حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج19 وج20.عمدة القارئ {عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني ترجمة المؤلف}

  ج19.وج20.{عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني }

 اولا:

ج19. {عمدة القاري شرح صحيح البخاري - ط. دار الكتب العلمية المؤلف العلاّمة بدر الدين العيني }

 

( باب ما جاء في زمزم )
أي هذا باب في بيان ما جاء في ذكر زمزم من الآثار قيل ولم يذكر ما جاء فيه من فضله لأنه كان لم يثبت عنده بشرطه واكتفى بذكره مجردا قلت لا نسلم ذلك فإن حديث الباب يدل على فضلها لأن فيه ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم وهذا يدل قطعا على فضلها حيث اختص غسل صدره عليه الصلاة و السلام بمائها دون غيرها وذلك لأنها ركضة جبريل عليه الصلاة و السلام وسقيا إسماعيل وفي ( معجم ما استعجم ) هي بفتح الأول وسكون الثاني وفتح الزاي الثانية قال ويقال بضم الأول وفتح الثاني وكسر الزاي الثانية ويقال بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وكسر الزاي الثانية وفي ( كتاب الأزهري ) عن ابن الأعرابي زمزم وزمم وزمزام وتسمى ركضة جبريل عليه السلام وهمزمة جبريل وهزمة جبريل بتقديم الزاي وهزمة الملك وتسمى الشباعة قال الزمخشري ورواه الخازرنجي شباعة وقال صاعد في ( الفصوص ) ومن أسمائها تكتم وقال الكلبي إنما سميت زمزم لأن بابل بن ساسان حيث سار إلى اليمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة في موضع بئر زمزم فلما احتفرها عبد المطلب أصاب السيوف والحلي فيه سميت زمزم وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا ولو تركت لساحت على وجه الأرض حتى ملأ كل شيء وقال الحربي سميت بزمزمة الماء وهو حركته وقال أبو عبيد قال بعضهم إنها مشتقة من قولهم ماء زمزوم وزمزام أي كثير وفي ( الموعب ) ماء زمزم وزمازم وهو الكثير وعن ابن هشام الزمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع وذكر المسعودي أن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول والزمزمة صوت تخرجه الفرس من خياشيمها
ومن فضائلها ما رواه مسلم شرب أبو ذر منها ثلاثين يوما وليس له طعام غيرها وأنه سمن فأخبر النبي بذلك فقال إنها مباركة إنها طعام طعم وزاد أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) وشفاء سقم وروى الحاكم في ( المستدرك ) من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا ماء زمزم لما شرب له رجاله ثقاة إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح وعن أم أيمن قالت ما رأيت رسول الله شكى جوعا قط ولا عطشا كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربه فربما عرضنا عليه الطعام فيقول لا أنا شبعان شبعان ذكره في ( المصنف الكبير ) في شرف المصطفى وعن عقيل ابن أبي طالب قال كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام قال لنا أبي ائتوا زمزم فنأتيها فنشرب منها فنجتزىء وروى الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل وذكر الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) أن جبريل عليه السلام أنبط بئر زمزم مرتين مرة لآدم عليه السلام حتى انقطعت زمن الطوفان ومرة لإسماعيل عليه السلام وروى ابن ماجه بإسناد جيد أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال لرجل إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله عز و جل فإن رسول الله قال آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم وروى الدارقطني أن عبد الله كان إذا شرب منها قال أللهم إني أسأك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وروى أحمد بإسناد جيد من حديث جابر في ذكر حجته عليه السلام ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ثم رجع فاستلم الركن الحديث
5361 - حدثنا ( إسحاق ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فات رسول الله بشراب من عندها فقال اسقني قال يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال إسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هاذه يعني عاتقه وأشار إلى عاتقه
مطابقته للترجمة في قوله جاء إلى السقاية هذا الأسناد بعينه مضى في أول باب المريض يطوف راكبا وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي وقال صاحب ( التلويح ) هو إسحاق بن بشر وهو وهم وخالد الأول هو ابن عبد الله الطحان والثاني خالد ابن مهران الحذاء
وهذا الحديث من أفراده
ذكر معناه قوله جاء إلى السقاية قد ذكرنا أن السقاية ما يبنى للماء وهو الموضع الذي يسقى فيه الماء وفي ( المجمل ) هو الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم وغيره قوله فاستسقى أي طلب الشرب قوله يا فضل هو ابن العباس أخو عبد الله وأمهما لبابة بنت الحارث الهلالية قوله إنهم يجعلون إيديهم فيه وفي رواية الطبري عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس قال لما طاف النبي أتى العباس وهو في السقاية فقال إسقوني قال العباس إن هذا قد مرت يعني قد مرس أفلا أسقيك مما في بيوتنا قال لا ولكن إسقوني مما يشرب الناس فأتى به فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره ثم قال إذا اشتد نبيذكم فاكسروه بالماء وتقطيبه منه إنما كان لحموضة فقط وكسره بالماء ليهون عليه شربه ومثل ذلك يحمل على ما روي عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهم فيه لا غير وروى مسلم من حديث بكر بن عبد الله المزني قال كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي فقال ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل فقال ابن عباس الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل قدم النبي على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا ولا نزيد ما أمر به رسول الله قوله قال اسقني ويروى فقال الفاء فيه فصيحة أي فذهب فأتى بالشراب فقال له رسول الله إسقني قوله وهم يسقون جملة حالية أي يسقون الناس قوله ويعملون فيها أي ينزحون منها الماء قوله لولا أن تغلبوا بضم التاء على صيغة المجهول أي لولا أن يجتمع عليكم الناس ومن كثرة الزحام تصيرون مغلوبين وقال الداودي أي أنكم لا تتركوني أستقي ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا وقيل معناه لولا أن تقع عليكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي وقيل معناه لولا أن تغلبوا بأن ينتزعها الولاة منكم حرصا على حيازة هذه المكرمة وروى مسلم من حديث جابر أتى النبي بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال إنزغوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزغت معكم فناولوه دلوا فشرب منه وذكر ابن السكن أن الذي ناوله الدلو هو العباس بن عبد المطلب
ذكر ما يستفاد منه فيه دليل على أن الظاهر أن أفعاله فيما يتصل بأمور الشريعة على الوجوب فتركه الفعل شفقة أن يتخذ سنة قاله الخطابي وفيه الشرب من سقاية الحاج وقال طاووس الشرب من سقاية العباس من تمام الحج وقال عطاء لقد أدركت هذا الشراب وأن الرجل ليشرب فتلتزق شفتاه من حلاوته فلما ذهبت الحرية وولى العبيد تهاونوا بالشراب واستخفوا به وروى ابن أبي شيبة عن السائب بن عبد الله أنه أمر مجاهدا مولاه بأن يشرب من سقاية العباس ويقول إنه من تمام السنة وقال الربيع بن سعد أتى أبو جعفر السقاية فشرب وأعطى جعفرا فضله وممن شرب منها سعيد بن جبير وأمر به سويد بن غفلة وروى ابن جريج عن نافع أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج وكذا روى خالد ابن أبي بكر أنه حج مع سالم ما لا يحصى فلم يره يشرب من نبيذ السقاية وفيه إثبات أمر السقاية للحاج وأن مشروعيته من باب إكرام الضيف واصطناع المعروف وفيه أن رسول الله لم تحرم عليه الصدقات التي سبيلها المعروف كالمياه التي تكون في السقايات تشربها المارة وقال ابن التين شربه لا يخلو أن يكون ذلك من مال الكعبة الذي كان يؤخذ لها من الخمس أو من مال العباس الذي عمله للغني والفقير فشرب منه ليسهل على الناس وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير وفيه رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه لأن رده لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من بيته لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس وفيه الترغيب في سقي الماء خصوصا ماء زمزم وفيه تواضع النبي وفيه حرص أصحابه على الاقتداء به وفيه كراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة لتناوله من الشراب الذي غمست فيه الأيدي قاله ابن التين والله أعلم بحقيقة الحال
( باب ما جاء في زمزم )
أي هذا باب في بيان ما جاء في ذكر زمزم من الآثار قيل ولم يذكر ما جاء فيه من فضله لأنه كان لم يثبت عنده بشرطه واكتفى بذكره مجردا قلت لا نسلم ذلك فإن حديث الباب يدل على فضلها لأن فيه ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم وهذا يدل قطعا على فضلها حيث اختص غسل صدره عليه الصلاة و السلام بمائها دون غيرها وذلك لأنها ركضة جبريل عليه الصلاة و السلام وسقيا إسماعيل وفي ( معجم ما استعجم ) هي بفتح الأول وسكون الثاني وفتح الزاي الثانية قال ويقال بضم الأول وفتح الثاني وكسر الزاي الثانية ويقال بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وكسر الزاي الثانية وفي ( كتاب الأزهري ) عن ابن الأعرابي زمزم وزمم وزمزام وتسمى ركضة جبريل عليه السلام وهمزمة جبريل وهزمة جبريل بتقديم الزاي وهزمة الملك وتسمى الشباعة قال الزمخشري ورواه الخازرنجي شباعة وقال صاعد في ( الفصوص ) ومن أسمائها تكتم وقال الكلبي إنما سميت زمزم لأن بابل بن ساسان حيث سار إلى اليمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة في موضع بئر زمزم فلما احتفرها عبد المطلب أصاب السيوف والحلي فيه سميت زمزم وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا ولو تركت لساحت على وجه الأرض حتى ملأ كل شيء وقال الحربي سميت بزمزمة الماء وهو حركته وقال أبو عبيد قال بعضهم إنها مشتقة من قولهم ماء زمزوم وزمزام أي كثير وفي ( الموعب ) ماء زمزم وزمازم وهو الكثير وعن ابن هشام الزمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع وذكر المسعودي أن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول والزمزمة صوت تخرجه الفرس من خياشيمها
ومن فضائلها ما رواه مسلم شرب أبو ذر منها ثلاثين يوما وليس له طعام غيرها وأنه سمن فأخبر النبي بذلك فقال إنها مباركة إنها طعام طعم وزاد أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) وشفاء سقم وروى الحاكم في ( المستدرك ) من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا ماء زمزم لما شرب له رجاله ثقاة إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح وعن أم أيمن قالت ما رأيت رسول الله شكى جوعا قط ولا عطشا كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربه فربما عرضنا عليه الطعام فيقول لا أنا شبعان شبعان ذكره في ( المصنف الكبير ) في شرف المصطفى وعن عقيل ابن أبي طالب قال كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام قال لنا أبي ائتوا زمزم فنأتيها فنشرب منها فنجتزىء وروى الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل وذكر الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) أن جبريل عليه السلام أنبط بئر زمزم مرتين مرة لآدم عليه السلام حتى انقطعت زمن الطوفان ومرة لإسماعيل عليه السلام وروى ابن ماجه بإسناد جيد أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال لرجل إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله عز و جل فإن رسول الله قال آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم وروى الدارقطني أن عبد الله كان إذا شرب منها قال أللهم إني أسأك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وروى أحمد بإسناد جيد من حديث جابر في ذكر حجته عليه السلام ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ثم رجع فاستلم الركن الحديث
6361 - وقال ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال ( أنس بن مالك ) كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه يحدث أن رسول الله قال فرج سقفي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح قال من هاذا قال جبريل
مطابقته للترجمة في قوله ثم غسله بماء زمزم فإن ذكر زمزم جاء في الحديث وهو يدل على فضل زمزم حيث اختص غسله

(9/277)


بها دون غيرها من المياه كما ذكرناه عن قريب وقد أخرج هذا الحديث في باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء في أول كتاب الصلاة مسندا عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما قال كان أبو ذر يحدث إلى آخره وذكره هنا مختصرا معلقا عن عبدان واسمه عبد الله بن عثمان المروزي عن عبد الله ابن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم الزهري رضي الله تعالى عنه إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
7361 - حدثنا ( محمد ) هو ( ابن سلام ) قال أخبرنا ( الفزاري ) عن ( عاصم ) عن ( الشعبي ) أن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما حدثه قال سقيت رسول الله من زمزم فشرب وهو قائم قال عاصم فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير
( الحديث 7361 - طرفه في 7165 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر زمزم
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن سلام بن الفرج أبو عبد الله البيكندي الثاني الفزاري بكسر الفاء بعدها الزاي وهو مروان بن معاوية الثالث عاصم بن سليمان الأحول الرابع عامر بن شراحيل الشعبي الخامس عكرمة مولى ابن عباس السادس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه ذكر مجردا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر هو ابن سلام بذكر أبيه وفيه أن الفزاري والشعبي كوفيان وأن عاصما بصري وفيه أن الفزاري والشعبي مذكوران بالنسبة وأن شيخه في أكثر الرواية وعاصما مذكوران مجردين عن النسبة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن أبي نعيم عن سفيان الثوري وأخرجه مسلم في الأشربة عن أبي كامل الجحدري وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن شريح بن يونس وعن يعقوب الدورقي وإسماعيل بن سالم وعن عبد الله بن معاذ وعن محمد بن بشار وعن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في الأشربة عن أحمد بن منيع وفي الشمائل عن علي بن حجر وأخرجه النسائي في الحج عن علي بن حجر به وعن زياد بن أيوب وعن يعقوب الدورقي وأخرجه ابن ماجه في الأشربة عن سويد بن سعيد
ذكر معناه قوله وهو قائم جملة إسمية وقعت حالا قوله فحلف عكرمة ما كان أي ما كان رسول الله يومئذ يعني يوم سقى ابن عباس رسول الله من ماء زمزم وفي لفظ ابن ماجه قال عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل أي ما شرب قائما لأنه كان حينئذ راكبا
ذكر ما يستفاد منه فيه الرخصة في الشرب قائما وقيل إن الشرب من زمزم من غير قيام يشق لارتفاع ما عليها من الحائط وقال ابن بطال أراد البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج فإن قلت روى ابن جرير عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يشرب منها في الحج قلت لعله إنما تركه لئلا يظن أن شربه من الفرض اللازم وقد فعله أولا مع أنه كان شديد الاتباع للآثار بل لم يكن أحدا تبع لها منه ونص أصحاب الشافعي على شربه وقال وهب بن منبه نجدها في كتاب الله شراب الأبرار وطعام طعم وشفاء سقم لا تنزح ولا تزم من شرب منها حتى يتضلع أحدثت له شفاء وأخرجت عنه داء
واعلم أنه روي في الشرب قائما أحاديث كثيرة منها النهي عن ذلك وبوب عليه مسلم بقوله باب الزجر عن الشرب قائما وحدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس أن النبي زجر عن الشرب قائما وفي لفظ له عن أنس عن النبي أنه نهى أن يشرب الرجل قائما قال قتادة فقلنا فالأكل قال ذاك أشد وأخبث وفي رواية عن أبي سعيد الخدري أن النبي زجر عن الشرب قائما وفي لفظ نهى عن الشرب قائما وفي رواية له عن أبي هريرة قال رسول الله لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستق وروى الترمذي من حديث الجارود بن المعلى أن النبي نهى عن الشرب قائما ومنها إباحة الشرب قائما فمن ذلك

(9/278)


ما رواه البخاري وبوب عليه باب الشرب قائما على ما يأتي فقال حدثنا أبو نعيم حدنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال قال أتى علي رضي الله تعالى عنه على باب الرحبة بماء فشرب قائما فقال إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي فعل كما رأيتموني فعلت ورواه أبو داود أيضا وروى الترمذي من حديث ابن عمر قال كنا نأكل على عهد رسول الله ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام وقال هذا حديث صحيح غريب وروى أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله يشرب قائما وقاعدا وقال هذا حديث حسن وروى الطحاوي وقال حدثنا ربيع الجيزي قال حدثنا إسحاق ابن أبي فروة المدني قال حدثتنا عبيدة بنت نابل عن عائشة بنت سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يشرب قائما ورواه البزار أيضا في ( مسنده ) نحوه وروى الطحاوي أيضا فقال حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الكريم ابن مالك قال أخبرني البراء بن زيد أن أم سليم حدثته أن رسول الله شرب وهو قائم في قربة وفي لفظ له أن رسول الله دخل عليها وفي بيته قربة معلقة فشرب من القربة قائما وأخرجه أحمد والطبراني أيضا وقال النووي إعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة والصواب منها أن النهي محمول على كراهة التنزيه وأما شربه قائما فلبيان الجواز ومن زعم نسخا فقد غلط فكيف يكون النسخ مع إمكان الجمع وإنما يكون نسخا لو ثبت التاريح فأنى له ذلك وقال الطحاوي ما ملخصه أنه أراد بهذا النهي الإشفاق على أمته لأنه يخاف من الشرب قائما الضرر وحدوث الداء كما قال لهم أما أنا فلا آكل متكئا انتهى قلت اختلفوا في هذا الباب بحسب اختلاف الأحاديث فيه فذهب الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة إلى كراهة الشرب قائما وروي ذلك عن أنس رضي الله تعالى عنه وذهب الشعبي وسعيد بن المسيب وزادان وطاووس وسعيد بن جبير ومجاهد إلى أنه لا بأس به ويروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وسعد وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم
77 -
( باب طواف القارن )
أي هذا باب في بيان طواف القارن فهل يكتفي بطواف واحد أو لا بد له من طوافين وإنما لم يبين ذلك بل أطلق للاختلاف فيه على ما يجيىء بيانه إن شاء الله تعالى
8361 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما فقدمت مكة وأنا حائض فلما قضينا حجنا أرسلني مع عبد الرحمان إلى التنعيم فاعتمرت فقال هاذه مكان عمرتك فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا
مطابقته للترجمة في قوله وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة لأنه هو القارن فيه بيان طوافه أنه واحد والحديث قد مضى في باب كيف تهل الحائض والنفساء فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك وهنا عن عبد الله ابن يوسف عن مالك وقد مر الكلام فيه مستقصى ولكن نتكلم فيه للرد على بعضهم في رده على الإمام أبي جعفر الطحاوي من غير وجه لأريحية العصبية فيه
فنقول أولا ما ذكره الطحاوي فقال باب القارن كم عليه من الطواف لعمرته ولحجته حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ومحمد بن إدريس المكي قالا حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبد العزيز

(9/279)


ابن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله من أحرم بالحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ثم لا يحل حتى لا يحل منهما جميعا ثم قال فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا على القارن بين الحج والعمرة طواف واحد لا يجب عليه من الطواف غيره وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يطوف لكل واحد منهما طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الحديث خطأ أخطأ فيه الدراوردي فرفعه إلى النبي وإنما أصله عن ابن عمر نفسه هكذا رواه الحفاظ وهم مع هذا لا يحتجون بالدراوردي عن عبيد الله أصلا فلم يحتجون له في هذا فأما ما رواه الحفاظ من ذلك عن عبيد الله فما حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال حدثنا سعيد ابن منصور قال حدثنا هشيم قال حدثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا قرن طاف لهما طوافا واحدا فإذا فرق طاف لكل منهما طوافا وسعى سعيا انتهى ثم قال هذا القائل بعد أن نقل كلام الطحاوي وهو تعليل مردود فالدراوردي صدق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره فلا مانع أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين انتهى قلت المردود ما قاله وذهب إليه من غير تحقيق النظر فيه فهل يحل رد ما لا يرد لأجل ما قصر فيه فهمه وكثر تعنته ومصادمته للحق الأبلج أفلا وقف هذا على ما قاله الترمذي بعد أن ذكر الحديث المذكور وقد رواه غير واحد عن عبيد الله ولم يرفعوه وهو أصح وقال أبو عمر في ( الاستذكار ) لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي وكل من رواه عنه غيره أوقفه على ابن عمر وكذا رواه مالك عن نافع موقوفا وقال أبو زرعة الدراوردي سيء الحفظ ذكره عنه الذهبي في ( الكاشف ) وقال النسائي ليس بالقوي وحديثه عن عبيد الله منكر وقال ابن سعد كان كثير الحديث يغلط
ثم قال هذا القائل واحتجت الحنفية بما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله فعل وطريقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك انتهى قلت حديث علي رضي الله تعالى عنه رواه النسائي في ( سننه الكبرى ) عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد قال طفت مع أبي وقد جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وحدثني أن عليا رضي الله تعالى عنه فعل ذلك وحدثه أن رسول الله فعل ذلك
فإن قلت قال صاحب ( التنقيح ) وحماد هذا ضعفه الأزدي قلت ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وأخرجه الدارقطني من وجوه عن الحسن ابن عمارة ثم قال وهو متروك وعن حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى وقال حفص ضعيف وعن عيسى بن عبد الله ابن علي ثم قال وهو متروك قلت إذا كثرت طرق الحديث ولو كان فيها ضعفاء تتعاضد وتتقوى
وروى الطحاوي أيضا عن أبي النضر قال أهللت بالحج فأدركت عليا فقلت له إني أهللت بالحج أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة قال لا لو كنت أهللت بالعمرة ثم أردت أن تضيف إليها الحج ضممته قال قلت كيف أصنع إذا أردت ذلك قال تصب عليك إداوة ماء ثم تحرم بهما جميعا وتطوف لكل واحد منهما طوافا وعنه عن علي وعبد الله قالا القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ثم اعترض هذا القائل أيضا على الطحاوي حيث قال في قول عائشة وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا أن مرادها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران بقوله وإني لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم بمن قرن حيث قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت وأما الذين جمعوا إلى آخره فهؤلاء أهل القران وهذا أبين من أن يحتاج إلى بيان انتهى قلت هذا الذي ذكره متعجبا أخذه من كلام البيهقي فإنه شنع على الطحاوي في كتاب ( المعرفة ) بغير معرفة حيث قال وزعم بعض من يدعي في هذا تصحيح الأخبار على مذهبه إنما أرادت بهذا الجمع جمع متعة لا جمع قران قالت فإنما طافوا طوافا واحدا في حجتهم لأن حجتهم كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة وكيف استجاز لدينه أن يقول مثل هذا وفي حديثها أنها أفردت من جمع بينهما جمع متعة أولا بالذكر فذكرت كيف طافوا في عمرتهم ثم كيف طافوا في حجتهم ثم لم يبق إلا المفردون والقارنون

(9/280)


فجمعت بينهم في الذكر وأخبرت أنهم إنما طافوا طوافا واحدا وأنها أرادت بين الصفا والمروة ولما ذكرنا من الدلالة مع كونه معقولا ولو اقتصرت على اللفظة الأخيرة لم يجز حملها أيضا لأنها تقتضي اقتصارا على طواف واحد لكل ما حصل به الجمع والجمع إنما حصل بالعمرة والحج جميعا فيقتضي اقتصارا على طواف واحد لهما جميعا لا لأحدهما والمتمتع لا يقتصر على طواف واحد بالإجماع فدل على أنها أرادت بهذا الجمع جمع قران انتهى قلت لم يتأمل البيهقي كلام الطحاوي لغشيان التعصب على فكره ألا ترى كيف يؤول قولها فإنما طافوا طوافا واحدا أنها أرادت بهذا السعي بين الصفا والمروة فما الضرورة إلى تأويل الطواف بالسعي بل المراد الطواف بالبيت وقوله تقتضي اقتصارا على طواف واحد إلى آخره ليس كذلك لأنه قال إن حجتهم تلك صارت مكية والحجة المكية يطاف لها بعد عرفة فإذا كان كذلك لا يقتصر المتمتع على طواف واحد على أنا نقول أحاديث عائشة رضي الله تعالى عنها في هذا الباب مضطربة جدا لا يتم بها الاستدلال لأحد من الخصوم وقد قالت في رواية أهللنا بعمرة وفي أخرى فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج قالت ولم أهل إلا بحج وفي أخرى خرجنا لا نريد إلا الحج وفي أخرى لبينا بالحج وفي أخرى مهلين بالحج والكل صحيح وفي رواية وكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي حتى قال مالك ليس العمل على حديث عروة عن عائشة قديما وحديثا
وسأل الكرماني عن وجه الجمع بين هذه الروايات ثم قال قالوا وجهه أنهم أحرموا بالحج ثم لما أمرهم بالفسخ إلى العمرة أحرم أكثرهم متمتعين وبعضهم بسبب الهدي بقوا على ما كانوا عليه وبعضهم صاروا قارنين ثم قال هذا القائل المعترض قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال حلف طاووس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا وهذا إسناد صحيح وفيه بيان ضعف ما روى عن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما من ذلك انتهى قلت ليس شعري ما وجه هذا البيان وعجبي كيف يلهج هذا القائل بهذا القول الذي لا يجديه شيئا ونقل هذا اليمين عن طاووس كاد أن يكون محالا لعدم القدرة على الإحاطة على أطوفة الصحابة أجمعين والكلام أيضا في الرواة من دون عبد الرزاق
قوله فلما قضينا حجنا وذلك بعد أن طهرت وطافت بالبيت أرسلها رسول الله مع أخيها عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما إلى التنعيم بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وبالعين المهملة المكسورة وهو على ثلاثة أميال من مكة قوله مكان عمرتك نصب على الظرف أي بدل عمرتك وقيل إنما قال ذلك تطييبا لقلبها ويقال معناه مكان عمرتك التي تركتها لأجل حيضك قوله فإنما طافوا وفي كثير من النسخ طافوا بدون لفظ فإنما وبدون الفاء في طافوا وهذا دليل جواز حذف الفاء في جواب أما مع أن النحاة صرحوا بلزوم ذكره إلا في ضرورة الشعر وقال بعضهم لا يجوز حذف الفاء مستقلا لكن يجوز حذفها مع القول كما في قوله تعالى فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتهم بعد إيمانكم ( آل عمران 601 ) إذ تقديره فالقول لهم هذا الكلام وقال ابن مالك هذا الحديث وأخواته كقوله أما موسى كأني أنظر إليه وأما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا فمخالف لهذه القاعدة فعلم أن من خصه بما إذا حذف القول معه فهو مقصر في فتواه عاجز عن نصرة دعواه
9361 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا ( ابن علية ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما دخل ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره في الدار فقال إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت فلو أقمت فقال قد خرج رسول الله فحال كفار قريش بينه وبين البيت فإن حيل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ثم قال أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا قال ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا
مطابقته للترجمة في قوله فطاف لهما طوافا واحدا وهذا طواف القارن عنده كما ذهب إليه الشافعي ومن قال بقوله
ذكر

(9/281)


رجاله وهم خمسة الأول يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي يكنى بأبي يوسف الثاني إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهو اسم أمه وأبوه إبراهيم بن سهم وقد مر غير مرة الثالث أيوب السختياني وقد مر غير مرة الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه هو شيخ مسلم أيضا وينسب إلى دورق فيقال له الدورقي وليس من بلد دورق وإنما كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إليها وفيه أن ابن علية وأيوب بصريان ونافعا مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن أبي النعمان عن حماد وأخرجه مسلم فيه عن أبي الربيع وأبي كامل وعن علي بن حجر وزهير بن حرب
ذكر معناه قوله دخل ابنه أي ابن عبد الله بن عمر قوله عبد الله بن عبد الله هو بيان له قوله وظهره بالرفع مبتد وقوله في الدار خبره والجملة وقعت حالا والمراد من الظهر مركوبه الذي يركبه من الإبل وحاصل المعنى أن عبد الله بن عمر كان عازما على الحج وأحضر مركوبه ليركب عليه ويتوجه فقال له ابنه عبد الله إني لا آمن أن يكون العام أي في هذا العام قتال فيصدوك أي يمنعوك عن البيت وذلك كان في عام نزل الحجاج لقتال عبد الله بن الزبير وصرح بذلك مسلم في روايته فقال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله قال حدثني نافع أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير قالا لا يضرك أن لا تحج العام فإنا نخشى أن يكون بين الناس قتال يحال بينك وبين البيت قال إن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله وأنا معه حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت أشهدكم أني قد أوجبت عمرة فانطلق الحديث قوله إني لا آمن بالمد وفتح الميم المخففة أي أخاف هذه رواية الأكثرين وفي رواية المستملي إني لا أيمن بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الميم وهي لغة تميم فإنهم يكسرون الهمزة في أول مستقبل ماضيه على فعل بالكسر ولا يكسرون إذا كان ماضيه بالفتح إلا أن يكون فيه حرف حلق نحو إذهب والحق وقيل قوله لا أيمن بالكسر إمالة ووقع في بعض الكتب لا أيمن بالفتح والياء ولا وجه له فاعلم قوله فلو أقمت يحتمل أن يكون كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب ويحتمل أن تكون للشرط وجزاؤه محذوف أي فلو أقمت في هذه السنة وتركت الحج لكان خيرا لعدم الأمن قوله فقال أي عبد الله بن عمر لأبنه عبد الله قوله إفعل بالجزم لأنه جزاء والجزم فيه واجب ويجوز فيه الرفع على تقدير أنا أفعل قوله كما فعل رسول الله يعني في الحديبية حين منعوه عن دخول مكة وقصته مشهورة قوله ثم قدم أي إلى مكة قوله لهما أي للعمرة والحج وبه احتج الشافعي ومن معه في أن القارن يكفي له طواف واحد ولا حجة لهم فيه لأن المراد من هذا الطواف طواف القدوم
0461 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف أن يصدوك فقال لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد اشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي وأهدى هديا اشتراه بقديد ولم يزد على ذالك فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كذلك فعل رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله بطوافه الأول وهذا طريق ثان للحديث السابق رواه عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن نافع إلى قوله عام نزل الحجاج عام منصوب على الظرف والحجاج هو ابن يوسف الثقفي كان متولي العراقين

(9/282)


من جهة الملك عبد الملك بن مروان وأمره عبد الملك أن يتوجه إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما لأنه دعى له بالخلافة فلم يطع عبد الملك فقدم الحجاج إلى مكة في سنة اثنتين وسبعين وأقام الحصار عليه من أول شعبان منها وقصته مشهورة قوله بابن الزبير أي نزل الحجاج ملتبسا به على وجه المقاتلة قوله فقيل له أي لابن عمر وقد صرح في ( صحيح مسلم ) أن عبد الله وسالما ابني عبد الله بن عمر هما القائلان بذلك ولفظه حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله إلى آخره وقد ذكرناه عن قريب في هذا الباب قوله كائن بينهم قتال جملة في محل الرفع لأنها خبر إن وقتال مرفوع بأنه فاعل كائن ويجوز أن ينتصب على التمييز أو على الاختصاص قوله إذا كلمة إذن حرف جواب وجزاء وشرط إعمالها أن تتصدر فإن وقعت حشوا أهملت وإن كان السابق عليها واوا أو فاء جاز النصب نحو وإذا لا يلبثوا فأذن لا يؤتوا والغالب الرفع وإذا كان فعلها مستقبلا يجب الرفع كما هو هنا قوله إني أشهدكم إنما قال هذا ولم يكتف بالنية ليعمله من أراد الاقتداء به قوله البيداء موضع بين مكة والمدينة قدام ذي الحليفة وهو في الأصل الأرض الملساء والمفازة قوله إلا واحد بالرفع ويروى واحدا بالنصب على مذهب يونس فإنه جوزه مستشهدا بقوله
( وما الدهر إلا منجنونا بأهله
وما صاحب الحاجات إلا معذبا )
يعني حكمهما واحد في جواز التحلل منهما بالإحصار قوله وأهدى فعل ماض من الإهداء قوله بقديد بضم القاف وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهو اسم موضع بين مكة والمدينة وهو في الأصل اسم ماء هناك قوله ولم يزد على ذلك لأنه لم يجب عليه دم بارتكاب محظورات الإحرام قوله حتى كان لفظ حتى غاية للأفعال الأربعة قوله قضى معناه أدى قوله كذلك فعل رسول الله أي طاف طوافا واحدا وقال الكرماني وهذا دليل على أن رسول الله كان قارنا قلت غرضه من هذا أن القارن يكتفي بطواف واحد لأنه قال لا يجوز أن يراد بقوله الطواف الأول طواف القدوم بل معناه أنه لم يتكرر الطواف للقرآن بل يكتفى بطواف واحد والتحقيق في هذا المقام أن يقال لمن احتج بهذا الحديث في اكتفاء القارن بطواف واحد وأنه كان قارنا كيف تعملون به وقد روى الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر قال تمنع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهذي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله بالعمرة إلى الحج الحديث بطوله رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي على ما يأتي عن البخاري في موضعه إن شاء الله تعالى قال الطحاوي فهذا ابن عمر يخبر عن رسول الله أنه كان في حجة الوداع متمتعا وأنه بدأ بالعمرة وقد حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أن النبي وأصحابه قدموا ملبين بالحج فقال رسول الله من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي فأخبر ابن عمر في حديث بكر هذا أن رسول الله قدم مكة وهو يلبي بالحج وقد أخبر في حديث سالم أن رسول الله بدأ فأحرم بالعمرة فهذا معناه عندنا والله أعلم أنه كان أحرم أولا بحجة على أنها حجة ثم فسخها فصيرها عمرة فلبى بالعمرة ثم تمتع بها إلى الحج حتى يصح حديث سالم وبكر هذين ولا يتضادان وفسخ رسول الله الحج الذي كان فعله وأمر به أصحابه هو بعد طوافهم بالبيت فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان رسول الله فعله للعمرة الني انقلبت إليها حجته مجزيا عنه من طواف حجته التي أحرم بها بعد ذلك ولكن وجه ذلك عندنا والله تعالى أعلم أنه لم يطف لحجته قبل يوم النحر لأن الطواف الذي يفعل قبل يوم النحر في الحجة إنما يفعل للقدوم لا لأنه من صلب الحجة فاكتفى ابن عمر بالطواف الذي كان فعله بعد القدوم في عمرته عن إعادته في حجته وهذا مثل ما روي عن ابن عمر أيضا من فعله حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان إذا قدم مكة يرمل بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة وإذا لبى من مكة بها لم يرمل بالبيت وأخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر وكان لا يرمل يوم النحر فدل ما ذكرنا أن ابن عمر كان إذا أحرم بالحجة من مكة لم يطف لها إلى يوم النحر فكذلك ما روي عن رسول الله من إحرامه بالحجة التي أحرم بها بعد فسخ حجته

(9/283)


الأولى لم يكن طاف لها إلى يوم النحر فليس في حديث ابن عمر عن النبي من حكم طواف القارن لعمرته وحجته شيء وثبت بما ذكرنا ما ذهبنا إليه من أن القارن لا يكتفي بطواف واحد والله أعلم بالصواب
87 -
( باب الطواف على وضوء )
أي هذا باب في بيان الطواف على الوضوء وإنما أطلق ولم يبين أن الوضوء مشرط في الطواف أم لا لمكان الاختلاف فيه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
1461 - حدثنا ( أحمد بن عيسى ) قال حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( عمرو بن الحارث ) عن ( محمد بن عبد الرحمان بن نوفل القرشي ) أنه سأل عروة بن الزبير فقال قد حج النبي فأخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر رضي الله تعالى عنه فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم عمر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك ثم حج عثمان رضي الله تعالى عنه فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم معاوية وعبد الله بن عمر ثم حججت مع ابن الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن عمرة ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة وهاذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت ثم لا يحلون وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا يحلان وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا
مطابقته للترجمة في قوله إن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ وقد مر الحديث في باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة فإنه أخرجه هناك عن إصبغ عن ابن وهب المصري إلى آخره مختصرا وأخرجه هنا بأتم منه عن أحمد بن عيسى أبي عبد الله التستري مصري الأصل وكان يتجر إلى تستر مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين يروي عن عبد الله ابن وهب المصري
قوله سأل عروة بن الزبير فقال فيه حذف تقديره سأل عروة بن الزبير كيف بلغه خبر حج النبي فقال أي عروة قد حج النبي قوله حين قدمأي مكة قوله ثم لم تكن عمرة بالرفع والنصف على تقدير كون لم تكن تامة أو ناقصة قوله ثم عمر أي ثم حج عمر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك أي مثل ما حج أبو بكر رضي الله تعالى عنه قوله فرأيته أول شيء لفظ أول بالنصب لأنه بدل عن الضمير قوله الطواف بالنصب أيضا لأنه مفعول ثان قوله ثم معاوية أي ثم حج معاوية بن أبي سفيان قوله مع أبي الزبير ليس بكنية بل قوله الزبير بالجر بدل من قوله أبي لأن عروة يقول ثم حججت مع أبي هو الزبير بن العوام قوله ثم لم ينقضها عمرة أي ثم لم ينقض حجتها عمرة أي لم يفسخها إلى العمرة قوله فلا يسألونه الهمزة فيه مقدرة أي أفلا يسألون عبد الله بن عمر قوله ولا أحد عطف على فاعل لم ينقضها أي لم ينقض ابن عمر حجته ولا أحد من السلف الماضين قوله ما كانوا يبدأون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف قال ابن بطال لا بد من زيادة لفظ أول بعد لفظ أقدامهم وقال الكرماني الكلام صحيح بدون زيادة إذ معناه ما كان أحد منهم يبدأ بشيء آخر حين يضع قدمه في المسجد لأجل الطواف أي لا يصلون تحية المسجد ولا يشتغلون بغير الطواف وصوب بعضهم كلام ابن بطال لأن جعل من بمعنى من أجل قليل وأيضا فقد ثبت

(9/284)


لفظ أول في بعض الروايات قلت وقوله لأن جعل من بمعنى من أجل قليل غير مسلم بل هو كثير في الكلام لأن أحد معاني من للتعليل كما عرف في موضعه وقوله وأيضا فقد ثبت لفظ أول في بعض الروايات مجرد دعوى فلا تقبل إلا ببيان وقوله حتى يضعوا بكلمة حتى التي للغاية رواية الكشميهني وفي رواية غيره حين يضعون ففي الأول حذفت النون من يضعون لأن أن الناصبة مقدرة بعد كلمة حتى وعلامة النصب في الجمع سقوط النون وسأل الكرماني في هذا الموضع بأن المفهوم من هذا التركيب أن السلف كانوا يبتدئون بالشيء الآخر إذ نفي النفي إثبات وهو نقيض المقصود ثم أجاب بقوله إن لفظ ما كانوا تأكيد للنفي السابق أو هو ابتداء الكلام قوله أمي هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما زوجة الزبير رضي الله تعالى عنه قوله وأختها أي أخت أمي وهي عائشة زوج النبي قوله فلما مسحوا الركن حلوا معناه طافوا وسعوا وحلقوا حلوا وإنما حذفت هذه المقدرات للعلم بها وقال الكرماني فإن قلت هذا مناف لقوله إنهما لا يحلان وما الفائدة في ذكره قلت الأول في الحج والثاني في العمرة وغرضه أنهم كانوا إذا أحرموا بالعمرة يحلون بعد الطواف ليعلم أنهم إذا لم يحلوا بعده لم يكونوا معتمرين ولا فاسخين للحج إليها وذلك لأن الطواف في الحج للقدوم وفي العمرة للركن ثم إعلم أن الداودي قال ما ذكر من حج عثمان هو من كلام عروة وما قبله من كلام عائشة وقال أبو عبد الملك منتهى حديث عائشة عند قوله ثم لم تكن عمرة ومن قوله ثم حج إبو بكر إلى آخره من كلام عروة قلت على قول الداودي يكون الحديث كله متصلا وعلى قول أبي عبد الملك يكون بعضه منقطعا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر بل أدرك عثمان رضي الله تعالى عنه
ذكر ما يستفاد منه احتج به من يرى بوجوب الطهارة للطواف كالصلاة ولا حجة لهم في ذلك لأن قلوه إنه توضأ لا يدل على وجوب الطهارة قطعا لاحتمال أن يكون وضوءه عليه الصلاة و السلام على وجه الاستحباب وقال صاحب ( التوضيح ) الدليل على الوجوب أن الطواف مجمل في قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج 92 ) وفعله خرج مخرج البيان قلت لا نسلم أنه مجمل إذ معناه الدوران حول البيت فإن قلت قال ( الطواف ) بالبيت صلاة قلت التشبيه لا عموم له ولهذا لا ركوع فيها ولا سجود ولو كان حقيقة لكان احتاج إلى تحليل وتسليم واحتج به أيضا من يرى أن الأفراد بالحج هو الأفضل ولا حجة لهم في ذلك لوجود أحاديث كثيرة دلت على أنه كان قارنا وقد ذكرنا الإختلاف فيه في هذا الكتاب والله أعلم
( باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله )
أي هذا باب في بيان وجوب السعي بين الصفا والمروة وإنما قدرنا هكذا لأن الوجوب يتعلق بالأفعال لا بالذوات قال الجوهري الصفا موضع بمكة وهو في الأصل جمع صفاة وهي صخرة ملساء ويجمع على أصفاء وصفا وصغى على وزن فعول والصفا أيضا اسم بالبحرين والصفا بالمد خلاف الكدر
والمروة مروة السعي التي تذكر مع الصفا وهو أحد رأسيه الذي يتنهي السعي إليهما وهو في الأصل حجر أبيض براق وقيل هي التي يقدح منها النار قوله ( وجعل ) على صيغة المجهول أي جعل وجوب السعي بين الصفا والمروة كما ذكرنا وقال صاحب التلويح وجعل من شعائر الله كذا في نسخة السماع وفي أخرى وجعلا أي الصفا والمروة والشعائر جمع شعيرة وقيل هي جمع شعارة بالكسرة كذا في الموعب وقال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله تعالى وقال أبو عبيد واحدة الشعائر شعيرة وهو ما ؤشعر لهى ألى البيت الله تعالى وقال الزجاج هي جميع متعبدات الله التي أشعرها الله أي جعلها أعلى ما لنا وهي كل ما كنا من موقف أو مسعى أو مذبح وإنما قيل الشعائر لكل عمل مما تعبد به لأن قولهم شعرت به علمته فلهذا سميت الأعلامالتي هي متعبدات لله شعائر وقال الحسن شعائر الله دين الله تعالى
حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال ( عروة ) سألت ( عائشة ) رضي الله

(9/285)


عنها فقلت لها أرأيت قول الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ( البقرة 851 ) فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة قالت بئس ما قلت يا ابن أختي إن هاذه لو كانت كما أولتها عليه أن لا يتطوف بهما ولاكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما أسلموا سألوا رسول الله عن ذالك قالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وقد سن رسول الله الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمان فقال إن هاذا لعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية قال أبو بكر فأسمع هاذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذالك بعد ما ذكر الطواف بالبيت
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع والزهري هو محمد بن مسلم وأخرجه النسائي في الحج وفي التفسير
ذكر معناه قوله أرأيت أخبريني عن مفهوم هذه الآية إذ مفهومها عدم وجوب السعي بين الصفا والمروة إذ فيه عدم الإثم على الترك فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها مفهومها ليس ذلك بل عدم الإثم على الفعل ولو كان على الترك لقيل أن لا يطوف بزيادة لا والتحقيق هنا أن عروة رضي الله تعالى عنه أول الآية بأن لا شيء عليه في تركه لأن هذا اللفظ أكثر ما يستعمل في المباح دون الواجب وأن عائشة رضي الله تعالى عنها أجابت بأن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه لأنها ليست بنص في سقوط الواجب ولو كانت نصا لكان يقول فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف ولم يكن ذلك إلا بسبب الأنصار وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد المعتقد أنه منع من إيقاعه على صفه وهذا كمن عليه صلاة ظهر فظن أن لا يسوغ له إيقاعها بعد المغرب فسأل فقيل لا حرج عليك إن صليت فيكون الجواب صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب الظهر عليه وقد وقع في القراءة الشاذة فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وأجاب الطبري أنها محمولة على القراءة المشهورة وكلمة لا زائدة وكذا قال الطحاوي وقيل لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهورة وقال الطحاوي أيضا لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله فمن تطوع خيرا ( البقرة 481 ) لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع والله أعلم قوله يهلونه أي يحجونه قوله لمناة بفتح الميم

(9/286)


وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوق وهو اسم صنم كان في الجاهلية وقال ابن الكلبي كانت صخرة نصبها عمرو ابن لحي بجهة البحر فكانوا يعبدونها وقيل هي صخرة لهذيل بقديد وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق وقال الحازمي هي على سبعة أميال من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة قوله الطاغية صفة لمناة إسلامية وهي على زنة فاعلة من الطغيان ولو روي لمناة الطاغية بالإضافة ويكون الطاغية صفة للفرقة وهم الكفار لجاز قوله عند المشلل بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر وقال البكري هي ثنية مشرفة على قديد وقال السفاقسي هي عند الجحفة وفي رواية لمسلم عن سفيان عن الزهري بالمشلل من قديد وفي رواية للبخاري في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن فذكر الحديث وفيه كانوا يهلون لمناة فكانت مناة حذو قديد أي مقابله وقد مر أن قديدا بضم القاف قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله البكري قوله يتحرج أي يحترز من الحرج ويخاف الإثم قوله فلما أسلموا أي الأنصار قوله عن ذلك أي الطواف بالصفا والمروة قوله إنا كنا نتحرج إلى آخره وفي رواية مسلم أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة وإنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعونه في الجاهلية فأنزل الله تعالى الآية وفي لفظ إذا أهلوا لمناة لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ويقال إن الأنصار قالوا إنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالسعي بين الصفا والمروة فنزلت الآية وقال السدي كان في الجاهلية تعرف الشياطين في الليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهة فلما ظهر الإسلام قال المسلمون يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شرك كنا نضعه في الجاهلية فنزلت الآية وفي ( الأسباب ) للواحدي قال ابن عباس كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له أساف وعلى المروة صورة امرأة تدعى نائلة يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة مسخهما الله تعالى حجرين فوضعا على الصفا ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين فنزلت هذه الآية وروى الطبري وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال قالت الأنصار إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله ( البقرة 851 ) قوله وقد سن رسول الله أي شرع وقال الكرماني وجعل ركنا وقال بعضهم أي فرضه بالسنة وليس مراد عائشة نفي فريضتها ويؤيده قولها لم يتم الله حج أحد ولا عمرته لم يلطف بينهما قلت قول الكرماني جعل ركنا غير موجه لأن لفظ سن لا يدل على معنى أنه جعله ركنا وإلا لا يبقى فرق بين السنة و الركن وكيف نقول أنه ركن وركن الشيء ما هو داخل في ذات الشيء ولم يقل أحد أن السعي بين الصفا والمروة داخل في ماهية الحج وكذا قول بعضهم أي فرضه بالسنة ليس مدلول اللفظ وقوله ليس مراد عائشة نفي فرضيتها فنقول وكذا ألا يدل على إثبات فضيتها وقوله يؤيده قولها إلى آخره لا يؤيده أصلا ولا يدل على مدعاه لأن نفي إتمام الشيء لا يدل على نفي وجوده فعلى كل حال لا يثبت الفرضية غاية ما في الباب يدل على أنه سنة مؤكدة وهي في قوة الواجب ونحن نقول به وسيجيء بيان الخلاف قوله ( ثم أجزت أبا بكر بن عبد الرحمن ) المخبر هو الزهري أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ويقال له راهب قريش لكثرة صلاته ولد في خلافه عمر بن الخطاب ومات سنة أربع وتسعين قاله عمر وبن علي وفي روايته مسلم عن سفيان عن الزهري قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام فأعجبه ذلك قوله إن هذا العلم بفتح اللام التي هي للتأكيد وتنكير العلم وهي رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين أن هذا العلم أشار به إلى كلام عائشة وقوله ما كنت سمعته وقع خبرا لأن ولفظ كنت بلفظ المتكلم وكلمة ما نافية وعلى رواية الكشميهني قوله لعلم خبر إن وكلمة ما موصولة ولفظ كنت بلفظ المخاطب

(9/287)


وقال الكرماني ما موصولة منصوب على الاختصاص أو مرفوع بأنه صفة له أو خبر بعد خبر قوله ولقد سمعت رجالا القائل بهذا هو أبو بكر بن عبد الرحمن المذكور قوله إلا من ذكرت عائشة هذا الاستثناء معترض بين اسم إن وخبرها واسم إن هو قوله الناس في قوله إن الناس وخبرها هو قوله ممن كان يهل بمناة ولفط مسلم ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الإنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة فأنزل الله عز و جل إن الصفا والمروة من شعائر الله ( البقرة 851 ) قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها قد أنزلت في هؤلاء وهؤلاء فإن قلت ما وجه هذا الاستثناء قلت وجهه أنه أشار به إلى أن الرجال من أهل العلم الذين أخبروا أبا بكر بن عبد الرحمن أطلقوا ولم يخصوا بطائفة وأن عائشة رضي الله تعالى عنها خصت الأنصار بذلك كما رواه الزهري عن عروة عنها وهو في صدر الحديث وهو قولها ولكنها نزلت في الأنصار قوله أن يطوف بالصفا بتشديد الطاء وأصله أن يتطوف فأبدلت التاء طاء لقرب مخرجهما ثم أدغمت الطاء في الطاء قوله فاسمع هذه الآية وهي قوله إن الصفا والمروة من شعائر الله وقوله فأسمع بفتح الهمزة وضم العين على صيغة المتكلم من المضارع وهكذا هو في أكثر الروايات وضبطه الدمياطي في نسخته بدرج الهمزة وسكون العين على صيغة الأمر فرواية مسلم فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء كما ذكرناه الآن تدل على أن رواية العامة أصوب قوله في الفريقين وهما من الأنصار وقوم من العرب كما صرح به مسلم على ما ذكرناه قوله كليهما يعني كلا الفريقين ويروى كلاهما قال الكرماني هو على مذهب من يجعل المثنى في الأحوال كلها بالألف ثم قال والفريق الأول هم الأنصار الذين يتحرجون احترازا من الصنمين والثاني هم غيرهم الذين يتحرجون بعدما كانوا يطوفون لعدم ذكر الله له قوله حتى ذكر ذلك أي الطواف بينهما بعد ذكر الطواف بالبيت وذكر الطواف بالبيت هو قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج 92 ) وذكر الطواف بين الصفا والمروة هو قوله إن الصفا والمروة من شعائر الله ( الحج 92 ) بعد قوله وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج 92 ) ووقع في رواية المستملي وغيره حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت قال بعضهم وفي توجيهه عسر قلت لا عسر فيه فهذا لكرماني وجهه فقال لفظ ما ذكره يدل عن ذلك أو أن ما مصدرية والكاف مقدر كما في زيد أسد أي ذكر السعي بعد ذكر الطواف كذكر الطواف واضحا جليا ومشروعا مأمورا به
ذكر ما يستفاد منه احتجت به الحنفية على أن السعي بين الصفا والمروة واجب لأن قول عائشة رضي الله تعالى عنهما وقد سن رسول الله الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما يدل على الوجوب ورفع الجناح في الآية والتخيير ينفي الفرضية لا سيما من مذهب عائشة فيما حكاه الخطابي أن السعي بينهما تطوع وما ذهب إليه الحنفية هو مذهب الحسن وقتادة والثوري حتى يجب بتركه دم وعن عطاء سنة لا شيء فيه وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود هو فرض لا يصح الحج إلا به ومن بقي عليه شيء منه يرجع إليه من بلده فإن كان وطىء النساء قبل أن يرجع كان عليه إتمام حجه أو عمرته ويحج من قابل ويهدي كذا حكاه ابن بطال عنهم ونقل المروزي عن أحمد أنه مستحب واختار القاضي وجوبه وانجباره بالدم وقال ابن قدامة وهو أقرب إلى الحق وعن طاووس من ترك منه أربعة أشواط لزمه دم وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع وليس هو بركن وذكر ابن القصار عن القاضي إسماعيل أنه ذكر عن مالك فيمن تركه حتى تباعد وأصاب النساء أنه يجزيه ويهدي وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى في ( شرحه للترمذي ) اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاج على ثلاثة أقوال أحدهما أنه ركن لا يصح الحج إلا به وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر وبه قال الشافعي ومالك في المشهور عنه وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق وأبي ثور لقوله اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من رواية صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجرأة بإسناد حسن وقال عبد العظيم إنه حديث حسن قلت قال ابن حزم في ( المحلى ) إن حبيبة بنت أبي تجرأة مجهولة وقال شيخنا هو مردود لأنها صحابية وكذلك صفية بنت شيبة صحابية والقول الثاني إنه واجب يجبر بدم وقال الثوري وأبو حنيفة ومالك في ( العتبية ) كما حكاه ابن العربي والقول الثالث إنه ليس بركن ولا واجب بل هو سنة ومستحب وهو قول ابن عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية ومن

(9/288)


طاف فقد حل وقال شيخنا قد يستدل برفع قوله خذوا عني مناسككم على اشتراط الموالاة بين الطواف والسعي بحيث يضر الفصل الطويل وهو أحد قولين فيما حكاه المتولي وقال الرافعي والظاهر أنه لا يقدح قاله القفال وغيره
08 -
( باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة )
أي هذا باب في بيان ما جاء في السعي أي من كيفيته بين الصفا والمروة
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين
مطابقته للترجمة من حيث إنه جاء في السعي بين الصفا والمروة أنه من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين وهذا تعليق وصله ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن عثمان بن الأسود عن مجاهد وعطاء قال رأيتهما يسعيان من خوخة بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين وعزوا ذلك إلى ابن عمر وذكره الفاكهي بأوضح منه من طريق ابن جريج أخبرني نافع قال نزل ابن عمر من الصفا حتى إذا حاذى باب بني عباد إلى زقاق ابن أبي حشين قال سفيان هو بين هذين العلمين قوله بني عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة وزقاق بضم الزاي وبالقافين وقال الجوهري الزقاق السكة يذكر ويؤنث قال الأخفش أهل الحجاز يؤنثون الطريق والصراط والسبيل والسوق والزقاق وبنو تميم يذكرون هذا كله والجمع الزقاق والزقان والأزقة مثل حوار وحوران وأحورة
4461 - حدثنا ( محمد بن عبيد بن ميمون ) قال حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله إذا طاف الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا وكان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة فقلت لنافع إكان عبد الله يمشي إذا بلغ الركن اليماني قال لا إلا أن يزاحم على الركن فإنه كان لا يدعه حتى يستلمه
مطابقته للترجمة في قوله وكان يسعى بطن المسيل والحديث مضى في باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن أنس بن عياض عن عبيد الله إلى آخره وهنا أخرجه بأتم من ذلك عن محمد بن عبيد بن ميمون وفي رواية أبي ذر محمد بن عبيد بن حاتم وكذا قال الجياني ناقلا عن نسخة أبي محمد بخطه حدثنا محمد بن عبيد بن حاتم حدثنا عيسى بن يونس قيل الصواب هو الأول وبه جزم أبو نعيم وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي مات بالحرف أول سنة إحدى وتسعين ومائة وعبد الله بن عمر العمري
قوله كان إذا طاف الطواف الأول أي طواف القدوم وقال الكرماني الطواف الأول سواء كان للقدوم أو للركن قوله خب أي رمل في الأشواط الثلاث قوله ومشى أي لا يرمل قوله وكان يسعى بطن المسيل أي المكان الذي يجتمع فيه السيل و بطن منصوب على الظرف قوله فقلت لنافع إلى هنا مرفوع عن ابن عمر ومن قوله فقلت إلى آخره موقوف والقائل لنافع هو عبيد الله المذكور فيه قوله أكان الهمزة فيه للاستفهام قوله لا يدعه أي لا يتركه وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
5461 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن دينار ) قال ( سألنا عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن رجل طاف بالبيت في عمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته فقال قدم النبي فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين فطاف بين الصفا والمروة سبعا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وسألنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال لا يقربنها حتى يطوف بين الصفا والمروة
مطابقته للترجمة في قوله فطاف بين الصفا والمروة سبعا والحديث مضى أيضا في باب صلى النبي صلى الله عليه

(9/289)


وسلم لسبوعه ركعتين فإنه رواه هناك عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار إلى آخره وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
قوله أيأتي الهمزة فيه للاستفهام قوله قدم النبي أي قدم مكة وهذا جواب لسؤال عمرو بن دينار ومن معه قال الكرماني فإن قلت ما وجه مطابقة الجواب السؤال قلت معناه لا يحل له لأن رسول الله واجب المتابعة وهو لم يتحلل من عمرته حتى سعى انتهى قلت لا يحتاج إلى هذا التقدير لأن هذا جواب مطابق للسؤال مع زيادة أما الجواب فهو قوله فطاف بين الصفا والمروة سبعا وأما الزيادة فهو قوله فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وفائدة الزيادة هي أن السؤال عن المعتمر إذا لم يسع والجواب أن العمرة هي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فلا يجوز له قربان امرأته حتى يأتي بالطواف والسعي قوله لقد كان لكم إلى آخره من تتمة الجواب
7461 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قدم النبي مكة فطاف بالبيت ثم صلى ركعتين ثم سعى بين الصفا والمروة ثم تلا لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة ( الأحزاب 32 )
هذا طريق آخر للحديث المذكور رواه عن المكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد البلخي أبو السكن ولفظ المكي اسمه على صورة النسبة وليس بمنسوب إلى مكة وهو يروى عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومضى هذا الحديث أيضا في باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام رواه عن آدم عن شعبة عن عمرو بن دينار وهذه الأحاديث الثلاثة عن ابن عمر دلت على أن العمرة عبارة عن الطواف بالبيت سبعا والصلاة بركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة
وفي ( التوضيح ) واجبات السعي عندنا أربعة قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه ولو كان راكبا اشترط أن يسير دابته حتى تضع حافرها على الجبل وإن صعد على الصفا والمروة فهو أكمل وكذا فعله سيدنا رسول الله والصحابة بعده وليس هذا الصعود فرضا ولا واجبا بل هو سنة مؤكدة وبعض الدرج مستحدث فالحذر من أن يخلفها وراءه فلا يصح سعيه حينئذ وينبغي أن يصعد على الدرج حتى يستيقن ولنا وجه شاذ أنه يجب الصعود على الصفا والمروة قدرا يسيرا ولا يصح سعيه إلا بذلك ليستيقن قطع جميع المسافة كما يلزم غسل جزء من الرأس بعد غسل الوجه ليستيقن ثانيها الترتيب فلو بدأ بالمروة لم يجزه لأنه قال ابدأوا بما بدأ الله به وقال صاحب ( التوضيح ) قال في ( المحيط ) من كتب الحنفية لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا ولا يجزيه ذلك والبداءة بالصفا شرط ولا أصل لما ذكره الكرماني من أن الترتيب في السعي ليس بشرط حتى لو بدأ بالمروة وأتى الصفا جاز وهو مكروه لترك السنة فيستحب إعادة ذلك الشوط قلت الكرماني له كتاب في المناسك ذكر هذا فيه وكيف يقول صاحب ( التوضيح ) لا أصل لما ذكره الكرماني بل لا أصل لما ذكره لأنه يحتج بقوله ابدأوا بما بدأ الله به فكيف يستدل بخبر الواحد على إثبات الفرضية والحديث إنما يدل على أنه سنة وقد عمل الكرماني به حيث قال ولو بدأ بالمروة يكون مكروها لتركه السنة حتى يستحب إعادته وهذا هو الأصل في الاستدلال بخبر الواحد وكذا الجواب عما قيل وحكى عن أبي حنيفة أنه لا يجب الترتيب ويجوز البداءة بالمروة والحديث حجة عليه وأراد بالحديث هو قوله ابدأوا بما بدأ الله به رواه جابر وأخرجه النسائي الثالث يحسب من الصفا إلى المروة مرة ومن المروة إلى الصفا مرة حتى يتم سبعا هذا هو الصحيح الرابع يشترط أن يكون السعي بعد طواف صحيح سواء كان بعد طواف قدوم أو إفاضة ولا يتصور وقوعه بعد طواف الوداع فلو سعى وطاف أعاده وعند غيرنا أعاده إن كان بمكة فإن رجع إلى أهله بعث بدم وشذ إمام الحرمين فقال قال بعض أئمتنا لو قدم السعي على الطواف اعتد بالسعي وهذا غلط ونقل الماوردي وغيره الإجماع في اشتراط ذلك وقال عطاء يجوز السعي من غير تقدم طواف وهو غريب وفي ( التوضيح ) أيضا الموالاة

(9/290)


بين مرات السعي سنة فلو تخلل بيسير أو طويل بينهن لم يضر وكذا بينه وبين الطواف ويستحب السعي على طهارة من الحدث والنجس ساترا عورته والمرأة تمشي ولا تسعى لأنه أستر لها وقيل إن سعت في الخلوة بالليل سعت كالرجل وموضع المشي والعدو معروف والعدو يكون قبل وصوله إلى الميل الأخضر وهو العمود المبني في ركن المسجد بقدر ستة أذرع إلى أن يتوسط بين العمودين المعروفين وما عدا ذلك فهو محل المشي فلو هرول في الكل لا شيء عليه وكذا لو مشى على هينة وعن سعيد بن جبير قال رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة ثم قال إن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي وإن سعيت فقد رأيته يسعى وأنا شيخ كبير أخرجه أبو داود وفي رواية كان يقول لأصحابه أرملوا فلو استطعت الرمل لرملت وعنه قال رأيت عمر رضي الله تعالى عنه يمشي أخرجها سعيد بن منصور وقال ابن التين يكره للرجل أن يقعد على الصفا إلا لعذر وضعف ابن القاسم في روايته عن مالك رفع يديه على الصفا والمروة وقال ابن حبيب يرفع وإذا قلنا يرفع فقال ابن حبيب يرفعهما حذو منكبيه وبطونهما إلى الأرض ثم يكبر ويهلل ويدعو وقال غيره من المتأخرين الدعاء والتضرع إنما يكون وبطونهما إلى السماء ولو ترك السعي ببطن المسيل ففي وجوب الدم قولان عن مالك
8461 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( عاصم ) قال قلت لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة قال نعم لأنها كانت من شعائر الجاهلية حتى أنزل الله إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما
( الحديث 8461 - طرفه في 6944 )
مطابقته للترجمة من حيث إن الآية المذكورة فيها إثبات السعي بين الصفا والمروة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أحمد بن محمد قال الدارقطني هو أحمد بن محمد بن ثابت شبويه قلت أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد أبو الحسن الخزاعي المروزي المعروف بابن شبويه مات بطرسوس سنة ثلاثين ومائتين قاله الحافظ الدمياطي الثاني عبد الله بن المبارك الثالث عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن الرابع أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وشيخه مروزيان وأن عاصما بصري
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن يوسف عن الثوري وأخرجه مسلم في المناسك عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد وأخرجه النسائي في الحج عن يعقوب بن إبراهيم
ذكر معناه قوله أكنتم الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله قال نعم ويروى فقال نعم بزيادة فاء العطف أي نعم كنا نكره وعلل الكراهة بقوله لأنها كانت من شعائر الجاهلية وإنما أنث الضمير باعتبار جمع السعي وهي سبع مرات والمراد من الشعائر العلامات التي كانوا يتعبدون بها وقد مر الكلام في الشعائر عن قريب قيل إنما خص السعي والطواف أيضا من شعائرهم قلت لا نسلم ذلك بخلاف السعي وكان لهم الصنمان اللذان ذكرناهم يتمسحون بهما ويعبدونهما في تلك البقعة
9461 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال إنما سعى رسول الله بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته
( الحديث 9461 - طرفه في 7524 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مروا غير مرة وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان بن عيينة وعمرو بن دينار وفي بعض النسخ عن عمرو وهو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رباح وقد تقدم الكلام فيه في باب كيف كان بدء الرمل

(9/291)


زاد الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال سمعت عطاء عن ابن عباس مثله
وقول ابن عباس ليري المشركين قوته فيه حصر السبب فيما ذكره على ما هو المشهور في إنما من إفادة الحصر وقد جاء عن ابن عباس سبب آخر وهو سعي أبينا إبراهيم عليه الصلاة و السلام فيجوز أن يكون هو المقتضي لمشروعية الإسراع على ما رواه أحمد في ( مسنده ) من حديث ابن عباس قوله قال إن إبراهيم عليه الصلاة و السلام لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسبقه فسابقه إبراهيم عليه الصلاة و السلام وقد ورد أيضا سبب آخر وهو سعي هاجر عليها السلام على ما صرح به البخاري عن ابن عباس قال جاء إبراهيم عليه الصلاة و السلام الحديث وفيه فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها وسعت سعي إنسان مجهود حتى جاوزت الوادي الحديث وفيه ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي فلذلك سعى الناس بينهما فإن كان المراد بقوله فلذلك سعى الناس بينهما الإسراع في المشي فهذه العلة من نص الشارع فهى أولى ما يعلل به السعي وإن أراد بالسعي مطلق الذهاب فلا ويدل عليه رواية الأزرقي فلذلك طاف الناس بين الصفا والمروة والله أعلم
قوله الحميدي بضم الحاء نسبة إلى حميد أحد أجداد عبد الله بن الزبير بن عبد الله القرشي المكي شيخ البخاري ومن أفراده ومعنى هذه الزيادة أن الحميدي صرح بالتحديث في روايته عن عمرو بن دينار وصرح عمرو بالسماع من عطاء بن أبي رباح ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في ( المستخرج ) وقال الكرماني زاد لفظ حدثنا وسمعت بدل المعنعن وفائدته الخروج عن الخلاف في القبول سيما وسفيان من المدلسين قوله مثله أي مثل ما روي عن ابن عباس في الحديث السابق
18 -
( باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت )
أي هذا باب يذكر فيه تقضي الحائض إلى رخره وأراد بالمناسك أفعال الحج ووصرح بالحكم في هذا وهو أن الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت للمنع الوارد فيه على ما يأتي في حديث الباب وإنما صرح به لعدم الخلاف فيه
وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة
هذا أيضا من الترجمة أي وإذا سعى الحاج أو المعتمر بين الصفا والمروة وهو على غير وضوء وإنما لم يذكر الحكم فيه لأجل الخلاف فيه فإن الحسن البصري اشترط الطهارة للسعي وقال ابن المنذر لم يذكر عن أحد من السلف اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري وروي ذلك أيضا عن الحنابلة في رواية
0561 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة قالت فشكوت ذالك إلى رسول الله قال إفعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري
مطابقته للترجمة في قوله إفعلي كما يفعل الحاج إلى آخره وقد مضى هذا الحديث في باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت في كتاب الحيض عن أبي نعيم عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن ( عبد الرحمن بن القاسم ) عن القاسم عن ( عائشة ) وأخرجه أيضا في باب كيف كان بدء الحيض في أول كتاب الحيض بأتم منه فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله المديني عن سفيان قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم سمعت القاسم يقول سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول خرجنا لا نرى إلا الحج الحديث قوله حتى تطهري بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا وأصله تتطهري فحذفت إحدى التاءين ومعناه حتى تغتسلي وتطهري بالغسل ويؤيده أن في رواية مسلم حتى تغتسلي وقال ابن بطال العلماء مجمعون أن الحائض تشهد المناسك كلها غير الطواف بالبيت وقال المهلب إنما منعت الحائض

(9/292)


من الطوا على غير طهارة تنزيها للمسجد عن النجاسات ولأمره الحيض في العيدين بالإعتزال وقال ابن التين وقول عائشة ولم أطف بالبيت تريد أن طواف العمرة منعها منه حيضها قوله كما يفعل الحاج لا يكون إلا بأن يردف الحج على العمرة قال وقيل كانت حاجة ذكره ابن عبد الملك ولا يصح لها السعي وإن كان يصح فعله بغير طهارة كان الطواف قبله وذلك لا يصح حتى تطهر ولا يكون السعي مفردا ويصح إفراد الطواف وقال صاحب ( التلويح ) وكان البخاري فهم أن قوله لها إفعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي أنها تسعى فبوب وإذا سعى على غير وضوء انتهى قلت ليس الأمر كما ذكره وإنما قوله وإذا سعى إلى آخره من الترجمة كما ذكرنا وأشار بها إلى الخلاف في اشتراط الطهارة في السعي فلذلك لم يجزم بالحكم غير أنه لم يذكر في الباب شيئا يدل عليه واكتفى بمجرد ذكر هذه الترجمة فافهم
1561 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال وقال لي ( خليفة ) حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( حبيب المعلم ) عن ( عطاء ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال أهل النبي هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي وطلحة وقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال أهللت بما أهل به النبي فأمر النبي أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر منيا فبلغ النبي فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت وحاضت عائشة رضي الله تعالى عنها فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت فلما طهرت طافت بالبيت قالت يا رسول الله تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحج فأمر عبد الرحمان بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج
مطابقته للترجمة ظاهرة لا تخفى
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن المثنى بن عبيد المعروف بالزمن وقد مر غير مرة الثاني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي الثالث خليفة بفتح الخاء المعجمة وبالفاءين خياط من خياطة الثياب وقد مر في باب الميت يسمع خفق النعال الرابع حبيب بن ابن قريبة المعلم بلفظ اسم الفاعل من التعليم الخامس عطاء بن أبي رباح السادس جابر بن عبد الله الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أنه ذكر هذا الإسناد من طريقين الأول عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن حبيب والثاني أنه ذكره على سبيل المذاكرة حيث قال وقال لي خليفة لا على سبيل التحمل فلذلك لم يقل حدثنا خليفة مع أنه شيخه وهو من أفراده وفيه أنهم كلهم بصريون إلا عطاء فإنه مكي وأخرجه أبو داود في الحج عن أحمد بن حنبل عن الثقفي به
ذكر معناه قوله قال وقال فاعل قال الأول البخاري وفاعل الثاني ظاهر وهو خليفة قوله أهل أي أحرم قوله وليس مع أحد الواو فيه للحال قوله وطلحة بالرفع عطف على غير النبي قوله علي هو ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكان أرسله إلى اليمن قوله ومعه هدي جملة إسمية وقعت حالا قوله أن يجعلوها أي الحجة التي أهلوا بها قوله ويطوفوا أي بالبيت وبين الصفا والمروة قوله ويحلوا أي ويصيرون حلالا قوله يقطر أي منيا بسبب قرب عهدنا بالجماع أي كنا متمتعين بالنساء قوله فبلغ أي الشأن يعني بلغ النبي قولهم هذا وهو أنهم تمتعوا به وقلوبهم لا تطيب به لأنه غير متمتع وكانوا يحبون موافقته قوله فقال أي النبي لو استقبلت من أمري أي لو عرفت في أول الحال ما عرفت آخرا من جواز العمرة في أشهر الحج لما أهديت أي لكنت متمتعا إرادة لمخالفة أهل الجاهلية ولأحللت من الإحرام لكن امتنع الإحلال لصاحب الهدي هو

(9/293)


المفرد أو القارن حتى يبلغ الهدي إلى محله وذلك في أيام النحر لا قبلها ويقال معناه لو استقبلت هذا الرأي وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من أول أمري لم أسق الهدي قوله فنسكت المناسك كلها أي أتت بأفعال الحج كلها غير الطواف بالبيت قوله فلما طهرت بفتح الهاء وضمها
ذكر ما يستفاد منه قال النووي احتج به من قال إن التمتع أفضل لأنه لا يتمنى إلا الأفضل وقال الكرماني فأجاب القائلون بتفضيل الإفراد أنه إنما قال من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص بهم في تلك السنة فقط مخالفة للجاهلية وقال هذا الكلام تطييبا لقلوب أصحابه لأن نفوسهم كانت لا تسمح بفسخ الحج قلت قال الطبري وجملة الحال له أنه لم يكن متمتعا لأنه قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت يعني ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ولا كان مفردا لأن الهدي كان واجبا كما قال وذلك لا يكون إلا للقارن وفيه فسخ الحج إلى العمرة لكن نقول إنه كان مخصوصا بهم في تلك السنة وأنه لا يجوز اليوم إلا عند ابن عباس وبه قال أحمد وداود والظاهري وفيه دليل على جواز الأمرين وأنه لولا ما سبق من سوقه الهدي لحل معهم إلا أن السنة فيمن ساق الهدي أنه لا يحل إلا بعد بلوغ الهدي محله وهو نحره يوم النحر قال القاضي وفيه دليل على أنه كان مهلا بالحج قلت يعني لم يكن معتمرا بل كان قارنا كما قاله الطبري وقال الطحاوي رحمه الله احتج بهذا الحديث قوم على جواز فسخ الحج في العمرة وقالوا من طاف من الحجاج بالبيت قبل وقوفه بعرفة ولم يكن ممن ساق الهدي فإنه يحل قلت أراد بهؤلاء القوم جماعة الظاهرية وأحمد ثم قال وخالفهم آخرون فقالوا ليس لأحد دخل في حجة أن يخرج منها إلا بتمامها ولا يحله شيء منها قبل يوم النحر من طواف ولا غيره قلت أراد بالآخرين جماهير التابعين والفقهاء منهم أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم ثم أجاب عن ذلك بمثل ما ذكرنا الآن أنه كان خاصا لهم في حجتهم تلك دون سائر الناس بعدهم ثم قال والدليل على أن ذلك كان خاصا للصحابة الذين حجوا مع رسول الله دون غيرهم حديث بلال بن الحارث قال قلت يا رسول الله أرأيت فسخ حجنا هذا لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لكم خاصة وأخرجه أبو داود وابن ماجه
2561 - حدثنا ( مؤمل بن هشام ) قال حدثنا ( إسماعيل ) عن ( أيوب ) عن ( حفصة ) قالت كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت أن أختها كانت تحت رجل من أصحاب رسول الله قد غزا مع رسول الله ثنتي عشرة غزوة وكانت أختي معه في ست غزوات قالت كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى فسألت أختي رسول الله فقالت هل على إحدانا بأس إن لم يكن لها جلباب أن لا تخرج قال لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المؤمنين فلما قدمت أم عطية رضي الله تعالى عنها سألنها أو قالت سألناها فقالت وكانت لا تذكر رسول الله إلا قالت بأبي فقلنا أسمعت رسول الله يقول كذا وكذا قالت نعم بأبي فقال لتخرج العواتق ذوات الخدور أو العواتق وذوات الخدور والحيض فيشهدن الخبر ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى فقلت آلحائض فقالت أوليس تشهد عرفة وتشهد كذا وتشهد كذا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أو ليس تشهد عرفة وتشهد كذا وتشهد كذا وتشهد كذا لأن معناه تشهد الوقوف بعرفة وتشهد الوقوف بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك من أفعال الحج غير الطواف بالبيت وهذا موافق لقول جابر رضي الله تعالى عنه فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت وهذا الحديث قد مضى في باب شهود الحائض

(9/294)


العيدين في كتاب الحيض فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن عبد الوهاب عن أيوب عن حفصة إلى آخره وأخرجه أيضا في باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد في أبواب العيدين عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب عن حفصة إلى آخره وأخرجه هنا عن مؤمل بلفظ اسم المفعول من التأميل ابن هشام وقد مر في كتاب التهجد في باب عقد الشيطان عن إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن حفصة بنت سيرين وهؤلاء كلهم بصريون وقد مر الكلام فيه في كتاب الحيض مستوفى
28 -
( باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى )
أي هذا باب في بيان الإهلال بكسر الهمزة أي الإحرام من البطحاء أي من وادي مكة وغيرها أي ومن غير بطحاء مكة وهو سائر أجزاء مكة قوله للمكي أي الذي من أهل مكة وأراد الحج قوله وللحاج أي وللحاج الذي هو الآفاقي الذي يريد التمتع إذا خرج من مكة إلى منى وإنما قيد بهذا لأن شرط الخروج من مكة ليس إلا للتمتع فالحاصل من هذه الترجمة أن مهل المكي والمتمتع للحج هو نفس مكة ولا يجوز تركها ومهل الذي يريد الإحرام بالحج خارج نفس مكة سواء الحل والحرم وقوله إلى منى كذا وقع في طريق أبي الوقت وفي معظم الروايات إذا خرج من منى بكلمة من فوجه كلمة إلي ظاهر وأما وجه كلمة من فيحتمل أن يكون إشارة إلى الخلاف في ميقات المكي في مذهب الشافعي فعنده ميقات أهل مكة نفس مكة وقيل مكة وسائر الحرم والصحيح الأول ومذهب أبي حنيفة أن ميقات أهل مكة في الحج الحرم ومن المسجد أفضل وفي مناسك الحصيري الأفضل لأهل مكة أن يحرموا من منازلهم ويسعهم التأخر إلى آخر الحرم بشرط أن يدخلوا الحل محرمين فلو دخلوا من غير إحرام لزمهم دم كالآفاقي وقال المهلب من أنشأ الحج من مكة فله أن يهل من بيته ومن المسجد الحرام ومن البطحاء وهو طريق مكة أو من حيث أحب مما دون عرفة ذلك كله واسع لأن ميقات أهل مكة منها وليس عليه أن يخرج إلى الحل لأنه خارج في حجته إلى عرفة فيحصل له بذلك الجمع بين الحل والحرم وهو بخلاف منشيء العمرة من مكة
وسئل عطاء عن المجاور يلبي بالحج قال وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته
مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن الاستواء على الراحلة كناية عن السفر فابتداء الاستواء هو ابتداء الخروج من البلد قوله عطاء هو عطاء بن أبي رباح قوله عن المجاور أي المجاور بمكة وهو المقيم بها قوله يلبي جملة وقعت حالا قوله يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة
وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء بلفظ رأيت ابن عمر في المسجد فقيل له قد رؤي الهلال فذكر قصة منها فأمسك حتى كان يوم التروية فأتى البطحاء فلما استوت به راحلته أحرم
وقال عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قدمنا مع النبي فأحللنا حتى يوم التروية وجعلنا مكة

(9/295)


بظهر لبينا بالحج
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لبينا فإنه جملة حالية ومعناها جعلنا مكة من وراءنا في يوم التروية حال كوننا ملبين بالحج فعلم أنهم حين الخروج منها كانوا محرمين قوله وقال عبد الملك قال الكرماني عبد الملك هذا هو ابن عبد العزيز بن جريج وقال بعضهم الظاهر أنه هو عبد الملك بن أبي سليمان قلت يحتمل كلا منهما ولكن هذا وصله مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر أهللنا مع النبي بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا الحديث وفيه حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج قوله حتى يوم التروية يوم منصوب على الظرفية أي حتى في يوم التروية قوله بظهر أي جعلنا مكة وراء ظهورنا
وقال أبو الزبير عن جابر أهللنا من البطحاء
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الدال المهملة وضم الراء وفي آخره سين مهملة المكي وقد مر في باب من شكا إمامه وهذا تعليق وصله أحمد في ( مسنده ) ومسلم في ( صحيحه ) من طريق ابن جريج عنه عن جابر قال أمرنا النبي إذا أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من الأبطح
وقال عبيد بن جريج لإبن عمر رضي الله تعالى عنهما رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يوم التروية فقال لم أر النبي يهل حتى تنبعث به راحلته
عبيد بضم العين وجريج بضم الجيم مر ذكره في باب غسل الرجلين في النعلين في كتاب الوضوء وهذا التعليق وصله البخاري في باب غسل الرجلين في النعلين مطولا فقال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعا الحديث وقال ابن بطال أما وجه احتجاج ابن عمر بإهلال النبي بذي الحليفة وهو غير مكي على من أنشأ الحج من مكة أنه يجب أن يهل يوم التروية وهي قصة أخرى فوجه ذلك أن النبي أهل من ميقاته في حين ابتدائه في عمل حجته من أصل عمله ولم يكن فيهما مكث يقطع به العمل فكذلك المكي لا يهل إلا يوم التروية الذي هو أول عمله ليتصل له عمله تأسيا برسول الله بخلاف ما لو أهل من أول الشهر وقد قال ابن عباس لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى والله أعلم
38 -
( باب أين يصلي الظهر يوم التروية )
أي هذا باب يبين فيه أين يصلي الظهر أي في أي مكان يصلي صلاة الظهر يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة والتروية بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف الياء آخر الحروف سميت بذلك لأنهم كانوا يتروون بحمل الماء معهم من مكة إلى عرفات وقيل إلى منى وقيل لأن آدم عليه السلام رأى فيه حواء عليها السلام وقيل لأن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم عليه الصلاة و السلام المناسك وقيل لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه وقيل لأن إبراهيم عليه السلام رأى تلك الليلة في منامه أنه يذبح ولده بأمر الله تعالى فلما أصبح كان يروي في النهار كله أي يتفكر وقيل هو من الرواية لأن الإمام يروي للناس مناسكهم قلت ذكره الجوهري في باب روى معتل العين واللام وذكر فيه مواد كثيرة ثم قال وسمي يوم التروية لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعد ويكون أصله من رويت من الماء بالكسر أوري ريا وريا وروى أيضا مثل رضي وتكون التروية مصدرا من باب التفعيل تقول رويته الماء تروية وأما قول من قال لأن آدم عليه الصلاة و السلام رأى فيه حواء فغير صحيح من حديث الاشتقاق لأن رأى الذي هو من الرؤية مهموز العين معتل اللام نعم جاء من هذا الباب ترئية وترية ولم يجيء تروية فالأول من قولك رأت المرأة ترئية إذا رأت الدم القليل عند الحيض والثاني اسم الخرقة التي تعرف بها المرأة حيضها من طهرها وأما بقية الأقوال فكون أصلها من الرؤية غير مستبعد ولكن لم يجىء لفظ التروية منها لعدم المناسبة بينهما في الاشتقاق وأما قول من قال هو من الرواية فبعيد جدا لأنه لم يجيء تروية من هذا الباب لعدم الاشتقاق بينهما وقال بعضهم قيل في تسمية التروية أقوال شاذة وذكر هذه الأقوال قلت هذا يدل على أن أصلها صحيح في الاشتقاق لأن الشاذ ما يكثر استعماله ولكنه على خلاف القياس ولكن هذا القائل لو عرف الاشتقاق بين المصدر والأفعال التي تشتق منه لما صدر منه هذا الكلام في غير تأمل وترو

(9/296)


3561 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( إسحاق الأزرق ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد العزيز بن رفيع ) قال سألت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قلت أخبرني بشيء عقلته عن النبي أين صلى الظهر والعصر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطح ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر الجعفي المعروف بالمسندي الثاني إسحاق بن يوسف الأزرق مات سنة ست وتسعين ومائة الثالث سفيان الثوري الرابع عبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة قد مر في أبواب الطواف الخامس أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع وبصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه السؤال وفيه أن شيخه بخاري وأنه من أفراده وإسحاق واسطي وسفيان كوفي وعبد العزيز مكي سكن الكوفة رحمه الله وفيه أنه ليس لعبد العزيز بن رفيع عن أنس في ( الصحيحين ) إلا هذا الواحد
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن محمد بن المثنى وعن علي وإسماعيل بن أبان وأخرجه مسلم فيه عن زهير بن حرب وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن إبراهيم وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع ومحمد بن الوزير الواسطي وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن إسماعيل وعبد الرحمن بن محمد
ذكر معناه قوله عقلته أي أدركته وفهمته وهي جملة في محل الجر لأنها وقعت صفة لقوله شيء قوله أين صلى الظهر يعني في أي مكان صلاها قوله قال بمنى أي صلاها بمنى قوله يوم النفر بفتح النون وسكون الفاء وهو الرجوع من منى قوله بالأبطح هو مكان متسع بين مكة ومنى والمراد به المحصب قوله ثم قال أي أنس رضي الله تعالى عنه
ذكر ما يستفاد منه فيه إستحباب إقامة صلاة الظهر والعصر يوم التروية بمنى لأنه خرج إلى منى قبل الظهر وصلى فيه الظهر والعصر وذكر أبو سعد النيسابوري في ( كتاب شرف المصطفى ) أن خروجه يوم التروية كان ضحى وفي سيرة الملا أنه خرج إلى منى بعدما زاغت الشمس وفي ( شرح الموطأ ) لأبي عبد الله القرطبي خرج إلى منى عشية يوم التروية وقال النووي ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح بمكة حيث يصلون الظهر في أول وقتها هذا هو الصحيح المشهور من نصوص الشافعي وفيه قول ضعيف أنهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون وفي حديث جابر الطويل عند مسلم فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الحديث وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث ابن عباس قال صلى النبي الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى ولأحمد من حديثه صلى النبي بمنى خمس صلوات ولأحمد عن ابن عمر أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية وذلك أن رسول الله صلى الظهر بمنى وحديث ابن عمر في ( الموطأ ) عن نافع عنه موقوف ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم ابن محمد عن عبد الله بن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة وقال المهلب الناس في سعة من هذا يخرجون متى أحبوا ويصلون حيث أمكنهم ولذلك قال أنس صلى حيث يصلي أمراؤك والمستحب في ذلك ما فعله الشارع صلى الظهر والعصر بمنى وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وقال ابن حبيب إذا مالت الشمس يطوف سبعا ويركع ويخرج وإن خرج قبل ذلك فلا حرج وعادة أهل مكة أن يخرجوا إلى منى بعد صلاة العشاء وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تخرج ثلث الليل وهذا يدل على التوسعة وكذلك المبيت عن منى ليلة

(9/297)


عرفة ليس فيه حرج إذا وافى عرفة ذلك الوقت الذي يخير وليس فيه جبر كما يجبر ترك المبيت بها بعد الوقوف أيام رمي الجمار وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور
4561 - حدثنا ( علي ) سمع ( أبا بكر بن عياش ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) قال ل ( قيت أنسا ) ( ح ) وحدثني ( إسماعيل بن أبان ) قال حدثنا ( أبو بكر ) عن ( عبد العزيز ) قال خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا رضي الله تعالى عنه ذاهبا على حمار فقلت أين صلى النبي هاذا اليوم الظهر فقال انظر حيث يصلي أمراؤك فصل
( انظر الحديث 3561 وطرفه )
هذا طريق آخر أورده من رواية أبي بكر بن عياش الظاهر أنه أورده تأكيدا لطريق إسحاق الأزرق فإن الترمذي لما أخرج حديث إسحاق قال صحيح يستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري أراد أن إسحاق تفرد به ورواه البخاري من طريقين الأول عن علي هو ابن المديني قاله الكرماني وقال بعضهم والذي يظهر لي أنه ابن المديني قلت أخذه من الكرماني ثم نسبه إلى نفسه وأبو بكر بن عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة ابن سالم الأسدي الكوفي الحناط بالنون المقري قيل اسمه محمد وقيل عبد الله وقيل سالم وقيل غير ذلك والصحيح ان اسمه كنيته وعبد العزيز هو ابن رفيع المذكور والطريق الثاني عن إسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره نون وهو منصرف على الأصح وقد مر في باب من قال في الخطبة أما بعد وإنما قدم الطريق الأول لتصريحه فيه بالتحديث بين أبي بكر بن عياش وعبد العزيز والطريق الثاني بالعنعنة
قوله ذاهبا نصب على الحال وفي رواية الكشميهني راكبا قوله هذا اليوم أي يوم التروية قوله فقال أي أنس لعبد العزيز انظر قوله فصل أمر يخاطب به أنس لعبد العزيز
وفيه إشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة وكان الأمراء لا ينزلون بالأبطح وكانوا لا يصلون الظهر والعصر إلا بمنى كما فعله الشارع فلذلك استحبت الأئمة الأربعة وغيرهم ذلك وقد مر الكلام فيه مستقصى
48 -
( باب الصلاة بمنى )
أي هذا باب في بيان كمية الصلاة الرباعية في منى هل تصلي على حالها أو تقصر وأورد فيه ثلاثة أحاديث ذكرها في أبواب تقصير الصلاة بترجمة بعين هذه الترجمة وهو باب الصلاة بمنى ويبين كل واحد الآن
5561 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال صلى رسول الله بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته
( انظر الحديث 2801 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه في الباب المذكور عن مسدد عن يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن عبد الله ابن عمر قال صليت مع رسول الله بمنى ركعتين وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم صدرا من إمارته ثم أتمها قوله ركعتين أي المقصورتين من الفريضة الرباعية قوله وعثمان صدرا أي صلى ركعتين صدرا أي في صدر من أيام خلافته أي في أوائل خلافته وإنما ذكر صدرا وقيد به لأن عثمان أتم الصلاة بعد ست سنين وبقية مباحثه تقدمت هناك
6561 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق الهمداني ) عن ( حارثة بن وهب الخزاعي ) رضي الله تعالى عنه قال صلى بنا النبي ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه بمنى ركعتين
( انظر الحديث 3801 )

(9/298)


أخرجه هناك فقال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال أنبأنا أبو إسحاق قال سمعت حارثة بن وهب قال صلى بنا النبي آمن ما كان بمنى ركعتين وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني المشهور بالسبيعي الكوفي وحارثة بالحاء المهملة وبالراء والثاء المثلثة والخزاعي بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة نسبة إلى خزاعة حي من الأزد قوله ونحن ما كنا أكثر جملة وقعت حالا فقوله نحن مبتدأ وكلمة ما نافية خبره وقوله أكثر منصور على أنه خبر كان وكلمة قط متعلقة بمحذوف والتقدير ونحن ما كنا قط في وقت أكثر منا في ذلك الوقت ولا آمن منا فيه ويجوز أن تكون ما مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا قوله وآمنه عطف على أكثر والضمير فيه يرجع إلى ما والتقدير صلى بنا رسول الله والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات عددا وأكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز قيل وعلى هذا كما قلنا قط متعلق بمحذوف لأن قط يختص بالماضي المنفي ولا منفي ههنا تقديره ما كنا أكثر من ذلك ولا آمنه قط قلت قال ابن مالك استعمال قط غير مسبوقة بالنفي مما خفي على كثير من النحويين وقد جاء في هذا الحديث بدونه وله نظائر وقيل إنه بمعنى أبدا على سبيل المجاز وقال الكرماني قوله وآمنه بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله تعالى قلت فحينئذ يكون ضمير المفعول هو النبي والتقدير وآمن الله تعالى نبيه حينئذ وقال الطيبي هذا على أن يكون أكثر خبر كان إذ لا يستقيم أن يعطف وأمنه على أكثر وهو متعسف جدا قوله بمنى أي في منى والعامل فيه قوله صلى
7561 - حدثنا ( قبيصة بن عقبة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن عبد الرحمان ابن يزيد عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال صليت مع النبي ركعتين ومع أبي بكر رضي الله تعالى عنه ركعتين ومع عمر رضي الله تعالى عنه ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق فيا ليت حظي من أربع ركعتان متقلبتان
( انظر الحديث 4801 )
أخرجه في الباب المذكور عن قتيبة بن سعيد عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش إلى آخره فانظر إلى التفاوت بينهما في المتن والإسناد ولكن الحاصل واحد
ورجاله قد ذكروا غير مرة وسفيان هو الثوري وإبراهيم هو النخعي و ( عبد الرحمن ابن يزيد ) بن قيس أخو الأسود رضي الله تعالى عنه الكوفي النخعي مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين و ( عبد الله ) هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
قوله ثم تفرقت بكم الطرق يعني اختلفتم في قصر الصلاة وإتمامها فمنكم من يقصر ومنكم من لا يقصر قوله فيا ليت حظي من أربع أي فيا ليت نصيبي الذي يحصل لي من أربع ركعات ركعتان يقبلهما الله تعالى قوله ركعتان في كثير من النسخ ركعتين وهو على مذهب الفراء فإنه جوز نصب خبر ليت كاسمه وأما وجه ركعتان بالرفع فهو الأصل لأنه خبر ليت وخبره مرفوع وقال الداودي خشي ابن مسعود أن لا تجزىء الأربع فاعلها وتبع عثمان كراهة لخلافه وأخبر بما يعتقده وقيل يريد أنه لو صلى أربعا فيا ليتها تقبل كما تقبل الركعتان وقال الكرماني قالوا غرضه ليت عثمان رضي الله تعالى عنه صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي وصاحباه يفعلونه وقيل معناه أنا أتم متابعة لعثمان رضي الله تعالى عنه وليت الله قبل مني من الأربع ركعتين
وفيه كراهة مخالفة ما كانوا عليه وبقية المباحث تقدمت هناك
58 -
( باب صوم يوم عرفة )
أي هذا باب في بيان الصوم في يوم عرفة ولم يبين حكمه لمكان الاختلاف فيه
8561 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) قال حدثنا ( سالم ) قال

(9/299)


سمعت ( عميرا ) مولى أم ( الفضل ) عن أم ( الفضل ) شك الناس يوم عرفة في صوم النبي فبعثت إلى النبي بشراب فشربه
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه بيان ترك النبي الصوم في يوم عرفة
ذكر رجاله وهم ستة الأول علي بن المديني الثاني سفيان بن عيينة الثالث محمد بن مسلم الزهري الرابع سالم بن أبي أمية أبو النضر بالضاد المعجمة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر الخامس عمير مصغر عمرو مولى ابن عباس السادس أم الفضل أم عبد الله ابن عباس واسمها لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه بصري وأنه من أفراده وفيه أن سفيان مكي وأن الزهري وسالما وعميرا مدنيون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن القعنبي وفي الصوم عن عبد الله بن يوسف وعن مسدد وفي الأشربة عن الحميدي وعن مالك بن إسماعيل وعن عمرو بن القاسم وأخرجه مسلم في الصوم عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمرو عن زهير بن حرب وعن هارون بن سعيد الأيلي وأخرجه أبو داود في الصوم عن القعنبي به
ذكر ما يستفاد منه فيه أن النبي لم يصم يوم عرفة فإن قلت في ( صحيح مسلم ) أن صومه يكفر سنتين قلت هذا في غير الحجيج أما في الحجيج فينبغي لهم أن لا يصوموا لئلا يضعفوا عن الدعاء وأعمال الحج اقتداء بالشارع وأطلق كثير من الشافعية كراهته وإن كان الشخص بحيث لا يضعف بسبب الصوم فقط فقال المتولي الأولى أن يصوم حيازة للفضيلة قال صاحب ( التوضيح ) ونسب غيره هذا إلى المذهب وقال الأولى عندنا لا يصوم بحال وقال الروياني في ( الحلية ) إن كان قويا وفي الشتاء ولا يضعف بالضعف عن الدعاء فالصوم أفضل وقال البيهقي في ( المعرفة ) قال الشافعي في القديم لو علم الرجل أن الصوم بعرفة لا يضعفه فصامه كان حسنا واختار الخطابي هذا قال صاحب ( التوضيح ) والمذهب عندنا استحباب الفطر مطلقا وبه قال جمهور أصحابنا وصرحوا بأنه لا فرق ولم يذكر الجمهور الكراهة بل قالوا يستحب فطره كما قاله الشافعي ونقل الماوردي وغيره استحباب الفطر عن أكثر العلماء وحكى ابن المنذر عن جماعة منهم استحباب صومه وحكى صاحب البيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه يجب عليه الفطر بعرفة وقال ابن بطال اختلف العلماء في صومه فقال ابن عمر لم يصمه رسول الله ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه وقال ابن عباس يوم عرفة لا يصحبنا أحد يريد الصيام فإنه يوم تكبير وأكل وشرب واختار مالك وأبو حنيفة والثوري الفطر وقال عطاء من أفطر يوم عرفة ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم وكان ابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم يصومان يوم عرفة وروى أيضا عن عمر رضي الله تعالى عنه وكان إسحاق يميل إليه وكان الحسن يعجبه صومه ويأمر به الحاج وقال رأيت عثمان بعرفة في يوم شديد الحر صائما وهم يروحون عنه وكان أسامة بن زيد وعروة بن الزبير والقاسم ومحمد وسعيد بن جبير يصومون بعرفات وقال قتادة لا بأس بذلك إذا لم يضعف عن الدعاء وبه قال الداودي وقال الشافعي أحب صيامه لغير الحاج أما من حج فأحب أن يفطر ليقويه على الدعاء وقال عطاء أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف وفيه أن الأكل والشرب في المحافل مباح ليبين معنى أودعت الصورة فيه وفيه جواز قبول الهدية من النساء ولم يسألها أن كان من مالها أو من مال زوجها إن كان مثل هذا القدر لا يشاحح الناس فيه
68 -
( باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة )
أي هذا باب في بيان مشروعية التلبية والتكبير إذا غدا أي إذا ذهب من منى إلى عرفة
9561 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( محمد بن أبي بكر الثقفي ) أنه سأل أنس بن مالك

(9/300)


وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله فقال كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه
( انظر الحديث 079 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله قد ذكروا وأما الثقفي فليس له في الصحيح عن أنس ولا غيره غير هذا الحديث وقد تقدم هذا الحديث في أبواب العيدين في باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة أخرجه عن أبي نعيم عن مالك بن أنس قال حدثني محمد بن أبي بكر الثقفي قال سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبي قال كان يلبي الملبي لا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه فانظر التفاوت بينهما في السند والمتن والمعنى واحد وقوله في هذا الطريق كان يلبي منا الملبي يوضح معنى قوله كان يهل منا المهل لأن الإهلال رفع الصوت بالتلبية قوله وهما غاديان جملة إسمية وقعت حالا أي ذاهبان غدوة قوله كيف كنتم تصنعون أي من الذكر طول الطريق وفي رواية مسلم من طريق موسى بن عقبة قال حدثني محمد بن أبي بكر قال قلت لأنس بن مالك غداة عرفة ما تقول في التلبية في هذا اليوم قال سرت هذا المسير مع النبي فمنا المكبر ومنا المهل لا يعيب أحدنا على صاحبه قوله فلا ينكر عليه بضم الياء على صيغة المجهول من المضارع وقد مرت بقية الكلام هناك
78 -
( باب التهجير بالرواح يوم عرفة )
أي هذا باب في بيان التهجير وهو السير في الهاجرة وكذلك الهجر والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر وكذلك الهجر ومنه يقال هجر النهار والمراد بالتهجير بالرواح أن يهجر من نمرة إلى موضع الوقوف بعرفة والنمرة بفتح النون وكسر الميم موضع بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرف وطرف عرفات
0661 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم ) قال كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج فجاء ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال مالك يا أبا عبد الرحمان فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال هاذه الساعة قال نعم قال فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج فنزل حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي فقلت إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف فجعل ينظر إلى عبد الله فلما رأى ذلك عبد الله قال صدق
مطابقته للترجمة تستفاد من قوله هذه الساعة لأنه أشار به إلى زوال الشمس وهو وقت الهاجرة وهو وقت الرواح إلى الموقف لما روى أبو داود من حديث ابن عمر قال غدا رسول الله حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة وهو منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عنده صلاة الظهر راح رسول الله مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف وأخرجه أحمد أيضا وظاهر هذا الحديث أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها لكن في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم أن توجهه منها كان بعد طلوع الشمس ولفظه فضربت له قبة بنمرة فنزل بها حتى زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فأتى بطن الوادي فخطب الناس الحديث بطوله
ورجاله قد ذكروا غير مرة وسالم هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم
وأخرجه النسائي في الحج أيضا عن يونس بن عبد الأعلى وعن أحمد بن عمرو بن السرح
قوله كتب عبد الملك هو ابن مروان الأموي الخليفة والحجاج هو ابن يوسف الثقفي وكان واليا بمكة حينئذ لعبد الملك وأميرا على الحاج قوله أن لا يخالف بلفظ النهي والنفي قوله في الحج أي في أحكام الحج وفي رواية النسائي من طريق أشهب عن مالك في أمر الحج قوله

(9/301)


فجاء ابن عمر القائل هو سالم والواو في وأنا للحال قوله معه أي مع ابن عمر ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فركب هو وسالم وأنا معهما وفي رواية عبد الرزاق أيضا عن معمر قال ابن شهاب وكنت يومئذ صائما فلقيت من الحر شدة واختلف الحفاظ في رواية معمر هذه فقال يحيى بن معين هي وهم وابن شهاب لم ير ابن عمر رضي الله تعالى عنه ولا سمع منه وقال الذهلي لست أدفع رواية معمر لأن ابن وهب روى عن العمري عن ابن شهاب رحمه الله تعالى نحو رواية معمر وروى عنبسة بن خالد عن يونس عن ابن شهاب رضي الله تعالى عنه قال وفدت إلى مروان وأنا محتلم قال الذهلي ومروان مات سنة خمس وستين وهذه القصة كانت سنة ثلاث وسبعين انتهى وقال غيره إن رواية عنبسة هذه أيضا وهم وإنما قال الزهري وفدت على عبد الملك ولو كان الزهري وفد على مروان لأدرك جلة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة وقد أدخل مالك وعقيل وإليهما المرجع في حديث الزهري بينه وبين ابن عمر في هذه القصة سالما فهذا هو المعتمد قوله عند سرادق الحجاج السرادق بضم السين قال الكرماني وتبعه غيره أنه هو الخيمة وليس كذلك وإنما السرادق هو الذي يحيط بالخيمة وله باب يدخل منه إلى الخيمة ولا يعمل هذا غالبا إلا للسلاطين والملوك الكبار وبالفارسية يسمى سرابردة قوله ملحفة بكسر الميم الإزار الكبير قوله معصفرة أي مصبوغة بالعصفر قوله يا أبا عبد الرحمن هو كنية عبد الله بن عمر قوله الرواح بالنصب أي رح الرواح أو عجل قاله الكرماني والأصوب أن يقال إنه منصوب على الإغراء أي ألزم الرواح والإغراء تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله قوله إن كنت تريد السنة وفي رواية ابن وهب إن كنت تريد أن تصيب السنة وقال أبو عمر في ( التقصي ) هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لقوله إن كنت تريد السنة فالمراد سنة سيدنا رسول الله وكذلك إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم سنة العمرين وما أشبه ذلك انتهى وهذه مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول والجمهور على ما قال ابن عبد البر وهي طريقة البخاري ومسلم ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له أفعل ذلك رسول الله فقال وهل تتبعون في ذلك إلا سنته قوله فأنظرني بفتح الهمزة وكسر الظاء المعجمة من الأنظار وهو الإمهال معناه أمهلني وفي رواية الكشميهني وانظرني بهمزة الوصل وضم الظاء ومعناه انتظرني قوله حتى أفيض على رأسي حتى اغتسل لأن إفاضة الماء على الرأس إنما تكون غالبا في الغسل قوله ثم أخرج بالنصب عطف على قوله حتى أفيض وأصله حتى أن أفيض وقال ابن التين صوابه أفض لأنه جواب الأمر قوله فنزل أي ابن عمر كما صرح به في رواية أخرى على ما يأتي بعد بابين إن شاء الله تعالى وهذا يدل على أنه كان راكبا قوله فسار بيني وبين أبي أي سار الحجاج بين سالم وأبيه عبد الله بن عمر ويحتمل أن يكونوا ركبانا لأن السنة الركوب حينئذ لمن له راحلة قوله وعجل الوقوف قال أبو عمر رواية يحيى وابن القاسم وابن وهب ومطرف وعجل الصلاة وقال القعنبي وأشهب فأتم الخطبة وعجل الوقوف جعلا موضع الصلاة الوقوف قال أبو عمر وهو عندي غلط لأن أكثر الرواة عن مالك على خلافه قيل رواية القعنبي لها وجه لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة ومع هذا وافق القعنبي عبد الله بن يوسف كما ترى وقال بعضهم الظاهر أن الاختلاف فيه عن مالك قلت هذا ليس بظاهر وما الدليل عليه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن تعجيل الصلاة يوم عرفة سنة مجمع عليها في أول وقت الظهر ثم يصلى العصر بإثر السلام والفراغ وفيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء ومن جعلوا ذلك إليه وهو واجب عليهم يقيموا من كان عالما به وفيه الصلاة خلف الفاجر من الولاة ما لم تخرجه بدعته عن الإسلام وفيه أن الرجل الفاضل لا يؤاخذ عليه في مشيه إلى السلطان الجائر فيما يحتاج إليه وفيه أن تعجيل الرواح للإمام للجمع بين الظهر والعصر بعرفة في أول وقت الظهر سنة وفيه الغسل للوقوف بعرفة وفيه خروج الحجاج وهو محرم وعليه ملحفة معصفرة ولم ينكر ذلك عليه ابن عمر وفيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم وفيه جواز تأمير الأدنى على الأفضل والأعلم وفيه ابتداء العالم بالفتيا قبل أن يسأل عنه وفيه الفهم بالإشارة والنظر وفيه أن اتباع الشارع هو السنة وإن كان في المسألة أوجه جائز غيرها وفيه فتوى التلميذ بحضرة أستاذه عند السلطان وغيره وفيه جواز الذهاب من العالم إلى السلطان سواء كان جائرا أو غير جائر لأجل إرشاده إياه إلى الخير

(9/302)


وإيقافه على ما لا يعلم من السنة وفيه صياح العالم عندما كان السلطان فيه ليسرع إليه في الإجابة وفيه أن السلطان أو نائبه يعمل في الدين بقول أهل العلم ويرجع إلى قولهم وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس وفيه احتمال المفسدة القليلة لتحصيل المصلحة الكبيرة يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به وفيه الخطبة فعند أبي حنيفة يخطب خطبتين بعد الزوال وبعد الأذان قبل الصلاة كخطبة الجمعة ولو خطب قبل الزوال جاز وعند أصحابنا في الحج ثلاث خطب أولها في اليوم السابع من ذي الحجة وهو قبل يوم التروية بيوم يعلم الناس فيها الخروج إلى منى والثانية يوم عرفة وهو التاسع من الشهر يعلم الناس فيها ما يجب من الوقوف بمزدلفة ورمي الجمار والنحر وطواف الزيارة والثالثة بمنى بعد يوم النحر وهو الحادي عشر من الشهر يحمد الله ويشكره على ما وفق من قضاء مناسك الحج ويحض الناس على الطاعات ويحذرهم عن اكتساب الخطايا فيفصل بين كل خطبتين بيوم وقال زفر يخطبها في ثلاثة أيام متواليات يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر وعند الشافعي في الحج أربع خطب مسنونة إحداها بمكة يوم السابع والثانية يوم عرفة والثالثة يوم النحر بمنى والرابعة يوم النفرالأول بمنى وعند مالك ثلاث خطب الأولى يوم السابع بمكة بعد الظهر خطبة واحدة ولا يجلس فيها الثانية بعرفات بعد الزوال بجلسة في وسطها والثالثة في اليوم الحادي عشر وعند أحمد كذلك ثلاث خطب ولا خطبة في اليوم السابع بمكة بل يخطب بعرفات بعد الزوال ثم يخطب بمنى يوم النحر في أصح الروايتين ثم كذلك ثاني أيام منى بعد الظهر وقال ابن حزم خطب رسول الله يوم الأحد ثاني يوم النحر وهو مذهب أبي حنيفة أيضا وهو يوم النفر وفيه حديث في ( سنن أبي داود ) وآخر في ( مسند أحمد ) والدارقطني وقال ابن حزم وقد روى أيضا أنه خطبهم يوم الإثنين وهو يوم الأكارع وأوصى بذوي الأرحام خيرا قال ابن قدامة وروي عن أبي هريرة أنه كان يخطب العشر كله وروي عن ابن الزبير كذلك رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه )
88 -
( باب الوقوف على الدابة بعرفة )
أي هذا باب في بيان الوقوف راكبا على الدابة في عرفة
1661 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي النضر ) عن ( عمير ) مولى ( عبد الله ابن العباس ) عن أم ( الفضل بنت الحارث ) أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه
مطابقته للترجمة في قوله وهو واقف على بعيره وقد مضى الحديث قبل هذا الباب ببابين فإنه أخرجه هناك علي بن عبد الله عن سفيان عن الزهري عن سالم إلى آخره وهنا عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي النضر بسكون الضاد المعجمة وهو سالم بن أبي أمية إلى آخره فانظر التفاوت بينهما في المتن والسند ولكن الحاصل واحد
قوله عن عمير بضم العين وذكر هناك أنه مولى عبد الله بن عباس وفي ذاك الباب قال مولى أم الفضل ووجهه أنه إما كان مولى لهما جميعا أو كان مولى لأم الفضل ونسب إلى عبد الله مجازا أو بالعكس واسم أم الفضل لبابة وقد مر هناك قوله فأرسلت بلفظ التكلم وبلفظ الغيبة كما في ذاك الباب كذلك في قوله فبعثت
واختلف أهل العلم أن الركوب أفضل أو تركه بعرفة فذهب الجمهور إلى أن الركوب أفضل لكونه وقف راكبا ولأن في الركوب عونا على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب هناك وفيه قوة وهو ما اختاره مالك والشافعي وعنه قول إنهما سواء وفيه أن الوقوف على ظهر الدابة مباح إذا كان بالمعروف ولم يجحف بالدابة والنهي الوارد لا تتخذوا ظهورها منابر محمول على الأغلب الأكثر بدليل هذا الحديث وقال ابن التين من سهل عليه بذل المال وشق عليه المشي فمشيه أكثر أجرا له ومن شق عليه

(9/303)


بذله وسهل عليه المشي فركوبه أكثر أجرا له وهذا على اعتبار المشقة في الأجور
98 -
( باب الجمع بين الصلاتين بعرفة )
أي هذا باب في بيان جواز الجمع بين الصلاتين أي الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة ولم يبين الحكم اكتفاء بما في حديث الباب أو لمكان الخلاف فيه فإن مالكا والأوزاعي قالا يجوز الجمع بعرفة والمزدلفة لكل أحد وهو وجه للشافعية وقول أبي يوسف ومحمد وعند أبي حنيفة لا يجمع بينهما إلا من صلاها مع الإمام وهو مذهب النخعي والثوري وعند الشافعي ومالك وأحمد سبب هذا الجمع السفر حتى لا يجوز لأهل مكة ولا لمن كان مقيما هناك أن يجمع وفي ( الروضة ) أما الحجاج من أهل الآفاق فيجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء وذلك الجمع بسبب السفر على المذهب الصحيح وقيل بسبب النسك فإن قلنا بالأول ففي جمع المكي قولان لأن سفره قصير ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفي بمزدلفة لأنه وطنه وهل يجمع كل واحد منهما بالبقعة الأخرى فيه القولان كالمكي وإن قلنا بالثاني جاز الجمع لجميعهم ومن الأصحاب من يقول في جمع المكي قولان الجديد منعه والقديم جوازه وعلى القديم في العرفي والمزدلفي وجهان والمذهب جمعهم على الإطلاق وحكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الأسفار ويتخير في التقديم والتأخير والاختيار التقديم بعرفة والتأخير بمزدلفة
وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا فاتته الصلاة مع الإمام جمع بينهما
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن فيه الجمع بين الصلاتين وهذا تعليق وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال حدثنا الحوضي عن همام أن نافعا حدثه أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله وأخرجه الثوري في ( جامعه ) برواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه
وقال الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سالم أن الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير رضي الله تعالى عنهما سأل عبد الله رضي الله تعالى عنه كيف تصنع في الموقف يوم عرفة فقال سالم إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة فقال عبد الله بن عمر صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة فقلت لسالم أفعل ذلك رسول الله فقال سالم وهل تتبعون في ذالك إلا سنته مطابقته للترجمة في قوله كانوا يجمعون بين الظهر والعصر والليث هو ابن سعد وعقيل بضم العين ابن خالد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وسالم هو ابن عبد الله بن عمر وهذا تعليق وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح جميعا عن الليث
قوله عام نزل بابن الزبير وهو عبد الله بن الزبير وكان نزوله في سنة ثلاث وسبعين قوله سأل عبد الله أي سأل الحجاج عبد الله بن عمر قوله فهجر أمر من التهجير أي صل بالهاجرة وهي شدة الحر قوله في السنة بضم السين وتشديد النون أي سنة النبي ومحل هذه نصب على الحال من فاعل يجمعون أي متوغلين في السنة إنما قال ذلك تعريضا بالحجاج وقال الكرماني ما وجه مطابقة كلام عبد الله لكلام ولده سالمثم أجاب بقوله لعله أراد من الصلاة صلاة الظهر والعصر كليهما فكأنه أمر بتهجير الصلاتين فصدقه عبد الله في ذلك قوله فقلت لسالم القائل هو ابن شهاب قوله أفعل ذلك الهمزة فيه للاستفهام قوله وهل تتبعون بتشديد التاء المثناة من فوق وكسر الباء الموحدة بعدها عين مهملة من الاتباع هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني تبتغون بفتح التائين المثناتين من فوق بينهما باء موحدة وبالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب قوله في ذلك أي في ذلك الفعل وفي رواية

(9/304)


الحموي بحذف كلمة في وهي مقدرة ويروى بذلك وقال الكرماني أي في الجمع أو التهجير
09 -
( باب قصر الخطبة يوم عرفة )
أي هذا باب في بيان قصر الخطبة في يوم عرفة
3661 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وأنا معه حين زاغت الشمس أو زالت فصاح عند فسطاطه أين هاذا فخرج إليه فقال ابن عمر فقال الآن قال نعم قال أنظرني أفيض علي ماء فنزل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي فقلت إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف فقال ابن عمر صدق
( انظر الحديث 0661 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فاقصر الخطبة وهذا الحديث قد مضى عن قريب في باب التهجير بالرواح يوم عرفة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك وهنا عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
قوله أن يأتم أي يقتدى قوله زاغت أي مالت قوله أو زالت شك من الراوي قوله عند فسطاطه وهو بيت من شعر وفيه لغات تقدمت قوله أفيض هو استئناف كلام ويروى أفض بالجزم لأنه جواب الأمر قوله إن كنت تريد الخطاب للحجاج ويروي لو كنت فكلمة لو على هذه بمعنى أن يعني لمجرد الشرطية بدون ملاحظة الامتناع فافهم
( باب التعجيل إلى الموقف )
هكذا وقع هذا الباب بهذه الترجمة عند الأكثرين بغير حديث فيه وسقط من رواية أبي ذر أصلا وقال الكرماني واعلم أنه وقع في بعض النسخ هنا زيادة وهو باب التعجيل إلى الموقف وقال أبو عبد الله يراد في هذا الباب هم هذا الحديث حديث مالك عن ابن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادا أقول هذا تصريح من البخاري بأنه لم يعد حديثا في هذا الجامع ولم يكرر شيئا منه وما اشتهر أن نصفه تقريبا مكرر فهو قول إقناعي على سبيل المسامحة وأما عند التحقيق فهو لا يخلو إما من تقييد أو إهمال أو زيادة أو نقصان أو تفاوت في الإسناد ونحوه وكلمة هم بفتح الهاء وسكون الميم قيل إنها فارسية وقيل عربية ومعناها قريب من معنى لفظ أيضا انتهى قلت أراد بقوله وقال أبو عبد الله البخاري نفسه لأن كنيته أبو عبد الله قوله هذا الحديث أراد به حديث مالك الذي رواه عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهو الذي رواه البخاري من طريقين أحدهما طريق عبد الله بن يوسف والآخر طريق عبد الله بن مسلمة كلاهما عن مالك وقوله معادا أي مكررا وحاصل هذا الكلام أنه قال زيادة الحديث المذكور وكانت مناسبة أن تدخل في هذا الباب أعني باب التعجيل إلى الموقف ولكني ما أدخلته فيه لأني لا أدخل فيه مكررا وكأنه لم يظفر بطريق آخر فيه غير الطريقين المذكورين فلذلك لم يدخله وهذا يدل على أنه لا يعيد حديثا ولا يكرره في هذا الكتاب إلا لفائدة من جهة الإسناد أو من جهة المتن قال وإن وقع شيء خارج من ذلك يكون اتفاقيا لا قصدا ومع ذلك فهو نادر قليل الوقوع وأما قول الكرماني وكلمة هم إلى آخره فهو تصرف من عنده تصرف فيها حين وقف على النسخة التي قال فيها وقع في بعض النسخ ونقل عنها أنه قال هم هذا الحديث والظاهر أنه وقع منه هذه اللفظة في كلامه من غير قصد فنقل منه على هذا الوجه وأن هذه اللفظة فارسية وليست بعربية والله تعالى أعلم

(9/305)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء العاشر
ملتقى أهل الحديث
عمدةالقاري ( 10 )
بسم الله الرحمان الرحيم
19 -
( باب الوقوف بعرفة )
أي هذا باب في بيان أن الوقوف إنما يكون بعرفة دون غيرها من المواضع وذلك أن قريشا كانوا يقولون نحن أهل الله فلا نخرج من الحرم وكان غيرهم يقفون بعرفة وعرفة خارج الحرم فبين الله تعالى في قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( البقرة 991 ) إن الإفاضة إنما تكون من موقف عرفة الذي كان يقف فيه سائر الناس دون غيره من موقف قريش عند المشعر الحرام وكانوا يقولون عزتنا بالحرم وسكنانا فيه ونحن جيران الله فلا نرى الخروج عنه إلى الحل عند وقوفنا في الحج فلا نفارق عزنا وما حرم الله تعالى به أموالنا ودماءنا وكانت طوائف العرب يقفون في موقف إبراهيم من عرفة وكان وقوف النبي أيضا في موقف إبراهيم قبل أن ينزل عليه الوحي توفيقا من الله تعالى له على ذلك
4661 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( عمرو ) قال حدثنا ( محمد بن جبير ابن مطعم ) عن أبيه قال كنت أطلب بعيرا لي ( ح ) وحدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن عمرو وسمع محمد بن جبير بن مطعم قال أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة فرأيت النبي واقفا بعرفة فقلت هاذا والله من الخمس فما شأنه هاهنا
مطابقته للترجمة في قوله فرأيت النبي واقفا بعرفة
ذكر رجاله وهم ستة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني سفيان بن عيينة الثالث عمرو بن دينار الرابع محمد بن جبير بن مطعم الخامس حبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء ابن مطعم بضم الميم إسم فاعل من الإطعام ابن عدي ابن نوفل القرشي النوفلي الصحابي رضي الله تعالى عنه السادس مسدد بن مسرهد والكل قد ذكروا
ذكر لطائف إسناده فيه إسنادان أحدهما عن علي بن عبد الله وفيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد والآخر عن مسدد فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه القول
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج عن أبي بكر وعمرو الناقد وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة
ذكر معناه قوله أضللت بعيرا لي هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أضللت بعيرا بدون كلمة لي يقال أضله إذا أضاعه وقال ابن السكيت أضللت بعيري إذا ذهب منك قوله يوم عرفة أي في يوم عرفة فإن قلت إضلاله بعيره كان في يوم عرفة أو طلبه قلت طلبه كان في يوم عرفة فإن جبير بن مطعم إنما جاء إلى عرفة ليطلب بعيره لا ليقف بها ويؤيد هذا ما رواه الحميدي في مسنده أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة

(10/2)


ومن طريقه رواه أبو نعيم قوله فقلت قائله جبير وأشار بقوله هذا إلى النبي حين رآه واقفا بعرفة فقال هذا والله من الحمس يعني هو من الحمس بضم الحاء المهملة وسكون الميم وفي آخره سين مهملة جمع الأحمس وفي اللغة الأحمس الشديد والمشدد على نفسه في الدين يسمى أحمس والحماسة الشدة في كل شيء قاله ابن سيده ويقال له المتحمس أيضا وفي ( الصحاح ) حمس بالكسر فهو حمس وأحمس بين الحمس وفي ( الموعب ) عن ابن دريد الحمس بالفتح التشدد في الأمر وبه سميت قريش وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة وقوم من كنانة وقال غيره الحمس قريش ومن ولدت من غيرها وقيل قريش ومن ولدت وأحلافها وقيل قريش ومن ولدت من قريش وكنانة وجديلة قيس وكانوا إذا أنكحوا امرأة منهم غريبا اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم ودخل في هذا الاسم من غير قريش ثقيف وليث بن بكر وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة وقال ابن إسحاق وكانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس رأيا رأوه فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج إلا أنهم قالوا نحن أهل الحرم نحن الحمس والحمس أهل الحرم قالوا ولا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط ولا يسلوا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيتا من شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما ثم قالوا لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاؤا به معهم من الحل إلى الحرم إذا جاؤا حجاجا أو عمارا ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس وقال السهيلي كانوا ذهبوا في ذلك مذهب الترهب والتأله فكانت نساؤهم لا ينسجن الشعر ولا الوبر وعن إبراهيم الحربي في ( غريب الحديث ) كانوا أي قريش إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحما وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم وروي عنه أيضا سموا الكعبة بحمساء لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد قوله فما شأنه هذا تعجب من جبير بن مطعم وإنكار منه لما رأى النبي واقفا بعرفة فقال هو من الحمس فما باله يقف بعرفة والحمس لا يقفون بها لأنهم لا يخرجون من الحرم وقال الكرماني وقفة رسول الله بعرفة كانت سنة عشر وجبير بن مطعم كان مسلما لأنه أسلم يوم الفتح بل عام خيبر فما وجه سؤاله إنكارا أو تعجبا ثم أجاب بقوله لعله لم يبلغ إليه في ذلك الوقت قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( البقرة 991 ) أولم يكن السؤال ناشئا عن الإنكار والتعجب بل أراد به السؤال عن حكمة المخالفة عما كانت الحمس عليه أو كان لرسول الله وقفة بها قبل الهجرة انتهى قلت حج رسول الله قبل النبوة وبعدها غير مرة وأما بعد الهجرة فلم يحج إلا مرة واحدة وروى ابن خزيمة وإسحاق بن راهويه من طريق ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عثمان عن أبي سليمان عن عمه نافع بن جبير عن أبيه قال كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف بعرفة قال فرأيت رسول الله في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا ولفظ يونس بن بكير عن ابن إسحاق في المغازي مختصرا وفيه رأيت رسول الله قائما مع الناس قبل أن ينزل عليه الوحي توفيقا من الله تعالى له وأخرجه إسحاق أيضا عن الفضل بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء عن جبير بن مطعم قال أضللت حمارا لي في الجاهلية فوجدته بعرفة فرأيت رسول الله واقفا بعرفات مع الناس فلما أسلمت عرفت أن الله وفقه لذلك
5661 - حدثنا ( فروة بن أبي المغراء ) قال حدثنا ( علي بن مسهر ) عن ( هشام بن عروة ) قال عروة كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت وكانت الحمس يحتبسون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم يعطه الحمس طاف بالبيت عريانا وكان يفيض جماعة الناس من عرفات ويفيض الحمس من جمع قال وأخبرني أبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن هذه الآية نزلت في الحمس

(10/3)


ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال كانوا يفيضون من جمع فدفعوا إلى عرفات
( الحديث 5661 - طرفه في 0254 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( البقرة 991 ) لأن الأمر بالإفاضة من حيث أفاض الناس لا يكون إلا بعد الوقوف بعرفة فصاروا مأمورين بالوقوف في عرفة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول فروة بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد مر في آخر الجنائز الثاني علي بن مسهر بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء قاضي الموصل مر في باب مباشرة الحائض الثالث هشام بن عروة وقد تكرر ذكره الرابع عروة بن الزبير الخامس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وابن مسهر كوفيان وأن هشاما وأباه عروة مدنيان وفيه أن من قوله قال عروة إلى قوله وأخبرني موقوف ومن قوله وأخبرني إلى آخره متصل وفيه قال عروة وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه
ذكر معناه قوله عراة جمع عار كقضاة جمع قاض وانتصابه على الحال من الضمير الذي في يطوفون وقد مر تفسير الحمس عن قريب قوله وما ولدت أي وأولادهم واختار كلمة ما على كلمة من لعمومه وقيل المراد به والدهم وهو كنانة لأن الصحيح أن قريشا هم أولاد النضر بن كنانة وزاد معمر هنا وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة وعن مجاهد أن منهم أيضا عدوان وغيرهم قوله ويحتسبون أي يعطون الناس الثياب حسبة لله تعالى قوله يفيض أصله من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة وقال الزمخشري أفضتم دفعتم من كثرة الماء قوله جماعة الناس أي غير الحمس قوله من عرفات هو علم للموقف وهو منصرف إذ لا تأنيث فيها قاله الكرماني والتحقيق فيه ما قاله الزمخشري فإن قلت هلا منعت الصرف وفيه السببان التعريف والتأنيث قلت لا يخلو التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنييث فأبت تقديرها انتهى وسميت عرفات بهذا الإسم إما لأنها وصفت لإبراهيم عليه الصلاة و السلام فلما بصرها عرفها أو لأن جبريل عليه الصلاة و السلام حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها فقال قد عرفت أو لأن آدم عليه الصلاة و السلام هبط من الجنة بأرض الهند وحواء عليها السلام بجذة فالتقيا ثمة فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون بها أو لأن إبراهيم عرف حقيقة رؤياه في ذبح ولده ثمة أو لأن الخلق يعترفون فيها بذنوبهم أو لأن فيها جبالا والجيال هي الأعراف وكل عال فهو عرف قوله من جمع بفتح الجيم وسكون الميم هي المزدلفة وسمي به لأن آدم عليه الصلاة و السلام اجتمع فيها مع حواء عليها السلام وازدلف إليها أي دنا منها أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين وأهلها يزدلفون أي يتقربون إلى الله تعالى بالوقوف فيها قلت أصلها مزتلفة لأنها من زلف فقلبت التاء دالا لأجل الزاي قوله قال وأخبرني أبي أي قال هشام وأخبرني أبي عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قوله إن هذه الآية أي قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( البقرة 991 ) واختلف أهل التفسير في هذه الآية فقال الضحاك يريد إبراهيم عليه السلام يعني يريد من الناس إبراهيم عليه الصلاة و السلام ويؤيد ما رواه الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد ابن شيبان قال أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف مكانا يباعده عمرو فقال إن رسول الله يقول كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه الصلاة و السلام وقال حديث حسن صحيح واسم ابن مربع زيد وقيل يزيد وقيل عبد الله بن مربع بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وفي آخره عين مهملة ويزيد بن شيبان أزدي وله صحبة قوله كونوا على مشاعركم أي على مواضع المناسك وفي رواية أبي داود قفوا على مشاعركم وفي رواية حسين بن عقيل عن الضحاك من حيث أفاض الناس أي الإمام وقيل آدم عليه الصلاة و السلام

(10/4)


ويؤيده قراءة الناس وهو آدم عليه السلام من قوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ( طه 511 ) وقيل من حيث أفاض الناس ( البقرة 991 ) أي سائر الناس غير الحمسن وقال ابن التين وهو الصحيح وقال الزمخشري فإن قلت فكيف موقع ثم يعني في قوله ثم أفيضوا ( البقرة 991 ) لأن ثم تقتضي المهلة قال تعالى فاذكروا الله عند المشعر الحرام ( البقرة 991 ) ثم قال ثم أفيضوا ( البقرة 991 ) والإفاضة من عرفات قبل المجيء إلى المشعر الحرام وأجاب الزمخشري بأن موقع ثم نحو موقعها في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم تأتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعدما بينهما فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال ثم أفيضوا ( البقرة 991 ) لتفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والثانية خطأ وأجاب غيره بأن ثم بمعنى الواو واختاره الطحاوي وقيل لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب والمعنى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون وقال الخطابي تضمن قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( البقرة 991 ) الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عن اجتماع قبله قوله فدفعوا إلى عرفات بلفظ المجهول أي أمروا بالذهاب إلى عرفات حيث قيل لهم ثم أفيضوا وفي رواية الكشميهني فرفعوا بالراء وفي رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام رجعوا إلى عرفات والمعنى أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها
ذكر ما يستفاد منه فيه الوقوف بعرفة وهو من أعظم أركان الحج ثبت ذلك بفعل النبي وقوله أما فعله فروى الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا زكرياء بن إسحاق أخبرنا إبراهيم بن ميسرة أنه سمع يعقوب بن عاصم بن عروة يقول سمعت الشريد يقول أشهد لوقفت مع رسول الله بعرفات قال فما مست قدماه اورض حتى أتى جمعا والشريد بفتح الشين المعجمة وكسر الراء ابن سويد الثقفي وقال الطبري حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن ربيعة عن أبيه رجل من قريش قال رأيت النبي يقف بعرفة موضعه الذي رأيته يقف فيه في الجاهلية وأما قوله فرواه الترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال وقف رسول الله بعرفة فقال هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف الحديث
وروى ابن حبان في ( صحيحه ) من حديث جبير بن مطعم قال قال رسول الله كل عرفات موقف فارفعوا عن عرنة وكل مزدلفة موقف فارفعوا عن محسر وكل أيام منى منحر وفي كل أيام التشريق ذبح وفي هذه الأحاديث تعيين عرفة للوقوف وأنه لا يجزي الوقوف بغيرها وهو قول أكثر أهل العلم وحكى ابن المنذر عن مالك أنه يصح الوقوف بعرنة بضم العين والنون والحديث المذكور حجة عليه وحد عرفة ما رواه الأزرقي في ( تاريخ مكة ) بإسناده إلى ابن عباس قال حد عرفة من قبل المشرق على بطن عرنة إلى جبال عرنة إلى وصيق إلى ملتقى وصيق إلى وادي عرنة ووصيق بفتح الواو وكسر الصاد المهملة بعدها ياء آخر الحروف وفي آخره قاف وقال الشافعي في ( الأوسط ) من مناسكه وعرفة ما جاوز بطن عرنة وليس الوادي ولا المسجد منها إلى الجبال المقابلة مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن وما جاوز ذلك فليس بعرفة و الحضن بفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة المفتوحتين وابن عامر هو عبد الله بن عامر بن كريز وكان له حائط نخل وكان فيها عين قال المحب الطبري وهو الآن خراب وقال ابن بطال اختلفوا إذا دفع من عرفة قبل غروب الشمس ولم يقف بها ليلا فذهب مالك إلى أن الاعتماد في الوقوف بعرفة على الليل من ليلة النحر والنهار من يوم عرفة تبع فإن وقف جزأ من الليل أي جزء كان قبل طلوع الفجر من يوم النحر أجزأه وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي الاعتماد على النهار من يوم عرفة من وقت الزوال والليل كله تبع فإن وقف جزأ من النهار أجزأه وإن وقف جزأ من الليل أجزأه إلا أنهم يقولون إن وقف جزأ من النهار بعد الزوال دون الليل كان عليه دم وإن وقف جزأ من الليل دون النهار لم يجب عليه دم وذهب أحمد بن حنبل إلى أن الوقوف من حين طلوع الفجر من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة النحر فسوى بين أجزاء الليل وأجزاء النهار وقال ابن قدامة وعلى من دفع قبل الغروب دم في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال ابن جريج عليه بدنة وقال الحسن بن أبي الحسن عليه هدي من الإبل فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهارا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه

(10/5)


فإن قلت روى نافع عن ابن عمر أنه قال من لم يقف بعرفة ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج وعن عروة بن الزبير مثله ورفعه ابن عمر مرة
من فاته عرفات بليل فقد فاته الحج وعن عمرو بن شعيب رفعه قال من جاوز وادي عرفة قبل أن تغيب الشمس فلا حج له وعن معمر عن رجل عن سعيد بن جبير رفعه إنا لا ندفع حتى تغرب الشمس يعني من عرفات قلت ابن حزم ضعف هذه كلها ووهاها وعن عروة بن مضرس الطائي مرفوعا من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والله تعالى أعلم
29 -
( باب السير إذا دفع من عرفة )
أي هذا باب في بيان صفة السير إذا دفع من عرفة يعني إذا انصرف منها وتوجه إلى المزدلفة وفي بعض النسخ من عرفات قال الفراء عرفات اسم في لفظ الجمع ولا واحد له وقول الناس نزلنا عرفة شبيه بالمولد وليس بعربي محض
6661 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه أنه قال سئل أسامة وأنا جالس كيف كان رسول الله يسير في حجة الوداع حين دفع قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص
مطابقته للترجمة في قوله كان يسير العنق فإنه صفة سيره إذا دفع من عرفة وعن قريب يأتي تفسيره
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن أبي موسى وفي المغازي عن مسدد كلاهما عن يحيى ابن سعيد وأخرجه مسلم في المناسك عن أبي الربيع الزهراني وقتيبة كلاهما عن حماد بن زيد وعن أبي بكر عن عبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير وحميد بن عبد الرحمن وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم وعن عبد الله بن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد الطنافسي وعمرو بن عبد الله الأودي
ذكر معناه قوله سئل أسامة وهو أسامة بن زيد بن حارثة حب رسول الله ومولاه سمع النبي وتوفي في آخر خلافة معاوية قوله وأنا جالس الواو فيه للحال وفي رواية النسائي من طريق عبد الرحمن ابن القاسم عن مالك وأنا جالس معه وفي رواية مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام عن أبيه سئل أسامة وأنا شاهد أو قال سألت أسامة بن زيد قوله في حجة الوداع سميت به لأنه ودع الناس فيها وقال لا ألقاكم بعد عامي هذا وغلط من كره تسميتها بذلك وتسمى البلاغ أيضا لأنه قال فيها هل بلغت وحجة الإسلام لأنها التي حج فيها بأهل الإسلام ليس فيها مشرك قوله حين دفع أي من عرفات أي انصرف منها إلى المزدلفة وفي رواية يحيى بن يحيى وغيره عن مالك في ( الموطأ ) حين دفع من عرفة قوله العنق بفتح العين المهملة وفتح النون وفي آخره قاف قال في ( الموعب ) لابن التياني هو سير مسبطر وقال معمر هو أدنى المشي وهو أن يرفع الفرس يده ليس يرفع هملجة ولا هرولة وفي ( التهذيب ) للأزهري العنق والعنيق ضرب من السير وقد أعنقت الدابة وقال ابن سيده فهي معنق ومعناق وعنيق وفي ( المخصص ) عن الأصمعي من المشي العنق وهو أوله وقال القزاز ولم يقولوا عنقه وفي ( كتاب الاحتفال ) لابن أبي خالد في صفات الخيل ومن أنواع سير الإبل والدواب العنق وهو سير سهل مسبطر تمد فيه الدابة عنقها للاستعانة وهو دون الإسراع وفي ( المجمل ) هو نوع من سير الدواب طويل قوله فإذا وجد فجوة الفجوة والفجواء ممدود قال ابن سيده هو ما اتسع من الأرض وقيل ما اتسع منها وانخفض وقال النووي رواه بعضهم في ( الموطأ ) بضم الفاء وفتحها ورواه أبو مصعب ويحيى بن بكير وغيرهما عن مالك بلفظ فرجة بضم الفاء وسكون الراء وهو بمعنى الفجوة قوله نص فعل ماض وفاعله النبي أي أسرع وفي ( كتاب الاحتفال ) النص والنصيص في السير أن تسار الدابة أو البعير سيرا شديدا حتى تستخرج أقصى ما عنده ونص كل شيء منتهاه

(10/6)


وقال أبو عبيد النص أصله منتهى الأشياء وغايتها ومبلغ أقصاها وقال ابن بطال تعجيل الدفع من عرفة والله أعلم إنما هو لضيق الوقت لأنهم إنما يدفعون من عرفة إلى المزدلفة عند سقوط الشمس وبين عرفة والمزدلفة نحو ثلاثة أميال وعليهم أن يجمعوا المغرب والعشاء بالمزدلفة وتلك سنتها فتعجلوا في السير لاستعجال الصلاة وقال الطبري الصواب في صفة السير في الإفاضتين جميعا ما صحت به الآثار إلا في وادي محسر فإنه يوضع لصحة الحديث بذلك فلو أوضع أحد في موضع العنق أو العكس لم يلزمه شيء لإجماع الجمع على ذلك غير أنه يكون مخطئا طريق الصواب قلت أشار بقوله لصحة الحديث إلى ما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه رواه الترمذي فقال حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع وبشر بن السري وأبو نعيم قالوا حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي أوضع في وادي محسر الحديث وقال أبو عيسى حديث حسن صحيح قوله أوضع أي أسرع السير من الإيضاع وهو السير السريع ومفعول أوضع محذوف أي أوضع راحلته لأن الرباعي متعد والقاصر منه ثلاثي قال الجوهري وضع البعير وغيره أي أسرع في سيره
وفيه من الفوائد أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله في جميع حركاته وسكونه ليقتدوا به في ذلك
قال هشام والنص فوق العنق
هو هشام بن عروة الراوي وهذا تفسير منه وكذا رواه مسلم من رواية حميد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة قال هشام والنص فوق العنق وأدرجه يحيى القطان في الذي رواه البخاري في الجهاد قال حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال أخبرني أبي قال سئل أسامة بن زيد كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني عن مسير النبي في حجة الوداع قال فكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص والنص فوق العنق وكذا أدرجه سفيان فيما أخرجه النسائي وعبد الرحيم بن سليمان ووكيع فيما أخرجه ابن خزيمة كلهم عن هشام وقد رواه عن إسحاق في ( مسنده ) عن وكيع ففصله وجعل التفسير من كلام وكيع وكذا رواه ابن خزيمة من طريق سفيان ففصله وجعل التفسير من كلام سفيان وسفيان ووكيع إنما أخذا التفسير المذكور عن هشام فرجع التفسير إليه وقد رواه أكثر رواة ( الموطأ ) عن مالك فلم يذكر التفسير ولذلك رواه أبو داود الطيالسي من طريق حماد بن سلمة ومسلم من طريق حماد بن زيد كلاهما عن هشام
فجوة متسع والجمع فجوات وفجاء وكذلك ركوة وركاء مناص ليس حين فرار
فسر البخاري الفجوة بقوله متسع وأبو عبد الله هو كنية البخاري وذكر أيضا أن جمع فجوة يأتي على مثالين أحدهما فجوات بفتحتين والآخر فجاء بكسر الفاء ومثل لذلك بقوله وكذا ركوة وركاء فإن ركوة على وزن فجوة وركاء الذي هو جمع على وزن فجاء قوله مناص ليس حين فرار لم يثبت في كثير من النسخ وأما وجه المذكور من ذلك أنه إنما ذكره لدفع وهم من يتوهم أن المناص والنص من باب واحد وأن أحدهما مشتق من الآخر وليس كذلك فإن النص مضعف وحروفه صحاح والمناص من باب المعتل العين الواوي لأنه من النوص قال الفراء النوص التأخر ويقال ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا أي فر وزاغ وقال الجوهري قال الله تعالى ولات حين مناص ( ص 3 ) أي ليس وقت تأخر وفرار والذي يظهر أن أبا عبد الله هو الذي وهم فيه فظن أن مادة نص ومناص واحدة فلذلك ذكره والأولى أن يعتمد على النسخة التي لم يذكر هذا فيها ويبعد الشخص من نسبة الوهم إليه أو إلى غيره
39 -
( باب النزول بين عرفة وجمع )
أي هذا باب في بيان نزول الحاج بين عرفة وجمع وهو المزدلفة لقضاء حاجته أي حاجة كانت وليس هذا من المناسك
7661 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن موسى بن عقبة عن

(10/7)


كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي حيث أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى حاجته فتوضأ فقلت يا رسول الله أتصلي فقال الصلاة أمامك
مطابقته للترجمة في قوله مال إلى الشعب فقضى حاجته لأن معناه نزل هناك وهو بين عرفة وجمع على ما نذكره إن شاء الله تعالى ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وروايته عن ( موسى بن عقبة ) من رواية الأقران لأنهما تابعيان صغيران وقد حمله موسى عن ( كريب ) فصار في الإسناد ثلاثة من التابعين
والحديث أخرجه في كتاب الوضوء في باب إسباغ الوضوء عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن عقبة إلى آخره بأتم منه وأطول ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
قوله حيث أفاض وفي رواية أبي الوقت حين أفاض وهي أصوب لأنه ظرف زمان وحيث ظرف مكان قوله إلى الشعب بكسر الشين المعجمة وهو الطريق بين الجبلين قوله فقضى حاجته أي استنجى قوله أتصلي بهمزة الاستفهام ويروى بدون الهمزة ولكنها مقدرة قوله الصلاة أمامك بفتح الهمزة أي الصلاة في هذه الليلة مشروعة فيما بين يديك أي في المزدلفة ويجوز في لفظ الصلاة الرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء وخبره محذوف تقديره الصلاة حاضرة أو حانت أمامك وأما النصب فبفعل مقدر
8661 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جويرية عن نافع قال كان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يجمع بين المغرب والعشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله فيدخل فينتفض ويتوضأ ولا يصلي حتى يصلي بجمع
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله غير أنه يمر بالشعب فيدخل فينتفض و ( موسى بن إسماعيل ) أبو سلمة المنقري التبوذكي و ( جويرية ) تصغير جارية ابن أسماء الضبعي البصري
قوله بجمع هو المزدلفة قوله غير أنه يمر هذا في معنى الاستثناء المنقطع أي بجمع لكن بهذا التفصيل من المرور بالشعب وما بعده لا مطلقا قوله الذي أخذه رسول الله يصلي أي قوله فينتفض بفاء وضاد معجمة من الانتفاض وهو كناية عن قضاء الحاجة معناه يستنجي ثم يتوضأ ولا يصلي شيئا حتى يصلي بجمع
9661 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( محمد بن أبي حرملة ) عن ( كريب ) مولى ( ابن عباس ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله تعالى عنهما أنه قال ردفت رسول الله من عرفات فلما بلغ رسول الله الشعب الأيسر الذي دون المزدلفه أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء توضأ وضوءا خفيفا فقلت الصلاة يا رسول الله قال الصلاة أمامك فركب رسول الله حتى أتى المزدلفة فصلى ثم ردف الفضل رسول الله غداة جمع قال كريب فأخبرني عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الفضل أن رسول الله لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة
مطابقته للترجمة في قوله فلما بلغ رسول الله الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال والإناخة والبول لا يكونان إلا بالنزول وكان ذلك بين عرفة وجمع
ذكر رجاله وهم سبعة الأول قتيبة بن سعيد الثاني إسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري مولى زريق المؤدب مات سنة ثمانين ومائة الثالث محمد بن أبي حرملة بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفتح الميم ولا يعرف اسمه وهو مولى إلى حويطب وكان خصيف يروي عنه فيقول حدثني محمد بن حويطب فذكر ابن حبان أن خصيفا كان ينسبه إلى جده وإليه وذكر في ( رجال الصحيحين ) محمد بن أبي حرملة القرشي

(10/8)


يكنى أبا عبد الله مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزي قال الواقدي مات في أول خلافة أبي جعفر الرابع كريب بضم الكاف الخامس أسامة بن زيد بن حارثة السادس عبد الله بن عباس السابع الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه بغلاني بغلان بلخ والبقية من الرواة كلهم مدنيون وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وهما عبد الله بن عباس والفضل بن عباس وفيه رواية الأخ عن الأخ وهما المذكوران وفيه ثلاثة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة
ذكر معناه قوله ردفت رسول الله بكسر الدال أي ركبت وراءه قوله أناخ أي راحلته قوله الوضوء بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به قوله توضأ ويروى فتوضا بفاء العطف قوله وضوءا خفيفا إما بأنه توضأ مرة مرة أو بأنه خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته ويؤيد هذا الرواية الأخرى الآتية بعد باب فلم يسبغ الوضوء قوله فقلت الصلاة القائل هو أسامة والصلاة منصوبة بفعل مقدر ويجوز رفعها على تقدير الصلاة حضرت قوله الصلاة أمامك بالوجهين كما ذكرنا في الحديث السابق قوله حتى أتى المزدلفة فصلى أي لم يبدأ بشيء قبل الصلاة وفي رواية مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة ثم سار حتى بلغ جمعا فصلى المغرب والعشاء قوله غداء جمع أي غداة الليلة التي كانت به أي صبح يوم النحر قوله حتى بلغ الجمرة أي جمرة العقبة ويروى حتى بلغ رمي الجمرة
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الركوب حال الدفع من عرفة وفيه جواز الارتداف على الدابة لكن إذا كانت مطيقة وفيه الاستعانة في الوضوء وللفقهاء فيه تفصيل لأن الاستعانة إما أن تكون في إحضار الماء مثلا أو في صبه على المتوضيء أو مباشرة غسل أعضائه فالأول جائز بلا خلاف والثالث مكروه إلا إن كان لعذر واختلف في الثاني والأصح أنه لا يكره لكنه خلاف الأولى وأما الذي وقع من النبي فكان إما لبيان الجواز وهو حينئذ أفضل في حقه أو كان للضرورة وفيه الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وسيأتي الكلام فيه عن قريب لأنه عقد له بابا وفيه التلبية إلى أن يأتي إلى موضع رمي الجمرة وسيأتي بيانه لأنه عقد بابا له
49 -
( باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط )
أي هذا باب في بيان أمر النبي بالسكينة أي الوقار عند الإفاضة من عرفة وشارة النبي إلى أصحابه بالسوط بذلك
1761 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سويد ) قال حدثني ( عمرو بن أبي عمرو ) مولى ( المطلب ) قال أخبرني ( سعيد بن جبير ) مولى والبة الكوفي قال حدثني ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه دفع مع النبي يوم عرفة فسمع النبي وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع
مطابقته للترجمة ظاهرة وللترجمة جزآن أحدهما أمره بالسكينة فيطابقه قوله يا أيها الناس عليكم بالسكينة والآخر إشارته إليهم بالسوط فيطابقه قوله فأشار إليهم بسوطه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سعيد بن أبي مريم وهو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم أبو محمد وقد مر

(10/9)


الثاني إبراهيم بن سويد بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالنون الثالث عمرو بن أبي عمرو بالواو فيهما واسم أبي عمرو ميسرة ضد الميمنة قد مر في كتاب العلم في باب الحرص الرابع سعيد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مولى والبة بكسر اللام وفتح الباء الموحدة الخفيفة بطن من بني أسد قتله الحجاج في سنة خمس وتسعين الخامس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه أن شيخه بصري وإبراهيم وعمرو مدنيان وسعيد كوفي وتكلم في إبراهيم فقال ابن حبان في حديثه مناكير ولكن عند البخاري ثقة وقد تابعه في هذا الحديث سليمان بن بلال عند الإسماعيلي وعمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم
وهذا الحديث من أفراد البخاري
ذكر معناه قوله دفع مع النبي أي انصرف معه من عرفة يوم عرفة قوله زجرا بفتح الزاي وسكون الجيم وفي آخره راء وهو الصياح لحث الإبل قوله وضربا وفي رواية كريمة وصوتا أيضا بعد ضربا وكأنه تصحيف من ضربا فعطف صوتا عليه قوله عليكم بالسكينة إغراء أي لازموا السكينة في السير يعني الرفق وعدم المزاحمة وعلل ذلك بقوله فإن البر أي الخير ليس بالإيضاع أي السير السريع من أوضع إذا سار سيرا عنيفا ويقال هو سير مثل الخبب وقال المهلب إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء علهيم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة
أوضعوا أسرعوا خلالكم من التخلل بينكم وفجرنا خلالهما بينهما
هو من كلام البخاري أشار به إلى تفسير الإيضاع في الحديث لأنه مصدر من أوضع يوضع إضاعا إذا أسرع في السير ولما كانت لفظة أوضعوا مذكورة في القرآن في سورة براءة وهو قوله تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ( التوبة 74 ) الآية والمعنى ما زادوكم إلا شيئا خبالا والخبال الشر والفساد ولأوضعوا خلالكم ولسعوا بينكم بالتضريب وهو الإغراء بين القوم وإفساد ذات البيت وقال الزمخشري والمعنى ولأوضعوا أي أسرعوا ركائبهم لأن الراكب أسرع من الماشي وقرأ ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما ولأرقصوا من رقصت الناقة رقصا إذا أسرعت وأرقصتها أنا وقرىء ولأوفضوا
1761 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سويد ) قال حدثني ( عمرو بن أبي عمرو ) مولى ( المطلب ) قال أخبرني ( سعيد بن جبير ) مولى والبة الكوفي قال حدثني ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه دفع مع النبي يوم عرفة فسمع النبي وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع
مطابقته للترجمة ظاهرة وللترجمة جزآن أحدهما أمره بالسكينة فيطابقه قوله يا أيها الناس عليكم بالسكينة والآخر إشارته إليهم بالسوط فيطابقه قوله فأشار إليهم بسوطه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سعيد بن أبي مريم وهو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم أبو محمد وقد مر الثاني إبراهيم بن سويد بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالنون الثالث عمرو بن أبي عمرو بالواو فيهما واسم أبي عمرو ميسرة ضد الميمنة قد مر في كتاب العلم في باب الحرص الرابع سعيد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مولى والبة بكسر اللام وفتح الباء الموحدة الخفيفة بطن من بني أسد قتله الحجاج في سنة خمس وتسعين الخامس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه أن شيخه بصري وإبراهيم وعمرو مدنيان وسعيد كوفي وتكلم في إبراهيم فقال ابن حبان في حديثه مناكير ولكن عند البخاري ثقة وقد تابعه في هذا الحديث سليمان بن بلال عند الإسماعيلي وعمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم
وهذا الحديث من أفراد البخاري
ذكر معناه قوله دفع مع النبي أي انصرف معه من عرفة يوم عرفة قوله زجرا بفتح الزاي وسكون الجيم وفي آخره راء وهو الصياح لحث الإبل قوله وضربا وفي رواية كريمة وصوتا أيضا بعد ضربا وكأنه تصحيف من ضربا فعطف صوتا عليه قوله عليكم بالسكينة إغراء أي لازموا السكينة في السير يعني الرفق وعدم المزاحمة وعلل ذلك بقوله فإن البر أي الخير ليس بالإيضاع أي السير السريع من أوضع إذا سار سيرا عنيفا ويقال هو سير مثل الخبب وقال المهلب إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء علهيم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة
أوضعوا أسرعوا خلالكم من التخلل بينكم وفجرنا خلالهما بينهما
هو من كلام البخاري أشار به إلى تفسير الإيضاع في الحديث لأنه مصدر من أوضع يوضع إضاعا إذا أسرع في السير ولما كانت لفظة أوضعوا مذكورة في القرآن في سورة براءة وهو قوله تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ( التوبة 74 ) الآية والمعنى ما زادوكم إلا شيئا خبالا والخبال الشر والفساد ولأوضعوا خلالكم ولسعوا بينكم بالتضريب وهو الإغراء بين القوم وإفساد ذات البيت وقال الزمخشري والمعنى ولأوضعوا أي أسرعوا ركائبهم لأن الراكب أسرع من الماشي وقرأ ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما ولأرقصوا من رقصت الناقة رقصا إذا أسرعت وأرقصتها أنا وقرىء ولأوفضوا
59 -
( باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة )
أي هذا باب في بيان الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة
2761 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( كريب ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله تعالى عنهما أنه سمعه يقول دفع رسول الله من عرفة فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما
مطابقته للترجمة في قوله فجاء المزدلفة إلى آخره وقد مر هذا الحديث في كتاب الوضوء في باب إسباغ الوضوء فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك وههنا أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك والتفاوت في الإسناد في شيخيه

(10/10)


فقط وفي المتنين شيء يسير وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله عن كريب عن أسامة قال ابن عبد البر رواه أصحاب مالك عنه هكذا إلا أشهب وابن الماجشون فإنهما أدخلا بين كريب وأسامة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجه النسائي قوله ولم يسبغ الوضوء قال ابن عبد البر أي استنجى به وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه من الوضاءة وهي النظافة ومعنى الإسباغ الإكمال أي لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصلاة قال وقد قيل إن معنى قوله لم يسبغ الوضوء أي لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها وقيل إنه توضأ وضوأ خفيفا وقال القرطبي اختلف الشراح في قوله ولم يسبغ الوضوء هل المراد به اقتصر على بعض الأعضاء فيكون وضوأ لغويا واقتصر على بعض العدد فيكون وضوأ شرعيا قال وكلاهما محتمل لكن يعضد من قال بالثاني قوله في الرواية الأخرى وضوءا خفيفا لأنه لا يقال في الناقص خفيف فإن قلت قول أسامة للنبي الصلاة يدل على أنه رآه أنه توضأ وضوء الصلاة قلت يحتمل أن يكون مراده أتريد الصلاةفلم لم تتوضأ وضوء الصلاة وقال الخطابي إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلي به فلما نزل وأرادها أسبغه فإن قلت هذا يدل على أنه توضأ وضوء الصلاة ولكنه خفف ثم لما نزل توضأ وضوءا آخر وأسبغه والوضوء لا يشرع مرتين لصلاة واحدة قاله ابن عبد البر رحمه الله تعالى قلت لا نسلم عدم مشروعية تكرار الوضوء لصلاة واحدة ولئن سلمنا فيحتمل أنه توضأ ثانيا عن حدث طار والله أعلم
69 -
( باب من جمع بينهما ولم يتطوع )
أي هذا باب في بيان حكم من جمع بين الصلاتين أي المغرب والعشاء ولم يتطوع أي لم يصل تطوعا بين الصلاتين المذكورتين
3761 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال جمع النبي بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على أثر كل واحدة منهما
مطابقته للترجمة ظاهرة صريحا من متنه ورجاله قد ذكروا غير مرة وآدم هو ابن أبي إياس واسم أبي إياس عبد الرحمن أصله من خراسان سكن عسقلان وابن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب واسم أبي ذئب هشام المدني والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب المدني
قوله بجمع بفتح الجيم وهو المزدلفة وقد فسرناه غير مرة قوله ولم يسبح بينهما أي لم يتطوع بين المغرب والعشاء قوله ولا على إثر بكسر الهمزة بمعنى الأثر بفتحتين أي عقيبه
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الحج عن أحمد بن حنبل وعن عثمان بن أبي شيبة وعن مخلد بن خالد وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وفي الصلاة عن إسحاق بن إبراهيم عن وكيع
ذكر ما يستفاد منه فيه الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة وهذا لا خلاف فيه ولكن الخلاف فيه هل هو للنسك أو لمطلق السفر أو للسفر الطويل فمن قال للنسك قال يجمع أهل مكة ومنى وعرفة والمزدلفة ومن قال لمطلق السفر قال يجمعون سوى أهل المزدلفة ومن قال للسفر الطويل قال يتم أهل مكة ومنى وعرفة والمزدلفة وجميع من كان بينه وبينها دون مسافة القصر ويقصر من طال سفره وقال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أنه لا يصلي المغرب دون جمع وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى كأنه أراد العمل عليه مشروعية واستحبابا لا تحتما ولا لزوما فإنهم لم يتفقوا على ذلك بل اختلفوا فيه فقال سفيان الثوري لا يصليهما حتى يأتي جمعا وله السعة في ذلك إلى نصف الليل فإن صلاهما دون جمع أعاد وكذا قال أبو حنيفة إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده فعليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة وقال مالك لا يصليها أحد قبل جمع إلا من عذر فإن صلاهما من عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق وذهب الشافعي إلى أن هذا هو الأفضل وأنه إن جمع بينهما في وقت المغرب أو في وقت العشاء بأرض عرفات أو غيرها أو صلى كل

(10/11)


صلاة في وقتها جاز ذلك وبه قال الأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو يوسف وأشهب وحكاه النووي عن أصحاب الحديث وبه قال من التابعين عطاء وعروة وسالم والقاسم وسعيد بن جبير وفيه أن الإقامة لكل واحدة من المغرب والعشاء
وفيه للعلماء ستة أقوال أحدها أنه يقيم لكل منهما ولا يؤذن لواحدة منهما وهو قول القاسم ومحمد وسالم وهو إحدى الروايات عن ابن عمر وبه قال إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في أحد القولين عنه وهو قول الشافعي وأصحابه فيما حكاه الخطابي والبغوي وغير واحد وقال النووي في ( شرح مسلم ) الصحيح عند أصحابنا أنه يصليهما بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة وقال في الإيضاح إنه الأصح الثاني أن يصليهما بإقامة واحدة للأولى وهو إحدى الروايات عن ابن عمر وهو قول سفيان الثوري فيما حكاه الترمذي والخطابي وابن عبد البر وغيرهم الثالث أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة منهما وهو قول أحمد بن حنبل في أصح قوليه وبه قال أبو ثور وعبد الملك بن الماجشون من المالكية والطحاوي وقال الخطابي هو قول أهل الرأي وذكر ابن عبد البر أن الجوزجاني حكاه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة الرابع أنه يؤذن للأولى ويقيم لها ولا يؤذن للثانية ولا يقيم لها وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف حكاه النووي وغيره قلت هذا هو مذهب أصحابنا وعند زفر بأذان وإقامتين الخامس أنه يؤذن لكل منهما ويقيم وبه قال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما وهو قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون وليس لهم في ذلك حديث مرفوع قاله ابن عبد البر السادس أنه لا يؤذن لواحدة منهما ولا يقيم حكاه المحب الطبري عن بعض السلف وهذا كله في جمع التأخير
أما جمع التقديم كالظهر والعصر بنمرة ففيه ثلاثة أقوال أحدها أنه يؤذن للأولى ويقيم لها ولا يقيم لكل منهما وهو قول الشافعي وجمهور أصحابه والثاني أنه يؤذن للأولى ويقيم لها ولا يقيم للثانية وهو مذهب أبي حنيفة والثالث أنه يؤذن لكل منهما ويقيم وهو وجه حكاه الرافعي عن ابن كج عن أبي الحسين القطان أنه أخرجه وجها فإن قلت ما الأصل في هذه الأقوال قلت الذي قال بأذان واحد وإقامتين قال برواية جابر والذي قال بلا أذان ولا إقامة قال بحديث أبي أيوب وابن عمر فإنه ليس فيهما أذان ولا إقامة وكذا رواه طلق بن حبيب وابن سيرين ونافع عن ابن عمر من فعله والذي قال بإقامة واحدة قال بحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله جمع بين المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة وكذا رواه ابن عباس مرفوعا عند مسلم والذي قال بإقامة للمغرب وإقامة للعشاء بحديث أمامة وكذا فعله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فهذه الأحاديث التي رويت كلها مسندة قاله ابن حزم وقال وأشد الاضطراب في ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه فإنه روي عنه من عمله الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة وروي عنه أيضا إقامة واحدة وروي عنه موقوفا بأذان واحد وإقامة واحدة وروي عنه مسندا الجمع بينهما بإقامتين وروى عنه مسندا بأذان واحد وإقامة واحدة قال وهنا قول سادس ولم نجده مرويا عن النبي وهو ما رويناه عن ابن مسعود أنه صلى المغرب بالمزدلفة كل واحد منهما بأذان وإقامة قلت هذا رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما على ما يأتي إن شاء الله تعالى
وفيه أنه لم يتنفل بين المغرب والعشاء حين جمع بينهما بالمزدلفة ولا عقيب كل واحدة منهما وذلك لأنه لما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة لم يتنفل بينهما بخلاف العشاء فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقيبها لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل ونقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما
4761 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) قال حدثنا ( سليمان بن بلال ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) قال أخبرني ( عدي بن ثابت ) قال حدثني ( عبد الله بن يزيد الخطمي ) قال حدثني ( أبو أيوب الأنصاري ) أن رسول الله جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة
( الحديث 4761 - طرفه في 4144 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول خالد بن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة البجلي أبو الهيثم ويقال أبو محمد وقد مر في أول كتاب العلم الثاني سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي الثالث يحيى بن سعيد

(10/12)


الأنصاري الرابع عدي بن ثابت هو عدي بن أبان بن ثابت الأنصاري إمام مسجد الشيعة وقاضيهم الخامس عبد الله ابن يزيد من الزيادة الخطمي بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة نسبة إلى خطمة وهم فخذ من الأوس وقد مر في آخر كتاب الإيمان السادس أبو أيوب الأنصاري واسمه خالد بن زيد
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه كوفي ويقال له قطواني وقطوان محلة على باب الكوفة وكان يغضب إذا قيل له قطواني لأن البقال يقال له قطوان وفيه أن بقية الرواة مدنيون وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما يحيى وعدي وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وهما عبد الله بن يزيد وأبو أيوب وفيه رواية الراوي عن جده وهو عدي لأن عبد الله بن يزيد جده لأمه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن القعنبي عن مالك وأخرجه مسلم في المناسك عن يحيى بن يحيى عن سليمان بن بلال وعن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة عن مالك وفي الحج عن يحيى بن حبيب وعن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الحج عن محمد ابن رمح به قلت وفي الباب عن جابر رواه مسلم وأبو داود والنسائي في الحديث الطويل في صفة حجه وفيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما وعن أبي بن كعب وخزيمة بن ثابت روى حديثهما الطبري في ( تهذيب الآثار ) وحديث خزيمة رواه الطبراني أيضا في ( الكبير ) و ( الأوسط ) وعن ابن عباس روى حديثه ابن حزم في حجة الوداع من رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الصلاتين بالمزدلفة بإقامة واحدة وعن البراء روى حديثه ابن عبد البر في ( التمهيد ) وقال هو عند أهل الحفظ خطأ
79 -
( باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما )
أي هذا باب في بيان من أذن وأقام لكل واحدة من المغرب والعشاء بالمزدلفة
5761 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) قال سمعت ( عبد الرحمان ابن يزيد ) يقول حج عبد الله رضي الله تعالى عنه فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذالك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام قال عمرو لا أعلم الشك إلا من زهير ثم صلى العشاء ركعتين فلما طلع الفجر قال إن النبي كان لا يصلي هاذه الساعة إلا هاذه الصلاة في هاذا المكان من هذا اليوم قال عبد الله هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعدما يأتي الناس المزدلفة والفجر حين يبزغ الفجر قال رأيت النبي يفعله
مطابقته للترجمة في قوله فأذن وأقام في موضعين
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمرو بن خالد بن فروخ مر في باب إطعام الطعام في كتاب الإيمان الثاني زهير بن معاوية بن خديج أبو خيثمة الجعفي مر في باب لا يستنجى بروث الثالث أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح السين الرابع عبد الرحمن بن يزيد بن قيس أخو الأسود النخعي الخامس عبد الله بن مسعود
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه حراني سكن مصر وأن البقية كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما أبو إسحاق

(10/13)


وعبد الرحمن
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق به وأخرجه النسائي فيه عن هلال بن العلاء
ذكر معناه قوله حج عبد الله وفي رواية النسائي عن هلال بن العلاء بن هلال قال حدثنا حسين هو ابن عياش قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال حج عبد الله فأمرني علقمة أن ألزمه فلزمته فأتينا المزدلفة فلما كان حين طلع الفجر قال قم قال يا أبا عبد الرحمن إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها قط قال إن رسول الله قال زهير ولم يكن في كتاب الله كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم قال عبد الله هما صلاتان تؤخران عن وقتهما صلاة المغرب بعدما تأتي الناس المزدلفة وصلاة الغداء حين يبزغ الفجر قال رأيت رسول الله يفعل ذلك قوله بالعتمة أي وقت العشاء الآخرة قوله أو قريبا من ذلك أي من مغيب الشفق قوله فأمر رجلا لم يدر اسمه قيل يحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد قوله ثم دعا بعشائه بفتح العين هو ما يتعشى به من المأكول قوله أرى أي أظن أنه أمر بالتأذين والإقامة وهذا هو المراد من الشك قوله قال عمرو هو عمرو بن خالد شيخ البخاري وهذا يبين أن الشك من زهير المذكور في السند وأخرجه الإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن زهير مثل ما رواه عمرو عنه ولم يقل ما قال عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عمرو عن زهير وقال فيه ثم أمر قال زهير أرى فأذن وأقام قوله فلما طلع الفجر وفي رواية المستملي والكشميهني فلما حين طلع الفجر وفي رواية الحسين بن عياش عن زهير فلما كان حين طلع الفجر والتقدير في هذه الرواية فلما كان حين طلوع الفجر وقال الكرماني وجزاؤه محذوف وهي صلاة الفجر أو المذكور جزاء على سبيل الكناية لأن هذا القول رديف فعل الصلاة قوله قال عبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قوله تحولان أما تحويل المغرب هو تأخيره إلى وقت العشاء الآخرة وأما تحويل الصبح فهو أنه قدم على الوقت الظاهر طلوعه لكل أحد كما هو العادة في أداء الصلاة إلى غير المعتاد وهو حال عدم ظهوره للكل فمن قائل طلع الصبح ومن قائل لم يطلع وقد تحقق الطلوع لرسول الله إما بالوحي أو بغيره والمراد أنه كان في سائر الأيام يصلي بعد الطلوع وفي ذلك اليوم صلى حال الطلوع قال الكرماني والغرض أنه بالغ في ذل اليوم في التبكير يعني الاستحباب في التبكير في ذلك اليوم آكد من غيره لإرادة الاشتغال بالمناسك قلت حاصل الكلام أنه ليس معناه أنه أوقع صلاة الفجر قبل طلوعه وإنما المراد أنه صلاها قبل الوقت المعتاد فعلها فيه في الحضر قوله عن وقتهما كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي رحمه الله تعالى عنه عن وقتها بالإفراد قوله حين بزغ بزاي وغين معجمة وروى حين يبزغ بضم الزاي من باب نصر ينصر
ذكر ما يستفاد منه فيه مشروعية الأذان والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما وقال ابن حزم لم نجده مرويا عن النبي ولو ثبت عنه لقلت به وقد وجد عن عمر من فعله قلت أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه وقال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن الأسود أنه صلى مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه صلاتين مرتين يجمع كل صلاة بأذان وإقامة والعشاء بينهما ثم قال الطحاوي ما كان من فعل عمر وتأذينه للثانية لكون أن الناس تفرقوا لعشائهم فأذن ليجمعهم وكذلك نقول نحن إذا تفرق الناس عن الإمام لأجل عشاء أو لغيره قال وكذلك معنى ما روي عن عبد الله بن مسعود وقال بعضهم ولا يخفى تكلفه ولو تأتى له ذلك في حق عمر رضي الله تعالى عنه لكونه كان الإمام لم يتأت له في حق ابن مسعود قلت دعوى التكلف في ذلك هو عين التكليف لأن قوله قوله لم يتأت قوله له في حق ابن مسعود غير مرضي من وجهين أحدهما أن الظاهر أنه كان إماما لأنه أمر رجلا فأذن وأقام فظاهره يدل على أنه كان إماما والثاني أنا وإن سلمنا أنه لم يكن إماما فما المانع أن يكون فعل ما فعله اقتداء بعمر رضي الله تعالى عنه وقد أخذ مالك بظاهر الحديث المذكور وروى ابن عبد البر

(10/14)


عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روي عن أهل المدينة وهو مرفوع وقال ابن عبد البر وأنا أعجب من الكوفيين حيث أخذوا بما رواه أهل المدينا وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا ما رووه في ذلك عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به أحدا قلت لا تعجب ههنا أصلا أما وجه ما فعله مالك فلأنه اعتمد على صنيع عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك وإن كان لم يروه في ( الموطأ ) وأما الكوفيون فإنهم اعتمدوا على حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم أنه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وهو أيضا قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وقول ابن الماجشون وقووا ذلك أيضا بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وفيه حجة للحنفية على ترك الجمع بين الصلاتين في غير عرفة وجمع وقال بعضهم وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم وأيضا فالاستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون به وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق وأيضا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة قلت قد استقصينا الكلام فيه في كتاب الصلاة في باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء وقوله وهم لا يقولون به أي بالمفهوم ليس على إطلاقه لأن المفهوم على قسمين مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة وهم قائلون بمفهوم الموافقة لأنه فحوى الخطاب كما تقرر في موضعه وفيه أنه صلى بعد المغرب ركعتين فإن قلت قد تقدم أنه لم يسبح بينهما قلت قال الكرماني لم يشترط في جمع التأخير الموالاة فالأمران جائزان والأحسن في هذا ما قاله الطحاوي رحمه الله وهو أنه اختلف عن النبي في الصلاتين بمزدلفة هل صلاهما معا أو عمل بينهما عملا ففي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما السابق ولم يسبح بينهما وفي حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه هذا وصلى بعدها ركعتين ثم قال في آخر الحديث رأيت النبي يفعله فلما اختلفوا في ذلك وكانت الصلاتان بعرفة تصلى إحداهما في إثر صاحبتها ولا يعمل بينهما عمل فالنظر على ذلك أن تكون الصلاتان بمزدلفة كذلك ولا يعمل بينهما عمل قياسا عليهما والجامع كون كل واحدة منهما فرضا في حق محرم بحج في مكان مخصوص ليتدارك الوقوف بعرفة والنهوض إلى الوقوف بمزدلفة فافهم
89 -
( باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر )
أي هذا باب في بيان شأن من قدم ضعفة أهله و الضعفة بفتح العين جمع ضعيف وقال ابن حزم الضعفة هم الصبيان والنساء فقط قلت يدخل فيه المشايخ العاجزون لأنه روي عن ابن عباس أن رسول الله قد ضعفة بني هاشم وصبيانهم بليل رواه ابن حبان في ( الثقات ) وقوله ضعفه بني هاشم أعم من النساء والصبيان والمشايخ العاجزين وأصحاب الأمراض لأن العلة خوف الزحام عليهم وعن ابن عباس أرسلني رسول الله في ضعفة أهله فصلينا الصبح بمنى ورمينا الجمرة رواه النسائي وقال المحب الطبري لم يكن ابن عباس من الضعفة وما رواه النسائي يرد عليه قوله بليل أي في ليل والباء تتعلق بقوله قدم وتقديمهم من منزلهم الذي نزلوا به بجمع قوله ويدعون بالمزدلفة يعني يذكرون الله ما بدا لهم قوله ويقدم إذا غاب القمر بيان لقوله بليل لأن قوله بليل أعم من أن يكون في أول الليل أو في وسطه أو في آخره وبينه بقوله إذا غاب لأن مغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير ومن ثمة قيده الشافعي وأصحابه بالنصف الثاني وروى البيهقي من حديث ابن عباس أن النبي كان يأمر نساءه وثقله في صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين وروى أبو داود عن ابن عباس قال كان رسول الله يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم يعني لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس وقال الكرماني ويقدم بلفظ المفعول والفاعل قلت أراد بلفظ البناء للمجهول والبناء للمعلوم ففي الأول يرجع الضمير إلى الضعفة فيكون مفعولا وفي الثاني يرجع إلى لفظ فيكون فاعلا فافهم

(10/15)


6761 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال ( سالم وكان عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله عز و جل ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول أرخص في أولائك رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله يقدم ضعفة أهله وفي قوله فيقفون وفي قوله فيذكرون الله تعالى لأن المعنى يدعون الله ويذكرونه ما بدا لهم
ورجاله قد ذكروا غير مرة ويحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري والليث بن سعد المصري ويونس بن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري المدني وسالم هو ابن عبد الله ابن عمر وفي رواية مسلم عن يونس بن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره
قوله عند المشعر الحرام بفتح الميم وقيل إن أكثر العرب يكسر الميم قال القتبي لم يقرأ به أحد وذكر الهذلي أن أبا السمال باللام في آخره قرأه بالكسر وقال ابن قرقول تكسر في اللغة لا في الرواية وهو المزدلفة وفي ( الموعب ) لابن التياني عن قطرب قالوا مشعر ومشعر ومشعر ثلاث لغات وقال الأزهري يسمى مشعرا لأنه معلم للعبادة وقال الكرماني صاحب ( المناسك ) الأصح أن المشعر الحرام في المزدلفة لا غير المزدلفة وحد المزدلفة ما بين مأزمي عرفة وقرن محسر يمينا وشمالا من الشعاب والجبال وقال الكرماني الشارح واختلف فيه والمعروف عن أصحابنا أنه قزح بضم القاف وفتح الزاي وبالمهملة وهو جبل معروف بالمزدلفة والحديث يدل عليه وقال غيرهم إنه نفس المزدلفة وفي ( التلويح ) والمزدلفة لها اسمان آخران جمع والمشعر الحرام وفي حديث أن قزح هو المشعر الحرام وعن ابن عمر أن المشعر الحرام هو المزدلفة كلها وقال بعضهم لو كان المشعر الحرام هو المزدلفة لقال عز و جل فاذكروا الله في المشعر الحرام ولم يقل عنده كما إذا قلت أنا عند البيت لا تكون في البيت وقال أبو علي الهجري في ( كتاب النوادر ) وآخر مزدلفة محسر وأول من بطن محسر محسر بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المشددة المهملة وفي آخره راء واد بجمع وهي مزلدلفة وفي ( التلويح ) وهو بين يدي موقف المزدلفة مما يلي منى وهو مسيل قدر رمية بحجر بين المزدلفة ومنى وذكره أبو عبيد وعند الطبري إسم فاعل من حسر بتشديد السين سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيى وكل عن السير قيل هذا غلط لأن الفيل لم يعبر الحرم وقيل سمي به لأنه يحسر سالكه ويتعبهم ويسمى واد النار ويقال إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته وحكمة الإسراع فيه لأنه كان موقفا للنصارى فاستحب رسول الله الإسراع فيه قوله الحرام صفة المشعر أي المحرم أي الذي يحرم عليه الصيد فيه وغيره فإنه من الحرم ويجوز أن يكون معناه ذا الحرمة قوله ما بدا لهم بلا همزة أي ما ظهر لهم وسنح في خواطرهم وأرادوه قوله ثم يرجعون أي إلى منى قبل أن يقف الإمام بالمزدلفة وفي رواية مسلم ثم يدفعون قوله وقبل أن يدفع أي الإمام قوله لصلاة الفجر أي عند صلاة الفجر قوله رموا الجمرة أي جمرة العقبة وهي مرمى يوم النحر ويقال لها الجمرة الكبرى قوله أرخص من الإرخاص وهو فعل ماض وفاعله قوله رسول الله كذا وقع أرخص وفي بعض الروايات رخص بالتشديد من الرخصة التي هي ضد العزيمة وهذا أظهر وأصح لأن أرخص من الرخص الذي هو ضد الغلاء قوله في أولئك هم الضعفة المذكورة في الحديث واحتج به ابن المنذر لقول من أوجبت المبيت بمزدلفة على غير الضعفة لأن حكم من لم يرخص فيه ليس كحكم من رخص فيه قلت وقد اختلف السلف في المبيت بالمزدلفة فذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن إدريس في أحد قوليه إلى وجوب المبيت بها وأنه ليس بركن فمن تركه فعليه دم وهو قول عطاء والزهري وقتادة ومجاهد وعن الشافعي سنة وهو قول مالك وقال ابن بنت الشافعي

(10/16)


وابن خزيمة الشافعيان هو ركن وقال علقمة والنخعي والشعبي من ترك المبيت بمزدلفة فاته الحج وفي ( شرح التهذيب ) وهو قول الحسن وإليه ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وقال الشافعي يحصل المبيت بساعة في النصف الثاني من الليل دون الأول وعن مالك النزول بالمزدلفة واجب والمبيت بها سنة وكذا الوقوف مع الإمام سنة وقال أهل الظاهر من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بالمزدلفة بطل حجه بخلاف النساء والصبيان والضعفاء وعند أصحابنا الحنفية لو ترك الوقوف بها بعد الصبح من غير عذر فعليه دم وإن كان بعذر الزحام فتعجل السير إلى منى فلا شيء عليه والمأمور به في الآية الكريمة الذكر دون الوقوف ووقف الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى أن يسفر جدا وعن مالك لا يقف أحد إلى الأسفار بل يدفعون قبل ذلك
7761 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال بعثنا رسول الله من جمع بليل
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن ابن عباس كان في جملة الضعفاء الذين قدمهم النبي بالليل من جمع وقد تكرر ذكر رجاله وأيوب هو السختياني ولما روى الترمذي حديث ابن عباس هذا قال وروي عنه من غير وجه بيان ذلك أنه رواه عنه جماعة وهم عبيد الله بن أبي يزيد وعطاء بن أبي رباح والحسن العرني ومقسم وكريب أما رواية عبيد الله ابن أبي يزيد عنه فاتفق عليها الشيخان من رواية سفيان بن عيينة وحماد بن زيد فرواها كلاهما عن عبيد الله بن أبي يزيد والآن يأتي بيانه وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا من طريق ابن عيينة وأما رواية عطاء فأخرجها مسلم في ( صحيحه ) عن عبد بن حميد عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال بعثني نبي الله بسحر من جمع في ثقل نبي الله الحديث وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأما رواية الحسن العرني فأخرجها أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال قدمنا رسول الله ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على جمرات فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس وقال أبو داود اللطخ الضرب اللين ورواه ابن حبان في ( صحيحه ) وأما رواية مقسم فأخرجها الترمذي وانفرد بها قال حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي قدم ضعفة أهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس وأما رواية كريب فأخرجها البيهقي من رواية موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس أن النبي كان يأمر نساءه الحديث وقد ذكرناه عن قريب
8761 - حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال أخبرني ( عبيد الله بن أبي يزيد ) سمع ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول أنا ممن قدم النبي ليلة المزدلفة في ضعفة أهله
( انظر الحديث 7761 وطرفه )
هذا طريق آخر لحديث ابن عباس المذكور وهذا وجه من الوجوه الخمسة التي ذكرناها آنفا وذكر البخاري ههنا وجها آخر وهو عن عكرمة عن ابن عباس المذكور فيما قبله وهذا الطريق أخرجه عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد من الزيادة مولى أهل مكة مر في باب وضع الماء عند الخلاء والفرق بين الطريقين أن الطريق الأول يقتضي بحسب الظاهر أنه كان مختصا بالبعث من جمع بالليل والطريق الثاني يقتضي عدم الاختصاص قطعا
262 - ( حدثنا مسدد عن يحي عن ابن جريج قال حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قالت هل غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم

(10/17)


رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يا بني إن رسول الله أذن للظعن )
مطابقته للترجمة في قولها فارتحلوا فارتحلنا لأن ارتحالهم كان عقيب غيبوبة القمر وقد ذكرنا أن مغيب القمر في تلك الليلة كان عند أوائل الثلث الأخير من الليل
( ذكر رجاله ) وهم خمسة مسدد بن مسرهد عن يحيى القطان عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء أبو عمر وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في أبواب العمرة وأسماء هذه هي بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وقد صرح ابن جريج بتحديث عبد الله له وكذا رواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي وابن خزيمة عن بندار وكذا أخرجه أحمد في مسنده كلهم عن يحيى وأخرجه مسلم من طريق عيسى بن يونس والإسماعيلي من طريق داود العطار والطبراني من طريق ابن عيينة والطحاوي من طريق سعيد بن سالم وأبو نعيم من طريق محمد بن بكر كلهم عن ابن جريج وأخرجه أبو داود عن محمد بن خلاد عن يحيى القطان عن ابن جريج عن عطاء أخبرني مخبر عن أسماء وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء أن مولى أسماء أخبره وكذا أخرجه الطبراني من طريق أبي خالد الأحمر عن يحيى فالظاهر أن ابن جريج سمعه من عطاء ثم لقي عبد الله فأخذه عنه ويحتمل أن يكون مولى أسماء شيخ عطاء غير عبد الله
( ذكر معناه ) قوله يا بني بضم الباء الموحدة مصغر ابن قوله فارتحلوا أمر بالارتحال وفي رواية مسلم قالت ارحل بي قوله فمضينا وفي رواية ابن عيينة فمضينا بها قوله ثم رجعت أي إلى منزلها بمنى قوله يا هنتاه أي يا هذه يقال للمذكر إذا كنى عنه هن وللمؤنث هنة وزيدت الألف لمد الصوت والهاء لإظهار الألف وهو بفتح الهاء وسكون النون وقد تفتح وإسكانها أشهر ثم بالتاء المثناة من فوق وقد تسكن الهاء التي في آخرها وتضم قوله ما أرانا بضم الهمزة أي ما نظن إلا قد غلسنا أي تقدمنا على الوقت المشروع وهو من التغليس وهو السير بغلس وهي ظلمة آخر الليل وفي رواية لمسلم فقلت لها لقد غلسنا بدون قوله ما أرانا وفي رواية مالك لقد جئنا منى بغلس وفي رواية داود العطار لقد ارتحلنا بليل وفي رواية أبي داود فقلت إنا رمينا الجمرة بغلس قوله أذن للظعن بضم الظاء والعين وبسكون العين أيضا جمع ظعينة وهي النساء وفي المحكم هو جمع ظاعن وسميت النساء بها لأنهن يظعن بارتحال أزواجهن ويقمن بإقامتهم تقول ظعن يظعن ظعنا وظعونا ذهب وأظعنه هو والظعينة الجمل يظعن عليه والظعينة الهودج تكون فيه المرأة وقيل هو الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن وعن ابن السكيت كل امرأة ظعينة سواء كانت في هودج أو غيره وقال ابن سيده الجمع ظعائن وظعن وأظعان وظعنات الأخيرتان جمع الجمع وفي الجامع ولا يقال ظعن إلا للإبل التي عليها الهوادج وقيل الظعن الجماعة من النساء والرجال
( ذكر ما يستفاد منه ) استدل بهذا الحديث قوم على جواز الرمي قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر للذين يتقدمون قبل الناس وهو قول عطاء بن أبي رباح المكي وطاوس بن كيسان ومجاهد وإبراهيم النخعي والشعبي وسعيد بن جبير والشافعي وقال عياض مذهب الشافعي رمي الجمرة من نصف الليل وتعلق بأنه أم سلمة رضي الله تعالى عنها قدمت قبل الفجر وكان أمرها أن تفيض وتوافيه الصبح مكة وظاهر هذا عنده تعجيل الرمي قبل الفجر ومذهب مالك أن الرمي يحل بطول الفجر ومذهب الثوري والنخعي أنها لا ترمي إلا بعد طلوع الشمس وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأحمد واسحق قالوا فإن رموها قبل طلوع الشمس أجزأتهم وقد أساؤا وقال الكاشاني من أصحابنا أول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس وآخر وقته آخر النهار كذا قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف يمتد إلى وقت الزوال فإذا زالت الشمس يفوت الوقت ويكون فيما بعده قضاء فإن لم يرم حتى غربت الشمس يرمي قبل الفجر من اليوم الثاني ولا شيء عليه في قوله أصحابنا وللشافعي قولان في قول إذا غربت الشمس فقد فات الوقت وعليه الفدية وفي قول لا يفوت إلا في آخر أيام

(10/18)


التشريق فإن أخر الرمي حتى طلع الفجر من اليوم الثاني رمى وعليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد لا شيء عليه وبه قال الشافعي وقال مالك في الموطأ سمعت بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر ومن رمى فقد حل له النحر وقال الطحاوي في الجواب عن حديث أسماء المذكور يحتمل أن يكون أراد بالتغليس في الدفع من مزدلفة ويجوز أن يكون أراد بالتغليس في الرمي فأخبرت أن النبي أذن لهم في التغليس لما سألها عن التغليس به من ذلك وفيه استدل بعضهم على إسقاط الوقوف بالمشعر الحرام عن الضعفة قيل لا دلالة فيه لأنه سئل عن الوقوف -
0861 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) قال حدثنا عبد الرحمان هو ابن القاسم عن القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت استأذنت سودة النبي ليلة جمع وكانت ثقيلة ثبطة فأذن لها
( الحديث 0861 - طرفه في 1861 )
مطابقته للترجمة من حيث أن سودة كانت من الضعفة الذين قدموا بليل ورجاله قد تكرر ذكرهم وسفيان هو الثوري و ( عبد الرحمن ) بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يروي عن عمته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وسودة بفتح السين المهملة بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحج حدثنا ابن نمير قال حدثنا أبي قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن ( القاسم ) عن القاسم عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت وددت أني كنت استأذنت رسول الله كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس فقيل لعائشة فكانت سودة استأذنته قالت نعم كانت امرأة ثقيلة ثبطة فاستأذنت رسول الله فأذن لها وعن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع وعن زهير بن حرب قال حدثنا عبد الرحمن كلاهما عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بهذا الإسناد نحوه وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع نحوه أن سودة بنت زمعة كانت امرأة ثبطة فاستأذنت رسول الله أن تدفع من جمع قبل دفع الناس فأذن لها ورواه أبو عوانة من طريق ابن قبيصة عن الثوري قدم رسول الله سودة ليلة جمع قوله ثبطة بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وسكونها وبالطاء المهملة أي بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض أي تتشبث وقال ابن قرقول ضبطناه بكسر الباء الموحدة وضبطه الجياني عن ابن سراج بالكسر والإسكان
1861 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( أفلح بن حميد ) عن ( القاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي سودة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة بطيئة فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه فلأن أكون استأذنت رسول الله كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به
( انظر الحديث 0861 )
هذا طريق آخر في حديث سودة يبين فيه ما استأذنته سودة لأن في الطريق السابق لم يذكر فيه ما استأذنته سودة رضي الله تعالى عنها وأخرج هذا الطريق عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن أفلح بن حميد بن نافع الأنصاري وأخرجه مسلم أيضا عن القعنبي عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة أنها قالت استأذنت سودة رسول الله ليلة المزدلفة أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت امرأة ضخمة ثبطة يقول القاسم والثبطة الثقيلة الحديث وهذا فيه تفسير الثبطة عن القاسم وكذا وقع في رواية أبي عوانة من طريق ابن أبي فديك عن أفلح ولفظه وكانت امرأة ثبطة قال الثبطة الثقيلة فعلى هذا قوله في رواية محمد بن كثير شيخ البخاري الذي مضى وكانت امرأة ثقيلة ثبطة من الإدراج أدرج الراوي التفسير بعد الأصل فظن الراوي الآخر أن اللفظين ثابتان في أصل المتن فقدم وأخر
قوله أن تدفع أي تتقدم قبل حطمة الناس والحطمة بالفتح الزحمة قوله ثم دفعنا بدفعه أي بدفع رسول الله قوله فلأن أكون

(10/19)


بفتح اللام مبتدأ وخبره قوله أحب وقوله كما استأذنت سودة جملة معترضة بينهما ولفظة ما في كما مصدرية أي كاستئذان سودة قوله من مفروح به أي من ما يفرح به من كل شيء
99 -
( باب صلاة الفجر بالمزدلفة )
أي هذا باب في بيان وقت صلاة الفجر بالمزدلفة وفي بعض النسخ باب من يصلي الفجر والأول أصح
3861 - حدثنا ( عبد الله بن رجاء ) قال حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن عبد الرحمان بن يزيد قال خرجنا مع عبد الله رضي الله تعالى عنه إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع الفجر ثم قال إن رسول الله قال إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هاذا

(10/20)


المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا وصلاة الفجر هاذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر
( انظر الحديث 5761 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه السابق عن عبد الله بن رجاء بفتح الراء والجيم ابن المثنى البصري عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي عن ( عبد الرحمن بن يزيد ) النخعي الكوفي قوله خرجنا وفي رواية أبي ذر خرجت بالإفراد قوله مع عبد الله هو ابن مسعود قوله ثم قدمنا جمعا أي المزدلفة قوله فصلى الصلاتين أي المغرب والعشاء قوله كل صلاة بنصب كل أي صلى كل صلاة منهما قوله والعشاء بينهما بفتح العين لا بكسرها لأن المراد به الطعام الذي يتعشى به والواو فيه للحال قوله المغرب والعشاء يجوز النصب فيهما على أنه عطف بيان لقوله هاتين الصلاتين ويجوز الرفع فيهما على أن المغرب خبر مبتدأ محذوف أي إحدى الصلاتين المغرب والأخرى العشاء قوله حولنا أي غيرنا قوله فلا يقدم بفتح الدال قوله جمعا أي المزدلفة قوله حتى يعتموا بضم الياء من الإعتام وهو الدخول في وقت العشاء الآخرة قوله هذه الساعة أي بعد طلوع الصبح قبل ظهوره للعامة قوله حتى أسفر أي حتى أضاء الصبح وانتشر قوله فما أدري هو كلام عبد الرحمن بن يزيد الراوي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وقال الكرماني هو قول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وهذا غلط والظاهر أنه قد وقع من الناسخ والله تعالى أعلم قوله أصاب السنة يعني فعل رسول الله قوله أم دفع عثمان يعني من مزدلفة وكان حينئذ أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه والمراد أن السنة الدفع من المشعر الحرام عند الإسفار قبل طلوع الشمس خلافا لما كان عليه أهل الجاهلية قوله فلم يزل يلبي أي لم يزل ابن مسعود يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر
واختلف السلف في الوقت الذي يقطع فيه الحاج التلبية فذهبت طائفة إلى أن التلبية لا تقطع حتى يرمي جمرة العقبة وهو مروي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وبه قال عطاء وطاووس والنخعي وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وروى عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يلبي في الحج فإذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطعها وقال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا وقال ابن شهاب وفعل ذلك الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وابن المسيب وذكر ابن المنذر عن سعد مثله وذكر أيضا عن مكحول وكان ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما يقول أفضل الدعاء يوم عرفة التكبير وروى معناه عن جابر رضي الله تعالى عنه ثم اختلف بعض هؤلاء فقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها من جمرة العقبة وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر لا يقطعها حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها قالوا وهو قول ظاهر الحديث أن رسول الله لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولم يقل حتى رمى بعضها قلت روى البيهقي من حديث شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عبد الله قال رمقت النبي فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة فإن قلت أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن الفضل بن عباس قال أفضت مع رسول الله من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قلت قال البيهقي هذه زيادة غريبة ليست في الروايات عن الفضل وإن كان ابن خزيمة قد اختارها وقال الذهبي فيه نكارة وقوله يكبر مع كل حصاة يدل على أنه قطع التلبية مع أول حصاة وهذا ظاهر لا يخفى فإن قلت هذا حكم الحاج فما حكم المعتمر قلت قال قوم يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم وقال قوم لا يقطعها حتى يرى بيوت مكة وقال قوم حتى يدخل بيوت مكة وقال أبو حنيفة لا يقطعها حتى يستلم الحجر فإذا استلمه قطعها وقال الليث إذا بلغ الكعبة قطعها وقال الشافعي لا يقطعها حتى يفتتح الطواف وقال مالك إن أحرم من الميقات قطعها إذا دخل الحرم وإن أحرم من الجعرانة أو من التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة أو إذا دخل المسجد واستدل أبو حنيفة بما

(10/21)


رواه وكيع عن عمر بن ذر عن مجاهد قال قال ابن عباس لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الركن وقال ابن حزم والذي نقول به هو قول قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لا يقطعها حتى يتم جميع عمل العمرة
00 - 1 -
( باب متى يدفع من جمع )
أي هذا باب في بيان وقت الدفع من جمع يعني بعد الوقوف بالمشعر الحرام وقوله بضم الياء على بناء المجهول ويجوز بفتح الياء على بناء المعلوم أي متى يدفع الحاج
4861 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة بن الحجاج ) عن ( أبي إسحاق ) سمعت ( عمرو بن ميمون ) يقول ( شهدت عمر ) رضي الله تعالى عنه صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير وأن النبي خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس
( الحديث 4861 - طرفه في 8383 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس فبين أن وقت الدفع من جمع قبل طلوع الشمس
ورجاله قد ذكروا غير مرة وحجاج على وزن فعال بالتشديد ومنهال بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي وعمرو بن ميمون بن مهران البصري
وقال صاحب ( التوضيح ) وهذا الحديث من أفراده قلت ليس كذلك فإن البخاري رواه من رواية شعبة والثوري ورواه أبو داود من رواية الثوري فقط ورواه النسائي من رواية شعبة فقط ورواه ابن ماجه من رواية حجاج بن أرطأة ثلاثتهم عن أبي إسحاق به ورواه الترمذي فقال حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أنبأنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عمرو بن ميمون يقول كنا وقوفا بجمع فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس وكانوا يقولون أشرق ثبير وإن رسول الله خالفهم فأفاض عمر رضي الله تعالى عنه قبل طلوع الشمس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وروى الترمذي أيضا من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي أفاض قبل طلوع الشمس وانفرد به وروى مسلم وأبو داود من حديث جابر الطويل وفيه فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس
ذكر معناه قوله صلى بجمع أي بالمزدلفة قوله لا يفيضون بضم الياء من الإفاضة وهو الدفع وقال الجوهري وكل دفعة إفاضة قال وأفاضوا في الحديث أي اندفعوا فيه وأفاض البعير أي دفع جرته من كرشه فأخرجها قوله أشرق بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء أمر من الإشراق يقال أشرق إذا دخل في الشروق ومنه قوله تعالى فأتبعوهم مشرقين ( الشعراء 06 ) أي حال كونهم داخلين في شروق الشمس كما يقال أجنب إذا دخل في الجنوب وأشمل إذا دخل في الشمال وحاصل معنى أشرق ثبير لتطلع عليك الشمس وقال الهروي يريد أدخل أيها الجبل في الشروق وقال عياض أشرق ثبير أدخل يا جبل في الإشراق وقال ابن التين ضبطه أكثرهم بفتح الهمزة وبعضهم بكسر الهمزة كأنه ثلاثي من شرق وليس هذا ببين لأن شرق مستقبله يشرق بضم الراء والأمر منه أشرق بضم الهمزة لا بالكسر والذي عليه الجماعة بفتح الهمزة أي لتطلع عليك الشمس وقيل معناه اطلع الشمس يا جبل قوله ثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهو جبل المزدلفة على يسار الذاهب إلى منى وقيل هو أعظم جبال مكة عرف برجل من هذيل اسمه ثبير ودفن فيه وهذا هو المراد وإن كان للعرب جبال أخر كل إسم منها ثبير وهو منصرف ولكن بدون التنوين لأنه منادى مفرد معرفة تقديره أشرق يا ثبير وقال محمد بن الحسن إن للعرب أربعة أجبال أسماؤها ثبير وكلها حجازية وقال المحب الطبري أما حديث أقطع رسول الله شريح بن ضمرة المزني ثبيرا فليس بجبل وإنما هو اسم ما لمزبنة وعند ابن ماجه أشرق ثبير كيما نغير

(10/22)


من الإغارة أي كيما ندفع ونفيض للنحر وغيره وذلك من قولهم أغار الفرس إغارة الثعلب وذلك إذا دفع وأسرع في دفعه وقال ابن التين وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير ونغير لإرادة السجع قلت لأنه من محسنات الكلام قوله ثم أفاض يحتمل أن يكون فاعله عمر رضي الله تعالى عنه ووجهه أن يكون ثم أفاض عطفا على قوله إن المشركين لا يفيضون حتى تطلع الشمس وفيه بعد والذي يقتضيه التركيب أن فاعله هو النبي لأنه عطف على قوله خالفهم ويؤيد هذا ما وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي فأفاض بالفاء وفي رواية الثوري فخالفهم النبي فأفاض وفي رواية الطبري من طريق زكريا عن أبي إسحاق بسنده كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس وأن رسول الله كره ذلك فنفر قبل طلوع الشمس وله من رواية إسرائيل فدفع بقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة وأظهر من ذلك وأقوى للدلالة على أنه النبي ما رواه مسلم من حديث جابر الطويل وفيه ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس
ذكر ما يستفاد منه فيه الوقوف بمزدلفة وقد ذكرنا أنه إذا ترك الوقوف بها بعد الصبح من غير عذر فعليه دم وإن كان بعذر الزحام فتعجل السير إلى منى فلا شيء عليه وفيه الإفاضة قبل طلوع الشمس من يوم النحر واختلفوا في الوقت الأفضل للإفاضة فذهب الشافعي إلى أنه إنما يستحب بعد كمال الإسفار وهو مذهب الجمهور لحديث جابر الطويل وفيه فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وذهب مالك إلى استحباب الإفاضة من المزدلفة قبل الأسفار والحديث حجة عليه وروى ابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا فدفع رسول الله حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس وروى البيهقي من حديث المسور بن مخرمة نحوه
101 -
( باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة والارتداف في السير )
أي هذا باب في بيان التلبية والتكبير غداة يوم النحر حى يرمي جمرة العقبة وفي رواية الكشميهني حتى يرمي جمرة العقبة قوله والارتداف بالجر عطف على المجرور فيما قبله أي وفي بيان الإرتداف وهو الركوب خلف الراكب في السير من مزدلفة إلى منى وهذه الترجمة مشتملة على ثلاثة أجزاء التلبية وهي أن يقول لبيك اللهم إلى آخره والتكبير وهو أن يكبر الله تعالى والارتداف وهو الركوب خلف الراكب وقال الكرماني ليس في الحديث ذكر التكبير فكيف دلالته عليه ثم أجاب بأن المراد به الذكر الذي في خلال التلبية وهو مختصر من الحديث الذي فيه ذكر التكبير أو غرضه أن يستدل بالحديث على أن التكبير غير مشروع إذ لفظ لم يزل دليل على إدامة التلبية انتهى قلت قوله أو غرضه إلى آخره فيه بعد وهو عبارة خشنة والجواب الصحيح فيه أنه قد جرت عادة البخاري أنه إذا ذكر ترجمة ذات أجزاء وليس في حديث الباب ذكر هذه الأجزاء كلها ولكن كان حديث آخر ذكر فيه ذلك الجزء الذي لم يذكره أنه يشير إليه بذكره في الترجمة لينتهض الطالب ويبحث عنه وقد روى الطحاوي فقال حدثنا فهد قال حدثنا أحمد بن حميد الكوفي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن الحارث بن أبي ذئاب عن مجاهد عن عبد الله بن سخبرة قال لبى عبد الله وهو يتوجه فقال أناس من هذا الأعرابي فالتفت إلي عبد الله فقال ضل الناس أم نسوا والله ما زال رسول الله يلبي حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو تكبير وأخرجه البيهقي من حديث صفوان بن عيسى حدثنا الحارث بن عبد الرحمن عن مجاهد عن عبد الله بن سخبرة قال غدوت مع عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه من منى إلى عرفة وكان رجلا آدم له ضفيرتان عليه سحنة أهل البادية وكان يلبي فاجتمع عليه الغوغاء فقالوا يا أعرابي إن هذا ليس بيوم تلبية إنما هو التكبير

(10/23)


فالتفت إلي فقال جهل الناس أم نسوا والذي بعث محمدا بالحق لقد خرجت معه من منى إلى عرفة فما ترك التلبية حتى رمى الجمرة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل
5861 - حدثنا ( أبو عاصم الضحاك بن مخلد ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي أردف الفضل فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة
مطابقته للترجمة في الجزءين منها وهما الإرداف والتلبية وأما ذكر التكبير فيها فليس له ذكر في هذا الحديث وقد ذكرناه الآن وقد ذكره البخاري في باب النزول بين عرفة وجمع قال كريب فأخبرني عبد الله بن عباس عن الفضل رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة قوله فأخبر الفضل أي أخبر الفضل ابن عباس أنه أي أن رسول الله وفي رواية مسلم من طريق عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره وبقية الكلام قد مضت هناك مستقصاة
7861 - حدثنا ( زهير بن حرب ) قال حدثنا ( وهب بن جرير ) قال حدثنا أبي عن ( يونس الأيلي ) عن ( الزهري ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما كان ردف النبي من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى قال فكلاهما قالا لم يزل النبي يلبي حتى رمى جمرة العقبة
مطابقته للترجمة في الإرداف والتلبية إلى رمي جمرة العقبة وهذا طريق ثان لحديث ابن عباس السابق أخرجه عن زهير مصغر الزهر ابن حرب ضد الصلح النسائي بالنون وبالسين المهملة مات ببغداد سنة أربع وثلاثين ومائتين وروى عنه مسلم أيضا ووهب بن جرير بفتح الجيم وكسر الراء أبو العباس وهو يروي عن أبيه جرير بن حازم بن زيد أبو النضر البصري ويونس بن يزيد الأيلي والزهري محمد بن مسلم بن شهاب وعبيد الله بضم العين ابن عبد الله بالفتح ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة
وفي هذا السند رواية التابعي عن التابعي وفيه ثلاثة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم يروي أحدهم وهو ابن عباس عن الآخرين وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس وهو معنى قوله قال فكلاهما قالا أي قال ابن عباس فكلاهما أي أسامة والفضل قالا لم يزل النبي يلبي في أوقات حجه حتى رمى أي إلى أن رمى جمرة العقبة يوم النحر فإن قلت ذكر أسامة في هذا فيه إشكال لأن مسلما روى هذا الحديث من رواية إبراهيم بن عقبة قال أخبرني كريب أنه سأل أسامة بن زيد كيف صنعتم حين ردفت رسول الله عشية عرفة الحديث بطوله وفيه حتى جئنا المزدلفة فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى ثم حلوا قلت وكيف فعلتم حين أصبحتم قال ردفه الفضل بن العباس وانطلقت أنا في سباق قريش على رحلي فمقتضى هذا أن يكون أسامة قد سبق إلى رمي الجمرة فيكون إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا قلت لا مانع من رجوعه إلى النبي وإتيانه معه إلى الجمرة أو أقام بالجمرة حتى أتى النبي ويؤيد هذا ما رواه مسلم أيضا من حديث أم الحصين قالت فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة واحتج بالحديث المذكور أبو حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم على استمرار التلبية إلى حين رمى جمرة العقبة على ما ذكرناه فيما مضى مفصلا وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال حججت مع عمر رضي الله تعالى عنه إحدى عشرة حجة فكان يلبي حتى يرمي الجمرة وذكر الطحاوي أن الإجماع وقع من الصحابة والتابعين على أن التلبية لا تقع إلا مع رمي جمرة العقبة أما مع أول حصاة أو بعد تمامها على اختلاف فيه ودليل الإجماع أن عمر بن الخطاب كان يلبي غداة المزدلفة بحضور ملأ من الصحابة وغيرهم فلم ينكر عليه أحد منهم بذلك

(10/24)


وكذلك فعل عبد الله بن الزبير ولم ينكر عليه أحد ممن كانوا هناك من أهل الآفاق من الشام والعراق واليمن ومصر وغيرها فصار ذلك إجماعا لا يخالف فيه
( باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذالك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( البقرة 691 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ( البقرة 691 ) إلى آخر الآية هكذا وقع قوله فمن تمتع إلى حاضري المسجد الحرام ( البقرة 691 ) في رواية أبي ذر وأبي الوقت ووقع في طريق كريمة ما بين قوله الهدي وقوله حاضري المسجد الحرام ( البقرة 691 ) وقال بعضهم وغرض البخاري بذلك تفسير الهدي وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر لأن ذلك يكون غالبا بمنى انتهى قلت حصره على هذا الغرض وحده لا وجه له بل إنما ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على مسائل منها حكم الهدي والمتعة وذكر في الباب حكمها فقط اكتفاء بما ذكر غيرها من الأحكام في الأبواب السابقة
أما المسائل التي تشتمل هذه الآية الكريمة عليها فأولها حكم التمتع بالعمرة إلى الحج فقد ذكر في باب التمتع

(10/25)


والإقران وباب التمتع على عهد النبي الثانية حكم الهدي فذكره في حديث هذا الباب الثالثة حكم الصوم فذكره أيضا في باب قوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( البقرة 691 ) الرابعة حكم حاضري المسجد الحرام فذكره أيضا في باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( البقرة 691 ) ح
وقد اختلف العلماء فيما استيسر من الهدي ( البقرة 691 ) فقالت طائفة شاة روي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه وابن عباس رضي الله تعالى عنه رواه عنهما مالك في ( موطئه ) وأخذ به وقال به جمهور العلماء واحتج بقول الله تعالى هذيا بالغ الكعبة ( المائدة 59 ) قال وإنما يحكم به في الهدي شاة وقد سماها الله تعالى هديا وروي عن طاووس عن ابن عباس ما يقتضي أن ما استيسر من الهدي في حق النبي بدنة وفي حق غيره بقرة وفي حق الفقير شاة وعن ابن عمر وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم أنه من الإبل والبقر خاصة وكأنهم ذهبوا إلى ذلك من أجل قوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ( الحج 63 ) فذهبوا إلى أن الهدي ما وقع عليه اسم بدن ويرده قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم ( المائدة 59 ) إلى قوله هديا بالغ الكعبة ( المائدة 59 ) وقد حكم المسلمون في الظبي بشاة فوقع عليها اسم هدي وقوله تعالى فما استيسر من الهدي ( البقرة 691 ) يحتمل أن يشير به إلى أقل أجناس الهدي وهو الشاة وإلى أقل صفات كل جنس وهو ما روي عن ابن عمر البدنة دون البدنة والبقرة دون البقرة فهذا عنده أفضل من الشاة ولا خلاف يعلم في ذلك وإنما محل الخلاف أن الواجد للإبل والبقر هل يخرج شاة فعند ابن عمر يمنع إما تحريما وإما كراهة وعند غيره نعم وروي عن ابن عمر وأنس يجزيء فيها شرك في دم وروي عن عطاء وطاووس والحسن مثله وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ولا تجزىء عندهم البدنة أو البقرة عن أكثر من سبعة ولا الشاة عن أكثر من واحد وأما ما روي أنه ضحى بشاة عن أمته فإنما كانت تطوعا وعند المالكية تجوز البدنة أو البقرة عن أكثر من سبعة إذا كانت ملكا لرجل واحد وضحى بها عن نفسه وأهله
301 -
( باب ركوب البدن لقوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولاكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين )
أي هذا باب في بيان جواز ركوب البدن واستدل على ذلك بقوله تعالى والبدن جعلناها لكم ( الحج 63 ) إلى آخره وهاتان الآيتان مذكورتان بتمامهما في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت المذكور منهما من قوله والبدن جعلناها لكم ( الحج 63 ) إلى قوله فإذا

(10/26)


وجبت جنوبها ( الحج ) ثم المذكور بعد جنوبها إلى قوله وبشر المحسنين ( الحج 63 ) وموضع الاستدلال في جواز ركوب البدن في قوله لكم فيها خير ( الحج 63 ) يعني من الركوب والحلب لما روى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد جيد عن إبراهيم النخعي لكم فيها خير ( الحج 63 ) من شاء ركب ومن شاء حلب وفي ( تفسير النسفي ) في قوله لكم فيها خير ( الحج 63 ) من احتاج إلى ظهرها ركب ومن احتاج إلى لبنها شرب وقيل في البدن خير وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة ومن شأن الحاج أن يحرص على شيء فيه خير ومنافع وعن بعض السلف أنه لم يملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة فقيل له في ذلك فقال سمعت ربي يقول لكم فيها خير ( الحج 63 ) قوله والبدن بضم الباء جمع بدنة سميت بذلك لعظم بدنها وهي الإبل العظام الضخام الأجسام وهي من الإبل خاصة وقرىء والبدن بضمتين كتمر في جمع تمرة وعن ابن أبي إسحاق بضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف وقرىء البدن بالرفع والنصب كما في قوله والقمر قدرناه ( يس 93 ) قوله من شعائر الله ( الحج 63 ) أي من أعلام الشريعة التي شرعها وأضافها إلى اسمه تعظيما لها قوله لكم فيها أي في البدن قوله فاذكروا اسم الله عليها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ذكر اسم الله عليها أن يقول عند النحر بسم الله الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر أللهم منك وإليك قوله ( صواف ) أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن وقيل أي قياما على ثلاثة قوائم قد صفت رجليها وإحدي يديها ويدها اليسرى معقولة وقرىء صوافن من صفون الفرس وهو أن تقوم على ثلاث وتنصب الرابعة على طرف سنبكه لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث وقرىء صوافي أي خوالص لوجه الله تعالى وعن عمرو بن عبيد صوافا بالتنوين عوضا عن حرف الإطلاق عند الوقف وعن بعضهم صواف نحو مثل قول العرب أعط القوس باريها بسكون الياء قوله فإذا وجبت قال الزمخشري وجوب الجنوب وقوعها على الأرض من وجب الحائط وجبة إذا سقط ووجبت الشمس وجبة غربت والمعنى فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حل لكم الأكل منها والإطعام وسيأتي تفسير القانع والمعتر قوله كذلك سخرناها لكم هذا من من الله تعالى على عباده بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا أن يأخذونها منقادة للأخذ فيعقلونها طائعه ويحبسونها صافة قوائمها ثم يطعنون في لباتها ولولا تسخير الله تعالى لم تطق قوله لن ينال الله لحومها وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا حيطان الكعبة بدمائها فهم المسلمون مثل ذلك فأنزل الله تعالى لن ينال الله لحومها أي لن يصل إلى الله تعالى لحومها المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر ولكن يناله التقوى منكم والمعنى لن يرضي المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص والاحتفاظ بشروط التقوى قوله كذلك سخرها لكم أي سخر البدن وكرر تذكير النعمة بالتسخير ثم قال لتكبروا الله على ما هداكم يعني على هدايته إياكم لإعلام دينه ومناسك حجه بأن تكبروا وتهللوا وضمن التكبير معنى الشكر وعدى تعديته قوله وبشر المحسنين الخطاب للنبي أمره بأن يبشر المحسنين الذين يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه فإن لم يروه فإنه يراهم بقبوله وقيل بالجنة
قال مجاهد سميت البدن لبدنها
بضم الباء وسكون الدال في رواية بعضهم وفي رواية الأكثرين بفتح الباء وفتح الدال وفي رواية الكشميهني لبدانتها أي لضخامتها وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما سميت البدن من قبل السمانة وقال الجوهري البدنة ناقة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها والبدن التسمين والاكتناز وبدن إذا ضخم وبدن بالتشديد إذا أسن وقد ذكرنا عن قريب أن البدن من الإبل خاصة وقال الداودي قيل إن البدنة تكون من البقر وهذا نقل عن الخليل
والقانع السائل والمعتر يعتر بالبدن من غني أو فقير
هذا من كلام البخاري وكذا قال ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري القانع السائل والمعترض الذي يتعرض ولا يسأل وقال مالك أحسن ما سمعت فيه أن القانع الفقير والمعتر الدائر وقيل القانع السائل الذي لا يقنع بالقليل وفي ( الموعب )

(10/27)


قال أبو زيد القانع هو المتعرض لما في أيدي الناس وهو ذم له وهو الطمع وقال صاحب ( العين ) القنوع الذلة للمسألة وقال إبراهيم قنع إليه مال وخضع وهو السائل والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل وقال الزجاج القانع الذي يقنع بما يعطاه وقيل الذي يقنع باليسير وقال قطرب كان الحسن يقول هو السائل الذي يقنع بما أوتيه ويصير القانع من معنى القناعة والرضى وقال الطوسي قنع يقنع قنوعا إذا سأل وتكفف وقنع يقنع قناعة إذا رضي قلت الأول من باب فتح يفتح والثاني من باب علم يعلم قال إسماعيل وقالوا رجل قنعان بضم القاف يرضى باليسير وقال صاحب ( العين ) القانع خادم القوم وأجيرهم وقرأ الحسن والمعتري ومعناه المعتر يقال أعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لما عنده أو طالبه وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القانع هو الطامع وقال مرة هو السائل ومن طريق الثوري عن فرات عن سعيد بن جبير المعتر الذي يعتريك يزورك ولا يسألك ومن طريق ابن جريج عن مجاهد المعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير يعني يطيف بها متعرضا لها وهذا الذي ذكره البخاري معلقا
وشعائر الله استعظام البدن واستحسانها
أشار به إلى تفسير ما ذكر في الآية المذكورة من شعائر الله وأخرجه عبد بن حميد من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن يعظم شعائر الله ( الحج 23 ) قال استعظام البدن استحسانها وإسمانها ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه
والعتيق عتقه من الجبابرة
أشار به إلى ما ذكر قبل الآيتين المذكورتين من قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج 92 ) وفسر العتيق بقوله عتقه من الجبابرة وعن قتادة أعتق من الجبابرة فكم جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله وعن مجاهد أعتق من الغرق وأخرج عبد بن حميد من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما سمي العتيق لأنه أعتق من الجبابرة وقيل سمي العتيق لقدمه وقيل لأنه لم يملك قط
ويقال وجبت سقطت إلى الأرض ومنه وجبت الشمس
أشار به إلى ما ذكر في الآية المذكورة من قوله فإذا وجبت جنوبها ( الحج 63 ) وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال فإذا وجبت أي سقطت وكذا أخرجه الطبري من طريقين عن مجاهد قوله ومنه أي ومن المعنى المذكور وقولهم وجبت الشمس إذا سقطت للغروب
9861 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال إنها بدنة فقال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها ويلك في الثالثة أو في الثانية
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تكرر ذكرهم وأبو الزناد بكسر الزاي والنون واسمه عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز ولم تختلف الرواة عن مالك عن أبي الزناد فيه ورواه ابن عيينة عن أبي الزناد فقال عن الأعرج عن أبي هريرة أو عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه سعيد بن منصور عنه وقد رواه الثوري عن أبي الزناد بالإسنادين مفرقا
وأخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن إسماعيل بن أبي أويس وفي الأدب عن قتيبة وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة خمستهم عن مالك به
ذكر معناه قوله رأى رجلا لم يدر اسمه قوله يسوق بدنة كذا وقع في أكثر الروايات وفي رواية لمسلم عن أبي الزناد عن الأعرج بهذا الإسناد قال بينما رجل يسوق بدقة مقلدة وفي رواية له عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا

(10/28)


أبو هريرة عن محمد رسول الله فذكر أحاديث منها وقال بينما رجل يسوق بدنة مقلدة قال له رسول الله ويلك إركبها فقال بدنة يا رسول الله قال ويلك إركبها ويلك إركبها وفي رواية لأحمد من حديث عبد الرحمن بن إسحاق والثوري كلاهما عن أبي الزناد ومن طريق عجلان عن أبي هريرة قال اركبها ويحك قال إنها بدنة قال أركبها ويحك وزاد أبو يعلى من رواية الحسن فركبها وللبخاري من طريق عكرمة عن أبي هريرة فلقد رأيته راكبا يساير النبي والنعل في عنقها قوله ويلك قال القرطبي قالها له تأديبا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه ولهذا قال ابن عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا قال ولولا أنه اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة قال القرطبي ويحتمل أن يكون فهم عنه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك فعلى الحالتين هي إنشاء ورجحه عياض وغيره وقالوا والأمر ههنا وإن قلنا إنه للإرشاد لكنه استحق الذم بتوقفه عن امتثال الأمر والذي يظهر أنه ما ترك عنادا ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال وقيل لأنه كان أشرف على هلكة من الجهد وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب فعلى هذا هي إخبار وقيل هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها كقولهم لا أم لك ويقويه ما تقدم في رواية أحمد ويحك بدل ويلك وقال الهروي ويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها وفي ( التوضيح ) ويلك مخرجة مخرج الدعاء عليه من غير قصد إذ أبى من ركوبها أول مرة وقال له إنها بدنة وكان يعلم ذلك فخاف أن لا يكون علمه فكأنه قال له الويل لك في مراجعتك إياي فيما لا نعرف وأعرف وكان الأصمعي يقول ويل كلمة عذاب و ويح كلمة رحمة وقال سيبويه ويح زجر لمن أشرف على هلكة وفي الحديث ويل واد في جهنم قوله في الثالثة أي في المرة الثالثة قوله أو في الثانية أي أو قال ذلك في المرة الثانية وهذا شك من الراوي
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز ركوب البدنة المهداة سواء كانت واجبة أو متطوعا بها لأنه لم يفصل في قوله ولا استفصل صاحبها عن ذلك فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك ويوضح هذا ما رواه أحمد من حديث علي رضي الله تعالى عنه أنه سئل هل يركب الرجل هديه فقال لا بأس قد كان النبي يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديهم
وقد اختلفوا في هذا على أقوال
الأول الجواز مطلقا وبه قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق وبه قالت الظاهرية وهو الذي جزم به النووي في ( الروضة ) تبعا لأصله في الضحايا ونقله في ( شرح المهذب ) عن القفال والماوري
الثاني ما قاله النووي ونقل عنه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما مقيدة بالحاجة وقال الروياني تجويزه بغير الحاجة مخالفة النص وهو الذي نقله الترمذي عن الشافعي حيث قال وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم ركوب البدنة إذا احتاج إلى ظهرها وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وهذا هو المنقول عن جماعة من التابعين أنها لا تركب إلا عند الاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشعبي والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فلذلك قيده صاحب ( الهداية ) من أصحابنا بالاضطرار إلى ذلك
الثالث ما ذكره ابن عبد البر من كراهة الركوب من غير حاجة ونقله عن الشافعي ومالك
الرابع ما قاله ابن العربي يركب للضرورة فإذا استراح نزل يدل عليه ما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله يقول إركبها بالمعروف إذا لجئت إليها حتى تجد ظهرا فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها وروى سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال يركبها إذا أعيي قدر ما يستريح على ظهرها
الخامس المنع مطلقا نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنع عليه بغير وجه قال بعضهم لأن مذهبه هو الذي ذكره الطحاوي وغيره الجواز بغير الحاجة إلا أنه قال إن وقع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه وقيل ضمان النقص وافق عليه الشافعية في الهدي الواجب كالنذر قلت الذي نقله الطحاوي وغيره أن مذهب أبي حنيفة ما ذكره صاحب ( الهداية ) وقد ذكرناه
السادس وجوب الركوب نقله

(10/29)


ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسكا بظاهر الأمر ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة وفي ( الاستذكار ) كره مالك وأبو حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء شرب لبن الناقة بعد ري فصيلها وقال أبو حنيفة والشافعي إن نقصها الركوب والشرب فعليه قيمة ذلك وقال مالك لا يشرب من لبنها فإن شرب لم يغرم وكذا إن ركب للحاجة لا يغرم شيئا
واختلف المجيزون هل يحمل عليها متاعه رضي الله تعالى عنه فمنعه مالك رضي الله تعالى عنه وأجازه الجمهور وكذا إن حمل عليها غيره أجازه الجمهور على التفصيل المذكور
ويجوز في الهدي الأنثى والذكر وإليه ذهب مالك وقال ابن التين إنه لا يهدي إلا الإناث نقله عن الشافعي وفي ( التوضيح ) يجوز إهداء الذكر والأنثى من الإبل وهو مذهبنا وقول جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأن الهدي جهة من جهات القرب فلم يختص بالذكور ولا الإناث كالضحايا
وفيه من العلم تكرير العالم الفتوى وتوبيخ من لا يأتم بها وزجره
0961 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام وشعبة بن الحجاج ) قالا حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها ثلاثا
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مضوا وهشام هو الدستوائي وقد روي هذا الحديث عن قتادة عن أنس وشعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام والحكم بن عبد الملك وأبو عوانة أما حديث شعبة وهشام فانفرد به البخاري وأما سعيد بن أبي عروبة فانفرد بإخراجه النسائي وأما حديث همام فأخرجه البخاري منفردا به في الأدب وأما حديث الحكم بن عبد الملك فرواه أبو الشيخ ابن حبان في الضحايا وأما حديث أبي عوانة فأخرجه الترمذي فقال حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس أن النبي رأى رجلا يسوق بدنة فقال إركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال له في الثالثة أو الرابعة إركبها ويحك أو ويلك ورواه أيضا عن أنس جماعة منهم ثابت البناني وبكير بن الأخنس وعكرمة والمختار بن فلفل أما حديث ثابت فرواه مسلم والنسائي من رواية حميد عن ثابت عن أنس قال مر رسول الله برجل يسوق بدنة فقال إركبها فقال إنها بدنة قال إركبها مرتين أو ثلاثا وأما حديث بكير بن الأخنس فانفرد بإخراجه مسلم من رواية مسعر عنه عن أنس قال سمعته يقول مر رجل على النبي ببدنة أو هدية فقال إركبها قال إنها بدنة أو هدية قال وإن وأما حديث عكرمة والمختار بن فلفل فأخرجهما أبو الشيخ ابن حبان في الضحايا
قوله قتادة عن أنس وعند الإسماعيلي سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قوله قال إركبها إلى آخره وفي رواية أبي ذر رضي الله تعالى عنه إركبها ثلاثا مختصرا قوله ثلاثا أي قالها ثلاث مرات وبقية الكلام مرت في الحديث السابق
401 -
( باب من ساق البدن معه )
أي هذا باب في بيان من ساق البدن معه من الحل إلى الحرم وقال المهلب أراد البخاري أن يعرف أن السنة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم فإن اشتراه من الحرم خرج به إذا حج إلى عرفة وهو قول مالك فإن لم يفعل فعليه البدل وهو قول الليث وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن جبير وروي عن ابن القاسم أنه أجازه وإن لم يقف به بعرفة وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وقال الشافعي وقف الهدي بعرفة سنة لمن شاء إذا لم يسقه من الحل وقال أبو حنيفة ليس بسنة لأنه إنما ساق الهدي من الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم وهذا كله في الإبل فأما البقرة فقد يضعف عن ذلك والغنم أضعف ومن ثمة قال مالك رحمه الله إلا من عرفة أو ما قارب منها لأنها تضعف عن القطع طول المسافة
1961 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم

(10/30)


ابن عبد الله ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال تمنع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدي فساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم النبي مكة قال للناس من كان منكم أهدي فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله فطاف حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف ومشي أربعا فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء وفعل مثل ما فعل رسول الله من أهدى وساق الهدي من الناس
مطابقته للترجمة في قوله فساق معه الهدي
ذكر رجاله وهم ستة كلهم قد ذكروا غير مرة والليث هو ابن سعد وعقيل بضم العين ابن خالد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع واحد قوله عن عقيل وفي رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه حدثني عقيل وفيه أن شيخه يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكرياء المخزومي المصري وفيه أن الليث أيضا مصري وعقيل أيلي وابن شهاب وسالم مدنيان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم وأبو داود جميعا في الحج أيضا عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله ابن المبارك المخزومي عن حجين بن المثنى عن الليث به
ذكر معناه قوله تمنع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج قال المهلب معناه أمر بذلك كما تقول رجم ولم يرجم لأنه كان ينكر على أنس قوله إنه قرن ويقول بل كان مفردا وأما قوله وبدأ بالعمرة فمعناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قيل هذا التأويل من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات لأن الرجم وظيفة الإمام فالذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه وقال بعضهم يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها انتهى قلت كل هذا الذي ذكر لا يشفي العليل ولا يروي الغليل بل الأوجه هنا ما قاله النووي وهو أن معنى تمتع أنه أحرم بالحج مفردا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنا في آخر عمرة والقارن هو متمتع من حيث اللغة ومن حيث المعنى لأنه ترفه باتحاد الميقات والإحرام والفعل جمعا بين الأحاديث وأما لفظ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فهو محمول على التلبية في أثناء الإحرام وليس المراد أنه أحرم أول مرة بالعمرة ثم أحرم بالحج لأنه يؤدي إلى مخالفة الأحاديث الأخر ويؤيد هذا التأويل لفظ وتمتع الناس مع النبي ومعلوم أنهم أحرموا أولا بالحج مفردا وإنما فسخوا إلى العمرة آخرا وصاروا متمتعين وقوله فتمتع الناس يعني في آخر أمرهم قلت هذا الحديث أخرجه البيهقي في ( سننه الكبرى ) من حديث الليث عن عقيل إلى آخره نحوه ثم قال وقد روينا عن عائشة وابن عمر ما يعارض هذا وهو الإفراد وحيث لم يتحلل

(10/31)


من إحرامه إلى آخر شيء ففيه دلالة على أنه لم يكن متمتعا قلت هذا لا يرد على فقهاء الكوفة لأن عندهم المتمتع إذا أهدى لا يتحلل حتى يفرغ من حجه وهذا الحديث أيضا ينفي كونه مفردا لأن الهدي لا يمنع المفرد من الإحلال فهو حجة على البيهقي وفي ( الاستذكار ) لا يصح عندنا أن يكون متمتعا إلا تمتع قران لأنه لا خلاف بين العلماء أنه لم يتحلل من عمرته وأقام محرما من أجل هديه وهذا حكم القارن لا المتمتع وفي ( شرح الموطأ ) لأبي الحسن الأشبيلي ولا يصح عندي أن يكون متمتعا إلا تمتع قران لأنه لا خلاف أنه لم يحل من عمرته حتى أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة وفسخ الحج في العمرة خص به أصحاب رسول الله فلا يجوز اليوم أن يفعل ذلك عند أكثر الصحابة وغيرهم لقوله تعالى وأتموا الحج ( البقرة 691 ) يعني لمن دخل فيه وما أعلم من الصحابة من يجيز ذلك إلا ابن عباس وتابعه أحمد وداود دون سائر الفقهاء وقد مر الكلام فيه مستقصى في باب التمتع والقران قوله فساق معه الهدي من ذي الحليفة وهو الميقات قوله وبدأ رسول الله فأهل بالحج قال ابن بطال إنما يريد أنه بدأ حين أمرهم بالتمتع أن يهلوا بالعمرة أول ويقدموها قبل الحج وأن ينشؤا الحج بعدها إذا حلوا منها قوله وبالصفا والمروة ظاهر في وجوب السعي قوله فتمتع الناس مع النبي أي بحضرته قوله وليقصر على صورة أمر الغائب وكذا في رواية مسلم وفي رواية أبي ذر ويقصر على صورة المضارع وقال الكرماني بالرفع والجزم قلت وجه الرفع أن يكون المضارع على أصله لتجرده عن النواسخ والتقدير وبعد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة يقصر من التقصير وهو أخذ بعض شعر رأسه ووجه الجزم أن يكون عطفا على المجزوم قبله ويكون في التقدير وليقصر وقال الكرماني لم خصص التقصير والحلق جائز بل أفضل وأجاب بأنه أمره بذلك ليبقى له شعر يحلقه في الحج فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة قوله وليحلل صورته أمر ومعناه الخبر يعني صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام قوله ثم ليهل بالحج أي بعد تقصيره وتحلله يحرم بالحج وإنما أتى بلفظ ثم الدال على التراخي ليدل على أنه لا يلزم أن يهل بالحج عقيب إحلاله من العمرة قوله فمن لم يجد هديا أي لم يجده هناك إما لعدم الهدي وإما لعدم ثمنه وإما لكونه يباع بأكثر من ثمن المثل قوله فليصم ثلاثة أيام في الحج وهو اليوم السابع من ذي الحجة والثامن والتاسع قوله وسبعةأي وليصم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله بظاهره أخذ الشافعي لأن المراد حقيقة الرجوع وقال أصحابنا في قوله تعالى وسبعة إذا رجعتم ( البقرة 691 ) معناه إذا فرغتم من أفعال الحج والفراغ سبب الرجوع فأطلق المسبب على السبب فلو صام هذه السبعة بمكة فإنه يجوز عندنا وقال الشافعي لا يجوز إلا أن ينوي الإقامة بها فإن لم يصم الثلاثة في الحج إلى يوم النحر تعين الدم فلا يجوز أن يصوم الثلاثة ولا السبعة بعدها وقال الشافعي يصوم الثلاثة بعد هذه الأيام يعني أيام التشريق وقال مالك يصومها في هذه الأيام قلنا النهي المعروف عن صوم هذه الأيام ولا يؤدى بعدها أيضا لأن الهدي أصل وقد نقل حكمه إلى بدل موصوف بصفة وقد فاتت فعاد الحكم إلى الأصل وهو الهدي وفي ( شرح الموطأ ) للأشبيلي ووقت هذا الصوم من حين يحرم بالحج إلى آخر أيام التشريق والاختيار تقديمه في أول الإحرام رواه ابن الجلاب وإنما اختار تقديمه لتعجيل إبراء الذمة ولأنه وقت متفق على جواز الصوم فيه فإن فاته ذلك قبل يوم النحر صامه أيام منى فإن لم يصم أيام منى صام بعدها قاله علي وابن عمر وعائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وبه قال الشافعي وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه أجاز للمتمتع أن يصوم في العشر وهو حلال وقال مجاهد وطاووس إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه وهذان القولان شاذان وقال أبو بكر الجصاص في ( أحكام القرآن ) اختلف السلف فيمن لم يجد الهدي ولم يصم الأيام الثلاثة قبل يوم النحر فقال عمر بن الخطاب وابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم وطاووس رضي الله تعالى عنهم لا يجزيه إلا الهدي وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقال ابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهما يصوم أيام منى وهو قول مالك وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يصوم بعد أيام التشريق وهو قول الشافعي انتهى فإن قلت روى البخاري في كتاب الصوم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم قالا لم

(10/32)


يرخص في أيام التشريق أن يضمن إلا لمن لم يجد الهدي وروى الطحاوي من حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر أنه يصوم أيام التشريق ورواه البيهقي أيضا في سننه قلت روي عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه قال إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وأراد بهذه الأيام أيام التشريق منهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه الطحاوي بإسناد حسن عنه أنه قال خرج منادي رسول الله في أيام التشريق فقال إن هذه الأيام أيام وأكل وشرب وقد أخرج الطحاوي أحاديث نهي الصوم في أيام التشريق عن ستة عشر نفسا من الصحابة ذكرناهم في ( شرحنا لمعاني الآثار ) للطحاوي وقال الطحاوي لما ثبت بهذه الآثار عن رسول الله النهي عن صيام أيام التشريق وكان نهيه عن ذلك بمنى والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارنا دخل فيه المتمتعون والقارنون في ذلك النهي وأما الحديث الذي رواه سالم عن أبيه مرفوعا فهو ضعيف وفي سنده يحيى بن سلام نزيل مصر قال الدارقطني ضعيف وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فيه مقال وذكر الطحاوي عن شعبة أن حديث يحيى بن سلام حديث منكر لا يثبته أهل العلم بالرواية لضعف يحيى بن سلام وابن أبي ليلى وسوء حفظهما قوله فطاف حين قدم مكة أي فطاف رسول الله وصرح به هكذا في ( صحيح مسلم ) قوله واستلم الركن أول شيء أي استلم الحجر الأسود أول ما قدم قبل أن يبتديء بشيء قوله ثم خب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة أي أسرع في الثلاثة الأول من الأطواف ورمل قوله ومشى أربعا أي أربع مرات أراد أنه لم يرمل في بقية الأطواف وهي الأربعة قوله فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين أي لما فرغ من أطوافه السبعة صلى عند مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام ركعتين وقضى بمعنى أدى وركعتين منصوب بقوله فركع قوله ثم سلم أي عقيب الركعتين فانصرف وأتى الصفا فظاهر الكلام أنه حين فرغ من الركعتين توجه إلى الصفا ولم يشتغل بشيء آخر وحديث جابر الطويل عند مسلم ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا قوله حين قضى حجه أي بالوقوف بعرفة لأنه من أركان الحج وبرمي الجمرات ونحره هديه يوم النحر قوله وأفاض أي بعد الإتيان بهذه الأفعال أفاض إلى البيت فطاف به طواف الإفاضة قوله وفعل مثل ما فعل رسول الله كلمة ما مصدرية أي مثل فعل رسول الله وفاعل فعل هو قوله من أهدى يعني ممن كان مع رسول الله وساق الهدي وكلمة من في من الناس للتبعيض لأن كل من كانوا لم يسوقوا الهدي وقائل هذا الكلام أعني قوله وفعل إلى آخره هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقال بعضهم وأغرب الكرماني فشرحه على أن فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر قلت لم يشرح الكرماني بهذا الشرح إلا بناء على النسخة التي فيها باب من أهدى وساق الهدي على ما نذكره الآن ولهذا قال والصحيح هو الأول يعني أن فاعل فعل هو قوله من أهدى
وعن عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها أخبرته عن النبي في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله
هذا عطف على قوله عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو مقول ابن شهاب وهذه هي النسخة الصحيحة والنسخة التي وقع فيها لفظ باب بين قوله وفعل مثل ما فعل رسول لله وبين قوله من أهل وساق الهدي من الناس وصورتها باب من أهل وساق الهدي وعن عروة أن عائشة أخبرته إلى آخره وهذا خطأ فاحش ونسبت هذه رواية إلى أبي الوقت والظاهر أنه من تخبيط الناسخ
وقد أخرجه مسلم مثل النسخة الصحيحة حيث قال حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وساقه إلى أن قال وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم فيه وفعل مثل ما فعل رسول الله من أهدى فساق الهدي من الناس ثم قال وحدثنيه عبد الملك بن شعيب يعني ابن الليث قال حدثني

(10/33)


أبي عن جدي قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي أخبرته عن رسول الله في تمتعه بالحج إلى العمرة وتمتع الناس معه مثل الذي أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله عن رسول الله انتهى وهذا كما رأيت بإسناد واحد عن سالم وعن عروة وكذلك أبو نعيم ساق الحديث بتمامه في ( المستخرج ) ثم أعاده بمثله عن عائشة بترجمة مستقلة بمثل الإسناد الأول ثم قال في كل منهما أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث قلت وكذلك أخرج مسلم كلا منهما عن عبد الملك بن شعيب بن الليث كما رأيته
501 -
( باب من اشترى الهدي من الطريق )
أي هذا باب في بيان من اشترط الهدي في طريقه عند توجهه إلى الكعبة سواء كان في الحل أو الحرم
3961 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) قال قال ( عبد الله بن عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى ( عنهم ) لأبيه أقم فإني لا آمنها أن ستصد عن البيت قال إذا أفعل كما فعل رسول الله وقد قال الله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فأنا أشهدكم أني قد أوجبت على نفسي العمرة فأهل بالعمرة قال ثم خرج حتى إذا كان بالبيداء أهل بالحج والعمرة وقال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ثم اشترى الهدي من قديد ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا فلم يحل حتى حل منهما جميعا
مطابقته للترجمة في قوله ثم اشترى الهدي من قديد فإن القديد في الطريق في الحل قال ابن بطال أراد أن يبين أن مذهب ابن عمر في الهدي ما أدخل من الحل إلى الحرم لأن قديدا من الحل ورد عليه بأن الترجمة أعم من فعل ابن عمر فكيف يكون بيانا له وقد مضى هذا الحديث في باب طواف القارن فإنه رواه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن أيوب عن نافع إلى آخره فاعتبر التفاوت في السند والمتن والمعنى واحد وهنا أخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي عن حماد بن يزيد عن أيوب السختياني وقد مر البحث فيه هناك قوله لأبيه هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله أقمأمر من الإقامة أراد أنه قال لأبيه لما أراد التوجه إلى الكعبة أقم عندنا لا ترح هذه السنة فإن فيها فتنة الحجاج فيكون فيها قتال يصدك عن البيت قوله فإني لا آمنها أي لا آمن الفتنة وهو بفتح الهمزة الممدودة وفتح الميم المخففة وقد مر في حديث الباب المذكور بلفظ لا آمن وفي رواية المستملي والسرخسي لا أيمنها بكسر الهمزة وسكون الياء وقال سيبويه من العرب من يكسر زوائد كل فعل مضارع فعل ومستقبله يفعل فتقول أنا أعلم وأنت تعلم ونحن نعلم وهو يعلم قوله أن ستصد أي أن ستمنع هذه رواية السرخسي وفي رواية غيره أن تصد بنصب الدال ويروى أن ستصد بالرفع قوله إذا أفعل بالنصب قوله كما فعل رسول الله يعني من الإهلال حين صد بالحديبية قوله فأهل بالعمرة وفي رواية أبي ذر فأهل بالعمرة من الدار وكذا رواه أبو نعيم من رواية علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان شيخ البخاري وفيه حجة على من لم ير بجواز الإحرام من خارج المواقيت ونقل ابن المنذر الإجماع على الجواز ثم قيل هو أفضل من الميقات وقيل من كان له ميقات معين فهو في حقه أفضل وإلا فمن داره أفضل وللشافعية في أرجحية الميقات من الدار اختلاف وقال الرافعي يؤخذ من تعليلهم أي من أمن على نفسه كان أرجح في حقه وإلا فمن الميقات أفضل قوله ما شأنهما إلا واحد يعني في العمل لأن القارن لا يطوف عنده إلا طوافا واحدا وسعيا واحدا وقام الإجماع على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج أن له أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت لأن الصحابة أهلوا بعمرة في حجة الوداع ثم قال لهم رسول الله من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا وبهذا احتج مالك في ( موطئه ) واختلفوا في إدخاله عليها إذا افتتح الطواف فقال مالك يلزمه ذلك ويكون قارنا وذكر أنه

(10/34)


قول عطاء وبه قال أبو ثور وأما إدخال العمرة مع الحج فمنه منه مالك وهو قول إسحاق وأبي ثور والشافعي في الجديد وأجازه الكوفيون وقالوا يصير قارنا وذكر أنه قول عطاء ولكنه أساء فيما فعل قلت القياس عند أبي حنيفة أن لا يمنع من إدخال عمرة على حج لأن من أصله أن على القارن تعدد الطواف والسعي قوله فلم يحل حتى حل وفي رواية السرخسي حتى أحل بزيادة ألف في أوله وفتح الحاء وهي لغة مشهورة يقال حل وأحل قوله منهما أي من العمرة والحجة
601 -
( باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم )
أي هذا باب في بيان من أشعر هديه وفي بيان من قلده والكلام في هذين الفصلين على أنواع
الأول في تفسير الإشعار لغة وهو من الشعور في الأصل وهو العلم بالشيء من شعر يشعر من باب نصر ينصر إذا علم وأشعر من الإشعار بكسر الهمزة وهو الإعلام
النوع الثاني في تفسيره شرعا وهو أن يضرب صفحة سنامها اليمنى بحديدة حتى تتلطخ بالدم ظاهرا ولا نظر إلى ما فيه من الإيلام لأنه لا منع إلا ما منعه الشرع وذكر القزاز أشعرها إشعارا وإشعارها أن يوجأ أصل سنامها بسكين سميت بما حل فيها وذلك لأن الذي فعل بها علامة تعرف بها وفي ( المحكم ) هو أن يشق جلدها أو يطعنها حتى يظهر الدم وزعم ابن قرقول أن إشعارها هو تعليمها بعلامة بشق جلد سنامها عرضا من الجانب الأيمن هذا عند الحجازيين وأما العراقيون فالإشعار عندهم تقليدها بقلادة وقيل الإشعار أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا
النوع الثالث في كيفية الإشعار والاختلاف الذي فيها قال أبو يوسف ومحمد كيفية الإشعار أن يطعنها في أسفل سنامها من الجانب الأيسر حتى يسيل الدم وعند الشافعي وأحمد في قول الأيمن وقال السفاقسي إذا كانت البدنة ذللا أشعرها من الأيسر وإن كانت صعبة قرن بدنتين ثم قام بينهما وأشعر إحداهما من الأيمن والأخرى من الأيسر وقال ابن قدامة وعن أحمد من الجانب الأيسر لأن ابن عمر فعله وبه قال مالك وحكاه ابن حزم عن مجاهد يقول كانوا يستحبون الإشعار في الجانب الأيسر وفي ( شرح الموطأ ) للأشبيلي وجائز الإشعار في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ربما فعل هذا وربما فعل هذا وأكثر أهل العلم يستحبون في الجانب الأيمن منهم الشافعي وإسحاق لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها اليمنى ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين أخرجه مسلم وعند أبي داود ثم سلت الدم بيده وفي لفظ ثم سلت الدم بإصبعه وقال ابن حبيب يشعر طولا وقال السفاقسي عرضا والعرض عرض السنام من العنق إلى الذنب وقال مجاهد أشعر من حيث شئت ثم قال والإشعار طولا في شق البعير أخذا من جهة مقدم البعير إلى جهة عجزه فيكون مجرى الدم عريضا فيتبين الإشعار ولو كان مع عرض البعير كان مجرى الدم يسيرا خفيفا لا يقع به مقصود الإعلان بالهدي
النوع الرابع في صفة الإشعار ذهب جمهور العلماء إلى أن الإشعار سنة وذكر ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) بأسانيد جيدة عن عائشة وابن عباس إن شئت فأشعر وإن شئت فلا وقال ابن حزم في ( المحلى ) قال أبو حنيفة أكره الإشعار وهو مثلة وقال هذه طامة من طوام العالم أن يكون مثلة شيء فعله رسول الله أف لكل عقل يتعقب حكم رسول الله ويلزمه أن تكون الحجامة وفتح العرق مثله فيمنع من ذلك وهذه قولة لا نعلم لأبي حنيفة فيها متقدم من السلف ولا موافق من فقهاء عصره إلا من ابتلاه الله تعالى بتقليده قلت هذا سفاهة وقلة حياء لأن الطحاوي الذي هو أعلم الناس بمذاهب الفقهاء ولا سيما بمذهب أبي حنيفة ذكر أن أبا حنيفة لم يكره أصل الإشعار ولا كونه سنة وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاكها لسراية الجرح لا سيما في حر الحجاز مع الطعن بالسنان أو الشفرة فأراد سد الباب على العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك وأما من وقف على الحد فقطع الجلد دون اللحم فلا يكرهه وذكر الكرماني صاحب المناسك عنه استحسانه قال وهو الأصح لا سيما إذا كان بمبضع ونحوه فيصير كالفصد والحجامة وأما قوله وهذه قولة لا نعلم لأبي حنيفة فيها متقدم من السلف فقول فاسد لأن ابن بطال ذكر أن إبراهيم النخعي أيضا لا يرى بالإشعار ولما روى الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي قلد نعلين وأشعر الهدي في الشق الأيمن بذي الحليفة

(10/35)


وأماط عنه الدم قال سمعت يوسف بن عيسى يقول سمعت وكيعا يقول حين روى هذا الحديث لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا فإن الإشعار سنة وقولهم بدعة قال وسمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال لرجل ممن ينظر في الرأي أشعر رسول الله ويقول أبو حنيفة هو مثلة قال الرجل فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثلة قال فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا وقال أقول لك قال رسول الله وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا انتهى وقال الخطابي لا أعلم أحدا يكره الإشعار إلا أبا حنيفة قال وخالفه صاحباه وقالا بقول عامة أهل العلم قلت الجواب عما نقله الترمذي عن وكيع وعما قاله الخطابي وعن قول كل من يتعقب على أبي حنيفة بمثل هذا يحصل مما قاله الطحاوي وقد رأيت كل ما ذكره وفيه أريحية العصبية والحط على من لا يجوز الحط عليه وحاشا من أهل الإنصاف أن يصدر منهم ما لا يليق ذكره في حق الأئمة الأجلاء على أن أبا حنيفة قال لا أتبع الرأي والقياس إلا إذا لم أظفر بشيء من الكتاب أو السنة أو الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهذا ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم قد خير صاحب الهدي في الإشعار وتركه على ما ذكرناه عن قريب وهذا يشعر منهما أنهما كانا لا يريان الإشعار سنة ولا مستحبا
النوع الخامس في الحكمة في الإشعار منها أن البدنة التي أشعرت إذا اختلطت بغيرها تميزت وإذا ضلت عرفت ومنها أن السارق ربما ارتدع فتركها ومنها أنها قد تعطب فتنحر فإذا رأى المساكين عليها العلامة أكلوها وأنهم يتبعونها إلى المنحر لينالوا منها ومنها أن فيها تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه
النوع السادس أن الإشعار مختص بالإبل أم لا فقال ابن بطال اختلفوا في إشعار البقرة فكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يشعر في أسنمتها وحكاه ابن حزم عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أيضا وقال الشعبي تقلد وتشعر وهو قول أبي ثور وقال مالك تشعر التي لها سناء وتقلد ولا تشعر التي لا سنام لها وقال سعيد بن جبير تقلد ولا تشعر وأما الغنم فلا يسن إشعارها لضعفها ولأن صوفها يستر موضع الإشعار وقال ابن التين وما علمت أحدا ذكر الخلاف في البقرة المسمنة إلا الشيخ أبا إسحاق وما أراه موجودا
النوع السابع في التقليد وهو سنة بالإجماع وهو تعليق نعل أو جلد ليكون علامة الهدي وقال أصحابنا لو قلد بعروة مزادة أو لحي شجرة أو شبه ذلك جاز لحصول العلامة وذهب الشافعي والثوري إلى أنها تقلد بنعلين وهو قول ابن عمر وقال الزهري ومالك يجزىء واحدة وعن الثوري يجزىء فم القربة ونعلان أفضل لمن وجدهما وقال ابن بطال غرض البخاري من هذه الترجمة أن يبين أن المستحب أن لا يشعر المحرم ولا يقلد إلا في ميقات بلده وقيل الذي يظهر أن غرضه الإشارة إلى رد قول مجاهد فإنه قال لا يشعر حتى يحرم وهو عكس ما في الترجمة
وقال نافع كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا أهدى من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة ويطعن في شث سنامه الأيمن بالشفرة ووجهها قبل القبلة باركة
مطابقته للترجمة من حيث إن ابن عمر كان يقلد ويشعر بذي الحليفة فإن بداءته بالتقليد والإشعار يدل على أنه كان يقدمهما على الإحرام وفي الترجمة كذلك فإنه قال ثم أحرم أي بعد الإشعار والتقليد أحرم وهذا التعليق وصله مالك في ( الموطأ ) قال عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه إذا أهدى هديا من المدينة قلده بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به فإذا قدم غداة النحر نحره فإن قلت الذي علقه البخاري يدل على الأيمن والذي رواه مالك يدل على الأيسر قلت قال ابن بطال روى أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يشعرها مرة في الأيمن ومرة في الأيسر فأخذ مالك وأحمد في رواية الأيسر وأخذ الشافعي وأحمد في رواية أخرى برواية الأيمن وعن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر قوله إذا أهدى من المدينة أي هديه قلده والضمير المنصوب في قلده وأشعره يرجع إلى الهدي المقدر الذي هو مفعول أهدى وقد صرح

(10/36)


به في رواية مالك كما وقفت عليه قوله ويطعن بضم العين من الطعن بالرمح ونحوه قوله في شق سنامه بكسر الشين المعجمة وهو الناحية والنصف قوله بالشفرة بفتح الشين المعجمة وهي السكين العظيم قوله ووجهها الضمير المنصوب فيه يرجع إلى البدنة التي هي الهدي وليس بإضمار قبل الذكر لدلالة القرينة عليه قوله باركة نصب على الحال
5961 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( المسور بن مخرمة ومروان ) قالا خرج النبي من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة
مطابقته للترجمة من حيث إنه أحرم بعد تقليده هديه وإشعاره والترجمة في الإشعار والتقليد ثم الإحرام
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار المروزي الثاني عبد الله ابن المبارك الثالث معمر بفتح الميمين ابن راشد الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم السادس المسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء ابن مخرمة بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء ابن نوفل بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب ابن أخت عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري يكنى أبا عبد الرحمن سمع النبي وعمر بن الخطاب وعمر بن عوف عندهما والمغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلم قال ابن بكير مات بمكة يوم جاء نعي يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير سنة أربع وستين وصلى عليه ابن الزبير وأصابه حجر المنجنيق وهو يصلي في الحجر فمات في شهر ربيع الأول وولد بعد الهجرة بسنتين وتوفي النبي وهو ابن ثمان سنين وكان أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر السابع مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك القرشي الأموي يقال إنه رأى النبي قاله الواقدي ولم يحفظ عنه شيئا وتوفي النبي وهو ابن ثمان سنين قال خليفة مات مروان بدمشق لثلاث خلت من شهر رمضان سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وخمسين سنة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان ومعمرا بصري سكن اليمن والبقية مدنيون غير أن مسورا أقام بمكة إلى أن مات بها كما ذكرنا وفيه أن هذا الحديث من مراسيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم قاله صاحب ( التلويح ) وقال لأن سنه كان في الحديبية أربع سنين وأما مروان فلم تصح له صحبة وفيه أن مروان من أفراده وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وعن التابعي أيضا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره قال صاحب ( التلويح ) أخرجه البخاري في عشرة مواضع مختصرا من حديث طويل وقال الحافظ المزي أخرجه في كتاب الشروط عن عبد الله بن محمد وفي الحج أيضا عن محمود عن عبد الرزاق وفي المغازي عن علي بن عبد الله مختصرا وفيه عن عبد الله بن محمد أيضا وأخرجه أبو داود في الحج عن عبد الأعلى عن سفيان عن الزهري به وأخرجه النسائي في السير عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن يحيى بن سعيد عن ابن المبارك ببعضه
ذكر معناه قوله خرج النبي من المدينة ويروى خرج النبي زمن الحديبية من المدينة وقال الكرماني قوله من المدينة وفي بعضها بدله من الحديبية قوله في بضع عشرة البضع بكسر الباء الموحدة والفتح ما بين الثلاث إلى التسع قوله قلد النبي الهدي وفي رواية الدارقطني أن النبي ساق يوم الحديبية سبعين بدنة عن سبعمائة رجل وفي رواية كانوا في الحديبية خمس عشرة مائة وفي رواية أربع عشرة مائة
ذكر ما يستفاد منه فيه تقليد الهدي وإشعاره قبل الإحرام وفيه مشروعية التقليد ومشروعية الإشعار وقال ابن

(10/37)


بطال من أراد أن يحرم بالحج والعمرة وساق معه هديا لا يقلده إلا من ميقات وكذلك يستحب له أيضا أن لا يحرم إلا من ذلك الميقات على ما عمل به النبي هذا في الحديبية وفي حجته أيضا وكذلك من أراد أن يبعث بهدي إلى البيت ولم يرد الحج والعمرة وأقام في بلده فإنه يجوز له أن يقلده وأن يشعر في بلده ثم يبعث به كما فعل النبي إذ بعث بهديه مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه سنة تسع ولم يوجب ذلك على النبي إحراما ولا تجردا من ثياب ولا غير ذلك وعلى هذا جماعة أئمة الفتوى مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وردوا قول ابن عباس فإنه كان يرى أن من بعث بهدي إلى الكعبة لزمه إذا قلده الإحرام ويجتنب كل ما يجتنب الحاج حتى ينحر هديه وتابع ابن عباس على ذلك ابن ابن عمر رضي الله تعالى عنه على خلاف عنه وسعيد بن جبير ومجاهد قال أبو عمر وقيس بن سعد بن عبادة وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه وميمون بن شبيب ويروى مثل ذلك في أثر مرفوع عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي رواه أسد بن موسى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عنه وابن أبي لبيبة شيخ ليس ممن يحتج به فيما ينفرد به فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه ولكنه قد عمل بحديثه بعض الصحابة وقال أبو عمر ولا يختلف العلماء أن هدي كل من كان ميقاته ذا الحليفة أنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة وإنما يؤخر إحرامه إلى الجحفة المغربي والشامي وفي ( التلويح ) وتابع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا الشعبي والنخعي وأبو الشعثاء ومجاهد والحسن بن أبي الحسن ذكره في ( المصنف ) وحكاه أيضا عن عمر وعلي وابن سيرين رضي الله تعالى عنهم وبه قال عطاء وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن ربيعة بن الهدير رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل عنه فقالوا أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد فذكر ذلك لابن الزبير فقال بدعة ورب الكعبة وقال الطحاوي لا يجوز عندنا أن يكون حلف ابن الزبير على ذلك إلا أنه قد علم أن السنة على خلافه والله أعلم
6961 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( أفلح ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت فتلت قلائد بدن النبي بيدي ثم قلدها وأشعرها وأهداها فما حرم عليه شيء كان أحل له
مطابقته للترجمة في قوله قم قلدها وأشعرها وأبو نعيم الفضل بن دكين وأفلح بن حميد مولى الأنصار والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يروي عن عمته عائشة رضي الله تعالى عنها
وأخرجه البخاري أيضا في الحج عن القعنبي وأخرجه مسلم وأبو داود جميعا فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن الحارث وعن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله بدن النبي بضم الباء الموحدة وسكون الدال جمع بدنة قوله فما حرم عليه شيء ويروى وما حرم بالواو يعني الذي حرم عليه شيء كان أحل له قبل ذلك أراد به محظورات الإحرام
وفيه من الأحكام تقليد الهدي وإشعارها ومنه مباشرة التقليد والإشعار بيده وهو أفضل من الاستنابة كذبح الأضحية واختلف مالك ابن شهاب في المرأة فقال ابن شهاب تلي ذلك بنفسها وأنكره مالك وقال لا تفعل ذلك إلا أن لا تجد من يلي ذلك لأنه لا يفعله إلا من ينحره
701 -
( باب فتل القلائد للبدن والبقر )
أي هذا باب في بيان فتل القلائد لأجل التعليق على البدن وهو جمع قلادة قوله والبقر أي وللبقر
7961 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) عن ( حفصة ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قالت قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أحل من الحج

(10/38)


مضى هذا الحديث في باب التمتع والإقران فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن نافع وعن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة زوج النبي إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك قيل وليس في هذا الحديث ذكر البقر فلا مطابقة بينه وبين الترجمة قلت لفظ الهدي يتناول الإبل والبقر جميعا لأنه صح أن النبي أهداهما جميعا وقال الكرماني كيف دل الحديث على الترجمة ثم أجاب بأن التقليد لابد له من الفتل وتبعه بعضهم على ذلك فقال مناسبته للترجمة من جهة أن التقليد يستلزم تقدم الفتل عليه قلت هذا غير مسلم لأن القلادة أعم من أن تكون من شيء يفتل ومن شيء لا يفتل
8961 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) وعن عمرة بنت عبد الرحمان أن عائشة رضي الله تعالى عنهما قالت كان رسول الله يهدي من المدينة فأفتل قلائد ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تكرر ذكرهم
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة ويزيد بن خالد وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح كلهم عن ليث عن الزهري عن عروة وعمرة كلاهما عن عائشة به
قوله وعن عمرة عطف على عروة وابن شهاب روى هذا الحديث عن عروة بن الزبير وعن ( عمرة بنت عبد الرحمن ) جميعا كلاهما عن ( عائشة ) قوله ثم لا يجتنب أي النبي قوله مما يجتنبه المحرم ويروى مما يجتنب المحرم معناه أنه كان يبعث بالهدي ولا يحرم فلهذا لا يجتنب عن محظورات الإحرام وقد بوب مسلم على هذا الحديث حيث قال باب البعث بالهدي وتقليده من غير أن يحرم
وقال النووي وفيه دليل على استحباب بعث الهدي إلى الحرم وأن من لم يذهب إليه يستحب له بعثه مع غيره وفيه أن من بعث هديه لا يصير محرما ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا رواية حكيت عن ابن عباس وابن عمر وعطاء وسعيد ابن جبير رضي الله تعالى عنهم وحكاه الخطابي أيضا عن أهل الرأي أنه إذا فعل ذلك لزمه اجتناب ما يجتنبه المحرم ولا يصير محرما من غير نية الإحرام والصحيح ما قاله الجمهور ولهذه الأحاديث الصحيحة
801 -
( باب إشعار البدن )
أي هذا باب في بيان إشعار البدن وحكم الإشعار قد علم مما تقدمه من الأبواب وإنما ذكر هذا الباب مع أن فيه حديثين أحدهما معلق وقد ذكرهما فيما قبل لأجل اختلاف سنده ولبعض التفاوت في المتون يظهر لك عند الوقوف عليه
وقال عروة عن المسور رضي الله تعالى عنه قلد النبي الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة
مطابقته للترجمة في قوله وأشعره وعلقه عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة وأخرجه موصولا عن قريب في باب من أشعر وقلده بذي الحليفة
9961 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( أفلح بن حميد ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت فتلت قلائد هدي النبي ثم أشعرها وقلدها أو قلدتها ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حل
قد ذكر هذا الحديث في باب من أشعر وقلد بذي الحليفة فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن أفلح وههنا عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن أفلح إلى آخره قوله أو قلدتها شك من الراوي وفيه جواز الإستنابة في التقليد قوله وأقام بالمدينة

(10/39)


يعني حلالا فما حرم عليه شيء من محظورات الإحرام قوله كان له حل أي حلال وهذه الجملة في محل الرفع لأنها صفة لقوله شيء وهو مرفوع بقول فما حرم بضم الراء
901 -
( باب من قلد القلائد بيده )
أي هذا باب في بيان من قلد القلائد على الهدي بيده بدون استنابة لغيره بذلك
00 - 7 - 1 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ) عن عمرة بنت عبد الرحمان أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله تعالى عنهاأن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه قالت عمرة فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها ليس كما قال ابن عباس إنا فتلت قلائد هدي رسول الله بيدي ثم قلدها رسول الله بيديه ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله شيء أحله الله حتى نحر الهدي
مطابقته للترجمة في قوله ثم قلدها رسول الله بيديه ورجاله قد ذكروا وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قد مر في باب الوضوء مرتين وهذه رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر سقط عمرو وعمرة هي خالة عبد الله الراوي عنها ورجال الإسناد كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وزياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف دال مهملة ابن أبي سفيان أبو المغيرة وهو الذي ادعاه معاوية أخا له لأبيه فألحقه بنسبه وقيل له زياد بن أبيه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الوكالة عن إسماعيل بن أبي أويس وأخرجه مسلم أيضا في الحج عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن منصور عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بالحديث دون القصة
قوله إن زياد بن أبي سفيان كذا وقع في ( الموطأ ) وكان شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقيل استلحاق معاوية له لأنه كان يقال له زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوى ابنه ابنته وأمر زيادا على العراقين البصرة والكوفة جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين ووقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك أن ابن زياد بدل قوله إن زياد بن أبي سفيان قالوا إنه وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه ممن يتكلم على صحيح مسلم والصواب ما وقع في البخاري لأنه هو الموجود عند جميع رواة الموطأ وكذا وقع في سنن أبي داود وغيرهامن الكتب المعتمدة ولأن ابن زياد لم يدرك عائشة رضي الله تعالى عنها قوله من أهدى أي من بعث الهدي إلى مكة قوله على الحاج ويروى من الحاج قوله حتى ينحر هديه على صيغة المجهول قوله قالت عمرة أي ( عمرة بنت عبد الرحمن ) المذكورة في السند وإنما قالت بالسند المذكور قوله ثم بعث بها أي ثم بعث رسول الله بالهدي وإنما أنث الضمير باعتبار البدنة لأن هديه الذي بعث به كان بدنة قوله مع أبي بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة المخففة وهو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان بعثه بهديه مع أبي بكر سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس قوله حتى نحر الهدي أي حتى نحر أبو بكر الهدي ويروي حتى نحر على صيغة المجهول وقال الكرماني فإن قلت عدم الحرمة ليس مغيا إلى النحر إذ هو باق بعده فلا مخالفة بين حكم ما بعد الغاية وما قبلها قلت هو غاية النحر لا لما يحرم أي الحرمة المنتهية أي النحر لم يكن وذلك لأنه رد لكلام ابن عباس وهو كان مثبتا للحرمة إلى النحر انتهى ووقعت زيادة في رواية مسلم هنا عن يحيى بن يحيى بعد قوله حتى ينحر الهدي وهي وقد بعث بهديي فأكتبي إلي بأمرك ووقعت في رواية الطحاوي زيادة أخرى وهي بعد قوله فاكتبي إلي بأمرك أو مري صاحب الهدي أي الذي معه الهدي يعني مري بما يصنع وأخرج الطحاوي هذا الحديث من ثمانية

(10/40)


عشر طريقا كلها في بيان حجة من قال لا يجب على من بعث بهدي أن يتجرد عن ثيابه ولا يترك شيء مما يتركه المحرم إلا بدخوله في الإحرام إما بحج وإما بعمرة وقد مضى الكلام فيه مستقصى في باب من أشعر وقلد بذي الحليفة وقد ذكرنا أنهم ردوا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه فيما ذهب إليه من قوله إن من بعث بهديه إلى مكة وأقام هو فإنه يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى ينحر هديه وقال ابن التين خالف ابن عباس رضي الله تعالى عنه في هذا جميع الفقهاء واحتجت عائشة بفعل رسول الله وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه ولعل ابن عباس رضي الله تعالى عنه رجع عنه انتهى قلت ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي ومنهم قيس بن سعد بن عبادة أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته إنه يمسك عما يمسك عنه المحرم وهذا منقطع وقال الكرماني فإن قلت ما وجه رد عائشة على ابن عباس قلت حاصله أن ابن عباس قال ذلك قياسا للتوكيل في أمر الهدي على المباشرة له فقالت له عائشة لا اعتبار للقياس في مقابلة السنة الظاهرة انتهى قلت لا نسلم أن ابن عباس قال ذلك قياسا بل الظاهر أنه إنما قاله لقيام دليل من السنة عنده ولم يقل ابن عباس هذا وحده كما ذكرناه الآن ألا يرى أن جماعة من التابعين وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري ومحمد بن سيرين ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وافقوا ابن عباس فيما ذهب إليه من ذلك واحتج لهم الطحاوي في ذلك من حديث جابر بن عبد الله قال كنت عند النبي جالسا فقد قميصه حتى أخرجه من رجليه فنظر القوم إلى النبي فقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنة وأقام بالمدينة وإسناده حسن وأخرجه أبو عمر أيضا
وفي هذا الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيء بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة وفيه رد بعض العلماء على بعض وفيه رد الاجتهاد بالنص وفيه أن الأصل في أفعال النبي التأسي حتى تثبت الخصوصية
011 -
( باب تقليد الغنم )
أي هذا باب في بيان تقليد الغنم
1071 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت أهدي النبي مرة غنما
مطابقته للترجمة من حيث إن من لوازم الهدي التقليد شرعا وأبو نعيم الفضل بن دكين والأعمش سليمان وإبراهيم النخعي والأسود ابن يزيد
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وأخرجه أبو داود فيه عن هناد عن وكيع وأخرجه النسائي فيه عن هناد وعن ابن بشار وعن إسماعيل بن مسعود وأخرجه ابن ماجه فيه عن ابن أبي شيبة وعن علي بن محمد واحتج الشافعي بهذا الحديث على أن الغنم تقلد وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وابن حبيب وقال مالك وأبو حنيفة لا تقلد لأنها تضعف عن التقليد وقال أبو عمر احتج من لم يره بأن الشارع إنما حج حجة واحدة لم يهد فيها غنما وأنكروا حديث الأسود الذي في البخاري في تقليد الغنم قالوا هو حديث لا يعرفه أهل بيت عائشة وقال بعضهم ما أدري ما وجه الحجة منه لأن حديث الباب دل على أنه أرسلها وأقام فكان ذلك قبل حجته قطعا فلا تعارض بين الفعل والترك لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز ثم من الذي صرح به من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك انتهى قلت الهدي الذي أرسل به رسول الله من الغنم

(10/41)


ليس هدي الإحرام ولهذا أقام حلالا بعد إرساله ولم ينقل أنه أهدى غنما في إحرامه وقوله فلا تعارض بين الفعل والترك كلام واه لأن من ادعى التعارض بينهما والتعارض تقابل الحجتين وههنا الفعل لم يوجد فكيف يتصور التعارض حتى يحتاج إلى دفعه وقوله ثم من الذي صرح من الصحابة إلى آخره يرد بأن يقال من الذي صرح منهم بأنه كان في هداياه في حجته غنم وقال هذا القائل أيضا والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم من الهدي فالحديث حجة عليهم قلت هذا افتراء على الحنفية ففي أي موضع قالت الحنفية إن الغنم ليست من الهدي بل كتبهم مشحونه بأن الهدي اسم لما يهدى من الغنم إلى الحرم ليتقرب به قالوا وأدناه شاة لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما استيسر من الهدي شاة وعن هذا قالوا الهدي إبل وبقر وغنم ذكورها وإناثها حتى قالوا هذا بالإجماع وإنما مذهبهم أن التقليد في البدنة والغنم ليست من البدنة فلا تقلد لعدم التعارف بتقليدها إذ لو كان تقليدها سنة لما تركوها وقالوا في الحديث المذكور تفرد به الأسود ولم يذكره غيره على ما ذكرنا وادعى صاحب المبسوط أنه أثر شاذ فإن قلت كيف يقال تركوها وقد ذكر ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة وعن أبي جعفر رأيت الكباش مقلدة وعن عبد الله بن عبيد بن عمير أن الشاة كانت تقلد وعن عطاء رأيت أناسا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم يسوقون الغنم مقلدة قلت ليس في ذلك كله أن التقليد كان في الغنم التي سيقت في الإحرام وأن أصحابها كانوا محرمين على أنا نقول إنهم ما منعوا الجواز وإنما قالوا بأن التقليد في الغنم ليس بسنة
2071 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كنت أفتل القلائد للنبي فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالا
هذا طريق آخر للحديث المذكور عن أبي النعمان بضم النون وهو محمد بن الفضل السدوسي عن عبد الواحد بن زياد وإنما أردف الطريق السابق بهذا الطريق لأن فيه تصريح الأعمش بالتحديث عن إبراهيم وفي هذا الطريق أيضا زيادة وهو التقليد وذكر إقامته في أهله حلالا وللحنفية أن يحتجوا بالزيادة الثانية فيما ذهبوا إليه من أن تقليد الغنم إنما يكون إذا كان في الأحرام
3071 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) قال حدثنا ( منصور بن المعتمر ) قال ( ح ) وحدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كنت أفتل قلائد الغنم للنبي فيبعث بها ثم يمكث حلالا
هذان طريقان آخران أحدهما عن أبي النعمان المذكور عن حماد بن زيد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة والآخر عن محمد بن كثير عن سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم
وأخرجه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كنت أفتل قلائد هدي النبي كلها غنما ثم لا يحرم وقال بعضهم أردف رواية عبد الواحد برواية منصور عن إبراهيم استظهارا لرواية عبد الواحد لما في حفظ عبد الواحد عندهم وأن كان هو عنده حجة
4071 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( زكرياء ) عن ( عامر ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت فتلت لهدي النبي تعني القلائد قبل أن يحرم
هذا طريق آخر لحديث عائشة المذكور عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع عنها
وأخرجه البخاري أيضا في الضحايا عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل عن

(10/42)


الشعبي وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن سعيد بن منصور عن هشيم عن إسماعيل به وعن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عن زكريا به وعن أبي موسى عن عبد الوهاب الثقفي عن داود بن أبي هند عن الشعبي وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي عن يحيى عن إسماعيل به فإن قلت هذا الحديث لا يدل ظاهرا على كون القلائد للغنم فلا يطابق الترجمة قلت لفظ الهدي يتناول الغنم أيضا لأنه فرد من أفراد ما يهدى إلى الحرم وأيضا إرداف هذا الحديث بالحديثين السابقين يدل على أنه مثلهما في حكم تقليد الغنم
111 -
( باب القلائد من العهن )
أي هذا باب في بيان حكم القلائد من العهن بكسر العين المهملة وسكون الهاء وفي آخره نون وهو الصوف المصبوغ ألوانا ويقال كل صوف عهن والقطعة منه عهنة والجمع عهون ذكره في ( الموعب ) وفي ( المحكم ) المصبوغ أي لون كان وقال ابن قرقول هو الأحمر من الصوف
5071 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( معاذ بن معاذ ) قال حدثنا ( ابن عون ) عن ( القاسم ) عن أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت فتلت قلائده من عهن كان عندي
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن علي بن كثير أبو حفص الصيرفي البصري ومعاذ بن معاذ بضم الميم وتخفيف العين المهملة وبالذال المعجمة في اللفظين ابن نصر بن حسان العنبري التميمي قاضي البصرة مات سنة ست وتسعين ومائة وابن عون هو عبد الله بن عون أرطبان مر في كتاب العلم
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن محمد بن المثنى بأتم من البخاري وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد وأخرجه النسائي فيه عن الحسن بن محمد الزعفراني
قوله عن أم المؤمنين هي عائشة رضي الله تعالى عنها بينه أبو نعيم في ( المستخرج ) عن يحيى بن حكيم عن معاذ وكذا في كتاب الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عون قوله فتلت قلائدها أي البدن أو الهدايا وفي رواية يحيى المذكورة أنا فتلت تلك القلائد ورواه مسلم من وجه آخر عن ابن عون مثله وزاد فأصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي الحلال من أهله
وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن يكون من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقال ابن التين لعله أراد الأولى مع القول بجواز كونها من الصوف
211 -
( باب تقليد النعل )
أي هذا باب في بيان حكم تقليد الهدي بالنعل وهو الحذاء مؤنثه وتصغيرها نعيلة تقول نعلت وانتعلت إذا احتذيت والألف واللام فيه للجنس يتناول الواحدة وما فوقها وفي حكمها خلاف فعند الثوري الشرط نعلان في التقليد وعند غيره تجوز الواحدة وقال آخرون لا يتعين النعل في التقليد بل كل ما قام مقامها يجزىء حتى أذن الإداوة والقطعة من المزادة والحكمة فيه أنه إشارة إلى السفر والجد فيه وقيل الحكمة فيه أن العرب تعتد النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق فكان الذي أهدى وقلده بالنعل خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره فبالنظر إلى هذا يستحب النعلان في التقليد
6071 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( عبد الأعلى بن عبد الأعلى ) عن ( معمر ) عن ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( عكرمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن نبي الله رأى رجلا يسوق بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها قال فلقد رأيته راكبها يساير النبي والنعل في عنقها

(10/43)


مطابقته للترجمة في قوله والنعل في عنقها
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد كذا وقع غير منسوب في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر محمد هو ابن سلام وكذا وقع لابن السكن وقال الجياني لعله محمد بن المثنى لأنه قال بعد هذا في باب الذبح قبل الحلق حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى يؤيده ما رواه الإسماعيلي وأبو نعيم في ( مستخرجيهما ) من طريق الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى فذكرا حديث النعل الثاني عبد الأعلى ابن عبد الأعلى ابن محمد السامي بالسين المهملة من بني سامة بن لؤي الثالث معمر بفتح الميمين ابن راشد الرابع يحيى بن أبي كثير واسم أبي كثير صالح بن المتوكل وقيل غير ذلك الخامس عكرمة مولى ابن عباس وأما عكرمة بن عمار فهو تلميذ يحيى بن أبي كثير لا شيخه السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه إن كان محمد بن سلام فهو البيكندي البخاري وهو من أفراده وإن كان محمد بن المثنى فهو البصري وكذلك عبد الأعلى ومعمر بصريان ويحيى بن أبي كثير يمامي وعكرمة مدني وفيه ثلاثة مذكورون بغير نسبة وفيه من هو اسمه واسم أبيه واحد وفيه رواية تابعي عن تابعي وقيل يحيى رأى أنسا يصلي ولم يرو عنه شيئا
ذكر معناه قوله يسوق بدنة جملة حالية قوله قال أي أبو هريرة قوله فلقد رأيته أي الرجل المذكور قوله راكبها نصب على الحال لأن إضافته لفظية فهو نكرة ويجوز أن يكون بدلا من ضمير المفعول في رأيته وقد مر البحث فيه في باب ركوب البدن فإنه أخرج هناك أيضا عن أبي هريرة من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
تابعه محمد بن بشار
ظاهر العبارة أن محمد بن بشار تابع محمد بن المثنى وقال بعضهم المتابع بالفتح هو معمر والمتابع بالكسر هو محمد بن بشار ظاهرا ولكنه في التحقيق هو علي بن المبارك ثم قال إنما احتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم بالبصرة من حفظة وهذا من رواية البصريين انتهى قلت الذي يقتضيه حق التركيب يرد ما قاله على ما لا يخفى والذي حمله على هذا ذكر علي بن المبارك في السند الذي يأتي عقيب هذا وهذا في غاية البعد على ما لا يخفى غاية ما في الباب أن السند الذي فيه علي بن المبارك يظهر أنه تابع معمرا في روايته في نفس الأمر لا في الظاهر لأن التركيب لا يساعد ما قاله أصلا فافهم
حدثنا ( عثمان بن عمر ) قال أخبرنا ( علي بن المبارك ) عن ( يحيى ) عن ( عكرمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي
أشار بهذا الطريق إلى أن متابعة علي بن المبارك معمرا لما ذكرنا وفي بعض النسخ قال حدثنا أي قال البخاري ويروى أخبرنا عثمان عن عمر بن فارس البصري قال أخبرنا علي بن المبارك الهنائي البصري عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن علي بن المبارك بمتابعة عثمان بن عمر وقال إن حسينا المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضا
311 -
( باب الجلال للبدن )
أي هذا باب في بيان حكم الجلال المعدة للبدن وهو بكسر الجيم جمع جل بضم الجيم وهو الذي يطرح على ظهر الحيوان من الإبل والفرس والحمار والبغل وهذا من حيث العرف ولكن العلماء قالوا إن التجليل مختص بالإبل من كساء ونحوها
وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا يشق من الجلال إلا موضع السنام وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها

(10/44)


هذا التعليق وصل بعضه مالك في ( الموطأ ) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يجلل بدنه القباطي والجلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها وعن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان ابن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة قال كان يتصدق بها وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير عن مالك زاد فيه غير يحيى عن مالك إلا موضع السنام إلى آخر الأثر المذكور قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضا وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن يرجع في شيء أهل به لله ولا في شيء أضيف إليه انتهى وقال أصحابنا ويتصدق بجلال الهدي وزمامه لأنه أمر عليا رضي الله تعالى عنه بذلك كما يجيء الآن والظاهر أن هذا الأمر أمر استحباب وقال ابن بطال كان مالك وأبو حنيفة والشافعي يرون تجليل البدن ثم إعلم أن فائدة شق الجل من موضع السنام ليظهر الإشعار ولا يستر تحتها
7071 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال أمرني رسول الله أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها
مطابقته للترجمة ظاهرة وقبيصة بفتح القاف ابن عقبة بن عامر السوائي العامري الكوفي وسفيان هو الثوري وابن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم واسمه عبد الله بن يسار المكي وابن أبي ليلى هو ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) واسم أبي ليلى يسار بن بلال له صحبة
والحديث أخرجه أيضا في الوكالة عن قبيصة وأخرجه أيضا في الحج عن أبي نعيم وعن مسدد وعن محمد بن كثير وأخرجه مسلم في الحج عن ابن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد وزهير بن حرب وعن يحيى بن يحيى وعن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان بن عيينة وعن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام وعن محمد ابن حاتم ومحمد بن مرزوق وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن عمرو بن عون وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عمرو بن يزيد وعن عمرو بن ( علي ) وعن إسحاق بن منصور وعن يعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وعن محمد بن آدم وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن الصباح وفي الأضاحي عن محمد بن معمر وقال البخاري في باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا فأمرني فقسمت لحمومها ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها ولا أعطى عليها شيئا في جزارتها وفي لفظ وكانت مائة بدنة والجزارة بكسر الجيم اسم الفعل وبالضم السواقط التي يأخذها الجازر قاله ابن التين وقال ابن الأثير الجزارة بالضم كالعمالة ما يأخذه الجزار من الذبيحة من أجرته وأصلها أطراف البعير الرأس واليدان والرجلان سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته وقال ابن الجوزي قال قوم هي كالخياطة يريد بها عمله فيها
411 -
( باب من اشترى هديه من الطريق وقلده )
ذكر هذا الباب قبل ثمانية أبواب بقوله باب من اشترى الهدي من الطريق وزاد في هذه الترجمة قوله وقلده قوله هديه بسكون الدال وفتح الياء آخر الحروف ويجوز بكسر الدال وتشديد الياء وفي بعض النسخ وقلدها بتأنيث الضمير إما باعتبار أن الهدي اسم الجنس أو باعتبار ما صدق عليه الهدي وهو البدنة ويروى ببدنة بالتاء الفارقة بين اسم الجنس وواحده
8071 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أبو ضمرة ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) قال أراد ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال ونخاف أن يصدوك فقال لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة إذا أصنع كما صنع أشهدكم أني أوجبت عمرة حتى كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني جمعت حجة مع عمرة وأهدى هديا مقلدا اشتراه حتى قدم

(10/45)


هذا التعليق وصل بعضه مالك في ( الموطأ ) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يجلل بدنه القباطي والجلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها وعن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان ابن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة قال كان يتصدق بها وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير عن مالك زاد فيه غير يحيى عن مالك إلا موضع السنام إلى آخر الأثر المذكور قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضا وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن يرجع في شيء أهل به لله ولا في شيء أضيف إليه انتهى وقال أصحابنا ويتصدق بجلال الهدي وزمامه لأنه أمر عليا رضي الله تعالى عنه بذلك كما يجيء الآن والظاهر أن هذا الأمر أمر استحباب وقال ابن بطال كان مالك وأبو حنيفة والشافعي يرون تجليل البدن ثم إعلم أن فائدة شق الجل من موضع السنام ليظهر الإشعار ولا يستر تحتها
7071 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال أمرني رسول الله أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها
مطابقته للترجمة ظاهرة وقبيصة بفتح القاف ابن عقبة بن عامر السوائي العامري الكوفي وسفيان هو الثوري وابن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم واسمه عبد الله بن يسار المكي وابن أبي ليلى هو ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) واسم أبي ليلى يسار بن بلال له صحبة
والحديث أخرجه أيضا في الوكالة عن قبيصة وأخرجه أيضا في الحج عن أبي نعيم وعن مسدد وعن محمد بن كثير وأخرجه مسلم في الحج عن ابن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد وزهير بن حرب وعن يحيى بن يحيى وعن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان بن عيينة وعن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام وعن محمد ابن حاتم ومحمد بن مرزوق وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن عمرو بن عون وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عمرو بن يزيد وعن عمرو بن ( علي ) وعن إسحاق بن منصور وعن يعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وعن محمد بن آدم وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن الصباح وفي الأضاحي عن محمد بن معمر وقال البخاري في باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا فأمرني فقسمت لحمومها ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها ولا أعطى عليها شيئا في جزارتها وفي لفظ وكانت مائة بدنة والجزارة بكسر الجيم اسم الفعل وبالضم السواقط التي يأخذها الجازر قاله ابن التين وقال ابن الأثير الجزارة بالضم كالعمالة ما يأخذه الجزار من الذبيحة من أجرته وأصلها أطراف البعير الرأس واليدان والرجلان سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته وقال ابن الجوزي قال قوم هي كالخياطة يريد بها عمله فيها
411 -
( باب من اشترى هديه من الطريق وقلده )
ذكر هذا الباب قبل ثمانية أبواب بقوله باب من اشترى الهدي من الطريق وزاد في هذه الترجمة قوله وقلده قوله هديه بسكون الدال وفتح الياء آخر الحروف ويجوز بكسر الدال وتشديد الياء وفي بعض النسخ وقلدها بتأنيث الضمير إما باعتبار أن الهدي اسم الجنس أو باعتبار ما صدق عليه الهدي وهو البدنة ويروى ببدنة بالتاء الفارقة بين اسم الجنس وواحده
8071 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أبو ضمرة ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) قال أراد ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال ونخاف أن يصدوك فقال لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة إذا أصنع كما صنع أشهدكم أني أوجبت عمرة حتى كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني جمعت حجة مع عمرة وأهدى هديا مقلدا اشتراه حتى قدم
فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضى طوافه الحج والعمرة بطوافه الأول ثم قال كذلك صنع النبي
مطابقته للترجمة في قوله وأهدى هديا مقلدا اشتراه وكان الشراء من قديد كما صرح به في الحديث الماضي المذكور في باب من اشترى الهدي من الطريق وقد أخرج هذا الحديث في الباب المذكور عن أبي النعمان عن حماد عن أيوب عن نافع قال قال عبد الله بن عبد الله بن عمر إلى آخره وهنا أخرجه عن إبراهيم بن المنذر أبي إسحاق الحزامي المدني وهو من أفراده عن أبي ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض الليثي المدني عن موسى بن عقبة عن أبي عياش الأسدي المدني عن نافع مولى ابن عمر وهم كلهم مدنيون فاعتبر التفاوت بين متني حديثي البابين
قوله عام حجة الحرورية وفي رواية الكشميهني عام حج الحرورية والحرورية بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى منسوبة إلى قرية من قرى الكوفة والمراد بهم الخوارج وقد مر تحقيقه في باب لا تقضي الحائض الصلاة قوله في عهد ابن الزبير يعني في أيام عبد الله بن الزبير بن العوام فإن قلت هذا يخالف قوله في باب طواف القارن ومن رواية الليث عن نافع عام نزل الحجاج بابن الزبير لأن خجة الحرورية كانت في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير قلت توجيهه بأحد الأمرين أحدهما أن الراوي قد أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق والآخر أن يحمل على تعدد القصة قوله فقيل له الظاهر أن القائل لابن عمر بهذا القول هو ولده عبد الله لأنه صرح بذلك في رواية أيوب عن نافع الذي مضى في باب من اشترى الهدي من الطريق قوله إذا إصنع كما صنع أي حينئذ أصنع في حجي كما صنع رسول الله في الحديبية قوله حتى كان بظاهر البيداء ويروى حين كان والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة سمي به لأنها ليس فيها بناء ولا أثر وكل مفازة بيداء قوله اشتراه أي من قديد كما ذكرنا قوله وبالصفاء ويروى وبالصفا والمروة قوله ورأى أن قد قضى أي أدى قوله الحج منصوب بنزع الخافض أي الحج قال الكرماني كما هو مصرح به في بعض النسخ ويروى طواف الحج منصوب بنزع الخافض أي الحج قال الكرماني كما هو مصرح به في بعض النسخ ويروى طواف الحج بإضافة الطواف إلى الحج قوله بطوافه الأول أي طوافه الذي وقع أولا قال الكرماني أي لم يجعل للقرآن طوافين بل اكتفى بالأول فقط وهو مذهب الشافعي حيث قال يكفي للقارن طواف واحد انتهى قلت إنما فسر الكرماني بهذا التفسير نصرة لمذهب إمامه ولكن لا يتم به دعواه لأنه لا يستلزم قوله بطوافه الأول أن يكون طوافا واحدا في نفسه لأن الطوافين يطلق عليهما الطواف الأول بالنسبة إلى طواف الركن وهو طواف الإفاضة لأنه لا بد من الطواف بعد الوقوف فافهم قوله ثم قال كذلك صنع النبي ويروى هكذا صنع النبي
511 -
( باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن )
أي هذا باب في بيان حكم ذبح الرجل البقر إلى آخره هذا التقدير على أن يكون في معنى الترجمة استفهام بمعنى هل يجزىء ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن إذ وجب عليهن الدم وجوابه يفهم من حديث الباب أنه يجزىء عنهن وعن هذا قال المهلب في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من الفقه أنه من كفر عن غيره كفارة يمين أو كفارة ظهار أو قتل أو أهدى عنه أو أدى عنه دينا فإن ذلك يكون مجزئا عنه لأن نساء النبي لم يعرفن ما أدى عنهن لما وجب عليهن من نسك التمتع
9071 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن عمرة بنت عبد الرحمان قالت سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله من لم يكن معه هدي إذا

(10/46)


طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هاذا قال نحر رسول الله عن أزواجه قال يحيى فذكرته للقاسم فقال أتتك بالحديث على وجهه
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة بالذبح والحديث بلفظ النحر وأجيب بأنه أشار بلفظ الذبح إلى ما ورد في بعض طرق الحديث بلفظ الذبح وسيأتي هذا بعد سبعة أبواب في باب ما يأكل من البدن وما يتصدق وللعلماء فيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى
ذكر رجاله وهم خمسة قد تكرر ذكرهم ويحيى بن سعيد الأنصاري و ( عمرة بنت عبد الرحمن ) بن سعد بن زرارة الأنصارية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه القول في موضعين وفيه أن رجاله مدنيون ما خلا شيخ البخاري فإنه تنيسي وهو أيضا من أفراده وفيه رواية التابعي عن التابعية عن الصحابية وفيه عن عمرة وفي رواية سليمان بن بلال عن يحيى حدثتني عمرة وسيأتي إن شاء الله تعالى
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن القعنبي عن مالك وفي الحج أيضا عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن القعنبي عن سليمان بن بلال وعن محمد ابن أبي المثنى وعن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وعن عمرو ابن علي وعن هناد
ذكر معناه قوله لخمس بقين كذا قالته ( عائشة ) لأنها حدثت بذلك بعد أن انقضى الشهر فإن كان في الشهر فالصواب أن تقول لخمس إن بقين لأنه لا يدري الشهر كامل أو ناقص قوله من ذي القعدة بفتح القاف وكسرها سمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال قوله لا نرى بضم النون وفتح الراء أي لا نظن إلا الحج وهذا يحتمل أن تريد حين خروجهم من المدينة قبل الإهلال ويحتمل أن تريد إن إحرام من أحرم منهم بالعمرة لا يحل حتى يردف الحج فيكون العمل لهما جميعا والإهلال منهما ولا يصح إرادتها أن كلهم أحرم بالحج لحديثها الآخر من رواية عمرة عنها فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بهما وقيل لا نرى إلا الحج أي لم يقع في أنفسهم إلا ذلك وقال الداودي وفيه دليل أنهم أهلوا منتظرين وترد عليه رواية لا نذكر إلا الحج قوله أن يحل بكسر الحاء أي يصير حلالا بأن يتمتع وأما من معه الهدي فلا يتحلل حتى يبلغ الهدي قوله فدخل علينا على صيغة المجهول بضم الدال قوله يوم النحر بالنصب على الظرفية أي في يوم النحر قوله نحر رسول الله عن أزواجه مقتضاه نحر البقر قوله فقال أتتك أي قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم أتتك عمرة رضي الله تعالى عنها بالحديث الذي حدثته على وجهه يعني ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا ولا غيرته بتأويل ولا غيره فذكرت ابتداء الإحرام وانتهاءه حتى وصلوا إلى مكة وفيه تصديق لعمرة وإخبار عن حفظها وضبطها
ذكر ما يستفاد منه فيه أن نحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ( البقرة 76 ) وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها وقال مالك إن ذبح الجزور من غير ضرورة أو نحر الشاة من غير ضرورة لم تؤكل وكان مجاهد يستحب نحر البقر قلت الحديث ورد بلفظ النحر كما ههنا وورد أيضا بلفظ الذبح وعليه ترجم البخاري على ما يأتي إن شاء الله تعالى قيل يجوز أن يكون الراوي لما استوى الأمران عنده عبر مرة بالنحر ومرة بالذبح وفي رواية ضحى قال ابن التين فإن يكن هدايا فهو أصل مذهب مالك وإن يكن ضحايا فيحتمل أن تكون واجبة كوجوب ضحايا غير الحاج وقال القدوري المستحب في الإبل النحر فإن ذبحها جاز ويكره وإنما يكره فعله لا المذبوح والذبح هو قطع العروق التي في أعلى العنق تحت اللحيين والنحر يكون في اللبة كما أن الذبح يكون في الحلق وفيه احتجاج جماعة من العلماء في جواز الاشتراك في هدي التمتع والقران ومنعه مالك قال ابن بطال ولا حجة لمن خالفه في هذا الحديث

(10/47)


لأن قوله نحر عن أزواجه بقرة واحدة فإن يونس انفرد به وحده وخالفه مالك فأرسله ورواه القاسم وعمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه نحر عن أزواجه البقر يحتمل أن يكون نحر عن كل واحدة منهن بقرة قال وهذا غير مدفوع في التأويل ورد بأنه يدفعه رواية عروة عن عائشة ذبح رسول الله عمن اعتمر من نسائه بقرة ذكره ابن عبد البر من حديث الأوزاعي عن الزهري عن عروة وفي ( الصحيحين ) من حديث جابر ذبح رسول الله عن نسائه بقرة يوم النحر وفي رواية بقرة في حجته وفي رواية ذبحها عن نسائه وفي ( صحيح الحاكم ) على شرط الشيخين من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ذبح رسول الله عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن وقال ابن بطال فإن قيل إنما نحر البقرة عنهن على حسب ما أتى عنه في الحديبية أنه نحر البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة قيل هذه دعوى لا دليل عليها لأن نحره في الحديبية كان عندنا تطوعا والاشتراك في هدي التطوع جائز على رواية ابن عبد الحكم عن مالك والهدي في حديث عائشة واجب والاشتراك ممتنع في الهدي الواجب فالحديثان مستعملان عندنا على هذا التأويل وقال القاضي إسماعيل وأما رواية يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه نحر عن أزواجه بقرة واحدة فإن يونس انفرد به وحده وخالفه مالك فأرسله ورواه القاسم وعمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه نحر عن أزواجه البقر وحدثنا بذلك أبو مصعب عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وحدثنا به القعنبي عن سليمان بن بلال عن يحيى عن عمرة عنها انتهى واعلم أن الشاة لا تجزىء إلا عن واحد وأنها أقل ما يجب وذكر بعض شراح ( الهداية ) أنه إجماع وقال السكاكي وقال مالك وأحمد والليث والأوزاعي تجوز الشاة عن أهل بيت واحد وكذا بقرة أو بدنة والبدنة تجزىء عن سبعة إذا كانوا يريدون بها وجه الله وكذا البقرة وإن كان أحدهم يريد الأكل لم يجز عن الكل وكذا لو كان نصيب أحدهم أقل من السبع ويستوي الجواب إذا كان الكل من جنس واحد أو من أجناس مختلفة أحدهم يريد جزاء الصيد والآخر هدي المتعة والآخر الأضحية بعد أن يكون الكل لوجه الله تعالى وهذا استحسان والقياس أن لا يجوز وبه قال زفر رحمه الله تعالى وفيه ما قاله الداودي وهو النحر عمن لم يأمر فإن الإنسان يدركه ما عمل عنه بغير أمره وأن معنى قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) أي لا يكون له ما سعاه غيره لنفسه وقد قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم ( البقرة 732 ) مع قوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( النساء 92 ) فخرج هذا عموما يراد به الخصوص ثم بينه بقوله ولا تنسوا الفضل بينكم ( البقرة 732 ) وبقوله إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( سورة الأحزاب 6 ) وبقوله من بعد وصية يوصى بها أو دين ( النساء 11 ) فليس للإنسان إلا ما سعى أو سعى له
611 -
( باب النحر في منحر النبي بمنى )
أي هذا باب في بيان النحر في منحر النبي المنحر بفتح الميم اسم الموضع الذي تنحر فيه الإبل وقال ابن التين منحر النبي هو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى وأخرج الفاكهي عن ابن جريج عن عطاء عن طاووس قال كان منزل النبي بمنى عن يسار المصلي وقال غير طاووس وأمر بنسائه أن ينزلن جنب الدار بمنى وأمر الأنصار أن ينزلوا الشعب وراء الدار انتهى والشعب هو عند الجمرة المذكورة وللنحر في منحر النبي فضيلة لما روى مسلم فقال حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي عن جعفر قال حدثني أبي عن جابر أن رسول الله قال نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف وقال النووي في هذه الألفاظ بيان رفق النبي بأمته وشفقته عليهم في تنبيههم عن مصالح دينهم ودنياهم فإنه ذكر لهم الأكمل والجائز فالأكمل موضع نحره ووقوفه والجائز كل جزء من أجزاء منى للنحر وجزء من أجزاء عرفات وجزء من أجزاء مزدلفة وقال في ( شرح المهذب ) قال الشافعي وأصحابنا يجوز نحر الهدي ودماء الجبرانات في جميع الحرم لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى وأفضل موضع في منى للنحر موضع نحر رسول الله وما قاربه والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة لأنها موضع تحليله كما أن منى موضع تحليل

(10/48)


الحاج
قوله فانحروا في رحالكم أي في منازلكم قال أهل اللغة رحل الرجل منزله سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر ومعنى الحديث منى كلها يجوز النحر فيها فلا تتكلفوا في النحر في موضع نحري بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى والله أعلم
0171 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) سمع ( خالد بن الحارث ) قال حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه كان ينحر في المنحر قال عبيد الله منحر رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله منحر رسول الله وهذا الحديث من أفراده وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بإسحاق بن راهويه كذلك أخرجه إسحاق في ( مسنده ) وأخرجه من طريقه أبو نعيم وخالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي البصري وهو من أفراد البخاري وعبيد الله بن عمر بن الخطاب
قوله قال عبيد الله هو ابن عمر المذكور ومعناه أن مراد نافع بإطلاق النحر هو منحر رسول الله وقد أخرج البخاري هذا الحديث في الأضاحي أوضح من هذا فقال حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحارث فذكره قال قال عبيد الله يعني منحر النبي
1171 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما كان يبعث بهديه من جمع من آخر الليل حتى يدخل به منحر النبي مع حجاج فيهم الحر والمملوك
مطابقته للترجمة ظاهرة وإنما ذكر حديث موسى بن عقبة عن نافع عقيب الحديث السابق لكونه مصرحا بإضافة المنحر إلى رسول الله في نفس الحديث وأفاد أيضا هذا الحديث أن وقت بعث الهدي إلى المنحر من المزدلفة من آخر الليل
قوله من جمع بفتح الجيم وسكون الميم هو المزدلفة قوله حجاج بضم الحاء جمع حاج قوله فيهم الحر والمملوك أي في الحجاج يعني أن ابن عمر لم يكن يخص في بعث هديه مع الحجاج الحر منهم ولا المملوك وأشار به إلى أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون العبيد
711 -
( باب من نحر بيده )
أي هذا باب في بيان من نحر هديه بيده ولم يفوضه إلى غيره ويأتي حديث هذا الباب بعد باب آخر بأتم منه بهذا الإسناد بعينه وهذا الباب بهذه الترجمة لم يثبت إلا في رواية أبي ذر عن المستملي ولهذا لا يوجد في أكثر النسخ
294 - ( حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وذكر الحديث قال ونحر النبي بيده سبع بدن قياما وضحى بالمدينة كبشين أملحين أقرنين مختصرا )
مطابقته للترجمة في قوله ونحر النبي بيده سبع بدن
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول سهل بن بكار بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف أبو بشر الدارمي مر في باب خرص التمر الثاني وهيب بن خالد بن عجلان الثالث أيوب السختياني الرابع أبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي الخامس أنس بن مالك
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رجاله كلهم بصريون
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الحج عن موسى بن إسماعيل عن وهيب ومسدد عن إسماعيل بن علية وفي الجهاد عن سليمان بن حرب وعن قتيبة بن سعيد مقطعا بعضه في الحج وبعضه في الجهاد وأخرجه مسلم في الصلاة عن خلف بن هشام وقتيبة بن سعيد وأبي الربيع الزهراني وعن زهير بن حرب ويعقوب بن

(10/49)


إبراهيم الدورقي وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل مقطعا بعضه في الحج وبعضه في الأضاحي وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة عن حماد بن زيد به
( ذكر معناه ) قوله قال أي أنس قوله سبع بدن بضم الباء جمع بدنة ويروى سبعة بدن وقال التيمي أراد بالبدن الأبعرة فلذلك ألحق الهاء بالسبعة قوله قياما نصب على الحال من البدن قوله وضحى بالمدينة كبشين قال ابن التين صوابه بكبشين قال صاحب التوضيح وكذا هو في أصل ابن بطال قوله أملحين تثنية أملح وهو الأبيض يخالطه أدنى سواد قوله أقرنين تثنية أقرن وهو الكبير القرن
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه نحر الهدي بيده وهو أفضل إذا أحسن النحر وفيه نحره قائمة وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وقال أبو حنيفة والثوري تنحر باركة وقائمة واستحب عطاء أن ينحرها باركة معقولة وروى ابن أبي شيبة عن عطاء إن شاء قائمة وإن شاء باركة وعن الحسن باركة أهون عليها وعن عمر رأيت ابن الزبير رضي الله عنه ينحرها وهي قائمة معقولة وفي سنن أبي داود من حديث أبي الزبير عن جابر أنه وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها قال أبو الزبير رضي الله عنه وأخبرني عبد الرحمن بن سابط مرسلا أنه وأصحابه الحديث وفيه الأضحية وسيجيء الكلام فيها إن شاء الله تعالى -
811 -
( باب نحر الإبل مقيدة )
أي هذا باب في بيان نحر الإبل حال كونه مقيدة
3171 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( يونس ) عن ( زياد بن جبير ) قال رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها قال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد وقال شعبة عن يونس أخبرني زياد
مطابقته للترجمة في قوله قياما مقيدة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن مسلمة بفتح الميمين القعنبي الثاني يزيد من الزيادة ابن زريع تصغير زرع أبو معاوية العيشي الثالث يونس بن عبيد بن دينار الرابع زياد بكسر الزاي ابن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن حية ضد الميتة الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع واحد وفيه الرؤية وفيه أن شيخه مدني سكن البصرة والبقية بصريون وفيه أن زيادا ليس في الصحيحين إلا هذا الحديث وحديث آخر أخرجه البخاري في النذر بهذا الإسناد وأخرجه في الصوم بإسناد آخر إلى يونس بن عبيد وقد اشترك زياد بن جبير مع زيد بن جبير في روايتهما عن ابن عمر وليس بينهما أخوة لأن زيدا طائي كوفي وزياد ثقفي بصري وقد سبقت رواية زيد ابن جبير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه في أوائل الحج
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم به
ذكر معناه قوله قد أناخ بدنته أي أبركها قوله ينحرها جملة حالية وفي رواية أحمد عن إسماعيل بن علية لينحرها قوله قال أي ابن عمر قوله ابعثها أي أثرها يقال بعثت الناقة أي أثرتها قوله قياما مصدر بمعنى قائمة وانتصابه على الحال المقدرة ويقال معنى ابعثها أقمها فعلى هذا انتصاب قياما على المصدرية وقال الكرماني أو عامله محذوف نحو انحرها قلت فعلى هذا انتصاب قياما على الحال بمعنى قائمة يدل عليه رواية الإسماعيلي إنحرها قائمة قوله مقيدة نصب على الحال من الأحوال المترادفة أو المتداخلة ومعناه معقولة برجل وهي قائمة على الثلاث قوله سنة محمد نصب بعامل محذوف تقديره اتبع سنة محمد في ذلك ويجوز الرفع على تقدير أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هو سنة محمد ويدل على ذلك رواية الحربي في المناسك بلفظ فقال انحرها قائمة فإنها سنة محمد

(10/50)


وفيه من الفوائد استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة وفيه تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحا وفيه أن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحيهما قوله وقال شعبة إلى آخره تعليق أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال أخبرنا النضر بن شميل حدثنا شعبة عن يونس سمعت زياد بن جبير قال انتهيت مع ابن عمر فإذا رجل قد اضجع بدنته وهو يريد أن ينحرها فقال قياما مقيدة سنة محمد وقال صاحب ( التلويح ) التعليق على شعبة رواه العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي في كتاب المناسك عن عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن يونس عن زياد بن جبير فذكره وقال بعضهم ليس فيه وفاء مقصود البخاري فإنه أخرج هناك طريق شعبة لبيان سماع يونس له من زيادة انتهى قلت إنما قصد صاحب ( التلويح ) ذكر مجرد الاتصال مع قطع النظر عما ذكره
911 -
( باب نحر البدن قائمة )
أي هذا باب في بيان نحر البدن حال كونها قائمة وفي رواية الكشميهني قياما
وقال ابن عمعر رضي الله تعالى عنهما سنة محمد
مطابقته للترجمة ظاهرة وفي بعض النسخ وقال ابن عمر سنة محمد وهذا التعليق قد ذكره موصولا في الباب السابق
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صواف قياما
أشار به إلى تفسير لفظ صواف الذي في قوله تعالى فاذكروا اسم الله عليها صواف ( الحج 63 ) أي قياما كذا أخرجه سعيد ابن منصور عن ابن عيينة في ( تفسيره ) عن عبد الله بن أبي يزيد عنه في تفسير قوله تعالى فاذكروا اسم الله عليها صواف ( الحج 63 ) قال قياما وصواف بتشديد الفاء جمع صافة بمعنى مصطفة في قيامها وفي ( مستدرك ) الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى صوافن أي قياما على ثلاثة قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وصوافن بكسر الفاء وفي آخره نون جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب وعن إبراهيم ومجاهد رضي الله تعالى عنهما الصواف على أربعة والصوافن على ثلاثة وعن طاووس ومجاهد الصواف تنحر قياما
4171 - حدثنا ( سهل بن بكار ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال صلى النبي الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فبات بها فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح فلما علا على البيداء لبى بهما جميعا فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا ونحر النبي بيده سبع بدن قياما وضحى بالمدينة كبشين أملحين أقرنين
مطابقته للترجمة في قوله ونحر النبي بيده سبع بدن قياما وقد تقدم هذا الحديث مختصرا بهذا الإسناد بعينه في باب من نحر بيده قبل هذا الباب بباب وقد ذكرنا هناك أن هذا الباب أعني باب من نحر بيده غير موجود إلا في رواية أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن المستملي وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى
قوله فبات بها فلما أصبح وفي رواية الكشميهني فبات بها حتى أصبح أي فبات النبي بذي الحليفة إلى أن أصبح قوله لبى بهما أي بالحج والعمرة وهذا يصرح بأنه كان قارنا ولا اعتبار لتأويل من يؤول أن معنى قوله فلبى بهما أمر من أهل بالقران لأنه كان هو مفردا لأنه خروج عن معنى يقتضيه التركيب إلى معنى غير صحيح يظهر ذلك بأدنى تأمل قوله

(10/51)


أمرهم أن يحلوا يعني لمن لم يكن معهم الهدي قوله سبع بدن كذا في رواية أبي ذر وفي رواية كريمة وغيرها سبعة بدن وقد ذكرنا وجهه في باب من نحر بيده قوله قياما نصب على الحال بمعنى قائمة
5171 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( إسماعيل ) عن ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال صلى النبي الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين
هذا طريق آخر في صدر حديث أنس رضي الله تعالى عنه المذكور قبله فإنه أخرجه قبله عن سهيل بن بكار عن وهيب ابن خالد عن أيوب وهذا أخرجه عن مسدد عن إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد الله ابن زيد وقد ذكرنا في باب من نحر بيده أن البخاري رضي الله تعالى عنه أخرج هذا الحديث عن جماعة مفرقا مختصرا ومطولا
وعن أيوب عن رجل عن أنس رضي الله تعالى عنه ثم بات حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب رحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحجة
قال الكرماني هو إسناد مجهول لكنه مذكور على سبيل المتابعة ويحتمل في المتابعات ما لا يحتمل في الأصول وقيل المراد به أبو قلابة انتهى ونقل صاحب ( التلويج ) عن الداودي أنه قال في آخره ليس بمسند لأن بين أيوب وأنس رجل مجهول ولو كان عن أبي قلابة محفوظا لم يكن عنه لجلالة أبي قلابة وثقته وإنما يكنى عمن فيه نظر وقال ابن التين يحتمل أن يكون أيوب نسيه وهو ثقة بل هو أولى أن يحمل عليه لأنه لم علم أن فيه نظرا لوجب عليه أن يذكر اسمه أو يسقط حديثه لا يرويه البتة انتهى وقيل أشار به إلى اختلاف إسماعيل بن علية ووهيب بن خالد عن أيوب فساق وهيب عنه بإسناد واحد وهو الذي روى عن وهيب سهل بن بكار شيخ البخاري وإسماعيل روى مرة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وهو الذي روى عنه مسدد شيخ البخاري المذكور آنفا ومرة روى إسماعيل عن أيوب عن رجل عن أنس رضي الله تعالى عنه وهذه الطريقة التي أشار إليها البخاري بقوله وعن أيوب عن رجل عن أنس أي وروى إسماعيل عن أيوب عن رجل عن أنس فافهم
021 -
( باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا )
أي هذا باب يذكر فيه لا يعطي صاحب الهدي الجزار من الهدي الذي يذبحه شيئا هذا التقدير على أن يكون قوله لا يعطي على صيغة المعلوم والجزار منصوب به وعلى تقدير أن يكون لا يعطى على صيغة المجهول يكون الفاعل محذوفا والجزار مرفوعا لإسناد الفعل أليه
6171 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) قال أخبرني ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال بعثني النبي فقمت على البدن فأمرني فقسمت لحومها ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها قال سفيان ( ح ) وحدثني عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال قال أمرني النبي أن أقوم على البدن ولا أعطي عليها شيئا في جزارتها
مطابقته للترجمة في قوله ولا أعطي عليها شيئا في جزارتها
ذكر رجاله وهم سبعة الأول محمد بن كثير ضد القليل أبو عبد الله العبدي الثاني سفيان الثوري الثالث عبد الله بن يسار بن أبي نجيح الرابع مجاهد بن جبير الخامس ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) يسار السادس عبد الكريم بن مالك مات سنة سبع وعشرين ومائة السابع ( علي )

(10/52)


بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ستة مواضع وفيه أن شيخه بصري وسفيان كوفي وابن أبي نجيح ومجاهد مكيان وعبد الرحمن كوفي وعبد الكريم جزري وفيه القول في أربعة مواضع
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن أبي نعيم عن سيف وعن مسدد عن يحيى وفيه وفي الوكالة عن قبيصة عن سفيان وأخرجه مسلم في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد وزهير بن حرب ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة وعن يحيى بن يحيى وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن حاتم وعن محمد ابن مرزوق وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن عمرو بن عون وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عمران بن يزيد وعن عمرو بن علي وعن يعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وعن محمد بن آدم وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن الصباح وفي الأضاحي عن محمد بن معمر
ذكر معناه قوله حدثني ابن أبي نجيح ويروى أخبرني ابن أبي نجيح قوله قال سفيان هو الثوري وليس بمعلق لأنه معطوف على قوله أخبرنا سفيان وقد وصله النسائي أيضا وقال أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا سفيان فذكره قوله فقمت على البدن أي التي أرصدها للهدي وفي الرواية الأخرى أن أقوم على البدن أي عند نحرها للاحتياط بها ولم يقع هنا بيان عدد البدن ووقع في الرواية الثالثة أنها مائة بدنة ووقع في رواية أبي داود من طريق إبن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نحر النبي ثلاثين بدنة وأمرني فنحرت سائرها والأصح من ذلك ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل ثم انصرف النبي إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غير وأشركه في هديه الحديث فعرف منه أن البدن كانت مائة بدنة وأنه نحر منها ثلاثا وستين وأن عليا نحر الباقي فإن قلت كيف الجمع بينه وبين رواية إبن إسحاق قلت النبي نحر ثلاثين ثم أمر عليا أن ينحر فنحر سبعا وثلاثين مثلا ثم نحر النبي ثلاثا وثلاثين هذا بطريق يتأتى ذلك وإلا فالذي رواه مسلم أصح والله أعلم قوله في جزارتها قال ابن التين الجزارة بالكسر اسم للفعل وبالضم اسم للسواقط وقد استقصينا الكلام فيه في باب الجلال للبدن وعلى ما ذكره ابن التين ينبغي أن تقرأ الجزارة بالكسر قيل وبه صحت الرواية فإن صحت بالضم جاز أن يكون المراد لا يعطي من بعض الجزور أجرة الجزار
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز التوكيل في القيام على مصالح الهدي من ذبحه وقسمة لحمه وغير ذلك وفيه قسمة جلاله وجلوده يعني بين الفقراء لقول علي رضي الله تعالى عنه أمرني رسول الله أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي أجر الجزار منها وقال نحن نعطيه من عندنا وفيه أنه لا يعطى أجرة الجزارة من لحم الهدي وقال ابن خزيمة النهي عن إعطاء الجزار المراد به أنه لا يعطى منها عن أجرته وكذا قال البغوي في ( شرح السنة ) قال وأما إذا أعطي أجرته كاملة ثم تصدق عليه إذا كان فقيرا كما يتصدق على الفقراء فلا بأس بذلك وقيل إعطاء الجازر على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة وأما إعطاؤه صدقة أو هدية أو زيادة على حقة فالقياس الجواز ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه فيرجع إلى المعاوضة وقال القرطبي ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير وفيه من استدل به على منع بيع الجلد قال القرطبي وفيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم وإعطائها حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية واستدل أبو ثور على أنهم اتفقوا على جواز الانتفاع به فكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه وعورض باتفاقهم على جواز الأكل من لحم هدي التطوع ولا يلزم من جواز أكله جواز بيعه وفي ( التوضيح ) واختلفوا في بيع الجلد فروي عن ابن عمر أنه لا بأس بأن يبيعه ويتصدق بثمنه قاله أحمد وإسحاق وقال

(10/53)


أبو هريرة من باع إهاب أضحيته فلا أضحية له وقال ابن عباس يتصدق به أو ينتفع به ولا يبيعه وعن القاسم وسالم لا يصح بيع جلدها وهو قول مالك وقال النخعي والحاكم لا بأس أن يشتري به الغربال والمنحل والفأس والميزان ونحوها وقال القدوري ويتصدق بجلدها وقال صاحب ( الهداية ) لأنه جزء منها أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت كانطع والجراب والغربال ونحو ذلك وقال صاحب ( الهداية ) ولا بأس بأن يشتري به ما نتفع بعينه مع بقاء عينه كالجراب ونحوه استحسانا وقال شيخ الإسلام في شرح الكتفي ولا بأس بأن يشتري بجلد أضحيته متاعا للبيت لأنه أطلق له الانتفاع دون البيع فكل ما كان في معنى الانتفاع يجوز وما لا فلا وقال محمد في ( نوادر هشام ) ولا يشتري به الخل والبزر وله أن يشتري ما لا يؤكل مثل الغربال والثوب ولو اشترى باللحم خبزا جاز لأنه ينتفع به كما ينتفع باللحم إذ اللحم لا يؤكل مفردا وإنما يؤكل مع الخبز ولو اشترى باللحم متاع البيت لا يجوز وقال شيخ الإسلام خواهر زاده الجواب في اللحم كالجواب في الجلد إن باعه بالدراهم تصدق بثمنه وإن باعه بشيء آخر ينتفع به كما في الجلد انتهى وقال عطاء إن كان الهدي واجبا تصدق بإهابه وإن كان تطوعا باعه إن شاء في الدين وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يكسو جلالها الكعبة فلما كسيت الكعبة تصدق بها وقال النووي قالوا يستحب أن يكون قيمة الجلال ونفاستها بحسب حال الهدي وكان بعض السلف يجلل بالوشي وبعضهم بالحيرة وبعضهم بالقباطي والملاحف والأزر
121 -
( باب يتصدق بجلود الهدي )
أي هذا باب يذكر فيه أنه يتصدق صاحب الهدي بجلود هديه
7171 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( الحسن بن مسلم وعبد الكريم الجزري ) أن ( مجاهدا ) أخبرهما أن عبد الرحمان بن أبي ليلى أخبره أن عليا رضي الله تعالى عنه أخبره أن النبي أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأصل هذا الحديث مر في باب الجلال للبدن فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) عن علي رضي الله تعالى عنه إلى آخره وأخرجه أيضا في الباب السابق عن محمد بن كثير عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي ولهذا الحديث طرق مختلفة وذلك لأن في طريق هذا الباب أن ابن جريج يروي عن الحسن بن مسلم وعبد الكريم الجزري عن مجاهد وفي طريق الباب السابق يروي سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكذلك في طريق حديث باب الجلال للهدي ويروي سفيان أيضا عن عبد الكريم عن مجاهد ويروي عن سفيان في أحد الطريقين قبيصة وفي الآخر محمد بن كثير وساق البخاري حديث الباب بلفظ الحسن بن مسلم وأما لفظ عبد الكريم فقد أخرجه مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو خيثمة عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال أمرني رسول الله أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأن لا أعطي الجزار منها قال نحن نعطيه من عندنا وبقية الكلام فيه قد مرت في الأبواب المذكورة
221 -
( باب يتصدق بجلال البدن )
أي هذا باب يذكر فيه يتصدق صاحب الهدي بجلال البدن
8171 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سيف بن أبي سليمان ) قال سمعت ( مجاهدا ) يقول حدثني ( ابن أبي ليلى عليا ) رضي الله تعالى عنه حدثه قال أهدى النبي مائة بدنة فأمرني بلحومها

(10/54)


فقسمتها ثم أمرني بجلالها ثم بجلودها فقسمتها
هذا طريق آخر عن مجاهد أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين عن سفيان بن أبي سليمان المخزومي المكي ويقال سيف بن سليمان تقدم في أبواب القبلة وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن
وفيه من الفوائد أنه عين كمية بدن النبي بأنها مائة بدنة
321 -
( باب وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائش الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ( الحج 62 03 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى وإذ بوأنا الآيات إلى قوله خير له عند ربه هكذا وقع في رواية كريمة وقال بعضهم والمراد منها ههنا قوله تعالى فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ولذلك عطف عليها في الترجمة وما يأكل من البدن وما يتصدق أي لبيان المراد من الآية انتهى قلت هذا الذي قاله إنما يمشي أن لو لم يكن بين هذه الآيات وبين قوله ما يأكل من البدن وما يتصدق باب لأن المذكور في معظم النسخ بعد قوله فهو خير له عند ربه باب ما يأكل من البدن وما يتصدق وأين العطف في هذا وكل واحد من البابين ترجمة مستقلة والظاهر أنه ذكر هذه الآيات ترجمة ولم يجد فيها حديثا يطابقها إما لأنه لم يجده على شرطه أو أدركه الموت قبل أن يضعه ووجه آخر وهو أقرب منه هو أن هذه الآيات مشتملة على أحكام ذكر هذه الآيات تنبيها على هذه الأحكام وهي تطهير البيت للطائفين والمصلين من الأصنام والأوثان والأقذار وأمر الله تعالى لرسوله أن يؤذن للناس بالحج وذلك في حجة الوداع على ما نذكره عن قريب وشهود المنافع الدينية والدنياوية المختصة بهذه العبادة وذكر اسم الله تعالى في أيام معلومات وهي عشر ذي الحجة على قول وشكرهم له على ما رزقهم من الأنعام يذبحون والأمر بالأكل منها وإطعام الفقير وقضاء التفث مثل حلق الرأس ونحوه والوفاء بالنذر والطواف بالبيت العتيق وتعظيم حرمات الله تعالى
قوله وإذ بوأنا أي اذكر إذ جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة ومرجعا يرجع إليه للعبادة والعمارة يقال بوأ الرجل منزلا أعده وبوأه غيره منزلا أعطاه وأصله إذا رجع واللام في لإبراهيم مقحمة لقوله تعالى بوأنا بني إسرائيل ( يونس 39 ) وقوله تبوىء المؤمنين ( آل عمران 121 ) قوله مكان البيت أي موضع الكعبة قيل المكان جوهر يمكن أن يثبت عليه غيره كما أن الزمان عرض يمكن أن يحدث فيه غيره فإن قيل كيف يكون النهي عن الإشراك والأمر بالتطهير تفسيرا للتبوئة أجيب بأنه كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة فكأنه قيل وإذا تعبدنا إبراهيم قلنا له لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي من الأصنام والأوثان قوله والقائمين أي المصلين لأن الصلاة قيام وركوع وسجود والركع جمع راكع والسجد جمع ساجد لم يذكر الواو بين الركع والسجد وذكر بين القائمين والركع لكمال الاتصال بين الركع والسجد إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فرضا أو نفلا وينفك القيام من الركوع فلا يكون بينهما كمال الاتصال قوله وأذن أي ناد عطف على قوله وطهر والنداء بالحج أن يقول حجوا أمر إبراهيم عليه الصلاة و السلام أن يؤذن في الناس بالحج وقال إبراهيم عليه الصلاة و السلام يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ وعن الحسن أن قوله وأذن في الناس بالحج كلام مستأنف وأن المأمور بهذا التأذين محمد أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع قوله رجالا أي مشاة على أرجلهم جمع راجل مثل قائم وقيام وصائم وصيام قوله وعلى كل ضامر أي وركبانا والضامر البعير المهزول وانتصاب رجالا على أنه حال وعلى كل ضامر أيضا حال معطوفة على الحال الأولى قوله يأتين صفة لكل ضامر في معنى الجمع أراد النوق قوله من كل فج عميق أي طريق بعيد

(10/55)


قوله ليشهدوا أي ليحضروا منافع لهم مختصة بهذه العبادة من أمور الدين والدنيا وقيل المنافع التجارة وقيل العفو والمغفرة قوله في أيام معلومات يعني عشر ذي الحجة وقيل تسعة أيام من العشر وقيل يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وقيل أيام التشريق وقيل إنها خمسة أيام أولها يوم التروية وقيل ثلاثة أيام أولها يوم عرفة والذكر ههنا يدل على التسمية على ما نحر لقوله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( الحج 82 و43 ) يعني الهدايا والضحايا من الإبل والبقر والغنم والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز قوله فكلوا منها الأمر بالأكل منها أمر إباحة لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكم ويجوز أن يكون ندبا لما فيه من مواساة الفقراء ومساواتهم واستعمال التواضع قوله وأطعموا البائش أي الذي أصابه بؤس أي شدة الفقر وذهب الأكثرون إلى أنه ليس بواجب قوله ثم ليقضوا تفثهم قال عطاء عن ابن عباس التفث حلق الرأس وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقص الأظفار والأخذ من العارضين ورمي الجمار والوقوف بعرفة وقيل مناسك الحج والتفث في الأصل الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث وقضاؤه نقضه وإذهابه وقال الزجاج أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال قوله وليوفوا نذورهم أي نذور الحج والهدي وما ينذر الإنسان من أعمال البر في حجهم قوله وليطوفوا أراد الطواف الواجب وهو طواف الإفاضة والزيارة الذي يطاف بعد الوقوف أما يوم النحر أو بعده قوله بالبيت العتيق أي بالكعبة سمي العتيق لقدمه أو لأنه أعتق من أيدي الجبابرة فلم يصلوا إلى تخريبه فلم يظهر عليه جبار ولم يسلط عليه إلا من يعظمه ويحترمه وقيل لأنه لم يملك قط وقيل لأن أعتق من الغرق يوم الطوفان
421 -
( باب ما يأكل من البدن وما يتصدق )
أي هذا باب فيه بيان ما يأكل صاحب الهدي من البدن وما يتصدق منها أراد ما يجوز له الأكل وما يجب عليه أن يتصدق وفي بعض النسخ باب ما يؤكل على صيغة المجهول أي باب في بيان ما يجوز الأكل منها وما يتصدق منها وهو على صيغة المجهول أيضا على هذه النسخة
وقال عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله هو ابن عمر العمري وهذا تعليق وصله ابن أبي شيبة عن ابن نمير عنه بمعناه قال إذا عطبت البدنة أو كسرت أكل منها صاحبها ولم يبدلها إلا أن تكون نذرا أو جزاء صيد ورواه الطبراني من طريق القطان عن عبيد الله بلفظ التعليق المذكور قوله لا يؤكل أي لا يأكل المالك من الذي جعله جزاء لصيد الحرم ولا من المنذور بل يجب التصدق بهما وبه قال أحمد في رواية وهو قول مالك وزاد إلا فدية الأذى وعن أحمد لا يؤكل إلا من هدي التطوع والمتعة والقران وهو قول أصحابنا بناء على أن دم التمتع والقران دم نسك لا دم جبران وذكر ابن المواز عن مالك أنه يأكل من الهدي النذر إلا أن يكون نذره للمساكين وكذلك ما أخرجه بمعنى الصدقة لا يأكل منه وكان الأوزاعي يكره أن يأكل من جزاء الصيد أو فدية أو كفارة ويأكل النذور وهدي التمتع والتطوع وفي ( التوضيح ) واختلف أهل العلم في هدي التطوع إذا عطب قبل محله فقالت طائفة صاحبه ممنوع من الأكل منه روي ذلك عن ابن عباس وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي ورخصت طائفة في الأكل منه روي ذلك عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهم
أي قال عطاء بن أبي رباح يأكل من جزاء الصيد والنذر ويطعم من المتعة أي من الهدي الذي يسمى بدم التمتع الواجب على المتمتع وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وروى سعيد بن منصور من وجه آخر عن عطاء

(10/56)


لا يؤكل من جزاء الصيد ولا مما جعل للمساكين من النذور وغير ذلك ولا من الفدية ويؤكل ما سوى ذلك وروى عبد بن حميد من وجه آخر عنه أن شاء أكل الهدي والأضحية وإن شاء لم يأكل
9171 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( ابن جريج ) قال حدثنا ( عطاء ) سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا النبي فقال كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا قلت لعطاء أقال حتى جئنا المدينة قال لا
مطابقته للترجمة في قوله كلوا وتزودوا إلخ ورجاله قد تكرر ذكرهم ويحيى هو ابن سعيد القطان البصري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح المكي
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأضاحي عن أبي بكر عن علي بن مسهر وعن يحيى بن أيوب عن أيوب عن إسماعيل بن علية وعن محمد بن حاتم عن يحيى وأخرجه النسائي في الحج عن عمرو بن علي عن يحيى وعن عمران بن يزيد
قوله فوق ثلاث منى بإضافة ثلاث إلى منى أي الأيام الثلاثة التي كنا بمنى وهي الأيام المعدودات قوله قلت لعطاء القائل هو ابن جريج قوله أقال الهمزة فيه للاستفهام أي أقال جابر حتى جئنا المدينة قال جابر لا يعني لم يقل جابر حتى جئنا المدينة ووقع في مسلم قال نعم بدل قوله لا فروى مسلم من حديث ابن جريج حدثني عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فأرخص لنا رسول الله فقال كلوا وتزودوا قلت لعطاء أقال جابر حتى جئنا المدينة قال نعم والتوفيق بين قوله لا وقوله نعم أن يحمل على أنه نسي فقال لا ثم تذكر فقال نعم وحديث جابر هذا يخالف ما رواه مسلم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث وفي لفظ أن رسول الله قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا تأكلوا وروى أيضا عن ابن عمر عن النبي قال لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاث أيام
وقال القاضي اختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث فقال قوم يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاث وأن حكم التحريم باق كما قاله علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم وقال جماهير العلماء يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث والنهي منسوخ بحديث جابر هذا وغيره وهذا من نسخ السنة بالسنة وقال بعضهم ليس هو نسخا بل كان التحريم لعلة فلما زالت زال التحريم وتلك العلة هي الدافة وكانوا منعوا من ذلك في أول الإسلام من أجل الدافة فلما زالت العلة الموجبة لذلك أمرهم أن يأكلوا ويدخروا وروى مسلم من حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد قال نهى النبي عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق سمعت عائشة تقول دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله فقال رسول الله ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك قالوا يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون فيها الودك فقال رسول الله وما ذاك قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا من دف يدف بكسر الدال ودافة الأعراب من يرد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة وقيل كان النهي الأول للكراهة لا للتحريم قال هؤلاء والكراهة باقية إلى يومنا هذا ولكن لا يحرم قالوا ولو وقع مثل تلك العلة اليوم فدفت دافة واساهم الناس وحملوا على هذا مذهب علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم والصحيح نسخ النهي مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الادخار فوق ثلاثة والأكل إلى ما شاء لصريح حديث جابر وحديث بريدة أيضا يدل على ذلك وأخرجه مسلم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم الحديث وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه أيضا
واختلف في مقدار ما يؤكل منها وما يتصدق فذكر علقمة أن ابن

(10/57)


مسعود رضي الله تعالى عنه أمره أن يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويهدي ثلثه وروي عن عطاء وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال الثوري يتصدق بأكثره وقال أبو حنيفة ما يجب أن يتصدق بأقل من الثلث وقال صاحب ( الهداية ) ويأكل من لحم الأضحية قال هذا في غير المنذورة أما في المنذورة فلا يأكل الناذر سواء كان معسرا أو موسرا وبه قالت الثلاثة أعني مالكا والشافعي وأحمد وعن أحمد يجوز الأكل من المنذورة أيضا
ثم الأكل من الأضحية مستحب عند أكثر العلماء وعند الظاهرية واجب وحكي ذلك عن أبي حفص الوكيل من أصحاب الشافعي قال صاحب ( الهداية ) ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر ثم روى حديث جابر رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه مسلم عن أبي الزبير عنه عن النبي أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا انتهى قال ومتى جاز أكله وهو غني جاز أن يؤكله غنيا ثم قال ويستحب أن لا تنقص الصدقة من الثلث لأن الجهات ثلاثة الأكل والادخار والإطعام فانقسم عليها أثلاثا
0271 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) قال حدثنا ( سليمان ) قال حدثني ( يحيى ) قال ( حدثتني عمرة ) قالت سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها تقول خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج إذا دنونا من مكة أمر رسول الله من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ثم يحل قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هاذا فقيل ذبح النبي عن أزواجه قال يحيى فذكرت هذا الحديث للقاسم فقال أتتك بالحديث على وجهه
هذا الحديث مضى في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى ابن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله تعالى عنها وههنا أخرجه عن خالد بن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وقد مر في العلم عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلى آخره والرجال كلهم مدنيون وخالد وإن كان أصله من الكوفة ولكنه سكن المدينة وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
قوله إذا طاف بالبيت جواب إذا محذوف تقديره إذا طاف بالبيت يتم عمرته ثم يحل ويجوز أن يكون إذا للظرفية المحضة لقوله لم يكن وجواب من لم يكن محذوف قال الكرماني ويجوز أن يكون ثم زائدة قال الأخفش في قوله تعالى حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ( التوبة 811 ) إن تاب جواب إذا وثم زائدة قال الكرماني أيضا وفي بعض الرواية لفظ إذا مفقود وهو ظاهر قلت يكون التقدير من لم يكن معه هدي طاف بالبيت فيكون طاف جواب من وقوله ثم يحل عطف أي بعد طوافه بالبيت يحل أي يخرج من إحرام العمرة فافهم ورأيت في نسخة صحيحة مقروءة من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل
521 -
( باب الذبح قبل الحلق )
أي هذا باب في بيان حكم ذبح الحاج هديه قبل أن يحلق رأسه واكتفى بما في الحديث عن بيان الحكم في الترجمة
1271 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن حوشب ) قال حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( منصور ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال سئل النبي عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه فقال لا حرج لا حرج
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين ما في الترجمة من الذبح قبل الحلق يجوز أو لا وقد بين الحديث أنه يجوز لأن قوله

(10/58)


لا حرج يدل على الجواز وإن كان الأصل أن يكون الذبح قبل الحلق
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن عبد الله بن حوشب بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة وفي آخره باء موحدة الثاني هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير السلمي الثالث منصور بن زاذان بالزاي والذال المعجمتين مات سنة ثلاث وثمانين ومائة الرابع عطاء بن أبي رباح الخامس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه طائفي وأنه من أفراده وأن هشيما ومنصورا واسطيان وأن عطاء مكي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري من أربعة طرق على ما نذكرها ومن ستة أوجه عن منصور عن عطاء عن ابن عباس عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن ابن عباس عن ابن خثيم عن عطاء عن ابن عباس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عكرمة عن ابن عباس وعن عطاء عن جابر وأخرجه النسائي في الحج عن يعقوب الدورقي عن هشيم به ولفظه سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي وأخرجه أحمد بن حنبل نحو النسائي وعند مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن النبي قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج وعند الإسماعيلي سئل عمن ذبح قبل أن يحلق وعمن حلق قبل أن يذبح وحلق قبل أن يرمي أشياء ذكرها قال لا حرج وعند أبي داود كان يسأل يوم منى فيقول لا حرج فسأله رجل فقال إني حلقت قبل أن أذبح قال إذبح ولا حرج قال إني أمسيت ولم أرم قال إرم ولا حرج وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال وقف رسول الله في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال إذبح ولا حرج ثم جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال إرم ولا حرج قال فما سئل رسول الله عن شيء قدم ولا أخر إلا قال إفعل ولا حرج وأخرجه مسلم من طرق كثيرة
ثم اعلم أن للعلماء في هذا الباب أقوالا فذهب عطاء وطاووس ومجاهد إلى أنه إن قدم نسكا قبل نسك أنه لا حرج عليه وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وقال ابن عباس من قدم من حجه شيئا أو أخره فعليه دم وهو قول النخعي والحسن وقتادة واختلفوا إذا حلق قبل أن يذبح فقال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن جرير لا شيء عليه وهو نص الحديث ونقله ابن عبد البر عن الجمهور منهم عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وقال النخعي وأبو حنيفة وابن الماجشون عليه دم وقال أبو حنيفة إن كان قارنا فدمان وقال زفر إن كان قارنا فعليه ثلاثة دماء دم للقران ودمان لتقدم الحلاق وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه واحتجا بقوله لا حرج وفي ( التوضيح ) وقول أبي حنيفة وزفر مخالف للحديث فلا وجه له قلت ما خالف إلا من جازف وأبو حنيفة احتج بما رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا سلام بن المطيع أو الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وجابر بن زيد أبي الشعثاء نحو ذلك وأخرج الطحاوي عن إبراهيم بن مهاجر نحوه وأخرجه أيضا عن ابن مرزوق عن الحصيب عن وهيب عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله ثم أجاب أبو حنيفة عن حديث الباب ونحوه أن المراد بالحرج المنفي هو الإثم ولا يستلزم ذلك نفي الفدية وقال الطحاوي هذا ابن عباس أحد من روى عن النبي أنه ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر من أمر الحج إلا قال لا حرج فلم يكن معنى ذلك عنده على الإباحة في تقديم ما قدموا ولا تأخير ما أخروا مما ذكرنا أن فيه الدم ولكن معنى ذلك عنده على أن الذي فعلوه في حجة النبي كان على الجهل بالحكم فيه كيف هو فعذرهم لجهلهم وأمرهم في المستأنف أن يتعلموا مناسكه
2271 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) أخبرنا ( أبو بكر ) عن ( عبد العزيز بن رفيع ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال رجل للنبي زرت قبل أن أرمي قال لا حرج قال حلقت قبل أن أذبح قال لا حرج قال ذبحت قبل أن أرمي قا لا حرج

(10/59)


هذا طريق ثان لحديث ابن عباس أخرجه عن أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي عن أبي بكر بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة الأسدي الكوفي قال البخاري قال إسحاق سمعت أبا بكر يقول إسمي وكنيتي واحد وقيل غير ذلك هو من أفراده يروي عن عبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء وبالعين المهملة أبو عبد الله الأسدي المكي سكن الكوفة وهو يروي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
وقال عبد الرحيم الرازي عن ابن خثيم قال أخبرني عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي
هذا طريق ثالث معلق عن عبد الرحيم بن سليمان الأشل الرازي عن ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم أبو عثمان المكي عن عطاء عن ابن عباس ووصله الإسماعيلي عن راطيا قال حدثنا الحسن بن حماد حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أخبرني عطاء عن ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله طفت بالبيت قبل أن أرم قال إرم ولا حرج
وقال القاسم بن يحيى قال حدثني ابن خثيم عن عطاء عن ابن عباس عن النبي
هذا تعليق قاله القاسم بن يحيى عن عطاء الهلالي الواسطي مات سنة سبع وتسعين ومائة
وقال عفان أراه عن وهيب قال حدثنا ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي
هذا أيضا تعليق قاله عفان بن مسلم الصفار البصري قوله أراه بضم الهمزة أي أظنه والقائل بهذه اللفظة هو البخاري وأخرجه أحمد عن عفان بدون قوله أراه ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله حلقت ولم أنحر قال لا حرج فانحر وجاءه آخر فقال يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي قال فارم ولا حرج
وقال حماد عن قيس بن سعد وعباد بن منصور عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي
هذا أيضا تعليق قاله حماد بن سلمة وطريق قيس بن سعد المعلق وصله النسائي والطحاوي والإسماعيلي وابن حبان من طريق عن حماد بن سلمة به نحو سياق عبد العزيز بن رفيع وطريق عباد بن منصور وصله الإسماعيلي عن القاسم حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا حماد بن سلمة بلفظ سئل عن رجل رمى قبل أن يحلق وحلق قبل أن يرمي وذبح قبل أن يحلق فقال إفعل ولا حرج
3271 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال سئل النبي فقال رميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج قال حلقت قبل أن أنحر قال لا حرج
هذا طريق رابع لحديث ابن عباس وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى وخالد هو الحذاء وأخرجه البخاري أيضا عن علي بن عبد الله عن يزيد بن زريع وأخرجه أبو داود في الحج أيضا عن نصر بن علي وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله بن زريع وأخرجه ابن ماجه عن بكر بن خلف ثلاثتهم عن يزيد بن زريع به
4271 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرني أبي عن ( شعبة ) عن ( قيس بن مسلم ) عن ( طارق بن شهاب )

(10/60)


عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال قدمت على رسول الله وهو بالبطحاء فقال أحججت قلت نعم قال بم أهللت قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي قال أحسنت انطلق فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس ففلت رأسي ثم أهللت بالحج فكنت أفتي به الناس حتى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فذكرته له فقال إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام وإن نأخذ بسنة رسول الله فإن رسول الله لم يحل حتى بلغ الهدي محله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله حتى بلغ الهدي محله لأن بلوغ الهدي محله عبارة عن الذبح وتأخيره على سبيل الرخصة وقد مضى الحديث في باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي أخرجه عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم إلى آخره وقد تقدم الكلام فيه هناك
قوله فقلت الفاء الأولى للتعقيب والثانية من نفس الكلمة لأنه من فليت رأسه من القمل إذا أزحته منه تقول فلى الرجل وفلت المرأة يفلي فليا حاصله أنه تحلل من العمرة ثم بعد ذلك أحرم بالحج فصار متمتعا لأنه لم يكن معه الهدي قوله كنت أفتي به أي بالتمتع المدلول عليه بسياق الكلام قوله أن نأخذ بكتاب الله وهو قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 ) قوله محله بكسر الحاء
621 -
( باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق )
أي هذا باب في بيان من لبد رأسه عند الإحرام وحلق رأسه بعد ذلك عند الإحلال قوله لبد بالتشديد من التلبيد وهو أن يضفر رأسه ويجعل فيه شيئا من صمغ وشبهه ليجتمع ويتلبد فلا يتخلله الغبار ولا يصيبه الشعث ولا يحصل فيه قمل وإنما يفعل ذلك من طول المكث في الإحرام قيل أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف فيمن لبد هل يتعين عليه الحلق أو لا فنقل ابن بطال عن الجمهور تعين ذلك حتى عن الشافعي وقال أهل الرأي لا يتعين بل إن شاء قصر وبه قال الشافعي في الجديد
5271 - حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) عن ( حفصة ) رضي الله تعالى ( عنهم ) أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هدبي فلا أحل حتى أنحر
وجه مطابقته للترجمة في قوله إني لبدت رأسي فإن قلت الترجمة مشتملة على التلبيد وعلى الحلق وليس في الحديث تعرض إلى الحلق قلت قيل إنه معلوم من حال النبي أنه حلق رأسه في حجه وقد ورد ذلك صريحا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الذي يأتي في أول الباب الذي بعد هذا الباب والأوجه أن يقال إن وجه المطابقة بين الحديث والترجمة إذا وجد في جزء من الحديث يكفي ويكتفي به ولا تشترط المطابقة بين أجزائهما جميعا ألا يرى أن في الحديث ذكر تقليد الهدي وليس في الترجمة ذلك وهذا الحديث بعينه بهذا الإسناد قد مر في باب التمتع والإقران وقد ذكرنا أن هذا الحديث أخرجه الجماعة غير الترمذي وأنه يدل على أنه كان متمتعا لأن الهدي المقلد لا يمنع من الإحلال إلا في المتعة خاصة وإن كان قوله هذا بعد أن يطوف فلم يطف حتى أحرم صار قارنا فعلى كل حال إنه يرد قول من قال إنه كان مفردا بحجة لم يتقدمها عمرة ولم تكن معها عمرة
721 -
( باب الحلق والتقصير عند الإحلال )
أي هذا باب في بيان الحلق والتقصير عند إحلاله من الإحرام قيل أشار البخاري بهذه الترجمة أن الحلق نسك لقوله عند الإحلال وهو قول الجمهور إلا في رواية ضعيفة عن الشافعي أنه استباحة محظور قلت وجمهور العلماء على أن من

(10/61)


لبد رأسه وجب عليه الحلاق كما فعل النبي وبذلك أمر الناس عمر بن الخطاب وابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وكذلك لو ضفر رأسه أو عقصه كان حكمه حكم التلبيد وفي ( كامل ) ابن عدي من حديث ابن عمر مرفوعا من لبد رأسه للإحرام فقد وجب عليه الحلق وقال أبو حنيفة من لبد رأسه أو ضفره فإن قصر ولم يحلق أجزأه وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول من لبد أو عقص أو ضفر فإن نوى الحلق فليحلق وإن لم ينوه فإن شاء حلق وإن شاء قصر وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي إن الحلق نسك قاله النووي وهو قول أكثر أهل العلم وهو القول الصحيح للشافعي وفيه خمسة أوجه أصحها أنه ركن لا يصح الحج والعمرة إلا به والثاني أنه واجب والثالث أنه مستحب والرابع أنه استباحة محظور والخامس أنه ركن في الحج واجب في العمرة وإليه ذهب الشيخ أبو حامد وغير واحد من الشافعية
6271 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب بن أبي حمزة ) قال نافع كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول حلق رسول الله في حجته
مطابقته للترجمة في قوله حلق رسول الله وأبو اليمان الحكم بن نافع قال بعضهم والحديث طرف من حديث طويل أوله لما نزل الحجاج بابن الزبير نبه عليه الإسماعيلي قلت روى مسلم من حديث نافع أن ابن عمر أراد الحج عام نزول الحجاج بابن الزبير الحديث وفيه ولم يحلل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق
قوله في حجته وهي حجة الوداع يدل عليه الأحاديث الكثيرة وأما قوله اللهم ارحم المخلقين ففيه خلاف وقال بعضهم كان في حجة الوداع وقال القاضي عياض كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق على ما نذكره عن قريب ويحتمل أنه كان في الموضعين وهو الأشبه لأن جماعة من الصحابة توقفت في الحلق فيهما
ثم الكلام في حلق النبي وما يتعلق به على أنواع
الأول في كيفية حلقه روى مسلم من حديث أنس أن رسول الله أتى من منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر وقال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس وروى الترمذي من حديث أنس أيضا قال لما رمى رسول الله الجمرة نحر نسكه ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه فأعطاه أبا طلحة ثم ناوله شقه الأيسر فحلقه فقال أقسمه بين الناس ثم ظاهر رواية الترمذي أن الشعر الذي أمر أبا طلحة بقسمته بين الناس هو شعر الشق الأيسر وهكذا رواية مسلم من طريق ابن عيينة وأما رواية حفص بن غياث وعبد الأعلى ففيهما أن الشق الذي قسمه بين الناس هو الأيمن وكلا الروايتين عند مسلم وأما رواية حفص فقال أبو كريب عنه فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ثم قال بالأيسر فصنع مثل ذلك وقال أبو بكر في روايته عن حفص قال للحلاق وها وأشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا فقسم شعره بين من يليه قال ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه فأعطاه أم سليم وقال يحيى بن يحيى في روايته عن حفص ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم للأيسر ثم جعل يعطيه الناس فلم يذكر يحيى بن يحيى في روايته أبا طلحة ولا أم سليم وأما رواية عبد الأعلى فقال فيها وقال بيده فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه ثم قال إحلق الشق الآخر فقال أين أبو طلحة فأعطاه إياه
وقد اختلف أهل الحديث في الاختلاف الواقع في هذا الحديث فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما وذهب بعضهم إلى الترجيح لتعذر الجمع عنده وقال صاحب الفهم إن قوله لما حلق رسول الله شق رأسه الأيمن أعطاء أبا طلحة ليس مناقضا لما في الرواية الثانية أنه قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس وشعر الجانب الأيسر أعطاه أم سليم وهي امرأة أبي طلحة وهي أم أنس رضي الله تعالى عنها قال وحصل من مجموع هذه الروايات أن النبي لما حلق الشق الأيمن ناوله أبا طلحة ليقسمه بين الناس ففعل أبو طلحة وناول شعر الشق الأيسر ليكون عند أبي طلحة فصحت نسبة كل ذلك إلى من نسب إليه والله أعلم وقد جمع المحب الطبري في موضع إمكان جمعه ورجح في مكان تعذره فقال والصحيح أن الذي وزعه على الناس الشق الأيمن وأعطى الأيسر أبا طلحة وأم سليم ولا تضاد بين الروايتين لأن أم سليم امرأة أبي طلحة فإعطاه لهما فنسب العطية تارة إليه وتارة إليها انتهى وفي رواية أحمد

(10/62)


في ( المسند ) ما يقتضي أنه أرسل شعر الشق الأيمن مع أنس إلى أمه أم سليم امرأة أبي طلحة فإنه قال فيها لما حلق رسول الله رأسه بمنى أخذ شق رأسه الأيمن بيده فلما فرغ ناولني فقال يا أنس إنطلق بهذا إلى أم سليم قال فلما رأى الناس ما خصنا به تنافسوا في الشق الآخر هذا يأخذ الشيء وهذا يأخذ الشيء قال شيخنا زين الدين وكأن المحب الطبري رجح رواية تفرقة الشق الأيمن بكثرة الرواة فإن حفص بن غياث وعبد الأعلى اتفقا على ذلك عن هشام وخالفهما ابن عيينة وحده ثم قال الشيخ وقد ترجح تفرقة الإيسر بكونه متفقا عليه وتفرقة الأيمن من أفراد مسلم فقد وقع عند البخاري من رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أنس أن النبي لما حلق كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره فهذا يدل على أن الذي أخذه أبو طلحة الأيمن وإن كان يجوز أن يقال أخذه ليفرقه فالظاهر أنه إنما أراد الذي أخذه أبو طلحة لنفسه فقد اتفق ابن عون عن هشام من طريق ابن عيينة عنه على أن أبا طلحة أخذ الشق الأيمن واختلف فيه على هشام فكانت الرواية التي لا اختلاف فيها أولى بالقبول والله أعلم
النوع الثاني أن فيه ما يدل على وجوب استيعاب حلق الرأس لأنه حلق جميع رأسه وقال خذوا عني مناسككم وبه قال مالك وأحمد في رواية كالمسح في الوضوء وقال مالك في المشهور عنه يجب حلق أكثر الرأس وبه قال أحمد في رواية وقال عطاء يبلغ به إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين لأنهما منتهى نبات الشعر ليكون مستوعبا لجميع رأسه وقال أبو حنيفة يجب حلق ربع الرأس وقال أبو يوسف يجب حلق نصف الرأس وذهب الشافعي إلى أنه يكفي حلق ثلاث شعرات ولم يكتف بشعرة أو بعض شعرة كما اكتفى بذلك في مسح الرأس في الوضوء
النوع الثالث أنه يستدل به على أفضلية الحلق على التقصير وسنبينه في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى
النوع الرابع أن فيه طهارة شعر الآدمي وهو قول جمهور العلماء وهو الصحيح من مذهب الشافعي وخالف في ذلك أبو جعفر الترمذي منهم فخصص الطهارة بشعره وذهب إلى نجاسة شعر غيره
النوع الخامس فيه التبرك بشعره وغير ذلك من آثاره بأبي وأمي ونفسي هو وقد روى أحمد في ( مسنده ) بسنده إلى ابن سيرين أنه قال فحدثنيه عبيدة السلماني يريد هذا الحديث فقال لأن يكون عندي شعرة منه أحب إلي من كل بيضاء وصفراء على وجه الأرض وفي بطنها وقد ذكر غير واحد أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه كان في قلنسوته شعرات من شعره فلذلك كان لا يقدم على وجه إلا فتح له ويؤيد ذلك ما ذكره الملا في ( السيرة ) أن خالدا سأل أبا طلحة حين فرق شعره بين الناس أن يعطيه شعر ناصيته فأعطاه إياه فكان مقدم ناصيته مناسبا لفتح كل ما أقدم عليه
النوع السادس أن فيه أنه لا بأس باقتناء الشعر البائن من الحي وحفظه عنده وأنه لا يجب دفنه كما قال بعضهم إنه يجب دفن شعور بني آدم أو يستحب وذكر الرافعي في سنن الحلق فقال وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشق الأيمن ثم بالأيسر وأن يكون مستقبل القبلة وإنما يكبر بعد الفراغ وأن يدفن شعره وزاد المحب الطبري فذكر من سننه صلاة ركعتين بعده فسننه إذا خمسة
النوع السابع فيه مواساة الإمام والكبير بين أصحابه فيما يقسمه بينهم وإن فاضل بينهم لأمر اقتضى ذلك
النوع الثامن فيه أنه لا بأس بتفضيل بعضهم على بعض في القسمة لأمر يراه ويؤدي إليه اجتهاده لأنه خصص أبا طلحة وأم سليم بشعر أحد الشقين كما تقدم
النوع التاسع أن الحالق المذكور اختلف في تعيينه فقال البخاري في ( صحيحه ) زعموا أنه معمر بن عبد الله وقال النووي إنه الصحيح المشهور قال البخاري في ( التاريخ الكبير ) قال علي بن عبد الله حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر عن معمر العدوي قال كنت أرجل لرسول الله حين قضى حجه وكان يوم النحر جلس يحلق رأسه فرفع رأسه فنظر في وجهي فقال يا معمر أمكنك النبي من شحمة أذنه وفي يدك الموسى فقال ذاك من الله تعالى علي وفضله قال نعم فحلقته وقيل إن الذي حلق رأسه

(10/63)


عليه الصلاة و السلام هو خراش بن أمية بن ربيعة حكاه النووي في ( شرح مسلم ) وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى هذا وهم من قائله وإنما حلق رأسه خراش بن أمية يوم الحديبية وقد بينه ابن عبد البر فقال في ترجمة خراش وهو الذي حلق رأس رسول الله يوم الحديبية انتهى فمن ذكر أنه حلق له يوم النحر في حجته فقد وهم وإنما حلق له يوم النحر معمر بن عبد الله العدوي كما تقدم وهو الصواب
النوع العاشر أن عند أبي حنيفة يبدأ بيمين الحالق ويسار المحلوق قاله الكرماني في ( مناسكه ) وعند الشافعي يبدأ بيمين المحلوق والصحيح عند أبي حنيفة مثله
النوع الحادي عشر ما ذكره صاحب ( التوضيح ) فقال يدخل وقت الحلق من طلوع الفجر عند المالكية وعندنا ينصف ليلة النحر ولا آخر لوقته والحلق بمنى يوم النحر أفضل قالوا ولو أخره حتى بلغ بلده حلق أو أهدى فلو وطىء قبل الحلق فعليه هدي بخلاف الصيد على المشهور عندهم وقال ابن قدامة يجوز تأخيره إلى آخر أيام النحر فإن أخره عن ذلك ففيه روايتان ولا دم عليه وبه قال عطاء وأبو يوسف وأبو ثور ويشبه مذهب الشافعي لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله ولا تحلقوا رؤوسكم ( البقرة 691 ) الآية ولم يبين آخره فمتى أتى به أجزأه وعن أحمد عليه دم بتأخيره وهو مذهب أبي حنيفة لأنه نسك أخره عن محله ولا فرق في التأخير بين القليل والكثير والساهي والعامد وقال مالك والثوري وإسحاق وأبو حنيفة ومحمد من تركه حتى حل فعليه دم لأنه نسك فيأتي به في إحرام الحج كسائر مناسكه
7271 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال أللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه في الحلق والتقصير ورجاله قد ذكروا غير مرة
وأخرجه مسلم وأبو داود أيضا بالإسناد المذكور
قوله أللهم ارحم المحلقين هذا الدعاء الذي وقع من النبي بالتكرار للمحلقين وأفراد الدعاء للمقصرين هل كان ذلك في حجة الوداع أو في الحديبية فقال أبو عمر بن عبد البر كونه في الحديبية هو المحفوظ وقال النووي الصحيح المشهور أنه كان في حجة الوداع وقال القاضي عياض لا يبعد أن النبي قاله في الموضعين وما قاله القاضي هو الصواب جمعا بين الأحاديث ففي ( صحيح مسلم ) من حديث أم الحصين أنه قاله في حجة الوداع وقد روي أن ابن إسحاق قال في ( السيرة ) حدثني ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله أللهم ارحم المحلقين ثلاثا قيل يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم قال لأنهم لم يشكوا فهذا يوضح أنه قاله في الموضعين وقال الخطابي كانت عادتهم اتخاذ الشعر على الرؤوس وتوفيرها وتزيينها وكان الحلق فيهم قليلا ويرون ذلك نوعا من الشهرة وكان يشق عليهم الحلق فمالوا إلى التقصير فمنهم من حلق ومنهم من قصر لما يجد في نفسه منه فمن أجل ذلك سمح لهم بالدعاء بالرحمة وقصر بالآخرين إلى أن استعطف عليهم فعممهم بالدعاء بعد ذلك فإن قلت ما معنى قوله لم يشكوا وما المراد بالشك ووجود الشك من الصحابة مشكل قلت معناه لم يشكوا أن الحلاق أفضل قيل فيه نظر لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذا رأوا النبي فعل فعلا رأوه أفضل وإنما كانوا يقصدون متابعته قوله والمقصرين عطف على محذوف تقديره قل وارحم المقصرين أيضا ويسمى مثل هذا بالعطف التلقيني كما في قوله تعالى إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ( البقرة 421 ) وفيه ما يدل على أفضلية الحلق لأنه أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في التذلل لله لأن المقصر مبق على نفسه من زينته التي قد أراد الله تعالى أن يكون الحاج مجانبا لها وقيل ما ذكر من أفضلية الحلق على التقصير إنما هي في حق الرجال دون النساء لورود النهي عن حلق النساء وروى أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير وروى الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله أن تحلق المرأة رأسها وقال الترمذي وروي هذا

(10/64)


الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة أن النبي نهى أن تحلق المرأة رأسها
وقال الليث حدثني نافع رحم الله المحلقين مرة أو مرتين وقال عبيد الله حدثني نافع وقال في الرابعة والمقصرين
هذا التعليق وصله مسلم ولفظه رحم الله المحلقين مرة أو مرتين قالوا والمقصرين قال والمقصرين الشك فيه من الليث وإلا فأكثر الرواة يوافقون لما رواه مالك فإن معظم الروايات عن مالك إعادة الدعاء للمحلقين مرتين وعطف المقصرين عليه في المرة الثالثة وانفرد يحيى بن بكير دون رواه ( الموطأ ) بإعادة ذلك ثلاث مرات نبه عليه ابن عبد البر في ( التقصي ) ولم ينبه عليه في ( التمهيد ) بل قال فيه إنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك
8271 - حدثنا ( عياش بن الوليد ) قال حدثنا ( محمد بن فضيل ) قال حدثنا ( عمارة بن القعقاع ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله أللهم اغفر للمحلقين قالوا وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا وللمقصرين قالها ثلاثا قال وللمقصرين
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة هو الرقام ووقع في رواية ابن السكن عباس بالباء الموحدة والسين المهملة وقال أبو علي الجياني والأول أرجح الثاني محمد بن الفضيل بضم الفاء مصغر الفضل بن غزوان أبو عبد الرحمن الضبي الثالث عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بفتح القاف الأولى وسكون العين المهملة ابن شبرمة الرابع أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي قيل اسمه هرم وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل جرير الخامس أبو هريرة رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول مكررا وفيه أن شيخه بصري وبقية الرواة كوفيون وفيه أن رواية محمد بن فضيل عن عمارة من أفراده ورواية عمارة عن أبي زرعة من أفراده وتابع أبا زرعة عليه عبد الرحمن بن يعقوب
أخرجه مسلم بعد أن أخرج حديث أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله أللهم إغفر للمحلقين إلى آخره نحو رواية البخاري قال وحدثني أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي بمعنى حديث أبي زرعة عن أبي هريرة وأبو العلاء هو عبد الرحمن بن يعقوب المذكور وهو من أفراد مسلم
ذكر معناه قوله إغفر للمحلقين وقد مر في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إرحم المحلقين قال الداودي يحتمل أن يكون بعض الناقلين رواه على المعنى أو إحدى الروايتين وهم أو قالهما جميعا قوله قالها ثلاثا أي قال إغفر للمحلقين ثلاث مرات وفي الرابعة قال للمقصرين وفي حديث ابن عمر الذي مضى آنفا قال للمقصرين بعد الثانية وفي رواية الترمذي عن ابن عمر قال رحم الله المحلقين مرة أو مرتين ثم قال والمقصرين وفي حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه قيل يا رسول الله لم ظاهرت المحلقين ثلاثا والمقصرين واحدة وقد ذكرناه من رواية ابن إسحاق وابن ماجه أخرجه من طريقه وفي حديث أم الحصين أخرجه مسلم والنسائي دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة وفي حديث أبي سعيد أخرجه ابن أبي شيبة رأيت النبي يقول بيده يرحم الله المحلقين فقال رجل يا رسول الله والمقصرين قال في الثالثة والمقصرين وفي حديث أبي مريم أخرجه أحمد في ( مسنده ) أنه سمع رسول الله يقول أللهم اغفر للمحلقين أللهم إغفر للمحلقين قال يقول رجل من القوم والمقصرين فقال رسول الله في الثالثة أو الرابعة والمقصرين قال وأنا يومئذ محلوق الرأس فما يسرني بحلق رأسي حمر النعم وفي حديث حبشي بن جنادة رواه ابن أبي شيبة قال قال رسول الله أللهم اغفر للمحلقين

(10/65)


قالوا يا رسول الله والمقصرين قال اللهم اغفر للمقصرين وفي حديث جابر بن عبدالله أخرجه أبو قرة يقول حلق رسول الله يوم الحديبية فحلق ناس كثير من أصحابه حين رأوه حلق وقال آخرون والله ما طفنا بالبيت فقصروا فقال رسول الله يرحم الله المحلقين وقال في الرابعة والمقصرين وفي حديث قارب أخرجه ابن منده في الصحابة من طريق ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن وهب بن عبد الله بن قارب عن أبيه عن جده أن النبي قال يرحم الله المحلقين وقال أبو عمر ولاأحفظ هذا الحديث من غير رواية ابن عيينة وغير الحميدي والحميدي يقول قارت أو مارب وغير الحميدي يقول قارب من غير شك وهو الصواب وهو مشهور معروف من وجوه ثقيف انتهى وقارب هو ابن عبد الله بن الأسود بن مسعود الثقفي ويقال له أيضا قارب بن الأسود ينسب إلى جده وأم الحصين المذكورة لا يعرف اسمها وهي صحابية رضي الله تعالى عنها شهدت حجة الوداع وهي من أحمس ثم من بجيلة وأبو مريم اسمه مالك بن ربيعة السلولي صحابي رضي الله تعالى عنه سكن البصرة وهو والد يزيد بن أبي مريم وحبشي بن جنادة سلولي أيضا صحابي سكن الكوفة
9271 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) قال حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) أن عبد الله قال حلق النبي وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد بن مخراق البصري ابن أخي جورية بن أسماء مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين وأسماء من الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث وجويرية مصغر الجالية ابن أسماء بن عبيد البصري مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائة وقال المزي في ( الأطراف ) حديث حلق النبي وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم أخرجه البخاري في الحج عن موسى بن إسماعيل وعبد الله بن محمد بن أسماء كلاهما عنه به هكذا ذكره خلف وذكره أبو مسعود عن موسى وحده والذي وجدناه في ( الصحيح ) عن عبد الله وحده فيه إثبات الحلق والتقصير وقد مر الكلام فيه
0371 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( الحسن بن مسلم ) عن ( طاوس ) عن ( ابن عباس ) عن ( معاوية ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال قصرت عن رسول الله بمشقص
مطابقته للترجمة في قوله قصرت عن رسول الله وفيه الإشارة إلى جواز التقصير وإن كان الحلق أفضل وأبو عاصم النبيل الضحام بن مخلد وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والحسن بن مسلم بن يناق مات قبل طاووس وقبل أبيه مسلم والرواة كلهم مكيون سوى أبي عاصم شيخه فإنه بصري ومعاوية هو ابن أبي سفيان وفيه رواية صحابي عن صحابي
قوله عن ابن جريج عن الحسن وفي رواية مسلم عن جريج قال حدثني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال قصرت عن رسول الله بمشقص وهو على المروة أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة وفي لفظ له قال ابن عباس قال لي معاوية أعلمت أني قد قصرت من رأس النبي عند المروة بمشقص فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك وقال النووي وهذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي في عمرة الجعرانة لأن النبي في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى وفرق أبو طلحة شعره بين الناس فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان هذا هو الصحيح المشهور لا يصح قول من حملة على حجة الوداع وزعم أنه كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي قيل له ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي وفي رواية حتى أحل من الحج انتهى قيل لعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته فإن قلت قد وقع في رواية أحمد من

(10/66)


طريق قيس بن سعد عن عطاء أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم قلت قالوا إنها رواية شاذة وقد قال قيس بن سعد عقيبها والناس ينكرون ذلك وقيل يحتمل أن يكون في قول معاوية قصرت عن رسول الله بمشقص حذف تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله قلت يرد هذا ما في رواية أحمد قصرت عن رأس رسول الله عند المروة أخرجه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس وقال ابن حزم يحتمل أن يكون معاوية قصر رأس رسول الله بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر ورد عليه بأن الحالق لم يبق شعرا يقصر ولا سيما وقد قسم شعره بين الصحابة الشعرة والشعرتين وأيضا فالنبي لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعيا واحدا في أول ما قدم فماذا كان يصنع عند المروة قوله بمشقص بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف وفي آخره صاد مهملة قال أبو عبيد هو النصل الطويل وليس بالعريض وقال ابن فارس وغيره هو سهم فيه نصل عريض وقال الجوهري المشقص هو كل نصل طال وعرض وقال أبو عمر وهو الطويل غير العريض
821 -
( باب تقصير المتمتع بعد العمرة )
أي هذا باب في بيان تقصير المتمتع بعد إحلاله من عمرته
1371 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر ) قال حدثنا ( فضيل بن سليمان ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) أخبرني ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لما قدم النبي مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا
( انظر الحديث 5451 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله أو يقصروا والحديث من أفراده ومحمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله الثقفي مولاهم المعروف بالمقدمي البصري وفضيل تصغير فضل بن سليمان البصري وموسى بن عقبة ابن أبي عياش الأسدي المديني مات سنة أربعين ومائة
وفيه التخيير بين الحلق والتقصير وقد أجمع العلماء على أن التقصير مجزىء في الحج والعمرة معا إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه كان يقول يلزمه الحلق في أول حجة ولا يجزيه التقصير قلت فيهنظر لأن ابن أبي شيبة روى في ( مصنفه ) عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الذي لم يحج قط إن شاء حلق وإن شاء قصر وهذا إسناد صحيح إلى الحسن يرد ما حكاه ابن المنذر عنه نعم حكي ذلك عن إبراهيم النخعي قال ابن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا حج الرجل أول حجة حلق وإن حج مرة أخرى إن شاء حلق وإن شاء قصر والحلق أفضل وإذا اعتمر الرجل ولم يحج قط فإن شاء حلق وإن شاء قصر فإن كان متمتعا قصر ثم حلق والظاهر أن هذا الكلام من إبراهيم ليس على سبيل الوجوب بل الفضل والاستحباب بدليل ما رواه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة وروي أيضا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يستحبون للرجل أول ما يحج أن يحلق وأول ما يعتمر أن يحلق
921 -
( باب الزيارة يوم النحر )
أي هذا باب في بيان زيارة الحج البيت لأجل الطواف به يوم النحر والمراد به طواف الزيارة الذي هو ركن من أركان الحج وسمي طواف الإفاضة أيضا
وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أخر النبي الزيارة إلى الليل
أبو الزبير بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف واسمه محمد بن مسلم بن تدرس بلفظ المخاطب من المضارع من الدراسة مر في باب من شكى إمامه وهذا تعليق وصله الترمذي عن محمد بن بشار

(10/67)


حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن ابن عباس وعائشة أن النبي أخر طواف الزيارة إلى الليل قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود أيضا عن محمد بن بشار وأخرجه النسائي عن محمد بن المثنى عن ابن مهدي وأخرجه ابن ماجه عن بكر بن خلف وقال البيهقي في سننه وأبو الزبير سمع من ابن عباس وفي سماعه عن عائشة رضي الله تعالى عنها نظر قاله البخاري فإن قلت هذا يعارض ما رواه ابن عمر وجابر وعائشة رضي الله تعالى عنهم عن النبي أنه طاف يوم النحر نهارا والحديثان عن ابن عمر وجابر عند مسلم أما حديث ابن عمر فإنه أخرجه من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ورواه أبو داود والنسائي أيضا وأما حديث جابر فإنه أخرجه من رواية جعفر بن محمد عن جابر في الحديث الطويل وفيه ثم ركب رسول الله فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر الحديث وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت أفاض رسول الله من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق
فهذه الأحاديث تدل على أنه طاف طواف الزيارة يوم النحر وحديث الباب يدل على أنه أخره إلى الليل قلت أجيب عن هذا بوجوه الأول إن الأحاديث الثلاثة يحمل على اليوم الأول وحديث الباب يحمل على بقية الأيام الوجه الثاني أن حديث الباب يحمل على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال فكان معناه أخر طواف الزيارة إلى العشي وأما الحمل على ما بعد الغروب فبعيد جدا لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه طاف يوم النحر نهارا وشرب من سقاية زمزم الوجه الثالث ما ذكره ابن حبان من أنه رمى جمرة العقبة ونحر ثم تطيب للزيارة ثم أفاض فطاف بالبيت طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فصلى الظهر بها والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بها ثم ركب إلى البيت ثانيا وطاف به طوافا آخر بالليل فإن قلت روى أحمد في ( مسنده ) عن عائشة وابن عمر أن رسول الله زار ليلا قلت الظاهر أن المراد منه طواف الوداع أو طواف زيارة محضة وقد ورد حديث رواه البيهقي أن رسول الله كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى فإن قلت ما تقول في الحديث الذي أخرجه البيهقي عن عائشة أن رسول الله أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهره وزار رسول الله مع نسائه ليلا قلت هذا حديث غريب جدا فلا يعارض الأحاديث المذكورة المشهورة
ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي كان يزور البيت أيام منى
أبو حسان اسمه مسلم بن عبد الله العدوي البصري المشهور بالأجرد ويقال له الأعرج أيضا وهذا التعليق وصله البيهقي عن أبي الحسن بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا المعمري حدثنا ابن عرعرة قال دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا قال سمعته من أبي ولم يقرأه قال فكان فيه عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى قال وما رأيت أحدا واطأه عليه ورواه الطبراني أيضا من طريق قتادة عنه وقال ابن المديني في ( العلل ) روى قتادة حديثا غريبا لا نحفظه عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام فنسخته من كتاب ابنه معاذ بن هشام ولم أسمعه منه عن أبيه عن قتادة حدثني أبو حسان عن ابن عباس أن النبي كان يزور البيت كل ليلة ما أقام بمنى وقال الأثرم قلت لأحمد تحفظ عن قتادة فذكر هذا الحديث فقال كتبوه من كتاب معاذ قلت فإن هنا إنسانا يزعم أنه سمعه من معاذ فأنكر ذلك وأشار الأثرم بذلك إلى إبراهيم بن محمد بن عرعرة فإن من طريقه أخرجه الطبراني بهذا الإسناد قلت ولرواية أبي حسان هذه شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن أبي عيينة حدثنا ابن طاووس عن أبيه أن النبي كان يفيض كل ليلة يعني ليالي منى
2371 - وقال لنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه

(10/68)


طاف طوافا واحدا ثم يقيل ثم يأتي منى يعني يوم النحر ورفعه عبد الرزاق قال أخبرنا عبيد الله
مطابقته للترجمة في قوله ثم يأتي منى يوم النحر ومقتضاه أن يكون خرج منها إلى مكة لأجل الطواف قبل ذلك وأبو نعيم هو الفضل بن دكين ودكين لقب عمرو بن حماد والد الفضل القرشي التيمي الكوفي الأحول وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري
قوله ورفعه قال أي أبو نعيم رفع الحديث المذكور عبد الرزاق إلى رسول الله ووصل التعليق المذكور مسلم أنبأنا محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ويذكر أن النبي فعله وهذا صريح أنه صلى الظهر يوم النحر بمنى وفي ( الصحيح ) أيضا من حديث جابر فصلى يوم النحر بمكة الظهر قال ابن حزم وكذا قالته عائشة رضي الله تعالى عنها قال أبو محمد وهذا هو الفصل الذي أشكل علينا الفصل فيه لصحة الطرق في كل ذلك ولا شك في أن أحد الخبرين وهم ولا ندري أيهما هو انتهى قلت الأحاديث كلها صحيحة ولا شيء من وهم في ذلك أصلا وذلك لأن رجوعه إلى منى في وقت الظهر ممكن لأن النهار كان طويلا وإن كان قد صدر منه في صدر هذا النهار وأحاديث عائشة ليست ناصة أنه صلى الظهر بمكة بل محتملة أن كان المحفوظ في الرواية حتى صلى الظهر وإن كانت الرواية حين صلى الظهر وهو الأشبه فإن ذلك على أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت وهو محتمل والله أعلم وقال محب الدين الطبري الجمع بين الروايات كلها ممكن إذ يحتمل أن يكون صلى منفردا في أحد الموضعين ثم مع جماعة في الآخر أو صلى بأصحابه بمنى ثم أفاض فوجد قوما لم يصلوا فصلى بهم ثم لما رجع إلى منى وجد قوما آخرين فصلى بهم لأنه لا يتقدمه أحد في الصلاة أو كرر الصلاة بمكة ومنى ليتبين جواز الأمرين في هذا اليوم توسعة على الأمة ويجوز أن يكون أذن في الصلاة في أحد الموضعين فنسبت إليه فإن قلت كيف الجمع بين حديث الباب وبين الحديث الذي رواه أبو داود من حديث أم سلمة عن النبي أنه قال إن هذا اليوم أرخص الله تعالى لكم إذا رميتم الجمرة أن تحلوا يعني من كل شيء حرمتم إلا النساء فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به ففي هذا الحديث إن من أخر طواف الإفاضة حتى أمسى عاد محرما كما كان قبل رمي الجمرة يحرم عليه لبس المخيط وغيره من محرمات الإحرام قلت حديث أم سلمة هذا شاذ أجمعوا على ترك العمل به وقال المحب الطبري وهذا حكم لا أعلم أحدا قال به وإذا كان كذلك فهو منسوخ والإجماع وإن كان لا ينسخ فهو يدل على وجود ناسخ وإن لم يظهر والله أعلم
3371 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( جعفر بن ربيعة ) عن ( الأعرج ) قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت حججنا مع النبي فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي منها ما يريد الرجل من أهله فقلت يا رسول الله أنها حائض قال حابستنا هي قالوا يا رسول الله أفاضت يوم النحر قال اخرجوا
مطابقته للترجمة في قوله فأفضنا يوم النحر لأن معناه طفنا طواف الإفاضة يوم النحر
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى بن بكير بضم الباء الموحدة وهو يحيى بن عبد الله بن بكير الثاني الليث بن سعد الثالث جعفر بن ربيعة ابن شرحبيل بن حسنة القرشي الرابع الأعرج واسمه عبد الرحمن بن هرمز الخامس ( أبو سلمة بن عبد الرحمن ) ابن عوف السادس أم المؤمنين ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن الثلاثة الأول من الرواة مصريون والاثنان مدنيان وفيه أن شيخه مذكور

(10/69)


بنسبته إلى جده والليث مذكور مجردا وعبد الرحمن بن هرمز مذكور بلقبه
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الحج عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده به
ذكر معناه قوله فأفضنا من الإفاضة أي طفنا طواف الإفاضة قوله صفية هي بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين قوله فأراد النبي منها أي من صفية ما يريد الرجل من أهله أي من زوجته وهذا كناية عن إرادة الجماع وهذا من محاسن مراعاة عائشة طرق كلامها حيث لم تصرح باسم من أسماء الجماع قوله حابستنا هي جملة إسمية فقوله هي مبتدأ وحابستنا خبره ولا يجوز العكس إلا أن يقال الهمزة مقدرة قبل حابستنا فيجوز الأمر أن حينئذ لأن كلمة هي وإن كانت مضمرة لكنها ظاهرة قوله قال اخرجوا أي قال رسول الله لما سمع منهم أنهم قالوا أفاضت صفية يوم النحر أخرجوا وكان ظن أنها لم تطف طواف الزيارة فتحبسهم إلى أن تطهر فتطوف طواف الزيارة فلما قالوا إنها أفاضت يوم النحر قال لهم أخرجوا يعني إرحلوا ورخص لها في ترك طواف الوداع لأنه ليس بواجب على قول أكثر العلماء إلا خلافا شاذا يروى عن بعض السلف أنها لا تنفر حتى تودع والحديث حجة عليه وفي ( شرح المهذب ) إذا ترك طواف الوداع لزمه دم هذا هو الصحيح عند الشافعي وبه قال أكثر العلماء فهو واجب وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه وعن مجاهد روايتان كالمذهبين
ومن فوائد هذا الحديث ما قاله القرطبي قوله حابستنا هي دليل أن الكري يحبس على التي حاضت ولم تطف طواف الإفاضة حتى تطهر وهو قول مالك وقال الشافعي لا يحبس عليها كري ولتكر حملها أو يحمل مكانها غيرها وهذا كله في الأمن ووجود ذي المحرم وأما مع الخوف أو عدم ذي المحرم فلا تحبس باتفاق إذ لا يمكن أن يسير بها وحدها ويفسخ الكرى ولا يحبس عليها الرفقة ومن فوائده أن في قولها فأراد منها ما يريد الرجل من أهله أنه لا بأس بالإعلام بذلك وإنما المكروه أن يغشاها حيث يسمع أو يرى
ويذكر عن القاسم وعروة والأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أفاضت صفية يوم النحر
أشار البخاري بهذه الصيغة إلى أن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم ينفرد عن عائشة في روايته عنها بذلك أما طريق القاسم فقد أخرجه مسلم حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا أفلح عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كنا نتخوف أن تحيض صفية قبل أن تفيض قالت فجاءنا رسول الله فقال أحابستنا صفية فقلنا قد أفاضت قال فلا إذن وأما طريق عروة فأخرجه البخاري في المغازي من طريق شعيب عن الزهري عنه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن صفية رضي الله تعالى عنها حاضت بعدما أفاضت الحديث على ما يأتي إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة وعروة عن عائشة قالت حاضت صفية الحديث وفي آخره فقال رسول الله فلتنفروا وأما طريق الأسود فأخرجه البخاري موصولا في باب الإدلاج من المحصب بلفظ حاضت صفية الحديث وفيه أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفري وأخرجه الطحاوي من تسع طرق وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الحيض من حديث عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لرسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت قال رسول الله لعلها تحبسنا إن لم تكن طافت معكن قالوا بلى قال فاخرجي وقد مر الكلام فيه مستوفى
031 -
( باب إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا رمى الحاج جمرة العقبة بعدما أمسى أي بعد ما دخل في المساء يعني إذا رماها ليلا ويطلق المساء على ما بعد الزوال أيضا على ما نذكره إن شاء الله تعالى أو حلق يوم النحر قبل أن يذبح هديه قوله ناسيا نصب على الحال وأوجاهلا كذلك عطف عليه وجواب إذا محذوف تقديره لا حرج عليه ولم يذكره اكتفاء بما ذكر في الحديث أو سكت عنه إشارة إلى أن فيه خلافا وهذه الترجمة تشتمل على حكمين أحدهما رمي جمرة العقبة بالليل

(10/70)


والآخر الحلق قبل الذبح وكل منهما إما ناسيا أو جاهلا يحكمه أما الأول فقد أجمع العلماء أن من رمى جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار وأجمعوا أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحسنا له واختلفوا فيمن أخر رميها حتى غربت الشمس من يوم النحر فذكر ابن القاسم أن مالكا كان مرة يقول عليه دم ومرة لا يرى عليه شيئا وقال الثوري من أخرها عامدا إلى الليل فعليه دم وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي يرميها من الغد ولا شيء عليه وقد أساء سواء تركها عامدا أو ناسيا لا شيء عليه وقال ابن قدامة إن أخر جمرة العقبة إلى الليل لا يرميها حتى تزول الشمس من الغد وبه قال أبو حنيفة وإسحاق وقال الشافعي ومحمد وابن المنذر ويعقوب يرمي ليلا لقوله ولا حرج ولأبي حنيفة أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد وإذا رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر يوم النحر فأكثر العلماء على أنه لا يجزىء وعليه الإعادة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وقال عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وجماعة المكيين يجزيه ولا إعادة على من فعله وقال الشافعي وأصحابه إذا كان الرمي بعد نصف الليل جاز فإن رماها بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فجائز عند الأكثرين منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وقال مجاهد والثوري والنخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس وأما الثاني فإن من حلق قبل أن يذبح فجمهور العلماء على أنه لا شيء عليه وكذلك قاله عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير وقال إبراهيم من حلق قبل أن يذبح اهراق دما وقال أبو الشعثاء عليه الفدية وقال أبو حنيفة عليه دم وإن كان قارنا فدمان وقال زفر على القارن إذا حلق قبل الذبح ثلاثة دماء دم للقران ودمان للحلق قبل النحر واختلفوا فيمن حلق قبل أن يرمي فإن مالكا وأصحابه اختلفوا في إيجاب الفدية وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه من قدم شيئا أو أخره فعليه دم ولا يصح ذاك عنه وعن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي وهو قول الكوفيين وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وداود والطبري لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ولا على من قدم شيئا أو أخره ساهيا مما يفعل يوم النحر وعن الحسن وطاووس لا شيء على من حلق قبل أن يرمي مثل قول الشافعي ومن تابعه وعن عطاء بن أبي رباح من قدم نسكا قبل نسك فلا حرج وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاووس ومجاهد وعكرمة وقتادة وذكر ابن المنذر عن الشافعي من حلق قبل أن يرمي أن عليه دما وزعم أن ذلك حفظه عن الشافعي وهو خطأ عن الشافعي والمشهور من مذهبه أنه لا شيء على من قدم أو أخر شيئا من أعمال الحج كلها إذا كان ساهيا
4371 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( ابن طاوس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها في التقديم والتأخير والحديث كذلك فيهما فإن قلت قيد في الترجمة كونه ناسيا أو جاهلا وليس في الحديث ذلك قلت جاء في حديث عبد الله بن عمرو ذلك وهو الذي ذكره في الباب الذي يليه بقوله فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال إذبح ولا حرج فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال إرم ولا حرج الحديث فإن قوله لم أشعر يقتضي عدم الشعور وهو أعم من أن يكون بجهل أو بنسيان فكأنه أشار إلى ذلك لأن أصل الحديث واحد وإن كان المخرج متعددا
ورجال الحديث المذكور قد ذكروا غير مرة ووهيب بالتصغير هو ابن خالد البصري وابن طاووس هو عبد الله بن طاووس
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن محمد بن حاتم عن بهز ابن أسد وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور عن المعلى بن أسد كلاهما عن وهيب به قوله والتقديم أي تقديم بعض هذه الأشياء الثلاثة على بعض وتأخيرها عنه قوله فقال أي قال النبي لا حرج أي لا إثم

(10/71)


فيه وقال الطحاوي ما ملخصه إن هذا القول له احتمالان أحدهما أنه يحتمل أن يكون أباح ذلك له توسعة وترفيها في حقه فيكون للحاج أن يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء والآخر أنه يحتمل أن يكون قوله لا حرج معناه لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على الجهل منكم لا على القصد منكم خلاف السنة وكانت السنة خلاف هذا والحكم على الاحتمال الثاني وهو أنه أسقط عنهم الحرج وأعذرهم لأجل النسيان وعدم العلم لا أنه أباح لهم ذاك حتى إن لهم أن يفعلوا ذلك في العمد والدليل على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري قال سئل رسول الله وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي قال لا حرج وعن رجل ذبح قبل أن يرمي قال لا حرج ثم قال عباد الله وضع الله عز و جل الضيق والحرج وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم فذل ذلك على أن الحرج الذي رفعه الله عز و جل عنهم إنما كان لجهلهم بأمر المناسك لا لغير ذلك وذلك لأن السائلين كانوا أناسا أعرابا لا علم لهم بالمناسك فأجابهم رسول الله بقوله لا حرج يعني فيما فعلتم بالجهل لا أنه أباح لهم ذلك فيما بعد ونفي الحرج لا يستلزم نفي وجوب القضاء أو الفدية فإذا كان كذلك فمن فعل ذلك فعليه دم والله أعلم
وقال بعضهم وتعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كان واجبا لبينه حينئذ لأنه وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره قلت إلا ثم دليل أقوى من قوله تعالى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله ( البقرة 691 ) وبه احتج النخعي فقال فمن حلق قبل الذبح اهراق دما رواه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح وقال هذا القائل أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه فقد حصل وإنما يتم المراد أن لو قال ولا تحلقوا حتى تنحروا انتهى قلت ليس المراد الكلي مجرد البلوغ إلى المحل الذي يذبح فيه بل المقصد الكلي الذبح ولهذا لو بلغ ولم يذبح يجب عليه الفدية وقال هذا القائل أيضا واحتج الطحاوي أيضا بقول ابن عباس من قدم شيئا من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دما قال وهو أحد من روى أن لا حرج فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط أجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف فإن ابن أبي شيبة أخرجها وفيها إبراهيم بن مهاجر وفيه مقال انتهى قلت لا نسلم ذلك فإن إبراهيم ابن مهاجر روى له مسلم وفي ( الكمال ) روى له الجماعة إلا البخاري وروي عنه مثل الثوري وشعبة بن الحجاج والأعمش وآخرون فلا اعتبار لذكر ابن الجوزي إياه في الضعفاء ولئن سلمنا ما ادعاه هذا القائل في هذا الطريق فقد رواه الطحاوي من طريق آخر ليس فيه كلام فقال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا الخصيب قال حدثنا وهيب عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله وأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه
5371 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي يسئل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج فسأله رجل فقال حلقت قبل أن أذبح ولا حرج وقال رميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن يزيد بن زريع أبي معاوية البصري عن خالد بن مهران الحذاء البصري عن عكرمة مولى ابن عباس إلى آخره فإن قلت ما وجه المطابقة بين الترجمة والحديث قلت في قوله بعد ما أمسيت أي بعد ما دخلت في المساء والمراد به ما بعد الزوال لأنه لغة العرب يسمون ما بعده مساء وعشاء ورواحا وروى مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد أنه قال ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي وإنما يريد تأخيرها عن الوقت الذي في شدة الحر إلى وقت الإبراد الذي أمر به الشارع وقد مر الكلام فيه مستقصى

(10/72)


( باب الفتيا على الدابة عند الجمرة )
أي هذا باب في بيان الفتيا على الدابة عند جمرة العقبة يقال استفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني قال الجوهري والإسم الفتيا والفتوة وقد ذكر البخاري بابين في كتاب العلم أحدهما باب الفتيا وهو واقف على ظهر الدابة أو غيرها وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص والآخر باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار وأورد فيه أيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأورد ههنا أيضا حديث عبد الله بن عمرو المذكور في البابين وهذا منه نادر غريب
6371 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عيسى بن طلحة ) عن ( عبد الله بن عمرو ) أن رسول الله وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ولا حرج فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وقف في حجة الوداع لأن معناه وقف على ناقته وقد صرح به عبد الله بن عمرو في روايته الأخرى في هذا الباب لأن البخاري روى حديثه في هذا الباب بثلاثة أوجه الأول وقف في حجة الوداع والثاني أنه شهد النبي وهو يخطب والثالث وقف رسول الله على ناقته وقوله في الترجمة على الدابة يتناول الناقة وأما دلالته على أنه كان عند الجمرة فمن حديث عبد الله بن عمرو أيضا الذي أخرجه في كتاب العلم في باب السؤال والفتيا عند الجمار عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمر وقال رأيت النبي عند الجمرة وهو يسأل الحديث وهو واحد والراوي واحد
ذكر رجاله وهم خمسة فالثلاثة الأول ذكروا غير مرة وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي مات سنة مائة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم مدنيون إلا عبد الله بن يوسف فإنه تنيسي وأصله من دمشق وأنه من أفراد البخاري وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
وقد ذكرنا في باب الفتيا وهو على ظهر الدابة في كتاب العلم أن هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة وقد ذكرنا أيضا تعدد موضعه لكل منهم وتكلمنا على ما يتعلق به من الأشياء هناك ونتكلم أيضا على بعض ما فاتنا هناك
فقوله مالك عن ابن شهاب كذا في ( الموطأ ) وعند النسائي من طريق يحيى القطان عن مالك حدثني الزهري قوله عن عيسى في رواي صالح بن كيسان حدثني عيسى قوله عن عبد الله في رواية صالح أنه سمع عبد الله وفي رواية ابن جريج وهي الثانية أن عبد الله حدثه قوله وقف في رواية ابن جرير أنه شهد النبي أنه وقف وقال ابن التين هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المذكورتين المنصوص عليهما في رواية مالك لأنه صرح جوابا للسؤال فلا يدخل فيه غيره انتهى قلت هذا عجيب منه فكأنه ذهل عن قوله في بقية الحديث فما سئل عن شيء وقدم ولا أخر إلا قال إفعل ولا حرج فإن قلت يمكن أنه حمل هذا المبهم على ما ذكر قلت يرد ذلك رواية ابن جريج وأشباه ذلك كما يجيء في الحديث الذي يأتي عقيب هذا الحديث إن شاء الله تعالى
318 - ( حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن جريج قال حدثني الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حدثه أنه شهد النبي يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي وأشباه

(10/73)


ذلك فقال النبي افعل ولا حرج لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعل ولا حرج )
مطابقته الترجمة تؤخذ من قوله يخطب يوم النحر لأن في رواية صالح بن كيسان ومعمر على راحلته ( فإن قلت ) قال الإسماعيلي إن صالح بن كيسان تفرد بقوله على راحلته ( قلت ) ليس كما قال فقد ذكر ذلك يونس عند مسلم ومعمر عند أحمد كلاهما عن الزهري وقد أشار البخاري إلى ذلك بقوله تابعه معمر عن الزهري أي في قوله وقف على راحلته
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الثاني أبوه يحيى بن سعيد المذكور الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس عيسى بن طلحة ابن عبيد الله السادس عبد الله بن عمرو بن العاص
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه بغدادي وأبوه كوفي وابن جريج مكي والزهري وعيسى مدنيان وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وقد ذكرنا تعدد موضعه ومن أخرجه غيره في كتاب العلم في باب الفتيا وهو على ظهر الدابة
( ذكر معناه ) قوله شهد النبي أي حضره قوله يخطب يوم النحر جملة فعلية وقعت حالا أي يخطب على راحلته كما صرح به في رواية صالح بن كيسان ومعمر بن راشد قوله فقام إليه رجل لم يدر اسمه قال شيخنا زين الدين رحمه الله اختلفت ألفاظ حديث عبد الله بن عمر وفي مكان هذا السؤال ووقفه في الصحيحين وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه وفي رواية للبخاري رأيته عند الجمرة وهو يسأل وفي رواية له وقف على ناقته وعند مسلم أتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة وفي رواية له رأيته على ناقته بمنى وفي رواية له بينما هو يخطب يوم النحر وقال الدارقطني في سننه قال لنا أبو بكر النيسابوري ما وجدت يخطب إلا في حديث ابن جريج عن الزهري وهو حسن انتهى وجه الجمع بينهما أنه لا اختلاف في المكان فقوله بمنى لا ينافيه قوله عند الجمرة لأنها أول منى وقوله على ناقته مع قوله يخطب لا منافاة أيضا بينهما إذ قد يكون خطب على راحلته وقال الداودي حكاية عن مالك معنى يخطب أي وقف للناس يعلمهم لا أنها من خطب الحج قال شيخنا ويحتمل أنه كان في خطبة يوم النحر وهي الخطبة الثالثة من خطب الحج وأما قوله يوم النحر فهو معارض لرواية البخاري لحديث ابن عباس رميت بعدما أمسيت فهذا يدل على أن السؤال كان بعد المساء إما في الليل وإما في اليوم الذي يليه أو ما بعده انتهى ( قلت ) لا معارضة لأنا قد ذكرنا أن المساء يطلق على ما يطلق عليه العشى والرواح والعشى يطلق على ما بعد الزوال وذكر ابن حزم في حجة الوداع أن هذه الأسئلة كانت بعد عوده إلى منى من إفاضة يوم النحر وقال المحب الطبري يحتمل أنها تكررت قبله وبعده وفي الليل والله أعلم وقال القاضي عياض يحتمل أن ذلك في موضعين أحدهما وقف على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا الوجه أنه خطب وإنما فيه أنه وقف وسئل والثاني بعد صلاة الظهر يوم النحر وقف للخطبة فخطب وهي إحدى خطب الحج المشهورة يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك وقال النووي وهذا الاحتمال هو الصواب قوله فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا أي كنت أظن مثلا أن النحر قبل الرمي وله نظائر أشار إليه بقوله وأشباه ذلك أي من الأشياء التي كان يحسبها على خلاف الأصل ووقع ذلك بعبارات مختلفة ففي رواية يونس عند مسلم لم أشعر أن الرمي قبل الحلق فنحرت قبل أن أرمي وقال آخر لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر وفي رواية ابن جريج كنت أحسب أن كذا قبل كذا ووقع في رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم حلقت قبل أن أرمي وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي وأيضا فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمر والسؤال عن أربعة أشياء الحلق قبل الذبح والحلق قبل الرمي والنحر قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأولان في حديث ابن عباس أيضا وعند الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي وكذا في حديث جابر وفي حديث أبي سعيد عند

(10/74)


الطحاوي السؤال عن منى والإفاضة معا قبل الحلق وفي حديث جابر الذي علقه البخاري فيما مضى السؤال عن السعي قبل الطواف قوله لهن كلهن اللام فيه إما متعلق يقال أي قال لأجل هذه الأفعال كلهن افعل ولا حرج أو متعلق بمحذوف نحو قال يوم النحر لهن أو متعلق بلا حرج أي لا حرج لأجلهن عليك قوله عن شيء أي من الأمور التي هي وظائف يوم النحر
8371 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا أبي عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( عيسى بن طلحة بن عبيد الله ) أنه سمع ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) رضي الله تعالى عنهما قال وقف رسول الله على ناقته فذكر الحديث
هذا طريق ثالث للحديث المذكور عن إسحاق كذا وقع في رواية الأكثرين إسحاق مجردا غير منسوب ونسبه أبو علي بن السكن فقال إسحاق بن منصور ووقع في رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) من مسند إسحاق بن راهويه وهذا هو الأقرب لأن أبا نعيم يروي من حديث عبد الله بن محمد بن شيرويه عن إسحاق عن يعقوب وابن شيرويه يروي عن إسحاق بن راهويه بسنده ولم يعلم له رواية عن إسحاق بن منصور ويعقوب بن إبراهيم ابن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري روى عن أبيه إبراهيم بن سعد يروي عن صالح بن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري رضي الله تعالى عنهم
وفيه من اللطائف رواية الابن عن الأب ورواية ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم صاحل والزهري وعيسى قال الواقدي مات صالح بعد الأربعين والمائة وكان تابعيا رأى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله وقف رسول الله على ناقته قال ابن عبد البر في وقوف النبي على ناقته مع ما روي عن جابر وغيره دلالة لما استحبه حماعة منهم الشافعي ومالك قالوا رمى جمرة العقبة راكبا قال مالك وفي غير يوم النحر ماشيا وعن أبي حنيفة يرميها كلها ماشيا أو راكبا وقال ابن المنذر ثبت أن النبي رمى الجمرة يوم النحر راكبا وقال ابن حزم يرميها كلها راكبا قلت يرد هذا ما رواه الترمذي مصححا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إنه كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي يفعل ذلك والعمل عليه عند أكثر أهل العلم قال وقال بعضهم يركب يوم النحر ويمشي في الأيام التي بعد يوم النحر انتهى
وقد أجمع العلماء على جواز الأمرين معا واختلفوا في الأفضل من ذلك فذهب أحمد إسحاق إلى استحباب الرمي ماشيا وروى البيهقي بإسناده إلى جابر بن عبد الله أنه كان يكره أن يركب إلى شيء من الجمار إلا من ضرورة وذهب مالك إلى استحباب المشي في رمي أيام التشريق وأما جمرة العقبة يوم النحر فيرميها على حسب حاله كيف كان وقال القاضي عياض ليس من سنة الرمي الركوب له ولا الترجل ولكن يرمي الرجل على هيئته التي يكون حينئذ عليها من ركوب أو مشي ولا ينزل إن كان راكبا لرمي ولا يركب إن كان ماشيا وأما الأيام بعدها فيرمي ماشيا لأن الناس نازلون منازلهم بمنى فيمشون للرمي ولا يركبون لأنه خروج عن التواضع حينئذ هذا مذهب مالك انتهى واختار بعضهم الركوب في اليوم الأول والأخير والمشي فيما بينهما وروى البيهقي بإسناده إلى عطاء بن أبي رباح قال رمي الجمار ركوب يومين ومشي يومين وحمله البيهقي على ركوب اليوم الأول والأخير وحكى النووي في ( شرح مسلم ) عن الشافعي وموافقيه أنه يستحب لمن وصل منى راكبا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ولو رماها ماشيا جاز وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا قال وهذا في يوم النحر وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما جميعا الجمرات ماشيا وفي اليوم الثالث يرمي راكبا انتهى وقال أصحابنا الحنفية كل رمي بعده رمي كرمي الجمرتين الأولى والوسطى في الأيام الثلاثة يرمي ماشيا وإن لم يكن بعده رمي كرمي جمرة العقبة والجمرة الأخيرة في الأيام الثلاثة فيرمي راكبا هذا هو الفضيلة وأما الجواز فثابت كيف ما كان

(10/75)


تابعه معمر عن الزهري
أي تابع صالح بن كيسان معمر بن راشد في رواية عن الزهري وأخرج مسلم هذه المتابعة عن ابن أبي عمر وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد رأيت رسول الله على ناقته بمنى فجاء رجل الحديث
231 -
( باب الخطبة أيام منى )
أي هذا باب في بيان مشروعية الخطبة أيام منى قيل أراد البخاري بهذا الرد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج وأن المذكور في هذا الحديث من قبيل الوصايا العامة لا على أنه من شعائر الحج فأراد البخاري أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمي التي وقعت في عرفات خطبة وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنه ألحق المختلف فيه بالمتفق عليه انتهى قلت أراد هذا القائل بهذا الرد على الطحاوي فإنه قال الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه لم يذكر فيها شيئا من أمور الحج وإنما ذكر فيها وصايا عامة ولم ينقل أحد أنه علمهم شيئا من الذي يتعلق بيوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج انتهى قلت رد هذا القائل عن الطحاوي أو على غيره ممن قال مثل ما قال الطحاوي مردود عليه وذلك لأنه لم يذكر شيئا أصلا في الحديث المذكور من أمور الحج وإنما فعل ذلك من أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي الذي اجتمع من أقاصي الدنيا هكذا قال ابن القصار أيضا ثم قال فظن الذي رآه أنه خطب وقال بعضهم نصرة للقائل المذكور وأجيب بأنه نبه في الخطبة المذكورة على تعظيم يوم النحر وعلى تعظيم شهر ذي الحجة وعلى تعظيم البلد الحرام وقد جزم الصحابة رضي الله تعالى عنهم بتسميتها خطبة فلا يلتفت إلى تأويل غيرهم انتهى قلت ليت شعري ما وجه هذا الذي ذكره أن يكون جوابا وتعظيم هذه الأشياء المذكورة ليس له دخل في أمور الحج وتعظيم هذه الأشياء غير مقيد بأوقات الحج بل يجب تعظيمها مطلقا وقوله وقد جزم الصحابة إلى آخره دعوى بلا دليل على أنا نقول إن تسميتهم للتبليغ المذكور خطبة ليست على حقيقة الخطبة المعهودة المشتملة على أشياء شتى وقال بعضهم في الرد على الطحاوي في قوله ولم ينقل أحد أنه عليه السلام علمهم شيئا من أمور الحج بقوله وأما قول الطحاوي ولم ينقل أحد إلى آخره لا ينفي وقوع ذلك أو شيء منه في نفس الأمر بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أنه شهد النبي يخطب يوم النحر وذكر فيه السؤال عن تقديم بعض المناسك على بعض فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع روايته هو حديث عبد الله بن عمرو انتهى قلت كيف ساغ لهذا القائل أن يحط على الطحاوي بفهمه كلامه على غير أصله فإنه لم ينف مطلقا وإنما مراده نفي دلالة حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب على أنه خطبة وقعت يوم النحر ولا يلزم من هذا أن ينفي نفيا مطلقا وتأييد رده عليه بحديث عبد الله بن عمرو يؤيد ضعف ما فهمه من كلامه لأن حديث عبد الله بن عمرو ليس فيه ما يدل صريحا على لفظ خطب فإن لفظ البخاري ومسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه وفي رواية أخرى لمسلم وقف رسول الله على راحلته فطفق ناس يسألونه وفي رواية الترمذي أن رجلا سأل رسول الله فقال حلقت قبل أن أذبح الحديث وليس في شيء من هذه الألفاظ ما يدل على أنه خطبة وإنما هو سؤال وجواب وتعليم وتعلم فلا يسمى هذا خطبة وكذلك ليس في أحاديث أخرى غير حديث عبد الله بن عمرو ما يدل على أنه خطبة وروى أحمد في ( مسنده ) عن علي رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر الحديث وروى النسائي عن جابر أن رجلا قال يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي الحديث وروى ابن ماجه والبيهقي عن جابر أيضا يقول قعد رسول الله بمنى يوم النحر للناس فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وروى الأئمة الستة خلا الترمذي عن ابن عباس من طريق وليس فيها ما يدل على أنه خطبة فروى الشيخان والنسائي من رواية ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس أن النبي قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير قال لا حرج وروى البخاري وأصحاب السنن خلا الترمذي من رواية عكرمة عن ابن عباس قال كان النبي

(10/76)


يسأب يوم النحر بمنى الحديث ورواه البخاري والنسائي من رواية منصور عن عطاء عن ابن عباس قال سئل النبي عن حلق الحديث وروى البخاري من رواية عطاء أيضا عن ابن عباس قال رجل للنبي زرت قبل أن أرمي الحديث فهذه كلها سؤالات وأجوبة وقد مضى في الباب الذي قبله ما يوضح ما ذكرناه هنا
320 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا فضيل بن غزوان قال حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله خطب الناس يوم النحر فقال يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت قال ابن عباس رضي الله عنهما فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )
مطابقته للترجمة في قوله خطب الناس يوم النحر وقد ذكرنا أن قوله خطب ليس من الخطبة المعهودة وإطلاق الخطبة عليه باعتبار أنها في الأصل كلام وقول وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني ويحيى هو القطان وفضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وبالنون في آخره وفيه أن شيخ وعكرمة مدنيان ويحيى بصري وفضيل كوفي والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن أحمد بن أشكاب وأخرجه الترمذي فيه عن عمرو بن علي عن يحيى به
( ذكر معناه ) قوله خطب الناس يوم النحر قد ذكرنا أن إطلاق لفظ الخطبة ليس على حقيقة الخطبة المعهودة لأنه ليس فيه ما يدل على أمر من أمور الحج كما ذكرناه عن قريب والخطبة الحقيقية في حديث ابن عباس ما رواه جابر بن زيد عنه قال سمعت النبي يخطب بعرفات كما سيأتي في هذا الباب فهذه الخطبة الحقيقية لأن فيها تعليم الناس الوقوف بعرفة والمزدلفة والإفاضة منها ورمي جمرة العقبة يوم النحر والذبح والحلق وطواف الزيارة وليس في خطبة يوم النحر شيء من ذلك وإنما هي سؤالات وأجوبة كما ذكرنا وكذلك في حديث الهرماس بن زياد وأبي أمامة عند أبي داود وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد خطبنا رسول الله يوم النحر فقال أي يوم أعظم حرمة الحديث وإطلاق الخطبة في كل ذلك ليس على حقيقته قوله فقال يا أيها الناس خطاب لمن كان معه في ذلك الوقت ووصية أيضا للشاهدين بأن يبلغوا الغائبين كما يأتي ذلك عن قريب قوله أي يوم هذا خرج مخرج الاستفهام والمراد به التقدير لأنه أبلغ وكذلك الاستفهامان الآخران قوله قالوا يوم حرام يعني يحرم فيه القتال وتوصيف اليوم بالحرام مجاز مرسل من قبيل قولهم رجل عدل لأن الحرام ليس عين اليوم وإنما هو الذي يقع فيه من القتال وكذلك الكلام في قوله بلد حرام وشهر حرام وقال الكرماني ( فإن قلت ) المستفاد من الحديث الأول وهو حديث ابن عباس أنهم أجابوه بأنه يوم حرام ومن الثاني وهو حديث أبي بكرة أنهم سكتوا عنه وفوضوه إليه فما التوفيق بينهما ( قلت ) السؤال الثاني فيه فخامة ليست في الأول بسبب زيادة لفظ أتدرون فلهذا سكتوا فيه بخلاف الأول وأجابوا بأنه يوم كذا بعد أن قال أليس هذا يوم النحر وكذا في أخويه فالسكوت كان أولا والجواب بالتعيين كان آخرا انتهى ووفق بعضهم بين الحديثين بقوله لعلهما واقعتان ورده بعضهم بقوله وليس بشيء لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة واحدة وقد قال في كل منهما أن ذلك كان يوم النحر انتهى ( قلت ) ليس لهذا الرد وجه لأنه لا مانع من تعدد القضية وقوله لأن الخطبة يوم النحر إلى آخره

(10/77)


بناء على أن الخطبة في حديث ابن عباس على حقيقتها على زعمهم وهذا لا يقول به خصمهم قوله وأعراضكم جمع عرض بكسر العين وهو ما يحميه الإنسان ويلزمه القيام به قاله أبو عمرو وقال الأصمعي هو ما يمدح به ويذم وقيل العرض الحسب وقيل النفس فإن العرض يقال للنفس وللحسب يقال فلان نقي العرض أي بريء أن يشتم أو يعاب والعرض رائحة الجسد أو غيره طيبة أو خبيثة وفي شرح السنة لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارا لأن ذكر الدماء كاف إذ المراد بها النفوس وقال الطيبي الظاهر أن المراد بالأعراض الأخلاق النفسانية وذكر في النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه ولما كان موضع العرض النفس قال من قال العرض النفس إطلاقا للمحل على الحال وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أو لا قال من قال العرض الخلق إطلاقا الاسم اللازم على الملزوم قوله كحرمة يومكم هذا إنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال وقيل مثل باليوم وبالشهر وبالبلد لتوكيد تحريم ما حرم من الدماء والأموال والأعراض قوله فأعادها مرارا أي أعاد المذكورات مرارا وأقله أن يكون ثلاث مرات قوله ثم رفع رأسه وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ثم رفع رأسه إلى السماء قوله اللهم هل بلغت إنما قال ذلك لأنه كان فرضا عليه أن يبلغ ومنه سميت حجة البلاغ قوله إنها لوصيته أي أن الكلمات التي قالها لوصيته إلى أمته يريد بذلك قوله فليبلغ الشاهد الغائب إلى آخر الحديث والمراد بالشاهد الحاضر في ذلك المجلس وقوله قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته قسم من ابن عباس صدر به كلامه للتأكيد وهو إلى آخر كلامه معترض بين قوله هل بلغت وبين قوله فليبلغ الشاهد الغائب واللام في قوله لوصيته مفتوحة وهي لام التأكيد والضمير فيه يرجع إلى النبي وذكرنا أن الضمير في أنها يرجع إلى الكلمات التي قالها وهي فليبلغ الشاهد إلى آخره والضمير وإن كان مقدما في الذكر فالقرينة تدل على أنه مؤخر في المعنى قوله لا ترجعوا بعدي كفارا قال الكرماني أي كالكفار أو لا يكفر بعضكم بعضا فتستحقوا القتال وقال الطيبي أي لا تكن أفعالكم شبيهة بأعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين ( قلت ) ذكروا فيه أقوالا الأول كفر في حق المستحل بغير حق الثاني كفر النعمة وحق الإسلام الثالث يقرب من الكفر ويؤدي إليه الرابع فعل كفعل الكفار الخامس حقيقة الكفر يعني لا تكفروا بل دوموا مسلمين السادس المتكفرين بالسلاح يقال للابس السلاح كافر السابع لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضا ( فإن قلت ) ما معنى قوله بعدي وهم لو رجعوا في زمانه كان لهم هذا الذي ذكره لهم ( قلت ) إنه قد علم أنهم لا يرجعون في حياته أو أراد بعد فراقي من موقفي هذا أو المعنى بعد حياتي قوله يضرب بعضكم رقاب بعض الرواية برفع الباء ويصح به المقصود وقال عياض وضبطه بعضهم بسكون الباء وقال أبو البقاء على تقدير شرط مضمن أي أن ترجعوا بعدي وقال الطيبي يضرب بعضكم رقاب بعض جملة مستأنفة مبينة لقوله فلا ترجعوا بعدي كفارا فينبغي أن يحمل على العموم وأن يقال لا يظلم بعضكم بعضا فلا تسفكوا دماءكم ولا تهتكوا أعراضكم ولا تستبيحوا أموالكم ونحوه أي في إطلاق الخاص وإرادة العموم قوله تعالى الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انتهى ( قلت ) هذا كله في شرح قوله لا ترجعوا بعدي ضلالا لأن المتن الذي شرحه وهو متن المشكاة وقع ضلالا ثم قال ويروى كفارا ثم نقل كلام صاحب المظهر بقوله يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى ولا تظلموا أحدا ولا تحاربوا المسلمين ولا تأخذوا أموالهم بالباطل فإن هذه الأفعال من الضلالة والعدول من الحق إلى الباطل ثم قال الطيبي بعد ذلك ما ذكرنا عنه من قوله جملة مستأنفة إلى آخره
( ذكر ما يستفاد منه ) احتج به الشافعي وأحمد على أن الخطبة يوم النحر سنة وقال ابن قدامة وعن بعض أصحابنا لا يخطب فيه وهو مذهب مالك قلت الخطبة عند أصحابنا في الحج في ثلاثة أيام الأولى في اليوم السابع من

(10/78)


ذي الحجة والثانية بعرفات يوم عرفة والثالثة بمنى في اليوم الحادي عشر وعند زفر يخطب في ثلاثة أيام متوالية أولها يوم التروية وقال ابن المنذر خطب سيدنا رسول الله يوم السابع وكذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقرأ سورة براءة عليهم رواه ابن عمر وفي التلويح وأما الخطب التي وردت في الآثار أيام الحج فمنها خطبة يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوافق قول زفر لأن الجماعة لا يرون فيه خطبة بل الخطبة الأولى قبل يوم التروية بيوم وهو اليوم السابع من ذي الحجة وبه قال مالك والشافعي وقال عطاء أدركتهم يخرجون ولا يخطبون بمكة قال ابن المنذر قول مالك كقول عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقال النووي الخطب المشروعة في الحج عندنا أربعة أولها بمكة عند الكعبة في اليوم السابع قال وهي مسنونة عند الشافعي رضي الله تعالى عنه بعد صلاة الظهر والثانية ببطن عرنة يوم عرفة والثالثة يوم النحر والرابعة يوم النفر وهو اليوم الثاني من أيام التشريق وكلها أفراد إلا التي يوم عرفات فإنها خطبتان بعد صلاة الظهر وقبل الصلاة انتهى ومنها خطبة يوم عرفة لما رواه مسلم من حديث جابر حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فأتى بطن الوادي فخطب وروى أبو داود من حديث زيد بن أسلم عن رجل من بني ضميرة عن أبيه أو عمه قال رأيت رسول الله وهو على المنبر يوم عرفة وروى أبو داود أيضا من حديث ابن عمر يرفعه فلما أتى عرفة فذكر كلاما وفيه حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس الحديث وروى ابن أبي شيبة من حديث قيس بن المطلب أن النبي خطب بعرفة وروى أحمد من حديث نبيط أنه رآه واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب فسمعه يقول أي يوم أحرم قالوا هذا اليوم قال فأي بلد أحرم قالوا هذا البلد قال فأي شهر أحرم قالوا هذا الشهر الحديث وعن العداء بن خالد رأيت النبي يخطب بعرفات وهو قائم وهو ينادي بأعلى صوته يا أيها الناس أي يوم هذا الحديث وروى ابن ماجة من حديث ابن مسعود قال رسول الله وهو على ناقته بعرفات أتدري أي يوم هذا الحديث وروى الطبراني في معجمه من حديث ابن عباس لما وقف النبي بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت ناقته فقال اصرخ أيها الناس أتدرون أي يوم هذا فصرخ فقال الناس الشهر الحرام الحديث ومنها خطبة يوم النحر رواها جماعة من الصحابة منهم الهرماس بن زياد رواه أبو داود قال رأيت النبي يخطب الناس على ناقته الجدعاء يوم الأضحى وروى عن أبي أمامة قال سمعت خطبة رسول الله بمنى يوم النحر وروى عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال خطبنا رسول الله ونحن بمنى وروى عن رافع بن عمرو المزني قال رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء الحديث وروى ابن أبي شيبة عن مسروق أن النبي خطبهم يوم النحر ومنها خطبة اليوم الحادي عشر من ذي الحجة وقال ابن حزم وخطب الناس أيضا يعني سيدنا رسول الله يوم الأحد ثاني يوم النحر وهو يوم الرؤس وهو مذهب أبي حنيفة وهو أول أيام التشريق وهو يوم النفر وروى أبو داود من حديث سرا بنت نبهان قالت خطبنا النبي يوم الرؤس فقال أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال أليس أوسط أيام التشريق وعن رجلين من بني بكر رأينا رسول الله يخطب بين أوساط أيام التشريق ونحن عند راحلته وروى أحمد من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمر قال كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال يا أيها الناس هل تدرون في أي شهر أنتم الحديث وروى الدارقطني من حديث كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله خطب بمنى أوسط أيام الأضحى وقال ابن المواز هذه الخطبة بعد الظهر من غير جلوس فيها ولا قراءة جهرية في شيء من صلاتها ومنها خطبة يوم الأكارع وقال ابن حزم وقد روي أيضا أنه خطبهم يوم الاثنين وهو يوم الأكارع وأوصى بذوي الأرحام خيرا وروى الدارقطني من حديث عبد العزيز بن الربيع بن أبي سبرة عن أبيه عن جده أن رسول الله خطب وسط أيام التشريق قال ابن قدامة يعني يوم النفر الأول وروى عن أبي هريرة

(10/79)


رضي الله تعالى عنه أنه كان يخطب العشر كله وفي المصنف وكذلك ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما -
0471 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عمرو ) قال سمعت ( جابر بن زيد ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي يخطب بعرفات
ليس له مطابقة للترجمة ظاهرا ولكن لما روى عن ابن عباس خطبة النبي يوم النحر وهو من أيام منى مطابقا للترجمة ذكر هذا الحديث أيضا ههنا لكونه عن ابن عباس ويستأنس بهذا المقدار في وجه المطابقة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول حفص بن عمر بن الحارث الحوضي الثاني شعبة بن الحجاج الثالث عمرو بن دينار الرابع جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي اليحمدي الخامس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه السماع في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه بصري وأن شعبة واسطي وأن عمرا مكي وأن جابرا بصري وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره هذا الحديث طرف من حديث سيأتي في باب لبس الخفين للمحرم وأخرجه البخاري عن حفص بن عمر وأبي الوليد وآدم فرقهم ثلاثتهم عن شعبة وأخرجه في اللباس عن أبي نعيم ومحمد بن يوسف كلاهما عن سفيان الثوري وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن بشار وعن محمد بن عمر الرازي وعن أبي كريب وعن يحيى بن يحيى وقتيبة وأبي الربيع الزهراني ثلاثتهم عن حماد بن زيد وعن يحيى بن يحيى عن هشيم وعن علي بن خشرم وعن علي ابن حجر وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وعن أحمد بن عبدة الضبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن أيوب بن محمد الوزان وعن إسماعيل بن مسعود وفي الزينة عن محمد بن بشار وعن عمرو بن منصور وأخرجه ابن ماجه في الحج عن هشام بن عمار ومحمد بن الصباح كلاهما عن سفيان بن عيينة وبقية الكلام قد مرت عن قريب
تابعه ابن عيينة عن عمرو
أي تابع شعبة سفيان بن عيينة وفي رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار وقال صاحب التلويح مراد البخاري بأنه تابعه في الخطبة خاصة دون ذكر عرفات ويوضحه قول مسلم وأخرجه من طرق
إلى عمرو بن دينار لم يذكر واحد منهم يخطب بعرفات غير شعبة
1471 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( أبو عامر ) قال حدثنا ( قرة ) عن ( محمد بن سيرين ) قال أخبرني ( عبد الرحمان بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمان حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي بكرة ) رضي الله تعالى عنه قال خطبنا النبي يوم النحر قال أتدرون أي يوم هاذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قلنا أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ذننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذو الحجة قلنا بلى قال أي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليست بالبلدة الحرام قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هاذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض

(10/80)


مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر الجعفي المعروف بالمسندي الثاني أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي الثالث قرة بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد أبو محمد السدوسي الرابع محمد بن سيرين وقد تكرر ذكره الخامس عبد الرحمن بن أبي بكرة واسم أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة السادس حميد بن عبد الرحمن قال الكرماني هو حميد بن عوف القرشي الزهري وقال بعضهم هو حميد بن عبد الرحمن الحميري وإنما كان عند ابن سيرين أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة لكون عبد الرحمن دخل في الولايات وكان حميد زاهدا قلت كل واحد من حميد بن عبد الرحمن بن عوف وحميد بن عبد الرحمن الحميري سمع من أبي بكرة وسمع منه محمد بن سيرين ولم يظهر لي أيهما المراد ههنا السابع أبوبكرة بفتح الباء الموحدة وهو نفيع المذكور
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع وبصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بخاري وأن أبا عامر وقرة ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن بن أبي بكرة بصريون وحميد بن عبد الرحمن إن كان هو الحميري فهو بصري وإن كان ابن عوف فهو مدني وفيه ثلاثة من التابعين وهم محمد بن سيرين وعبد الرحمن بن أبي بكرة وحميد بن عبد الرحمن
وقد ذكرنا تعدده ومن أخرجه غيره في كتاب العلم في باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع
ذكر معناه مما لم نذكره هناك قوله ورجل بالرفع لا غير عطفا على عبد الرحمن قوله أفضل في نفسي من عبد الرحمن يعني من ابن أبي بكرة قوله حميد بن عبد الرحمن ارتفاع حميد على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو حميد بن عبد الرحمن الحميري قوله أليس يوم النحر بنصب يوم على أنه خبر ليس أي ليس اليوم يوم النحر ويجوز الرفع على أنه إسم ليس والتقدير أليس يوم النحر هذا اليوم قوله أليس ذو الحجة بالرفع اسم ليس وخبرنا محذوف أي ليس ذو الحجة هذا الشهر ويجوز فيه فتح الحاء وكسرها وقال صاحب ( التوضيح ) فتح الحاء أشهر قلت نقله عن صاحب ( التلويح ) وهو نقله عن القزاز وفي ( المثلث ) لابن سيده جعلهما سواء ولكن في ألسن العامة الكسرة أشهر قوله أليست بالبلدة الحرام الضمير في أليست يرجع إلى البلد في قوله أي بلد هذا قال الجوهري البلد والبلدة واحد البلاد والبلدان وإنما وصف البلدة بالحرام والبلدة تؤنث لأن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار إسما قال الكرماني وفي بعض الرواية لم يوجد لفظ الحرام وقال التوربشتي وجه تسميتها بالبلدة وهي تقع على سائر البلدان أنها البلدة الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الإسم لتفوقها سائر مسميات أحناسها تفوق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها وقال ابن جني من عادة العرب أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت وكتاب سيبويه بالكتاب وقال الخطابي يقال إن البلدة خاص لمكة أو اللام للعهد عن قوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ( النمل 19 ) إلى قوله إلى يوم تلقون بفتح يوم وكسره مع التنوين وعدمه وترك التنوين مع الكسر هو الذي ثبت به الرواية قوله اللهم اشهد لما كان التبليغ فرضا عليه أشهد الله تعالى أنه أدى ما أوجبه عليه قوله فرب مبلغ بفتح اللام المشددة أي رب شخص بلغه كلامي كان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي نقله قوله أوعى أي أحفظ فإن قلت كلمة رب أصلها للتقليل وقد تستعمل للتكثير فأيهما المراد هنا قلت الظاهر أن المراد معنى التقليل تدل عليه الرواية التي تقدمت في كتاب العلم عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه
ومن فوائد هذا الحديث وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض الناس وفيه تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه وفيه مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع
2471 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يزيد بن هارون ) قال أخبرنا ( عاصم بن محمد بن زيد ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي بمنى أتدرون أي يوم هاذا

(10/81)


قالوا الله ورسوله أعلم فقال فإن هذا يوم حرام أفتدرون أي بلد هاذا قالوا الله ورسوله أعلم قال بلد حرام أفتدرون أي شهر هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال شهر حرام قال فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله قال النبي بمنى لأن قوله بهذه الكلمات أعني قوله أفتدرون إلى آخره عبارة عن خطبة بمنى ولكن ليس المراد منه الخطبة الحقيقية التي فيها شيء من مناسك الحج وقد استقصينا الكلام فيه في أول الباب
ورجاله خمسة منهم عاصم بن محمد بن زيد يروي عن أبيه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد يروي عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم
الحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن أبي الوليد وفي الفتن عن حجاج بن منهال وفي الأدب عن عبد الله بن عبد الوهاب وفي الحدود عن محمد بن عبد الله وفي المغازي عن يحيى بن سليمان وأخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي بكر بن خلاد وعن عبيد الله بن معاذ وأخرجه أبو داود في السنة عن أبي الوليد به وأخرجه النسائي في المحاربة عن أحمد بن عبد الله بن الحكم وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن دحيم
قوله بمنى في محل النصب على الحال والباء بمعنى في قوله أفتدرون وفي رواية الإسماعيلي عن القاسم المطرز عن محمد بن المثنى شيخ البخاري قال أوتدرون
وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقف النبي يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا وقال هذا يوم الحج الأكبر فطفق النبي يقول أللهم اشهد وودع الناس فقالوا هاذه حجة الوداع
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام بن الغاز بالغين المعجمة وتخفيف الزاي بلفظ الفاعل من الغزو بحذف الياء وإثباتها ابن ربيعة بفتح الراء الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة مات سنة سبع وخمسين ومائة وهذا تعليق وصله أبو داود حدثنا المؤمل بن الفضل عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز قال حدثنا نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال أي يوم هذا فقالوا يوم النحر فقال هذا يوم الحج الأكبر ورواه ابن ماجه أيضا والطبراني
قوله بين الجمرات بفتح الجيم والميم جمع جمرة وفيه تعيين المكان الذي وقف فيه كما أن في الرواية التي قبلها تعيين الزمان وكما أن في حديثي ابن عباس وأبي بكرة تعين اليوم ووقع تعيين الوقت في اليوم في رواية رافع بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي ولفظه رأيت النبي يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى الحديث قوله في الحجة التي حج ووقع في رواية الكشميهني في حجته التي حج وللطبراني في حجة الوداع قوله بهذا قال الكرماني أي وقف متلبسا بهذا الكلام المذكور واستغرب بعضهم من الكرماني هذا التفسير وقال بهذا أي بالحديث الذي تقدم من طريق محمد بن زيد عن جده قلت في طريق محمد بن زيد عن جده قالوا الله ورسوله أعلم وفي طريق هشام بن الغاز الذي وصله أبو داود وابن ماجه قالوا يوم النحر وهذا كما ترى مختلف لأن طريق محمد بن زيد فيه التفويض وفي طريق هشام الجواب بيوم النحر فيما رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وكان في طريق هشام ورد اللفظان المذكوران أعني التفويض والجواب وفي تعليق البخاري عنه اللفظ هو التفويض فلذلك فسر الكرماني لفظة بهذا بقوله أي وقف متلبسا بهذا الكلام المذكور وأراد بالكلام المذكور قولهم الله ورسوله أعلم وهو التفويض وهذا هو الوجه فلا ينسب إلى الاستغراب لأن كلمة الباء في قوله بهذا تتعلق بقوله وقف النبي ومن تأمل سر التراكيب لم يزغ عن طريق الصواب قوله وقال هذا يوم الحج الأكبر أي يوم النحر هذا هو يوم الحج الأكبر واختلفوا فيه فقيل هو الذي يقال له

(10/82)


الحج الأكبر والعمرة يقال لها الحج الأصغر وقيل الحج الذي كان رسول الله هو واقفا فيه الحج الأكبر وقيل إنما قال عليه الصلاة و السلام هذا يوم الحج الأكبر لاجتماع المسلمين والمشركين فيه وموافقته لأعياد أهل الكتاب
وقال الترمذي باب ما جاء في الحج الأكبر حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه قال سألت رسول الله عن يوم الحج الأكبر فقال يوم النحر ورواه الترمذي رحمه الله تعالى أيضا عن علي رضي الله تعالى عنه موقوفا وقال وهو الأصح قلت انفرد الترمذي بإخراجه مرفوعا وموقوفا وقد روي من غير طريق ابن إسحاق عن أبي إسحاق مرفوعا ورواه ابن مردويه في تفسيره من رواية مغيرة الضبي ومن رواية الأجلح كلاهما عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه وفي الباب عن عبد الله بن عمر وقد ذكر الآن وعن أبي هريرة رواه أبو داود عنه قال بعثني أبو بكر رضي الله تعالى عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج وعن عبد الله بن أبي أوفى رواه ابن مردويه في تفسيره عنه عن النبي قال يوم الأضحى يوم الحج الأكبر وفي إسناده ضعف وعن عمرو بن الأحوص رواه الترمذي في حديث طويل في الفتن والتفسير عنه قال سمعت رسول الله يقول في حجة الوداع فقال أي يوم هذا قالوا يوم الحج الأكبر وعن رجل من أصحاب النبي رواه النسائي عنه قال قام فينا رسول الله على ناقة حمراء مخطومة فقال أتدرون أي يوم هذا قالوا يوم النحر قال صدقتم يوم الحج الأكبر وقد ورد أن الحج الأكبر يوم عرفة وهو ما رواه ابن مردويه في تفسيره من رواية ابن جريج عن محمد بن قيس عن المسور بن مخرمة قال خطبنا رسول الله وهو بعرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن هذا اليوم يوم الحج الأكبر ولا يعارض هذا الأحاديث المذكورة لمجيئها من عدة طرق صحيحة بخلاف حديث المسور لأنه فردا وتؤول هذا كتأويل قوله الحج عرفة على معنى أن الوقوف هو المهم من أفعاله لكون الحج يفوت بفواته وكذلك قوله يوم النحر يوم الحج الأكبر بمعنى أن أكثر أفعال الحج من الرمي والحلق والطواف فيه وفي ( شرح الترمذي ) لشيخنا زين الدين رحمه الله تعالى
واختلف العلماء في يوم الحج الأكبر على أقوال أحدها أنه يوم النحر وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن أبي أوفى والشعبي ومجاهد والقول الثاني أنه يوم عرفة ويروى ذلك عن عمر وابنه عبد الله بن عمر والقول الثالث أنه أيام الحج كلها وقد يعبر عن الزمان باليوم كقولهم يوم بعاث ويوم الجمل ويوم صفين ونحو ذلك وهو قول سفيان الثوري وقال مجاهد الأكبر القران والأصغر الإفراد وروى ابن مردويه في تفسيره من رواية الحسن عن سمرة قال قال رسول الله يوم الحج الأكبر يوم حج أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه زاد في رواية بالناس
قوله فطفق النبي يقول إعلم أن طفق من أفعال المقاربة وهي على ثلاثة أنواع منها ما وضع للدلالة على الشروع في الخبر وكلمة طفق من هذا القبيل وهو يعمل عمل كاد إلا أن خبره يجب أن يكون جملة وههنا قول يقول جملة وقعت خبرا له وقال الجوهري طفق يفعل كذا يطفق طفقا أي جعل يفعل ومنه قوله تعالى وطفقا يخصفان ( الأعراف 22 وطه 121 ) قال الأخفش وبعضهم يقول طفق بالفتح يطفق طفوقا انتهى قلت الأول من باب علم يعلم والثاني من باب ضرب يضرب فافهم ووقع في رواية ابن ماجه وغيره بين قوله يوم الحج الأكبر وبين قوله فطفق من الزيادة وهي قوله ودماؤكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم قوله فودع الناس لأنه علم أنه لا يتفق له بعد هذا وقفة أخرى ولا اجتماع آخر مثل ذلك وسبب ذلك ما رواه البيهقي وهو أنه أنزلت إذا جاء نصر الله والفتح ( الفتح 1 ) على رسول الله في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب فوقف بالعقبة واجتمع الناس إليه فقال يا أيها الناس إن كل دم كان في الجاهلية الحديث بطوله ورواه ابن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا موسى بن عبيدة الربذي حدثني صدقة بن يسار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال إن هذه السورة نزلت على رسول الله أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع إذا جاء نصر الله والفتح ( الفتح 1 ) حتى ختمها فعرف رسول الله أنه

(10/83)


الوداع الحديث بطوله وموسى بن عبيدة ضعيف قوله فقالوا أي الصحابة هذه الحجة حجة الوداع والوداع بفتح الواو وجاء بكسرها
331 -
( باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى )
أي هذا باب يذكر فيه هل يبيت أصحاب السقاية وهي الماء المعد للشرب وسقاية العباس في المسجد الحرام مشهورة قوله أو غيرهم أي أو غير أصحاب السقاية ممن كان له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاء والباء في بمكة تتعلق بقوله يبيت وليالي منصوب على الظرفية فإن قلت ليس فيه جواب الاستفهام قلت الظاهر أنه اكتفى بما في حديث الباب عن ذكر الجواب وقيل يحتمل أن البخاري لا يرى ذلك إلا لأهل السقاية خاصة وحدهم كما ذهب إليه البعض ويحتمل أن يكون طرد الإباحة في ذلك لأصحاب الأعذار كما أبيح لأصحاب السقاية فلذلك لم يذكر الجواب
3471 - حدثنا ( محمد بن عبيد بن ميمون ) قال حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما رخص النبي
أخرج حديث ابن عمر هذا من ثلاثة طرق واقتصر عليه في الطريق الأول بقوله رخص وفي الثاني بقوله أذن ولم يعلم الترخيص والأذن فيما ذا وبين ذلك في الطريق الثالث كما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى ومطابقتها للترجمة ظاهرة
ورجال هذا خمسة الأول محمد بن عبيد مصغر العبد ابن ميمون مولى هارون بن يزيد بن مهاجر بن قنفذ المدني المشهور بمحمد بن أبي عباد وهو من أفراده الثاني عيسى بن يونس بن أبي إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي الثالث عبيد الله العمري وقد تكرر ذكره الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهم
وأخرجه مسلم والنسائي جميعا عن إسحاق بن إبراهيم
قوله رخص النبي جملة من الفعل والفاعل والمفعول محذوف تقديره رخص في البيتوتة ليالي منى بمكة لأهل السقاية وقد مر الكلام في هذا الباب مستقصى في باب سقاية الحاج فإنه أخرج حديث ابن عمر هناك من طريق عبيد الله عن نافع رضي الله تعالى عنهما عنه
4471 - حدثنا ( يحيى بن موسى ) قال حدثنا ( محمد بن بكر ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي أذن
هذا طريق ثان عن يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم أبي زكريا السختياني البلخي الذي يقال له خت وهو من أفراده عن محمد بن بكر بن عثمان البرساني البصري عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبيد الله العمري عن نافع
وأخرجه مسلم من حديث محمد بن حاتم وعبد بن حميد كلاهما عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن عبيد الله عن نافع
قوله أذن أي أذن للعباس بن عبد المطلب للسقاية بأن يبيت ليالي منى بمكة
5471 - قال حدثنا ( محمد بن عبد الله بن نمير ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن العباس رضي الله تعالى عنه استأذن النبي ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له
هذا طريق ثالث أخرجه عن محمد بن نمير بضم النون وفتح الميم إلى آخره ومضى هذا في باب سقاية الحاج عن ابن عمر بلفظ استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له وقال ابن المنذر السنة أن يبيت الناس بمنى ليالي أيام التشريق إلا من أرخص له رسول الله في ذلك فإنه أرخص للعباس أن يبيت بمكة

(10/84)


لأجل سقايته وأرخص لرعاء الإبل وأرخص لمن أراد التعجيل أن ينفر في النفر الأول
واختلف الفقهاء فيمن بات ليلة منى بمكة من غير من رخص له فقال مالك عليه دم وقال الشافعي إن بات ليلة أطعم عنها مسكينا وإن بات ليالي منى كلها أحببت أن يهريق دما وجعل أبو حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه لا شيء عليه إن كان يأتي منى ويرمي الجمار وهو قول الحسن البصري رضي الله تعالى عنه
تابعه أبو أسامة وعقبة بن خالد وأبو ضمرة
أي تابع محمد بن عبد الله بن نمير أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وأخرج هذه المتابعة مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير وأبو أسامة قالا حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر وحدثنا ابن نمير واللفظ له قال حدثنا أبي قال حدثنا عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر أن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له
قوله وعقبة بن خالد عطف على قوله أبو أسامة أي تابع ابن نمير أيضا عقبة بن خالد أبو مسعود الكوفي وأخرج متابعته عثمان بن أبي شيبة في مسنده عنه
قوله وأبو ضمرة عطف على ما قبله أي تابع ابن نمير أبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض
وقد أخرج البخاري في باب سقاية الحاج عن عبد الله بن أبي الأسود عن أبي ضمرة عن عبيد الله عن نافع الحديث وإنما ذكر البخاري هذه المتابعات هنا بعد أن روى هذا الحديث من ثلاث طرق لأجل شك وقع في رواية يحيى بن سعيد القطان في وصله وقد أخرجه أحمد عن يحيى عن عبيد الله عن نافع قال لا أعلمه إلا عن ابن عمر وقال الإسماعيلي وصل هذا الحديث بلا شك فيه الدراوردي وعلي بن مسهر وأبو حمزة وعقبة بن خالد ومحمد بن فليح وموسى بن عقبة عن عبيد الله وأرسله ابن المبارك عن عبيد الله
431 -
( باب رمي الجمار )
أي هذا باب في بيان وقت رمي الجمار وإنما قدرنا هكذا لأن حديث الباب لا يدل إلا على بيان وقت الجمار
وقال جابر رمى النبي يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال
مطابقته للترجمة تؤخذ من الوجه الذي ذكرناه الآن وهذا معلق وصله مسلم وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر وابن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال رمى رسول الله الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس ورواه أبو داود من رواية يحيى بن سعيد والترمذي عن علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال كان النبي يرمي يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس وأخرجه النسائي من رواية عبد الله بن إدريس
قوله ضحى الرواية فيه بالتنوين على أنه مصروف وهو مذهب النحاة من أهل البصرة سواء قصد التعريف أو التنكير وقال الجوهري تقول لقيته ضحى وضحى إذا أردت به ضحى يومك لم تنونه وأما وقت الضحى بالضم والقصر فقال الجوهري ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهو حين تشرق الشمس مقصور يؤنث ويذكر فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة ومن ذكر ذهب إلى أنه إسم على فعل مثل صرد ونغر وهو ظرف غير متمكن مثل سحر قال ثم بعده الضحاء ممدود مذكر وهو عند ارتفاع النهار الأعلى قوله ورمى بعد ذلك بعد الزوال يعني رمي الجمار أيام التشريق
ويستفاد من الحديث حكمان الأول أن وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى اقتداء به وقال الرافعي المستحب أن يرمي بعد طلوع الشمس ثم يأتي بباقي الأعمال فيقع الطواف في ضحوة النهار انتهى وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى وما قاله الرافعي مخالف للحديث على مقتضى تفسير أهل اللغة أن ضحوة النهار متقدمة على الضحى وهذا وقت الاختيار وأما أول وقت الجواز فهو بعد طلوع الشمس وهذا مذهبنا لما روى أبو داود عن ابن عباس عن النبي أنه قال أي بني لا ترموا

(10/85)


الجمرة حتى تطلع الشمس وأما آخره فإلى غروب الشمس وقال الشافعي يجوز الرمي بعد النصف الأخير من الليل وفي ( شرح الترمذي ) لشيخنا وأما آخر وقت رمي جمرة العقبة فاختلف فيه كلام الرافعي فجزم في ( الشرح الصغير ) أنه يمتد إلى الزوال قال والمذكور في ( النهاية ) جزما امتداده إلى الغروب وحكى وجهين في امتداده إلى الفجر أصحهما أنه لا يمتد وكذا صححه النووي في ( الروضة ) وفي ( التوضيح ) رمي جمرة العقبة من أسباب التحلل عندنا وليس بركن خلافا لعبد الملك المالكي حيث قال من خرجت عنه أيام منى ولم يرم جمرة العقبة بطل حجه فإن ذكر بعد غروب شمس يوم النحر فعليه دم وإن تذكر بعد فعليه بدنة وقال ابن وهب لا شيء عليه ما دامت أيام منى وفي ( المحيط ) أوقات رمي جمرة العقبة ثلاثة مسنون بعد طلوع الشمس ومباح بعد زوالها إلى غروبها ومكروه وهو الرمي بالليل ولو لم يرم حتى دخل الليل فعليه أن يرميها في الليل ولا شيء عليه وعن أبي يوسف وهو قول الثوري لا يرمي في الليل وعليه دم ولو لم يرم في يوم النحر حتى أصبح من الغد رماها وعليه دم عند أبي حنيفة خلافا لهما
الحكم الثاني هو أن الرمي في أيام التشريق محله بعد زوال الشمس وهو كذلك وقد اتفق عليه الأئمة وخالف أبو حنيفة في اليوم الثالث منها فقال يجوز الرمي فيه قبل الزوال استحسانا وقال إن رمى في اليوم الأول أو الثاني قبل الزوال أعاد وفي الثالث يجزيه وقال عطاء وطاووس يجوز في الثلاثة قبل الزوال واتفق مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور أنه إذا مضت أيام التشريق وغابت الشمس من آخرها فقد فات الرمي ويجبر ذلك بالدم
6471 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( مسغر ) عن ( وبرة ) قال سألت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما متى أرمي الجمار قال إذا رمى إمامك فأرمه فأعدت عليه المسألة قال كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا
مطابقته للترجمة من الذي ذكرناه قبل هذا وأبو نعيم الفضل بن دكين ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة وبالراء ابن كدام مر في كتاب الوضوء وبرة بالواو والباء الموحدة والراء المفتوحات على وزن شجرة ابن عبد الرحمن المسلي بضم الميم وسكون السين المهملة بعدها لام وكلهم كوفيون
وأخرجه أبو داود عن عبد الله بن محمد الزهري عن سفيان ومسعر
قوله متى أرمي الجمار يعني في غير يوم الأضحى قوله إذا رمى إمامك أراد به الأمير الذي على الحج وكان ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر فلما أعاد إليه المسألة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي قوله فارمه بهاء ساكنة لأنها هاء السكت والحديث رواه ابن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه فقلت له أرأيت إن أخر إمامي أي الرمي فذكر له الحديث أخرجه ابن أبي عمر في ( مسنده ) عنه ومن طريقه الإسماعيلي ولفظه فإذا زاغت الشمس أو زالت قوله كنا نتحين على وزن نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت قوله فإذا زالت الشمس رمينا أي في أيام التشريق وعند الجمهور لا يجوز الرمي في أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال وقال عطاء وطاووس يجزيه فيها قبل الزوال وقد ذكرناه عن قريب واتفقوا أنه إذا مضت أيام التشريق وغابت الشمس من آخرها فقد فات الرمي ويجبر بالدم وقال ابن قدامة إذا أخر رمي يوم إلى يوم بعده أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ولا شيء عليه وعند أبي حنيفة إن ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد رماها وعليه لكل حصاة نصف صاع وإن ترك أربعا إلى الغد فعليه دم والله أعلم
531 -
( باب رمي الجمار من بطن الوادي )
أي هذا باب في بيان رمي الجمار من بطن الوادي وأراد به رمي جمار العقبة يوم النحر وهذا هو صفة رمي جمرة العقبة وهي أن يرمي من بطن الوادي من أسفل إلى أعلى فإن قلت روى ابن أبي شيبة عن عطاء أن النبي كان يعلوا إذا رمى الجمرة قلت هذا في الجمرتين الآخرتين وأما في جمرة العقبة فمن بطن الوادي

(10/86)


7471 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبد الرحمان ابن يزيد ) قال رمى عبد الله من بطن الوادي فقلت يابا عبد الرحمان إن ناسا يرمونها من فوقها فقال والذي لا إله غيره هاذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن كثير ضد القليل وقد تكرر ذكره الثاني سفيان الثوري الثالث سليمان الأعمش الرابع إبراهيم النخعي الخامس عبد الرحمن بن يزيد النخعي السادس عبد الله بن مسعود
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري وسفيان مكي والبقية كوفيون وفيه رواية الرجل عن خاله لأن عبد الرحمن هو خال إبراهيم وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهو الأعمش وإبراهيم وعبد الرحمن
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن مسدد وعن حفص بن عمر وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي بكر وأبي كريب وعن منجاب بن الحارث وعن يعقوب بن إبراهيم وعن ابن أبي عمر وعن أبي بكر بن أبي شيبة وبندار وابن المثنى ثلاثتهم عن غندر وعن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى كلاهما عن أبي المحياة وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم وأخرجه الترمذي فيه عن يوسف بن عيسى وهناد وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم به وعن الحسن بن محمد الزعفراني ومالك بن الخليل وعن مجاهد بن موسى وعن هناد عن أبي المحياة وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع به
ذكر معناه قوله رمى عبد الله أي ابن مسعود أي رمى جمرة العقبة من بطن الوادي ولفظ الترمذي لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي أي وقف في بطن الوادي قوله يا با عبد الرحمن أصله يا أبا بالهمزة وعادتهم تسهيل الهمزة في هذا وأبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن مسعود قوله والذي لا إله غيره إلى آخره حلف ابن مسعود من غير داع لذلك لأجل تأكيد كلامه وذلك أنه لما سمع من عبد الرحمن بن يزيد ما نقل عن هؤلاء الذين يرمون جمرة العقبة من فوق الوادي على خلاف ما يفعله الشارع صعب عليه ذلك وكرهه منهم وأنكر عليهم غاية الإنكار حتى ألجأه ذلك إلى اليمن ثم الحكمة في ذكر ابن مسعود لسورة البقرة دون غيرها من السور وإن كان قد أنزل عليه كل السور وأن معظم المناسك مذكور في سورة البقرة فكأنه قال من هنا رمى من أنزل عليه أمور المناسك وأخذ عنه الشرع فهو أولى وأحق بالاتباع ممن رمى الجمرة من فوقها
ذكر ما يستفاد منه فيه أن السنة رمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولو رماها من أسفلها كره وفي ( التوضيح ) ولو رماها من أسفلها جاز وقال مالك لا بأس أن يرميها من فوقها ثم رجع فقال لا يرميها إلا من أسفلها وقال ابن بطال رمى جمرة العقبة من حيث يتيسر من العقبة من أو أسفلها أو أعلاها أو أوسطها كل ذلك واسع والموضع الذي يختار بها بطن الوادي من أجل حديث ابن مسعود وكان جابر بن عبد الله يرميها من بطن الوادي وبه قال عطاء وسالم وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقال مالك فرميها من أسفلها أحب إلي وقد روى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها وفيه أنه لا يكره قول الرجل سورة البقرة وسورة آل عمران ونحو ذلك وهو قول كافة العلماء إلا ما حكى عن بعض التابعين كراهة ذلك وأنه ينبغي أن يقال السورة التي يذكر فيه كذا والأصح قول الجمهور لقوله من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة المرفوعة
وقال عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان عن الأعمش بهاذا

(10/87)


هذا تعليق وصله عبد الرحمن بن منده بإسناده إلى عبد الله بن الوليد العدني هذا عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش بهذا الحديث المذكور عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
631 -
( باب رمي الجمار بسبع حصيات )
أي هذا باب في بيان أن عدد رمي الجمار إنما هو بسبع حصيات بفتح الصاد والياء جمع حصاة وهو الصواب بخلاف ما وقع في رواية أبي الحسن حصايات
ذكره ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي
أي ذكر السبع عبد الله بن عمر عن النبي ووصله البخاري في باب إذا رمى الجمرتين وهو الباب الرابع بعد هذا الباب على ما يأتي إن شاء الله
8471 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبد الرحمان ابن يزيد ) عن ( عبد الله بن مسعود ) رضي الله تعالى عنه أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال هاكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله قد ذكروا غير مرة والحكم بفتحتين هو ابن عيينة بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة ووقع في بعض النسخ مذكورا عن الحكم بن عتيبة وإبراهيم هو النخعي
قوله إلى الجمرة الكبرى هي جمرة العقبة آخر الجمرات الثلاث بالنسبة إلى المتوجه من منى إلى مكة قوله ومنى عن يمينه أي وجعل منى عن يمينه قوله ورمى بسبع أي بسبع حصيات
ويستفاد منه أن رمي الجمرة لا بد أن يكون بسبع حصيات وهو قول أكثر العلماء وذهب عطاء إلى أنه إن رمى بخمس أجزاء وقال مجاهد إن رمى بست فلا شيء عليه وبه قال أحمد وإسحاق واحتج من قال بذلك بما رواه النسائي من حديث سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه قال رجعنا في الحجة مع النبي وبعضنا يقول رميت بست حصيات وبعضنا يقول رميت بسبع فلم يعب بعضنا على بعض وروى أبو داود والنسائي أيضا من رواية أبي مجلز قال سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن شيء من أمر الجمار فقال ما أدري رماها رسول الله بست أو سبع والصحيح الذي عليه الجمهور أن الواجب سبع كما صحح من حديث ابن مسعود وجابر وابن عباس وابن عمر وغيرهم وأجيب عن حديث سعد بأنه ليس بمسند وعن حديث ابن عباس أنه ورد على الشك من ابن عباس وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازم فإنه رماها بأقل من سبع حصيات فذهب الجمهور فيما حكاه القاضي عياض إلى أن عليه دما وهو قول مالك والأوزاعي وذهب الشافعي وأبو ثور إلى أن تارك حصاة مدا من طعام وفي اثنتين مدين وفي ثلاث فأكثر دما وللشافعي قول آخر إن في الحصاة ثلث دم وله قول آخر إن في الحصاة درهما
وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى أنه إن ترك أكثر من نصف الجمرات الثلاث فعليه دم وإن ترك أقل من نصفها ففي كل حصاة نصف صاع وعن طاووس إن رمى ستا يطعم تمرة أو لقمة وذكر الطبري عن بعضهم أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع تكبيرات أجزأه ذلك وقال إنما جعل الرمي في ذلك بالحصى سببا لحفظ التكبيرات السبع كما جعل عقد الأصابع بالتسبيح سببا لحفظ العدد وذكر عن يحيى ابن سعيد أنه سئل عن الخرز والنوى يسبح به قال حسن قد كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول إنما الحصى للجمار ليحفظ به التكبيرات وقال الحكم وحماد من نسي جمرة أو جمرتين أو حصاتين يهريق دما وقال عطاء من نسي شيئا من رمي الجمار فذكر ليلا أو نهارا فيلزم ما نسي ولا شيء عليه وإن مضت أيام التشريق فعليه دم وهو قول الأوزاعي وقال مالك إن نسي حصاة من الجمرة حتى ذهبت أيام الرمي ذبح شاة وإن نسي جمرة تامة ذبح بقرة
واختلفوا فيمن

(10/88)


رمى سبع حصيات في كل مرة واحدة فقال مالك والشافعي لا يجزيه إلا عن حصاة واحدة ويرمي بعدها ستا وقال عطاء تجزيه عن السبع وهو قول أبي حنيفة كما في سياط الحد سوطا سوطا ومجتمعة إذا علم وصول الكل إلى بدنه هذا الذي ذكر عن أبي حنيفة ذكره صاحب ( التوضيح ) وذكر في ( المحيط ) ولو رمى إحدى الجمار بسبع حصيات رمية واحدة فهي بمنزلة حصاة وكان عليه أن يرمي ست مرات قلت العمدة في النقل عن صاحب مذهب من المذاهب على نقل صاحب من أصحاب ذلك المذهب
ومن فوائده أنه يرمي الجمرة وهو يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه وهو أحد الوجوه للشافعية وقال النووي هو الصحيح من مذهبنا قال وبه قال جمهور العلماء وفي وجه أنه يستدبر القبلة ويستقبل الجمرة مما يلي مكة وتكون منى أيضا أمامه وبه قطع الشيخ أبو حامد وفي وجه يستقبل القبلة ويجعل الجمرة على يمينه ومنى خلف ظهره ومنها أنه لا بد من مسمى الرمي وأنه لا يكفي الوضع وهو كذلك عند الجمهور وحكى القاضي عياض عن المالكية أن الطرح والوضع لا يجزىء قال وقال أصحاب الرأي يجزىء الطرح ولا يجزء الوضع قال ووافقنا أبو ثور إلا أنه قال إن كان يسمي الطرح رميا أجزأه وحكى إمام الحرمين أيضا عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكفي الوضع قلت قال صاحب ( المحيط ) وضع الحصاة لا يجزيه عن الرمي ويجزيه طرحها لأنه رمى حقيقة ومنها أن المراد بسبع جمرات وهي الحصيات وقال أصحابنا يجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض كالحجر والمدر والمراد السبج وكسر الآحر ولا يجوز بما ليس من جنس الأرض كالذهب والفضة واللؤلؤ والعنبر وذهب داود إلى جوازه بكل شيء حتى بالبعرة والعصفور الميت وقال ابن المبارك لا يجوز إلا بالحصى وقال أحمد لا يجوز بالحجر الكبير
731 -
( باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره )
أي هذا باب يذكر فيه من رمى جمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى وجعل البيت عن يساره وجعل منى عن يمينه قوله فجعل ويروى وجعل بالواو
9471 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن عبد الرحمان بن يزيد أنه حج مع ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو طريق آخر لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أخرجه عن آدم ابن أبي إياس عن شعبة بن الحجاج عن الحجم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن ( عبد الرحمن بن يزيد ) النخعي إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستوفى في الحديث السابق
831 -
( باب يكبر مع كل حصاة تكبيرة )
أي هذا باب يذكر فيه أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة تكبيرة
قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي
أي قال بالتكبير مع كل حصاة عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما راويا عن النبي وهذا ذكره البخاري موصولا في باب إذا رمى الجمرتين يقوم يأتي بعد هذا الباب الذي يلي هذا الباب
0571 - حدثنا ( مسدد ) عن ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت الحجاج يقول على المنبر السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها آل عمران والسورة التي يذكر فيها النساء قال فذكرت ذالك لإبراهيم فقال حدثني عبد الرحمان بن يزيد أنه كان مع ابن

(10/89)


مسعود رضي الله تعالى عنه حين رمى جمرة العقبة فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها فرمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال من هاهنا والذي لا إلاه غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
مطابقته للترجمة في قوله يكبر مع كل حصاة وهذا طريق آخر لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وعبد الواحد هو ابن زياد البصري والأعمش هو سليمان والحجاج هو ابن يوسف نائب عبد الملك بن مروان بالعراق
قوله قال سمعت الحجاج يقول هذا حكاية عن الأعمش عن الحجاج لأجل إظهار خطئه ولم يقصد به الرواية عنه لأنه لم يكن أهلا لذلك وأصل القضية أن الأعمش سمع الحجاج يقول وهو على المنبر السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي تذكر فيها آل عمران والسورة التي تذكر فيها النساء ولم يقل سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء ولم ير بإضافة السورة إلى البقرة ولا إلى آل عمران ولا إلى النساء ونحو ذلك وروى النسائي بلفظ لا تقولوا سورة البقرة قولا السورة التي تذكر فيها البقرة وفي رواية مسلم عن الأعمش قال سمعت الحجاج بن يوسف يقول وهو يخطب على المنبر ألفوا القرآن كما ألفه جبريل عليه السلام السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي تذكر فيها آل عمران قال فلقيت إبراهيم فأخبرته بقوله فسبه ثم قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله بن مسعود فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة قال فقلت يابا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها فقال والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة انتهى ولما قال الأعمش لإبراهيم ما قال وحدثه إبراهيم عن عبد الرحمن رد عليه بذلك وأظهر خطأ الحجاج عليه ما يستحق وقال عياض إن كان الحجاج أراد بقوله كما ألفه جبريل عليه السلام تأليف الآي في كل سورة ونظمها على ما هي عليه الآن في المصحف فهو إجماع المسلمين أجمعوا أن ذلك تأليف سيدنا رسول الله وإن كان يريد تأليف السورة بعضها على أثر بعض فهو قول بعض الفقهاء والقراء وخالفهم جماعة من المحققين وقالوا بل هو اجتهاد من الأمة وليس بتوقيف وقال أبو الفضل تقديم الحجاج سورة النساء على آل عمران في رواية مسلم دليل على أنه لم يرد إلا نظم الآي لأن الحجاج إنما كان يتبع مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه ولا يخالفه قوله حين رمى جمرة العقبة هي الجمرة الكبرى وليست هي من منى بل هي حد منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي الأنصار عندها على الهجرة والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها فيقول تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسمت الشيء بلازمه قوله فاستبطن الوادي أي دخل في بطن الوادي قوله حتى إذا حاذى بالشجرة أي قابلها والباء فيه زائدة وهذا يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة وقد روى ابن أبي شيبة عن الثقفي عن أيوب قال رأيت القاسم وسالما ونافعا يرمون من الشجرة ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود أنه كان إذا جاور الشجرة رمى جمرة العقبة من تحت غصن من أغصانها قوله اعترضها أي الشجرة قال بعضهم قلت معناه أتاها من عرضها نبه عليه الداودي قوله فرمى أي الجمرة قوله يكبر جملة حالية
ذكر ما يستفاد منه منها لا بد من رمي سبع بحصات ومنها التكبير مع كل حصاة وأجمعوا على استحبابه فيما حكاه القاضي عياض وأنه لو ترك التكبير أجزأه إجماعا وفيه نظر لأن بعضهم يعده واجبا وقال أصحابنا يكبر مع كل حصاة ويقول بسم الله والله أكبر رغما للشيطان وحزبه وكان علي رضي الله تعالى عنه يقول كلما رمى حصيات أللهم إهدني بالهدى وقني بالتقوى واجعل الآخرة خيرا لي من الأولى وكان ابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم يقولان عند ذلك أللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وقال ابن القاسم فإن سبح لا شيء عليه

(10/90)


931 -
( باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف )
أي هذا باب يذكر فيه من رمى جمرة العقبة والحال أنه لم يقف عندها
قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي
أي قال عبد الله بن عمر عن النبي أنه كان يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها أخرج البخاري هذا مسندا في الباب الذي يلي هذا الباب وقد روى أحمد في ( مسنده ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه ولا يعرف فيه خلاف
041 -
( باب إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا رمى الجمرتين وهما الجمرة الأولى والثانية غير جمرة العقبة قوله يقوم أي يقف عندهما طويلا واختلفوا في مقدار ما يقف عند الجمرة الأولى فكان ابن مسعود يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة مرتين وعن ابن عمر كان يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة عند الجمرتين وعن أبي مجلز قال كان ابن عمر يشبر ظله ثلاثة أشبار ثم يرمي وقام عند الجمرتين قدر قراءة سورة يوسف وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقف بقدر قراءة سورة من المئين ولا توقيف في ذلك عند العلماء وإنما هو ذكر ودعاء فإن لم يقف ولم يدع فلا حرج عليه عند أكثر العلماء إلا الثوري فإنه استحب أن يطعم شيئا أو يهريق دما قوله ويسهل بضم الياء آخر الحروف وسكون السين المهملة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المصطحب الذي لا ارتفاع فيه قوله مستقبل القبلة كلام إضافي وقع حالا وقال الكرماني يسهل أن ينزل إلى السهل من بطن الوادي يقال أسهل القوم إذا نزلوا من الجبل إلى السهل
1571 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( طلحة بن يحيى ) قال حدثنا ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه طويلا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول هاكذا رأيت النبي يفعله
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا الحديث من أفراد البخاري وذكره أيضا في بابين بعده وعثمان بن أبي شيبة هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة وطلحة بن يحيى بن النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المديني وليس له في هذا الكتاب غير هذا الحديث فإن قلت فيه مقال فقال أبو حاتم ليس بقوي ولهذا لم يخرج له مسلم شيئا قلت وثقه ابن معين على أن البخاري لم يحتج به وحده فقد استظهر بمتابعة سليمان بن بلال في الباب الذي بعده وبمتابعة عثمان بن عمر أيضا كلاهما عن يونس وتابعهم عبد الله بن عمر النميري عن يونس عند الإسماعيلي ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب
قوله الجمرة الدنيا بضم الدال أو بكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف وهي أولى الجمرات التي ترمي من ثاني يوم النحر وهي أقرب الجمرات من منى وأبعدها من مكة قوله على إثر كل حصاة إثر الشيء بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة عقيبة قوله حتى يسهل بنصب اللام بتقدير أن وقد مر تفسيره عن قريب قوله

(10/91)


فيقوم طويلا وفي رواية سلميان بن بلال فيقوم قياما طويلا قوله ويرفع يديه أي في الدعاء وهذا يدل على مشروعية رفع اليدين عند الدعاء وروى مالك منعه في جميع المشاعر وروى في الاستسقاء رافعا يديه وقد جعل بطونهما إلى الأرض وقال ابن المنذر لا أعلم أحدا أنكر ذلك غير مالك فإن ابن القاسم حكى عنه أنه لم يكن يعرف رفع اليدين هنالك قال واتباع السنة أفضل وقيل يرفع حكاه ابن التين وابن الحاجب قوله ثم يرمي الوسطى أي الجمرة الوسطى قوله ثم يأخذ ذات الشمال بكسر الشين أي جانب الشمال قوله ثم يرمي جمرة ذات العقبة هي جمرة العقبة وفي رواية عثمان بن عمر ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة قوله ثم ينصرف وفي رواية سليمان ولا يقف عندها
141 -
( باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى )
أي هذا باب في بيان رفع اليدين عند جمرة الدنيا أي القريبة إلى مسجد الخيف والوسطى هي الجمرة الثانية بين الجمرة الأولى وجمرة العقبة
241 -
( باب الدعاء عند الجمرتين )
أي هذا باب في بيان الدعاء عند الجمرتين الأولى والثانية
3571 - وقال ( محمد ) حدثنا ( عثمان بن عمر ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) أن رسول الله كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو وكان يطيل الوقوف ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف عندها قال الزهري سمعت سالم بن عبد الله يحدث مثل هاذا عن أبيه عن النبي وكان ابن عمر يفعله
( انظر الحديث 1571 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله رافعا يديه يدعو
ورجاله أربعة الأول محمد ذكره مجردا عن نسبه واختلف فيه

(10/92)


فقال أبو علي بن السكن هو محمد بن بشار وقال الكلاباذي هو محمد بن بشار أو محمد بن المثنى قال وروى البخاري أيضا في ( جامعه ) عن محمد بن عبد الله الذهلي وقال بعضهم وجزم غيره بأنه الهذلي قلت لم أر أحدا جزم به وإنما وقع الاختلاف في هؤلاء المحمدين فقال ابن السكن هو محمد بن بشار ولم يجزم به وقال الكلاباذي بالشك بين محمد بن بشار وبين محمد ابن المثنى قال وروى البخاري في ( جامعه ) أيضا عن محمد بن عبد الله الذهلي ولم يجزم بأحد منهم الثاني عثمان بن عمر بن فارس العبدي البصري الثالث يونس بن يزيد الأيلي الرابع محمد بن مسلم الزهري فإن قلت ما تقول في هذا الحديث هل هو مسند أم مرسل قلت قال الكرماني هذا من مراسيل الزهري ولا يصير مسندا بما ذكره آخرا لأنه قال يحدث بمثله لا بنفسه انتهى وقال بعضهم هو بالإسناد المصدر به الباب ولا اختلاف بين أهل الحديث بأن الإسناد بمثل هذا السياق موصول وغايته أنه من تقديم المتن على بعض السند وإنما اختلفوا في جواز ذلك ثم قال وأغرب الكرماني فقال ونقل ما قاله الذي ذكرناه عنه ثم قال وليس مراد المحدث بقوله في هذا بمثله إلا نفسه ثم احتج في دعواه بما رواه الإسماعيلي عن ابن ناجية عن ابن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر وقال في آخره قال الزهري سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبي فعرف أن المراد بقوله بمثله نفسه انتهى قلت ليت شعري من أين هذا التصرف وكيف يصح احتجاجه في دعواه بحديث الإسماعيلي فإن الزهري فيه صرح بالسماع عن سالم وسالم صرح بالتحديث عن أبيه وأبوه صرح عن النبي فكيف يدل هذا على أن المراد بقوله بمثله نفسه وهذا شيء عجيب لأن بين قوله يحدث بهذا عن أبيه وبين قوله يحدث مثل هذا عن أبيه فرقا عظيما لأن مثل الشيء غيره فكيف يكون نفسه تيقظ فأنه موضع التأمل قوله رافعا يديه نصب على الحال قوله يدعو جملة وقعت حالا أيضا إما من الأحوال المتداخلة أو المترادفة وبقية الكلام قد مرت آنفا
341 -
( باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة )
أي هذا باب في بيان استعمال الطيب بعد رمي جمرة العقبة وبعد الحلق قبل الإفاضة أي قبل طواف الزيارة وهو طواف الركن وإنما لم يشر إلى الحكم في ذلك في الترجمة لأجل الخلاف فيه قال ابن المنذر اختلف العلماء فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل الطواف بالبيت فروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنها أنه يحل له كل شيء إلا النساء وهو قول سالم وطاووس والنخعي وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور واحتجوا فيه بحديث الباب وروى عن ابن عمر وابنه أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب وقال مالك يحل له كل شيء إلا النساء والصيد وفي ( المدونة ) أكره لمن رمى جمرة العقبة أن يتطيب حتى يفيض فإن فعل فلا شيء عليه قلت مذهب عروة بن الزبير وجماعة من السلف رضي الله تعالى عنهم أنه لا يحل للحاج اللباس والطيب يوم النحر وإن رمى جمرة العقبة وحلق وذبح حتى تحل له النساء ولا تحل له النساء حتى يطوف طواف الزيارة واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي حدثنا يحيى بن عثمان قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أم قيس بنت محصن قالت دخل علي عكاشة بن محصن وآخر في منى مساء يوم الأضحى فنزعا ثيابهما وتركا الطيب فقلت ما لكما فقالا إن رسول الله قال لنا من لم يفض إلى البيت من عشية هذه فليدع الثياب والطيب وقال علقمة وسالم وطاووس وعبيد الله بن الحسن وخارجة بن زيد وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد في ( الصحيح ) وأبو ثور وإسحاق إذا رمى المحرم جمرة العقبة ثم حلق حل له كل شيء كان محظورا بالإحرام إلا النساء
واختلفوا في حكم الطيب فقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد في رواية حكم الطيب حكم اللباس فيحل كما يحل اللباس وقال مالك وأحمد في رواية حكم الطيب حكم الجماع فلا يحل له حتى يحل الجماع واحتج أبو حنيفة ومن معه بحديث الباب وقال صاحب ( التوضيح ) واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء وفيه الحجاج بن أرطأة وبحديث الحسن البصري عن ابن عباس ولم يسمع منه قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم

(10/93)


كل شيء إلا النساء فقال له رجل والطيب فقال أما أنا فقد رأيت رسول الله يضمخ رأسه بالمسك أفطيب هو قلت سبحان الله آثار التعصب الباطل لا تخلو عنهم فلم لم يذكر صاحب ( التوضيح ) حديث الباب في احتجاج الطحاوي لأبي حنيفة وأصحابه فإنه احتج لهم أولا بحديث الباب وأخرجه من طرق واحتج أيضا بالحديث الذي ذكره صاحب ( التوضيح ) وصدر كلامه به وغمز بقوله وفيه الحجاج بن أرطأة فما للحجاج بن أرطأة وقد احتجت به الأربعة والبيهقي أيضا أخرج حديثه وأما حديث ابن عباس فإنه طعن فيه بأن الحسن البصري لم يسمع من ابن عباس فإنه ليس بالحسن البصري وإنما هو الحسن العرني وقد روى عن يحيى بن معين أن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس وغيره قال سمع منه فالمثبت أولى من النافي على ما عرف وقد ذهل صاحب ( التوضيح ) ولم يفرق بين البصري والعرني ومع هذا فحديث ابن عباس هذا أخرجه النسائي وابن ماجه أيضا وأما الجواب عن حديث أم قيس أخت عكاشة بن محصن فإنه لا يعارض حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لأن حديث عائشة فيه من الصحة ما ليس في حديث أم قيس وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف وحديثه هذا شاذ
441 -
( باب طواف الوداع )
أي هذا باب في بيان حكم طواف الوداع وإنما أضمر الحكم اكتفاء بما في حديث الباب
5571 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أن يكون آخر عهدهم بالبيت وهو لا يكون إلا بالطواف وهو في آخر العهد طواف الوداع
ورجاله تكرر ذكرهم وسفيان بن عيينة وابن طاووس هو عبد الله بن طاووس
وأخرجه البخاري أيضا عن مسلم ابن إبراهيم فعن قريب يأتي وأخرجه أيضا في الطهارة عن معلى بن أسد وأخرجه مسلم في الحج عن سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن سفيان به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري والحارث بن مسكين كلاهما عن سفيان به وعن جعفر بن مسافر مختصرا
قوله أمر الناس على صيغة المجهول وأصل الكلام أمر النبي الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ورواه مسلم نحوه عن سفيان عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس ورواه أيضا عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله

(10/94)


لا ينصرفن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت قال زهير ينصرفون كل وجه ولم يقل في وروى مسلم أيضا من رواية الحسن بن مسلم عن طاووس قال كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت تعني أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت فقال له ابن عباس أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله قال فرجع زيد إلى ابن عباس يضحك وهو يقول ما أراك إلا قد صدقت وفي رواية فسألها زيد ثم رجع وهو يضحك فقال الحديث كما حدثتني وفي رواية البيهقي أرسل زيد إلى ابن عباس إني وجدت الذي قلت كما قلت فقال ابن عباس إني لأعلم قول رسول الله للنساء ولكن أحببت أن أقول ما في كتاب الله تعالى ثم تلا هذه الآية ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( الحج 92 ) فقد قضت التفث ووفت النذر وطافت بالبيت فما بقي قوله أما لا بكسر الهمزة وفتح اللام وبالإمالة الخفية وهو الصواب المشهور قال القاضي ضبطه الطبري والأصيلي بكسر اللام قال والمعروف في كلام العرب فتحها إلا على لغة من يميل وقال ابن الأنباري قولهم إفعل هذا إما لا معناه إفعله إن كنت لا تفعل غيره وقال ابن الأثير أصل هذه الكلمة أن وما فأدغمت النون في الميم وما زائدة في اللفظ لا حكم لها وقد أمالت العرب لا إمالة خفية قال والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء وهو خطأ ومعناه إن لم تفعل هذا فليكن هذا قوله بالبيت خبر كان يعني طواف الوداع لا بد أن يكون آخر العهد به قال النووي هو واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه وقال أصحابنا الحنفية هو واجب على الآفاقي دون المكي والميقاتي ومن دونهم وقال أبو يوسف أحب إلي أن يطوف المكي لأنه يختم المناسك ولا يجب على الحائض والنفساء ولا على المعتمر لأن وجوبه عرف نصا في الحج فيقتصر عليه ولا على فائت الحج لأن الواجب عليه العمرة وليس لها طواف الوداع وقال مالك إنما أمر الناس أن يكون آخر نسكهم الطواف لقوله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ( الحج 23 ) وقال ثم محلها إلى البيت العتيق ( الحج 33 ) فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها بالبيت العتيق قال ومن أخر طواف الوداع وخرج ولم يطف إن كان قريبا رجع فطاف وإن لم يرجع فلا شيء عليه وقال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي في أظهر قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور إن كان قريبا رجع فطاف وإن تباعد مضى وإهراق دما
واختلفوا في حد القرب فروي أن عمر رضي الله تعالى عنه رد رجلا من مر الظهران ولم يكن ودع وبين مر الظهران ومكة ثمانية عشر ميلا وعند أبي حنيفة يرجع ما لم يبلغ المواقيت وعند الشافعي يرجع من مسافة لا تقصر فيها الصلاة وعند الثوري يرجع ما لم يخرج من الحرم واختلفوا فيمن ودع ثم بدا له في شراء حوائجه فقال عطاء يعيد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت وبنحوه قال الثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور وقال مالك لا بأس أن يشتري بعض حوائجه وطعامه في السوق ولا شيء عليه وإن أقام يوما أو نحوه أعاد وقال أبو حنيفة لو ودع وأقام شهرا أو أكثر أجزأه ولا إعادة عليه
6571 - حدثنا ( أصبغ بن الفرج ) قال أخبرنا ( ابن وهب ) عن ( عمرو بن الحارث ) عن ( قتادة ) أن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه حدثه أن النبي صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به
( الحديث 6571 - طرفه في 4671 )
مطابقته للترجمة في قوله ثم ركب إلى البيت فطاف به لأن المراد به طواف الوداع فإن قلت ما وجه قوله إنه صلى الظهر بالمحصب ورمي هذا اليوم يكون بعد الزوال قلت لا بعد في هذا لأنه رمى فنفر فنزل المحصب فصلى الظهر به والحديث من أفراده ورجاله قد ذكروا وابن وهب هو عبد الله بن وهب وقال الإسماعيلي تكلم أحمد في حديث عمرو عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه حدث أن رسول الله فلهذا أتى البخاري بالمتابعة أيضا قوله بالمحصب الباء فيه متعلق بقوله صلى وقوله ثم رقد عطف عليه والمحصب بفتح الصاد المشددة اسم لمكان متسع بين منى ومكة وهو بين الجبلين إلى المقابر سمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السبيل إليه

(10/95)


تابعه الليث قال حدثني خالد عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه حدثه عن النبي
أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة الليث بن سعد وذكر هذه المتابعة البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال وهما قد تقدما في أول كتاب الوضوء وذكر البزار والطبراني أن خالدا تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا
541 -
( باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت )
أي هذا باب يذكر فيه المرأة إذا حاضت بعدما أفاضت يعني بعدما طافت طواف الإفاضة الذي هو ركن وجواب إذا محذوف تقديره هل يجب عليها طواف الوداع أم يسقط عنها بسبب الحيض وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا
7571 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الرحمان بن القاسم ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن صفية بنت حيي زوج النبي حاضت فذكرت ذلك لرسول الله فقال أحابستنا هي قالوا إنها قد أفاضت قال فلا إذا
مطابقته للترجمة في قوله أنها أفاضت قال فلا إذا وجه ذلك أن حاصل المعنى أن طواف الوداع ساقط عن الحائض لأنه لما أخبر عن صفية أنها حاضت قال أحابستنا هي فلما أخبر أنها قد أفاضت من قبل أن تحيض قال فلا إذا أي فلا تحبسنا حينئذ لأنها أدت الفرض الذي هو ركن الحج وهذا قول عوام أهل العلم وخالف في ذلك طائفة فقالوا لا يحل لأحد أن ينفر حتى يطوف طواف الوداع ولم يعذروا في ذلك حائضا بحيضها ذكره الطحاوي وقال ابن المنذر روي ذلك عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت فإنهم أمروا الحائض بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة وأسند ابن المنذر عن عمر رضي الله تعالى عنه بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر ققال طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت ثم قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأشار بذلك إلى أحاديث هذا الباب وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت إلا عمر رضي الله تعالى عنه فإنه كان يقول آخر عهدها بالبيت وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي غيره فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي واللفظ لأبي داود من طريق الوليد بن عبد الرحمن بن الحارث ابن عبد الله بن أوس الثقفي فقال أتيت عمر رضي الله تعالى عنه فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض قال ليكن آخر عهدها بالبيت فقال الحارث كذلك أفتاني رسول الله فقال عمر أربت عن يديك سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله لكيما أخالفه ورواه الترمذي أيضا ولفظه خررت عن يديك ومعنى أربت عن يديك سقطت إرابك وهو جمع أرب وهو العضو ومعنى خررت سقطت وأجاب الطحاوي عن هذا الحديث بأنه نسخ بحديث عائشة المذكور وبحديث ابن عباس رواه الطحاوي فقال حدثنا يونس قال حدثنا سفيان عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض وأخرجه مسلم أيضا فإن قلت روى الطحاوي أيضا عن ابن عباس فقال حدثنا يونس قال حدثنا سفيان عن سليمان وهو ابن أبي مسلم الأحول عن طاووس عن ابن عباس قال كان الناس ينفرون من كل وجه فقال رسول الله لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت وهذه الرواية لا تدل على سقوط طواف الوداع عن أحد قلت هذا مطلق والأول مقيد فيحمل المطلق على المقيد

(10/96)


قوله حاضت أي بعد أن أفاضت يوم النحر قوله فذكرت أي عائشة وروى فذكر على صيغة المجهول قوله أحابستنا الهمزة فيه للاستفهام أي أمانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنا منه أنها ما طافت طواف الإفاضة قوله إنها أفاضت أي طافت طواف الإفاضة قوله قال فلا إذا أي قال أي فلا حبس علينا حينئذ
9571 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن امرأة طافت ثم حاضت قال لهم تنفر قالوا لا نأخذ بقولك وندع قول زيد قال إذا قدمتم المدينة فسلوا فقدموا المدينة فسألوا فكان فيمن سألوا أم سليم فذكرت حديث صفية
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فذكرت حديث صفية على ما لا يخفى وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني
قوله إن أهل المدينة أي بعض أهلها لأن كلهم ما سألوه وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ إن ناسا من أهل المدينة قوله قال لهم تنفر أي قال ابن عباس للذين سألوه تنفر هذه المرأة التي طافت ثم حاضت قوله فندع بالفاء ونصب ندع لأنه جواب النفي ويروى وندع بالواو قوله قول زيد هو زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه وفي رواية عبد الوهاب الثقفي أفتيتنا أو لم تفتنا زيد بن ثابت يقول لا تنفر قوله فكان فيمن سألوا أم سليم وفي رواية الثقفي فسألوا أم سليم وغيرها وأم سليم بضم السين هي أم أنس رضي الله تعالى عنهما قوله فذكرت أي أم سليم كذا ذكره مختصرا وساقه الثقفي بتمامه قال فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية أفي الخيبة أنت أنك لحابستنا فقال رسول الله ما ذاك قالت عائشة صفية حاضت قيل إنها قد أفاضت قال فلا إذا فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتنا
رواه خالد وقتادة عن عكرمة
أي روى الحديث المذكور خالد الحذاء وقتادة أيضا عن عكرمة مولى ابن عباس فرواية خالد وصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر وقال زيد بن ثابت لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أني وجدت الذي قلت كما قلت ورواية قتادة وصلها أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) قال حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر فقال زيد يكون آخر عهدها بالبيت وقال ابن عباس تنفر إن شاءت فقالت الأنصار لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا فقال سلوا صاحبتكم أم سليم فقالت حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله أن انفري وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي أن تنفر وقال بعضهم طريق قتادة هذه هي المحفوظة وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى قلت قال الطحاوي حدثنا ابن أبي داود حدثنا سعيد ابن سليمان الواسطي قال حدثنا عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة عن أنس أن أم سليم حاضت بعدما أفاضت يوم النحر فأمرها النبي أن تنفر إسناده صحيح ورجاله ثقات فما باله أن يكون شاذا وطريق قتادة لا ينافي أن يكون طريق غيره محفوظة
0671 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت وقال وسمعت ابن عمر يقول إنها لا تنفر

(10/97)


ثم سمعته يقول بعد إن النبي رخص لهن
( انظر الحديث 033 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت لأن الحاصل من معناه أن الحائض إذا طافت طواف الزيارة تنفر ولا شيء عليها ومسلم هو ابن إبراهيم الفراهيدي ووهيب بضم الواو وهو ابن خالد وابن طاووس هو عبد الله والحديث قد مضى في باب المرأة تحيض بعد الإفاضة في كتاب الحيض فإنه أخرجه هناك عن معلى بن أسد عن وهيب إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله رخص على بناء المجهول ووقع في رواية النسائي رخص رسول الله قوله بعد بضم الدال أي بعد أن قال لا تنفر وكان ذلك قبل موت ابن عمر بعام على ما يجيء قوله إن النبي رخص لهن أي للحيض وهذا من مراسيل الصحابة فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي والدليل عليه ما رواه الطحاوي فقال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا الليث قال حدثنا عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني طاووس اليماني أنه سمع عبد الله بن عمر يسأل عن حبس النساء عن الطواف بالبيت إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال إن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تذكر من رسول الله رخصة النساء وذلك قبل موت عبد الله بعام إسناده صحيح وأبو صالح عبد الله بن صالح وراق الليث وشيخ البخاري وهذا يدل على أنه كان يفتي بمنعهن عن النفر إلا بالطواف ثم رجع عن ذلك حين بلغه خبر عائشة قبل موته بسنة قوله قال وسمعت ابن عمر أي قال طاووس سمعت عبد الله بن عمر وقوله هذا بالإسناد الأول بينه النسائي في روايته وكذلك القائل في قوله سمعته يقول بعد هو طاووس المذكور فيه وليس فيه أن ابن عمر سمع ذلك عن النبي وإنما أخبر عن النبي أنه رخص لهن أي للنساء اللاتي حضن بعد أن طفن طواف الزيارة أن يتركن طواف الوداع وهذا هو عين الإرسال فافهم
2671 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع النبي ولا نرى إلا الحج فقدم النبي فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يحل وكان معه الهدي فطاف من كان معه من نسائه وحل منهم من لم يكن معه الهدي فحاضت هي فنسكنا مناسكنا من حجنا فلما كانت ليلة الحصبة ليلة النفر قالت يا رسول الله كل أصحابك يرجع بحج وعمرة غيري قال ما كنت تطوفي بالبيت ليالي قدمنا قلت لا قال فاخرجي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة وموعدك مكان كذا وكذا فخرجت مع عبد الرحمان إلى التنعيم فأهللت بعمرة وحاضت صفية بنت حيي فقال النبي عقرى حلقى إنك لحابستنا أما كنت طفت يوم النحر قالت بلى قال فلا بأس انفري فلقيته مصعدا على أهل مكة وأنا منهبطة أو أنا مصعدة وهو منهبط وقال مسدد قلت لا وتابعه جرير عن منصور في قوله لا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وحاضت صفية إلى قوله إنفري فإن فيه حاضت صفية بعدما أفاضت والترجمة باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت وهذا الحديث مضى في أول باب التمتع والإقران فإنه أخرجه هناك عن ابن عمر عن جرير عن منصور عن إبراهيم إلى آخره نحوه وههنا أخرجه عن أبي النعمان بن المنذر عن السدوسي عن أبي عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون ساكنة واسمه الوضاح بن عبد الله عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد وتكلمنا هناك بما يتعلق به من الأمور ولنتكلم هنا بما لم نذكره هناك وإن وقع بعض التكرار

(10/98)


فقوله ليلة الحصبة بفتح الحاء وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وفي رواية المستملي ليلة الحصباء قوله ليلة النفر عطف بيان لليلة الحصبة والنفر بفتح النون وإسكان الفاء وبفتحها أيضا قال الجوهري يقال يوم النفر وليلة النفر لليوم النذي ينفر الناس فيه من منى وهو بعد يوم النفر وقيل ليالي المبيت بمنى التي تتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة وقيل فيه رد على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك قوله ما كنت تطوفي بالبيت أصل تطوفي تطوفين فحذفت منه النون تخفيفا وقيل حذفها من غير ناصب أو جازم لغة فصيحة قوله قلت لا هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي قلت بلى وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف وقال الكرماني ما توجيه بلى إذ تكون حينئذ متمتعة فلم أمرها بالعمرة فأجاب بأن بلى تستعمل بحسب العرف استعمال نعم مقررا لما سبق فمعناه كمعنى كلمة النفي قوله وحاضت صفية أي في أيام منى وسيأتي في باب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر وعند مسلم زاد الحكم عن إبراهيم لما أراد النبي أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة فقال عقري الحديث
قوله عقرى حلقى على وزن فعلى بغير تنوين هكذا في الرواية ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها وقد مر تفسيره على أقوال متعددة في باب التمتع والإقران قوله فلا بأس انفري هذا تفسير لقوله في الرواية التي مضت في أول الباب فلا إذا وفي رواية أبي سلمة قال أخرجوا وفي رواية عمرة قال اخرجي وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة قوله مصعدا بمعنى صاعدا إذا صعد لغة في صعد قوله وقال مسدد إلى آخره تعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره قوله وتابعه جرير أي تابع مسددا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر في قوله لا أما رواية مسدد ففي مسنده برواية أبي خليفة عنه قال حدثنا أبو عوانة فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ما كنت طفت ليالي قدمنا وأما رواية جرير عن منصور فوصلها البخاري في باب التمتع والإقران عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه وما كنت طفت ليالي قدمنا مكة قلت لا والغرض من السؤال أنك ما كنت متمتعة فلما قالت لا كما رواه مسدد أمرها بالعمرة فإن قلت لا يلزم من نفي التمتع الاحتياج إلى العمرة لاحتمال أن تكون قارنة قلت الأكثر على أنها كانت قارنة ورواية مسلم صريحة بقرانها وأمرها رسول الله بالعمرة نافلة تطييبا لقلبها حيث أرادت أن تكون لها عمرة منفردة مستقلة وأما إن كانت مفردة فالأمر بالعمرة إنما هو على سبيل الإيجاب
ومن فوائد هذا الحديث أن طواف الإفاضة ركن وأن طواف الوداع واجب وقال بعضهم وأن الطهارة شرط لصحة الطواف قلت لا نسلم ذلك فإن هذا الحديث لا يدل على ذلك ومنها أنه يلزم أمير الحاج أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة ورد هذا باحتمال أن إرادة النبي تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة رضي الله تعالى عنها قلت روى البزار من حديث جابر وأخرجه الثقفي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا بأميرين من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم قلت إسناد كل منهما إسناد ضعيف جدا ولئن سلمنا صحتهما فلا دلالة لهما على الوجوب وقد ذكر مالك في ( الموطأ ) أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض وكذا على النفساء واعترض عليه ابن المواز بأن فيه تعريضا للفساد كقطع الطريق وأجابه القاضي عياض بأن محل ذلك أمن الطريق كما أن محله أن يكون مع المرأة محرم والله أعلم
641 -
( باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح )
أي هذا باب يذكر فيه من صلى صلاة العصر يوم النفر وهو يوم الرجوع من منى قوله بالأبطح وهو البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة
3671 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان الثوري )

(10/99)


عن ( عبد العزيز بن رفيع ) قال سألت ( أنس بن مالك ) قال أخبرني ( بشيء ) عقلته عن النبي أين صلى الظهر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطح افعل كما يفعل امراؤك
( انظر الحديث 3561 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله بالأبطح أي صلى العصر بالأبطح والحديث قد مر في باب أين صلى الظهر يوم التروية فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن عبد العزيز بن رفيع إلى آخره وأخرجه ههنا عن محمد بن المثنى عن إسحاق بن يوسف بن يعقوب الأزرق الواسطي عن عبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة ولما أخرج هذا الحديث من طريقين ذكرهما ووضع لكل طريق ترجمة وقد مر الكلام فيه هناك قوله يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة
4671 - حدثنا ( عبد المتعال بن طالب ) قال حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( عمرو بن الحارث ) أن ( قتادة ) حدثه عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه حدثه عن النبي أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به
( انظر الحديث 6571 )
مطابقته للترجمة في قوله والعصر أي وصلى العصر أيضا بالمحصب وهو الأبطح وقد مضى هذا الحديث أيضا في باب طواف الوداع فإنه أخرجه هناك عن أصبغ بن الفرج عن عمرو بن الحارث إلى آخره وأخرجه ههنا عن عبد المتعال بالياء وحذفها ابن طالب الأنصاري البغدادي مات سنة ست وعشرين ومائتين عن عبد الله بن وهب إلى آخره وقد مر الكلام فيه قوله فطاف به أي بالبيت طواف الوداع
741 -
( باب المحصب )
أي هذا باب في بيان حكم النزول بالمحصب وهو الأبطح وهو بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الصاد المهملتين وفي آخره باء موحدة وقال النووي الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة اسم لشيء واحد
5671 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت إنما كان منزل ينزله النبي ليكون أسمح لخروجه تعني بالأبطح
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وهشام هو ابن عروة بن الزبير ابن العوام وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام
قوله إنما كان منزل ويروى منزلا على أنه خبر كان أي إنما كان المحصب منزلا ينزله النبي وليس من السنة والدليل عليه ما رواه مسلم من طريق عبيد الله ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج قوله اسمح أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطىء والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم من السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة فإن قلت ما وجه الرفع في منزل قلت فيه وجوه الأول أن يجعل ما في إنما بمعنى الذي واسم كان الضمير الذي فيه يعود على المحصب وخبره محذوف تقديره إن المنزل الذي كان المحصب إياه منزل فيكون ارتفاع منزل بكونه خبر إن الثاني أن تكون ما كافة ومنزل اسم كان وخبرها ضمير عائد إلى المحصب فحذف الضمير لكن يلزم أن يكون الاسم نكرة والخبر معرفة وذلك جائز الثالث أن يكون منزلا منصوبا في اللفظ إلا أنه كتب بالألف على اللغة الربيعية قوله بالأبطح وفي رواية الكشميهني الأبطح بلا باء والباء في الرواية التي هي فيها تتعلق بقوله ينزل وقال الخطابي التحصيب هو أنه إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع يقيم بالمحصب حتى يهجع به ساعة ثم يدخل مكة وليس بشيء أي

(10/100)


ليس بنسك من مناسك الحج إنما نزل رسول الله للاستراجة وقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري التحصيب مستحب عند جميع العلماء وقال شيخنا زين الدين وفيه نظر لأن الترمذي حكى استحبابه عن بعض أهل العلم وحكى النووي استحبابه عن مذهب الشافعي ومالك والجمهور وهذا هو الصواب وقد كان من أهل العلم من لا يستحبه فكانت أسماء وعروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنها لا يحصبان حكاه ابن عبد البر في ( الاستذكار ) عنهما وكذلك سعيد بن جبير فقيل لإبراهيم إن سعيد بن جبير لا يفعله فقال قد كان يفعله ثم بدا له وقال ابن بطال وكانت عائشة لا تحصب ولا أسماء وهو مذهب عروة
6671 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله
مطابقته للترجمة من حيث إنه بيان حكم المحصب وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رباح
وأخرجه مسلم أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس نحوه وأخرجه النسائي عن علي بن حجر عن سفيان وأخرجه الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو إلى آخره وقال هذا حديث حسن صحيح وذكر الدارقطني أن هذا حديث علي بن حجر قال ابن عساكر يعني تفرد به وابن عيينة سمعه من حسن بن صالح عن عمرو ولكن كذا قال ابن حجر وهو وهم منه فقد رواه ابن أبي عمر وعبد الجبار بن العلاء وجماعة غيرهما ورواه الإسماعيلي من حديث أبي خيثمة حدثنا ابن عيينة حدثنا عمرو وكذا رواه أبو نعيم الحافظ من طريق عبد الله ابن الزبير حدثنا سفيان حدثنا عمرو فقد صرح أبو خيثمة والحميدي عن سفيان بالتحديث من عمرو فانتفى ما قاله الدارقطني ولما روى الترمذي حديث ابن عمر قال كان النبي وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم ينزلون بالأبطح قال وفي الباب عن عائشة وأبي رافع وابن عباس قلت حديث عائشة أخرجه الأئمة الستة وحديث أبي رافع أخرجه مسلم وأبو داود من رواية سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال لم يأمرني رسول الله أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل قلت وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أسامة وأنس رضي الله تعالى عنهم وأخرج البخاري حديثهم وقال بعض العلماء كان نزوله بالمحصب شكرا لله تعالى على الظهور بعد الاختفاء وعلى إظهار دين الله تعالى بعدما أراد المشركون من إخفائه وإذا تقرر أن نزول المحصب لا تعلق له بالمناسك فهل يستحب لكل أحد أن ينزل فيه إذا مر به يحتمل أن يقال باستحبابه مطلقا ويحتمل أن يقال باستحبابه للجمع الكثير وإظهار العبادة فيه إظهارا لشكر الله تعالى على رد كيد الكفار وإبطال ما أرادوه والله أعلم
841 -
( باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة والنزول بالبطجاء التي بذي الحليفة إذا رجع من مكة )
أي هذا باب في بيان نزول الحاج بذي طوى قبل دخوله مكة اتباعا للنبي في نزوله بمنازله جميعا ولا يختص ذلك بالمحصب قوله بذي طوى بدون الألف واللام في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي والسرخسي بذي الطوى بالألف واللام ويجوز في الطاء الحركات الثلاث والأفضح فتحها ويجوز صرف طوى ومنعه وهو موضع بأسفل مكة في صوب طريق العمرة المعتادة وقيل هو بين مكة والتنعيم وكلمة أن في قوله قبل أن يدخل مصدرية أي قبل دخوله مكة قوله والنزول بالجر عطف على النزول الأول قوله التي بذي الحليفة صفة البطحاء واحترز به عن البطحاء التي بين مكة ومنى وقيل البطحاء بالمد هو التراب الذي في مسيل الماء وقيل إنه مجرى السيل إذا جف واستحجر والبطحاء التي بذي الحليفة معروفة عند أهل المدينة وغيرهم بالعرس قوله إذا رجع أي الحاج من مكة وتوجه إلى المدينة
7671 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أبو ضمرة ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع )

(10/101)


أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما كان يبيت بذي طوى بين الثنيتين ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة وكان إذا قدم مكة حاجا أو معتمرا لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد ثم يدخل فيأتي الركن الأسود فيبدأ به ثم يطوف سبعا ثلاثا سعيا وأربعا مشيا ثم ينصرف فيصلي سجدتين ثم ينطلق قبل أن يرجع إلى منزله فيطوف بين الصفا والمروة وكان إذا صدر عن الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان النبي ينيخ بها
( انظر الحديث 194 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله كان يبيت بذي طوى وفي قوله وكان إذا صدر عن الحج إلى آخره
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض الليثي مشهور باسمه وكنيته
قوله بين الثنيتين وهي تثنية ثنية وهي طريق العقبة قوله لم ينخ بضم الياء آخر الحروف وكسر النون من أناخ ينيخ إذا برك جمله والراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل وقيل هي المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى قوله باب المسجد أي المسجد الحرام قوله فيأتي الركن الأسود أي الركن الذي فيه الحجر الأسود قوله سبعا أي سبع مرات قوله ثلاثا أي يطوف من السبع ثلاث مرات قوله سعيا أي ساعيا نصب على الحال ويجوز أن يكون انتصابه على أنه صفة لثلاثا قوله وأربعا أي يطوف أربع مرات من السبع مشيا ويجوز فيه الوجهان المذكوران في سعيا قوله سجدتين أي ركعتين من باب إطلاق إسم الجزء على الكل وفي رواية الكشميهني ركعتين على الأصل قوله وكان إذا صدر أي رجع متوجها نحو المدينة قوله بها أي بذي الحليفة ثم اعلم أن النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة عند رجوعه ليس بشيء من مناسك الحج فإن شاء فعله وإن شاء تركه
8671 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) قال حدثنا ( خالد بن الحارث ) قال ( سئل عبيد الله ) عن ( المحصب ) قال ( فحدثنا عبيد الله ) عن ( نافع ) قال نزل بها رسول الله وعمر وابن عمر وعن نافع أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يصلي بها يعني المحصب الظهر والعصر أحسبه قال والمغرب قال خالد لا أشك في العشاء ويهجع هجعة ويذكر ذالك للنبي
لا مطابقة بني هذا الحديث والترجمة إلا من وجه يؤخذ تقريبا وهو أن بين حديثي الباب مناسبة من حيث إن كلا منهما يتضمن أمرا غير لازم وذلك أن الحديث الأول فيه النزول بذي طوى قبل الدخول في مكة وبالبطحاء التي بذي الحليفة إذا رجع من مكة وكل منهما غير لازم ولا هما من مناسك الحج وكذلك الحديث الثاني فيه النزول بالمحصب وهو أيضا غير لازم ولا هو من مناسك الحج وكذلك في كل منهما يرويه نافع عن فعل ابن عمر فبهذين الاعتبارين تحققت المناسبة بين الحديثين والحديث الأول مطابق للترجمة والثاني مطابق للأول ومطابق المطابق لشيء مطابق لذلك الشيء فافهم فإنه دقيق
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبدالله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي مات سنة ثمان وعشرين ومائتين الثاني خالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي الثالث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وخالد بصريان وعبيد الله ونافع مدنيان
قوله نزل بها أي بالمحصب وهذا من مرسلات نافع وعن عمر منقطع وعن ابن عمر موصول ويحتمل أن يكون نافع سمع ذلك من ابن عمر فيكون الجميع موصولا قوله أحسبه أي أظن يعني الشك إنما هو في المغرب لا في العشاء قوله وعن نافع غير معلق لأنه معطوف على الإسناد الذي قبله قوله

(10/102)


يهجع أي ينام من الهجوع وهو النوم قوله ويذكر ذلك أي يذكر ابن عمر التحصيب عن النبي والدليل عليه ما رواه مسلم عن محمد بن حاتم عن روح عن صخر بن جويرية عن نافع أن ابن عمر كان يرى التحصيب سنة وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة قال قد حصب رسول الله والخلفاء بعده والله أعلم
941 -
( باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة )
أي هذا باب في بيان مشروعية نزول من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة متوجها إلى مقصده وأما النزول بذي طوى للداخل مكة فقد مر بيانه في باب الاغتسال عند الدخول في مكة وفي باب دخول مكة ليلا أو نهارا وقد وقع سهو عن الداودي حيث جعل ذا طوى هو المحصب وظن أن المبيت متحد فيهما
9671 - وقال ( محمد بن عيسى ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى حتى إذا أصبح دخل وإذا نفر مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح وكان يذكر أن النبي كان يفعل ذلك
( انظر الحديث 194 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وإذا نفر مر بذي طوى إلى آخره
ورجاله خمسة الأول محمد بن عيسى بن الطباع أبو جعفر أخو إسحاق البصري سكن الشام ومات في سنة ثمان وعشرين ومائتين وهو من أفراد البخاري وروى عنه في الردة الثاني حماد واختلف فيه فجزم الإسماعيلي أنه حماد بن سلمة وجزم المزي أنه حماد بن يزيد الثالث أيوب السختياني الرابع نافع الخامس عبد الله بن عمر وقد مضى طرف من هذا الحديث في باب الاغتسال لدخول مكة
قوله وإذا نفر مر بذي طوى وفي رواية الكشميهني وإذا نفر مر من ذي طوى إلى آخره قال ابن بطال وليس هذا أيضا من مناسك الحج
051 -
( باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية )
أي هذا باب في بيان جواز التجارة في أيام الموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين وقال الأزهري سمي موسم الحج موسما لأنه معلم يجتمع إليه الناس وهو مشتق من السمة وهي العلامة قوله والبيع بالجر عطف على التجارة أي وفي بيان مشروعية البيع أيضا في أسواق الجاهلية وأسواق الجاهلية أربعة وهي عكاظ وذو المجاز ومجنة وحباشة
وأما عكاظ فهو بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبعد الألف ظاء معجمة قال الرشاطي هي صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية وبها من دماء البدن كالأرحاء العظام وقال محمد بن حبيب عكاظ بأعلى نجد قريب من عرفات وقال غيره عكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء وهي من عمل الطائف وعلى بريد منها وأرضها لبني نصر واتخذت سوقا بعد الفيل بخمس عشرة سنة وتركت عام خرجت الحرورية بمكة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومائة إلى هلم جرا وقال أبو عبيدة عكاظ فيما بين نخلة والطائف إلى موضع يقال له الفتق بضم الفاء والتاء المثناة وبالقاف وبه أموال ونخل لثقيف بينه وبين الطائف عشرة أميال فكان سوق عكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة عشرين يوما وعكاظ مشتق من قولك عكظت الرجل عكظا إذا قهرته بحجتك لأنهم كانوا يتفاخرون هناك بالفخر وكانت بعكاظ وقائع مرة بعد مرة وبعكاظ رأى رسول الله قس بن ساعدة وحفظ كلامه وكان يتصل بعكاظ بلد تسمى ركبة بها عين تسمى عين خليص وكان ينزلها من الصحابة قدامة بن عمار الكلابي ولقيط بن ضمرة العقيلي ومالك بن نضلة الحبشي
وأما ذو المجاز فقد ذكر ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها وعن ابن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة وقال الرشاطي كان ذو المجاز سوقا من أسواق العرب وهو عن يمين الموقف بعرفة قريبا من كبكب وهو سوق متروك وقال الكرماني ذو المجاز بلفظ ضد الحقيقة موضع بمنى كان به سوق في الجاهلية وهذا غير صحيح لأن الطبري روى

(10/103)


عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى
وأما مجنة فهي بفتح الميم والجيم وتشديد النون وهي على أميال مسيرة من مكة بناحية مر الظهران ويقال هي على بريد من مكة وهي لكنانة وبأرضها وشامة وطفيل جبلان مشرفان عليها سميت بها لبساتين تتصل بها وهي الجنان ويحتمل أن يكون من مجن يمجن سميت بذلك لأن ضربا من المجون كان بها
وأما حباشة فهي بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف شين معجمة وكانت بأرض بارق نحو قنونا بفتح القاف وضم النون المخففة وبعد الواو الساكنة نون أخرى مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل ولم يذكر هذا في الحديث لأنه لم يكن من مواسم الحج وإنما كان يقام في شهر رجب وقال الرشاطي هي أكبر أسواق تهامة كان يقوم ثمانية أيام في السنة قال حكيم بن حزام وقد رأيت رسول الله يحضرها واشتريت منه فيها بزا من بز تهامة وقال الفاكهي ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول من ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة وروى الزبير بن بكار في ( كتاب النسب ) من طريق حكيم بن حزام أنها أي سوق عكاظ كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما قال ثم يقوم سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة ثم يقوم سوق ذو المجاز ثمانية أيام ثم يتوجهون إلى منى للحج وفي حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه الحديث أخرجه أحمد وغيره
0771 - حدثنا ( عثمان بن الهيثم ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال ( عمرو بن دينار ) قال ( ابن عباس ) رضي الله عنهما كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذالك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ( البقرة 891 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة أبو عمرو المؤذن البصري مات سنة عشرين ومائتين وهو من أفراد البخاري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد الله بن محمد وعلي بن عبد الله وفي التفسير عن محمد ثلاثتهم عن سفيان عنه به
قوله متجر الناس بفتح الميم أي مكان تجارتهم وفي رواية ابن عيينة أسواقا في الجاهلية قوله كأنهم أي كان المسلمين قوله كرهوا ذلك وفي رواية ابن عيينة فكأنهم تأثموا أي خشبوا الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة قوله حتى نزلت ليس عليكم جناح ( البقرة 891 ) وروى أبو داود وغيره من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قالوا كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج يقولون أيام ذكر فأنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة 891 ) وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هيثم أخبرنا حجاج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة 891 ) في مواسم الحج وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده وهكذا روى العوفي عن ابن عباس قوله في مواسم الحج هذه قراءة ابن عباس قال وكيع حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة 891 ) في مواسم الحج ورواه عبد بن حميد عن محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن عبد الله ابن أبي زيد سمعت ابن الزبير يقرأ فذكر مثله سواء وهكذا فسرها مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس وغيرهم وقال الكرماني قوله في مواسم الحج كلام الراوي ذكره تفسيرا للآية الكريمة وقال بعضهم فاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع قرأها ابن عباس ورواه ابن أبي عمر في ( مسنده ) عن ابن عيينة وقال في آخره وكذلك كان ابن عباس يقرؤها انتهى قلت نعم ذهل الكرماني عن هذا ولكن قوله ذكره تفسيرا للآية الكريمة له وجه لأن مجاهدا ومن ذكرناهم معه فسروها هكذا فجعلوها تفسيرا ولم يجعلوها قراءة ومع هذا على تقدير كونها قراءة فهي من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير وقال أحمد حدثنا أسباط

(10/104)


أخبرنا الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي أمامة التيمي قال قلت لابن عمر إنا نكري فهل لنا من حج قال أليس تطوفون بالبيت فتأتون المعرف وترمون الجمار وتحلقون رؤوسكم قال قلنا بلى فقال ابن عمر جاء رجل إلى النبي فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه حتى نزل جبريل عليه الصلاة و السلام بهذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة الآية 891 ) فدعاه النبي فقال أنتم حجاج
151 -
( باب الإدلاج من المحصب )
أي هذا باب في بيان جواز الإدلاج من المحصب وأصل الإدلاج الإدتلاج فقلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال فصار الإدلاج بتشديد الدال وهو السير في آخر الليل وأما الإدلاج بسكون الدال فهو السير في أول الليل وهكذا وقع في رواية أبي ذر والصواب التشديد لأن المراد هنا هو السير في آخر الليل لأن المقصود هو الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وقد ذكرنا أن المحصب هو الأبطح ويسمى البطحاء أيضا
1771 - حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت حاضت صفية ليلة النفر فقالت ما أراني إلا حابستكم قال النبي عقرى حلقى أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفري
لما كانت القصة في حديث حفص بن غياث وحديث محاضر متحدة وكان حديث محاضر مطابقا للترجمة في قوله فلقيناه مدلجا بتشديد الدال أي سائر من آخر الليل صار حديث حفص أيضا مطابقا للترجمة
من هذه الحيثية وإن لم يكن فيه مطابقة صريحا
ورجاله ستة الأول عمر بن حفص أبو حفص النخعي الثاني أبوه حفص بن غياث بن طلق بن معاوية الثالث سليمان الأعمش الرابع إبراهيم النخعي الخامس الأسود بن يزيد السادس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
وهؤلاء كلهم إلا عائشة كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين وفيه رواية الابن عن الاب ورواية الراوي عن خاله وهو إبراهيم
والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ثلاثتهم عن أبي معاوية وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن عبيد الله الغيلاني وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد
قوله حاضت صفية هي بنت حيي زوج النبي معناه أن صفية حاضت قبل طواف الوداع فلما أراد النبي الانصراف إلى المدينة قالت ما أراني أي ما أظن نفسي إلا حابستكم لانتظار طهري وطوافي للوداع فإني لم أطف للوداع وقد حضت فلا يمكنني الطواف الآن وظنت أن طواف الوداع لا يسقط عن الحائض فقال النبي أما كنت طفت طواف الإفاضة يوم النحر قالت بلى قال يكفيك ذلك لأنه هو الطواف الذي هو ركن لا بد لكل أحد منه وأما طواف الوداع فلا يجب على الحائض وتفسير عقرى حلقى قد مر غير مرة قوله أطافت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله فانفري أي إرحلي
2771 - قال ( أبو عبد الله وزادني محمد ) قال حدثنا ( محاضر ) قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج فلما قدمنا أمرنا أن نحل فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية بنت حيي فقال النبي حلقى عقرى ما أراها إلا حابستكم ثم قال كنت طفت يوم النحر قالت نعم قال فانفري قلت يا رسول الله إني لم أكن حللت قال فاعتمري من التنعيم فخرج معها أخوها فلقيناه مدلجا فقال موعدك مكان كذا وكذا

(10/105)


وقد ذكرنا وجه المطابقة للترجمة قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله وزادني محمد أي في الحديث المذكور وقد اختلف في محمد هذا فزعم الجياني أن محمدا هذا هو الذهلي واقتصر عليه المزي في تهذيبه ) فقال يقال الذهلي ووقع في رواية أبي علي بن السكن محمد بن سلام ومحاضر بضم الميم على وزن اسم الفاعل من المحاضرة من الحضور ضد الغيبة ابن المورع بضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة وفي آخره عين مهملة الهمداني اليامي مات سنة ست ومائتين استشهد به البخاري وأخرج له مسلم فرد حديث من يدعوني فأستجيب له الحديث وهو صدوق مغفل قال أحمد كان مغفلا جدا وقيل لم يخرج البخاري عنه إلا تعليقا لكن ظاهر هذا الموضع الوصل
قوله ما أراها أي ما أرى صفية إلا حابستكم عن النفر قوله كنت طفت أصله أكنت طفت بالاستفهام عن طوافها يوم النحر قوله فاعتمري أي قال لها النبي فاعتمري وإنما أمرها بالاعتمار لتطييب قلبها حين أرادت أن تكون لها عمرة منفردة مستقلة كما لسائر أمهات المؤمنين وإنما خص التنعيم بالذكر مع أن جميع جهات الحل سواء فيه والإحرام من التنعيم غير واجب أما لأنه كان أسهل عليها وأما لغرض آخر وقال القاضي عياض بوجوب الإحرام منه قال وهو ميقات المعتمر من مكة قوله فخرج معها أخوها أي فخرج مع عائشة خوها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم قوله فلقيناه أي لقينا النبي قائل هذا هو عائشة أرادت أنها وأخاها لقيا النبي مدلجا أي حال كونه مدلجا أي سائرا من آخر الليل فإنهما لما رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي متوجها إلى طواف الوداع وقد ذكرنا أن مدلجا بتشديد الدال وهو السير من آخر الليل وأما الإدلاج بسكون الدال فهو السير من أول الليل وقد ذكرناه عن قريب قوله فقال موعدك أي قال النبي لعائشة موعدك وأراد به موضع المنزلة وقال الكرماني فإن قلت الموعد هو موضع تكلم بهذا رسول الله ووعدها الاجتماع لمكان كذا وكذا فإنه مكان وفاء العهد قلت الموعد مصدر ميمي بمعنى الموعود والمكان مقدرا والوعد الذي في ضمن اسم المكان هو بمعنى الموعود انتهى قلت فيه تعسف لا يخفى والحاصل أنه لما لقيهما قال لعائشة موضع المنزلة كذا وكذا يعني تكون الملاقاة هناك حتى إذا عاد النبي من طوافه للوداع يجتمع بها هناك للرحيل والله تعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
62 -
( أبواب العمرة )
1 -
( وجوب العمرة وفضلها )
أي هذا باب في بيان أحكام العمرة وليست البسملة مذكورة في رواية أبي ذر وإنما الترجمة هكذا في روايته عن المستملي أبواب العمرة باب وجوب العمرة وفضلها وعند المستملي في روايته غير أبي ذر سقط قوله أبواب العمرة وفي كتاب أبي نعيم في المستخرج ) كتاب العمرة وفي رواية الأصيلي وكريمة باب العمرة وفضلها فقط أي هذا باب في بيان العمرة وفي بيان فضلها
والعمرة في اللغة الزيارة يقال اعتمر فهو معتمر أي زار وقصد وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام وفي الشرع العمرة زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة ذكرت في كتب الفقه
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة
لما كانت الترجمة مشتملة على بيان وجوب العمرة وبيان فضلها قدم بيان وجوبها أولا واستدل عليه بهذا التعليق الذي ذكره عن عبد الله بن عمر ووصله ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان يقول ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان ورواه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج عن نافع عنه مثله بزيادة من استطاع إلى ذلك سبيلا فمن زاد على هذا فهو تطوع وخير وقال سعيد بن أبي

(10/106)


عروبة في ( المناسك ) عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال الحج والعمرة فريضتان وقال بعضهم وجزم المصنف بوجوب العمرة وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر قلت قال الترمذي قال الشافعي العمرة سنة لا نعلم أحدا رخص في تركها ليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع وقال شيخنا زين الدين ما حكاه الترمذي عن الشافعي لا يريد به أنها ليست بواجبة بدليل قوله لا نعلم أحدا رخص في تركها لأن السنة التي يريد بها خلاف الواجب يرخص في تركها قطعا والسنة تطلق ويراد بها الطريقة وغير سنة الرسول انتهى قلت كأن شيخنا حمل قول الشافعي العمرة سنة على معنى أنها سنة لا يجوز تركها بدليل قوله ليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع وذلك لأنه إذا لم يثبت أنها تطوع يكون معنى قوله إنها سنة أي سنة واجبة لا يرخض في تركها والذي أشار إليه الشافعي أنه ليس بثابت هو مرسل أبي صالح الحنفي فقد روى الربيع عن الشافعي أن سعيد بن سالم القداح قد احتج بأن سفيان الثوري أخبره عن يعقوب بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله قال الحج جهاد والعمرة تطوع قلت هذا منقطع فصح قوله أنه ليس بثابت
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 )
أي قال عبد الله بن عباس إن العمرة لقرينة الحجة في كتاب الله تعالى يعني مذكورتان معا في قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة ( البقرة 691 ) وقد أمر الله تعالى بإتمامهما والأمر للوجوب ووصل هذا التعليق الشافعي في مسنده ) عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاووسا يقول سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنه يقول والله إنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 ) وقال المانعون للواجوب ظاهر السياق إكمال أفعالها بعد الشروع فيهما ولهذا قال بعده فأن أحصرتم ( البقرة 691 ) أي صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من أتمامهما ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي سلمة عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال في هذه الآية وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 ) قال أن تحرم من دويرة أهلك وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاووس عن سفيان الثوري أنه قال تمامهما أن تحرم من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت لو احتججت أو اعتمرت وذلك يجزىء ولكن التمام أن تخرج له ولا تخرج لغيره وقرأ الشعبي وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 ) برفع العمرة قال وليست بواجبة
وممن قال بفرضية العمرة من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وجابر رضي الله تعالى عنه ومن التابعين وغيرهم عطاء وطاووس ومجاهد وعلي بن الحسين وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وعبد الله بن شداد وابن الحبيب وابن الجهم واحتج هؤلاء أيضا بأحاديث أخرى منها ما رواه الدارقطني من رواية إسماعيل بن مسلم عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت قلت الصحيح أنه موقوف رواه هشام بن حسان عن ابن سيرين عن زيد ومنها ما رواه ابن ماجه من رواية حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة قلت أخرجه البخاري ولم يذكر فيه العمرة ومنها ما رواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية قتيبة عن ابن لهيعة عن عطاء عن جابر أن رسول الله قال الحج والعمرة فريضتان واجبتان قلت قال ابن عدي هو عن ابن لهيعة عن عطاء غير محفوظ وأخرجه البيهقي وقال ابن لهيعة غير محتج به ومنها ما رواه الترمذي من حديث عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي فقال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال حج عن أبيك واعتمر وقال هذا حديث حسن صحيح وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر قلت أمره بأن يعتمر عن غيره ومنها ما رواه الدارقطني من رواية يونس بن محمد عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن جلوس عند رسول الله في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر فذكر الحديث وفيه فقال يا محمد

(10/107)


ما الأسلام فقال ) الإسلام أن تشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وقال الدارقطني هذا إسناد ثابت أخرجه مسلم بهذا الإسناد وقال ابن القطان زيادة صحيحة وأخرجه أبو عوانة في ( صحيحه ) والجوزقي والحاكم أيضا قلت المراد بإخراج مسلم له أنه أخرج الإسناد هكذا ولم يسق لفظ هذه الرواية وإنما أحال به على الطرق المتقدمة إلى يحيى بن يعمر بقوله كنحو حديثهم وذكر أبو عمرو عن الشافعي وأحمد في رواية أن العمرة ليست بواجبة وروى ذلك عن ابن مسعود وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وعنه أنها سنة قلت قال أصحابنا العمرة سنة وينبغي أن يأتي بها عقيب الفراغ من أفعال الحج واحتجوا بما رواه الترمذي من حديث جابر أن النبي سئل عن العمرة أواجبة هي قال لا وإن تعتمروا هو أفضل وقال هذا حديث حسن صحيح فإن قلت قال المنذري وفي تصحيحه له نظر فإن في سنده الحجاج بن أرطاة ولم يحتج به الشيخان في ( صحيحيهما ) وقال ابن حبان تركه ابن المبارك ويحيى القطان وابن معين وأحمد وقال الدارقطني لا يحتج به وإنما روى هذا الحديث موقوفا على جابر وقال البيهقي ورفعه ضعيف قلت قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في كتاب ( الإمام ) وهذا الحكم بالتصحيح في رواية الكرخي لكتاب الترمذي وفي رواية غيره حسن لا غير وقال شيخنا زين الدين رحمه الله لعل الترمذي إنما حكم عليه بالصحة لمجيئه من وجه آخر فقد رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله ابن عمر عن أبي الزبير عن جابر قلت يا رسول الله العمرة فريضة كالحج قال لا وإن تعتمر خير لك ذكره صاحب ( الإمام ) وقال اعترض عليه بضعف عبد الله بن عمر العمري قلت رواه الدارقطني من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير عن جابر قال قلت يا رسول الله العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج قال لا وإن تعتمر خير لك ورواه البيهقي من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله غير منسوب عن أبي الزبير ثم قال وهو عبيد الله بن المغيرة تفرد به عن أبي الزبير ووهم الباغندي في قوله عبيد الله بن عمر وروى ابن ماجه من حديث طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله يقول الحج جهاد والعمرة تطوع وروى عبد الباقي بن قانع من حديث أبي هريرة عن النبي نحوه وكذا روى عن ابن عباس عن النبي نحوه ثم إعلم أن الشافعي ذهب إلى استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارا وقال مالك وأصحابه يكره أن يعتمر في السنة الواحدة أكثر من عمرة واحدة وقال ابن قدامة قال آخرون لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة واحدة وعند أبي حنيفة تكره العمرة في خمسة أيام يوم عرفة والنحر وأيام التشريق وقال أبو يوسف تكره في أربعة أيام عرفة والتشريق
3771 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر بن عبد الرحمان ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
قد ذكرنا أن الترجمة مشتملة على وجوب العمرة وفضلها وذكر ما يدل على وجوبها وهما الأثران المذكوران عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم ثم ذكر هنا عن أبي هريرة ما يدل على فضلها وقد بوب الترمذي بابا في فضل العمرة فقال باب ما جاء في فضل العمرة ثم روى حديث أبي هريرة المذكور عن أبي كريب عن وكيع عن سفيان عن سمي إلى آخره نحو رواية البخاري وأخرجه مسلم أيضا كرواية الترمذي وأخرجه أيضا النسائي من رواية سفيان بن عيينة عن سمي ومن رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي وأخرجه مسلم أيضا من رواية عبيد الله بن عمر عن سمي وهو مشهور من حديث سمي وهو بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء وقد مر في الصلاة
وأبو صالح السمان هو ذكوان الزيات وقد تكرر ذكره قوله العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما أي من الذنوب دون الكبائر كما في قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما وقال ابن التين يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى إلى أموالكم ( النساء 2 ) ومن أنصاري إلى الله ( آل عمران 25 الصف 41 ) فإن قلت الذي يكفر ما بين العمرتين العمرة الأولى أو العمرة الثانية قلت ظاهر الحديث أن العمرة الأولى هي المكفرة لأنها هي التي

(10/108)


وقع الخبر عنها أنها تكفر ولكن الظاهر من حيث المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفر ما قبلها إلى العمرة التي قبلها فإن التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر قوله والحج المبرور المبرور من بره إذا أحسن إليه ثم قيل بر الله عمله إذا قبله كأنه أحسن إلى عمله بأن قبله ولم يرده واختلفوا في المراد بالحج المبرور فقيل هو الذي لا يخالطه شيء من مأثم وقيل هو المتقبل وقيل هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق وقيل الذي لم يتعقبه معصية وقد ورد تفسير الحج المبرور بغير هذه الأقوال وهو ما روى محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي قال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل يا رسول الله ما بر الحج قال إفشاء السلام وإطعام الطعام وفي رواية فيه بدل إفشاء السلام وطيب الكلام وفي رواية ولين الكلام وهو في ( مسند ) أحمد قوله ليس له جزاء إلا الجنة أي لا يقصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة
وقد ورد في ثواب الحج والعمرة أحاديث منها ما رواه الترمذي من حديث شقيق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ورواه النسائي أيضا ولما رواه الترمذي قال حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن مسعود وقال وفي الباب عن عمر وعامر بن ربيعة وأبي هريرة وعبد الله بن حبيش وأم سلمة وجابر رضي الله تعالى عنهم قلت حديث عمر رواه ابن ماجه عنه عن النبي تابعوا بين الحج والعمرة فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد وحديث عامر بن ربيعة رواه أحمد في ( مسنده ) من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال قال رسول الله تابعوا فذكره وحديث أبي هريرة أخرجه الجماعة خلا أبا داود من طرق عن منصور وحديث عبد الله بن حبيش الخثعمي رواه أحمد والنسائي من رواية علي الأزدي عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبيش الخثعمي أن النبي سئل أي الأعمال أفضل قال إيمان لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة وذكر الحديث وأصله عند أبي داود رحمه الله وحديث أم سلمة رواه الحارث بن أبي أسامة في ( مسنده ) حدثنا يزيد بن هارون حدثنا قاسم بن الفضل عن أبي جعفر عن أم سلمة قالت قال رسول الله الحج جهاد كل ضعيف وأبو جعفر هو الباقر اسمه محمد بن علي بن الحسين ولم يسمع من أم سلمة وحديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه ابن عدي في ( الكامل ) من حديث محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا تابعوا بين الحج والعمرة
2 -
( باب من اعتمر قبل الحج )
أي هذا باب في بيان حكم من اعتمر قبل أن يحج هل يجزيه أم لا
4771 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) أن ( عكرمة بن خالد ) سأل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن العمرة قبل الحج فقال لا بأس
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله خمسة الأول أحمد بن محمد بن ثابت عن عثمان بن مسعود بن يزيد أبو الحسن الخزاعي المروزي المعروف بابن شبويه قال الدارقطني روى عنه البخاري مات سنة تسع وعشرين ومائتين بطرسوس قاله الحافظ الدمياطي وقال الحاكم هذا أحمد بن محمد هو ابن مردويه قلت هو أحمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار المروزي وذكره ابن أبي خيثمة فيمن قدم بغداد ومات في سنة خمس وثلاثين ومائتين وروى عنه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا الثاني عبد الله بن المبارك المروزي الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي الرابع عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم مات سنة أربع عشرة ومائة الخامس عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
وأخرجه البخاري أيضا عن عمرو بن علي عن أبي عاصم عن ابن جريج

(10/109)


وأخرجه أبو داود في الحج أيضا عن عثمان بن أبي شيبة عن مخلد بن يزيد ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة كلاهما عن ابن جريج
قوله أن عكرمة بن خالد سأل ابن عمر قيل هذا السياق يقتضي أن هذا الإسناد مرسل لأن ابن جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر انتهى قلت عدم إدراك ابن جريج سؤال عكرمة عن ابن عمر لا يستلزم نفي سماع ابن جريج عن عكرمة هذا قوله لا بأس يعني ليس عليه شيء إذا اعتمر قبل أن يحج وفي رواية أحمد وابن خزيمة لا بأس على أحد أن يعتمر قبل أن يحج
قال عكرمة قال ابن عمر اعتمر النبي قبل أن يحج
عكرمة هو ابن خالد المذكور وهو متصل بالإسناد المذكور
وقال إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني عكرمة ابن خالد قال سألت ابن عمر مثله
إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري القرشي المدني كان على قضاء بغداد مات سنة ثلاث وثمانين ببغداد وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب ( المغازي ) ذكر هذا التعليق عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال تقوية لما قبلها ووصل هذا التعليق أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد بالإسناد المذكور ولفظه حدثني عكرمة بن خالد بن العاص المخزومي قال قدمت المدينة في نفر من أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت إنا لم نحج قط أفنعتمر من المدينة قال نعم وما يمنعكم من ذلك فقد اعتمر رسول الله عمرة كلها قبل حجه قال فاعتمرنا
حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريج قال عكرمة بن خالد سألت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مثله
عمرو بن علي بن بحر بن كبير أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وأبو عاصم الضحاك بن مخلد بفتح الميم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري وفي ( التوضيح ) وهذا من ابن عمر قد يدل أن فرض الحج نزل قبل اعتماره إذ لو اعتمر قبله ما صح استدلاله على ما ذكره ويتفرع على ذلك فرض الحج هل هو على الفور أو التراخي والذي جنح إليه ابن عمر يدل على أنه على التراخي وهو الذي تعضده الأصول أن في فرض الحج سعة وفسحة ولو كان وقته مضيقا لوجب إذا أخره إلى سنة أخرى أن يكون قضاء لا أداء فلما ثبت أن يكون أداء في أي وقت أتى به علم أنه ليس على الفور انتهى قلت هذا أخذه من كلام ابن بطال وفي دعواه أنه على التراخي بما ذكره نظر لأنه يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية وفيه خلاف قد ذكرناه في أول الحج والله أعلم
3 -
( باب كم اعتمر النبي )
أي هذا باب يذكر فيه كم اعتمر النبي يعني كم له عمرة
5771 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما جالس إلى حجرة عائشة وإذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى قال فسألناه عن صلاتهم فقال بدعة ثم قال له كم اعتمر رسول الله قال أربع إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه قال وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال عروة يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان قالت ما يقول قال يقول إن

(10/110)


رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمان ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط
مطابقته في قوله كم اعتمر وفي قوله اعتمر أربع عمرات وفي كونها ثلاثا على قول عائشة
ورجاله قد ذكروا غير مرة وجرير بفتح الجيم هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر
والحديث أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير إلى آخره نحوه غيران في روايته والناس يصلون صلاة الضحي وفي هنا أن نكذبه ونرد عليه قوله دخلت أنا وعدوه إلى آخره فيه دفع لما ذكره يحيى بن سعيد وابن معين وأبو حاتم في آخرين أن مجاهدا لم يسمع من عائشة قوله المسجد يعني مسجد المدينة النبوية قوله فإذا كلمة إذا للمفاجأة و عبد الله مبتدأ و جالس خبره وكذلك وإذا الثانية للمفاجأة والواو فيه للحال قوله ناس بغير ألف في رواية الكشميهني وفي رواية غيره وإذا أناس بالألف وهما بمعنى واحد قوله قال فسألناه عن صلاتهم أي فسألنا ابن عمر عن صلاة هؤلاء الذين يصلون في المسجد قوله بدعة أي صلاتهم بدعة وإنما قال بدعة وإنما البدعة إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله وقد ثبت أنه صلى صلاة الضحى في بيت أم هانىء وقد مر في باب صلاة الضحى لأن الظاهر أنها لم تثبت عنده فلذلك أطلق عليها البدعة وقيل أراد أنها من البدع المستحسنة كما قال عمر رضي الله تعالى عنه في صلاة التراويح نعمت البدعة هذه وقيل أراد أن إظهارها في المسجد والاجتماع لها هو البدعة لا أن نفس تلك الصلاة بدعة وهذا هو الأوجه قوله قال أربع كذا هو مرفوعا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر أربعا ولقد نقل الكرماني وغيره عن ابن مالك في وجه هذا الرفع والنصب ما فيه تعسف جدا والأحسن أن يقال إن وجه الرفع هو أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي اعتمره النبي أربع أي أربع عمر ووجه النصب على أن يكون خبر كان محذوفا تقديره الذي اعتمره كان أربعا قوله وسمعنا استنان عائشة قيل استنانها سواكها وقيل استعمالها الماء قال ابن فارس سننت الماء على وجهي إذا أرسلته إرسالا إلا أن يكون استن لم تستعمله العرب إلا في السواك وقيل معناه سمعنا حس مرور السواك على أسنانها قلت فيه ما فيه وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم قال وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن قوله يا أماه كذا هو بالألف والهاء الساكنة في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر يا أمه بحذف الألف فإن قلت ما فائدة قوله يا أم المؤمنين بعد أن قال يا أماه أراد بقوله يا أماه المعنى الأخص لكون عائشة خالته وأراد بقوله يا أم المؤمنين المعنى الأعم لكونها أم المؤمنين قوله أبو عبد الرحمن هو كنية عبد الله بن عمر قوله عمرات يجوز ضم الميم فيها وسكونها وبضمها كما في عرفات وحجرات قوله إحداهن في رجب أي إحدى العمرات كانت في شهر رجب قوله يرحم الله أبا عبد الرحمن ذكرته بكنيته تعظيما له قوله ما اعتمر أي النبي عمرة قط إلا وهو أي ابن عمر شاهده أي حاضر معه وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله إحداهن في رجب
واعلم أن إحدى العمرات في رواية منصور عن مجاهد كانت في رجب وخالفه أبو إسحاق فرواه عن مجاهد عن ابن عمر قال اعتمر النبي مرتين فبلغ ذلك عائشة فقالت اعتمر أربع مرات أخرجه أحمد وأبو داود فجعل منصور الاختلاف في شهر العمرة وأبو إسحاق جعل الاختلاف في عدد الاعتمار وفي أفراد مسلم من حديث البراء بن عازب اعتمر النبي في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين وفي ( سنن أبي داود ) بإسناد على شرط الشيخين من حديث عائشة أنه اعتمر في شوال أخرجه مالك في ( موطئه ) أيضا وفي ( سنن الدارقطني ) من حديثها أنه اعتمر في رمضان وهو غريب قال ابن بطال والصحيح أنه اعتمر ثلاثا والرابعة إنما تجوز نسبتها إليه لأنه أمر الناس بها وعملت بحضرته لا أنه اعتمرها بنفسه فيدل على صحة ذلك أن عائشة ردت على ابن عمر قوله وقالت ما اعتمر في رجب قط وقال أبو عبد الملك إنه وهم من ابن عمر لإجماع المسلمين أنه اعتمر ثلاثا وروى البيهقي من رواية عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي اعتمر ثلاث عمر عمرة في شوال وعمرتين في ذي القعدة والحديث عند أبي داود من رواية داود بن عبد الرحمن عن هشام إلا

(10/111)


أنه قال اعتمر عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال وروى البيهقي أيضا من رواية عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة قال اعتمر النبي ثلاث عمر كلها في ذي القعدة وقال شيخنا كأن عائشة تريد والله أعلم بعمرة شوال عمرة الحديبية والصحيح إنما كانت في ذي القعدة كما في حديث أنس في الصحيح وإليه ذهب الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهم واختلف فيه على عروة بن الزبير فروى هشام ابنه عنه أنها كانت في شوال وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه أنها كانت في ذي القعدة قال البيهقي هو الصحيح وقد عد الناس هذه في عمرة وإن كان صد عن البيت فنحر الهدي وحلق
وأما العمرة الثانية فهي أيضا في ذي القعدة سنة سبع وهو متفق عليه فيما علمت قاله نافع مولى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وسليمان التيمي وعروة بن الزبير وموسى بن عقبة وابن شهاب ومحمد بن إسحاق وغيرهم لكن ذكر ابن حبان في ( صحيحه ) أنها كانت في رمضان وقال المحب الطبري في ( كتاب العري ) ولم ينقل ذلك أحد غيره والمشهور أنها في ذي القعدة وعند الدارقطني خرج معتمرا في رمضان وقال المحب فلعلها التي فعلها في شوال وكان ابتداؤها في رمضان وروى أبو بكر بن أبي داود في ( فوائده ) من حديث ابن عمر أن النبي اعتمر قبل حجته عمرتين أو ثلاثا إحدى عمره في رمضان ولعله أراد ابتداء إحرامه بها وتسمى عمرة القضاء وعمرة القضية وعمرة القصاص وسميت عمرة القضاء لأنه قاضي أهل مكة عام الحديبية على أن يعتمر العام المقبل لأن المسلمين قضوها عن عمرة الحديبية وعن ابن عمر لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن شرطا على المسلمين أن يعتمروا القابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه وسميت عمرة القصاص لأن الله عز و جل أنزل في تلك العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ( البقرة 491 ) فاعتمر رسول الله في الشهر الحرام الذي صد فيه وقيل يحتمل أن يكون من القصاص الذي هو أخذ الحق فكأنهم اقتصوا أي اخذوا في السنة الثانية ما منعهم المشركون من الحق في كمال عمرهم
وأما العمرة الثالثة فهي في ذي القعدة أيضا سنة ثمان وهي عمرة الجعرانة قال ذلك عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وغيرهما وهو كذلك وفي ( الصحيح ) من حديث أنس أنها كانت في ذي القعدة وقال ابن حبان في ( صحيحه ) إن عمرة الجعرانة كانت في شوال قال المحب الطبري ولم ينقل ذلك أحد غيره فيما علمت والمشهور أنها في ذي القعدة وقال المحب الطبري إن الثلاث كانت في ذي القعدة
وأما العمرة الرابعة فهي التي مع حجته وكانت أفعالها في الحجة بلا خلاف لأن النبي قدم مكة في الرابع من ذي الحجة وأما إحرامها فالصحيح أنه كان في ذي القعدة لأنهم خرجوا لخمس بقين من ذي القعدة كما في ( الصحيح ) وكان إحرامه فيها في وادي العقيق كما في ( الصحيح ) وذلك قبل أن يدخل ذو الحجة وقيل كان إحرامه لها في ذي الحجة لأن في بعض طرق الحديث خرجنا موافين لهلال ذي الحجة والصحيح الأول وأسقط بعضهم عمرته هذه فجعلها ثلاث عمر وهو الذي صححه القاضي عياض
ولا شك أنه لم يعتمر عام حجة الوداع عمرة مفردة لا قبل الحج ولا بعده أما قبله فلأنه لم يحل حتى فرغ من الحج وأما بعده فلم ينقل أنه اعتمر فلم يبق إلا أنه قرن الحج بعمرة وهذا هو الصواب جمعا بين الأحاديث إلا أنه أحرم أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق لما جاءه جبريل عليه السلام وقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة ولهذا اختلفت الصحابة في عدد عمره فمن قال أربعا فهذا وجهه ومن قال ثلاثا أسقط الأخيرة لدخول أفعالها في الحج ومن قال اعتمر عمرتين أسقط العمرة الأولى وهي عمرة الحديبية لكونهم صدوا عنها وأسقط الأخيرة لدخولها في أعمال الحج وأثبت عمرة القضية وعمرة الجعرانة
7771 - حدثنا ( أبو عاصم ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عطاء ) عن ( عروة بن الزبير ) قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما اعتمر رسول الله في رجب
( انظر الحديث 6771 وطرفه )
هذا من تعليق الحديث السابق لإنكار عائشة على ابن عمر في كون عمرته في رجب وهنا أيضا أنكرت اعتماره

(10/112)


في رجب بقولها وما اعتمر في رجب قط وأورده مختصرا عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح وأخرجه مسلم مطولا فقال حدثنا هارون بن عبد الله قال أخبرنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يخبر قال أخبرني عروة بن الزبير قال كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة وأنا أسمع ضربها بالسواك تستن قال فقلت يا أبا عبد الرحمن اعتمر النبي في رجب قال نعم فقلت لعائشة أي أماه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت وما يقول قلت يقول اعتمر النبي في رجب فقالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر في عمرة إلا وأنه لمعه قال وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم سكت فإن قلت نفت عائشة وأثبت ابن عمر والقاعدة تقديم الإثبات على النفي فهلا حكم لابن عمر على عائشة قلت إن إثبات ابن عمر كونها في رجب يعارضه إثبات آخر وهو كونها في ذي القعدة فكلاهما ناف لوقت ومثبت لوقت آخر فعائشة وإن نفت رجب فقد أثبتت كونها في ذي القعدة وقد اتفقت عائشة وابن عمر وابن عباس على نفي الزيادة في عدد عمره على أربع وأثبتت عائشة كون الثلاثة في ذي القعدة خلا التي في حجته فترجح إثبات عائشة لذلك فإن إثبات ابن عباس أيضا كذلك وانفرد ابن عمر بإثبات رجب فكان إثبات عائشة مع ابن عباس أقوى من إثبات ابن عمر وحده وانضم لذلك كون عائشة أنكرت عليه ما أثبته من الاعتمار في رجب وسكت فوجب المصير إلى قول عائشة رضي الله تعالى عنها فإن قلت قال الإسماعيلي هذا الحديث لا يدخل في باب كم اعتمر وإنما يدخل في باب متى اعتمر قلت أجاب بعضهم بأن غرض البخاري الطريق الأولى وإنما أورد هذا لينبه على الخلاف في السياق وقال صاحب ( التوضيح ) بل داخل فيه والزمان وقع استطرادا قلت الأوجه في ذلك ما ذكرته في أول شرح الحديث أنه من تعليق الحديث السابق وداخل في عداده فالترجمة تشمل الكل فافهم
8771 - حدثنا ( حسان بن حسان ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) قال سألت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه كم اعتمر النبي قال أربع عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده الماشركون وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراه حنين قلت كم حج قال واحدة
مطابقته للترجمة ظاهرة وحسان بن حسان أبو علي البصري سكن مكة وهو من أفراد البخاري وقال مات سنة ثلاث عشرة ومائتين وهمام بتشديد الميم ابن يحيى بن دينار العوزي الشيباني البصري مات سنة ثلاث وستين ومائة
وأخرجه أيضا عن أبي الوليد فيه وفي الجهاد وفي المغازي عن هذبة بن خالد وأخرجه مسلم في الحج عن هدبة وعن أبي موسى عن عبد الصمد وأخرجه أبو داود فيه عن أبي الوليد وهدبة وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن منصور وقال حسن صحيح
قوله أربع أي الذي اعتمره أربع عمر قوله عمرة الحديبية أي من الأربع عمرة الحديبية وهي بضم الحاء المهملة وفتح الدال وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره هاء وكثير من المحدثين يشددون هذه الياء وقال ابن الأثير هي قرية كبيرة من مكة سميت ببئر هناك وقال الصغاني الحديبية بتخفيف الياء مثال دويهية بئر على مرحلة من مكة مما يلي المدينة وقال الخطابي سميت الحديبية بشجرة حدباء هناك قوله حيث صده أي منعه المشركون من دخول مكة وهو في غزوة الحديبية وكانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف نص على ذلك الزهري وآخرون قوله وعمرة الجعرانة فيها لغتان إحداهما كسر الجيم وسكون العين المهملة وفتح الراء المخففة وبعد الألف نون والثانية كسر العين وتشديد الراء وإلى التخفيف ذهب الأصمعي وصوبه الخطابي وقال في ( تصحيف المحدثين ) إن هذا مما ثقلوه وهو مخفف وحكى القاضي عن ابن المديني قال أهل المدينة يثقلونه وأهل العراق يخففونه وهي

(10/113)


ما بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب قوله إذ قسم أي حين قسم غنيمة وغنيمة منصوب بلا تنوين بلفظ قسم لأنه مضاف في نفس الأمر إلى حنين قوله أراه بضم الهمزة أي أظنه معترض بين المضاف والمضاف إليه وكان الراوي طرأ عليه شك فأدخل لفظ أراه بين المضاف والمضاف إليه وقد رواه مسلم عن هدبة عن همام بغير شك فقال حيث قسم غنائم حنين ويوم حنين كانت غزوة هوازن وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وكانت في سنة ثمان وهي سنة غزوة الفتح وكانت غزوة هوازن بعد الفتح في خامس شوال فإن قلت سأل قتادة عن أنس كم اعتمر النبي فأجاب بقوله أربع وليس في حديثه إلا ذكر ثلاث قلت سقط من هذه الرواية أعني رواية حسان المذكورة ذكر العمرة الرابعة ولهذا روى البخاري بعد رواية أبي الوليد وفيها ذكر الرابعة وهو قوله وعمرة مع حجته على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الصمد عن هشام فظهر بهذا أن التقصير فيه من حسان شيخ البخاري
وقال الكرماني فإن قلت أين الرابعة قلت هي داخلة في الحج لأن رسول الله إما متمتع أو قارن أو مفرد وأفضل الأنواع الإفراد ولا بد فيه من العمرة في تلك السنة ورسول الله لا يترك الأفضل انتهى وقال بعضهم وليس ما ادعى أنه الأفضل متفقا عليه بين العلماء فكيف ينسب فعل ذلك إلى النبي انتهى قلت ما ادعى الكرماني الأفضلية عند الجميع وإنما مراده أن الإفراد أفضل مطلقا بناء على زعمه ومعتقد إمامه فلا يتوجه عليه الإنكار ولكن ترديد الكرماني بقوله إما متمتع أو قارن أو مفرد غير موجه لأنهم وإن كانوا اختلفوا فيه ولكن أكثرهم على أفضلية القران وكيف لا وقد تظاهرت الروايات وتكاثرت عن قوم خصوصا عن أنس بأنه دخل في العمرة والحج جميعا وهو عين القران فكان أفضل الأنواع القران وقد قال ابن حزم ستة عشر من الثقات اتفقوا على أنس على أن لفظ النبي كان إهلالا بحجة وعمرة معا وصرحوا عن أنس أنه سمع ذلك منه وهم بكر بن عبد الله المزني وأبو قلابة وحميد الطويل وأبو قزعة وثابت البناني وحميد بن هلال ويحيى بن أبي إسحاق وقتادة وأبو أسماء والحسن البصري ومصعب بن سليم ومصعب بن عبد الله بن الزبرقان وسالم بن أبي الجعد وأبو قدامة وزيد بن أسلم وعلي بن زيد وقد أخرج الطحاوي عن تسعة منهم وقد شرحنا جميع ذلك في شرحنا ( شرح معاني الآثار ) فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليه ومن جملة من أخرج منهم الطحاوي رواية أبي أسماء عن أنس قال حدثنا أبو أمية قال حدثنا الحسن بن موسى وابن نفيل قالا حدثنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق عن أبي أسماء عن أنس قال خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكني سقت الهدي وقرنت الحج والعمرة وأخرجه النسائي وأحمد أيضا نحو رواية الطحاوي فهذا مصرح بأنه ذكر بلفظ أنه كان قارنا ووافق قوله فعله فدل قطعا أن القران أفضل فكيف يدعي الكرماني وغيره ممن نحى نحوه بأن أفضل الأنواع الإفراد وليس ما وراء عبادان قرية والوقوف على حظ النفس مكابرة
9771 - حدثنا ( أبو الوليد هشام بن عبد الملك ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) قال سألت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه فقال اعتمر النبي حيث ردوه ومن القابل عمرة الحديبية وعمرة في ذي القعدة وعمرة مع حجته
هذا بعينه هو الحديث الأول بالإسناد المذكور وغير أنه روى الأول عن حسان عن همام وروى هذا عن أبي الوليد الطيالسي وفيه ذكر العمر الأربعة بخلاف الأول فإن الرابعة فيه ساقطة كما ذكرنا قوله ومن القابل أي ومن العام القابل وقال ابن التين هذا أراه وهما لأن التي ردوه فيها هي عمرة الحديبية وأما التي من قابل فلم يردوه منها ورد عليه بأن كلا منهما كان من الحديبية
357 - ( حدثنا هدبة قال حدثنا همام وقال اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر

(10/114)


مع حجته عمرته من الحديبية ومن العام المقبل ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وعمرة مع حجته )
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن هدبة بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الباء الموحدة ابن خالد القيسي مر في كتاب الصلاة عن همام بن يحيى قوله وقال اعتمر أي بالإسناد المذكور وهو عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه وأخرجه مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة المذكور فقال حدثنا هداب بن خالد قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة أن أنسا أخبره أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته عمرة من الحديبية وزمن الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته قوله أربع عمر في ذي القعدة يعني كلهن كما في رواية مسلم ثم استثنى من ذلك عمرته التي كانت مع حجته فإنها كانت في ذي الحجة واعترض ابن التين في هذا الإسناد فقال هو كلام زائد لأنه عد العمرة التي مع حجته في الحديث فكيف يستثنيها أولا وأجيب بأنه كان قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته انتهى ( قلت ) لا إشكال فيه ولا هذا الجواب بسديد وإنما الجواب أنه استثناء صحيح لأن الاستثناء بعض مما يتناوله صدر الكلام وصدر الكلام يشعر بأن عمره الأربع كانت في ذي القعدة ثم استثنى منه عمرته التي كانت مع حجته لأنها كانت في ذي الحجة ثم بين الأربع المذكورة بقوله عمرته من الحديبية أي أولها عمرته من الحديبية قوله ومن العام المقبل أي والثانية عمرته من العام المقبل قوله ومن الجعرانة أي والثالثة من الجعرانة وهذه الثلاث كانت في ذي القعدة قوله وعمرته مع حجته أي الرابعة عمرته التي كانت مع حجته وكانت في ذي الحجة -
1871 - حدثنا ( أحمد بن عثمان ) قال حدثنا ( شريح بن مسلمة ) قال حدثنا ( إبراهيم بن يوسف ) عن أبيه عن ( أبي إسحاق ) قال سألت مسروقا وعطاء ومجاهدا فقالوا اعتمر رسول الله في ذي القعدة قبل أن يحج وقال سمعت البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما يقول اعتمر رسول الله في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم تسعة الأول أحمد بن عثمان بن حكيم بن دينار أبو عبد الله الأودي مات في سنة إحدى وستين ومائتين الثاني شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن مسلمة بفتح الميمين واللام الثالث إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي الرابع أبوه يوسف بن إسحاق الخامس أبو إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله السبيعي السادس مسروق ابن الأجدع السابع عطاء بن أبي رباح الثامن مجاهد بن جبير التاسع البراء بن عازب
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السؤال وفيه السماع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن هؤلاء كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدا فإنهما مكيان وفيه رواية الابن عن الأب وروى الترمذي من حديث أبي إسحاق عن البراء أن النبي اعتمر في ذي القعدة وقال هذا حديث حسن صحيح قلت ليس فيه ما يدل على عدد عمره في ذي القعدة هل اعتمر فيه مرة أو مرتين أو ثلاثا وروى أبو يعلى من حديث أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله قبل أن يحج وليس فيه ما يدل على عدد عمره ولا ما يدل على وقت عمرته من أي شهر والصحيح أن عمره الثلاث كانت في ذي القعدة وقيل اعتمر مرتين في شوال وعمرة في ذي القعدة

(10/115)


4 -
( باب عمرة في رمضان )
أي هذا باب في بيان فضل عمرة تفعل في شهر رمضان دل على هذا حديث البابد فلهذا اقتصر على هذا اتلقدر من الترجمة ولم يصرح فيها بشيء وقال بعضهم لم يصرح في الترجمة بفضيلة ولا غيرها ولعله أشار إلى ما روي عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت الحديث أخرجه الدارقطني وقال إسناده حسن وقال صاحب ( الهدي ) إنه غلط لأن النبي لم يعتمر في رمضان ثم قال هذا القائل ويمكن حمله على أن قولها في رمضان متعلق بقولها خرجت ويكون المراد سفر فتح مكة فإنه كان في رمضان انتهى قلت هذا كله تعسف وتصرف بغير وجه بطريق تخمين فمن قال إن البخاري وقف على حديث عائشة المذكور حتى يشير إليه وقوله ويمكن حملة إلى آخره مستبعد جدا لأن ذكر الإمكان هنا غير موجه أصلا لأن قولها في رمضان يتعلق بقولها خرجت قطعا فما الحاجة في ذكر ذلك بالإمكان ولا يساعده أيضا قوله فإنه أي فإن فتح مكة كان في رمضان في اعتذاره عن البخاري في اقتصاره في الترجمة على قوله عمرة في رمضان لأن عمرته في تلك السنة لم تكن في رمضان بل كانت في ذي القعدة فإنه أيضا صرح بقوله واعتمر النبي في تلك السنة من الجعرانة لكن في ذي القعدة
2871 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( ابن جريج ) عن ( عطاء ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يخبرنا يقول قال رسول الله لإمرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجين معنا قالت كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحا ننضح عليه قال فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة أو نحوا مما قال
( الحديث 2871 - طرفه في 3681 )
مطابقته للترجمة في قوله اعتمري فيه أي في رمضان إلى آخره
ورجاله قد ذكروا غير مرة ويحيى هو القطان وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحج عن محمد بن حاتم عن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب وفي الصوم عن عمران بن يزيد
قوله عن عطاء وفي رواية مسلم أخبرني عن عطاء قوله يخبرنا يقول جملتان وقعتا حالا و يقول من الأحوال المترادفة أو المتداخلة قوله فنسيت اسمها القائل هو ابن جريج قال شيخنا زين الدين في ( شرح الترمذي ) وإنما قال ذلك مع أن الذهن لا يتبادر إلا إلى عطاء أنه هو القائل لأن البخاري أخرج هذا الحديث في باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه لما رجع النبي من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج الحديث فعلم من هذا أن المرأة المبهمة في قوله لامرأة من الأنصار هي أم سنان الأنصارية وقد ورد في بعض طرق حديث ابن عباس أنه قال ذلك لأم سليم رواه ابن حبان في صحيحه من رواية يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال جاءت أم سليم إلى النبي فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني فقال رسول الله يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة ويعقوب هذا هو ابن عطاء بن أبي رباح وفي ترجمته روى ابن عدي هذا الحديث في ( الكامل ) وروى قول أحمد فيه ضعف وقول ابن معين ضعيف الحديث وليس بمتروك قوله إن تحجين معنا هكذا هو بالنون في رواية كريمة والأصيلي وفي رواية غيرهما أن تحجي بحذف النون وهذا هو الأصل لأن أن ناصبة فتحذف النون فيه وقيل كثيرا يستعمل بدون النصب كقوله تعالى إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( البقرة 732 ) على قراءة من قرأ بسكون الواو في يعفو وكقوله أن يتم الرضاعة ( البقرة 332 ) بالرفع على قراءة مجاهد قوله ناضح بالنون والضاد المعجمة المكسورة وبالحاء المهملة هو البعير الذي يستقى عليه وقال ابن بطال الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقي عليه لكن المراد هنا البعير

(10/116)


لتصريحه في رواية بكر بن عبد المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا فإن قلت ولو لم يصرح بذلك في الحديث فإن المراد به البعير لأنهم لا يستعملون غالبا في السواقي إلا البعران قوله وابنه أي ابن أبي فلان قوله لزوجها وابنها الضمير فيهما يرجع إلى المرأة المذكورة من الأنصار ورواية مسلم توضح معنى هذا وهي قوله قالت ناضحان كانا لأبي فلان زوجها حج هو وابنه على أحدهما وكان الآخر يسقي نخلا لنا وهو معنى قوله وترك ناضحا ننضح عليه بكسر الضاد وفي رواية لمسلم قالت لم يكن لنا إلا ناضحان فحج أبو ولدها وابنها على ناضح وترك لنا ناضحا ننضح عليه الحديث قوله فإن عمرة في رمضان حجة وارتفاع حجة على أنه خبر ان تقديره كحجة والدليل عليه رواية مسلم وهي قوله فإن عمرة فيه تعدل حجة وفي رواية أخرى لمسلم فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي وكأن البخاري أشار إلى هذا بقوله أو نحوا مما قال أي النبي وقال الكرماني فإن قلت ظاهره يقتضي أن عمرة في رمضان تقوم مقام حجة الإسلام فهل هو كذلك قلت معناه كحجة الإسلام في الثواب والقرينة الإجماع على عدم قيامها مقامها وقال ابن خزيمة إن الشيء يشبه بالشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد ( الإخلاص 1 ) تعدل ثلث القرآن وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد وقيل يحتمل أن يكون المراد أن عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة وقال ابن التين قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة وقد قال بعض المتقدمين بأنه مخصوص بهذه المرأة فروى أحمد بن منيع في ( مسنده ) بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج فذكر الحديث وفيه فقال سعيد بن جبير ولا نعلم لهذه المرأة وحدها ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها فكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة وقد قال هذا رسول الله لي فما أدري إلي خاصة أو للناس عامة انتهى والظاهر حمله على العموم
وروى الترمذي من حديث الأسود بن يزيد عن ابن أم معقل عن أم معقل عن النبي قال عمرة في رمضان تعدل حجة وأخرجه أبو داود من وجه آخر من رواية إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل قال قالت أم معقل كان أبو معقل حاجا مع النبي فلما قدم قالت أم معقل قد علمت أن علي حجة الحديث وفيه عمرة في رمضان تعدل حجة وأخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل فذكره ولم يذكر رسول مروان ورواه ابن ماجه فجعله من مسند أبي معقل ولم يقل عن أم معقل وابن أبي معقل الذي لم يسم في رواية الترمذي اسمه معقل كذا ورد مسمى في كتاب الصحابة لابن منده من طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن معقل ابن أبي معقل عن أم معقل قالت قال رسول الله عمرة في رمضان تعدل حجة ومعقل هذا معدود في الصحابة من أهل المدينة قال محمد بن سعد صحب النبي وروى عنه وهو معقل بن أبي معقل بن نهيك بن أساف بن عدي بن زيد ابن جشم بن حارثة وقيل إن اسم أبي معقل الهيثم وأم معقل لم يدر اسمها وهي أسدية من بني أسد بن خزيمة وقيل أنصارية وقيل أشجعية قال الترمذي بعد أن روى حديث أم معقل وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش ويقال هرم ابن خنبش قلت حديث ابن عباس في البخاري ومسلم وقد مر وحديث جابر أخرجه ابن ماجه عنه أن النبي قال عمرة في رمضان تعدل حجة وحديث أبي هريرة وحديث أنس رواه أبو أحمد بن عدي في ( الكامل ) عنه أنه سمع النبي يقول عمرة في رمضان كحجة معي وفي إسناده مقال وحديث وهب بن خنبش

(10/117)


رواه ابن ماجه من رواية سفيان عن بيان وجابر عن الشعبي عن وهب بن خنبش قال قال رسول الله عمرة في رمضان تعدل حجة
قلت وفي الباب أيضا عن يوسف بن عبد الله بن سلام وأبي طليق وأم طليق فحديث يوسف بن عبد الله أخرجه النسائي عن حديث ابن المنكدر قال سمعت يوسف بن عبد الله بن سلام قال قال النبي لرجل من الأنصار وامرأته اعتمرا في رمضان فإن عمرة فيه كحجة وحديث أبي طليق رواه الطبراني في ( الكبير ) من حديث طلق بن حبيب عن أبي طليق أن امرأته أم طليق قالت يا نبي الله ما يعدل الحج معك قال عمرة في رمضان وحديث أم طليق رواه ابن منده في كتاب ( معرفة الصحابة ) من رواية أبي كريب قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن المختار بن فلفل عن طلق بن حبيب عن أبي طليق أن امرأته وهي أم طليق قالت له وله جمل وناقة أعطني جملك أحج عليه فقال هو حبيس في سبيل الله ثم إنها سألت رسول الله ما يعدل الحج فقال عمرة في رمضان قال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى ويجوز أن يكون هذا الطريق أيضا من حديث أبي طليق لا من حديثها وقد قيل إن أم طليق هي أم معقل لها كنيتان حكاه ابن عبد البر عن بعضهم في ترجمة أم معقل وقال شيخنا وقد رأيت في كلام بعضهم أن أم سنان المذكورة في حديث ابن عباس هي أم معقل هذه قال وفيه نظر قلت يمكن أن يكون وجه النظر ما قاله بعضهم أن أم سنان أنصارية وأم معقل أسدية ولكن قد قيل إنها أنصارية فعلى هذا القول تكون المرأة المذكورة في حديث ابن عباس هي أم عقيل
5 -
( باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها )
أي هذا باب في مشروعية العمرة ليلة الحصبة بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الباء الموحدة وهي الليلة التي تلي ليلة النفر الأخير والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب قوله وغيرها أي وغير ليلة الحصبة وأشار بذلك إلى أن الحاج إذا تم حجه بعد انقضاء أيام التشريق يجوز له أن يعتمر واختلف السلف في العمرة في أيام الحج فروى عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد قال سئل عمر وعلي وعائشة رضي الله تعالى عنهم عن العمرة ليلة الحصبة فقال عمر هي خير من لا شيء وقال علي من مثقال ذرة ونحوه وقالت عائشة العمرة على قدر النفقة انتهى كأنها أشارت بذلك إلى أن الخروج لقصد العمرة من البلد إلى مكة أفضل من الخروج من مكة إلى أدنى الحل وذلك أنه يحتاج إلى نفقة كثيرة في خروجه من بلده إلى مكة لأجل العمرة بخلاف حالة خروجه من مكة إلى الحل وعن عائشة أيضا لأن أصوم ثلاثة أيام أو أتصدق على عشرة مساكين أحب إلي من أن أعتمر بالعمرة التي اعتمرت من التنعيم وقال طاووس فيمن اعتمر بعد الحج لا أدري أيعذبون عليها أم يؤجرون وقال عطاء بن السائب اعتمرنا بعد الحج فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير وأجاز ذلك آخرون وروى ابن عيينة عن الوليد بن هشام قال سألت أم الدرداء عن العمرة بعد الحج فأمرتني بها وسئل عطاء عن عمرة التنعيم قال هي تامة وتجزيه وقال القاسم بن محمد عمرة المحرم تامة وقد روى مثل هذا المعنى قال تمت العمرة السنة كلها إلا يوم عرفة والنحر وأيام التشريق للحاج وغيره وقال أبو حنيفة العمرة جائزة السنة كلها إلا يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق قلت فذهب أصحابنا أن العمرة تجوز في جميع السنة إلا أنها تكره في الأيام المذكورة وقال الشافعي وأحمد لا تكره في وقت ما وعند مالك تكره في أشهر الحج
3871 - حدثنا ( محمد بن سلام ) قال أخبرنا ( أبو معاوية ) قال حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة فقال لنا من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل ومن أحب أن يهل بعمرة فليهل بعمرة فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة قالت فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وكنت ممن أهل

(10/118)


بعمرة فأظلني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي فقال ارفضي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج فلما كان ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمان إلى التنعيم فأهللت بعمرة مكان عمرتي
مطابقته للترجمة في قوله فلما كان ليلة الحصبة إلى آخره وهذا الحديث قد مر غير مرة وذكره في كتاب الحيض في ثلاثة أبواب وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير البصري وهشام هو ابن عروة وأبو عروة ابن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه
قوله موافين أي مكملين ذا القعدة مستقبلين لهلال ذي الحجة قال الجوهري يقال وافى فلان إذا أتى ويقال وفى إذا تم وقد سبق الكلام فيه هناك مستوفى وعند الترجمة أيضا ومن حديث الباب استحب مالك للحاج أن يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق لأنه قد كان وعد عائشة بالعمرة وقال لها كوني في حجك عسى الله أن يرزقكها ولو استحب لها العمرة في أيام التشريق لأمرها بالعمرة فيها وبه قال الشافعي وإنما كرهت العمرة فيها للحاج خاصة لئلا يدخل عملا على عمل لأنه لم يكمل عمل الحج بعد ومن أحرم بالحج فلا يحرم بالعمرة لأنه لا تضاف العمرة إلى الحج عند مالك وطائفة من العلماء وأما من ليس بحاج فلا يمنع من ذلك فإن قلت قد روى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في هذا الباب وكنت ممن أهل بعمرة وروى مثله يحيى القطان عن هشام في الباب بعد هذا وهذا بخلاف ما تقدم عن عائشة أنها أهلت بالحج قلت أحاديث عائشة قد أشكلت على الأئمة قديما فمنهم من جعل الاضطراب فيها من قبلها ومنهم من جعله من قبل الرواة عنها وقد مر الكلام فيه فيما مضى غير مرة
6 -
( باب عمرة التنعيم )
أي هذا باب في بيان العمرة من التنعيم هل يتعين لمن كان بمكة أم لا وإذا لم يتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أو لا وتفسير التنعيم مر غير مرة
4871 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) سمع ( عمرو بن أوس ) أن عبد الرحمان بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قال أخبره أن النبي أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم قال سفيان مرة سمعت عمرا كم سمعته من عمرو
( الحديث 4871 - طرفه في 5892 )
مطابقته للترجمة في قوله ويعمرها من التنعيم وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وعمرو بن أوس بفتح الهمزة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة الثقفي المكي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد ابن عبد الله بن نمير وأخرجه الترمذي رضي الله تعالى عنه فيه عن يحيى بن موسى ومحمد بن يحيى بن أبي عمرو وأخرجه النسائي فيه عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد وأخرجه ابن ماجه رحمه الله تعالى فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد
ذكر معناه قوله أن يردف أي بأن يردف وأن مصدرية أي بالإرداف ومعناه أمره أن يركب عائشة أخته وراءه على ناقته قوله ويعمرها بضم الياء من الإعمار أي وأن يعمرها وقال بعضهم ويعمرها من التنعيم معطوف على قوله أمره أن يردف وهذا يدل على أن إعمارها من التنعيم كان بأمر النبي قلت هذا كلام عجيب لأن كون عطف يعمرها على قوله يردف لا يشك فيه أحد ولا نزاع فيه وقوله وهذا يدل على أن إعمارها من التنعيم كأن بأمر النبي أعجب من ذاك لأن قوله ويعمرها داخل في حكم أن يردف بأمر رسول الله فيكون قوله يعمرها أيضا بأمر رسول الله وهذا صريح ولم يكتف هذا القائل بهذا حتى قال وأصرح منه

(10/119)


ما أخرجه أبو اود من طريق حفصة بنت ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) عن أبيها أن رسول الله قال يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم الحديث قوله سمعت عمرا إنما قال هذا لأن فيه ثبوت السماع صريحا بخلاف الذي في السند المذكور لأنه معنعن حيث قال سفيان عن عمرو مع أن جميع معنعنات البخاري محمولة على السماع ووقع عند الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وقال سفيان هذا مما يعجب شعبة يعني التصريح بالإخبار في جميع الإسناد
ذكر ما يستفاد منه فيه أن المعتمر المكي لا بد له من الخروج إلى الحل ثم يحرم منه وإنما عين التنعيم هنا دون المواضع التي خارج الحرم لأن التنعيم أقرب إلى الحل من غيرها وفي ( التوضيح ) ويجزىء أقل الحل وهو التنعيم وأفضله عندنا الجعرانة ثم الحديبية وقال الطحاوي وذهب قوم إلى أن العمرة لمن كان بمكة لا وقت لها غير التنعيم وجعلوا التنعيم خاصة وقتا لعمرة أهل مكة وقالوا لا ينبغي لهم أن يجاوزوه كما لا ينبغي لغيرهم أن يجاوزوا ميقاتا وقته لهم رسول الله وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الوقت لأهل مكة الذي يحرمون منه بالعمرة الحل فمن أي الحل أحرموا أجزاهم ذلك والتنعيم وغيره عندهم في ذلك سواء واحتجوا بأنه قد يجوز أن يكون قصد إلى التنعيم في ذلك لقربه لا أن غيره لا يجزىء وقد روي من حديث عائشة أنه قال لعبد الرحمن إحمل أختك فأخرجها من الحرم قالت والله ما ذكر الجعرانة ولا التنعيم فكان أدنى ما في الحرم التنعيم فأهللت بعمرة فأخبرت أنه لم يقصد إلا الحل لا موضعا معينا وقصد التنعيم لقربه فثبت أن وقت أهل مكة لعمرتهم هو الحل وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومن ذلك ما استدل به على أن أفضل جهات الحل التنعيم ورد بأن إحرام عائشة رضي الله تعالى عنها من التنعيم إنما وقع لكونه أقرب جهات الحل إلى الحرم كما ذكرنا لا أنه الأفضل ومن ذلك جواز الخلوة بالمحارم سفرا أو حضرا وإرداف المحرم لمحرمه معه فافهم
5871 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الوهاب بن عبد المجيد ) عن ( حبيب المعلم ) عن ( عطاء ) قال حدثني ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي أهل وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي وطلحة وكان علي قدم من اليمن ومعه الهدي فقال أهللت بما أهل به رسول الله وأن النبي أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا بالبيت ثم يقصروا ويحلوا إلا من معه الهدي فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر فبلغ النبي فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت وأن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت قال فلما طهرت وطافت قالت يا رسول الله أتنطلقون بعمرة وحجة وأنطلق بالحج فأمر عبد الرحمان بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة وأن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي وهو بالعقبة وهو يرميها فقال ألكم هاذه خاصة يا رسول الله قال لا بل للأبد
مطابقته للترجمة في قوله فأمر عبد الله بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ورجاله قد ذكروا غير مرة وعطاء هو ابن أبي رباح المكي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التمني عن الحسن بن عمر هو ابن شقيق عن يزيد بن زريع عن عطاء وأخرجه أبو داود في الحج أيضا عن أحمد بن حنبل عن عبد الوهاب الثقفي به
قوله وطلحة هو ابن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي المدني أبو محمد أحد المشهود لهم بالجنة وهو عطف على النبي أي وغير طلحة والحاصل أنه لم يكن هدي إلا مع النبي ومع طلحة فقط فإن قلت ما تقول فيما رواه أحمد ومسلم وغيرهما

(10/120)


من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة إن الهدي كان مع النبي وأبي بكر وعمر وذوي اليسار وروى البخاري أيضا على ما سيأتي من طريق أفلح عن القاسم بلفظ ورجال من أصحابه ذوي قوة الحديث وهذا يخالف ما رواه جابر رضي الله تعالى عنه قلت التوفيق بينهما بأن يحمل على أن كلا منهما قد ذكر ما شاهده واطلع عليه وقد روى مسلم أيضا من طريق مسلم القري بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل وهذا يشهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك ويشهد أيضا لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها وذوي اليسار وروى مسلم أيضا من حديث أسماء بنت أبي بكر أن الزبير كان ممن كان معه هدي قوله وكان على قدم من اليمن وفي رواية ابن جريج عن عطاء عند مسلم من سعايته قوله ومعه الهدي جملة وقعت حالا قوله أهللت بما أهل به رسول الله ت ويروى بما أهل به النبي وفي رواية ابن جريج عن عطاء عن جابر وعن ابن جريج عن طاووس عن ابن عباس في هذا الحديث عند البخاري في الشركة فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله وقال الآخر لبيك بحجة رسول الله فأمره أن يقيم على إحرامه وإشراكه في الهدي وقد مضى بيان ذلك في باب من أهل في زمن النبي بإهلال النبي قوله وأن النبي أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة زاد ابن جريج عن عطاء فيه وأصيبوا النساء قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم يعني إتيان النساء لأن من لازم الإحلال إباحة إتيان النساء وقد مضى البحث فيه في آخر باب التمتع والقران قوله أن يجعلوها الضمير فيه يرجع إلى الحج في قوله أهل وأصحابه بالحج إلا أنه أنثه باعتبار الحجة قوله يطوفوا بالبيت قوله ثم يقصروا عطف على يطوفوا وقوله ويحلوا عطف على ما قبله إلا من كان معه الهدي فلا يحل وفي رواية مسلم قال عطاء قال جابر فقدم النبي صبح رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا أن نحل قال عطاء قال حلوا وأصيبوا النساء قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا بالمني قال يقول جابر بيده كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها قال فقام النبي فينا فقال قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا فحللنا وسمعنا وأطعنا الحديث قوله فقالوا أي أصحابه قوله وذكر أحدنا يقطر جملة حالية أي يقطر بالمني إنما قالوا ذلك لأنه شق عليهم أن يحلوا ورسول الله محرم ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ويتركوا الاقتداء به وقال الطيبي ولعلهم إنما شق عليهم لإفضائهم إلى النساء قبل انقضاء المناسك قوله فبلغ النبي أي بلغه ما قالوا من القول المذكور قوله فقال أي النبي قال تطييبا لقلوبهم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت أي لو علمت في الأول ما علمت في الآخر ما سقت الهدي وأحللت وتمتعت والمقدمة الأولى للتمني عما فات والثانية لحكم الحال وقال ابن الأثير أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخرا لأمرتكم به في أول أمري قوله وأن عائشة حاضت عطف على أن المذكورة في أول الحديث وكان حيضها بسرف قبل دخولهم مكة وفي رواية مسلم عن أبي الزبير عن جابر أن دخول النبي عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية وروى مسلم أيضا من طريق مجاهد عن عائشة أن طهرها كان بعرفة وفي رواية القاسم عنها وطهرت صبيحة ليلة عرفة حين قدمنا منى وله من طريق آخر فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطرهت ثم طفنا بالبيت الحديث واتفقت الروايات كلها على أنها طافت طواف الإفاضة يوم النحر قوله وأن سراقة عطف على أن التي قبله وسراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء وبالقاف ابن مالك بن جعشم بضم الجيم والشين المعجمة وسكون العين بينهما الكناني المدلجي مر في باب من أهل في زمن النبي

(10/121)


قوله وهو بالعقبة جملة حالية أي والنبي كان بعقبة منى قوله وهو يرميها جملة حالية أيضا أي والنبي يرمي جمرة العقبة قوله فقال أي سراقة قوله ألكم هذه أي هذه الفعلة وهي جعل الحج عمرة أو العمرة في أشهر الحج والألف في ألكم للاستفهام على سبيل الاستخبار أراد أن هذه الفعلة مخصوصة بكم في هذه السنة أو لكم ولغيركم أبدا فأجاب النبي بقوله للأبد وفي رواية يزيد بن زريع لنا هذه خاصة وفي رواية جعفر عند مسلم فقام سراقة فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد الأبد
وقال النووي اختلف العلماء في معناه على أقوال أصحها وبه قال جمهورهم معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج الثاني معناه جواز القران وتقدير الكلام دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة والثالث تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة قالوا معناه سقوط العمرة ومعنى دخولها في الحج سقوط وجوبها وهذا ضعيف أو باطل وسياق الحديث يقتضي بطلانه والرابع تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة وهذا أيضا ضعيف ورد هذا بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ وفيه نظر
وقال النووي أيضا اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج ومما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر الذي رواه مسلم كانت في الحج لأصحاب محمد خاصة يعني فسخ الحج إلى العمرة وروى النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لنا خاصة وأما الذي في حديث سراقة ألعامنا هذا أم للأبد فقال لا بل للأبد فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران كما ذكرناه
ومن فوائد الحديث المذكور جواز التمتع وتعليق الإحرام بإحرام الغير وجواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين والمصالح وأما الحديث في أن لو تفتح عمل الشيطان فمحمول على التأسف في حظوظ الدنيا
7 -
( باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي )
أي هذا باب في بيان مشروعية الاعتمار في أشهر الحج بعد الفراغ من الحج بغير هدي يلزمه
6871 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرني أبي قال ( أخبرتني عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة فقال رسول الله من أحب أن يهل بعمرة فليهل ومن أحب أن يهل بحجة فليهل ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة فمنهم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بحجة وكنت ممن أهل بعمرة فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى رسول الله فقال دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمان إلى التنعيم فأردفها فأهلت بعمرة مكان عمرتها فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذالك هدي ولا صدقة ولا صوم

(10/122)


مطابقته للترجمة في قوله فأهلت بعمرة إلى آخر الحديث
وهذا الحديث قد أخرجه في مواضع خصوصا بعين هذا المتن في كتاب الحيض في باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة وأخرجه أيضا في الباب الذي قبله وهو باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وفي باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وأخرجه أيضا في كتاب الحج في باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت عن أبي النعمان عن أبي عوانة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وأخرجه أيضا في باب العمرة ليلة الحصبة عن محمد بن سلام عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة وأخرجه أيضا في باب عمرة القضاء عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن حبيب المعلم عن عطاء عن جابر وفيه قصة عائشة وأخرجه عن محمد بن المثنى عن يحيى القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة وقد مر الكلام في هذه الطرق كلها مستوفى ولنذكر بعض شيء من ذلك
قوله موافين لهلال ذي الحجة أي قرب طلوعه وقد مضى أنها قالت خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة قوله لأهللت بعمرة وفي رواية السرخسي لأحللت بالحاء المهملة أي بحج قوله فأردفها فيه التفات لأن الأصل أن يقال فاردفني قوله مكان عمرتها يعني مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة عن الحج قوله فقضى الله حجتها وعمرتها إلى آخره قيل الظاهر أن ذلك من قول عائشة لكن صرح في كتاب الحيض في باب نقض المرأة شعرها في آخر هذا الحديث قال هشام ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة وقال ابن بطال قوله فقضى الله حجها إلى آخره ليس من قول عائشة وإنما هو من كلام هشام بن عروة حدث به هكذا في العراق وقال صاحب ( التوضيح ) ولم يذكر ذلك أحد غيره ولا يقوله الفقهاء واستدل بعضهم بهذا أن عائشة لم تكن قارنة إذ لو كانت قارنة لوجب عليها الهدي للقران وأجيب بأن هذا الكلام مدرج من قول هشام كأنه نفى ذلك بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر وقال ابن خزيمة معنى قوله لم يكن في شيء من ذلك هدي أي في تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها لها في الحج ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضا انتهى قلت لأن عمرتها بعد انقضاء الحج ولا خلاف بين العلماء أن من اعتمر بعد انقضاء الحج وخروج أيام التشريق أنه لا هدي عليه في عمرته لأنه ليس بمتمتع وإنما المتمتع من اعتمر في أشهر الحج وطاف للعمرة قبل الوقوف وأما من اعتمر بعد يوم النحر فقد وقعت عمرته في غير أشهر الحج فلذلك ارتفع حكم الهدي عنها فإن قلت الصحيح من قول مالك أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ومع هذا لم يكن عليها هدي في حجها قلت لأنها كانت مفردة على ما روي عنها القاسم وعروة ولم يأخذ بذلك مالك بل كانت عنده قارنة ولزمها لذلك هدي القران ولم يأخذ أبو حنيفة أيضا بذلك لأنها كانت عنده رافضة لعمرتها والرافضة عنده عليها دم للرفض وعليها عمر والله المتعال أعلم بحقيقة الحال
8 -
( باب أجر العمرة على قدر النصب )
أي هذا باب في بيان أن أجر العمرة على قدر النصب بفتح النون والصاد المهملة أي التعب
7871 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( ابن عون ) عن ( القاسم بن محمد ) وعن ( ابن عون ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) قالا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك فقيل لها انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي ثم ائتينا بمكان كذا وكذا ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك

(10/123)


مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأخرجه من طريقين أحدهما عن مسدد عن يزيد بن زريع العبسي البصري عن عبد الله بن عون بن أرطبان البصري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة والآخر عن مسدد عن يزيد ابن زريع عن عبد الله بن عون عن إبراهيم النخعي عن الأسود النخعي عن عائشة وأخرجه مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن أم المؤمنين وعن القاسم عن أم المؤمنين قالت قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد قال انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم ألقينا عند كذا وكذا قال أظنه قال غدا ولكنها على قدر نصبك أو نفقتك وحدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن القاسم وإبراهيم قال لا أعرف حديث أحدهما من الآخر إن أم المؤمنين قالت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين فذكر الحديث وأخرجه النسائي في الحج أيضا عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن علية عنه بالإسنادين جميعا عن أم المؤمنين وقال لا أحفظ حديث هذا من حديث هذا وعن الحسن بن محمد الزعفراني عن حسين بن حسن عن ابن عون عن القاسم وإبراهيم كلاهما عن أم المؤمنين ولم يذكر الأسود
قوله قالا أي القاسم والأسود قوله يصدر الناس أي يرجع الناس من الصدور وهو الرجوع وفعله من باب نصر ينصر قوله بنسكين أي بحجة وعمرة قوله وأصدر بنسك أي وأرجع أنا بحجة قوله فقيل لها أي لعائشة ويروى فقال لها النبي قوله فإذا طهرت بضم الهاء وفتحها قوله ثم ائتينا بصيغة المؤنث من الإتيان وفي رواية مسلم ثم ألقينا كما مر قوله بمكان كذا وكذا وأراد به الأبطح وفي رواية الإسماعيلي بحبل كذا بالحاء والباء الموحدة ورواية غيره بالجيم قوله ولكنها أي ولكن عمرتك على قدر نفقتك أو نصبك أي أو على قدر نصبك أي تعبك وكلمة أو إما للتنويع في كلام الرسول أو شك من الراوي وقد روى فيه ما يدل على كل واحد من النوعين فيدل على أنها للشك ما رواه الإسماعيلي أيضا من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل على قدر نصبك أو على قدر تعبك وفي رواية له من طريق حسين بن حسن على قدر نفقتك أو نصبك أو كما قال رسول الله ويدل على أنها للتنويع ما رواه الدارقطني والحاكم من طريق هشيم عن ابن عون بلفظ إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك بواو العطف ثم معنى هذا الكلام أن الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة
وقال ابن عبد السلام هذا ليس بمطرد فقد تكون بعض العبادة أخف من بعض وهي أكثر فضلا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليالي من رمضان غيرها وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع انتهى قلت هذا الذي ذكره لا يمنع الإطراد لأن الكثرة الحاصلة في الأشياء المذكورة ليست من ذاتها وإنما هي بحسب ما يعرض لها من الأمور المذكورة فافهم فإنه دقيق وقال النووي المراد بالنصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة وفي ( التوضيح ) أفعال البر كلها على قدر المشقة والنفقة ولهذا استحب الشافعي ومالك الحج راكبا ومصداق ذلك في كتاب الله عز و جل في قوله تعالى الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ( التوبة 02 ) وفي هذا فضل الغنى وإنفاق المال في الطاعات ولما في قمع النفس عن شهواتها من المشقة على النفس ووعد الله عز و جل الصابرين فقال إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر 01 ) وبظاهر الحديث المذكور استدل على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرا من الاعتمار من جهته البعيدة وقال الشافعي في ( الإملاء ) أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة لأن النبي أحرم منها ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة منها انتهى قلت اعتماره من الجعرانة لم يكن بالقصد منها وإنما كان حين رجع من الطائف مجتازا إلى المدينة وأذنه لعائشة من التنيعم لكونها أقرب وأسهل عليها من غيرها

(10/124)


9 -
( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع )
أي هذا باب في باين حكم المعتمر إذا طاف إلى آخره وجواب هل محذوف تقديره يجزيه ويغني طواف العمرة عن طواف الوداع وقال بعضهم كأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يثبت الحكم في الترجمة انتهى قلت الحديث يدل على أن طواف العمرة يغني عن طواف الوداع وإن لم يدل على ذلك صريحا إذ لو كان لا بد من طواف الوداع لذكره النبي في الحديث ولم يذكر إلا طواف العمرة
8871 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( أفلح بن حميد ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مهلين بالحج في أشهر الحج وفي حرم الحج فنزلنا بسرف فقال النبي لأصحابه من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا وكان مع النبي ورجال من أصحابه ذوي قوة الهدي فلم تكن لهم عمرة فدخل علي النبي وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت سمعتك تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضرك أنت من بنات آدم كتب عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك عسى الله أن يرزقكها قالت فكنت حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب فدعا عبد الرحمان فقال اخرج بأختك إلى الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما أنتظر كما ههنا فأتينا في جوف الليل فقال فرغتما قلت نعم فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح ثم خرج متوجها إلى المدينة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلتهل بعمرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمد بن بشار عن أبي بكر الحنفي وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن محمد بن عبد الله ابن نمير عن إسحاق بن سليمان وأخرجه النسائي فيه عن هناد بن السري وغالب ما فيه من الأحكام قد ذكر فيما مضى مفرقا
قوله وفي حرم الحج بضم الحاء والراء وهي الحالات والأماكن والأوقات التي للحج وروي بفتح الراء جمع حرمة أي محرمات الحج قوله بسرف أي في سرف وقد فسرناه غير مرة وهو مكان بقرب مكة وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت سرف بحذف الباء وكذا في رواية مسلم من طريق إسحاق بن عيسى بن الطباع عن أفلح قوله فقال النبي لأصحابه من لم يكن معه هدي ظاهره أنه أمر لأصحابه بفسخ الحج إلى العمرة فإن قلت قوله هذا كان بسرف وفي غير هذه الرواية أن قوله لهم ذلك كان بعد دخوله مكة قلت يحتمل التعدد قوله ورجال بالجر عطف على النبي قوله ذوي قوة صفة لقوله أصحابه قوله الهدي مرفوع لأنه اسم كان قوله وأنا أبكي جملة حالية قوله فمنعت على صيغة المجهول قوله العمرة منصوب على نزع الخافض أي من العمرة قوله لا أصلي كناية عن الحيض وهي من ألطف الكنايات قوله كتب عليك على صيغة المجهول وهذه رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر كتب الله عليك وكذا في رواية مسلم قوله فكوني في حجتك وفي رواية أبي ذر في حجك وكذا في رواية مسلم قوله فعسى الله ويروى عسى الله بدون الفاء قوله فنزلنا المحصب وهو الأبطح وفيه اختصار أظهرته رواية مسلم بلفظ حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفت بالبيت فنزل رسول الله المحصب قوله فدعا عبد الرحمن هو ابن أبي بكر أخو عائشة رضي

(10/125)


الله تعالى عنهم وفي رواية مسلم عبد الرحمن بن أبي بكر قوله اخرج بأختك إلى الحرم وفي رواية الكشميهني من الحرم وكذا في رواية مسلم قوله فأتينا في جوف الليل ويروى فجئنا من جوف الليل وفي رواية الإسماعيلي من آخر الليل قوله ومن طاف بالبيت هذا من عطف الخاص على العام لأن الناس أعم من الطائفين قيل يحتمل أن يكون من طاف صفة الناس وتوسط العاطف بينهما وهذا جائز ونقل عن سيبويه أنه أجاز مررت بزيد وصاحبك إذا أريد بالصاحب زيد المذكور فوقع الواو بين الصفة والموصوف وقيل الظاهر أن فيه تحريفا والصواب فارتحل الناس ثم طاف بالبيت أي النبي قبل صلاة الصبح وكذا وقع في رواية أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح بلفظ فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حتى خرج ثم انصرف متوجها إلى المدينة وفي رواية مسلم فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة وقد أخرجه البخاري من هذا الوجه فيباب الحج أشهر معلومات ( البقرة 791 ) بلفظ فارتحل الناس متوجها إلى المدينة قوله متوجها من التوجه من باب التفعل هذه رواية ابن عساكر وفي رواية غيره موجها بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم من التوجيه وهو الاستقبال تلقاء وجه فافهم والله تعالى أعلم
01 -
( باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج )
أي هذا باب يذكر فيه أنه يفعل في العمرة من التروك ما يفعل في الحج أو ما يفعل في العمرة بعض ما يفعل في الحج لا كلها ويفعل في الموضعين يجوز أن يكون على صيغة المعلوم وأن يكون على صيغة المجهول وهذا بكلمة في العمرة وفي الحج رواية المستميلي والكشميهني وفي رواية غيرهما يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج
9871 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثنا ( عطاء ) قال حدثني ( صفوان بن يعلى ابن أمية ) يعني عن أبيه أن رجلا أتى النبي وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق أو قال صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل الله على النبي فستر بثوب ووددت أني قد رأيت النبي وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر تعال أيسرك أن تنظر إلى النبي وقد أنزل الله عليه الوحي قلت نعم فرفع طرف الثوب فنظرت إليه له غطيط وأحسبه قال كغطيط البكر فلما سري عنه قال أين السائل عن العمرة اخلع عنك الجبة واغسل أثر الخلوق عنك وأنق الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك
مطابقته للترجمة في قوله واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك وهذا الحديث قد مر في أوائل الحج في باب غسل الخلوق فإنه أخرجه هناك عن أبي عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن صفوان بن يعلى إلى آخره وأخرجه ههنا عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن همام بن يحيى البصري عن عطاء بن أبي رباح إلى آخره
قوله الخلوق بفتح الخاء المعجمة وتخفيف اللام المضمومة وبالقاف ضرب من الطيب قوله صفرة بالجر عطف على المضاف إليه أو المضاف قوله فأنزل الله على النبي وهو قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 ) على ما روى الطبراني في ( الأوسط ) أن المنزل حينئذ قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة 691 ) وجه الدلالة على ذلك هو أن الله تعالى أمر بالإتمام وهو يتناول الهيئات والصفات قوله أيسرك بهمزة الاستفهام وضم السين قوله وقد أنزل الله في موضع الحال قوله له غطيط بفتح الغين المعجمة وهو النخير والصوت الذي فيه البحوحة قوله وأحسبه أي وأظنه قوله البكر بفتح الباء الموحدة وهو الفتي من الإبل والبكرة الفتاة والقلوص بمنزلة الجارية والبعير كالأنسان والناقة كالمرأة قوله فلما سري بكسر الراء المشددة والمخففة أي كشف وانسرى

(10/126)


أي انكشف قوله وأنق أمر من الأنقاء وهو التطهير وفي رواية المستملي واتق من الاتقاء بالتاء المثناة المشددة وهو الحذر ويروى ألق من الإلقاء وهو الرمي قوله واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك أي كصنعك في حجك من اجتناب المحرمات ومن أعمال الحج إلا الوقوف فلا وقوف فيها ولا رمي وأركانها أربعة الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير
0971 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه أنه قال قلت ل ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فلا أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما فقالت عائشة كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما
مطابقته للترجمة في أنه يصنع في حجه من السعي بين الصفا والمروة وقد مر هذا الحديث في باب وجوب الصفا والمروة بأطول منه فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عروة إلى آخره وقد مرت مباحثه هناك مستوفاة قوله وأنا يومئذ حديث السن يريد لم يكن له بعد فقه ولا علم من سنن رسول الله مما يتأول به نص الكتاب والسنة قوله كلا هي كلمة ردع أي ليس الأمر كذلك قوله كما تقول أي عدم وجوب السعي قوله مناة بفتح الميم وتخفيف النون اسم صنم قوله حذو قديد أي محاذيه و قديد بضم القاف موضع بين مكة والمدينة قوله يتحرجون يعني يحترزون من الإثم الذي في الطواف باعتقادهم أو يحترزونه لأجل الطواف أو معناه يتكلفون الحرج في الطواف ويرونه فيه
زاد سفيان وأبو معاوية عن هشام ما أتم الله حج امرىء ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة
أي زاد سفيان بن عيينة وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ما أتم الله حج امرىء إلى آخره أما رواية سفيان فوصلها الطبري من طريق وكيع عنه عن هشام فذكر الوقوف فقط وأما رواية أبي معاوية فوصلها مسلم فقال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال قلت لها إني لأظن رجلا لم يطف بين الصفا والمروة ما ضره قالت لم قلت لأن الله تعالى يقول إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ( البقرة 891 ) إلى آخر الآية قالت ما أتم الله حج امرىء ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة الحديث بطوله
11 -
( باب متى يحل المعتمر )
أي هذا باب يذكر فيه متى يخرج المعتمر من إحرامه وقد أبهم الحكم لأن في حل المعتمر من عمرته خلافا فمذهب ابن عباس أنه يحل بالطواف وإليه ذهب إسحاق بن راهويه وعند البعض إذ دخل المعتمر الحرم حل وإن لم يطف ولم

(10/127)


يسع وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعي في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج وهذا مذهب شاذ وقال ابن بطال لا أعلم خلافا بين أئمة الفتوى أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى
وقال عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه أمر النبي أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا
مطابقته للترجمة من حيث إنه فهم من قوله إن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويقصر فإن قلت لم يذكر السعي هنا قلت مراده من قوله ويطوفوا أي بالبيت وبين الصفا والمروة لأن جابر أجزم بأن المعتمر لا يحل له أن يخرج امرأته حتى يطوف بين الصفا والمروة فعلم من هذا أن المراد من الطواف في قوله ويطوفوا أعم من الطواف بالبيت ومن الطواف بين الصفا والمروة وهذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري في باب عمرة التنعيم
1971 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) عن ( جرير ) عن ( إسماعيل ) عن ( عبد الله بن أبي أوفى ) قال اعتمر رسول الله واعتمرنا معه فلما دخل مكة وطفنا معه وأتى الصفا والمروة وأتيناها معه وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد فقال له صاحب لي أكان دخل الكعبة قال لا قال فحدثنا ما قال لخديحة قال بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب
( الحديث 2971 - طرفه في 9183 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله أربعة الأول إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الثاني جرير بن عبد الحميد الثالث إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير مات سنة أربع أو خمس أو ست وأربعين ومائة الرابع عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة مات سنة ست وثمانين وهو أحد من روى عنه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ولا يلتفت إلى قول المنكر المتعصب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج عن مسدد وفي المغازي عن محمد بن عبد الله ابن نمير وعن علي بن عبد الله عن سفيان وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد وعن تميم بن المنتصر وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وعن إبراهيم بن يعقوب وأخرجه ابن ماجه فيه عن ابن نمير
ذكر معناه قوله عن جرير وقال ابن راهويه في ( مسنده ) أخبرنا جرير قوله اعتمر رسول الله أي عمرة القضاء قوله وأتيناها ويروى وأتيناهما أي الصفا والمروة وهذا هو الأصل ووجه إفراد الضمير على تقدير أتينا بقعة الصفا والمروة قوله وأتى الصفا والمروة أي سعى بينهما قوله أن يرميه أحد أي مخافة أن يرميه أحد من المشركين قوله قال له صاحب لي أي قال إسماعيل المذكور لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قوله أكان أي أكان النبي دخل الكعبة قال لا أي لم يدخل الكعبة في تلك العمرة وليس المراد نفي دخوله مطلقا لأنه ثبت دخوله في غير هذا الحالة قوله فحدثنا بلفظ الأمر قوله لخديجة هي بنت خويلد زوج النبي قوله ببيت قال الخطابي أي بقصر قوله من الجنة ويروى في الجنة بكلمة في قوله لا صخب بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة والباء الموحدة وهو الصياح والنصب بالنون التعب ومعنى نفي الصخب والنصب أنه ما من بيت في الدنيا يجتمع فيه أهله إلا كان بينهم صخب وجلبة وإلا كان في بنائه وإصلاحه نصب وتعب فأخبر أن قصور أهل الجنة بخلاف ذلك ليس فيها شيء من الآفات التي تعتري أهل الدنيا
وفيه من الفوائد أن العمرة لا بد فيها من الطواف والسعي بين الصفا والمروة وفيه بيان فضيلة خديجة رضي الله تعالى عنها
369 - ( حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سألنا ابن عمر رضي الله عنهما عن رجل طاف بالبيت في عمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته فقال قدم النبي

(10/128)


فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة سبعا وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال وسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال لا يقربنها حتى يطوف بين الصفا والمروة )
مطابقته للترجمة من حيث أن المعتمر لا يحل حتى يطوف بين الصفا والمروة سبعا بعدما طاف بالبيت سبعا كما يخبر به حديث ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم والحديث مر في كتاب الصلاة في باب قول الله عز و جل واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد وبعين هذا المتن من غير زيادة وهذا نادر جدا والحميدي بضم الحاء وفتح الميم هو عبد الله بن الزبير نسبة إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك قوله في عمرة وفي رواية أبي ذر في عمرته قوله أيأتي امرأته الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار أي يجامعها قوله لا يقربنها أي لا يباشرنها بينهما وهو بنون التأكيد والمراد نهي المباشرة بالجماع ومقدماته لا مجرد القرب منها قوله فطاف بين الصفا والمروة أي سعى بينهما وإطلاق الطواف على السعي إنما هو للمشاكلة ويجوز أن يكون لكونه نوعا من الطواف قوله إسوة بكسر الهمزة وضمها قوله قال وسألنا جابرا القائل هو عمرو بن دينار وفيه وجوب السعي بين الصفا والمروة وصلاة ركعتين بعد الطواف خلق المقام
5971 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قيس بن مسلم ) عن ( طارق بن شهاب ) عن ( أبي موسى الأشعري ) رضي الله تعالى عنه قال قدمت على النبي بالبطحاء وهو منيخ فقال أحججت قلت نعم قال بما أهللت قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي قال أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قيس ففلت رأسي ثم أهللت بالحج فكنت أفتي به حتى كان في خلافة عمر فقال إن أخذنا بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام وإن أخذنا بقول النبي فإنه لم يحل حتى يبلغ الهدي محله
مطابقته للترجمة في قوله طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل فإنه يخبر أن المعتمر يحل بعد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحديث مضى في باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى وهنا أخرجه عن محمد بن بشار عن غندر وهو محمد بن جعفر البصري إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
قوله منيخ أي راحلته وهو كناية عن النزول بها قوله أحججت الهمزة فيه للاستفهام أي هل أحرمت بالحج أو نويت الحج قوله ففلت رأسي أي ففتشت رأسي واستخرجت منه القمل وهو على وزن رمت وأصله فليت قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصار فلت على وزن فعت لأن المحذوف منه لام الفعل وذلك كما فعل في رمت ونحوه من معتل اللام قوله يأمرنا بالتمام وفي رواية الكشميهني يأمر قوله حتى يبلغ وفي رواية الكشميهني حتى بلغ بلفظ الماضي
واحتج الطبري بهذا الحديث على أن من زعم أن المعتمر يحل من عمرته إذا أكمل عمرته ثم جامع قبل أن يحلق أنه مفسد لعمرته فقال ألا ترى قوله لأبي موسى طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحل ولم يقل طف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصر من شعرك أو إحلق ثم أحل فتبين بذلك أن الحلق والتقصير ليسا من النسك وإنما هما من معاني الإحلال كما أن لبس الثياب والطيب بعد طواف المعتمر بالبيت وسعيه من معاني إحلاله فتبين فساد قول من زعم

(10/129)


أن المعتمر إذا جامع قبل الحلق بعد طوافه وسعيه أنه مفسد عمرته وهو قول الشافعي وقال ابن المنذر ولا أحفظ ذلك عن غيره وقال مالك والثوري والكوفيون عليه الهدي وقال عطاء يستغفر الله ولا شيء عليه وقال الطبري وفي حديث أبي موسى بيان فساد من قال إن المعتمر إن خرج من الحرم قبل أن يقصر أن عليه دما وإن كان طاف وسعى قبل خروجه منه وفيه أيضا أنه إنما أذن لأبي موسى بالإحلال من عمرته بعد الطواف والسعي فبان بذلك أن من حل منها قبل ذلك فقد أخطأ وخالف السنة واتضح به فساد قول من زعم أن المعتمر إذا دخل الحرم فقد حل وله أن يلبس ويتطيب ويعمل ما يعمله الحلال وهو قول ابن عمر وابن المسيب وعروة والحسن واختلف العلماء إذا وطىء المعتمر بعد طوافه وقبل سعيه فقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور عليه الهدي وعمرة أخرى مكانها ويتم عمرته التي أفسدها قال صاحب ( التوضيح ) ووافقهم أبو حنيفة إذا جامع بعد أربعة أشواط بالبيت أنه يقضي ما بقي من عمرته وعليه دم ولا شيء عليه وهذا الحكم لا دليل عليه إلا الدعوى قلت
6971 - حدثنا ( أحمد بن عيسى ) قال حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرنا ( عمرو ) عن ( أبي الأسود ) أن ( عبد الله ) مولى ( أسماء بنت أبي بكر ) قال حدثه أنه كان ( يسمع أسماء ) تقول كلما مرت بالحجون صلى الله على محمد لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج
مطابقته للترجمة في قوله فلما مسحنا البيت أحللنا لأن معناه لما طفنا بالبيت أحللنا أي صرنا حلالا والطواف ملزوم للمسح عرفا فإن قلت المعتمر إنما يحل بعد الطواف وبعد السعي بين الصفا والمروة والحلق أيضا فكيف يكون هذا قلت حذف ذلك منه للعلم به كما يقال لما زنى فلان رجم والتقدير لما أحصن وزني رجم
ذكر رجاله وهم ستة الأول أحمد بن عيسى كذا وقع في رواية كريمة أحمد بن عيسى منسوبا وهو أحمد بن عيسى بن حسان أبو عبد الله التستري مصري الأصل كان يتجر إلى تستر مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين وقال ابن قانع مات بسر من رأى تكلم فيه يحيى بن معين وروى عنه مسلم أيضا وفي رواية الأكثرين حدثنا أحمد غير منسوب يحدث عنه البخاري في غير موضع كذا من غير نسبة واختلفوا فيه فقال قوم إنه أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي عبد الله بن وهب وقال آخرون إنه أحمد ابن صالح أو أحمد بن عيسى وقال أبو أحمد الحافظ النيسابوري أحمد بن وهب هو ابن أخي ابن وهب وقال أبو عبد الله ابن منده كل ما قال البخاري في الجامع حدثنا أحمد عن ابن وهب هو أحمد بن صالح المصري ولم يخرج البخاري عن أحمد بن عبد الرحمن في ( الصحيح ) شيئا وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه ووقع في رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن صالح وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب الثاني عبد الله بن وهب الثالث عمرو بفتح العين ابن الحارث الرابع أبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن المشهور بيتيم عروة بن الزبير الخامس عبد الله بن كيسان أبو عمرو مولى أسماء بنت أبي بكر السادس أسماء بنت أبي بكر
السادس أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع وفيه القول في موضع وفيه أن رجال هذا الإسناد نصفهم مصريون ونصفهم مدنيون وفيه أن عبد الله المذكور ليس له عند البخاري غير حديثين أحدهما هذا والآخر مضى في باب من قدم ضعفة أهله فافهم
والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى كلاهما عن ابن وهب
ذكر معناه قوله بالحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم المخففة وفي آخره نون قال البكري الحجون على وزن فعول موضع بمكة عند المحصب وهو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي على شعب الجزارين إلى ما بين

(10/130)


الحوضين اللذين في حائط عوف وعلى الحجون سقيفة زياد بن عبد الله أحد بني الحارث بن كعب وكان على مكة ويقال الحجون مقبرة أهل مكة تجاه دار أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وهو على ميل ونصف من مكة وأغرب السهيلي فقال الحجون على فرسخ وثلث من مكة وهو غلط ظاهر والصحيح ما ذكرناه وعند المقبرة المعروفة بالمعلاة على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها وروى الواقدي عن إشياخه أن قصي بن كلاب لما مات دفن بالحجون فتدافن الناس بعده به قوله صلى الله على محمد مقول قوله تقول كلما مرت وفي رواية مسلم كلما مرت بالحجون تقول صلى الله تعالى على رسوله وسلم قوله خفاف بكسر الخاء جمع خفيف وزاد مسلم في رواية خفاف الحقائب وهو جمع حقيبة بفتح الحاء المهملة وبالقاف والباء الموحدة وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائحه في موضع الرديف قوله قليل طهرنا أي مراكبنا قوله فاعتمرت أنا وأختي أي بعد أن فسخوا الحج إلى العمرة قوله والزبير أي الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه فإن قلت روى مسلم من حديث صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبي بكر قالت خرجنا محرمين فقال رسول الله من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل الحديث فهذا يخالف رواية عبد الله مولى أسماء لأنه ذكر الزبير مع من أحل قلت أجاب النووي بأن إحرام الزبير بالعمرة وتحلله منها كان في غير حجة الوداع واستبعده بعضهم وقال المرجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء فلذلك اقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة قلت هذا مسلم قد أخرج كليهما مع ما فيهما من الاختلاف ولا وجه في الجمع بينهما إلا بما قاله النووي فإن قلت فيه إشكال آخر وهو أن أسماء ذكرت عائشة فيمن طاف والحال أنها كانت حينئذ حائضا قلت قيل يحتمل أنها أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلتها بعد الحج مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم قال القاضي هذا خطأ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع قيل لا وجه في ذلك إلا أن يقال إنما لم تستثن أسماء عائشة لشهرة قصتها وفيه بعد أيضا نعم إنما هذا يتأتى إذا قلنا كانت عائشة طاهرة حين ذكرت أسماء إياها وعطفتها على نفسها في قولها اعتمرت أنا وأختي عائشة ثم طرأ عليها الحيض ثم إنها لم تستثنها في قولها فلما مسحنا البيت لشهرتها أنها كانت حائضا في ذلك الوقت أو نسيت أن تستثنيها فافهم قوله وفلان وفلان كأنها سمت جماعة عرفتهم ممن لم يسق الهدي ولم توقف على تعيينهم قوله فلما مسحنا البيت أي طفنا بالبيت وقد ذكرنا أن من لازم الطواف المسح عادة فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم وقد ذكرنا وجه طي ذكر السعي عن قريب فإن قلت لم تذكر أسماء الحلق مع أنه نسك قلت لا يلزم من عدم ذكرها إياه ترك فعله فإن القصة واحدة وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث والله أعلم
21 -
( باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو )
أي هذا باب في بيان ما يقول الحاج إذا رجع من حجه أو عمرته قوله أو الغزو أي وفيما يقول الغازي إذا رجع من غزوه
7971 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
مطابقته للترجمة هي أنه تفسير لها وهو ظاهر
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن إسماعيل وأخرجه

(10/131)


مسلم في الحج أيضا عن ابن أبي عمر عن معن بن عيسى وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين ولفظ مسلم كان رسول الله إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا ثم قال لا إلاه إلا الله إلى آخره وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه وروى أبو نعيم الحافظ عن أبي هريرة أن رسول الله قال لرجل يريد سفرا أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف وعن أنس كان النبي إذا علا شرفا قال أللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال وعن ابن عباس أن النبي كان إذا رجع من سفره قال آيبون تائبون لربنا حامدون فإذا دخل على أهله قال توبا توبا أوبا أوبا لا يغادر علينا حوبا وروى الدارقطني عن جابر كنا إذا سافرنا مع النبي إذا صعدنا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا
ذكر معناه قوله إذا قفل قال في ( المحكم ) قفل القوم يقفلون قفولا ورجل قافل من قوم قفال والقفول الرجوع وفي ( شرح الفصيح ) لابن هشام القافلة الراجعة فإن كانت خارجة فهي الصائبة سميت بذلك على وجه التفاؤل كأنها تصيب كل ما خرجت إليه وفي ( الجامع ) يقفلون ويقفلون ولا يكون القافل إلا الراجع إلى وطنه وفي ( الفصيح ) أقفلت الجند وقفلوا هم وفي ( النهاية ) يقال للسفر قفول في الذهاب والمجيء وأكثر ما يستعملون في الرجوع ويقال قفل إذا رجع ومنه تسمى القافلة قوله على كل شرف بفتحتين وهو المكان العالي وقال الجوهري جبل مشرف عال وقال الفراء أشرف الشيء علا وارتفع وفي ( المحكم ) أشرف الشيء وعلا الشيء علاه وأشرف عليه قوله آيبون أي راجعون إلى الله وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن يقال آب إلى الشيء أوبا وإيابا أي رجع وأوبته إليه وأبت به وقيل لا يكون الإياب إلا الرجوع إلى أهله ليلا وفي ( المعاني ) عن أبي زيد آب يؤب إيابا وإيابة إذا تهيأ للذهاب وتجهز وقال غيره آب يئيب آييبا وإيتيب إيتابا إذا تهيأ وارتفاع آيبون على أنه خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون وكذا ارتفاع تائبون وعابدون وساجدون قوله تائبون من التوبة وهو رجوع عما هو مذموم شرعا إلى ما هو محمود شرعا قوله لربنا إما خاص بقوله ساجدون وإما عام لسائر الصفات على سبيل التنازع قوله وهزم الأحزاب أي هزمهم يوم الأحزاب والأحزاب هم الطائفة المتفرقة الذين اجتمعوا على رسول الله على باب المدينة فهزمهم الله تعالى بلا مقاتلة وإيجاف خيل ولا ركاب وقال عياض ويحتمل أن يريد أحزاب الكفرة في جميع الأيام والمواطن ويحتمل أن يريد الدعاء كأنه قال أللهم افعل ذلك وحدك وخص استعمال هذا الذكر هنا لأنه أفضل ما قاله النبيون قبله
وفيه من الفقه استعمال حمد الله تعالى والإقرار بنعمه والخضوع له والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد على ما وهب من تمام المناسك وما رزق من النصر على العدو والرجوع إلى الوطن سالمين وكذلك إحداث حمد الله تعالى والشكر له على ما يحدث لعباده من نعمه فقد رضي من عباده بالإقرار له بالوحدانية والخضوع له بالربوبية والحمد والشكر عوضا عما وهبهم من نعمه تفضلا عليهم ورحمة لهم وفيه بيان أن نهيه عن السجع في الدعاء على غير التحريم لوجود السجع في دعائه ودعاء أصحابه ويحتمل أن يكون نهيه عن السجع مختصا بوقت الدعاء خشية أن يشتغل الداعي بطلب الألفاظ المناسبة للسجع ورعاية الفواصل عن إخلاص النية وإفراغ القلب في الدعاء والاجتهاد فيه
31 -
( باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة )
أي هذا باب في بيان استقبال الحاج القادمين قال الكرماني لفظ القادمين بالجمع صفة للحاج لأن الحاج في معنى الجمع كقوله تعالى سامرا تهجرون ( المؤمنون 76 ) قلت الحاج في الأصل مفرد يقال رجل جاج وامرأة حاجة ورجال حجاج ونساء حواج وربما أطلق الحاج على الجماعة مجازا واتساعا وقال الزمخشري السامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع قوله والثلاثة قال الكرماني ولفظ الثلاثة عطف على الاستقبال قلت تقديره على هذا استقبال الثلاثة حال كونهم على الدابة وقال الكرماني وفي بعضها الغلامين أي وفي بعض النسخ باب استقبال الحاج الغلامين ثم قال وتوجيهه مع إشكاله أن يقرأ الحاج بالنصب

(10/132)


ويكون الاستقبال مضافا إلى الغلامين نحو قوله تعالى قتل أولادهم شركاؤهم ( الأنعام 731 ) بنصب أولادهم وجر الشركاء ويكون الاستقبال مضافا إلى الغلامين والحاج مفعول فإن قلت لفظ استقبله يفيد عكس ذلك قلت الاستقبال إنما هو من الطرفين
8971 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لما قدم النبي مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه
الترجمة مشتملة على جزئين فمطابقة الحديث للجزء الثاني ظاهرة ولهذا وضع البخاري ترجمة بالجزء الثاني قبيل كتاب الأدب فقال باب الثلاثة على الدابة وأورد فيها هذا الحديث بعينه على ما تقف عليه إن شاء الله تعالى وأما مطابقته للجزء الأول فبطريق دلالة عموم اللفظ وليس المراد من طريق العموم ما قاله بعضهم بقوله لأن قدومه مكة أعم من أن يكون في حج أو عمرة أو غزو لأن هذا الذي ذكره ليس بداخل في هذا الباب وهو كلام طائح وقال هذا القائل أيضا وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج والحديث دال على تلقي القادم للحج وليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعني انتهى قلت لا نسلم أن كون الترجمة لنلقي القادم من الحج بل هي لتلقي القادم للحج والحديث يطابقه وهذا القائل ذهل وظن أن الترجمة وضعت لتلقي القادم من الحج وليس كذلك وذلك لأنه لو علم أن لفظ الاستقبال فيالترجمة مصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل ذكره مطوي لما كان يحتاج إلى قوله وكون الترجمة إلى آخره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول معلى بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد أبو الهيثم العمي الثاني يزيد بن زريع بضم الزاي وقد تكرر ذكره الثالث خالد الحذاء الرابع عكرمة مولى ابن عباس الخامس عبد الله ابن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع وفيه أن الثلاثة الأول بصريون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن مسدد وأخرجه النسائي في الحج أيضا عن قتيبة عن يزيد بن زريع
ذكر معناه قوله أغيلمة بضم الهمزة وفتح الغين المعجمة قال الخطابي هو تصغير غلمة وكان القياس غليمة لكنهم ردوه إلى أفعلة فقالوا أغيلمة كما قالوا أصيبية في تصغير صبية وقال الجوهري الغلام جمعه غلمة وتصغيرها أغيلمة على غير مكبره وكأنهم صغروا أغلمة وإن كانوا لم يقولوه وقال الداودي أغلمة بفتح الألف جمع غلام والمراد بأغيلمة بني عبد المطلب صبيانهم قوله فحمل واحدا أي فحمل النبي واحدا من أغيلمة بني عبد المطلب بين يديه وآخر أي وحمل آخر منهم خلفه وكان على ناقته
وفيه جواز ركوب الثلاثة فأكثر على دابة عند الطاقة وما روى من كراهة ركوب الثلاثة على دابة لا يصح وقال صاحب ( التوضيح ) وفيه تلقي القادمين من الحج إكراما لهم وتعظيما لأنه لم ينكر تلقيهم بل سر به لحمله منهم بين يديه وخلفه انتهى قلت هذا أيضا ذهل مثل ذاك القائل المذكور عن قريب وذلك أنه ليس فيه تلقي القادمين من الحج بل فيه تلقي القادمين للحج كما ذكرناه نعم يمكن أن يؤخذ منه تلقي القادمين من الحج وكذلك في معناه من قدم من جهاد أو سفر لأن في ذلك تأنيسا لهم وتطييبا لقلوبهم
41 -
( باب القدوم بالغداة )
أي هذا باب في بيان استحباب قدوم المسافر إلى منزله بالغداة أي بغدوة النهار
9971 - حدثنا ( أحمد بن الحجاج ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة

(10/133)


وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الحديث قد مر في باب خروج النبي على طريق الشجرة في أوائل كتاب الحج فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن أنس بن عياض إلى آخره وههنا أخرجه عن أحمد بن الحجاج بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى يكنى بأبي العباس الذهلي الشيباني مات يوم عاشوراء من سنة ثنتين وعشرين ومائتين وهو من أفراده
51 -
( باب الدخول بالعشي )
أي هذا باب دخول المسافر إلى أهله بالعشي وهو من وقت الزوال إلى غروب الشمس ويطلق أيضا على ما بعد الغروب إلى العتمة ولكن المراد هنا الأول وإنما ذكر هذه الترجمة عقيب الترجمة الأولى ليبين أن الدخول في الغداة لا يتعين وإنما له الدخول بالغداة والعشي والمنهي عنه هو الدخول ليلا كما سيأتي بيان العلة فيه في حديث جابر رضي الله تعالى عنه
00 - 8 - 1 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان النبي لا يطرق أهله كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية
مطابقته للترجمة في قوله أو عشية وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي وهمام بن يحيى العوذي البصري
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الجهاد عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون وعن زهير بن حرب وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن هارون بن عبد الله
قوله لا يطرق بضم الراء من الطروق وهو الإتيان بالليل يعني لا يدخل على أهله ليلا إذا قدم من سفر وإنما كان يدخل غدوة النهار أو عشيته وقد مضى تفسيرها وفي بعض النسخ كان النبي لا يطرق أهله ليلا والأصح لا يطرق أهله بدون لفظ ليلا لأن الطروق لا يكون إلا بالليل كما ذكرنا فإن قلت في حديث جابر الذي يأتي عقيب هذا الباب نهى أن يطرق أهله ليلا قلت هذا يكون للتأكيد أو يكون على لغة من قال إن طرق يستعمل بالنهار أيضا حكاه ابن فارس
51 -
( باب الدخول بالعشي )
أي هذا باب دخول المسافر إلى أهله بالعشي وهو من وقت الزوال إلى غروب الشمس ويطلق أيضا على ما بعد الغروب إلى العتمة ولكن المراد هنا الأول وإنما ذكر هذه الترجمة عقيب الترجمة الأولى ليبين أن الدخول في الغداة لا يتعين وإنما له الدخول بالغداة والعشي والمنهي عنه هو الدخول ليلا كما سيأتي بيان العلة فيه في حديث جابر رضي الله تعالى عنه
00 - 8 - 1 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان النبي لا يطرق أهله كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية
مطابقته للترجمة في قوله أو عشية وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي وهمام بن يحيى العوذي البصري
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الجهاد عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون وعن زهير بن حرب وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن هارون بن عبد الله
قوله لا يطرق بضم الراء من الطروق وهو الإتيان بالليل يعني لا يدخل على أهله ليلا إذا قدم من سفر وإنما كان يدخل غدوة النهار أو عشيته وقد مضى تفسيرها وفي بعض النسخ كان النبي لا يطرق أهله ليلا والأصح لا يطرق أهله بدون لفظ ليلا لأن الطروق لا يكون إلا بالليل كما ذكرنا فإن قلت في حديث جابر الذي يأتي عقيب هذا الباب نهى أن يطرق أهله ليلا قلت هذا يكون للتأكيد أو يكون على لغة من قال إن طرق يستعمل بالنهار أيضا حكاه ابن فارس
61 -
( باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة )
أي هذا باب يذكر فيه أن القادم من سفر لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة أي البلد الذي يقصد دخولها وفي رواية السرخسي إذا دخل المدينة يعني إذا أراد دخولها لا يطرق ليلا والحكمة فيه مبينة في حديث جابر ذكره البخاري مطولا في باب عشرة النساء وهي كراهة أن يهجم منها على ما يقبح عنده اطلاعه عليه فيكون سببا إلى بغضها وفراقها فنبه النبي على ما تدوم به الإلفة بينهم وتتأكد المحبة فينبغي لمن أراد الأخذ بأدب أن يجتنب مباشرة أهله في حال البذاذة وغير النظافة وأن لا يتعرض لرؤية عورة يكرهها منها ألا يرى أن الله تعالى أمر من لم يبلغ الحلم بالاستئذان في الأحوال الثلاثة في الآبية لما كانت هذه الأوقات أوقات التجرد والخلوة خشية الإطلاع على العورات وما يكره النظر إليه
1081 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( محارب ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي أن يطرق أهله ليلا
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحارب بضم الميم وكسر الراء وفي آخره باء موحدة ابن دثار ضد الشعار السدوسي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن آدم وأخرجه مسلم في الجهاد عن أبي موسى وبندار وعن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود في الجهاد عن حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن منصور
قوله نهى النبي النهي للتنزيه لا للتحريم=

ج20. عمدة القارئ

وذلك لئلا يكون كمن يتطلب عثراتها أو يريد كشف أستارها قوله أن يطرق أي عن أن يطرق أي عن الطروق وكلمة أن مصدرية وانتصاب ليلا على الظرفية
71 -
( باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة )
أي هذا باب في بيان من أسرع ناقته قال الكرماني أصله أسرع بناقته فنصب بنزع الخافض منه وقال الإسماعيلي أسرع ناقته ليس بصحيح والصواب أسرع بناقته يعني لا يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بالباء قلت كل منهما ذهل عما قاله صاحب ( المحكم ) إن أسرع يتعدى بنفسه ويتعدى بالباء ولم يطلعا على ذلك فأوله الكرماني بما ذكره وخطأه الإسماعيلي فلو وقفا على ذلك لما تعسفا وفي بعض النسخ باب من يسرع ناقته بلفظ المضارع
2081 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( حميد ) أنه سمع ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول كان رسول الله إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها
( الحديث 2081 - طرفه في 6881 )
مطابقته للترجمة في قوله أوضع ناقته أي أسرع السير ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير المدني أخو إسماعيل وحميد هو الطويل
والحديث انفرد به البخاري نعم في مسلم عن أنس لما وصف فقوله عليه الصلاة و السلام من خيبر فانطلقنا حتى أتينا جدر المدينة غشينا إليها فرفعنا مطيتنا ورفع رسول الله مطيته
قوله فأبصر درجات المدينة بفتح الدال المهملة والراء والجيم جمع درجة والمراد طرقها المرتفعة وقال صاحب ( المطالع ) يعني المنازل والأشبه الجدرات والدرجات هي رواية الأكثرين وفي رواية المستملي دوحات بفتح الدال وسكون الواو بعدها حاء مهملة جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة المتسعة ويجمع أيضا على دوح وأدواح جمع الجمع وقال أبو حنيفة الدوائح العظائم وكأنه جمع دائحة وإن لم يتكلم به والدوحة المظلة العظيمة والدوح بغير هاء البيت الضخم الكبير من الشعر وفي ( شرح المعلقات ) لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري يقال شجرة دوحة إذا كانت عظيمة كثيرة الورق والأغصان وفي ( الجامع ) للقزاز الدوح العظام من الشجرة من أي نوع كان من الشجر قوله أوضع ناقته يقال وضع البعير أي أسرع في مشيه وأوضعه راكبه أي حمله على السير السريع قوله وإن كانت دابة كان فيه تامة والدابة أعم من الناقة وقوله حركها جواب إن
قال أبو عبد الله زاد الحارث بن عمير عن حميد حركها من حبها
أبو عبد الله هو البخاري نفسه والحارث بن عمير مصغر عمرو البصري نزل مكة وأراد أن الحارث بن عمير روى الحديث المذكور عن حميد المذكور عن أنس وزاد في روايته حركها من حبها أي حرك دابته بسبب حب المدينة وهذا التعليق وصله الإمام أحمد قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا الحارث بن عمير عن حميد الطويل عن أنس أن النبي كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع ناقته وإن كان على دابة حركها من حبها وروى هذه اللفظة أيضا الترمذي عن علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس وقال حسن صحيح غريب
وفيه دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنة إليه
حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) قال جدرات
وإسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير المدني والجدرات بضم الجيم والدال جمع جدر بضمتين جمع جدار وأخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ جدران بضم الجيم وسكون الدال وفي آخره نون جمع جدار وقد أورد البخاري طريق قتيبة هذا في فضائل المدينة بلفظ الحارث بن عمير إلا أنه قال راحلته بدل ناقته

(10/135)


تابعه الحارث بن عمير
أي تابع إسماعيل الحارث بن عمير في قوله جدراتوروى أحمد رواية الحارث كما ذكرناها عن قريب
81 -
( باب قول الله تعالى وأتوا البيوت من أبوابها ( البقرة 981 ) )
أي هذا باب في بيان سبب نزول هذه الآية
3081 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) رضي الله تعالى عنه يقول نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ( البقرة 981 )
( الحديث 3081 - طرفه في 2154 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبو إسحاق عمرو بن عبيد الله السبيعي الكوفي رحمه الله
قوله كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤا قال بعضهم هذا ظاهر في اختصاص ذلك بالأنصار قلت لا نسلم دعوى الاختصاص في ذلك لأن هذا إخبار عن الأنصار أنهم كانوا يفعلون ذلك ولا يلزم من ذلك نفي ذلك عن غيرهم وقد روى ابن خزيمة والحاكم في ( صحيحيهما ) من طريق عمار بن زريق عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب فبينما رسول الله في بستان فخرج من بابه فخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله إن قطبة رجل فاجر فإنه خرج معك من الباب فقال ما حملك على ذلك قال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت قال إني أحمس قال فإن ديني دينك فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي ( تفسير ) مقاتل بن سليمان كانت الأنصار في الجاهلية إذا أحرم أحدهم بالحج أو العمرة وهو من أهل المدر وهو مقيم في أهله لم يدخل منزله من قبل الباب ولكن يوضع له سلم فيصعد عليه وينحدر منه أو يتسور من الجدار أو ينقب بعض جدره فيدخل منه ويخرج فلا يزال كذلك حتى يتوجه إلى مكة محرما وإن كان من أهل الوبر دخل وخرج من وراء بيته وأن النبي دخل يوما نخلا لبني النجار ودخل معه قطبة بن عامر بن حديدة الأنصاري السلمي من قبل الجدار وهو محرم فلما خرج النبي من الباب وهو محرم خرج معه قطبة من الباب فقال رجل هذا قطبة فقال النبي ما حملك أن تخرج من الباب وأنت محرم فقال يا نبي الله رأيتك خرجت من الباب وأنت محرم فخرجت معك وديني دينك فقال النبي خرجت لأني من الحمس فقال قطبة إن كنت أحمس فأنا أحمس وقد رضيت بهداك فأنزل الله تعالى وليس البر ( البقرة 981 ) قوله فجاء رجل قيل إنه هو قطبة بن عامر المذكور وقيل هو رفاعة بن تابوت واحتجوا في ذلك بما رواه عبد بن حميد وابن جرير الطبري من طريق داود بن أبي هند عن قيس بن جرير أن الناس كانوا إذا أحرموا ولم يدخلوا حائطا من بابه ولا دارا من بابها فدخل رسول الله وأصحابه دارا وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت فجاء فتسور الحائط ثم دخل على رسول الله فلما خرج من باب الدار خرج معه رفاعة فقال له النبي ما حملك على ذلك قال رأيتك خرجت منه فخرجت فقال إني أحمس فقال الرجل إن ديننا واحد فأنزل الله تعالى هذه الآية قلت هذا مرسل وحديث جابر مسند وهو أقوى فإن قلت هل يجوز أن يحمل على التعدد قلت لا مانع من هذا ولكن ثمة مانع آخر لأن رفاعة بن تابوت معدود في المنافقين وهو الذي هبت الريح العظيمة لموته كما وقع في ( صحيح مسلم ) مبهما وفي غيره مفسرا فيتعين أن يكون ذلك الرجل قطبة بن عامر ويؤيده أيضا أن في مرسل الزهري عند الطبري فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة وقطبة من بني سلمة بخلاف رفاعة قوله من قبل بابه بكسر القاف

(10/136)


وفتح الباء الموحدة قوله فكأنه عير بضم العين المهملة على صيغة المجهول من التعيير وهو التعييب وقال الجوهري يقال عيره كذا والعامة تقول عيره بكذا قوله فنزلت أي هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ( البقرة 981 ) الآية وحديث الباب يدل على أن سبب نزول هذه الآية ما ذكر فيه وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم في ( تفسيره ) حدثنا زيد بن حباب عن موسى بن عبيدة سمعت محمد بن كعب القرظي يقول كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فنزلت الآية وحدثنا عصام بن رواد حدثنا آدم عن ابن شيبة عن عطاء قال كان أهل يثرب إذا رجعوا من عندهم دخلوا البيوت من ظهورها ويريدون أن ذلك أدنى إلى البر فقال الله تعالى وليس البر ( البقرة 981 ) الآية وحدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن قال كان أقوام من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفرا ثم بدا له من بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره الذي خرج له لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوره من قبل ظهره تسورا فنزلت الآية وقال الزجاج كان قوم من قريش وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها ولم يتيسر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة يفعل ذلك طيرة فأعلمهم الله تعالى أن هذا غير بر وقال النسفي كانت الحمس وهم المشددون على أنفسهم من بني خزاعة وبني كنانة في الجاهلية وبدء الأسلام إذا أحرموا أو اعتكفوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها فإن كانت في بيوتهم من الخيام رفعوا ذيولها وإن كانت من المدر نقبوا في ظهور بيوتهم فدخلوا منها أو من قبل السطح وقالوا لا ندخل بيوتا من الباب حتى ندخل بيت الله وكان منهم من لا يستظل تحت سقف بعد إحرامه ولا يدخل بيتا من بابه ولا من خلفه ولكن يصعد السطح فيأمر بحاجته من السطح وهذه الأشياء وضعوها من عند أنفسهم من غير شرع فعرفهم الله تعالى أن هذا التشديد ليس ببر ولا قربة وفي ( التلويج ) وقال الأكثرون من أهل التفسير إنهم الحمس وهم قوم من قريش وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة كانوا إذا أحرموا لا يأفطون الأقط ولا ينتفعون الوبر ولا يسلون السمن وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته فنزلت الآية فإن قلت متى نزلت الآية المذكورة قلت روى أبو جعفر في ( تفسيره ) حدثنا عمرو بن هارون حدثنا عمرو بن حماد حدثنا أسباط عن السدي كان ناس من العرب إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون من أدبارها فلما حج سيدنا رسول الله حجة الوداع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم فلما بلغ النبي باب البيت احتبس الرجل خلفه وقال يا رسول الله إني أحمس يقول محرم فقال رسول الله وأنا أيضا أحمس فادخل فدخل الرجل فنزلت الآية وروى ابن جرير من حديث ابن عباس أن القصة وقعت أول ما قدم النبي المدينة وفي إسناده ضعف وجاء في مرسل الزهري أن ذلك وقع في عمرة الحديبية
91 -
( باب السفر قطعة من العذاب )
أي هذا باب يذكر فيه السفر قطعة من العذاب قيل أشار البخاري بإيراد هذه الترجمة في أواخر أبواب الحج والعمرة إلى أن الإقامة في الأهل أفضل من المجاهدة ورد بأنه أشار إلى حديث عائشة بلفظ إذا قضى أحدكم حجه فليعجل إلى أهله قلت لا وجه لما ذكروا بل الوجه أن المذكور في الأبواب السبعة المذكورة قبل هذا الباب كلها واقع في ضمن السفر والسفر لا يخلو عن مشقة من كل وجه فناسب أن ينبه على شيء من حال السفر فذكر هذا الحديث السفر قطعة من العذاب وترجم عليه وروي السفر قطعة من النار ولا أعلم صحته
4081 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله

(10/137)


مطابقته للترجمة هي أنه جعل الترجمة جزءا من الحديث ورجاله قد ذكروا غير مرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف القريشي المخزومي أبو عبد الله المدني وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي الأطعمة عن أبي نعيم وأخرجه مسلم في المغازي عن القعنبي وإسماعيل ابن أبي أويس وأبي مصعب الزهري ومنصور بن أبي مزاحم وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى كلهم عن مالك وأخرجه النسائي في السير عن قتيبة به وعن عمرو بن علي ومحمد بن المثنى كلاهما عن يحيى بن سعيد عن مالك به
ذكر رجال هذا الحديث قال أبو عمر هذا حديث تفرد به مالك عن سمي ولا يصح لغيره وانفرد به سمي أيضا فلا يحفظ عن غيره وهكذا هو في ( الموطأ ) عند جماعة الرواة بهذا الإسناد ورواه ابن مهدي عن بشر بن عمر عن مالك مرسلا وكان وكيع يحدث به عن مالك حينا مرسلا وحينا يسنده كما في ( الموطأ ) والمسند صحيح ثابت احتياج الناس إليه عن مالك وليس له غير هذا الإسناد من وجه يصح وروى عبيد الله بن المنتاب عن سليمان بن إسحاق الطلحي عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك ما بال أهل العراق يسألوني عن حديث السفر قطعة من العذاب قيل له لم يروه غيرك فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به ورواه عصام بن رواد بن الجراح عن أبيه عن مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قالا قال رسول الله السفر قطعة من العذاب قال أبو عمرو حديث رواد عن مالك عن ربيعة عن القاسم غير محفوظ لا أعلم رواه عن مالك غيره وهو ( خطأ ) وليس رواد ممن يحتج ولا يعول عليه وقد رواه خالد بن مخلد ومحمد بن جعفر الوركاني عن مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ولا يصح لمالك عن سهيل عندي إلا أنه لا يبعد أن يكون عن سهيل أيضا وليس بمعروف لمالك عنه وقد روى عن عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ولا يصح أيضا عندي وإنما هو مالك عن سمي لا عن سهيل ولا ربيعة ولا عن أبي النضر وقد رواه بعض الضعفاء عن مالك فقال وليتخذ لأهله هدية وإن لم يلق إلا حجرا فليلقه في مخلاته قال والحجارة يومئذ يضرب بها القداح وقال أبو عمرو هذه زيادة منكرة لا تصح ورواه ابن سمعان عن زيد بن أسلم عن جمهان عن أبي هريرة يرفعه السفر قطعة من العذاب وابن سمعان كان مالك يرميه بالكذب قال وقد رويناه عن الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة بإسناد صالح لكن لا تقوى الحجة به وفيه وإذا عرستم فتجنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام والدواب
قوله السفر قطعة من العذاب أي جزء منه والمراد بالعذاب الألم الناشيء عن المشقة قوله يمنع أحدكم جملة استئنافية فلذلك فصلها عما قبلها وهي في الحقيقة جواب عما يقال لم كان السفر كذلك فقال لأنه يمنع أحدكم طعامه أي لذة طعامه وقال الخطابي يريد أنه يمنعه الطعام في الوقت الذي يستوفيه منه لغدائه وعشائه والنوم كذلك يمنعه في وقته واستيفاء القدر الذي يحتاج إليه وقد ورد التعليل في رواية سعيد المقبري بلفظ السفر قطعة من العذاب لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه الحديث والمراد بالمنع في الأشياء المذكورة ليس منع حقيقتها وإنما المراد منع كمالها على ما لا يخفى ويؤيد ما رواه الطبراني بلفظ لا يهنأ أحدكم نومه ولا طعامه ولا شرابه وفي حديث ابن عمر عند ابن عدي فإنه ليس له دواء إلا سرعة السير قوله فإذا قضى نهمته بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته وقال ابن التين وضبطناه أيضا بكسر النون وفي ( الموعب ) النهمة بلوغ الهمة بالشيء وهو منهوم بكذا أي مولع لا ينشرح وتقول قضيت منه نهمتي أي حاجتي وعن أبي زيد المنهوم الذي يمتلىء بطنه ولا تنتهي حاجته وعن أبي العباس نهم ونهم بمعنى قوله فليعجل إلى أهله وفي رواية عتيق ابن يعقوب وسعيد المقبري فليعجل الرجوع إلى أهله وفي رواية مصعب فليعجل الكرة إلى أهله وفي حديث عائشة فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره
ومما يستفاد من الحديث كراهة التغرب عن الأهل بغير حاجة واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما فيها من تحصيل الجماعات والجمعات والقوة على العبادات والعرب تشبه الرجل في أهله بالأمير وقيل في قوله تعالى

(10/138)


وجعلكم ملوكا ( آل عمران 02 ) قال من كان له دار وخادم فهو داخل في معنى الآية وقد أخبر الله تعالى بلطف محل الأزواج من أزواجهن بقوله وجعل بينكم مودة ورحمة ( الروم 12 ) فقيل المودة الجماع والرحمة الولد فإن قلت روى وكيع عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله لو يعلم الناس ما لمسافر لأصبحوا على الظهر سفرا إن الله لينظر إلى الغريب في كل يوم مرتين وفي حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم مرفوعا سافروا تغنموا وفي رواية ترزقوا ويروى سافروا تصحوا فهذا معارض لحديث الباب قلت حديث أبي هريرة قال أبو عمر هذا حديث غريب لا أصل له من حديث مالك ولا غيره وأما حديث ابن عباس وابن عمر فقد قال ابن بطال لا تعارض بينه وبين حديث الباب لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة فصار كالدواء المر المعقب للصحة وإن كان في تناوله الكراهة
واستنبط منه الخطابي تغريب الزاني لأنه قد أمر بتعذيبه والسفر من جملة العذاب وفيه ما فيه على ما لا يخفى
02 -
( باب المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله )
أي هذا باب يذكر فيه المسافر إذا جد به السير أي إذا اهتم به وأسرع فيه يقال جد يجد من باب نصر ينصر وجد يجد من باب ضرب يضرب قوله يعجل إلى أهله جواب إذا وفي رواية الكشميهني والنسفي ويعجل إلى أهله بالواو والجواب حينئذ محذوف تقديره ماذا يصنع ويعجل بضم الياء من باب التعجيل ويروى تعجل بفتح التاء المثناة من فوق من باب التعجل
381 - ( حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه قال كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع يبنهما ثم قال إني رأيت النبي إذا جد به السير أخر المغرب وجمع بينهما )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث في أبواب تقصير الصلاة في باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر وقد مر الكلام فيه مستقصى وصفية بنت أبي عبيد الثقفية زوجة عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وكانت من الصالحات العابدات توفيت في حياة عبد الله بن عمرو وأبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عبيدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي وذكر أبو عمر أبا عبيد هذا من الصحابة وقال الذهبي أبو عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار الكذاب وصفية أسلم في عهد رسول الله وأمره عمر رضي الله تعالى عنه على جيش كثيف وقال لا يبعد أن يكون له رؤية وكان شابا شجاعا خبيرا بالحرب والمكيدة مات في وقعة جسر الذي يسمى جسر أبي عبيد وكان اجتمع جيش كثير من الفرس ومعهم أفيلة كثيرة وأمر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولا فاحتوشوها فقتلوها عن آخرها وقد قدمت الفرس بين أيديهم فيلا أبيض عظيما فقدم إليه أبو عبيد فضربه بالسيف فقطع زلومه فحمل الفيل وحمل عليه فتخبطه برجله فقتله ووقف فوقه وكان ذلك في سنة ثلاث عشرة من الهجرة وابنه المختار ولد عام الهجرة وليست له صحبة ولا رواية حديث وكان مع أبيه يوم الجسر وكان خارجيا ثم صار زيد يأثم صار شيعيا وكان ممخرقا ابتدع أشياء كان يزعم أن جبريل عليه الصلاة و السلام يأتيه بالوحي وكان قد وقع بينه وبين مصعب بن الزبير حروب فآخر الأمر قتلوه وجاؤا برأسه إلى مصعب رضي الله عنه وذلك في سنة سبع وستين من الهجرة

(10/139)


72 -
( كتاب المحصر وجزاء الصيد )
أي هذه أبواب في بيان أحكام المحصر وأحكام جزاء الصيد الذي يتعرض إليه المحرم وثبتت البسملة لجميع الرواة وفي رواية أبي ذر أبواب بلفظ الجمع وفي رواية غيره باب بالإفراد
وقوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ( البقرة 691 )
وقوله بالجر عطف على قوله المحصر أي وفي بيان المراد من قوله تعالى فإن أحصرتم ( البقرة 691 )
الكلام ههنا على أنواع
الأول في معنى الحصر والإحصار الإحصار المنع والحبس عن الوجه الذي يقصده يقال أحصره المرض أو السلطان إذا منعه عن مقصده فهو محصر والحصر الحبس يقال حصره إذا حبسه فهو محصور وقال القاضي إسماعيل الظاهر أن الإحصار بالمرض والحصر بالعدو ومنه فلما حصر رسول الله وقال تعالى فإن أحصرتم ( البقرة 691 ) وقال الكسائي يقال من العدو حصر فهو محصور ومن المرض أحصر فهو محصر وحكى عن الفراء أنه أجاز كل واحد منهما مكان الآخر وأنكر المبرد والزجاج وقالا هما مختلفان في المعنى ولا يقال في المرض حصره ولا في العدو أحصره وإنما هذا كقولهم حبسه إذا جعله في الحبس وأحبسه أي عرضه للحبس وقتله أوقع به القتل وأقتله أي عرضه للقتل وكذلك حصره حبسه وأحصره عرضه للحصر
النوع الثاني في سبب نزول هذه الآية ذكروا أن هذه الآية نزلت في سنة ست أي عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول الله وبين الوصول إلى البيت وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي وكان سبعين بدنة وأن يتحللوا من إحرامهم فعند ذلك أمرهم عليه السلام أن يذبحوا ما معهم من الهدي وأن يحلقوا رؤوسهم ويتحللوا فلم يفعلوا انتظارا للنسخ حتى خرج فحلق رأسه ففعل الناس وكان منهم من قص رأسه ولم يحلقه فلذلك قال رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله فقال في الثالثة والمقصرين وقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كل سبعة في بدنة وكانوا ألفا وأربعمائة وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم وقيل بل كانوا على طرف الحلم
النوع الثالث في تفسير هذه الآية قوله فإن أحصرتم ( البقرة 691 ) أي منعتم عن تمام الحج والعمرة فحللتم فما استيسر ( البقرة 691 ) أي فعليكم ما استيسر من الهدي ( البقرة 691 ) أي ما تيسر منه يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب وقال الزمخشري الهدي جمع هدية كما يقال في جدية السرج جدي وقرىء من الهدي بالتشديد جمع هدية كمطية ومطي وحاصل المعنى فإن منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدي من بعير أو بقرة أو شاة قوله ولا تحلقوا رؤوسكم ( البقرة 691 ) عطف على قوله وأتموا الحج والعمرةلله ( البقرة 691 ) وليس معطوفا على قوله فإن أحصرتم ( البقرة 691 ) كما زعمه ابن جرير لأن النبي وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم وأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق حتى يبلغ الهدي محله ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنا أو من فعل أحدهما إن كان مفردا أو متمتعا
النوع الرابع اختلاف العلماء في الحصر بأي شيء يكون وبأي معنى يكون فقال قوم وهم عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري يكون الحصر بكل حابس من مرض أو غيره من عدو وكسر وذهاب نفقة ونحوها مما يمنعه عن المضي إلى البيت وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وقال آخرون وهم الليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يكون الإحصار إلا بالعدو فقط ولا يكون بالمرض وهو قول عبد الله بن عمر وقال الجصاص في ( كتاب الأحكام ) وقد اختلف السلف في حكم المحصر على ثلاثة أنحاء روي عن ابن مسعود وابن عباس العدو والمرض سواء يبعث دما ويحل به إذا أنحر في الحرم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثاني قول ابن عمر إن المريض لا يحل ولا يكون محصورا إلا بالعدو وهو قول

(10/140)


مالك والشافعي والثالث قول ابن الزبير وعروة بن الزبير إن المرض والعدو سواء لا يحل إلا بالطواف ولا نعلم لهما موافقا من فقهاء الأمصار وفي ( شرح الموطأ ) مذهب مالك والشافعي أن المحصر بالمرض لا يحل دون البيت وسواء عند مالك شرط عند إحرامه التحلل للمرض أو لم يشترط وقال الشافعي له شرطه وقال أبو عمر الإحصار عند أهل العلم على وجوه منها المحصر بالعدو ومنها بالسلطان الجائر ومنها المرض وشبهه فقال مالك والشافعي وأصحابهما من أحصره المرض فلا يحله إلا الطواف بالبيت ومن حصر بعدو فإنه ينحر هديه حيث حصر ويتحلل وينصرف ولا قضاء عليه إلا أن تكون ضرورة فيحج الفريضة ولا خلاف بين الشافعي ومالك وأصحابهما في ذلك وقال ابن وهب وغيره كل من حبس عن الحج بعدما يحرم بمرض أو حصار من العدو أو خاف عليه الهلاك فهو محصر فعليه ما على المحصر ولا يحل دون البيت وكذلك من أصابه كسر وبطن متحرق وقال مالك أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق لأن الإحصار عنده في المكي الحبس عن عرفة خاصة قال فإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به وافتدى وهو على إحرامه لا يحل من شيء منه حتى يبرأ من مرضه فإذا برىء من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعا وسعى بين الصفا والمروة وحل من حجه أو عمرته وقال أبو عمر هذا كله قول الشافعي أيضا وقال الطحاوي رحمه الله إذا نحر المحصر هديه هل يحلق رأسه أم لا فقال قوم ليس عليه أن يحلق لأنه قد ذهب عنه النسك كله وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال آخرون بل يحلق فإن لم يحلق فلا شيء عليه وهذا قول أبي يوسف وقال آخرون يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر وهو قول مالك
النوع الخامس في الاحتجاجات في هذا الباب احتج الشافعي ومن تابعه في هذا الباب بما رواه ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس وابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو ورواه الشافعي في ( مسنده ) عن ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء قال وروي عن ابن عمر وطاووس والزهري وزيد بن أسلم نحو ذلك واحتج أبو حنيفة ومن تابعه في ذلك بما رواه الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول الله يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق فقد أخرجه الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير به وفي رواية لأبي داود وابن ماجه من عرج أو كسر أو مرض فذكر معناه ورواه عبد بن حميد في ( تفسيره ) ثم قال وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل بن حبان أنهم قالوا بالإحصار من عدو أو مرض أو كسر وقال النووي الإحصار من كل شيء آذاه قلت وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره وهو أنه لا حصر بعد النبي
النوع السادس في حكم الهدي فقال ابن عباس من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن وقال الثوري عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى فما استيسر من الهدي ( البقرة 691 ) قال شاة وكذا قال عطاء ومجاهد وطاووس وأبو العالية ومحمد بن الحسين وعبد الرحمن بن القاسم والشعبي والنخعي والحسن وقتادة والضحاك ومقاتل بن حبان مثل ذلك وهو مذهب الأئمة الأربعة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر وقد روي عن سالم والقاسم وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير نحو ذلك وقيل الظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية فإنه لم ينقل عن أحد منهم إنه ذبح في تحلله ذاك شاة وإنما ذبحوا الإبل والبقر ففي ( الصحيحين ) عن جابر قال أمرنا رسول الله أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى فما استيسر من الهدي ( البقرة 691 ) قال بقدر يسارته وقال العوفي عن ابن عباس إن كان موسرا فمن الإبل وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم

(10/141)


وقال عطاء الإحصار من كل شيء بحسبه
هذا التعليق عن عطاء بن أبي رباح وصله ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حابس
قال أبو عبد الله حصورا لا يأتي النساء
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وكان دأبه أنه إذا ذكر لفظا جاء في القرآن من مادة ذكر ما هو بصدده وكان المذكور هو لفظ المحصر في الترجمة وفي الآية لفظ أحصرتم وذكر حصورا الذي جاء في القرآن أيضا وهو في قوله عز و جل إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ( آل عمران 93 ) ثم إنه فسر الحصور بقوله لا يأتي النساء ( آل عمران 83 ) وروى هذا التفسير ابن مسعود وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد وأبي الشعثاء وعطية العوفي وعن أبي العالية والربيع بن أنس هو الذي لا يولد له وقال الضحاك هو الذي لا يولد له ولا مال له وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن المغيرة أخبرنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس في الحصور الذي لا ينزل الماء وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبا فقال حدثنا أبو جعفر بن غالب البغدادي حدثني سعيد بن سليمان حدثنا عباد يعني ابن العوام عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ابن العاص لا يدري عبد الله أو عمرو عن النبي في قوله وسيدا وحصورا ( آل عمران 93 ) قال ثم تناول شيئا من الأرض فقال كان ذكره مثل هذا ورواه ابن المنذر في ( تفسيره ) حدثنا أحمد بن داود السجستاني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ما من عبد يلقى الله ألا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا فإن الله يقول وسيدا وحصورا ( آل عمران 93 ) قال وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب وأشار بأنمله وذبح ذبحا وروى ابن أبي حاتم أيضا بإسناده إلى أبي هريرة أن النبي قالكل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ( آل عمران 93 ) ثم أهوى النبي إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال كان ذكره مثل هذه القذاة وقال القاضي عياض إعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصور ليس كما قاله بعضهم إنه كان هيوبا أو لا ذكر له بل أنكر حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا هذا نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصر عنها وقيل مانعا نفسه عن الشهوات وقيل ليست له شهوة في النساء والمقصود أنه مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء كما قاله بعضهم بل معناه أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن بل قد يفهم وجود النسل من دعاء زكريا عليه الصلاة و السلام حيث قال هب لي من لدنك ذرية طيبة ( آل عمران 83 ) كأنه سأل ولدا له ذرية ونسل وعقب والله تعالى أعلم
1 -
( باب إذا أحصر المعتمر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أحصر المعتمر وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إن التحلل بالإحصار يختص بالحاج بخلاف المعتمر فإنه لا يتحلل بذلك بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت لأن السنة كلها وقت للعمرة فلا يخشى فواتها بخلاف الحج روي ذلك عن مالك وهو محكي عن محمد بن سيرين وبعض الظاهرية واحتج لهم إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال خرجت معتمرا فوقعت عن راحلتي فانكسرت فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا ليس لها وقت كالحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت وقضية الحديبية حجة تقضي عليهم والله أعلم
382 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة قال إن صددت عن البيت صنعت كما صنعنا مع

(10/142)


رسول الله فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله كان أهل بعمرة عام الحديبية )
مطابقته للترجمة من حيث أن ابن عمر صنع في عمرته كما صنع رسول الله عام الحديبية وهي سنة ست حين صده المشركون عن إيصاله إلى البيت فإنه تحلل ونحر وحلق كما ذكرنا والحديث أخرجه البخاري أيضا عن إسماعيل بن عبد الله وفرقه وأخرجه أيضا في المغازي عن قتيبة وأخرجه مسلم في الحج عن يحيى بن يحيى قوله عن نافع أن عبد الله ابن عمر الحديث فيه اختلاف لأن هذا يدل على أن نافعا روى عن عبد الله بغير واسطة وإسناد الحديثين المذكورين في هذا الباب عقيب هذا الإسناد أولهما يدل على أن نافعا روى عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما فذكر الحديث والثاني يدل على أن نافعا روى عن بعض بني عبد الله فلأجل هذا الاختلاف ذكر البخاري الإسنادين المذكورين عقيب الإسناد الأول على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله معتمرا وذكر في الموطأ من هذا الوجه خرج إلى مكة يريد الحج فقال إن صددت فذكره ولا اختلاف فيه فإنه خرج أولا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال ما شأنهما إلا واحد فأضاف إليها الحج فصار قارنا قوله في الفتنة أراد بها فتنة الحجاج حين نزل ابن الزبير لقتاله وقد مر في باب طواف القارن من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاج بابن الزبير وفي لفظ مسلم حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير قوله إن صددت أي منعت وهو على صيغة المجهول وقال هذا الكلام جوابا لقول من قاله له أنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما أوضحته الرواية التي بعد هذه قوله كما صنعنا مع رسول الله وفي رواية موسى بن عقبة فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع وزاد في رواية الليث عن نافع في باب طواف القارن كما صنع رسول الله قوله فأهل أي ابن عمر والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية قوله من أجل أن النبي إلى آخره ويروى من أجل أن رسول الله قال النووي معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي من العمرة وقال القاضي عياض يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي بعمرة ويحتمل أنه أراد الأمرين أي من الإهلال والإحلال وهو الأظهر قوله بعمرة زاد في رواية جويرية من ذي الحليفة وفي رواية أيوب الماضية فأهل بعمرة من الدار والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة قيل يحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ( قلت ) فعلى هذا التوفيق بينهما بأن يقال أنه أهل بالعمرة من داخل بيته ثم أظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة -
7081 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) أن ( عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله ) قال أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقالا لا يضرك أن لا تحج العام وإنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت فقال خرجنا مع رسول الله فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي هديه وحلق رأسه واشهدكم أني قد أوجبت العمرة إن شاء الله أنطلق فإن خلي بيني وبين البيت طفت وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي وأنا معه فأهل بالعمرة من ذي الحليفة ثم سار ساعة ثم قال إنما شأنهما واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر وأهدى وكان يقول لا يحل حتى يطوف طوافا واحدا يوم يدخل مكة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله ورسول الله حل من عمرته حتى أنه نحر هديه وحلق فدل أن المعتمر إذا أحصر بحل كما يحل الحاج إذا أحصر وهذا الحديث قد مر في باب طواف القارن

(10/143)


بأوضح منه وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
وعبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري ابن أخي جويرية بن أسماء وجويرية تصغير جارية بالجيم وهو من الألفاظ المشتركة بين الرجال والنساء
قوله أخبراه أي عبيد الله وسالم ابنا عبد الله بن عمر وقال الكرماني وفي بعضها بدل عبيد الله عبد الله مكبرا وهو الموافق للرواية التي بعده في باب النحر قبل الحلق وهما أخوان والمصغر أكبر منه قوله الجيش هو جيش الحجاج بن يوسف الثقفي كان نائب عبد الملك بن مروان قوله أشهدكم أني قد أوجبت أي ألزمت نفسي ذلك وكان أراد تعليم من يريد الاقتداء به وإلا فالتلفظ ليس بشرط قوله إن شاء الله هذا تبرك وليس بتعليق لأنه كان جازكا بالإحرام بقرينة أشهدكم ويحتمل أن يكون منقطعا عما قبله ويكون ابتداء لشرط والجزاء انطلق قوله إن شأنهما واحد أي أن أمر العمرة والحج واحد في جواز التحلل منهما بالإحصار قوله طوافا واحدا قال الكرماني أي لا يحتاج القارن إلى طوافين بل يحل بطواف واحد قلت هذا التفسير لأجل نصرة مذهبه وقد قامت دلائل أخرى أن القارن يحتاج إلى طوافين وسعيين وتكلمنا في هذا الباب في ( شرحنا لمعاني الآثار ) بما فيه الكفاية فلينظر فيه هناك
وفي هذا الحديث من الفوائد أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به وأن المحصر بالعدو جاز له التحلل سواء كان عن حجة أو عمرة وأنه ينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه وفيه جواز إدخال الحج على العمرة لكن شرطه عند الجمهور أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة وعند الحنفية إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح وعند المالكية بعد تمام الطواف ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج وفيه أن القارن يهدي وقال ابن حزم لا هدي على القارن وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله أبو عمر بن عبد البر رحمه الله
8081 - حدثني ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) أن بعض بني عبد الله قال له لو أقمت بهاذا
هذا وجه آخر في الحديث السابق أخرجه عن موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي عن جويرية بن أسماء عن نافع أن بعض بني عبد الله وهو إما سالم أو عبد الله أو عبيد الله أبناء عبد الله بن عمر بن الخطاب
قوله قال له أي قال بعض بني عبد الله لعبد الله بن عمر قوله لو أقمت بهذا أي لو أقمت بهذا المكان أو في هذا العام وإنما قال له ذلك حين أراد عبد الله أن يعتمر فقالوا له نخاف أن يحال بينك وبين البيت لأنه كان في تلك السنة نزول الحجاج بالجيش على ابن الزبير كما ذكرناه فإن قلت أين جواب لو قلت محذوف تقديره لو أقمت في هذه السنة لكان خيرا أو نحو ذلك ويجوز أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب
9081 - حدثنا ( محمد ) قال حدثنا ( يحيى بن صالح ) قال حدثنا ( معاوية بن سلام ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( عكرمة ) قال قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد أحصر رسول الله فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يدل على أن المعتمر يحصره ذكر محمد هذا غير منسوب في جميع الروايات واختلفوا فيه فقال الحاكم هو محمد بن يحيى الذهلي وفي بعض النسخ حدثنا محمد هو الذهلي فلذلك جزم الحاكم به وقال أبو مسعود هو محمد بن مسلم بن واره وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وذكر أنه رآه في أصل عتيق وقيل يحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني ويحيى بن صالح أبو زكرياء الحمصي ومعاوية ابن سلام بتشديد الحبشي مر في أوائل الكسوف وهذا الحديث فيه حذف يدل عليه ما رواه ابن السكن في ( كتاب الصحابة ) قال حدثني هارون بن عيسى وحدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى ابن أبي كثير قال سألت عكرمة فقال قال عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أنا سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس

(10/144)


وهو محرم فقال قال رسول الله من عرج أو كسر أو حبس فليجزىء مثلها وهو في حل قال فحدثت به أبا هريرة فقال صدق وحدثته ابن عباس فقال قد حصر رسول الله فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر قابلا فعرف بهذا المقدار الذي حذفه البخاري من هذا الحديث وإنما حذفه لأن هذا الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري مع أن الذي حذفه ليس بعيدا عن الصحة لأن عبد الله بن رافع ثقة وإن لم يخرج له البخاري وحديث الحجاج بن عمرو هذا أخرجه الأربعة أيضا فقال أبو داود حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن حجاج الصواف قال لي يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري قال قال رسول الله من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا صدق وفي لفظ له من عرج أو كسر أو مرض وقال الترمذي حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا روح بن عبادة أخبرنا حجاج الصواف حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو قال قال رسول الله من كسر أو عرج فقل حل وعليه حجة أخرى فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس فقالا صدق وفي لفظ من عرج أو كسر أو مرض وقال الترمذي هذا حديث حسن وقال النسائي أخبرنا أحمد بن مسعدة قال حدثنا سفيان عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع رسول الله يقول من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا صدق وأخبرنا شعيب بن يوسف النسائي وأخبرنا محمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو قال رسول الله يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل وسألنا ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق وقال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن سعيد وابن علية عن حجاج بن أبي عثمان قال حدثني يحيى بن كثير قال حدثني عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت النبي يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى فحدث به ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق
قوله قال قال ابن عباس ويروى فقال ابن عباس بفاء العطف ووجهه أن يكون عطفا على مقدر تقديره سألته عنه فقال قوله حتى اعتمر ويروى ثم اعتمر قوله عاما نصب على الظرف وقابلا صفته
2 -
( باب الإحصار في الحج )
أي هذا باب في بيان حكم الإحصار في الحج قيل أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي إنما وقع في العمرة فقاس العلماء الحج على ذلك وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة قلت لما بين في الباب السابق الإحصار في العمرة بين عقيبه الإحصار في الحج وذكر في كل منهما حديثا فلا حاجة إلى إثبات حكم الإحصار في الحج بالقياس
0181 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني سالم قال كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول أليس حسبكم سنة رسول الله إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا
مطابقته للترجمة في قوله إن حبس أحدكم عن الحج والحبس عن الحج هو الإحصار فيه وأحمد بن محمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار المروزي وهو من أفراد البخاري وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد والزهري محمد بن مسلم وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
والحديث أخرجه النسائي عن أحمد عن عمرو

(10/145)


ابن السرح والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن وهب قوله أليس حسبكم سنة رسول الله أي أليس يكفيكم سنة رسول الله لأن معنى الحسب الكفاية ومنه حسبنا الله أي كافينا وحسبكم مرفوع لأنه إسم ليس وسنة رسول الله كلام إضافي منصوب على أنه خبر ليس وقال عياض ضبطنا سنة بالنصب على الإختصاص أو على إضمار فعل أي تمسكوا وشبهه وقال السهيلي من نصب سنة فهو بإضمار الأمر كأنه قال إلزموا سنة نبيكم وقال بعضهم خبر حسبكم في قوله طاف بالبيت قلت ليس كذلك بل خبر ليس على وجه نصب سنة على قول عياض والسهيلي قوله طاف بالبيت وهو أيضا سد مسد جواب الشرط وقال الكرماني فإن قلت إذا كان محصرا فكيف يطوف بالبيت قلت المراد من قوله ان حبس الحبس عن الوقوف بعرفة قلت لا حاجة إلى هذا التقدير لأن معنى طاف بالبيت أي إذا أمكنه ذلك ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به قوله وبالصفا والمروة أي طاف بهما أي سعى بين الصفا والمروة قوله فيهدي أي يذبح شاة إذ التحلل لا يحصل إلا بنية التحلل والذبح والحلق وإن لم يجد الهدي يصوم بدله بعدد أمداد الطعام الذي يحصل من قيمته قلت هكذا ذكره الكرماني وهو مذهب الشافعي ومن تابعه فإن عنده حكم المكي والغريب سواء في الإحصار فيطوف ويسعى ويحل ولا عمرة عليه على ظاهر حديث ابن عمر وأوجبها مالك على المحصر المكي وعلى من أنشأ من مكة وعند أبي حنيفة لا يكون محصرا من بلغ مكة لأن المحصر عنده من منع الوصول إلى مكة وحيل بينه وبين الطواف والسعي فيفعل ما فعل الشارع من الإحلال من موضعه وأما من بلغها فحكمه عنده كمن فاته الحج يحل بعمرة وعليه الحج من قابل ولا هدي عليه لأن الهدي لجبر ما أدخله على نفسه ومن حبس عن الحج فلم يدخل على نفسه نقصا وقال الزهري إذا أحصر المكي فلا بد له من الوقوف بعرفة وإن تعسر بعشي وفي حديث ابن عمر رد عليه لأن المحصر لو وقف بعرفة لم يكن محصرا ألا يرى قول ابن عمر طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يذكر الوقوف بعرفة
وعن عبد الله قال أخبرنا معمر عن الزهري قال حدثني سالم عن ابن عمر نحوه
عبد الله هو ابن المبارك وأشار به إلى أن عبد الله بن المبارك حدث به تارة عن يونس عن الزهري وتارة عن معمر عنه فإن قلت قوله وعن عبد الله معطوف على ماذا قلت قيل إنه معطوف على الإسناد الأول وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم قلت كأنه أراد بالبعض المحب الطبري وقد أخرج الترمذي فقال حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرني معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة نبيكم قلت يريد به عدم الاشتراط كما هو مبين عند النسائي من رواية معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط وهكذا رواه الدارقطني من هذا الوجه بلفظ أما حسبكم سنة نبيكم أنه لم يشترط فإن قلت روى مسلم من رواية رباح بن أبي معروف عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي قال لضباعة حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ورواه الأربعة أيضا فرواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام وأخرجه النسائي من رواية ثبت بن يزيد الأحول عن هلال بن خباب ورواه الترمذي عن زياد بن أيوب البغدادي حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير أتت النبي فقالت يا رسول الله إني أريد الحج أفأشترط قال نعم قالت كيف أقول قال قولي لبيك اللهم لبيك محلي من الأرض حيث تحبسني وأخرجه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن طاووس وعكرمة كلاهما عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله فقالت إني امرأة ثقيلة فإني أريد الحج فما تأمرني قال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني ولما رواه الترمذي قال وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر وعائشة رضي الله تعالى عنهم قلت أما حديث جابر فرواه البيهقي من رواية هشام الدستوائي عن جابر أن النبي قال لضباعة بنت الزبير حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني وأما

(10/146)


حديث أسماء فرواه ابن ماجه على الشك من رواية عثمان بن حكيم عن أبي بكر بن عبد الله بن الزبير عن جدته قال لا أدري أسماء بنت أبي بكر أو سعدى بنت عوف أن رسول الله دخل على ضباعة بنت عبد المطلب فقال ما يمنعك يا عمتاه من الحج فقالت أنا امرأة سقيمة وأنا أخاف الحبس قال فأحرمي واشترطي أن محلك حيث حبست وهكذا أخرجه أحمد في ( مسنده ) والطبراني عن جدته لم يسمها وأما حديث عائشة فمتفق عليه على ما يجيء إن شاء الله تعالى
وحديث ضباعة له طرق منها ما رواه ابن خزيمة من طريق البيهقي من رواية يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ضباعة بنت الزبير قالت قلت يا رسول الله إني أريد الحج فكيف أهل بالحج قال قولي أللهم إني أهل بالحج إن أذنت لي به وأعنتني عليه ويسرته لي وإن حبستني فعمرة وإن حبستني عنهما فمحلي حيث حبستني وضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي ابنة عم النبي ووقع عند ابن ماجه ضباعة بنت عبد المطلب وذلك نسبة إلى جدها ووقع في ( الوسيط ) للغزالي عند ذكر هذا الحديث أنها ضباعة الأسلمية وهو غلط وإنما هي هاشمية
وقد ضعف بعض لمالكية أحاديث الاشتراط في الحج فحكى القاضي عياض عن الأصيلي قال لا يثبت عندي في الاشتراط إسناد صحيح قال قال النسائي لا أعلم سنده عن الزهري غير معمر وقال شيخنا زين الدين رحمه الله وما قاله الأصيلي غلط فاحش فقد ثبت وصح من حديث عائشة وابن عباس وغيرهما على ما مر
واختلفوا في مشروعية الاشتراط فقيل واجب لظاهر الأمر وهو قول الظاهرية وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى الإنكار عنه وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد ولما روى الترمذي حديث ضباعة بنت الزبير قال والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون الاشتراط في الحج ويقولون إن اشترط لغرض له كمرض أو عذر فله أن يحل ويخرج من إحرامه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقيل هو قول جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم قال به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعائشة وأم سلمة وجماعة من التابعين وذهب بعض التابعين ومالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يصح الاشتراط وحملوا الحديث على أنه قضية عين وأن ذلك مخصوص بضباعة وقال الترمذي ولم ير بعض أهل العلم الاشتراط في الحج وقالوا إن اشترط فليس له أن يخرج من إحرامه فيرونه كمن لم يشترط قلت حكى الخطابي ثم الروياني من الشافعية الخصوص بضباعة وحكى إمام الحرمين أن معناه محلي حيث حبسني الموت أي إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي وقال النووي إنه ظاهر الفساد ولم يبين وجهه والله أعلم
3 -
( باب النحر قبل الحلق في الحصر )
أي هذا باب في بيان جواز النحر قبل الحلق في حال الحصر ولم يشر إلى بيان الحكم في الترجمة اكتفاء بحديث الباب فإنه يدل على جواز النحر قبل الحلق في حالة الإحصار
1181 - حدثنا ( محمود ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( المسور ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذالك
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمود هو ابن غيلان أبو أحمد العدوي المروزي ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد والمسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وبالراء ابن مخرمة بن نوفل القرشي الزهري أبو عبد الرحمن له ولأبيه صحبة مات سنة أربع وستين وصلى عليه ابن الزبير بالحجون
وهذا الحديث طرف من حديث طويل أخرجه البخاري في الشروط على ما يأتي إن شاء الله تعالى ولفظه في أواخر الحديث فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا الحديث
وفيه أن نحر المحصر قبل الحلق يجوز والحديث حجة على مالك في قوله إنه لا هدي على المحصر قال الكرماني فإن قلت قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ( البقرة 691 ) والخطاب للمحصرين ومقتضاه أن الحلق لا يقدم على النحر في محله قلت بلوغ الهدي المحل إما زمانا أو مكانا لا يستلزم نحره ومحل هدي

(10/147)


المحصر هو حيث أحصر فقد بلغ محله وثبت أنه عليه السلام تحلل بالحديبية ونحر بها وهي من الحل لا من الحرم قلت مذهب أبي حنيفة أن دم الإحصار يتوقت بالحرم وهو المكان لا بيوم النحر وهو الزمان لإطلاق النص وعند أبي يوسف ومحمد يتوقف بالزمان والمكان كما في الحلق وهذا الخلاف في المحصر بالحج وأما دم المحصر بالعمرة فلا يتوقت بالزمان بلا خلاف بينهم وبالهدي لا يتحلل المحصر عند أبي يوسف ولا بد له من الحلق بعد النحر لأنه إن عجر عن أداء المناسك لم يعجز عن الحلق وقال أبو حنيفة ومحمد يتحلل بالذبح لإطلاق النص
2181 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال أخبرنا ( أبو بدر شجاع بن الوليد ) عن ( عمر بن محمد العمري ) قال وحدث نافع أن عبد الله وسالما كلما عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال خرجنا مع النبي معتمرين فحال كفار قريش دون البيت فنحر رسول الله بدنه وحلق رأسه
مطابقته للترجمة في قوله فنحر رسول الله بدنه وحلق رأسه والحديث قد مضى بأتم منه في باب إذا أحصر المعتمر قبل هذا الباب بباب ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة صاحب السابري وهو من أفراده وشجاع ابن الوليد بن قيس الكوفي سكن بغداد وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب مر في باب من لم يتطوع في السفر وعبد الله هو ابن عبد الله بن عمر قوله بدنه بضم الباء الموحدة جمع بدنة
4 -
( باب من قال ليس على المحصر بدل )
أي هذا باب في بيان قول من قال ليس على المحصر بدل أي عوض أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة
وقال روح عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ فأما من حبسه عذر أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع وإن كان معه هدي وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله
مطابقته للترجمة في قوله إنما البدل على من نقص حجه وروح بفتح الراء وسكون الواو ابن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة وشبل بكسر الشين المعجمة ابن عباد بفتح العين المكي تلميذ ابن كثير في القراءة وكان قدريا وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وقد مر غير مرة
وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في ( تفسيره ) عن روح بهذا الإسناد وهو موقوف على ابن عباس
قوله بالتلذذ أي بالجماع قوله عذر بضم العين وسكون الذال المعجمة هكذا وقع في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عدو من العداوة قال الكرماني العذر الوصف الطارىء على المكلف المناسب للتسهيل عليه ولعله أراد به ههنا نوعا منه كالمرض ليصح عطف أو غير ذلك عليه نحو نفاد نفقته أو سرقتها قوله ولا يرجع أي ولا يقضي وهذا في النفل إذ الفريضة باقية في ذمته كما كانت وعليه أن يرجع لأجلها في سنة أخرى وقد روي عن ابن عباس نحو هذا رواه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه قال الكرماني فإن قلت ما الفرق بين حج النفل الذي يفسد بالجماع فإنه يجب قضاؤه والنفل الذي يفوت عنه بسبب الإحصار قلت ذلك بتقصير وهذا بدون تقصيره وعند أبي حنيفة إذا تحلل المحصر لزمه القضاء سواء كان نفلا أو فرضا وهذه مسألة اختلاف بين الصحابة ومن بعدهم فقال الجمهور يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان في الحل أو الحرم وقال أبو حنيفة لا يذبحه إلا

(10/148)


في الحرم وفصل الآخرون كما قاله ابن عباس هنا فإن قلت ما سبب الاختلاف في ذلك قلت منشأ الاختلاف فيه هل نحر النبي الهدي بالحديبية في الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم ووافقه ابن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل وأبو حنيفة أخذ بقول عطاء وفي ( الاستذكار ) قال عطاء وابن إسحاق لم ينحر هديه يوم الحديبية إلا في الحرم
وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لأن النبي وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ثم لم يذكر أن النبي أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا له والحديبية خارج الحرم
الذي قال مالك مذكور في ( موطئه ) ولفظه أنه بلغه أن رسول الله حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ثم لم نعلم أن رسول الله أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء قوله وغيره أي غير مالك قال بعضهم الذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي لأن قوله في آخره والحديبية خارج الحرم هو كلام الشافعي في ( الام ) انتهى قلت قوله والحديبية خارج الحرم لا يدل على أن المراد من الغير هو الشافعي لأن الشافعي نقل عنه أيضا أن بعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم فإذا كان كذلك كيف يجوز أن يترك الموضع الذي من الحرم من الحديبية وينحر في الحل والحال أن بلوغ الكعبة صفة للهدي في قوله تعالى هديا بالغ الكعبة ( المائدة 59 ) وقد قال ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا أبو أسامة عن أبي عميس عن عطاء قال كان منزل النبي يوم الحديبية في الحرم فإذا كان منزل النبي في الحرم كيف ينحر هديه في الحل وهذا محال قوله في أي موضع كان ويروى في أي المواضع وقال الكرماني كان أي الحصر لا الحلق قلت إنما فسر بهذا لأجل مذهبه وليس كذلك بل الضمير في كان يرجع إلى الحلق الذي يدل عليهقوله ويحلق قوله ولا يعودوا له كلمة لا زائدة كقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد ( الأعراف 21 ) قوله والحديبية خارج الحرم قال الكرماني هذه الجملة يحتمل أن تكون من تتمة كلام مالك وأن تكون من كلام البخاري وغرضه الرد على من قاللا يجوز النحر حيث أحصر بل يجب البعث إلى الحرم فلما ألزموا بنحر رسول الله أجابوا بأن الحديبية إنما هي من الحرم فرد ذلك عليهم انتهى قلت هذه الجملة سواء كانت من كلام مالك أو من كلام البخاري لا تدل على غرضه لأن كون الحديبية خارج الحرم ليس مجمعا عليه وقد روى الطحاوي من حديث الزهري عن عروة عن المسور أن رسول الله كان بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هديه دون الحرم وروى البيهقي من حديث يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان والمسور بن مخرمة قالا خرج رسول الله زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه الحديث بطوله وفيه وكان مضطربه في الحل وكان يصلي في الحرم انتهى قلت المضطرب هو البناء الذي يضرب ويقام على أوتاد مضروبة في الأرض والخباء بكسر الخاء بيت من صوف أو وبر والجمع أخبية وإذا كان من شعر يسمى بيتا
3181 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية ثم أن عبد الله

(10/149)


ابن عمر نظر في أمره فقال ما أمرهما إلا واحد فالتفت إلى أصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى
قيل مطابقته للترجمة غير ظاهرة لأنه ليس في لفظه ما يدل على الترجمة قلت لما كانت قصة صده بالحديبية مشهورة وأنهم لم يؤمروا بالقضاء في ذلك علم من ذلك أن البدل لا يلزم المحصر وهذا القدر كاف في المطابقة وهذا الحديث وما فيه من المباحث قد مرا في باب إذا أحصر المعتمر
قوله ثم طاف لهما أي للحج والعمرة قوله مجزئا عنه بضم الميم من الإجزاء وهو الأداء الكافي لسقوط التعبد ومجزئا بالنصب رواية كريمة ووجهه أن يكون خبر كان محذوفا وفي رواية أبي ذر وغيره مجزىء بالرفع على أنه خبر أن وقال بعضهم والذي عندي أن النصب من خطأ الكاتب فإن أصحاب ( الموطأ ) اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب قلت نسبة الكاتب إلى الخطأ خطأ وإنما يكون خطأ لو لم يكن له وجه في العربية واتفاق أصحاب ( الموطأ ) على الرفع لا يستلزم كون النصب خطأ على أن دعوى اتفاقهم على الرفع لا دليل لها
5 -
( باب قول الله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )
أي هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى فمن كان منكم مريضا ( البقرة 691 ) وهذه قطعة من آية أولها قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة ( البقرة 691 ) وآخرها واعلموا أن الله شديد العقاب ( البقرة 691 ) وتشتمل على أحكام شتى منها قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة 691 ) فإن هذه نزلت في كعب بن عجرة لما حمل إلى النبي والقمل يتناثر في وجهه على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى
قوله فمن كان منكم مريضا ( البقرة 691 ) أي من كان به مرض يحوجه إلى الحلق أو به أذى من الحلق ( البقرة 691 ) وهو القمل والجراحة قوله ففدية ( البقرة 691 ) أي فعليه إذا حلق فدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر قوله أو نسك ( البقرة 691 ) جمع نسيكة وهي الذبيحة أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة وهل هي على التخيير أو لا فيه خلاف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وهو مخير وأما الصوم فثلاثة أيام
الضمير أعني قوله هو يرجع إلى كل واحد من المريض ومن به أذى في رأسه قوله مخير يعني بين الأشياء الثلاثة المذكورة في الآية المذكورة وهي صوم ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين وذبح شاة قوله وأما الصوم كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني وأما الصيام على لفظ ما جاء في القرآن وكلمة إما تفصيلية تقتضي القسيم وهو محذوف تقديره وأما الصدقة فهي إطهام ستة مساكين وأما النسك فأقله شاة
4181 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( حميد بن قيس ) عن ( مجاهد ) عن ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أنه قال لعلك آذاك هوامك قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة
مطابقته للآية الكريمة ظاهرة وحميد مصغر الحمد بن قيس أبو صفوان مولى عبد الله بن الزبير الأعرج القاري مات في خلافة السفاح وكعب بن عجرة بضم العين وقد مر في كتاب الصلاة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الحج عن أبي نعيم وعن أبي الوليد وعن إسحاق وعن محمد بن يوسف فهؤلاء أربعة ومع عبد الله

(10/150)


ابن يوسف خمسة أخرج عنهم في الحج على التوالي وأخرجه أيضا في الطب عن قبيصة وعن أبي عبد الله وفي المغازي عن أبي عبد الله أيضا وفي النذور عن أحمد بن يونس وفي المغازي أيضا عن الحسن بن خلف وعن سليمان بن حرب وفي الطب أيضا عن مسدد وأخرجه مسلم في الحج عن عبيد الله بن عمر القواريري وأبي الربيع الزهراني وعن علي بن حجر وزهير ابن حرب ويعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن ابن أبي عمر وعن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه أيضا عن وهب بن بقية وعن موسى بن إسماعيل وعن محمد بن منصور وعن قتيبة وعن القعنبي عن مالك وأخرجه الترمذي فيه عن ابن عمر وفي التفسير عن علي بن حجر في ثلاثة مواضع وأخرجه النسائي في الحج عن محمد ابن سلمة والحارث بن مسكين وعن محمد بن عبد الأعلى وفيه وفي التفسير عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه من رواية أسامة بن زيد عن محمد بن كعب القرظي عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه
ذكر اختلاف ألفاظه قد مضت رواية البخاري لعلك أذاك هوامك وفي لفظ تؤذيك هوامك وفي لفظ مسلم أتؤذيك هوام رأسك وفي لفظ أبي داود قد أذاك هوام رأسك وفي لفظ أصابني هوام في رأسي وأنا مع النبي عام الحديبية حتى تخوفت على بصري ولفظ الترمذي أتؤذيك هوامك هذه ولفظ النسائي أتؤذيك هوامك وفي لفظ أحمد تؤذيك هوام رأسك وفي لفظ له فأرسل إلي فدعاني فلما رآني قال لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر أدعوا إلى الحجام فحلقني ومن لفظه وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي وفي لفظ للبخاري وقف علي رسول الله بالحديبية ورأسي يتهافت قملا وفي لفظ والقمل يتهافت لماء جمعه وفي لفظ فقل رأسه ولحيته وفي لفظ يتناثر على وجهي وفي لفظ رآه وقمله يسقط على وجهه ولفط مسلم رأسه يتهافت قملا وفي لفظ النسائي والقمل يتناثر على وجهي أو حاجبي وفي لفظ ورأسي يتهافت قملا وفي لفظ للطبراني مر بي وعلي وفرة من أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصيبان وفي لفظ حتى تخوفت على بصري فأنزل الله تعالى الآية وفي لفظ للطبري فحك رأسي بإصبعه فانتثر منه القمل وفي لفظ في ( مقامات التنزيل ) فوقع القمل في رأسي ولحيي حتى وقع في حاجبي ولفظ البخاري في الحديث المذكور أحلق رأسك وصم إلى آخره وفي لفظ له فأمره أن يحلق وهو بالحديبية وفي لفظ فدعا الحلاق فحلقه ثم أمرني بالفداء وفي لفظ فاحلق وصم ثلاثة أيام وفي لفظ مسلم فاحلق رأسك وأطعم فرقا بين ستة مساكين وفي لفظ إحلق ثم اذبح شاة نسكا وفي لفظ فدعا الحلاف فحلق رأسه وفي لفظ أبي داود فدعاني رسول الله فقال لي احلق رأسك وصم ثلاثة أيام وفي لفظ للترمذي إحلق وأطعم فرقا وفي لفظ للنسائي فاحلق رأسك وانسك نسيكة وفي لفظ ابن ماجه أمرني النبي حين آذاني القمل أن أحلق رأسي وأصوم ثلاثة أيام وفي لفظ للطبراني إحلق واهد هديا وفي لفظ لهاهد بقرة وأشعرها وقلدها فافتدى ببقرة وفي لفظ مر به فأمره أن يحلق وجاءه الوحي فقال إن شئت فصم ثلاثة أيام وفي لفظ أنسك ما تيسر وفي لفظ أو إذبح ذبيحة وفي لفظ فاحلق أو جزه إن شئت وأطعم ستة مساكين وروى الواحدي في ( أسباب النزول ) من رواية المغيرة بن صقلاب قال حدثنا عمر بن قيس المكي عن عطاء عن ابن عباس قال لما نزلنا الحديبية جاء كعب بن عجرة تنثر هوام رأسه على جبهته فقال يا رسول الله هذا القمل قد أكلني قال إحلق وافده قال فحلق كعب ونحر بقرة فأنزل الله عز و جل في ذلك الوقت فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ( البقرة 691 ) قال ابن عباس قال رسول الله الصيام ثلاثة أيام والنسك شاة والصدقة الفرق بين ستة مساكين لكل مسكين مدان وقال شيخنا زين الدين رحمه الله هذا حديث شاذ منكر وعمر بن قيس هو المعروف بسند منكر الحديث ولم ينقل أن ابن عباس كان في عمر الحديبية وقال الشافعي إن ابن عباس لم يكن مع النبي في إحرام إلا في حجة الوداع ومن المنكر قوله ونحر بقرة ففي ( الصحيح ) أن النبي قال له أتجد شاة قال لا وإنه أمر بالصوم أو الإطعام انتهى قلت الحديث يدل على أن ابن عباس

(10/151)


كان مع النبي في عمرة الحديبية والشافعي ينفي والمثبت مقدم وأما نحر البقرة فقد رواه الطبراني أيضا كما ذكرناه عن قريب
ذكر معناه قوله لعلك آذاك وفي لفظ له حملت إلى رسول الله وفي لفظ وقف علي رسول الله بالحديبية وفي لفظ إنه رآه وأنه يسقط على وجهه وفي لفظ مر بي النبي وفي لفظ لمسلم قال فأتيته قال أدنه وفي لفظ له مر به النبي وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم فإن قلت ما الجمع بين اختلاف هذه الروايات والقصة واحدة قلت لا تعارض في شيء من ذلك أما لفظ لعلك آذاك فساكت عن قيد وأما بقية الألفاظ فوجهها أنه مر به وهو محرم في أول الأمر وسأله عن ذلك ثم حمل إليه ثانيا بإرساله إليه وأما إتيانه فبعد الإرسال وأما رأيته إياه فلا بد منها في الكل وقال القرطبي في قوله لعلك آذاك هوامك هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم فلما أخبره بالمشقة التي نالته أمره بالحلق والهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما تدب من الأحناش والمراد بها ملا يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف وقال الكرماني ولا يقع هذا الإسم إلا على المخوف من الأحناش والمراد بها القمل لأنه يهم على الرأس أي يدب قلت إنما قال والمراد بها القمل لأنه هو المذكور في كثير من الروايات قوله إحلق رأسك أمره بالحلق وهو إزالة شعر الرأس أعم من أن يكون بالوسى وبالمقص أو بالنورة أو غير ذلك قوله أو أطعم ستة مساكين ليس فيه بيان قدر الإطعام وسيأتي البيان فيه عن قريب قوله أو أنسك بشاة هكذا وقعت رواية الأكثرين بشاة بالباء وفي رواية الكشميهني أو أنسك شاة بغير باء وعلى الأول تقديره تقرب بشاة فلذلك عداه بالباء وعلى الثاني تقديره إذبح
ذكر ما يستفاد منه من الأحكام منها جواز الحلق للمحرم للحاجة مع الكفارة المذكورة في الآية الكريمة وفي الحديث المذكور وهذا مجمع عليه
ومنها أنه ليس فيه تعرض لغير حلق الرأس من سائر شعور الجسد وقد أوجب العلماء الفدية بحلق سائر شعور البدن لأنها في معنى حلق الرأس إلا داود الظاهري فإنه قال لا تجب الفدية إلا بحلق الرأس فقط وحكى الرافعي عن المحاملي أن في رواية عن مالك لا تتعلق الفدية بشعر البدن
ومنها أنه أمر بحلق شعر نفسه فلو حلق المحرم شعر حلال فلا فدية على واحد منهما عند مالك والشافعي وأحمد وحكى عن أبي حنيفة أنه قال ليس للمحرم أن يحلق شعر الحلال فإن فعل فعليه صدقة
ومنها أنه إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فقد حكى ابن عبد البر في ( الاستذكار ) عن أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور أن عليه دما لا غير وأنه لا يخير إلا في الضرورة وقال مالك بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها وقال شيخنا زين الدين وما حكاه عن الشافعي وأصحابه ليس بجيد بل المعروف عنهم وجوب الفدية كما جزم به الرافعي كما أوجبوا الكفارة في اليمين الغموس بل أولى بالوجوب
ومنها أنه أطلق الحلق لكعب بن عجرة ولكن لضرورته ولغير الضرورة لا يجوز للمحرم حتى إذا حلق من غير ضرورة يلزمه الفدية سواء كان عامدا أو ناسيا أو عالما أو جاهلا وذهب إسحاق وداود إلى أنه لا شيء على الناسي
ومنها أنه قدم الحلق على الصوم والإطعام وفي الآية قدم الصوم فهل يفهم منه وجوب الترتيب أو المراد الأفضلية فيما قدم في الآية والحديث والجواب أن الحديث اختلفت ألفاظه في التقديم والتأخير ففي حديث الباب قدم الحلق وفي الحديث الآخر قدم الصوم حيث قال صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة مساكين أو أنسك ما تيسر وهذا موافق للآية وفي رواية لمسلم قال أيوب فلا أدري بأي ذلك بدأ وفي رواية له إذبح شاة نسكا أو صم ثلاثة أيام أو أطعم الحديث وعلى هذا فلا فضل في تقديم أحد الأنواع على بعضها من هذا الحديث لكن قد يستدل بتقديم الشاة في الكفارة المرتبة على أفضلية تقديم الذبح في غير المرتبة
ومنها أنه خيره بين الصوم والإطعام والذبح وقال أبو عمر عامة الآثار عن كعب وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن العظيم وعليه مضى عمل العلماء في كل الأمصار ويؤيده ما رواه ابن أبي حاتم في ( تفسيره ) عن أبي سعيد الأشج حدثنا حفص

(10/152)


المحاربي عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز و جل ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة 691 ) قال إذا كان أو أو بأية أخذت أجزأك قال وروي عن مجاهد وعكرمة وعطاء وطاووس والجنيد وحميد الأعرج والنخعي والضحاك نحو ذاك وذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور إلى أن التخيير لا يكون إلا في الضرورة فإن فعل ذلك من غير ضرورة فعليه دم وفي ( صحيح مسلم ) رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال أي ذلك فعلت أجزأك كذا رواية أبي داود التي فيها إن شئت وإن شئت ووافقها رواية عبد الوارث عن أبي نجيح أخرجها مسدد في ( مسنده ) ومن طريقه الطبراني لكن رواية عبد الله بن مغفل التي تأتي عن قريب تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه قال أتجد شاة قال لا قال فصم أو أطعم ولأبي داود في رواية أخرى أمعك دم قال لا قال فإن شئت فصم ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قول ما أجد هديا قال فأطعم قال ما أجد قال صم ولهذا قال أبو عوانة في ( صحيحه ) فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم يعني ولا يطعم لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبراني وغيره عن سعيد بن جبير قال النسك شاة فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما أخرجه من طريق الأعمش عنه قال فذكرته لإبراهيم فقال سمعت علقمة مثله فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين وقد جمع بينهما بأوجه منها ما قال أبو عمر إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه ومنها ما قال النووي ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزىء إلا لفاقد الهدي بل المراد به أنه استخبره هل معه هدي أو لا فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما ومنها ما قاله بعضهم يحتمل أن يكون النبي لما أذن له في حلق رأسه بسبب أذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الإجتهاد منه أو بوحي غير متلو فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله ابن مغفل حيث قال أتجد شاة قال لا فنزلت هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة 691 ) فقال صم ثلاثة أيام أو أطعم وفي رواية عطاء الخراساني قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين قال وكن قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب فإن قلت سياق الآية يشعر بأن يقدم الصيام على غيره قلت ليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام
ومنها أن الصوم ثلاثة أيام وقال ابن جرير حدثنا ابن أبي عمران حدثنا عبد الله بن معاذ عن أبيه عن أشعث عن الحسن في قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة 691 ) قال إذا كان بالمحرم أذى من رأسه حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء والصيام عشرة أيام والصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مكوكان مكوك من تمر ومكوك من بر والنسك شاة وقال قتادة عن الحسن وعكرمة في قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة 691 ) قال إطعام عشرة مساكين وقال ابن كثير في ( تفسيره ) وهذان القولان من سعيد بن جبير وعلقمة والحسن وعكرمة قولان غريبان فيهما نظر لأنه قد ثبتت السنة في حديث كعب بن عجرة فصيام ثلاثة أيام لا عشرة وقال أبو عمر في ( الاستذكار ) روي عن الحسن وعكرمة ونافع صوم عشرة أيام قال ولم يتابعهم أحد من العلماء على ذلك
ومنها أن الإطعام لستة مساكين ولا يجزىء أقل من ستة وهو قول الجمهور وحكى عن أبي حنيفة أنه يجوز أن يدفع إلى مسكين واحد والواجب في الإطعام لكل لمسكين نصف صاع من أي شيء كان المخرج في الكفارة قمحا أو شعيرا أو تمرا وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور وداود وحكي عن الثوري وأبي حنيفة تخصيص ذلك بالقمح وأن الواجب من الشعير والتمر صاع لكل مسكين وحكى ابن عبد البر عن أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك والشافعي وعند أحمد في رواية إن الواجب في الإطعام لكل مسكين مد من قمح أو مدان من تمر أو شعير

(10/153)


ومنها ما احتج بعموم الحديث مالك على أن الفدية يفعلها حيث شاء سواء في ذلك الصيام والإطعام والكفارة لأنه لم يعين له موضعا للذبح أو الإطعام ولا يجوز تأخر البيان عن وقت البيان وقد اتفق العلماء في الصوم أن له أن يفعله حيث شاء لا يختص ذلك بمكة ولا بالحرم وأما النسك والإطعام فجوزهما مالك أيضا كالصوم وخصص الشافعي ذلك بمكة أو بالحرم واختلف فيه قول أبي حنيفة فقال مرة يختص بذلك الدم دون الإطعام وقال مرة يختصان جميعا بذلك وقال هشيم أخبرنا ليث عن طاووس أنه كان يقول ما كان من دم أو إطعام فبمكة وما كان من صيام فحيث شاء وكذا قال عطاء ومجاهد والحسن
ومنها ما قال شيخنا زين الدين يستثنى من عموم التخيير في كفارة الأذي حكم العبد إذا احتاج إلى الحلق فإن فرضه الصوم على الجديد سواء أحرم بغير إذن سيده أو بإذنه فإن الكفارة لا تجب على السيد كما جزم به الرافعي ولو ملكه السيد لم يملكه على الجديد وعلى القديم يملكه
6 -
( باب قول الله تعالى أو صدقة ( البقرة 691 ) وهي إطعام ستة مساكين )
أي هذا باب في بيان تفسير الصدقة المذكورة في قوله تعالى أو صدقة ( البقرة 691 ) لأنها مبهمة وفسرها بقوله وهي إطعام ستة مساكين
5181 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سيف ) قال حدثني ( مجاهد ) قال سمعت ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) قال أن ( كعب بن عجرة ) حدثه قال وقف علي رسول الله بالحديبية وراسي يتهافت قملا فقال يؤذيك هوامك قلت نعم قال فاحلق رأسك أو قال احلق قال في نزلت هاذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه إلى آخرها فقال النبي صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة أو انسك بما تيسر
مطابقته للترجمة في قوله أو تصدق بفرق بين ستة فإنه تفسير لقوله تعالى أو صدقة ( البقرة 691 ) في الآية المذكور وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وقد تكرر ذكره وسيف بلفظ الآلة القاطعة ابن سليمان المكي تقدم في أبواب القبلة
قوله علي بتشديد الياء المفتوحة ورسول الله بالرفع فاعل وقف والباء في بالحديبية بمعنى في ظرفية قوله ورأسي يتهافت جملة إسمية وقعت حالا ومعنى يتهافت بالفاء يتساقط شيئا فشيئا وهو مأخوذ من الهفت بسكون الفاء وفي ( المحكم ) الهفت تساقط الشيء قطعة قطعة كالثلج والرذاذ ونحوهما وتهافت الفراش في النار تساقطه وتهافت القوم تساقطوا موتا وتهافتوا عليه تتابعوا وانتصاب قملا على التمييز قوله أو احلق شك من الراوي ومفعوله محذوف قوله في بكسر الفاء وتشديد الياء المفتوحة قوله بفرق بفتح الفاء وسكون الراء وفتحها وهو مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا
وقال الأزهري كلام العرب بفتح الراء والمحدثون قد يسكنونه ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عند أحمد والترمذي وغيرهما والفرق ثلاثة آصع وفي رواية مسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى وأطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين وآصع بمد الهمزة وضم الصاد جمع صاع على القلب لأن القياس في جمعه أصوع بقصر الهمزة وسكون الصاد بعدها واوا مضمومة قال الجوهري وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة فقلت أصؤع وحكى الوجهان كذلك في آدور وآدر جمع دار وذكر ابن مكي في كتاب ( تثقيف اللسان ) أن قولهم آصع بالمد لحن من خطأ العوام وأن صوابه آصوع وقال النووي هذا غلط منه مردود وذهول قلت القياس ما ذكره ابن مكي وأما الذي ورد فمحمول على القلب ووزنه على هذا أعفل فافهم وفي الصاع لغتان التذكير والتأنيث حكاهما الجوهري وغيره
قوله بين ستةأي بين ستة مساكين قوله أو أنسك على صيغة الأمر من نسك إذا ذبح وهو رواية كريمة وفي رواية غيرها أو نسك بلفظ الاسم والأول هو المناسب لأخوته أللهم إلا أن يقال أو أنسك بنسك قال الكرماني أو هو من باب
( علفتها تبنا وماء باردا )
قوله بما تيسر بالباء الموحدة في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر وغيره مما تيسر وأصله

(10/154)


من ما تيسر فحذفت النون وأدغمت الميم في الميم أي مما تيسر من أنواع الهدي
7 -
( باب الإطعام في الفدية نصف صاع )
أي هذا باب التنوين يذكر فيه الإطعام في الفدية نصف صاع فالإطعام مبتدأ ونصف صاع خبره أي نصف لكل مسكين وقال بعضهم يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره قلت ليس فيه إشارة إلى ذلك لأن قوله نصف صاع يراد به نصف صاع من قمح لأن نصف صاع عند الإطلاق ينصرف إلى القمح ولا خلاف فيه ويؤيد هذا ما في رواية مسلم من حديث كعب أيضا أو إطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاما لكل مسكين فقوله طعاما يبين أن المراد من نصف صاع هو القمح وبه يفرق بين القمح وغيره ويرد بهذا على القائل المذكور في قوله يشير بذلك إلى الرد على من فرق بين القمح وغيره
6181 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن عبد الرحمان بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل قال جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه فسألته عن الفدية فقال نزلت في خاصة وهي لكم عامة حملت إلى رسول الله والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى تجد شاة فقلت لا فقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع
مطابقته للترجمة في قوله لكل مسكين نصف صاع وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي و ( عبد الرحمن بن الأصبهاني ) بفتح الهمزة وكسرها وبالباء الموحدة والفاء أربعة أوجه وهو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي وأصله من أصبهان وعبد الله ابن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وباللام ابن مقرن بفتح القاف وكسر الراء المشددة التابعي الكوفي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر عن عدي بن حاتم مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة
قوله ( جلست إلى كعب بن عجرة ) وفي رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد وفي رواية أحمد بن بهز قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني يعني مسجد الكوفة ومعنى جلست إلى كعب انتهى جلوسي إلى كعب قوله نزلت في بكسر الفاء وتشديد الياء أي نزلت الآية المرخصة لحلق الرأس ومقصوده أنه من باب خصوص السبب وعموم اللفظ قوله حملت على صيغة المجهول قوله والقمل يتناثر جملة إسمية وقعت حالا قوله أرى الوجع بضم الهمزة أي أظن وأرى الثاني بفتح الهمزة بمعنى أبصر قوله يبلغ بك بصيغة المضارع في رواية المستملي والحموي وعند غيرهما بلغ بك بصيغة الماضي قوله الجهد بفتح الجيم المشقة وفيه شك من الراوي هل قال الوجع أو الجهد وقال النووي ضم الجيم لغة في المشقة أيضا وكذا حكاه عياض عن ابن دريد قال صاحب ( العين ) بالضم الطاقة وبالفتح المشقة فتعين الفتح هنا قوله تجد شاة خطاب لكعب والمعنى هل تجد شاة قوله فقلت لا أي لا أجد قوله فقال صم أي فعند ذلك قال صم وهو أمر من صام يصوم قال الكرماني فإن قلت الفاء للترتيب ولكن لفظ القرآن ورد على التخيير قلت التخيير إنما هو عند وجود الشاة وأما عند عدمها فبين أحد الأمرين لا بين الثلاثة وقال النووي فليس المراد أن الصوم لا يجزىء إلا لعادم الهدي بل هو محمول على أنه سأل عن النسك فإن وجده أخبره بأنه مخير بين الثلاث وإن عدمه فهو مخير بين اثنين قوله لكل مسكين نصف صاع أي من قمح والدليل عليه أنه في رواية أحمد عن بهز عن شعبة نصف صاع طعام وأصرح منه ما رواه بشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة فهذا يدل على صحة الفرق بين القمح وغيره فإن قلت في رواية الطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه لكل مسكين نصف صاع تمر قلت المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا أو غيره من تصرف الرواة

(10/155)


8 -
( باب النسك شاة )
أي هذا باب يذكر فيه أن النسك المذكور في الآية هو شاة ووقع في رواية الطبري من طريق المغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث فأنزل الله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( البقرة 691 ) والنسك شاة وقال أبو عمر كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكروا شاة وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء قال بعضهم يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصاب أذى فحلق فأمره النبي أن يهدي بقرة وروى الطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر قال حلق كعب بن عجرة رأسه فأمره رسول الله أن يفتدي فافتدى ببقرة وروى عبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر قال افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها وروى سعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن سليمان بن يسار قيل لابن كعب بن عجرة ما صنع أبوك حيث أصابه الأذى في رأسه قال ذبح بقرة قلت هذا كله لا يساوي ما ثبت في ( الصحيح ) من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وقد قال شيخنا زين الدين رحمه الله لفظ البقرة منكر شاذ وقال ابن حزم وخبر كعب بن عجرة الصحيح فيما رواه ابن أبي ليلى والباقون روايتهم مضطربة موهومة فوجب ترك ما اضطرب فيه والرجوع إلى رواية عبد الرحمن التي لم تضطرب ولو كان ما ذكر في هذه الأخبار عن قضايا شتى لوجب الأخذ بجميعها وضم بعضها ءلى بعض ولا يمكن هنا جمعها لأنها كلها في قصة واحدة في مقام واحد في رجل واحد في وقت واحد فوجب أخذ ما رواه أبو قلابة والشعبي عن عبد الرحمن عن كعب لثقتهما ولأنها مبينة لسائر الأحاديث
7181 - حدثنا ( إسحاق ) قال حدثنا ( روح ) قال حدثنا ( شبل ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) قال حدثني ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله رآه وأنه يسقط على وجهه فقال أيؤذيك هوامك قال نعم فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام
مطابقته للترجمة في قوله أو يهدي شاة وإسحاق قال الكرماني هو ابن منصور الكوسج وقيل هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه وروح بن عبادة وشبل بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة ابن عباد المكي وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح المكي
قوله رآه أي رأى رسول الله كعب بن عجرة قوله وأنه الواو فيه للحال والضمير فيه يرجع إلى القمل والسياق يدل عليه قاله الكرماني وقال إما يرجع إلى كعب كأن نفسه تسقط مبالغة في كثرة القمل وكثرة الوجع والأذى وبعضهم جعل الضمير في يسقط راجعا إلى القمل وأنه محذوف وأكد كلامه بما ثبت كذلك في بعض الروايات يعني وأن كعبا يسقط القمل على وجهه وله وجه حسن دل عليه ما رواه ابن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح بلفظ رآه وقمله يسقط على وجهه وفي رواية الإسماعيلي من طريق أبي حذيفة عن شبل رأى قملا يتساقط على وجهه قوله يسقط كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية ابن السكن وأبي ذر ليسقط بزيادة لام التأكيد قوله ولم يتبين لهم أي لم يظهر لمن كانوا في الحديبية مع النبي بعد في ذلك الوقت أنهم يحلون بها أي بالحديبية لأنهم كانوا على طمع أن يدخلوا مكة قيل هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان لاستباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وقال ابن المنذر فيه دليل أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييئس من الوصول إليه فيحل واتفقوا على أن من ييئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه ثم أمكنه أن يصل إن عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه قوله فأنزل الله الفدية ظاهره

(10/156)


أن النزول بعد الحكم وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم قال عياض يحمل على أنه حكم عليه بالكفارة بوحي غير متلو ثم نزل القرآن ببيان ذلك قوله أن يطعم فرقا بين ستة قد مر تفسير الفرق عن قريب أي أمره أن يطعم من الطعام قدر فرق منه بين ستة مساكين قوله أو يهدي شاة أطلق على الفدية بالشاة اسم الهدي وبه يرد على من منع ذلك
ذكر ما يستفاد منه قد ذكرنا في أول أحاديث الباب أحكاما كثيرة من حديث كعب ونذكر هنا ما لم نذكره هناك فمن ذلك ما احتج به مالك في قوله ولم يتبين لهم إلى آخره على وجوب الكفارة على المرأة تقول في رمضان غدا حيضتي وعلى الرجل يقول غدا يوم حماي فيفطران ثم ينكشف الأمر بالحمى والحيض كما قالا إن عليهما الكفارة لأن الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الأمر
ومنه أن قوله إحلق يحتمل الندب والإباحة قال ابن التين وهذا يدل على أن إزالة القمل عن الرأس ممنوعة ويجب به الفدية وكذلك الجسد عند مالك ثم قال وقال الشافعي أخذ القملة من الجسد مباح وفي أخذها من الرأس الفدية لأجل ترفهه لا لأجل القملة وقال صاحب ( التوضيح ) وهذا غريب فإن الشافعي قال من قتل قملة تصدق بلقمة وهو على وجه الاستحباب
ومنه أن النسك ههنا شاة فلو تبرع بأكثر من هذا جاز
ومنه أن صوم ثلاثة أيام لا يجوز في أيام التشريق وبه قال عطاء في رواية وسعيد بن جبير وطاووس وإبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية وهو قول عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وقال أبو بكر الجصاص في ( أحكام القرآن ) اختلف السلف فيمن لم يجد الهدي ولم يصم الأيام الثلاثة قبل يوم النحر فقال عمر وابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم وطاووس لا يجزيه إلا الهدي وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقال ابن عمر وعائشة يصوم أيام منى وهو قول مالك وقال علي بن أبي طالب يصوم بعد أيام التشريق وبه قال الشافعي
ومنه أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة
ومنه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم وإذا رأى ببعض أصحابه ضررا سأل عنه وأرشده إلى المخرج عنه
ومنه أن بعض المالكية استنبطوا منه إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن إيجابها على المعذور من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره ومن ثمة قال الشافعي وجمهور العلماء لا يتخير العامد بل يلزمه الدم وخالف في ذلك أكثر المالكية واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب أو اذبح نسكا قال فهذا يدل على أنه ليس بهدي قال فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء ورد عليه بأنه لا دلالة فيه إذ لا يلزم من تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا يعطى حكم الهدي وقد وقع تسميتها هديا في هذا الباب حيث قال ويهدي شاة وفي رواية لمسلم واهد هديا وفي رواية للطبراني هل لك هدي قلت لا أجد وهذا يدل على أن ذلك من تصرف الرواة ويؤيده قوله في رواية مسلم أو اذبح شاة
8181 - وعن ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( ورقاء ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) قال أخبرنا ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله رآه وقمله يسقط على وجهه مثله
ظاهره التعليق ولكنه عطف على روح وأشار بهذا إلى أن إسحاق رواه عن روح ورواه أيضا عن محمد بن يوسف الفريابي وكذا وقع في تفسير إسحاق وورقاء هو ابن عمر بن كليب أبو بشر اليشكري ويقال الشيباني أصله من خوارزم ويقال

(10/157)


من الكوفة نزل المدائن وقد مر في الوضوء وفي الأصل الورقاء تأنيث الأورق قوله وقمله الواو فيه للحال قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
9 -
( باب قول الله تعالى فلا رفث )
أي هذا باب في بيان ما جاء من الحديث في الرفث في قول الله تعالى فمن فرض فيهن الحج فلا رفص ولا فسوق ولا جدال في الحج ( البقرة 791 )
9181 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( منصور ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه
مطابقته للترجمة في قوله فلم يرفث
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سليمان بن حرب ضد الصلح أبو أيوب الواشجي وواشج حي من الأزد قاضي مكة الثاني شعبة بن الحجاج الثالث منصور بن المعتمر أبو غياث الرابع أبو حازم بالحاء المهملة والزاي الأشجعي واسمه سلمان مولى عزة الأشجعية الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري وشعبة واسطي ومنصور وأبو حازم كوفيان وعلل بعضهم هذا الإسناد بالاختلاف على منصور لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا وأجيب بأن منصورا صرح بسماعه له من أبي حازم المذكور في رواية صحيحة حيث قال عن منصور سمعت أبا حازم ويحتمل أيضا أن يكون منصور قد سمعه أولا من هلال عن أبي حازم ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وزهير بن حرب وعن سعيد بن منصور وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن ابن المثنى عن غندر وأخرجه الترمذي فيه عن ابن عمر عن سفيان بن عيينة وأخرجه النسائي فيه عن أبي عمار المروزي وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله من حج هذا البيت وفي رواية مسلم من رواية جرير عن منصور من أتى هذا البيت قيل هو أعم من قوله من حج قلت لفظ حج معناه قصد وهو أيضا أعم من أن يكون للحج أو العمرة قوله هذا البيت يدل على أنه إنما قاله وهو في مكة لأن بهذا يشار إلى الحاضر قوله فلم يرفث بضم الفاء وكسرها وفتحها والمشهور في الرواية وعند أهل اللغة يرفث بضم الفاء من باب نصر ينصر ويرفث بكسر الفاء حكاه صاحب ( المشارق ) فيكون من باب ضرب يضرب ويرفث بفتح الفاء يكون من باب علم يعلم وفيه لغة أخرى يرفث بضم الياء وكسر الفاء من أرفث حكاه ابن القوطية وابن طريف في ( الأفعال ) على أنه جاء على فعل وأفعل والرفث بفتح الفاء الاسم وأصله ذكر بإسكان الفاء والرفث يطلق ويراد به الجماع وهو الذي عليه الجمهور في قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث ( البقرة 781 ) ويطلق ويراد به الفحش ويطلق ويراد به ذكر الجماع وقيل المراد به ذلك مع النساء لا مطلقه وقد اختلف في المراد بالرفث في الحديث على هذه الأقوال قال الأزهري هي كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة والفاء في فلم يرفث عطف على الشرط أعني قوله من حج وجوابه قوله رجع أي رجع إلى بلده قوله ولم يفسق من الفسوق وهو الخروج عن حدود الشريعة وأصله الخروج يقال فسقت الخشبة عن مكانها إذا زالت فالفاسق خارج عن الطاعة وقيل لم يفسق أي لم يذبح لغير الله تعالى على الخلاف في قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ( البقرة 791 ) وقيل الفسق ما ؤصابه من محارم الله وقيل قول الزور قيل السباب ( فإن قلت )
لم يذكر فيه الجدال مع أنه مذكور في القرآن قلت لأن المجادلة ارتفعت بين العرب وقريش في موضع الوقوف

(10/158)


بعرفة والمزدلفة فأسلمت قريش وارتفعت المجادلة ووقف الكل بعرفة قوله كما ولدته أمه الجار والمجرور حال أي مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم الولادة أو يكون معنى رجع صار والظرف خبره وقوله في الحديث الآتي كيوم بالفتح والكسر جائز وفي رواية الترمذي غفر له ما تقدم من ذنبه ومعنى اللفظين قريب وظاهره الصغائر والكبائر وقال صاحب ( المفهم ) هذا يتضمن غفران الصغائر والكبائر والتبعات ويقال هذا فيما يتعلق بحق الله لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم فإن قلت العبد مأمور باجتناب ما ذكر في كل الحالات فما معنى تخصيص حالة الحج قلت لأن ذلك مع الحج أسمج وأقبح كلبس الحرير في الصلاة
01 -
( باب قول الله عز و جل ولا فسوق ولا جدال في الحج ( البقرة 791 ) )
أي هذا باب في بيان ما جاء في الحديث في تفسير قوله تعالى ولا فسوق ( البقرة 791 )
0281 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه
هذا بعينه هو الحديث السابق قبل هذا الباب غير أنه أخرج ذاك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن منصور وهذا أخرجه عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن منصور إلى آخره وغير أن هناك قال رسول الله وهنا قال النبي وغير أن هناك كما ولدته أمه وهنا كيوم ولدته أمه فإن قلت من أين قلت إن سفيان في الإسناد هو الثوري وقد أخرجه الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن منصور قلت نص البيهقي على أن سفيان في رواية البخاري هو الثوري لأنه رواه عن أبي الحسن بن بشران عن أبي الحسن علي بن بكر المصري عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن منصور فذكر الحديث وقال رواه البخاري في ( الصحيح ) عن الفريابي وكذا قاله أبو نعيم الأصبهاني فإذا كان كما نصا عليه فسفيان هو الثوري قاله صاحب ( التلويح ) والله أعلم
بسم الله الرحمان الرحيم
82 -
( كتاب جزاء الصيد )
وقول الله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم
هكذا وقع في رواية أبي ذر بالبسملة أولا ثم بالباب المذكور ثم بقوله تعالى ولا تقتلوا الصيد ( المائدة 59 ) أي هذا باب في بيان جزاء الصيد إذا باشر المحرم قتله وأشار بقوله ونحوه أي ونحو جزاء الصيد إلى تنفير صيد الحرم وإلى عضد شجره وغير ذلك مما يبينه بابا بابا ولغير أبي ذر هكذا
1 -
( باب قول الله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون )
سرد البخاري من سورة المائدة من قوله تعالى ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة 59 ) إلى قوله إليه تحشرون ( المائدة 59 ) ولم يذكر فيه حديثا إما اكتفاء بما في الذي ذكره وإما أنه لم يظفر بحديث مرفوع في جزاء الصيد على شرطه
ثم الكلام ههنا على أنواع
الأول في سبب النزول قال مقاتل في ( تفسيره ) كان أبو اليسر واسمه عمرو بن مالك الأنصاري محرما في عام الحديبية بعمرة

(10/159)


فقتل حمار وحش فنزلت فيه لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة 59 ) وقال ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي وآخرون نزلت في كعب بن عمرو وكان محرما في عام الحديبية فقتل حمار وحش
النوع الثاني في المعنى والإعراب قوله وأنتم حرم ( المائدة 59 ) جملة إسمية وقعت حالا والحرم جمع حرام كردح جمع رداح يقال رجل حرام وامرأة حرام متعمدا نصب على الحال والتعمد أن يقتله وهو ذاكر لإحرامه وعالم بأن ما يقتله مما حرم عليه قتله قوله فجزاء مثل ما قتل برفع جزاء ومثل جميعا بمعنى فعيله جزاء يماثل ما قتل من الصيد وقرأ بعضهم بالإضافة أعني بإضافة جزاء إلى قوله مثل وحكى ابن جرير عن ابن مسعود أنه قرأها فجزاؤه مثل ما قتل وقال الزمخشري وقرىء على الإضافة وأصله فجزاء مثل ما قتل بنصب مثلى بمعنى فعليه أن يجزىء مثل ما قتل ثم أضيف كما تقول عجبت من ضرب زيد أثم من ضرب زيد وقرأ السلمي على الأصل وقرأ محمد بن مقاتل فجزاء مثل ما قتل بنصبهما بمعنى فليجز جزاء مثل ما قتل قوله من النعم وهي الإبل والبقر والغنم فإن انفردت الإبل وحدها قيل لها نعم قال الفراء هو ذكر لا يؤنث وقرأ الحسن من النعم بسكون العين استثقل الحركة على حرف الحلق فسكنه قوله يحكم به أي بالمثل قوله ذو عدل يعني حكمان عادلان من المسلمين وذوا تشبيه ذومعنى صاحب قوله هديا حال عن جزاء فيمن وصفه بمثل لأن الصفة خصصته فقربته من المعرفة أو بدل عن مثل فيمن نصبه أو عن مجله فيمن جره ويجوز أن ينتصب حالا من الضمير في به والهدي ما يهدي إلى الحرم من النعم قوله بالغ الكعبة صفة لهديا ولا يمنع من ذلك لأن إضافته غير حقيقية ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم قوله أو كفارة عطف على فجزاء أي فعليه كفارة وارتفاعه في الأصل على الابتداء وخبره مقدما مقدر قوله طعام مساكين مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي طعام مساكين ويجوز أن يكون بدلا من كفارة أو عطف بيان وقرىء كفارة طعام مساكين بالإضافة كأنه قيل أو كفارة من طعام مساكين كقولك خاتم فضة وقرأ الأعرج أو كفارة طعام مساكين بالإضافة كأنه قيل أو كفارة من طعام مساكين كقولك خاتم فضة وقرأ الأعرج أو كفارة طعام مسكين بالإفراد لأنه واحد دال على الجنس قوله أو عدل ذلك عطف على ما قبله وقرىء أو عدل ذلك بكسر العين والفرق بينهما أن عدل الشيء بالفتح ما عادله من غير جنسه كالصوم والإطعام وعدله بالكسر ما عدل به في المقدار ومنه عدلا الحمل لأن كل واحد منهما عدل بالآخر حتى اعتدلا كأن المفتوح تسمية بالمصدر والمكسور بمعنى المفعول به كالذبح ونحوهما الحمل والحمل قوله ذلك إشارة إلى الطعام قوله صياما نصب على التمييز للعدل كقولك لي مثله رجلا قوله ليذوق وبال أمره اللام تتعلق بقوله فجزاء أي فعليه أن يجازي أو يكفر ليذوق سوق عاقبة هتكه لحرمة الإحرام والوبال الضرر والمكروه الذي ينال في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه قوله عفا الله عما سلف أي عما سلف لكم من الصيد في حال الإحرام قبل أن تراجعوا رسول الله وتسألوه عن جوازه وقيل عفا الله عما سلف في زمان الجاهلية لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله ولم يرتكب المعصية قوله ومن عاد أي إلى قتل الصيد وهو محرم بعد نزول النهي عنه فينتقم الله منه قوله فينتقم خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم الله منه فلذلك دخلت الفاء ونحوه فمن يؤمن بربه فلا يخاف ( الجن 31 ) يعني ينتقم منه في الآخرة وقال ابن جريج قلت لعطاء ما عفا الله عما سلف قال عما كان في الجاهلية قال قلت ومن عاد فينتقم الله منه قال ومن عاد في الإسلام فينتقم منه وعليه مع ذلك الكفارة قال قلت فهل للعود من حد تعلمه قال لا قلت ترى حقا على الإمام أن يعاقبه قال لا هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله عز و جل ولكن يفتدي رواه ابن جرير وقيل معناه فينتقم الله منه بالكفارة وقال سعيد بن جبير وعطاء قوله والله عزيز ذو انتقام يعني ) ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه قوله أحل لكم أي أحل المأكول منه وهو السمك وحده عند أبي حنيفة وعند ابن أبي ليلى جميع ما يصاد فيه وعن ابن عباس في رواية وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير في قوله أحل لكم صيد البحر ما يصاد منه طريا وطعامه ما يتزود منه ملحا يابسا وعن ابن عباس في المشهور عنه صيده ما أخذ منه حيا و طعامه ما لفظه ميتا وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنهم وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي والحسن البصري وقال سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال طعامه كل ما فيه رواه ابن

(10/160)


جرير وابن أبي حاتم وقال سعيد بن المسيب طعامه ما لفظه حيا أو حسر عنه فمات رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير وقد ورد في ذلك خبر وبعضهم يرويه موقوفا حدثنا هناد بن السري قال حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد ابن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ( المائدة 69 ) قال طعامه ما لفظه ميتا ثم قال وقد وقفه بعضهم على أبي هريرة قوله متاعا لكم ( المائدة 69 ) نصب على أنه مفعول له أي أحل لكم لأجل التمتع لكم تأكلون طريا ولسيارتكم يتزودونه قديدا كما تزود موسى عليه الصلاة و السلام الحوت في مسيره إلى الخضر عليه الصلاة و السلام والسيارة جمع سيار وهم المسافرون وكان بنو مدلج ينزلون سيف البحر فسألوه عما نضب عنه الماء من السمك فنزلت قوله وحرم عليكم صيد البر ( المائدة 69 ) صيد البر ما يفرح فيه وإن كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كطير الماء قوله ما دمتم حرما ( المائدة 69 ) أي ما دمتم محرمين أي حال أحرامكم يحرم عليكم الإصطياد وقرأ ابن عباس وحرم عليكم صيد البر على بناء الفاعل ونصب الصيد حرم الله عليكم وقرىء ما دمتم بكسر الدال من دام يدام قوله واتقوا الله الذي إليه تحشرون ( المائدة 69 ) أي خافوا الله الذي إليه تجمعون يوم القيامة فيجازيكم بحسب أعمالكم
النوع الثالث في استنباط الأحكام وبيان مذاهب الأئمة في هذا الباب وهو على وجوه
الأول في قتل الصيد في حالة الإحرام وهو حرام بلا خلاف ويجب الجزاء بقتله لقوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة 59 ) وسواء في ذلك كان القاتل ناسيا أو عامدا أو مبتدئا في القتل أو عائدا إليه لأن الصيد مضمون بالإتلاف كغرامة الأموال فيستوي فيه الأحوال وقيد العمدية في الآية المذكورة أما لأن مورد النص فيمن تعمد أو لأن الأصل فعل المتعمد والخطأ ملحق به للتغليظ قال الزهري نزل الكتاب بالعمد وجاءت السنة بالخطأ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن علية عن أيوب قال نبئت عن طاووس قال لا يحكم على من أصاب صيدا خطأ إنما يحكم على من أصابه متعمدر وهذا مذهب غريب وهو متمسك بظاهر الآية وبه قال أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية وقال مجاهد المراد بالمتعمد القاصد إلى قتل الصيد الناسي لإحرامه فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه فذاك أمره أعظم من أن يكفر وقد بطل إحرامه رواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه وهو قول غريب أيضا وقال الزهري إن قتله متعمدا قيل له هل قتلت قبله شيئا من الصيد فإن قال نعم لم يحكم عليه وقيل له إذهب فينتقم الله منك وإن قال لم أقتل حكم عليه وإن قتل بعد ذلك لم يحكم عليه ويملأ ظهره وبطنه ضربا وجيعا وبذلك حكم النبي في صيدوج واد بالطائف والذي عليه الجمهور ما ذكرناه
الوجه الثاني في وجوب الجزاء في قوله فجزاء مثل ما قتل من النعم ( المائدة 59 ) فقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن المراد بالآية إخراج مثل الصيد المقتول من النعم إن كان له مثل ففي النعامة بدنة وفي بقرة الوحش وحماره بقرة وفي الغزال عنزة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الواجب القيمة فإن كان له مثل ثمة يشترى بتلك القيمة هذي أو طعام أو يتصدق بقيمته وقال ابن كثير في ( تفسيره ) محتجا للشافعي ومن معه في قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم ( المائدة 59 ) على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الأنسي خلافا لأبي حنيفة حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثلما أو غير مثلي وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه وإن شاء اشترى به هديا والذي حكم به الصحابة في المثلي أولى بالاتباع فإنهم حكموا في النعامة ببدنة وفي بقر الوحش ببقرة وفي الغزال بعنز وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة رواه البيهقي وروى مالك في ( الموطأ ) أخبرنا أبو الزبير عن جابر أن عمر رضي الله تعالى عنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة انتهى وعن مالك رواه الشافعي في ( مسنده ) وعبد الرزاق في ( مصنفه ) وأخر رواه الشافعي ومن جهته البيهقي في ( سننه ) عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر

(10/161)


وعثمان وعليا وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الإبل وروى الشافعي في ( مسنده ) وعبد الرزاق في ( مصنفه ) قالا أخبرنا ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود أنه قضى في اليربوع بحفرة وروى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إسرائيل وغيره عن أبي إسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود قال في البقرة الوحشية بقرة وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين أن عمر رضي الله تعالى عنه أمر محرما ما أصاب ظبيا يذبح شاة عفراء وروى إبراهيم الحربي في كتاب ( غريب الحديث ) حدثنا عبد الله بن صالح أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في اليربوع حمل ثم نقل عن الأصمعي أن الحمل ولد الضأن الذكر وروى البيهقي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حمامة الحرم شاة وفي بيضتين درهم وفي النعامة جزور وفي البقرة بقرة وفي الحمار بقرة
واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيما ذهب إليه بالمعقول والأثر أيضا أما المعقول فهو أن الحيوان غير مضمون بالمثل فيكون مضمونا بالقيمة كالمملوك ومثل الحيوان قيمته لأن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى فإذا تعذر ذلك حمل على المثل المعنوي وهو القيمة وأما الأثر فهو ما روي عن ابن عباس أنه فسر المثل بالقيمة فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع يوضحه أن المماثلة بين الشيئين عند اتحاد الجنس أبلغ منه عند اختلاف الجنس فإذا لم تكن النعامة مثلا للنعامة كيف تكون البدنة مثلا للنعامة والمثل من الأسماء المشتركة فمن ضرورة كون الشيء مثلا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلا له ثم لا تكون النعامة مثلا للبدنة عند الإتلاف فكذلك لا تكون البدنة مثلا للنعامة وإذا تعذر اعتبار المماثلة صورة وجب اعتبارها بالمعنى وهو القيمة ولأن القيمة أريدت بهذا النص في الذي لا مثل له بالإجماع فلا يبقى غيره مرادا لأن المثل مشترك والمشترك لا عموم له فافهم فإنه دقيق
وأما الذي رواه الشافعي ومن جهته البيهقي فضعيف ومنقطع لأن عطاء الخراساني فيه مقال ولم يدرك عمر ولا عثمان ولا عليا ولا زيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية رضي الله تعالى عنهم لأن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين قاله ابن معين وغيره وكان في زمن معاوية صبيا ولم يثبت له سماع من ابن عباس مع احتماله فإن ابن عباس توفي سنة ثمان وستين وأما الذي رواه أبو عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود فإنه لم يسمع من أبيه شيئا فإن قلت قال ابن جرير حدثنا هناد وأبو هاشم الرفاعي قالا حدثنا وكيع بن الجراح عن المسعودي عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال خرجنا حجاجا فكنا إذا صلينا الغداة افتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث قال فبينما نحن ذات غداء إذ سنح لنا ظبي أو برح فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ حشاه فركب ردعه ميتا قال فمعظمنا عليه فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر رضي الله تعالى عنه قال فقص عليه القصة قال وإذا إلى جانبه رجل كان وجهه قلت فضة يعني عبد الرحمن بن عوف فالتفت إلى صاحبه فكلمه ثم أقبل على الرجل فقال أعمدا قتلته أم خطا قال الرجل لقد تعمدت رميه وما أردت قتله فقال عمر رضي الله تعالى عنه ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ إعمد إلى شاة فاذبحها فتصدق بلحمها واستق إهابها قال فقمنا من عنده فقلت لصاحبي أيها الرجل عظم شعائر الله فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه إعمد إلى ناقتك فانحرها فلعل ذاك قال فتبعته ولا أذكر الآية من سورة المائدة يحكم به ذوا عدل منكم ( المائدة 59 ) قال فبلغ عمر مقالتي فلم يفجأ منه إلا ومعه الدرة قال صاحبي ضربا بالدرة أقتلت في الحرم وسفهت الحكم ثم أقبل علي فقلت يا أمير المؤمنين لا أحل اليوم شيئا يحرم عليك مني قال يا قبيصة بن جابر إني لا أراك شاب السن فسيح الصدر بين اللسان وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيء فيفسد الخلق السيء الأخلاق الحسنة فإياك وعثرات الشباب قلت روى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بنحوه وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين ورواه مالك في ( الموطأ ) من حديث ابن سيرين مختصرا
الوجه الثالث في حكم الحكمين فيه قال مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن الخيار في تعيين الهدي أو الإطعام أو الصيام إلى الحكمين العدلين فإذا حكما بالهدي فالمعتبر فيما له مثل ونظيره من حيث الخلقة ما هو مثل كما ذكرناه والمعتبر فيما لا مثل له القيمة لقوله تعالى يحكم به ذوا عدل منكم هديا ( المائدة 59 ) نصب هديا لوقوع الحكم عليه وفي وجوب المثل فيما له مثل قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم ( المائدة 59 ) أوجب المثل من النعم وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الخيار للقاتل في أن يشتري بها يعني

(10/162)


بقيمة المقتول لأن الوجوب عليه كما في اليمين فالخيار إليه وحكم الحكمين لتقدير القيمة وهديا نصب على الحال أي في حال الإهداء فإن قلت إذا كان القاتل أحد الحكمين هل يجوز قلت يجوز عند الشافعي وأحمد وعند مالك لا يجوز لأن الحاكم لا يكون محكوما عليه في صورة واحدة قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا جعفر هو ابن برقان عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتي أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال قتلت صيدا وأنا محرم فما ترى علي من الجزاء فقال أبو بكر لأبي بن كعب وهو جالس عنده ما ترى فيها قال فقال الأعرابي أتيتك وأنت خليفة رسول الله أسألك فإذا أنت تسأل غيرك فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه وما تنكر بقول الله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل ( المائدة 59 ) فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به وهذا إسناد جيد لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق ومثله يحتمل ههنا وقال ابن جرير حدثنا وكيع ابن عيينة عن مخارق عن طارق قال أرطأ أريد ظبيا فقتله وهو محرم فأتى عمر رضي الله تعالى عنه ليحكم عليه فقال عمر احكم معي فحكما فيه جديا قد جمع الماء والشجر قلت مخارق هو ابن خليفة الأحمسي الكوفي من رجال البخاري والأربعة وطارق هو ابن شهاب الأحمسي أبو عبد الله الكوفي رأى النبي وأدرك الجاهلية وروى عن النبي وغزا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين من غزوة إلى سرية مات سنة اثنتين وثمانين من الهجرة وقال يحيى بن معين مات سنة ثلاث وعشرين ومائة وهو وهم روى له الجماعة
الوجه الرابع في بيان الكفارة إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال أو قلنا بالتخيير في هذا المقام من الجزاء والإطعام والصيام كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي والمشهور عن أحمد لظاهر أو بأنها للتخيير والقول الآخر أنها على الترتيب فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم وقال الشافعي يقوم مثله من النعم لو كان موجودا ثم يشتري به طعاما ويتصدق به فيصدق لكل مسكين مد منه عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز واختاره ابن جرير وقال أبو حنيفة وأصحابه يطعم لكل مسكين مدين وهو قول مجاهد وقال أحمد مد من حنطة ومدان من غيره فإن لم يجد قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوما وقال ابن جرير وقال آخرون يصوم مكان كل صاع يوما كما في جزاء المترفة بالحلق ونحوه واختلفوا في مكان هذا الإطعام فقال الشافعي محله الحرم وهو قول عطاء وقال مالك يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن إليه وقال أبو حنيفة إن شاء أطعم في الحرم وإن شاء في غيره
الوجه الخامس في صيد البحر وقد ذكرنا في فصل المعنى والإعراب شيئا من ذلك وقد استدل جمهور العلماء على حل ميتة البحر بالآية المذكورة وبحديث العنبر على ما يجيء إن شاء الله تعالى وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه يؤكل كل دواب البحر ولم يستثن من ذلك شيئا وقد تقدم عن الصديق أنه قال طعامه كل ما فيه وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله نهى عن قتل الضفدع وفي رواية للنسائي عن عبيد الله بن عمر وقال نهى رسول الله عن قتل الضفدع وقال نقيقها تسبيح وقال آخرون يؤكل من صيد البحر السمك ولا يؤكل الضفدع واختلفوا فيما سواهما فقيل يؤكل كل سائر ذلك وقيل لا يؤكل وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة لا يؤكل ما مات في البحر كما لا يؤكل ما مات في البر لعموم قوله حرمت عليكم الميتة ( المائدة 3 ) قلت استثنى منه الجراد لقوله أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال وقال الترمذي باب ما جاء في صيد البحر للمحرم حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بأسياطنا وعصينا فقال رسول الله كلوا فإنه من صيد البحر قال هذا حديث غريب وأبو المهزم بضم الميم وفتح الهاء وكسر الزاي المشددة اسمه يزيد بن سفيان وقد تكلم فيه

(10/163)


شعبة وقال الترمذي وقد رخص قوم من أهل العلم للمحرم أن يصيد الجراد فيأكله وقد رأى بعضهم عليه صدقة إذا اصطاده أو أكله رواه أبو داود وابن ماجه أيضا وقوله من صيد البحر ظاهر أنه من البحر
وللعلماء فيه ثلاثة أقوال
الأول أنه من صيد البحر هو قول كعب الأحبار وقد روى مالك في ( الموطأ ) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار أمره عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على ركب محرمين فمضوا حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة مر رجل من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر رضي الله تعالى عنه ذكروا له ذلك فقال له ما حملك على أن أفتيتهم بهذا قال هو من صيد البحر قال وما يدريك قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرة حوت نثره في كل عام مرتين واختلف في قوله نثرة حوت فقيل عطسته وقيل هو من تحريك النثرة وهو طرف الأنف قال شيخنا زين الدين فعلى هذا يكون بالمثلثة وهو المشهور وعليه اقتصر صاحب ( المشارق ) وغيره وأنه من الرمي بعنف من قولهم في الاستنجاء ينثر ذكره إذا استبرأ من البول بشدة وعنف وأن الجراد يطرحه من أنفه أو من دبره بعنف وشدة وقيل متولد من روث السمك
القول الثاني أنه من صيد البر يجب الجزاء بقتله وهو قول عمر وابن عباس وعطاء بن أبي رباح وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله الصحيح المشهور
القول الثالث أنه من صيد البر والبحر رواه سعيد بن منصور في ( سننه ) عن هشيم عن منصور عن الحسن
واختلف القائلون بأن الجراد من صيد البر وفيه الجزاء في مقدار الجزاء على أقوال أحدها في كل جرادة تمرة وهو قول عمرو وابن عمر رواه سعيد بن المنصور في ( سننه ) بسنده إليهما وبه قال أبو حنيفة واختاره ابن العربي الثاني أن في الجرادة الواحدة قبضة من طعام وهو قول ابن عباس رواه سعيد بن منصور بسنده إليه وبه قال مالك الثالث أن في الواحدة درهما وهو قول كعب الأحبار قيل ومن الدليل أن الجراد نثرة الحوت ما رواه ابن ماجه حدثني هارون بن عبد الله الجمال حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا زياد بن عبد الله عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن جابر وأنس بن مالك أن رسول الله كان إذا دعا على الجراد قال أللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معائشنا وارزقنا إنك سميع الدعاء فقال خالد يا رسول الله كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره فقال إن الجراد نثرة الحوت في البحر قال هاشم قال زياد فحدثني من رأى الحوت ينثره تفرد به ابن ماجه
الوجه السادس في صيد البر وهو حرام على المحرم لأنه في حقه كالميتة وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين عند مالك والشافعي في قول وهو قول عطاء والقاسم وسالم وبه قال أبو يوسف ومحمد فإن أكله أو شيئا منه فهل يلزمه جزاء ثان فيه قولان للعلماء أحدهما نعم وإليه ذهبت طائفة والثاني لا جزاء عليه بأكله نص عليه مالك وقال أبو عمر وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة عليه قيمة ما أكل وقال أبو ثور إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه وحلال أكل ذلك الصيد إلا أني أكرهه للذي قتله وإذا اصطاد حلال صيدا فأهداه إلى محرم فقد ذهبت جماعة إلى إباحته مطلقا ولم يفصلوا بين أن يكون قد صاده من أجله أم لا حكى أبو عمر هذا القول عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير بن العوام وكعب الأحبار ومجاهد وعطاء في رواية وسعيد بن جبير قال وبه قال الكوفيون قال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيغ حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد عن عبادة أن سعيد بن المسيب حدثه عن أبي هريرة أنه سئل عن لحم صيد صاده حلال أيأكله المحرم قال فأفتاهم بأكله ثم لقي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأخبره بما كان من أمره فقال لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك وقال آخرون لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية ومنعوا من ذلك مطلقا لعموم الآية الكريمة وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس وعبد الكريم ابن أبي أمية عن طاووس عن ابن عباس أنه كره أكل لحم الصيد للمحرم قال وأخبرني معمر عن الزهري عن ابن عمر أنه كان يكره أن يأكل لحم الصيد على كل حال قاله أبو عمر وبه قال طاووس وجابر بن زيد وإليه ذهب الثوري وإسحاق بن راهويه وقد روي نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق في رواية والجمهور إن كان

(10/164)


الحلال قد قصد للمحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله لحديث الصعب بن جثامة على ما يأتي إن شاء الله تعالى وإذا لم يقصده بالاصطياد يجوز له الأكل منه لحديث أبي قتادة على ما يأتي إن شاء الله تعالى
2 -
( باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله )
هذه الترجمة هكذا ثبتت في رواية أبي ذر وسقطت في رواية غيره وجعلوا ما ذكر في هذا الباب من جملة الذي قبله قوله باب منون تقديره هذا باب يذكر فيه إذا صاد الحلال صيدا فأهداه للمحرم أكله المحرم وفيه خلاف قد ذكرناه عن قريب في آخر الباب الذي قبله
ولم ير ابن عباس وأنس بالذبح بأسا
لا يطابق ذكر هذا التعليق في هذه الترجمة وإنما تتأتى المطابقة بالتعسف في الترجمة التي قبل هذا الباب على رواية غير أبي ذر قوله بالذبح أي بذبح المحرم وظاهر العموم يتناول ذبح الصيد وغيره ولكن مراده الذبح في غير الصيد أشار بقوله وهو في غير الصيد على ما يجيء الآن ووصل أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنه عبد الرزاق من طريق عكرمة أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم وأثر أنس وصله ابن أبي شيبة من طريق الصباح البجلي سألت أنس بن مالك عن المحرم يذبح قال نعم
وهو غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل
هذا من كلام البخاري وأشار به إلى تخصيص العموم الذي يفهم من قوله بالذبح قوله وهو أي الذبح أي المراد من الذبح المذكور في أثر ابن عباس وأنس هو الذبح في الحيوان الأهلي وهو الذي ذكره بقوله نحو الإبل إلى آخره وهذا كله متفق عليه غير ذبح الخيل فإن فيه خلافا معروفا وذكر أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي في ( كتاب المناسك ) يذبح المحرم الدجاج الأهلي ولا يذبح الدجاج السندي ويذبح الحمام المستأنس ولا يذبح الطيارة ويذبح الأوز ولا يذبح البط البري ويذبح الغنم والبقر الأهلية ويحمل السلاح ويقاتل اللصوص ويضرب مملوكه ولا يختضب بالحناء ويصيد السمك وكل ما كان في البحر ويجتنب صيد الضفادع
يقال عدل ذلك مثل فإذا كسرت عدل فهو زنة ذلك
أشار بهذا إلى الفرق بين العدل بفتح العين والعدل بكسرها وذلك لكون لفظ العدل مذكورا في الآية المذكورة قوله يقال يعني في لغة العرب عدل ذلك بفتح العين أي هذا الشيء عدل ذلك الشيء أشار إليه بقوله مثل أي مثل ذلك الشيء قوله فإذا كسرت أي العين تقول هذا عدل ذاك بكسر العين قوله فهو زنة ذلك أي موازنة أراد به في القدر وقد مر الكلام فيه مستقصى في الباب الذي قبله
قياما قواما
أشار به إلى المذكور في قوله تعالى عقيب الآية المذكورة جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ( المائدة 79 ) أي قواما بكسر القاف وهو نظام الشيء وعماده يقال فلان قيام أهل البيت وقوامه أي الذي يقيم شأنهم وقال الطبري في تفسير قياما في الآية أي جعل الله الكعبة بمنزلة الرأس الذي يقوم به أمر أتباعه وقال بعضهم قياما قواما هو قول أبي عبيدة قلت هذا ليس بمخصوص بأبي عبيدة وإنما هو قول جميع أهل اللغة وأهل التصريف بأن أصل قيام قوام لأن مادته من قام يقوم قواما وهو أجوف واوي قلبت الواو في قواما ياء كما قلبت في صيام وأصله صوام لأنه من صام يصوم صوما وهو أيضا أجوف واوي والذي ليس له يد في التصريف يتصرف هكذا حتى قال قال الطبري أصله الواو فكأنه رأى أن هذا أمر عظيم حتى نسبه إلى الطبري
يعدلون يجعلون عدلا
أشار بهذا إلى المذكور في سورة الأنعام ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( الأنعام 1 ) أي يجعلون له عدلا أي مثلا تعالى الله عن ذلك ومناسبة ذكر هذا ههنا كونه من مادة قوله تعالى أو عدل ذلك ( المائدة 59 ) بالفتح يعني مثله وهذا

(10/165)


الذي ذكره كله من أول الباب إلى ههنا يطابق ترجمة الباب السابق ولا يناسب هذه الترجمة التي ثبتت في رواية أبي ذر كما ذكرنا
1281 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( عبد الله بن أبي قتادة ) قال انطلق أبي عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم يحرم وحدث النبي أن عدوا يغزوه فانطلق النبي فبينما أنا مع أصحابه تضحك بعضهم إلى بعض فنظرت فإذا أنا بحمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته واستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا من لحمه وخشينا أن تقتطع فطلبت النبي أرفع فرسي شاوا وأسير شأوا فلقيت رجلا من بني غفار في جوف الليل قلت أين تركت النبي قال تركته بتعهن وهو قايل السقيا فقلت يا رسول الله أن أهلك يقرؤن عليك السلام ورحمة الله إنهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك فانتطرهم قلت يا رسول الله أصبت حمار وحش وعندي منه فاضلة فقال للقوم كلوا وهم محرمون
مطابقته للترجمة في قوله كلوا وهم محرمون فإن الذي صاد الحمار المذكور كان حلالا وأهداه إلى النبي وأباح النبي أكله لأصحابه الذين معه وهم محرمون فدل على أن الذي اصطاده الحلال يجوز للمحرم أن يأكل منه على خلاف فيه قد ذكرناه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول معاذ بن فضالة أبو زيد الزهراني الثاني هشام الدستوائي الثالث يحيى بن أبي كثير الرابع عبد الله بن أبي قتادة الخامس أبوه أبو قتادة بفتح القاف واسمه الحارث بن ربيع الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وهذا الإسناد بعينه قد مر في باب النهي عن الاستنجاء باليمين في كتاب الوضوء وفيه أن شيخه من أفراده وأنه بصري وهشام ينسب إلى دستوا من نواحي الأهواز كان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها ولكن أصله بصري ويحيى طائي يمامي قوله عن عبد الله بن أبي قتادة وفي رواية مسلم عن يحيى أخبرني عبد الله ابن أبي قتادة وساق عبد الله هذا الإسناد مرسلا حيث قال انطلق أبي عام الحديبية وهكذا أخرجه مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه وأخرجه أحمد عن ابن علية عنه وأخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام عن يحيى فقال عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه انطلق مع النبي وهذا مسند وكذلك في رواية علي بن المبارك عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه حدثه قال انطلقنا مع النبي على ما يأتي في الباب الذي يلي هذا الباب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن سعيد بن الربيع عن علي بن المبارك وأخرجه في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي الذبائح عن إسماعيل كلاهما عن مالك وفي الحج أيضا عن سعيد بن الربيع وعن عبد الله بن محمد وموسى بن إسماعيل وعبد الله بن يوسف أيضا وفي الهبة عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الأطعمة أيضا عن عبد العزيز بن عبيد الله وأخرجه مسلم في الحج عن صالح بن مسمار عن معاذ بن هشام عن أبيه وعن عبد الله بن عبد الرحمن عن يحيى بن حسان عن معاوية بن سلام الكل عن يحيى بن أبي كثير به وأخرجه أبو داود في الحج عن القعنبي عن مالك وأخرجه الترمذي عن قتيبة بن مالك وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن هشام به وعن عبيد الله بن فضالة وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير به
ذكر معناه قوله عام الحديبية قيل وفي رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية قلت رواه عن ابن أبي سبرة عن موسى بن ميسرة عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال سلكنا في عمرة

(10/166)


القضية على الفرع وقد أحرم أصحابي غيري فرأيت حمارا الحديث وقال أبو عمر كان ذلك عام الحديبية أو بعده بعام عام القضية قوله فأحرم أصحابه أي أصحاب أبي قتادة وفي رواية مسلم أحرم أصحابي ولم أحرم وقال الأثرم كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من حديث أبي قتادة ويقولون كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات غير محرم ولا يدرون ما وجهه حتى رأيته مفسرا في رواية عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قلت روى الطحاوي رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري فقال حدثنا ابن أبي داود حدثنا عياش بن الوليد الرقام حدثنا عبد الأعلى عن عبيد الله عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال بعث النبي أبا قتادة الأنصاري على الصدقة وخرج رسول الله وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا عسفان فإذا هم بحمار وحش قال وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رؤوسهم كراهة أن يحدوا أبصارهم فتفطن فرآه فركب فرسه وأخذ الرمح فسقط منه فقال ناولونيه فقالوا ما نحن بمعينك عليه بشيء فحمل عليه فعقره فجعلوا يشوون منه ثم قالوا رسول الله بين أظهرنا قال وكان يتقدمهم فلحقوه فسألوه فلم ير بذلك بأسا وأخرجه البزار أيضا قوله على الصدقة أي على أخذ الزكوات وقال القشيري في الجواب عن عدم إحرام أبي قتادة يحتمل أنه لم يكن مريدا للحج أو أن ذلك قبل توقيت المواقيت وزعم المنذري أن أهل المدينة أرسلوه إلى سيدنا رسول الله يعلمونه أن بعض العرب ينوي غزو المدينة وقال ابن التين يحتمل أنه لم ينو الدخول إلى مكة وإنما صحب النبي ليكثر جمعه وقال أبو عمر يقال إن أبا قتادة كان رسول الله وجهه على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما إذا اجتمع مع أصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدا انتهى قلت أحسن الأجوبة ما ذكر في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قوله وحدث على صيغة المجهول قوله يغزوه أي يقصدوه قوله فبينا ويروى فبينما قوله يضحك بعضهم إلى بعض جملة حالية ووقع في رواية العذري في مسلم فجعل بعضهم يضحك إلي بتشديد الياء في إلي قال عياض هو خطأ وتصحيف وإنما سقطت عليه لفظة بعض واحتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكان أكبر إشارة منهم وقد صرح في الحديث أنهم لم يشيروا إليه وقال النووي لا يمكن رد هذه الرواية فقد صحت هي والرواية الأخرى وليس في واحدة منهم دلالة ولا إشارة إلى الصيد وأن مجرد الضحك ليس فيه إشارة منهم وإنما كان ضحكهم من عروض الصيد ولا قدرة لهم عليه ومنعهم منه وكذا قال ابن التين يريد أنهم لم يخبروه بمكان الصيد ولا أشاروا إليه وفي الحديث ما يقتضي أن ضحكهم ليس بدلالة ولا إشارة بين ذلك في حديث عثمان بن موهب فقال أمنكم أحد أشار إليه قالوا لا فإن قلت ما معنى إلى في قوله إلى بعض قلت معناه منتهيا أو ناظرا إليه قوله فنظرت فيه التفات فإن الأصل أن يقال فنظر لقوله فبينا أبي مع أصحابه فالتقدير قال أبي فنظرت فإذا أنا بحمار وحش وهذه الرواية تقتضي أن رؤيته إياه متقدمة ورواية أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة تقتضي أن رؤيتهم إياه قبل رؤيته فإن فيها فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته والتفت فأبصرته قوله فحملت عليه وفي رواية محمد بن جعفر فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح فقالوا لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت وفي رواية فضيل ابن سليمان فركب فرسا له يقال له الجرادة فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا وفي رواية أبي النضر وكنت نسيت سوطي فقلت لهم ناولوني بسوطي فقالوا لا نعينك عليه فنزلت فأخذته قوله فأثبته أي تركته ثابتا في مكانه لا يفارقه ولا حراك به وفي رواية أبي حازم فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات وفي رواية أبي النضر حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا فقالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به فأكلنا من لحمه وفي رواية فضيل عن أبي حازم فأكلوا فندموا وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم فوقعوا يأكلون منه ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبؤت العضد معي وفي رواية مالك عن أبي النضر فأكل منه بعضهم وأبى بعضهم وفي حديث أبي سعيد فجعلوا يشوون منه وفي رواية المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور فظللنا نأكل

(10/167)


منه ما شئنا طبيخا وشواء ثم تزودنا منه
وأخرج الطحاوي حديث أبي قتادة من خمس طرق صحاح
الأول عن أبي سعيد الخدري قال بعث رسول الله أبا قتادة الحديث وقد ذكرناه عن قريب
الثاني عن عباد بن تميم عن أبي قتادة أنه كان على فرس وهو حلال ورسول الله وأصحابه محرمون فبصر بحمار وحش فنهى رسول الله أن يعينوه فحمل عليه فصرع أتانا فأكلوا منه
الثالث عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه كان في قوم محرمين وليس هو بمحرم وهم يسيرون فرأوا حمارا فركب فرسه فصرعه فأتوا النبي فسألوه عن ذلك فقال أشرتم أوصدتم أو قتلتم قالوا لا قال فكلوا
الرابع عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طرق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي وأبي بعضهم فلما أدركوا رسول الله سألوه عن ذلك فقال إنما هي طعمة أطعمكموها الله
الخامس عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة مثله وزاد أن رسول الله قال هل معكم من لحمه شيء فقد علمنا أن أبا قتادة لم يصده في وقت ما صاده إرادة منه أن يكون له خاصة وإنما أراد أن يكون له ولأصحابه الذين كانوا معه
قوله وخشينا أن نقتطع أي نصير مقطوعين عن النبي منفصلين عنه لكونه سبقهم وعند أبي عوانة عن علي بن المبارك عن يحيى بلفظ وخشينا أن يقتطعنا العدو وفي رواية للبخاري وأنهم خشوا أن يقتطعهم العدو دونك وقال ابن قرقول أي يحوذنا العدو عنك ومن حملتك وقال القرطبي أي خفنا أن يحال بيننا وبينهم ويقتطع بنا عنهم قوله ارفع بالتخفيف والتشديد أي أرفعه في سيره وأجربه قوله شأوا بالشين المعجمة وسكون الهمزة وهو الطلق والغاية ومعناه أركضه شديدا تارة وأسهل سيره تارة قوله من بني غفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره راء منصرف وغير منصرف قوله بتعهن بكسر المثناة من فوق وفتحها وسكون العين المهملة وكسر الهاء وبالنون وفي رواية الأكثرين بالكسر وفي رواية الكشميهني بكسر أوله وثالثه وفي رواية غيره بفتحهما وحكى أبو ذر الهروي أنه سمعها من العرب بذلك المكان بفتح الهاء ومنهم من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء وضبطه أبو موسى المديني بضم أوله وثانيه وبتشديد الهاء قال ومنهم من يكسر التاء وأصحاب الحديث يسكنون العين ووقع في رواية الإسماعيلي بدعهن بالدال المهملة موضع التاء قلت يمكن أن يكون ذلك من تصرف اللافظين لقرب مخرج التاء من الدال وهو عين ماء على ثلاثة أميال من السقيا بضم السين المهملة وسكون القاف وتخفيف الياء آخر الحروف والقصر هي قرية بين مكة والمدينة من أعمال الفرع بضم الفاء وسكون الراء وبالعين المهملة وقال البكري الفرع من أعمال المدينة الواسعة والصفراء وأعمالها من الفرض ومنضافة إليها قوله وهو قائل جملة إسمية وقال النووي قائل روي بوجهين أصحهما وأشهرهما من القيلولة يعني تركته بتعهن وفي عزمه أن يقيل بالسقيا الثاني بالباء الموحدة وهو ضعيف غريب وكأنه تصحيف فإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل السقيا فعلى الوجه الأول الضمير في قوله وهو يرجع إلى النبي وعلى الوجه الثاني يرجع إلى قوله تعهن وقال القرطبي قوله قائل من القول ومن القائلة والأول هو المراد هنا والسقيا مفعول بفعل مضمر والضمير كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق ابن علية عن هشام وهو قائم بالسقيا يعني من القيام ولكنه قال الصحيح قائل باللام قوله فقلت فيه حذف تقديره فسرت فأدركته فقلت يا رسول الله وتوضحه رواية علي بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ فلحقت برسول الله حتى أتيته فقلت يا رسول الله قوله أن أهلك أراد إن أصحابك والدليل عليه رواية أحمد ومسلم وغيرهما رواية أحمد ومسلم من هذا الوجه بلفظ إن أصحابك قوله فانتظرهم بصيغة الأمر من الانتظار أي انتظر أصحابك وفي رواية مسلم بهذا الوجه فانتظرهم بصيغة الماضي أي انتظرهم رسول الله وفي رواية علي بن المبارك فانتظرهم ففعل قوله فاضلة بمعنى فضلة وقال الخطابي أي قطعة قد فضلت منه فهي فاضلة أي باقية معي

(10/168)


قوله فقال للقوم كلوا هذا أمر إباحة لا أمر إيجاب قال بعضهم لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال قلت الأوجه أن يقال إن هذا الأمر إنما كان لمنفعة لهم فلو كان للوجوب لصار عليهم فكان يعود إلى موضوعه بالنقض
وفيه من الفوائد أن لحم الصيد مباح للمحرم إذا لم يعن عليه وقال القشيري اختلف الناس في أكل المحرم لحم الصيد على مذاهب
أحدها أنه ممنوع مطلقا صيد لأجله أو لا وهذا مذكور عن بعض السلف دليله حديث الصعب بن جثامة
الثاني ممنوع إن صاده أو صيد لأجله سواء كان بإذنه أو بغير إذنه وهو مذهب مالك والشافعي
الثالث إن كان باصطياده أو بإذنه أو بدلالته حرم عليه وإن كان على غير ذلك لم يحرم وإليه ذهب أبو حنيفة
وقال ابن العربي يأكل ما صيد وهو حلال ولا يأكل ما صيد بعد وحديث أبي قتادة هذا يدل على جواز أكله في الجملة وعزى صاحب ( الإمام ) إلى النسائي من حديث أبي حنيفة عن هشام عن أبيه عن جده الزبير قال كنا نحمل الصيد صفيفا ونتزوده ونحن محرمون مع رسول الله رواه الحافظ أبو عبد الله البلخي في ( مسند أبي حنيفة ) من هذا الوجه عن هشام ومن جهة إسماعيل بن يزيد عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وروى أبو يعلى الموصلي في ( مسنده ) من حديث محمد بن المنكدر حدثنا شيخ لنا عن طلحة بن عبد الله أن رجلا سأل رسول الله عن محل آثار الصيد أيأكله المحرم قال نعم وفي رواية مسلم أهدى لطلحة طائر وهو محرم فقال أكلنا مع رسول الله وعند الدارقطني أن رسول الله أعطاه حمار وحش وأمره أن يفرقه في الرقاق قال ويروى عن طلحة والزبير وعمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فيه رخصة ثم قال عائشة تكرهه وغير واحد وروى الحاكم على شرطهما من حديث جابر يرفعه لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكن قال مهنىء ذكر أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل هذا الحديث فقال إليه أذهب ولما ذكر له حديث عبد الرزاق عن الثوري عن قيس عن الحسن بن محمد عن عائشة أهدى النبي وشيقة لحم وهو محرم فأكله فجعل أبو عبد الله ينكره إنكارا شديدا وقال سماع مثلا هكذا ذكره صاحب التلويح بخطه وفيه فأكله قلت روى الطحاوي هذا الحديث فقال حدثنا يونس قال حدثنا سفيان عن عبد الكريم عن قيس بن مسلم الجدلي عن الحسن بن محمد بن علي عن عائشة أن رسول الله أهدى له وشيقة ظبي وهو محرم فرده ورواه أيضا أحمد في ( مسنده ) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد عن عائشة قالت أهدي لرسول الله ظبية فيها وشيقة صيد وهو حرام فأبى أن يأكله انتهى وهذا يخالف ما ذكره صاحب ( التلويح ) فإن في لفظه فأكله والطحاوي لم يذكر هذا الحديث إلا في صدد الاحتجاج لمن قال لا يحل للمحرم أن يأكل لحم صيد ذبحه حلال لأن الصيد نفسه حرام عليه فلحمه أيضا حرام عليه فإذا كان الحديث على ما ذكره صاحب ( التلويح ) لا يكون حجة لهم بل إنما يكون حجة لمن قال بجواز أكل المحرم صيد المحل والذين منعوا من ذلك للمحرم هو الشعبي وطاووس ومجاهد وجابر بن زيد والثوري والليث بن سعد ومالك في رواية وإسحاق في رواية قوله وشيقة ظبي الوشيقة أن يؤخذ اللحم فيغلى قليلا ولا ينضج ويحمل في الأسفار وقيل هي القديد وقد وشقت اللحم أشقه وشقا ويجمع على وشق ووشائق
وذكر الطحاوي أيضا أحاديث أخر لهؤلاء المانعين منها ما قاله حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا أسد ( ح ) وحدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه نزل قديدا فأتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها فأرسل إلي علي رضي الله تعالى عنه وهو يضفز بعيرا له فجاءه والخيط يتحات من يديه فأمسك علي وأمسك الناس فقال علي رضي الله تعالى عنه من ههنا من أشجع هل علمتم أن رسول الله جاءه أعرابي ببيضات نعام وتتمير وحش فقال أطعمهن أهلك فإنا حرم قالوا نعم وأخرج أبو داود حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سليمان بن كثير عن حميد الطويل عن إسحاق ابن عبد الله بن الحارث عن أبيه وكان الحارث خليفة عثمان رضي الله تعالى عنه على الطائف فصنع لعثمان طعاما وصنع

(10/169)


فيه من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش قال فبعص إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فجاءه الرسول وهو يخيط الأباعر له وهو ينفض الخيط من يده فقالوا له كل قال أطعموا قوما حلالا فإنا حرم قال علي أنشد الله من كان ههنا من أشجع أتشهدون أن رسول الله أهدي إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله قالوا نعم قوله يضفز بالضاد والزاي المعجمتين بينهما فاء يقال ضفزت البعير إذا أعلفته الضفائز وهي اللقم الكبار واحدتها ضفيزة والضفيز شعير يجرش وتعلفه الإبل
ومنها ما رواه أيضا الطحاوي حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن عمران قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن ابن عباس عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي أتي بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله قال الطحاوي وليس في هذا الحديث ذكر علة رده لحم الصيد ما هي فقد يحتمل ذلك لعلة الإحرام ويحتمل أن يكون لغير ذلك فلا دلالة في هذا الحديث لأحد
وقال أبو عبد الله شأوا مرة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار بهذا إلى تفسير شأوا في قوله أرفع فرسي شأوا وأسير شأوا وهو بمعنى مرة كما ذكرناه وانتصابه في الموضعين على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره رفعر شأوا أو أسيرا شأوا وليس هذا التفسير بموجود في كثير من النسخ
3 -
( باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال )
أي هذا باب يذكر فيه إذا رأى القوم المحرمون صيدا وفيهم رجل حلال فضحك المحرمون تعجبا من عروض الصيد مع عدم التعرض له مع قدرتهم على صيده وفطن الحلال الذي فيهم بذلك أي فهم من فطنت للشيء بفتح الطاء وكسرها فطنة وفطانة وفطانية قال الجوهري كالفهم وجواب إذا محذوف تقديره لا يكون ضحكهم إشارة منهم إلى الحلال بالصيد حتى إذا اصطاد ذاك الحلال الصيد الذي رآه المحرمون الذين ضحكوا لا يلزمهم شيء
2281 - حدثنا ( سعيد بن الربيع ) قال حدثنا ( علي بن المبارك ) عن ( يحيى ) عن ( عبد الله بن أبي قتادة ) أن أباه حدثه قال انطلقنا مع النبي عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم فأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض فنظرت فرأيته فحملت عليه الفرس فطعنته فأثبته فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا منه ثم لحقت برسول الله وخشينا أن نقتطع أرفع فرسي شأوا وأسير عليه شأوا فلقيت رجلا من بني غفار في جوف الليل فقلت أين تركت رسول الله فقال تركته بتعهن وهو قائل السقيا فلحقت برسول الله حتى أتيته فقلت يا رسول الله إن أصحابك أرسلوا يقرؤون عليك السلام ورحمة الله وبركاته وإنهم قد خشوا أن يقتطعهم العدو دونك فانظرهم ففعل فقلت يا رسول الله إنا اصدنا حمار وحش وإن عندنا منه فاضلة فقال رسول الله لأصحابه كلوا وهم محرمون
مطابقته للترجمة في قوله فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك فنظرت
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سعيد بن الربيع ضد الخريف أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها مات سنة إحدى عشرة ومائتين الثاني علي بن المبارك الهنائي وقد مر في باب الجمعة الثالث يحيى بن أبي كثير الرابع عبد الله بن أبي قتادة الخامس أبوه أبو قتادة الحارث بن ربعي وقد مر عن قريب

(10/170)


ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه بصريان وروى مسلم عن شيخه بواسطة ويحيى طائي ويمامي
وقد ذكرنا في الباب السابق تعدد موضعه ومن أخرجه غيره وقد ذكر البخاري أحاديث أبي قتادة ههنا في أربعة أبواب متناسقة الأول باب إذا صاد الحلال الثاني باب إذا رأى المحرمون صيدا الثالث باب لا يعين المحرم الحلال الرابع لا يشير المحرم إلى الصيد وقد رويت أحاديث أبي قتادة بأسانيد مختلفة وألفاظ متباينة
قوله ولم أحرم أي لم أحرم أنا قوله فأنبئنا بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أخبرنا قوله بغيقة بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح القاف موضع من بلاد بني غفار بين الحرمين قال أبو عبيد هو موضع في رسم رضوى لبني غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو بين مكة والمدينة قوله فبصر بفتح الباء الموحدة وضم الصاد وفي رواية الكشميهني فنظر بنون وظاء مشالة فإن قلت فعلى هذه الرواية دخول الباء في ) بحمار مشكل قلت يمكن أن يكون نظر حينئذ بمعنى بصر أو تكون الباء بمعنى إلى لأن الحروف ينوب بعضها عن بعض قوله فأثبته من الإثبات أي أحكمت الطعن فيه قوله فاستعنتهم من الاستعانة وهو طلب العون وهو طلب العون قوله فانظرهم بمعنى انتظرهم يقال نظرت أي انتظرت قوله قد خشوا أصله خشيوا كرضوا أصله رضيوا استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حرمة ما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت الياء لأن الواو ضمير الجمع قوله إنا اصدنا بوصل الألف وتشديد الصاد وأصله اصتدنا من باب الافتعال فقلبت التاء صادا وادغمت الصاد في الصاد وأخطأ من قال أصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة ثم ادغمت ويروى اصدنا بفتح الهمزة وتخفيف الصاد يقال أصدت الصيد مخففا أي آثرته والإصادة إثارة الصيد وأخطأ أيضا من قال من الإصاد ويروى اصطدنا من الاصطياد ويروى صدنا من صاد يصيد وتفسير بقية الألفاظ قد مر فيما قبله
وفيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب قالت جماعة تجب على الرسول تبليغه وعلى المرسل إليه الرد بالجواب
4 -
( باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد )
أي هذا باب يذكر فيه لا يعين المحرم الحلال بقول أو فعل في قتل الصيد وقال بعضهم قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإعانة التي لا يتم الصيد إلا بها فيحرم وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا يحرم قلت لا وجه لهذا الكلام لأن الترجمة تشمل كلا الوجهين
3281 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( صالح بن كيسان ) عن ( أبي محمد نافع ) مولى ( أبي قتادة ) سمع ( أبا قتادة ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي بالقاحة من المدينة على ثلاث ح وحدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا صالح بن كيسان عن أبي محمد عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي بالقاحة ومنا المحرم ومنا غير المحرم فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه فقالوا لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون فتناولته فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته فأتيت به لأصحابي فقال بعضهم كلوا وقال بعضهم لا تأكلوا فأتيت النبي وهو أمامنا فسألته فقال كلوه حلال قال لنا عمرو اذهبوا إلى صالح فسلوه عن هذا وغيره وقدم علينا ههنا
مطابقته للترجمة في قوله فقالوا لا نعينك عليه بشيء فأخرج هذا بطريقين أحدهما عن عبد الله بن محمد أبي جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز عن أبي محمد نافع مولى أبي قتادة المدني ووقع في رواية مسلم عن صالح سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة وفي رواية أحمد من طريق سعد

(10/171)


ابن إبراهيم سمعت رجلا كان يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولى لأبي قتادة ووقع في رواية ابن إسحاق عن عبد الله ابن أبي سلمة أن نافعا مولى بني غفار فظهر من ذلك أنه لم يكن مولى أبي قتادة حقيقة وقد صرح بذلك ابن حبان فقال هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية وكان يقال له مولى أبي قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه قلت إذا كان الأمر كذلك يكون وجه ذلك أنه قيل مولى أبي قتادة لكثرة لزومه إياه وقيامه بقضاء ما يهمه من باب الخدمة كأنه صار مولاه فتكون نسبته بهذا الوجه على سبيل المجاز وقد وقع مثل ذلك كثيرا فمنه ما وقع لقاسم مولى ابن عباس الطريق الثاني عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان إلى آخره وقال بعضهم هكذا حول المصنف الإسناد إلى رواية علي للتصريح فيه عن سفيان بقوله حدثنا صالح بن كيسان قلت في كثير من النسخ حدثنا صالح في الطريقين فلا يحتاج إلى ما قاله
قوله بالقاحة بقاف وحاء مهملة خفيفة على ثلاثة مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل قال عياض كذا قيده الناس كلهم ورواه بعضهم عن البخاري بالفاء وهو وهم والصواب بالقاف وزعم ابن إسحاق في المغازي أنها بفاء وجيم ورد ذلك عليه ابن هشام قيل وقع عند الجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان بالصفاح بدل القاحة بكسر الصاد بعدها فاء ونسب ذلك إلى التصحيف لأن الصفاح موضع بالروحاء وبين الروحاء وبين السقيا مسافة طويلة وقال البكري الروحاء قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلا والسقيا أيضا قرية جامعة قوله على ثلاث أي ثلاث مراحل قوله يتراؤن على وزن يتفاعون صيغة جمع مذكر من الرؤية قوله فإذا حمار وحش كلمة إذا للمفاجأة وحمار مضاف إلى وحش قوله يعني وقع سوطه قال الكرماني لفظ يعني كلام الراوي تفسير لما يدل عليه لا نعينك عليه يعني قالوا لا نعينك على أخذ السوط حين وقع سوطك قلت هذا التركيب لا يتضح إلا بأشياء مقدرة تقديره فإذا حمار وحش فركبت فرسي وأخذت الرمح والسوط فسقط مني السوط فقلت ناولوني فقالوا لا نعينك عليه وكذا وقع في رواية أبي عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني قوله فتناولته فأخذته قوله من وراء أكمة بفتحات وهي التل من حجر واحد قوله أمامنا أي قدامنا قوله حلال مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو حلال وقد ظهر المبتدأ في رواية أبي عوانة فقال كلوه فهو حلال وفي رواية مسلم هو حلال فكلوه ويروى حلالا بالنصب فإن صحت الرواية به فهو منصوب على أنه صفة مصدر محذوف أي أكلا حلالا قوله قال لنا عمرو أي عمرو بن دينار وصرح به أبو عوانة في روايته والقائل سفيان والغرض بذلك تأكيد ضبطه له وسماعه له من صالح وهو ابن كيسان قوله فسلوه أصله فاسألوه قوله وقدم علينا ههنا يعني مكة ومراده أن صالح بن كيسان مدني قدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه هذا وغيره
وفيه دليل على جواز الاجتهاد في المسائل الفرعية والاختلاف فيها
5 -
( باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال )
أي هذا باب يذكر فيه لا يشير إلى آخره واللام في قوله لكي للتعليل ولفظة كي بمنزلة أن المصدرية معنى وعملا والدليل عليه صحة حلول أن محلها وأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل فافهم
4281 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) قال حدثنا ( عثمان ) هو ( ابن موهب ) قال أخبرني ( عبد الله بن أبي قتادة ) أن أباه أخبره أن رسول الله خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال خذوا ساحل البحر حتى نلتقي فأخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر

(10/172)


وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فنزلوا فأكلوا من لحمها وقالوا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحم الأتان فلما أتوا رسول الله قالوا يا رسول الله إنا كنا أحرمنا وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها
مطابقته للترجمة في قوله أو أشار إليها والمفهوم منه أن إشارة المحرم للحلال إلى الصيد ليصطاده لا تجوز فلو أشار له وقتل صيدا لا يجوز للمحرم أن يأكل منه وقد ذكرنا ما فيه من الخلاف وموسى بن إسماعيل هو المنقري التبوذكي وأبو عوانة بالفتح هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وعثمان هو ابن عبد الله بن وهب بفتح الميم والهاء الأعرج الطلحي وقد مر في أول الزكاة وقال الكرماني وفي بعض الرواية بدل عثمان غسان وهو خطأ قطعا قلت هو من الكاتب فإنه طمس الميم فصار عثمان غسانا وعثمان هذا تابعي ثقة روى عنا عن تابعي
قوله خرج حاجا قال الإسماعيلي هذا غلط فإن القصة كانت في عمرة وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكانوا كلهم على الجادة لا على ساحل البحر ولعل الراوي أراد خرج محرما فعبر عن الإحرام بالحج غلطا وقال بعضهم لا غلط في ذلك بل هو من المجاز السائغ وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر قلت لا نسلم أنه من المجاز فإن المجاز لا بد له من علاقة وما العلاقة ههنا وكون معنى الحج في الأصل قصدا لا يكون علاقة لجواز ذكر الحج وإرادة العمرة فإن كل فعل مطلقا لا بد فيه من معنى القصد ثم أيد هذا القائل كلامه بما رواه البيهقي من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ خرج حاجا أو معتمرا انتهى وأبو عوانة شك وبالشك لا يثبت ما ادعاه من المجاز على أن يحيى بن أبي كثير الذي هو أحد رواة حديث أبي قتادة قد جزم بأن ذلك كان في عمرة الحديبية قوله فيهم أبو قتادة من باب التجريد وكذا قوله إلا أبو قتادة لأن مقتضى الكلام أن يقال وأنا فيهم وإلا أنا ولا ينبغي إن يجعل هذا من قول ابن أبي قتادة لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا قوله إلا أبو قتادة هكذا هو بالرفع عند الأكثرين وعند الكشميهني إلا أبو قتادة بالنصب وكذا وقع عند مسلم بالنصب وقال ابن مالك حق المستثنى بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده فالمفرد نحو قوله تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( الزخرف 76 ) والمكمل نحو إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين ( الحجر 95 06 ) ولا يعرف أكثر المتأخيرن من البصريين في هذا النوع إلا النصب وقد اغفلوا وروده مرفوعا مع ثبوت الخبر ومع حذفه فمن أمثلة الثابت الخبر قول ابن أبي قتادة أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم فإلا بمعنى لكن وأبو قتادة مبتدأ و لم يحرم خبره ونظيره من كتاب الله تعالى ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أنه مصيبها ما أصابهم ( هود 18 ) فإنه لا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين وتكلف بعضهم بأنه وإن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت قال وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله كل أمتي معافى إلا المجاهرون أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون ومنه من كتاب الله تعالى فشربوا منه إلا قليلا منهم ( البقرة 942 ) أي لكن قليل منهم لم يشربوا قال وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن يجعلوا الأحرف عطف وما بعدها معطوفا على ما قبلها انتهى وقال الكرماني أو هو أي الرفع على مذهب من جوز أن يقال علي بن أبو طالب قوله حمر وحش الحمر بضمتين جمع حمار قوله أتانا هذا بين أن المراد بالحمار في سائر الروايات الأنثى منه قوله فحملنا ما بقي من لحم الأتان وفي رواية أبي حازم في باب الهبة سيأتي فرحنا وخبأت العضد معي وفيه معكم منه شيء فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وللبخاري أيضا في الجهاد سيأتي معنا رجله فأخذ فأكلها وفي رواية المطلب قد رفعنا لك الذراع فأكل منها قوله منكم أحد أمره أي أمنكم أحد أمره أي أمر

(10/173)


أبا قتادة ويروى أمنكم بإظهار همزة الاستفهام وفي رواية مسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ولمسلم في روايته من طريق شعبة عن عثمان هل أشرتم أو أعنتم أو اضطررتم وفي رواية أبي عوانة من هذا الوجه هل أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم قوله فكلوا قد ذكرنا أن الأمر للإباحة لا للوجوب ولم يذكر في هذه الرواية أنه أكل من لحمها وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه فقال كلوا وأطعموا فإن قلت روى إسحاق وابن خزيمة والدارقطني من رواية معمر عن يحيى بن أبي كثير هذا الحديث وقال في آخره فذكرت شأنه لرسول الله وقلت إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوه ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدت له فهذه الرواية تضاد روايتي أبي حازم قلت قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدارقطني والجوزقي تفرد بهذه الزيادة معمر فإن كانت هذه الزيادة محفوظة تحمل على أنه أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده لأجله فلما أعلمه بذلك امتنع فإن قلت الروايات متظاهرة بأن الذي تأخر من الحمار هو العضد وأنه أكلها حتى تغرقها أي لم يبق منها إلا العظم ووقع للبخاري أيضا في الهبة ستأتي حتى نفدها أي فرغها فأي شيء بقي منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بالأكل قلت في رواية أبي محمد في الصيد ستأتي أبقي معكم شيء قلت نعم فقال كلوا فهو طعمة أطعمكموها الله وهذا يشعر بأنه بقي منها شيء غير العضد
وفيه من الفوائد تفريق الإمام أصحابه للملحة واستعمال الطليعة في الغزو وفيه جواز صيد الحمار الوحشيوجواز أحكل المحرم من لحم الصيد الذي اصطاده الحلال إذا لم يدل عليه ولم يشر إليه ولم يعني صائده وفيه أن عقر الصيد ذكاته وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي وقال ابن العربي هو اجتهاد بالقرب من النبي لا في حضرته وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك
6 -
( باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أهدى الحلال للمحرم حمارا وحشيا قوله حيا صفة لحمار بعد صفة وليست هذه الصفة بموجودة في أكثر النسخ وقال بعضهم كذا قيده في الترجمة بكونه حيا وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحا موهومة انتهى قلت لم يذكر هذا القيد في حديث الباب صريحا ولكن قوله أهدي لرسول الله حمارا وحشيا يحتمل أن يكون هذا الحمار حيا ويحتمل أن يكون مذبوحا ولكن مسلما صرح في إحدى رواياته عن الزهري من لحم حمار وحش وفي رواية منصور عن الحكم أهدى رجل حمار وحش وفي رواية شعبة عن الحكم عجز حمار وحش يقطر دما وفي رواية زيد بن أرقم أهدي له عضو من لحم صيد وهذه الروايات كلها تدل على أن الحمار غير حي فكيف يقول هذا القائل وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحا موهومة قوله لم يقبل بمعنى لا يقبل
400 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم )
مطابقته للترجمة في قوله أهدى لرسول الله إلى قوله فرده عليه
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول عبد الله بن يوسف التنيسي ومالك بن أنس ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن وتكبير الأب وعبد الله بن عباس وكلهم قد ذكروا غير مرة السادس الصعب ضد السهل ابن جثامة بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة

(10/174)


ابن قيس الليثي الحجازي أخو محلم بن جثامة مات في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينزل أرض ودان بأرض الحجاز رضي الله تعالى عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه الإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وهو من مسند الصعب إلا أنه وقع في موطأ ابن وهب عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة أهدى فجعله من مسند ابن عباس وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدى له الصعب وكذا رواه مجاهد عن ابن أبي شيبة وعند مسلم أيضا من حديث طاوس قال قدم زيد بن أرقم فقال له ابن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي إلى رسول الله وهو حرام قال أهدي له عضد من لحم صيد فرده قال إنا لا نأكله إنا حرم فجعله من مسند طاوس عن زيد والمحفوظ هو الأول وسيأتي في كتاب الهبة للبخاري من بخارى من طريق شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله أن ابن عباس أخبره أنه سمع الصعب وكان من أصحاب النبي يخبر أنه أهدى له وممن رواه عن ابن شهاب كما رواه مالك ومعمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان وابن أخي ابن شهاب والليث ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم قال فيه أهدى لرسول الله حمار وحش كما قال مالك وخالفهم ابن عيينة وابن اسحق فقالا أهدى لرسول الله لحم حمار وحش قال ابن جريج في حديثه قلت لابن شهاب الحمار عقير قال لا أدري فقد بين ابن جريج أن ابن شهاب شك فلم يدر أكان عقيرا أم لا إلا أن في مساق حديثه أهديت لرسول الله حمار وحش فرده علي وروى القاضي إسماعيل عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن صالح بن كيسان عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب أن رسول الله أقبل حتى إذا كان بقديد أهدي إليه بعض حمار فرده وقال إنا حرم لا نأكل الصيد هكذا قال عن صالح عن عبيد الله ولم يذكر ابن شهاب وقال بعض حمار وحش وعند حماد بن زيد في هذا أيضا عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن الصعب أنه أتى النبي بحمار وحش ورواه إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب كما قدمنا وهو أولى بالصواب عند أهل العلم وقال الطحاوي هذا الحديث مضطرب قد رواه قوم على ما ذكرنا والذي ذكره هو قوله حدثنا يونس قال سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة قال مر بي رسول الله وأنا بالأبواء أو بودان فأهديت لحم حمار وحش فرده علي فلما رأى الكراهة في وجهي قال ليس بنا رد عليك ولكنا حرم قال ورواه آخرون فقالوا إنما أهدى إليه حمارا وحشيا ثم رواه بسنده أن الحمار كان مذبوحا وروى أيضا أنه كان عجز حمار وحش أو فخذ حمار وروى أيضا عجز حمار وحش وهو بقديد يقطر دما فرده ثم قال فقد اتفقت الروايات عن ابن عباس في حديث الصعب عن رسول الله في رده الهدية عليه أنها كانت في لحم صيد غير حي فذلك حجة لمن كره للمحرم أكل لحم الصيد وإن كان الذي تولى صيده وذبحه حلال وقال ابن بطال اختلاف روايات حديث الصعب تدل على أنها لم تكن قضية واحدة وإنما كانت قضايا فمرة أهدى إليه الحمار كله ومرة عجزه ومرة رجله لأن مثل هذا لا يذهب على الرواة ضبطه حتى يقع فيه التضاد في النقل والقصة واحدة وقال الطبري بوب البخاري على هذا الحديث وفهم منه الحياة والروايات الأخر تدل على أنه كان ميتا وأنه أتاه بعضو منه وطريق الجمع أنه جاء بالحمار ميتا فوضعه بقرب النبي ثم قطع منه ذلك العضو فأتاه به فصدق اللفظان أو يكون أطلق اسم الحمار وهو يريد بعضه وهذا من باب التوسع والمجاز أو نقول أن الحمار كان حيا فيكون قد أتاه به فلما رده وأقره بيده ذكاه ثم أتاه بالعضو المذكور ولعل الصعب ظن أنه إنما رده لمعنى يخص الحمار بجملته فلما جاء بجزئه أعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد لا يحل للمحرم وقبوله ولا تملكه
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الهبة عن إسماعيل بن عبد الله وعن أبي اليمان عن شعيب وعن علي بن المديني عن سفيان وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة وعن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح ثلاثتهم عن

(10/175)


الليث وعن عمر بن حميد عن عبد الرزاق وعن الحسن بن علي الحلواني وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن حماد بن زيد رضي الله تعالى عنه وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن رمح به وعن هشام بن عمار وابن أبي شيبة
( ذكر معناه ) قوله أهدى لرسول الله الأصل في أهدى التعدي بإلى وقد تعدى باللام ويكون بمعناه قيل أن يحتمل أن تكون اللام بمعنى أجل وهو ضعيف قوله وهو بالأبواء جملة وقعت حالا والأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد جبل من عمل الفرع بضم الفاء بينهما وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا وفي المطالع سميت بذلك لما فيها من الوباء ولو كان كما قيل لقيل الأبواء أو يكون مقلوبا منه وبه توفيت أم رسول الله والصحيح أنها سميت بذلك لتبوء السيول بها قاله ثابت قوله أو بودان شك من الراوي وبالشك جزم أكثر الرواة وجزم ابن اسحق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان وجزم معمر وعبد الرحمن بن اسحق ومحمد بن عمرو بالأبواء والظاهر أن الشك فيه من ابن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضا وهو بفتح الواو وتشديد الدال المهملة وفي آخره نون موضع بقرب الجحفة ويقال هو قرية جامعة من ناحية الفرع بينه وبين الأبواء ثمانية أميال ينسب إليه الصعب بن جثامة الليثي الوداني وفي المطالع هو من عمل الفرع بينه وبين هرشي نحو ستة أميال قوله فلما رأى ما في وجهه وفي رواية شعيب فلما عرف في وجهي رده هديتي وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي فلما رأى ما في وجهه من الكراهة وكذا في رواية ابن خزيمة من طريق ابن جريج قوله لم نردده عليك هذا بفك الإدغام رواية الكشميهني وقال عياض ضبطنا في الروايات لم نرده بفتح الدال ورده محققوا شيوخنا من أهل العربية وقالوا لم نرده بضم الدال وكذا وجدته بخط بعض الأشياخ أيضا وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه في مثل هذا في المضاعف إذا دخله الهاء أن يضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولى الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموما هذا في المذكر وأما في المؤنث مثل لم تردها فمفتوح الدال مراعاة للألف ( قلت ) في مثل هذه الصيغة قبل دخول الهاء عليها أربعة أوجه الفتح لأنه أخف الحركات والضم اتباعا لضمة عين الفعل والكسر لأنه الأصل في تحريك الساكن والفك وأما بعد دخول الهاء فيجوز فيه غير الكسر قوله إلا أنا حرم بفتح الهمزة في أنا على أنه تعدى إليه الفعل بحرف التعليل فكأنه قال لأنا وقال أبو الفتح القشيري أنا مكسور الهمزة لأنها ابتدائية وقال الكرماني لام التعليل محذوفة والمستثنى منه مقدر أي لا نرده لعلة من العلل إلا لأننا حرم والحرم بضمتين جمع حرام أي محرمون وفي رواية النسائي من رواية صالح بن كيسان إلا أنا حرم لا نأكل الصيد وفي رواية سعيد عن ابن عباس لولا أنا محرمون لقبلناه منك
( ذكر ما يستفاد منه ) منه أنه احتج به الشعبي وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد والليث بن سعد والثوري ومالك في رواية واسحق في رواية على أن المحرم لا يحل له أكل صيد ذبحه حلال قيل لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم وقال عطاء في رواية وسعيد ابن جبير وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية الصيد الذي اصطاده الحلال لا يحرم على المحرم واحتجوا في ذلك بما رواه مسلم حدثني زهير بن حرب قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم فأهدى له طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلما استيقظ طلحة وفق من أكله قال وأكلنا مع رسول الله وفق من أكله أي دعا له بالتوفيق أي قال له وفقت أي أصبت الحق وبما رواه النسائي حدثنا محمد بن سلمة وابن مسكين عن ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن البهزي أن رسول الله خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحش عقير فذكر ذلك لرسول الله فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه فقال يا رسول الله

(10/176)


شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثاية بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل وفيه سهم فزعم أن رسول الله أمر رجلا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوه ثم قال تابعه يزيد بن هارون عن يحيى به وأخرجه ابن خزيمة أيضا وغيره وصححوه وأخرجه الطوسي أيضا محسنا وفيه فلم يلبث أن جاء رجل من طيء فقال يا رسول الله هذه رميتي فشأنك بها وأخرجه الطحاوي أيضا ولفظه فإذا هو بحمار وحش عقير فيه سهم وهو حي قد مات ولفظه أيضا إذا هو بظبي مستظل في حقف جبل فيه سهم وهو حي فقال رسول الله لرجل قف ههنا لا يريبه أحد حتى يمضي الرفاق قلت عمير بن سلمة له صحبة والبهزي بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء بعدها الزاي نسبة إلى بهز هو تيم بن امريء القيس بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان وقال أبو عمر اسمه زيد بن كعب السلمي ثم البهزي قوله بالروحاء هو موضع بينه وبين المدينة ميل وفي حديث جابر إذا أذن المؤذن هرب الشيطان بالروحاء وهي من المدينة يكون ميلا رواه أحمد وقال أبو علي القالي في كتاب الممدود والمقصور الروحاء موضع على ليلتين من المدينة وفي المطالع الروحاء من عمل الفرع على نحو من أربعين ميلا وفي مسلم على ستة وثلاثين وفي كتاب ابن أبي شيبة على ثلاثين قوله بالأثاية بفتح الهمزة وبالثاء المثلثة وبعد الألف ياء آخر الحروف مفتوحة موضع بطريق الجحفة بينه وبين المدينة سبعة وسبعون ميلا ورواه بعضهم بكسر الهمزة وبعضهم يقول الأثاثة بثاءين وبعضهم الأثانة بالنون بعد الألف والصواب بالفتح والكسر والرويثة بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة وفي آخره هاء وهو منزل بين مكة والمدينة والعرج بفتح العين وسكون الراء وبالجيم قرية جامعة من عمل الفرع على نحو من ثمانية وسبعين ميلا من المدينة وهو أول تهامة قوله حاقف أي نائم قد انحنى في نومه والحقف بكسر الحاء المهملة وسكون القاف ما اعوج من الرمل واستطال ويجمع على أحقاف قوله لا يريبه أحد أي لا يتعرض له أحد ويزعجه وأصله من رابني الشيء وأرابني إذا شككني وأجابوا عن حديث الباب بما ذكرناه عن الطحاوي عن قريب وقال عطاء في رواية ومالك والشافعي وأحمد واسحق وأبو ثور الصيد الذي لأجل المحرم حرام على المحرم لم يجز أكله وما لم يصد من أجله جاز له أكله وروى هذا القول عن عثمان رضي الله تعالى عنه واحتجوا في ذلك بما رواه أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب يعني الإسكندراني القاري عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله يقول صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم وأخرجه الترمذي حدثنا قتيبة قال حدثنا يعقوب إلى آخره ولكن في روايته حلال لكم وأنتم حرم وأخرجه النسائي وابن خزيمة وقال الترمذي المطلب لا نعرف له سماعا من جابر وعنه أنه لم يسمع من جابر وكذا قال أبو حاتم الرازي والمطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي المدني وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس يحتج بحديثه وقال النسائي عمرو بن أبي عمرو ليس هو بالقوي في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك وقال مالك ما ذبحه المحرم فهو ميتة لا يحل لمحرم ولا لحلال وقد اختلف قوله فيما صيد لمحرم بعينه كالأمير وشبهه هل لغير ذلك الذي صيد لأجله أن يأكله والمشهور من مذهبه عند أصحابه أن المحرم لا يأكل ما صيد لمحرم معين أو غير معين ومما يستفاد من حديث الباب جواز كل ما صاده الحلال للمحرم ومنه جواز الحكم بعلامة لقوله فلما رأى ما في وجهي ومنه جواز رد الهدية لعلة ومنه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي ومنه أن الهدية لا تدخل في الملك إلا بالقبول ومنه أن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده -
7 -
( باب ما يقتل المحرم من الدواب )
أي هذا باب في بيان الشيء الذي يقتل المحرم يعني ماله قتله من الدواب وهو جمع دابة وهي ما يدب على وجه الأرض وقال صاحب ( المنتهى ) كل ماش على الأرض دابة ودبيب والهاء للمبالغة والدابة في التي تركب أشهر وفي ( المحكم ) الدابة تقع على

(10/177)


المذكر والمؤنث وحقيقته الصفة قلت الدابة في الأصل كا ما يدب على وجه الأرض ثم نقله العرف العام إلى ذات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير ويسمى هذا منقولا عرفيا فإن قلت في أحاديث الباب الغراب والحداءة وليسا من الدواب ولو قال من الحيوان لكان أصوب قلت أكثر ما ذكر في أحاديث الباب الدواب فنظر إلى هذا الجانب
6281 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح
( الحديث 6281 - طرفه في 5133 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ما للمحرم قتله من الدواب ولكن أورده مختصرا وأحال به على طريق سالم على ما يأتي عن قريب وأخرجه الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدءة والعقرب والفأرة والكلب العقور وأخرجه النسائي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله أذن في قتل خمس من الدواب للمحرم الغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور والعقرب
قوله خمس مرفوع على الابتداء وتخصص بالصفة وهي قوله من الدواب قوله ليس على المحرم في قتلهن جناح خبره والجناح الإثم والحرج وارتفاع جناح على أنه اسم ليس تأخر عن خبره
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال
وعن عبد الله عطف على نافع أي قال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وأخرجه مسلم بتمامه حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله خمس من قتلهن وهو حرام فلا جناح عليه فيهن الفأرة والعقرب والكلب العقور والغراب والحديا واللفظ ليحيى
قوله قال مقوله محذوف تقديره خمس من الدواب إلى آخره
7281 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( زيد بن جبير ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول حدثتني إحدى نسوة النبي عن النبي يقتل المحرم
( الحديث7281 - طرفه في 8281 )
هذا طريق آخر ساق منه هذا القدر وأحال به على الطريق الذي بعده
وأخرجه عن مسدد عن أبي عوانة الوضاح ابن عبد الله اليشكري عن زيد بن جبير بضم الحيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء ابن حرمل الجشمي الكوفي وليس له في الصحيح رواية عن غير ابن عمر ولا له فيه إلا هذا الحديث وحديث آخر تقدم في المواقيت وقد خالف نافعا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمر وبين النبي في هذا الحديث ووافق سالما إلا أن زيدا أبهم الواسطة وسالما سماها وأخرجه مسلم حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير قال حدثنا زيد بن جبير إن رجلا سأل ابن عمر ما يقتل المحرم من الدواب فقال أخبرتني إحدى نسوة رسول الله أنه أمر أو أمر أن تقتل الفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقوب والغراب هو من الرواية عن المجاهيل لأنه بينه في الطريق الآخر بقوله حفصة رضي الله تعالى عنها والأولى أن يقال الجهل في الصحابة لا يضر لأن كلهم عدول
8281 - حدثنا ( أصبغ ) قال أخبرني ( عبد الله بن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم ) قال قال ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قالت حفصة قال رسول الله خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور
( انظر الحديث 7281 )

(10/178)


هذا طريق آخر فيه تمام ما في الطرق المتقدمة فلذلك عطفه عليها بالواو وأخرجه عن إصبغ بن الفرج عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله عن أخته حفصة زوج النبي
ومن لطائف إسناد هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي ورواية الصحابي عن الصحابية ورواية الأخ عن أخته
قوله قالت حفصة وفي رواية الإسماعيلي عن حفصة وهذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله بن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي لكن وقع في بعض طرق نافع عنه سمعت النبي
أخرجه مسلم من طريق ابن جريج وتابعه محمد بن إسحاق ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك حيث قال وحدثنيه فضيل بن سهل قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن نافع وعبيد الله بن عبد الله عن ابن عمر قال سمعت النبي يقول خمس لا جناح في قتل ما قتل منهن في الحرم الحديث وظهر من هذا أن ابن عمر سمع هذا الحديث من أخته حفصة عن النبي وسمعه من النبي أيضا يحدث به حين سئل وأخرجه مسلم أيضا حدثني حرملة بن يحيى قال أخبرنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال قالت حفصة زوج النبي قال رسول الله خمس من الدواب كلها فاسق لا حرج على من قتلهن العقرب والغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور وأخرجه النسائي أيضا عن عيسى بن إبراهيم عن ابن وهب
ذكر معناه قوله الغراب أي إحدى الخمس من الدواب الغراب قال أبو المعاني هو واحد الغربان وجمع القلة أغربة وقيل سمي غرابا لأنه نأى واغترب لما تفقده نوح عليه السلام يستخبر أمر الطوفان ويجمع على غرب أيضا وعلى أغرب وفي ( الحيوان ) للجاحظ الغراب الأبقع غريب وهو غراب البين وكل غراب فقد يقال له غراب البين إذا أرادوا به الشؤم إلا غراب البين نفسه غراب صغير وإنما قيل لكل غراب غراب البين لسقوطه في مواضع منازلهم إذا باتوا وناس يزعمون أن تسافدها على غير تسافد الطير وإنها تزلق بالمناقير وتلقح من هنالك وقيل إنهم يتسافدون كبني آدم أخبر بذلك جماعة شاهدوه وفي ( الموعب ) الغراب الأبقع هو الذي في صدره بياض وفي ( المحكم ) غراب أبقع يخالط سواده بياض وهو أخبثهما وبه يضرب المثل لكل خبيث وقال أبو عمر هو الذي في بطنه وظهره بياض قوله والحدأة بكسر الحاء وبعد الدال ألف ممدودة بعدها همزة مفتوحة وجمعها جدء مثل عنب وحدآن كذا في ( الدستور ) وقال الجوهري ولا يقال حداة وفي ( المطالع ) الحدأة لا يقال فيها إلا بكسر الحاء وقد جاء الحداء يعني بالفتح وهو جمع حدأة وجاء الحديا على وزن الثريا قوله والفأرة واحدة الفيران وفيرة ذكره ابن سيده وفي ( الجامع ) أكثر العرب على همزها قوله والعقرب قال ابن سيده العقرب يكون للذكر والأنثى وقد يقال للأنثى عقربة والعقربان الذكر منها وفي ( المنتهى ) الأنثى عقرباء ممدود غير مصروف وقيل العقربان دويبة كثيرة القوائم غير العقرب وعقربة شاذة ومكان معقرب بكسر الراء ذو عقارب وأرض معقربة وبعضهم يقول معقرة كأنه رد العقرب إلى ثلاثة أحرف ثم بنى عليه وفي ( الجامع ) ذكر العقارب عقربان والدابة الكثيرة القوائم عقربان بتشديد الباء قوله والكلب العقور قال أبو المعاني جمع الكلب أكلب وكلاب وكليب وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلا القليل نحو عبد وعبيد وجمع الأكلب أكالب وفي ( المحكم ) وقد قالوا في جمع الكلاب كلابات والكالب كالجامل جماعة الكلاب والكلبة أنثى الكلاب وجمعها كلبات ولا يكسر وسنذكر معنى العقور وما المراد منه
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه
الأول أنه يستفاد من الحديث جواز قتل هذه الخمسة من الدواب للمحرم فإذا أبيح للمحرم فللحلال بالطريق الأولى ثم التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك ولكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الأكثرين وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم فقد ورد في حديث أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها تقول سمعت رسول الله يقول أربع كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم الحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور انتهى وأسقط العقرب وورد عنها أيضا ست أخرجه

(10/179)


أبو عوانة في ( المستخرج ) من طريق المحارمي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الخمسة وزاد الحية وقال عياض جاء في غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا وفيه نظر لأن الأفعى تدخل في مسمى الحية وروى ابن خزيمة وابن المنذر زيادة على الخمس وهي الذئب والنمر فتصير بهذا الإعتبار تسعر ولكن قال ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور وقد جاء حديث أخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال يقتل المحرم الحية والعقرب والسبع العادي والكلب العقور والفأرة الفويسقة فقيل له لم قال لها الفويسقة قال لأن رسول الله استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت وهذا لم يذكر فيها الغراب والحدأة وذكر عوضهما الحية والسبع العادي وأخرجه أبو داود عنه أن النبي سئل عما يقتل المحرم قال الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي وقال الطحاوي فهذا ما أباح النبي للمحرم قتله في إحرامه وأباح للحلال قتله في الحرم وعد ذلك خمسا فذلك ينفي أن يكون إشكال شيء من ذلك كحكم هذه الخمس إلا ما اتفق عليه من ذلك أن النبي عناه قلت الحاصل مما قاله أن التنصيص على الأشياء المذكورة بالعدد ينافي أن يكون أمثاله وأنظاره كهذه الخمس في الحكم ألا ترى أنه ذكر الحدأة والغراب وهما من ذوي المخلب من الطيور وعينهما فلا يلحق بها سائر ذوي المخالب من الطيور كالصقر والبازي والشاهين والعقاب ونحوهما وهذا بلا خلاف إلا أن من علل بالأذى يقول أنواع الأذى كثيرة مختلفة فكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى من السبع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس وبالغراب والحدإة على ما يشاركهما في الأذى بالاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد ومن علل بتحريم الأكل قال إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها فإن قلت فعلى ما ذكرت عن الطحاوي ينبغي أن لا يجوز قتل الحية للمحرم قلت قوله إلا ما اتفق عليه من ذلك أن النبي عناه أشار إلى جواز قتل الحية لأنها من جملة ما عناه من ذلك وكيف وقد جاء عن ابن مسعود أن النبي أمرهم بقتل الحية في منى وجاء أن إحدى الخمس هو الحية فيما رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري وقد ذكرناه
الوجه الثاني في حكم الغراب فقال صاحب ( الهداية ) المراد بالغراب آكل الجيف وهو الأبقع روي ذلك عن أبي يوسف واحتج في ذلك بما رواه مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن عائشة عن النبي أنه قال خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع وقد مر عن قريب تفسير الإبقع وقال القرطبي هذا تقييد لمطلق الروايات التي ليس فيها الأبقع وبذلك قالت طائفة فلا يجيزون إلا قتل الأبقع خاصة وطائفة رأوا جواز قتل الأبقع وغيره من الغربان ورأوا أن ذكر الأبقع إنما جرى لأنه الأغلب قلت الروايات المطلقة محمولة على هذه الرواية المقيدة التي رواها مسلم وذلك لأن الغراب إنما أبيح قتله لكونه يبتدىء بالأذى ولا يبتدىء بالأذى إلا الغراب الأبقع وأما الغراب غير الأبقع فلا يبتدىء بالأذى فلا يباح قتله كالعقعقق وغراب الزرع ويقال له الزاغ وافتوا بجواز أكله فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع ومنها الغداف على الصحيح في مذهب الشافعي ذكره في ( الروضة ) بخلاف ما ذكره الرافعي وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين المعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع قلت قال أصحابنا المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف وأما غراب الزرع فلا وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد الذي رواه أبو داود وقد ذكرناه وفيه ويرمي الغراب ولا يقتله وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد وقال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب قال إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي لم يتابع أحد عطاء على هذا انتهى وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد جوازهما بأن يبتدئا بالأذى وهل يختص ذلك بكبارهما والمشهور عنهم ما قاله ابن شاش لا فرق وفاقا للجمهور
ومن أنواع الغربان العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب وقيل سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان والعرب

(10/180)


تتشاءم به أيضا وذكر في ( فتاوى قاضيخان ) من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر وقيل حكمه حكم الأبقع وقيل حكم غراب الزرع وقال أحمد إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به فإن قلت قال ابن بطال هذا الحديث أعني حديث عائشة الذي رواه مسلم الذي ذكرناه عن قريب لا يعرف إلا من حديث سعيد ولم يروه عنه غير قتادة وهو مدلس وثقات أصحاب سعيد من أهل المدينة لا يوجد عندهم هذا القيد مع معارضة حديث ابن عمر وحفصة فلا حجة فيه حينئذ وقال أبو عمر لا تثبت هذه الزيادة أعني قوله والغراب الأبقع وقال ابن قدامة الروايات المطلقة أصح قلت دعوى التدليس مردودة لأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وفي الحديث عن شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة ونفي ثبوت الزيادة مردود أيضا بإخراج مسلم والزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا
الوجه الثالث في الحدأة فإنه يجوز قتلها سواء كان للمحرم أو للحلال لأنها تبتدىء بالأذى وتختطف اللحم من أيدي الناس وروي عن مالك في الحدأة والغراب أنه لا يقتلهما إلا أن يبتدئا بالأذى والمشهور من مذهبه خلافه وعن أبي مصعب فيما ذكره ابن العربي قتل الغراب والحدأة وإن لم يبتدئا بالأذى ويؤكل لحمهما عند مالك وروي عنه المنع في الحرم سدا لذريعة الاصطياد قال أبو بكر وأصل المذهب أن لا يقتل من الطير إلا ما آذى بخلاف غيره فإنه يقتل ابتداء
الوجه الرابع في الفأرة فإنه يجوز قتلها مطلقا وقال ابن المنذر لا خلاف بين العلماء في جواز قتل المحرم الفأرة إلا النخعي فإنه منع المحرم من قتلها وهو قول شاذ وقال القاضي وحكى الساجي عن النخعي أنه لا يقتل المحرم الفأرة فإن قتلها فداها وهذا خلاف النص وخلاف جميع أهل العلم وروى البيهقي بإسناد صحيح عن حماد بن زيد قال لما ذكروا له هذا القول قال ما كان بالكوفة أفحش ردا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها ولا أحسن اتباعا لها من الشعبي لكثرة ما سمع ونقل ابن شاش عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى والفأرة أنواع منها الجرذ بضم الجيم على وزن عمر والخلد بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وفأرة الإبل وفأرة المسك وفأرة الغيط وحكمها في تحريم الأكل وجواز قتلها سواء
الوجه الخامس في العقرب فإنه يجوز قتله مطلقا حتى في الصلاة لأنه يقصد اللدغ ويتبع الحس وذكر أبو عمر عن حماد ابن أبي سليمان والحكم أن المحرم لا يقتل الحية والعقرب رواه عنهما شعبة قال وحجتهما أنهما من هوام الأرض وقال القاضي لم يختلف في قتل الحية والعقرب ولا في قتل الحلال الوزغ في الحرم وقال أبو عمر لا خلاف عن مالك وجمهور العلماء في قتل الحية والعقرب في الحل والحرم وكذلك الأفعى
الوجه السادس في الكلب العقور أذكر أبو عمر أن سفيان بن عيينة قال الكلب العقور كل سبع يعقر ولم يخص به الكلب قال سفيان وفسره لنا زيد بن أسلم وكذا قال أبو عبيد وعن أبي هريرة الكلب العقور الأسد وعن مالك هو كل ما عقر الناس وعدا عليهم مثل الأسد والنمر والفهد فأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب وشبههما فلا يقتله المحرم وإن قتله فداه وزعم النووي أن العلماء اتفقوا على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم واختلفوا في المراد به فقيل هو الكلب المعروف حكاه القاضي عياض عن أبي حنيفة والأوزاعي والحسن بن حي وألحقوا به الذئب وحمل زفر الكلب على الذئب وحده وذهب الشافعي والثوري وأحمد وجمهور العلماء إلى أن المراد كل مفترس غالبا وقال مالك في ( الموطأ ) كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وقال بعضهم هو قول الجمهور وقال أبو حنيفة المراد بالكلب هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب واحتج أبو عبيد بقوله أللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه واحتج بقول الله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين ( المائدة 4 ) فاشتقاقها من اسم الكلب فلهذا قيل لكل جارح عقور قلت في ( مراسيل ) ذكر الكلب من غير وصفه بالعقور فعلم أن المراد به الحيوان الخاص لا كل عاقر وقال السرسقطي في ( غريبه ) الكلب

(10/181)


العقور اسم لكل عاقر حتى اللص القاتل وعلى هذا فيستقيم قياس الشافعية على الخمس ما كان في معناها ولكن يعكر على هذا عدم إفراده بالذكر فإن قالوا إنه من باب عطف الخاص على العام وهو تأكيد للخاص كقوله تعالى فيهما فاكهة ونخل ورمان ( الرحمن 86 ) قلنا قد جاء في بعض الروايات مؤخر الذكر ومتوسطا هكذا في الصحيح وغيره واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه فصرح بتحريمه القاضيان حسين والماوردي وغيرهما ووقع للشافعي في ( الأم ) الجواز واختلف كلام النووي فقال في البيع من ( شرح المهذب ) لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله وقال في التيمم والغصب إنه غير محترم وقال في الحج يكره قتله كراهة تنزيه وهذا اختلاف شديد وعلى كارهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في ( الروضة ) وزاد إنها كراهة تنزيه وذهب الجمهور إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم إلا أنهم اختلفوا في المعنى فقيل لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ وقيل كونها مما لا يؤكل فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على الحرم في قتله وهذا قضية مذهب الشافعي
وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة إلى المحرم ثلاثة أقسام قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يؤذي وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان ما يحصل منه نفع وضر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان وقسم ليس فيه نفع ولا ضر فيكره قتله ولا يحرم والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهى عن قتله فلا يجوز وفيه الجزاء إذا قتله المحرم
قلت أصحابنا اقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية وألحقوا بذلك ما ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها وقال بعضهم وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعي والعدوان المركب والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى انتهى قلت نص النبي على قتل خمس من الدواب في الحرم والإحرام وبين الخمس ما هن فدل هذا أن حكم غير هذا الخمس غير حكم الخمس وإلا لم يكن للتنصيص على الخمس فائدة وقال عياض ظاهر قول الجمهور أن المراد أعيان ما سمى في هذا الحديث وهو ظاهر قول مالك وأبي حنيفة ولهذا قال مالك لا يقتل المحرم الوزغ وإن قتله فداه ولا يقتل خنزيرا ولا قردا مما لا ينطلق عليه اسم الكلب في اللغة إذ فيه جعل الكلب صفة لا إسما وهو قول كافة العلماء وإنما قال رسول الله خمس فليس لأحد أن يجعلهن ستا ولا سبعا وأما قتل الذئب فلا يحتاج فيه أن نقول إنه يقتل لمشاركته للكلب في الكلبية بل نقول يجوز قتله بالنص وهو ما رواه الدارقطني عن نافع قال سمعت ابن عمر يقول أمر رسول الله بقتل الذئب والفأرة قال يزيد بن هارون يعني المحرم وقال البيهقي وقد روينا ذكر الذئب من حديث ابن المسيب مرسلا جيدا كأنه يريد قول ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عمر عن حرملة عن سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن حرملة عن سعيد به قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن سالم عن سعيد عن وبرة عن ابن عمر يقتل المحرم الذئب وعن قبيصة يقتل الذئب في الحرم وقال الحسن وعطاء يقتل المحرم الذئب والحية وأما إذا عدا على المحرم حيوان أي حيوان كان وصال عليه فإنه يقتله لأن حكمه حينئذ يصير كحكم الكلب العقور
9281 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) قال حدثني ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلهن في الحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقورنه
( الحديث 9281 - طرفه في 4133 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى بن سليمان بن بن يحيى بن سعيد الجعفي المقري قدم مصر وحدث بها وتوفي بها سنة ثمان أو سبع وثلاثين ومائتين الثاني عبد الله بن وهب الثالث يونس بن يزيد الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه كوفي وأن ابن وهب مصري وأن يونس أيلي وأن ابن شهاب

(10/182)


وعروة مدنيان وفيه أن البخاري يروي عن يحيى بن سليمان بقوله حدثنا ويروي وحدثني يحيى بالعطف وصيغة الإفراد وفيه يروي ابن وهب عن ابن شهاب عن عروة وفي الحديث السابق يروي ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله ابن عمر عن حفصة فظهر من ذلك أن لابن وهب عن يونس عن الزهري إسنادين سالم عن أبيه عن حفصة وعروة عن عائشة وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة قال الحميدي عن سفيان حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه فقيل له فإن معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال حدثنا والله الزهري ولم يذكر عروة انتهى وطريق معمر الذي ذكره رواه البخاري في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عنه ورواه النسائي من طريق عبد الرزاق عنه ورواه أيضا سعيد بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وقد تابع الزهري عن عروة عن هشام بن عروة وأخرجه مسلم عن الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله خمس فواسق يقتلن في الحرم العقرب والفأرة والحديا والغراب والكلب العقور
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن يونس بن عبد الأعلى كلهم عن ابن وهب عن يونس به وروى أحمد في ( مسنده ) بسند صالح عن ابن عباس يرفعه خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم الحية والفأرة الحديث وروى الترمذي من حديث أبي سعيد عن النبي قال يقتل المحرم السبع العادي والكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب وروى البيهقي من رواية إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود أن رسول الله أمر محرما بقتل حية بمنى
ذكر معناه قوله فاسق مرفوع على أنه خبر لمبتدأ وهو قوله كلهن وهذه الجملة في محل الرفع على أنها خبر لقوله خمس وهو قد تخصص بالصفة قوله يقتلن الضمير الذي فيه يرجع إلى قوله خمس وليس يرجع إلى معنى كل كما قاله بعضهم وفي رواية مسلم من هذا الوجه كلها فواسق وفي روايته التي تأتي في بدء الخلق خمس فواسق قال النووي هو بإضافة خمس لا بتنوينه وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه قال رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الخكم من طريق المفهوم ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب قلت هذا مبني على معرفة معنى الفسق فإن كان المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق خروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله يكون معنى الكلبية فيه ظاهرا وإن كان المعنى خروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد لا يكون معنى الكلبية فيه ظاهرا فافهم والفسق في أصل كلام العرب الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها وقوله تعالى ففسق عن أمر ربه ( الكهف 05 ) أي خرج وسمي الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه وهو خروج مخصوص وسميت هذه الخمس فواسق لخروجها عن الحرمة التي لغيرهن وأن قتلهن للمحرم وفي الحرم مباح فالغراب ينقر ظهر البعير وينزع عينه إذا كان مسيرا ويختلس أطعمة الناس والحدأة كذلك تختلس اللحم والفراريج والعقرب تلدغ وتؤلم والفأرة تسرق الأطعمة وتفسدها وتقرض الثياب وتأخذ الفتيلة من السراج وتضرم بها البيت والكلب العقور يجرح الناس قوله يقتلن في الحرم على صيغة المجهول وقد تقدم في رواية نافع في أول الباب ليس على المحرم في قتلهن جناح وفي رواية زيد بن جبير يقتل المحرم وفي رواية حفصة لا حرج على من قتلهن وفي رواية مسلم من حديث الزهري عن عروة بلفظ يقتلن في الحل والحرم وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود خمس قتلهن حلال وعند مسلم في حديث زيد بن جبير أنه أي النبي أمر أو أمر أن تقتل الفأرة الحديث وفي رواية له كان يأمر بقتل الكلب العقور وفي رواية له خمس من قتلهن وهو حرام فلا جناح عليه فيهن الفأرة الحديث وفي رواية الليث عن نافع بلفظ إذن وحاصل الكل يرجع إلى أن قتل هذه الخمسة فليس فيه إثم على المحرم وفي الحرم وعلى الحلال بالطريق الأولى وبقية الكلام قد مرت عن قريب

(10/183)


381 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن مع النبي في غار بمنى إذ نزل عليه والمرسلات ( المرسلات 1 ) وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال النبي اقتلوها فابتدرناها فذهبت فقال النبي وقيت شركم كما وقيتم شرها
مطابقته للترجمة في قوله اقتلوها فإن قلت الترجمة فيما يقتل المحرم وليس فيه ما يدل على أنه أمر بقتل الحية في حالة الإحرام قلت كان ذلك في ليلة عرفة وبذلك صرح الإسماعيلي في روايته من طريق ابن نمير عن حفص بن غياث وقوله في غار بمنى يدل على أنه كان في الحرم وعند ابن خزيمة من رواية أبي كريب عن حفص بن غياث أن النبي أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى
ورجال الحديث قد مروا غير مرة والأعمش هو سليمان وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن قتيبة عن جرير وعن عمر بن حفص أيضا وقال في التفسير وغيره وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم أربعتهم عن الأعمش عنه به وأخرجه مسلم في الحيوان عن عمر بن حفص به وعن قتيبة وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير به وعن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم أربعتهم عن أبي معاوية به وفي الحج عن أبي كريب عن حفص بن غياث ببعضه أن النبي أمر بقتل حية بمنى وأخرجه النسائي في الحج وفي التفسير عن أحمد بن سليمان الرهاوي عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث به
قوله بينما قد ذكرنا غير مرة أن بينما وبينا ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى وجوابه هنا هو قوله إذ نزل عليه والأفصح أن لا يكون فيه إذ وإذا وقد جاء أحدهما في الجواب كثيرا قوله إذ نزل عليه أي على النبي وقوله والمرسلات ( المرسلات 1 ) أي سورة والمرسلات ( المرسلات 1 ) وهو فاعل لقوله نزل والفعل إذا أسند إلى مؤنث غير حقيقي يجوز فيه التذكير والتأنيث قوله وإني لأتلقاها أي لأتلقنها قوله من فيه أي من فمه قوله وإن فاه أي وإن فمه قوله لرطب بها أي لم يجف ريقه بها وقال التيمي الرطب عبارة عن الغض الطري كأن معناها قبل أن يجف ريقه بها قوله إذ وثبت كلمة إذ للمفاجأة قوله فابتدرناها أي أسرعنا إلى أخذها وهو من بدرت إلى الشيء أبدر بدورا أسرعت وكذلك بادرت إليه ويقال ابتدروا السلاح أي تسارعوا إلى أخذه قوله وقيت أي حفظت ومنعت قوله شركم بالنصب لأنه مفعول ثان للفعل المجهول أي إن الله سلمها منكم كما سلمكم منها ولم يلحقها ضرركم كما لم يلحقكم ضررها قوله كما وقيتم على صيغة المجهول أيضا وشرها بالنصب مفعول ثان له
ذكر ما يستفاد منه فيه الأمر بقتل الحية سواء كان محرما أو حلالا أو في الحرم والأمر مقتضاه الوجوب وقال ابن بطال أجمع العلماء على جواز قتل الحية في الحل والحرم قال وأجاز مالك قتل الأفعى وهي داخلة عنده في معنى الكلب العقور وقال ابن المنذر لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب وقال نافع لما قيل فالحية لا يختلف فيها وفي رواية ومن يشك فيها ورد عليه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب قال ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام قلت نعم يباح قتل سائر الهوام القتالة كالرتيلاء وأم الأربعة والأربعين والسام الأبرص والوزغة والنمل المؤذية ونحوها وأما نهيه عن قتل حيات البيوت فقد اختلف السلف قبلنا في ذلك فقال بعضهم بظاهر الأمر يقتل الحيات كلها من غير استثناء شيء منها كما روى أبو إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال قال رسول الله اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني وروى أيضا هذا عن عمرو ابن مسعود وقال أبو عمر روى شعبة عن مخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب قال اعتمرت فمررت بالرمال فرأيت حيات فجعلت أقتلهن وسألت عمر فقال هن عدونا فاقتلوهن قال ابن عيينة سمعت الزهري يحدث عن سالم عن أبيه أن عمر سئل عن الحية يقتلها المحرم فقال

(10/184)


هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها وقال زيد بن أسلم أي كلب أعقر من الحية وقال آخرون لا ينبغي أن تقتل عوامر البيوت وسكانها إلا بعد مناشدة العهد الذي أخذ عليهن فإن ثبت بعد إنشاده قتل وذلك حذار الإصابة فيلحقه ما لحق الفتى المعرس بأهله حيث وجد حية على فراشه فقتلها قبل مناشدته إياها واعتلوا في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا أن بالمدينة جنا قد أسلموا فإن رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ولا تخالف بينهما وربما تمثل بعض الجن ببعض صور الحيات فيظهر لأعين بني آدم كما روى ابن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها رأت في مغتسلها حية فقتلتها فأتيت في منامها فقيل لها إنك قتلت مسلما فقالت لو كان مسلما ما دخل على أمهات المؤمنين فقيل ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك فأصبحت فزعة ففرقت في المساكين إثني عشر ألفا قال ابن نافع لا تنذر عوامر البيوت إلا بالمدينة خاصة على ظاهر الحديث وقال مالك تنذر بالمدينة وغيرها وهو بالمدينة أوجب ولا تنذر في الصحارى وقال غيره بالسوية بين المدينة وغيرها لأن العلة إسلام الجن ولا يحل قتل مسلم جني ولا أنسي ومما يؤكد قتل الحية ما ذكره البخاري في هذا الباب عن ابن مسعود وعند الدارقطني من حديث ذر عن عبد الله من قتل حية أو عقربا فقد قتل كافرا وقال الموقوف أشبه بالصواب
1381 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أن رسول الله قال للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله
( الحديث 1381 - طرفه في 6033 )
مطابقته للترجمة في قوله فويسق لأن تسميته إياه فويسقا يقتضي أن يكون قتله مباحا وإسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله أبو عامر الأشجعي المدني ابن أخت مالك بن أنس
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الحج عن وهب بن بيان عن ابن وهب عن مالك به مختصرا الوزغ فويسق
قوله قال للوزغ اللام فيه بمعنى عن نحو وقال الذين كفروا للذين آمنوا ( مريم 37 والعنكبوت 21 يس 74 والأحقاف 11 ) أي عن الذين آمنوا والمعنى هنا قال عن الوزغ فويسق قلت ويجوز أن يكون للتعليل والمعنى قال لأجل الوزغ فويسق والوزغ بفتح الواو والزاي وفي آخره غين معجمة جمع وزغة ويجمع أيضا على وزغان وأزغان على البدل وقال ابن سيده عندي أن الوزغان إنما هو جمع وزغ الذي هو جمع وزغة كورل وورلان وفي ( الصحاح ) والجمع أوزاغ وفي ( المغيث ) والجمع أوزاغ قوله فويسق تصغير فاسق تصغير تحقير وهوان ومقتضاه الذم له وقال الكرماني الوزغ دابة لها قوائم تعدو في أصول الحشيش قيل إنها تأخذ ضرع الناقة وتشرب من لبنها وقيل كانت تنفخ في نار إبراهيم عليه الصلاة و السلام لتلتهب وقال الجوهري الوزغة دويبة وقال ابن الأثير وهي التي يقال سام أبرص قلت هذا هو الصحيح وهي التي تكون في الجدران والسقوف ولها صوت تصيح به وقال ابن الأثير ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما أحرق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه قوله ولم أسمعه أمر بقتله هو كلام عائشة أي لم أسمع النبي أمر بقتل الوزغ وإنما ذكرت الضمير في بقتله نظرا إلى ظاهر اللفظ وإن كان جمعا في المعنى وقول عائشة هذا لا يدل على منع قتله لأنه قد سمعه غيرها وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه مرفوعا أمر بقتل الأوزاغ وفي حديث عروة عن عائشة أن النبي أمر بقتله وقال أبو الحسن الباغندي في ( علله ) أنه وهم والصواب أنه مرسل وروى مالك عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص أنه أمر بقتله وفيه انقطاع بين الزهري وسعد وقال ابن المواز عن مالك قال سمعت أن رسول الله أمر بقتل الوزغ وعن أم شريك أنه أمر بقتلها على ما سيأتي وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه من قتل وزغا فله صدقة وقال ابن عمر اقتلوا الوزغ فإنه شيطان وعن عائشة أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى وسأل إبراهيم بن نافع عطاء عن قتله في الحرم قال لا بأس به ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم لكن نقل ابن عبد الحكم

(10/185)


وغيره عن مالك لا يقتل المحرم الوزغ زاد ابن القاسم وإن قتله يتصدق لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها وذكر ابن بزيزة في ( أحكامه ) قال الطحاوي لا يقتل المحرم الحية ولا الوزغ شيئا غير الحدأة والغراب والكلب العقور والفأرة والعقرب قلت قد ذكرنا فيما مضى أنه قال للمحرم قتل الحية وروى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية وفي لفظ من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك وفي لفظ في أول ضربة سبعين حسنة وقال أبو عمر الوزغ مجمع على تحريم أكله وقال ابن التين أباح مالك قتله في الحرم وكره للمحرم وقال ابن حزم من طريق سويد بن غفلة قال أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الزنبور ونحن محرمون وعن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح قال ليس في الزنبور جزاء
وقال ابن حزم وأما النمل فلا يحل قتله ولا قتل الهدهد ولا الصرد ولا النحل ولا الضفدع لما روينا من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال نهى رسول الله عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد وعند أبي داود من حديث سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا سأل رسول الله عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عليه الصلاة و السلام عن قتلها وفي ( التوضيح ) اختلف المدنيون في الزنبور فشبهه بعضهم بالحية والعقرب فإن عرض لأنسان فدفعه عن نفسه لم يكن فيه شيء وكان عمر رضي الله تعالى عنه يأمر بقتله وقال أحمد وعطاء لا جزاء فيه وقال بعضهم يطعم شيئا قال إسماعيل وإنما لم يدخل أولاد الكلب العقور في حكمه لأنهن لا يعقرن في صغرهن ولا فعل لهن
8 -
( باب لا يعضد شجر الحرم )
أي هذا باب يذكر فيه لا يعضد شجر الحرم أي لا يقطع وهو على صيغة المجهول من عضدت الشجر عضدا من باب ضرب يضرب إذا قطعته والعضد بفتحتين ما يكسر من الشجر أو يقطع وفي ( المحكم ) والشجر معضود وعضيد واستعضده قطعه وفي ( المتهى ) أي قطعه بالمعضد يعني بالسيف الممتهن في قطع الشجر والشجر معضود وعضد بالتحريك
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي لا يعضد شوكه
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق ذكره البخاري موصولا عن أبي شريح في هذا الباب وذكره كذلك عن ابن عباس في الباب الذي يلي هذا الباب وسنذكر ما يتعلق به هناك إن شاء الله تعالى
407 - ( حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله للغد من يوم الفتح فسمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فقولوا له إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بجزية خربة بلية )

(10/186)


مطابقته للترجمة في قوله ولا يعضد بها شجرة وهذا الحديث قد مر بتمامه في كتاب العلم في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب وقد ذكر هناك أكثر ما يتعلق به ونستوفي ههنا جميع معانيه وإن وقع فيه تكرار فإن التكرار يفيد الناظر فيه خصوصا إذا لم يقدر على ما ذكر هناك إما لبعد المسافة أو لوجه آخر وهذا الحديث قد أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن سعيد وهنا عن قتيبة عن الليث عن سعيد قوله عن أبي شريح العدوي زاد هنا العدوي قيل نظر فيه لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة بن لحي بطن من خزاعة ولهذا يقال له الكعبي أيضا لا عدوي وليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر ( قلت ) يحتمل أنه كان حليفا لبني عدي بن كعب من قريش قوله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح وفي رواية ابن أبي ذئب عن سعيد سمعت أبا شريح أخرجه أحمد واختلف في اسمه فالمشهور أنه خويلد بن عمرو أسلم قبل الفتح وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين قوله لعمرو بن سعيد هو عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق لطيم الشيطان ليست له صحبة وعرف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله تعالى عنه فأصابه لقوة ولاه يزيد بن معاوية المدينة وكان أحب الناس إلى أهل الشام وكانوا يسمعون له ويطيعونه وكتب إليه يزيد أن يوجه إلى عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه جيشا فوجهه واستعمل عليهم عمرو بن الزبير بن العوام وقال الطبري كان قدوم عمرو بن سعيد واليا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين وقيل قدمها في رمضان منها وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة فامتنع ابن الزبير من بيعته وأقام بمكة فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطة ثم أرسله إلى قتال أخيه فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع وجاءه أبو شريح فذكر القصة فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهمهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب قوله وهو يبعث البعوث جملة حالية والبعوث جمع البعث وهو الجيش بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد به الجيش المجهز للقتال قوله إيذن أصله اأذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قوله أيها الأمير أصله يا أيها الأمير فحذف حرف النداء منه قوله قام به رسول الله جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله قولا وانتصاب قولا على المفعولية قوله الغد بالنصب أي الثاني من يوم الفتح قوله سمعته أذناي أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الأذنين للتأكيد قوله ووعاه قلبي أي حفظه وهو تحقيق لفهمه وتثبته قوله وأبصرته عيناي زيادة تأكيد في تحقق ذلك قوله حين تكلم به أي بذاك القول المذكور وأشار بهذا إلى أن سماعه منه لم يكن مقتصرا على مجرد الصوت بل كان مع المشاهدة والتحقق بما قاله قوله إنه حمد الله بيان لقوله تكلم قوله حرمها الله أي حكم بتحريمها وقضاه به وفيه حجة لمن يرى الملتجىء إلى مكة ممن عليه دم لا يقتل فيها لأن معنى تحريم الله إياها أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو معنى قوله تعالى ومن دخله كان آمنا ( فإن قلت ) جاء في حديث أنس أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام حرم مكة وسيجيء في الجهاد ( قلت ) قيل إن إبراهيم عليه الصلاة و السلام حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده وقيل إن الله تعالى قضى يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام سيحرم مكة وقيل أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وقال القرطبي معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ولم يحرمها الناس والمراد بقوله ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه وقيل المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليست مما اختصت به شريعة النبي قوله ولا يعضد بصيغة المعلوم والضمير الذي فيه يرجع إلى امرىء أي ولا يقطع قوله بها أي بمكة ووقع في رواية معمر بن شبة بلفظ لا يخضد بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو يرجع إلى معنى يعضد لأن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع وكلمة لا في ولا يعضد زائدة لتأكيد النفي قوله فإن أحد

(10/187)


ترخص ارتفاع أحد بفعل مضمر يفسره ما بعده وتقديره فإن ترخص أحد وقوله ترخص على وزن تفعل من الرخصة وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد فإن ترخص مترخص وهو المتكلف للرخصة قوله لقتال رسول الله يتعلق بقوله ترخص أي لأجل قتال رسول الله فيها يعني لا يقول أن رسول الله قتل وأنا أيضا أقتل فإذا قال كذلك فقولوا له أن الله أذن لرسوله ولم يأذن لك قوله وإنما أذن لي بفتح الهمزة وكسر الذال على بناء الفاعل والضمير فيه يرجع إلى الله ويروى بضم الهمزة على البناء للمجهول قوله ساعة من نهار قد مضى في كتاب العلم أن مقدار هذه الساعة ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر وكان قتل من قتل بإذن النبي كابن خطل وقع في هذا الوقت الذي أبيح فيه القتال للنبي ولا يحمل الحديث على ظاهره حتى يحتاج إلى الجواب عن قصة ابن خطل قوله اليوم المراد به الزمن الحاضر يعني عادت حرمتها كما كانت بالأمس حراما إلى يوم القيامة ولم يبين غاية الحرمة هنا وبينها في حديث ابن عباس الذي يأتي بعد باب بقوله فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة قوله فقيل لأبي شريح لم يدر هذا القائل لأبي شريح المذكور من هو وفي رواية ابن إسحق أنه بعض قومه من خزاعة قوله ما قال لك عمرو وهو عمرو بن سعيد المذكور في السند قوله قال أنا أعلم أي قال عمرو بن سعيد أنا أعلم بذلك أي بالمذكور من قول أبي شريح أن مكة حرمها الله تعالى إلى قوله فقيل لأبي شريح والعجب من عمرو بن سعيد حيث ساق الحكم مساق الدليل وخصص العموم بلا دليل قوله لا يعيذ بالذال المعجمة أي لا يجير عاصيا ولا يعصمه قوله ولا فارا بالفاء من الفرار وهو الهروب والمراد من وجب عليه الحد لقتله ثم هرب إلى مكة مستجيرا بالحرم قوله بخربة بضم الخاء المعجمة وفتحها وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وفي المحكم الخربة يعني بالفتح والخربة يعني بالضم والخرب والخرب الفساد في الدين والخربة الذلة يقال ما لفلان خربة قال أبو المعاني الخارب اللص والخرابة اللصوصية وقال الأصمعي الخارب سارق البعير خاصة والجمع خراب وخرب فلان بإبل فلان يخرب خرابة مثل كتب يكتب كتابة والخربة الفعلة منه وقال اللحياني خرب فلان بإبل فلان يخرب بها خربا وخروبا وخرابا وخرابا أي سرقها كذا حكاه متعديا بالباء وقال مرة خرب فلان أي صار لصا وأشار ابن العربي إلى ضبطه بكسر الخاء المعجمة وسكون الزاي بدل الراء وبالياء آخر الحروف بدل الباء الموحدة قيل المعنى صحيح ولكن لا تساعده على ذلك الرواية ( قلت ) لم يظهر لي صحة المعنى مع عدم الرواية وحكى الكرماني جزية بكسر الجيم وسكون الزاي وهو أيضا بعيد قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه فسر الخربة بقوله بلية قال بعضهم هو تفسير من الراوي ثم قال والظاهر أنه المصنف قلت صرح بقوله قال أبو عبد الله ولم يبق وجه أن يقال تفسير من الراوي على الإبهام ومن الفوائد هنا أن تعلم أن من عد كلام عمرو بن سعيد المذكور حديثا واحتج بما تضمنه كلامه فقد وهم وهما فاحشا وعن هذا قال ابن حزم لا كرامة للطيم الشيطان أن يكون أعلم من صاحب رسول الله ( قلت ) أراد من لطيم الشيطان هو عمرو بن سعيد فإنه كان يلقب به وأراد بصاحب رسول الله هو أبو شريح العدوي المذكور فيه ( فإن قلت ) قال ابن بطال سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد يدل على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور ( قلت ) يرد هذا ما رواه أحمد في مسنده أنه قال في آخره قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك فهذا ينادي بأعلى صوته أنه لم يوافقه وإنما ترك المشافهة معه لعجزه عنه لأجل شوكته وقال ابن بطال أيضا ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح لأنه لم يختلف معه أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم فإن أبا شريح أنكر بعث عمر والجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها فأحسن في استدلاله بالحديث وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله واعترض الطيبي عليه بأنه لم يحد في جوابه وإنما أجاب بما يقتضيه القول بالموجب كأنه قال له صح سماعك وحفظك لكن المعنى المراد بالحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه قال فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم

(10/188)


ثم استجار بالحرم والذي أنا فيه من القبيل الثاني ومن فوائده أن لا يجوز قطع أغصان شجر مكة التي أنشأها الله فيها مما لا صنع فيه لبني آدم وإذا لم يجز قطع أغصانها فقطع شجرها أولى بالنهي وقام الإجماع كما قال ابن المنذر على تحريم قطع شجر الحرم واختلفوا فيما يجب على قاطعها فقال مالك لا شيء عليه غير الاستغفار وهو مذهب عطاء وبه قال أبو ثور وذكر الطبري عن عمر مثل معناه وقال الشافعي عليه الجزاء في الجميع المحرم في ذلك والحلال سواء في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وفي الخشب وما أشبهه فيه قيمته بالغة ما بلغت وقال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور على الجواز وقال الشافعي في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة وقال ابن العربي اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما وأجازوا قطع الشوك بكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور وقال ابن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا انتهى وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على إباحة أخذ كل ما ينبته الناس في الحرم من البقول والزروع والرياحين وغيرها وفي التلويح واختلفوا في أخذ السواك من شجر الحرم فروينا عن مجاهد وعطاء وعمر بن عمير أنهم رخصوا في ذلك ومن فوائده جواز إخبار الرجل عن نفسه بما يقتضي به ثقته وضبطه لما سمعه ومنها إنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج ومنها الاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد ومنها وقوع التأكيد في الكلام البليغ ومنها جواز المجادلة في الأمور الدينية ومنها الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره إذا لم يستطع بدا من ذلك ومنها جواز قبول خبر الواحد لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاغ وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم ألا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء وإلا لم يكن بالأمر بالتبليغ فائدة ومنها أن الحرم لا يعيذ عاصيا وفيه القول للعلماء وحجج قد ذكرناها في كتاب العلم والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل
9 -
( باب لا ينفر صيد الحرم )
أي هذا باب يذكر فيه لا ينفر صيد الحرم وينفر على صيغة المجهول من التنفير قيل هو كناية عن الاصطياد وقيل على ظاهره وقال النووي يحرم التنفير وهو الإزعاج عن موضعه فإن نفره عصي سواء تلف أو لا فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا ويستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالطريق الأولى
3381 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف وقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا فقال إلا الأذخر
مطابقته للترجمة في قوله ولا ينفر صيدها وهذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في باب الإذخر والحشيش في القبر فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب وهو الثقفي عن خالد هو الحذاء وههنا أخرجه عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب إلى آخره وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به قوله فلم تحل لأحد بعدي وفي رواية الكشميهني فلا تحل وفي الباب الذي بعده وأنه لم يحل القتال فيه لأحد بعدي وعند البخاري في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ومثله عند أحمد من طريق وهب عن خالد وقال ابن بطال

(10/189)


المراد بقوله ولا تحل لأحد بعدي الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره قوله لا يختلي أي لا يجز ولا يؤخذ قوله خلاها بفتح الخاء المعجمة مقصور الرطب من الكلأ قوله ولا تلتقط على صيغة المجهول وضعن لا تلتقط معنى لا يحل الالتقاط ويجوز أن يكون لا تلتقط على صيغة المعلوم فتكون اللام حينئذ في المعرف زائدة وقال الكرماني حكم جميع البلاد هذا وهو أن لا تلتقط إلا للتعريف قلت هذا للتعريف المجرد أي لا يتملكها بعد التعريف بل يعرفها أبدا قوله لصاغتنا جمع صائغ قوله إلا الإذخر بكسر الهمزة نبت معروف والمستثنى منه هو قوله لا يختلى خلاها ومثله يسمى بالاستثناء التلقيني
وعن خالد عن عكرمة قال هل تدري ما لا ينفر صيدها هو أن ينحيه من الظل ينزل مكانه
وعن خالد عطف على قوله حدثنا خالد عن عكرمة داخل في الإسناد المذكور قوله قال هل تدري هذا خطاب من عكرمة لخالد يريد أن ينبه عكرمة بذلك على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى كما في قوله تعالى ولا تقل لهما أف ( الإسراء 32 ) فإذا كان الشخص ممنوعا عن القول بأف لوالديه فمنعه عن سبهما بطريق الأولى وقد خالف في ذلك عطاء ومجاهد عكرمة فإنهما قالا لا بأس بطرده ما لم يفض إلى قتله رواه ابن أبي شيبة وروى أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حماما كان على البيت فذرق على يد عمر فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة فجاءت حية فأكلته فحكم عمر رضي الله تعالى عنه على نفسه بشاة وروى من طريق آخر عن عثمان رضي الله تعالى عنه نحوه قوله ما لا ينفر أي ما الشيء الذي ينفر صيد مكة وكلمة ما استفهامية فيستفهم بها عن مضمون الجملة التي بعدها أي ما الغرض من لفظ ما لا ينفر صيدها قوله هو أي التنفير دل عليه قوله ينفر من قبيل قوله تعالى اعدلوا هو ( المائدة 8 ) أي العدل أقرب للتقوى ( المائدة 8 ) قوله أن ينحيه من التنحية وهو الإبعاد من نحى ينحي بالحاء المهملة وهو على صيغة الغائب والضمير فيه يرجع إلى المنفر الذي يدل عليه لفظ ينفر ويروى تنحية بالخطاب وقوله ينزل بالوجهين أيضا ومعنى ينزل مكانه أي مكان الصيد وهذه جملة وقعت حالا
01 -
( باب لا يحل القتال بمكة )
أي هذا باب يذكر فيه لا يحل القتال بمكة أي في مكة قوله القتال هكذا وقع في لفظ الحديث وكذا وقع في رواية مسلم ووقع في رواية أخرى بلفظ القتل والفرق بين القتل والقتال ظاهر أما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها وخص الخلاف بمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم وممن نقل الإجماع على ذلك ابن الجوزي وأما القتال فقال الماوردي من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها فلو بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز وإن لم يمكن إلا بالقتال فقال الجمهور يقاتلون لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى فلا يجوز إضاعتها وقال آخرون لا يجوز قتالهم بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة
وقال أبو شريح رضي الله تعالى عنه عن النبي لا يسفك بها دما
أبو شريح هو الصحابي المذكور في الباب الذي قبل الباب السابق وقد مضى فيه هذا التعليق موصولا
4381 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي يوم افتتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا فإن هذا بلد حرم الله يوم خلق السماوات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته

(10/190)


إلا من عرفها ولا يختلى خلاها قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم قال إلا الإذخر
مطابقته للترجمة في قوله فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وعثمان بن أبي شيبة هو عثمان بن محمد ابن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان أبو الحسن العبسي الكوفي وهو أخو أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة مات في المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين وروى عنه مسلم أيضا وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر يروي عن مجاهد عن طاووس كذا يرويه موصولا وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي مرسلا أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معمر عنه ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الحج وفي الجزية عن علي بن عبد الله وفي الجهاد عن آدم عن شيبان وعن علي بن عبد الله وعمرو بن علي كلاهما عن يحيى وأخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى وفيه وفي الحج عن إسحاق بن إبراهيم وفيهما أيضا عن محمد بن رافع وفي الجهاد أيضا عن أبي بكر وأبي كريب وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الحج والجهاد عن عثمان به منقطعا وأخرجه الترمذي في السير عن أحمد بن عبدة وأخرجه النسائي فيه وفي البيعة عن إسحاق بن منصور في الحج عن محمد بن قدامة وعن محمد بن رافع
قوله يوم افتتح مكة منصوب لأنه ظرف لقال قوله لا هجرة أي بعد الفتح وكذا جاء عن علي بن المديني في روايته عن جرير في كتاب الجهاد والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة ولم تبق هجرة من مكة بعد أن صارت دار الإسلام وهذا يتضمن معجزة لرسول الله بأنها تبقى دار الإسلام لا يتصور منها الهجرة قوله ولكن جهاد أي لكن لكم طريق إلى تحصل الفضائل التي في معنى الهجرة وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء من لقاء رسول الله ونحوه وارتفاع جهاد على الابتداء وخبره محذوف مقدما تقديره لكم جهاد قوله وإذا استنفرتم أي إذا دعاكم الإمام إلى الخروج إلى الغزو فاخرجوا إليه وقال الطيبي ولكن جهاد عطف على محل مدخول ولا هجرة أي الهجرة من الأوطان إما هجرة الفرار من الكفار وإما إلى الجهاد وإما إلى غير ذلك كطلب العلم وانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما وإذا استنفرتم فانفروا قوله فإن هذا بلد الفاء فيه جواب شرط محذوف تقديره إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام قوله حرم الله كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني حرمه الله بالهاء قوله بحرمة الله أي بتحريمه وهذا تأكيد للتحريم قوله وإنه أي إن الشأن لم يحل القتال فيه هكذا وقع في رواية الكشميهني بلفظ لم يحل وفي رواية غيره لا يحل بلفظ لا والأول أشبه لقوله قبلي قوله ولا يلتقط على صيغة المعلوم وفاعله هو قوله من عرفها قوله خلاها بالقصر كما ذكرنا وذكر ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه وقطعه واحتشاشه وتخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لأن النبت اليابس كالصيد الميت وقال ابن قدامة لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش حشيشها قوله قال العباس هو ابن عبد المطلب كما وقع كذلك في المغاوي من وجه آخر قوله إلا الإذخر قد ذكرنا أنه استثناء تلقيني والاستثناء التلقيني هو أن العباس لم يرد به أن يستثني هو بنفسه وإنما أراد به أن يلقن النبي بالاستثناء واستدل به بعضهم على جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال إما لفظا وإما حكما كجواز الفصل بالتنفس مثلا وقد اشتهر عن ابن عباس الجواز مطلقا واحتج له بظاهر هذه القة وأجاب الجمهور عنه بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون النبي أراد أن يقول إلا الإذخر فشغله العباس بكلامه فوصل كلامه بكلام نفسه فقال إلا الإذخر وقد قال مالك يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثنى منه فإن قلت هل كان قوله إلا الإذخر باجتهاد أو وحي قلت اختلفوا فيه

(10/191)


فقيل أوحى الله قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله وقيل كان الله تعالى فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقا وحكى ابن بطال عن المهلب أن الاستثناء هنا للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة وقد بين العباس ذلك بأن الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه ورد عليه بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها فيه فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته فيه والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد الضرورة وقيل الحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة وترخيص النبي كان تبليغا عن الله تعالى إما بطريق الإلهام أو بطريق الوحي ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم ويجوز في الإذخر الرفع على أنه بدل مما قبله ويجوز النصب لكونه استثناء وقع بعد النهي وقال ابن مالك والمختار النصب لكون الاستثناء وقع متراخيا عن المستثنى منه فبعدت المشاكلة بالبدلية لكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودا قوله فإنه أي فإن الإذخر قوله لقينهم بفتح القاف وسكون الياء في آخر الحروف بعدها نون وهو الحداد وقال الطبري القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه قوله ولبيوتهم يعني لسقوف بيوتهم حيث يجعلونه فوق الخشب وقال التيمي معناه يوقدونه في بيوتهم وفي رواية المغازي فإنه لا بد منه للقين والبيوت وفي الرواية الماضية فإنه لصاغتنا وقبورنا ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبة الجمع بين الثلاثة ووقع عنده أيضا فقال العباس يا رسول الله إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم
ومن فوائد هذا الحديث جواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد ومنها عظم منزلة العباس عند النبي ومنها عنايته بأمر مكة لكونه كان منها أصله ومنشؤه ومنها رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة وإبقاء حكمها من بلاد الكفر إلى يوم القيامة ومنها أنه يشترط الإخلاص للجهاد ولكل نية فيها خير والله أعلم
11 -
( باب الحجامة للمحرم )
أي هذا باب في بيان حكم الحجامة للمحرم هل يمنع منها أو يباح له مطلقا أو للضرورة والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم
وكوى ابن عمر ابنه وهو محرم
يستأنس مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن كلا من الحجامة والكي يستعمل للتداوي عند الضرورة وابن عمر هو عبد الله واسم ابنه واقد بالقاف ووصل هذا التعليق سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام في الطريق وهو متوجه إلى مكة فكواه ابن عمر
ويتداوى ما لم يكن فيه طيب
أي ويتداوى المحرم بدواء ما لم يكن فيه طيب وفي بعض النسخ بما لم يكن فيه طيب وقال بعضهم هذا من تتمة الترجمة وليس في أثر ابن عمر كما ترى وأما قول الكرماني يتداوى فاعله إما المحرم وإما ابن عمر فكلام من لم يقف على أثر ابن عمر انتهى قلت أما قول هذا القائل هذا من تتمة الترجمة فليس بشيء لأن أثر ابن عمر فأصل يمنع أن يكون هذا من الترجمة وأما قول الكرماني وأما ابن عمر فكذلك ليس بشيء لوقوع هذا أيضا بعد أثر ابن عمر في غير محله ومع هذا أشار به إلى جواز التداوي للمحرم بما ليس فيه طيب وقد ذكر البخاري في أوائل الحج في باب الطيب عند الإحرام وقال ابن عباس يشم المحرم الريحان وينظر في المرآة ويتداوى ويأكل الزيت والسمن وروى الطبري من طريق الحسن قال إن أصاب المحرم شجة فلا بأس بأن يأخذ ما حولها من الشعر ثم يداويها بما ليس فيه طيب
5381 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال قال ( عمرو أول شيء ) سمعت ( عطاء ) يقول سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول احتجم رسول الله وهو محرم ثم سمعته يقول حدثني طاووس عن ابن عباس فقلت لعله سمعه منهما
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني سفيان بن عيينة

(10/192)


الثالث عمرو بن دينار الرابع عطاء بن أبي رباح الخامس طاووس اليماني السادس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه السماع في موضعين
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطب عن مسدد وأخرجه مسلم في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وأخرجه النسائي فيه وفي الصوم عن قتيبة ومحمد بن منصور وفي الباب عن أنس وعبد الله بن بحينة وجابر وابن عمر أما حديث أنس فأخرجه أبو داود من رواية معمر عن قتادة عن أنس أن رسول الله احتجم على ظهر القدم من وجع كان به رواه ابن عدي من رواية عبد الله بن عمر العمري عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي احتجم وهو محرم من وجع كان في رأسه وأما حديث عبد الله بن بحينة فمتفق عليه على ما يجيء إن شاء الله تعالى وأما حديث جابر فأخرجه النسائي وابن ماجه من رواية ابي الزبير عن جابر أن النبي احتجم وهو محرم من وثي كان به وقال ابن ماجه من رهصة أخذته وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية مسلم بن سالم البلخي عن عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر قال احتجم رسول الله وهو محرم صائم وأعطى الحجام أجره
ذكر معناه قوله قال عمرو أي عمرو بن دينار قوله أول شيء أي أول مرة بقرينة ثم سمعته يقول أي روى عطاء أولا عن ابن عباس بدون الواسطة وثانيا بواسطة طاووس كذا قاله الكرماني ورد عليه بعضهم فقال هذا كلام من لم يقف على طرق الحديث ولا يعلم مع ذلك لعطاء عن طاووس رواية أصلا قلت الرد له وجه لأن إثبات الواسطة ونفيها في رواية عطاء لا دخل له هنا وإنما الكلام في أن عمرو بن دينار تارة يقول سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس وتارة يقول سمعت طاووسا عن ابن عباس فهذا يدل على أن عمرا سمع من عطاء وطاووس وهو كذلك على ما نذكره عن مسلم وغيره قوله وهو محرم جملة حالية قوله ثم سمعته يقول مقول سفيان والضمير المنصوب الذي فيه يرجع إلى عمرو وكذا قوله فقلت لعله سمعه أي لعل عمرا سمع الحديث منهما أي من عطاء وطاووس وقد بين ذلك الحميدي عن سفيان فقال حدثنا بهذا الحديث عمرو مرتين فذكره لكن قال فلا أدري أسمعه منهما أو كانت إحدى الروايتين وهما وزاد أبو عوانة قال سفيان ذكر لي أنه سمعه منهما جميعا وفي رواية مسلم حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاووس وعطاء عن ابن عباس وفي رواية أبي داود والترمذي كذلك وفي رواية النسائي عن سفيان يعني ابن عيينة قال قال لنا عمرو يعني ابن دينار سمعت عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول احتجم النبي وهو محرم ثم قال بعد أخبرني طاووس عن ابن عباس احتجم النبي وهو محرم وفي رواية ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة نحو رواية علي بن عبد الله وقال في آخره فظننت أنه رواه عنهما جميعا
ذكر ما يستفاد منه دل الحديث على جواز الحجامة للمحرم مطلقا وبه قال عطاء ومسروق وإبراهيم وطاووس والشعبي والثوري وأبو حنيفة وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأخذوا بظاهر هذا الحديث وقالوا ما لم يقطع الشعر وقال قوم لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال مالك وحجة هذا القول أن بعض الرواة يقول إن النبي احتجم لضرر كان به رواه هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله إنما احتجم وهو محرم في رأسه لأذى كان به ورواه حميد الطويل عن أنس رضي الله تعالى عنه قال احتجم رسول الله من وجع كان به ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز له حلق شيء من شعر رأسه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر إلا من ضرورة وأنه إن حلقه من ضرورة فعليه الفدية التي قضى بها رسول الله على كعب بن عجرة فإن لم يحلق المحتجم شعرا فهو كالعرق يقطعه أو الدمل يبطه أو القرحة ينكؤها ولا يضره ذلك ولا شيء عليه عند جماعة العلماء وعند الحسن البصري عليه الفدية وقال ابن التين الحجامة ضربان موضع يحتاج إلى

(10/193)


حلق الشعر فيفتدى من فعله والأصل جوازه لهذا الخبر وفي الفدية قوله تعالى فمن كان منكم مريضا ( البقرة 481 و691 ) الآية وموضع يحتاج إلى حلق في غير الرأس فيفتدى قال عبد الملك في ( المبسوط ) شعر الرأس والجسد سواء وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال أهل الظاهر لا فدية عليه إلا أن يحلق رأسه وإن كانت الحجامة في موضع لا يحتاج إلى حلق فإن كانت لضرورة جازت ولا فدية وإن كانت لغير ضرورة فمنعه مالك وأجازه سحنون وروي نحوه عن عطاء
6381 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) قال حدثنا ( سليمان بن بلال ) عن ( علقمة بن أبي علقمة ) عن عبد الرحمان الأعرج عن ابن بحينة رضي الله تعالى عنه قال احتجم النبي وهو محرم بلحي جمل في وسط رأسه
( الحديث 6381 - طرفه في 8965 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول خالد بن مخلد بفتح الميم البجلي قال الواقدي مات بالكوفة في المحرم سنة ثلاث عشرة ومائتين الثاني سليمان بن بلال أبو أيوب ويقال أبو محكد القرشي التيمي الثالث علقمة بن أبي علقمة واسمه بلال مولى عائشة أم المؤمنين مات في أول خلافة أبي جعفر الرابع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الخامس عبد الله بن بحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو عبد الله بن مالك بن القشب وبحينة أمه وهي بنت الأرت
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه كوفي والبقية مدنيون وفيه أن علقمة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وفيه رواية التابعي عن التابعي لأن علقمة تابعي صغير سمع أنسا وفيه سليمان بن بلال عن علقمة وفي رواية النسائي من طريق محمد ابن خالد عن سليمان أخبرني علقمة وفيه عن ( عبد الرحمن الأعرج ) عن ابن بحينة وفي رواية البخاري في الطب عن إسماعيل وهو ابن أبي أويس عن سليمان عن علقمة أنه سمع عبد الرحمن الأعرج أنه سمع عبد الله بن بحينة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطب عن أسماعيل وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن هلال بن بشر وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله وهو محرم جملة إسمية وقعت حالا قوله بلحي جمل بفتح اللامويروى بكسرها وسكون الحاء المهملة بعدها ياء آخر الحروف وفتح الجيم بعدها ميم ولام وهو اسم موضع بين المدينة ومكة وهو إلى المدينة أقرب وقد وقع مبينا في رواية إسماعيل بلحي جمل من طريق مكة وذكر البكري في ( معجمه ) في رسم العقيق قال هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم وهو الذي مضى في التيمم وقال غيره هي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا ووقع في رواية أبي ذر بلحيي جمل بصيغة التثنية ووقع لغيره بالإفراد ومن زعم أنه فكا الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم فقد أخطأ وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع قوله في وسط رأسه بفتح السين وقال الكرماني المشهور أن الوسط بفتح السين هو كمركز الدائرة وبسكونها أعم من ذلك والأول اسم والثاني ظرف وفي حديث ( الموطأ ) احتجم فوق رأسه بلحي جمل وروي أنه قال إنها شفاء من النعاس والصداع والأضراس وقال الليث ليست في وسط الرأس إنما هي في فأس الرأس وأما التي في وسط الرأس فربما أعمت وفي ( الطبقات ) لابن سعد حجمه أبو ظبية ليماني عشرة من شهر رمضان نهارا من حديث جابر ومن حديث ابن عباس احتجم بالقاحة وهو صائم محرم وفي لفظ محرم من أكلة أكلها من شاة سمتها امرأة من أهل خيبر وفي حديث بكير بن الأشج احتجم في القمحدودة وفي حديث عبد الله بن عمر بن عبد العزيز كان يسميها منقدا وفي حديث أنس المغيثة وفي ( المستدرك ) على شرطهما عن أنس أن النبي احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به وقد مر عن قريب وفي تعليق البخاري من شقيقة كانت به
واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى المحرم عنه من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك

(10/194)


21 -
( باب تزويج المحرم )
أي هذا باب في بيان تزويج المحرم ولم يبين هل هو جائز أو غير جائز اكتفاء بما دل عليه حديث الباب فإنه يدل على أنه يجوز وإشارة إلى أنه لم يثبت عنده النهي عن ذلك ولا ثبت أنه من الخصائص
7381 - حدثنا ( أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ) قال حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( عطاء بن أبي رباح ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه تزويج المحرم وفيه بيان أيضا لما أبهمه في الترجمة وهو أنه جائز
وأبو المغيرة بضم الميم وكسرها عبد القدوس بن الحجاج الحمصي مات سنة ثنتي عشرة ومائتين والأوزاعي عبد الرحمن بن عمر
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الحج عن صفوان بن عمرو الحمصي وفيه وفي الصوم عن شعيب بن شعيب وفي الصوم أيضا عن سليمان بن أيوب مرسلا وروى الترمذي من حديث هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله تزوج ميمونة وهو محرم ورواه البخاري من رواية وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس نحوه ورواه أبو داود عن مسدد عن حماد بن زيد عن أيوب ورواه الترمذي أيضا من حديث عمرو بن دينار قال سمعت أبا الشعثاء يحدث عن ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو الشعثاء اسمه جابر بن زيد ورواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه كلهم من رواية سفيان عن عمرو بن دينار نحوه وقال الترمذي وفي الباب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قلت أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) والبيهقي في ( سننه ) من رواية أبي عوانة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أن النبي تزوج وهو محرم وأخرجه الطحاوي أيضا ولفظه تزوج رسول الله بعض نسائه وهو محرم وأبو عوانة الوضاح وأبو الضحى مسلم بن صبيح قلت وفي الباب أيضا عن أبي هريرة رواه الطحاوي من رواية كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال تزوج رسول الله ميمونة وهو محرم واحتج بهذا الحديث إبراهيم النخعي والثوري وعطاء بن أبي رباح والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وعكرمة ومسروق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد قالوا لا بأس للمحرم أن ينكح ولكنه لا يدخل بها حتى يحل وهو قول ابن عباس وابن مسعود وقال سعيد بن المسيب وسالم والقاسم وسليمان بن يسار والليث والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجوز للمحرم أن ينكح ولا ينكح غيره فإن فعل ذلك فالنكاح باطل وهو قول عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما واحتجوا في ذلك بما رواه مسلم حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان يحضر ذلك وهو أمير الحاج فقال أبان سمعت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب وأخرجه أبو داود أيضا عن القعنبي عن مالك إلى آخره
قوله ولا ينكح بضم الياء وكسر الكاف من الإنكاح ومعناه لا ينكح غيره أي لا يعقد على غيره ووجهه أنه لما كان ممنوعا من نكاح نفسه مدة الإحرام كان معزولا تلك المدة أن يعقد لغيره وشابه المرأة التي لا تعقد على نفسها وعلى غيرها قوله ولا يخطب لما في الخطبة من التعرض إلى النكاح ثم قالوا لأهل المقالة الأولى من يتابعكم أن رسول الله تزوج ميمونة وهو محرم وهذا أبو رافع وميمونة يذكران أن ذلك كان منه وهو حلال فذكروا ما رواه الترمذي حدثنا قتيبة قال حدثنا حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال تزوج رسول الله ميمونة وهو حلال وكنت أنا الرسول فيما بينهما
وحديث ميمونة رواه مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو فزارة عن يزيد ابن الأصم قال حدثتني ميمونة أن رسول الله تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس وأخرجه

(10/195)


الترمذي وفي آخره وبنى بها حلالا وماتت بسرف ودفنها في الظلة التي بنى فيها وأجاب أهل المقالة الأولى عن هذا بأن في حديث أبي رافع مطرا الوراق وهو عندهم ليس ممن يحتج بحديثه وقد رواه مالك وهو أضبط منه وأحفظ فقطعه وقال الترمذي وهذا حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة ورواه مالك ابن أنس عن سليمان بن يسار أن النبي تزوج ميمونة وهو حلال رواه مالك مرسلا قال رواه أيضا سليمان ابن بلال عن ربيعة مرسلا وقال أبو عمر حديث مالك عن ربيعة في هذا الباب غير متصل وقد رواه مطر الوراق فوصله رواه حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع وهذا عندي غلط في مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سنة تسع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بيسير وكان قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وغير جائز ولا ممكن أن يسمع سليمان من أبي رافع فلا معنى لرواية مطر وما رواه مالك أولى والعجب من البيهقي يعرف هذا المقدار في هذا الحديث ثم يسكت عنه ويقول مطر بن طهمان الوراق قد احتج به مسلم بن الحجاج قلنا ولئن سلمنا ذلك فهو ليس كرواة حديث ابن عباس ولا قريبا منهم وقد قال النسائي مطر ليس بالقوي وعن أحمد كان في حفظه سوء وأجابوا عن حديث ميمونة بأن عمرو بن دينار قد ضعف يزيد ابن الأصم في خطابه للزهري وترك الزهري الإنكار عليه وأخرجه من أهل العلم وجعله أعرابيا بوالا على عقبيه وهم يضعفون الرجل بأقل من هذا الكلام وبكلام من هو أقل من عمرو بن دينار والزهري ومع هذا فالذين رووا أنه تزوج ميمونة وهو محرم نحو سعيد بن جبير وعطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد أعلى وأثبت من الذين رووا أنه تزوجها وهو حلال وميمون بن مهران وحبيب بن الشهير ونحوهما لا يلحقون هؤلاء الذين ذكرناهم وروى ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء قال تزوج النبي ميمونة وهو محرم
وفي ( الطبقات ) لابن سعد أنبأنا أبو نعيم حدثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال كنت جالسا عند عطاء فسأله رجل هل يتزوج المحرم فقال عطاء ما حرم الله النكاح منذ أحله قال ميمون فذكرت له حديث يزيد بن الأصم تزوج النبي ميمونة وهو حلال قال فقال عطاء ما كنا نأخذ هذا إلا عن ميمونة وكذا نسمع أن رسول الله تزوجها وهو محرم وأنبأنا ابن نمير والفضل بن دكين عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم وأنبأنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد وأنبأنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد حدثنا أبو يزيد المديني قالا إن النبي تزوج ميمونة وهو محرم وروى الطحاوي من حديث عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال سألت أنس بن مالك عن نكاح المحرم فقال ما به بأس هل هو إلا كالبيع وذكره أيضا ابن حزم عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فإن قلت قال ابن حزم يقول من أجاز نكاح المحرم لا يعدل يزيد بن الأصم أعز أبي بابن عباس قالوا وقد يخفى على ميمونة كون سيدنا رسول الله محرما فالمخبر بكونه كان محرما معه زيادة علم قالوا وخبر ابن عباس وارد بزيادة حكم فهو أولى وقالوا في خبر عثمان معناه لا يوطىء غيره ولا يطأ قال أبو محمد هو ابن حزم وهذا ليس بشيء أما تأويلهم في خبر عثمان فقد بينه قوله ولا يخطب فصح أنه أراد النكاح الذي هو العقد وأما ترجيحهم ابن عباس على يزيد فنعم والله لا يقرن يزيد بعبد الله ولا كرامة وهذا تمويه منهم لأن يزيد إنما رواه عن ميمونة وروى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس ونحن لا نقرن ابن عباس صغير من الصحابة إلى ميمونة أم المؤمنين لكن نعدل يزيد إلى أصحاب ابن عباس ولا نقطع بفضلهم عليه وأما قولهم قد يخفى على ميمونة إحرامه إذا تزوجها فيعارضون بأن يقال لهم قد يخفى على ابن عباس إحلال رسول الله من إحرامه فالمخبرة بكونه قد أحل زائدة عاما وأما قولهم خبر ابن عباس وارد بحكم زائد فليس كذلك بل خبر عثمان هو الزائد الحكم فبقي أن يرجح خبر عثمان وخبر ميمونة على خبر ابن عباس
فنقول خبر يزيد عنها هو الحق وقول ابن عباس وهم لا شك فيه لوجوه أولها أنها على علم بنفسها منه ثانيها أنها كانت إذ ذاك امرأة كاملة وكان ابن عباس يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر فبين الضبطين فرق لا يخفى ثالثها أنه إنما تزوجها في عمرة القضاء هذا مما لا يختلف فيه اثنان ومكة يومئذ دار حرب

(10/196)


وإنما هادنهم النبي على أن يدخلها معتمرا ويبقى فيها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج فأتى من المدينة محرما بعمرة ولم يقدم شيئا إذ دخل على الطواف والسعي وتم إحرامه في الوقت ولم يشك أحد في أنه إنما تزوجها بمكة حاضرا بها لا بالمدينة فصح أنها بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه لا في حال طوافه وسعيه فارتفع الإشكال جملة وبقي خبر عثمان وميمونة لا معارض لهما ثم لو صح خبر ابن عباس بيقين ولم يصح خبر ميمونة لكان خبر عثمان هذا الزائد الوارد بحكم لا يحل خلافه لأن النكاح قد أباحه الله تعالى في كل حال ثم لما أمر أن لا ينكح المحرم كان بلا شك ناسخا للحال المتقدمة من الإباحة لا يمكن غير هذا أصلا وكان يكون خبر ابن عباس منسوخا بلا شك لموافقته للحال المنسوخة بيقين انتهى قلت الجواب عن كل فصل أما عن قوله يزيد إنما رواه عن ميمونة وهي امرأة عافلة وابن عباس صغير فلقائل أن يقول إن كان يزيد رواه عن خالته فابن عباس من الجائز غير المنكر أن يرويه عنه أو يرويه عن أبيه الذي ولي عقد النكاح بمشهد عنه ومرأى أو يرويه عن خالته المرأة العاقلة وإيا ما كان فليس صغيرا فروايته مقدمة على رواية يزيد بن الأصم ولأن لعبد الله متابعين وليس ليزيد عن خالته متابع منهم عطاء بقوله بسند صحيح ما كنا نأخذ هذا إلا من ميمونة رضي الله تعالى عنها ومسروق بسند صحيح وليس لقائل أن يقول لعل عطاء ومسروقا أخذاه عن ابن عباس لتصريح عطاء بأخذه إياه من ميمونة وأما مسروق فلا نعلم له رواية عن عبد الله فدل أنه أخذه عن غيره وأما عن قوله نعدل يزيد إلى أصحاب عبد الله ولا نقطع بفضلهم عليه فكيف يكون شخص واحد حديثه عند مسلم وحده يعدل بعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وعكرمة في آخرين من أصحاب عبد الله الذين رووا عنه هذا الحديث وأما عن قوله هي أعلم بنفسها من عبد الله فنقول بموجبه نعم هي أعلم بنفسها إذ حدثت عطاء وابن أختها بما هي أعلم به من غيرها وأما عن قوله إنما تزوجها بمكة حاضرا بها فيرده ما رواه مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله بعث أبا رافع ورجلا من الأنصار بزوجاته ميمونة ورسول الله بالمدينة قبل أن يخرج انتهى فيشبه أنهما زوجاه إياها وهو ملتبس بالإحرام في طريقه إلى مكة ولما حل بنى بها وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب خرج رسول الله معتمرا في ذي القعدة فلما بلغ موضعا ذكره بعث جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بين يديه إلى ميمونة يخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها منه وقد أوضح ذلك أبو عبيدة في كتابه ( الزوجات ) توجه إلى مكة معتمرا سنة سبع وقدم جعفر يخطب عليه ميمونة فجعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي وهو محرم وبنى بها بسرف وهو حلال وأما عن قوله وبقي خبر عثمان وميمونة لا معارض لهما فنقول المعارضة لا تكون إلا مع التساوي والتساوي هنا غير ممكن لأن حديث ابن عباس رواه عنه من ذكرناهم من الأئمة الأعلام وحديث عثمان رواه نبيه بن وهب وهو من أفراد مسلم وليس له من الحفظ والعلم ما يساوي أحدا منهم فإذا كان كذلك فكيف تصح دعوى النسخ فيه فإن قلت قال قوم ممن رد حديث ابن عباس على تسليم صحته إن معنى تزوجها محرما أي في الحرم وهو حلال لأنه يقال لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلالا وهي لغة شائعة معروفة ومنه البيت المشهور
( قتلوا ابن عفان الخليفة محرما )
قلت أجمعوا على أن كسرى قتل بالمدائن من بلاد فارس وقد قال الشاعر
( قتلوا كسرى بليل محرما )
أفتراه كان يسكن الحرم أو أحرم بالحج فإن قلت قالوا قد تعارض معنى فعله وقوله والراجح القول لأنه يتعدى إلى الغير والفعل قد يكون مقصورا عليه قلت قد فهم الجواب من قولنا الآن أن التعارض قد يكون عند التساوي فإن قلت قال بعض الشافعية إن هذا من خصائصه وهو أصح الوجهين عندهم قلت دعوى التخصيص تحتاج إلى دليل فإن قلت يحتمل أنه زوجها حلالا وظهر أمر تزوجها وهو محرم قلت هذا لا يساوي شيئا لأنه قدم مكة محرما لا حلالا فكيف يتصور ذلك
31 -
( باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة )
أي هذا باب في بيان ما ينهى عنه من استعمال الطيب للمحرم والمحرمة يعني أنهما في ذلك سواء ولم تختلف

(10/197)


الأئمة في ذلك والحكمة في منعه من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته التي تفسد الإحرام وفي حديث عمر رضي الله تعالى عنه أخرجه البزار الحاج الشعث التفل والتفل بفتح التاء المثناة وكسر الفاء الذي ترك استعمال الطيب من التفل وهي الريح الكريهة
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران
مطابقته للترجمة من حيث إن الثوب المصبوغ بالورس والزعفران تفوح له رائحة مثل ما تفوح رائحة الطيب من أنواع ما يتطيب به وهذا التعليق وصله البيهقي فقال حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا حبيب عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران والورس بفتح الواو وسكون الراء وفي آخره سين مهملة نبت أصفر تصبغ به الثياب وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
8381 - حدثنا ( عبد الله بن يزيد ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثنا ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين
مطابقته للترجمة في قوله ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقريء مولى آل عمر مات سنة ثلاث عشرة ومائتين وقد ذكر هذا الحديث في آخر كتاب العلم في باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله عن آدم عن ابن أبي ذئب عن نافع وذكره أيضا في أوائل الحج في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع وزاد فيه ههنا ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين قوله القفازين تثنية قفاز بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي وقال ابن سيده هو ضرب من الحلي وتقفزت المرأة نقشت يديها ورجليها بالحناء وقال القزاز القفاز تلبس في الكف وقال ابن فارس وابن دريد هو ضرب من الحلي تتخذه المرأة في يديها ورجليها وفي ( الصحاح ) بالضم والتشديد شيء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها وفي ( الغريبين ) تلبسه نساء الأعراب في أيديهن لتغطية الأصابع والكف وفي ( المغرب ) هو شيء يتخذه الصائد في يديه من جلد أو لبد وهذا الحديث يشتمل على أحكام قد ذكرناها في آخر كتاب العلم فقوله القميص ويروى القمص بضمتين وسكون الميم أيضا جمع قميص والبرانس جمع برنس وهو ثوب رأسه ملتزق قوله وليقطع أسفل من الكعبين وعن أحمد لا يلزمه قطعهما في المشهور عنه قال ابن قدامة وروي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القداح احتج أحمد بحديث ابن عباس من عند البخاري من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وحديث جابر مثله رواه مسلم عنه قال قال رسول الله ت من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس من سراويل وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي وآخرين لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما كما في حديث الباب وحديث ابن عباس وجابر مطلق يحمل على المقيد لأن الزيادة من الثقة مقبولة وقال ابن التين ابن عباس حفظ لبس الخفين ولم ينقل صفة اللبس بخلاف ابن عمر فهو أولى وقد قيل فليقطعهما من كلام نافع كذا في أمالى أبي القاسم بن بشران بسند صحيح أن نافعا قال بعد روايته الحديث وليقطع الخفين أسفل الكعبين وذكر ابن العربي وابن التين أن جعفر بن برقان في روايته قال نافع ويقطع الخفاف أسفل من الكعبين وقال ابن قدامة وروى ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن سيدنا رسول الله رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما وكان ابن عمر يفتي بقطعهما قالت صفية فلما أخبرته بذلك رجع وقال ابن قدامة ويحتمل أن يكون

(10/198)


الأمر بقطعهما قد نسخ فإن عمرو بن دينار قد روى الحديثين جميعا وقال انظروا أيهما كان قبل وقال الدارقطني قال أبو بكر النيسابوري حديث ابن عمر قبل لأنه قد جاء في بعض رواياته نادى رجل رسول الله في المسجد يعني بالمدينة فكأنه كان قبل الإحرام وحديث ابن عباس يقول سمعته يخطب بعرفات الحديث فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر فيكون ناسخا له لأنه لو كان القطع واجبا لبينه للناس إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وقال ابن الجوزي روى حديث ابن عمر مالك وعبيد الله وأيوب في آخرين فوقفوه على ابن عمر وحديث ابن عباس سالم من الوقف مع مع عضده من حديث جابر ويحمل قوله وليقطعهما على الجواز من غير كراهة لأجل الإحرام وينهى عن ذلك في غير الإحرام لما فيه من الفساد فأما إذا لبس الخف المقطوع من أسفل الكعب مع وجود النعل فعندنا أنه لا يجوز ويجب عليه الفداء خلافا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال ابن قدامة والأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف وأخذا بالاحتياط
تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النقاب والقفازين
أي تابع الليث هؤلاء الأربعة في الرواية عن نافع أما متابعة موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني فقد وصلها النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى عن نافع وقال أبو داود روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى مرفوعا وأما متابعة إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش وهو ابن أخي موسى المذكور وهو من أفراد البخاري فوصلها علي بن محمد المصري في فوائده من رواية الحافظ السلفي عن الثقفي عن ابن بشران عنه عن يوسف بن يزيد عن يعقوب بن أبي عباد عن إسماعيل عن نافع به وأما متابعة جويرية بن أسماء فوصلها أبو يعلى الموصلي عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع وأما متابعة محمد بن إسحاق فوصلها أحمد والحاكم من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق قال حدثني نافع به مرفوعا
قوله في النقاب والقفازين أي في ذكرهما والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلا منهما محيط بجزء من البدن وأما النقاب فلا يحرم على الرحل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه
وقال عبيد الله ولا ورس وكان يقول لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين
عبيد الله هو ابن عمر العمري قوله ولا ورس يعني قال عبيد الله في الحديث المذكور إلى قوله ولا ورس وأشار بهذا إلى أن عبيد الله هذا وافق الأربعة المذكورين في رواية الحديث المذكور عن نافع حيث جعل الحديث إلى قوله ولا ورس مرفوعا ثم فصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر وهو معنى قوله وكان يقول أي وكان ابن عمر يقول لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين وقال الكرماني قوله كان يقول فإن قلت لم قال أولا بلفظ قال وثانيا قال كان يقول قلت لعله قال ذلك مرة وهذا كأن يقول دائما مكررا والفرق بين المرتين إما من جهة حذف لفظ المرأة وإما من جهة أن الأول بلفظ لا تنتقب من التفعل والثاني من الافتعال وإما من جهة أن الثاني بضم الباء على سبيل النفي لا غير والثاني بالضم والكسر نفيا ونهيا انتهى قلت قوله كان يقول دائما مكررا كأنه أخذه من قول من قال إن كان يدل على الدوام والاستمرار قوله من التفعل يعني من باب التفعل يقال من هذا تنقبت المرأت تنتقب تنقبا قوله من الافتعال أي من باب الافتعال يقال من هذا انتقبت المرأة تنتقب انتقابا
قوله وقال عبيد الله إلى آخره معلق وصله إسحاق ابن راهويه في ( مسنده ) عن محمد بن بشر وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر بن المفضل ثلاثتهم عن عبيد الله ابن عمر عن نافع فساق الحديث إلى قوله ولا ورس قال وكان عبد الله يعني ابن عمر يقول ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ومعنى لا تنتقب لا تستر وجهها واختلفوا في ذلك فمنعه الجمهور وأجازه الحنفية وهو

(10/199)


رواية عن الشافعية والمالكية
وقال مالك عن نافع عن ابن عمر لا تتنقب المحرمة
هذا في ( الموطأ ) كما قال مالك وهو اقتصره على الموقوف فقط وقد اختلف في قوله لا تنتقب المرأة في رفعه ووقفه فنقل الحاكم عن شيخه على النيسابوري أنه من قول ابن عمر أدرج في الحديث وقال الخطابي في ( المعالم ) وعللوه بأن ذكر القفازين إنما هو قول ابن عمر ليس عن النبي وعلق الشافعي القول في ذلك وقال البيهقي في ( المعرفة ) أنه رواه الليث مدرجا وقد استشكل الشيخ تقي الدين في ( الإمام ) الحكم بالإدراح في هذا الحديث من وجهين الأول لورود النهي عن النقاب والقفازين مفردا مرفوعا فروى أبو داود من رواية إبراهيم بن سعد المدني عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين والوجه الثاني أنه جاء النهي عن القفازين مبتدأ به في صدر الحديث مسندا إلى النبي سابقا على النهي عن غيره قال وهذا يمنع من الإدراج ويخالف الطريق المشهورة فروى أبو داود أيضا من حديث ابن إسحاق قال فإن نافعا مولى عبد الله بن عمر حدثني عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا وسراويل أو قمصا وقال شيخنا زين الدين في الوجه الأول قرينة تدل على عدم الإدراج فإن الحديث ضعيف لأن إبراهيم بن سعيد المدني مجهول وقد ذكره ابن عدي مقتصرا على ذكر النقاب وقال لا يتابع إبراهيم بن سعيد هذا على رفعه قال ورواه جماعة عن نافع من قول ابن عمر وقال الذهبي في ( الميزان ) أن إبراهيم بن سعيد هذا منكر الحديث غير معروف ثم قال له حديث واحد في الإحرام أخرجه أبو داود وسكت عنه فهو مقارب الحال وفي الوجه الثاني إبن إسحاق وهو لا شك دون عبيد الله بن عمر في الحفظ والإتقان وقد فصل الموقوف من المرفوع وقول الشيخ إن هذا يمنع من الإدراج مخالف لقوله في الاقتراح إنه يضعف لا يمنعه فلعل بعض من ظنه مرفوعا قدمه والتقديم والتأخير في الحديث سائغ بناء على جواز الرواية بالمعنى
وتابعه ليث بن أبي سليم
أي وتابع مالكا في وقفه ليث بن أبي سليم بضم السين المهملة وفتح اللام بن زنيم القرشي الكوفي واسم أبي سليم أنس مولى عنبسة ابن أبي سفيان مات في شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وكان من العباد واختلط في آخر عمره حتى لا يكاد يدري ما يحدث به
9381 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( الحكم ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال وقصت برجل محرم ناقته فقتلته فأتي به رسول الله فقال اغسلوه وكفنوه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يهل
مطابقته للترجمة في قوله ولا تقربوه طيبا فإنه مات محرما والمحرم ممنوع عن الطيب وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر والحكم هو ابن عتيبة
وقد أخرج البخاري هذا الحديث في كتاب الجنائز في باب كيف يكفن المحرم من طريقين أحدهما عن أبي النعمان عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس والآخر عن مسدد عن حماد بن زيد عن عمرو وأيوب عن سعيد بن جبير وأخرجه أيضا في كتاب الجنائز في باب الكفن في ثوبين عن أبي النعمان عن حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير وأخرجه أيضا في باب الحنوط للميت عن قتيبة عن حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير وأخرجه أيضا في باب المحرم يموت بعرفة من وجهين الأول عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير والثاني عن سليمان بن حرب أيضا عن حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير وأخرجه أيضا في باب سنة المحرم إذا مات عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير وقد مضى الكلام فيه فيما مضى مستقصى
قوله وقصت

(10/200)


فعل ماض وفاعله قوله ناقته أي كسرت رقبته قوله ولا تقربوه بتشديد الراء قوله يهل بضم الياء أي يرفع صوته بالتلبية وهي جملة وقعت حالا من الضمير الذي في يبعث احتجت الشافعية بظاهر هذا الحديث على بقاء إحرام الميت في إحرامه ولا يجوز أن يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يمس طيبا وبه قال أحمد وإسحاق وقالت الحنفية والمالكية ينقطع الإحرام بموته ويفعل به ما يفعل بالحي وهو قول الأوزاعي أيضا وجوابهم عنه أنه واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بذلك الرجل ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء بقية مناسكه وقال أبو الحسن بن القصار لو أريد تعميم هذا الحكم في كل محرم لقال فإن المحرم كما جاء إن الشهيد يبعث وجرحه يقطر دما
41 -
( باب الاغتسال للمحرم )
أي هذا باب في بيان الاغتسال إما لأجل التطهير من الجنابة وإما لأجل التنظيف قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يدخل المحرم الحمام
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا تعليق وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال يدخل المحرم الحمام وينزع ضرسه وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول أميطوا عنكم الأذى إن الله لا يصنع بأذاكم شيئا وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس أنه دخل حماما بالجحفة وهو محرم وقال إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا وحكى ابن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء وفي ( التوضيح ) وأجاز الكوفيون والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق للمحرم دخول الحمام وقال مالك إن دخله فتدلك وانقى الوسخ فعليه الفدية وحكى عن سعيد بن عبادة مثل قول مالك وكان أشهب وابن وهب يتغامسان في الماء وهما محرمان مخالفة لابن القاسم وكان ابن القاسم يقول إن غمس رأسه في الماء أطعم شيئا من طعام خوفا من قتل الدواب ولا تجب الفدية إلا بيقين وعن مالك استحبابه ولا بأس عند جميع أصحاب مالك أن يصب المحرم على رأسه الماء لحر يجده وقال أشهب لا أكره غمس المحرم رأسه في الماء ونقل ابن التين أن انغماس المحرم فيه محظور وروى عن ابن عمر وابن عباس إجازته وأما إن غسل رأسه بالخطمي والسدر فإن الفقهاء يكرهونه وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأوجب مالك والشافعي عليه الفدية وقال الشافعي وأبو ثور لا شيء عليه وقد رخص عطاء وطاووس ومجاهد لمن لبد رأسه فشق عليه الحلق أن يغسل بالخطمى حين يلبي وكان ابن عمر يفعل ذلك وقال ابن المنذر وذلك جائز
ولم ير ابن عمر وعائشة بالحك بأسا
مطابقته للترجمة من حيث إن في الحك من إزالة الأذى كما في الغسل وأثر ابن عمر وصله البيهقي من طريق أبي مجلز قال رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله وأثر عائشة وصله مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه واسمها مرجانة سمعت عائشة تسأل عن المحرم أيحك جسده قالت نعم وليشدد وقالت عائشة لو ربطت يداي ولم أجد إلا أن أحك برجلي لحككت
0481 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( إبراهيم بن عبد الله بن حنين ) عن أبيه أن عبد الله بن العباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني عبد الله ابن العباس إلى أي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب فسلمت عليه فقال من هاذا فقلت أنا عبد الله بن حنين إرسلني إليك عبد الله بن العباس أسألك كيف

(10/201)


كان رسول الله يغسل رأسه وهو محرم فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه اصبب فصب على رأسه ثم رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر وقال هكذا رأيته يفعل
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن عبد الله بن حنين بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى وسكون الياء آخر الحروف أبو إسحاق مولى العباس بن عبد المطلب المدني والمسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وبالراء ابن مخرمة بفتح الميم والراء وسكون الخاء المعجمة بينهما ابن نوفل القرشي أبو عبد الرحمن الزهري له ولأبيه صحبة
قوله عن زيد بن أسلم عن إبراهيم كذا في جميع الموطآت وأغرب يحيى بن يحيى الأندلسي فأدخل بين زيد وإبراهيم نافعا قال ابن عبد البر وذلك معدود من خطئه قوله عن إبراهيم وفي رواية ابن عيينة عن زيد أخبرني إبراهيم أخرجه أحمد وإسحاق والحميدي في ( مسانيدهم ) عنه وفي رواية ابن جريج عند أحمد عن زيد بن أسلم أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين مولى ابن عباس أخبره كذا قال مولى ابن عباس والمشهور أنه مولى للعباس كما ذكرناه قوله أن عبد الله بن عباس وفي رواية ابن جريج عند أبي عوانة كنت مع ابن عباس والمسور بن مخرمة والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن قتيبة عن مالك به وعن قتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب أربعتهم عن سفيان بن عيينة وعن إسحاق بن إبراهيم وعن علي بن خشرم كلاهما عن قيس بن يونس عن ابن جريج وأخرجه أبو داود فيه عن عبد الله بن مسلمة القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي مصعب أحمد ابن أبي بكرالزهري ثلاثتهم عن مالك به قوله بالأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة موضع قريب من مكة وقد ذكر غير مرة والباء فيه بمعنى في أي اختلفا وهما نازلان في الأبواء قوله إلى أبي أيوب واسمه خالد بن زيد بن كليب الأنصاري وفي رواية ابن عيينة بالعرج بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخره جيم وهي قرية جامعة قريبة من الأبواء قوله بين القرنين أي بين قرني البئر وكذا في رواية ابن عيينة والقرنان هما جانبا البناء الذي على رأس البئر يوضع خشب البكرة عليهما قوله فقلت أنا عبد الله وفي رواية ابن جريج فقال قل له يقرأ عليك السلام ابن أخيك عبد الله بن عباس يسألك قوله فطأطأه أي خفضه وأزاله عن رأسه وفي رواية ابن جريج حتى رأيت رأسه ووجهه وفي رواية ابن عيينة جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه قوله وقال أي أبو أيوب رضي الله تعالى عنه قوله هكذا رأيته أي هكذا رأيت النبي يفعل وزاد ابن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا أي لا أجادلك
ذكر ما يستفاد منه فيه مناظرة الصحابة في الأحكام ورجوعهم إلى النصوص وفيه قبول خبر الواحد ولو كان تابعيا وقال ابن عبد البر لو كان معنى الاقتداء في قوله أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم اهتديتم يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى إقامة البينة على دعواه بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه ولكن معناه كما قال المزني وغيره من أهل النظر أنه في النقل لأن جميعهم عدول وفيه اعتراف للفاضل بفضله وإنصاف الصحابة بعضهم بعضا وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا في قضية لم تكن الحجة في قول أحد منهم إلا بدليل يجب التسليم له من كتاب أو سنة كما أتى أبو أيوب بالسنة وفيه ستر المغتسل بثوب ونحوه عند الغسل وفيه الاستعانة في الطهارة وفيه جواز الكلام والسلام حالة الطهارة ولكن لا بد من غض البصر عنه وفيه التناظر في المسائل والتحاكم فيها إلى الشيوخ العالمين بها وفيه جواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره واستدل به القرطبي على وجوب الدلك في الغسل قال لأن الغسل لو كان يتم بدونه لكان المحرم أحق بأن يجوز له تركه وفيه نظر لا يخفى وقد اختلف العلماء في غسل المحرم رأسه فذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه لا بأس بذلك وردت الرخصة بذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس وجابر رضي الله تعالى عنهم وعليه الجمهور

(10/202)


وحجتهم حديث الباب وكان مالك يكره ذلك للمحرم وذكر أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان لا يغسل رأسه إلا من الاحتلام
51 -
( باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين )
أي هذا باب في بيان حكم لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين هل يقطع الخفين أم لا
1481 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) قال سمعت ( جابر بن زيد ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي يخطب بعرفات من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم
مطابقته للترجمة في قوله فليلبس الخفين وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وجابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي اليحمدي الجوفي بالجيم نسبة إلى ناحية من عمان البصري من ثقات التابعين وقد مضى صدر هذا الحديث في باب الخطبة أيام منى
قوله فليلبس الخفين أي مقطوع الأسفل إذ المطلق محمول على المقيد قوله المحرم مرفوع على أنه فاعل فليلبس و سراويل مفعوله ويروى للمحرم باللام الجارة التي للبيان أي هذا الحكم للمحرم كاللام في هيت لك وقال القرطبي أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد فأجاز لبس الخف والسراويل للمحرم الذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل ولو لبس شيئا منهما على حاله لزمته الفدية لحديث ابن عمر وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وقد قلنا إن المطلق ههنا محمول على المقيد لاستوائهما في الحكم والأصح عند الشافعية جواز لبس السراويل بغير فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وإمام الحرمين وطائفة وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك وقال أبو بكر الرازي من أصحابنا يجوز لبسه وعليه الفدية
2481 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) قال حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( سالم ) عن أبيه ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب فقال لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا ثوبا مسه زعفران ولا ورس وإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين
مطابقته للترجمة في قوله وإن لم يجد نعلين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن ابن عوف أبو إسحاق الزهري القرشي المدني كان على قضاء بغداد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعبد الله هو ابن عمر والحديث مضى في باب ما ينهى من الطيب للمحرم ولكنه مختلف الإسناد والمتن
61 -
( باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل )
أي هذا باب يذكر فيه إذا لم يجد الذي يريد الإحرام الإزار يشد به وسطه فليلبس السراويل حينئذ
3481 - حدثني ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عمرو بن دينار ) عن ( جابر بن زيد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال خطبنا النبي بعرفات فقال من لم يجد الإزار فليلبس السراويل ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين
مطابقته للترجمة في قوله من لم يجد الإزار فليلبس السراويل والحديث مضى في الباب السابق وأخرجه هناك عن أبي

(10/203)


الوليد عن شعبة وههنا عن آدم عن شعبة إلى آخره
71 -
( باب لبس السلاح للمحرم )
أي هذا باب في بيان جواز لبس السلاح للمحرم إذا احتاج إليه
وقال عكرمة إذا خشي العدو لبس السلاح وافتدى ولم يتابع عليه في الفدية
مطابقته للترجمة ظاهرة قوله عكرمة هو مولى ابن عباس قوله إذا خشي أي المحرم والضمير فيه يرجع إليه بدلالة القرينة عليه قوله وافتدى أي أعطى الفدية وقال ابن بطال أجاز مالك والشافعي حمل السلاح للمحرم في الحج والعمرة وكرهه الحسن قوله ولم يتابع عليه في الفدية من كلام البخاري ولم يتابع على صيغة المجهول أي لم يتابع عكرمة على قوله وافتدى وحاصل الكلام لم يقل أحد غيره بوجوب الفدية عليه قال النووي لعله أراد أذا كان محرما فلا يكون مخالفا للجماعة ويقتضي كلام البخاري أنه توبع عليه في جواز لبس السلاح عند الخشية وخولف في وجوب الفدية
81 -
( باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام )
أي هذا باب في بيان جواز دخول الحرم بغير إحرام إذا لم يرد الحج والعمرة قوله ومكة أي ودخول مكة وهو من عطف الخاص على العام لأن المراد من مكة هنا البلد فيكون الحرم أعلم
ودخل ابن عمر حلالا
أي دخل عبد الله بن عمر مكة حال كونه حلالا بغير إحرام وهذا التعليق وصله مالك في ( الموطأ ) عن نافع قال أقبل عبد الله بن عمر من مكة حتى إذا كان بقديد بضم القاف جاءه خبر عن الفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام وروى ابن أبي

(10/204)


شيبة في ( مصنفه ) عن علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله وبلغه بقديد أن جيشا من جيوش الفتنة دخلوا المدينة فكره أن يدخل عليهم فرجع إلى مكة فدخلها بغير إحرام
وإنما أمر النبي بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكره للحطابين وغيرهم
هذا كله من كلام البخاري قوله ولم يذكره أي ولم يذكر الإهلال أي الإحرام للحطابين أي للذين يجلبون الحطب إلى مكة للبيع ويروى ولم يذكر الحطابين بغير الضمير أي لم يذكرهم في منع الدخول بغير إحرام وأشار بهذا إلى أن مذهبه أن من دخل مكة من غير أن يريد الحج أو العمرة فلا شيء عليه واستدل على ذلك بمفهوم حديث ابن عباس ممن أراد الحج والعمرة ومفهوم هذا أن المتردد إلى مكة عن غير قصد الحج أو العمرة لا يلزمه الإحرام
وقد اختلف العلماء في هذا الباب فقال ابن القصار واختلف قول مالك والشافعي في جواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد الحج والعمرة فقالا مرة لا يجوز دخولها إلا بالإحرام لاختصاصها ومباينتها جميع البلدان إلا الحطابين ومن قرب منها مثل جدة والطائف وعسفان لكثرة ترددهم إليها وبه قال أبو حنيفة والليث وعلى هذا فلا دم عليه نص عليه في ( المدونة ) وقالا مرة أخرى دخولها به مستحب لا واجب قلت مذهب الزهري والحسن البصري والشافعي في قول ومالك في رواية وابن وهب وداود بن علي وأصحابه الظاهرية أنه لا بأس بدخول الحرم بغير إحرام ومذهب عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه ومالك في رواية وهي قوله الصحيح والشافعي في المشهور عنه وأحمد وأبي ثور والحسن بن حي لا يصلح لأحد كان منزله من وراء الميقات إلى الأمصار أن يدخل مكة إلا بالإحرام فإن لم يفعل أساءو لا شيء عليه عند الشافعي وأبي ثور وعند أبي حنيفة عليه حجة أو عمرة وقال أبو عمر لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في الحطابين ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم والليلة أنهم لا يأمرون بذلك لما عليهم من المشقة وقال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب في دخول الإنسان مكة بغير إحرام وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل به عبدالله بن عمر من القرب إلا رجلا يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الخطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسا قيل له فرجوع ابن عمر من قديد إلى مكة بغير إحرام فقال ذلك أنه جاءه خبر من جيوش المدينة
5481 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن ولكل آت عليهن من غيرهم من أراد الحج والعمرة فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة
مطابقته للترجمة في قوله من أراد الحج والعمرة حيث خصص لمريدهما المواقيت ولم يعين لغير مريدهما ميقاتا والحديث مضى بعينه في أوائل كتاب الحج في باب مهل مكة غير أنه أخرجه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب وههنا أخرجه عن مسلم بن إبراهيم القصاب عن وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه وقد مر الكلام فيه مستوفى
6481 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلو كان محرما لكان يدخل وهو مكشوف الرأس والترجمة في دخول مكة بغير إحرام وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أبي الوليد الطيالسي

(10/205)


وفي الجهاد عن إسماعيل بن أبي أويس وفي المغازي عن يحيى بن قزعة وأخرجه مسلم في المناسك عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة كلهم عن مالك وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي به وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وفي الشمائل عن عيسى بن أحمد عن ابن وهب عن مالك وأخرجه النسائي في الحج عن قتيبة به وعن عبيد الله بن فضالة عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عنه به مختصرا وفي السير عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عنه بتمامه وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن هشام بن عمار وسويد بن سعيد كلاهما عنه به
ذكر ما قيل في هذا الحديث وهذا الحديث عد من أفراد مالك تفرد بقوله وعلى رأسه المغفر كما تفرد بحديث الراكب شيطان وبحديث السفر قطعة من العذاب وقال الدارقطني قد أوردت أحاديث من رواه عن مالك في جزء مفرد وهم نحو من مائة وعشرين رجلا أو أكثر منهم السفيانان وابن جريج والأوزاعي وقال أبو عمر هذا حديث تفرد به مالك ولا يحفظ عن غيره ولم يروه عن ابن شهاب سواء من طريق صحيح وقد روي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن أنس ولا يكاد يصح وروي من غير هذا الوجه ولا يثبت أهل العلم فيه إسنادا غير حديث مالك ورواه أيضا أبو أويس والأوزاعي عن الزهري وروى محمد بن سليم بن الوليد العسقلاني عن محمد بن السري عن عبد الرزاق عن مالك وعن ابن شهاب عن أنس دخل النبي يوم الفتح وعليه عمامة سوداء ومحمد بن سليم لم يكن ممن يعتمد عليه وتابعه على ذلك بهذا الإسناد الوليد بن مسلم ويحيى الوحاظي ومع هذا فإنه لا يحفظه عن مالك في هذا إلا المغفر قال أبو عمر وروي من طريق أحمد بن إسماعيل عن مالك عن أبي الزبير عن جابر أنه دخل مكة وعليه عمامة سوداء ولم يقل عام الفتح وهو محفوظ من حديث جابر زاد مسلم في ( صحيحه ) بغير إحرام
قال وروى جماعة منهم بشر بن عمران الزهراني ومنصور بن سلمة الخزاعي حديث المغفر فقالا مغفر من حديد ومنصور وبشر ثقتان وتابعهما على ذلك جماعة ليسوا هناك وكذا رواه أبو عبيدة بن سلام عن ابن بكير عن مالك ورواه روح بن عبادة بإسناده هذا وفيه زيادة وطاف وعليه المغفر ولم يقله غيره ورواه عبد الله بن جعفر المديني عن مالك عن الزهري عن أنس قال دخل النبي يوم الفتح مكة وعلى رأسه مغفر واستلم الحجر بمحجن وهذا لم يقله عن مالك غير عبد الله هذا وروى داود بن الزبرقان عن معمر ومالك جميعا عن ابن شهاب عن أنس أنه دخل عام الفتح في رمضان وليس بصائم وهذا اللفظ ليس بمحفوظ بهذا الإسناد لمالك من هذا الوجه وقد روى سويد بن سعيد عن مالك عن ابن شهاب عن أنس أنه دخل مكة عام الفتح غير محرم وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن علي المقرىء وهذا لا يعرف هكذا إلا بهما وإنما هو في الموطأ عند جماعة الرواة من قول ابن شهاب لم يرفعه إلى أنس
وقال الحاكم في الإكليل اختلفت الروايات في لبسه العمامة والمغفر يوم الفتح ولم يختلفوا أنه دخلها وهو حلال قال وقال بعض الناس العمامة كالمغفر على الرأس ويؤيد ذلك حديث جابر المذكور آنفا قال وهو وإن صححه مسلم وحده فالأول يعني حديث أنس مجمع على صحته والدليل على أن المغفر غير العمامة قوله من حديد فبان بهذا أن حديث المغفر من حديد أثبت من العمامة السوداء لأن راويها أبو الزبير وقال عمرو بن دينار أبو الزبير يحتاج إلى دعامة وقد روى عمرو بن حريث ومزيدة وعنبسة صاحب ( الألواح ) عن عبيد الله ابن أبي بكر عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله لبس العمامة السوداء ولا يصح منها وإنما لبس البياض وأمر به قلت روى مسلم من طرق من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي دخل مكة يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء ومن طريق جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال كأني أنظر إلى رسول الله وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه وقال ابن السدي إن ابن العربي قال حين قيل له لم يروه إلا مالك قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك واتهموه في ذلك ونسبوه إلى المجازفة وقد أخطأوا في ذلك لقلة أطلاعهم في هذا الباب وعدم وقوفهم على ما وقف عليه ابن العربي وقال شيخنا زين الدين رحمه الله حين قيل له تفرد به الزهري عن مالك إنه قد ورد من طريق ابن أخري الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي وقال إن رواية ابن أخي الزهري عند البزار ورواية أبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ورواية معمر ذكرها ابن عدي ورواية الأوزاعي ذكرها لمزي وقيل يقال إنه يحمل قول من قال تفرد به مالك

(10/206)


يعني بشرط الصحة وليس طريق غير طريق مالك في شرط الصحة فافهم
ذكر معناه قوله عن أنس في رواية أبي أويس عند ابن سعد أن أنس بن مالك حدثه قوله وعلى رأسه المغفر بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء قال ابن سيده المغفر والمغفرة والغفارة زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس وقيل هو رفرف البيضة وقيل هو حلق يتقنع به المتسلح وقال ابن عبد البر هو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان ذلك أو غيره وفي ( المشارق ) هو ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة فإن قلت روى زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح وعليه مغفر من حديد أخرجه الدارقطني في ( الغرائب ) والحاكم في ( الإكليل ) وقد مر عن مسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء وبين الروايتين تعارض قلت قال أبو عمر ليس عندي تعارض فإنه يمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفر فلا يتعارض الحديثان وذكر أبو العباس أحمد ابن طاهر الداني في كتابه ( أطراف الموطأ ) لعل المغفر كان تحت العمامة وقال القرطبي يكون نزع المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة بعده ومما يؤيد هذا خطبته وعليه العمامة لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعد تمام الفتح وقيل في الجواب عن ذلك إن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر وكانت تحت وقاية لراسه من صدى الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متأهبا للحرب وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم قوله فلما نزعه أي فلما قلعه والضمير المنصوب يرجع إلى المغفر قوله جاءه رجل وهو أبو برزة الأسلمي بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الزاي واسمه نضلة بن عبيد وجزم به الكرماني والفاكهي في ( شرح العمدة ) قوله ابن خطل مبتدأ أو خبره وهو قوله متعلق بأستار الكعبة والجملة مقول لقوله قال أي قال ذلك الرجل واسم ابن خطل عبد الله وقيل هلال وليس بصحيح وهلال اسم أخيه صرح بذلك الكلبي في ( النسب ) والأصح أن اسمه كان عبد العزى في الجاهلية فلما أسلم سمي عبد الله وقيل هو عبد الله بن هلال بن خطل وقيل غالب بن عبد الله بن خطل واسم خطل عبد مناف من بني تميم ابن فهر بن غالب وخطل لقب عليه قوله فقال اقتلوه أي فقال النبي اقتلوه أي ابن خطل فقتل
واختلف في اسم قاتله فقيل قتله أبو برزة وقيل سعيد بن حريث المخزومي وقيل زبير بن العوام وجزم ابن هشام في ( السيرة ) بأنه سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله وفي حديث سعيد بن يربوع عند الحاكم والدارقطني أن رسول الله قال أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم الحويرث بن نقيد بضم النون وفتح القاف مصغر وهلال ابن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن أبي سرح قال فأما هلال بن خطل فقتله الزبير وروى البزار والبيهقي في ( الدلائل ) نحوه من حديث سعد بن أبي وقاص لكن قال أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة لكن قال عبد الله بن خطل بدل هلال وقال عكرمة بدل الحويرث ولم يسم المرأتين وقال فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أثبت الرجلين فقتله وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في ( الدلائل ) من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس أمن رسول الله الناس يوم فتح مكة إلا أربعة من الناس عبد العزى بن خطل ومقيس بن صبابة الكناني وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأم سارة فأما عبد العزى بن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة وقال أبو عمر فقتل بين المقام وزمزم وروى الحاكم من طريق أبي معشر عن يوسف بن يعقوب عن السائب بن زيد قال فأخذ عبد الله بن خطل من تحت أستار الكعبة فقتل بين المقام وزمزم وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي أن أبا برزة الأسلمي قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ورواه أحمد من وجه آخر وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله وبه جزم البلاذري وغيره وأهل العلم بالأخبار وتحمل بقية الروايات على أنهم ابتدروا قتله فكان المباشر لقتله أبو برزة
وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله من دخل المسجد فهو آمن ما رواه ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله

(10/207)


حين دخل مكة قال لا يقتل أحد إلا من قاتل إلا نفرا سماهم فقال اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ونام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله وقال أبو عمر لأنه كان أسلم وبعثه رسول الله مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار وأمر عليهم الأنصاري فلما كان ببعض الطريق وثب على الأنصاري فقتله وذهب بماله وقال صاحب ( التلويح ) وروينا في مجالس الجوهري أنه كان يكتب الوحي للنبي وكان إذا نزل غفور رحيم يكتب رحيم غفور وإذا أنزل سميع عليم وذكره بإسناده إلى الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي رضي الله تعالى عنه وفي ( التوضيح ) وكان يقال لابن خطل ذا القلبين وفيه نزل قوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( الأحزاب 4 ) في رواية يونس عن ابن إسحاق لما قتل يعني ابن خطل قال سيدنا رسول الله لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم وقيل قال هذا في غيره وهو الأكثر والله أعلم
ذكر ما يستفاد منه من ذلك أن الحديث فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام فإن قلت يحتمل أن يكون كان محرما ولكنه غطى رأسه لعذر قلت قد مر في حديث مسلم عن جابر أنه لم يكن محرما فإن قلت يشكل هذا من وجه آخر وهو أنه كان متأهبا للقتال ومن كان هذا شأنه جاز له الدخول بغير إحرام قلت حديث جابر أعم من هذا فمن لم يرد نسكا جاز دخوله لحاجته تكرر كالحطاب والحشاش والسقاء والصياد وغيرهم أم لم يتكرر كالتاجر والزائر وغيرهما وسواء كان آمنا أو خائفا وقال النووي وهذا أصح القولين للشافعي وبه يفتي أصحابه والقول الثاني لا يجوز دخولها بغير إحرام إن كانت حاجته لا تكرر إلا أن يكون مقاتلا أو خائفا من قتال أو من ظالم لو ظهر ونقل القاضي نحو هذا عن أكثر العلماء انتهى واحتج أيضا من أجاز دخولها بغير إحرام أن فرض الحج مرة في الدهر وكذا العمرة فمن أوجب على الداخل إحراما فقد أوجب عليه غير ما أوجب الله ومنه استدلال بعضهم بحديث الباب على أن النبي فتح مكة عنوة وهو قول أبي حنيفة والأكثرين وقال الشافعي وغيره فتحت صلحا وتأولوا هذا الحديث على أن القتال كان جائزا له في مكة ولو احتاج إليه لفعله ولكن ما احتاج إليه وقال النووي كان صالحهم ولكن لما لم يأمن غدرهم دخل متأهبا قلت لا يعرف في شيء من الأخبار صريحا أنه صالحهم ومنه استدلال بعضهم على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة قلنا قال الله تعالى ومن دخله كان آمنا ( آل عمران 69 ) ومتى تعرض إلى من التجأ به يكون سلب الأمن عنه وهذا لا يجوز وكان قتل ابن خطل في الساعة التي أحلت للنبي ومنه استدلال جماعة من المالكية على جواز قتل من سب النبي وأنه يقتل ولا يستتاب وقال أبو عمر فيه نظر لأن ابن خطل كان حربيا ولم يدخله رسول الله في أمانه لأهل مكة بل استثناه مع من استثنى ومنه مشروعية لبس المغفر وغيره من آلات السلاح حال الخوف من العدو وأنه لا ينافي التوكل ومنه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة الأمر ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة
91 -
( باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أحرم شخص حال كونه جاهلا بأمور الإحرام والحال أن عليه قميصا ولم يدر هل عليه فدية في ذلك أم لا وإنما لم يذكر الجواب لأن حديث الباب لا يصرح بعدم وجوب الفدية ألا ترى أنه ذكر أولا أثر عطاء بن أبي رباح الذي هو راوي حديث الباب ولو كان فهم منه وجوب الفدية لما خفي عليه فلذلك قال لا فدية عليه
وقال عطاء إذا تطيب أو لبس جاهلا أو ناسيا فلا كفارة عليه
مطابقته للترجمة ظاهرة وعطاء هو ابن أبي رباح قوله إذا تطيب أي المحرم وجاهلا وناسيا حالان ويقول عطاء قال

(10/208)


الشافعي وعند أبي حنيفة وأصحابه تجب الفدية بالتطيب ناسيا وباللبس ناسيا قياسا على الأكل في الصلاة
7481 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثنا ( عطاء ) قال حدثني ( صفوان بن يعلى ) عن أبيه قال كنت مع رسول الله فأتاه رجل عليه جبة فيه أثر صفرة أو نحوه كان عمر يقول لي تحب إذا نزل عليه الوحي أن تراه فنزل عليه ثم سري عنه فقال اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك وعض رجل يد رجل يعني فانتزع ثنيته فأبطله النبي
مطابقته للترجمة من حيث إن الرجل كان قد أحرم بالعمرة وعليه جبة وكان جاهلا بأمر الإحرام فإن قلت المذكور في الترجمة لفظ القميص والمذكور في الحديث لفظ الجبة فمن أين المطابقة قلت لا شك أن حكمهما واحد في الترك وكيف لا والجبة قميص مع شيء آخر لأن الجبة ذات طاقين
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي الثاني همام بن يحيى بن دينار العوذي الأزدي البصري الثالث عطاء بن أبي رباح المكي الرابع صفوان بن يعلى التميمي أو التيمي المكي الخامس أبوه يعلى بن أمية ويقال له ابن منية وهي أمه أخت عتبة بنت غزوان كان عامل عمر رضي الله تعالى عنه على نجران عداده في أهل مكة سمع النبي عند البخاري ومسلم وروى عن عمر عند مسلم في الصلاة روى عنه ابنه صفوان عندهما وعبد الله بن بابية عند مسلم وقال الحافظ المزي في ( الأطراف ) يعلى بن أمية وهو أبو خلف ويقال أبو خالد ويقال أبو صفوان يعلى بن أمية بن أبي عبيدة واسمه عبيد ويقال زيد بن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ويعرف بابن منية وهي أمه ويقال جدته وقال الترمذي رواه قتادة والحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي قلت أخرج الطريق الأول الترمذي عن قتيبة عن عبد الله بن إدريس عن عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية والنسائي أيضا من رواية هشيم عن عبد الملك وأخرجه أيضا من رواية هشيم عن منصور عن عطاء وأخرج أبي داوود من رواية أبي عوانة عن أبي بشر بن عطاء وأخرج الطريق الثاني الترمذي أيضا عن ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي وكذا أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي أيضا فأخرجه مسلم والنسائي من طريق ابن عيينة واتفق الشيخان عليه من طريق ابن جريج وهمام عن عطاء ورواه أبو داود أيضا من رواية همام والنسائي من رواية ابن جريج ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية قيس بن سعد عن عطاء وانفرد به مسلم من رواية رباح بن أبي معروف عن عطاء وقال بعضهم في الإسناد صفوان بن يعلى بن أمية قال كنت مع النبي هكذا وقع في رواية أبي ذر وهو تصحيف والصواب ما ثبت في رواية غيره صفوان بن يعلى عن أبيه فتصحف عن فصارت ابن وأبيه فصارت أمية وليست لصفوان صحبة ولا رؤية قلت لم نجد في النسخ الكثير المعتبرة إلا صفوان بن يعلى عن أبيه فلا يحتاج أن ينسب هذا التصحيف إلى أبي ذر ولا إلى غيره
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج وفي فضائل القرآن عن أبي نعيم وفي المغازي عن يعقوب بن إبراهيم وفي فضائل القرآن أيضا عن مسدد وفي الحج أيضا قال أبو عاصم وأخرجه مسلم في الحج عن شيبان بن فروخ عن همام به وعن زهير بن حرب وعن عبد بن حميد وعن علي بن خشرم عن محمد بن يحيى وعن إسحاق بن منصور عن عقبة بن مكرم ومحمد بن رافع كلاهما عن وهب وأخرجه أبو داود رحمه الله فيه عن عقبة بن مكرم به وعن محمد بن كثير وعن محمد بن عيسى وعن يزيد بن خالد عن الليث عن عطاء عن يعلى بن منية عن أبيه كذا قال ولم يقل عن أبي يعلى وأخرجه الترمذي فيه عن ابن أبي عمر به وأخرجه النسائي فيه في فضائل القرآن عن نوح بن حبيب وعن محمد بن منصور وعبد الجبار بن العلاء فرقهما وعن محمد بن إسماعيل وعن عيسى بن حماد عن ليث عن عطاء عن ابن منية عن أبيه به فافهم

(10/209)


ذكر معناه قوله فأتاه رجل وفي رواية مالك في ( الموطأ ) عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى النبي وهو بحنين الحديث في رواية للبخاري فبينما النبي بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاء رجل وفي رواية الترمذي عن يعلى بن أمية قال رأى رسول الله بالجعرانة أعرابيا قد أحرم وعليه حبة فأمره أن ينزعها قوله عليه جبة جملة إسمية في محل الرفع على أنها صفة لرجل قوله فيه أثر صفرة أي في الرجل ويروى به أي بالرجل ويروى وعليها أثر صفرة أي وعلى الجبة وفي رواية لمسلم وعليه جبة بها أثر من خلوق وفي رواية له كيف ترى في رجل عليه جبة صوف متضمخ بطيب وفي رواية عليه جبة وعليها خلوق وفي رواية وهو متضمخ بالخلوق وفي رواية لغيره وعليه جبة عليها أثر الزعفران وفي رواية وعليه أثر الخلوق وهو بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب يجعل فيه الزعفران قوله أن تراه أن كلمة مصدرية وهو في محل النصب على أنه مفعول لقوله تحب قوله ثم سري عنه بضم السين أي كشف قوله إصنع في عمرتك ما تصنع في حجك يعني من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق والاحتراز عن محظورات الإحرام في الحج
قوله وعض رجل يد رجل وحديث آخر ومسألة مستقلة بذاتها وجه تعلقه بالباب كونه من تتمة الحديث وهو مذكور بالتبعية قوله تثنيته قال الجوهري الثنية واحدة الثنايا من السن وقال الأصمعي في الفم الأسنان الثنايا والرباعيات والأنياب والضواحك والطواحين والأرحاء والنواجذ وهي ستة وثلاثون من فوق وأسفل أربع ثنايا ثنيتان من أسفل وثنيتان من فوق ثم يلي الثنايا أربع رباعيات رباعيتان من فوق ورباعيتان من أسفل ثم يلي الرباعيات الأنياب وهي أربعة نابان من فوق ونابان من أسفل ثم يلي الأنياب الضواحك وهي أربعة أضراس إلى كل ناب من أسفل الفم وأعلاه ضاحك ثم يلي الضواحك الطواحين والأرحاء وهي ستة عشر في كل شق ثمانية أربعة من فوق وأربعة من أسفل ثم يلي الأرحاء النواجذ أربعة أضراس وهي آخر الأضراس نباتا الواحد ناجذ قوله فأبطله النبي أي جعله هدرا لأنه نزعها دفعا للصائل
ذكر ما يستفاد منه أنه احتج به عطاء والزهري وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين ومالك ومحمد بن الحسن على كراهة استعمال الطيب عند الإحرام وذهب محمد بن الحنفية وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والأسود بن يزيد وخارجة ابن زيد والقاسم بن محمد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه لا بأس بالتطيب عند الإحرام وهو مذهب الظاهرية أيضا وأجابوا عن الحديث بأن الطيب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان صفرة وهو خلوق فذلك مكروه لا للرجل للإحرام ولكنه لأنه مكروه في نفسه في حال الإحلال وفي حال الإحرام وإنما أبيح من الطيب عند الإحرام ما هو حلال في حال الإحلال والدليل على ذلك أن حديث يعلى الذي روي بطرق مختلفة قد بين ذلك وأوضح أن ذلك الطيب الذي أمره بغسله كان خلوفا وهو منهي عنه في كل الأحوال ومنه صحة إحرام المتلبس بمحظورات الإحرام من اللباس والطيب ومنه عدم جواز لبس المخيط كالجبة للمحرم ومنه أنه لا يجب قطع الجبة والقميص للمحرم إذا أراد نزعها بل له أن ينزع ذلك من رأسه وإن أدى إلى الإحاطة برأسه خلافا لمن قال يشقه وهو قول الشعبي والنخعي ويروى ذلك أيضا عن الحسن وسعيد بن جبير وقال الطحاوي وليس نزع القميص بمنزلة اللباس لأن المحرم لو حمل على رأسه ثيابا أو غيرها لم يكن بذلك بأس ولم يدخل ذلك فيما نهى عنه من تغطية الرأس بالقلانس وشبهها لأنه غير لابس فكان النهي إنما وقع في ذلك على ما يليه الرأس لا على ما يغطي به وفيه مسألة العاض وسيذكر البخاري في كتاب الديات في باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه عن صفوان بن يعلى عن أبيه وعن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي فقال يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك وفي رواية مسلم فأبطلها أي الدية وفي رواية له فأهدر ثنيته وبهذا أخذ أبو حنيفة والشافعي في أن المعضوض إذا نزع يده فسقطت أسنان العاض وفك لحيته لا ضمان عليه وهو قول الأكثرين وقال مالك يضمن
عمدة القاري ج10ص210
02 -
( باب المحرم يموت بعرفة ولم يأمر النبي أن يؤدى عنه بقية الحج )
أي هذا باب فيجوز إضافته ويجوز قطعه عنها فتقدير الكلام في الأول هذا باب في بيان حال المحرم يموت بعرفة وفي الثاني هذا باب يذكر فيه المحرم يموت إلى آخره قوله يموت بعرفة حال من المحرم ولم يأمر النبي عطف عليه ولو قال مات بعرفة بصيغة الماضي لكان أوجه والمراد ببقية الحج رمي الجمرات والحلق وطواف الإفاضة وغير ذلك وإنما لم يأمر النبي أن يؤدى عن هذا المحرم الذي مات بعرفة أن يؤدى عنه بقية الحج لأن أثر إحرامه باق ألا ترى أنه قال في حقه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا وقال المهلب هذا دال على أنه لا يحج أحد عن أحد لأنه عمل بدني كالصلاة لا تدخلها النيابة ولو صحت فيها النيابة لأمر النبي بإتمام الحج عن هذا
9481 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال بينا رجل واقف مع النبي بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأقعصته فقال النبي اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين أو قال ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يأمر فيه بأن يؤدى عن هذا المحرم الذي وقصته دابته بقية الحج وإنما أمر بغسله وتكفينه ونهى عن تحنيطه وتخمير رأسه وذلك لأنه مات على إحرامه ولهذا أخبر بأنه يبعث يوم القيامة وهو يلبي وقد أخرج هذا الحديث في كتاب الجنائز في باب الكفن في ثوبين عن أبي النعمان عن حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأخرجه في باب الحنوط للميت عن قتيبة عن حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير وأخرجه في باب كيف يكفن المحرم عن أبي نعمان عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير وأخرجه أيضا فيه عن مسدد عن حماد بن زيد عن عمرو أيوب عن سعيد بن جبير وأخرجه هنا من ثلاث طرق أخرى أحدها عن سليمان ابن حرب عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير والآخران يأتيان عن قريب إن شاء الله تعالى وقد مر الكلام فيه في كتاب الجنائز مستقصى قوله أو قال شك من الراوي وكذا قوله أو قال ثوبيه
0581 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال بينا رجل واقف مع النبي بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته فقال النبي اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا
هذا الطريق الثاني عن سليمان بن حرب أيضا قوله فوقصته أو قال فأوقصته هذا شك من الراوي في أن هذه المادة من الثلاثي المجرد أو من المزيد فيه وقد مر أن المعنى كسرت راحلته عنقه قوله ولا تمسوه بفتح التاء من المس ويروى بضم التاء من الإمساس قوله ملبيا نصب على الحال
12 -
( باب سنة المحرم إذا مات )
أي هذا باب في بيان سنة المحرم في كيفية الغسل والتكفين وغير ذلك إذا مات في إحرامه
1581 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشيم ) قال أخبرنا ( أبو بشر ) عن ( سعيد بن

(10/211)


جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رجلا كان مع النبي فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا
هذا الطريق الثالث عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة السلمي الواسطي عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن إياس اليشكري البصري
22 -
( باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة )
أي هذا باب في بيان حكم الحج عن الميت في بيان حكم النذر عن الميت قوله والنذور كذا هو بلفظ الجمع في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي والمنذر بلفظ الإفراد قوله والرجل بالجر عطف على المجرور فيما قبله أي في بيان حكم الرجل يحج عن المرأة والترجمة مشتملة على حكمين
2581 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية اقضوا الله فالله أحق بالوفاء
مطابقته للترجمة في قولها إن أمي نذرت إلى آخره وفيه حج عن نذر الميت وهو مطابق للجزء الأول من الترجمة وقال بعضهم في قوله والرجل يحج عن المرأة نظر لأن لفظ الحديث أن امرأة سألت عن نذر كان على أبيها فكان حق الترجمة أن يقول والمرأة تحج عن الرجل ثم قال وأجاب ابن بطال بأن النبي خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله اقضوا الله ثم قال هذا القائل والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث فإنه قال فيه أتى رجل النبي فقال إن أختي نذرت أن تحج الحديث وفيه فأقضي الله فهو أحق بالقضاء وقال الكرماني الترجمة في حج الرجل عن المرأة وهذا هو حج المرأة عن المرأة قلت يلزم منه الترجمة بالطريق الأولى وفي بعض التراجم المرأة تحج عن المرأة قلت في كل هذا نظر أما جواب ابن بطال فكاد أن يكون باطلا لأن خطاب النبي هنا ليس للمراد خاصة وإنما هو خطاب لمن كان حاضرا هناك ودخول المرأة في الخطاب لا يقتضي المطابقة بين الحديث والترجمة وأما جواب هذا القائل فأبعد من الأول لأن الترجمة في باب لا يقال بينها وبين حديث مذكور في باب آخر إنه مطابق لهذه الترجمة فالأصل أن تكون المطابقة بين ترجمة وحديث مذكورين في باب واحد وأما جواب الكرماني ففيه دعوى الأولوية بطريق الملازمة فيحتاج إلى بيان بدليل صحيح مطابق والوجه ما ذكرناه فإن قالوا يلزم من ذلك تعطيل الجزء الأول من الترجمة عن ذكر الحديث قلت فعلى ما ذكروا يلزم تعطيل الجزء الثاني
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو عوانة بفتح العين الوضاح اليشكري وأبو بشر جعفر بن إياس وقد مر عن قريب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن مسدد وفي النذور عن آدم عن شعبة وأخرجه النسائي أيضا في الحج عن بندار عن غندر
ذكر معناه قوله إن امرأة من جهينة بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون اسم قبيلة في قضاعة وجهينة بن زيد بن ليث بن أسود بن أسلم بضم اللام ابن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير في اليمن ولم يدر

(10/212)


اسم المرأة ولكن روى ابن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه أن غاثية أتت النبي فقالت إن أمي ماتت وعليها نذر أن تمشي إلى الكعبة فقال إقضي عنها أخرجه ابن منده في حرف الغين المعجمة من الصحابيات وجزم ابن طاهر في المبهمات بأنه اسم لجهينة المذكورة في حديث الباب وقال الذهبي في حرف الغين المعجمة غايثة وقيل غاثية سألت عن نذر أمها أرسله عطاء الخراساني ولا يثبت وغاثية بالثاء المثلثة بعد الألف وبعدها الياء آخر الحروف وقيل بتقديم الياء آخر الحروف على الثاء المثلثة وروى النسائي أخبرنا عمران بن موسى بصري قال حدثنا عبد الوارث وهو ابن سعيد قال حدثنا أبو التياح واسمه يزيد بن حميد بصري قال حدثني موسى بن سلمة الهزلي أن ابن عباس قال أمرت امرأة سنان ابن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزىء عن أمها أن تحج عنها قال نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها لم يكن يجزىء عنها فلتحج عن أمها
أخبرني عثمان بن عبد الله بن خورزاد أنطاكي قال حدثنا علي بن حكيم الأزدري قال حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة سألت رسول الله عن أبيها مات ولم يحج فقال حجي عن أبيك أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان وهو ابن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي غداة جمع فقالت يا رسول الله فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستمسك على الرحل أحج عنه قال نعم فإن قلت هل يصلح أن يفسر بما رواه النسائي من هذه الأحاديث المبهم الذي في حديث الباب قلت لا يصلح لأن في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها وفي حديث النسائي من طريق عمران بن موسى أن غيرها سأل رسول الله من جهتها وأما السؤال في الحديثين الآخرين فعن مطلق الحج وليس فيهما التصريح بأن الحجة المسؤول عنها كانت نذرا فإن قلت روى ابن ماجه من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني أن عمته حدثته أنها أتت النبي فقالت إن أمي توفيت وعليها مشي إلى الكعبة نذرا الحديث قلت إن صح هذا فيحمل على واقعتين بأن تكون امرأته سألت على لسانه عن حجة أمها المفروضة وبأن تكون عمته سألت بنفسها عن حجة أمها المنذورة وتفسر من في حديث الباب بأنها عمة سنان واسمها غاثية كما ذكرنا
قوله إن أمي نذرت أن تحج هكذا وقع في هذا الباب بالطريق المذكور ووقع في النذور من طريق شعبة عن أبي بشر بلفظ أتى رجل النبي فقال له إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت الحديث فيحمل على أن يكون كل من الأخ سأل عن أخته والبنت سؤلت عن أمها قيل إن هذا اضطراب يعلل به الحديث ورد بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج قوله أفأحج عنها الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله قال نعم أي قال رسول الله نعم حجي عنها أي عن الأم قوله أرأيت بكسر التاء أي أخبريني قوله قاضية على وزن فاعلة وهو رواية الكشميهني ويروى قاضيته بالضمير في آخره أي قاضية الدين وهو رواية الأكثرين قوله اقضوا الله أي اقضوا حق الله فالله أحق بوفاء حقه من غيره
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز حج المرأة عن أمها لأجل الحجة التي عليها بطريق النذر وكذا يجوز حج الرجل عن المرأة والعكس أيضا ولا خلاف فيه إلا للحسن بن صالح فإنه قال لا يجوز وعبارة ابن التين الكراهة فقط وهو غفلة وخروج عن ظاهر السنة كما قال ابن المنذر لأنه أمرها أن تحج عن أمها وهو عمدة من أجاز الحج عن غيره وقالت طائفة لا يحج أحد عن أحد روي هذا عن ابن عمر والقاسم والنخعي وقال مالك والليث لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام ولا ينوب عن فرضه فإن أوصى الميت بذلك فعند مالك وأبي حنيفة يخرج من ثلثه وهو قول النخعي وعند الشافعي من رأس ماله وفي ( التوضيح ) وفيه أن الحجة لواجبة من رأس المال كالدين وإن لم يوص وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وطاووس وابن سيرين ومكحول وسعيد بن المسيب والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور قلت مذهب

(10/213)


أبي حنيفة ليس كذلك بل مذهبه أن من مات وعليه حجة الإسلام لم يلزم الورثة سواء أوصى بأن يحج عنه أو لا خلافا للشافعي فإن أوصى بأن يحج عنه مطلقا يحج عنه من ثلث ماله فإن بلغ من بلده يجب ذلك وإن لم يبلغ أن يحج من بلده فالقياس أن تبطل الوصية وفي الاستحسان يحج عنه من حيث بلغ وإن لم يمكن أن يحج عنه بثلث ماله من مكان بطلت الوصية ويورث عنه وفيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه وفيه أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلوما عندهم مقررا ولهذا حسن الإلحاق به وفيه ما احتج به الشافعية على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه وقالوا ألا ترى أنه شبه الحج بالدين وهو مقضي وإن لم يوص ولم يشترط في إجازته ذلك شيئا وكذلك تشبيهه له بالدين يدل على أن ذلك عليه من جميع ماله دون ثلث ماله كسائر الديون قلنا لا نسلم ذلك لأن الميت ليس له حق إلا في ثلث ماله ودين العباد أقوى لأجل أن له مطالبا بخلاف دين الله تعالى فلا يعتبر إلا من الثلث لعدم المنازع فيه وقال الطيبي في الحديث إشعار بأن المسؤول عنه خلف مالا فأخبره النبي أن حق الله مقدم على حق العباد واجب عليه الحج عنه والجامع علة المالية واعترض بأنا لا نسلم ذلك لأنه لا يستلزم قوله أكنت قاضية أن يكون ذلك مما خلفه ويجوز أن يكون تبرعا والله أعلم بحقيقة الحال
32 -
( باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة )
أي هذا باب في بيان حكم الحج عن الشخص الذي لا يستطيع أن يثبت على الراحلة وهي المركوب من الإبل وقال بعضهم أي من الإحياء قلت هذا تفسير عبث لأن الأذهان قط لا تتبادر إلى الأموات
3581 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( ابن عباس ) عن ( الفضل بن عباس ) رضي الله تعالى ( عنهم ) أن ( امرأة ) ( ح ) حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي سلمة ) قال حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال جاءت امرأة من خثعم عام الوداع قالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه قال نعم
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو عاصم الضحاك بن مخلد وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز وابن شهاب بن مسلم الزهري
قوله عن ابن شهاب عن سليمان وفي رواية الترمذي من طريق روح عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سليمان بن يسار عن ابن عباس وفي رواية شعيب التي تأتي في الاستئذان عن ابن شهاب أخبرني سليمان أخبرني عبد الله بن عباس قوله عن الفضل بن عباس كذا قاله ابن جريج وتابعه معمر وخالفهما مالك وأكثر الرواة عن الزهري فلم يقولوا فيه عن الفضل وروي عن الترمذي أنه قال سألت محمدا يعني البخاري عن هذا فقال أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل قال فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة قوله حدثنا موسى بن إسماعيل فيه انتقال من طريق إلى طريق آخر وإنما رجح الرواية عن الفضل لأنه كان رديف النبي حينئذ وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي عن قريب وقد ذكر فيما مضى في باب التلبية والتكبير من طريق عطاء عن ابن عباس أن النبي أردف الفضل فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة فكأن الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة وقد يحتمل أن يكون سؤال

(10/214)


الخثعمية وقع بعد رمي جمرة العقبة فحضره ابن عباس فنقله تارة عن أخيه لكونه صاحب القصة وتارة عما شاهده ويؤيد ذلك ما وقع عند الترمذي وأحمد وابنه عبد الله والطبري من حديث علي رضي الله تعالى عنه مما يدل على أن السؤال المذكور وقع عند النحر بعد الفراغ من الرمي وأن العباس كان شاهدا ولفظ أحمد من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال وقف رسول الله بعرفة فقال هذه عرفة وهو الموقف فذكر الحديث وفيه ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر وكل منى منحر واستفتته وفي رواية عبد الله ثم جاءته جارية شابة من خثعم فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزىء أن أحج عنه قال حجي عن أبيك قال ولوى عنق الفضل فقال العباس يا رسول الله لويت عنق ابن عمك قال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الشيطان وظاهر هذا أن العباس كان حاضرا لذلك فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أيضا كان معه قوله حجة الوداع وفي رواية شعيب التي تأتي في الاستئذان يوم النحر وفي رواية النسائي من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب غداة جمع قوله شيخا كبيرا نصب على الاختصاص وقال الطيبي شيخا حال وفيه نظر قوله لا يستطيع يجوز أن يكون صفة له ويجوز أن يكون حالا قوله يقضي أي يجزىء أو يكفي أو ينفذ
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز النيابة عن العاجز قال أصحابنا من قدر على الحج ببدنه لم يجز له أن يحج عنه غيره ولو عجز عنه عجزا لا يزول مثل الزمانة والعمى جاز أن يحج عنه غيره وإن كان يزول كالمرض والحبس فإن استمر إلى الموت يجزيه ويلزمه حجة الإسلام وفيه بر الوالدين بالقيام بمصالحهما من قضاء دين وحج وخدمة وغير ذلك وفيه جواز حج المرأة عن الرجل وفيه جواز استفتاء المرأة من أهل العلم عند الحاجة وفيه الترغيب إلى الرحلة لطلب العلم فافهم والله أعلم
42 -
( باب حج المرأة عن الرجل )
أي هذا باب في بيان جواز حج المرأة عن الرجل وفيه خلاف ذكرناه عن قريب
5581 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان الفضل رديف النبي فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذالك في حجة الوداع
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أفأحج عنه قال نعم وهو يخبر بجواز حج المرأة عن الرجل
قوله كان الفضل وهو ابن عباس وهو أخو عبد الله وكان أكبر ولد العباس وبه كان يكنى وكان شقيق عبد الله وأمهما أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية مات في طاعون عمواس بناحية الأردن سنة ثماني عشرة من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله رديف النبي وزاد شعيب في رواية على عجز راحلته قوله من خثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة قبيلة مشهورة قوله فجعل الفضل ينظر إليها وفي رواية شعيب وكان الفضل رجلا وضيئا أي جميلا وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها قوله يصرف وجه الفضل وفي رواية شعيب فالتفت النبي والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها ووقع في رواية الطبري في حديث علي وكان الفضل غلاما جميلا فإذا جاءت الجارية من هذا الشرق صرف رسول الله وجه الفضل إلى الشق الآخر فإذا جاءت إلى

(10/215)


الشق الآخر صرف وجهه عنه وقال في آخره رأيت غلاما حدثا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان قوله إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا وفي رواية عبد العزيز وشعيبإن فريضة الله على عباده في الحج وفي رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يشار إن أبي أدركه الحج واتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب على أن السائلة كانت امرأة وأنها سألت عن أبيها وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان فاتفق الرواة عند علي أن السائل رجل
واعلم أنهم اختلفوا على سليمان بن يسار في إسناد هذا الحديث ومتنه أما إسناده فقال هشيم عن ابن شهاب عن سليمان عن عبد الله بن عباس وقال محمد بن سيرين عن ابن شهاب عن سليمان عن الفضل أخرجهما النسائي وقال ابن علية عنه عن سليمان حدثني أحد ابني العباس إما الفضل وإما عبد الله أخرجه أحمد وأما المتن فقال هشيم إن رجلا سأل فقال إن أبي مات وقال ابن سيرين فجاء رجل فقال إن أمي عجوز كبيرة وقال ابن علية فجاء رجل فقال إن أبي وأمي وخالف الجميع معمر عن يحيى بن أبي إسحاق فقال في روايته إن المرأة سألت عن أمها قوله لا يثبت على الراحلة ووقع في رواية عبد العزيز وشعيب لا يستمسك على الرحل وفي رواية يحيى بن أبي إسحاق زيادة وهي إن شددته خشيت أن يموت وكذا في مرسل الحسن وفي حديث أبي هريرة أخرجه ابن خزيمة بلفظ وإن شددته بالحبل على الراحلة خشيت أن أقتله قوله أفأحج عنه أي أيجوز أن أنوب عنه وإنما قدرنا هكذا لأن ما بعد الفاء الداخلة عليها الهمزة معطوفة على مقدر وفي رواية عبد العزيز وشعيب فهل يقضى عنه وفي حديث علي هل يجزىء عنه قوله قال نعم وفي حديث أبي هريرة فقال أحجج عن أبيك
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الحج عن الغير وقد ذكرناه وفيه جواز الارتداف وفيه جواز كلام المرأة وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة كالاستفتاء عن العلم والترافع في الحكم والمعاملة وفيه منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر وفيه بيان ما ركب في الآدمي من الشهوة وما جبلت طباعه عليه من النظر إلى الصورة الحسنة وفيه تواضع النبي وفيه ظهور منزلة الفضل بن عباس عند النبي وفيه إزالة المنكر باليد
52 -
( باب حجة الصبيان )
أي هذا باب في ذكر حجة الصبيان في الأحاديث التي يذكرها في هذا الباب وقال بعضهم قوله باب حجة الصبيان أي مشروعيته قلت كيف يقول هكذا على الإطلاق وليس في أحاديث الباب شيء يدل صريحا على مشروعية حجتهم ولا عدم مشروعيته فلذلك أطلق البخاري كلامه في الترجمة وما حكم بشيء فإن قلت روى مسلم من حديث كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن النبي لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت لهذا حج قال نعم ولك أجر قلت الظاهر أنه ليس على شرط فلذلك لم يخرجه أو ما وقف عليه وقد احتج بظاهر هذا الحديث داود وأصحابه من الظاهرية وطائفة من أهل الحديث على أن الصبي إذا حج قبل بلوغه كفى ذلك عن حجة الإسلام وليس عليه أن يحج حجة أخرى عن حجة الإسلام وقال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد وآخرون من علماء الأمصار لا يجزىء الصبي ما حجه عن حجة الإسلام وعليه بعد بلوغه حجة أخرى
وفي ( أحكام ابن بزيزة ) أما الصبي فقد اختلف العلماء هل ينعقد حجه أم لا والقائلون بأنه منعقدا اختلفوا هل يجزئه عن حجة الفريضة إذا بلغ وعقل أم لا فذهب مالك والشافعي وداود إلى أن حجه ينعقد وقال أبو حنيفة لا ينعقد واختلف هؤلاء القائلون بانعقاده فقال داود وغيره يجزئه عن حجة الفريضة بعد البلوغ وقال مالك والشافعي لا يجزيه وقال الطحاوي وكان من الحجة على هؤلاء أنه ليس في الحديث إلا أن رسول الله أخبر أن للصبي حجا وليس فيه ما يدل على أنه إذا حج يجزىء عن حجة الإسلام فإن قلت ما الدليل على ذلك قلت قوله رفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يكبر فإذا ثبت أن القلم مرفوع عنه ثبت أن الحج ليس بمكتوب عليه كما أنه إذا صلى فرضا ثم بلغ بعد ذلك فإنه لا يعيدها ثم إن عند أبي حنيفة

(10/216)


إذا أفسد الصبي حجه لا قضاء عليه ولا فدية عليه إذا اصطاد صيدا وقال مالك يحج بالصبي ويرمي عنه ويجنب ما يجتنبه الكبير من الطيب وغيره فإن قوي على الطواف والسعي ورمي الجمار وإلا طيف به محمولا وما أصابه من صيد أو لباس أو طيب فدى عنه وقال الصغير الذي لا يتكلم إذا جرد ينوي بتجريده الإحرام وقال ابن القاسم يغنيه تجريده عن التلبية عنه فإن كان يتكلم لبى عن نفسه
6581 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عبيد الله بن أبي يزيد ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول بعثني أو قدمني النبي في الثقل من جمع بليل
( انظر الحديث 7761 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن ابن عباس كان مع النبي في خجه وهو ما دون البلوغ فدخل تحت قوله باب حجة الصبيان والحديث مضى في باب من قدم ضعفة أهله فإنه أخرجه هناك عن علي عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد الحديث وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال بعثني رسول الله من جمع بليل وكان ابن عباس هناك دون البلوغ ولهذا أردفه بحديثه الآخر المصرح فيه بأنه كان حينئذ قد قارب الاحتلام وهذا يدل على أن حجة الإسلام سقطت عن ابن عباس
قوله أو قدمني شك من الراوي قوله في الثقل بفتح الثاء المثلثة والقاف المفتوحة وهو الأمتعة والمراد هنا آلات السفر ومتاع المسافرين قوله من جمع بفتح الجيم وسكون الميم وهو المزدلفة
8581 - حدثنا عبد الرحمان بن يونس قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال حج بي مع رسول الله وأنا ابن سبع سنين
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول ( عبد الرحمن بن يونس ) بن هاشم أبو مسلم المستملي الرقي مات سنة خمس وعشرين ومائتين الثاني ( حاتم بن إسماعيل ) أبو إسماعيل الكوفي سكن المدينة الثالت ( محمد بن يوسف ) بن عبد الله بن يزيد ابن أخت نمر وأمه ابنة ( السائب بن يزيد ) الرابع السائب بن يزيد بن سعد الكندي ويقال الأسدي ويقال الليثي ويقال الهذلي مات بالمدينة سنة إحدى وتسعين وهو ابن ست وتسعين

(10/217)


ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه عن محمد بن يوسف وفي رواية الإسماعيلي حدثنا محمد بن يوسف وفيه رواية الراوي عن جده لأمه لأن محمد بن يوسف حفيد السائب وقيل سبطه وقيل ابن أخيه عبد الله بن يزيد
والحديث أخرجه الترمذي أيضا في الحج عن قتيبة عن حاتم به وزاد في حجة الوداع وقال حسن صحيح قوله حج بي بضم الحاء على البناء للمجهول وقال ابن سعد عن الواقدي عن حاتم حجت بي أمي وروى الفاكهي من وجه آخر عن محمد بن يوسف عن السائب حج بي أبي قيل ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه قلت رواية البخاري تحتمل الوجهين لأنه لم يذكر فيه الفاعل صريحا وقيل فيه صحة حج الصبي وإن لم يكن مميزا وقد بسطنا الكلام فيه واستدل به بعض الشافعية على أن أم الصبي تجزىء في الإحرام عنه قلت هذا لم يفهم من حديث الباب وإنما يمكن الاستدلال بذلك من حديث جابر رواه الترمذي وقال حدثنا محمد بن طريف الكوفي حدثنا أبو معاوية عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال رفعت امرأة صبيا لها إلى رسول الله فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجر وروى ابن ماجه أيضا نحوه وقال الترمذي حديث جابر حديث غريب وقد ذكرنا حديث ابن عباس لمسلم نحوه في أول الباب قال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى والصحيح عند أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه يحرم عنه الولي الذي يليه ماله وهو أبوه أو جده أو الوصي أو القيم من جهة القاضي أو القاضي قالوا وأما الأم فلا يصح إحرامها عنه إلا أن تكون وصية أو قيمة من جهة القاضي وأجابوا عن قوله ولك أجر أن المراد أن ذلك بسبب حملها له وتجنيبها إياه ما يفعله المحرم وأيضا فلعل المرأة كانت وصية عليه أو قيمة عليه وأيضا فليس في الحديث أنها أمه ويجوز أن يكون في حجرها بنوع ولاية واستدل به بعضهم على أن الصبي يثاب على طاعته ويكتب له حسناته وهو قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن عمر بن الخطاب فيما حكاه المحب الطبري وحكاه النووي في ( شرح مسلم ) عن مالك والشافعي وأحمد والجمهور وفي حديث السائب المذكور صحة سماع الصبي المميز وهو كذلك وخالف في ذلك فرقة يسيرة وأنكر أحمد على القائل بذلك وقال قبح الله من يقول ذلك والمسألة مقررة في علوم الحديث
فإن قلت في حديث السائب ذكر سن التمييز فما دليل من يصحح حج الصبي إذا لم يبلغ سن التمييز قلت حديث جابر المذكور فإن فيه فرفعت امرأة صبيا وهذا أعم من أن يكون في سن التمييز أو أقل أو أكثر إلى حد البلوغ وعن المالكية قولان في الحج بالرضيع وفي ( التوضيح ) وروي أن الصديق حج بابن الزبير في خرقة وقال عمر رضي الله تعالى عنه أحجوا هذه الذرية وكان ابن عمر يجرد صبيانه عند الإحرام ويقف بهم المواقف وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تفعل ذلك وفعله عروة بن الزبير وقال عطاء يجرد الصغير ويلبي عنه ويجنب ما يجتنب الكبير ويقضي عنه كل شيء إلا الصلاة فإن عقل الصلاة صلاها فإذا بلغ وجب عليه الحج
واختلفوا في الصبي العبد يحرمان بالحج ثم يحتلم الصبي ويعتق العبد قبل الوقوف بعرفة فقال مالك لا سبيل إلى رفض الإحرام ويتماديان عليه ولا يجزيهما عن حجه الإسلام وهو قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال الشافعي إذا نويا بإحرامهما المتقدم حجة الإسلام أجزأهما وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيما غلام حج به أهله فمات فقد قضى حجة الإسلام فإن أدرك فعليه الحج وأيما عبد حج به أهله فمات فقد قضى حجة الإسلام فإن عتق فعليه الحج
9581 - حدثنا ( عمرو بن زرارة ) قال أخبرنا ( القاسم بن مالك ) عن الجعيد بن عبد الرحمان قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول للسائب بن يزيد وكان قد حج به في ثقل النبي
مطابقته للترجمة في قوله وكان قد حج به فإن السائب كان صبيا حين حج به والترجمة في حج الصبيان و عمرو بفتح العين ابن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن واقد الكلابي النيسابوري يكنى أبا محمد قال السراج مات لعشر خلون من شوال سنة ثمان وثلاثين ومائتين والقاسم بن مالك المزني الكوفي والجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغرا أو مكبرا ابن عبد الرحمن بن أوس الكندي ويقال التميمي المدني والذي ذكر هنا أن الجعيد قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول

(10/218)


للسائب ولم يذكر مقول عمر ولا جواب السائب وذلك لأن مقصوده الإعلام بأن السائب حج به وهو صغير وكان أصل سؤاله عن قدر المد على ما يأتي في الكفارات عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم بن مالك ( الجعيد بن عبد الرحمن ) عن السائب ابن يزيد قال كان الصاع على عهد النبي مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ورواه الإسماعيلي من هذا الوجه وزاد فيه قال السائب وقد حج في ثقل النبي وأنا غلام وقال الكرماني اللام في قوله للسائب بمعنى لأجل يعني يقول لأجله وفي حقه والمقول وكان السائب إلى آخره واستبعده بعضهم قلت ليس ما قاله ببعيد فإن ظاهر الكلام يقتضي ما ذكره لا سيما إذا كان الأصل ما ذكره من غير إحالته على شيء آخر فافهم
62 -
( باب حج النساء )
أي هذا باب في باين صفة حج النساء هل هي مثل حج الرجال أم تغايره في شيء
وقال لي ( أحمد بن محمد ) حدثنا ( إبراهيم ) عن أبيه عن جده قال أذن عمر رضي الله تعالى عنه لأزواج النبي في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمان رضي الله تعالى عنهما
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه حج النساء ولكن فيه زيادة على حج الرجال وهو الاحتياج إلى إذن من يتولى أمرهن في خروجهن على ما يأتي إن شاء الله تعالى في حديث أبي سعيد وهو قوله أربع سمعتهن من رسول الله الحديث وفيه لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو محرم وفي الحديث المذكور ما خرجت أزواج النبي إلى الحج إلا بعد إذن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لهن وأرسل معهن من يكون في خدمتهن وكان عمر رضي الله تعالى عنه متوقفا في ذلك أولا ثم طهر له الجواز فأذن لهن وتبعه على ذلك جماعة من غير نكير وروى ابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر قال منع عمر أزواج النبي الحج والعمرة وروى أيضا من طريق أم درة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام فأذن لنا وهذا موافق لحديث الباب ويدل على أن عمر كان يمنع أولا ثم أذن
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن محمد بن الوليد أبو محمد الأزرقي ويقال الزرقي المكي وهو من أفراد البخاري الثاني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري القرشي المدني الثالث أبوه سعد بن إبراهيم الرابع جده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والضمير في جده يرجع إلى إبراهيم لا إلى الأب قاله الكرماني وقال الحميدي في ( الجمع بين الصحيحين ) قال البرقاني إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف قال وفي هذا نظر قال ( صاحب التلويح ) الذي قاله الحميدي له وجه ولقول البرقاني وجه أما قول البرقاني فيحمل على جد إبراهيم الأول وإنكار الحميدي صحيح كأنه قال كيف يكون إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن نفسه يروي عنه شيخ البخاري وقال بعضهم ظاهره أنه من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عمر رضي الله تعالى عنه ومن ذكر معه وإدراكه كذلك ممكن لأن عمره إذ ذالك كان أكثر من عشر سنين وقد أثبت سماعه من عمر يعقوب بن شيبة قلت يقال إنه ولد في حياة النبي وشهد الدار مع عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ودخل على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو صغير وسمع منه وروى ابن سعد هذا الحديث عن الواقدي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال أرسلني عمر رضي الله تعالى عنه وقيل الواقدي لا يحتج به قلت ما للواقدي وهو إمام في هذا الفن وهو أحد مشايخ الشافعي
قوله وقال لي أحمد أي قال البخاري قال لي أحمد وهذا أسنده البيهقي عن الحكم أنبأنا الحسن بن حليم المروزي حدثنا أبو الموجه أنبأنا عبدان أنبأنا إبراهيم يعني ابن سعد عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله تعالى عنه أذن لأزواج النبي في الحج فبعث معهن عثمان وعبد الرحمن رضي الله تعالى عنهما فنادى الناس عثمان ألا لا يدنو منهن

(10/219)


أحد ولا ينظر إليهن إلا مد البصر وهن في الهوادج على الإبل وأنزلهن صدر الشعب ونزل عثمان وعبد الرحمن بن عوف بذنبه فلم يقعد إليهن أحد قال رواه يعني البخاري في ( الصحيح ) عن أحمد بن محمد عن إبراهيم بن سعد مختصرا أذن في خروجهن للحج أي في سفرهن لأجل الحج وقال الكرماني فإن قلت عثمان وعبد الرحمن لم يكونا محرمين لهن فكيف أجاز لهن وفي الحديث لا تسافر المرأة ليس معها زوجها أو ذو محرم قلت النسوة الثقات يقمن مقام المحرم أو الرجال كلهم محارم لهن لأنهن أمهات المؤمنين وكيف لا وحد المحرم صادق عليها
وقال النووي المحرم من حرم نكاحها على التأييد بسبب مباح لحرمتها واحترز بقيد التأييد عن أخت المرأة وبسبب مباح عن أم الموطوءة بشبهة وبقوله لحرمتها عن الملاعنة لأن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظا وقال الشافعي لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها حتى إذا كانت آمنة مطمئنة فلها أن تسير وحدها في جملة القافلة ولعله نظر إلى العلة فعمم الحكم انتهى كلام الكرماني قلت قوله النسوة الثقات يقمن مقام المحرم مصادمة للحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم على ما يأتي عن قريب ولحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم مرفوعا لا يحل لأمرأة أن تسافر ثلاثا إلا ومعها ذو محرم منها قوله أو الرجال كلهم محارم لهن لأنهن أمهات المؤمنين هذا جواب أبي حنيفة لحكام الرازي فإنه قال سألت أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه هل تسافر المرأة بغير محرم فقال لا نهى رسول الله أن تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها قال حكام فسألت العرزمي فقال لا بأس بذلك حدثني عطاء أن عائشة كانت تسافر بلا محرم فأتيت أبا حنيفة فأخبرته بذلك فقال أبو حنيفة لم يدر العرزمي ما روى كان الناس لعائشة محرما فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم وليس الناس لغيرها من النساء كذلك ولقد أحسن أبو حنيفة في جوابه هذا لأن أزواج النبي كلهن أمهات المؤمنين وهم محارم لهن لأن المحرم من لا يجوز له نكاحها على التأييد فكذلك أمهات المؤمنين حرام على غير النبي إلى يوم القيامة والعرزمي هو محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان الراوي الكوفي فيه مقال فقال النسائي ليس بثقة وعن أحمد ليس بشيء لا يكتب حديثه نزل جبانة عرزم بالكوفة فنسب إليها وعرزم بتقديم الراء على الزاي
قوله وقال الشافعي إلى آخره كذلك مصادمة للأحاديث الصحيحة لأن كلام النبي يدل قطعا على اشتراط المحرم والذي يقول لا يشترط خلاف ما يقول النبي وقوله بل يشترط الأمن على نفسها دعوى بلا دليل فأي دليل دل على هذا في هذا الباب واشتراط الأمن على النفس ليس بمخصوص في حق المرأة خاصة بل في حق الرجال والنساء كلهم قوله ولعله نظر إلى آخره من كلام الكرماني حمله على هذا أريحية العصبية فإنه لو أنصف لرجع إلى الصواب
1681 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( حبيب بن أبي عمرة ) قال ( حدثتنا عائشة بنت طلحة ) عن ( عائشة ) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت قلت يا رسول الله ألا نغزو أو نجاهد معكم فقال لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور فقالت عائشة فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد تقدم عن عائشة مثله في أوائل الحج في باب فضل الحج المبرور أخرجه عن عبد الرحمن ابن المبارك عن خالد عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهنا أخرجه عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري
قوله ألا نغزو ألا كلمة تستعمل في مثل هذا الموضع للعرض والتحضيض ويجوز أن تكون للتمني لأنه من جملة مواضعها التي تستعمل فيها قوله أو نجاهد شك من الراوي قيل هو مسدد شيخ البخاري وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ألا نغزو معكم أخرجه الإسماعيلي وقاله الكرماني فإن قلت الغزو والجهاد هما لفظان بمعنى واحد فما الفائدة فيه قلت ليسا بمعنى واحد

(10/220)


فإن الغزو القصد إلى القتال والجهاد هو بذل المقدور في القتال وذكر الثاني تأكيدا للأول وقال بعضهم وأغرب الكرماني ثم نقل كلامه ثم قال وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو انتهى قلت لم يظن الكرماني ذلك وإنما اعتمد في كلامه على نسخه ليس فيها كلمة الشك وفرق بين الغزو والجهاد وهو فرق حسن وأخرج النسائي هذا الحديث من طريق جرير عن حبيب بلفظ ألا نخرج فنجاهد معك وأخرج ابن خزيمة من طريق زائدة عن حبيب مثله وزاد فإنا نجد الجهاد أفضل العمل وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر بن عياش عن حبيب بلفظ لو جاهدنا معك قال لا جهادكن حج مبرور ولفظ البخاري من طريق خالد الطحان عن حبيب نرى الجهاد أفضل العمل قوله لكن بتشديد النون جماعة المؤنث وهو خبر لأحسن والحج بدل منه وحج بدل البدل ويجوز أن يكون ارتفاع حج على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو حج مبرور وقال التيمي لكن بتخفيف النون وسكونها و أحسن مبتدأ والحج خبره وفي رواية جرير حج البيت حج مبرور وسيأتي في الجهاد من وجه آخر عن عائشة بنت طلحة بلفظ استأذنته نساؤه في الجهاد فقال يكفيكن الحج وروى ابن ماجه من طريق محمد بن فضيل عن حبيب قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة وقد ذكرنا فيما مضى أنهم اختلفوا في المراد بالحج المبرور فقيل هو الذي لا يخالطه شيء من مأثم وقيل هو المتقبل وقيل هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق وقيل الذي لم تتعقبه معصية قوله فلا أدع أي فلا أترك
2681 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو ) عن ( أبي معبد ) مولى ( ابن عباس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم فقال رجل يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج فقال اخرج معها
مطابقته للترجمة في قوله اخرج معها لأنه يدل على جواز حج النساء وخروجهن إلى الحج مع زوج أو محرم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الثاني حماد بن زيد الثالث عمرو بن دينار الرابع أبو معبد بفتح الميم واسمه نافذ الخامس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه بصريان وإن عمرا مكي ونافذا حجازي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن قتيبة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي معبد به وفي النكاح عن علي بن عبد الله عن سفيان به ولم يذكر لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وأخرجه مسلم في الحج عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد به وعن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان به وعن ابن أبي عمر
ذكر ما يستفاد منه فيه أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم وعموم اللفظ يتناول عموم السفر فيقتضي أن يحرم سفرها بدون ذي محرم معها سواء كان سفرها قليلا أو كثيرا للحج أو لغيره وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعي والشعبي وطاووس والظاهرية واحتج هؤلاء أيضا فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة أن رسول الله قال لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم أخرجه الطحاوي وأخرج البزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا لا أدري كم قالإلا ومعها ذو محرم وسيجيء الخلاف فيه مع الجواب عن هذا وفيه أن عموم لفظ ذي محرم يتناول ذوي المحارم جميعها إلا أن مالكا كره سفرها مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها لفساد الناس وأن المحرمية في هذا ليست في المراعاة كمحرمية النسب وفيه حرمة اختلاء المرأة مع الأحنبي وهذا لا خلاف فيه وفيه دلالة على أن حج الرجل مع امرأته إذا أرادت حجة الإسلام أولى من سفره إلى الغزوة

(10/221)


لقوله أخرج معها يعني إلى الحج مع كونه قد كتب في الغزو وفيه دلالة على اشتراط المحرم في وجوب الحج على المرأة ثم اختلفوا هل هو شرط الوجوب أو شرط الأداء وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وفيه أن النساء كلهن سواء في منع المرأة عن السفر إلا مع ذي محرم إلا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تشتهى وقال ابن دقيق العيد الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى يعني مراعاة الأمر الأغلب وتعقب بأن لكل ساقطة لاقطة فإن قلت يمكن أن يحتج للباجي فيما قاله بحديث عدي بن حاتم مرفوعا يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها الحديث في البخاري قلت هذا يدل على جوده لا على جوازه وأجاب بعضهم عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز قلت هذا إخبار من الشارع بقوة الإسلام وكثرة أهله ووقوع الأمن فلا يستلزم ذلك الجواز وقال ابن دقيق العيد هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ( آل عمران 79 ) عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع وقوله لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج وقد رجح المذهب الثاني بعموم قوله لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وفيه نظر لكون النهي عاما في المساجد فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر بحديث النهي وفيه ما قاله ابن المنير يؤخذ من قوله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا إن ذلك كان في حجة الوداع فيؤخذ منه أن الحج على التراخي إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في تلك الغزوة ورد بأنه ليس بلازم لاحتمال أن يكونوا قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة تسع مع أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفيه ما أخذه بعضهم بظاهر قوله أخرج معها وجوب السفر على الزوج مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤونة وفيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة فإن الرجل لما عرض له الغزو والحج رجح الحج لأن امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها بخلاف الغزو وفيه ما استدل به بعضهم على أنه ليس للزوج منع امرأته من الحج الفرض وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي فإن قلت روى الدارقطني من طريق إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها قلت هو محمول على حج التطوع عملا بالحديثين ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما كان واجبا
3681 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( يزيد بن زريع ) قال أخبرنا ( حبيب المعلم ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لما رجع النبي من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج قالت أبو فلان تعني زوجها كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضا لنا قال فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي
( انظر الحديث 2871 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ما منعك من الحج فإنه يدل على أن للنساء أن يحججن والترجمة في حج النساء والحديث قد مضى في أوائل باب العمرة في باب عمرة في رمضان فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس إلى آخره وهنا أخرجه عن عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد المروزي عن يزيد بن زريع مصغر الزرع أبي الحارث عن حبيب ضد العدو المعلم بلفظ الفاعل من التعليم وهو ابن أبي قريبة بضم القاف وفتح الباء الموحدة واسمه زيد وقيل زائدة وهو غير حبيب بن أبي عمرة المذكور في ثاني أحاديث الباب

(10/222)


قوله على أحدهما أي أحد الناضحين قوله والآخر أي الناضح الآخر قوله تقضي حجة يعني ثواب العمرة مثل ثواب الحج وإن كان ظاهره يشعر بأن العمرة تقع عن قضاء الحجة فرضا أو نفلا
رواه ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس عن النبي
أي روى الحديث المذكور عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبي رباح وأراد بهذا تقوية طريق حبيب المعلم بمتابعة ابن جريج له عن عطاء وفيه زيادة فائدة وهي تصريح عطاء بسماعه من ابن عباس حيث قال سمعت ابن عباس وقد تقدم طريق ابن جريج موصولا في باب عمرة في رمضان
وقال عبيد الله عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر عن النبي
عبيد الله بتصغير عبد هو ابن عمرو الرقي عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عطاء بن رباح عن جابر بن عبد الله الأنصاري وهذا التعليق وصله ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر أن النبي قال عمرة في رمضان تعدل حجة ورواه أحمد أيضا في ( مسنده ) قيل أراد البخاري بهذا بيان الاختلاف فيه على عطاء فإن الراوي عن عطاء في الموصول هو حبيب وفي المعلق عبد الكريم وفي المتابعة ابن جريج ولكن ترتيبه يدل على ترجيح رواية ابن جريج على ما لا يخفى
4681 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( قزعة ) مولى ( زياد ) قال سمعت ( أبا سعيد ) وقد غزا مع النبي ثنتي عشرة غزوة قال أربع سمعتهن من رسول الله أو قال يحدثهن عن النبي فأعجبنني وآنقنني أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم ولا صوم يومين الفطر والأضحى ولا صلاة بعد صلاتين بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي ومسجد الأقصى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو محرم وجه ذلك أنه إذا منعت من السفر هذه المدة بهذا الشرط فالسفر أعم من أن يكون للحج أو غيره وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب مسجد بيت المقدس فأخرجه عن أبي الوليد عن شعبة عن عبد الملك إلى آخره وفيه بعض نقصان فالناظر يعتبره وقد مضى الكلام فيه مستوفى هناك
قوله يحدثهن ووقع عند الكشميهني بلفظ أو قال أخذتهن بالخاء والذال المعجمتين من الأخذ ومعناه حملتهن عنه قوله وآنقنني بفتح النونين وسكون القاف بلفظ جمع مؤنث ماض من باب الإفعال أي أعجبنني الكلمات الأربع وقال النووي كرر المعنى باختلاف اللفظ والعرب تفعل ذلك كثيرا للبيان والتوكيد كقوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ( البقرة 751 ) قوله أو ذو محرم كذا هو في رواية الأكثرين وعن أبي ذر في بعض النسخ أو ذو محرم محرم الأول بفتح الميم وتخفيف الراء المفتوحة والثاني بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة أي محرم عليها
وهذا الحديث مشتمل على أربعة أحكام الأول سفر المرأة وقد مضى الكلام فيه الثاني منع صوم الفطر والأضحى وسيأتي بحث ذلك في كتاب الصيام الثالث منع الصلاة بعد الصبح والعصر وقد تقدم بحثه في أواخر كتاب الصلاة الرابع منع شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب مسجد بيت المقدس
قوله أن لا تسافر بالرفع لا غير لأن كلمة أن مسفرة لا ناصبة قوله ليس معها زوجها وفي حديث أبي معبد لا تسافر

(10/223)


المرأة إلا مع ذي محرم فمفهومه أنها لا تسافر مع الزوج ولا يعتبر هذا المفهوم لأنه مفهوم المخالفة وهو ساقط إذا كان للكلام مفهوم الموافقة وههنا السفر مع الزوج بطريق الأولى قوله ولا صوم يومين صوم اسم لا ويومين خبره أي لا صوم في هذين اليومين ويجوز أن يكون صوم مضافا إلى يومين والتقدير لا صوم يومين ثابت أو مشروع
ذكر اختلاف مدة السفر الممنوعة ففي رواية أبي سعيد في حديث الباب مسيرة يومين وروى عنه لا تسافر ثلاثا وروى عنه أيضا لا تسافر فوق ثلاث وروي عن أبي هريرة لا تسافر ثلاثا وروي عنه لا تسافر يوما وليلة وروي عنه لا تسافر يوما وروي لا تسافر بريدا وروي عن ابن عمر لا تسافر ثلاثا وروي عنه لا تسافر فوق ثلاث وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص لا تسافر ثلاثا رواه الطحاوي والعدني في ( مسنده ) وقال القاضي عياض هذا كله ليس بتنافر ولا يختلف وقد يكون هذا في مواطن مختلفة ونوازل متفرقة فحدث كل من سمعها بما بلغه منها وشاهده وإن حدث بها واحد فحدث مرات بها على اختلاف ما سمعها وقد يمكن أن يلفق بينها بأن اليوم المذكور مفرد أو الليلة المذكورة مفردة بمعنى اليوم والليلة المجموعين لأن اليوم من الليل والليل من اليوم ويكون ذكره يومين مدة مغيبها في هذا السفر في السير والرجوع فأشار مرة بمسافة السفر ومرة بمدة المغيب وهكذا ذكر الثلاث فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع الذي يقضي حاجتها بحيث سافرت له فتتفق على هذا الأحاديث وقد يكون هذا كله تمثيلا لأقل الأعداد للواحد إذ الواحد أول العدد وأقله والإثنان أول التكثير وأقله والثلاث أول الجمع فكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر فيه مع غير ذي محرم فكيف بما زاد ولهذا قال في الحديث الآخر ثلاثة أيام فصاعدا وبحسب اختلاف هذه الروايات اختلف الفقهاء في تقصير المسافة وأقل السفر انتهى
وقال الطحاوي حديث الثلاث واجب استعماله على كل حال وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر ولا يجب إن كان هو المتقدم فالذي وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما يجب استعماله في حال وتركه في حال فإن قلت في هذا الباب رواية ابن عباس غير مضطربة ورواية غيره ممن ذكرناهم الآن مضطربة فكان الأخذ برواية من روى عنه سالما من الاضطراب أولى من رواية من اضطربت الرواية عنه فحينئذ الأخذ برواية ابن عباس أولى لما ذهب إليه النخعي والشعبي وقد ذكرنا أن مذهب هذين ومذهب طاووس واالظاهرية عدم جواز سفر المرأة مطلقا سواء كان السفر قريبا أو بعيدا إلا ومعها ذو محرم لها قلت رواية غير ابن عباس زادت على رواية ابن عباس فالأخذ بالزائد أولى ولكن الزائد في نفسه مختلف فرجح خبر الثلاث لما ذكره الطحاوي الذي مضى الآن
72 -
( باب من نذر المشي إلى الكعبة )
أي هذا باب في بيان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة هل يجب عليه الوفاء بذلك أو لا وإذا وجب وترك ما نذره قادرا على الوفاء أو عاجزا عن ذلك فماذا يلزمه وكذلك إذا نذر بذلك إلى كل مكان معظم وإنما أطلق ولم يبين الجواب لأن في كل حكم من ذلك خلافا وتفصيلا ولنذكر بعض شيء في هذا الباب وسيجيء بيانه مفصلا في كتاب النذر إن شاء الله تعالى
5681 - حدثنا ( ابن سلام ) قال أخبرنا ( الفزاري ) عن ( حميد الطويل ) قال حدثني ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال ما بال هذا قالوا نذر أن يمشي قال إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنى أمره أن يركب
( الحديث 5681 - طرفه في 1076 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه جواب لها وبيان لإبهامها
ورجاله قد ذكروا غير مرة والفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء هو مروان بن معاوية وقد مر في فضل صلاة العصر وقال ابن حزم الفزاري هذا هو أبو إسحاق الفزاري أو مروان كلاهما ثقة إمام وأما خلف وأبو نعيم والطرقي وغيرهم من أصحاب ( الأطراف ) و ( المستخرجات ) فذكروا أنه مروان ورواه مسلم

(10/224)


في النذور عن ابن أبي عمر حدثنا مروان حدثنا حميد فذكره
وأخرجه مسلم أيضا عن يحيى بن يحيى عن يزيد بن زريع وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن مسدد عن يحيى وأخرجه الترمذي فيه عن ابن المثنى عن خالد بن الحارث قال حميد عن ثابت عن أنس قال مر رسول الله بشيخ كبير يهادى بين إبنيه فقال ما بال هذا قالوا نذر يا رسول الله أن يمشي قال إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه فأمره أن يركب وقال حدثنا عبد القدوس بن محمد العطار البصري قال حدثنا عمرو بن عاصم عن عمران القطان عن حميد عن أنس قال نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله تعالى فسئل نبي الله عن ذلك فقال إن الله لغني عن مشيها مروها فلتركب وقال حديث حسن وأخرجه النسائي في الأيمان والنذور عن ابن المثنى عن خالد وعن إسحاق بن إبراهيم عن حماد بن مسعدة عن حميد به
قوله حدثني ثابت هكذا قال أكثر الرواة عن حميد وهذا الحديث مما صرح به حميد فيه بالواسطة بينه وبين أنس وقد حدثه في وقت أخر فأخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري والترمذي من طريق ابن أبي عدي كلاهما جميعا عن حميد بلا واسطة ويقال إن غالب رواية حميد عن أنس بواسطة لكن قد أخرج البخاري من حديث حميد عن أنس أشياء كثيرة بغير واسطة مع الاعتناء ببيان سماعه لها عن أنس وقد وافق عمران القطان عن حميد الجماعة على إدخال ثابت بينه وبين أنس لكن خالفهم في المتن أخرجه الترمذي من طريقه بلفظ نذرت امرأة وقد ذكرناه الآن قوله يهادى بضم الياء آخر الحروف على صيغة المجهول من المهاداة وهي أن يمشي بين اثنين معتمدا عليهما وفي رواية الترمذي من طريق خالد بن الحارث عن حميد يتهادى بفتح الياء ثم بالتاء المثناة من فوق من باب التفاعل والأول من باب المفاعلة وفي ( التلويح ) الرجل الذي يهادي قال الخطيب هو أبو إسرائيل وقال النووي اسمه قيس وقيل قيصر انتهى قال ولم أر مسمى به في الصحابة قوله ما بال هذا أي ما شأنه وكذا وقع في رواية مسلم قوله قالوا نذر وفي رواية مسلم قال إبناه يا رسول الله كان عليه نذر قوله أن يمشي كلمة أن مصدرية أي نذر المشي قوله أمره أن يركب ويروى وأمره أن يركب أي بالركوب لأن أن مصدرية
واحتج أهل الظاهر بهذا الحديث وبحديث عقبة الآتي فيه فقالوا من عجز عن المشي فلا هدي عليه ولا يثبت في ذمته إلا بيقين وليس المشي مما يوجب نذرا ولأن فيه تعب الأبدان وليس الماشي في حال مشيه في حرمة إحرامه فلم يجب عليه المشي ولا بدل منه
وسائر الفقهاء لهم في هذه المسألة أقوال غير هذا القول الأول روي عن علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم من نذر المشي إلى بيت الله تعالى فعجز عنه أنه يمشي ما استطاع فإذا عجز ركب وأهدى شاة وهو قول عطاء والحسن وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو حنيفة وكذا إن ركب وهو غير عاجز ويكفر عن يمينه لحنثه حكاه الطحاوي وقال الشافعي الهدي في هذه احتياط من قبل أنه من لم يطق شيئا سقط عنه وحجتهم قوله فلتركب ولتهد والقول الثاني يعود ثم يحج مرة أخرى ثم يمشي ما ركب ولا هدي عليه وهو قول ابن عمر ذكره مالك في ( الموطأ ) وروي عن ابن عباس وابن الزبير والنخعي وابن جبير والقول الثالث يعود فيمشي ما ركب وعليه الهدي وهو مروي عن ابن عباس أيضا وروي عن النخعي وابن المسيب وهو قول مالك جمع عليه الأمرين المشي والهدي احتياطا
6681 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام بن يوسف ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( سعيد بن أبي أيوب ) أن ( يزيد بن أبي حبيب ) أخبره أن ( أبا الخير ) حدثه عن ( عقبة بن عامر ) قال نذرت أختي أن نمشي إلى بيت الله وأمرتني أن أستفتي لها النبي فاستفتيته فقال عليه السلام لتمش ولتركب
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إبراهيم بن موسى ابن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الثاني هشام بن يوسف بن عبد الرحمن من الأبناء الثالث عبد الملك بن جريج

(10/225)


الرابع سعيد بن أبي أيوب الخزاعي واسم أبي أيوب مقلاص الخامس يزيد من الزيادة ابن أبي حبيب أبو رجاء واسم أبي حبيب سويد السادس أبو الخير واسمه مرثد بن عبد الله السابع عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في موضعين وفيه عن عقبة بن عامر ووقع عند مسلم وأحمد وغيرهما عن عقبة بن عامر هو الجهني وفيه أن شيخه رازي وأن هشاما يماني قاضي اليمن وأن ابن جريج مكي وأن سعيد بن أبي أيوب ويزيد بن أبي حبيب وأبا الخير مصريون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النذور عن أبي عاصم عن ابن جريج وأخرجه مسلم فيه عن زكريا بن يحيى المصري وعن محمد بن رافع وعن محمد بن حاتم وعن محمد بن أحمد وأخرجه أبو داود فيه عن مخلد بن خالد السعيدي عن عبد الرزاق
ذكر معناه قوله نذرت أختي قال المنذري وابن القسطلاني والشيخ قطب الدين الحلبي وآخرون هي أم حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة بنت عامر الأنصارية قال بعضهم نسبوا ذلك لابن ماكولا فوهموا وقال وقد كنت تبعت من ذكرت يعني هؤلاء الذين ذكرناهم ثم رجعت قلت ليس ذاك بوهم فإن الذهبي قال في ( تجريد الصحابة ) أم حبان بنت عامر الأنصارية أخت عقبة حديثها في النذر وقوله حديثها في النذر يدل على أنها أخت عقبة بن عامر الجهني وأما قوله الأنصارية وهي ليست بأنصارية في زعم هذا القائل فيحتمل أن تكون هي من جهة الأم الأنصارية ومن جهة الأب جهنية وإطلاق نسبتها إلى الأنصار يكون من هذه الجهة ولا مانع من ذلك قوله أن تمشي إلى بيت الله وفي رواية مسلم أن تمشي إلى بيت الله حافية وفي رواية أحمد وأصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة ابن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي حافسة غير مختمرة وفي رواية الطحاوي نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة وفي رواية الطبراني حافية متحسرة وفي رواية الطبري من طريق إسحاق بن سالم عن عقبة بن عامر وهي امرأة ثقيلة والمشي يشق عليها وفي رواية أبي داود من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن عقبة بن عامر سأل النبي فقال إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت وشكا إليه ضعفها قوله لتمش ولتركب وفي رواية عبد الله بن مالك مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام وفي رواية الطبراني مروها فلتختمر ولتركب ولتحج وفي رواية عكرمة عن ابن عباس المذكورة فلتركب ولتهد بدنة
قال وكان أبو الخير لا يفارق عقبة
أي قال يزيد بن أبي حبيب وكان أبو الخير وهو مرثد بن عبد الله وأراد بذلك أن سماع أبي الخير له من عقبة رضي الله تعالى عنه
حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن يحيء بن أيوب عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة فذكر الحديث
أبو عبد الله هو البخاري وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد وابن جريج عبد الملك ويحيى بن أيوب أبو العباس الغافقي المصري مر في آخر الوضوء ويزيد هو ابن حبيب المذكور في الحديث السابق كذا رواه أبو عاصم عن ابن جريج عن يحيى ابن أيوب ووافقه روح بن عبادة في رواية مسلم قال وحدثنيه محمد بن حاتم وابن أبي خلف قالا حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرنا يحيى بن أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره بهذا الإسناد وكذلك في رواية الإسماعيلي وكلاهما جعلا شيخ ابن جريج في هذا الحديث يحيى بن أيوب وخالفهما هشام بن يوسف حيث جعل شيخ ابن جريج فيه سعيد بن أبي أيوب

(10/226)


والإسماعيلي رجح الأول لاتفاق أبي عاصم وروح على خلاف ما قال هشام قيل يعكر عليه أن عبد الرزاق وافق هشاما وهو عند مسلم قال حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا سعيد بن أبي أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير حدثه الحديث وكذلك أخرجه أحمد ووافقهما محمد بن بكر عن ابن جريج وحجاج بن محمد عند النسائي فهؤلاء أربعة حفاظ رووه عن ابن جريج عن سعيد بن أبي أيوب فإن كان الترجيح بالأكثرية فروايتهم أولى وقد عرفت بذلك أن البخاري أشار إلى أن لابن جريج فيه شيخين وهما يحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب
بسم الله الرحمان الرحيم
92 -
( كتاب فضائل المدينة )
أي هذا باب في بيان فضائل مدينة النبي لأن المدينة إذا أطلقت يتبادر إلى الفهم أنها المدينة التي هاجر إليها النبي ودفن بها وإذا أريد غيرها فلا بد من قيد للتمييز وذلك كالبيت إذا أطلق يراد به الكعبة والنجم إذا أطلق يراد به الثريا واشتقاقها من مدن بالمكان إذا أقام به وهي في مستو من الأرض لها نخيل كثير والغالب على أرضها السباخ وعليها سور من لبن وكان اسمها قبل ذلك يثرب قال الله تعالى وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ( الأحزاب 31 ) ويثرب اسم لموضع منها سميت كلها به وقيل سميت بيثرب بن قانية من ولد إرم بن سام بن نوح لأنه أول من نزلها حكاه أبو عبيد البكري وقال هشام بن الكلبي لما أهلك الله قوم عاد تفرقت القبائل فنزل قوم بمكة وقوم بالطائف وسار يثرب بن هذيل بن إرم وقومه فنزلوا موضع المدينة فاستخرجوا العيون وغرسوا النخيل وأقاموا زمانا فأفسدوا فأهلكهم الله تعالى ويبست النخيل وغارت العيون حتى مر بها تبع فبناها واختلفوا فيها فمنهم من يقول إنها من بلاد اليمن ومنهم من يقول إنها من بلاد الشام وقيل إنها عراقية وبينها وبين العراق أربعون يوما والأصح أنها من بلاد اليمن وذلك لأنها بناها تبع الأكبر حين بشر بمبعث النبي وأخبر أنه إنما يكون في مدينة يثرب وكانت يثرب يومئذ صحراء فبناها لأجل النبي وكتب بذلك عهدا وقال ابن إسحاق لما نزل تبع المدينة نزل بوادي قناة وحفر فيه بئرا فهي إلى اليوم تدعى ببئر الملك وذكر أيضا أن الدار التي نزلها رسول الله هي الدار التي بناها تبع لرسول الله وقال ومن يوم مات تبع إلى مولد نبينا ألف سنة وقال الثعلبي بإسناده إلى سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم ويقال كان سكان المدينة العماليق ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل قيل أرسلهم موسى عليه السلام كما ذكره الزبير بن بكار ثم نزلها الأوس والخزرج لما تفرق أهل سبأ بسبب سيل العرم والأوس والخزرج أخوان وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وهما الأنصار منهم الأوسيون ومنهم الخزرجيون وقد ذكرنا أن اسم المدينة كان يثرب فسماها النبي طيبة وطابة ومن أسمائها العذراء وجابرة ومجبورة والمحبة والمحبوبة والقاصمة قصمت الجبابرة ولم تزل عزيزة في الجاهلية وأعمها الله بمهاجرة رسول الله فمنعت على الملوك من التبابعة وغيرهم
1 -
( باب حرم المدينة )
أي هذا باب في بيان فضل حرم المدينة وفي بعض النسخ باب ما جاء في حرم المدينة وهو رواية أبي علي الشبوي ولم يذكر في رواية الأكثرين إلا باب حرم المدينة ليس إلا ووقع في رواية أبي ذر باب فضائل المدينة ثم باب حرم المدينة والحرم والحرام واحد كزمن وزمان والحرام الممنوع منه إما بتسخير إلاهي إو بمنع شرعي أو بمنع من جهة العقل أو من جهة من يرتسم أمره وسمي الحرم حرما لتحريم كثير فيه مما ليس بمحرم في غيره من المواضع ومنه الشهر الحرام وهو مأخوذ من الحرمة وهو ما لا يحل انتهاكه
7681 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( ثابت بن يزيد ) قال حدثنا ( عاصم أبو عبد الرحمان الأحول )

(10/227)


عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
مطابقته للترجمة في قوله المدينة حرم من كذا إلى كذا
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الثاني ثابت بالثاء المثلثة في أوله ابن يزيد من الزيادة مر في باب ميمنة المسجد الثالث عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن وقد مر في باب الأذان الرابع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه أن ثابتا يقال له الأحول وكذلك عاصم بن سليمان الأحول وفيه عن أنس وفي رواية عبد الواحد عن عاصم قلت لأنس وفي الاعتصام سألت أنسا وكذلك في رواية مسلم وفيه أنه من الرباعيات
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد وأخرجه مسلم في المناسك عن عامر بن عمر وعن زهير بن حرب
ذكر معناه قوله المدينة حرم أي محرمة لا تنتهك حرمتها قوله من كذا إلى كذا هكذا جاء من غير بيان وسيأتي في هذا الباب عن علي ما بين عائر إلى كذا وذكره في الجزية وغيرها بلفظ عير وهو جبل بالمدينة وقال ابن المنير قوله من غير إلى كذا سكت عن النهاية وقد جاء في طريق آخر ما بين عير إلى ثور وقال والظاهر أن البخاري أسقطها عمدا لأن أهل المدينة ينكرون أن يكون بها جبل يسمى ثورا وإنما ثور بمكة فلما تحقق عند البخاري أنه وهم أسقطه وذكر بقية الحديث وهو مقيد يعني بقوله من عير إلى كذا إذ البداءة يتعلق بها حكم فلا يترك لإشكال سنح في حكم النهاية انتهى وقد أنكر مصعب الزهري وغيره هاتين الكلمتين أعني عيرا وثورا وقالوا ليس بالمدينة عير ولا ثور وقال مصعب عير بمكة ومنهم من ترك مكانه بياضا إذا اعتقدوا الخطأ في ذكره وقال أبو عبيد كان الحديث من غير إلى أحد قلت اتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثاني ووقع عند مسلم إلى ثور وقال أبو عبيد قوله ما بين عير إلى ثور هذه رواية أهل العراق وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة ونرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد وقد وقع ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني وقال عياض لا معنى لإنكار عير بالمدينة فإنه معروف وفي ( المحكم ) و ( المثلث ) عير إسم جبل بقرب المدينة معروف وقال المحب الطبري في ( الأحكام ) بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وذكر الشيخ قطب الدين الحلبي رحمه الله في ( شرحه ) حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولا إلى العراق فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل فكان يذكر له الأماكن والجبال قال فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبيل صغير فسألته عنه فقال هذا يسمى ثورا قال فعلمت صحة الرواية وقال ابن قدامة يحتمل أن يكون مراد النبي مقدار ما بين عير وثور لا أنهما بعينهما في المدينة أو سمى النبي الجبلين اللذين نظر في المدينة عيرا وثورا تحوزا وارتجالا قلت العير بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وثور بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو ويروى ما بين عائر إلى كذا بألف بعد العين قوله لا يقطع شجرها وفي رواية يزيد بن هارون لا يختلى خلاها وفي حديث جابر عند مسلم لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها قوله ولا يحدث بلفظ المعلوم والمجهول أي لا يعمل فيها عمل مخالف للكتاب والسنة وزاد شعبة فيه عن عاصم عند أبي عوانة أو آوى محدثا وهذه الزيادة صحيحة إلا أن عاصما لم يسمعها من أنس قوله حدثا هو الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول فمعنى الكسر من

(10/228)


نصر جانيا وآوه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه والفتح هو الأمر المبتدع نفسه قوله فعليه لعنة الله إلى آخره هذا وعيد شديد لمن ارتكب هذا قالوا المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة لأن اللعن في اللغة هو الطرق والإبعاد وليس هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد
ذكر ما يستفاد منه احتج بهذا الحديث محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وقالوا المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم خلافا لابن أبي ذئب فإنه قال يجب الجزاء وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا الشافعي وقال في القديم من اصطاد في المدينة صيدا أخذ سلب ويروي فيه أثرا عن سعيد وقال في الجديد بخلافه وقال ابن نافع سئل مالك عن قطع سدر المدينة وما جاء فيه من النهي فقال إنما نهى عن قطع سدر المدينة لئلا توحش وليبقى فيها شجرها ويستأنس بذلك ويستظل به من هاجر إليها وقال ابن حزم من احتطب في حرم المدينة فحلال سلبه كل ما معه في حاله تلك وتجريده إلا ما يستر عورته فقط لما روى مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعا عن العقدي قال عبد أخبرنا عبد الملك بن عمر وقال حدثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا ويخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله وأبى أن يرده عليهم وقال الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ليس للمدينة حرم كما كان لمكة فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها وأجابوا عن الحديث المذكور بأنه إنما قال ذلك لا لأنه لما ذكروه من تحريم صيد المدينة وشجرها بل إنما أراد بذلك بقاء زينة المدينة ليستطيبوها ويألفوها كما ذكرنا عن قريب عن ابن نافع سئل مالك عن قطع سدر المدينة إلى آخره وذلك كمنعه من هدم آطام المدينة وقال إنها زينة المدينة على ما رواه الطحاوي عن علي بن عبد الرحمن قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله عن آطام المدينة أن تهدم وفي رواية لا تهدموا الآطام فإنها زينة المدينة وهذا إسناد صحيح ورواه البزار في ( مسنده ) والآطام جمع أطم بضم الهمزة والطاء وهو بناء مرتفع وأراد بآطام المدينة أبنيتها المرتفعة كالحصون ثم ذكر الطحاوي دليلا على ذلك من حديث حميد الطويل عن أنس قال كان لآل أبي طلحة ابن من أم سليم يقال له أبو عمير وكان رسول الله يضاحكه إذا دخل وكان له نغير فدخل رسول الله فرأى أبا عمير حزينا فقال ما شأن أبي عمير فقيل يا رسول الله مات نغيره فقال رسول الله يا أبا عمير ما فعل النغير وأخرجه من أربع طرق وأخرجه مسلم أيضا حدثنا شيبان بن فروخ قال حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال كان رسول الله أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال وأحسبه قال فطيما قال فكان إذا جاء رسول الله فرآه قال أبا عمير ما فعل النغير قال فكان يلعب به وأخرجه النسائي أيضا في اليوم والليلة والبزار في ( مسنده ) واسم أبي طلحة زيد بن أبي سهل الأنصاري وأم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك واسمها سهلة أو رميلة أو مليكة ونغير بضم النون وفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مصغر نغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار ويجمع على نغران قال الطحاوي فهذا قد كان بالمدينة ولو كان حكم صيدها كحكم صيد مكة إذا لما أطلق له رسول الله حبس النغير ولا اللعب به كما لا يطلق ذلك بمكة وقال بعضهم احتج الطحاوي بحديث أنس في قصة أبي عمير ونقل عنه ما ذكرناه ثم قال وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل انتهى
قلت لا تقوم الحجة بالاحتمال الذي لا ينشأ عن دليل واعترضوا أيضا بأنه يجوز أن يكون من صيد الحل ثم أدخله المدينة ورد بأن صيد الحل إذا أدخل الحرم يجب عليه إرساله فلا يرد علينا ثم قال الطحاوي فقال قائل فقد يجوز أن يكون هذا الحديث بقناة وذلك الموضع غير موضع الحرم فلا حجة لكم في هذا الحديث فنظرنا هل نجد مما سوى هذا الحديث ما يدل على شيء من حكم صيد المدينة فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي وفهد قد حدثانا قالا حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد قال قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كان لآل رسول الله وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس

(10/229)


برسول الله قد دخل ربض فلم يترمرم كراهة أن يؤذيه فهذا بالمدينة في موضع قد دخل فيما حرم منها وقد كانوا يؤوون فيه الوحوش ويتخذونها ويغلقون دونها الأبواب وقد دل هذا أيضا على أن حكم المدينة في ذلك بخلاف حكم صلة قلت وإسناده صحيح وأخرجه أحمد أيضا في مسند والوحش أحد الوحوش وهي حيوان البر قوله ربض من الربوض وربوض الغنم والبقر والفرس والكلب كبروك الجمل وحشوم الطير قوله لم يترمرم من ترمرم إذا حرك فاه للكلام وهي بالراءين المهملتين
وروى الطحاوي أيضا من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن الأكوع أنه كان يصيد ويأتي النبي من صيده فأبطأ عليه ثم جاء فقال رسول الله ما الذي حبسك فقال يا رسول الله انتفى عنا الصيد فصرنا نصيد ما بين تيت إلى قناة فقال رسول الله أما أنك لو كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت فإني أحب العقيق وأخرجه من ثلاث طرق وأخرجه من ثلاث طرق وأخرجه الطبراني أيضا ثم قال الطحاوي ففي هذا الحديث ما يدل على إباحة صيد المدينة ألا ترى أن رسول الله قد دل سلمة وهوبها على موضع الصيد وذلك لا يحل بمكة فثبت أن حكم صيد المدينة خلاف حكم صيد مكة قوله تيت بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة أخرى ويقال تيت على وزن سيد وقال الصاغاني هو جبل قرب المدينة على بريد منها
وأما الجواب عن حديث سعد بن أبي وقاص في أمر السلب فهو أنه كان في وقت ما كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال فمن ذلك ما روي عن النبي في الزكاة أنه قال من أداها طائعا له أجرها ومن لا أخذناها منه وشطر ماله ثم نسخ ذلك في وقت نسخ الربا وقال ابن بطال حديث سعد بن أبي وقاص في السلب لم يصح عند مالك ولا رأى العمل عليه بالمدينة
ومن فوائد الحديث ما قاله القاضي عياض فإنهم استدلوا بقوله لعنة الله على أن ذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة وفيه أن المحدث والمروي له في الإثم سواء
8681 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قدم النبي المدينة وأمر ببناء المسجد فقال يا بني النجار ثامنوني فقالوا لا نطلب ثمنه ألا إلى الله فأمر بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد
قيل لا مناسبة في إيراد هذا الحديث في هذا الباب قلت له مناسبة جيدة ومطابقته واضحة بينه وبين الترجمة بيانه أن في الحديث السابق لا يقطع شجرها وفي هذا الحديث وبالنخل فقطع فدل على أن شجر المدينة لم يكن مثل شجر مكة إذ لو كان مثلها لمنع من قطعها فدل على أن المدينة ليس لها حرم كما لمكة فإن قلت شجر المدينة كانت ملكا لأربابها ولهذا طلبها بالشراء بثمنها فلا دلالة فيه على عدم كون الحرم للمدينة قلت يحتمل أن لا يعرف غارسها لقدمها وبنو النجار كانوا قد وضعوا أيديهم عليها لعدم العلم بأربابها فإذا كان كذلك فقطعها يدل على المدعي وهو نفي كون الحرم للمدينة فإن قلت ولئن سلمنا ذلك فنقول إن القطع كان في المدينة للبناء وفيه مصلحة للمسلمين قلت يلزمك أن تقول به في مكة أيضا ولا قائل به وهذا الحديث قد تقدم بأتم منه في كتاب الصلاة في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية وقد مضى الكلام فيه مستوفى
وأبو معمر بفتح الميمين إسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد العنبري البصري وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد الضبعي
قوله ثامنوني أي بايعوني بالثمن قوله بالخرب بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء جمع الخربة وفي بعض الرواية بكسر الخاء وفتح الراء
9681 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( عبيد الله ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال حرم ما بين لابتي المدينة على لساني

(10/230)


قال وأتي النبي بني حارثة فقال أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم ثم التفت فقال بل أنتم فيه
مطابقته للترجمة في قوله حرم بين لابتي المدينة وفيه بيان لإبهام الترجمة
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس الثاني أخوه عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس الثالث سليمان بن بلال أبو أيوب الرابع عبيد الله بن عمر العمري الخامس سعيد بن أبي سعيد المقبري واسم أبي سعيد كيسان السادس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية الراوي عن أخيه وفيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال الإسماعيلي رواه جماعة عن عبيد الله هكذا وقال عبدة بن سليمان عن عبيد الله عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وزاد فيه عن أبيه
ذكر معناه قوله حرم على صيغة المجهول من التحريم وهو رواية الأكثرين وفي رواية المستملي حرم بفتحتين فارتفاعه على أنه خبر عن مبتدأ مؤخر وهو قوله ما بين لابتي المدينة وفي رواية أحمد من حديث ابن عمر إن الله تعالى حرم على لساني ما بين لابتي المدينة وللبخاري عن أبي هريرة ما بين لابتيها حرام وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي الباب عن جماعة عن الصحابة فعن جابر رواه مسلم قال قال رسول الله إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها وعنرافع بن خديج أخرجه مسلم قال قال رسول الله إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها يريد المدينة وعن سعد بن أبي وقاص أخرجه مسلم أيضا قال قال رسول الله إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها ويقتل صيدها الحديث وعن أنس بن مالك أخرجه مسلم أيضا في حديث طويل وفيه أني أحوم مائتين لا بيتها وعن أبي سعيد الخدري أخرجه الطحاوي قال إن رسول الله حرم ما بين لابتي المدينة وأخرجه أحمد في مسنده عن كعب بن مالك أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) عن خارجة بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن جده أن رسول الله حرم ما بين لابتي المدينة أن يصاد وحشها وعن عبادة أخرجه البيهقي عنه قال إن رسول الله حرم ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم عليه الصلاة و السلام وعن عبد الرحمن بن عوف أخرجه الطحاوي عن صالح بن إبراهيم عن أبيه وفيه قال يعني عبد الرحمن بن عوف حرم رسول الله صيد ما بين لابتيها وأخرجه البيهقي أيضا وعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أخرجه الطحاوي من حديث شرحبيل بن سعد قال أتانا زيد بن ثابت ونحن ننصب فخا خالنا بالمدينة فرمى بها وقال ألم تعلموا أن رسول الله حرم صيدها وأخرجه الطبراني أيضا في ( الكبير ) وعن سهل بن حنيف أخرجه الطحاوي عنه قال سمعت رسول الله وأهوى بيده إلى المدينة يقول إنه حرام آمن وأخرجه مسلم أيضا وعن أبي أيوب الأنصاري أخرجه الطحاوي من حديث مالك عنه أنه وجد غلمانا ألجأوا ثعلبا إلى زاوية فطردهم قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله يصنع هذا وأخرجه مالك رحمه الله في ( موطئه ) وعن علي بن أبي طالب وسيجيء عن قريب وعن عدي بن زيد أخرجه أبو داود عنه قال حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريدا بريدا لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الحمل وفي حديث أبي هريرة أخرجه مسلم وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى وعن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري أخرجه البخاري ومسلم أن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وإني حرمت المدينة وسيجيء في البيوع إن شاء الله تعالى
قوله لابتي المدينة اللبتان تثنية لابة واللابة الحرة ذكره الأزهري عن الأصمعي وجمعها لاب ولوب وفي ( الجامع ) اللابة الحرة السوداء والجمع لابات وفي ( المحكم ) اللابة واللوبة الحرة وقال الجوهري اللابة أرض ألبستها حجارة سود والمدينة بين حرتين يكتنفانها إحداهما شرقية والأخرى غربية وقيل المراد به أنه حرم المدينة ولابتيها جميعا قوله وأتى النبي بني حارثة وفي رواية الإسماعيلي

(10/231)


ثم جاء بني حارثة وهم في سند الحرة أي في الجانب المرتفع منها وبنو حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة بطن مشهور من الأوس وهو حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس وكان بنو حارثة في الجاهلية وبنو عبد الأشهل في دار واحدة ثم وقعت بينهم الحرب فانهزمت بنو حارثة إلى خيبر فسكنوها ثم اصطلحوا فرجع بنو حارثة فلم ينزلوا في دار بني عبد الأشهل وسكنوا في دارهم هذه وهي غربية مشهد حمزة رضي الله تعالى عنه وكان ظن أنهم خارجون من الحرم فلما تأمل مواضعهم رآهم داخلين فيه وهذا معنى قوله ثم التفت فقال بل أنتم فيه أي في الحرم وزاد الإسماعيلي بل أنتم فيه أعادها تأكيدا
وفيه من الفائدة جواز الجزم بما يغلب على الظن وإذا تبين أن اليقين على خلافه رجع عنه
0781 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه قال ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل وقال ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل
مطابقته للترجمة في قوله المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا
ذكر رجاله وهم سبعة الأول محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وقد تكرر ذكره الثاني ( عبد الرحمن ) بن مهدي بن حسان العنبري الثالث ( سفيان ) الثوري الرابع سليمان ( الأعمش ) الخامس إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي السادس أبوه يزيد السابع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه بصري ويلقب ببندار وكذلك شيخ شيخه بصري والبقية كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق واحد وهم الأعمش وإبراهيم وأبوه يزيد وهذه رواية أكثر أصحاب الأعمش عنه وخالفهم شعبة فرواه عن الأعمش عن ( إبراهيم التيمي ) عن الحارث بن سويد عن ( علي )
أخرجه النسائي قال أخبرنا بشر بن خالد العسكري قال أخبرنا غندر عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال قيل لعلي رضي الله تعالى عنه إن رسول الله خصكم بشيء دون الناس عامة قال ما خصنا رسول الله بشيء لم يخص الناس ليس شيئا في قراب سيفي هذا فأخذ صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل وفيها أن المدينة حرم ما بين ثور إلى عير فمن أحدث فيها حدثا وأوى محدثا فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل انتهى وقال الدارقطني في ( العلل ) والصواب رواية الثوري ومن تبعه
ذكر معناه قوله ما عندنا شيء أي شيء مكتوب من أحكام الشريعة وإلا فكان عندهم أشياء من السنة سوى الكتاب لأن السنن لم تكن مكتوبة في الكتب في ذلك الوقت ولا مدونة في الدواوين وقال الكرماني فإن قلت تقدم في باب في كتاب العلم أنه كان في الصحيفة العقل وفكاك الأسير وههنا قال المدينة حرم إلى آخره قلت لا منافاة بينهما لجواز كون الكل فيها فإن قلت ما سبب قولعلي رضي الله تعالى عنه هذا قلت يظهر ذلك بما رواه أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أن عليا رضي الله تعالى عنه كان يأمر بالأمر فيقال له قد فعلنا فيقول صدق الله ورسوله فقال له الأشتر هذا الذي تقول شيء عهده إليك رسول الله قال ما عهد إلي شيئا خاصا دون الناس إلا شيئا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب

(10/232)


سيفي فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها فذكر الحديث وزاد فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده وقال فيه إن إبراهيم حرم وإني أحرم ما بين حرتيها وحماها كله لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها ولا تقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره ولا يحمل فيها السلاح لقتال والباقي نحوه وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن قتادة عن أبي حسان عن الأشتر عن علي رضي الله تعالى عنه وفي رواية أحمد وأبي داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي رضي الله تعالى عنه فقلنا هل عهد إليك رسول الله شيئا لم يعهده إلى الناس عامة قال لا إلا ما في كتابي هذا قال وكتاب في قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم فذكر مثل ما تقدم إلى قوله في عهده من أحدث حدثا إلى قوله أجمعين ولم يذكر بقية الحديث وروى مسلم من طريق أبي الطفيل كنت عند علي فأتاه رجل فقال ما كان النبي يسر إليك فغضب ثم قال ما كان يسر إلي شيئا يكتمه عن الناس غير أنه حدثني بكلمات أربع وفي رواية له ما خصنا رسول الله بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا فأخرج صحيفة مكتوب فيها لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق منار الأرض ولعن الله من لعن والده ولعن الله من آوى محدثا وقد تقدم في كتاب العلم من طريق أبي جحيفة قلت لعلي رضي الله تعالى عنه هل عندكم كتاب قال لا إلا كتاب اللهالحديث فإن قلت كيف وجه الجمع بين هذه الأخبار قلت وجه ذلك أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكر فنقل كل من الرواة بعضها وأتمها سياقا طريق أبي حسان كما ترى والله أعلم قوله المدينة حرم بفتحتين أي محرمة لا تنتهك حرمتها قوله ما بين عائر إلى كذا وعائر بالعين المهملة والألف والهمزة والراء وهو جبل بالمدينة ويروى ما بين عير بدون الألف وقال القاضي عياض أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا وأما ثور فمنهم من كنى عنه بلفظ كذا ومنهم من ترك مكانه بياضا وقد مر الكلام فيه مستقصى في أول باب حرم المدينة قوله من أحدث فيها أي في المدينة ورواية قيس بن عباد التي تقدمت تفيد بهذا لأن ذلك مختص بالمدينة لفضلها وشرفها قوله أو آوى بالقصر والمد في الفعل اللازم والمتعدي جميعا لكن القصر في اللازم والمد في المتعدي أشهر قوله محدثا قد ذكرنا أن فيه فتح الدال وكسرها فالمعنى بالفتح أي المحدث في أمر الدين والسنة ومعنى الكسر صاحبه الذي أحدثه أو جاء ببدعة في الدين أو بدل سنة وقال التيمي يعني من ظلم فيها أو أعان ظالما قوله صرف أي فريضة وعدل أي نافلة وقال الحسن الصرف النافلة والعدل الفريضة عكس قول الجمهور وقال الأصمعي الصرف التوبة والعدل الفدية قالوا معناه لا تقبل قبول رضى وإن قبلت قبول جزاء وعن أبي عبيدة الصرف الاكتساب والعدل الحيلة وقيل الصرف الدية والعدل الزيادة عليها وقيل بالعكس وفي ( المحكم ) الصرف الوزن والعدل الكيل وقيل الصرف القيمة والعدل الاستقامة وقيل الصرف الشفاعة والعدل الفدية وبه جزم البيضاوي وقيل القبول بمعنى تكفير الذنب بهما وقال عياض وقد يكون معنى الفدية هنا لأنه لا يجد في القيامة فداء يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عز و جل على من يشاء منهم بأنه يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما ثبت في ( الصحيح ) قوله ذمة المسلمين أي عهدهم وأمانهم صحيح فإذا آمن الكافر واحد من المسلمين حرم على غيره التعرض له ونقض ذمته وللأمان شروط مذكورة في كتب الفقه قوله فمن أخفر مسلما أي نقض عهده يقال خفرت الرجل بغير ألف إذا آمنته وأخفرته إذا نقضت عهده فالهمزة للإزالة وقد علم في علم الصرف أن الهمزة في أفعل تأتي لمعان منها أنها تأتي للسلب يعني لسلب الفاعل من المفعول أصل الفعل نحو أشكيته أي أزالت شكايته والهمزة في أخفر من هذا القبيل قوله ومن تولى قوما أي من اتخذهم أولياء قوله بغير إذن مواليه ليس بشرط لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه وإنما هو إيراد الكلام على ما هو الغالب وقال الخطابي لم يجعل إذن الموالي شرطا في ادعاء نسب أو ولاء ليس هو منه وإليه وإنما ذكر الإذن في هذا تأكيدا للتحريم لأنه إذا استأذنهم في ذلك منعوه وحالوا بينه وبين ما يفعل من ذلك وفي رواية مسلم وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله

(10/233)


الحديث قوله يسعى بها يعني أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع فإذا آمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمته لم يكن لأحد نقضه فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة والله أعلم
ذكر ما يستفاد منه فيه رد على الشيعة فيما يدعونه من أن عليا رضي الله تعالى عنه عنده وصية من سيدنا رسول الله له بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وفيه جواز كتابة العلم وفيه المحدث والمروي له في الإثم سواء وفيه حجة لمن أجاز أمان المرأة والعبد وهو مذهب مالك والشافعي وعند أبي حنيفة لا يجوز إلا إذا أذن المولى لعبده بالقتال وفيه أن نقض العهد حرام وفيه ذم انتماء الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى غير معتقه لما فيه من كفر النعمة وتضييع الحقوق والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق
قال أبو عبد الله عدل فداء
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار بهذا إلى أن تفسير العدل عنده بمعنى الفداء وهذا موافق لتفسير الأصمعي وقد ذكرناه عن قريب وهذا أعني قوله قال عبد الله إلى آخره وقع في رواية المستملي
2 -
( باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس )
أي هذا باب في بيان فضل المدينة وفي بيان أنها تنفي الناس قالوا يعني شرارهم قلت جعلوا لفظ تنفي من النفي فلذلك قدروا هذا التقدير والأحسن عندي أن تكون هذه اللفظة من التنقية بالقاف والمعنى أن المدينة تنقي الناس فتبقي خيارهم وتطرد شرارهم ويناسب هذا المعنى قوله إن المدينة كالكير تنقي خبثها وتنصع طببها وإنما قلنا يناسب هذا المعنى قوله من حيث إن حاصل المعنى يؤول إلى ما ذكرنا وإن كان لفظ الحديث من النفي بالفاء
1781 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) قال سمعت ( أبا الحباب سعيد ابن يسار ) يقول سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تقدموا وأبو الحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ويسار ضد اليمين وقال بعضهم رجال الإسناد كلهم مدنيون قلت ليس كذلك فإن عبد الله بن يوسف تنيسي وأصله من دمشق وقال أبو عمر اتفق الرواة عن مالك على إسناده إلا إسحاق بن عيسى الطباع فقال عن مالك عن يحيى عن سعيد بن المسيب بدل سعيد بن يسار وهو خطأ قلت لم ينفرد الطباع بهذا لأن الدارقطني ذكر في كتاب ( غرائب مالك ) كما رواه الطباع من حديث أحمد بن بكر بن خالد السلمي عن مالك
والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن قتيبة عن مالك وعن عمرو الناقد وابن أبي عمرو عن أبي موسى محمد بن المثنى وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن قتيبة به
ذكر معناه قوله أمرت بقرية أي أمرت بالهجرة إليها والنزول بها فإن كان قال ذلك بمكة فهو بالهجرة إليها وإن كان قاله بالمدينة فبسكناها قوله تأكل القرى أي يغلب أهلها سائر البلاد وهو كناية عن الغلبة لأن الآكل غالب على المأكول وقال النووي معنى الأكل أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر فمنها فتحت البلاد فغنمت أموالها أو أن أكلها يكون من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها ووقع في ( موطأ ابن وهب ) قلت لمالك ما تأكل القرى قال تفتح القرى وقيل يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها فمعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى يكاد تكون عدما وقد سميت مكة أم القرى قيل المذكور للمدينة أبلغ منه انتهى قلت الذي يظهر من كلامه أنه ممن يرجح المدينة

(10/234)


على مكة قوله يقولون يثرب أراد أن بعض المنافقين يقولون للمدينة يثرب يعني يسمونها بهذا الإسم واسمها الذي يليق بها المدينة وقد كره بعضهم من هذا تسمية المدينة يثرب وقالوا ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين وروى أحمد من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه رفعه من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى هي طابة وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب أن رسول الله نهى أن يقال للمدينة يثرب ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة قالوا وسبب هذه الكراهة لأن يثرب من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة أو من الثرب وهو الفساد وكلاهما مستقبح وكان يحب الإسم الحسن ويكره الإسم القبيح قوله تنفي الناس قال أبو عمر أي تنفي شرار الناس ألا يرى أنه مثل ذلك وشبهه بما يصنع الكير في الحديد والكير إنما ينفي ردىء الحديد وخبثه ولا ينفي جيده قال وهذا عندي والله أعلم إنما كان في حياته فحينئذ لم يكن يخرج من المدينة رغبة عن جواره فيها إلا من لا خير فيه وأما بعد وفاته فقد خرج منها الخيار والفضلاء والأبرار وقال عياض وكان هذا يختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه وقال النووي وليس هذا بظاهر لأن عند مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد وهذا والله أعلم زمن الدجال قوله كما ينفي الكير بكسر الكاف وسكون الياء آخر الحروف وفي ( التلويح ) الكير هو دار الحديد والصائغ وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرا كذا قال أهل اللغة ومنه حديث أبي أمامة وأبي ريحانة عن النبي الحمى كير من جهنم وهو نصيب المؤمن من النار وقيل في الكير لغة أخرى كور بضم الكاف والمشهور بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ وقال ابن التين وقيل الكير هو الزق والحانوت هو الكور وفي ( المحكم ) الكير الزق الذي ينفخ فيه الحداد ويؤيد الأول ما رواه عمر بن شبة في ( أخبار المدينة ) بإسناده إلى أبي مردود قال رأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كير حداد في السوق فضربه برجله حتى هدمه وفي ( المحكم ) والجمع أكيار وكيرة وعن ثعلب كيران وليس ذلك بمعروف في كتب اللغة إنما الكيران جمع كور وهو المرجل وفي ( الصحاح ) المنجل وعن أبي عمرو الكير الحداد وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات قوله خبث الحديد بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة وفي آخره ثاء مثلثة وهو وسخ الحديد الذي تخرجه النار وقال الكرماني ويروى بضم الخاء وسكون الباء وفيه نظر والمراد أنها لا ينزل فيها من في قلبه دغل بل يميزه عن القلوب الصادقة ويخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده ونسب التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في إشعال النار التي يقع بها التمييز
ذكر ما يستفاد منه قال المهلب بن أبي صفرة هذا الحديث حجة لمن فضل المدينة على مكة لأنها هي التي أدخلت مكة وسائر القرى في الإسلام فصارت القرى ومكة في صحائف أهل المدينة وإليه ذهب مالك وأهل المدينة وروى عن أحمد خلافا لأبي حنيفة والشافعي وقال ابن حزم روى القطع بتفضيل مكة على المدينة عن سيدنا رسول الله جابر وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وعبيد الله بن عدي منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة قال وهو قول جميع الصحابة وجمهور العلماء واحتج مقلد ومالك بأخبرا ثابتة منها قوله إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه الصلاة و السلام قال ولا حجة لهم فيه إنما فيه أنه حرمها كما حرمها إبراهيم وبقوله أللهم بارك لنا في تمرنا ومدنا وبقوله أللهم إجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة قال ولا حجة لهم فيهما إنما فيهما الدعاء للمدينة وليس من باب الفضل في شيء وبقوله المدينة كالكير ولا حجة لهم لأن هذا إنما هو في وقت دون وقت وفي قوم دون قوم وفي خاص دون عام انتهى واحتج بعضهم على تفضيل المدينة على مكة بقوله كما ينفي الكير خبث الحديد ولا حجة في ذلك لأن هذا في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ( التوبة 101 ) والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت

(10/235)


3 -
( باب المدينة طابة )
أي هذا باب يذكر فيه المدينة طابة أي من أسمائها طابة وليس فيه ما يدل على أنها لا تسمى بغير ذلك وأصل طابة طيبة لأنها من الطيب فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فوزنها فالة لا فاعة
2781 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) قال حدثنا ( سليمان ) قال حدثني ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباس بن سهل بن سعد ) عن ( أبي حميد ) رضي الله تعالى عنه قال أقبلنا مع النبي من تبوك حتى أشرفنا على المدينة فقال هاذه طابة
الترجمة متن الحديث وخالد بن مخلد البجلي الكوفي وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب التيمي القرشي وعمرو بن يحيى بن عمارة الأنصاري المدني وأبو حميد بضم الحاء عبد الرحمن الساعدي وهذا الحديث طرف من حديث طويل وقد مضى في أواخر الزكاة في باب خرص التمر وقد مضى الكلام فيه مستقصى
قوله طابة وفي بعض طرقه طيبة وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا إن الله سمى المدينة طابة وروى أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) عن شعبة عن سماك بلفظ كانوا يسمون المدينة يثرب فسماها النبي طابة ورواه أبو عوانة وسميت طابة لطيبها لساكنها وقيل من طيب العيش بها وقيل من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها قلت وأي طيب يجده المقيم بها أطيب من مشاهدة قبره فهل طيب أطيب من تربته وكيف لا وبين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة فاعتبر بهذا طيب التربة التي ضمت جسده الكريم وللمدينة أسامي كثيرة وقد ذكرنا بعضها عن قريب وروى الزبير في ( أخبار المدينة ) من طريق عبد العزيز الدراوردي قال بلغني أن لها أربعين إسما وروي من طريق أبي سهيل بن مالك عن كعب الأحبار قال نجد في كتاب الله تعالى الذي أنزل على موسى أن الله قال للمدينة يا طيبة يا طابة يا مسكينة لا تقبلي الكنوز أرفع أجاجيرك على القرى
4 -
( باب لابتي المدينة )
أي هذا باب في بيان ذكر لابتي المدينة في الحديث وقد مر تفسير الآية
3781 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما زعرتها قال رسول الله ما بين لابتيها حرام
( انظر الحديث 9681 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الإسناد بعينه قد مر غير مرة والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى ابن يحيى وأخرجه الترمذي في المناقب عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى وأخرجه النسائي في الحج عن قتيبة
قوله الظباء جمع ظبي قوله ترتع أي ترعى وقيل تنبسط قوله ما ذعرتها أي ما أخفتها وما نفرتها وهو بالذال المعجمة والعين المهملة يقال ذعرته أذعره ذعرا أفزعته والاسم الذعر بالضم وقد ذعر فهو مذعور وكني بذلك عن عدم صيدها لأنه ممن يقول بأن للمدينة حرما وممن يروي في ذلك بقوله قال رسول الله ما بين لابتيها أي لابتي المدينة وهي بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضا من الجانبين الآخرين إلا أنهما يرجعان إلى الأوليين لاتصالهما بهما والحاصل أن جميع دورها كلها داخل ذلك وفي رواية لمسلم أللهم إني أحرم ما بين جبليها ووقع عند أحمد ما بين حرتيها وفي رواية ما بين مأزميها وعن هذا قال بعض الحنفية هذا حديث مضطرب والمأزمان تثنية مأزم بهمزة بعد ميم وبكسر الزاي هو الجبل وقيل المضيق بين الجبلين ونحوه والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها

(10/236)


5 -
( باب من رغب عن المدينة )
أي هذا باب في بيان حال من رغب أي أعرض عن المدينة وجواب من محذوف تقديره فهو مذموم ونحوه
4781 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف يريد عوافي السباع والطير وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما
مطابقته للترجمة في قوله تتركون المدينة فإن تركهم رغبة عنها
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن حمزة الحمصي والزهري محمد بن مسلم
والحديث أخرجه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله للمدينة ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعواف يعني السباع والطير ومن رواية عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله يقول تتركون المدينة إلى آخره نحو رواية البخاري غير أنها في روايته ثم يخرج راعيان من مزينة ينعقان بغنمها قوله تتركون بتاء المخاطب في رواية الأكثرين والمراد بذلك غير المخاطبين لكنهم من أهل البلد ومن نسل المخاطبين وقيل نوع المخاطبين من أهل المدينة ويروى يتركون بياء الغيبة ورجحه القرطبي قوله على خير ما كانت أي على أحسن حالة كانت عليه من قبل يعني أعمرها وأكثرها ثمارا قوله لا يغشاها أي لا يقربها ولا يأتيها إلا العواف جمع عافية وهي طلاب الرزق من الدواب والطير وقال ابن سيده العافية والعفاة والعفاء الأضياف وطلاب المعروف وقيل هم الذين يعفونك أي يأتونك يطلبون ما عندك والعافي أيضا الرائد والوارد لأن ذلك كله طلب قوله يريد عوافي الطير والسباع تفسير لقوله العواف وقال ابن الجوزي اجتمع في العوافي شيئان أحدهما أنها طالبة لأقواتها من قولك عفوت فلانا أعفوه فأنا عاف والجمع عفاة أي أتيت أطلب معروفة والثاني من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به فإن الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه وقال عياض وقد وجد ذلك حيث صارت أي المدينة معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم وحملت إليها خيرات الأرض وصارت من أعمر البلاد فلما انتقلت الخلافة منها إلى الشام ثم إلى العراق وتغلبت عليها الأعراب وتعاورتها الفتن وخلت من أهلها فقصدتها عوافي الطير والسباع وذكر الإخباريون أنها خلت من أهلها في بعض الفتن التي جرت بالمدينة وبقيت ثمارها للعوافي كما قال وخلت مدة ثم تراجع الناس إليها وفي حال خلوها عدت الكلاب على سواري المسجد وعن مالك حتى يدخل الكلب أو الذئب فيعوي على بعض سواري المسجد وقال عياض هذا مما جرى في العصر الأول وانقضى وهذا من معجزاته وقال النووي المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ويوضحه قضة الراعبين فقد وقع عند مسلم بلفظ ثم يحشر راعيان وفي البخاري أنهما آخر من يحشر ويؤيد هذا ما رواه أحمد والحاكم وغيرهما من حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال بعثني النبي لحاجة ثم لقيني وأنا خارج من بعض طرق المدينة فأخذ بيدي حتى أتينا أحدا ثم أقبل على المدينة فقال ويل أمها قرية يوم يدعها أهلا كأينع ما يكون قلت يا رسول الله من يأكل ثمرها قال عافية الطير والسباع وروى عمر بن شبة بإسناد صحيح عن عوف بن مالك قال دخل رسول الله المسجد ثم نظر إلينا فقال أما والله لتدعنها مذللة أربعين عاما للعوافي أتدرون ما العوافي الطير والسباع انتهى وهذا لم يقع قطعا قال المهلب في هذا الحديث أن المدينة تسكن إلى يوم القيامة وإن خلت في بعض الأوقات يقصد الراعيان بغنمهما إلى المدينة قوله وآخر من يحشر راعيان أي يساق ويجلى من الوطن قوله من مزينة بضم الميم وفتح الزاي قبيلة من مضر وفي ( التلويح ) فإن قيل فما معنى قوله آخر من يحشر راعيان ولم يذكر حشرهما وإنما قال يخران

(10/237)


على وجوههما أمواتا فالجواب أنه لا يحشر أحد إلا بعد الموت فهما آخر من يموت بالمدينة وآخر من يحشر بعد ذلك في ( أخبار المدينة ) لأبي زيد بن عمر بن شبة عن أبي هريرة قال آخر من يحشر رجلان رجل من مزينة وآخر من جهينة فيقولان أين الناس فيأتيان المدينة فلا يريان إلا الثعالب فينزل إليهما ملكان فيسحبانهما على وجوههما حتى يلحقاهما بالناس قوله ينعقان بغنمهما من النعق وهو دعاء الراعي الشاء قاله الأزهري عن الفراء وغيره يقال أنعق بضأنك أي ادعها وقد نعق الراعي بها نعيقا وفي ( الموعب ) نعيقا ونعاقا إذا صاح بها الراعي زجرا ونعقا ونعقانا وقد نعق ينعق من باب علم يعلم وأغرب الداودي فقال معناه يطلب الكلأ فكأنه فسره بالمقصود من الزجر لأنه يزجرها عن المرعى الوبيل إلى المرعى الوسيم قوله فيجدانها وحوشا أي يجدان أهلها وحوشا جمع وحش أو يجدان المدينة ذات وحوش ويروى وحوشا بفتح الواو أي يجدانها خالية ليس بها أحد وقال الجربي الوحش من الأرض هو الخلاء وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان وقد يعبر بواحد عن جمعه وعن ابن المرابط معناه أن غنمها تصير وحوشا إما أن تنقلب ذاتها فتصير وحوشا وإما أنها تنفر وتتوحش من أصواتهما وأنكر عياض هذا واختار أن يعود الضمير إلى المدينة وفي رواية مسلم فيجدانها وحشا أي خالية ليس بها أحد قوله ثنية الوداع هي عقبة عند حرم المدينة سميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها قوله خرا بتشديد الراء أي سقطا ميتين أو سقطا بمن أسقطهما وهو الملك
5781 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عبد الله بن الزبير ) عن ( سفيان بن أبي زهير ) رضي الله تعالى عنه أنه قال سمعت رسول الله يقول تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح الشأم فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ويفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
مطابقته للترجمة من حيث إن هؤلاء القوم المذكورين تفرقوا في البلاد بعد الفتوحات ورغبوا عن الإقامة في المدينة ولو صبروا على الإقامة فيها لكان خيرا لهم والترجمة فيمن رغب عن المدينة وهؤلاء رغبوا عنها واختاروا غيرها
ذكر رجاله وهم ستة عبد الله بن يوسف التنيسي ومالك بن أنس وهشام بن عروة وأبوه عروة بن الزبير بن العوام وعبد الله بن الزبير أخو عروة بن الزبير وسفيان بن أبي زهير بضم الزاي مصغر الزهر النمري بالنون الأزدي ويلقب بابن أبي القرد بفتح القاف وبعدها دال مهملة قاله الكرماني وقيل القرد هو اسم أبي زهير وقيل اسمه نمير وكان نازلا بالمدينة وهو الشنوئي من أزد شنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة مفتوحة وفي النسب كذلك وقيل بفتح النون بعدها همزة مكسورة بلا واو وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن مالك بن نضر بن الأزد وسمي شنوءة لشنئان كان بينه وبين قومه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه الإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه السماع والقول في موضعين وفيه رواية تابعي عن تابعي لأن هشاما لقي بعض الصحابة وفيه رواية صحابي عن صحابي وفيه في رواية الأكثرين عن سفيان بن أبي زهير ورواه حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه كذلك وقال في آخره قال عروة ثم لقيت سفيان بن أبي زهير عند موته فأخبرني بهذا الحديث وفيه أن رواته مدنيون ما خلا شيخ البخاري والله أعلم

(10/238)


ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن رافع وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم وعن هارون بن عبد الله
ذكر معناه قوله تفتح اليمن قال ابن عبد البر وغيره افتتحت اليمن في أيام النبي وفي أيام أبي بكر رضي الله تعالى عنه وافتتحت الشام بعدها والعراق بعدها انتهى قلت يمن اسم يعرب بن قحطان بن عابر وهو هود فلذلك يقال أرض يمن ذكره في كتاب ( التيجان ) وذكر البكري إنما سمي اليمن يمنا لأنه عن يمين الكعبة كما سمي الشام شاما لأنه عن شمال الكعبة وقيل إنما سمي بذلك قبل أن تعرف الكعبة لأنه عن يمين الشمس وقيل سميت اليمن يمنا بيمن بن قحطان وحكى الهمداني قال لما طغت العرب العاربة أقبلت بنو يقطن بن عابر فتيامنوا فقالت العرب تيامنت بنو يقطن فسموا اليمن وتشأم الآخرون فسموا شاما قوله يبسون بفتح الياء آخر الحروف وضم الباء الموحدة وتشديد السين المهملة من بس يبس بسا والبس سوق الإبل تقول بس يبس عند السوق وإرادة السرعة وقال ابن عبد البر في رواية يحيى بن يحيى يبسون بكسر الباء الموحدة وقيل إن ابن القاسم رواه بضمها قلت حاصله أنه من باب نصر ينصر ومن باب ضرب يضرب وفي ( التلويح ) أشار إلى أنه روي بضم الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة فعلى هذا يكون من الثلاثي المزيد فيه من أبس يبس على وزن أفعل قال الحربي ومعناه يتحملون بأهليهم وقيل معناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب وقال الداودي معناه يزجرون دوابهم فيفتتون ما يطؤنه من الأرض من شدة السير فيصير غبارا من قوله تعالى وبست الجبال بسا ( الواقعة 5 ) أي سالت سيلا وقيل معناه سارت سيرا وقال ابن القاسم البس المبالغة في الفت ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن بسيس وأنكر ذلك النووي وقال إنه ضعيف أو باطل وقال ابن عبد البر وقيل معنى يبسون يسألون عن البلاد وتستقر لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها ويشهد لهذا حديث أبي هريرة عند مسلم يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه إلى المجيء إليها لذلك فيتحمل المدعو بأهله وأتباعه وقال النووي الصواب أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملا بأهله بأسا في سيره مسرعا إلى الرخاء والأمصار المفتتحة ويؤيد هذا ما رواه ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة في هذا الحديث تفتح الشام فيخرج الناس من المدينة يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وروى أحمد في ( مسنده ) من حديث جابر سمع رسول الله يقول ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس فيها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون رخاء ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء والمدينة خير لو كانوا يعلمون وفي إسناده عبد الله بن لهيعة وفيه مقال ولكن أحمد قبله ورضي به ولا بأس به في المتابعات قوله لو كانوا يعلمون أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي وثواب الإقامة فيها لأنها حرم الرسول ومهبط الوحي ومنزل البركات فإن قلت أين جواب لو قلت محذوف دل عليه ما قبله أي لو كانوا من أهل العلم لعرفوا ذلك ولما فارقوا المدينة وإن كانت لو بمعنى ليت فلا جواب لها وعلى التقديرين ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا عظيما وفيه معجزات للنبي لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحملون بأهاليهم ويفارقون المدينة وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب المذكور في الحديث ووجد جميع ذلك قوله ومن أطاعهم أي ويتحملون بمن أطاع أهليهم من الناس قوله والمدينة خير لهم الواو فيه للحال وقال الطيبي نكر قوما لتحقيرهم وتوهين أمرهم ثم وصفهم بقوله يبسون إشعارا بركاكة عقولهم وأنهم ممن ركنوا إلى الحظوظ البهيمية وحطام الدنيا الفانية العاجلة وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول ومهبط الوحي ولذلك كرر قوما ووصفه في كل قرينة بقوله يبسون استحضارا لتلك الهيئة البهيمية وقال الطيبي أيضا الذي يقتضي هذا المقام أن ينزل يعلمون منزلة اللازم لينتفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية ولو ذهب مع ذلك إلى معنى التمني لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا انتهى وقالوا المراد به الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث

(10/239)


6 -
( باب الإيمان يأرز إلى المدينة )
أي هذا باب يذكر فيه الإيمان يأرز إلى المدينة قوله يأرز بالياء آخر الحروف وبالهمزة الساكنة بعد الألف ثم بالراء المكسورة ثم بالزاي أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض فيها وحكى صاحب ( المطالع ) عن أبي الحسن بن السراج ضم الراء وعن القابسي فتح الراء وقال ابن التين الصواب الكسر قلت فعلى ما ذكروا تأتي هذه المادة من ثلاثة أبواب من باب ضرب يضرب ومن باب نصر ينصر ومن باب علم يعلم فافهم
6781 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) قال حدثني ( عبيد الله ) عن ( خبيب بن عبد الرحمان ) عن ( حفص بن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها
الترجمة عين الحديث غير أنه ترك لام التأكيد في الأول
ذكر رجاله وهم ستة الأول إبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الخزامي وهو إبراهيم بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الثاني أنس بن عياض أبو ضمرة الثالث عبيد الله بن عمر العمري الرابع خبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الرحمن خال عبيد الله وقد مر في باب الصلاة بعد الفجر الخامس حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رجاله كلهم مدنيون وفيه رواية الراوي عن خاله وقد روى عبيد الله عن خاله خبيب بهذا الإسناد عدة أحاديث وهذا الإسناد هكذا رواه أصحاب عبيد الله وفي رواية يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رواه ابن حبان والبزار وقال البزار يحيى بن سليم أخطأ فيه
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه وأخرجه ابن ماجه في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة به
قوله إن الإيمان أي أهل الإيمان واللام في ليأرز للتأكيد وقال المهلب فيه إن المدينة لا يأتيها إلا مؤمن وإنما يسوقه إليها إيمانه ومحبته في النبي فكان الإيمان يرجع إليها كما خرج منها أولا ومنها ينتشر كانتشار الحية من جحرها ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها وقال الداودي كان هذا في حياة النبي والقرن الذي كان منهم والذين يلونهم خاصة لأنه كان الأمر مستقيما وقال القرطبي وفيه تنبيه على صحة مذهبهم وسلامتهم من البدع وأن عملهم حجة كما رواه مالك رحمه الله قلت هذا إنما كان في زمن النبي والخلفاء الراشدين إلى انقضاء القرون الثلاثة وهي تسعون سنة وأما بعد ذلك فقد تغيرت الأحوال وكثرت البدع خصوصا في زماننا هذا على ما لا يخفى
7 -
( باب إثم من كاد أهل المدينة )
أي هذا باب في بيان إصم من كاد أهل المدينة أي أراد بهم سوءا وكاد فعل ماض من الكيد وهو المكر تقول كاده يكيده كيدا ومكيدة وكذلك المكايدة
7781 - حدثنا ( حسين بن حريث ) قال أخبرنا ( الفضل ) عن ( جعيد ) عن ( عائشة ) قالت سمعت ( سعدا ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء

(10/240)


مطابقته للترجمة ظاهرة بيانه أن الذي يكيد أهل المدينة يذيبه الله تعالى في النار ذوب الرصاصد ولا يستحق هذا ذاك العذاب إلا عن ارتكابه إثما عظيما وهذا مأخوذ من حديث مسلم من طريق عامر بن سعد عن أبيه في أثناء حديث ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء وحسين بن حريث بن الحسن ابن ثابت بن قطبة أبو عمار المروزي مولى عمران بن الحصين الخزاعي قال السراج مات بقصر اللصوص منصرفه عن الحج سنة أربع وأربعين ومائتين والفضل هو ابن موسى اليناني بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالنونين وقد مر في باب من توضأ من الجنابة وجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغرا ومكبرا ابن عبد الرحمن وقد مر في الوضوء وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص ماتت بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة
وهذا الحديث من أفراد البخاري بهذا الطريق وأخرجه مسلم من طرق منها من حديث أبي عبد الله القراظ أنه قال أشهد على أبي هريرة أنه قال قال أبو القاسم زمن أراد أهل هذه البلدة بسوء يعني المدينة أذابه الله كما يذوب الملح في الماء ومنها من حديث عمرو بن يحيى بن عمارة أنه سمع القراظ وكان من أصحاب أبي هريرة يزعم أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله من أراد أهلها بالسوء يريد المدينة أذابه الله كما يذوب الملح في الماء ومنها من حديث عمر بن نبيه قال أخبرني دينار القراظ قال سمعت سعد بن أبي وقاص يقول قال رسول الله من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء ومنها من حديث عمر بن نبيه الكعبي عن أبي عبد الله القراظ أنه سمع سعد بن مالك يقول قال رسول الله بمثله غير أنه قال بدهم أو بسوء ومنها من حديث أسامة بن زيد عن أبي عبد الله القراظ قال سمعته يقول سمعت أبا هريرة وسعدا يقولان قال رسول الله أللهم بارك لأهل المدينة في مدهم وساق الحديث وفيه من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء وروى النسائي من حديث السائب بن خلان رفعه من أخاف أهل المدينة ظالما لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله الحديث وروى ابن حبان نحوه من حديث جابر رضي الله تعالى عنه
قوله سمعت سعدا يعني أباها سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قوله إلا انماع أي ذاب وعلى وزن انفعل من الميعان يقال ماع الشيء يميع وانماع ينماع إذا ذاب ويجوز بادغام النون في الميم قال الكرماني ذاب وجرى على وجه الأرض مثلا شيئا وقال النووي يعني أراد الله المكر بهم لا يمهله الله ولم يمكن له كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة فإنه هلك في منصرفه عنها ثم هلك مرسله إليها يزيد بن معاوية على إثر ذلك وغيرهما ممن صنع صنيعهما وقيل المراد من كادها اغتيالا وعلى غفلة من أهلها لا يتم له أمر ويحتمل أن يكون المراد من أرادها في حياة النبي بسوء اضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار قوله كما ينماع الملح في الماء وجه هذا التشبيه أنه شبه أهل المدينة مع وفور علمهم وصفاء قرائحهم بالماء وشبه من يريد الكيد بهم بالملح لأن نكاية كيدهم لما كانت راجعة إليه شبهوا بالملح الذي يريد إفساد الماء فيذوب هو بنفسه فإن قلت يلزم على هذا كدورة أهل المدينة بسبب فنائهم قلت المراد مجرد الإفناء ولا يلزم في وجه التشبيه أن يكون شاملا جميع أوصاف المشبه به نحو قولهم النحو في الكلام كالملح للطعام
8 -
( باب آطام المدينة )
أي هذا باب في بيان ما وقع من كلام النبي من جهة إشرافه على أطام المدينة والأطام بالمد جمع أطم بضمتين وهي الحصون التي تبنى بالحجارة وقيل هو كل بيت مربع مسطح والآطام جمع قلة لأنه على وزن أفعال وجمع الكثرة أطوم والواحدة أطمة كأكمة
8781 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حدثناابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) سمعت ( أسامة ) رضي الله تعالى عنه قال أشرف النبي على أطم من آطام المدينة فقال هل ترون ما أرى

(10/241)


إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المظالم عن عبد الله بن محمد وفي علامات النبوة وفي الفتن عن أبي نعيم وفي الفتن عن محمود عن عبد الرزاق وأخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر وعمرو الناقد وإسحاق وابن أبي عمر أربعتهم عن ابن عيينة به وعن محمد بن حميد عن عبد الرزاق به
قوله أشرف أي نظر من مكان مرتفع قوله مواقع الفتن أي مواضع سقوط الفتن بكسر الفاء جمع فتنة قوله خلال بيوتكم أي بينها ونواحيها وهو جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين قوله كمواقع القطر أي المطر شبه سقوط الفتن وكثرتها بالمدينة بسقوط كثرة القطر وعمومه قال المهلب الرؤية هنا العلم وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وهلم جرا ولا سيما يوم الحرة وقال ابن التين يحتمل أنها مثلت له حتى نظر إليها كما مثلت له الجنة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلي
تابعه معمر وسليمان بن كثير عن الزهري
أي تابع سفيان معمر بن راشد وسليمان بن كثير العبدي الواسطي أما متابعة معمر فوصلها البخاري في الفتن عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وأما متابعة سليمان فرواها مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن سليمان عنه
9 -
( باب لا يدخل الدجال المدينة )
أي هذا باب يذكر فيه لا يدخل الدجال المدينة
9781 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن جده عن ( أبي بكرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان
مطابقته من حيث إن رعب الدجال إذا لم يدخل المدينة فعدم دخوله بنفسه بالطريق الأولى
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي الثاني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق القرشي قاضي بغداد الثالث سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو إسحاق الزهري القرشي الرابع جده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو محمد الخامس أبو بكرة واسمه نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحارث بن كلدة الثقفي وقد تقدم في كتاب الإيمان
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه أن شيخه من أفراده وفيه رواية التابعي عن التابعي
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن علي بن عبد الله وهذا الحديث من أفراده
ذكر معناه قوله رعب المسيح الدجال الرعب بالضم الخوف وسمي المسيح مسيحا لأنه يمسح الأرض أو لأنه ممسوح اعين لأنه أعور أو لسياحته وهو فعيل بمعني فاعل ويقال فيه مسيخ بالخاء المعجمة لأنه مشوه مثل الممسوخ ويقال فيه مسيح بكسر الميم وتشديد السين المهملة للفرق بينه وبين المسيح ابن مريم عليهما الصلاة والسلام وأما معنى الدجال فكثير واشتقاقه من الدجل وهو الكذب والخلط وهو كذاب خلاط ويجمع الدجال على دجالين ودجاجلة في التكسير وقيل هو مأخوذ من الدجل وهو طلي البعير بالقطران سمي بذلك لأنه يغطي الحق بسحره وكذبه كما يغطي

(10/242)


الرجل جرب بعيره بالدجالة وهو القطران وقيل سمي به لضربه نواحي الأرض وقطعه لها يقال دجل الرجل إذا فعل ذلك وقيل هو من الدجل بمعنى التغطية وقال ابن دريد كل شيء غطيته فقد دجلته ومنه سميت دجلة لانتشارها على الأرض وتغطيتها ما فاضت عليه وقيل معناه المموه قاله ثعلب وأما معنى المسيح بن مريم فعلى ثلاثة وعشرين وجها ذكرناها في كتابنا قوله على كل باب في رواية الكشميهني لكل باب فإن قلت حديث أنس ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات والرجف رعب فهذا يعارض حديث الباب قلت لا يعارضه لأن الرجفة تكون من أهل المدينة على من فيها من المنافقين والكافرين فيخرجونهم من المدينة بإخافتهم إياهم تغليظا عليهم وعلى الدجال فيخرج المنافقون إلى الدجال فرارا من أهل المدينة
0881 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نعيم بن عبد الله المجمر ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس واسمه عبد الله المدني إبن أخت مالك بن أنس ونعيم بضم النون والمجمر بلفظ الفاعل من الإجمار مر في أول الوضوء
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن القعنبي وفي الطب عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي في الطب عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم وفيه وفي الحج عن قتيبة الكل عن نعيم المجمر به
ذكر معناه قوله على أنقاب المدينة الأنقاب جمع نقب بفتح النون وهو جمع قلة وجمع الكثرة نقاب وقال ابن وهب الأنقاب مداخل المدينة وقيل هي أبوابها وفوهات طرقها التي يدخل إليها منها وقال الداودي هي الطرق التي يسلكها الناس ومنه قوله عز و جل فنقبوا في البلاد ( ق 63 ) وقال أبو المعاني النقب الطريق في الجبل وكذلك النقب والمنقب والمنقبة عن يعقوب وقال ابن سيده النقب والنقب في أي شيء كان نقبه ينقبه نقبا وعن القزاز ويقال أيضا نقب بكسر النون وضبط ابن فارس بالسكون يقتضي أن لا يكون جمعه أنقابا كما رواه أبو هريرة وإنما يجمع على نقاب كما رواه أبو سعيد وفيه برهان عظيم ظهرت صحته ببركة دعائه للمدينة قوله الطاعون الموت من الوباء وقوله لا يدخلها الطاعون ولا الدجال جملة مستأنفة بيان لموجب استقرار الملائكة على الأنقاب
453 - ( حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا الوليد قال حدثنا أبو عمرو قال حدثنا إسحاق قال حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس لها من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق )
مطابقته للترجمة في قوله والمدينة يعني لا يدخلها الدجال والوليد هو مسلم الدمشقي وأبو عمرو هو عبد الرحمن الأوزاعي وإسحق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة والحديث أخرجه مسلم أيضا في الفتن عن علي بن حجر عن الوليد وأخرجه النسائي في الحج عن إسحق بن إبراهيم عن عمر بن عبد الواحد قوله إلا سيطؤه مستثنى من المستثنى وهو قوله ليس من بلد وهو على ظاهره وعمومه عند الجمهور وشذ ابن حزم فقال المراد لا يدخله بعثه وجنوده وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر السنة قاله بعضهم ( قلت ) يحتمل أن يكون إطلاق قدر السنة على بعض أيامه ليس على حقيقته بل لكون الشدة العظيمة الخارجة عن الحد أطلق

(10/243)


عليه كأنه قدر السنة قوله إلا مكة والمدينة يعني لا يطؤهما الدجال وذكر الطبري من حديث عبد الله بن عمرو إلا الكعبة وبيت المقدس وزاد أبو جعفر الطحاوي ومسجد الطور ورواه من حديث جنادة بن أبي أمية عن بعض أصحاب النبي وفي بعض الروايات فلا يبقى له موضع إلا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع قوله من نقابها أي نقاب المدينة والنقاب بكسر النون جمع نقب وهو جمع الكثرة وقد مضى الكلام فيه في الحديث السابق قوله صافين حال من الملائكة وهو جمع صاف من صف قوله يحرسونها من الأحوال المتداخلة قوله ثم ترجف المدينة أي يحصل بها زلزلة بعد أخرى ثم في الرجفة الثالثة يخرج الله منها من ليس مخلصا في إيمانه ويبقى بها المؤمن المخلص فلا يسلط عليه الدجال وفيه أيضا معجزة ظاهرة للنبي حيث أخبر عن أمر سيكون قطعا وفيه بيان فضل المدينة وفضل أهلها المؤمنين الخالصين
2881 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) أن ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال حدثنا رسول الله حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا به أن قال يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة بعض السباخ التي بالمدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله حديثه فيقول الدجال أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر فيقولون لا فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم فيقول الدجال أقتله فلا اسلط عليه
( الحديث 2881 - طرفه في 2371 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على أن الدجال ينزل على سبخة من سباخ المدينة ولا يقدر على الدخول إلى المدينة ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين ابن خالد الأيلي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه مسلم أيضا في الفتن عن عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي عن أبي اليمان به وعن عمرو الناقد وحسن الحلواني وعبد بن حميد ثلاثتهم عن يعقوب بن إبراهيم وأخرجه النسائي في الحج عن أبي داود وسليمان بن سيف عن يعقوب بن إبراهيم به
ذكر معناه قوله حدثنا فعل ومفعول ورسول الله فاعله قوله عن الدجال أي عن حاله وفعله قوله أن قال كلمة أن مصدرية أي قوله يأتي الدجال قوله وهو محرم عليه جملة حالية ومحرم على صيغة المفعول من التحريم قوله أن يدخل كلمة أن مصدرية أي دخوله وهي في محل الرفع لأنه في تقدير الفاعل قوله ينزل جملة مستأنفة كان القائل يقول إذا كان الدخول عليه حراما فكيف يفعل قال ينزل بعض السباخ بكسر السين حمع سبخة وهي الأرض التي تعلوها الملوحة معناه ينزل خارج المدينة على أرض سبخة من سباخ المدينة قوله فيخرج إليه أي إلى الدجال قوله رجل هو خير الناس قال أبو إسحاق السبيعي يقال إن هذا الرجل هو الخضر عليه الصلاة و السلام قال مسلم في صحيحه وكذا قال معمر في جامعة بلغني أن ذلك الرجل هو الخضر عليه الخضر عليه الصلاة و السلام قوله أو من خير الناس شك من الراوي قوله أرأيت أي أخبرني قوله فيقولون القائلون به إما اليهود ومصدقوه من أهل الشقاوة وإما أعم منهم وقالوه خوفا منه لا تصديقا أو قصدوا به عدم الشك في كفره وكونه دجالا قوله أشد بصيرة مني اليوم لأن رسول الله أخبرني بأن علامة الدجال أنه يحيى المقتول فزادت بصيرته بحصول تلك العلامة ويروى أشد مني بصيرة اليوم فالمفضل والمفضل عليه كلاهما هو نفس المتكلم لكنه مفضل باعتبار غيره قوله أقتله فلا أسلط عليه أي أقتله فلا أسلط على قتله وأسلط على صيغة المجهول ولا بد من تقدير الهمزة الإنكارية ويروى بظهور الهمزة لفظاوأما حديث وكأنه ينكر

(10/244)


على إرادته القتل وعدم تسلطه عليه ويروى فلا يسلط عليه أي لا يقدر على قتله بأن يجعل الله بدنه كالنحاس لا يجري عليه السيف أو بأمر آخر نحوه وروى مسلم في ( صحيحه ) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسايح مسايح الدجال فيقولون له أين تعمد فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج قال فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه قال فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله قال فيأمر الدجال به فيشج فيقول خذوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا قال فيقول أو ما تؤمن بي قال فيقول أنت المسيح الكذاب قال فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائما ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة قال ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال حتى يذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا قال فيأخذ يديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين
01 -
( باب المدينة تنفي الخبث )
أي هذا باب يذكر فيه المدينة تنفي الخبث أي تطرده وتخرجه
3881 - حدثنا عمرو بن عباس قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال جاء أعرابي للنبي فبايعه على الإسلام فجاء من الغد محموما فقال أقلني فأبى ثلاث مرار فقال المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها
مطابقته للترجمة في قوله كالكير تنفي خبثها وعمرو بن عباس بالباء الموحدة وقد مر في فضل استقبال القبلة وعبد الرحمن هو ابن المهدي وسفيان هو الثوري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أبي نعيم وأخرجه النسائي في الحج عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن به
قوله عن جابر وقع في الأحكام من وجه آخر عن ابن المنكدر قال سمعت جابرا قوله جاء أعرابي قال الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) إنه قيس بن أبي حازم قيل هو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي قد مات وفي ( الذيل ) لأبي موسى في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري فيحتمل أن يكون هو هذا قوله فبايعه على الإسلام من المبايعة وهي عبارة عن المعاقدة على الإسلام والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده ما صاحبه وأعطاه خلاصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره قوله محموما نصب على الحال من حم الرجل من الحمى وأحمه الله فهو محموم وهو من الشواذ قوله أقلني من الإقالة أي أقلني من المبايعة على الإسلام قوله فأبى أي امتنع والضمير فيه يرجع إلى النبي قوله ثلاث مرار يتعلق بكل واحد من قوله فقال وقوله فأبى وهو من تنازع العاملين فيه قوله فقال المدينة أي فقال النبي إلى آخره قوله ينصع بفتح ياء المضارعة وسكون النون وفتح الصاد المهملة وفي آخره عين مهملة من النصوع وهو الخلوص والناصع الخالص قوله طيبها بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف وهو مرفوع على أنه فاعل لقوله ينصع لأن النصوع لازم وهو رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين ينصع بضم الياء وفتح النون وتشديد الصاد من التنصيع وقوله طيبها بتشديد الياء مفعوله بالنصب هكذا قال الكرماني من التنصيع ولكن الظاهر أنه من الإنصاع من باب الافعال وسواء كان من التنصيع أو الإنصاع فهو متعد فلذلك نصب طيبها فافهم وقال القزاز قوله ينصع لم أجد له في الطيب وجها وإنما الكلام يتضوع طيبها أي يفوح وقال ويروى ينضخ بضاد وخاء معجمتين قال ويروى بحاء مهملة وهو أقل من النضخ يعني بالضاد المعجمة وقال الزمخشري في ( الفائق ) يبضع بضم الياء وسكون الباء الموحدة وكسر الضاد المعجمة من أبضعة بضاعة إذا دفعها إليه معناه أن المدينة تعطي طيبها لمن سكنها ورد عليه الصاغاني بأن

(10/245)


قال وقد خالف الزمخشري بهذا القول جميع الرواة وقال ابن الأثير المشهور بالنون والصاد المهملة فإن قلت لما قال الأعرابي أقلني لم لم يقله قلت لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر إلى النبي أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي على المقام عنده قال عياض ويحتمل أن بيعته كانت بعد الفتح وسقوط الهجرة إليه وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة فلم يقله وقال ابن بطال والدليل على أنه لم يرد الإرتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي على ذلك ولو كان خروجه عن المدينة خروجا عن الإسلام لقتله حين ذاك ولكنه خرج عاصيا ورأى أنه معذور لما نزل به من الحمى ولعله لم يعلم أن الهجرة فرض عليه وكان من الذين قال الله تعالى فيهم وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ( التوبة 79 ) فإن قلت إن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتوا فيها ولم تنفهم قلت كانت المدينة دارهم أصلا ولم يسكنوها بالإسلام ولا حباله وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم ولم يرد بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبا فيه ثم خبث قلبه
456 - ( حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد قال سمعت زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول لما خرج النبي إلى أحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين وقال النبي إنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد )
مطابقته للترجمة في قوله كما تنفي النار خبث الحديد وهو ظاهر ورجاله قد تقدموا وعبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الصحابي وفيه رواية الصحابي عن الصحابي في نسق واحد وكلاهما أنصاريان والحديث أخرجه في المغازي عن أبي الوليد وفي التفسير عن محمد بن بشار وأخرجه في المناسك وقد ذكر المنافقين عن عبد الله بن معاذ عن أبيه وفي ذكر المنافقين عن زهير بن حرب وعن أبي بكر بن نافع عن غندر الكل عن شعبة وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا في التفسير عن محمد بن بشار عن غندر به قوله إلى أحد كانت غزوة أحد يوم السبت في منتصف شوال عام ثلاث من الهجرة وقال البلاذري لتسع خلون منه والأول أشهر وهو قول الزهري وقتادة وموسى بن عقبة قوله رجع ناس من أصحابه أي من أصحاب النبي وقال موسى بن عقبة خرج رسول الله والمسلمون فسلكوا على البدائع وهم ألف رجل والمشركون ثلاثة آلاف فمضى رسول الله حتى نزل بأحد ورجع عنه عبد الله ابن أبي بن سلول في ثلاثمائة فبقي رسول الله في سبعمائة قال البيهقي هذا هو المشهور عند أهل المغازي أنهم بقوا في سبعمائة قال والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل وقال موسى بن عقبة وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وكان معهم مائة فرس وكان لواؤهم مع عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قال ولم يكن مع المسلمين فرس واحد وقال الواقدي وعدة أصحاب رسول الله سبعمائة ذراع ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين فرس لرسول الله وفرس لأبي بردة قوله قالت فرقة نقتلهم أي نقتل الراجعين وقالت فرقة لا نقتلهم فلما اختلفوا أنزل الله تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا وهذه الآية الكريمة في النساء واختلفوا في سبب نزولها فقيل في هؤلاء الذين رجعوا من غزوة أحد بعد أن خرجوا مع رسول الله وقيل في قوم استئذنوا رسول الله في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون وقيل كانوا قوما هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا وقيل هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يسارا وقيل هم قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة

(10/246)


وقال زيد بن أسلم عن ابن سعد بن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله على المنبر في قضية الإفك وهذا غريب قوله فما لكم يعني ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين وما لكم لم تثبتوا القول في كفرهم وقال الزمخشري فئتين نصب على الحال كقولك ما لك قائما قوله والله أركسهم أي ردهم في حكم المشركين كما كانوا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي أوقفهم وأوقعهم في الخطأ وقال قتادة أهلكهم وقال السدي أضلهم قوله بما كسبوا أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل أتريدون أن تهدوا من أضل الله أي من جعله من جملة الضلال وقرىء ركسهم قوله ( فلن تجد له نصيرا ) أي لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه قوله إنها أي أن المدينة تنفي الرجال جمع رجل والألف واللام فيه للعهد عن شرارهم وكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني الدجال بالدال والجيم المشددة قيل هو تصحيف والمقصود من النفي الإظهار والتمييز بقرينة المشبه به وفيه من الفقه أن من عقد على نفسه أو على غيره عهدا لله تعالى فلا ينبغي له حله لأن في حله خروجا عما عقد وفيه أن الارتداد عن الهجرة من أكبر الكبائر ولذلك دعا لهم فقال اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم وفيه جواز ضرب المثل وفيه أن النفي كالقتل -
01 -
( باب المدينة تنفي الخبث )
أي هذا باب يذكر فيه المدينة تنفي الخبث أي تطرده وتخرجه
3881 - حدثنا عمرو بن عباس قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال جاء أعرابي للنبي فبايعه على الإسلام فجاء من الغد محموما فقال أقلني فأبى ثلاث مرار فقال المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها
مطابقته للترجمة في قوله كالكير تنفي خبثها وعمرو بن عباس بالباء الموحدة وقد مر في فضل استقبال القبلة وعبد الرحمن هو ابن المهدي وسفيان هو الثوري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أبي نعيم وأخرجه النسائي في الحج عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن به
قوله عن جابر وقع في الأحكام من وجه آخر عن ابن المنكدر قال سمعت جابرا قوله جاء أعرابي قال الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) إنه قيس بن أبي حازم قيل هو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي قد مات وفي ( الذيل ) لأبي موسى في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري فيحتمل أن يكون هو هذا قوله فبايعه على الإسلام من المبايعة وهي عبارة عن المعاقدة على الإسلام والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده ما صاحبه وأعطاه خلاصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره قوله محموما نصب على الحال من حم الرجل من الحمى وأحمه الله فهو محموم وهو من الشواذ قوله أقلني من الإقالة أي أقلني من المبايعة على الإسلام قوله فأبى أي امتنع والضمير فيه يرجع إلى النبي قوله ثلاث مرار يتعلق بكل واحد من قوله فقال وقوله فأبى وهو من تنازع العاملين فيه قوله فقال المدينة أي فقال النبي إلى آخره قوله ينصع بفتح ياء المضارعة وسكون النون وفتح الصاد المهملة وفي آخره عين مهملة من النصوع وهو الخلوص والناصع الخالص قوله طيبها بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف وهو مرفوع على أنه فاعل لقوله ينصع لأن النصوع لازم وهو رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين ينصع بضم الياء وفتح النون وتشديد الصاد من التنصيع وقوله طيبها بتشديد الياء مفعوله بالنصب هكذا قال الكرماني من التنصيع ولكن الظاهر أنه من الإنصاع من باب الافعال وسواء كان من التنصيع أو الإنصاع فهو متعد فلذلك نصب طيبها فافهم وقال القزاز قوله ينصع لم أجد له في الطيب وجها وإنما الكلام يتضوع طيبها أي يفوح وقال ويروى ينضخ بضاد وخاء معجمتين قال ويروى بحاء مهملة وهو أقل من النضخ يعني بالضاد المعجمة وقال الزمخشري في ( الفائق ) يبضع بضم الياء وسكون الباء الموحدة وكسر الضاد المعجمة من أبضعة بضاعة إذا دفعها إليه معناه أن المدينة تعطي طيبها لمن سكنها ورد عليه الصاغاني بأن قال وقد خالف الزمخشري بهذا القول جميع الرواة وقال ابن الأثير المشهور بالنون والصاد المهملة فإن قلت لما قال الأعرابي أقلني لم لم يقله قلت لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر إلى النبي أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي على المقام عنده قال عياض ويحتمل أن بيعته كانت بعد الفتح وسقوط الهجرة إليه وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة فلم يقله وقال ابن بطال والدليل على أنه لم يرد الإرتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي على ذلك ولو كان خروجه عن المدينة خروجا عن الإسلام لقتله حين ذاك ولكنه خرج عاصيا ورأى أنه معذور لما نزل به من الحمى ولعله لم يعلم أن الهجرة فرض عليه وكان من الذين قال الله تعالى فيهم وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ( التوبة 79 ) فإن قلت إن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتوا فيها ولم تنفهم قلت كانت المدينة دارهم أصلا ولم يسكنوها بالإسلام ولا حباله وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم ولم يرد بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبا فيه ثم خبث قلبه
10 -
( باب )
أي هذا باب قد ذكرنا أن هذا بمعنى فصل وقد ذكرنا أن الكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول وهكذا باب بلا ترجمة في رواية الأكثرين وسقط من رواية أبي ذر فإن قلت إذا ذكر باب هكذا مجردا بمعنى الفصل فينبغي أن يكون للمذكور بعده نوع تعلق بما قبله قلت المذكور فيه حديثان عن أنس رضي الله تعالى عنه فتعلق الحديث الأول من حيث أن الدعاء بتضعيف البركة وتكثيرها يقتضي تقليل ما يضادها فناسب ذلك نفي الخبث وتعلق الحديث الثاني من حيث أن حب الرسول للمدينة يناسب طيب ذاتها وأهلها
5881 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( وهب بن جرير ) قال حدثنا أبي قال سمعت ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة
وجه المطابقة قد ذكرناه الآن وأبو وهب هو جرير بن حازم ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحج عن زهير بن حرب وإبراهيم بن محمد كلاهما عن وهب
قوله ضعفي ما جعلت تثنية ضعف بالكسر قال الجوهري ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه وقال الفقهاء ضعفه مثلاه وضعفاه ثلاثة أمثاله قوله من البركة أي كثرة الخير والمراد بركة الدنيا بدليل قوله في الحديث الآخر أللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا فإن قلت اللفظ أعم من ذلك فيقتضي أن تكون الصلاة بالمدينة ضعفي ثواب الصلاة بمكة قلت ولئن سلمنا عموم اللفظ لكنه مجمل فبينه بقوله أللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا أن المراد البركة الدنيوية وخص الصلاة ونحوها بالدليل الخارجي فإن قلت الاستدلال به على تفضيل المدينة على مكة ظاهر قلت نعم ظاهر من هذه الجهة ولكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية على الإطلاق فإن قلت فعلى هذا يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر أللهم بارك لنا في شامنا وأعادها ثلاثا قلت التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب وقال ابن حزم لا حجة في حديث الباب لهم لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة ورده القاضي عياض بأن البركة أعم من أن تكون في أمر الدين أو الدنيا لأنها بمعنى النماء والزيادة فأما في الأمور الدينية فلما يتعلق بها من حق الله تعالى من الزكوات والكفارات ولا سيما في وقوع

(10/247)


البركة في الصاع والمد وقال النووي الظاهر أن البركة حصلت في نفس الكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وهذا أمر محسوس عند من سكنها وقال القرطبي إذا وجدت البركة فيها في وقت حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص قلت فيه ما فيه وقولنا أفضلية مكة على المدينة وغيرها تثبت بدلائل أخرى خارجية تغني عما ذكروه كله فافهم
تابعه عثمان بن عمر عن يونس
أي تابع جريرا أبا وهب عثمان بن عمر أبو محمد البصري عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ووصل هذه المتابعة الذهلي في جمعه لحديث الزهري ولقد أتى صاحب ( التلويح ) هنا بما لا يغني شيئا
6881 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها من حبها
( انظر الحديث 2081 )
مطابقته للترجمة قد ذكرناها في أول الباب والحديث مضى في باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة وقد استوفينا الكلام فيه والجدرات بضمتين جمع الجدر جمع سلامة وهو جمع الجدار قوله أوضع أي حملها على السير السريع
11 -
( باب كراهية النبي أن تعرى المدينة )
أي هذا باب في بيان كراهية النبي أن تعرى من العراء وهو الخلو يقال تركه عراء أي خاليا والعراء بالمد هو الفضاء الذي لا سترة به ومنه أعريت المكان إذا جعلته خاليا قوله أن تعرى المدينة أي يجعل حواليها خالية
7881 - حدثنا ( ابن سلام ) قال أخبرنا ( الفزاري ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله أن تعرى المدينة وقال يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم فأقاموا
( انظر الحديث 556 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فكره رسول الله أن تعرى المدينة وابن سلام اسمه محمد وقد تكرر ذكره والفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبعدها الراء واسمه مروان بن معاوية وقد مضى الحديث في باب احتساب الآثار في أوائل صلاة الجماعة فإنه أخرجه هناك عن ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس الحديث
قوله بنو سلمة بفتح السين وكسر اللام قوله ألا تحتسبون كلمة ألا للتحضيض ومعنى تحتسبون تعدون الأجر في خطاكم إلى المسجد فإن لكل خطوة أجرا ويروى ألا تحتسبوا بدون نون الجمع وحذفه بدون الناصب والجازم فصيح شائع
21 -
( باب )
أي هذا باب وقد مضى وجه الكلام فيه عن قريب ووقع هذا هكذا في جميع النسخ بلا ترجمة
8881 - حدثنا ( مسدد ) عن ( يحيى ) عن ( عبيد الله بن عمر ) قال حدثني ( خبيب بن عبد الرحمان ) عن ( حفص بن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي

(10/248)


وجه ذكر هذا الحديث هنا من حيث إن لفظ باب هذا مجردا بمعنى فصل وله تعلق بالباب السابق من حيث إن فيه كراهة إعراء المدينة وفي هذا ترغيب في سكناها وهذا تعلق قوي مناسب ويحيى هو ابن سعيد القطان وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى
والحديث مضى في أواخر كتاب الصلاة في باب فضل ما بين القبر والمنبر بهذا الإسناد والمتن عن مسدد عن يحيى إلى آخره
قوله ما بين بيتي ومنبري كذا هو في رواية الأكثرين ووقع في رواية ابن عساكر وحده ما بين قبري ومنبري وقال بعضهم إنه خطأ واحتج على ذلك بأن في ( مسند ) مسدد شيخ البخاري بلفظ بيتي وكذلك بلفظ بيتي في باب فضل ما بين القبر والمنبر قلت نسبة هذا إلى الخطأ خطأ لأنه وقع لفظ قبري ومنبري في حديث ابن عمر أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات وكذا وقع في حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه البزار بسند صحيح على أن المراد بقوله بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي دفن فيه فصار قبره وقد ورد في حديث ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) قوله روضة أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادات وحذف أداة التشبيه للمبالغة وقيل معناه أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا أو المراد أن ذلك الموضع بعينه ينتقل إلى الجنة فعلى ما ذكروا إما تشبيه وإما مجاز وإما حقيقة قوله ومنبري على حوضي أكثر العلماء المراد أن منبره بعينه الذي كان وقيل إن له هناك منبرا على حوضه وقيل معناه أن ملازمة منبره للأعمال الصالحة تورد صاحبها إلى الحوض ويشرب منه الماء وهو الحوض المورود المسمى بالكوثر وقيل إن ذرع ما بين المنبر والبيت الذي فيه القبر الآن ثلاث وخمسون ذراعا وقيل أربع وخمسون وسدس وقيل خمسون إلا ثلي ذراع وهو الآن كذلك فكأنه نقص لما أدخل من الحجرة في الجدار
9881 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لما قدم رسول الله المدينة وعك أبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول
( كل امرىء مصبح في أهله
والموت أدنى من شراك )
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول
( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي إذخر وجليل )
( وهل أردن يوما مياه مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل )
قال اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء ثم قال رسول الله أللهم حبب إلينا كحبنا مكة أو أشد أللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة قالت وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله قالت فكان بطحان يجري نجلا تعني ماء آجنا
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما فهم من الذين قدموا المدينة القلق بسبب نزولهم فيها وهي وبيئة دعا الله تعالى أن يحببهم المدينة كحبهم مكة وأن يبارك في صاعهم وفي مدهم وأن ينقل الحمى منها إلى الجحفة لئلا تعرى المدينة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبيد الله بضم العين ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبيد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي قال البخاري مات في شهر ربيع الأول يوم الجمعة سنة خمسين ومائتين الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عائشة أم المؤمنين

(10/249)


ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأمه وأبو أسامة كوفيان وهشام وأبوه مدنيان وفيه رواية الإبن عن الأب وأخرج الحديث مسلم أيضا في الحج
ذكر معناه قوله لما قدم رسول الله المدينة كان قدومه المدينة يوم الإثنين قريبا من وقت الزوال قال الواقدي رحمه الله تعالى لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول وقال ابن إسحاق لثنتي عشرة ليلة خلت منه وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور من السنة الأولى من التاريخ الإسلامي قوله وعك جواب لما وهو على صيغة المجهول أي أصابه الوعك وهو الحمى وقال ابن سيده رجل وعك ووعك موعوك وهذه الصيغة على توهم فعل كألم والوعك لم يجده الإنسان من شدة التعب وفي ( الجامع ) وعك إذا أخذته الحمى والواعك الشديد من الحمى وقد وعكته الحمى تعكه إذا أدركته وفي ( المجمل ) الوعك الحمى وقيل هو مغث الحمى قوله كل امرىء إلى آخره رجز مسدس قوله مصبح بلفظ المفعول أي يقال له صبحك الله بالخير وأنعم الله تعالى صباحك والموت قد يفجؤه فلا يمسي حيا قوله أدنى أي أقرب من شراك نعله بكسر الشين أحد سيور النعل التي تكون على وجهها قوله إذا أقلع بلفظ المعلوم من الإقلاع عن الأمر وهو الكف عنه ويروى بلفظ المجهول قوله عقيرته بفتح العين المهملة وكسر القاف وهو الصوت إذا غنى به أو بكى ويقال أصله أن رجلا قطعت إحدى رجليه فرفعها وصرخ فقيل لكل رافع صوته قد رفع عقيرته وعن أبي زيد يقال رفع عقيرته إذا قرأ أو غنى ولا يقال في غير ذلك وفي ( التهذيب ) للأزهري أصله أن رجلا أصيب عضو من أعضائه وله إبل اعتاد حداءها فانتشرت عليه إبله فرفع صوته بالأنين لما أصابه من العقر في يده فسمعت له إبله فحسبته يحدو بها فاجتمعت إليه فقيل لكل من رفع صوته رفع عقيرته وفي ( المحكم ) عقيرة الرجل صوته إذا غنى أو قرأ أو بكى قوله ألا ليت شعري إلى آخره من البحر الطويل وأصله فعولن مفاعيلن ثمان مرات وفيه القبض وكلمة ألا هنا للتمني ومعنى ليت شعري ليتني أشعر قوله وحولى الواو فيه للحال قوله إذخر بكسر الهمزة وقد مر تفسيره في باب لا ينفر صيد الحرم وفي غيره قوله وجليل بفتح الجيم وكسر اللام الأولى وهو الثمام وهو نبت ضعيف يحشى به حصاص البيت قوله وهل أردن بالنون الخفيفة وكذلك قوله وهل يبدون قوله مياه مجنة المياه جمع ماء و المجنة بفتح الميم والجيم وتشديد النون ماء عند عكاظ على أميال يسيرة من مكة بناحية مر الظهران وقال الأزرقي هي على بريد من مكة وقال أبو الفتح يحتمل أن تسمى مجنة ببساتين تتصل بها وهي الجنان وأن يكون وزنها فعلة من مجن يمجن سميت بذلك لأن ضربا من المجون كان بها وزعم ابن قرقول أن ميمها تكسر قوله وهل يبدون أي هل يظهرن لي شامة بالشين المعجمة و طفيل بفتح الطاء وكسر الفاء وقال الجوهري هما جبلان وقال غيره طفيل جبل من حدود هرشي مشرف هو وشامة على مجنة وقال الخطابي كنت أحسب أنهما جبلان حتى أنبئت أنهما عينان وذكر ابن الأثير والصاغاني أن شابة بالباء الموحدة بعد الألف وقيل إن هذين البيتين اللذين أنشدهما بلال رضي الله تعالى عنه ليسا له بل هما لبكر بن غالب بن عامر بن الحارث ابن مضاض الجرهمي أنشدهما عندما نفتهم خزاعة من مكة شرفها الله وقيل لغيره قوله كما أخرجونا متعلق بقوله أللهم فقوله أللهم العن معناه أللهم أبعدهم من رحمتك كما أبعدونا من مكة قوله إلى أرض الوباء هو مقصور يهمز ولا يهمز وهو المرض العام قاله بعضهم وقال الجوهري الوباء يمد ويقصر ويقال الوباء الموت الذريع وقال الأطباء هو عفونة الهواء قوله حبب أمر من حبب يحبب وقوله المدينة مفعوله قوله أو أشد أي أو حبا أشد من حبنا لمكة قوله في صاعنا أي في صاع المدينة وهو كيل يسع أربعة أمداد والمد رطل وثلث رطل عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق والأول قول الشافعي والثاني قول أبي حنيفة وقيل إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما وفي رواية إبن إسحاق عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة أللهم بارك لنا في مدينتنا الحديث قوله وصححها أي صحح المدينة من الأمراض وزاد في دعائه بقوله وانقل حماها أي حمى المدينة وكانت وبيئة وخصص بهذا في الدعاء لأن أصحابه حين

(10/250)


قدموا المدينة وعكوا قوله إلى الجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء وهي ميقات أهل مصر والشام والمغرب الآن وذكر ابن الكلبي أن العماليق أخرجوا بني عنبر وهم أخوة عاد من يثرب فنزلوا الجحفة وكان اسمها مهيعة فجاءهم سيل فاجتحفهم فسميت الجحفة ومعنى اجتحفهم سلب أموالهم وأخرب أبنيتهم ولم يبق شيئا وإنما خص الجحفة لأنها كانت يومئذ دار شرك وقال الخطابي وكان أهل الجحفة إذ ذاك يهودا وكان كثيرا ما يدعو على من لم يجبهم إلى دار الإسلام إذا خاف منه معونة أهل الكفر ويسأل الله أن يبتليهم بما يشغلهم عنه وقد دعا على قومه أهل مكة حين يئس منهم فقال أللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ودعا على أهل الجحفة بالحمى ليشغلهم بها فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمى وأنه ليتقي شرب الماء من عينها الذي يقال له عين حم فقل من شرب منه إلا حم ولما دعا عليه الصلاة و السلام بذلك الدعاء لم يبق أحد من أهل الجحفة إلا أخذته الحمى ويحتمل أن يكون هذا هو السر في أن الطاعون لا يدخل المدينة لأن الطاعون وباء وسيدنا رسول الله دعا بنقل الوباء عنها فأجاب الله دعاءه إلى آخر الأبد فإن قلت نهى النبي عن القدوم على الطاعون فكيف قدموا المدينة وهي وبيئة قلت كان ذلك قبل النهي أو أن النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع لا المرض وإن عم قوله قالت يعني عائشة وهو متصل بما قبله في رواية عروة عنها قوله وهي أي المدينة أو بأرض الله وأوبأ بالهمزة في آخره على وزن أفعل التفضيل من الوباء أي أكثر وباء وأشد من غيرها قولهفكان بحان بضم الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة وهو واد في صحراء المدينة قوله قوله يجري نجلا خبر كان تعني ماء آجنا وهو من تفسير الراوي ونجلا بفتح النون وسكون الجيم وحكى ابن التين فيه نجلا بفتح الجيم أيضا وقال ابن فارس النجل بفتحتين سعة العين وقال ابن السكيت النجل النز حين يظهر وينبع عين الماء وقال الحربن نجلا أي واسعا ومنه عين نجلاء أي واسعة وقيل هو الغدير الذي لا يزال فيه الماء وغرض عائشة رضي الله تعالى عنها بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة لأن الماء الذي هذه صفته يحدث عنده المرض قوله تعني ماء آجنا هذا من كلام الراوي أي تعني عائشة من قولها يجري ماء آجنا الآجن بالمد الماء المتغير الطعم واللون يقال فيه أجن وأجن ياجن وياجن أجنا وأجونا فهو آجن بالمد وأجن قال عياض هذا تفسير خطأ ممن فسره فليس المراد هنا الماء المتغير ورد عليه بأنه ليس كما قال فإن عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة ولا شك أن النجل إذا فسر بكون الماء الحاصل من النز فهو بصدد أن يتغير وإذا تغير كان استعماله مما يحدث الوباء في العادة
ذكر ما يستفاد منه فيه فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه بيانه أن الله لما ابتلى نبيه عليه الصلاة و السلام بالهجرة وفراق الوطن ابتلى أصحابه بالأمراض فتكلم كل إنسان بما فيه فأما أبو بكر فتكلم بأن الموت شامل للخلق في الصباح والمساء وأما بلال فتمنى الرجوع إلى وطنه فانظر إلى فضل أبي بكر على غيره وفيه في دعائه بأن يحبب الله لهم المدينة حجة واضحة على من كذب بالقدر لأن الله عز و جل هو المالك للنفوس يحبب إليها ما شاء ويبغض فأجاب الله دعوة نبيه فأحبوا المدينة حبا دام في نفوسهم إلى أن ماتوا عليه وفيه رد على الصوفية إذ قالوا إن الولي لا تتم له الولاية إلا إذا تم له الرضى بجميع ما نزل به ولا يدعو الله في كشف ذلك عنه فإن دعا فليس في الولاية كاملا وفيه حجة على بعض المعتزلة القائلين بأن لا فائدة في الدعاء مع سابق القدر والمذهب أن الدعاء عبادة مستقلة ولا يستجاب منه إلا ما سبق به التقدير وفيه جواز هذا النوع من الغناء وفيه مذاهب فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وعكرمة والشعبي والنخعي وحماد والثوري وجماعة من أهل الكوفة إلى تحريم الغناء وذهب آخرون إلى كراهته نقل ذلك عن ابن عباس ونص عليه الشافعي وجماعة من أصحابه وحكي ذلك عن مالك وأحمد وذهب آخرون إلى إباحته لكن بغير هذه الهيئة التي تعمل الآن فمن الصحابة عمر رضي الله تعالى عنه ذكره أبو عمر في ( التمهيد ) وعثمان ذكره الماوردي وعبد الرحمن بن عوف ذكره ابن أبي شيبة وسعد ابن أبي وقاص وابن عمر ذكرهما ابن قتيبة وأبو مسعود البدري وأسامة بن زيد وبلال وخوات بن جبير ذكرهما البيهقي

(10/251)


وعبد الله بن أرقم ذكره أبو عمر وجعفر بن أبي طالب ذكره السهروردي في ( عوارفه ) والبراء بن مالك ذكره أبو نعيم وابن الزبير ذكره صاحب ( القوت ) وابن جعفر ومعاوية وعمرو بن العاص والنعمان بن بشير وحسان بن ثابت وخارجة بن زيد وعبد الرحمن بن حسان ذكرهم أبو الفرج في ( تاريخه ) وقطبة بن كعب ذكره الهروي ورباح بن المغترف ذكره ابن طاهر ومن التابعين جماعة ذكرهم ابن طاهر
وذهبت طائفة إلى التفرقة بين الغناء الكثير والقليل ونقل ذلك عن الشافعي وذهبت طائفة إلى التفرقة بين الرجال والنساء فحرموه من الأجانب وجوزوه من غيرهم وقال ابن حزم من نوى ترويح بهالقلب ليقوى على الطاعة فهو مطيع ومن نوى به التقوية على المعصية فهو عاص وإن لم ينو شيئا فهو لغو معفو عنه وقال الأستاذ أبو منصور إذا سلم من تضييع فرض ولم يترك حفظ حرمة المشايخ به فهو محمود وربما أجر
وفيه أن الله تعالى أباح للمؤمن أن يسأل ربه صحة جسمه وذهاب الآفات عنه إذا نزلت به كسؤاله إياه في الرزق وليس في دعاء المؤمن ورغبته في ذلك إلى الله لوم ولا قدح في دينه وفيه تمثيل الصالحين والفضلاء بالشعر
0981 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( خالد بن يزيد ) عن ( سعيد بن أبي هلال ) عن ( زيد بن أسلم ) عن أبيه عن ( عمر ) رضي الله تعالى عنه قال اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك وحديث
هذا أثر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذكره هنا لمناسبة بينه وبين الحديث السابق وذلك أنه لما سمع النبي أنه دعا بقوله أللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة سأل الله تعالى أن يجعل موته في المدينة إظهارا لمحبته إياها كمحبته لمكة وإعلاما بصدقه في ذلك بسؤاله الموت فيها وقيل ذكر ابن سعد سبب دعائه بذلك وهو ما أخرجه بإسناد صحيح عن عوف بن مالك أنه رأى رؤيا فيها أن عمر شهيد يستشهد فقال لما قصها عليه أنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو والناس حولي ثم قال بلى وبلى يأتي بها الله إن شاء الله تعالى
ورجال هذا الأثر سبعة كما ترى وخالد بن يزيد من الزيادة تقدم في أول الوضوء وسعيد بن أبي هلال الليثي المدني يكنى أبا العلاء وزيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه العدوي وأبوه أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يكنى أبا خالد وكان من سبي اليمن وقال الواقدي أبو زيد الحبشي البجاوي من بجاوة وكان من سبي عين التمر ابتاعه عمر بن الخطاب بمكة سنة إحدى عشرة لما بعثه أبو بكر الصديق ليقيم للناس الحج مات قبل مروان بن الحكم وهو الذي صلى عليه وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة
قوله شهادة في سبيلك فقبل الله دعاءه ورزق الشهادة وقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ضربه في خاصرته وهو في صلاة الصبح وكان يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة وقيل لثلاث بقين منه سنة ثلاث وعشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة في سن النبي وسن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله واجعل موتي في بلد رسولك ووقع كذا ودفن عند أبي بكر وأبو بكر عند النبي فالثلاثة في بقعة واحدة هي أشرف البقاع
وقال ابن زريع عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن أمه عن حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما قالت سمعت عمر نحوه
وابن زريع هو يزيد بن زريع قوله عن أمه قال الكرماني قال البخاري كذا قال روح عن أمه وغرضه أن المشهور أن زيدا يروي عن أبيه لا عن أمه لكن روح أسند روايته إلى أمه قلت ذكر البخاري هذا لتعليق والتعليق الذي بعده لبيان الاختلاف فيه على زيد بن أسلم فاتفق هشام بن سعد وسعيد بن أبي هلال على أنه عن زيد عن أبيه أسلم عن عمر وقد تابعهما حفص بن ميسرة عن زيد عنه عمر بن شبة وانفرد روح بن القاسم عن زيد بقوله عن أمه وتعليق ابن زريع وصله فقال حدثنا أبو علي الصواف حدثنا إبراهيم بن هاشم حدثنا أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بلفظ

(10/252)


هي النهار إلا أن الشمس لم تطلع رواه النسائي قيل هو مبالغة في تأخير السحور
الوجه الثالث اختلفوا في أي صوم وجب في الإسلام أولا فقيل صوم عاشوراء وقيل ثلاثة أيام من كل شهر لأنه لما قدم المدينة جعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام رواه البيهقي ولما فرض رمضان خير بينه وبين الإطعام ثم نسخ الجميع بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 581 ) ونزلت فريضة رمضان في شعبان من السنة الثانية من الهجرة فصام رسول الله تسع رمضانات وقيل اختلف السلف هل فرض على الناس صيام قبل رمضان أو لا فالجمهور وهو المشهور عند الشافعية أنه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان وفي وجه وهو قول الحنفية أول ما فرض صيام عاشوراء فلما نزل رمضان نسخ والله أعلم
1 -
( باب وجوب صوم رمضان )
أي هذا باب في بيان وجوب صوم شهر رمضان وهكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي باب وجوب صوم رمضان وفضله
وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( البقرة 381 )
هذا أيضا من الترجمة وقول مجرور لأنه عطف على قوله وجوب الصوم وأشار بإيراد هذه الآية الكريمة إلى أمور تتضمن هذه الآية وهي فرضية صوم رمضان بقوله تعالى كتب عليكم الصيام ( البقرة 381 ) وأنه كان فرضا من قبلنا من الأمم وأن الصوم وصلة إلى التقى لأنه من البر الذي يكف الإنسان عن كثير مما تطلع له النفس من المعاصي وفيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان كما ثبت في ( الصحيحين ) يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ثم إنهم تكلموا في هذا التشبيه وهو قوله كما كتب على الذين من قبلكم ( البقرة 381 ) فقيل إنه تشبيه في أصل الوجوب لا في قدر الواجب وكان الصوم على آدم عليه الصلاة و السلام أيام البيض وصوم عاشوراء على قوم موسى عليه الصلاة و السلام وكان على كل أمة صوم والتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه كما في قوله إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وهذا تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي وقيل هذا التشبيه في الأصل والقدر والوقت جميعا وكان على الأولين صوم رمضان لكنهم زادوا في العدد ونقلوا من أيام الحر إلى أيام الاعتدال وعن الشعبي إن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل وذلك أنهم ربما صاموه في القيظ فعدوا ثلاثين يوما ثم جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة في أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها ثم لم يزل الآخر يستن بسنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين وقال الطبري وقال آخرون بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة وكان ذلك فرض على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم وقال السدي النصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان فاشتد ذلك على النصارى وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين يوما فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر رضي الله تعالى عنهما ما كان فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر
وفي تفسير ابن أبي حاتم عن الحسن قال والله لقد كتب الصيام على كل أمة خلت كما كتبه علينا شهرا كاملا وفي تفسير القرطبي عن قتادة كتب الله تعالى على قوم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام صيام رمضان فغيروا وزاد أحبارهم عشرة أيام أخرى ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفي أن يزيد في صومهم عشرة أيام أخرى ففعل فصار صوم النصارى خمسين يوما فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع قال واختار هذا القول النحاس

(10/254)


وأسند فيه حديثا يدل على صحته فإن قلت لم يعلم من هذه الآية إلا أصل فرضية الصوم ولم يعلم العدد ولا كونه في شهر رمضان قلت لما علم فيها أصل الفرض نزل قوله أياما معدودات ( البقرة 481 ) فعلم من ذلك أن الفرض أيام معدودات ولما نزل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( البقرة 581 ) علم أن ذلك العدد هو ثلاثون يوما لأنه فرض في رمضان والشهر ثلاثون يوما وإن نقص فحكمه حكمه وعن هذا قالوا إن الشهر مرفوع على أنه بدل من قوله الصيام ( البقرة 381 ) في قوله كتب عليكم الصيام ( البقرة 381 ) وقرىء بالنصب على صوموا شهر رمضان أو على أنه بدل من قوله أياما معدودات ( البقرة 481 ) وانتصاب أياما على الظرفية أي كتب عليكم الصيام في أيام معدودات وبينها بقوله شهر رمضان ( البقرة 581 ) فإن قلت ما الحكمة في التنصيص على الثلاثين التي هي الشهر الكامل قلت قالوا لما أكل آدم عليه الصلاة و السلام من الشجرة التي نهى عنها بقي شيء من ذلك في جوفه ثلاثين يوما فلما تاب الله عليه أمره بصيام ثلاثين يوما بلياليهن ذكره في ( خلاصة البيان في تلخيص معاني القرآن )
1981 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( أبي سهيل ) عن أبيه عن ( طلحة بن عبيد الله ) أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا فقال أخبرني ما فرض الله علي من الصيام فقال شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا فقال أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة فقال فأخبره رسول الله شرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق
مطابقته للترجمة في قوله أخبرني ما فرض الله علي من الصيام فقال شهر رمضان وهذا الحديث قد مضى في كتاب الإيمان في باب الزكاة من الإسلام فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه الحديث ولا يخلو عن زيادة ونقصان في المتن وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى وإسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري المدني وقد تقدم في كتاب الإيمان وأبو سهيل مصغر السهل نافع ابن مالك بن عامر مر في باب علامات المنافق وأبوه مالك بن أبي عامر أو أنس الأصبحي المدني جد مالك بن أنس وطلحة ابن عبيد الله أحد العشرة المبشرة
قوله ثائر الرأس بالثاء المثلثة أي منتفش شعر الرأس ومنتشره قوله أن تطوع بتخفيف الطاء وتشديدها والاستثناء منقطع وقيل متصل قوله بشرائع الإسلام أي بنصب الزكاة ومقاديرها وغير ذلك مما يتناول الحج وأحكامه ويحتمل أن الحج حينئذ لم يكن مفروضا مطلقا أو على السائل ومفهوم قوله إن صدق أنه إذا تطوع لا يفلح مفهوم المخالفة فلا اعتبار به لأن له مفهوم الموافقة وهو أنه إذا تطوع يكون مفلحا بالطريق الأولى وهو مقدم على مفهوم المخالفة
2 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه )
مطابقته للترجمة في قوله فلما فرض رمضان وإسماعيل هو ابن علية وأيوب السختياني قوله عاشوراء ممدود ومقصور وهو اليوم العاشر من المحرم وقيل أنه التاسع منه مأخوذ من إظماء الإبل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد أربعا وكذا باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع عشر أو قال أبو علي القالي في كتابه الممدود والمقصور باب

(10/255)


ما جاء من المدود على مثال فاعولاء اسما ولم يأت صفة عاشوراء معروفة ويقال أصابتهم ضاروراء منكرة من الضر قوله وأمر بصيامه يدل على أنه كان فرضا ثم نسخ بفرض رمضان قوله وكان عبد الله أي ابن عمر راوي الحديث لا يصومه أي لا يصوم يوم عاشوراء بعد فرض رمضان وذلك كراهية أن يعظم في الإسلام كما كان يعظم في الجاهلية وتركه صوم عاشوراء لا يدل على عدم جواز صومه فإن من صامه مبتغيا بصومه ثواب الله ولا يريد به إحياء سنة أهل الشرك فله عند الله أجر عظيم وكراهية ابن عمر صوم عاشوراء نظيره كراهية من كره صوم رجب إذا كان شهرا يعظمه الجاهلية فكره أن يعظم في الإسلام ما كان يعظم في الجاهلية من غير تحريم صومه على من صامه ولا يؤيسه من الثواب الذي وعد الله للصائمين قوله إلا أن يوافق صومه أي صومه الذي كان يعتاده وغرضه أنه كان لا يعتقده تنفلا في عاشوراء واختلف في السبب الموجب لصيام رسول الله عاشوراء فروي أنه كان يصومه في الجاهلية وفي البخاري عن ابن عباس قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصومه قالوا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال نحن أحق بموسى منكم ويحتمل أن تكون قريش كانت تصومه كما في حديث عائشة وكان يصومه معهم قبل أن يبعث فلما بعث تركه فلما هاجرا علم أنه من شريعة موسى فصامه وأمر به فلما فرض رمضان قال من شاء فليصمه ومن شاء أفطر على ما في حديث عائشة الآتي عن قريب -
3981 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) أن ( عراك بن مالك ) حدثه أن ( عروة ) أخبره عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله بصيامه حتى فرض رمضان وقال رسول الله من شاء فليصمه ومن شاء أفطر
مطابقته للترجمة في قوله حتى فرض رمضان ورجاله قد ذكروا و عراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء قد مر في الصلاة على الفراش
والحديث أخرجه مسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث وأخرجه النسائي في الحج وفي التفسير عن قتيبة به
قوله أفطر فائدة تغيير أسلوب الكلام حيث قال في الصوم بلفظ الأمر وفي الإفطار بقوله أفطر بيان أن جانب الصوم أرجح وكأنه مطلوب وفيه إشعار بكونه مندوبا
2 -
( باب فضل الصوم )
أي هذا باب في بيان فضل الصوم
4981 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرء قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله قد تكرر ذكرهم وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه أبو داود في الصوم عن القعنبي به ولم يذكر الصيام جنة وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عن مالك به وقال الصيام جنة وروى الترمذي حدثنا عمران بن موسى القزاز حدثنا عبد الوارث ابن سعيد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به والصوم جنة من النار ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من

(10/256)


ريح المسك وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم وقال حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد انفرد الترمذي بإخراجه من هذا الوجه وقال وفي الباب عن معاذ بن جبل وسهل بن سعد وكعب بن عجرة وسلامة بن قيصر وبشير بن الخصاصية قال واسم بشير زحم والخصاصية هي أمه أما حديث معاذ فرواه الترمذي أيضا عنه قال كنت مع النبي في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت أخبرني بعمل يدخلني الجنة الحديث وفيه ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة الحديث وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه ابن ماجه والنسائي في ( سننه الكبرى ) وأما حديث سهل بن سعد فرواه الترمذي عنه عن النبي قال في الجنة باب يدعى الريان يدعى له الصائمون فمن كان من الصائمين دخله ومن دخله لم يظمأ أبدا وكذلك أخرجه ابن ماجه وهو متفق عليه من رواية سليمان بن بلال عن أبي حازم على ما يأتي إن شاء الله تعالى وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه الترمذي أيضا عنه في حديث فيهوالصوم جنة حصينة وقال هذا حديث حسن غريب وأما حديث سلامة بن قيصر فرواه الطبراني في ( الكبير ) من حديث عمر بن ربيعة الحضرمي قال سمعت سلامة بن قيصر يقول سمعت رسول الله يقول من صام يوما ابتغاء وجه الله تعالى بعده الله عز و جل من جهنم بعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما وأما حديث بشير بن الخصاصية فرواه البغوي والطبراني في ( معجميهما ) من رواية قتادة عن جرير بن كليب عن بشير ابن الخصاصية قال يعني قتادة وحدثنا أصحابنا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال يروي عن ربه تعالى الصوم لي وأنا أجزي به الحديث
قلت وفي الباب أيضا عن أبي سعيد وعلي وعائشة وابن مسعود وعثمان ابن أبي العاص وأنس وجابر وأبي عبيدة وحذيفة وأبي أمامة وعقبة بن عامر وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم والنسائي من رواية أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا قال رسول الله إن الله يقول إن الصيام لي وأنا أجزي به الحديث وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فرواه النسائي من رواية أبي إسحاق عن عبد الله بن الحارث عنه عن النبي قال إن الله يقول الصوم لي وأنا أجزي به الحديث وقال إنه خطأ والصواب عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود موقوفا عليه وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه النسائي أيضا عن عروة عنها عن النبي قال الصيام جنة من النار الحديث وأما حديث ابن مسعود فرواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب ( طبقات المحدثين بأصبهان ) ورواه النسائي موقوفا عليه الصوم جنة من رواية أبي الأحوص عنه وأما حديث عثمان بن أبي العاص فرواه النسائي وابن ماجه عنه سمعت رسول الله يقول الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال وزاد النسائي في رواية جنة من النار وأخرجه ابن حبان في صحيحه وأما حديث أنس فرواه ابن ماجه عنه قال فيه والصيام جنة من النار وأما حديث جابر فرواه ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( مستدركه عنه في حديث قال فيه والصوم جنة وأما حديث أبي عبيدة فرواه النسائي عنه قال سمعت رسول الله يقول الصوم جنة ما لم يخرقها وزاد الدارمي بالغيبة ورواه أيضا موقوفا عليه وأما حديث حذيفة فرواه أحمد في ( مسنده ) عنه قال اسندت النبي إلى صدري فقال لا إلاه إلا الله من ختم له بها دخل الجنة ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة وأما حديث أبي أمامة فرواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية الوليد بن جميل عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا بعد ما بين السماء والأرض وأما حديث عقبة بن عامر فرواه النسائي عنه عن رسول الله قال من صام يوما في سبيل الله تبارك وتعالى باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام
ذكر معناه قوله جنة بضم الجيم كل ما ستر ومنه المجن وهو الترس ومنه سمي الجن لاستتارهم عن العيون والجنان لاستتارها بورق الأشجار وإنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات كما في الحديث الصحيح حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وقال ابن الأثير معنى كونه جنة أي يقي

(10/257)


صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال عياض معناه يستر من الآثام أو من النار أو بجميع ذلك وبالأخير قطع النووي قوله فلا يرفث بفتح الفاء وكسرها وضمها معناه لا يفحش والمراد من الرفث هنا الكلام الفاحش ويطلق على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء ويحتمل أن يكون النهي عما هو أعم منها قوله ولا يجهل أي لا يفعل شيئا من أفعال الجاهلية كالعياط والسفه والسخرية ووقع في رواية سعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل وقال القرطبي لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم قوله وإن امرؤ قاتله كلمة إن مخففة موصولة بما بعده تقديره وإن قاتله امرؤ ولفظ قاتله يفسره كما في قوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك ( التوبة 6 ) أي استجارك أحد من المشركين ومعنى قاتله نازعه ودافعه قوله أو شاتمه أي أو تعرض للمشاتمة وفي رواية أبي صالح فإن سابه أحد وفي رواية أبي قرة عن طريق سهيل عن أبيه وإن شتمه إنسان فلا يكلمه ونحوه في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد وفي رواية سعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد أو ماراه يعني جادله وفي رواية ابن خزيمة من طريق عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة فإن شاتمك أحد فقل إني صائم وأن كنت قائما فاجلس وقد ذكرنا في رواية الترمذي وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم
قال شيخنا زين الدين اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال أحدهما أن يقول ذلك بلسانه إني صائم حتى يعلم من يجهل أنه معتصم بالصيام عن اللغو والرفث والجهل والثاني أن يقول ذلك لنفسه أي وإذا كنت صائما فلا ينبغي أن أخدش صومي بالجهل ونحوه فيزجر نفسه بذلك والقول الثالث التفرقة بين صيام الفرض والنفل فيقول ذلك بلسانه في الفرض ويقوله لنفسه في التطوع قوله فليقل قال الكرماني أي كلاما لسانيا ليسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالبا أو كلاما نفسانيا أي يحدث به نفسه ليمنعها من مشاتمته وعند الشافعي يجب الحمل على كلا المعنيين
واعلم أن كل أحد منهي عن الرفث والجهل والمخاصمة لكن النهي في الصائم آكد قال الأوزاعي يفطر السب والغيبة فقيل معناه أنه يصير في حكم المفطر في سقوط الأجر لا أنه يفطر حقيقة انتهى كلامه فإن قلت قاتله أو شاتمه من باب المفاعلة وهي للمشاركة بين الإثنين والصائم مأمور بالكف عن ذلك قلت لا يمكن حمله على أصل الباب ولكنه قد يجيء بمعنى فعل يعني لنسبة الفعل إلى الفاعل لا غير كقولك سافرت بمعنى نسبت السفر إلى المسافر وكما في قولهم عافاه الله وفلان عالج الأمر ويؤيد هذا ما ذكرنا من رواية سهيل عن أبيه وإن شتمه إنسان فلا يكلمه وقد مضى عن قريب
قوله مرتين اتفقت الروايات كلها على أنه يقول إني صائم فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة قوله والذي نفسي بيده أقسم على ذلك للتأكيد قوله لخلوف فم الصائم بضم الخاء المعجمة لا غير هذا هو لمعروف في كتب اللغة والحديث ولم يحك صاحبا ( المحكم ) و ( الصحاح ) غيره وقال عياض وكثير من الشيوخ يروونه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ قال القاضي وحكي عن القابسي فيه الفتح والضم وقال أهل المشرق يقولونه بالوجهين والصواب الأول وفي ( التلويح ) وفي رواية لخلفة فم الصائم بالضم أيضا وقال البرقي هو تغير طعم الفم وريحه لتأخر الطعام يقال خلف فوه بفتح الخاء واللام يخلف بضم اللام وأخلف يخلف إذا تغير واللغة المشهورة خلف وقال المازري هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طباع يميل إلى شيء يستطيبه وينفر من شيء يستقذره والله سبحانه وتعالى تقدس عن ذلك لكن جرت عادتنا على التقرب للروائح الطيبة فاستغير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى وقال عياض يجازيه الله تعالى به في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك وقيل لكثرة ثوابه وأجره وقيل يعبق في الآخرة أطيب من عبق المسك وقيل طيبه عند الله رضاه به وثناؤه الجميل وثوابه وقيل إن المراد أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوق أكثر مما يستطيبون ريح المسك وقال البغوي معناه الثناء على الصائم والرضى بفعله وكذا قاله القدوري من الحنفية وابن العربي من المالكية وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر بن السمعاني وغيرهم من الشافعية جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضى والقبول وقال القاضي وقد يجزيه الله تعالى في الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك كما

(10/258)


قال في الكلوم في سبيل الله الريح ريح مسك وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى وقد اختلف الشيخ تقي الدين ابن الصلاح والشيخ عز الدين بن عبد السلام في طيب رائحة الخلوف هل هي في الدنيا أو في الآخرة فذهب ابن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بما رواه مسلم وأحمد والنسائي من طريق عطاء عن أبي صالح أطيب عند الله يوم القيامة وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا فاستدل بما رواه ابن حبان فم الصائم حين يخلف من الطعام وبما رواه الحسن بن شعبان في ( مسنده ) والبيهقي في ( الشعب ) من حديث جابر في فضل هذه الأمة فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك وقال المنذري إسناده مقارب وقال ابن بطال معنى عند الله أي في الآخرة كقوله تعالى وإن يوما عند ربك ( الحج 74 ) يريد أيام الآخرة فإن قلت يعكر عليه بحديث البيهقي على ما لا يخفى قلت لا مانع من أن يكون ذلك في الدنيا والآخرة قوله يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى أي قال الله تعالى يترك الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجلي إنما قدرنا هذا ليصح المعنى لأن سياق الكلام يقتضي أن يكون ضمير المتكلم في لفظ والذي نفسي بيده ولفظ لأجلي من متكلم واحد فلا يصح المعنى على ذلك فلذلك قدرنا ذلك ويؤيد ما قلناه ما رواه أحمد عن إسحاق بن الطباع عن مالك فقال بعد قوله من ريح المسك يقول الله عز و جل إنما يذر شهوته وطعامه وكذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد فقال في أول الحديث يقول الله عز و جل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به وإنما يذر ابن آدم شهوته وطعامه من أجلي قيل المراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب قلت الشهوة أعم فيكون من قبيل عطف العام على الخاص ولكن قدم لفظ الشهوة سعيد بن منصور في الحديث المذكور آنفا وكذلك من رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليهما فيكون من قبيل عطف الخاص على العام وفي رواية ابن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي ويدع زوجته من أجلي وفي رواية أبي قرة من هذا الوجه يدع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه من الطعام والشراب والجماع من أجلي وقال الكرماني هنا فإن قلت فهذا قول الله وكلامه فما الفرق بينه وبين القرآن قلت القرآن لفظه معجز ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام وهذا غير معجز وبدون الواسطة ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني فإن قلت الأحاديث كلها كذلك وكيف وهو ما ينطق عن الهوى قلت الفرق بأن القدسي مضاف إلى الله ومروي عنه بخلاف غيره وقد يفرق بأن القدسي ما يتعلق بتنزيه ذات الله تعالى وبصفاته الجلالية والجمالية منسوبا إلى الحضرة تعالى وتقدس وقال الطيبي القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل عليه السلام على رسول الله للإعجاز والقدسي إخبار الله رسوله معناه بالإلهام أو بالمنام فأخبر النبي أمته بعبارة نفسه وسائر الأحاديث لم يضفه إلى الله ولم يروه عنه قوله الصيام لي كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها وفي ( الموطأ ) فالصيام بالفاء وهي للسببية أي بسبب كونه لي إنه يترك شهوته لأجلي ووقع في رواية مغيرة عن أبي الزناد عن سعيد بن منصور كل عمل ابن آدم هو له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ومثله في رواية عطاء عن أبي صالح التي تأتي قوله وأنا أجزي به بيان لكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظمته وسعته وقال الكرماني تقديم الضمير للتخصيص أو للتأكيد والتقوية قلت يحتملهما لكن الظاهر من السياق الأول أي أنا أجازيه لا غيري بخلاف سائر العبادات فإن جزاءها قد يفوض إلى الملائكة وقد أكثروا في معنى قوله الصوم لي وأنا أجزي به وملخصه أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره لأنه لا يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب ويؤيده ما رواه الزهري مرسلا قوله ليس في الصوم رياء رواه أبو عبيد في كتاب الغريب عن شبابة عن عقيل عن الزهري قال وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس وروى البيهقي هذا من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة ولفظه الصيام لا رياء فيه قال الله عز و جل هو لي وفيه مقال قيل لا يدخله الرياء بفعله وقد يدخله بقوله بأن أخبر أنه صائم فكان دخول الرياء فيه من جهة الإخبار بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها قلت فيه نظر

(10/259)


لأن دخول الرياء وعدم دخوله بالنظر إلى ذات الفعل والإخبار ليس منه فافهم
وقال الطبري لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرده فعله إلا الله فأضافه إلى نفسه ولهذا قال في الحديث يدع شهوته من أجلي وقال ابن الجوزي جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم وقال القرطبي معناه أن الله منفرد بعلم مقدار ثواب الصوم وتضعيفه بخلاف غيره من العبادات فقد يطلع عليها بعض الناس ويشهد لذلك ما روى في ( الموطأ ) تضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أي أجازي به عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره وهذا كقوله إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر 01 ) والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال قلت هذا كلام حسن ولكن قوله الصابرون الصائمون غير مسلم بل الأمر بالعكس الصائمون الصابرون لأن الصوم يستلزم الصبر ولا يستلزم الصبر الصوم وقال بعضهم سبق إلى هذا أبو عبيد في ( غريبه ) فقال بلغني عن ابن عيينة أنه قال ذلك واستدل له بأن الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات وقد قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر 01 ) ثم قال هذا القائل ويشهد له رواية المسيب بن رافع عن أبي صالح عند سمويه إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لا يدري أحد ما فيه ثم قال ويشهد له أيضا ما رواه ابن وهب في ( جامعه ) عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده زيد مرسلا ووصله الطبراني والبيهقي في الشعب من طريق أخرى عن عمر بن محمد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا الأعمال عند الله سبع الحديث وفيه عمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله ثم قال وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله إلا الله فالصيام انتهى وقد استبعد القرطبي هذا بل أبطله بقوله قد أتى في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام فهذا نص في إظهار التضعيف
وقال بعضهم لا يلزم من الذي ذكر بطلانه بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام وأما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلا الله انتهى قلت لا نسلم أنه لا يلزم من ذلك بطلانه بل يلزم لأن كلامه يؤدي إلى تبطيل معنى التنصيص على ما لا يخفى على المتأمل وقال ابن عبد البر معناه أن الصوم أحب العبادات إلي والمقدم عندي لأنه قال الصيام لي فأضافه إلى نفسه وكفى به فضلا على سائر العبادات وقال بعضهم وروى النسائي من حديث أبي أمامة مرفوعا عليك بالصوم فإنه لا مثل له لكن يعكر عليه بما في الحديث الصحيح إعلموا أن خير أعمالكم الصلاة قلت لا يعكر أصلا لأنه إنما قال ذلك بالنسبة إلى سؤال المخاطبين كما قال في حديث آخر خير الأعمال أدومها وإن كان يسيرا وقيل هو إضافة تشريف كما في قوله ناقة الله ( الشمس 31 ) مع أن العالم كله عز و جل وقيل لأن الاستغناء عن الطعام من صفات الله عز و جل فيقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله لا يشبهها شيء وقيل إنما ذلك بالنسبة إلى الملائكة لأن ذلك من صفاتهم وقيل إضافته إليه لأنه لم يعبد أحد غير الله بالصوم فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة وغير ذلك ونقضه بعضهم بأرباب الاستخدامات فإنهم يصومون للكواكب وليس هذا بنقض لأن أرباب الاستخدامات لا يعتقدون أن الكواكب آلهة وإنما يقولون إنها فعالة بأنفسها وإن كانت عندهم مخلوقة وقال بعضهم هذا الجواب عندي ليس بطائل قلت هذا الجواب جواب شيخه الشيخ زين الدين رحمة الله تعالى عليه فكان عليه أن بين وجه ما ذكره وقيل وجه ذلك أن جميع العبادات توفي منها مظالم العباد إلا الصيام وروى ذلك البيهقي من طريق إسحاق بن أيوب عن حسان الواسطي عن أبيه عن ابن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة وقال القرطبي هذا حسن غير أني وجدت في حديث المقاصة ذكر الصوم في جملة الأعمال لأن فيه المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا الحديث وفيه فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاته فطرحت عليه ثم طرح في النار وظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك وقال بعضهم إن ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك قلت يجري الإمكان في كل عام ولا يثبت التخصيص إلا بدليل وإلا يلزم إلغاء حكم

(10/260)


العام وهو باطل
وقال هذا القائل وقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يرفعه كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به وكذا رواه أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) عن شعبة عن محمد بن زياد ولفظه قال ربكم تبارك وتعالى كل العمل كفارة إلا الصوم قلت أخرجه البخاري في التوحيد عن آدم عن شعبة بلفظ يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به انتهى ولم يذكر إلا الصوم فدخل في صدر الكلام الصوم لأن لفظ كل إذا أضيف إلى النكرة يقتضي عموم الأفراد ولكنه أخرجه من ذلك بقوله والصوم لي وأنا أجزي به لحصوصية فيه من الوجوه التي ذكرناها وإن كانت جميع الأعمال لله تعالى وقيل إن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما لا تكتب سائر أعمال القلوب وقيل استند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في المسلسلات ولفظه قال الله الإخلاص سر من سري أستودعه قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده قيل اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص فقال إن الصوم على أربعة أنواع صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع و صيام خواص العوام وهو الصوم وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل وصيام الخواص وهو الصوم عن ذكر غير الله وعبادته وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلا يوم لقائه
قوله الحسنة بعشر أمثالها كذا وقع مختصرا عند البخاري وروى يحيى بن بكير عن مالك في هذا الحديث بعد قوله والحسنة بعشر أمثالها فقال كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به فخص الصيام بالتضعيف على سبعمائة ضعف في هذا الحديث وإنما عقبه بقوله والحسنة بعشر أمثالها إعلاما بأن الصوم مستثنى من هذا الحكم فكأنه قال سائر الحسنات بعشر الأمثال بخلاف الصوم فإنه بأضعافه بدون الحساب والحاصل أن الصيام لا يتقيد بأعداد التضعيف بل الله يجزيه على ذلك بغير حساب فإن قلت الأمثال جمع مثل وهو مذكر فمنزلته بعشرة أمثالها بالتاء التي هي علامة التأنيث قلت مثل الحسنة هو الحسنة فكأنه قال بعشر حسنات وقال الكرماني فإن قلت قد يكون لسبعمائة والله يضاعف لمن يشاء قلت هذا أقله والتخصيص بالعدد لا يدل على الزائد ولا عدمه
3 -
( باب الصوم كفارة )
أي هذا باب يذكر فيه الصوم كفارة هذا في رواية الأكثرين بتنوين باب وفي رواية غيره باب الصوم كفارة بالإضافة وفي نسخة الشيخ قطب الدين الشارح باب كفارة الصوم أي باب تكفير الصوم للذنوب
5981 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حدثا جامع ) عن ( أبي وائل ) عن ( حذيفة ) قال قال ( عمر ) رضي الله تعالى عنه من يحفظ حديثا عن النبي في الفتنة قال حذيفة أنا سمعته يقول فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة قال ليس أسأل عن ذه إنما أسأل عن التي تموج كما يموج البحر قال حذيفة وإن دون ذلك بابا مغلقا قال فيفتح أو يكسر قال يكسر قال ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة فقلنا لمسروق سله أكان عمر من الباب فسأله فقال نعم كما يعلم أن دون غد الليلة
مطابقته للترجمة في قوله تكفرها الصلاة والصيام وقد تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب مواقيت الصلاة في باب الصلاة كفارة وترجم هناك بالصلاة وهنا بالصيام وأخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة وشقيق كنيته أبو وائل وهنا أخرجه عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد الصيرفي

(10/261)


الكوفي عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة وقد مضى الكلام فيه مستقصى هناك
قوله عن ذه بكسر الذال المعجمة وسكون الهاء وهو من أسماء الإشارة للمفرد المؤنث والذي يشار به له عشرة منها ذه ويقال ذه بالاختلاس قوله ذاك أي الكسر أولى من الفتح أن لا يغلق إلى يوم القيامة أي إذا وقعت الفتنة فالظاهر أنه لا يسكن قوله دون غد أي كما يعلم أن الليلة هي قبل الغد أي علما واضحا جليا والله أعلم
أي هذا باب يذكر فيه الريان الذي هو اسم علم لباب من أبواب الجنة مختص للصائمين ووزن ريان فعلان وقد وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه لأنه مشتق من الري الكثير الذي هو ضد العطش وسمي بذلك لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم واكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه وأفرد لهم هذا الباب إكراما لهم واختصاصا وليكون دخولهم الجنة غير متزاحمين فإن الزحام قد يؤدي إلى العطش
6981 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) قال حدثنا ( سليمان بن بلال ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد
( الحديث 6981 - طرفه في 7523 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما البجلي الكوفي أبو محمد وسليمان ابن بلال أبو أيوب وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار وسهل بن سعد الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد به
قوله إن في الجنة بابا قيل إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه قلت وإنما لم يقل للجنة ليشعر أن باب الريان غير الأبواب الثمانية التي للجنة وفي الجنة أيضا أبواب أخر غير الثمانية منها باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة على ما يجيء في الحديث الآتي وفي ( نوادر الأصول ) للحكيم الترمذي من أبواب الجنة باب محمد وهو باب الرحمة وهو باب التوبة وهو منذ خلقه الله مفتوح لا يغلق فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الزكاة باب الحج باب العمرة وعند عياض باب الكاظمين الغيط باب الراضين الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه وفي ( كتاب الآجري ) عن أبي هريرة عن النبي قال إن في الجنة بابا يقال له باب الضحى فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوا وفي ( الفردوس ) عن ابن عباس يرفعه للجنة باب يقال له الفرح لا يدخل منه إلا مفرح الصبيان وعند الترمذي باب للذكر وعند ابن بطال باب الصابرين وذكر البرقي في ( كتاب الروضة ) عن أحمد بن حنبل حدثنا روح حدثنا أشعث عن الحسن قال إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة وفي كتاب ( التخبير ) للقشيري عن النبي الخلق الحسن طوق من رضوان الله في عنق صاحبه والطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة والسلسلة مشدودة إلى حلقة من باب الجنة حيث ما ذهب الخلق الحسن جرته السلسلة إلى نفسها حتى يدخله من ذاك الباب إلى الجنة فهذه الأبواب كلها داخلة في داخل الأبواب الثمانية الكبار التي ما بين مصراعي باب منها مسيرة خمسمائة عام فإن قلت روى الجوزقي في هذا الحديث من طريق أبي غسان عن أبي حازم بلفظ إن للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون قلت روى البخاري هذا من هذا الوجه في بدء الخلق لكن قال في الجنة ثمانية أبواب وهذا أصح وأصوب قوله فإذا دخلوا أغلق على صيغة المجهول من الإغلاق قال الجوهري اغلقت الباب فهو مغلق والأسم الغلق ويقال غلقت الباب غلقا

(10/262)


وهي لغة رديئة متروكة وغلقت الأبواب شدد للكثرة وقال الكرماني غلق مخففا ومشددا هو من باب الإغلاق قلت هذا تخليط في اللغة حيث يذكر أولا أنه من باب الثلاثي ثم يقول هو من باب الإغلاق والصواب ما ذكرناه قوله فلم يدخل منه أحد القياس فلا يدخل لأن لم يدخل للماضي ولكنه عطف على قوله لا يدخل فيكون في حكم المستقبل وقال بعضهم فلم يدخل فهو معطوف على أغلق أي لم يدخل منه غير من دخل انتهى قلت هذا أخذه من الكرماني لأنه قال هو عطف على الجزاء فهو في حكم المستقبل ثم تفسيره بقوله أي لم يدخل منه غير من دخل غير صحيح لأن غير من دخل أعم من أن يكون من الصائمين وغيرهم وليس المراد أن لا يدخل منه إلا الصائمون وقول الكرماني أيضا عطف على الجزاء فيه نظر لا يخفى وإنما كرر نفي دخول غيرهم منه للتأكيد وأخرج مسلم هذا الحديث وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد بن مخلد هو القطواني عن سليمان بن بلال قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد وقال بعضهم هكذا في بعض النسخ من مسلم وفي الكثير منها فإذا دخل أولهم أغلق قلت الأمر بالعكس ففي الكثير فإذا دخل آخرهم ووقع في بعض النسخ التي لا يعتمد عليها فإذا دخل أولهم وهو غير صحيح فلذلك قال شراح مسلم وغيرهم إنه وهم وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى وقد استشكل بعضهم الجمع بين حديث باب الريان وبين الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم من حديث عمر عن النبي قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء قالوا فقد أخبر النبي أنه يدخل من أيها شاء وقد لا يكون فاعل هذا الفعل من أهل الصيام بأن لا يبلغ وقت الصيام الواجب أو لا يتطوع بالصيام والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه يصرف عن أن يشاء باب الصيام فلا يشاء الدخول منه ويدخل من أي باب شاء غير الصيام فيكون قد دخل من الباب الذي شاءه والثاني أن حديث عمر رضي الله تعالى عنه قد اختلفت ألفاظه فعند الترمذي فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء فهذه الرواية تدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية منها وقد لا يكون باب الصيام من هذه الثمانية ولا تعارض حينئذ
7981 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثني ( معن ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( حميد ابن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال نعم وأرجو أن تكون منهم
مطابقته للترجمة من قوله ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان وإبراهيم بن المنذر قد تكرر ذكره ومعن بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون ابن عيسى بن يحيى أبو يحيى القزاز المدني مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة وابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وحميد بضم الحاء ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر وحرملة وعن عمرو الناقد وحسن الحلواني وعبد بن حميد ثلاثتهم عن يعقوب وعن عبد بن حميد عن عبد الرزاق وأخرجه

(10/263)


الترمذي في المناقب عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن معن عن مالك إلى آخره نحوه وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي فيه وفي الزكاة عن عمرو بن عثمان وفي الصوم عن أبي الطاهر بن السرح والحارث بن مسكين كلاهما عن وهب عن مالك ويونس به وعن الحارث ومحمد بن سلمة كلاهما عن ابن القاسم عن مالك به وفي الجهاد عن عبيد الله بن سعد عن عمه يعقوب
ذكر معناه قوله عن حميد بن عبد الرحمن وفي رواية شعيب عن الزهري في فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قوله عن أبي هريرة قال أبو عمر اتفقت الرواة عن مالك على وصله إلا يحيى ابن أبي بكير وعبد الله بن يوسف فإنهما أرسلاه ولم يقع عند القعنبي أصلا لا مسندا ولا مرسلا وفي ( التلويح ) ذكر الدارقطني في ( كتاب الموطآت ) أن القعنبي رواه كما روى ابن مصعب ومعن مسندا قوله زوجين يعني دينارين أو درهمين أو ثوبين وقيل دينار وثوب أو درهم ودينار أو ثوب مع غيره أو صلاة وصوم فيشفع الصدقة بأخرى أو فعل خير بغيره وفي رواية إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك من أنفق زوجين من ماله قوله في سبيل الله قيل هو الجهاد وقيل ما هو أعم منه وقيل المراد بالزوجين انفاق شيئين من أي صنف كان من أصناف المال وقال الداودي والزوج هنا الفرد يقال للواحد زوج وللاثنين زوج قال تعالى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( القيامة 93 ) وصوابه أن الإثنين زوجان يدل عليه الآية وروى حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد وحميد عن الحسن عن صعصعة بن معاوية عن أبي ذر أن النبي قال من أنفق زوجين ابتدرته حجبة الجنة ثم قال بعيران شاتين حمارين درهمين قال حماد أحسبه قال خفين وفي رواية النسائي فرسين من خيله بعيرين من إبله وروى عن صعصعة قال رأيت أبا ذر بالربذة وهو يسوق بعيرا له عليه مزادتان قال سمعت النبي يقول ما من مسلم ينفق زوجين من ماله في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده قلت زوجين ماذا قال إن كان صاحب خيل ففرسين وإن كان صاحب إبل فبعيرين وإن كان صاحب بقر فبقرتين حتى عد أصناف المال وشبيه حديث الحماني ذكره أبو موسى المديني عن مبارك بن سعيد عن ابن المحيريز يرفعه من عال ابنتين أو أختين أو خالتين أو عمتين أو جدتين فهو معي في الجنة فإن قلت النفقة إنما تشرع في الجهاد والصدقة فكيف تكون في باب الصلاة والصيام قلت لأن نفقة المال مقترنة بنفقة الجسم في ذلك لأنه لا بد للمصلي والصائم من قوت يقيم رمقه وثوب يستره وذلك من فروض الصلاة ويستعين بذلك على الطاعة فقد صار بذلك منفقا لزوجين لنفسه ولماله وقد تكون النفقة في باب الصلاة أن يبني لله مسجدا للمصلين والنفقة في الصيام أن يفطر صائما وذلك بدلالة قوله من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وقوله من فطر صائما فكأنما صام يوما فإن قلت إذا جاز استعمال الجسم في الطاعة نفقة فيجوز أن يدخل في معنى الحديث من أنفق نفسه في سبيل الله فاستشهد وأنفق كريم ماله قلت نعم بل هو أعظم أجرا من الأول يوضحه ما رواه سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رجل يا رسول الله أي الجهاد أفضل قال أن يعقر جوادك ويهراق دمك فإن قلت يدخل في ذلك صائم رمضان المزكي لماله والمؤدي الفرائض قلت المراد النوافل لأن الواجبات لا بد منها لجميع المسلمين ومن ترك شيئا من الواجبات إنما يخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم قوله نودي من أبواب الجنة المراد من هذه الأبواب غير الأبواب الثمانية وقال أبو عمر في التمهيد كذا قال من أبواب الجنة وذكره أبو داود وأبو عبد الرحمن وابن سنجر فتحت له أبواب الجنة الثمانية وليس فيها ذكر من وقال ابن بطال لا يصح دخول المؤمن إلا من باب واحد ونداؤه منها كلها إنما هو على سبيل الإكرام والتخيير له في دخوله من أيها شاء قوله هذا خير لفظة خير ليس من أفعل التفضيل بل معناه هو خير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم وفائدة هذا الإخبار بيان تعظيمه قوله دعي من باب الصلاة أي المكثرين لصلاة التطوع وكذا غيرها من أعمال البر وقد ذكرنا الآن أن الواجبات لا بد منها لجميع المسلمين قوله من باب الصدقة أي من الغالب عليه ذلك وإلا فكل المؤمنين أهل للكل وقال الكرماني فإن قلت ما وجه التكرار حيث ذكر الإنفاق في صدر الكلام

(10/264)


والصدقة في عجزه قلت لا تكرار إذ الأول هو النداء بأن الإنفاق وإن كان بالقليل من جملة الخيرات العظيمة وذلك حاصل من كل أبواب الجنة والثاني استدعاء الدخول إلى الجنة وإنما هو من الباب الخاص به ففي الحديث فضيلة عظيمة للإنفاق ولهذا افتتح به واختتم به قوله بأبي أنت وأمي أي أنت مفدى بأبي وأمي فتكون الباء متعلقة به وقيل تقديره فديتك بأبي وأمي قوله من ضرورة أي من ضرر أي ليس على المدعو من كل الأبواب مضرة أي قد سعد من دعي من أبوابها جميعا ويقال معناه ما على من دعي من تلك الأبواب من لم يكن إلا من أهل خصلة واحدة ودعي من بابها لا ضرر عليه لأن الغاية المطلوبة دخول الجنة من أيها أراد لاستحالة الدخول من الكل معا وقال الكرماني أقول يحتمل أن تكون الجنة كالقلعة لها أسوار محيط بعضها ببعض وعلى كل سور باب فمنهم من يدعى من الباب الأول فقط ومنهم من يتجاوز عنه إلى الباب الداخل وهلم جرا قلت هذا الذي ذكره لا يستبعده العقل ولكن معرفة كيفية الجنة وكيفية أبوابها وغير ذلك موقوفة على السماع من الشارع قوله وأرجو أن تكون منهم خطاب لأبي بكر رضي الله تعالى عنه والرجاء من النبي واجب نبه عليه ابن التين فدل هذا على فضيلة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعلى أنه من أهل هذه الأعمال كلها
وفيه أن أعمال البر لا تفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها وإن من فتح له في شيء منها حرم غيرها في الأغلب وأنه قد يفتح في جميعها للقليل من الناس وإن الصديق رضي الله تعالى عنه منهم
5 -
( باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعا )
أي هذا باب يقال فيه هل يقال أي هل يجوز أن يقال رمضان من غير شهر معه أو يقال شهر رمضان قوله هل يقال على صيغة المجهول رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي والمستملي باب هل يقول أي الإنسان أو القائل قوله ومن رأى كله واسعا من جملة الترجمة أي من رأى القول بمجرد رمضان أو بقيده بشهر واسعا أي جائزا لا حرج على قائله وفي رواية الكشميهني ومن رآه بهاء الضمير وإنما أطلق الترجمة ولم يفصح بالحكم للاختلاف فيه على عادته في ذلك فالذي اختاره المحققون والبخاري منهم لا يكره أن يقال جاء رمضان ولا صمنا رمضان وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقولا رمضان وإنما كانا يقولان كما قال الله تعالى شهر رمضان لأنا لا ندري لعل رمضان إسم من أسماء الله تعالى وحكاه البيهقي عن الحسن أيضا قال والطريق إليه وإلى مجاهد ضعيفة وهو قول أصحاب مالك وقال النحاس وهذا قول ضعيف لأنه نطق به فذكر ما ذكره البخاري وفي ( التوضيح ) وهناك قول ثالث وهو قول أكثر أصحابنا إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره
قالوا ويقال قمنا رمضان ورمضان أفضل الأشهر وإنما يكره أن يقال قد جاء رمضان ودخل رمضان وحضر ونحو ذلك فإن قلت في ( كامل ) ابن عدي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال رسول الله لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان قلت قال أبو حاتم هذا خطأ وإنما هو قول أبي هريرة وفيه أبو معشر نجيح المدني وضعفه ابن عدي الذي خرجه وقال بعضهم أشار البخاري بهذه الترجمة إلى دفع حديث ضعيف ثم ذكر هذا الذي خرجه ابن عدي قلت هذا القائل أخذ هذا الذي قاله من كلام صاحب ( التلويح ) فإنه قال وإنما كان البخاري أراد بالتبويب دفع ما رواه أبو معشر نجيح في ( كامل ) ابن عدي وهو الذي ذكرناه وهل هذا إلا أمر عجيب من هذين المذكورين فإن لفظ الترجمة هل يقال رمضان أو شهر رمضان من أين يدل على هذا فمن أي قبيل هذه الدلالة وأيضا من قال إن البخاري اطلع على هذا الحديث أو وقف عليه حتى يرده بهذه الترجمة قوله رمضان قال الزمخشري رمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع الصرف للتعريف والألف والنون وسموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته كما سموه ناتقا لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم إضجارا بشدته عليهم وقيل لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر قلت كانوا يقولون للمحرم المؤتمر ولصفر ناجر ولربيع الأول خوان ولربيع الآخر وبضان ولجمادى الأولى ربى ولجمادى الآخر حنين ولرجب الأصم ولشعبان عاذلولرمضان ناتق ولشوال وعل ولذي القعدة ورنة ولذي الحجة برك وفي ( الغريبين ) هو مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش وفي ( المغيث ) اشتقاقه من رمضت النصل أرمضه رمضا إذا جعلته بين حجرين ودققته ليرق سمي به لأنه شهر مشقة ليذكر صائموه ما يقاسي أهل النار فيها وقيل من رمضت في المكان يعني احتبست لأن الصائم يحتبس عما نهى عنه و فعلان لا يكاد يوجد من باب فعل وهو في باب فعل بالفتح كثير وقال ابن خالويه تقول العرب جاء فلان يغدو رمضا ورمضا وترميضا ورمضانا إذا كان قلقا فزعا وفي ( المحكم ) جمعه رمضانات ورماضين وأرمضة وأرمض عن بعض أهل اللغة وليس يثبت في ( الصحاح ) يجمع على أرمضاء وفي ( العلم ) المشهور لأبي الخطاب ويجمع أيضا على رماض وهو القياس وأراميض ورماض قوله أو شهر رمضان الشهر عدد وجمعه أشهر وشهور ذكره في ( الموعب ) وفي ( المحكم ) الشهر القمر سمي بذلك لشهرته وظهوره وسمي الشهر بذلك لأنه يشهر بالقمر وفيه علامة ابتدائه وانتهائه ويقال شهر وشهر والتسكين أكثر
وقال النبي من صام رمضان
هذا التعليق وصله البخاري في الباب الذي يليه وقد ذكر هذه القطعة منه لصحة قول من يقول رمضان بغير قيد شهر
وقال لا تقدموا رمضان
أي قال النبي لا تقدموا رمضان وهذا التعليق وصله البخاري من حديث أبي هريرة على ما سيأتي وذكر هذه القطعة منه أيضا لما ذكرنا
8981 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( أبي سهيل ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة
مطابقته للترجمة من حيث إنه جاء في الحديث إذا جاء رمضان من غير ذكر شهر وهذا الحديث يفسر الإبهام الذي في الترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول قتيبة بن سعيد الثاني إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير أبو إبراهيم الأنصاري مولى زريق المؤدب الثالث أبو سهيل واسمه نافع بن مالك بن أبي عامر عمرو بن الحارث بن غيمان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف الأصبحي عم أنس بن مالك والرابع أبو مالك بن أبي عامر تابعي كبير أدرك عمر رضي الله تعالى عنه الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بلخي والبقية مدنيون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم وفي صفة إبليس وفي موضع آخر عن يحيى بن بكير عن الليث وأخرجه مسلم في الصوم عن قتيبة ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر به وعن حرملة بن يحيى وعن محمد بن الحاتم وحسن الحلواني وأخرجه النسائي فيه عن علي بن حجر به وعن الربيع بن سليمان وعن عبيد الله بن سعد عن عمه يعقوب بن إبراهيم عن سعد به وعن إبراهيم بن يعقوب وعن محمد بن خالد بن علي وعن عبد الله بن سعد عن عمه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسحاق
ذكر معناه قوله فتحت روي بتشديد التاء وتخفيفها كذا أخرجه مختصرا وقد أخرجه مسلم بتمامه وقال حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ثم المراد من فتح أبواب الجنة حقيقة الفتح وذهب بعضهم إلى أن المراد بفتح أبواب الجنة كثرة الطاعات في شهر رمضان فإنها موصلة إلى الجنة فكني بها عن ذلك ويقال المراد به ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجبة بها إلى الجنة من الصيام والصلاة والتلاوة وأن الطريق إلى الجنة في رمضان سهل والأعمال فيه أسرع إلى القبول
9981 - حدثني ( يحيعى بن بكير ) قال حدثني ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( ابن

(10/266)


أبي أنس ) مولى ( التيميين ) أن أباه حدثه أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين
هذا طريق آخر أتم من الطريق الأول مطابقته للترجمة في قوله إذا دخل شهر رمضان حيث ذكر فيه شهر وهو مطابق لقوله في الترجمة أو شهر رمضان
ذكر رجاله وهم سبعة الأول يحيى بن بكير وقد تكرر ذكره الثاني الليث بن سعد الثالث عقيل بضم العين ابن خالد الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس ابن أبي أنس هو أبو سهل نافع ابن أبي أنس بن مالك بن أبي عامر السادس أبوه مالك بن أبي عامر السابع أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه منسوب إلى جده لأنه يحيى بن عبد الله بن بكير وأنه والليث مصريان وأن عقيلا أيلي وأن ابن أبي أنس وأباه مدنيان وفيه أن ابن أبي أنس من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري ومن هو أصغر منه كإسماعيل بن جعفر وقد ابن أبي أنس في الوفاة عن الزهري وهذا الإسناد يعد من رواية الأقران وفيه أن ابن أبي أنس مولى التيميين أي مولى بني تيم والمراد منه آل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة وكان أبو عامر والد مالك قد قدم مكة فقطنها وحالف عثمان بن عبيد الله أخا طلحة فنسب إليه وكان مالك الفقيه يقول لسنا موالي آل تيم إنما نحن عرب من أصبح ولكن جدي حالفهم والحاصل أن أبا سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر أخو أنس بن مالك بن عامر عم مالك بن أنس الإمام حليف عثمان بن عبيد الله التيمي بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وقال ابن سعد في الطبقة من التابعين المدنيين أخبرني عم جدي الربيع مالك بن أبي عامر وهو عم مالك بن أنس المفتي عن أبيه فذكر حديثا أنه عاقد عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فعدوا اليوم في بني تيم لهذا السبب وقيل حالف ابنه عثمان بن عبيد الله وأبو أنس كنية مالك بن أبي عامر ومات مالك سنة مائة ونحوها كما نقل عن ابن عبد البر وحكى الكلاباذي عن ابن سعد عن الواقدي سنة إثنتي عشرة ومائة عن سبعين أو نيف وسبعين وفي ( الطبقات ) لابن سعد أنه شهد عمر رضي الله تعالى عنه عند الجمرة وأصابه حجر فدماه وفيه نظر ظاهر وأولاده أربعة أنس ونافع وأويس والربيع أولاد مالك المذكور
ذكر ما قيل في هذا الحديث قال النسائي مراد الزهري بابن أبي أنس نافع فأخرج من وجه آخر عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سهيل عن أبيه وأخرجه من طريق صالح عن ابن شهاب فقال أخبرني نافع بن أبي أنس ورواه ابن إسحاق عن الزهري وعن أويس بن أبي أويس عديد بني تيم عن أنس بن مالك نحوه وقال هذا خطأ ولم يسمعه ابن إسحاق عن الزهري وفي موضع آخر هذا حديث منكر خطأ ولعل ابن إسحاق سمعه من إنسان ضعيف فقال فيه وذكر الزهري ورواه من حديث أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين ومن حديثه عن ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي كان يرغب في قيام رمضان من غير عزيمة وقال إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت الجحيم وسلسلت فيه الشياطين وقال هذا الثالث الأخير خطأ من حديث أبي سلمة وقال أرسله ابن المبارك عن معمر ثم ساقه من حديثه عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا إذا دخل رمضان فتحت الحديث
وعند الترمذي من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الحديث وقال غريب لا نعرف مثل رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا من حديث أبي بكر بن عياش وسألت محمدا عنه فقال حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد قوله إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فذكر الحديث قال محمد وهذا

(10/267)


أصح عندي من حديث أبي بكر بن عياش وقال شيخنا لم يحكم الترمذي على حديث أبي هريرة المذكور بصحة ولا حسن مع كون رجاله رجال الصحيح وكان ذلك لتفرد أبي بكر بن عياش به وإن كان احتج به البخاري فإنه ربما غلط كما قال أحمد ولمخالفة أبي الأحوص له في روايته عن الأعمش فإنه جعله مقطوعا من قول مجاهد ولذلك أدخله الترمذي في كتاب ( العلل المفرد ) وذكر أنه سأل البخاري عنه وذكر أن كونه عن مجاهد أصح عنده
وأما الحاكم فأخرجه في ( المستدرك ) وصححه وكذلك صححه ابن حبان وفي رواية ابن عساكر ويغفر فيه إلا لمن نأى قالوا أو من نأى يا أبا هريرة قال الذي يأبى أن يستغفر الله عز و جل وروى من حديث عتبة بن فرقد قال سمعت رسول الله يقول تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار الحديث قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث عتبة بن فرقد عن رجل من الصحابة يرفعه إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة الحديث فرجحه مرفوعا وخطأ حديث أنس وقال إنما هو عن أبي هريرة قلت عتبة بن فرقد السلمي أبو عبد الله ليس له صحبة نزل الكوفة وقال أبو عمر كان أميرا لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على بعض فتوحات العراق وروى له النسائي والطحاوي وروى النسائي من رواية عطاء ابن السائب عن عرفجة قال كان عندنا عتبة بن فرقد فتذاكرنا شهر رمضان فقال ما تذكرون قلنا شهر رمضان قال سمعت رسول الله يقول تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر قال النسائي هذا خطأ يريد أن الصواب أنه حديث رجل من الصحابة لم يسم ثم رواه النسائي من رواية عطاء بن السائب عن عرفجة قال كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد فأردت أن أحدث بحديث وكان رجل من أصحاب النبي كأنه أولى بالحديث فحدث الرجل عن النبي قال في رمضان تفتح أبواب السماء الحديث مثل حديث عتبة بن فرقد
ذكر ما ورد في هذا الباب من أحاديث الصحابة رضي الله تعالى عنهم منها حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه النسائي وابن ماجه من رواية النضر بن شيبان قال قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني بشيء سمعته من أبيك سمعه أبوك من رسول الله ليس بين رسول الله وبين أبيك أحد قال نعم حدثني أبي قال رسول الله إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال النسائي هذا غلط والصواب أبو سلمة عن أبي هريرة
ومنها حديث ابن مسعود رواه أبو يعلى عنه أنه سمع النبي وهو يقول وقد أهل رمضان لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان فقال رجل من خزاعة حدثنا به قال إن الجنة تزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول حتى إذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فقلن يا رب إجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا فما من عبد يصوم رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مجوفة مما نعت الله تعالى حور مقصورات في الخيام ( الرحمن 27 ) على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى وتعطى سبعون لونا من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعين سريرا من ياقوتة حمراء موشحة بالدر على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من استبرق وفوق السبعين فراشا سبعون أريكة لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجاتها وسبعون ألف وصيف مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون طعام يجد لآخر لقمة منها لذة لا يجد لأوله ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوتة حمراء عليه سواران من ذهب موشح بياقوت أحمر هذا بكل يوم صام من رمضان سوى ما عمل من الحسنات هذا حديث منكر وباطل وفي سنده جرير بن أيوب البجلي الكوفي كان يضع الحديث قاله وكيع وأبو نعيم الفضل بن دكين وقال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري وأبو زرعة منكر الحديث وقال النسائي متروك الحديث
ومنها حديث سلمان الفارسي رواه الحارث بن أبي أسامة

(10/268)


في ( مسنده ) عنه قال خطبنا رسول الله آخر يوم من شعبان فقال يا أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر فرض الله صيامه وجعل قيام ليله تطوعا فمن تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وهو شهر المواساة وهو شهر يزاد رزق المؤمن فيه من فطر صائما كان له عتق رقبة ومغفرة لذنوبه قيل يا رسول الله ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم قال يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن أشبع صائما كان له مغفرة لذنوبه وسقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومن خفف عن مملوكه فيه أعتقه الله من النار ولا يصح إسناده وفي سنده إياس قال شيخنا الظاهر أنه ابن أبي إياس قال صاحب ( الميزان ) إياس بن أبي إياس عن سعيد بن المسيب لا يعرف والخبر منكر
ومنها حديث أنس أخرجه النسائي من طريق محمد بن إسحاق قال ذكر محمد بن مسلم عن أويس ابن أبي أويس عديد بني تيم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال هذا رمضان قد جاءكم تفتح فهي أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتسلسل فيه الشياطين قال النسائي هذا حديث خطأ وأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية الفضل بن عيسى الرقاشي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله يقول هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له إذا لم يغفر له فيه فمتى والفضل بن عيسى منكر الحديث قاله أبو زرعة وأبو حاتم وقال ابن معين رجل سوء ولأنس حديث آخر رواه العقيلي في ( الضعفاء ) قال حدثنا جبريل بن عيسى المغربي حدثنا يحيى بن سليمان القرشي حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله يقول إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادى الله تبارك وتعالى رضوان خازن الجنة يقول يا رضوان فيقول لبيك سيدي وسعديك فيقول زين الجنان للصائمين والقائمين من أمة محمد ثم لا نغلقها حتى ينقضي شهرهم فذكر حديثا طويلا جدا منكرا وعباد ابن عبد الصمد منكر الحديث قاله البخاري وأبو حاتم وقال ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) ويحيى بن سليمان مجهول
ومنها حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه رواه الطبراني بلفظ إن رسول الله قال يوما وحضر رمضان أتاكم رمضان شهر بركة يغيثكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز و جل وفي إسناده محمد بن أبي قيس يحتاج إلى الكشف
ومنها حديث ابن عباس رواه الطبراني من رواية نافع بن هرمز عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل عليه السلام وأفضل النبيين آدم عليه السلام وأفضل الأيام يوم الجمعة وأفضل الشهور شهر رمضان وأفضل الليالي ليلة القدر وأفضل النساء مريم بنت عمران عليها السلام ونافع بن هرمز ضعيف ولابن عباس حديث آخر رواه ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) من رواية القاسم بن الحكم العرني عن الضحاك عن ابن عباس أنه سمع النبي يقول إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة فيصطفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع فذكر حديثا طويلا منكرا والقاسم بن الحكم مجهول قاله أبو حاتم وقال يحيى ابن سعيد الضحاك عندنا ضعيف
ومنها حديث ابن عمر رواه الطبراني من رواية الوليد بن الوليد القلانسي عن ابن ثوبان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النبي قال إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول إلى الحول المقبل فإذا كان أول ليلة من رمضان هبت ريح من تحت العرش الحديث والوليد بن الوليد ضعفه الدارقطني وغيره ووثقه أبو حاتم بقوله صدوق
ومنها حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رواه الطبراني في ( الأوسط ) بلفظ ذاكر الله في رمضان مغفور له وسائل الله فيه لا يخيب وفي إسناده هلال بن عبد الرحمن ضعفه العقيلي بقوله

(10/269)


منكر الحديث
ومنها حديث أبي أمامة رواه أحمد والطبراني بلفظ لله عند كل فطر عتقاء ورجاله ثقات
ومنها حديث أبي سعيد الخدري رواه الطبراني في الصغير بلفظ إن أبواب السماء تفتح في أول ليلة من شهر رمضان ولا تغلق إلى آخر ليلة منه وفي إسناده محمد بن مروان السعدي وهو ضعيف ولأبي سعيد حديث آخر رواه البزار بلفظ إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة يعني في رمضان وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة وفيه أبان بن أبي عياش ضعيف ولأبي سعيد حديث آخر رواه الطبراني بلفظ صيام رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما
ومنها حديث أبي مسعود الغفاري رواه الطبراني بلفظ حديث ابن مسعود المتقدم وفي إسناده الهياج بن بسطام وهو ضعيف قال أحمد متروك الحديث وقال ابن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم يكتب حديثه
ومنها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أخرجه النسائي عنها أن رسول الله كان يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
ومنها حديث أم هانىء رواه الطبراني في ( الصغير ) و ( الأوسط ) بلفظ إن أمتي لم يخزوا ما أقاموا شهر رمضان قيل يا رسول الله وما خزيهم في إضاعة شهر رمضان قال انتهاك المحارم فيه الحديث وفيه فاتقوا شهر رمضان فإن الحسنات تضاعف فيه ما لا تضاعف فيما سواه وكذلك السيئات وفي إسناده عيسى بن سليمان أبو طيبة الجرجاني ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه ابن معين
ذكر معناه قوله فتحت أبواب السماء قد ذكرنا معنى فتحت وهنا قال أبواب السماء وفي حديث قتيبة الماضي قال أبواب الجنة وقال ابن بطال المراد من السماء الجنة بقرينة ذكر جهنم في مقابلة قلت جاء في رواية أبواب الرحمة ولا تعارض في ذلك فأبواب السماء يصعد منها إلى الجنة لأنها فوق السماء وسقفها عرش الرحمن كما ثبت في ( الصحيح ) وأبواب الرحمة تطلق على أبواب الجنة لقول النبي في الحديث الصحيح احتجت الجنة والنار الحديث وفيه وقال الله للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي الحديث وقال الطيبي فائدة الفتح توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأن ذلك من الله بمنزلة عظيمة وأيضا فيه أنه إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحته وينصره ما روى إن الجنة تزخرف لرمضان قوله وغلقت أبواب جهنم لأن الصوم جنة فتغلق أبوابها بما قطع عنهم من المعاصي وترك الأعمال السيئة المستوجبة للنار ولقلة ما يؤاخذ الله العباد بأعمالهم السيئة ليستنقذ منها ببركة الشهر ويهب المسيء للمحسن ويجاوز عن السيئات وهذا معنى الإغلاق قوله وسلسلت الشياطين أي شدت بالسلاسل قال الحليمي يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين مسترقوا السمع منهم أن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه لأنهم كانوا منعوا زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيد التسلسل مبالغة في الحفظ ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من إفساد المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشياطين وبقراءة القرآن والذكر وقيل المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم وترجم لذلك ابن خزيمة في ( صحيحه ) وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين مردة الجن وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ وتغل فيه مردة الشياطين ويقال تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات وصفدت بضم الصاد المهملة وبالفاء المشددة المكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت فإن قلت قد تقع الشرور والمعاصي في رمضان كثيرا فلو سلسلت لم يقع شيء من ذلك قلت هذا في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدابه وقيل المسلسل بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات والمقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره وقيل لا يلزم من تسلسلهم وتصفيدهم كلهم أن لا تقع شرور ولا معصية لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الأنسية

(10/270)


91 - 1 - حدثنا ( يحيء بن بكير ) قال حدثني ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سالم ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له
قيل هذا الحديث غير مطابق للترجمة وأجاب عنه صاحب ( التلويح ) بأن في بعض طرق حديث ابن عمر أن رسول الله ت ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال فكأن البخاري على عادته أحال على هذا فطابق بذلك ما بوب له من ذكر رمضان وصاحب ( التوضيح ) تبعه على ذلك وقال بعضهم وإنما أراد المصنف بإيراده في هذا الباب ثبوت ذكر رمضان بغير شهر ولم يقع ذلك في الرواية الموصولة وإنما وقع في الرواية المعلقة قلت قد ذهل هذا القائل عن حديث قتيبة في أول الباب فإنه موصول وليس فيه ذكر شهر والحديث الذي يليه عن يحيى بن بكير فيه ذكر الشهر والترجمة هل يقال رمضان أو شهر رمضان فحديث قتيبة يطابق قوله هل يقال رمضان وحديث يحيى يطابق قوله أو شهر رمضان فضاع الوجه الذي ذكره باطلا وجواب صاحب التلويح أيضا ليس بشيء والوجه في هذا أن يقال الأحاديث المعلقة والموصولة المذكورة في هذا الباب تدل على أن لشهر رمضان أوصافا عظيمة منها أن فيه غفران ما تقدم من ذنب الصائم فيه إيمانا واحتسابا وهو الذي علق منه البخاري قطعة في أول الباب وأن فيه فتح أبواب الجنان وأن فيه غلق أبواب النار وأن فيه تسلسل الشياطين وقد ثبت بالدلائل القطعية فرضية هذا الصوم الموصوف بهذه الأوصاف وأورد هذا الحديث في هذا الباب ليعلم أن هذا الصوم يكون في أيام محدودة وهي أيام شهر رمضان وأن الوجوب يتعلق برؤيته فمن هذه الحيثية يستأنس لوجه إيراد هذا الحديث فيه ويكفي في التطابق أدنى المناسبة فافهم
ثم سند هذا الحديث هو بعينه سند الحديث الذي قبله غير أنه في الأول يروي ابن شهاب عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفي هذا الحديث يروي ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي
قوله إذا رأيتموه أي الهلال لا يقال إنه إضمار قبل الذكر لدلالة السياق عليه كقوله تعالى ولأبويه بكل واحد منهما السدس ( النساء 11 ) أي لأبوي الميت قوله فإن غم عليكم أي فإن ستر الهلال عليكم ومنه الغم لأنه يستر القلب والرجل الأغم المستور الجبهة بالشعر وسمي السحاب غيما لأنه يستر السماء ويقال غم الهلال إذا استتر ولم ير لاستتاره بغيم ونحوه وغممت الشيء أي غطيته قوله فاقدروا له بضم الدال وكسرها يقال قدرت لأمر كذا إذا نظرت فيه ودبرته
وقال في ( شرح المهذب ) وغيره أي ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم الغيم عن رمضان وقال آخرون منهم ابن شريح ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة معناه قدروه بحساب المنازل يعني منازل القمر
وقال أبو عمر في ( الاستذكار ) وقد كان بعض كبار التابعين يذهب في هذا إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى وكان أفضل له لو لم يفعل وحكى ابن شريح عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ويجزيه وقال أبو عمر والذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب منهم مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد ومن قال بقوله وذكر في ( القنية ) للحنفية لا بأس بالإعتماد على قول المنجمين وعن ابن مقاتل لا بأس بالاعتماد على قولهم والسؤال عنهم إذا اتفق عليه جماعة منهم وقول من قال إنه يرجع إليهم عند الاشتباه بعيد وعند الشافعي لا يجوز تقليد المنجم في حسابه وهل يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه فيه وجهان وقال المازري حمل جمهور الفقهاء قوله فاقدروا له على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر ولا يجوز أن يكون المراد حساب

(10/271)


النجوم لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا الأفراد والشارع إنما يأمر الناس بما يعرفه جماهيرهم قال القشيري وإذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلا فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي وليس حقيقة الرؤية مشروطة في اللزوم فإن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة أو بالاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم وإذا لم ير الهلال ولا أخبره من رآه وفي ( الاشراف ) صوم يوم الثلاثين من شعبان إذ لم ير الهلال مع الصحو إجماع من الأمة أنه لا يجب بل هو منهي عنهم
وقال الكرماني واختلفوا في هذا التقدير يعني في قوله فاقدروا له فقيل معناه قدروا عدد الشهر الذي كنتم فيه ثلاثين يوما إذ الأصل بقاء الشهر وهذا هو المرضي عند الجمهور وقيل قدروا له منازل القمر وسيره فإن ذلك يدل على أن الشهر تسعة وعشرون يوما أو ثلاثون فقالوا هذا خطاب لمن خصه الله بهذا العلم والوجه هو الأول
وقد استفيد من هذا الحديث أن وجوب الصوم ووجوب الإفطار عند انتهاء الصوم متعلقان برؤية الهلال وقال عبد الرزاق حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين وقال الشافعي حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوه العدة ثلاثين قال ابن عبد البر كذا قال والمحفوظ في حديث ابن عمر فاقدروا له وقد ذكر عبد الرزاق عن أيوب عن نافع عنه أن رسول الله قال لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا ثم إذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما
وقال أبو عمر وروى ابن عباس وأبو هريرة وحذيفة وأبو بكر وطلق الحنفي وغيرهم عن النبي صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قلت حديث ابن عباس أخرجه أبو داود عنه قال قال رسول الله لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم لا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا والشهر تسع وعشرون وحديث أبي هريرة عند الترمذي رواه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا وقال حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد انفرد به الترمذي من هذا الوجه وحديث حذيفة عند أبي داود والنسائي أخرجه أبو داود من رواية منصور عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ونقل ابن الجوزي في ( التحقيق ) أن أحمد ضعف حديث حذيفة وقال ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظ وقد أنكر عليه ابن عبد الهادي في ( التنقيح ) وقال إنه وهم منه فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال عن رجل من أصحاب النبي وجهالته غير قادحة في صحة الحديث وحديث أبي بكرة رواه أبو داود الطيالسي ومن طريقه البيهقي بلفظ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما وحديث طلق بن علي رواه الطبراني في ( الكبير ) فقال عن النبي أنه نهى أن يصوم قبل رمضان بصوم يوم حتى تروا الهلال أو نفي العدة ثم لا تفطرون حتى تروه أو نفي العدة وفي إسناده حبان بن رفيدة قال ابن حبان فيه نظر وقال الذهبي لا يعرف
وغيرهم من الصحابة البراء بن عازب وعائشة وعمر وجابر ورافع بن خديج وابن مسعود وابن عمر وعلي بن أبي طالب وسمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه فحديث البراء بن عازب عند الطبراني في ( الكبير ) وحديث عائشة عند أبي داود وحديث عمر عند البيهقي وحديث جابر عند البيهقي أيضا وحديث رافع بن خديج عند الدارقطني وحديث ابن مسعود عند الطبراني في ( الكبير ) وحديث ابن عمر عند مسلم وحديث علي بن أبي طالب عند أحمد والطبراني وحديث سمرة بن جندب عند الطبراني
ثم الحكمة في النهي عن التقديم يصوم يوم أو يومين هي أن لا يختلط صوم الفرض بصوم نفل قبله ولا بعده تحذيرا

(10/272)


مما صنعت النصارى في الزيادة على ما افترض عليهم برأيهم الفاسد وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم كراهة صوم يوم الشك إنه من رمضان منهم علي وعمر وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس وأبو وائل وابن المسيب وعكرمة وإبراهيم والأوزاعي والثوري والأئمة الأربعة وأبو عبيد وأبو ثور وإسحاق وجاء ما يدل على الجواز عن جماعة من الصحابة قال أبو هريرة لأن اتعجل في صوم رمضان بيوم أحب إلي من أن أتأخر لأني إذا تعجلت لم يفتني وإذا تأخرت فاتني ومثله عن عمرو بن العاص وعن معاوية لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وروى مثله عن عائشة وأسماء بنتي أبي بكر رضي الله تعالى عنهم فإن حال دون منظره غيم وشبهة فكذلك لا يجب صومه عند الكوفيين ومالك والشافعي والأوزاعي والثوري ورواية عن أحمد فلو صامه وبان أنه من رمضان يحرم عندنا وبه قال الثوري والأوزاعي وقال ابن عمر وأحمد رضي الله تعالى عنه وطائفة قليلة يجب صومه في الغيم دون الصحو وقال قوم الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا وهو قول الحسن وابن سيرين وسوار العنبري والشعبي في رواية وأحمد في رواية
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير وابن شريح عن الشافعي وابن قتيبة والداودي وآخرون ينبغي أن يصبح يوم الشك مفطرا متلوما غير آكل ولا عازم على الصوم حتى إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال نوى وإلا أفطر فيما ذكره الطحاوي ويوم الشك هو أن يشهد عند القاضي من لا تقبل شهادته أنه رآه أو أخبره من يثق به من عبد أو امرأة فلو صامه ونوى التطوع به فهو غير مكروه عند الحنفية وبه قال مالك وفي ( شرح الهداية ) والأفضل في حق الخواص صومه بنية التطوع بنفسه وخاصته وهو مروي عن أبي يوسف وفرض العوام التلوم إلى أن يقرب الزوال وفي ( المحيط ) إلى الزوال فإن ظهر أنه من رمضان نوى الصوم وإلا أفطر وإن صام قبل رمضان ثلاثة أيام أو شعبان كله أو وافق يوم الشك يوما كان يصومه فالأفضل صومه بنية النفل
وفي ( المبسوط ) الصوم أفضل قال وتأويل النهي أن ينوي الفرض فيه وفي ( المحيط ) إن وافق يوما كان يصومه فالصوم أفضل وإلا فالفطر أفضل والصوم قبله بيوم أو يومين مكروه أي صوم كان ولا يكره بثلاثة وهو قول أحمد
وقال الشافعي يكره التطوع إذا انتصف شعبان لقوله إذا انتصف شعبان فلا تصوموا قال الترمذي حسن صحيح وقال النسائي لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن وروى عن أحمد أنه قال هو ليس بمحفوظ قال وسألنا عبد الرحمن ابن مهدي عنه فلم يصححه ولم يخدش به وكان يتوقاه قال أحمد والعلاء لا ينكر من حديثه إلا هذا وفي رواية المروزي سألنا أحمد عنه فأنكره وقال أبو عبد الله هذا خلاف الأحاديث التي رويت عن النبي وعلى تقدير صحة قول الترمذي يعارضه حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لرجل هل صمت من سرر شعبان قال لا قال فإذا أفطرت فصم يومين وسرر الشهر آخره سمي بذلك لاستتار القمر فيه وروى أبو داود بإسناد جيد من حديث معاوية سمعت النبي يقول صوموا الشهر وسره وأنا متقدم بالصيام فمن أحب فليفعله وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي لم يكن يصوم من السنة شهرا كاملا إلا شعبان يصله برمضان قال الترمذي حديث حسن وعند الحاكم على شرطهما عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصوم شعبان ثم يصله برمضان وفي ( معجم الحافظ المنذري ) في حرف العين المهملة بسند فيه ابن صالح كاتب الليث بن سعد حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سالم قال كان عبد الله بن عمر يصوم قبل هلال رمضان بيوم
وقال غيره عن الليث قال حدثني عقيل ويونس لهلال رمضان
أي قال غير يحيى بن بكير وأراد بهذا الغير أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني عقيل بضم العين ابن خالد الأيلي كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب وذكره بلفظ سمعت النبي يقول لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا الحديث قوله ويونس أي يونس بن يزيد الأيلي وفي ( التلويح ) حديث يونس رواه مسلم في ( صحيحه ) قلت حديثه رواه مسلم عن حرملة ولكن ليس في روايته لهلال فقال حدثني حرملة

(10/273)


قال أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني سالم بن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول إذا رأيتمو فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأقدروا له قوله لهلال أراد أن في رواية عقيل ويونس أن رسول الله يقول لهلال رمضان إذا رأيتموه فأظهرا ما كان مضمرا فافهم
6 -
( باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية )
أي هذا باب يذكر فيه قوله من صام رمضان إيمانا واحتسابا إلى هنا لفظ الحديث وقوله ونية نصب على أنه عطف على قوله احتسابا وإنما زاد هذه اللفظة لأن الصوم هو التقرب إلى الله والنية شرط في وقوعه قربة وإنما لم يذكر جواب من اكتفاء بذكره في الحديث
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي يبعثون على نياتهم
هذا قطعة من حديث وصله البخاري في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها وأوله يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم قالت قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم يعني يوم القيامة وإنما ذكر هذه القطعة هنا تنبيها على أن الأصل في الأعمال النية وهو وجه المطابقة بين هذه القطعة وبين قوله ونية في الترجمة قوله يبعثون على نياتهم يعني من كان منهم مختارا تقع المؤاخذة عليه ومن كان مكرها ينجو
1091 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
وجه المطابقة بينه وبين الترجمة هو أنه جعل الترجمة جزأ من الحديث المذكور وقد مضى الحديث في كتاب الإيمان في ترجمتين الأولى في باب تطوع قيام رمضان من الإيمان من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والثانية عقيب الأولى في باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان فأخرج الحديث الأول عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي وأخرج الثاني عن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهنا أخرجه عن مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى
قوله إيمانا أي تصديقا بوجوبه واحتسابا أي طلبا للأجر في الآخرة وقال الجوهري الحسبة بالكسر الأجر احتسبت كذا أجرا عند الله وقال الخطابي أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقلة لصيامه ولا مستطيلة لإتمامه وانتصاب إيمانا على أنه حال بمعنى مؤمنا وكذلك احتسابا بمعنى محتسبا ونقل بعضهم عمن قال منصوبا على أنه مفعول له أو تمييز قلت وجهان بعيدان والذي له يد في العربية لا ينقل مثل هذا
7 -
( باب أجود ما كان النبي يكون في رمضان )
أي هذا باب يذكر فيه أجود ما كان النبي إلى آخره قوله أجود أفعل التفضيل من الجود وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي ومعناه أسخى الناس وأجود مضاف إلى ما بعده مرفوع بالابتداء وكلمة ما مصدرية أي أجود كون النبي وقوله يكون جملة في محل الرفع على الخبرية قوله في رمضان أي في شهر رمضان وكان أجود الناس وكان

(10/274)


أجود ما يكون في رمضان لأنه شهر يتضاعف فيه ثواب الصدقة وفيه الصوم وهو من أشرف العبادات فلذلك قال الصوم لي وأنا أجزي به وفيه ليلة القدر وفيه كان جبريل عليه الصلاة و السلام يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن
2091 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) قال أخبرنا ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة
مطابقته للترجمة من حيث إنها من الحديث ببعض تغيير والحديث قد مضى في أول الكتاب في باب كيف كان بدء الوحي إلى النبي فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس عن الزهري إلى آخره وقد أخرجه في خمسة مواضع وقد استوفينا الكلام فيه هناك ولم نبق شيئا والله أعلم بحقيقة الحال
8 -
( باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم )
أي هذا باب في بيان حال من لم يدع أي لم يترك قول الزور وهو الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل والتهمة قوله والعمل به أي بمقتضاه مما نهى الله عنه وإنما حذف الجواب اكتفاء بما في الحديث وهكذا دأبه في غالب المواضع وقيل لو نص ما في الخبر لطالت الترجمة أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته
3091 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) قال حدثنا ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه
( الحديث 3091 - طرفه في 7506 )
مطابقته للترجمة من حيث أن الترجمة نصف حديث الباب وابن أبي ذئب هم محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وهو يروي عن سعيد المقبري عن أبيه كيسان الليثي عن أبي هريرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب به وأخرجه أبو داود أيضا عن أحمد بن يونس وأخرجه الترمذي في الصوم عن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر وعن الربيع بن سليمان وأخرجه ابن ماجه فيه عن عمرو بن رافع عن ابن المبارك الكل عن ابن أبي ذئب وفي أكثر الروايات عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه وقد رواه ابن وهب عن ابن أبي ذئب فاختلف عليه رواه الربيع عنه مثل الجماعة ورواه ابن السرح عنه فلم يقل عن أبيه وأخرجهما النسائي وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسقاطه أيضا واختلف فيه علي ابن المبارك فأخرجه ابن حبان من طريقه بالإسقاط وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة بإثباته وكذلك اختلف على أحمد بن يونس فرواه أبو داود في ( سننه ) عنه عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه كرواية الأصل ورواه البخاري في كتاب الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة هكذا هو في أكثر روايات البخاري وفي رواية أبي ذر زيادة ذكر أبيه وقد اختلف فيه على ابن أبي ذئب اختلاف آخر فرواه يونس بن يحيى بن سابه عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير عن أبي هريرة رواه النسائي في ( سننه الكبرى ) كذلك وقال فيما حكاه عنه المزي في ( الأطراف ) هذا حديث منكر لا أعلم من رواه عن الزهري غير ابن أبي ذئب إن كان يونس بن يحيى حفظه عنه ولم أر كلام النسائي في نسختي ولأبي هريرة
حديث آخر رواه ابن حبان في ( صحيحه ) والبيهقي في ( سننه ) من رواية الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن عمه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ليس الصيام من الأكل والشرب فقط إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم
ذكر معناه قوله من لم يدع قول الزور أي من لم يترك وقد ذكرنا تفسير الزور عن قريب وقال شيخنا قوله هذا يحتمل أن يراد من لم يدع ذلك مطلقا غيره مقيد بصوم ويكون معناه أن من لم يدع قول الزور والعمل به الذي هو من أكبر الكبائر وهو متلبس به فماذا يصنع بصومه وذلك كما يقال أفعال البر يفعلها البر والفاجر ولا يجتنب النواهي إلا صديق ويحتمل أن يكون المراد من لم يدع ذلك في حال تلبسه بالصوم وهو الظاهر وقد صرح به في بعض طرق النسائي من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل في الصوم وقد بوب الترمذي على هذا الحديث بقوله باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وقال شيخنا فيه إشكال من حيث أن الحديث فيه قول الزور والعمل به والغيبة ليست قول الزور ولا العمل به إذ حد الغيبة على ما هو المشهور ذكرك أخاك بما فيه مما يكرهه وقول الزور هو الكذب والبهتان وقد فسر النبي قول الزور في قوله في سورة الحج بشهادة الزور فقال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله وهكذا بوب أبو داود على الحديث الغيبة للصائم وبوب عليه النسائي في ( الكبرى ) ما ينهى عنه الصائم من قول الزور والغيبة وبوب عليه ابن ماجه باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم وكأنهم والله أعلم فهموا من الحديث حفظ المنطق عن المحرمات ومن جملتها الغيبة ولهذا بوب عليه ابن حبان في ( صحيحه ) ذكر الخبر الدال على أن الصيام إنما يتم باجتناب المحظورات لا بمجانبة الطعام والشراب والجمع فقط وفي بعض ألفاظ الحديث من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فيحتمل أن يراد بالجهل جميع المعاصي وهذه اللفظة عند البخاري في كتاب الأدب وعند النسائي أيضا وابن حبان في ( صحيحه ) ورواه ابن ماجه ولفظه من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به قال شيخنا الضمير في به يحتمل أن يعود إلى الزور فقط وإن كان أبعد في الذكر لاتفاق الروايات عليه ويحتمل أن يعود على الجهل فقط لكونه أقرب مذكور وعلى هذا فالغيبة عمل بالجهل ويحتمل عود الضمير عليهما أعني الزور والجهل وإنما أفرد الضمير لاشتراكهما في تنقيص الصوم انتهى قلت يجوز أن يعود إليهما باعتبار كل واحد
واختلف العلماء في أن الغيبة والنميمة والكذب هل يفطر الصائم فذهب الجمهور من الأئمة إلى أنه لا يفسد الصوم بذلك وإنما التنزه عن ذلك من تمام الصوم وعن الثوري إن الغيبة تفسد الصوم ذكره الغزالي في ( الإحياء ) وقال رواه بشر بن الحارث عنه قال وروى ليث عن مجاهد خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب هكذا ذكره الغزالي بهذا اللفظ والمعروف عن مجاهد خصلتان من حفظهما سلم له صومه الغيبة والكذب هكذا رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد وروى ابن أبي الدنيا عن أحمد بن إبراهيم عن يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يقولون إن الكذب يفطر الصائم وروى أيضا عن يحيى بن يوسف عن يحيى بن سليم عن هشام عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قالوا اتقوا المفطرين الكذب والغيبة
قوله فليس لله حاجة هذا مجاز عن عدم الالتفات والقبول فنفى السبب وأراد المسبب قال ابن بطال وضع الحاجة موضع الإرادة إذ الله لا يحتاج إلى شيء يعني ليس لله إرادة في صيامه وقال أبو عمر ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه وهو مثل قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر قال فكذلك من اغتاب أو شهد زورا أو منكرا لم يؤمر بأن يدع صيامه ولكنه يؤمر باجتناب ذلك ليتم له أجر صومه ثم قوله فليس لله حاجة هكذا لفظ ( الصحيح ) وكتب السنن وغيرها من الكتب المشهورة وفي بعض طرقه فليس به حاجة يعني بالذي يصوم بهذا الوصف رواه بهذا اللفظ البيهقي في ( شعب الإيمان ) من رواية يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري من غير ذكر أبيه وإسناده صحيح ويزيد بن هارون من أئمة المسلمين

(10/276)


9 -
( باب هل يقول أني صائم إذا شتم )
أي هذا باب يذكر فيه هل يقول الشخص إني صائم إذا شتمه أحد ولم يذكر جواب الاستفهام اكتفاء بما في حديث الباب
4091 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام بن يوسف ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عطاء ) عن ( أبي صالح الزيات ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه
مطابقته للترجمة في قوله فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم وقد مضى هذا الحديث قبل هذا بخمسة أبواب وهو باب فضل الصوم فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهنا أخرجه عن إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير عن هشام بن يوسف أبي عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها عن عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن أبي صالح ذكوان الزيات السمان عن أبي هريرة وههنا زيادة هي قوله فلا يصخب وهناك ولا يجهل وقوله للصائم فرحتان إلى آخره وقد مضى الكلام فيه مستوفى
قوله ولا يصخب بالصاد المهملة والخاء المعجمة في رواية الأكثرين وروى بعضهم ولا يسخب بالسين بدل الصاد ومعناهما واحد وهو الخصام والصياح قوله لخلوف بضم الخاء وبالواو بعد اللام في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لخلف بحذف الواو وقال بعضهم كأنها صيغة جمع وسكت ولم يبين مفرده ما هو والظاهر أنه جمع خلفة بالكسر وقال ابن الأثير الخلفة بالكسر تغير ريح الفم وأصلها في النبات أن ينبت الشيء بعد الشيء لأنها رائحة حدثت بعد الرائحة الأولى وروي في غير البخاري بهذه اللفظة أعني خلفة قوله للصائم فرحتان جملة إسمية من المبتدأ المؤخر والخبر المقدم قوله يفرحهما أي يفرح بهما فحذف الجار وأوصل الضمير كما في قوله تعالى فليصمه ( البقرة 581 ) أي فليصم فيه و هو مفعول مطلق فأصله يفرح الفرحتين فجعل الضمير بدله نحو عبد الله أظنه منطلق قوله إذا أفطر فرح وفي رواية مسلم بفطرة وقال القرطبي معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه قوله فرح بصومه أي بجزائه وثوابه وقيل هو السرور بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه وقال ابن العربي فرحه عند إفطاره بلذة الغذاء عند الفقهاء وبخلوص الصوم من الرفث واللغو عند الفقراء
01 -
( باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة )
أي هذا باب في كسر النفس بالصوم لمن خاف على نفسه العزوبة بضم العين والزاي قال الجوهري العزوبة والعزبة الاسم قلت من عزب يعزب ويعزب قال الكسائي العزب الذي لا أهل له والعزبة التي لا زوج لها وقال ابن الأثير العزب البعيد من النكاح ومعنى خاف على نفسه العزوبة يعني خاف من بعد النكاح أن يقع في العنت وهو الزنا ومادة هذه اللفظة في الأصل تدل على البعد ومنه يقال عزب عني فلان أي بعد ويقال تعزب فلان زمانا ثم تأهل ثم لفظ العزوبة في الترجمة رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر العزبة وكلاهما واحد كما ذكرنا

(10/277)


5091 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال بينا أنا أمشي مع عبد الله رضي الله تعالى عنه فقال كنا مع النبي فقال من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء
مطابقته للترجمة في قوله فعليه بالصوم
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبدان هو عبد الله بن عثمان الثاني أبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي اسمه محمد بن ميمون السكري وقد مر في باب نفض اليدين في الغسل الثالث سليمان الأعمش الرابع إبراهيم النخعي الخامس علقمة بن قيس النخعي السادس عبد الله بن مسعود
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان والبقية الثلاثة كوفيون وفيه القول في موضعين وفيه رواية الراوي عن خاله لأن علقمة خال إبراهيم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن رجل وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وأبي كريب ثلاثتهم عن أبي معاوية وعن عثمان عن جرير وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان عن جرير وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن حرب عن أبي معاوية وفي الصوم عن بشر بن خالد وعن هلال بن العلاء عن أبيه وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن عبد الله بن عامر
ذكر معناه قوله بينا أنا أمشي قد ذكرنا غير مرة أن أصل بينا بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا يقال بينا وبينما وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى جملة والأفصح في جوابهما أن لا يكون بإذ وإذا وقد جاء بهما كثيرا وقال الكرماني فإن قلت جواب بين كيف صح بالفاء وهو إما بإذا أو بالفعل المجرد قلت إما أن تجعل الفاء مقام إذ للأخوة بينهما وإما أن يقال لفظ قال مقدر والمذكور مفسر له انتهى قلت هذا كله تعسف لأنا لا نسلم أن جواب بين بإذ لأنا قلنا الآن إن الأفصح أن يكون بالفاء ولا نسلم قوله بالفعل المجرد وأيضا لا نسلم الأخوة بين إذا والفاء والصواب أن يقال جواب بين هو قوله فقال والفاء لا تضر ولا يفسد به المعنى ولا يحتاج إلى تقدير شيء وقوله قال كنا مع النبي جملة معترضة بين قوله بينا وبين جوابه فافهم قوله من استطاع قال القرطبي الاستطاعة هنا عبارة عن وجود ما به يتزوج ولم يرد القدرة على الوطء وقال الكرماني رحمه الله وتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم قوله الباءة فيها أربع لغات الفصيحة المشهورة بالمد والهاء الثانية بلا مد الثالثة بالمد بلا هاء الرابعة الباهة بهاءين بلا مد وفي ( الموعب ) الباء الحظ من النكاح وعن ابن الأعرابي الباء والباه والباهة النكاح وفي ( الصحاح ) الباهة مثل الباعة لغة في الباءة ومنه سمي النكاح باء أو باهة لأن الرجل يتبوء من أهله إي يستمكن منها كما يتبوء من داره وبوأه منزلا أنزله فيه والاسم البيئة بالفتح والكسر وقال الأصمعي الباه الغشيان قوله فإنه أي فإن التزوج يدل علي قوله فليتزوج قوله أغض بالغين والضاد المعجمتين أي أدعى إلى غض البصر قوله وأحصن أي أدعى إلى إحصان الفرج وقال صاحب ( التوضيح ) يحتمل أن يكون أغض وأحصن للمبالغة ويحتمل أن يكونا على بابهما قلت هذا تصرف من ليس له يد في العربية لأن كلا منهما أفعل التفضيل فكيف يكونان على بابهما قوله فإنه أي فإن الصوم له أي للصائم قوله وجاء بكسر الواو وبالمد وهو رض الخصيتين وقيل هو رض العروق والخصيتان بحالهما وقال القرطبي وقد قاله بعضهم بفتح الواو والقصر وليس بشيء وقال ابن سيده وجأ التيس وجأ ووجاء فهو موجوء ووجيء وقيل الوجيء مصدر والوجاء إسم وقال ابن الأثير وروي وجا بوزن عصا يريد التعب والحفي وذلك بعيد إلا أن يراد فيه معنى الفتور لأن من وجىء فتر عن المشي فشبه الصوم في باب النكاح بالتعب في باب المشي
ذكر ما يستفاد منه قال الخطابي وفيه دليل على جواز المعاناة لقطع الباءة بالأدوية لقوله فليصم وقال

(10/278)


القرطبي وفيه وجوب الخيار في العنة وفيه أن الصوم قاطع لشهوة النكاح واعترض بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة وأجيب بأن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك وشهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل فإنه يقوى بقوتها ويضعف بضعفها وفيه الأمر بالنكاح لمن استطاع وتاقت نفسه وهو إجماع لكنه عند الجمهور أمر ندب لا إيجاب وإن خاف العنت كذا قالوا
قلت النكاح على ثلاثة أنواع الأول سنة وهو في حال الاعتدال لقوله تناكحوا توالدوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة الثاني واجب وهو عند التوقان وهو غلبة الشهوة الثالث مكروه وهو إذا خاف الجور لأنه إنما شرع لمصالح كثيرة فإذا خاف الجور لم تظهر تلك المصالح ثم في هذه الحالة تشتغل بالصوم وذلك أن الله تعالى أحل النكاح وندب نبيه إليه ليكونوا على كمال من دينهم وصيانة لأنفسهم من غض أبصارهم وحفظ فروجهم لما يخشى على من جبله الله على حب أعظم الشهوات ثم أعلم أن الناس كلهم لا يجدون طولا إلى النساء وربما خافوا العنت بعقد النكاح فعوضهم منه ما يدافعون به سورة شهواتهم وهو الصيام فإنه وجاء وهو مقطع للانتشار وحركة العروق التي تتحرك عند شهوة الجماع
11 -
( باب قول النبي إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا )
أي هذا باب في بيان قول النبي إلى آخره وهذه الترجمة هي بعينها لفظ حديث مسلم حيث قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما وليس في أحاديث الباب مثل عين الترجمة وإنما المذكور ما يقارب الترجمة من حيث اللفظ وما هو عينها من حيث المعنى على ما نبينه عن قريب إن شاء الله تعالى
وقال صلة عن عمار من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم
مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن مقتضى معناها أن لا يصام يوم الشك لأنه علق الصوم برؤية الهلال وهو هلال رمضان فلا يصام اليوم الذي هو آخر شعبان إذا شك فيه هل هو من شعبان أو رمضان وصلة بكسر الصاد المهملة وفتح اللام المخففة على وزن عدة وقال بعضهم على وزن عمر وليس بصحيح وهو ابن زفر بضم الزاي وفتح الفاء المخففة وفي آخره راء العبسي الكوفي يكنى أبا بكر ويقال أبا العلاء قال الواقدي توفي في زمن مصعب بن الزبير وهو من كبار التابعين وفضلائهم وزعم ابن حزم أنه صلة بن أشيم وهو وهم منه وقد صرح بأنه صلة بن زفر جميع من روى هذا وعمار هو ابن ياسر العبسي أبو اليقظان قتل بصفين
وقد وصل هذا التعليق أصحاب السنن الأربعة فقال الترمذي حدثنا عبد الله ابن سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار ابن ياسر فأتي بشاة مصلية فقال كلوا فتنحى بعض القوم فقال إني صائم فقال عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ورواه النسائي عن الأشج ورواه أبو داود وابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبي خالد الأحمر وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه
ويوم الشك هو اليوم الذي يتحدث الناس فيه برؤية الهلال ولم تثبت رؤيته أو شهد واحد فردت شهادته أو شاهدان فاسقان فردت شهادتهما وقال ابن المنذر في ( الأشراف ) قال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بصوم يوم الشك تطوعا وهذا قول أهل العلم وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق ومثله عن مالك على المشهور وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما تصومه وذكر القاضي أبو يعلى أن صوم يوم الشك مذهب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن عباس
وقال أصحابنا صوم يوم الشك على وجوه الأول أن ينوي فيه صوم رمضان وهو مكروه وفيه خلاف أبي هريرة وعمر ومعاوية وعائشة وأسماء ثم إنه من رمضان يجزيه وهو قول الأوزاعي

(10/279)


والثوري ووجه للشافعية وعند الشافعي وأحمد لا يجزيه إلا إذا أخبره به من يثق به من عبد أو امرأة والثاني أنه إن نوى عن واجب آخر كقضاء رمضان والنذر أو الكفارة وهو مكروه أيضا إلا أنه دون الأول في الكراهة وإن ظهر أنه من شعبان قيل يكون نفلا وقيل يجزيه عن الذي نواه من الواجب وهو الأصح وفي ( المحيط ) وهو الصحيح والثالث أن ينوي التطوع وهو غير مكروه عندنا وبه قال مالك وفي ( الأشراف ) حكي عن مالك جواز النفل فيه عن أهل العلم وهو قول الأوزاعي والليث وابن مسلمة وأحمد وإسحاق وفي ( جوامع الفقه ) لا يكره صوم يوم الشك بنية التطوع والأفضل في حق الخواص صومه بنية التطوع بنفسه وخاصته وهو مروي عن أبي يوسف وفي حق العوام التلوم إلى أن يقرب الزوال وفي ( المحيط ) إلى وقت الزوال فإن ظهر أنه من رمضان نوى الصوم وإلا أفطر والرابع أن يضجع في أصل النية بأن ينوي أن يصوم غدا إن كان من رمضان ولا يصومه إن كان من شعبان وفي هذا الوجه لا يصير صائما والخامس أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غدا من رمضان يصوم عنه وإن كان من شعبان فعن واجب آخر فهو مكروه والسادس أن ينوي عن رمضان إن كان غدا منه وعن التطوع إن كان من شعبان يكره
قوله من صام يوم الشك وفي رواية ابن خزيمة وغيره من صام اليوم الذي يشك فيه قال الطيبي إنما أتى بالموصول ولم يقل يوم الشك مبالغة في أن صوم يوم فيه أدنى شك سبب العصيان فكيف من صام يوما الشك فيه قائم قوله فقد عصى أبا القاسم استدل به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع وقال ابن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك وخالفه الجوهري المالكي فقال هو موقوف ورد عليه بأنه موقف لفظا مرفوع حكما وإنما قال أبا القاسم بتخصيص هذه الكنية للإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله حكم الله بحسب قدرهم واقتدارهم
6091 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له
مطابقته للترجمة من حيث إن معنى لفظ الترجمة يؤول إلى معني هذا الحديث وحاصلهما سواء وقد مضى في باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ما رواه من حديث سالم عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له وقد استوفينا الكلام فيه هناك وفي الحديثين كليهما فاقدروا له وجاء من وجه آخر عن نافع فاقدروا ثلاثين وهكذا أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال عبد الرزاق وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به فقال فعدوا ثلاثين
8091 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( جبلة بن سحيم ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول قال النبي الشهر هكذا وهكذا وخنس الإبهام في الثالثة
مطابقته للترجمة من حيث إن معنى الترجمة يدل على أن الصوم إنما يجب برؤية الهلال والهلال تارة يكون تسعا وعشرين يوما فهذا الحديث يبين ذلك وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي وجبلة بالجيم والباء الموحدة واللام المفتوحات ابن سحيم تصغير السحم بالمهملتين الكوفي يكنى بأبي سويرة مصغر سارة مات زمن الوليد بن يزيد
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن آدم وأخرجه مسلم في الصوم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث الكل عن شعبه به
قوله الشهر أي الذي نحن فيه أو جنس الشهر قوله هكذا وهكذا أشار بيديه الكريمتين ناشرا أصابعه مرتين فهذه عشرون قوله وخنس الإبهام في الثالثة

(10/280)


أي أشار في المرة الثالثة بيديه ناشرا أصابعه وخنس الإبهام فيها فهذه تسعة فالجملة تسعة وعشرون يوما ولفظ خنس بفتح الخاء المعجمة والنون وفي آخره سين مهملة معناه قبض والمشهور أنه لازم يقال خنس خنوسا ويروى حبس بالحاء المهملة والباء الموحدة بمعنى خنس وهي رواية الكشميهني وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاما ثلاثين وقد يكون ناقصا تسعا وعشرين وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدد ثلاثين قالوا وقد يقع النص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع أكثر من أربعة
وفيه جواز اعتماد الإشارة المفهمة في مثل هذا
18 - ( حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال النبي أو قال قال أبو القاسم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس ومحمد بن زياد بكسر الزاي وخفة الياء آخر الحروف مر في غسل الأعقاب والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن عبد الله بن معاذ عن أبيه وأخرجه النسائي فيه عن مؤمل بن هشام وعن محمد بن عبد الله بن يزيد عن أبيه الكل عن شعبة به وقد اعترض الإسماعيلي بقوله روى الشيخ هذا الحديث عن آدم عن شعبة وقال فيه فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وقد رويناه عن غندر وابن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وأبي داود كلهم عن شعبة لم يذكر أحد منهم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما هذا يجوز أن يكون آدم رواه على التفسير من عنده للخبر وإلا فليس لانفراد أبي عبد الله عنه بهذا من بين من رواه عنه ومن بين سائر من ذكرنا ممن روى عن شعبة وجه وإن كان المعنى صحيحا ورواه المقبري عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرناه أيضا انتهى ( قلت ) حاصله أنه وقع للبخاري إدراج التفسير في نفس الخبر
( ذكر معناه ) قوله أو قال أبو القاسم شك من الراوي قوله لرؤيته اللام فيه للتوقيت كما في قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس أي وقت دلوكها والمراد من قوله صوموا لرؤيته رؤية بعض المسلمين ولا يشترط كل الناس قال النووي بل يكفي من جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصح هذا في الصوم وأما في الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور جوزه بعدل واحد ( قلت ) قال أصحابنا وإذا كان بالسماء علة قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية هلال رمضان رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا لأنه أمر ديني وقول العدل في الديانات مقبول وفي التحفة والطحاوي يكتفى بالعدالة الظاهرة وفي الذخيرة وإن كان فاسقا ( قلت ) هذا بعيد جدا وفي الذخيرة عن أبي جعفر الفقيه قبول قول الواحد في صوم رمضان سواء كان بالسماء علة أم لا وعن الحسن أنه قال يحتاج إلى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان بالسماء علة أم لا وفي البدائع يقبل قول الواحد في رمضان إذا كان بالسماء علة بلا خلاف بين أصحابنا وفي الروضة ذكر في الهاروني أنه تقبل شهادة الواحد بالصوم والسماء مصحية عن أبي حنيفة خلافا لهما وفي المحيط وينبغي أن يفسر جهة الرؤية فإن احتمل رؤيته يقبل وإلا فلا والمذهب عند الشافعية ثبوته بعدل واحد ولا فرق بين الغيم وعدمه عندهم ولا يقبل قول العبد والمرأة في الأصح ويقبل قول المستور في الأصح وقال عطاء وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي ومالك وإسحاق وداود يشترط المثنى وقال الثوري رجلان أو رجل وامرأتان وقال أحمد يصوم بواحد عند عدم الغيم ويقبل خبر حرين أو حر وحرتين للفطر إذا كانت بالسماء علة وإلا فجمع عظيم يقع العلم بخبرهم وقيل أهل المحلة وقيل خمسون رجلا كالقسامة وعن خلف بن أيوب خمسمائة ببلخ وهلال الأضحى كالفطر وقيل مائة ذكرها في خزانة الأكمل وإذا حال دون المطلع غيم أو قترة ليلة الثلاثين من شعبان لأحمد فيه ثلاثة أقوال أحدها يجب صومه على أنه من رمضان والثاني لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة

(10/281)


ونذرا ونفلا يوافق عادة وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك والثالث المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر فإن غبى أي الهلال من الغباوة وهو عدم الفطنة يقال غبى علي بالكسر إذا لم تعرفه وهي استعارة لخفاء الهلال وهو من باب علم يعلم وقال ابن الأثير وروى غبى بضم الغين وتشديد الياء المكسورة لما لم يسم فاعله قال غبى بالفتح والتخفيف وغبى بالضم والتشديد من الغباء شبه الغبرة في السماء وفي رواية المستملي فإن غم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم قيل معناه حال بينكم وبينه غيم يقال غممت الشيء إذا غطيته وقال ابن الأثير وفي غم ضمير الهلال ويجوز أن يكون غم مسندا إلى الظرف أي فإن كنتم مغموما عليكم فأكملوا وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه وفي رواية الكشميهني أغمى على صيغة المجهول من الإغماء بالغين المعجمة يقال أغمى عليه الخبر إذا استعجم وفي رواية السرخسي غمى بضم الغين المعجمة وتشديد الميم من التغمية وهو الستر والتغطية ونقل ابن العربي أنه روى عمى بفتح العين المهملة من العمى قال وهو بمعناه لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات أو ذهاب البصيرة عن المعقولات قوله فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وفي حديث عبد الله بن عمر الذي مضى قبل هذا الحديث فأكملوا العدة ثلاثين ولم يذكر فيه شعبان ولا غيره ولم يخص شهرا دون شهر بالإكمال إذا غم فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبينه فلا يكون رواية من روى فأكملوا عدة شعبان مخالفا لمن قال فأكملوا العدة بل مبينة لها ويؤيد ذلك ما رواه أصحاب السنن وأحمد وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عباس فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ورواه الطيالسي من هذا الوجه بلفظ ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان -
0191 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( يحيى بن عبد الله بن صيفي ) عن عكرمة بن عبد الرحمان عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي آلى من نسائه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا أو راح فقيل له إنك حلفت أن لا تدخل شهرا فقال إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما
( الحديث 0191 - طرفه في 2025 )
مطابقته للترجمة مثل الوجه الذي ذكرناه في مطابقة الحديث السابق للترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثالث يحيى بن عبد الله بن صيفي منسوب إلى ضد الشتاء مر في أول الزكاة الرابع ( عكرمة بن عبد الرحمن ) بن الحارث المخزومي مات زمان يزيد بن عبد الملك الخامس أم ( سلمة ) زوج النبي واسمها هند بنت أبي أمية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه مذكور بكنيته وأنه بصري وأن ابن جريج ويحيى مكيان وعكرمة مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي عاصم وعن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في الصوم عن هارون بن عبد الله وعن إسحاق بن راهويه وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن يوسف بن سعيد وأخرجه ابن ماجه في الطلاق عن عن أحمد بن يوسف عن أبي عاصم
ذكر معناه قوله آلى أي حلف لا يدخل على نسائه ويقال ألى يولي إيلاء وتألى يتألى تأليا قوله من نسائه إنما عداه بمن حملا على المعنى وهو الامتناع من الدخول وهو يتعدى بمن قوله غدا بالغين المعجمة يقال غدا يغدو غدوا وهو الذهاب أول النهار قوله أو راحشك من الراوي من الرواح وهو الذهاب آخر النهار وهو الأصل وقد يراد به مطلق الذهاب أي وقت كان ومنه قوله من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى أي من مشى إليها وذهب إلى الصلاة ولم يرد رواح آخر النهار وروى مسلم حدثنا عبد بن حميد قال أخبرنا معمر عن الزهري أن النبي أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت

(10/282)


تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله قالت بدأ بي فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن قال إن الشهر تسع وعشرون معناه قد يكون تسعة وعشرين كما صرح به في بعض الروايات ثم اعلم أن قول أم سلمة إن النبي آلى من نسائه شهرا المراد منه الحلف لا الإيلاء الشرعي لأن الإيلاء الشرعي هو الحلف على ترك قربان امرأته أربعة أشهر أو أكثر لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ( البقرة 622 ) فتكون مدة الإيلاء أربعة أشهر من غير زيادة ولا نقصان وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا علي بن مسهر عن سعيد ابن عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال إذا آلى من امرأته شهرا أو شهرين أو ثلاثة ما لم يبلغ الحد فليس بإيلاء وأخرج نحوه عن عطاء وطاووس وسعيد بن جبير والشعبي وقال الشافعي وأحمد إذا حلف لا يقربها أربعة أشهر لا يكون موليا حتى يزيد مدة المطالبة واشترط مالك زيادة يوم والآية المذكورة حجة عليهم وحكم الإيلاء أنه إذا وطئها في المدة كفر لأنه حنث في يمينه وقال الحسن البصري لا كفارة عليه وسقط الإيلاء وإن لم يطأها في المدة حتى مضت بانت منه بتطليقة واحدة وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وهو قول جمهور التابعين وفيه فروع كثيرة محلها كتب الفقه
1191 - حدثنا ( عبد العزهيز بن عبد الله ) قال حدثنا ( سليمان بن بلال ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال آلى رسول الله من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة ثم نزل فقالوا يا رسول الله آليت شهرا فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا وجهها في الحديثين السابقين وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمر وأبو القاسم القرشي العامري الأويسي المدني وهو من أفراده وحميد بضم الحاء الطويل أبو عبيدة البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذر عن عبد العزيز المذكور وفي النكاح عن خالد بن مخلد وفي الطلاق عن إسماعيل عن أخيه عبد الحميد
قوله وكانت انفكت رجله من الانفكاك وهو ضرب من الوهن والخلع وهو أن ينفك بعض أجزائها عن بعض قوله في مشربه بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها وبالباء الموحدة الغرفة قوله تسعا وعشرين كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الحموي والمستملي تسعة وعشرين
21 -
( باب شهرا عيد لا ينقصان )
أي هذا باب يذكر فيه شهرا عيد لا ينقصان والشهران هما رمضان وذو الحجة كما في متن حديث الباب وسنقول وجه إطلاق شهر عيد على رمضان مع أن العيد من شوال وهذه الترجمة عين متن الحديث الذي رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ولم يذكر في الترجمة رمضان وذو الحجة
قال أبو عبد الله قال إسحاق وإن كان ناقصا

(10/283)


فهو تمام
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس هذا بموجود في كثير من النسخ قوله قال إسحاق قال صاحب ( التلويح ) إسحاق هذا هو ابن سويد بن هبيرة العدوي عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وتبعه صاحب ( التوضيح ) على هذا وقال بعضهم أدى مغلطاي وهو صاحب ( التلويح ) أن المراد بإسحاق هو ابن سويد العدوي راوي الحديث ولم يأت على ذلك بحجة وقال إسحاق هو ابن راهويه قلت قول صاحب ( التوضيح ) أقرب إلى الصواب بل الظاهر أن إسحاق هو ابن سويد لأنه ممن روى هذا الحديث فالأقرب أن يكون هو إياه فهذا القائل يرد على صاحب ( التلويح ) فيما قاله بأنه لم يأت بحجة فهذا أدعى أنه إسحاق بن راهويه وأين حجته على ذلك فإن قيل حجته أن الترمذي نقل هذا أعني قوله وإن كان ناقصا فهو تمام عن إسحاق بن راهويه يقال له حجة صاحب ( التلويح ) أقوى فيما قاله لأنه ينسبه إلى راوي الحديث الذي فيه وما نسبه الترمذي إلى إسحاق بن راهويه يكون من باب توارد الخواطر
قوله وإن كان ناقصا فهو تمام يعني وإن كان كل واحد من شهري العيد ناقصا أي وإن كان عددهما ناقصا في الحساب فهو تمام في الثواب والأجر وقد روى أبو نعيم في ( مستخرجه ) عن إسحاق العدوي من رواية مسدد بالإسناد المذكور بلفظ لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة وروى البيهقي من طريق يحيى بن محمد بن يحيى عن مسدد بلفظ شهرا عيد لا ينقصان كما هو لفظ الترجمة
وقال محمد لا يجتمعان كلاهما ناقص
قيل المراد من قوله قال محمد هو البخاري نفسه لأن اسمه محمد بن إسماعيل وهذا نادر لأن دأبه إذا أراد أن يذكر شيئا وأراد أن ينسبه إلى نفسه يقول قال أبو عبد الله بكنيته وقال صاحب ( التلويح ) هذا التعليق عن ابن سيرين مذكور ولم يذكر مذكور في أي موضع وعن هذا يحتمل أن يكون المراد من قوله وقال محمد هو محمد بن سيرين والأقرب والله أعلم أنه هو محمد بن سيرين قوله لا يجتمعان أي شهرا عيد وقوله كلاهما ناقص جملة حالية بغير واو ويجوز ذلك كما في قوله كلمته فوه إلى في والمعنى لا يجتمعان في سنة واحدة في حالة نقص فيهما بل إن نقص أحدهما تم الآخر
2191 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( معتمر ) قال سمعت ( إسحاق ) يعني ( ابن سويد ) عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي ح وحدثني مسدد قال حدثنا معتمر عن خالد الحذاء قال أخبرني عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي قال شهران لا ينقصان شهرا عيد رمضان وذو الحجة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورواه البخاري من طريقين أحدهما عن مسدد عن معتمر بن سليمان البصري عن إسحاق ابن سويد العدوي عن ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) عن أبيه أبي بكرة واسمه نفيع تصغير النفع بالنون والفاء والعين المهملة الثقفي وقد مر كلاهما وعبد الرحمن أول مولود ولد بالبصرة بعد بنائها وقد مر في العلم والآخر عن ( مسدد ) عن معتمر عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة إلى آخره
وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن أبي بكرة عن ( معتمر ) به وعن يحيى بن يحيى عن يزيد بن زريع عن ( خالد الحذاء ) وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن يزيد بن زريع به وأخرجه الترمذي فيه عن يحيى ابن خلف عن بشر بن الفضل عن خالد الحذاء به وقال حديث حسن وأخرجه ابن ماجه فيه عن حميد بن مسعدة عن يزيد ابن زريع به وإنما اختار البخاري سياق المتن على لفظ خالد دون إسحاق بن سويد لكونه لم يختلف في سياقه عليه كذا قاله بعضهم قلت كلا الطريقين صحيح عند البخاري ولكنه انفرد بإخراجه من حديث إسحاق بن سويد وبقية الجماعة غير النسائي أخرجوه من حديث خالد الحذاء فيمكن أن يكون اختياره سوق المتن على لفظ خالد لهذا المعنى ومع هذا شك بعض الرواة في رفعه إلى النبي ولهذا قال الترمذي وقد روي هذا الحديث عن ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) عن النبي مرسلا ولهذا حسنه الترمذي ولم يصححه لما وقع فيه من الاختلاف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه والاختلاف في لفظه وقال شيخنا ولا أعلم من رواه عن أبي بكرة غير ابنه عبد الرحمن ورواه عن عبد الرحمن جماعة منهم خالد الحذاء وإسحاق بن سويد وعلي بن يزيد بن جدعان وسالم أبو حاتم وعبد الملك بن عمير وعبد الرحمن بن إسحاق كلهم أسنده عن أبيه عن النبي وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث خالد الحذاء وانفرد به البخاري من حديث إسحاق بن سويد ورواه أحد في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية علي بن زيد وسالم بن أبي حاتم ويكنى أيضا أبا عبد الله ورواه الطبراني من رواية عبد الملك بن عمير ورواه البزار في ( مسنده ) من رواية عبد الرحمن بن إسحاق وقال البزار في ( مسنده ) وهذا الكلام لا نعلم رواه أحمد عن النبي بهذا اللفظ إلا أبو بكرة نحو كلامه بغير لفظه انتهى وقد روى أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله كل شهر

(10/284)


حرام تام ثلاثين يوما وثلاثين ليلة رواه ابن عدي في ( الكامل ) في ترجمة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ونقل تضعيفه عن أحمد ويحيى والبخاري والنسائي وذكر أبو عمر في ( التمهيد ) هذا الحديث وقال لا يحتج بهذا فإنه يدور على عبد الرحمن ابن إسحاق وهو ضعيف قال شيخنا ليس مداره عليه كما ذكر وأيضا فقد اختلف عليه فيه فروي عنه بهذا اللفظ كما تقدم وروي عنه باللفظ المشهور رواه البزار في ( مسنده ) كذلك قال حدثنا عمرو بن مالك حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رفعه إلى النبي قال شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة وأما متابعته على اللفظ الآخر كل شهر حرام فرواه الطبراني في ( الكبير ) قال حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا سعيد بن سليمان عن هشيم عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله كل شهر حرام لا ينقص ثلاثين يوما وثلاثين ليلة ورجال إسناده كلهم ثقات وأحمد بن يحيى وثقه أحمد بن عبد الله الفرائضي وباقيهم رجال الصحيح
ذكر معناه قوله شهران مبتدأ ولا ينقصان خبره قوله شهرا عيد كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف يعني هما شهرا عيد ويجوز أن يكون ارتفاعه على البدلية قوله رمضان مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهما رمضان ومنع الصرف للتعريف والألف والنون وقد مر الكلام فيه مستوفى قوله وذو الحجة كذلك خبر مبتدأ محذوف أي والآخر ذو الحجة وقال ابن الجوزي فإن قيل كيف سمي شهر رمضان شهر عيد وإنما العيد في شوال فقد أجاب عنه الأثرم بجوابين أحدهما أنه قد يرى هلال شوال بعد الزوال من آخر يوم رمضان والثاني لما قرب العيد من الصوم أضافته العرب إليه بما قرب منه قلت في بعض ألفاظ الحديث التصريح بأن العيد في رمضان رواه أحمد في ( مسنده ) قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت خالدا الحذاء يحدث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي قال شهران لا ينقصان في كل واحد منهما عيد رمضان وذو الحجة وهذا إسناده صحيح
وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث على أقوال فقال بعضهم معناه أنهما لا يكونان ناقصين في الحكم وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب وقال بعضهم معناه أنهما لا يكادان يوجدان في سنة واحدة مجتمعين في النقصان إن كان أحدهما تسعا وعشرين كان الآخر ثلاثين على الكمال وقال بعضهم إنما أراد بهذا تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة فإنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان وقال ابن حبان لهذا الخبر معنيان أحدهما أن شهري عيد لا ينقصان في الحقيقة وإن نقصا عندنا في رأي العين عند الحائل بيننا وبين رؤية الهلال بقترة أو ضباب والمعنى الثاني أن شهري عيد لا ينقصان في الفضائل يريد أن عشر ذي الحجة على الفضل كشهر رمضان وقال الطحاوي معناه لا ينقصان وإن كانا تسعا وعشرين يوما فهما كاملان لأن في أحدهما الصيام وفي الآخر الحج وأحكام ذلك كله كاملة غير ناقصة وعن المازري معناه لا ينقصان في عام واحد بعينه وعن الخطابي قيل لا ينقص أجر ذي الحجة عن أجر رمضان لفضل العمل في العشر وقال الطحاوي روى عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن النبي أنه قال كل شهر حرام ثلاثون فقال وليس بشيء لأن ابن إسحاق لا يقاوم خالد الحذاء ولأن العيان يمنعه وقال الكرماني فإن قلت ذو الحجة إنما يقع الحج في العشر الأول منه فلا دخل لنقصان الشهر وتمامه فيه بخلاف رمضان فإنه يصام كله مرة فيكون تاما ومرة يكون ناقصا قلت قد تكون أيام الحج من الإغماء والنقصان مثل ما يكون في آخر رمضان بأن يغمى هلال ذي القعدة ويقع فيه الغلط بزيادة يوم أو نقصانه فيقع عرفة في اليوم الثامن أو العاشر منه فمعناه أن أجر الواقفين بعرفة في مثله لا ينقص عما لا غلط فيه وقال ابن بطال قالت طائفة من وقف بعرفة بخطأ شامل لجميع أهل الموقف في يوم قبل يوم عرفة أو بعده أنه يجزىء عنه لأنهما لا ينقصان عند الله من أجر المتعبدين بالاجتهاد كما لا ينقص أجر رمضان الناقص وهو قول عطاء والحسن وأبي حنيفة والشافعي احتج أصحابه على جواز ذلك بصيام من التبست عليه الشهور أنه جائز أن يقع صيامه قبل رمضان أو بعده وعن ابن القاسم أنهم إن أخطأوا ووقفوا بعد يوم عرفة يوم النحر يجزيهم وإن قدموا الوقوف يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزهم وهذا تخرج على أصل تلك فيمن التبست عليه الشهور فصام رمضان ثم تيقن له أنه أوقعه بعد رمضان أنه يجزيه ولا يجزيه إذا

(10/285)


أوقعه قبل رمضان كمن اجتهد وصلى قبل الوقت أنه لا يجزيه وقال بعض العلماء إنه لا يقع وقوف الناس اليوم الثامن أصلا لأنه لا يخلو من أن يكون الوقوف برؤية أو بإغماء فإن كان برؤية وقفوا اليوم التاسع وأن كان بإغماء وقفوا اليوم العاشر
فإن قلت ما الحكمة في تخصيص الشهرين بالذكر قلت قال البيهقي إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما وبه قطع النووي وقال الطيبي ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في غيرهما من الشهور وليس المراد أن ثواب الطاعة في غيرهما ينقص وإنما المراد رفع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيها ومن ثمة قال شهرا عيد بعد قوله شهران لا ينقصان ولم يقتصر على قوله رمضان وذو الحجة
وفيه حجة لمن قال إن الثواب ليس مرتبا على وجود المشقة دائما بل لله أن يتفضل بإلحاق الناقص بالتام في الثواب ومنه استدل بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنية واحدة قال لأنه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة فاكتفى له بالنية ومما يستفاد من هذا الحديث أنه يقتضي التسوية في الثواب بين الشهر الكامل وبين الشهر الناقص فافهم
31 -
( باب قول النبي لا نكتب ولا نحسب )
أي هذا باب في بيان قول النبي لا نكتب بنون المتكلم وكذلك لا نحسب
3191 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( الأسود بن قيس ) قال حدثنا ( سعيد بن عمرو ) أنه سمع ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه قال إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا أو هكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين
( انظر الحديث 8091 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنها بعض الحديث والأسود بن قيس أبو قيس البجلي الكوفي التابعي مر في العيد في باب كلام الإمام وسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي مر في الوضوء وفيه رواية التابعي عن التابعي
والحديث أخرجه مسلم في الصوم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن المثنى وابن بشار ثلاثتهم عن غندر عن شعبة به وعن محمد بن حاتم عن ابن مهدي وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن حرب عن شعبة به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى وفيه وفي العلم عن ابن المثنى وابن بشار كلاهما عن غندر به وأخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال ضرب رسول الله بيده على الأخرى وقال الشهر هكذا وهكذا ثم نقص في الثالثة إصبعا وأخرجه عن جابر بن عبد الله أيضا قال اعتزل النبي الحديث وفيه إن الشهر يكون تسعا وعشرين وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود ما صمت مع رسول الله تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين وعن عائشة مثله عند الدارقطني وابن ماجه مثله من حديث أبي هريرة قوله إنا أي العرب قال الطيبي إنا كناية عن جيل العرب وقيل أراد نفسه عليه السلام قوله أمة أي جماعة قريش مثل قوله تعالى أمة من الناس يسقون ( القصص 32 ) وقال الجوهري الأمة الجماعة وقال الأخفش هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة والأمة الطريقة والدين يقال فلان لا أمة له أي لا دين له ولا نحلة له وكسر الهمزة فيه لغة وقال ابن الأثير الأمة الرجل المفرد بدين لقوله تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ( النحل 021 ) قوله أمية نسبة إلى الأم لأن المرأة هذه صفتها غالبة وقيل أراد أمة العرب لأنها لا تكتب وقيل معناه باقون على ما ولدت عليها الأمهات وقال الداودي أمة أمية لما تأخذ عن كتب الأمم قبلها إنما أخذت عما جاءه الوحي من الله عز و جل وقيل منسوبون إلى أم القرى وقال بعضهم منسوب إلى الأمهات قلت من له أدنى شمة من التصريف لا يتصرف هكذا قوله لا نكتب ولا نحسب بيان لكونهم كذلك وقيل العرب أميون لأن الكتاب فيهم كانت عزيزة نادرة قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ( الجمعة 2 ) فإن قلت كان فيهم من يكتب ويحسب قلت وإن كان ذلك كان نادرا والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك شيئا إلا النذر اليسير وعلق الشارع الصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عن أمته في معاناة حساب التسيير واستمر ذلك بينهم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر قوله فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين

(10/286)


ينفي تعليق الحكم بالحساب أصلا إذ لو كان الحكم يعلم من ذلك لقال فاسألوا أهل الحساب وقد رجع قوم إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم قال القاضي وإجماع السلف الصالح حجة عليهم وقال ابن بزيزة هو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق الأمر إذ لا يعرفها إلا القليل قوله ولا نحسب بضم السين قال ثعلب حسبت الحساب أحسبه حسبا وحسبانا وفي ( شرح مكي ) أحسبه أيضا بمعنى وفي ( المحكم ) حسابة وحسبة وحسبانا وقال ابن بطال وغيره أمم لم تكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة إنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفة ذلك الحساب وغيرهم ثم تمم هذا المعنى بإشارته بيده ولم يتلفظ بعبارته عنه نزولا ما يفهمه الخرس والعجم وحصل من إشارته بيديه أن الشهر يكون ثلاثين ومن خنس إبهامه في الثالثة أنه يكون تسعا وعشرين وعلى هذا إن من نذر أن يصوم شهرا غير معين فله أن يصوم تسعا وعشرين لأن ذلك يقال له شهر كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذلك ركعتان لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم وكذا من نذر صوما فصام يوما أجزأه وهو خلاف ما ذهب إليه مالك فإنه قال لا يجزيه إذا صامه بالأيام إلا ثلاثون يوما فإن صامه بالهلال فعلى الرؤية
وفيه أن يوم الشك من شعبان قال ابن بطال وهذا الحديث ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل وإنما المعول على رؤية الأهلة وإنما لنا أن ننظر في علم الحساب ما يكون عيانا أو كالعيان وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون ويكشف الهيآت الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه وعن تكلفه لأن سيدنا رسول الله إنما بعث إلى الأميين وفي الحديث مستند لمن رأى الحكم بالإشارة والإيماء كمن قال امرأته طالق وأشار بأصابعه الثلاث فإنه يلزمه ثلاث تطليقات والله أعلم
41 -
( باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين )
أي هذا باب يذكر فيه لا يتقدمن إلى آخره وهو بالنون الخفيفة والثقيلة وفي كثير من النسخ لا يتقدم بدون النون ويجوز فيه بناء المعلوم والمجهول والتقدير في بناء المعلوم لا يتقدم المكلف
4191 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم
مطابقته للترجمة من حيث إنها مأخوذة منه ورجاله مروا غير مرة وهشام هو الدستوائي
وأخرجه مسلم في الصوم أيضا من حديث علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

(10/287)


قال قال رسول الله لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه وأخرجه أبو داود فيه عن مسلم ابن إبراهيم شيخ البخاري قال أخبرنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا يتقدمن أحدكم صوم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصم ذلك اليوم وأخرجه الترمذي فيه حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بب عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما وكان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته الحديث وقال حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي فيه قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال ألا لا تقدموا قبل الشهر بصيام إلا رجل كان يصوم صياما أتى ذلك اليوم على صيامة وأخرجه ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار وقال حدثنا عبد الحميد بن حبيب والوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا تقدموا صيام رمضان بيوم ولا بيومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه ولما أخرج الترمذي هذا الحديث قال وفي الباب عن بعض أصحاب النبي قلت حديث بعض أصحاب النبي أخرجه النسائي من رواية منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي عن النبي قال لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال الحديث وفي الباب أيضا عن حذيفة عند أبي داود وعن ابن عباس عند أبي داود والترمذي وعن عائشة عند أبي داود أيضا عن عمر رضي الله تعالى عنه عند البيهقي وعن جابر بن خديج عند الدارقطني وعن ابن مسعود عند الطبراني في ( الكبير ) وعن ابن عمر عند مسلم وعن علي بن أبي طالب عند أحمد والطبراني وعن طلق بن علي عند الطبراني أيضا وعن سمرة بن جندب عند الطبراني أيضا وعن البراء بن عازب عنده أيضا
قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعند الإسماعيلي من رواية خالد بن الحارث حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة وكذا في رواية أبي عوانة من طريق معاوية بن سلام عن يحيى قوله لا يتقدمن أحدكم رمضان في رواية خالد بن الحارث المذكور لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم وفي رواية أحمد عن روح عن هشام لا تقدموا قبل رمضان بصوم قوله إلا أن يكون رجل يكون هنا تامة معناه إلا أن يوجد رجل يصوم صوما وفي رواية الكشميهني صومه أي صومه المعتاد كصوم الورد أو النذر أو الكفارة
وقال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاختلاط لرمضان تحذيرا مما صنعت النصارى في الزيادة على ما افترض عليهم برأيهم الفاسد فكان يأمر بمخالفة أهل الكتاب وكان أولا يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم أمر بعد ذلك بمخالفتهم فإن قلت هذا النهي للتحريم أو للتنزيه قلت حكى الترمذي عن أهل العلم الكراهة وكثيرا ما يطلق المتقدمون الكراهة على التحريم ولا شك أن فيه تفصيلا واختلافا للعلماء فذهب داود إلى أنه لا يصح صومه أصلا ولو وافق عادة له وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز أن يصام آخر يوم من شعبان تطوعا إلا أن يوافق صوما كان يصومه وأخذوا بظاهر هذا الحديث روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي وعمار وحذيفة وابن مسعود ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والحسن وابن سيرين وهو قول الشافعي وكان ابن عباس وأبو هريرة يأمران بفصل يوم أو يومين كما استحبوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام أو تقدم أو تأخر وقال عكرمة من صام يوم الشك فقد عصى الله ورسوله وأجازت طائفة صومه تطوعا روي عن عائشة وأسماء أختها أنهما كانتا تصومان يوم الشك وقالت عائشة لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وهو قول الليث والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وذكر ابن المنذر عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن أنه إذا نوى صومه من الليل على أنه من رمضان ثم علم بالهلال أو النهار أو آخره أنه يجزيه وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه
وقيل الحكمة في هذا النهي التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو بيومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك وقالوا غاية المنع من أول السادس عشر من شعبان لما رواه أصحاب السنن من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا إذا انتصف شعبان فلا تصوموا وأخرجه ابن حبان وصححه وقال الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيومين لحديث الباب ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وقال بعضهم وضعف الحديث الوارد فيه وقد قال أحمد وابن معين إنه منكر وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء قلت هذا الحديث صححه ابن حبان وابن حزم وابن عبد البر ولما رواه الترمذي قال حديث حسن صحيح ولفظه إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا ولفظ النسائي فكفوا عن الصوم ولفظ ابن ماجه وإذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان ولفظ ابن حبان فأفطروا حتى يجيء رمضان وفي رواية له لا صوم بعد النصف من شعبان حتى يجيء رمضان ولفظ ابن عدي إذا انتصف شعبان فأفطروا ولفظ البيهقي

(10/288)


إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان والعلاء بن عبد الرحمن احتج به مسلم وابن حبان وغيرهما ممن التزم الصحة ووثقه النسائي وروى عنه مالك والأئمة ورواه عن العلاء جماعة عبد العزيز الدراوردي وأبو العميس وروح بن عبادة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وزهير بن محمد وموسى بن عبيدة الربذي وعبد الرحمن ابن إبراهيم القاري المديني وقد جمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وقيل كان أبو هريرة يصوم في النصف الثاني من شعبان فقال من يقول العبرة بما رأى أن فعله هو المعتبر وقيل فعله يدل على أن ما رواه منسوخ
وقد روى الطحاوي ما يقوي قول من ذهب إلى أن الصوم فيما بعد انتصاف شعبان جائز غير مكروه بما رواه من حديث ثابت عن أنس أن النبي قال أفضل الصيام بعد رمضان شعبان وبما رواه من حديث عمران بن حصين أن رسول الله قال لرجل هل صمت من سرر شعبان قال لا قال فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين قلت أما حديث ثابت عن أنس فضعيف لأن في سنده صدقة ابن موسى وفيه مقال فقال يحيى ليس حديثه بشيء وضعفه النسائي وأبو داود وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان وأبو داود قوله سرر شعبان السرر بفتح السين المهملة والراء ليلة يستسر الهلال يقال سرار الشهر وسراره بالكسر والفتح وسرره واختلفوا فيه فقيل أوله وقيل وسطه وقيل آخره وهو المراد هنا كذا قاله الهروي والخطابي عن الأوزاعي
51 -
( باب قول الله جل ذكره أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ( البقرة 781 ) )
أي هذا باب في بيان قول الله عز و جل وما يتعلق به من الأحكام وهذه الآية إلى قوله تعالى ما كتب الله لكم ( البقرة 781 ) رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية لعلهم يتقون ( البقرة 781 ) وجعل البخاري هذه الآية ترجمة لبيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية وسبب نزولها في عمر بن الخطاب وصرمة بن قيس قال الطبري بإسناده إلى عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرمه عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي ذات ليلة وقد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت إني قد نمت فقال ما نمت ثم وقع بها وصنع كعب بن مالك مثله فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي فأخبره فأنزل الله تعالى علم الله أنكم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ( البقرة 781 ) الآية وهكذا روي عن مجاهد وعطاء وعكرمة والسدي وقتادة وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب ومن صنع كما صنع وفي صرمة بن قيس فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل رحمة ورخصة ورفقا وحديث الباب يقتصر على قضية صرمة بن قيس قوله الرفث هو الجماع هنا قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وطاووس وسالم بن عبد الله وعمرو بن دينار والحسن وقتادة والزهري والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وعطاء الخراساني ومقاتل ابن حيان وقال الزجاج الرفث كله جامع لكل ما يريده الرجل من النساء قوله هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( البقرة 781 ) قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان يعني هن سكن لكم وأنتم سكن لهن وقال الربيع بن أنس هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان لئلا يشق ذلك عليهم ويحرجوا وقيل كل قرن منكم يسكن إلى قرنه ويلابسه والعرب تسمي المرأة لباسا وإزارا قال الشاعر
( إذا ما الضجيع ثنى جيدها
تداعت فكانت عليه لباسا )

(10/289)


وقال آخر
ألا بلغ أبا حفص رسولا
فدى لك من أخي ثقة إزاري
قال أهل اللغة معناه فدى لك امرأتي وذكر ابن قتيبة وغيره أن المراد بقوله إزاري فدى لك امرأتي وقال بعضهم أراد نفسه أي فدى لك نفسي وفي ( كتاب الحيوان ) للجاحظ ليس شيء من الحيوان يتبطن طروقته أي يأتيها من جهة بطنها غير الإنسان والتمساح وفي ( تفسير الواحدي ) والدب وقيل الغراب قوله تختانون أنفسكم ( البقرة 781 ) يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون في الوقت الذي كان حراما عليكم ذكره الطبري وفي ( تفسير ) ابن أبي حاتم عن مجاهد تختانون أنفسكم ( البقرة 781 ) قال تظلمون أنفسكم قوله فالآن باشروهن ( البقرة 781 ) أي جامعوهن كنى الله عنه قاله ابن عباس وروي نحوه عن مجاهد وعطاء والضحاك ومقاتل بن حيان والسدي والربيع بن أنس وزيد بن أسلم قوله وابتغوا ما كتب الله لكم ( البقرة 781 ) قال مجاهد فيما ذكره عبد بن حميد في تفسيره الولدان لم تلد هذه فهذه وذكره أيضا الطبري عن الحسن والحاكم وعكرمة وابن عباس والسدي والربيع بن أنس وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس بن مالك وشريح وعطاء والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة قال الطبري وعن ابن عباس أيضا في قوله تعالى وابتغوا ما كتب الله لكم ( البقرة 781 ) قال ليلة القدر وقال الطبري وقال آخرون بل معناه ما أحله الله لكم ورخصه قال ذلك قتادة وعن زيد بن أسلم هو الجماع
5191 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 )
( الحديث 5191 - طرفه في 8054 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين سبب نزولها وعبيد الله بن موسى أبو محمد العبسي الكوفي وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو يروي عن جده أبي إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله
والحديث أخرجه أبو داود في الصوم أيضا عن نصر بن علي وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد
قوله كان أصحاب محمد أي في أول ما افترض الصيام وبين ذلك ابن جرير في روايته من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا قوله فنام قبل أن يفطر إلى آخره وفي رواية زهير كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ولا يومه حتى تغرب الشمس وفي رواية أبي الشيخ من طريق زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها فإن قلت الروايات كلها في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم وكذا هو في حديث غيره وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس قال كان الناس على عهد النبي إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة الحديث والمنع في هذا مقيد بصلاة العشاء قلت يحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا والتقييد في الحقيقة بالنوم كما في سائر الأحاديث وبين السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن حزم من طريق السدي ولفظه كتب على النصارى الصيام وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم وكتب على المسلمين أولا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار فذكر القصة ومن طريق إبراهيم التيمي كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة قوله وإن قيس بن

(10/290)


صرمة قيس بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وصرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء وفتح الميم هكذا هو في رواية البخاري وتابعه على ذلك الترمذي والبيهقي وابن حبان في ( معرفة الصحابة ) وابن خزيمة في ( صحيحه ) والدارمي في ( مسنده ) وأبو داود في ( كتاب الناسخ والمنسوخ ) والإسماعيلي وأبو نعيم في ( مستخرجيهما ) وقال أبو نعيم في ( كتاب الصحابة ) تأليفه صرمة بن أبي أنس وقيل ابن قيس الخطمي الأنصاري يكنى أبا قيس كان شاعرا نزلت فيه وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) الآية ثم روى بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس أن صرمة بن أبي أنس أتى النبي عشية من العشيات وقد جهده الصوم فقال له مالك يا أبا قيس أمسيت طليخا الحديث قال ورواه جبارة بن موسى عن أبيه عن أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن قيس فذكر نحوه انتهى وكذا ذكره أبو داود في ( سننه ) صرمة بن قيس وقال ابن عبد البر صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي النجاري يكنى أبا قيس وقال بعضهم صرمة بن مالك نسبه إلى جده وهو الذي نزل فيه وفي عمر رضي الله تعالى عنه أحل لكم ليلة الصيام ( البقرة 781 ) وفي ( أسباب النزول ) للواحدي عن القاسم بن محمد أن عمر رضي الله تعالى عنه جاء إلى امرأته فقالت قد نمت فوقع عليها وأمسى صرمة بن قيس صائما فنام قبل أن يفطر الحديث وقال أبو جعفر رضي الله تعالى عنه أحمد بن نصر الداودي وابن التين يخشى أن يكون رواية البخاري غير محفوظة إنما هو صرمة وأما النسائي فلما ذكره في ( كتاب السنن ) قال إن أبا قيس بن عمر فذكر الحديث وقال السهيلي حديث صرمة بن أبي أنس قيس بن صرمة الذي أنزل الله تعالى فيه وفي عمر رضي الله تعالى عنه أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( البقرة 781 ) إلى قوله وعفا عنكم ( البقرة 781 ) فهذه في عمر رضي الله تعالى عنه ثم قال وكلوا واشربوا ( البقرة 781 ) إلى آخر الليلة فهذه في صرمة بن أبي أنس بدأ الله بقصة عمر لفضله فقال فالآن باشروهن ( البقرة 781 ) ثم بقصة صرمة فقال وكلوا واشربوا ( البقرة 781 ) وعند ابن الأثير من حديث محمد بن إسماعيل بن عياش أخبرنا أبو عروبة عن قيس بن سعد عن عطاء عن أبي هريرة نام ضمرة بن أنس الأنصاري ولم يشبع من الطعام والشراب فنزلت أحل لكم ليلة الصيام ( البقرة 781 ) الآية قيل إنه تصحيف ولم يتنبه له ابن الأثير والصواب صرمة بن أبي أنس وهو مشهور في الصحابة يكنى أبا قيس والصواب في ذلك من بين هذه الروايات ما ذكره ابن عبد البر فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما أشار إليه الداودي كما ذكرناه الآن وكذا قال السهيلي وغيره إنه وقع مقلوبا في رواية حديث الباب ومن قال صرمة بن مالك نسبه إلى جده ومن قال صرمة بن أنس حذف أداة الكنية من أبيه ومن قال أبو قيس ابن عمرو أصاب في كنيته وأخطأ في إسم أبيه وكذا من قال أبو قيس بن صرمة وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزيد فيه أين فافهم فبهذا يجمع بين هذه الروايات المذكورة والله أعلم قوله أعندك بكسر الكاف والهمزة للاستفهام قوله قالت لا أي ليس عند طعام ولكن أنطلق فأطلب لك ظاهر هذا الكلام أنه لم يجيء معه بشيء لكن ذكر في مرسل السدي أنه أتاها بتمر فقال استبدلي به طحينا واجعليه سخينا فإن التمر أحرق جوفي وفي مرسل ابن أبي ليلى فقال لأهله أطعموني فقالت حتى أجعل لك شيئا سخينا ووصله أبو داود من طريق ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد فذكره مختصرا قوله وكان يومه بالنصب أي وكان قيس بن صرمة في يومه يعمل أي في أرضه وصرح بها أبو داود في روايته وفي مرسل السدي كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة فعلى هذا فقوله في أرضه إضافة اختصاص قوله فغلبته عيناه أي نام لأن غلبة العينين عبارة عن النوم وفي رواية الكشميهني عينه بالإفراد قوله خيبة لك منصوب لأنه مفعول مطلق يجب حذف عامله وقيل إذا كان بدون اللام يجب نصبه وإذا كان مع اللام جاز نصبه والخيبة الحرمان يقال خاب الرجل إذا لم ينل ما طلبه قوله فلما انتصف النهار غشي عليه وفي رواية أحمد فأصبح صائما فلما انتصف النهار وفي رواية أبي داود فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه وفي رواية زهير عن أبي إسحاق فلم يطعم شيئا وبات حتى أصبح صائما حتى انتصف النهار فغشي عليه وفي مرسل السدي فأيقظته

(10/291)


فكره أن يعصى الله تعالى وأبي أن يأكل وفي مرسل محمد بن يحيى فقال إني قد نمت فقالت له لم تنم فأبى فأصبح جائعا مجهودا قوله فذكر ذلك للنبي وزاد في رواية زكرياء عند أبي الشيخ وأتى عمر رضي الله تعالى عنه امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي قوله فنزلت هذه الآية وقال الكرماني فإن قلت ما وجه المناسبة بينهما وبين حكاية قيس قلت لما صار الرفث حلالا فالأكل والشرب بالطريق الأولى وحيث كان حلهما بالمفهوم نزلت بعده كلوا واشربوا ( البقرة 781 ) ليعلم بالمنطوق تصريحا بتسهيل الأمر عليهم ودفعا لجنس الضرر الذي وقع لقيس ونحوه أو المراد بالآية هي بتمامها إلى آخره حتى يتناول كلوا واشربوا فالغرض من ذكر نزلت ثانيا هو بيان نزول لفظ من الفجر ( البقرة 781 ) بعد ذلك انتهى قلت اعتمد السهيلي على الجواب الثاني وقال إن الآية نزلت بتمامها في الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر رضي الله تعالى عنه لفضله قوله ففرحوا بها أي بالآية وهي قوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث ( البقرة 781 ) ووقع في رواية أبي داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر ( البقرة 781 ) فهذا يبين أن محل قوله ففرحوا بها بعد قوله الخيط الأسود ( البقرة 781 ) ووقع ذلك صريحا في رواية زكرياء بن أبي زائدة ولفظ فنزلت أحل لكم ( البقرة 781 ) إلى قوله من الفجر ( البقرة 781 ) ففرح المسلمون بذلك
61 -
( باب قول الله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 )
أي هذا باب في بيان قول الله عز و جل مخاطبا للمسلمين بقوله وكلوا واشربوا ( البقرة 781 ) بعد أن كانوا ممنوعين منهما بعد النوم وبين فيه غاية وقت الأكل بقوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) والمراد بالخيط الأبيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود والخيط الأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود وقوله من الفجر ( البقرة 781 ) بيان للخيط الإبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للثاني قال الزمخشري ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وقال وقوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة كما أن قولك رأيت أسدا مجاز فإذا زدت من فلان رجع تشبيها انتهى ولما نزل قوله كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) أولا ولم ينزل من الفجر كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب ويأتي أهله حتى يظهر له الخيطان ثم لما نزل قوله من الفجر علموا أن المراد من الخيطين الليل والنهار فالأسود سواد الليل والأبيض بياض الفجر كما يأتي الآن بيانه في حديث الباب قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 781 ) أي من بعد انشقاق الفجر الصادق كفوا عن الأكل والشرب والجماع إلى أن يأتي الليل وهو غروب الشمس قالوا فيه دليل على جواز النبية بالنهار في صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى نفي صوم الوصال
فيه البراء عن النبي
أي في هذا الباب حديث رواه البراء بن عازب الصحابي رضي الله تعالى عنه وقال الكرماني يعني فيما يتعلق بهذا الباب حديث رواه البراء عن النبي لكن لما لم يكن على شرط البخاري لم يذكره فيه قلت ليس كذلك بل أشار به إلى الحديث الذي رواه موصولا عن البراء الذي سبق ذكره في الباب الذي قبله
6191 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( هشيم ) قال أخبرني ( حصين بن عبد الرحمان ) عن ( الشعبي ) عن ( عدي بن حاتم ) رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله فذكرت له ذالك فقال إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار

(10/292)


مطابقته للترجمة ظاهرة جدا
ذكر رجاله وهم خمسة الأول حجاج على وزن فعال بالتشديد ابن منهال بكسر الميم وسكون النون السلمي مولاهم الأنماطي الثاني هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة السلمي مولاهم أبو معاوية الثالث حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي يكنى أبا الهذيل الرابع عامر بن شراحيل الشعبي الخامس عدي بن حاتم الصحابي رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بصري وأن هشيما واسطي وأصله من بلخ وأن حصينا والشعبي كوفيان وأن فيه أخبرني حصين ويروى أخبرنا وزاد الطحاوي من طريق إسماعيل بن سالم عن هشيم أخبرنا حصين ومجالد عن الشعبي فالطحاوي أخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج بن منهال إلى آخره نحو رواية البخاري والآخر عن أحمد بن داود عن إسماعيل بن سالم عن هشيم عن حصين ومجالد عن الشعبي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وأخرجه مسلم في الصوم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن حصين بن نمير وعن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي في التفسير عن أحمد بن منيع عن هشيم وقال حسن صحيح
ذكر معناه قوله عن عدي بن حاتم في رواية الترمذي أخبرني عدي بن حاتم وكذا أخرجه ابن خزيمة عن أحمد بن منيع وكذا أورده أبو عوانة من طريق أبي عبيد عن هشيم عن حصين قوله عمدت أي قصدت من عمد يعمد عمدا إذا قصد وهو من باب ضرب يضرب وأما عمدت الشيء فانعمد فمعناه أقمته فالأول باللام وإلى والثاني بدونهما قوله إلى عقال بكسر العين المهملة وبالقاف وهو الحبل الذي يعقل به البعير والجمع عقل وفي رواية مجالد فأخذت خيطين من شعر قوله فلا يستبين لي أي فلا يظهر لي وفي رواية مجالد فلا أستبين الأبيض من الأسود قوله وسادتي الوساد والوسادة المخدة والجمع وسائد ووسد قوله إنما ذلك إشارة إلى ما ذكر من قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) ورواية البخاري في التفسير قال أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود حتى إذا كان بعض الليل نظر فلم يستبينا فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي قال إن وسادتك إذا لعريض وفي رواية قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان قال إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال لا بل هو سواد الليل وبياض النهار وفي رواية مسلم قال يا رسول الله إنني جعلت تحت وسادتي عقالين عقالا أبيض وعقالا أسود أعرف الليل من النهار فقال رسول الله إن وسادك لعريض إنما هو سواد الليل وبياض النهار وفي رواية أبي داود قال أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك لرسول الله فضحك وقال إن وسادك إذا لعريض طويل إنما هو الليل والنهار وفي لفظ إنما هما سواد الليل وبياض النهار وفي رواية أبي عوانة من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطرف فضحك وقال لا يا عريض القفا انتهى قوله إن وسادك لعريض كنى بالوساد عن النوم لأن النائم يتوسد أي إن نومك لطويل كثير وقيل كنى بالوساد عن موضع الوساد من رأسه وعنقه وتشهد له الرواية التي فيها إنك لعريض القفا فإن عرض القفا كناية عن السمن وقيل أراد من أكل مع الصبح في صومه أصبح عريض القفا لأن الصوم لا يؤثر فيه ويقال يكنى عن الأبله بعريض القفا فإن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرطا قيل إنه دليل الغباوة والحماقة كما أن استواءه دليل على علو الهمة وحسن الفهم وهذا من قبيل الكناية الخفية والفرق بين الكناية والمجاز أن الانتقال في الكناية من اللازم إلى الملزوم وفي المجاز من الملزوم إلى اللازم وهكذا فرق السكاكي وغيره وقال الزمخشري إنما عرض النبي قفا عدي لأنه غفل عن البيان وتعريض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة قيل أنكر ذلك غير واحد منهم القرطبي فقال حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفا وعدم الفقه وعضدوا ذلك بقوله إنك لعريض القفا

(10/293)


وليس الأمر على ما قالوه لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل إذا لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل وإنما عنى والله أعلم إن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد الله فهو إذا عريض واسع ولهذه قال في إثر ذلك إنما هو سواد الليل وبياض النهار فكأنه قال فكيف يدخلان تحت وسادتك وقوله إنك لعريض القفا أي إن الوساد الذي يغطي الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة
ذكر الأسئلة والأجوبة منها ما قيل إن قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ( البقرة 781 ) إلى آخره يقتضي ظاهره أن عدي بن حاتم كان حاضرا لما نزلت هذه الآية وهو يقتضي تقدم إسلامه وليس الأمر كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي قلت أجابوا بأربعة أجوبة الأول إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهذا بعيد جدا الثاني أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت علي عند إسلامي الثالث أن المعنى لما بلغني نزول الآية عمدت إلى عقالين الرابع يقدر فيه حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت وأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت وهذا أحسن الوجوه ويؤيده ما رواه أحمد من طريق مجالد بلفظ علمني رسول الله الصلاة والصيام فقال صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال فأخذت خيطين الحديث
ومنها ما قيل
إن قوله من الفجر ( البقرة 781 ) نزل بعد قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) وكان هذا بيانا لهم إن المراد به أن يتميز بياض النهار من سواد الليل فكيف يجوز تأخير البيان مع الحاجة إليه مع بقاء التكليف أجيب بأن البيان كان موجودا فيه لكن على وجه لا يدركه جميع الناس وإنما كان على وجه يختص به أكثرهم أو بعضهم وليس يلزم أن يكون البيان مكشوفا في درجة يطلع عليها كل أحد ألا ترى أنه لم يقع فيه إلا عدي وحده ويقال كان استعمال الخيطين في الليل والنهار شائعا غير محتاج إلى البيان وكان ذلك إسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام قال أبو داود الإيادي
( ولما أضاءت لنا ظلمة
ولاح لنا الصبح خيطا أنارا )
فاشتبه على بعضهم فحملوه على العقالين وقال النووي فعل ذلك من لم يكن ملازما لرسول الله بل هو من الأعراب ومن لا فقه عنده أو لم يكن من لغته استعمالها في الليل والنهار
ومنها ما قيل إن قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) من باب الاستعارة أم من باب التشبيه أجيب بأن قوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة وقد نقلنا هذا عن الزمخشري في أوائل الباب
ومنها ما قيل إن الاستعارة أبلغ فلم عدل إلى التشبيه أجيب بأن التشبيه الكامل أولى من الاستعارة الناقصة وهي ناقصة لفوات شرط حسنها وهو أن يكون التشبيه بين المستعار له والمستعار منه جليا بنفسه معروفا بين سائر الأقوام وهذا قد كان مشتبها على بعضهم
7191 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل بن سعد ) ح قال حدثني ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( أبو غسان محمد بن مطرف ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال أنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( البقرة 781 ) ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار
( الحديث 7191 - طرفه في 1154 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد الحكم بن =التالي هو ج21.وج22.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...