابته أولا فيحتمل أنه كان في شغل في ذلك الوقت أو كان امتناعه مبالغة في
إظهار التسليم لربه أو كان لبيان الجواز في أن من دعي لمثل ذلك لم تجب عليه
الإجابة بخلاف الوليمة مثلا وأما إجابته بعد إلحاحها عليه فكانت دفعا لما يظنه بعض
الجهلة أنها ناقصة المكان عنده أو أنه لما رآها عزمت عليه بالقسم حن عليها بإجابته
قوله فقام أي النبي والواو في ومعه للحال وهو خبر لقوله سعد بن عبادة بضم العين
المهملة الخزرجي كان سيدا جوادا ذا رياسة غيورا مات بالشام ويقال إنه قتله الجن
وقالوا
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
رميناه بسهم فلم يخط فؤاده
ومعاذ بن جبل مر في أول كتاب الإيمان وأبي بن كعب مر في باب ما ذكر من ذهاب موسى
في كتاب العلم وزيد بن ثابت مر في باب ما يذكر في الفخذ في كتاب الصلاة وفي رواية
حماد فقام وقام معه رجال وقد سمى منهم غير من سمي في هذه الرواية عبادة بن الصامت
وهو في رواية عبد الواحد في أوائل التوحيد وفي رواية شعبة أن أسامة راوي الحديث
كان معهم وكذا في رواية عبد الرحمن بن عوف أنه كان معهم ووقع في رواية شعبة في
الأيمان والنذور وأبي أو أبي بالشك فالأول بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وتخفيف
الياء فعلى هذا كان زيد بن حارثة معهم والثاني بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة
وتشديد الياء وهو أبي بن كعب ورواية البخاري ترجح الثاني لأنه ذكر فيه بلفظ وأبي
بن كعب وكان الشك من شعبة لأن ذلك لم يقع في رواية غيره والله أعلم قوله فرفع إلى
رسول الله الصبي بالراء من الرفع وفي رواية حماد فدفع بالدال وبين في رواية شعبة
أنه وضع في حجره وههنا حذف كثير والتقدير فذهبوا إلى أن انتهوا إلى بيتها
فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا فرفع إلى رسول الله الصبي وفي رواية عبد الواحد فلما
دخلنا ناولوا رسول الله الصبي قوله ونفسه تتقعقع جملة إسمية وقعت حالا أي تضطرب
وتتحرك وفي بعض النسخ تقعقع فالأول من التقعقع من باب التفعلل والثاني من القعقعة
وهي حكاية حركة يسمع منها صوت قال الأزهري يقال للجلد اليابس إذا تخشخش فحكى صوت
حركاته قعقع قعقعة وقال ابن الأعرابي القعقعة والعقعقة والشخشخة والخشخشة والخفخفة
والفخفخة والشنشنة والنشنشة كلها حركة القرطاس والثوب الجديد وفي ( الصحاح )
القعقعة حكاية صوت السلاح وفي ( نوادر أبي مسحل ) أخذته الحمى بقعقعة أي برعدة وفي
( الجامع ) للقزاز القعقعة صوت الحجارة والخطاف والبكرة والمحور وفي ( المحكم )
قعقعته حركته وقال شمر قال خالد بن جنبه معنى قوله نفسه تتقعقع أي كلما صارت إلى
حال لم تلبث أن تصير إلى حال أخرى تقرب من الموت لا تثبت على حالة واحدة قوله
كأنها شن وفي رواية كأنها في شن والشن بفتح الشين المعجمة وتشديد النون السقاء
البالي والجمع شنان وقال ابن التين وضبطه بعضهم بكسر الشين وليس بشيء وجه الرواية
الأولى أنه شبه النفس بنفس الجلد وهو أبلغ في الإشارة إلى شدة الضعف ووجه الثانية
أنه شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه كما يطرح في الجلد من حصاة
ونحوها قوله ففاضت عيناه أي عينا النبي يعني نزل منهما الدمع قوله فقال سعد أي سعد
بن عبادة المذكور وصرح به في رواية عبد الواحد ووقع في رواية ابن ماجه من طريق عبد
الواحد فقال عبادة بن الصامت والصواب ما في الصحيح قوله ما هذا أي فيضان العين
كأنه استغرب ذلك منه لأنه يخالف ما عهده منه من مقاومة المصيبة بالصبر قوله قال
هذه أي قال النبي هذه أي الدمعة رحمة أي أثر رحمة جعلها الله في قلوب عباده أي
رحمة على المقبوض تبعث على التأمل فيما هو عليه وليس كما توهمت من الجزع وقلة
الصبر وفي بعض النسخ قال إنه رحمة أي إن فيضان الدمع أثر رحمة وفي لفظ في قلوب من
شاء من عباده وقد صح أن الله خلق مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين وجعل في عباده
رحمة فبها يتراحمون ويتعاطفون وتحن الأم على ولدها فإذا كان يوم القيامة جمع تلك
الرحمة إلى التسعة والتسعين فأظل بها الخلق حتى إن إبليس رأس الكفر يطمع لما يرى
من رحمة الله عز و جل قوله فإنما يرحم الله من عباده الرحماء وفي رواية شعبة في
أواخر الطب ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء والرحماء جمع رحيم وكلمة من بيانية
والرحماء بالنصب لأنه مفعول يرحم الله ومن عباده في محل النصب على الحال من
الرحماء
(8/74)
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز
استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وفيه جواز القسم عليهم لذلك وفيه
جواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذنهم بخلاف الوليمة وفيه استحباب إبرار
القسم وفيه أمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضى مقاوما
للحزن بالصبر وفيه تقديم السلام على الكلام وفيه عيادة المرضى ولو كان مفضولا أو
صبيا صغيرا وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطع اليأس من فضلهم ولو ردوا أول مرة
وفيه استفهام التابع من إمامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره وفيه حسن الأدب في
السؤال وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة لهم وفيه الترهيب من
قساوة القلب وجمود العين وفيه جواز البكاء من غير نوح ونحوه وروى الترمذي في
الشمائل من رواية سفيان الثوري والنسائي من رواية أبي الأحوص كلاهما عن عطاء بن
السائب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما حضرت بنت رسول الله
صغيرة فأخذها رسول الله وضمها إلى صدره ثم وضع يده عليها وهي تئن فبكى رسول الله
فبكت أم أيمن فقال لها رسول الله أتبكين يا أم أيمن ورسول الله عندك فقال ما لي لا
أبكي ورسول الله يبكي فقال رسول الله إني لست أبكي ولكنها رحمة ثم قال رسول الله
المؤمن بخير على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله تعالى ولابن عباس
حديث آخر رواه أبو داود الطيالسي رواه عنه قال بكت النساء على رقية فجعل عمر رضي
الله تعالى عنه ينهاهن فقال رسول الله مه يا عمر ثم قال إياكم ونعيق الشيطان فإنه
مهما يكون من العين ومن القلب فمن الرحمة وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان
قال وجعلت فاطمة رضي الله تعالى عنها تبكي على شفير قبر رقية فجعل رسول الله يمسح
الدموع عن وجهها باليد أو بالثياب ورواه البيهقي في ( سننه ) ثم قال وهذا وإن كان
غير قوي فقوله في الحديث الثابت إن الله لا يعذب بدمع العين يدل على معناه ويشهد
له بالصحة وروى الطبراني من رواية شريك عن أبي إسحاق عن عامر ابن سعد قال شهدت
صنيعا فيه أبو مسعود وقرظة بن كعب وجوار يغنين فقلت سبحان الله هذا وأنتم أصحاب
محمد وأهل بدر فقالوا رخص لنا في الغناء في العرس والبكاء في غير نياحة وروى
النسائي من حديث أبي هريرة قال مات ميت من آل رسول الله فاجتمع النساء يبكين عليه
فقام عمر رضي الله تعالى عنه ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله دعهن يا عمر فإن العين
دامعة والقلب مصاب والعهد قريب وروى ابن ماجه من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت
يزيد قالت لما توفي ابن رسول الله إبراهيم بكى رسول الله فقال له المعزي إما أبو
بكر وإما عمر أنت أحق من عظم الله حقه قال رسول الله تدمع العين ويحزن القلب ولا
نقول ما يسخط الرب لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وإن الآخر تابع للأول لوجدنا
عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون
5821 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( أبو عامر ) قال حدثنا ( فليح ابن
سليمان ) عن ( هلال ابن علي ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال شهدنا
بنتا لرسول الله قال ورسول الله جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان قال فقال هل
منكم رجل لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا قال فانزل قال فنزل في قبرها
( 5821 - طرفه في 2431 )
مطابقته للترجمة وهي قوله وما يرخص من البكاء في غير نوح في قوله فرأيت عينيه
تدمعان
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن محمد المسندي الثاني أبو عامر عبد الملك بن
عمرو العقدي الثالثت فليح بضم الفاء ابن سليمان قال الواقدي اسمه عبد الملك وفليح
لقب غلب عليه الرابع هلال بن علي بن أسامة العامري الخامس أنس بن مالك رضي الله
تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول في
(8/75)
ثلاثة مواضع وفيه عن هلال وفي
رواية محمد بن سنان الآتية عن قريب حدثنا هلال وفيه أن شيخه بخاري وأنه من أفراده
وأبو عامر بصري وفليح وهلال مدنيان وفيه إثنان أحدهما مذكور بكنيته والآخر بلقبه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن محمد بن سنان وأخرجه الترمذي في الشمائل
ذكر معناه قوله بنتا للنبي هي أم كلثوم زوج عثمان رضي الله تعالى عنه رواه الواقدي
عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد أخرجه ابن سعد في ( الطبقات ) في ترجمة أم كلثوم
وكذا ذكره الدولابي والطبري والطحاوي وكانت وفاتها سنة تسع ورواه حماد بن سلمة عن
ثابت عن أنس فسماها رقية أخرجه البخاري في ( التاريخ الأوسط ) والحاكم في (
مستدركه ) قال البخاري ما أدري ما هذا فإن رقية ماتت والنبي ببدر لم يشهدها قيل
حماد وهم في تسميتها فقط وأغرب الخطابي فقال هذه البنت كانت لبعض بنات رسول الله
فنسبت إليه قوله ورسول الله جالس جملة إسمية وقعت حالا قوله على القبر أي على جانب
القبر وهو الظاهر قوله تدمعان بفتح الميم قال ابن التين المشهور في اللغة أن ماضيه
دمع بفتح الميم فيجوز في مستقبله تثليث الميم وذكر أبو عبيد لغة أخرى أن ماضيه
مكسور العين فتعين الفتح في المستقبل قوله لم يقارف من المقارفة بالقاف والفاء قال
الخطابي معناه لم يذنب وقيل لم يجامع أهله وحكي عن الطحاوي أنه قال لم يقارف تصحيف
والصواب لم يقاول أي لم ينازع غيره الكلام لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء
وقال الكرماني فإن قلت ما الحكمة فيه إذا فسرت المقارفة بالمجامعة قلت لعلها هي
أنه لما كان النزول في القبر لمعالجة أمر النساء لم يرد أن يكون النازل فيه قريب
العهد بمخالطة النساء لتكون نفسه مطمئنة ساكنة كالناسية للشهوة ويقال إن عثمان في
تلك الليلة باشر جارية له فعلم رسول الله بذلك فلم يعجبه حيث شغل عن المريضة
المحتضرة بها وهي أم كلثوم زوجته بنت الرسول فأراد أنه لا ينزل في قبرها معاتبة
عليه فكنى به عنه قوله قال أبو طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي شهد
المشاهد وقال لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل وقتل يوم حنين عشرين رجلا
وأخذ أسلابهم وكان يحثو بين يدي رسول الله في الحرب ويقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي
لوجهك اللقاء ثم ينثر كنانته بين يديه وكان رسول الله يرفع رأسه من خلفه ليرى
مواقع النبل فكان يتطاول بصدره ليقي به رسول الله مر في باب ما يذكر في الفخد قوله
قال أي قال رسول الله لأبي طلحة فانزل قيل إنما عينه رسول الله لأن ذلك كان صنعته
قال بعضهم فيه نظر فإن ظاهر السياق أنه اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك
الليلة جماع قلت في نظره نظر لأنه كان هناك جماعة بدليل قول أنس رضي الله تعالى
عنه شهدنا بنتا للنبي وعدم وقوع الجماع من أبي طلحة في تلك الليلة لا يستلزم أن
يكون مختصا به حتى يختار لذلك بل الظاهر إنما اختاره لمباشرته بذلك وخبرته به وفي
( الاستيعاب ) في ترجمته أم كلثوم استأذن أبو طلحة أن ينزل في قبرها فأذن له
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز البكاء كما ترجم به بقوله وما يرخص من البكاء في غير
نوح وفيه إدخال الرجال المرأة في قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء وفيه إيثار
البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الأب والزوج وفيه جواز
الجلوس على جانب القبر واستدل ابن التين بقوله ورسول الله جالس على القبر وهو قول
مالك وزيد بن ثابت وعلي رضي الله تعالى عنهم وقال ابن مسعود وعطاء لا يجلس عليه
وبه قال الشافعي والجمهور لقوله لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى
جلده خير له من أن يجلس على قبر أخرجه مسلم وظاهر إراد المحاملي وغيره أنه حرام
ونقله النووي في ( شرح مسلم ) عن الأصحاب وتأول مالك وخارجة بن زيد على الجلوس
لقضاء الحاجة وهو بعيد وفي ( التوضيح ) لا يوطأ أحدكم إلا الضرورة ويكره أيضا
الاستناد إليه احتراما وقال لو تولى النساء شأنها في القبر فحسن نص عليه في ( الأم
)
(8/76)
6821 - حدثنا ( عبدان ) قال
حدثنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عبد الله بن عبيد الله
بن أبي مليكة ) قال توفيت ابنة لعثمان رضي الله تعالى عنه بمكة وجئنا لنشهدها
وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى
أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله
عليه فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول بعض
ذالك ثم حدث قال صدرت مع عمر رضي الله تعالى عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا
هو بركب تحت ظل سمرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الركب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته
فقال ادعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل
صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر رضي الله تعالى عنه يا صهيب أتبكي علي
وقد قال رسول الله إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه قال ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما فلما مات عمر رضي الله تعالى عنه ذكرت ذالك لعائشة رضي الله تعالى عنها
فقالت رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه
ولاكن رسول الله قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم
القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند ذالك والله
هو أضحك وأبكى قال ابن أبي مليكة والله ما قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما شيئا
مطابقته للترجمة في قوله إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله وعبدان هو عبد الله بن
عثمان وقد مر عن قريب وعبد الله هو ابن المبارك وابن جريج هو عبد الملك بن عبد
العزيز بن جريج وعبد الله بن عبيد الله بالتكبير في الإبن والتصغير في الأب وأبو
مليكة اسمه زهير وقد مر غير مرة
والحديث أخرجه مسلم في الجنائز أيضا عن محمد بن رافع وعبد بن حميد وعن داود بن
رشيد وعن عبد الرحمن بن بشر وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن منصور
ذكر معناه قوله توفيت بنت لعثمان هي أم أبان وقد صرح بها مسلم قال حدثنا داود بن
رشيد قال حدثنا إسماعيل بن علية قال حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة قال كنت
جالسا في جنب ابن عمر ونحن ننظر جنازة أم أبان بنت عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء
ابن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما
فإذا صوت من الدار فقال ابن عمر كأنه يعرض على عمرو أن يقوم فينهاهم سمعت رسول
الله يقول إن الميت ليعذب ببكاء أهله قال فأرسلها عبد الله مرسلة فقال ابن عباس
كنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حتى إذا كنا بالبيداء إذا
هو برجل نازل في ظل شجرة فقال لي اذهب فاعلم لي من ذلك الرجل فذهبت فإذا هو صهيب
فرجعت إليه فقلت إنك أمرتني بأن أعلم لك من ذلك وإنه صهيب قال مره فليلحق بنا قال
فقلت إن معه أهله قال وإن كان معه أهله وربما قال أيوب مرة فليلحق بنا فلما قدمنا
لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب فجاء صهيب يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر رضي
الله تعالى عنه ألم تعلم أو لم تسمع أيوب أو قال أو لم تعلم أو لم تسمع أن رسول
الله قال إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله قال فأما عبد الله فأرسلها مرسلة وأما عمر
فقال ببعض فقمت فدخلت على عائشة فحدثتها بما قال ابن عمر فقالت لا والله ما قال
رسول الله قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إن
(8/77)
الكافر يزيده الله ببكاء أهله
عذابا وإن الله هو أضحك وأبكى ولا تزر وازرة وزر أخرى قال ابن أبي مليكة حدثني
القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة رضي الله تعالى عنها قول عمر وابن عمر قالت إنكم
لتحدثون عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىء وفي رواية لمسلم عن هشام بن
عروة عن أبيه قال ذكر عند عائشة قول ابن عمر إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت
رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظ إنما مرت على رسول الله جنازة يهودي
وهم يبكون عليه فقال إنكم تبكون وإنه ليعذب وفي رواية أخرى له ذكر عند عائشة أن
ابن عمر يرفع إلى النبي إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت وهل إنما قال رسول
الله إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون الآن وذلك مثل قوله إن رسول الله
قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليستمعون
ما أقول وقد وهل إنما قال إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت إنك لا تسمع
الموتى ( النمل 08 ) وما أنت بمسمع من في القبور ( فاطر 22 ) يقول حين تبوأوا
مقاعدهم من النار وفي رواية له أيضا عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة ذكر
لها أن عبد الله بن عمر يقول إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة رضي الله
تعالى عنها يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر
رسول الله على يهودية تبكي عليها فقال إنهم ليبكون وإنها لتعذب في قبرها
فنتكلم أولا في وجوه الروايات المذكورة والاختلاف في هذا الباب ثم نفسر بقية ألفاظ
الحديث ولم أر أحدا من شراح هذا الكتاب بين تحقيق ما ورد في هذا الباب بل أكثرهم
ساق كلامه بلا ترتيب ولا اتباع متن الحديث حتى إن الناظر فيه لا يقدر أن يقف فيه
على كلام يشفي عليله فنقول وبالله التوفيق الكلام فيه على أقسام
الأول قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما على وجهين أحدهما أن الميت يعذب ببكاء
أهله عليه والآخر أن الميت ليعذب ببكاء الحي واللفظان مرفوعان فهل يقال يحمل المطلق
على المقيد ويكون عذابه ببكاء أهله عليه فقط أو يكون الحكم للرواية العامة وأنه
يعذب ببكاء الحي عليه سواء كان من أهله أم لا وأجيب بأن الظاهر جريان حكم العموم
وأنه لا يختص ذلك بأهله هذا كله بناء على قول من ذهب إلى أن الميت يعذب بالبكاء
عليه وإنما جعلنا الحكم أعم من ذلك ولم نحمل المطلق على المقيد لأنه لا فرق في
الحكم عند القائلين بعذاب الميت بالبكاء أن يكون الباكي عليه من أهله أو من غيرهم
بدليل النائحة التي ليست من أهل الميت وما ورد في عموم النائحة من العذاب بل أهله
أعذر في البكاء عليه لقوله في حديث أبي هريرة الذي رواه النسائي وابن ماجه عنه قال
مات ميت في آل رسول الله فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال
رسول الله دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب وهذا التعليل الذي
رخص لأجله في البكاء خاص بأهل الميت وقوله ببكاء أهله عليه خرج مخرج الغالب الشائع
إذ المعروف أنه إنما يبكي على الميت أهله
الثاني هل لقوله الحي مفهوم حتى أنه لا يعذب ببكاء غير الحي وهل يتصور البكاء من
غير الحي ويكون احترازا بالحي عن الجمادات لقوله عز و جل فما بكت عليهم السماء
والأرض ( الدخان 92 ) فمفهومه أن السماء والأرض يقع منهما البكاء على غيرهم وعلى
هذا فيكون هذا بكاء على الميت ولا عذاب عليه بسببه إجماعا وقد روى ابن مردويه في (
تفسيره ) من رواية يزيد الرقاشي عن النبي قال ما من مؤمن إلا وله بابان في السماء
باب يخرج منه رزقه وباب يدخل فيه كلامه وعمله فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه
الآية فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ( الدخان 92 ) وأما تصور
البكاء من الميت فقد ورد في حديث أن النبي قال إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبة
والمراد بصويحبة الميت ومعنى استعبر إما على بابه للطلب بمعنى طلب نزول العبرات
وإما بمعنى نزلت العبرات وباب الاستفعال يرد على غير بابه أيضا
الثالث جاء في حديث ابن عمر الميت يعذب ببكاء أهله عليه وفي بعض طرق حديثه في (
مصنف ابن أبي شيبة ) من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة فالرواية
الأولى عامة في البكاء وهذه الرواية خاصة في النياحة فههنا يحمل المطلق على المقيد
فتكون الرواية التي فيها مطلق البكاء محمولة على البكاء بنوح ويؤيد ذلك إجماع
العلماء على حمل ذلك على البكاء بنوح وليس المراد مجرد دمع العين ومما يدل على أنه
ليس المراد عموم البكاء قوله إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه فقيده ببعض
البكاء فحمل على ما فيه نياحة جمعا بين
(8/78)
الأحاديث ويدل على عدم إرادة
العموم من البكاء بكاء عمر بن الخطاب وهو راوي الحديث بحضرة النبي وكذلك بكاء ابنه
عبد الله بن عمر وهما راويا الحديث وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) من
حديث عائشة قالت حضره رسول الله وأبو بكر وعمر يعني سعد بن معاذ فوالذي نفس محمد
بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني لفي حجرتي وروى ابن أبي شيبة أيضا
من رواية عثمان قال أتيت بنعي النعمان بن مقرن فوضع يده على رأسه وجعل يبكي وروى
أيضا عن ابن علية عن نافع قال كان ابن عمر في السوق فنعى إليه حجر فأطلق حبوته
وقام وعليه النحيب
الرابع نسبة عائشة عمر وابنه عبد الملك إلى الوهم في الحديث المذكور وقد اختلف في
محمل الحديثين فقال الخطابي يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما ذهبت إليه عائشة
لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن يهودي والخبر المفسر أولى من المجمل ثم احتجت
بالآية قال وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحا من غير أن يكون فيه خلاف
للآية وذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم بالبكاء والنوح عليهم وكان ذلك مشهورا من
مذاهبهم وهو موجود في أشعارهم كقول طرفة بن العبد
( إذا مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا أم معبد )
ومثل هذا كثير في أشعارهم وإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما
تقدم في ذلك من أمره إياهم بذلك وقت حياته وقد قال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر
من عمل بها ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها وقد مال إلى قول عائشة
الشافعي فيما رواه البيهقي في ( سننه ) عنه فقال وما روت عائشة عن رسول الله أشبه
أن يكون محفوظا عنه بدلالة الكتاب ثم السنة أما الكتاب فقوله تعالى ولا تزر وازرة
وزر أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81 والزمر 07 ) وقوله تعالى وإن ليس
للإنسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) وقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن
يعمل مثقال ذرة شرا يره ( الزلزلة 7 و8 ) وقوله تعالى لتجزى كل نفس بما تسعى ( طه
51 ) وأما السنة فقوله لرجل هذا إبنك قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني
عليه فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرىء عليه كما عمله لا
لغيره وأما قول من حمل ذلك على الوصية بذلك فقد نقله البيهقي عن المزني ونقله
النووي عن الجمهور أنهم تأولوا ذلك على من وصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت
وصيته ثم حكى النووي عن طائفة أنه محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوص
بتركهما قال وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملهما عذب بتركهما وحكى
عن طائفة أن معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بأشياء هي محاسن
في زعمهم وهي في الشرع قبائح كقولهم يا مرمل النسوان وموتم الولدان ومخرب العمران ومفرق
الأخدان ويروى ذلك شجاعة وفخرا وحكى عن طائفة أن معناه أنه يعذب بسماع بكاء أهله
ويرق لهم قال وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره قال القاضي عياض وهو أولى
الأقوال واحتجوا بحديث فيه أن النبي زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال إن أحدكم
إذا بكى استعبر له صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم وحكى الخطابي عن بعض
أهل العلم ذهب إلى أنه مخصوص ببعض الأموات الذين وجب عليهم العذاب بذنوب اقترفوها
وجرى من قضاء الله سبحانه فيهم أن يكون عذابه وقت البكاء عليهم ويكون كقولهم مطرنا
بنوء كذا أي عند نوء كذا قال كذلك قوله إن الميت يعذب ببكاء أهله أي عند بكائهم
عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه ويكون ذلك حالا لا سببا لأنا لو جعلناه سببا كان مخالفا
للقرآن وهو قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81
والزمر 7 ) وحكى النووي هذا المعنى عن عائشة قيل ويدل لذلك ما رواه مسلم عن عروة
قال ذكر عند عائشة أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يرفع إلى النبي إن الميت ليعذب
في قبره ببكاء أهله فقالت وهل إنما قال رسول الله إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن
أهله ليبكون عليه الآن وروى ان ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن ابن نمير عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة بعد قولها وهل أبو عبد الرحمن إنما قال إن أهل الميت ليبكون عليه
وإنه ليعذب بجرمه
والحاصل أن العلماء ذكروا في قوله إن الميت يعذب ببكاء أهله ثمانية أقوال أصحها
وهو تأويل الجمهور على أنه محمول على من أوصى به وإليه ذهب البخاري في قوله إذا
كان النوح من سنته وقال الكرماني يجوز التعذيب في الدنيا
(8/79)
بفعل الغير لقوله سبحانه
وتعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( الأنفال 52 ) وكذا في البرزخ
وأما آية الوازرة فإنما هي يوم القيامة فقط وهذان الوجهان أحسن الوجوه الثمانية في
توجيهه إذ في البواقي تكلف إما في لفظ الميت بأن يخصص بمن كانت النياحة من سننه أو
بالموصي أو بالراضي بها وإما في يعذب بأن يفسر بيحزن وأما في الباء بأن تجعل
للظرفية التي هي خلاف المتبادر إلى الذهب وإما في البكاء بأن يجعل مجازا عن
الأفعال المذكورة فيها
قوله وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما هذا شك من ابن جريج قوله ثم حدث أي
ابن عباس قوله بالبيداء بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وهي المفازة
ولكن المراد بها ههنا مفازة بين مكة والمدينة قوله إذا هو بركب كلمة إذا للمفاجأة
والركب أصحاب الإبل في السفر وهو للعشرة فما فوقها قوله سمرة بفتح السين المهملة
وضم الميم وهي شجرة عظيمة من شجر العضاة قوله فإذا صهيب بضم الصاد ابن سنان
بالنونين كان من النمر بفتح النون ابن قاسط بالقاف كانوا بأرض الموصل فأغارت الروم
على تلك الناحية فسبيته وهو غلام صغير فنشأ بالروم فاشتراه عبد الله بن جدعان بضم
الجيم وسكون الدال المهملة التميمي فأعتقه ثم أسلم بمكة وهو من السابقين الأولين
المعذبين في الله تعالى وهاجر إلى المدينة ومات بها سنة ثمان وثلاثين قوله فالحق
بلفظ الأمر من اللحوق قوله فلما أصيب عمر يعني بالجراحة التي جرح بها والتي مات فيها
وفي رواية أيوب أن ذلك كان عقيب الحجة المذكورة ولفظه فلما قدمنا لم يلبث عمر أن
أصيب وفي رواية عمر بن دينار لم يلبث أن طعن قوله يبكي جملة وقعت حالا من صهيب
وكذلك يقول حال ويجوز أن يكون من الأحوال المترادفة وأن يكون من المتداخلة قوله
واأخاه كلمة وا من واخاه للندبة والألف في آخره ليس مما يلحق الأسماء الستة لبيان
الإعراب بل هو مما يزاد في آخر المندوب لتطويل مد الصوت والهاء ليست بضمير بل هو
هاء السكت وشرط المندوب أن يكون معروفا فلا بد من القول بأن الأخوة والصاحبية له
كانا معلومين معروفين حتى يصح وقوعهما للندبة قوله أتبكي علي الهمزة للاستفهام على
سبيل الإنكار قوله قال ابن عباس فلما مات عمر رضي الله تعالى عنه هذا صريح في أن
حديث عائشة من رواية ابن عباس عنها ورواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبي مليكة
عنها قوله يرحم الله عمر من الآداب الحسنة على منوال قوله تعالى عفا الله عنك لم
أذنت لهم ( التوبة 34 ) فاستغربت من عمر ذلك القول فجعلت قولها يرحم الله عمر
تمهيدا ودفعا لما يوحش من نسبته إلى الخطأ قوله والله ما حدث رسول الله وجه جزم
عائشة بذلك أنها لعلها سمعت صريحا من رسول الله اختصاص العذاب بالكافر أو فهمت
الاختصاص بالقرائن قوله ولكن رسول الله يجوز فيه تسكين النون وتشديدها قوله حسبكم
أي كافيكم من القرآن أيها المؤمنون هذه الآية ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام
461 الإسراء 51 فاطر 81 والزمر 7 ) قال الكرماني فإن قلت الآية عامة للمؤمن
والكافر ثم إن زيادة العذاب عذاب فكما أن أصل العذاب لا يكون بفعل غيره فكذا
زيادتها فلا يتم استدلالها بالآية فإن قلت العادة فارقة بين الكافر والمؤمن فإنهم
كانوا يوصون بالنياحة بخلاف المؤمنين فلفظ الميت وإن كان مطلقا مقيد بالموصي وهو
الكافر عرفا وعادة قوله قال ابن عباس عند ذلك أي عند انتهاء حديثه عن عائشة قال
والله أضحك وأبكى أي إن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها فضلا عن الميت
فكيف يعاقب عليها وقال الداودي معناه إن أذن الله في الجميل من البكاء فلا يعذب
على ما أذن فيه وقال الكرماني لعل غرضه من هذا الكلام في هذا المقام أن الكل يخلق
الله وإرادته فالأولى فيه أن يقال بظاهر الحديث وأن له أن يعذبه بلا ذنب ويكون
البكاء عليه علامة لذلك أو يعذبه بذنب غيره سيما وهو السبب في وقوع الغير فيه ولا
يسأل عما يفعل وتخصص آية الوازرة بيوم القيامة وقال الطيبي غرضه تقرير قول عائشة
أي إن بكاء الإنسان وضحكه من الله يظهره فيه فلا أثر له في ذلك فعند ذلك سكت ابن
عمر وأذعن قيل سكوته لا يدل على الإذعان فلعله كره المجادلة في ذلك المقام وقال
القرطبي ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث ولكن احتمل عنده أن يكون
الحديث قابلا للتأويل ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك أو كان المجلس لا يقبل
المماراة ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ قوله ما قال ابن عمر شيئا أي بعد ذلك
يعني ما رد كلامه وقال الخطابي الرواية إذا ثبتت لم يكن إلى دفعها سبيل بالظن وقد
رواه عمر وابنه وليس فيما حكت عائشة
(8/80)
من المرور على يهودية ما يرفع
روايتهما لجواز أن يكون الخبران صحيحين معا ولا منافاة بينهما وأما احتجاجها
بالآية فإنهم كانوا يوصون أهليهم بالنياحة وكان ذلك مشهورا منهم فالميت إنما يلزمه
العقوبة بما تقدم من وصيته إليهم به وقد ذكرناه عن قريب وقال النووي أنكرت عائشة
روايتهما ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه وأولت الحديث بأن معناه يعذب في حال بكاء
أهله لا بسببه كحديث اليهودية
0921 - حدثنا ( إسماعيل بن خليل ) قال حدثنا ( علي بن مسهر ) قال حدثنا ( أبو
إسحاق ) وهو ( الشيباني ) عن ( أبي بردة ) عن أبيه قال لما أصيب عمر رضي الله
تعالى عنه جعل صهيب يقول واأخاه فقال عمر أما علمت أن النبي قال إن الميت ليعذب
ببكاء الحي
( أنظر الحديث 7821 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث التبعية للحديث السابق فإن فيه خاطب عمر صهيبا بقوله قال
رسول الله إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه وهنا خاطبه بقوله أما علمت إلى آخره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إسماعيل بن خليل أبو عبد الله الخراز قال البخاري جاءنا
نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين الثاني علي بن مسهر أبو الحسن القرشي الثالث أبو
إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني واسم أبي سليمان فيروز الرابع أبو بردة بضم
الباء الموحدة اسمه الحارث ويقال عامر الخامس أبوه أبو موسى الأشعري عبد الله بن
قيس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإخبار كذلك في موضع
وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه
رواية الابن عن الأب وفيه أحدهم مذكور بالكناية مفسر بالنسبة
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الجنائز عن علي بن حجر عن علي بن مسهر وعن علي ابن حجر
عن شعيب بن صفوان عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة به
قوله أما علمت صريح في أن الحكم ليس خاصا بالكافر قوله ببكاء الحي المراد من الحي
من يقابل الميت قيل يحتمل أن يكون المراد به القبيلة وتكون اللام فيه بدل الضمير
والتقدير يعذب ببكاء حيه أي قبيلته فيوافق الرواية الأخرى ببكاء أهله وفي رواية
لمسلم عن أبي موسى قال لما أصيب عمر أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر فقام
بحياله يبكي فقال له عمر على م تبكي أعلي تبكي قال إني والله لعليك أبكي يا أمير
المؤمنين قال والله لقد علمت أن رسول الله قال من يبكي عليه يعذب قال ذكرت ذلك
لموسى بن طلحة فقال كانت عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود انتهى
وفي الحديث دلالة على أن صهيبا أحد من سمع هذا الحديث من النبي وكأنه نسيه حتى
ذكره به عمر رضي الله تعالى عنه وقيل إنما أنكر عمر على صهيب بكاءه لرفع صوته
بقوله واأخاه ففهم منه أن إظهاره لذلك قبل موت عمر يشعر باستصحابه ذلك بعد وفاته
أو زيادته عليه فابتدره بالإنكار لذلك وقال ابن بطال إن قيل كيف نهى صهيبا عن
البكاء وأقر نساء بني المغيرة على البكاء على خالد كما سيأتي عن قريب فالجواب أنه
خشي أن يكون رفعه لصوته من باب ما نهى عنه ولهذا قال في قصة خالد ما لم يكن نقع أو
لقلقة قلت قوله يعذب ببكاء الحي لم يرد دمع العين لجوازه على ما جاء في الحديث
وإنما المراد البكاء الذي يتبعه الندب والنوح فإن ذلك إذا اجتمع سمي بكاء لأن
الندب على الميت كالبكاء عليه قال الخليل من قصر البكاء ذهب به إلى معنى الحزن ومن
مده ذهب به إلى معنى الصوت قال الجوهري إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء
وإذا قصرت أردت الدموع قال أبو منصور الجواليقي يقال للبكاء إذا تبعه الصوت والندب
بكاء ولا يقال للندب إذا خلا عن بكاء بكاء فيكون المراد في الحديث البكاء الذي
يتبعه الصوت لا مجرد الدمع والله أعلم
9821 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر
) عن أبيه عن ( عمرة بنت عبد الرحمان أنها ) سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها
زوج النبي
(8/81)
قالت إنما مر رسول الله على
يهودية يبكي عليها أهلها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها
( أنظر الحديث 8821 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه مطابق للحديث السابق الذي فيه إنكار عائشة على ما قال
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما حين سألها ابن عباس عن ذلك وهذا الحديث أيضا
في الواقع نفي لما قاله عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما إن الله ليعذب
المؤمن ببكاء أهله عليه فالتقدير ما قال رسول الله ذلك وإنما مر على يهودية إلى
آخره والدليل على ما ذكرنا أن هذا الحديث مختصرا مما رواه مالك في ( الموطأ ) بلفظ
ذكر لها يعني لعائشة أن عبد الله بن عمر يقول إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه فقالت
عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول
الله على يهودية الحديث وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مر غير مرة
وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية كذلك
والحديث أخرجه مسلم كذلك عن مالك وأخرجه أبو عوانة من رواية سفيان عن عبد الله بن
أبي بكر كذلك وزاد أن ابن عمر لما مات رافع قال لهم لا تبكوا عليه فإن بكاء الحي
على الميت عذاب على الميت قالت عمرة فسألت عائشة عن ذلك فقالت يرحمه الله إنما مر
فذكر الحديث ورافع هو ابن خديج بن رافع بن عدي الأوسي الحارثي أبو عبد الله وقيل
أبو صالح استصغر يوم بدر وشهد أحدا وأصابه يومئذ سهم
33 -
( باب ما يكره من النياحة على الميت )
أي هذا باب في بيان ما يكره من النياحة أي كراهة التحريم وكلمة ما يجوز أن تكون
موصولة وأن تكون مصدرية والتقدير على الأول باب في بيان الذي يكره وعلى الثاني باب
في بيان الكراهة من النياحة وعلى الوجهين كلمة من بيانية قيل يحتمل أن تكون
تبعيضية والتقدير كراهة بعض النياحة وكأن قائل هذا لمح ما نقله ابن قدامة عن أحمد في
روايته إن بعض النياحة لا يحرم لأنه لم ينه عمة جابر لما ناحت فدل على أن النياحة
إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب ورد بأنه إنما نهى عن النياحة
بعد هذه القصة لأنها كانت بأحد وقد قال في أحد لكن حمزة رضي الله تعالى عنه لا
بواكي له ثم نهى عن ذلك وتوعد عليه وبين ذلك ابن ماجه حدثنا هارون ابن سعيد المصري
قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول
الله مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد فقال رسول الله لكن حمزة لا بواكي
له فجاءت نساء الأنصار يبكين حمزة فاستيقظ رسول الله فقال ويحهن ما انقلبن بعد
مروهن فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم وأخرجه أحمد أيضا والحاكم وصححه
وقال عمر رضي الله تعالى عنه دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا تعليق وصله البيهقي عن عبد الله بن يوسف الأصفهاني
أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن
شقيق قال لما مات خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه اجتمع نسوة بني المغيرة يبكين
عليه فقيل لعمر أرسل إليهن فإنههن فقال عمر ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي
سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة وأبو سليمان كنية خالد بن الوليد رضي الله تعالى
عنه
قال بعضهم اتنبيه كانت وفاة خالد بن الوليد بالشام سنة إحدى وعشرين قلت لم ينبه
أحدا فإن الشام اسم لهذه الأقاليم المشهورة وحدها من الغرب بحر الروم من طرسوس إلى
رفح التي في أول الجفار بين مصر والشام ومن الجنوب من رفح إلى حدود تيه بني
إسرائيل إلى ما بين الشوبك وأيلة إلى البلقاء ومن الشرق إلى مشارق صرخد إلى مشارف
حلب إلى بالس ومن الشمال من بالس مع الفرات إلى قلعة نجم إلى البئيرة إلى قلعة
الروم إلى سمياط إلى حصن الروم إلى بهنسا إلى مرعش إلى طرسوس إلى بحر الروم من حيث
ابتدأنا فإذا كان الأمر كذلك كيف ينبه الناظر وكيف يعلم وفاة خالد في أي صقع من
بلاد الشام كانت فنقول قد اختلف أهل السير والأخبار
(8/82)
في مكان وفاته قال الواقدي مات
خالد رضي الله تعالى عنه في بعض قرى حمص على ميل من حمص في سنة إحدى وعشرين قال
صاحب ( المرآة ) هذا قول عامة المؤرخين وذكر ابن الجوزي في ( التلقيح ) قال لما
عزل عمر خالدا لم يزل مرابطا بحمص حتى مات وقال إسحاق بن بشر قال محمد مات خالد بن
الوليد بالمدينة فخرج عمر رضي الله تعالى عنه في جنازته وإذا أمه تندب وتقول
أبياتا أولها هو قولها
( أنت خير من ألف ألف من القوم
إذا ما كنت وجوه الرجال )
فقال عمر صدثت إن كان كذلك وجماعة عن أنه مات بالمدينة واحتجوا في ذلك بما رواه
سيف بن عمر عن مبشر عن سالم قال حج عمر رضي الله تعالى عنه واشتكى خالد بعده وهو
خارج المدينة زائرا لأمه فقال لها قدموني إلى مهاجري فقدمت به المدينة ومرضته فلما
ثقل وأظل قدوم عمر لقيه لاق على مسيرة ثلاثة أيام وقد صدر عمر عن الحج فقال له عمر
مهيم فقال خالد بن الوليد ثقل لما به فطوى ثلاثا في ليلة فأدركه حين قضى فرق عليه
فاسترجع وجلس ببابه حتى جهز وبكته البواكي فقيل لعمر ألا تسمع لهذه فقال وما على
نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقع أو لقلقة وقال الموفق
في الأنساب عن محمد بن سلام قال لم تبق امرأة من نساء بني المغيرة إلا وضعت لمتها
على قبر خالد أي حلقن رأسها وشققن الجيوب ولطمن الخدود وأطعمن الطعام ما نهاهن عمر
قالوا فهذا كله يقتضي موته بالمدينة وإليه ذهب دحيم أيضا وقالت عامة العلماء منهم
الواقدي وأبو عبيد وإبرهيم بن المنذر ومحمد بن عبد الله وأبو عمر والعصفري وموسى
بن أيوب وأبو سليمان بن أبي محمد وآخرون إنه مات بحمص سنة إحدى وعشرين وزاد
الواقدي وأوصى إلى عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه
والنقع التراب على الرأس واللقلقة الصوت
فسر البخاري النقع بالتراب وهو بفتح النون وسكون القاف وفي آخره عين مهملة وفسر
اللقلقة باللامين والقافين بالصوت وقال الإسماعيلي النقع ههنا الصوت العالي
واللقلقة حكاية صوت ترديد النواحة وقال ابن قرقول النقع الصوت بالبكاء قال وبهذا
فسره البخاري فهذا كما رأيت ما فسر البخاري النقع إلا بالتراب قال صاحب ( التلويح
) والذي رأيت في سائر نسخ البخاري الذي رأيته يعني فسر النقع بالتراب وروى سعيد بن
منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال النقع الشق أي شق الجيوب وكذا قال وكيع
فيما رواه ابن سعد عنه وقال الكسائي هو صنعة الطعام في المأتم وقال أبو عبيد
النقيعة طعام القدوم من السفر وفي ( المجمل ) النقع الصراخ ويقال هو النقيع وفي (
الصحاح ) النقيع الصراخ ونقع الصوت واستنقع أي ارتفع وفي ( الموعب ) نقع الصارخ بصوته
وانقع إذا تابعه وفي ( الجامع ) و ( الجمهرة ) الصوت واختلاطه في حرب أو غيرها
وقال القزاز اللقلقة تتابع ذلك كما تفعل النساء في المأتم وهو شدة الصوت وقال ابن
سيده عن ابن الأعرابي تقطيع الصوت وقيل الجلبة
1921 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سعيد بن عبيد ) عن ( علي بن ربيعة ) عن (
المغيرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول إن كذبا علي ليس ككذب على أحد
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار سمعت النبي يقول من نيح عليه يعذب بما
نيح عليه
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين الثاني سعيد ابن عبيد
الطائي أبو الهذيل الثالث علي بن ربيعة بفتح الراء الوالبي بكسر اللام والباء
الموحدة يكنى أبا المغيرة الرابع المغيرة بن شعبة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه
القول في موضعين وفيه السماع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه أن علي بن ربيعة ليس
له في البخاري غير هذا الحديث وفيه أنه من الرباعيات وفيه سعيد عن علي قال بعضهم
وصرح في رواية مسلم بسماع سعيد عن علي ولفظه حدثنا قلت لم نر في مسلم ذلك إلا في
مقدمته وفي غيرها إنما هو بالعنعنة كما هو ههنا
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في
(8/83)
الجنائز أيضا عن أبي بكر بن
أبي شيبة وعن علي بن حجر وعن ابن أبي عمر وفي مقدمة كتابه عن محمد بن عبد الله
وأخرجه الترمذي فيه أيضا عن أحمد بن منيع
ذكر معناه قوله إن كذبا بفتح الكاف وكسر الذال وبكسر الكاف وسكون الذال وكلاهما
مصدر كذب يكذب فهو كاذب وكذاب وكذوب وكيذوبان ومكذبان ومكذبان ومكذبانة وكذبة مثل
همزة وكذبذب مخفف وقد يشدد والكذب خلاف الصدق وقد استوفينا الكلام فيه في كتاب
العلم في باب من كذب على النبي قوله على أحد أي غيري قال الكرماني فإن قلت الكذب على
غيره أيضا معصية ومن يعض الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ( النساء
41 ) قلت الكذب عليه كبيرة لأنها على الصحيح ما توعد الشارع عليه بخصوصه وهذا كذلك
بخلاف الكذب على غيره فإنه صغيرة مع أن الفرق ظاهر بين دخول النار في الجملة وبين
جعل النار مسكنا ومثوى سيما وباب التفعيل يدل على المبالغة ولفظ الأمر على الإيجاب
أو المراد بالمعصية في الآية الكبيرة أو الكفر بقرينة الخلود قوله فليتبوأ أي
فليتخذ له مسكنا في النار قوله من ينح عليه بضم الياء آخر الحروف وفتح النون وسكون
الحاء المهملة من النوح وأصله يناح سقطت الألف علامة الجزم لأن من شرطية وقوله
يعذب على صيغة المجهول بالجزم لأنه جواب الشرط ويجوز فيه الرفع على تقدير فهو يعذب
وهذه رواية الأكثرين ويروى من نيح عليه بكسر النون وسكون الياء وفتح الحاء على
صيغة المجهول من الماضي وفي رواية الكشميهني من يناح ووجهها أن تكون من موصولة وفي
رواية الطبراني عن علي ابن عبد العزيز عن أبي نعيم بلفظ إذا نيح على الميت عذب
بالنياحة عليه قوله بما نيح عليه الباء للسببية و ما مصدرية أي بسبب النوح عليه
وهو بكسر النون عند الجميع ويروى ما نيح بغير الباء قال بعضهم على أن ما ظرفية قلت
في هذه الرواية تكون ما للمدة أي يعذب مدة النوح عليه ولا يقال ما ظرفية ويجوز أن
يكون بما نيح حالا وما موصولة أي يعذب ملتبسا بما ندب عليه من الألفاظ يا جبلاه يا
كهفاه ونحوهما على سبيل التهكم
ومما يستفاد منه أن النوح حرام بالإجماع لأنه جاهلي وكان يشترط على النساء في
مبايعتهن على الإسلام أن لا ينحن والباب دال على أن النهي عن البكاء على الميت
إنما هو إذا كان فيه نوح وأنه جائز بدونه فقد أباح عمر رضي الله تعالى عنه لهن
البكاء بدونه وشرط الشارع في حديث المغيرة أنه يعذب بما نيح عليه يدل على أن
البكاء بدونه لا عذاب فيه
ذكر الأحاديث الواردة في هذ الباب وفي ( التوضيح ) وفي الباب عن خمسة عشر صحابيا
في لعن فاعله والوعيد والتبري ابن مسعود وأبو موسى ومعقل بن مقرن وأبو مالك
الأشعري وأبو هريرة وابن عباس ومعاوية وأبو سعيد وأبو أمامة وعلي وجابر وقيس بن
عاصم وجنادة بن مالك وأم عطية وأم سلمة وذكرهم بالعد دون بيان من استخرج أحاديثهم
فنقول وبالله التوفيق أما حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عند البخاري على ما
يأتي وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وحديث أبي موسى عند البخاري أيضا
على ما يأتي وحديث معقل بن مقرون عند الكجي في ( السنن الكبير ) بسند صحيح عن عبد
الله بن معقل بن مقرن لعن رسول الله المرنة والشاقة جيبها واللاطمة وجهها وحديث
أبي مالك الأشعري عند مسلم من رواية أبي سلام أن أبا مالك الأشعري حدثه أن النبي
قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب
والاستسقاء بالأنواء والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة
وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ورواه ابن ماجه ولفظه النياحة من أمر الجاهلية
وأن النائحة إذا لم تتب قطع الله لها ثيابا من قطران ودرعا من لهب النار وحديث أبي
هريرة عند الترمذي قال قال رسول الله أربع في أمتي من أمر الجاهلية ليس يدعهن
الناس النياحة الحديث وتفرد به الترمذي وحديث ابن عباس أخرجه ابن مردويه في (
تفسيره ) بإسناده عنه ولا يعصينك في معروف ( الممتحنة 21 ) قال منعهن أن ينحن وكان
أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ويقطعن الشعور ويدعون بالثبور والثبور
الويل وحديث معاوية أخرجه ابن ماجه خطب معاوية بحمص فذكر في خطبته أن رسول الله
نهى عن النوح
(8/84)
وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه
أبو داود قال قال رسول الله لعن الله النائحة والمستمعة وحديث أبي أمامة أخرجه ابن
ماجه أن رسول الله لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور وحديث
علي رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عنه عن النبي أنه نهى عن
النوح وحديث جابر رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عنه أن النبي قال
إنما نهيت عن النوح وحديث قيس بن عاصم أخرجه النسائي عنه قال لا تنوحوا علي فإن
رسول الله لم ينح عليه وحديث جنادة بن مالك أخرجه الطبراني عنه قال قال رسول الله
ثلاث من فعل الجاهلية لا يدعهن أهل الإسلام استسقاء بالكواكب وطعن في النسب
والنياحة على الميت وحديث أم عطية عند البخاري ومسلم والنسائي وحديث أم سلمة أخرجه
ابن ماجه عنها عن النبي ولا يعصينك في معروف ( الممتحنة 21 ) قال النوح
قلت وفي الباب أيضا عن امرأة من المبايعات وعن عمر وعن أنس وعن عمرو بن عوف وابن
عمر وعمران ابن حصين والعباس بن عبد المطلب وسلمان وسمرة وامرأة أبي موسى فحديث
امرأة من المبايعات أخرجه أبو داود عنها قالت كان فيما أخذ علينا رسول الله في
المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه أن لا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق
جيبا وأن لا ننشر شعرا وحديث عمر رضي الله تعالى عنه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي
وابن ماجه وحديث أنس أخرجه النسائي أن رسول الله أخذ على النساء حين بايعهن أن لا
ينحن الحديث وحديث عمرو بن عوف أخرجه الطبراني في ( الكبير ) عن كثير بن عبد الله
المزني عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ثلاث من أعمال الجاهلية لا يتركهن الناس
الطعن في الأنساب والنياحة وقولهم مطرنا بنجم كذا وكذا وحديث ابن عمر أخرجه
البيهقي أن رسول الله لعن النائحة والمستمعة والحالقة والواشمة والمتوشمة وقال ليس
للنساء في اتباع الجنائز أجر وحديث عمران بن حصين أخرجه النسائي عنه قال الميت
يعذب بنياحة أهله عليه فقال له رجل أرأيت رجلا مات بخراسان وناح أهله عليه ههنا
أكان يعذب بنياحة أهله عليه فقال صدق رسول الله وكذبت أنت وحديث العباس بن عبد
المطلب أخرجه الطبراني في الكبير عنه قال أخذ رسول الله بيدي فقال يا عباس ثلاث لا
يدعهن قومك الطعن في النسب والنياحة والاستمطار بالأنواء وحديث سلمان أخرجه
الطبراني عنه عن نبي الله قال ثلاثة من الجاهلية الفخر في الأحساب والطعن في
الأنساب والنياحة وحديث سمرة أخرجه البزار عنه عن النبي قال الميت يعذب بما نيح
عليه وحديث امرأة أبي موسى عند أبي داود قالت قال رسول الله ليس منا من حلق ومن
سلق ومن خرق قلت امرأة أبي موسى أم عبد الله بنت أبي دومة قوله من حلق أي شعره عند
المصيبة إذا حلت به قوله ومن سلق أي رفع صوته عند المصيبة وقيل أن تصك المرأة
وجهها وأن تخدشه ويقال صلق بالصاد قوله ومن خرق بالخاء المعجمة أي شق ثيابه عند
المصيبة
2921 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرني أبي عن ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( سعيد بن
المسيب ) عن ( ابن عمر ) عن أبيه رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال الميت يعذب في
قبره بما نيح عليه
( أنظر الحديث 7821 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان هو عبد الله بن عثمان وأبو عثمان ابن جبلة بالجيم
والباء الموحدة المفتوحتين ابن أبي رواد ابن أخي عبد العزيز بن أبي رواد البصري
وأبو رواد اسمه ثابت قوله عن سعيد بن المسيب ويروى حدثنا سعيد بن المسيب
والحديث أخرجه مسلم أي في الجنائز عن ابن المثنى وعن ابن بشار وأخرجه النسائي رحمه
الله تعالى فيه عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن بندار
ومحمد بن الوليد وعن نصر بن علي
تابعه عبد الأعلى قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد قال حدثنا قتادة وقال آدم