ج9.وج10.عمدة القاري بدر الدين العيني
9.عمدة القاري بدر الدين العيني
وعند ابن حبان من حديث أبي بن
كعب أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين درجة وصلاة الرجل أذكى من صلاته وحده وصلاته مع
الرجلين أذكى من صلاته مع الرجل وصلاته مع الثلاثة أذكى من صلاته مع الرجلين وما
أكثر فهو أحب إلى الله عز و جل وعند أبي نعيم عن العمري عن نافع بلفظ سبعة أو خمسة
وعشرين وعند أحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صلاة الجميع تفضل على
صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفا كلها مثل صلاته وفي ( مسند ابن أبي شيبة ) بضعا
وعشرين درجة
وعند السراج بخمس وعشرين صلاة وفي لفظ تزيد خمسا وعشرين وفي ( تاريخ البخاري ) من
حديث الإفريقي عن قباث بن أشيم صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أذكى عند الله من
أربعة تترى وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أذكى عند الله من صلاة ثمانية تترى وصلاة
ثمانية يؤمهم أحدهم أذكى عند الله من صلاة مائة تترى وعند السراج من حديث أنس
موقوفا بسند صحيح تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بضعا وعشرين صلاة وعند
الكجي من حديث أبان مرفوعا تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بأربع وعشرين
صلاة وعند السراج بسند صحيح وعن عائشة تفضل على صلاته وحده خمسا وعشرين درجة وكذا
رواه معاذ عند الطبراني وعند ابن أبي شيبة عن عكرمة عن ابن عباس فضل صلاة الجماعة
على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة قال فإن كانوا أكثر فعلى عدد من في المسجد فقال
رجل وإن كانوا عشرة آلاف قال نعم وعند ابن زنجوية من حديث ابن الخطاب الدمشقي عن
زريق بن عبد الله الأنصاري صلاة الرجل في بيته وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين
صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وفي فضائل القدس لأبي بكر محمد
بن أحمد الواسطي من حديث أبي الخطاب وصلاة في مسجد القبائل بست وعشرين وصلاة في
المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاة في المسجد
الحرام بمائة ألف صلاة ومن حديث عمار بن الحسن حدثنا إبراهيم بن هدبة عن أنس
مرفوعا مثله وصلاته على الساحل بألفي ألف صلاة وصلاته بسواك بأربع مائة ألف صلاة
ذكر وجه هذه الروايات اختلفوا في وجه الجمع بين سبع وعشرين درجة وبين خمس وعشرين
فقيل السبع متأخرة عن الخمس فكأن الله أخبره بخمس ثم زاده ورد هذا بتعذر التاريخ
ورد هذا الرد بأن الفضائل لا تنسخ فتعين أنه متأخر وقيل إن صلاة الجماعة في المسجد
أفضل من صلاة الفذ في المسجد بسبع وعشرين درجة ورد هذا بقوله وصلاة الرجل في جماعة
تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه بخمس وعشرين ضعفا وقيل إن الصلاة التي لم تكن
فيها فضيلة الخطى إلى الصلاة ولا فضيلة انتظارها تفضل بخمس والتي فيها ذلك تفضل بخمس
والتي فيها ذلك تفضل بسبع وقيل إن ذلك يختلف باختلاف المصلين والصلاة فمن أكملها
وحافظ عليها فوق من أخل بشيء من ذلك وقيل إن الزيادة لصلاتي العشاء والصبح لاجتماع
ملائكة الليل والنهار فيهما ويؤيده حديث أبي هريرة تفضل صلاة أحدكم وحده بخمس
وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر فذكر اجتماع الملائكة بواو
فاصلة واستأنف الكلام وقطعه من الجملة المتقدمة وقيل لا منافاة بين الحدثين لأن
ذكر القليل لا ينافي الكثير ومفهوم العدد باطل عند جماعة من الأصوليين وقال ابن
الأثير إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حافظا ولا شيئا من أمثال ذلك
لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع وأن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن
الدرجات إلى جهة فوق قلت قد جاء فيه لفظ الجزء والضعف وقد تقدما عن قريب فكأنه لم
يطلع عليهما وقيل إن الدرجة أصغر من الجزء فكأن الخمسة والعشرين إذا جزئت درجات
كانت سبعا وعشرين درجة قلت هذا ليس بصحيح لأنه جاء في الصحيحين سبعا وعشرين درجة
وخمسا وعشرين درجة فاختلف القدر مع اتحاد لفظ الدرجة وقد قيل يحتمل أن تكون الدرجة
في الآخرة والجزء في الدنيا فإن قلت قد علم وجه الجمع بين هذين العددين ولكن ما
الحكمة في التنصيص عليهما قلت نقل الطيبي عن التوربشتي وأما وجه قصر أبواب الفضيلة
على خمس وعشرين تارة وعلى سبع وعشرين أخرى فإن المرجع في حقيقة ذلك إلى علوم
النبوة التي قصرت عقل الألباء عن إدراك جملها وتفاصيلها ولعل الفائدة فيما كشف به
حضرة النبوة وهي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة والاقتداء بالإمام وإظهار
شعائر الإسلام وغيرها انتهى قلت هذا لا يشفي الغليل ولا يجدي العليل والذي ظهر لي
في هذا
(4/259)
المقام من الأنوار الإلهية
والأسرار الربانية والعنايات المحمدية أن كل حسنة بعشر أمثالها بالنص وأنه لو صلى
في بيته كان يحصل له ثواب عشر صلوات وكذا لو صلى في سوقه كان لكل صلاة عشر ثم أنه
إذا صلى بالجماعة يضاعف له مثله فيصير ثواب عشرين صلاة أو زيادة الخمس فلأنه أدى
فرضا من الفروض الخمسة فأنعم الله عليه ثواب خمس صلوات أخرى نظير عدد الفروض
الخمسة زيادة عشرين إنعاما وفضلا منه عليه فتصير الجملة خمسة وعشرين وجواب آخر وهو
إن مراتب الأعداد آحاد وعشرات ومآت وألوف والمآت من الأوساط وخير الأمور أوسطها
والخمسة والعشرون ربع المائة وللربع حكم الكل وأما زيادة السبع فقال الكرماني
يحتمل أن يكون ذلك لمناسبة أعداد ركعات اليوم والليلة إذ الفرائض سبعة عشر
والرواتب المؤكدة عشرة انتهى قلت الرواتب المذكورة اثني عشر لحديث المثابرة فتصير
تسعة وعشرين فلا يطابق الواقع فنقول يمكن أن يقال إن أيام العمر سبعة فإذا صلى
بالجماعة يزاد له على العشرين ثواب سبع صلوات كل صلاة من صلوات كل يوم وليلة من
الأيام السبعة وأما الوتر فلعله شرع بعد ذلك ثم العلماء اختلفوا هل هذا الفضل لأجل
الجماعة فقط حيث كانت أو أن ذلك إنما يكون ذلك في الجماعة التي تكون في المسجد لما
يلزم ذلك من أفعال تختص بالمساجد قال القرطبي والظاهر الأول لأن الجماعة هو الوصف
الذي علق عليه الحكم وا أعلم ذكر ما يستفاد منه قال ابن بطال فيه أن الصلاة فيه
للمنفرد درجة من خمس وعشرين درجة وقال الكرماني لم يقل يساوي صلاته منفردا خمسا
وعشرين حتى يكون له درجة منها بل قال تزيد فليس للمنفرد من الخمسة والعشرين شيء
قلت قال ذلك بالنظر في الرواية المذكورة في الباب فلو كان وقف على الروايات التي
ذكرناها لما قال ذلك كذلك وفيه الدلالة على فضيلة الجماعة وفيه جواز اتخاذ المساجد
في البيوت والأسواق وفيه ما استدل به بعض المالكية على أن صلاة الجماعة لا يفضل
بعضها على بعض بكثرة الجماعة ورد هذا بما ذكرنا عن ابن حبان وما كثر فهو أحب إلى
الله تعالى وإلى مطلوبية الكثرة ذهب الشافعي وابن حبيب المالكي
88 -
( باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره )
أي هذا باب في بيان جواز تشبيك الأصابع سواء كان في المسجد أو غيره والموجود في
غالب النسخ في هذا الباب حديثان أحدهما حديث أبي موسى الأشعري والآخر حديث أبي
هريرة وفي بعض النسخ حديث آخر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وجد ذلك بخط
البرزالي ولم يستخرجه الحافظان الإسماعيلي وأبو نعيم ولا ذكره ابن بطال أيضا وإنما
حكى أبو مسعود الدمشقي في ( كتاب الأطراف ) أنه رآه في كتاب أبي رميح عن الفربري
وحماد بن شاكر عن البخاري وهو هذا
874731 - ح ( دثنا حامد بن عمر ) عن ( بشر ) قال حدثنا ( عاصم ) قال حدثنا ( واقد
) عن أبيه عن ( ابن عمر ) أو ( ابن عمرو ) قال شبك النبي أصابعه وقال عاصم بن علي
حدثنا عاصم بن محمد سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال
سمعت أبي وهو يقول قال عبد اا قال رسول الله يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت
في حثالة من الناس بهذا ولفظه في جمع الحميدي في مسند ابن عمر شبك النبي أصابعه
وقال كيف أنت يا عبد اا إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم
واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه قال فكيف أفعل يا رسول اا قال تأخذ ما تعرف
وتدع ما تنكر وتقبل على خاصتك وتدعهم وعوامهم ( انظرالحديث 974 )
(4/260)
مطابقته للترجمة في أحد جزئيها
واكتفى البخاري بدلالته على بعض الترجمة حيث دل أبي هريرة على تمامها
ذكر رجاله فيه تسعة أنفس الأول حامد بن عمر البكراوي من ذرية أبي بكر الثقفي نزيل
نيسابور وقاضي كرمان روى عنه مسلم أيضا مات بنيسابور أول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
الثاني بشر بكسر الباء الموحدة ابن المفضل الرقاشي الحجة كان يصوم يوما ويفطر يوما
ويصلي كل يوم أربعمائة ركعة مات سنة تسع وثمانين ومائة الثالث عاصم بن محمد بن زيد
بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني وثقه أحمد وغيره الرابع أخو عاصم وهو
واقد بالقاف ابن محمد بن زيد المذكور ثقه أبو زرعة وغيره الخامس أبوه محمد بن عبد
الله وثقه غير واحد السادس عبد الله بن عمر بن الخطاب السابع عبد الله بن عمرو بن
العاص الثامن أبو عبد الله وهو البخاري نفسه التاسع عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب
الواسطي شيخ البخاري والدارمي وفي ( تهذيب التهذيب ) كان من ثقات الشيوخ وأعيانهم
وقال ابن معين ضعيف وفي رواية ليس بشيء وفي رواية ليس بثقة وفي رواية كذاب مات في
نصف رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين
ذكر لطائف اسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في أربعة
مواضع وفيه القول والسماع وفيه الشك بين عبد الله بن عمر بن الخطاب وبين عبد الله
بن عمر بن العاص والظاهر أن الشك من واقد وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني
ذكر معناه ) قوله قال عاصم بن علي تعليق من البخاري ووصله إبراهيم الحربي في (
غريب الحديث ) له قال حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد عن واقد سمعت أبي يقول
قال عبد الله قال رسول الله فذكره قوله في حثالة بضم الحاء المهملة وتخفيف الثاء
المثلثة قال ابن سيده هو ما يخرج من الطعام من زوان ونحوه مما لا خير فيه وقال
اللحياني هو أجل من التراب والدقاق قليلا وخصه بالحنطة والحثالة والحثل الرديء من
كل شيء وقيل هو القشارة من التمر والشعير وما أشبههما وحثالة القرط نقايته قوله
مرجت عهودهم قال أبو المعالي في ( المنتهى ) مرجت عهودهم إذا لم تثبت وأمر حجوها
إذا لم يوفوا بها وخلطوها ومرجت أمانتهم فسدت ومرج الدين اختلط واضطرب وفي (
المحكم ) مرج الأمر مرجا فهو مارج ومريج التبس واختلط ومرج أمره يمرجه ضيعه ورجل
ممارج يمرج أموره ولا يحكمها ومرج العهد والدين والأمانة فسد وأمرج عهده لم يف به
قوله وشبك بين أصابعه أي شبك النبي بين أصابعه ليمثل لهم اختلاطهم
ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز تشبيك الأصابع سواء في المسجد أو غيره لإطلاق الحديث
ولكن العلماء اختلفوا في تشبيك الأصابع في المسجد وفي الصلاة وكره إبراهيم ذلك في
الصلاة وهو قول مالك ورخص في ذلك ابن عمر وابنه سالم فكان يشبكان بين أصابعهما في
الصلاة ذكره ابن أبي شيبة وكان الحسن البصري يشبك بين أصابعه في المسجد وقال مالك
إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد وما به بأس
وإنما يكره في الصلاة وقدروه النهي عن ذلك في أحاديث منها ما أخرجه ابن حبان في (
صحيحه ) فقال حدثنا أبو عروبة حدثنا محمد بن سعدان حدثنا سليمان ابن عبد الله عن
عبيد الله بن عمر عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب
بن عجرة أن النبي قال له يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت إلى المسجد فلا
تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة ومنها ما أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) من حديث
إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا توضأ أحدكم في بيته
ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه وقال حديث صحيح
على شرط الشيخين ومنها ما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن عبد الله بن عبد الرحمن بن
موهب عن عمه عن مولى لأبي سعيد وهو مع رسول الله فدخل رسول الله المسجد فرأى رجلا
جالسا وسط الناس وقد شبك بين أصابعه يحدث نفسه فأومأ إليه رسول الله فلم يفطن له
فالتفت إلى أبي سعيد فقال إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من
الشيطان فإن قلت هذه الأحاديث معارضة لأحاديث الباب قلت غير مقاومة لها في الصحة
ولا مساوية وقال ابن بطال وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة بما روي من النهي
عن
(4/261)
التشبيك في المسجد وقد وردت
فيه مراسيل ومسند من طرق غير ثابتة قلت كأنه أراد بالمسند حديث كعب بن عجرة الذي
ذكرناه فإن قلت حديث كعب هذا رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان قلت في
اسناده اختلاف فضعفه بعضهم بسببه وقيل ليس بين هذه الأحاديث معارضة لأن النهي إنما
ورد عن فعل ذلك في الصلاة أو في المضي إلى الصلاة وفعله ليس في الصلاة ولا في
المضي إليها معارضة إذا وبقي كل حديث على حياله فإن قلت في حديث أبي هريرة الذي في
الباب وقع تشبيكه وهو في الصلاة قلت إنما بعد انقضاء الصلاة في ظنه فهو في حكم
المنصرف عن الصلاة والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفه لأن
فيها ضعيفا ومجهولا وقد رواها ابن أبي شيبة ولفظه إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين
أصابعه فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى
يخرج منه وقال ابن المنير التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض إذا المنهي عنه
فعله على وجه العبث والذي في الحديث إنما هو المقصود التمثيل وتصوير المعنى في
اللفظ فإن قلت ما حكمه النهي عن التشبيك قلت أجيب بأجوبة الأول لكونه من الشيطان
كما مر الآن الثاني لأنه يجلب النوم وهو من مظان الحدث الثالث أن صورة التشبيك
تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة
حتى لا يقع في المنهي عنه قوله للمصلين ولا تختلفوا فتختلف قلوبهم وا تعالى أعلم
284 - ح ( دثنا إسحاق ) قال حدثنا ( ابن شميل ) أخبرنا ( ابن عون ) عن ( ابن سيرين
) عن ( أبي هريرة ) قل صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشي قال سيرين قد سماها أبو
هريرة ولكن نسيت أنا قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد
فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده
الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفي
(4/262)
القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن
يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين قال يا رسول الله أنسيت أم
قصرت الصلاة قال لم أنس ولم تقصر فقال أكما يقول ذو اليدين فقالوا نعم فتقدم فصلى
ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم كبر وسجد مثل
سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه ثم سلم فيقول نبئت أن عمران بن حصين
قال ثم سلم ( الحديث 284 - أطرافه في 417 517 7221 8221 9221 1506 0527 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث يدل على تمامها لأن التشبيك إذا جاز في المسجد ففي
غيره أولى بالجواز
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إسحاق بن منصور بن بهرام تقدم في باب فضل من علم الثاني
النضر بن شميل بضم المعجمة تقدم في باب العنزة الثالث عبد الله بن عون تقدم الرابع
محمد بن سيرين تكرر ذكره الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين الإخبار كذلك في موضع واحد
وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن إسحاق بن منصور هو المجزوم به عند أبي نعيم وفيه
أن رواته ما بين مروزي وبصري
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن مسلمة عن مالك
وعن حفص بن عمرو عن آدم عن شعبة وأخرجه مسلم عن قتيبة عن مالك وعن حجاج بن الشاعر
وأخرجه أبو داود في الصلاة عن علي ابن نصر بن علي وعن محمد بن عبيد وعن معاذ عن
أبيه وأخرجه النسائي فيه عن حميد بن مسعدة عن يزيد ابن زريع وعن عمرو بن عثمان
وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن أبي أسامة وأخرج الطحاوي هذا الحديث من
ثلاثة عشر طريقا
ذكر معناه ) قوله إحدى صلاتي العشي هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الحموي
والمستملي العشاء بالمد والظاهر أنه وهم لأنه صح في رواية أخرى للبخاري صلى بنا
النبي الظهر أو العصر وفي رواية مسلم صلى بنا النبي العصر فسلم في ركعتين وفي أخرى
له صلى ركعتين من صلاة الظهر ثم سلم وفي رواية أبي داود صلى بنا رسول الله إحدى
صلاتي العشى الظهر أو العصر وفي رواية الطحاوي صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشى
الظهر أو العصر وأكبر ظني أنه ذكر صلاة الظهر قوله وأكبر ظني أنه ذكر صلاة الظهر
هو قول ابن سيرين أي أكبر ظني أن أبا هريرة ذكر صلاة الظهر وكذا ذكره البخاري في
كتاب الأدب وأطلق على الظهر والعصر صلاتي العشى لأن العشى يطلق على ما بعد الزوال
إلى المغرب فإن قلت قال الجوهري العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة قلت الذي
ذكره هو أصل الوضع وفي الإستعمال يطلق على ما ذكرناه وقال الأزهري العشي بفتح
العين وكسر الشين وتشديد الياء ما بين زوال الشمس وغروبها
قوله معروضة أي موضوعة بالعرض أو مطروحة في ناحية المسجد قوله وضع يده اليمنى
يحتمل أن يكون هذا الوضع حال التشبيك وأن يكون بعد زواله وعند الكشميهني وضع خده
الأيمن بدل يده اليمنى قوله السرعان قال الجوهري سرعان الناس بالتحريك أوائلهم
ويقال أخفاؤهم والمستعجلون منهم ويلزم الإعراب نونه في كل وجه وهو الصواب الذي
قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة وكذا ضبطه المتقنون وقال ابن الأثير السرعان
بفتح السين والراء أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة ويجوز
تسكين الراء قلت وكذا نقل القاضي عن بعضهم قال وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين
وإسكان الراء ووجهه أنه جمع سريع كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان ومن قال سرعان بكسر
السين فهو خطأ وقيل يقال أيضا سرعان بكسر السين والراء وهو جمع سريع كرعيل ورعلان
وأما أقوالهم سرعان ما فعلت ففيه ثلاث لغات الضم والكسر والفتح مع إسكان الراء
والنون مفتوحة أبدا قوله قصرت الصلاة بضم القاف وكسر الصاد ويروى بفتح القاف وضم
الصاد قوله فهاباه أي هاب أبو بكر وعمر النبي
(4/263)
ويروى فهابا بدون الضمير
المنصوب وهو من الهيبة وهو الخوف والاجلال وقد هابه يهابه والأمر منه هب بفتح
الهاء قوله أن يكلماه كلمة أن مصدرية والتقدير من التكليم قوله وفي القوم رجل جملة
إسمية وقعت حالا قوله ذو اليدين فيه روايات ففي رواية الطحاوي فقام رجل طويل
اليدين كان رسول الله سماه ذا اليدين وفي رواية فقام ذو اليدين وفي رواية فقام رجل
من بني سليم وفي رواية رجل يقال له الخرباق بن عمرو وكان في يديه طول وفي رواية
وكان رجلا بسيط اليدين وقع ذلك في رواية الطحاوي في حديث عمران بن حصين أن رسول
الله صلى بهم الظهر ثلاث ركعات ثم سلم وانصرف فقال له الخرباق يا رسول الله إنك
صليت ثلاثا فجاء فصلى ركعة ثم سجد سجدتين للسهو ثم سلم وأخرجه أحمد أيضا في (
مسنده ) والطبراني في ( الكبير )
وخرباق بكسر الخاء المعجمة ابن عبد عمرو السلمي وهو الذي يقال له ذو اليدين جميعا
وقال ابن حبان في ( الثقات ) ذو اليدين ويقال له ذو الشمالين أيضا ابن عبد عمرو بن
فضلة الخزاعي وقال أبو عبد الله العدني في ( مسنده ) قال أبو محمد الخزاعي ذو
اليدين أحد أجدادنا وهو ذو الشمالين بن عمرو بن ثور بن ملكان بن أفضى بن حارثة بن
عمرو بن عامر وقال ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عكرمة قال
صلى النبي بالناس ثلاث ركعات ثم انصرف فقال له بعض القوم حدث في الصلاة شيء وما
ذلك قالوا لم نصل إلا ثلاث ركعات فقال أكذاك يا ذا اليدين وكان يسمى ذا الشمالين
فقال نعم فصلى ركعة وسجد سجدتين وقال ابن الأثير في ( معرفة الصحابة ) ذو اليدين
اسمه الخرباق من بني سليم كان نزل بذي خشب من ناحية المدينة وليس هو ذا الشمالين
خزاعي حليف لبني زهرة قتل يوم بدر وأن قصة ذي الشمالين كانت قبل بدر ثم أحكمت
الأمور بعد ذلك
وقال القاضي عياض في ( شرح مسلم ) وأما حديث ذي اليدين فقد ذكر مسلم في حديث عمران
بن حصين أن اسمه الخرباق وكان في يديه طول وفي الرواية الأخرى بسيط اليدين وفي
حديث أبي هريرة رجل من بني سليم ووقع للعذري سلم وهو خطأ وقد جاء في حديث عبيد بن
عمير مفسرا فقال فيه ذو اليدين أخو بني سليم وفي رواية الزهري ذو الشمالين رجل من
بني زهرة وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن
مسعود قالوا لأن ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير وهو من بني سليم فهو
ذو اليدين المذكور في الحديث وهذا لا يصح لهم وإن قتل ذو الشمالين يوم بدر فليس هو
بالخرباق وهو رجل آخر حليف لبني زهرة اسمه عمير بن عبد عمرو من خزاعة بدليل رواية
أبي هريرة حديث ذي اليدين ومشاهدته خبره ولقوله صلى بنا رسول الله وذكر الحديث
وإسلام أبي هريرة بخير بعد يوم بدر بسنتين فهو غير ذي الشمالين المستشهد ببدر وقد
عدوا قول الزهري فيه هذا من وهمه وقد عدهما بعضهم حديثين في نازلتين وهو الصحيح
لاختلاف صفتهما لأن في حديث الخرباق ذا الشمالين أنه سلم من ثلاث وفي حديث ذي
اليدين من اثنتين وفي حديث الخرباق إنها العصر وفي حديث ذي اليدين الظهر لغير شك
عند نعضهم وقد ذكر مسلم ذلك كله اناتهى وقال أبو عمر ذو اليدين غير ذي الشمالين
المقتول ببدر بدليل ما في حديث أبي هريرة وأما قول الزهري في هذا الحديث أنه ذو
الشمالين فلم يتابع عليه
قلت الجواب على ذلك كله مع تحرير الكلام في هذا الموضع أنه وقع في كتاب النسائي ذا
اليدين وذا الشمالين واحد كلاهما لقب على الخرباق كما ذكرنا حيث قال أخبرنا محمد
بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي
بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبي هريرة قال صلى النبي الظهر أو العصر فسلم من
ركعتين فانصرف فقال له ذو اليدين وذو الشمالين ابن عمرو أنقضت الصلاة أم نسيت فقال
النبي ما يقول ذو اليدين قالوا صدق يا رسول الله فأتم لهم الركعتين اللتين نقصتا
وهذا سند صحيح متصل صرح فيه بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين وقال النسائي أيضا أن
هارون بن موسى الفروي حدثني أبو ضمرة عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة عن
أبي هريرة قال نسي رسول الله فسلم في سجدتين فقال ذو الشمالين اقصرت الصلاة أم
نسيت يا رسول الله قال رسول الله أصدق ذو اليدين قالوا نعم فقام رسول الله فأتم
الصلاة وهذا أيضا سند صحيح صريح فيه أيضا أن ذا الشمالين وهو ذو اليدين وقد تابع
الزهري على ذلك
(4/264)
عمران بن أبي أنس قال النسائي
أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن زيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن أبي
سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى يوما فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو
اليدين فقال يا رسول الله انقصت الصلاة أم نسيت فقال لم تنقص الصلاة ولم أنس قال
بلى والذي بعثك بالحق قال رسول الله أصدق ذو اليدين قالوا نعم فصلى بالناس ركعتين وهذا
يضا سند صحيح على شرط مسلم وأخرج نحوه الطحاوي عن ربيع المؤذن عن شعيب بن الليث عن
الليث عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره نحوه فثبت أن الزهري لم ينفرد بذلك وأن
المخاطب للنبي ذو الشمالين وأن من قال ذلك لم يهم ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في
الصحيح عدم صحته فثبت أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد وهذا أولى من جعله رجلين
لأنه خلاف الأصل في هذا الموضع فإن قلت أخرج البيهقي حديثا واستدل به على بقاء ذي
اليدين بعد النبي فقال الذي قتل ببدر هو ذو الشمالين بن عبد عمرو بن فضلة حليف بني
زهرة من خزاعة وأما ذو اليدين الذي أخبر النبي بسهوه فإنه بقي بعد النبي كذا ذكره
شيخنا أبو عبد الله الحافظ ثم خرج عنه بسنده إلى معدي بن سليمان قال حدثني شعيب بن
مطير عن أبيه ومطير حاضر فصدقه قال شعيب يا أبتاه أخبرتني أن ذا اليدين لقيك بذي
خشب فأخبرك أن رسول الله الحديث ثم قال البيهقي وقال بعض الرواة في حديث أبي هريرة
فقال ذو الشمالين يا رسول الله أقصرت الصلاة وكان شيخنا أبو عبد الله يقول كل من
قال ذلك فقد أخطأ فإن ذا الشمالين تقدم موته ولم يعقب وليس له راو قلت سنده ضعيف
لأن فيه معدي بن سليمان فقال أبو زرعة واهي الحديث وقال النسائي ضعيف الحديث وقال
أبو حاتم يحدث عن ابن عجلان مناكير وقال ابن حبان يروي المقلوبات عن الثقات
والملزوقات عن الأثبات لا يجوز الإحتجاج به إذا انفرد وفي سنده أيضا شهيب لم يعرف
حاله وولده مطير قال فيه ابن الجارود روى عنه ابنه شعيب لم يكتب حديثه وفي (
الضعفاء ) للذهبي لم يصح حديثه وفي ( الكاشف ) مطير بن سليم عن ذي الزوائد وعنه
أبناء شعيب وسليم لم يصح حديثه
ولضعف هذا السند قال البيهقي في ( كتاب المعرفة ) ذو اليدين بقي بعد النبي فيما
يقال ولقد أنصف وأحسن في هذه العبارة ثم إن قول شيخه أبي عبد الله كل من قال ذلك
فقد أخطأ غير صحيح روى مالك في ( موطئه ) عن ابن شهاب عن ابن أبي بكر بن سليمان عن
أبي خثيمة بلغني أن رسول الله ركعه ركعتين في إحدى صلاتي النهار الظهر أو العصر
فسلم من اثنتين فقال له ذو الشمالين رجل من بني زهرة بن كلاب أقصرت الصلاة الحديث
وفي آخره مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك
فقد صرح في هذه الرواية أنه ذو الشمالين وأنه من بني زهرة فإن قلت هو مرسل قلت ذكر
أبو عمر في ( التمهيد ) أنه متصل من وجوه صحاح والدليل عليه ما ذكرنا مما رواه
النسائي آنفا ثم قول الحاكم عن ذي الشمالين لم يعقب يفهم من ظاهرة أن ذا اليدين
أعقب ولا أصل لذلك فيما قد علمناه وا تعالى أعلم فإن قلت إن ذا اليدين وذا
الشمالين إذا كانا لقبا على شخص واحد على ما زعمتم فحينئذ يدل على أن أبا هريرة لم
يحضر تلك الصلاة وذلك لأن ذا اليدين الذي هو ذو الشمالين قتل ببدر وأبو هريرة أسلم
عام خيبر وهو متأخر بزمان كثير ومع هذا فأبو هريرة يقول صلى بنا رسول الله إحدى
صلاتي العشي إما الظهر أو العصر الحديث وفيه فقام ذو اليدين فقال يا رسول الله
أخرجه مسلم وغيره وفي رواية صلى بنا رسول الله عليه الصلاة و السلام فسلم في
ركعتين فقام ذو اليدين الحديث قلت أجاب الطحاوي بأن معناد صلى بالمسلمين وهذا جائز
في اللغة كما روي عن النزل بن سبرة قال قال لنا رسول الله أنا وإياكم كنا ندعى بني
عبد مناف الحديث والنزال لم ير رسول الله وإنما أراد بذلك قال لقومنا وروي عن
طاووس قال قدم علينا معاذ ابن جبل فلم يأخذ من الخضراوات شيئا وإنما أراد قدم
بلدنا لأن معاذا قدم اليمن في عهد رسول الله قبل أن يولد طاوس ومثله ما ذكره
البيهقي في باب البيان أن النهي مخصوص ببعض الأمكنة عن مجاهد قال جاءنا أبو ذر رضي
الله تعالى عنه إلى آخره قال البيهقي مجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر وقوله جاءنا
أي بلدنا فأفهم
قوله لم أنس ولم تقصر أي الصلاة وفي رواية مسلم كل ذلك لم يكن وفي رواية أبي داود
كل ذلك لم أفعل قال
(4/265)
النووي فيه تأويلان أحدهما أن
معناه لم يكن المجموع ولا ينفي وجود أحدهما والثاني هو الصواب معناه لم يكن لا ذلك
ولا ذا في ظني بل ظني أني أكملت الصلاة أربعا ويدل على صحة هذا التأويل وأنه لا
يجوز غيره أنه جاء في رواية للبخاري في هذا الحديث أن النبي قال لم نقصر ولم أنس
يرجع إلى السلام أي لم أنس فيه إنما سلمت قصدا ولم أنس في نفس السلام وإنما سهوت
عن العدد قال القرطبي وهذا فاسد لأنه حينئذ لا يكون جوابا عما سئل عنه ويقال بين
النسيان والسهو فرق فقيل كان يسهو ولا ينسى فلذلك نفي عن نفسه النسيان لأن فيه
غفلة ولم يغفل قاله القاضي وقال القشيري هذا افرق بينهما في استعمال اللغة وكأنه
يلوح من اللفظ على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق باصلاة والسهو عدم الذكر لأمر
يتعلق بها ويكون النسيان الإعراض عن تفقد أمورها حتى يحصل عدم الذكر والسهو عدم
الذكر لا لأجل الإعراض وقال القرطبي لا نسلم الفرق ولئن سلم فقد أضاف النبي
النسيان إلى نفسه في غير ما موضع بقوله إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت
فذكروني وقال القاضي إنما أنكر نسيت المضافة إلى نفسه وهو قد نهى عن هذا بقوله
بئسما لأحدكم أن يقول نسيت كذا ولكنه نسي وقد قال أيضا لا أنسى وقد شك بعض الرواة
في روايته فقال أنسى أو أنسى وأن أو للشك أو للتقسيم وأن هذا يكون منه مرة من قبل
شغله ومرة يغلب ويجبر عليه فلما سأله السائل بذلك أنكره وقال كل ذلك لم يكن وفي
الأخرى لم أنس ولم تقصر أما القصر فبين وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي ولكن الله
تعالى أنساني ويمكن أن يجاب عما قاله القاضي أن النهي في الحديث عن إضافة نسيت إلى
الآية الكريمة لأنه يقبح للمؤمن أن يضيف إلى نفسه نسيان كلام الله تعالى ولا يلزم
من هذا النهي الخاص النهي عن إضافته إلى كل شيء فافهم وذكر بعضهم أن العصمة ثابتة
في الإخبار عن الله تعالى وأما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز فيها النسيان قلت
تحقيق الكلام في هذا المقام أن قوله لم ينس ولم تقصر الصلاة مثل قوله كل ذلك لم
يكن والمعنى كل من القصر والنسيان لم يكن فيكون في معنى لا شيء منهما بكائن على
شمول النفي وعمومه لوجهين
أحدهما أن السؤال عن أحد الأمرين بأم ويكون لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند
المتكلم لا على التعيين غير أنه إنما يكون بالتعيين أو بنفيهما جميعا تخطئه
للمستفهم لا بنفي الجمع بينهما حتى يكون نفي العموم لأنه عارف بأن الكائن أحدهما
والثاني لما قال كل ذلك لم يكن قال له ذو اليدين قد كان بعض ذلك ومعلوم أن الثبوت
للبعض إنما ينافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع وقوله قد كان بعض ذلك موجبة
جزئية ونقيضها السالبة الكلية ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في
مقابلته الإيجاب الجزئي وههنا قاعدة أخرى وهي أن لفظة كل إذا وقعت في حيز النفيي
كان النفي موجبها خاصة وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد كقولك ما جاء كل
القوم ولم آخذ كل الدراهم وقوله
( ما كل ما يتمنى المرء يدركه )
وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد كقوله كل ذلك لم يكن قوله أكما يقول
ذو اليدين أي الأمر كما يقول قوله فقالوا نعم وفي رواية للبخاري فقال الناس نعم
وفي رواية أبي داود فأمأوا أي نعم وفي أكثر الأحاديث قالوا نعم ويمكن أن يجمع
بينهما بأن بعض أومأ وبعضهم يكلم وسنذكر وجه هذا عن قريب قوله فربما سألوه فربما
سألوا ابن سيرين هل في الحديث ثم سلم يعني سألوا ابن سيرين أن رسول الله بعد هذا
السجود سلم مرة أخرى أو اكتفى بالسلام الأول وكلمة رب أصلها للتقليل وكثر
استعمالها في التكثير وتلحقها كلمة ما فتدخل على الجمل قوله فيقول نبئت بضم النون
أي أخبرت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وهذا يدل على أنه لم يسمع من عمران وقد بين
أبو داود في روايته عن ابن سيرين الواسطة بينه وبين عمران فقال حدثنا محمد بن يحيى
بن فارس حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى قال حدثني أشعث عن محمد بن سيرين عن
خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى بهم وسها فسجد
سجدتين ثم تشهد ثم سلم ورواه النسائي والترمزي وقال حسن غريب ورواه الطحاوي من
حديث شعبة عن خالد الحذاء قال سمعت أبا قلابة يحدث عن عمه أبي المهلب عن عمران بن
حصين أن رسول الله صلى بهم الظهر ثلاث ركعات ثم سلم وانصرف فقال له الخرباق يا
رسول الله إنك صليت ثلاثا قال فجاء فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين للسهو ثم سلم
وأبو قلابة اسمه عبد الله بن زيد الحرمي وعمه أبو المهلب اسمه عمرو بن معاوية قاله
النسائي وقيل عبد الرحمن بن معاوية وقيل معاوية بن عمرو وقيل عبد الرحمن بن
(4/266)
عمرو وقيل النضر بن عمرو وفي
رواية أبي داود رواية الأكابر عن الأصاغر
ذكر ما يستنبط منه من الأحكام وهو على وجوه الأول فيه دليلا على أن سجود السهو
سجدتان
الثاني فيه حجة لأصحابنا الحنفية أن سجدتي السهو بعد السلام وهو حجة على الشافعي
ومن تبعه في أنها قبل السلام
الثالث أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ثم عاد وقضى ما عليه هل يصح فظاهر
الحديث يدل على أنه يصح لأنه قال في رواية عمران بن حصين فجاء فصلى ركعة وفي رواية
غيره من الجماعة فتقدم وصلى وهو رواية اليخاري ههنا وفي رواية فرجع رسول الله إلى
مقامه ولكن اختلف الفقهاء في هذه المسألة فعند الشافعي فيها وجهان أصحهما أنه يصح
لأنه ثبت في صحيح مسلم أنه عليه السلام مشى إلى الجذع وخرج السرعان وفي رواية دخل
منزله وفي رواية دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته والوجه الثاني وهو
المشهور عندهم أن الصلاة تبطل بذلك قال النووي وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من
أبطلها ونقل عن مالك أنه ما لم ينتقض وضوؤه يجوز له ذلك وإن طال الزمان وكذا روي
عن ربيعة مستدلين بحديث عمران ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة إذا سلم ساهيا على
الركعتين وهو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة ولم يتكلم عاد إلى القضاء لما عليه
ولو اقتدى به رجل يصح اقتداؤه به أما إذا صرف وجهه عن القبلة فإن كان في المسجد
ولم يتكلم فكذلك لأن المسجد كله في حكم مكان واحد لأنه مكان الصلاة وإن كان خرج في
المسجد ثم تذكر لا يعود وتفسد صلاته وأما إذا كان في الصحراء فإن تذكر قبل أن
يجاوز الصفوف من خلفه أو من قبل اليمين أو اليسار عاد إلى قضاء ما عليه وإلا فلا
وإن مشى أمامه لم يذكره في الكتاب
وقيل إن مشى قدر الصفوف التي خلفه تفسد وإلا فلا وهو مروي عن أبي يوسف اعتبارا
لأحد الجانبين وقيل إذا جاوز موضع سجوده لا يعود وهو الأصح وهذا إذا لم يكن بين
يديه سترة فإن كان يعود ما لم يجاوزها لأن داخل السترة في حكم المسجد وا اعلم
وأجابوا عن الحديث إنه منسوخ وذلك أن عمر بن الخطاب عمل بعد رسول الله بخلاف ما
كان عمله يوم ذي اليدين والحال أنه كان فيمن حضر يوم ذي اليدين فلولا ثبت عنده
انتساخ ذلك لما عمل بخلاف ما عمل به النبي وأيضا فإن عمر فعل ذلك بحضرة الصحابة
ولم ينكر عليه أحد فصار ذلك منهم إجماعا وروى الطحاوي ذلك عن ابن مرزوق قال حدثنا
أبو عاصم عن عثمان بن الأسود قال سمعت عطاء يقول صلى عمر بن الخطاب بأصحابه فسلم
في ركعتين ثم انصرف فقيل له في ذلك فقال إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها
وأقتابها حتى وردت المدينة قال فصلى بهم أربع ركعات
الرابع استدل به قوم على أن الكلام في الصلاة من المأمومين لإمامهم إذا كان على
وجه إصلاح الصلاة لا يقطع الصلاة وأن الكلام من الإمام والمأمومين فيها على السهو
لا يقطع الصلاة وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أبو عمر بن عبد البر
وذهب الشافعي وأصحابه إلى الكلام والسلام ساهيا في الصلاة لا يبطلها كقول مالك
وأصحابه سواء وإنما الخلاف بينهم أن مالكا يقول لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيما
إذا كان في شأنها وإصلاحها وهو قول ربيعة وابن القاسم إلا ما روي عنه في المنفرد
وهو قول أحمد بن حنبل ذكره الأثرم عنه أنه قال ما تكلم به الإنسان في صلاته
لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه وذكر الخرقي عنه أن
مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته إلا الإمام خاصة فإنه إذا تكلم لمصلحة
صلاته لم تبطل صلاته وقال الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب مالك وغيرهم إن من
تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم يتم الصلاة وأنه فيها أفسد صلاته فإن تكلم ناسيا أو
تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة لا يبطلها قال النووي وبهذا قال جمهور العلماء من
السلف والخلف وهو قول ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن
والشعبي وقتادة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وجميع المحدثين وقال أبو حنيفة
وأصحابه والثوري وفي أصح الروايتين عنه تبطل صلاته بالكلام ناسيا أو جاهلا انتهى
وأجمع المسلمون طرا أن الكلام عامدا في الصلاة إذا كان المصلي يعلم أنه في الصلاة
ولم يكن ذلك لإصلاح صلاته أنه يفسد الصلاة إلا ما روي عن الأوزاعي أنه من تكلم
لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته وهو قول ضعيف في النظر
وقال القاضي عياض المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث
(4/267)
ذي اليدين وروى عنه ترك الأخذ
به وأنه كان يستحب أن يعيد ولا يبني قال وإنما تكلم النبي عليه الصلاة و السلام
وأصحابه لأنهم ظنوا أن الصلاة قصرت ولا يجوز ذلك لأحدنا اليوم وقال الحارث بن
مسكين أصحاب مالك كلهم قالوا كان هذا أول الإسلام وأما الآن فمن تكلم فيها أعادها
الخامس فيه دليل على أن من قال ناسيا لم أفعل كذا وكان قد فعله أنه غير كاذب
السادس فيه جواز التلقيب الذي سبيله التعريف دون التهجين
السابع فيه الإجزاء بسجدتين عن السهوات لأنه سها عن الركعتين وتكلم ناسيا واقتصر
على السجدتين
الثامن فيه دليل على جواز تشبيك الأصابع في المسجد على ما ترجم عليه الباب
الأسئلة والأجوبة الأول كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم في الصلاة بعد وأجيب بأنهم
لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع
إلى ركعتين وقال النووي إن هذا كان خطابا للنبي عليه الصلاة و السلام وجوابا وذلك
لا يبطل عندنا غيرنا وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح إن الجماعة أو مأوا أي
أشاروا نعم فعلى هذه الرواية لم يتكلموا
الثاني قيل فيه إشكال على مذهب الشافعي لأن عندهم أنه لا يجوز للمصلي الرجوع في
قدر صلاته إلى قول غيره إماما أو مأموما ولا يعمل إلا على يقين نفسه وأجاب النووي
عن ذلك بأنه سألهم ليتذكر فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه لا أنه رجع إلى
مجرد قولهم ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال
النبي عليه الصلاة و السلام لم تقصر ولم أنس قلت هذا ليس بجواب مخلص لأنه لا يخلو
من الرجوع سواء كان رجوعه للتذكرة أو لغيره وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام
الرسول لا لأجل يقين نفسه وقال ابن القصار اختلف الرواة في هذا عن مالك فمرة قال
يرجع إلى قولهم وهو قول أبي حنيفة لأنه قال يبني على غالب ظنه وقال مرة أخرى يعمل
على يقينه ولا يرجع إلى قولهم كقول الشافعي
الثالث قد روي في بعض روايات مسلم في قصة ذي اليدين أن أبا هريرة قال بينا أنا
أصلي مع النبي عليه الصلاة و السلام صلاة الظهر الحديث وهذا صريح أنه حضر تلك
الصلاة والجواب عنه قد ذكرناه عن الطحاوي عن قريب وقيل يحتمل أن بعض الرواة فهم من
قول أبي هريرة في إحدى رواياته صلى بنا أنه كان حاضرا فروي الحديث بالمعنى على
زعمه وقال بينا أنا أصلي
الرابع في حديث عمران بن حصين أنه دخل منزله ولا يجوز لأحد اليوم أن ينصرف عن
القبلة ويمشي وقد بقي عليه شيء من الصلاة أجيب بأنه فعل ذلك وهو لا يرى أنه في
الصلاة فإن قيل فيلزم على هذا لو أكل أو شرب أو باع أو اشترى وهو لا يرى في الصلاة
أنه لا يخرجه ذلك منها قلت هذا كله منسوخ فلا يعمل به اليوم وا أعلم
98 -
( باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي )
أي هذا باب في بيان المساجد في الطرق التي بين المدينة النبوية ومكة المشرفة وفي
أكثر النسخ على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي
384041 - ح ( دثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ) قال حدثنا ( فضيل بن سليمان ) قال
حدثنا ( موسى ابن عقبة ) قال رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي
فيها ويحدث أن أباه كان يصلي فيها وأنه رأى النبي يصلي في تلك الأمكنة حدثني نافع
عن ابن عمر أنه كان يصلي في تلك الأمكنة وسألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في
الأمكنة كلها إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء ( الحديث 384 - أطرافه في
5351 6332 5437 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم على وزن اسم
المفعول
(4/268)
البصري مات سنة أربع وثلاثين
ومائتين الثاني فضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف النميري
بضم النون الثالث موسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف وفتح الباء الموحدة تقدم في
باب إسباغ الوضوء الرابع سالم ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب تقدم في باب الحياء
من الإيمان الخامس نافع مولى ابن عمر وقد تكرر ذكره السادس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه الرواية بصيغة
الماضي للتكلم وفيه صيغة التحديث بلفظ المضارع المفرد وبلفظ الماضي المفرد وفيه
العنعنة في موضع واحد وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني
ذكر معناه وما يستفاد منه ) قوله يتحرى أي يقصد ويختار ويجتهد قوله أن أباه أي عبد
الله بن عمر بن الخطاب قوله وأنه أي وأن أباه رأى النبي وهذا مرسل من سالم إذا ما
اتصل سنده قوله وحدثني نافع القائل ذلك هو موسى بن عقبة وهو عطف على رأيت أي قال
موسى وحدثني و سألت أيضا عطف عليه قوله بشرف الروحاء وهو موضع ارتفع من مكان الروحاء
وهي بحاء مهملة ممدودة قال أبو عبيد الله البكري هي قرية جامعة لمزينة على ليلتين
من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلا وقال كثير عزة سميت الروحاء لكثرة أرواحها
وبالروحاء بناء يزعمون أنه قبر مضر بن نزار وقال أبو عبيد والنسبة إليها روحاني
على غير قياس وقد قيل روحاوي على القياس وفي ( كتاب الجبال ) للزمخشري بين المدينة
والروحاء أربعة برد إلا ثلاثة أميال وفي ( صحيح مسلم ) في باب الأذان ستة وثلاثون
ميلا وفي كتاب ابن أبي شيبة على ثلاثين ميلا وقال ابن قرقول وهي من عمل الفرع على
نحو من أربعين ميلا من المدينة وقال أبو عبيد روى نافع عن مولاه أن بهذا الموضع
المسجد الصغير دون الموضع الذي بالشرف قال وروى أصحاب الزهري عنه عن حنظلة بن علي
عن أبي هريرة سمعت رسول الله يقول والذي نفسي بيده ليلهن ابن مريم عليهما السلام
بفج روحاء حاجا أو معتمرا أو بثنيتها وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة مثله وروى غير
واحد أن رسول الله قال وقد وصل المسجد الذي ببطن الروحاء عند عرق الظبية هذا واد
من أودية الجنة وصلى في هذا الوادي قبلي سبعون نبيا عليهم السلام وقد مر به موسى
بن عمران حاجا ومعتمرا في سبعين ألفا من بني إسرائيل
فإن قلت قد جاء عن عمر بن الخطاب خلاف فعل ابنه روى المعرور بن سويد كان عمر في
سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه ويقولون صلى فيه النبي فقال
عمر إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم واتخذوها كنائس وبيعا فمن عرضت
له الصلاة فليصل وإلا فليمض قلت إن عمر إنما خشي أن يلتزم الناس الصلاة في تلك
المواضع حتى يشكل على من يأتي بعدهم فيرى ذلك واجبا وعبد الله بن عمر كان مأمونا
من ذلك وكان يتبرك بتلك الأماكن وتشدده في الإتباع مشهور وغيره ليس في هذا المقام
484 - ح ( دثنا إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) قال حدثنا ( موسى
بن عقبة ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله ) أخبره أن رسول الله كان ينزل بذي الحليفة
حين يعتمر وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة وكان إذا رجع
من غزو كان في تلك الطريق أو في حج أو عمرة هبط من بطن واد فإذا ظهر من بطن واد
أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرس ثم حتى يصبح ليس عند المسجد الذي
بحجارة ولا على الأكمة التي عليها المسجد كان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه
كثب كان رسول الله ثم يصلي فدحا السيل فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذي كان
عبد الله يصلي فيه
584 - وأن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد
الذي بشرف الروحاء وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي كان صلى فيه
(4/269)
النبي يقول ثم عن يمينك حين
تقوم في المسجد تصلي وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى وأنت ذاهب إلى مكة بينه
وبين المسجد رمية بحجر أو نحو ذلك
684 - وأن عمر كان يصلي إلى العرق عند منصرف الروحاء وذلك العرق انتهاء طرفه على
حافة الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة وقد أبتني ثم
مسجد فلم يكن عبد اا يصلي في ذلك المسجد كان يتركه عن يساره ووراءه ويصلي أمامه إلى
العرق نفسه وكان عبد اا يروح من الروحاء فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلي
فيه الظهر وإذا أقبل من مكة فإن مر به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر عرس حتى
يصلي بها الصبح
784 - وأن عبد اا حدثه أن النبي كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة عن الطريق ووجاه
الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضي من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين وقد انكسر
أعلاها فانثنى في جوفها وهي قائمة على ساق وفي ساقها كثب كثيرة
884 - وأن عبد اا بن عمر حدثه أن النبي صلى في طرف تلعة من وراء العرج وأنت ذاهب
إلى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق
عند سلمات الطريق بين أولئك فيصلي السلمات كان عبد اا يروح من العرج بعد أن تميل
الشمس بالهاجرة الظهر في ذلك المسجد
984 - وأن عبد اا بن عمر حدثه أن رسول اا نزل عند سرحات عن يسار الطريق في مسيل
دون هرشى ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى بينه وبين الطريق قريب من غلوة وكان عبد اا
يصلي إلى سرحة هى أقرب السرحات إلى الطريق وهي أطولهن
094 - وأن عبد اا بن عمر حدثه أن النبي كان ينزل في المسيل الذي أدنى في الظهران
قبل المدينة حين يهبط من الصفروات ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت
ذاهب إلى مكة ليس بين منزل رسول الله وبين الطريق إلا رمية بحجر
ب050 194 - وأن عبد اا بن عمر حدثه أن النبي كان ينزل بذي طوى ويبيت حتى يصبح يصلي
الصبح حين يقدم مكة ومصلى رسول الله ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بني ثم
ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة
ب050 ب050 294 - وأن عبد اا حدثه أن النبي استقبل فرضتي الجبل الذي بينهم وبين
الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الأكمة ومصلى
النبي أسفل منه على السوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم تصلي مستقبل
الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة
(4/270)
مطابقته للترجمة ظاهرة في
الفصلين
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إبراهيم بن المنذر بكسر الذال المعجمة الحزامي نسبة إلى
أجداده ببيانه إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن
حزام بن خويلد بن أسد بن عبد الصمد ابن قصي المديني توفي سنة ست وثلاثين ومائتين
الثاني أنس بن عياض المدني مات سنة ثمانين ومائة الثالث موسى بن عقبة تقدم في هذا
الباب الرابع نافع وقد تقدم الخامس عبد الله بن عمر بن الخطاب
ذكر لطائف اسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في مواضع
واحد وفيه وفيه الإخبار بصيغة الماضي المفرد وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه
أن رواته مدنيون
ذكر معناه وإعرابه قوله بذي الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام وهو الميقات
المشهور لأهل المدينة وهو من المدينة على أربعة أميال ومن مكة على مائتي ميل غير
ميلين وقال الكرماني في ( مناسكه ) بينها وبين المدينة ميل أو ميلان والميل ثلث
فرسخ وهو أربعة آلاف ذراع ومنها إلى مكة عشر مراحل وقال ابن التين هي أبعد
المواقيت من مكة تعظيما لإحرام النبي قوله حين يعتمر وفي حجته حين حج إنما قال في
العمرة بلفظ المضارع وفي الحج بلفظ الماضي لأنه لم يحج إلا مرة وتكررت منه العمرة
وقال الكرماني والفعل المضارع قد يفيد الاستمرار قلت الماضي أقوى في إفادة
الاستمرار من المضارع لأن الماضي قد مضى واستقر بخلاف المضارع قوله تحت سمرة بضم
الميم وهو شجر الطلح وهو العظيم من الأشجار التي لها شوك وهي في ألسن الناس تعرف
بأم غيلان قوله وكان في تلك الطريق أي طريق ذي الحليفة قوله وكان جملة حالية ويروى
كان بدون الواو وهي صفة للغزو ويروى من غزوة بالتأنيث فإن قلت على هذا ما وجه
التذكير في كان قلت باعتبار السفر ويجوز أن يرجع الضمير فيه إلى رسول الله وقال
الكرماني فإن قلت لم ما أخر لفظ كان في تلك الطريق عن الحج والعمرة قلت لأنهما لم
يكونا إلا من تلك
قوله بالبطحاء قال في ( المحكم ) بطحاء الوادي تراب لين مما جرته السيول والجمع
بطحاوات وبطاح فإن اتسع وعرض فهو الأبطح والجمع الأباطح وقال أبو حنيفة الأبطح لا
ينبت شيئا إنما هو بطن السيل وفي ( الجامع ) للقزاز الأبطح والبطحاء الرمل المنبسط
على وجه الأرض وفي ( الواعي ) البطحاء حصى ورمل ينقل من مسيل الماء وقال نضر بن
شميل بطحاء الوادي وأبطحه حصاؤه اللين وقال أبو سليمان وهي حجارة ورمل وقال
الداودي البطحاء كل أرض منحدرة وفي ( الكفاية ) الأبطح والبطحاء منعطف الوادي وفي
( المنتهى ) الأبطح مسيل واسع فيها دقاق الحصى والجمع الأباطح وكذا البطحاء وفي (
الصحاح ) البطاح على غير قياس والبطيحة مثل الأبطح قوله شفير الوادي بفتح الشين
الحرف أي الطرف وقال ابن سيده شفير الوادي وشفره ناحيته من أعلاه قوله الشرقية صفة
البطحاء
قوله فعرس بالتشديد وقال الأصمعي عرس المسافرون تعريسا إذا نزلوا نزلة في وجه
السحر وأناخوا إبلهم فروحوها ساعة حتى ترجع إليها أنفسها وعن أبي زيد عرس القوم
تعريسا في المنزل حيث نزلوا بأي حين كان من ليل ونهار وفي ( المحكم ) المعرس الذي
يسير نهاره ويعرس أي ينزل أول الليل وفي ( الصحاح ) أعرسوا لغة فيه قليلة والموضع
معرس ومعرس وفي ( الغريبين ) التعريس نومة المسافر بعد إدلاج الليل وفي ( المغيث )
عرس أي نزل للنوم والاستراحة والتعريس النزول لغير إقامة قوله ثم بفتح الثاء
المثلثة وتشديد الميم أي هناك قوله حتى يصبح بضم الياء أي يدخل في الصباح وهي تامة
لا تحتاج إلى الخبر قوله الأكمة بفتح الهمزة والكاف قال ابن سيده هي التل من القف
من حجارة واحدة وقيل هو دون الجبال وقيل هو الموضع الذي قد اشتد ارتفاعه مما حوله
وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا والجمع أكم وأكم وأكمام وإكمام وأءكم كأفلس الأخيرة
عن ابن جني وفي ( الواعي ) لأبي محمد الأكام دون الضراب وفي ( الصحيح ) والجمع
أكمات وجمع الأكم آكام مثل عنق وأعناق قوله خليج بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام
قال في ( المنتهى ) هو شرم من البحر اختلج منه والخليج النهر العظيم والجمع خلجان
وربما قيل للنهر الصغير يختلج من النهر الكبير خليج وفي ( المحكم ) الخليج ما
انقطع من معظم الماء لأنه يختلج منه وقد اختلج وقيل الخليج شعبة تتشعب من الوادي
تغير بعض مائه إلى مكان آخر والجمع خلج وخلجان وفي كتاب ابن التين الخليج واد عميق
ينشق من آخر أعظم منه وفي ( كتاب الأماكن ) للزمخشري نحيل خليج أحد جبال مكة شرفها
الله
قوله يصلى عبد الله أي عبد
(4/271)
الله بن عمر قوله كتب بضم
الكاف وضم الثاء المثلثة جمع كثيب قال أبو المعالي وهو رمل اجتمع وكل ما اجتمع من
شيء وانهار فقد انكثب فيه ومنه اشتق الكثيب من الرمل في معنى مكثوب لأنه انصب في
مكان واجتمع فيه والجمع كثبان وهي تلال من رمل وفي ( المحكم ) الكثيب من الرمل
القطعة تبقى محدودبة وقيل هو ما اجتمع واحدودب والجمع أكثبة وكثب وفي ( الجامع )
للقزاز إنما سمي كثيبا لأن ترابه دقاق كأنه مكثوب أي منثور بعضه على بعض لرخاوته
قوله كان رسول الله هذا مرسل من نافع قوله ثم بفتح الثاء وقد تكررت هذه اللفظة
قوله فدحا الفاء للعطف ودحا من الدحو وبالحاء المهملة وهو البسط يقال دحا يدحو
ويدحي دحوا قاله ابن سيده وفي ( الغريبين ) كل شيء بسطته ووسعته فقد دحوته وفي الإسماعيلي
فدخل بالخاء المعجمة واللام ويروى قد جاء بكلمة قد للتحقيق وبكلمة جاء من المجيء
قوله وأن عبد الله بن عمر حدثه أي بالإسناد المذكور فيه قوله حيث المسجد الصغير
بالحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة ويروى جنب بالجيم والنون
والباء الموحدة والمسجد مرفوع على الرواية الأولى لأن حيث لا تضاف إلا إلى الجملة
على الأصح فتقديره حيث هو المسجد ونحوه وعلى الرواية الثانية مجرور قوله بشرف
الروحاء هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة وهي آخر السبالة للمتوجه إلى مكة
والمسجد الأوسط في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم قوله وقد كان عبد الله يعلم
بضم الياء من أعلم من العلامة وفي بعض النسخ يعلم بفتح الياء من العلم قوله على
حافة الطريق بتخفيف الفاء أي على جانب الطريق وحافتا الوادي جانباه قوله إلى العرق
بكسر العين وسكون الراء المهملتين وبالقاف أي عرق الظيبة قال الكرماني جبل صغير
ويقال أيضا للأرض الملح التي لا تنبت وقال أبو عبيدة هو واد معروف وقال ابن فارس
تنبت الطرفاء وقال أبو حنيفة رحمه الله تنبت الشجرة وقال الخليل العرق الجبل
الدقيق من الرمل المستطيل مع الأرض قال الداودي هو المكان المرتفع وفي ( التهذيب )
لأبي منصور العرق هو الجبل الصغير
قوله عند منصرف الروحاء بفتح الراء في منصرف أي عند آخرها قوله وقد ابتني بضم
التاء المنثناة من فوق على صيغة المجهول من الماضي قوله وورائه بالجر عطف على
يساره وبالنصب بتقدير في ظرفا قوله وأمامة أي قدام المسجد قوله من آخر السحر وهو
عبارة عما بين الصبح الكاذب والصادق والفرق بين العبارتين أعني قوله آخر السحر هو
أنه أراد بآخر السحر أقل من ساعة أو أراد الإبهام ليتناول قدر الساعة وأقل وأكثر
منه
قوله سرحة بفتح السين المهملة وسكون الراء وفتح الحاء المهملة وأراد بها الشجرة
الضخمة أي العظيمة وقال أبو حنيفة في ( كتاب النبات ) إن أبا زيد قال السرح من
العضاه واحدته سرحة والسرح طوال في السماء وقد تكون السرحة دوحة محلا لا واسعة يحل
تحتها الناس في الصيف ويبنون تحتها البيوت وقد تكون منه العشة القليلة الفروع
والورق وللسرح عنب يسمى آآء واحدته آءة يأكله الناس أبيض ويربون منه الرب وورقته
صغيرة عريضة تأكله الماشية لو تقدر عليه ولكن لا تقدر لطوله ولا صمغ له ولا منفعة
فيه أكثر مما أخبرتك إلا أن ظله صالح فمن أجل ذلك قال الشاعر عنها بامرأة
فيا سرحة الركبان ظلك بارد وماؤك عذب لا يحل لشارب وليس للسرح شوك وقال أبو عمر
والسرح يشبه الزيتون وروى الفراء عن أبي الهيثم أن كل شجرة لا شوك فيها فهي سرحة
يقال ذهب إلى السرح وهو أسهل من كل شيء وأخبرني أعرابي قال في السرحة غبرة وهي دون
الأثل في الطول وورقها صغار وهي بسيطة الأفنان قال وهي مائلة النبتية أبدا وميلها
من بين جميع الأشجار في شق اليمين ولم أبل على هذا الأعرابي كذبا وزعم بعض الرواة
أن السرح من نبات القف وقال غيره من نبات السهل وهو قول الأصمعي وفي ( المنتهى )
السرح شجر عظام طوال وفي ( الجامع ) كل شجرة طالت فهي سرحة وفي ( المطالع ) قيل هي
الدفلى وقال أبو علي هو نبت وقيل لها هدب وليس لها ورق وهو يشبه الصوف
قوله دون الرويثة أي تحتها قريب منها والرويثة بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء
آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة على لفظ التصغير قال البكري وهي قرية جامعة بينها
وبين المدينة سبعة عشر فرسخا ومن الرويثة إلى السقيا عشر فراسخ وعقبة العرج على
أحد عشر ميلا من الرويثة بينها وبين العرج ثلاثة أميال وهي غير الرويثة ماء لبني
عجل بين طريق الكوفة والبصرة وذكره ياقوت قال الكرماني وفي بعض النسخ الرقشة
(4/272)
بفتح الراء وسكون القاف وإعجام
الشين قلت لم يذكر البكري إلا الرقاش وقال هو بلد قوله ووجاه بضم الواو وكسرها
المقابل وهو عطف على اليمين ويجوز بالنصب على الظرفية قوله بطح بفتح الباء الموحدة
وكسر الطاء وسكونها أي واسع قوله حتى يفضي بالفاء من الإفضاء بمعنى الخروج يقال
أفضيت إذا خرجت إلى الفضاء أو بمعنى الدفع كقوله تعالى وفإذا أفضتم من عرفات أو
بمعنى الوصول قلت الضمير في يفضي يرجع إلى ماذا قلت يرجع إلى الرسول ويجوز أن يرجع
إلى المكان وقال الكرماني في بعض النسخ بلفظ الخطاب قوله دوين مصغر الدون وهو نقيض
الفوق ويقال هو دون ذاك أي قريب منه والبريد هو المرتب واحد بعد واحد والمراد به
موضع البريد والمعنى بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان ويقال
المراد بالبريد سكة الطريق قوله فانثنى بفتح الثاء المثلثة على صيغة المعلوم من
الماضي ومعناه انعطف قوله وهي قائمة على ساق أي كالبنيان ليست متسعة من أسفل وضيقة
من فوق
قوله في طرف تلعة بفتح التاء المثناة وسكون اللام وفتح العين المهملة وهي أرض
مرتفعة عريضة يتردد فيها السيل والتعلة مجرى الماء من أعلى الوادي والتلعة ما
انهبط من الأرض وقيل التلعة مثل الرحبة والجمع في كل ذلك تلع وتلاع وعن صاحب (
العين ) التلعة أرض مرتفعة غليظة وربما كانت على غلظها عريضة وفي ( الجامع )
التلعة من الوادي ما اتسع من فوهته وقيل هي مسيل من الأرض المرتفعة إلى بطن الوادي
فإن صغر عن ذلك فهي شعبة فإذا عظم فكان نصف الوادي فهي الميثاء وعن الرماني الأصل
في التلعة الارتفاع قوله العرج بفتح العين المهملة وسكون الراء ثم جيم قرية جامعة
على طريق مكة من المدينة بينها وبين الرويثة أربعة عشر ميلا قال البكري قال
السكوني المسجد النبوي على خمسة أميال متن العرج وأنت ذاهب إلى هضبة عندها قبران
أو ثلاثة عليها رضم حجارة قال كثير إنما سمي العرج لتعريجه وبين العرج إلى السقيا
سبعة عشر ميلا وقال ياقوت العرج قرية جامعة من نواحي الطائف والعرج عقبة بين مكة
والمدينة على جادة الطريق تذكر مع السقيا وسوق العرج بلد بين المحالب والمهجم وقال
الزمخشري العرج واد بالطائف والعرج أيضا منزل بين المدينة ومكة وجاء فيه فتح الراء
أيضا
قوله إلى هضبة بفتح الهاء وسكون الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وهي الجبل
المنبسط على وجه الأرض وقال أبو زيد الهضبة من الجبال ما طال واتسع وانفرد وهي
الهضبات والهضاب وعن سيبويه وقد قالوا هضبة وهضب وقال صاحب ( العين ) الهضبة كل
جبل خلق من صخرة واحدة وكل صخرة ضخمة صلبة راسية تسمى هضبة وفي ( الجامع ) هي
القطعة المرتفعة من أعلى الجبل وفي ( المجمل ) هي أكمة ملساء قليلة النبات وفي (
المطالع ) هي فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل قوله رضم حجارة الرضم هي الحجارة
البيض والرضمة الصخرة العظيمة مثل الجزور وليست بثابتة والجمع رضم ورضام ورضم
الحجارة جعل بعضها على بعض وكل بناء بني بصخر رضيم ذكره ابن سيده وفي ( الجامع )
ومرضوم ووقع في رواية الأصيلي رضم من حجارة بتحريك الضاد قوله عند سلمات الطريق
بفتح السين المهملة وكسر اللام في رواية أبي ذرة والأصيلي وفي رواية الباقين بفتح
اللام قيل هي بالكسر الصخرات وبالفتح الشجرات وقال أبو زياد من العضاة السلم وهو
سليب العيدان طولا يشبه القضبان ليس له خشب وإن عظم وله شوك دقاق طوال حار إذا
أصاب رجل الإنسان وكل شيء من السلمة مر يدبغ به قاله أبو حنيفة وقال غيره من
الرواة السلمة أطيب الغضاه ريحا وبرمتها أطيب البرم ريحا وهي صفراء تؤكل وقيل ليس
شجرة أردى من سلمة ولم يوجد في ذرى سلمة صرد قط ويجمع على أسلام وأرض مسلوم إذا
كانت كثيرة السلم وفي ( الجامع ) يجمع أيضا على سلامى قوله بين أولئك السلمات وفي
بعض النسخ من أولئك السلمات وهي في النسخة الأولى ظاهر التعلق بما قبله وفي
الثانية بما بعده قوله بالهاجرة وهي نصف النهار عند اشتداد الحر
قوله في مسيل بفتح الميم وهو المكان المنحدر قوله دون هرشى بفتح الهاء وسكون الراء
وفتح الشين المعجمة مقصور على وزن فعلى قال أبو عبيد هو جبل من بلاد تهامة وهو على
ملتقى طريق الشام والمدينة في أرض مستوية هضبة ململمة لا تنبت شيئا وهي قرية بين
المدينة والشام قريبة من الجحفة يرى منها البحر ويقرب منها طفيل بفتح الطاء وكسر
الفاء وهو جبل أسود على الطريق من
(4/273)
ثنية هرشى ثلاث أودية غزال وذو
ذوران وكلية وكلها لخزاعة وبأعلى كلية ثلاثة أجبل صغار يقال لها سنابك وغدير خم
واد يصب في البحر وفي ( الموعب ) لابن التياني هرشى ثنية قرية من الجحفة وفي (
أسماء الجبال ) للزمخشري هرشى هضبة دون المدينة وقال الشريف على هرشى نقب في حرة
بين الأخيمصمي وبين السقيا على طريق المدينة ويليه جبال يقال لها طوال هرشى وفي (
المغيث ) للمديني قيل سميت هرشى لمهارشة كانت بينهم والتهريش الإفساد بين الناس
قوله من غلوة بفتح الغين المعجمة قال الجوهري الغلوة الغاية مقدار رمية وفي (
المغيث ) لا تكون الغلوة إلا مع تصعيد السهم وقال ابن سيده غلا بالسهم غلوا وغلوا
وغالا به غلاء ورفع به يده يريد أقصى الغاية وهو من التجاوز ورجل غلاء بعيد الغلو
بالسهم وغلا السهم نفسه ارتفع في ذهابه وجاوز المدى وكذلك الحجر وكل مرماة غلوة
والجمع غلواة وغلاء وقد تستعمل الغلوة في سباق الخيل قالت الفقهاء الغلوة أربعمائة
ذراع
قوله مر الظهران زعم البكري أنه بفتح أوله وتشديد ثانيه مضاف إلى الظهران بظاء
معجمة مفتوحة بين مر والبيت ستة عشر ميلا قلت هو الوادي الذي تسميه العامة بطن مر
وبسكون الراء بعدها واو وقال كثير عزة سميت مرا لمرارة مائها وقال أبو غسان سميت
بذلك لأن في بطن الوادي بئرا ونخلة كبابة بعرق من الأرض أبيض هجامر إلا أن الميم
موصولة بالراء وببطن مر تخزعت خزاعة من أخواتها فبقيت بمكة شرفها الله تعالى وسارت
أخواتها إلى الشام أيام سيل العرم وقال الزمخشري مر الظهران بتهامة قريب من عرفة
وعن صاحب ( العين ) الظهران من قولك مر ظهرهم وقال الفراء لم أسمع إلا بتثنيته لم
يجمع ولم يوحد قوله قبل المدينة بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي مقابلها وجهتها
قوله من الصفراوات بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء جمع صفراء وهي الأودية أو
الجبال بعد مر الظهران
قوله تنزل بلفظ الخطاب ليوافق أنت قوله بذي طوى بضم الطاء في رواية الأكثرين وفي
رواية الحموي والمستملي بذي الطوى بزيادة الألف واللام وقيده الأصيلي بالكسر وحكى
عياض وغيره الفتح أيضا وقال النووي ذو طوى بالفتح على الأفصح ويجوز ضمها وكسرها
وبفتح الواو المخففة وفيه لغتان الصرف وعدمه عند باب مكة بأسفلها وقال الجوهري ذو
طوى بالضم موضع بمكة وأما طوى فهو اسم موضع بالشام تكسر طاؤه وتضم قوله ولكن أسفل
بالرفع خبر مبتدأ محذوف وبالنصب أي في أسفل
قوله فرضتي الجبل ويقال أيضا لمدخل النهر وفرضة البئر ثلمته التي تسقى منها وفي (
المحكم ) فرضة النهر مشرب الماء منه والجمع فرض وفراض قوله نحو الكعبة أي ناحيتها
وهو متعلق بالطويل أو ظرف للجبل أو بدل من الفرضة قوله فجعل الظاهر أنه من كلام
نافع وفاعله عبد الله ويسار مفعول ثان قوله بطرف الأكمة صفة للمسجد الثاني
ذكر باقي المتعلقات والكلام فيه على وجوه الأول في ذكر المساجد التي بالمدينة وفي
المواضع التي صلى فيها النبي وأخرج أبو داود في ( كتاب المراسيل ) من حديث ابن
لهيعة عم بكير بن عبد الله الأشج قال كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد النبي يسمع
أهله تأذين بلال رضي الله تعالى عنه فيصلون في مساجدهم أقربها مسجد بني عمرو بن
مبذول ومسجد بني ساعدة ومسجد بني عبيد ومسجد بني سلمة ومسجد بني رايح بن عبد
الأشهل ومسجد بني زريق ومسجد غفار ومسجد أسلم ومسجد جهينة وشك في التاسع وفي كتاب
( أخبار المدينة ) لأبي زيد عمرو بن شبة النميري النحوي الأخباري بسند له في ذكر
المساجد التي بالمدينة عن رافع بن خديج صلى النبي في المسجد الصغير الذي بأحد في
شعب الجرار على يمينك اللازق بالجبل وعن أسيد بن أبي أسيد عن أشياخه أن النبي دعا
على الجبل الذي عليه مسجد الفتح وصلى في المسجد الصغير الذي بأصل الجبل حين تصعد
الجبل وعن عمارة ابن أبي اليسر صلى النبي في المسجد الأسفل وعن جابر دعا النبي
عليه الصلاة و السلام في المسجد المرتفع ورفع يديه مدا وعن عمرو بن شرحبيل أن
النبي صلى في مسجد بني خدارة وعن عمرو بن قتادة أن النبي عليه الصلاة و السلام صلى
لهم في مسجد في بني أمية من الأنصار وكان في موضع الخربتين اللتين عند مال نهيك
وعن الأعرج أن النبي عليه الصلاة و السلام صلى على ذباب وهو جبل بالمدينة بضم
الذال المعجمة وبالبائين الموحدتين
(4/274)
وفي لفظ كان ضرب قبته يوم
الخندق عليه وعن جابر بن أسامة قال خط النبي عليه الصلاة و السلام مسجد جهينة ليلا
وفي لفظ وصلى فيه وعن سعد بن إسحاق إن النبي صلى في مسجد بني ساعدة الخارج من بيوت
المدينة وفي مسجد بني بياضة وفي مسجد بني الحبلى ومسجد بني عصية وعن العباس بن سهل
أن النبي صلى في مسجد بني ساعدة وعن يحيى بن سعد كان النبي يختلف إلى مسجد أبي
فيصلي فيه غير مرة أو مرتين وقال لولا أن يميل الناس إليه لأكثرت الصلاة فيه وعن
يحيى بن النضرة أن النبي صلى في مسجد أبي بن كعب في بني جديلة ومسجد بني عمر بن
مبذول ومسجد بني دينار ومسجد النابغة ومسجد ابن عدي وجلس في كهف سلع وعن هشام بن
عروةأن النبي صلى في مسجد بلحارث بن الخزرج ومسجد السخ ومسجد بني خطمة ومسجد
الفضيح وفي صدقة الزبير وفي بني محمم وفي بيت صرمة في بني عدي
وعن الحارث بن سعيد أن النبي صلى في مسجد بني حارثة وبني ظفر وبني عبد الأشهل وعن
اسماعيل بن حبيبة إن النبي صلى في مسجد واقم وعن ابن عمر أن النبي صلى في مسجد بني
معاوية وعن كعب بن عجرة أن النبي صلى في مسجد عاتكة في بني سالم وعن جابر أن النبي
صلى في مسجد الخربة ومسجد القبلتين ومسجد بني حزام الذي بالقاع وعن محمد بن عتبة
بن أبي مالك أن النبي صلى في صدقته وعن يحيى بن إبراهيم أن النبي في مسجد رايح وعن
زيد بن سعد أن النبي صلى في حائط أبي الهيثم وعن جابر أن النبي صلى الظهر يوم أحد
على عينين وعن علي بن رافع أن النبي صلى في بيت امرأة من الخضر فأدخل ذلك في البيت
في مسجد بني قريظة وعن سلمة الخطمي أن النبي صلى في بيت المقعدة عند مسجد وائل في
مسجد العجوزة وعن أبي هريرة أن النبي عرض المسلمين بالسقيا التي بالحرة متوجها إلى
بدر وصلى بها
وعن المطلب أن النبي صلى في بني ساعدة وصلى في المسجد الذي عند السخين وبات فيه
وهو الذي عند ( البائع ) وعن هشام أن النبي صلى في مسجد الشجرة بالمعرس وعن أبي
هريرة أن النبي صلى في مسجد الشجرة وعن ربيعة بن عثمان أن النبي صلى في بيت إلى
جنب مسجد بني خدرة قال أبو غسان قال لي غير واحد من أهل العلم إن كل مسجد من مساجد
المدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي وذكر أن عمر
بن عبد العزيز حين بنى مسجد النبي سأل والناس يومئذ متوافرون عن المساجد التي صلى
فيها النبي في دار الشفا عن يمين من دخل الدار وصلى في دار بسرة بنت صفوان وفي دار
عمرو بن أمية الضمرى قلت قد اندرس أكثر هذه المساجد وبقي من المشهور الآن مسجد قبا
ومسجد بني قريظة ومشربة أم إبراهيم وهي شمالي مسجد قريظة ومسجد بني ظفر شرقي
البقيع ويعرف بمسجد البغلة ومسجد بني معاوية ويعرف بمسجد الإجابة ومسجد الفتح قريب
من جبل سلع ومسجد القبلتين في بني سلمة
الوجه الثاني في بيان وجه تتبع عبد الله بن عمر المواضع التي صلى فيها رسول الله
وهو أنه يستحب التتبع لآثار النبي والتبرك بها ولم يزل الناس يتبركون بمواضع
الصالحين وقد روى شعبة عن سليمان التيمي عن المعرور بن سويد قال كان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه ويقولون صلى
فيه النبي فقال عمر إنما هلك أهل الكتاب إنهم كانوا اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوا
كنائس وبيعا فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض قالوا أما ما روي عن عمر رضي
الله تعالى عنه أنه ذكر ذلك فلأنه خشي أن يلتزم الناس الصلاة في تلك المواضع فيشكل
ذلك على من يأتي بعدهم ويرى ذلك واجبا وكذا ينبغي للعالم إذا رأى الناس يلبتزمون
النوافل التزاما شديدا أن يترخص فيها في بعض المرات ويتركها ليعلم بفعله ذلك أنها
غير واجبة كما فعل ابن عباس في ترك الأضحية
الوجه الثالث فيما نقل عن الفقهاء في ذلك روى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة في
المواضع التي صلى فيها الشارع فقال ما يعجبني
(4/275)
ذلك إلا في مسجد قبا لأنه كان
يأتيه راكبا وماشيا ولم يفعل ذلك في تلك الأمكنة وقال البغوي إن المساجد التي ثبت
أن رسول الله صلى فيها لو انذر أحد الصلاة في شيء منها تعين كما تعين المساجد
الثلاثة
أبواب سترة المصلي 09 -
( باب سترة الإمام سترة من خلفه )
أي هذا باب في بيان كون سترة الإمام الذي يصلي وليس بين يديه جدار ونحوه سترة لمن
كان يصلي خلفه من المصلين والسترة بضم السين ما يستر به والمراد ههنا عكازة أو عصا
أو عنزة ونحو ذلك وفي بعض النسخ قبل قوله باب سترة الإمام أيواب سترة المصلي أي
هذه أبواب في بيان أحكام سترة المصلي
وجه المناسبة بين هذه الأبواب والأبواب التي قبلها من حيث أن الأبواب السابقة في
أحكام المساجد بوجوهها وهذه الأبواب في بيان أحكام المصلين في غيرها وهي خمسة
أبواب متناسقة
142 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس أنه قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ
قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض
الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد )
مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة تستنبط من قوله إلى غير جدار لأن هذا اللفظ مشعر
بأن ثمة سترة لأن لفظ غير يقع دائما صفة وتقديره إلى شيء غير جدار وهو أعم من أن
يكون عصا أو عنزة أو نحو ذلك وقال بعضهم في الاستدلال بهذا الحديث نظر لأنه ليس
فيه أنه صلى إلى سترة وقد بوب عليه البيهقي باب من صلى إلى غير سترة ( قلت ) دليله
لا يساعد نظره لأنه لم يقف على دقة الكلام والبيهقي أيضا لم يقف على هذه النكتة
والبخاري دقق نظره فأورد هذا الحديث في هذا الباب للوجه الذي ذكرناه على أن ذلك
معلوم من حال النبي وهذا الحديث بعينه بهذا الإسناد قد تقدم في كتاب العلم في باب
متى يصح سماع الصغير غير أن هناك شيخه إسماعيل عن مالك وههنا عبد الله بن يوسف عنه
وهناك حدثني مالك وههنا أخبرنا مالك وهناك فلم ينكر ذلك على صيغة المجهول مع طي
ذكر الفاعل وههنا على صيغة المعلوم والفاعل هو قوله أحد وقد ذكرنا مباحث هذا
الحديث هناك مستوفاة
143 - ( حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر أن رسول الله كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه
فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل في السفر فمن ثم اتخذها الأمراء )
مطابقته للترجمة ظاهرة ( فإن قلت ) كيف الظهور والترجمة في أن سترة الإمام سترة
لمن خلفه وليس في الحديث ما يدل على ذلك ( قلت ) يدل على ذلك من وجوه ثلاثة الأول
أنه لم ينقل وجود سترة لأحد من المأمومين ولو كان ذلك لنقل لتوفر الدواعي على نقل
الأحكام الشرعية فدل ذلك على أن سترته كانت سترة لمن خلفه الثاني أن قوله فيصلي
إليها والناس وراءه يدل على دخول الناس في السترة لأنهم تابعون للإمام في جميع ما
يفعله الثالث أن قوله وراءه يدل على أنهم كانوا وراء السترة أيضا إذ لو كانت لهم
سترة لم يكونوا وراءه بل كانوا وراءها وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على أن
المأمومين يصلون إلى سترة يعني به سترة الإمام وقال ولكن اختلفوا هل سترتهم سترة
الإمام أو سترتهم الإمام نفسه وقال بعضهم فيه نظر لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن
عمرو الغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرت حمير بين يدي
أصحابه فأعاد بهم الصلاة وفي رواية أنه قال لهم إنها
(4/276)
لم تقطع صلاتي ولكن قطعت
صلاتكم ( قلت ) لا يرد هذا على ما نقله عياض من الاتفاق لاحتمال أنه لم يقف على
قوله سترة الإمام سترة لمن خلفه أخرجه الطبراني من حديث أنس رضي الله تعالى عنه
وكذا روى عن ابن عمر أخرجه عبد الرزاق موقوفا عليه على أن الرواية عن الحكم مختلفة
ومع هذا لا يقاوم ما روي عن ابن عمر ثم قال هذا القائل ويظهر أثر هذا الخلاف الذي
نقله عياض فيما لو مر بين يدي الإمام أحد فعلى قول من يقول أن الإمام نفسه سترة
لمن خلفه تضر صلاته وصلاتهم وعلى قول من يقول أن سترة الإمام سترة من خلفه تضر
صلاته ولا تضر صلاتهم ( قلت ) سترة الإمام سترة مطلقا بالحديث المذكور فإذا وجدت
سترة لا تضر صلاة الإمام ولا صلاة المأموم
( بيان رجاله ) وهم خمسة الأول اسحق قال أبو علي الجياني لم أجد اسحق هذا منسوبا
من الرواة وقال الكرماني وفي بعض النسخ اسحق بن منصور ( قلت ) كذا جزم به أبو نعيم
وخلف الثاني عبد الله بن نمير بضم النون وقد تكرر ذكره الثالث عبيد الله بن عمر بن
حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عثمان القرشي العدوي المدني توفي سنة تسع
وأربعين ومائة الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر بن الخطاب
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في
موضعين وفيه أن رواته ما بين كوفيين ومدنيين وفيه أن شيخه الراوي عن ابن نمير غير
منسوب
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن عبد الله بن نمير وعن
محمد بن المثنى وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي الخلال عن عبد الله بن نمير
( ذكر معناه ) قوله أمر بالحربة أي خادمه بأخذ الحربة وللبخاري في العيدين من طريق
الأوزاعي عن نافع كان يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل وتنصب بين يديه فيصلي إليها
وزاد ابن ماجه وابن خزيمة والإسماعيلي وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستره
قوله والناس بالرفع عطف على فاعل يصلي ووراءه منصوب على الظرفية قوله ذلك أي الأمر
بالحربة والوضع بين يديه والصلاة إليها لم يكن مختصا بيوم العيد قوله فمن ثم بفتح
الثاء المثلثة أي فمن أجل ذلك اتخذ الحربة الأمراء وهو الرمح العريض النصل يخرج
بها بين أيديهم في العيد ونحوه وهذه الجملة أعني قوله فمن ثم اتخذها الأمراء من
كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه بدون هذه الجملة فقال حدثنا محمد بن الصباح أخبرنا
عبد الله بن رجاء المكي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي يخرج له
حربة في السفر فينصبها فيصلي إليها
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الاحتياط وأخذ آلة دفع الأعداء سيما في السفر وفيه جواز
الاستخدام وأمر الخادم وفيه أنه سترة الإمام سترة لمن خلفه وادعى بعضهم فيه
الإجماع نقله ابن بطال قال السترة عند العلماء سنة مندوب إليها وقال الأبهري سترة
المأموم سترة إمامه فلا يضر المرور بين يديه لأن المأموم تعلقت صلاته بصلاة إمامه
قال ولا خلاف أنه السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه وفي
الأمن قولان عند مالك وعند الشافعي مشروعة مطلقا لعموم الأحاديث ولأنها تصون البصر
قال فإن كان في الفضاء فهل يصلي إلى غير سترة أجازه ابن القاسم لحديث ابن عباس
المذكور وقال المطرف وابن الماجشون لا بد من سترة وذكر عن عروة وعطاء وسالم
والقاسم والشعبي والحسن أنهم كانوا يصلون في الفضاء إلى غير سترة ( قلت ) قال محمد
يستحب لمن يصلي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ونحوها فإن لم يجد يستتر
بشجرة ونحوها ( فإن قلت ) الحربة المذكورة هل لها حد في الطول وما المعتبر في طول
السترة ( قلت ) قال أصحابنا مقدارها ذراع فصاعدا وأخذوا ذلك بحديث طلحة بن عبيد
الله قال قال رسول الله إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من يمر بين
يديك رواه مسلم وذكر شيخ الإسلام في مبسوطه من حديث أبي جحيفة الآتي ذكره أن مقدار
العنزة طول ذراع في غلظ أصبع ويؤيد هذا قول ابن مسعود يجزىء من السترة السهم وفي
الذخيرة طول السهم ذراع وعرضه قدر أصبع واختلف مشايخنا فيما إذا كانت السترة أقل
من ذراع وقال شيخ الإسلام لو وضع قناة أو جعبة بين يديه وارتفع قدر ذراع كانت سترة
بلا خلاف وإن كانت دونه ففيه خلاف وفي
(4/277)
غريب الرواية النهر الكبير ليس
بسترة كالطريق وكذا الحوض الكبير وقالت المالكية تجوز القلنسوة العالية والوسادة
بخلاف السوط وجوز في العتبية السترة بالحيوان الطاهر بخلاف الخيل والبغال والحمير
وجوز بظهر الرجل ومنع بوجهه وتردد في جنبه ومنع بالمرأة واختلفوا في المحارم ولا
يستتر بنائم ولا مجنون ومأبون في دبره ولا كافر انتهى -
594441 - ح ( دثنا أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عون بن أبي جحيفة ) قال
سمعت أبي أن النبي صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين
تمر بين يديه المرأة والحمار
مطابقته للترجمة من الوجه الذي ذكرناه في الحديث السابق
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري الثاني
شعبة بن حجاج الثالث عون بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون الرابع أبوه أبو
حنيفة بضم الجيم وفتح الحاء مر في كتاب العلم واسمه وهب بن عبد الله السوائي بضم
السين المهملة
ذكر لطائف اسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد
وفيه السماع وفيه التحديث بصيغة المضارع المفرد وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن آدم وأخرجه مطولا
ومختصرا في باب استعمال وضوء الناس وفي ستر العورة وفي الآذان وفي صفة النبي في
موضعين وفي اللباس في موضعين وأخرجه أيضا بعد بابين في باب الصلاة إلى العنزة وفي
باب السترة بمكة وغيرها وأخرجه مسلم في الصلاة وكذلك أبو داود والترمزي وابن ماجة
وقد ذكرناه في باب الصلاة في الثوب الأحمر
ذكر معناه ) قوله قوله بالبطحاء أي بطحاء مكة ويقال لها الأبطح أيضا قوله وبين
يديه عنزة جملة وقعت حالا قوله الظهر منصوب لأنه مفعول صلى قوله ركعتين نصب إما
على أنه حال وإما على أنه بدل من الظهر وكذلك الكلام في قوله والعصر ركعتين قوله
تمر بين المرأة والحمار جملة وقعت حالا والجملة الفعلية إذا وقعت حالا وكان فعلها
مضارعا يجوز فيها الواو وتركها
ذكر ما يستفاد منه فيه جعل السترة بين يديه إذا كان في الصحراء وفيه أن مرور
المرأة والحمار لا يقطع الصلاة وهو قول عامة العلماء وروي عن أنس ومكحول وأبي
الأحوص والحسن وعكرمة يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة وعن ابن عباس يقطع الصلاة
الكلب الأسود والمرأة الحائض وعن عكرمة يقطع الصلاة الكلب والحمار والخنزير
والمرأة واليهودي والنصراني والمجوسي وعن عطاء لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود والمرأة
الحائض وعن أحمد في المشهور عنه يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم وفي رواية
يقطعها أيضا الحمار والمرأة والكلب البهيم الذي لا يخالط لونه لون آخر وفي ( جامع
شمس الأئمة ) تفسد الصلاة بمرور المرأة بين يديه وفي ( الكافي ) عند أهل العراق
تفسد بمرور الكلب والمرأة والحمار والخنزير والحديث المذكور حجة على من يقول بقطع
الصلاة بمرور المرأة والحمار والحجة على من يرى بقطع الصلاة بالأشياء المذكورة من
هؤلاء المذكورين ما رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
لا يقطع الصلاة شيء وادرؤا ما استطعتم فإنما هو شيطان وفي الباب عن ابن عمر وأبي
أمامة وأنس وجابر فحديث ابن عمر عند الدارقطني في ( سننه ) وحديث أبي أمامة وأنس
أيضا عنده وحديث جابر عند الطبراني في ( الأوسط ) قلت أما حديث الخدري ففيه مقال
وأما حديث ابن عمر وأبي أمانة وأنس فقال ابن الجوزي لا يصح منها شيء وأما حديث
جابر ففيه عيسى بن ميمون قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به ومستند المذكورين ما
رواه مسلم عن عبد الله ابن الصامت عن أبي ذر قال قال رسول الله تقطع صلاة الرجل
إذا لم يكن بين يديه كأخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود قلت ما بال الأسود
من الأحمر قال يا أبا أخي سألت رسول الله كما سأاتني فقال الكلب الأسود شيطان وحجة
العامة ما رواه البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله يصلي وأنا
معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة وقد روي هذا بوجود مختلفة منها ما فيه وأنا حزاءه
وأنا حائض وجه الاستدلال به أن اعتراض
(4/278)
المرأة خصوصا الحائض بين
المصلي وبين القبلة لا يقطع الصلاة فالمارة بطريق الأولى وبوب عليه أبو داود في (
سننه ) باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة وبوب أيضا باب من قال الكلب لا يقطع
الصلاة ثم روى عن الفضل بن عباس قال أتانا رسول الله ونحن في بادية ومعه عباس فصلى
في صحراء ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالى ذلك وأخرجه
النسائي أيضا وقال النووي وتأول الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على
قطع الخشوع جمعا بين الأحاديث فإن قلت قلت هذا جيد فيما إذا كانت الأحاديث التي
رويت في هذا الباب مستوية الأقدام وأما إذا قلنا أحاديث الجمهور أقوى وأصح من
أحاديث من خالفهم فالأخذ بالأقوى أولى وأقوى فإن قلت قال ابن القصار من قال إن
الحمار يقطع الصلاة قال إن مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف
والإمام سترة لمن خلفه قلت رد هذا بما رواه البزار أن المرور كان بين يديه فإن قلت
روى أبو داود من حديث سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا برجل مقعد
فسأله عن أمره فقال سأحدثك بحديث فلا تحدث به ما سمعت إني حي أن رسول الله نزل
بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه
وبينها فقال قطع صلاتنا قطع الله أثره فما قمت عليها إلى يومي هذا قلت قوله عليها
أي على رجلي وليس بإضمار قبل الذكر لوجود القرينة قلت أبو داود سكت عنه وقال غير
حديث واه ولئن سلمنا صحته فهو منسوخ بحديث ابن عباس لأن ذلك كان بتبوك وحديثه كان
في حجة الوداع بعدها وا أعلم وفيه جواز قصر الصلاة الرباعية بل هو أفضل من الإتمام
وهل هو رخصة أو عزيمة فيه خلاف بيننا وبين الشافعي على ما يأتي بيانه في موضعه إن
شاء الله تعالى
19 -
( باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة )
أي هذا باب في بيان قدركم ذراع ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة وقد علم أن لفظة
كم سواء كانت إستفهامية أو خبرية لها صدر الكلام وإنما قدم لفظ قدر عليها لأن
المضاف والمضاف إليه في حكم كلمة واحدة ومميز كم محذوف لأن الفعل لا يقع مميزا
والتقدير كم زراع ونحوه كما ذكرنا والمصلي بكسر اللام اسم فاعل قيل يحتمل أن يكون
بفتح اللام أي المكان الذي يصلي فيه قلت هذا احتمال أخذه قائلة من كلام الكرماني
حيث قال فإن قلت الحديث دل على القدر الذي بين المصلي بفتح اللام والسترة والترجمة
بكسر اللام قلت معناهما متلازمان انتهى قلت لا يلزم من تلازمهما عقلا اعتبار
المقدار لأن اعتبار المقدار بين المصلي وبين السترة لا بينها وبين المكان الذي
يصلي فيه
145 - ( حدثنا عمرو بن زرارة قال أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل
قال كان بين مصلى رسول الله وبين الجدار ممر الشاة )
مطابقته للترجمة ظاهرة
( ذكر رجاله ) وهم أربعة الأول عمرو بالواو بن زرارة بضم الزاي ثم بالراء قبل
الألف وبعدها هاء أبو محمد النيسابوري مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين الثاني عبد
العزيز بن أبي حازم الثالث أبوه حازم بالحاء المهملة وبالزاي اسمه سلمة بن دينار
وقد تقدم في باب غسل المرأة أباها الرابع سهل بن سعد الساعدي وقد تقدم فيه أيضا
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول وفيه عن أبيه وفي رواية أبي داود والإسماعيلي أخبرني أبي وفيه سهل غير
منسوب وفي رواية الأصيلي عن سهل بن سعد
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الصلاة عن يعقوب الدورقي وأبو داود فيه عن
النفيلي والقعنبي
( ذكر معناه ) قوله بين مصلى بفتح اللام وهو المكان الذي يصلي فيه والمراد به
مقامه وكذا هو في رواية أبي داود قال حدثنا القعنبي والنفيلي قال حدثنا عبد العزيز
هو ابن أبي حازم قال أخبرني أبي عن سهل قال كان بين مقام النبي وبين القبلة ممر
العنز وقال الكرماني المراد بالمصلى موضع القدم ( قلت ) يتناول ذلك موضع القدم
وموضع السجود أيضا قوله ممر الشاة وهو موضع مرورها وهو منصوب لأنه خبر كان والاسم
قدر المسافة أو الممر والسياق يدل عليه كذا قاله الكرماني ثم قال وفي بعضها بالرفع
( قلت ) وجه الرفع أن تكون كان تامة ويكون ممر الشاة
(4/279)
اسمها ولا يحتاج إلى خبر أو
تكون ناقصة والخبر هو الظرف وفي رواية أبي داود ممر العنز كما ذكرناه والعنز هو
الماعز
( ذكر ما يستفاد منه ) قال القرطبي إن بعض المشايخ حمل حديث ممر الشاة على ما إذا
كان قائما وحديث بلال رضي الله تعالى عنه أن النبي لما صلى في الكعبة جعل بينه
وبين القبلة قريبا من ثلاث أذرع على ما إذا ركع أو سجد قال ولم يحد مالك في هذا
حدا إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكن من دفع من يمر بين يديه وقيده بعض
الناس بشبر وآخرون بثلاثة أذرع وبه قال الشافعي وأحمد وهو قول عطاء وآخرون بستة
أذرع وذكر السفاقسي قال أبو اسحق رأيت عبد الله بن مغفل يصلي بينه وبين القبلة ستة
أذرع وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح نحوه وقد استقصينا الكلام في الباب السابق
146 - ( حدثنا المكي قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال كان جدار المسجد عند
المنبر ما كادت الشاة تجوزها )
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث أنه كان يقوم بجنب المنبر لأنه لم يكن لمسجد محراب
فتكون مسافة ما بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار فكأنه قال الذي ينبغي
أن يكون بين المصلي وسترته قدر ما كان بين منبره والجدار القبلي وقيل غير ذلك
تركناه لأنه لا طائل تحته
( ذكر رجاله ) وهم ثلاثة قد سبقوا بهذا الإسناد في باب اسم من كذب على النبي وسلمة
بفتح اللام هو ابن الأكوع الصحابي وهذا من ثلاثيات البخاري رضي الله عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحدي بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد
وفيه أن اسم شيخ البخاري على صورة النسبة إلى مكة والحديث أخرجه مسلم أيضا وهو
موقوف على سلمة ولكن في الأصل مرفوع يدل عليه ما رواه الإسماعيلي من طريق أبي عاصم
عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ كان المنبر على عهد رسول الله ليس بينه وبين حائط القبلة
إلا قدر ما يمر العنز
( ذكر معناه ) قوله المسجد أي مسجد النبي قوله عند المنبر من تتمة اسم كان أي
الجدار الذي كان عند منبر رسول الله وخبر كان الجملة أعني قوله ما كادت الشاة
تجوزها ويجوز أن يكون الخبر هو قوله عند المنبر وقوله ما كادت الشاة استئنافا
تقديره إذا كان الجدار عند المنبر فما مقدار المسافة بينهما فأجاب ما كادت الشاة
تجوزها أي مقدار ما كادت الشاة تجوز المسافة وليس بإضمار قبل الذكر لأن سوق الكلام
يدل عليه ثم اعلم أن كاد من أفعال المقاربة وخبره يكون فعلا مضارعا بغير أن كما في
هذه الرواية ويروى أن تجوزها ( فإن قلت ) ما وجه دخول أن ( قلت ) قد تدخل أن على
خبر كاد كما تحذف من خبر عسى إذ هما أخوان يتعارضان ( فإن قلت ) إذا دخل حرف النفي
على كاد يكون النفي كما في سائر الأفعال فما حكمه ههنا ( قلت ) القواعد النحوية
تقتضي النفي والموافق ههنا الإثبات للحديث الأول وهذا الحديث والذي قبله يدلان على
أن القرب من السترة مطلوب وقال ابن القاسم عن مالك ليس من الصواب أن يصلي وبينه
وبين السترة صفان وروى ابن المنذر عن مالك أنه تباعد عن سترته وأن شخصا قال له
أيها المصلي ألا تدنو من سترتك فمشى الإمام إليها وهو يقول وعلمك ما لم تكن تعلم
وكان فضل الله عليك عظيما -
29 -
( باب الصلاة إلى الحربة )
أي باب في بيان الصلاة إلى جهة الحربة المركوزة بينه وبين القبلة وقد بينا أن
الحربة وهي دون الرمح العريض النصل وقال أهل السير كانت للنبي حربة دون الرمح يقال
لها العنزة فكأنها بالغلبة صارت علما لها
147 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر
رضي الله تعالى عنهما أن النبي كان يركز له الحربة فيصلي إليها )
(4/280)
مطابقته للترجمة ظاهرة ساق هذا
الحديث في الباب السابق وذكره ههنا مختصرا ويحيى هو القطان وعبيد الله بن عمر بن
حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قوله يركز من الركز بالزاي في آخره وهو الغرز في
الأرض -
39 -
( باب الصلاة إلى العنزة )
أي هذا باب في بيان الصلاة إلى جهة العنزة المركوزة بينه وبين القبلة وقد مر تفسير
العنزة
994841 - حدثنا آدم قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عون بن أبي جحيفة ) قال سمعت
أبي قال خرج علينا رسول اا بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فصلى بنا الظهر والعصر وبين
يديه عنزة والمرأة والحمار يمرون من ورائها
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد تقدم حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي في الباب
الذي بينه وبين هذا بابان وهناك رواه عن أبي الوليد عن شعبة وههنا عن آدم بن أبي
إياس عن شعبة
قوله بالهاجرة وهي اشتداد الحر عند الظهيرة قوله فأتي على صيغة المجهول قوله بوضوء
بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به قوله وبين يديه عنزة جملة حالية قيل فيه تكرار
لأن العنزة هي الحربة ورد بأن الحربة غير العنزة لأن الحربة هي الرمح العريض النصل
ذكرنا عن قريب والعنزة مثل نصف الرمح قوله يمرون كان القياس في ذلك أن يقال يمران
بلفظ التثنية لأن المذكور تثنية وهي المرأة والحمار ووجهوا هذا بوجوه فقال بعضهم
كأنه أراد الجنس ويؤيده رواية الناس والدواب يمرون قلت هذا ليس بشيء لأنه الجنس
يراد جنس المرأة وجنس الحمار فيكون تثنية فلا يطابق الكلام فقال هذا القائل أيضا
والظاهر أن الذي وقع هنا من تصرف الرواة وهذا أيضا ليس بشيء لأن فيه نسبتهم إلى ذكر
ما يخالف القواعد وقال ابن مالك أرادوا المرأة والحمار وراكبه فحذف الراكب لدلالة
الحمار عليه ثم غلب عليه تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة وذو العقل على
الحمار فقال يمرون قلت هذا فيه تعسف وبعد وقال ابن التين فيه إطلاق اسم الجمع على
التثنية وهذا أوجه من غيره لأن مثل هذا وقع في الكلام الفصيح قوله من ورائها أي من
وراء العنزة
00 - 5 - حدثنا محمد بن حامم بن بزيع قال حدثنا ( شاذان ) عن ( شعبة ) عن ( عطاء
بن أبي ميمونة ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) قال كان النبي إذا خرج لحاجته تبعته أنا
وغلام ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة ومعنا إداوة فإذا فرغ من حاجته ناو لناه الإداوة
مطابقته للترجمة ظاهرة على ما وجد في أكثر النسخ وعنزة بالعين المهملة والنون
والزاي وفي بعض النسخ أو غيره بالغين المعجمة والياء آخر الحروف أي أو غير كل واحد
من العصا والعكازة فإن صح هذا فليس فيه ما يطابق الترجمة فإن قلت الضمير في غيره
يرجع إلى ماذا والمذكور شيئان وهما العكازة والعصا قلت تقديره أو غير كل واحد
منهما قال بعضهم الظاهر أنه تصحيف قلت كيف يكون تصحيفا وهي رواية المستملي والحموي
فكأن هذا القائل ارتكب هذا لئلا يقال إن هذا الحديث لا يطابق الترجمة وهذا الحديث
قد مر في كتاب الوضوء في باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء ولكن هناك أخرجه عن
محمد بن بشار بن جعفر عن شعبة وههنا عن محمد بن حاتم بالحاء المهملة وبالتاء
المثناة من فوق ابن بزيع بفتح الباء الموحدة وبكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف
وبالعين المهملة أبو سعيد مات وبغداد في سنة تسع وأربعين ومائتين وشاذان بالشين
المعجمة تقدم في باب حمل العنزة في الاستتجاء قوله تبعته أنا وإنما أتى بضمير
الفصل ليصح العطف وهذا على مذهب البصريين والإداوة بكسر الهمزة
وقال ابن بطال فيه الاستنهجاء بالماء هذا ليس بصريح فإن قوله فإذا فرغ من حاجته
يشمل الاستجناء بالحجر
(4/281)
ونحوه وتكون مناولة الماء لأجل
الوضوء قال وفيه خدمة السلطان والعالم قلت حصره للإثنين لا وجه له والأحسن أن يقال
فيه خدمة الكبير
49 -
( باب السترة بمكة وغيرها )
أي هذا باب في بيان استحباب السترة لدرء المار سواء كان بمكة أو غير مكة وإنما قيد
بمكة دفعا لتوهم من توهم أن السترة قبلة ولا ينبغي أن يكون لمكة قبلة إلا الكعبة
فلا يحتاج فيها إلى سترة وكل من يصلي في مكان واسع فالمستحب له أن يصلي إلى سترة
بمكة كان أو غيرها إلا أن يصلي بمسجد مكة بقرب الكعبة حيث لا يمكن لأحد المرور
بينه وبينها فلا يحتاج إلى سترة إذ قبلة مكة سترة له فإن صلى في مؤخر المسجد بحيث
يمكن المرور بين يديه أو في سائر بقاع مكة إلى غير جدار أو شجرة أو ما أشبههما
فينبغي أن يجعل أمامه ما يستر من المرور بين يديه كما فعل الشارع حين صلى بالبطحاء
إلى عنزة والبطحاء خارج مكة
59
- ( باب الصلاة إلى الاسطوانة )
أي هذا باب في استحباب الصلاة إلى جهة الإسطوانة إذا كان في موضع فيه أسطوانة
والأسطوانة بضم الهمزة معروفة والنون أصلية وزنها أفعوالة مثل أقحوانة لأنه يقال
أساطين مسطنة وقال الأخفش وزنها فعلوانة وهذا يدل على زيادة الواو والألف والنون
وقال قوم وزنها أففعلانة وهذا ليس بشيء لأنه لو كان كذلك لما جمع على أساطين لأنه
ليس في الكلام أفاعين وقال بعضهم الغالب أن الأسطوانة تكون من بناء بخلاف العمود
فإنه من حجر واحد قلت قيد الغالب لا طائل تحته ولا نسلم أن العمود يكون من حجر
واحد لأنه ربما يكون أكثر من واحد ويكون من خشب أيضا
وقال عمر المصلون أحق بالسوارى من المتحدثين إليها
مطابقة هذا الأثر ظاهرة لأن السواري هي الأساطين واسواري جمع سارية قال ابن الأثير
السارية الأسطوانة وذكر الجوهري في باب سرا ثم ذكر المادة الواوية والمادة اليائية
والظاهر أن السارية من ذوات الياء وهذا الذي علقه البخاري وصله أبو بكر بن أبي
شيبة من طريق همدان يريد عمر رضي الله تعالى عنه أي رسوله إلى أهل اليمن عن عمر به
وهمدان بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة قوله المصلون أحق وجه الأحقية أن
المصلين والمتحدثين مشتركان في الحاجة إلى السارية المتحدثون إلى الإستناد
والمصلون لجعلها سترة لكن المصلين في عبادة فكانوا أحق قوله من المتحدثين أي
المتكلمين
ورأى عمر رجلا يصلي بين أسطوانتين فأدناه إلى سارية فقال صل إليها
(4/282)
مطابقته للترجمة في قوله فأدناه
إلى سارية وابن عمر هو عبد الله ولذا وقع بإثبات ابن في رواية أبي ذر والأصيلي
وغيرهما وعند البعض رأى عمر بحذف ابن قال بعضهم هو أشبه بالصواب فقد رواه ابن أبي
شيبة في ( مصنفه ) من طريق معاوية ابن قرة بن إياس المزني عن أبيه وله صحبة قال
رآني عمر وأنا اصلي فذكر مثله سواء ولكن زاد فأخذ بقفاي انتهى قلت رواية الأكثرين
أشبه بالصواب مع احتمال أن يكون قضيتان إحداهما مع عمر والأخرى مع ابنه ولا مانع
لذلك وقال هذا القائل أيضا وقد عرف بذلك الميم المذكور في التعلق قلت هذا إنما
يكون إذا تحقق اتحاد القضية قوله فأدناه أي قربة من الإدناء وهو التقريب وادعى ابن
التين أن عمر إنما كره لانقطاع الصفوف وقيل أرادبذلك أن تكون صلاته إلى سترة
205 - حدثنا المكي بن إبراهيم قال حدثنا يز ( يد بن أبي عبيد قال كنت آتي مع سلمة
ابن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف فقلت يا أبا مسلم أراك تتحرى
الصلاة عند هذه الاسطوانلا قال فإني رأيت النبي يتحرى الصلاة عندها
13
- 50 مطابقته للترجمة في قوله فيصلي عند الأسطوانة وقوله يتحرى الصلاة عندها
ذكر رجاله وهم ثلاثة الأول مكي بن إبراهيم الثاني يزيد بن أبي عبيدة مولى سلمة بن
الأكوع الثالث سلمة بن الأكوع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه القول وفيه أنه من
ثلاثيات البخاري
ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن أبي موسى عن مكي به وعن اسحاق
بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وأخرجه ابن ماجه فيه عن يعقوب بن حميد
ذكر معناه ) قوله التي عند المصحف هذا يدل على أنه كان في مسجد رسول الله موضع خاص
للمصحف الذي كان ثمة من عهد عثمان ووقع عند مسلم بلفظ يصلي وراء الصندوق وكأنه كان
للمصحف صندوق يوضع فيه والأسطوانة المذكورة فيه معروفة بأسطوانة المهاجرين قوله
يابا مسلم أصله يا أبا مسلم حذفت الهمزة للتخفيف وهو كنيته سلمة بن الأكوع قوله
أراك أي أبصرك قوله تتحرى أي تجتهد وتختار وقال ابن بطال لما كان رسول الله يستتر
بالعنزة في الصحراء كانت الإسطوانة أولى بذلك لأنها أشد سترة منها قوله يتحرى
الصلاة عندها أي عند الأسطوانة أمامة ولا نكون إلى جنبه لئلا يتخلل الصفوف شيء ولا
يكون له سترة
305251 - ح ( دثنا قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن عامر بن أنس ) قال
لقد رأيت كبار أصحاب النبي يبتدرون السواري عند المغرب وزاد شعبة عن عمرو عن أنس
حتى يخرج النبي ( الحديث 305 - طرفه في 516 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول قبيصة بن عقبة الكوفي الثاني سفيان الثوري الثالث عمرو
بالواو وابن عامر الكوفي الأنصاري وليس هو عمرو بن عامر البصري فإنه سلمى ولا والد
أسد فإنه بجلي الرابع أنس بن مالك
ذكر لطائف اسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه
أن رواته كوفيون ما خلا أنس
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري هنا عن قبيصة وعن بندار عن غندر عن
شعبة وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي عامر عن سفيان عنه وفي نسخة
عن شعبة بدل سفيان
ذكر معناه قوله لقد أدركت هذا رواية المستملي والحموي وفي رواية غيرهما لقد رأيت
قوله كبار أصحاب محمد الكبار جمع كبير والأصحاب جمع صاحب قوله يبتدرون السواري
يتسارعون إليها قوله عند المغرب أي عند آذان المغرب وصرح بذلك الإسماعيلي من طريق
ابن مهدي عن سفيان ولمسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس
(4/283)
نحوه قوله وزاد شعبة عن عمرو
إلى آخره تعليق وقد وصله البخاري في كتاب الآذان من طريق غندر عن عمرو بن عامر
الأنصاري وزاد فيه أيضا يصلون الركعتين قبل المغرب قوله حتى يخرج النبي ويروى حين
يخرج وسيأتي الكلام في حكم الصلاة قبل المغرب بعد الغروب في موضعه إن شاء الله
تعالى
69 -
( باب الصلاة بين السواري في غير جماعة )
أي هذا باب في بيان الصلاة بين السواري أي الأساطين والأعمدة في غير جماعة يعني
إذا كان منفردا لا بأس في الصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة وقيد بغير
جماعة لأن لك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوبة
505451 - حدثنا عبد اا بن يوسف قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد اا بن
عمر ) أن ( رسول اا ) دخل الكعبة وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي
فأغلقها عليه ومكث فيها فسألت بلالا حين خرج ما صنع النبي قال جعل عمودا عن يساره
وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى وقال
لنا إسماعيل حدثني مالك وقال عمودين عن يمينه
مطابقته للترجمة في قوله فجعل عمودا إلى آخره ورجاله قد تكرروا قوله وأسامة بالنصب
عطفا على رسول الله ويجوز رفعه عطفا على فاعل دخل قوله الحجبي بفتح الحاء المهملة
ثم بالجيم وبالباء الموحدة المكسورة قوله فأغلقها أي أغلق عثمان الكعبة أي فإن قلت
في رواية مالك إشكال لأنه عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وهذان إثنان ثم قال
وثلاثة أعمدة وراءه فتكون الجملة خمسة ثم قال وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة قلت
أجاب الكرماني عنه بأن لفظ العمود جنس يحتمل الواحد الإثنتين فهو مجمل بينه مالك
في رواية إسماعيل بن أبي أويس عنه وهي قوله وقال لنا إسماعيل حدثني مالك فقال
عمودين عن يمينه فحينئذ تكون الأعمدة ستة وقال خلف لم أجده من حديث إسماعيل وقد
اختلف عن مالك في لفظه فرواه مسلم عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه عكس رواية
(4/284)
إسماعيل وفي رواية البخاري
عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره قال البيهقي وهو الصحيح وفي رواية جعل عمودا عن
يمينه وعمودين عن يساره عكس ما سبق وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على مالك فيه فوافق
الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله عمودا عن يمينه ووافق إسماعيل في قوله عمودين عن
يمينه ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة وكذلك الشافعي
وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهم وأجاب قوم عنه باحتمال تعدد الواقعة وروى عثمان
بن عمر عن مالك جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره فعلى هذا تكون الأعمدة سبعة
ويردها قوله وكأن البيت يومئذ على ستة أعمدة بعد قوله وثلاثة أعمدة وراءه وعن هذا
قال الدارقطني لم يتابع عثمان بن عمر على ذلك وأجاب الكرماني بجوابين آخرين الأول
هو أن الأعمدة الثلاثة المقدمة ما كانت على سمت واحد بل عمودان مسامتان والثالث
على غير سمتها ولفظ المقدمين في الحديث السابق يشعر به فتعرض للعمودين المسامتين
وسكت عن ثالثها والثاني أن تكون الثلاثة على سمت واحد وقام رسول الله عند الوسطاني
قوله وقال لنا إسماعيل وهو أبي أويس بن أخت مالك بن أنس وهذا موصول بواسطة قوله
لنا وهي رواية كريمة وفي رواية أبي ذر والأصيلي وقال إسماعيل بدون لفظ قال لنا أحط
درجة من حدثنا قوله حدثني مالك يعني بهذا الحديث
79 -
( باب )
أي هذا باب فإذا لم يقدر شيئا لا يكون معربا لأن الإعراب يكون بالعقد والتركيب كذا
وقع لفظ باب بلا ترجمة في رواية الأكثرين وليس لفظ باب في رواية الأصيلي وعلى قول
الأكثرين هو كالفصل من الباب الذي قبله وإنما فصله لأن فيه زيادة وهي مقدار ما كان
بينه وبين الجدار من المسافة
605551 - ح ( دثنا إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أبو ضمرة ) قال حدثنا ( موسى
بن عقبة ) عن ( نافع ) أن ( عبد اا ) كان ( إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل
وجعل الباب ) قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي ( قبل وجهه قريبا من
ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان ) الذي أخبره ( بلال ) أن النبي ( صلى فيه ) قال وليس
على أحدنا بأس أن صلى في أي نواحي البيت شاء
مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الإستلزام وهو أن الموضع المذكور من كونه مقابلا
للباب قريبا من الجدار يستلزم كون صلاته بين الساريتين
ذكر رجاله ومهم خمسة الأول إبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني الثاني
أبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء اسمه أنس بن عياض مر في باب
التبرز في البيوت الثالث موسى بن عقبة بن أبي عياش المديني مات سنة إحدى وأربعين
ومائة الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخ البخاري من
أفراده
ذكر بمعناه ) قوله قبل وجهه بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي مقابل وجهه وكذلك
الكلام في قبل وجهه الذي بعده قوله قريبا كذا وقع بالنصب ويروى بالرفع وهو الأصل
لأنه اسم يكون ووجه النصب أن يكون اسمه محذوفا والتقدير يكون القدر أو المكان
قريبا من ثلاثة أذرع ولفظه بثلاثة بالتأنيث في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر من
ثلاث أذرع بلا تاء فإن قلت الذراع مذكر فما وجهه ترك التأنيث قلت أجاب بعضهم أن
الذراع يذكر ويؤنث وليس كذلك على الإطلاق بل الذراع الذي يذرع به يذكر وذراع اليد
يذكر ويؤنث وههنا شبه بذراع اليد قوله صلى جملة استئنافية قوله يتوخى أي يتحرى
يقال توخيت مرضاتك أي تحريت
(4/285)
وقصدت قوله قال أي ابن عمر
قوله إن صلى بكسر الهمزة وصلى بلفظ الماضي وفي رواية الكشمهني أن يصلي بفتح الهمزة
ولفظ المضارع والتقدير ولا بأس بأن يصلي وحذف حرف سائغ
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الصلاة في نفس البيت وفيه الدنو من السترة وقد أمر
الشارع بالدنو منها لئلا يتخلل الشيطان ذلك وفيه السترة بين المصلي والقبلة ثلاثة
أذرع وادعى ابن بطال أن الذي واظب عليه الشارع في مقدر ذلك ممر الشاة كما جاء في
الآثار وفيه أنه لا يشترط في صحة الصلاة في البيت موافقة المكان الذي صلى فيه
النبي كما أشار إليه ابن عمر ولكن الموافقة أولى وإن كان يحصل الغرض بغيره وقد
ذكرنا أن الحديث لا يدل صريحا على الصلاة بين الساريتين وإنما دلالته على ذلك
بطريق الاستلزام وقد بيناه وقد اختلف السلف في الصلاة بين السواري فكرهه أنس بن مالك
لورود النهي بذلك رواه الحاكم وصححه وقال ابن مسعود لا تصفوا بين الأساطين واتموا
الصفوف وأجازه الحسن وابن سيرين وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة
يؤمون قومهم بين الأساطين وهو قول الكوفيين وقال مالك في ( المدونة ) لا بأس
باصلاة بينهما لضيق المسجد وقال ابن حبيب ليس النهي عن تقطيع الصفوف إذ ضاق المسجد
وإنما نهى عنه إذا كان المسجد واسعا قال القرطبي وسبب الكراهة بين الأساطين أنه
روي أنه مصلى الجن المؤمنين
89 -
( باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل )
أي هذا باب في بيان حكم الصلاة بالتوجه إلى الراحلة إلى آخره والراحلة الناقة التي
يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن النظر فإذا كانت في
جماعة الإبل عرفت و الهاء فيه للمبالغة كما يقال رجل داهية وراوية وقيل إنما سميت
راحلة لأنها ترحل قال الله تعالى في عيشة راضية ( الحاقة 12 والقارعة 7 ) أي مرضية
والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس ويقال للجمل بعير وللناقة بعير وبنو
تميم يقولون بعير وشعير بكسر الباء والشين والفتح هو الفصيح وإنما يقال له بعير
إذا أجذع والجمع أبعرة في أدنى العدد وأباعر في الكثير وأباعير وبعران وهذه عن الفراء
ومعنى بأجذع إذا دخل في السنة الخامسة فإن قلت إذا أطلق البعير على الناقة
والراحلة هي الناقة فما فائدة ذكر البعير قلت ذهب بعضهم إلى أن الراحلة لا تقع إلا
على الأنثى ولأجل ذلك أردفه بالبعير فإنه يقع عليهما قوله والشجر هو المعروف وفي
حديث علي رضي الله عنه قال لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول
الله فإنه كان يصلي إلى شجرة يدعو حتى أصبح رواه النسائي بإسناد حسن قوله والرحل
بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وهو للبعير أصغر من القتب وهو الذي يركب عليه وهو
الكور بضم الكاف فإن قلت حديث الباب لا يدل إلا على الصلاة إلى البعير والشجر قلت
كأنه وضع الترجمة على أنه يأتي لكل جزء منها بحديث فلم يجد على شرطه إلا حديث
الباب وهو يدل على الصلاة إلى الراحلة والرحل واكتفى به عن بقية ذلك بالقياس على
الراحلة وقد روى غيره في الصلاة إلى البعير والشجر أما الصلاة إلى البعير فرواه
أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ووهب بن بقية وعبد الله بن سعيد قال عثمان أخبرنا
أبو خالد قال أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي كان يصلي إلى بعيره
وأما الصلاة إلى الشجر فقد ذكرناه الآن عن النسائي
705651 - ح ( دثنا محمد بن أبي بكر المقدمي البصري ) قال حدثنا ( معتمر ) عن (
عبيد اا ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) عن النبي أنه كان يعرض راحلته فيصلي إليها
قلت أفرأيت إذا هبت الركاب قال كان يأخذ هذا الرحل فيعدله فيصلي إلي آخرته أو قال
مؤخره وكان ابن عمر رضي اا عنه يفعله ( انظر الحديث 034 )
مطابقته للترجمة في قوله يعرض راحلته فيصلي إليها وفي قوله كان يأخذ الرحل إلى
آخره وأما ذكر البعير
(4/286)
والشجر في الترجمة فقد ذكرنا
وجهه آنفا
ذكر رجاله وهم أربعة تكرر ذكرهم وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة
في ثلاثة مواضع
وأخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن أحمد بن حنبل ولفظه آخرة الرحل وأخرجه أيضا من حديث
أبي ذر وأبي هريرة وأخرج النسائي من حديث عائشة سئل رسول في غزوة تبوك عن سترة
المصلي فقال مثل مؤخرة الرحل
ذكر معناه ) قوله يعرض بتشديد الراء من التعريض أي يجعلها عرضا قوله أفرأيت الفاء
عاطفة على مقدر بعد الهمزة أي أرأيت في تلك الحالة فرأيت في هذه الحالة الأخرى
والمعنى أخبرني عن هذه وفي بعض النسخ أرأيت بدون الفاء فإن قلت من السائل هنا ومن
المسؤول عنه قلت الذي يدل عليه الظاهر أنه كلام نافع وهو السائل والمسؤول عنه هو
ابن عمر ولكن وقع في رواية الإسماعيلي من طريق عبيدة بن حميد عن عبيد الله بن عمر
أنه كلام عبيد الله والمسؤول نافع فعلى هذا يكون هو مرسلا لأن فاعل يأخذ هو النبي
ولم يدركه نافع قوله إذا هبت الركاب هبت بمعنى هاجت وتحركت يقال هب الفحل إذا هاج
وهب العير في السير إذا نشط وقال ابن بطال هبت أي زالت عن موضعها وتحركت يقال هب
النائم من نومه إذا قام وقيده الأصيلي بضم الهاء والفتح أصوب والركاب بكسر الراء
وتخفيف الكاف الإبل التي يسار عليها والواحد الراحلة ولا واحد لها من لفظها والجمع
الركب مثل الكتب قوله فيعدله من التعديل وهو تقويم الشيء يقال عدلته فاعتدل أي
قومته فاستقام والمعنى يقيمه تلقاء وجهه لأن الإبل إذا هاجت شوشت على المصلي لعدم
استقرارها فحينئذ كان النبي يعدل عنها إلى الراحل فيجعله سترة وقد ضبط بعضهم
فيعدله بفتح أوله وسكون العين وكسر الدال ثم فسره بقوله أي يقيمه تلقاء وجهه
والصواب ما ذكرناه لأنه من باب فعل بالتشديد لكنه يأتي بمعنى فعل بالتخفيف كما
يقال زلتحه وزيلته وكلاهما بمعنى فرقته قوله إلى آخرته بفتح الهمزة والخاء والراء
بلا مد أي فصلى إلى آخرة الرحل ويجوز المد في الهمزة ولكن بكسر الخاء وهي الخشبة
التي يستند إليها الراكب قوله أو قال مؤخرته في ضبطه وجوه الأول بضم الميم وكسر
الخاء وهمزة ساكنة قاله النووي والثاني بفتح الهمزة وفتح الخاء المشددة والثالث
إسكان الهمزة وتخفيف الهاء وقال أبو عبيد يجوز كسر الخاء وفتحها وأنكر ابن قتيبة
الفتح وقال ابن مكي لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر إلا في العير خاصة وأما في غيرها
فلا يقال إلا بالفتح فقط وقال الجوهري مؤخرة الرحل لغة قليلة في أخرته وقال ابن
التين رويناه بفتح الهمزة وتشديد الخاء وفتحها وقال القرطبي مؤخرة الرحل العود
الذي يكون في آخر الرحل بضم الميم وكسر الخاء والرابع روى بعضهم بفتح الهمزة
وتشديد الخاء قوله وكان ابن عمر يفعله مقول نافع والضمير المنصوب في يفعله يرجع
إلى كل واحد من التعريض والتعديل اللذين يدل عليهما قوله يعرض وقوله فيعدله من
قبيل قوله تعالى أعدلوا هو أقرب للتقوى ( المائدة 8 ) أي العدل أقرب للتقوى فافهم
ذكر ما يستفاد منه قال الخطابي فيه دليل على جواز السترة بما يثبت من الحيوان قال
ابن بطال وكذلك تجوز الصلاة إلى كل شيء طاهر وقال القرطبي في هذا الحديث دليل على
جواز التستر بالحيوان ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل لأن المعاطن
مواضع إقامتها عند الماء وكراهة الصلاة حينئذ عندها إما لشدة نتنها وإما لأنهم
كانوا يتخلون بها مستترين بها وقيل علة النهي في ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين
وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب الصلاة في مواضع الإبل
99 -
( باب الصلاة إلى السرير )
أي باب في بيان حكم الصلاة إلى السرير ومراده على السرير لأن لفظ الحديث فيتوسط
السرير فيصلي فهذا يدل على أنه يصلي على السرير على أن في بعض النسخ باب الصلاة
على السرير نبه عليه الكرماني وقال حروف الجر يقام بعضها مقام البعض فإن قلت قوله
فيتوسط السرير يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه قلت لا نسلم ذلك لأن معنى قوله
فيتوسط السرير يجعل نفسه في وسط السرير فإن قلت ذكر البخاري في الإستئذان حديث
الأعمش عن مسلم عن مسروق عن
(4/287)
عائشة رضي الله تعالى عنها كان
يصلي والسرير بينه وبين القبلة فهذا يبين أن المراد من حديث الباب أسفل السرير قلت
لا نسلم ذلك لاختلاف العبارتين مع احتمال كونهما في الحالتين فإذا علمت هذا علمت
أن قول الإسماعيلي بأنه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير غير وارد يظهر
ذلك بالتأمل
00 - 1 -
( باب يرد المصلي من مر بين يديه )
أي هذا باب ترجمته يرد المصلي من مر بين يديه وسنبين هل الرد إذا مر بين يديه في
موضع سجوده أو يرده مطلقا أو له حد معلوم وأن الرد واجب أم سنة أم مستحب وأنه مقيد
بمكان مخصوص أو في جميع الأمكنة على ما نذكره مفصلا إن شاء الله تعالى
ورد ابن عمر المار بين يديه في التشهد وفي الكعبة وقال إن أبى إلا أن تقاتله
ققاتله
(4/288)
الكلام فيه على أنواع الأول في
وجه مطابقته للترجمة وهي ظاهرة لأن ابن عمر رد المار من بين يديه وهو في الصلاة
الثاني في معنى التركيب فقوله ورد ابن عمر أي رد عبد الله بن عمر بن الخطاب المار
بين يديه حال كونه في التشهد وكان هذا المار هو عمرو بن دينار نبه عليه عبد الرزاق
وابن أبي شيبة في مصنفيهما قوله في الكعبة أي ورد أيضا في الكعبة قال الكرماني هو
عطف على مقدر أي رد المار بين يديه عند كونه في الصلاة وفي غير الكعبة وفي الكعبة
أيضا ويحتمل أن يراد به كون الرد في حالة واحدة جمعا بين كونه في التشهد وفي
الكعبة فلا حاجة إلى مقد وقال أبو محمد الإشبيلي في كتابه ( الجمع بين الصحيحين )
كذا وقع وفي الكعبة وقال ابن قرقول ورد ابن عمر في التشهد وفي الكعبة وقال القابسي
وفي الركعة بدلا من الكعبة أشبه وكذا وقع في بعض الأصول الركعة وقال صاحب (
التلويح ) والظاهر أنه وفي الكعبة وهو الصواب كما في كتاب الصلاة لأبي نعيم حدثنا
عبد العزيز بن الماجشون عن صالح بن كيسان قال رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة فلا يدع
أحدا يمر بين يديه يبادره قال بردة حدثنا مطر بن خليفة حدثنا عمرو بن دينار قال
مررت بابن عمر بعده ما جلس في آخر صلاته حتى أنظر ما يصنع فارتفع من مكانه فدفع في
صدري وقال ابن أبي شيبة أخبرنا ابن فضيل عن مطر عن عمرو بن دينار قال مررت بين يدي
ابن عمر وهو في الصلاة فارتفع من قعوده ثم دفع في صدري وفي كتاب ( الصلاة ) لأبي
نعيم فانتهزني بتسبيحة وقال بعضهم رواية الجمهور متجهة وتخصيص الكعبة بالذكر لئلا
يتخيل أنه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة قلت الواقع في نفس الأمر ان ابن
عمر في الرد في غير الكعبة وفي الكعبة أيضا فلا يقال فيه التخصيص والتعليل فيه
بكون محل المزاحمة غير موجه لأن في غير الكعبة أيضا توجد المزاحمة سيما في أيام
الجمع في الجوامع ونحو ذلك قوله وقال أي ابن عمر إن أبى أي المار أي امتنع بكل وجه
إلا بأن يقاتل المصلي المار قاتله قوله إلا أن يقاتله وقوله قاتله على وجهين
أحدهما أن يكون لفظ قاتله بصيغة الفعل الماضي وهذا عند كون لفظ إلا أن يقاتله
بصيغة الفعل المضارع المعلوم والضمير المرفوع فيه يرجع إلى المار الذي هو فاعل
لفظة أبي والمنصوب يرجع إلى المصلي والضمير المرفوع في قاتله يرجع إلى المصلي
والمنصوب يرجع إلى المار والوجه الآخر أن يكون لفظة إلا أن تقاتله بصيغة المخاطب
أي إلا أن تقاتل المار فقاتله بكسر التاء وسكون اللام على صيغة الأمر للحاضر وهذه
رواية الكشميهني والأول رواية الأكثرين فإن قلت لفظة قاتله في الوجه الثاني جملة
أمرية والجملة الأمرية إذا وقعت جزاء للشرطية فلا بد فيها من الفاء قلت تقدير
الكلام فأنت قاتله قال الكرماني ويجوز حذف الفاء منها نحو
من يفعل الحسنات الله يشكرها
قلت حذف الفاء منها لضرورة الوزن فلا يقاس عليه ويروى فقاتله بالفاء على الأصل
النوع الثالث في أن المروي عن ابن عمر ههنا على سبيل التعليق بثلاثة أشياء الأول
رده المار في التشهد وقد وصله أبو نعيم وابن أبي شيبة كما ذكرناه عن قريب الثاني
رده في الكعبة وقد وصله أبو نعيم أيضا كما ذكرناه وفي حديث يزيد الفقير صليت إلى
جنب ابن عمر بمكة فلم أر رجلا أكره أن يمر بين يديه منه الثالث أمره بالمقاتلة عند
عدم امتناع المار من المرور بين يدي المصلي وقد وصله عبد الرزاق ولفظه عن ابن عمر
قال لا تدع أحدا يمر بين يديك وأنت تصلي فإن أبي إلا أن تقاتله فقاتله وهذا موافق
لرواية الكشميهني
905 - حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن أبي
صالح أن أبا سعيد قال قال النبي ( ح ) وحدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا سليمان بن
المغيرة قال حدثنا حميد بن هلال العدوى قال حدثنا أبو صالح السمان قال رأيت أبا
سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط
أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه
فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان
(4/289)
فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد
ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي
يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه
فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ( الحديث 905 - طرفة في 4723 )
11
- 50 مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول أبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن عمرو بن أبي
الحجاج المقعد البصري مات بالبصرة سنة أربع وعشرين ومائتين وقد تقدم في باب قول
النبي اللهم علمه الكتاب الثاني عبد الوارث بن سعيد تقدم أيضا في هذا الباب الثالث
يونس بن عبيد بالتصغير ابن دينار أبو عبد الله البصري مات سنة تسع وثلاثين ومائتين
الرابع حميد بضم الحاء تصغير الحمد بن هلال بكسر الهاء وتخفيف اللام العدوي بفتح
العين والدال المهملتين التابعي الجليل الخامس أبو صالح ذكوان السمان وقد تكرر
ذكره السادس آدم بن أبي إياس السابع سليمان بن المغيرة القيسي البصري الثامن أبو
سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه واسمه سعد بن مالك
وذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع من الماضي في سبعة مواضع وفيه
العنعنة في موضعين وفيه القول والرؤية وفيه رواية التابعي عن الصحابي وفيه أن
رواته كلهم بصريون إلا أبا صالح فإنه مدني وآدم فإنه عسقلاني وفيه أن آدم من أفراد
البخاري وفيه أن البخاري لم يخرج لسليمان بن المغيرة شيئا موصولا إلا هذا الحديث
ذكره أبو مسعود وغيره وفيه التحويل من إسناد إلى إسناد آخر قبل ذكر الحديث وعلامته
حرف الحاء المفردة وفيه في الإسناد الأول حميد عن أبي صالح أن أبا سعيد وفي الثاني
قال أبو صالح رأيت أبا سعيد والثاني أقوى وفيه أن في الثاني ذكر قصة ليست في الأول
وقد ساق البخاري هذا الحديث في كتاب بدء الخلق بالإسناد الذي ساقه هناك من رواية
يونس بعينه وههنا من لفظ سليمان بن المغيرة لا من لفظ يونس
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن أبي معمر في صفة إبليس
وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن شيبان بن فروخ وأخرجه أبو داود فيه عن موسى ابن
اسماعيل
ذكر معناه ) قوله فأراد شاب من بني أبي معيط ووقع في ( كتاب الصلاة ) لأبي نعيم
الفضل بن دكين قال حدثنا عبد الله بن عامر عن زيد بن أسلم قال بينما أبو سعيد قائم
يصلي في المسجد فأقبل الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه فرده فأبى
إلا أن يمر فدفعه ولكمه فهذا يدل على أن هذا الشاب هو الوليد بن عقبة وفي ( المصنف
) لابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن ابن سيرين قال كان أبو سعيد قائما
يصلي فجاء عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام يمر بين يديه فمنعه فأبى إلا أن يجيء
فدفعه أبو سعيد فطرحه فقيل له تصنع هذا بعبد الرحمن فقال وا لو أبى إلا أن آخذ
بشعره لأخذت وروى عبد الرزاق حديث الباب عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عبد
الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه فقال فيه إذ جاء شاب ولم يسمعه وعن معمر عن زيد بن
أسلم فقال فيه فذهب ذو قرابة لمروان ومن طريق أبي العالية عن أبي سعيد فقال فيه
فمر رجل بين يديه من بني مروان والنسائي من وجه آخر فمر ابن لمروان وسماه عبد
الرزاق من طريق سليمان بن موسى داود بن مروان ولفظه أراد داود بن مروان أن يمر بين
يدي أبي سعيد ومروان يومئذ أمير بالمدينة فذكر الحديث وبه جزم ابن الجوزي وهذا كما
رأيت الاختلاف في تسمية المبهم الذي في الصحيح والأحسن أن يقال بتعدد الواقعة لأبي
سعيد مع غير واحد لأن في تعيين واحد من هؤلاء مع كون اتحاد الواقعة نظرا لا يخفى
قوله من بني أبي معيط بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي
آخره طاء مهملة وأبو معيط في قريش واسمه أبان بن أبي عمرو زكوان بن أمية الأكبر هو
والد عقبة بن أبي معيط الذي قتله رسول الله صبرا ومعيط تصغير أمعط وهو الذي لا
شعرعليه والأمعط والأمرط سواء قوله أن يجتاز بالجيم من الجواز قوله فلم يجد مساغا
بفتح الميم وبالغين المعجمة أي طريقا يمكنه المرور منها يقال ساغ الشراب في الحلق
إذا نزل من غير الضرر وساغ الشيء طاب قوله من الأولى أي من المرة
(4/290)
الأولى أو الدفعة الأولى قوله
فنال من أبي سعيد بالنون أي أصاب من عرضة بالشتم وهو من النيل وهو الإصابة قوله ثم
دخل على مروان وهو مروان بن الحكم بفتح الكافر الأموي أبو عبد الملك يقال إنه رأى
النبي قاله الواقدي ولم يحفظ عنه شيئا توفي النبي وهو ابن ثمان سنين مات بدمشق لثلاث
خلون من رمضان سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة وقد تقدم ذكره في باب البزاق
والمخاط قوله فقال مالك أي فقال مروان فكلمة ما مبتدأ و لك خبره و لابن أخيك عطف
عليه بإعادة الخافض وأطلق الأخوة باعتبار أن المؤمنين أخوة وفيه تأييد لقول من قال
إن المار بين يدي أبي سعيد الذي دفعه غير الوليد لأن أباه عقبة قتل كافرا فإن قلت
لم لم يقل ولأخيك بحذف الأبن قلت نظرا إلى أنه كان شابا أصغر منه
قوله فليدفعه وفي رواية مسلم فليدفع في نحره قال القرطبي أي بالإشارة ولطيف المنع
قوله فليقاتله بكسر اللام الجازمة وبسكونها قوله فإنما هو شيطان هذا من باب
التشبيه حذف منه أداة التشبيه للمبالغة أي إنما هو كشيطان أو يراد به شيطان الإنس
وإطلاق الشيطان على المارد من الإنس سائغ شائع وقد جاء في القرآن قوله تعالى
شياطين الإنس والجن ( الأنعام 211 ) وقال الخطابي معناه أن الشيطان يحمله على ذلك ويحركه
إليه وقد يكون أراد بالشيطان المار بين يديه نفسه وذلك أن الشيطان هو المارد
الخبيث من الجن والإنس وقال القرطبي ويحتمل أن يكون معناه الحامل له على ذلك
الشيطان ويؤيده حديث ابن عمر عند مسلم لا يدع أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله
فإن معه القرين وعند أبن ماجه قال القرين وقال المنكدري فإنه معه العزى وقيل معناه
إنما هو فعل الشيطان لشغل قلب المصلي كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه
ذكر ما يستنبط منه من الأحكام وهو على وجوه الأول فيه اتخاذ السترة للمصلي وزعم
ابن العربي أن الناس اختلفوا في وجوب وضع السترة بين يدي المصلي على ثلاثة أقوال
الأول أنه واجب فإن لم يجد وضع خطا وبه قال أحمد كأنه اعتمد حديث ابن عمر الذي
صححه الحاكم لا تصلي إلا إلى سترة ولا تدع أحدا يمر بين يديك وعن أبي نعيم في (
كتاب الصلاة ) حدثنا سليمان أظنه عن حميد بن هلال قال عمر ابن الخطاب لو يعلم المصلي
ما ينقص من صلاته ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس وعند ابن أبي شيبة عن ابن
مسعود إنه ليقطع نصف صلاة المرء المرور بين يديه الثاني أنها مستحبة ذهب إليه أبو
حنيفة ومالك والشافعي الثالث جواز تركها وروي ذلك عن مالك قلت قال أصحابنا الأصل
في السترة أنها مستحبة وقال إبراهيم النخعي كانوا يستحبون إذا صلوا في الفضاء أن
يكون بين أيديهم ما يسترهم وقال عطاء لا بأس بترك السترة وصلى القاسم وسالم في
الصحراء إلى غير سترة ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة في ( مصنفه )
واعلم أن الكلام في هذا على عشرة أنواع الأول أن السترة واجبة أو لا وقد مر الآن
الثاني مقدار موضع يكره المرور فيه فقيل موضع سجوده وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي
وشيخ الإسلام قاضيخان وقيل مقدار صفين أو ثلاثة وقيل بثلاثة أذرع وقيل بخمسة أذرع
وقيل بأربعين ذراعا وقدر الشافعي وأحمد بثلاثة أذرع ولم يحد مالك في ذلك حدا إلا أن
ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكن من دفع من مر بين يديه والثالث أنه يستحب لمن
صلى في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة وروى أبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله
قال إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن له
عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر أمامه وخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) وذكر عبد الحق أن
ابن المديني وأحمد بن حنبل صححاه وقال عياض هذا الحديث ضعيف وإن كان قد أخذ به
أحمد وقال سفيان بن عيينة لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث وكان إسماعيل بن أمية إذا
حدث بهذا الحديث يقول عندكم شيء تشدون به وأشار الشافعي إلى ضعفه وقال النووي فيه
ضعف وأضطراب وقال البيهقي ولا بأس به في مثل هذا الجكم
الرابع مقدار السترة قد ورد قدر ذراع وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى فيما مضى عن
قريب والخامس ينبغي أن يكون في غلظ الإصبع لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد
والسادس يقرب من السترة وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب سترة الإمام سترة لمن
خلفه والسابع أن يجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر وأخرج أبو داود من
حديث المقداد بن الأسود قال ما رأيت سول الله يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا
جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا يعني لم يقصده قصدا بالمواجهة
(4/291)
والصمد هو القصد في اللغة
والثامن أن سترة الإمام سترة للقوم وقد مر الكلام فيه والتاسع ذكر أصحابنا أن
المعتمد الغرز دون الإلقاء والخط لأن المقصود هو الدرء فلا يحصل بالإلقاء ولا
بالخط وفي ( مبسوط ) شيخ الإسلام إنما يغرز إذا كانت الأرض رخوة فإذا كانت صلبة لا
يمكنه فيضع وضعا لأن الوضع قد وري كما روي الغرز لكن يضع طولا لا عرضا وروى أبو
عصمة عن محمد إذا لم يجد سترة قال لا يخط بين يديه فإن الخط وتركه سواء لأنه لا
يبدو للناظر من بعيد وقال الشافعي بالعراق إن لم يجد ما يخط خطا طولا وبه أخذ بعض
المتأخرين وفي ( المحيط ) الخط ليس بشيء وفي ( الذخيرة ) للقرافي الخط باطل وهو
قول الجمهور وجوزه أشهب في ( العتبية ) وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي والشافعي
بالعراق ثم قال بمصر لا يخط والمانعون أجابوا عن حديث أبي هريرة المذكور أنه ضعيف
وقال عبد الحق ضعفه جماعة ابن حزم في ( المحلى ) لم يصح في الخط شيء ولا يجوز
القول به والعاشر أن السترة إذا كانت مغصوبة فهي معتبرة عندنا وعن أحمد تبطل صلاته
ومثله الصلاة في الثوب المغصوب عنده
الثاني من الأحكام أن الدرء وهو دفع المار بين يدي المصلي هل هو واجب أو ندب فقال
النووي هذا الأمر أعني قوله فليدفعه أمر ندب متأكد ولا أعلم أحدا من الفقهاء أوجبه
قلت قال أهل الظاهر بوجوبه لظاهر الأمر فكأن النووي ما أطلع على هذا أو اعتد
بخلافهم وقال ابن بطال اتفقوا على دفع المار إذا صلى إلى سترة فأما إذا صلى إلى غير
السترة فليس له لأن التصرف والمشي مباح لغيره في ذلك الموضع الذي يصلي فيه فلم
يستحق أن يمنعه إلا ما قام الدليل عليه وهي السترة التي وردت السنة بمنعها
الثالث إنه يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده وإنما يدافعه ويرده من موضعه لأن
مفسدة المشي أعظم من مروره بين يديه وإنما أبيح له قدر ما يناله من موقفه وإنما
يرده إذا كان بعيدا منه بالإشارة والتسبيح ولا يجمع بينهما وقال إمام الحرمين لا
ينتهي دفع المار إلى منع محقق بل يومىء ويشير برفق في صدره من يمر به وفي الكافي
للروياني يدفعه ويصر على ذلك وإن أدى إلى قتله وقيل يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرء
ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته وهذا هو المشهور عند مالك وأحمد وقال أشهب في (
المجموعة ) إن قرب منه درأه ولا ينازعه فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته وإن
تجاوزه لا يرده لأنه مرور ثان وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك وبه قال الشافعي
وأحمد وقال أبو مسعود وسالم يرده من حيث جاء وإذا مر بين يديه ما لا تؤثر فيه إلا
الإشارة كالهرة قالت المالكية دفعه برجله أو ألصقه إلى الستر
الرابع هل يقاتله فيه فإن أبى فليقاتله قال عياض أجمعوا على أنه لا تلزمه مقاتلته
بالسلاح ولا بما يؤدي إلى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه
باتفاق العلماء وهل تجب ديته أم تكون هدرا فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب
مالك قال ابن شعبان عليه الدية في ماله كاملة وقيل هي على عاقلته وقيل هدر ذكره
ابن التين واختلفوا في معنى فليقاتله والجمهور على أن معناه الدفع بالقهر لا جواز
القتل والمقصود المبالغة في كراهة المرور وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله
حقيقة ورد ابن الغربي ذلك وقال المراد بالمقاتلة المدافعة وقال بعضهم معنى
فليقاتله فليلعنه قال الله تعالى قتل الخراصون ( الذاريات 01 ) أي لعنوا وأنكره
بعضهم وقال ابن المنذر يدفع في نحره أول مرة ويقاتله في الثانية وهي المدافعة وقيل
يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ويؤنبه وقيل يدفعه دفعا أشد من الرد منكرا عليه
وفي ( التمهيد ) العمل القليل في الصلاة جائز نحو قتل البرغوث وحك الجسد وقتل
العقرب بما خف من الضرب ما لم تكن المتابعة والطول والمشي إلى الفرج إذا كان ذلك
قريبا ودرء المصلي وهذا كله ما لم يكثر فإن كثر فسد
الخامس فيه أن المار كالشيطان في أنه يشغل قلبه عن مناجاة ربه
السادس فيه أنه يجوز أن يقال للرجل إذا فتن في الدين إنه شيطان
السابع فيه أن الحكم للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المار شيطانا بمروره
بين يديه
الثامن فيه أن دفع الأسوأ إنما بالأسهل فالأسهل
التاسع فيه أن في المنازعات لا بد من الرفع إلى الحاكم ولا ينتقم الخصم بنفسه
العاشر فيه أن رواية العدل مقبولة وإن كان الراوي له منتفعا به
101 -
( باب إثم المار بين يدي المصلي )
أي هذا باب في بيان إثم المار بين يدي المصلي وأصل المار مارر فاسكنت الراء
اللأولى وادغمت الثانية والإدغام في مثله واجب
(4/292)
15951 - حدثنا عبد اا بن يوسف
أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد اا ) عن ( بسر بن سعيد ) أن
زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم يسأله ماذا سمع من رسول اا في المار بين يدي
المصلي فقال أبو جهيم قال رسول اا لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا لكان أن يقف
أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه قال أبو النضر لا أدري أقال أربعين يوما أو
شهرا أو سنة
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة قد ذكروا وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة اسمه سالم
ابن أبي أمية و بسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة الحضرمي المدني الزاهد
مات سنة مائة ولم يخلف كفنا وزيد بن خالد الجهني الصحابي وأبو جهيم بضم الجيم وفتح
الهاء واسمه عبد الله بن جهيم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك وفيه
العنعنة في موضعين وفيه تابعي وصحابيان وفيه أبو جهيم بالتصغير مر في باب التيمم
في الحضر وقال ابن عبد البر راوي حديث المرور هو غير راوي حديث التيمم وقال
الكلاباذي أبو جهيم ويقال أبو جهم بن الحارث روى عنه البخاري في الصلاة والتيمم
وقال النووي أبو جهيم راوي حديث المرور وحديث التيمم غير أبي الجهم مكبر المذكور
في حديث الخميصة والأنبجانية لأن اسمه عبد الله وهو أنصاري واسم ذلك عامر وهو عدوي
وقال الذهبي أبو الجهيم يقال أبو الجهم بن الحارث بن الصمة كان أبوه من كبار
الصحابة ثم قال أبو جهيم عبد الله بن جهيم جعله وابن الصمة واحدا أبو نعيم وابن
مندة وكذا قاله مسلم في بعض كتبه وجعلهما ابن عبد البر اثنين وهو أشبه لكن متن
الحديث واحد
ذكر من أخرجه غيره أخرجه بقية الستة قال ابن ماجة حدثنا هشام بن عمار حدثنا ابن
عيينة عن أبي النضر عن بسر قال أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله عن المرور بين يدي
المصلي فأخبرني عن النبي عليه الصلاة و السلام قال لأن يقوم أربعين خير له من أن
يمر بين يديه قال سفيان ولا أدري أربعين سنة أو شهرا أو صباحا أو ساعة وفي ( مسند
البزار ) أخبرنا أحمد بن عبدة حدثنا سفيان به وفيه أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن
خالد فقال لأن يقوم أربعين خريفا خير له من أن يمر بين يديه وقال أبو عمر في (
التمهيد ) رواه ابن عيينة مقلوبا والقول عندنا قول مالك ومن تابعه وقال ابن القطان
في حديث البزار خطىء فيه ابن عيينة وليس خطؤه بمتعين لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث
بسرا إلى زيد وزيد بعثه إلى أبي جهيم يستثبت كل واحد ما عند الآخر فأخبر كل منهما
بمحفوظه فشك أحدهما وجزم الآخر واجتمع ذلك كله عند أبي النضر قلت قول مالك في (
الموطأ ) لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد وأن المرسل إليه هو أبو جهيم وتابعه
سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجه وغيرهما وخالفهما ابن عيينة عن أبي
النضر فقال عن بسر بن سعيد قال أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله فذكر هذا
الحديث قلت هذا عكس متن ( الصحيحين ) لأن المسؤول فيهما هو أبو جهيم وهو الراوي عن
النبي عليه الصلاة و السلام وعند البزار المسؤول زيد بن خالد
ذكر معناه قوله ماذا عليه أي من الإثم والخطيئة وفي رواية الكشميهني ماذا عليه من
الإثم وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره وكذا في ( الموطأ ) ليست هذه
الزيادة وكذا في سائر المسندات وفي المستخرجات غير أنه وقع في ( مصنف ابن أبي شيبة
) ماذا عليه يعني من الإثم وعيب على المحب الطبري حيث عزا هذه الزيادة في الأحكام
للبخاري قوله بين يدي المصلي أي أمامه بالقرب منه وعبر باليدين لكون أكثر الشغل
يقع بهما قوله أن يقف أربعين وقد ذكرنا أن في رواية ابن ماجه أربعين سنة أو شهرا
أو صباحا أو ساعة وفي رواية البزار أربعين خريفا وفي ( صحيح ابن حبان ) عن أبي
هريرة قال قال رسول الله لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في
الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطأ وفي ( الأوسط ) للطبراني
عن عبد الله بن عمرو مرفوعا إن
(4/293)
الذي يمر بين يدي المصلي عمدا
يتمنى يوم القيامة أنه شجرة يابسة وفي المصنف عن عبد الحميد عامل عمر بن عبد
العزيز قال لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه لأحب أن ينكسر فخذه ولا يمر بين
يديه وقال ابن مسعود المار بين يدي المصلي أنقص من الممر عليه وكان إذا مر أحد بين
يديه التزمه حتى يرده وقال ابن بطال قال عمر رضي الله عنه لكان يقوم حولا خير له
من مروره وقال كعب الأحبار لكان أن يخسف به خيرا له من أن يمر بين يديه قوله قال
أبو النضر قال الكرماني إما من كلام مالك فهو مسند وإما تعليق من البخاري قلت هو
كلام مالك وليس هو من تعليق البخاري لأنه ثابت في ( الموطأ ) من جميع الطرق وكذا
ثبت في رواية الثوري وابن عيينة قوله أقال الهمزة فيه للإستفهام وفاعله بسرا أو
رسول الله كذا قاله الكرماني قلت الظاهر أنه بسر بن أمية
ذكر إعرابه ) قوله ماذا عليه كلمة ما استفهام ومحله الرفع على الابتداء وكلمة ذا
إشارة خبره والأولى أن تكون ذا موصولة بدليل افتقاره إلى شيء بعده لأن تقديره ماذا
عليه من الإثم ثم إن ماذا عليه في محل النصب على أنه سد مسد المفعولين لقوله لو
يعلم وقد علق عمله بالإستفهام قوله لكان جواب لو وكلمة أن مصدرية والتقدير لو يعلم
المار ما الذي عليه من الإثم من مروره بين يدي المصلي لكان وقوفه أربعين خيرا له
من أن يمر أي من مروره بين يديه وقال الكرماني جواب لو ليس هو المذكور إذ التقدير
لو يعلم ماذا عليه لوقف أربعين لو وقف أربعين لكان خيرا له قلت لا ضرورة إلى هذا
التقدير وهو تصرف فيه تعسف وحق التركيب ما ذكرناه قوله خيرا فيه روايتان النصب
والرفع أما النصب فظاهر لأنه خبر لكان واسم كان هو قوله أن يقف لأنا قلنا إن كلمة
أن مصدرية وأن التقدير لكان وقوفه أربعين خيرا له وأما وجه الرفع فقد قال ابن
العربي هو اسم ولم يذكر خبر ما هو وخبر هو قوله أن يقف والتقدير لو يعلم المار
ماذا عليه لكان خير وقوفه أربعين وتعسف بعضهم فقال يحتمل أن يقال اسمها ضمير الشأن
والجملة خبرها
قوله أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة لأنه ذكر العدد أعني أربعين ولا بد من مميز
لأنه لا يخلو عن هذه الأشياء وقد أبهم ذلك ههنا فإن قلت ما الحكمة فيه قلت قال
الكرماني وأبهم الأمر ليدل على الفخامة وأنه مما لا يقدر قدره ولا يدخل تحت
العبارة انتهى قلت الإبهام ههنا من الراوي وفي نفس الأمر العدد معين ألا ترى كيف
تعين فيما رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة لكان أن يقف مائة عام الحديث كما ذكرنا
وكذا عين في مسند البزار من طريق سفيان بن عيينة لكان أن يقف أربعين خريفا وقال
الكرماني فإن قلت هل للتخصيص بالأربعين حكمة معلومة قلت أسرار أمثالها لا يعلمها
إلا الشارع ويحتمل أن يكون ذلك لأن الغالب في أطوار الإنسان أن كمال كل طور
بأربعين كاطوار النطفة فإن كل طور منها بأربعين وكمال عدل الإنسان في أربعين سنة
ثم الأربعة أصل جميع الأعداد لأن أجزاءه وهي عشرة ومن العشرات المآت ومنها الألوف
فلما أريد التكثير ضوعف كل إلى عشرة أمثاله انتهى قلت غفل الكرماني عن رواية
المائة حيث قصر في بيان الحكمة على الأربعين وقال بعضهم في التنكيت على الكرماني
بأن هذه الرواية تشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد
معين قلت لا ينافي رواية المائة عن بيان وجه الحكمة في الأربعين بل ينبغي أن يطلب
وجه الحكمة في كل منهما لأن لقائل أن يقول لم أطلق الأربعين للمبالغة في تعظيم
الأمر ولم لم يذكر الخمسين أو ستين أو نحو ذلك والجواب الواضح الشافي في ذلك أن
تعيين الأربعين للوجه الذي ذكره الكرماني وأما وجه ذكر الطحاوي أنه قيد بالمائة
بعد التقييد بالأربعين للزيادة في تعظيم الأمر على المار لأن المقام مقام زجر
وتخويف وتشديد فإن قلت من أين علم أن التقييد بالمائة بعد التقييد بالأربعين قلت
وقوعهما معا مستعبد لأن المائة أكثر من الأربعين وكذا وقوع الأربعين بعد المائة
لعدم الفائدة وكلام الشارع كله حكمة وفائدة والمناسبة أيضا تقتضي تأخير المائة عن
الأربعين فإن قلت قد علم فيما مضى وجه الحكمة في الأربعين فما وجه الحكمة في تعيين
المائة قلت المائة وسط بالنسبة إلى العشرات والألوف وخير الأمور أوسطها وهذا مما
تفردت به
ذكر ما يستفاد منه من الأحكام ) فيه أن المرور بين يدي المصلي مذموم وفاعله مرتكب
الإثم وقال النووي فيه دليل على تحريم المرور فإن في الحديث النهي الأكيد والوعيد
الشديد فيدل على ذلك قلت فعلى ما ذكره ينبغي أن
(4/294)
المرور بين يدي المصلي من
الكبائر ويعد من ذلك واختلف في تحديد ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده وقيل
بينه وبين الساتر ثلاث أذرع وقيل بينهما قدر رمية بحجر وقد مر الكلام فيه مستوفى
وفيه قال ابن بطال يفهم من قوله لو يعلم أن الإثم يختصر بمن يعلم بالمنهي وارتكبه
قال بعضهم فيه بعد قلت ليس فيه بعد لأن لو للشرط فلا يترتب الحكم المذكور إلا عند
وجوده وفيه عموم النهي لكل مصل وتخصيص بعضهم بالإمام والمنفرد لا دليل عليه وفيه
طلب العلم والإرسال لأجله وفيه جواز الإستنابة وفيه أخذ العلماء بعضهم من بعض وفيه
الإقتصار على النزول مع القدرة على العلو لإرسال زيد بن خالد بسر بن سعيد إلى جهيم
ولو طلب العلو لسعى هو بنفسه إلى أبي جهيم وفيه قبول خبر الواحد
201 -
( باب استقبال الرجل وهو يصلي )
أي هذا باب في بيان استقبال الرجل الرجل والحال أنه يصلي يعني هل يكره أم لا
والرجل الأول مضاف إليه للاستقبال والرجل الثاني منصوب لأنه مفعول وقال الكرماني
وفي بعض النسخ باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره وفي بعضها استقبال الرجل وهو يصلي
وفي بعضها لفظ الرجل مكرر ولفظ هو يحتمل عوده إلى الرجل الثاني فيكون الرجلان
متواجهين وإلى الأول فلا يلزم التواجه
وكره عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلى
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان هو ابن عفان أحد الخلفاء الأربعة الراشدين قوله
يستقبل بضم الياء على صيغة المجهول و الرجل مرفوع لنيابته عن الفاعل ويجوز فتح
الياء على صيغة المعلوم ولا مانع من ذلك والكرماني اقتصر على الوجه الأول قوله وهو
يصلي جملة إسمية وقعت حالا عن الرجل وقال بعضهم ولم أر هذا الأثر عن عثمان إلى
الآن وإنما رأيته في ( مصنف ) عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما من طريق هلال بن
يساف عن عمر أنه زجر عن ذلك وفيهما أيضا عن عثمان ما يدل على عدم كراهة ذلك
فليتأمل لاحتمال أن يكون فيما وقع في الأصل تصحيف عن عمر إلى عثمان قلت لا يلزم من
عدم رؤية هذا الأثر من عثمان أن لا يكون منقولا عنه فليس بسديد زعم التصحيف
بالاحتمال الناشيء عن غير دليل فإن قلت رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عثمان
بخلاف ما ذكره البخاري عنه دليل الاحتمال قلت لا نسلم ذلك لاحتمال أن يكون المنقول
عنه آخرا بخلاف ما نقل عنه أولا لقيام الدليل عنده بذلك
وإنما هذا إذا اشتغل به فأما إذا لم يشتغل فقد قال زيد بن ثابت ما بالبيت إن الرجل
لا يقطع صلاة الرجل
قال صاحب ( التوضيح ) هذا من كلام البخاري يشير به إلى أن مذهبه ههنا بالتفصيل وهو
أن استقبال الرجل الرجل في الصلاة إنما يكره إذا اشتغل المستقبل المصلي لأن علة
الكراهة في كف المصلي عن الخشوع وحضور القلب وأما إذا لم يشغله فلا بأس به والدليل
عليه قول زيد بن ثابت الأنصاري النجاري الفرضي كاتب رسول الله ما باليت أي
بالاستقبال المذكور يقال لا أباليه أي لا أكترث له قوله إن الرجل بكسر إن لأنه
استئناف ذكر لتعليل عدم المبالاة وروى أبو نعيم في ( كتاب الصلاة ) حدثنا مسعر قال
أراني أول من سمعه من القاسم قال ضرب عمر رجلين أحدهما مستقبل والآخر يصلي وحدثنا
سفيان حدثنا رجل عن سعيد بن جبير أنه كره أن يصلي وبين يديه مخنث محدث وحدثنا
سفيان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن ابن جبير قال إذا كانوا يذكرون الله تعالى فلا بأس
وقال ابن بطال أجاز الكوفيون والثوري والأوزاعي الصلاة خلف المتحدثين وكرهه ابن
مسعود وكان ابن عمر لا يستقبل من يتكلم إلا بعد الجمعة وعن مالك لا بأس أن يصلي
إلى ظهر الرجل وأما إلى جنبه فلا وروى عنه التخفيف في ذلك وقال لا تصلوا إلى
المتحلقين لأن بعضهم يستقبله قال وأرجو أن يكون واسعا وذهبت طائفة من العلماء إلى
أن الرجل يستر إلى الرجل إذا صلى وقال الحسن وقتادة يستره إذا كان جالسا وعن الحسن
يستره ولم يشترط الجلوس ولا تولية الظهر وأكثر العلماء على كراهة
(4/295)
استقباله بوجهه وقال نافع كان
ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية المسجد قال لي ظهرك وهو قول مالك وقال ابن
سيرين لا يكون الرجل سترة للمصلي
115061 - ح ( دثنا إسماعيل بن خليل ) قال حدثنا ( علي بن مسهر ) عن ( الأعمش ) عن
( مسلم ) يعني ( ابن صبيح ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) أنه ذكر عندها ما يقطع
الصلاة فقالوا يقطعها الكلب والحمار والمرأة قالت لقد جعلتمونا كلابا لقد رأيت
النبي يصلي وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير فتكون لي الحاجة فأكره
أن أستقبله فأنسل انسلالا
وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة على وجوه الأول ما قاله الكرماني حكم الرجال
والنساء واحد في الأحكام الشرعية إلا ما خصه الدليل قلت بيان ذلك أن عائشة كانت
مضطجعة على السرير وكانت بين يدي النبي وبين القبلة فيكون استقبال الرجل المرأة في
الصلاة ولم تكن تشغل النبي فدل على عدم الكراهة ولا يقال الترجمة استقبال الرجل
الرجل وفيما ذكر استقبال الرجل المرأة لأنا نقول حكم الرجال والنساء واحد إلى آخر
ما ذكرنا وقد ذكرنا أن الترجمة رويت على ثلاثة أوجه وهذا الذي ذكرناه في الوجه
الواحد وهو باب استقبال الرجل الرجل وهو يصلي وأما في الوجهين الآخرين فالتطابق
ظاهر فلا يحتاج إلى التكلف الوجه الثاني ذكره ابن المنير فقال لأنه يدل على
المقصود بطريق الأولى وإن لم يكن تصريح بأنها كانت مستقبلة فلعلها كانت منحرفة أو
مستدبرة الوجه الثالث ذكره ابن رشد فقال قصد البخاري أن شغل المصلي بالمرأة إذا
كانت في قبلته على أي حالة كانت أشد من شغله بالرجل ومع ذلك فلم يضر صلاته عليه
الصلاة و السلام لأنه غير مشتغل بها فكذلك لا تضر صلاة من لم يشتغل بها وبالرجل من
باب أولى
ذكر رجاله وهم ستة كلهم قد ذكروا وإسماعيل بن خليل أبو عبد الله الخراز الكوفي
تقدم في باب مباشرة الحائض وكذلك علي بن مسهر والأعمش هو سليمان الكوفي ومسلم هو
البطين ظاهرا قاله الكرماني قلت الظاهر أنه مسلم بن صبيح أبو الضحى ومسروق بن
الأجدع
والكلام فيه قد مر في باب الصلاة إلى السرير لأنه أخرجه هناك من أوجه أخر قوله
كلابا أي كالكلاب في حكم قطع الصلاة قوله رأيت أي أبصرت قوله وإني لبينه أي لبين
النبي وهذه الجملة في محل النصب على الحال وكذلك وأنا مضطجعة قوله وأكره كذا هو
بالواو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشمهيني فأكره بالفاء قوله فأنسل أي فأخرج
بالخفية
وعن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة نحوه
أي وروي عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد النخعي عن عائشة
ىضي الله تعالى عنها قال الكرماني هذا يحتمل التعليق وكونه من كلام ابن مسهر أيضا
قلت خرجه بعد البابين في باب من قال لا يقطع الصلاة شيء والحاصل أن هذا معطوف على
الإسناد الذي قبله ونبه به على أن علي بن مسهر قد روى هذا الحديث عن الأعمش
باسنادين إلى عائشة أحدهما عن مسلم عن مسروق عن عائشة باللفظ المذكور والآخر عن
إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها بالمعنى وأشار إليه بقوله نحوه
وهو بالنصب فإن قلت كيف يقول نحوه ولفظ النحو يقتضي المماثلة بينهما من كل الوجوه
وههنا ليس كذلك قلت لا نسلم أنه كذلك بل يقتضي المشاركة في أصل المعنى المقصود فقط
301 -
( باب الصلاة خلف النائم )
أي هذا باب في بيان الصلاة خلف النائم يعني يجوز ولا يكره على ما سنبينه إن شاء
الله تعالى
215162 - ح ( دثنا مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثني أبي عن
( عائشة )
(4/296)
قالت كان النبي يصلي وأنا
راقده معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن قلت كيف الظهور والترجمة خلف النائم والحديث خلف
النائمة قلت قد ذكرنا أن الرجال والنساء واحد في الأحكام الشرعية إلا ما خصه
الدليل أو أنه إذا جاز خلف النائمة فخلف النائم بالطريق الأولى أو أراد بالنائم
الشخص النائم ذكرا كان أو انثى
ذكر رجاله ) وهم خمسة كلهم قد ذكروا ويحيى هو القطان وهشام بن عروة وأخرجه النسائي
أيضا في الصلاة عن عبد الله بن سعيد القطان به
ذكر معناه ) قوله كان النبي يصلي مثل هذا التركيب يفيد التكرار قوله وأنا راقدة
جملة حالية قوله معترضة صفة بعد صفة قوله أن يوتر أي إذا راد أن يصلي الوتر قوله
أيقظني من الإيقاظ
ذكر ما يستفاد منه من الأحكام قال ابن بطال الصلاة خلف النائم جائزة إلا أن طائفة
كرهتها خوف ما يحدث من النائم فيشتغل المصلي به أو يضحكه فتفسد صلاته وقال مالك لا
يصلى إلى نائم إلا أن يكون دونه سترة وهو قول طاوس وقال مجاهد أن أصلي وراء قاعد
أحب إلي من أن أصلي وراء نائم فإن قلت روى أبو داود عن ابن عباس أن النبي قال لا
تصلوا خلف النائم ولا المتحدث وأخرجه ابن ماجة أيضا وروى البزار عنه أن النبي عليه
الصلاة و السلام قال نهيت أن أصلي إلى النائم والمتحدث وروى ابن عدي عن ابن عمر
نحوه وروى الطبراني في ( الأوسط ) عن أبي هريرة نحوه
قلت قال أبو داود طرق حديث ابن عباس كلها واهية وقال الخطابي هذا الحديث يعني حديث
ابن عباس لا يصح عن النبي لضعف سنده قلت وفي ( مسند ) أبي داود رجل مجهول وفيه عبد
الله بن يعقوب لم يسم من حدثه قلت وفي مسند ابن ماجه أبو المقدام هشام بن زياد
البصري لا يحتج بحديثه وحديث ابن عمر وأبي هريرة واهيان أيضا وروى البزار أيضا من
حديث أحمد بن يحيى الكوفي حدثنا إسماعيل بن صبيح حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى
الثعلبي عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله رأى رجلا يصلي
إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة قال يا رسول الله إني صليت وأنت تنظر إلي قال هذا
حديث لا يحفظ إلا بهذا الإسناد وكأن هذا المصلي كان مستقبل الرجل ولم يتنح عن
حياله وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن ليث عن مجاهد يرفعه قال
لا يأتم بنائم ولا محدث وقال وكيع حدثنا سفيان عم عبد الكريم أبي أمية عن مجاهد أن
النبي نهى أن يصلي خلف النوام والمتحدثين وعبد الكريم متروك الحديث
وفيه استحباب إيقاظ النائم للطاعة وفيه أن الوتر يكون بعد النوم
401 -
( باب التطوع خلف المرأة )
أي هذا باب في بيان حكم صلاة التطوع خلف المرأة يعني يجوز
315261 - ح ( دثنا عبد اا بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى (
عمر بن عبيد اا ) عن ( سلمة بن عبد الرحمن ) عن ( عائشة ) زوج النبي أنها قالت كنت
أنام بين يدي رسول اا ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما
قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح
هذا الحديث بعينه بهذا الإسناد مر في باب الصلاة على الفراش غير أن هناك أخرجه عن
إسماعيل عن مالك وههنا عن عبد الله بن يوسف عن مالك وأبو النضر سالم مولى عمر بدون
الواو وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف وقد تكلمنا هناك فيما يتعلق به
مستوفى مستقصى ومطابقته للترجمة ظاهرة قال الكرماني كيف دلالته على التطوع إذ
الصلاة أعم منه ثم أجاب بأنه قد علم من عادته أن الفرائض كان يصليها في المسجد وبالجماعة
وقال أيضا لفظ الحديث يقتضي
(4/297)
أن يكون ظهر المرأة إلى المصلي
فما وجه دلالة الحديث عليه ثم أجاب بقوله لا نسلم ذلك الاقتضاء ولئن سلمنا فالسنة
للنائم التوجه إلى القبلة والغالب من حال عائشة أنها لا تتركها
501 -
( باب من قال لا يقطع الصلاة شيء )
أي هذا باب في بيان قول من قال لا يقطع الصلاة شيء ومعناه من فعل غير المصلي
415 - ح ( دثنا عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا (
إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) قال ( الأعمش ) وحدثني ( مسلم ) عن ( مسروق
) عن ( عائشة ) ذكر ( عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت )
شبهتمونا بالحمر والكلاب واا لقد رأيت النبي يصلي وإني على السرير بينه وبين
القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي فأنسل من عند رجليه
مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إنه يدل على أن الصلاة لا يقطعها شيء بيان ذلك
أن عائشة أنكرت على من ذكر عندها أن الصلاة يقطعها الكلب والحمار والمرأة بكونها
كانت على السرير بين النبي وبين القبلة وهي مضطجعة ولم يجعل النبي ذلك قطعا لصلاته
فهذه الحالة أقوى من المرور فإذا لم تقطع في هذه ففي المرور بالطريق الأولى ثم المرور
عام من أي حيوان كان لأن الشارع جعل كل ما بين يدي المصلي شيطانا وذلك في حديث أبي
سعيد الخدري أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وأبو داود عن القعنبي عن مالك عن
زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله
قال إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبي
فليقاتله فإنما هو شيطان وهو بعمومه يتناول بني آدم وغيرهم ولم يجعل نفس المرور
قاطعا وإنما ذم المار حيث جعله شيطانا من باب التشبيه
ذكر رجاله وهم ثمانية قد ذكروا كلهم والأعمش هو سليمان وإبراهيم هو النخعي والأسود
هو ابن يزيد النخعي ومسلم هو أبو الضحى ومسروق هو ابن الأجدع
ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وبصيغة الإفراد في
موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه إسنادان أحدهما عن عمر بن حفص بن غياث
عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة و الآخر عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن
عائشة وأشار إليه بقوله وقال الاعمش حدثني مسلم قال الكرماني هذا إما تعليق وإما
داخل تحت الإسناد الأول وهذا تحويل سواء كان بكلمة ( ح ) كما في بعض النسخ أو لم
يكن وقال بعضهم قال الأعمش وهو مقول حفص بن غياث وليس بتعليق قلت أراد به الرد على
الكرماني وليس له وجه لأنه ذكر التعليق بالنظر إلى ظاهر الصورة وذكر أيضا أنه داخل
تحت الإسناد الأول وهذا الحديث قد تكرر ذكره مطولا ومختصرا بوجوه شتى وطرق مختلفة
ذكر في باب الصلاة على الفراش وفي باب الصلاة على السرير وفي باب استقبال الرجل
الرجل في الصلاة وفي باب الصلاة خلف النائم وفي باب التطوع خلف المرأة وفي هذا
الباب في موضعين
ذكر معناه وإعرابه ) قوله ذكر عندها أي إنه ذكر عند عائشة قوله ما يقطع كلمة ما
موصولة ويجوز فيه وجهان الأول أن تكون مبتدأ وخبره قوله الكلب والجملة في محل
النصب لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وهو قوله ذكر على صيغة المجهول الوجه الثاني أن
يكون ما مفعول ما لم يسم فاعله ويكون قوله الكلب بدلا منه قوله وأنا على السرير
بينه وبين القبلة مضطجعة ثلاثة أخبار مترادفة قاله الكرماني وقال أيضا أو خبران
وحال أو حالان وخبر وفي بعضها مضطجعة بالنصب فالأولان خبران أو أحدهما حال والآخر
خبر قلت التحقيق فيه أن قوله وأنا على السرير جملة اسمية وقعت حالا من عائشة وكذا
بينه وبين القبلة حال وقوله مضطجعة بالرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره وأنا مضطجعة
وعلى التقديرين تكون هذه الجملة أيضا حالا ويجوز أن يكون مضطجعة بالرفع خبرا لقوله
وأنا أي والحال أنا مضطجعة
(4/298)
على السرير فعلى هذا لا يحتاج
إلى تقدير مبتدأ وأما وجه النصب في مضطجعة فعلى أنه حال من عائشة أيضا ثم يجوز أن
يكون هذان الحالان مترادفين ويجوز أن يكونا متداخلين قوله شبهتمونا بالحمر والكلاب
وفي رواية للبخاري لقد جعلتمونا كلابا وهي في استقبال الرجل وهو يصلي وفي رواية
مسلم قالت عدلتمونا بالكلاب والحمر وفي رواية أخرى له لقد شبهتمونا بالحمير
والكلاب وفي رواية الطحاوي لقد عدلتمونا بالكلاب والحمير وقد أخرج الطحاوي هذا
الحديث من سبع طرق صحاح وفي رواية سعيد بن منصور قالت عائشة ياأهل العراق قد
عدلتمونا الحديث وقد أخرج أهل العراق حديثا عن أبي ذر أخرجه مسلم وقال حدثنا ابن
أبي شيبة قال حدثنا إسماعيل بن علية وحدثني زهير بن حرب قال حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم عن يونس عن حميد بن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال رسول الله إذا قام
أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل
آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت يا أبا ذر ما بال
الكلب الأسود من الكلب الأحمر ومن الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله كما
سألتني فقال الكلب الأسود شيطان
وأخرجه الأربعة أيضا مطولا ومختصرا وقيد الكلب في روايته بالأسود وروى ابن ماجه من
حديث ابن عباس عن النبي قال يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض وقيد المرأة
في روايته بالحائض قوله فتبدو لي الحاجة أي تظهر وفي ( مسند ) السراج فيكون لي
حاجة قوله فأكره أن أجلس أي مستقبل رسول الله وذكر في باب الصلاة على السرير فأكره
أن أسنحه وفي باب استقبال الرجل فأكره أن أستقبله والمقصود من ذلك كله واحد لكن
باختلاف المقامات اختلف العبارات قوله فأوذي بلفظ المتكلم من المضارع وفاعله
الضمير فيه والنبي بالنصب مفعوله وفي النسائي من طريق شعبة عن منصور عن الأسود عن
عائشة في هذا الحديث فأكره أن أقوم فأمر بين يديه قوله فأنسل بالرفع عطفا على قوله
فأكره وليس بالنصب عطفا على فأوذي ومعنى فأنسل أي أمضي بتأن وتدريج وقد ذكرنا مرة
وفي رواية الطحاوي فأنسل انسلالا وكذا في رواية للبخاري
ذكر ما يستفاد منه قال الطحاوي دل حديث عائشة على أن مرور بني آدم بين يدي المصلي
لا يقطع الصلاة وكذلك دل حديث أم سلمة وميمونة بنت الحارث فأخرج الطحاوي حديث أم
سلمة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت كان يفرش لي حيال مصلى رسول الله كان
يصلي وأنا حياله وأخرجه أحمد في ( مسنده ) نحوه غير أن في لفظه حيال مسجد رسول
الله أي تلقاء وجهه وأخرج الطحاوي أيضا حديث ميمونة عن عبد الله بن شداد قال
حدثتني خالتي ميمونة بنت الحارث قالت كان فراشي حيال مصلى رسول الله فربما وقع
ثوبه علي وهو يصلي وأخرجه أبو داود ولفظه كان رسول الله يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض
وربما أصابني ثوبه إذا سجد وكان يصلي على الخمرة قوله مصلى رسول الله بفتح اللام
وهو الموضع الذي كان يصلي فيه في بيته وهو مسجده الذي عينه للصلاة فيه و الخمرة
بضم الخاء المعجمة حصير صغير يعمل من سعف النخل وينسج بالسيور والخيوط وهي على
قدرها ما يوضع عليها الوجه والأنف فإذا كبرت عن ذلك تسمى حصيرا وقال الطحاوي فقد
تواترت هذه الآثار عن رسول الله بما يدل على أن بني آدم لا يقطعون الصلاة وقد جعل
مل ما بين يدي المصلي في حديث ابن عمر وأبي سعيد شيطانا وأخبر أبو ذر أن الكلب
الأسود إنما يقطع الصلاة لأنه شيطان فكانت العلة التي جعلت لقطع الصلاة قد جعلت في
بني آدم أيضا وقد ثبت عن النبي أنهم لا يقطعون الصلاة فدل على أن كل مار بين يدي
المصلي مما سوى بني آدم كذلك أيضا لا يقطع الصلاة والدليل على صحة ما ذكرنا أن ابن
عمر مع روايته ما ذكرنا عنه من قوله قد وري عنه من بعده ما حدثنا يونس قال حدثنا
سفيان عن الزهري عن سالم قال قيل لابن عمر إن عبد الله بن عياش بن ربيعة يقول يقطع
الصلاة الكلب والحمار فقال ابن عمر لا يقطع صلاة المسلم شيء وقد دل هذا على ثبوت
نسخ ما كان سمعه من رسول الله حتى صار ما قال به من ذلك وقال بعضهم وتعقب على كلام
الطحاوي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم
يتحقق والجمع لم يتعذر ( قلت ) لا نسلم
(4/299)
ذلك لأن مثل ابن عمر بعدما روى
أن المرور يقطع قال لا يقطع صلاة المسلم شيء فلو لم يثبت عنده نسخ ذلك لم يقل بما
قال من عدم القطع ومن الدليل على ذلك أن ابن عباس الذي هو أحد رواة القطع وري أنه
حمله على الكراهة
وقال البيهقي روى سماك عن عكرمة قيل لابن عباس أتقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار
فقال إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ( فاطر 01 ) فما يقطع هذا ولكن
يكره وقال الطحاوي وقد روى عن نفر من أصحاب رسول الله أن مرور بني آدم وغيرهم بين
يدي المصلي لا يقطع الصلاة ثم أخرج عن سعيد بن المسيب بإسناد صحيح أن عليا وعثمان
رضي الله تعالى عنهما قالا لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرؤا ما استطعتم وأخرجه أيضا
ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن ابن المسيب عن علي وعثمان قالا لا يقطع الصلاة شيء
فادرؤوهم عنكم ما استطعتم وأخرج الطحاوي عن كعب بن عبد الله عن حذيفة بن اليمان
يقول لا يقطع الصلاة شيء وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا وأخرج الطبراني من حديث علي رضي
الله عنه مرفوعا لا يقطع الصلاة شيء إلا الحدث وقال الكرماني القائلون بقطع
بمرورهم من أين قالوا به قلت إما باجتهادهم ولفظ شبهتمونا يدل عليه إذ نسبت
التشبيه إليهم وإما بما ثبت عندهم من قول النبي
قلت هذا السؤال سؤال من لم يقف على الأحاديث التي فيها القطع وأحد شقي الجواب غير
موجه لأنه لا مجال للإجتهاد عند وجوب النصوص ثم قال الكرماني فإن الرسول به فلم لا
يحكم بالقطع قلت إما لأنها رجحت خبرها على خبرهم من جهة أنها صاحبة الواقعة ومن
جهة أخرى أو لأنها أولت القطع بقطع الخشوع ومواطأة القلب اللسان في التلاوة لا قطع
أصل الصلاة أو جعلت حديثها وحديث ابن عباس مرور الحمار الأتان ناسخين له وكذا حديث
أبي سعيد الخدري حيث قال فليدفعه وفليقاتله من غير حكم بانقطاع الصلاة بذلك فإن
قلت لم لم يعكس بأن يجعل الأحاديث الثلاثة منسوخة قلت للإحتراز عن كثرة النسخ إذ
نسخ حديث واحد أهون من نسخ ثلاثة أو لأنها كانت عارفة بالتاريخ وتأخر عنه
515461 - ح ( دثنا إسحاق ) قال أخبرنا ( يعقوب بن براهيم ) قال حدثني ( ابن أخي
ابن شهاب ) أنه سأل عمه عن الصلاة يقطعها شيء فقال لا يقطعها شيء أخبرني عروة بن
الزبير أن عائشة زوج النبي قالت لقد كان رسول الله يقوم فيصلي من الليل وإني
لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله
مطابقة الحديث للترجمة صريحة من قول الزهري
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاق بن أبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه هذه رواية
أبي ذر وفي رواية غيره وقع إسحاق غير منسوب وزعم أبو نعيم أنه إسحاق بن منصور
الكوسج وجزم ابن السكن بأنه ابن راهوية وقال كل ما في البخاري عن إسحاق غير منسوب
فهو ابن راهوية وقال الكلاباذي إسحاق ابن إبراهيم وإسحاق بن منصور وكلاهما يرويان
عن يعقوب الثاني يعقوب بن إبراهيم وقد مر الثالث ابن أخي ابن شهاب هو محمد بن عبد
الله بن مسلم تقدم في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة الرابع عمه هو محمد بن
مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير السادس أم المؤمنين عائشة رضي الله
تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في
موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه السؤال والقول وفيه رواية الرجل عن عمه وفيه
رواية التابعي عن الصحابية وفيه أن رواته مدنيون ما خلا إسحاق فإنه مروزي
ذكر معناه ) قوله لا يقطعها أي لا يقطع الصلاة شيء وهذا عام مخصوص بالأمور الثلاثة
التي وقع النزاع فيها لأن القواطع في الصلاة كثيرة مثل القول الكثير وغيرهما وما
من عام إلا وقد خص إلا وا بكل شيء عليم ( البقرة 132 282 - النساء 671 - المائدة
79 - الأنفال 57 - التوبة 511 - النور 53 46 - العنكبوت 26 - الحجرات 61 -
المجادلة 07 - التغابن 11 ) ونحوه قوله أخبرني من تتمة مقول ابن شهاب قوله وإني
لمعترضة جملة اسمية مؤكدة بأن وللام في موضع النصب على الحال
(4/300)
قوله على فراش أهله كذا في
رواية الأكثرين وفي رواية المستملي على فراش وعلى الروايتين هو متعلق بقوم مع أن
الرواية الأولى يحتمل تعلقها بلفظ يصلي أيضا
ذكر ما يستفاد منه به استدلت عائشة والعلماء بعدها على أن المرأة لا تقطع صلاة
الرجل وفيه جواز صلاة الرجل إليها وكراهة البعض لغير النبي عليه الصلاة و السلام
ولخوف الفتنة بها وبذكرها وإشتغال القلب بها بالنظر إليها والنبي منزه عن ذلك كله
مع أنه كان في الليل والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح وفيه إستحباب صلاة الليل وفيه
جواز الصلاة على الفراش
601 -
( باب من حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة )
أي هذا باب في بيان من حمل جارية صغيرة على عنقه يعني لا تفسد صلاته وقال ابن بطال
أدخل البخاري هذا الحديث هنا ليدل أن حمل المصلي الجارية على العنق لا يضر صلاته
لأن حملها أشد من مرورها بين يديه فلما لم يضر حملها كذلك لا يضر مرورها قلت فلذلك
ترجم هذا الباب بهذه الترجمة وبينه وبين الأبواب التي قبله مناسبة من هذا الوجه
615 - ح ( دثنا عبد اا بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عامر بن عبد اا بن
الزبير ) عن ( عمرو بن سليم الزرقي ) عن ( أبي قتادة الأنصاري ) أن ( رسول اا )
كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اا ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس
فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ( الحديث 615 - طرفة في 6995 )
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن قلت أين الظهور وقد خصص الحمل بكونه على العنق ولفظ
الحديث أعم من ذلك قلت كأنه أشار بذلك إلى الحديث له طرق أخرى منها لمسلم من طريق
بكير بن الأشج عن عمرو بن سليم وصرح فيه على عنقه وكذا في رواية أبي داود له فيصلي
رسول الله وهي على عاتقه وفي رواية لأحمد من طريق ابن جريج على رقبته
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن يوسف التنيسي الثاني مالك بن أنس الثالث
عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام الرابع عمرو بن سليم بضم السين الزرقي بضم
الزاي وفتح الراء وهو في الأنصار نسبة إلى زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن
مالك بن عصب بن جشم بن الخزرج الخامس أبو قتادة الأنصاري واسمه الحارث بن ربعي
السلمي وقال ابن الكلبي وابن إسحاق اسمه النعمان قال الهيثم بن عدي إن عليا صلى
عليه بالكوفة في سنة ثمان وثلاثين
ذكر لطائف اسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع
والعنعنة في ثلاثة مواضع وفيه في رواية عبد الرزاق عن مالك سمعت أبا قتادة وكذا في
رواية أحمد من طريق ابن جريج عن عامر عن عمرو بن سليم أنه سمع أبا قتادة وفيه أن
رواته كلهم مدنيون ما خلا شيخ البخاري وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي الوليد الطيالسي
وأخرجه مسلم في الصلاة عن القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة ثلاثتهم عن مالك به وعن
قتيبة عن الليث به وعن ابتن أبي عمرو وعن سفيان بن عيينة وعن محمد بن المثنى عن
أبي بكر الحنفي وعن أبي الطاهر بن السرح وهارون بن سعيد كلاهما عن ابن وهب به
وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي به وعن قتيبة عن الليث به وعن محمد بن سلمة عن ابن
وهب به وعن يحيى بن خلف عن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق وأخرجه النسائي فيه عن
قتيبة عن مالك به وعن قتيبة عن الليث به وعن قتيبة عن سفيان وعن محمد بن صدقة
الحمصي عن محمد بن حرب
رلا
ذكر معناه وإعرابه ) قوله وهو حامل أمامة جملة إسمية في محل النصب على الحال ولفظ
حامل بالتنوين وأمامة
(4/301)
بالنصب وهو المشهور يروى
بالإضافة كما في قوله تعالى إن الله بالغ أمره ( الطلاق 3 ) بالوحهين في القراءة
وقال الكرماني فإن قلت قال النحاة فإن إسم الفاعل للماضي وجبت الإضافة فما وجه
عمله قلت إذا أريد به حكاية الحال الماضية جاز إعماله كما في قوله تعالى وكلبهم
باسط ذراعيه ( الكهف 81 ) و أمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين بنت زينب رضي الله
تعالى عنها كانت زينب أكبر بنات رسول الله وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إلى رسول
الله وكان أولاد رسول الله كلها من خديجة سوى إبراهيم فإنه من مارية القبطية
تزوجها النبي عليه الصلاة و السلام قبل البعثة قال الزهري وكان عمر يومئذ إحدى
وعشرين سنة وقيل خمسا وعشرين سنة زمان بنيت الكعبة قاله الواقدي وزاد ولها من
العمر خمس وأربعون سنة وقيل كان عمره ثلاثين سنة وعمرها أربعين سنة فولدت له
القاسم وبه كان يكنى والطاهر وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وتزوج بزينب أبو العاص
بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة هذه المذكورة في الحديث تزوجها علي بن أبي طالب
بعد موت فاطمة فولدت منه محمدا وكانت وفاة زينب في ثمان قاله الواقدي وقال قتادة
في أول سنة ثمان
قوله ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس وفي أحاديث ( الموطأ ) للدارقطني قال ابن
نافع وعبد الله بن يوسف والقعنبي في رواية إسحاق عنه وابن وهب وابن بكير وابن
القاسم وأيوب بن صالح عن مالك ولأبي العاص بن ربيعة عبد شمس وقال محمد بن الحسن
ولأبي العاص بن الربيع مثل قول معن وأبي مصعب وفي ( التمهيد ) رواه يحيى ولأبي
العاص بن ربيعة بهاء التأنيث وتابعه الشافعي ومطرف وابن نافع والصواب ابن الربيع
وكذا أصلحه ابن وضاح في رواية يحيى قال عياض وقال الأصيلي هو ابن ربيع ابن ربيعة
فنسبه مالك إلى جده قال عياض وهذا غير معروف ونسبه عند أهل الأخبار باتفاقهم أبو
العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وقال الكرماني البخاري نسبه
مخالفا للقوم من جهتين قال ربيعة بحرف التأنيث وعندهم الربيع بدونه وقال ربيعة بن
عبد شمس وهم قالوا ربيع بن عبد العزى بن عبد شمس قلت لو اطلع الكرماني على كلام
القوم لما قال نسبة البخاري مخالفا للقوم من جهتين على أن الذي عندنا في نسختنا
الربيع عبد شمس بالنسبة إلى جده واختلف في اسم أبي العاص قيل ياسر وقيل لقيط وقيل
مهشم وقال الزبير عن محمد بن الضحاك عن أبيه اسمه القاسم وهو أكثر في اسمه وقال
أبو عمر والأكثر لقيط ويعرف بجر البطحاء وربيعة عمه وأم أبي العاص هدلة وقيل هند
بنت خويلد أخت خديجة رضي الله تعالى عنها لأبيها وأمها وأبو العاص أسلم قبل الفتح
وهاجر ورد عليه السلام عليه إبنته زينب وماتت معه وقال ابن إسحاق وكان أبو العاص
من رجال مكة المعدومين مالا وأمانة وتجارة وكانت خديجة هي التي سألت رسول الله أن
يزوجه بابنتها زينب وكان لا يخالفها وكان ذلك قبل الوحي والإسلام فرق بينهما وقال
ابن كثير إنما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة وكان
أبو العاص في غزوة بدر مع المشركين ووقع في الأسر وقال ابن هشام كان أسره خراش بن
الصمة أحد بني حرام وقال ابن إسحاق عن عائشة لما بعث أهل مكة في فداء أسرتهم بعثت
زينب بنت رسول الله في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها وكانت خديجة رضي
الله تعالى عنها أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها قالت فلما رآها رسول
الله رق لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها
فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها وقال ابن إسحاق وقد
كان رسول الله قد أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب يعني أن تهاجر إلى المدينة فوفى أبو
العاص بذلك ولحقت بأبيها وأقام أبو العاص بمكة على كفره واستمرت زينب عند أبيها
بالمدينة ثم آخر الأمر أسلم وخرج حتى قدم على رسول الله وعن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما رد عليه رسول الله ابنته زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا وسنذكر
حقيقة هذا الكلام في موضعه إن شاء الله تعالى فإن قيل ما اللام في لأبي العاص أجيب
بأن الإضافة في بنت بمعنى اللام والتقدير في بنت لزينب فأظهر هنا ما هو مقدر في
المعطوف عليه
قوله فإذا سجد وضعها وفي مسلم من طريق عثمان بن أبي سليمان ومحمد بن عجلان
والنسائي من طريق الزبيدي وأحمد من طريق ابن جريج وابن حبان من طريق أبي العميس
كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك فقالوا إذا ركع وضعها وفي رواية أبي داود من
طريق المقبري عن عمرو
(4/302)
بن سليم حتى إذا أراد أن يركع
أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده فقام أخذها فردها في مكانها
ذكر ما يستفاد منه تكلم الناس في حكم هذا الحديث فقال النووي هذا يدل لمذهب
الشافعي ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان في صلاة النفل
ويجوز للإمام والمنفرد والمأموم قلت أما مذهب أبي حنيفة في هذا ما ذكر صاحب (
البدائع ) وفي بيان العمل الكثير الذي يفسد الصلاة والقليل الذي لا يفسدها فالكثير
ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك وذكر لهما صورا
حتى قال إذا أخذ قوسا ورمى فسدت صلاته وكذا لو حملت امرأة صبيها فأرضعته لوجود
العمل الكثير الذي يفسد الصلاة وأما حمل الصبي بدون الإرضاع فلا يوجب الفساد ثم
روى الحديث المذكور ثم قال وهذا الصنيع لم يكره منه لأنه كان محتاجا إلى ذلك لعدم
من يحفظها أو لبيان الشرع بالفعل وهذا غير موجب فساد الصلاة ومثل هذا أيضا في
زماننا لا يكره لواحد منا لو فعل ذلك عند الحاجة أما بدون الحاجة فمكروه انتهى
وذكر أشهب عن مالك أن ذلك كان من رسول الله في صلاة النافلة وأن مثل هذا الفعل غير
جائز في الفريضة وقال أبو عمر حسبك بتفسير مالك ومن الدليل على صحة ما قاله في ذلك
أني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل في الصلاة مكروه وقال النووي هذا التأويل فاسد
لأن قوله يؤم الناس صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة قلت هو ما رواه سفيان
بن عيينة بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري قال رأيت النبي يؤم الناس وأمامة بنت أبي
العاص وهي بنت زينب ابنة رسول الله على عاتقه ولأن الغالب في إمامة رسول الله كانت
في الفرائض دون النوافل وفي رواية أبي داود عن أبي قتادة صاحب رسول الله قال بينما
نحن ننتظر رسول الله للصلاة في الظهر أو العصر وقد دعا بلال للصلاة إذ خرج إلينا
وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته على عنقه فقام رسول الله في مصلاه وقمنا خلفه
الحديث
وفي كتاب ( النسب ) للزبير بن بكار عن عمرو بن سليم أن ذلك كان في صلاة الصبح وقال
النووي وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وقال الشيخ تقي الدين هو مروي عن مالك أيضا
وقال أبو عمر ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال بالصلاة وقد رد هذا بأن قوله إن
في الصلاة لشغلا كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة وأن قدوم زينب
وبنتها إلى المدينة كان ذلك ولو لم يكن الأمر كذلك لكان فيه إثبات النسخ بمجرد
الاجتهاد وروى أشهب وابن نافع عن مالك أن هذا كان للضرورة وادعى بعض المالكية أنه
خاص بالنبي ذكره القاضي عياض وقال النووي وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة فإنه لا
دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف
قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدنه
وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على أن هذه الأفعال في
الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت وفعل النبي هذا بيانا للجواز وتنبيها عليه
قلت وقد قال بعض أهل العلم إن فاعلا لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا
الحديث وإن كنت لا أحب لأحد فعله وقد كان أحمد بن حنبل يجيز هذا قال الأثرم سئل
أحمد يأخذ الرجل ولده وهو يصلي قال نعم واحتج بحديث أبي قتادة قال الخطابي يشبه أن
يكون هذا الصنيع من رسول الله لا عن قصد وتعمد له في الصلاة ولعل الصبية لطول ما
ألفته واعتادته من ملابسته في غير الصلاة كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة
فلا يدفعها عن نفسه ولا يبعدها فإذا أراد أن يسجد وهي على عاتقه وضعها بأن يحطها
أو يرسلها إلى الأرض حتى يفرغ من سجوده فإذا أراد القيام وقد عادت الصبية إلى مثل
الحالة الأولى لم يدافعها ولم يمنعها حتى إذا قام بقيت محمولة معه هذا عندي وجه
الحديث ولا يكاد يتوهم عليه أنه كان يتعمد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارة
بعد أخرىلأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرر والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته وإذا كان
علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية فكيف لا يشتغل عنها بما هذا
صفته من الأمور وفي ذلك بيان ما تأولناه وقال النووي بعد أن نقل ملخص كلام الخطابي
هذا الذي ذكره باطل ودعوى مجردة ومما يرد عليه قوله في ( صحيح مسلم ) فإذا قام
حملها
(4/303)
وقوله فإذا رفع من السجود
أعادها وقوله في غير رواية مسلم خرج علينا حاملا أمامة فصلى وذكر الحديث وأما قضية
الخميصة فلأنها تشغل القلب بلا فائدة وحمل أمامة لا نسلم أنه يشغل القلب وإن أشغله
فيترتب عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره فاحتمل ذلك الشغل بهذه الفوائد
بخلاف الخميصة فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على
هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين قلت وجه آخر لرد كلام
الخطابي قوله فقام فأخذها فردها في مكانها وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان
منه لا من أمامة وقال بعض أصحاب مالك لأنه عليه السلام لو تركها لبكت وشغلت سره في
صلاته أكثر من شغله بحملها وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة وقال الباجي إن
وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة وإن لم يجد جاز فيهما وحمل أكثر
أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة في أركان صلاته وقال
الفاكهاني كان السر في حمل أمامة في الصلاة دفعا لما كانت العرب تألفه من كراهة
البنات وحملهن وخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم والبيان بالفعل قد
يكون أقوى من القول
ومن فوائد هذا الحديث جواز إدخال الصغار في المساجد ومنها جواز صحة صلاة من حمل
آدميا وكذا من حمل حيوانا طاهرا ومنها أن فيه تواضع النبي عليه الصلاة و السلام
وشفقته على الصغار وإكرامه لهم ولوالديهم
701 -
( باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض )
أي هذا باب فيه إذا صلى وجواب إذا محذوف تقديره صحت صلاته أو معناه باب هذه
المسألة وهي ما يقوله الفقهاء إذا صلى إلى فراش فيه حائض كيف يكون حكمه يكره أم لا
وحديث الباب على عدم الكراهة
715661 - ح ( دثنا عمرو بن زرارة ) قال أخبرنا ( هشيم ) عن ( الشيباني ) عن ( عبد
الله بن شداد بن الهاد ) قال أخبرتني خالتي ميمونة بنت الحارث قالت كان فراشي حيال
مصلى النبي فربما وقع ثوبه على فراشي
مطابقته للترجمة ظاهرة عند التأمل ولكن اعترض فيه بوجهين الأول كيف دل على الترجمة
التي هي كون المصلي منتهيا إلى الفراش لأنه قال إذا صلى إلى فراش وكلمة إلى
لانتهاء الغاية والثاني أن هذا الحديث يدل على اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته
فهذا يدل على جواز القعود لا على جواز المرور وأجيب عن الأول بأنه لا يلزم أن يكون
الانتهاء من جهة القبلة وكما أنها منتهية إلى جنب رسول الله فرسول الله ينتهي إليها
وإلى فراشها وعن الثاني بأن ترجمة الباب ليست معقودة للاعتراض فإن المتعلق
بالإعتراض قد تقدم والذي قصده البخاري بيان صحة الصلاة ولو كانت الحائض بجنب
المصلي ولو أصابتها ثيابه لا كون الحائض بين المصلي وبين القبلة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمرو بالواو وابن زرارة بضم الزاي ثم بالراء المكررة وقد
تقدم في باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة الثاني هشيم مصغرا ابن بشير
بضم الباء الموحدة الواسطي مات ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة الثالث الشيباني أبو
إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي الرابع عبد الله بن شداد بتشديد الدال
ابن الهاد واسمه أسامة الكوفي الخامس أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث إحدى زوجات
النبي
ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في
موضع واحد والإخبار بصيغة الإفراد من الماضي في موضع واحد وفيه العنعنة في موضعين وفيه
أن رواته ما بين واسطي وكوفي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره قد ذكرنا هذا ومعنى الحديث وما يتعلق به من الأحكام
في باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته في السجود فإنه أخرج هذا الحديث هناك عن مسدد
عن خالد عن الشيباني
(4/304)
815761 - ح ( دثنا أبو النعمان
) قال حدثنا ( عبد الواحد بن زياد ) قال حدثنا ( الشيباني سليمان ) حدثنا ( عبد
الله بن شداد ) قال سمعت ( ميمونة تقول ) كان النبي يصلي وأنا إلى جنبه نائمة فإذا
سجد أصابني ثوبه وأنا حائض وزاد مسدد عن خالد قال حدثنا سليمان الشيباني وأنا حائض
هذا طريق آخر بلفظ آخر عن أبي النعمان بضم النون محمد بن الفضيل وهذا الإسناد
بعينه قد مر في باب مباشرة الحائض في أوائل كتاب الحيض ولفظ الحديث هناك قالت يعني
ميمونة كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض
قوله ثوبه ويروى أصابتني ثيابه قوله وأنا حائض هذه الجملة وقعت حالا في رواية أبي
ذر وسقطت لغيره قال الكرماني فإن قلت قالوا إذا أريد الحدوث يقال حائضه وإذا أريد
الثبوت وإن من شأنها الحيض يقال حائض ولا شك أن المراد ههنا كونها في حالة الحيض
قلت معناه أن الحائضة مختصة بما إذا كانت فيه والحائض أعم منه انتهى قلت لا فرق
بين الحائض والحائضة يقال حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة عن الفراء
وأنشد
( كحائضة يزني بها غير حائض )
وفي اللغة لم يفرق بينهما غير أن الأصل فيه التأنيث ولكن لخصوصية النساء به وعدم
ترك التاء 801 - ( باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد ) أي هذا باب فيه
هل يغمز الرجل إلى آخره يعني نعم إذا غمزها فلا شيء يترتب عليه من فساد الصلاة
915861 - ح ( دثنا عمرو بن علي ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( عبيد الله ) قال
حدثنا ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت بئسما عدلتمنا بالكلب والجمار
لقد رأيتني ورسول الله يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يسجد غمز
رجلي فقبضتهما مطابقته للترجمة ظاهرة وبين البخاري في هذا الباب صحة الصلاة ولو
أصابها بعض جسده وبين في الباب السابق صحتها ولو أصابها بعض ثيابه ذكر رجاله وهم
خمسة الأول عمرو بالواو ابن علي الفلاس الباهلي الثاني يحيى القطان الثالث عبيد
الله العمري الرابع القاسم بن محمد بن أبي بكر الخامس عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف اسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضع
واحد وفيه أن رواته ما بين بصري ومدني ذكر معناه وإعرابه ) قوله بئسما كلمة بئس من
أفعال الذم كما أن كلمة نعم من أفعال المدح وشرطهما أن يكون الفاعل المظهر فيهما
معرفا باللام أو مضافا إلى المعرف بها أو مضمرا مميزا بنكرة منصوبة وههنا يجوز
الوجهان الأول أن تكون ما بمعنى الذي ويكون فاعلا لبئس والجملة أعني قوله عدلتمونا
صلة له بكون المخصوص بالذم محذوفا والتقدير بئس الذي عدلتمونا بالحمار ذلك الفعل
والوجه الثاني أن يكون فاعل بئس مضمرا مميزا وتكون الجملة بعده صفة والمخصوص بالذم
أيضا محذوفا والتقدير بئس شيئا ما عدلتمونا بالحمار شيء وفي الوجهين المخصوص بالذم
مبتدأ أو خبره الجملة التي قبله ومعنى عدلتمونا جعلتمونا مثله وقد مر الكلام فيه
مستوفى في باب الصلاة على الفراش قولها لقد رأيتني بضم التاء وكون الفاعل والمفعول
ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب والتقدير لقد رأيت نفسي وقال الكرماني إن
كانت الرؤية بمعناها الأصلي فلا يجوز حذف أحد مفعوليه وإن كانت بمعنى الإبصار فلا
يجوز اتحاد الضميرين ثم أجاب بقول الزمخشري فإنه قال في قوله تعالى ولا تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( آل عمران 961 ) جاز حذف أحدهما لأنه مبتدأ في
الأصل فيحذف كالمبتدأ ثم قال الكرماني هذا مخالف لقوله في المفصل وفي سائر مواضع
الكشاف لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي الحسبان ثم أجاب عنه بأنه روي عنه أيضا
أنه إذا كان الفاعل والمفعول عبارة عن
(4/305)
شيء واحد جاز الحذف وأمكن
الجمع بينهما بأن القول بجواز الحذف فيما إذا اتحد الفاعل والمفعول معنى والقول
بعدمه فيما إذا كان بينهما الاختلاف والحديث هو من القسم الأول إذ تقديره رأيت
نفسي معترضة أو أعطي للرؤية التي بمعنى الإبصار حكم الرؤية التي من أفعال القلوب
قولها ورسول الله يصلي جملة إسمية وقعت حالا على الأصل أعني بالواو وكذلك قولها
وأنا مضطجعة قولها غمز رجلي قال الجوهري غمزت الشيء بيدي وقال الشاعر
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
وغمزته بعيني قال تعالى وإذا مروا بهم يتغامزون ( المطففين 03 ) والمراد هنا الغمز
باليد وفي رواية للبخاري فإذا سجد غمزني فقبضت برجلي وإذا قام بسطتهما وفي رواية الطحاوي
فإذا سجد غمزني فرفعتهما فقبضتهما فإذا قام مددتهما وفي رواية غمزها برجله فقال
تنحي وفي رواية لأبي داود فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما فسجد وفي رواية له
فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتهما إلي ثم سجد
ثم ما يتعلق بالأحكام قد ذكرنا مستوفى في باب الصلاة على الفراش
901 -
( باب المرأة تطرح عن المصلى شيئا من الأذى )
أي هذا باب فيه المرأة تطرح إلى آخره ولفظ باب منون لأنه خبر مبتدأ محذوف وقوله
المرأة مبتدأ و تطرح خبره وكلمة من بيانية قال ابن بطال هذه الترجمة قريبة من
التراجم التي قبلها وذلك أن المرأة إذا تناولت ما على ظهر المصلي فإنها تقصد إلى
أخذه من أي جهة أمكنها تناوله فإن لم يكن هذا المعنى أشد من مرورها بين يديه فليس
بدونه وقد ترجم على حديث هذا الباب في الطهارة قبل الغسل بقوله باب إذا ألقي على
ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته
وقد ذكرنا هناك ما يتعلق بهذا الحديث مستوفى من كل وجه فلنذكر ههنا ما يحتاج إليه
من غير ما ذكرنا
169 - ( حدثنا أحمد بن إسحاق السورماري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال بينما رسول الله قائم يصلي
عند الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم ألا تنظرون إلى هذا المرائي
أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به ثم يمهله حتى
إذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله وضعه بين كتفيه وثبت
النبي ساجدا فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها
السلام وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي ساجدا حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم
فلما قضى رسول الله الصلاة قال اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك
بقريش ثم سمى اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن
عتبة وأمية بن خلف وعقبة ابن أبي معيط وعمارة بن الوليد قال عبد الله فوالله لقد
رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله واتبع أصحاب
القليب لعنة )
(4/306)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن اسحق السرماري بكسر السين المهملة وفتحها وسكون الراء الأولى نسبة إلى سرمار قرية من قرى بخارى وهو الذي يضرب بشجاعته المثل قتل ألفا من الترك مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين وهو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في روايته عن شيخه عبيد الله بن موسى المذكور وعبيد الله ومن بعده كلهم كوفيون وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو إسحاق اسمه عمرو بن عبد الله وهذا الحديث لا يروى إلا بإسناده وعمرو بن ميمون مر في باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر وعبد الله هو ابن مسعود قوله بينما رسول الله وفي روايته هناك بينا وقد ذكرناه هناك والعامل فيه معنى المفاجأة التي في إذ قال ولا يجوز أن يعمل فيه يصلي لأنه حال من رسول الله المضاف إليه بين فلا يعمل فيه قوله فيعمد بالرفع عطف على يقوم ويروى بالنصب لأنه وقع بعد الاستفهام قوله فانبعث أشقاهم أي انتهض أشقى القوم وهو عقبة بن أبي معيط قوله جويرية أي صغيرة وهو تصغير جارية قوله اللهم عليك بقريش أي بهلاكهم قوله بعمرو بن هشام هو أبو جهل عليه اللعنة قوله وعمارة بن الوليد هو السابع ولم يذكره الراوي هناك وههنا ذكره لأنه هناك نسيه وهنا تذكره قوله اتبع بضم الهمزة إخبار من رسول الله بأن الله أتبعهم اللعنة أي كما أنهم مقتولون في الدنيا مطرودون عن رحمة الله في الآخرة ويروى واتبع بفتح الهمزة ويروى بلفظ الأمر فهو عطف على عليك بقريش أي قال في حياتهم اللهم أهلكهم وقال في هلاكهم اللهم اتبعهم اللعنة
(4/307)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الخامس
9
- ( كتاب مواقيت الصلاة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام مواقيت الصلاة ولما فرغ من بيان الطهارة بأنواعها التي
هي شرط الصلاة شرع في بيان الصلاة بأنواعها التي هي المشروط والشرط مقدم على
المشروط وقدمها على الزكاة والصوم وغيرهما لما أنها تالية الإيمان وثانيته في الكتاب
والسنة ولشدة الاحتياج وعمومه إلى تعليمها لكثرة وقوعها ودورانها بخلاف غيرها من
العبادات وهي في اللغة من تحريك الصلوين وهما العظمان النابتان عند العجيزة وقيل
من الدعاء فإن كانت من الأول تكون من الأسماء المغيرة شرعا المقررة لغة وإن كانت
من الثاني تكون من الأسماء المنقولة وفي الشرع عبارة عن الأركان المعلومة والأفعال
المخصوصة
والمواقيت جمع ميقات على وزن مفعال وأصله موقات قلبت الواو ياء لسكونها وإنكسار ما
قبلها من وقت الشيء يقته إذا بين حده وكذا وقته يوقت ثم اتسع فيه فأطلق على المكان
في الحج والتوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة وكذلك التأقيت
وقال السفاقسي الميقات هو الوقت المضروب للفعل والموضع وفي ( المنتهى ) كل ما جعل
له حين وغاية فهو موقت ووقته ليوم كذا أي أجله وفي ( المحكم ) وقت موقوت وموقت
محدود وفي ( نوادر الهجري ) قال القردي أيقتوا موقتا آتيكم فيه
ثم قوله كتاب مواقيت الصلاة هكذا في رواية المستملي وبعده البسملة ولرفيقيه
البسملة مقدمة وبعدها باب مواقيت الصلاة وفضلها وكذا في رواية كريمة لكن بلا بسملة
وكذا في رواية الأصيلي لكن بلا باب
1
- ( باب مواقيت الصلاة وفضلها )
من العادة المستمرة عند المصنفين أن يذكروا الأبواب والفصول بعد لفظ الكتاب فإن
الكتاب يشمل الأبواب والفصول والباب هو النوع وأصله البوب قلبت الواو ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها ويجمع على أبواب وقد قالوا أبوبة وإنما جمع في قول القتال
الكلابي
( هتاك أخبية ولاج أبوبة )
للازدواج ولو أفرده لم يجز ويقال أبواب مبوبة كما يقال أصناف مصنفة والبابة الخصلة
والبابات الوجوه وقال ابن السكيت البابة عند العرب الوجه
وقوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقته عليهم
( النساء 103 )
وقوله مجرور عطفا على مواقيت الصلاة أي هذا باب في بيان مواقيت الصلاة وبيان
قولهإن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( النساء 103 ) وفسر موقوتا بقوله
وقته عليهم اي وقت الله تعالى الكتاب أي المكتوب الذي هو الصلاة عليهم أي على
المسلمين وليس بإضمار قبل الذكر لوجود القرينة ووقع في أكثر الروايات موقوتا موقتا
وقته عليهم وليس في بعض النسخ لفظ موقتا يعني بالتشديد واستشكل ابن التين تشديد
القاف من وقته وقال المعروف في اللغة التخفيف قلت
(5/2)
ليس فيه إشكال لأنه جاء في
اللغة وقته بالتخفيف و وقته بالتشديد فكأنه ما اطلع على ما في ( المحكم ) وغيره
وقال بعضهم أراد بقوله موقتا بيان قوله موقوتا قلت هذا كلام واه ليس في لفظ موقوتا
إبهام حتى يبينه بقوله موقتا وعن مجاهد في تفسير قوله موقوتا يعني مفروضا وقيل
يعني محدودا
521 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال ( قرأت على مالك ) عن ( ابن شهاب ) أن عمر
بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن
شعبة أخر الصلاة يوما وهو بالعراق فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال ما هذا يا
مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله ثم صلى فصلى رسول الله ثم
صلى فصلى رسول الله
ثم صلى فصلى رسول الله ثم صلى فصلى رسول الله ثم قال بهاذا أمرت فقال عمر لعروة
اعلم ما تحدث أو إن جبريل هو أقام لرسول الله وقت الصلاة قال عروة كذلك كان بشير
بن أبي مسعود يحدث عن أبيه
522 - قال ( عروة ولقد حدثتني عائشة ) أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس في
حجرتها قبل أن تظهر
مطابقته للترجمة في قوله إن جبريل عليه السلام نزل فصلى إلى آخره وهي خمس مرات فدل
أن الصلاة موقتة بخمسة أوقات فإن قلت إن الحديث لا يدل إلا على عدد الصلاة لأنه لم
يذكر الأوقات قلت وقوع الصلاة خمس مرات يستلزم كون الأوقات خمسة واقتصر أبو مسعود
على ذكر العدد لأن الوقت كان معلوما عند المخاطب
ذكر رجاله المذكورين فيه تسعة الأول عبد الله بن مسلمة القعنبي الثاني مالك بن أنس
الثالث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الرابع عمر بن عبد العزيز بن مروان أمير
المؤمنين من الخلفاء الراشدين الخامس عروة بن الزبير ابن العوام السادس المغيرة بن
شعبة الصحابي السابع أبو مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي
الأنصاري رضي الله تعالى عنه الثامن ابنه بشير بفتح الباء الموحدة التابعي الجليل
التاسع عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف اسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار بصيغة الإفراد من
الماضي وفيه القراءة على الشيخ وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه أن رجاله كلهم
مدنيون وفيه ما قال ابن عبد البر وهو أن هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء
لأن ابن شهاب لم يقل حضرت مراجعة عروة لعمر بن عبد العزيز وعروة لم يقل حدثني بشير
لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ وقال الكرماني اعلم أن
هذا الحديث بهذا الطريق ليس بمتصل الإسناد إذ لم يقل أبو مسعود شاهدت رسول الله
ولا قال قال رسول الله وقال بعضهم رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله ولفظه
قال عروة سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبي يقول سمعت رسول الله يقول فذكر
الحديث وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب قال كنا مع عمر بن عبد العزيز
فذكره وفي رواية شعيب عن الزهري سمعت عروة يحدث أن عمر بن عبد العزيز الحديث انتهى
قلت قول هذا القائل رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله الخ غير مسلم في
الرواية التي ههنا لأنها غير متصلة الإسناد بالنظر إلى الظاهر وإن كانت في نفس
الأمر متصلة الإسناد وكلام الكرماني بحسب الظاهر وإن كان الإسناد في نفس الأمر
متصلا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن قتيبة عن الليث
وفي المغازي عن أبي اليمان عن شعيب ثلاثتهم عن الزهري عن عروة عنه به وأخرجه مسلم
في الصلاة عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن
(5/3)
الليث به وعن يحيى بن يحيى عن
مالك به وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن مسلمة عن ابن وهب عن أسامة بن زيد عن
الزهري به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن رمح به
ذكر معناه قوله أخر الصلاة يوما وفي رواية البخاري في بدء الخلق أخر العصر يوما
وقوله يوما بالتنكير ليدل على التقليل ومراده يوما ما لا أن ذلك كان سجيته كما
كانت ملوك بني أمية تفعل لا سيما العصر فقد كان الوليد ابن عتبة يؤخرها في زمن
عثمان رضي الله تعالى عنه وكان ابن مسعود ينكر عليه وقال عطاء أخر الوليد مرة
الجمعة حتى أمسى وكذا كان الحجاج يفعل وأما عمر بن عبد العزيز فإنه أخرها عن الوقت
المستحب المرغب فيه لا عن الوقت ولا يعتقد ذلك فيه لجلالته وإنكاره عروة عليه إنما
وقع لتركه الوقت الفاضل الذي صلى فيه جبريل عليه الصلاة و السلام وقال ابن عبد
البر المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب لا أنه أخرها حتى غربت الشمس فإن قلت
روى الطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب في هذا
الحديث قال دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصليها قلت
معناه أنه قارب المساء لا أنه دخل فيه قوله وهو بالعراق جملة أسمية وقعت حالا عن
المغيرة وأراد به عراق العرب وهو من عبادان إلى الموصل طولا ومن القادسية إلى
حلوان عرضا وفي رواية القعنبي وغيره عن مالك وهو بالكوفة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن
أبي خليفة عن القعنبي والكوفة من جملة عراق العرب وكان المغيرة بن شعبة إذ ذاك
أميرا على الكوفة من قبل معاوية بن أبي سفيان قوله فقال ما هذا أي التأخير قوله
أليس قد علمت الرواية وقعت كذا أليس وكان مقتضى الكلام ألست بالخطاب قال القشيري
قال بعض فضلاء الأدب كذا الرواية وهي جائزة إلا أن المشهور في الاستعمال ألست يعني
بالخطاب وقال عياض يدل ظاهر قوله قد علمت على علم المغيرة بذلك ويحتمل أن يكون ذلك
على سبيل الظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة قلت لأجل ذلك ذكره بلفظ الاستفهام
في قوله أليس ولكن يؤيد الوجه الأول رواية شعيب عن ابن شهاب عند البخاري أيضا في
غزوة بدر بلفظ فقال لقد علمت بغير حرف الاستفهام ونحوه عن عبد الرزاق عن معمر وابن
جريج جميعا قوله إن جبريل نزل بين ابن اسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة
التي فرضت فيها الصلاة وهي ليلة الإسراء قوله فصلى فصلى رسول الله الكلام هنا في
موضعين أحدهما في كلمة ثم صلى فصلى والآخر في كلمة الفاء أما الأول فقد قال
الكرماني فإن قلت قال في صلاة جبريل عليه الصلاة و السلام ثم صلى بلفظ ثم وفي صلاة
الرسول فصلى بالفاء قلت لأن صلاة الرسول كانت متعقبة لصلاة جبريل عليه الصلاة و
السلام بخلاف صلاته فإن بين كل صلاتين زمانا فناسب كلمة التراخي وأما الثاني فقد
قال عياض ظاهره أن صلاته كانت بعد فراغ صلاة جبريل عليه الصلاة و السلام لكن
المنصوص في غيره أن جبريل عليه الصلاة و السلام أم النبي فيحمل قوله صلى فصلى على
أن جبريل كان كلما فعل جزأ من الصلاة تابعه النبي ففعله وقال النووي صلى فصلى
مكررا هكذا خمس مرات معناه أنه كلما فعل جزأ من أجزاء الصلاة فعله النبي حتى
تكاملت صلاتهماانتهى قلت مبنى كلام عياض على أن الفاء في الأصل للتعقيب فدل على أن
صلاة النبي كانت عقيب فراغ جبريل عليه الصلاة و السلام من صلاته وحاصل جوابه أنه
جعل الفاء على أصله وأوله بالتأويل المذكور وبعضهم ذهب إلى أن الفاء هنا بمعنى
الواو لأنه إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصليا معه لا بعده وإذا حملت الفاء على
حقيقتها وجب أن لا يكون مصليا معه واعترض عليه بأن الفاء إذا كان بمعنى الواو
يحتمل أن يكون النبي صلى قبل جبريل لأن الواو لمطلق الجمع و الفاء لا تحتمل ذلك
قلت فجيء الفاء بمعنى الواو لا ينكر كما في قوله
( بين الدخول فحومل )
فإن الفاء فيه بمعنى الواو والاحتمال الذي ذكره المعترض يدفع بأن جبريل عليه
السلام هنا مبين لهيئة الصلاة التي فرضت ليلة الإسراءفلا يمكن أن تكون صلاته بعد
صلاة النبي وإلا لا يبقى لصلاة جبريل فائدة ويمكن أن تكون الفاء هنا للسببية كما
في قوله تعالى فوكزه موسى فقضى عليه ( القصص 15 ) قوله بهذا أي بأداء الصلاة في
هذه الأوقات قوله أمرت روي بضم التاء وفتحها وعلى الوجهين هو على صيغة المجهول
وقال ابن العربي نزل جبريل
(5/4)
عليه الصلاة و السلام على
النبي مأمورا مكلفا بتعليم النبي لا بأصل الصلاة وأقوى الروايتين فتح التاء يعني
أن الذي أمرت به من الصلاة البارحة مجملا هذا تفسيره اليوم مفصلا قلت فعلى هذا
الوجه يكون الخطاب من جبريل عليه الصلاة و السلام للنبي وأما وجه الضم فهو أن
جبريل عليه الصلاة و السلام يخبر عن نفسه أنه أمر به هكذا فعلى الوجهين الضمير
المرفوع في قوله ثم قال يرجع إلى جبريل عليه الصلاة و السلام ومن قال في وجه الضم
أن النبي أخبر عن نفسه أنه أمر به هكذا وأن الضمير في قال يرجع إلى النبي فقدأبعد
وإن كان التركيب يقتضي هذا أيضا قوله إعلم ما تحدث به بصيغة الأمر تنبيه من عمر بن
عبد العزيز لعروة على إنكاره إياه وقال القرطبي ظاهره الإنكار لأنه لم يكن عنده
خبر من إمامة جبريل عليه الصلاة و السلام إما لأنه لم يبلغه أو بلغه فنسيه والأولى
عندي أن حجة عروة عليه إنما هي فيما رواه عن عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر له
حديث جبريل موطئا له ومعلما له بأن الأوقات إنما ثبت أصلها بإيقاف جبريل عليه
الصلاة و السلام للنبي عليها قوله أو أن جبريل قال السفاقسي الهمزة حرف الاستفهام
دخلت على الواو فكان ذلك تقديرا وقال النووي الواو مفتوحة وأن ههنا تفتح وتكسر
وقال صاحب ( الاقتضاب ) كسر الهمزة أظهر لأنه استفهام مستأنف إلا أنه ورد بالواو
والفتح على تقدير أو علمت أو حدثت أن جبريل عليه الصلاة و السلام نزل قلت لم يذكر
أحد منهم أن الواو أي واو هي وهي واو العطف على ما ذكره بعضهم ولكنه قال والعطف
على شيء مقدر ولم يبين ما هو المقدر قوله وقت الصلاة بإفراد الوقت في رواية
الأكثرين وفي رواية المستملي وقوت الصلاة بلفظ الجمع قوله قال عروة قال الكرماني
هذا إما مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري قلت فكيف يكون تعليقا وقد ذكره مسندا
عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة كما سيأتي في باب وقت العصر فحينئذ يكون مقول ابن
شهاب قوله في حجرتها قال ابن سيده الحجرة من البيوت معروفة وقد سميت بذلك لمنعها
الداخل من الوصول إليها يقال استحجر القوم واحتجروا اتخذوا حجرة وفي ( المنتهى ) و
( الصحاح ) الحجرة حظيرة الإبل ومنه حجرة الدار تقول احتجرت حجرة أي اتخذتها
والجمع حجر مثل غرفة وغرف وحجرات بضم الجيم قوله أن تظهر ذكر في ( الموعب ) يقال
ظهر فلان السطح إذا علاه وعن الزجاج في قوله تعالى فما استطاعوا أن يظهروه ( الكهف
97 ) أي ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وإملاسه وفي ( المنتهى ) ظهرت البيت
علوته وأظهرت بفلان أعليت به وفي كتاب ابن التين وغيره ظهر الرجل فوق السطح إذا
علا فوقه قيل وإنما قيل له كذلك لأنه إذا علا فوقه فقد ظهر شخصه لمن تأمله وقيل
معناه أن يخرج الظل من قاعة حجرتها فيذهب وكل شيء خرج فقد ظهر والتفسير الأول أقرب
وأليق بظاهر الحديث لأن الضمير في قوله تظهر إنما هو راجع إلى الشمس ولم يتقدم
للظل ذكر في الحديث وسنستوفي الكلام في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن قريب في
باب وقت العصر إن شاء الله
ذكر ما يستنبط منه وهو على وجوه الأول فيه دليل على أن وقت الصلاة من فرائضها
وأنها لا تجزي قبل وقتها وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء روي عن أبي موسى
الأشعري وعن بعض التابعين أجمع العلماء على خلافه ولا وجه لذكره ههنا لأنه لا يصح
عنهم وصح عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار اتفاقا صحيحا الثاني فيه
المبادرة بالصلاة في أول وقتها وهذا هو الأصل وأن روي الإبراد بالظهر والإسفار
بالفجر بالأحاديث الصحيحة الثالث فيه دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما
يخالف السنة الرابع فيه جواز مراجعة العالم لطلب البيان والرجوع عند التنازع إلى السنة
الخامس فيه أن الحجة في الحديث المسند دون المقطوع ولذلك لم يقنع عمر به فلما أسند
إلى بشير بن أبي مسعود قنع به السادس استدل به قوم منهم ابن العربي على جواز صلاة
المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس قلت
هذا استدلال غير صحيح لأن جبريل عليه الصلاة و السلام كان مكلفا بتبليغ تلك الصلاة
ولم يكن متنفلا فتكون صلاة مفترض خلف مفترض وقال عياض يحتمل أن لا تكون تلك الصلاة
واجبة على النبي حينئذ ورد بأنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة واعترض عليه باحتمال
(5/5)
أن الوجوب عليه كان معلقا
بالبيان فلم يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة السابع فيه جواز البنيان ولكن ينبغي
الاقتصار فيه ألا ترى أن جدار الحجرة كان قصيرا قال الحسن كنت أدخل في بيوت النبي
وأنا محتلم وأنا أسقفها بيدي الثامن استدل به من يرى جواز الائتمام بمن يأتم بغيره
والجواب عنه أن النبي كان مبلغا فقط كما في قصة أبي بكر رضي الله تعالى عنه في
صلاته خلف النبي وصلاة الناس خلفه وسيأتي مزيد الكلام فيه في أبواب الإمامة التاسع
فيه فضيلة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه العاشر فيه ما قال ابن بطال فيه
دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل عليه الصلاة و السلام أم بالنبي في يومين
لوقتين مختلفين لكل صلاة قال لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر صلاته في آخر
الوقت محتجا بصلاة جبريل عليه الصلاة و السلام مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني
في آخر الوقت وقال الوقت ما بين هذين وأجيب عن هذا بأنه يحتمل أن تكون صلاة عمر
رضي الله تعالى عنه كانت خرجت عن وقت الاختيار وهو مصير ظل الشيء مثليه لا عن وقت
الجواز وهو مغيب الشمس فحينئذ يتجه إنكار عروة ولا يلزم منه ضعف الحديث أو يكون
إنكار عروة لأجل مخالفة عمر ما واظب عليه النبي وهو الصلاة في أول الوقت ورأى أن
الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضا وفي قوله ما
واظب عليه النبي وهو الصلاة في أول الوقت نظر لا يخفى فإن قلت ذكر حديث عائشة رضي
الله تعالى عنها بعد ذكر حديث أبي مسعود ما وجهه قلت لأن عروة احتج بحديث عائشة
رضي الله تعالى عنها في كونه كان يصلي العصر والشمس في حجرتها وهي الصلاة التي وقع
الإنكار بسببها وبذلك تظهر مناسبة ذكره بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها بعد حديث
أبي مسعود لأن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها يشعر بأنه كان يصلي العصر في أول
الوقت وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريلعليه الصلاة و
السلام فإن قلت ما معنى قولها قبل أن تظهر والشمس ظاهرة على كل شيء من أول طلوعها
إلى غروبها قلت إنها أرادت والفيء في حجرتها قبل أن يعلو على البيوت فكنت بالشمس
عن الفيء لأن الفيء عن الشمس كما سمي المطر سماء لأنه من السماء ينزل ألا ترى أنه
جاء في رواية لم يظهر الفيء من حجرتها وفي لفظ والشمس طالعة في حجرتي فافهم
2
- ( باب قول الله تعالى منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين
( الروم 31 )
أي هذا باب فباب بالتنوين خبر مبتدأ محذوف وهكذا هو في رواية أبي ذر وفي رواية
غيره باب قوله تعالى بالإضافة ثم الكلام في هذه الآية على أنواع
الأول أن هذه الآية الكريمة في سورة الروم وقبلها قوله تعالى فأقم وجهك للدين
حنيفا فطرت الله ( الروم 30 ) الآية
الثاني في معناها وإعرابها فقوله فأقم وجهك للدين ( الروم 30 ) أي قوم وجهك له غير
ملتفت يمينا وشمالا قاله الزمخشري وعن الضحاك والكلبي أي أقم عملك قوله حنيفا (
الروم 30 ) أي مسلما قاله الضحاك وقيل مخلصا وانتصابه على الحال من الدين قوله
فطرت الله ( الروم 30 ) أي وعليكم فطرة الله أي الزموا فطرة الله وهي الإسلام وقيل
عهد الله في الميثاق قوله منيبين ( الروم 30 ) نصب على الحال من المقدر وهو إلزموا
فطرة الله معناه منقلبين واشتقاقه من ناب ينوب إذا رجع وعن قتادة معناه تائبين وعن
ابن زيد معناه مطيعين والإنابة الانقطاع إلى الله بالإنابة أي الرجوع عن كل شيء
الثالث في بيان وجه عطف قوله وأقيموا الصلاة ( الروم 31 ) هو الإعلام بأن الصلاة
من جملة ما يستقيم به الإيمان لأنها عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن
تركها فقد هدم الدين
523 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( عباد ) هو ( ابن عباد ) عن ( أبي جمرة
) عن ( ابن عباس ) قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله فقالوا إنا من هاذا الحي
من ربيعة ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعوا إليه من
وراءنا فقال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله ثم فسرها لهم شهادة أن لا
إله إلا الله وأني رسول الله وإقام
(5/6)
الصلاة وإيتاء الزكاة وأن
تؤدوا إلي خمس ما غنمتم وأنهى عن الدباء والحنتم والمقير والنقير
مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة من حيث إن في الآية المذكورة اقتران نفي الشرك
بإقامة الصلاة وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها فإن قلت كيف المناسبة بين
النفي والإثبات قلت من جهة التضاد لأن ذكر أحد المتضادين في مقابلة الآخر يعد
مناسبة من هذه الجهة
ذكر رجاله وهم أربعة قتيبة وعباد بن عباد المهلبي البصري وأبو جمرة بالجيم والراء
واسمه نصر بن عمران وقد أمعنا الكلام فيه في باب أداء الخمس من الإيمان لأن هذا
الحديث ذكر فيه لكنه رواه هناك عن علي بن الجعد عن شعبة عن أبي جمرة قال كنت أقعد
مع ابن عباس فيجلسني على سريره فقال أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي فأقمت معه
شهرين ثم قال إن وفد عبد القيس الحديث وقد ذكرنا هناك أنه أخرج هذا الحديث في عشرة
مواضع وذكرنا أيضا من أخرجه غيره
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه
القول وفيه عباد وهو ابن عباد كذا وقع في رواية أبي ذر بالواو وفي رواية غيره عباد
هو ابن عباد بدون الواو وفيه من وافق اسمه اسم أبيه وفيه أنه من رباعيات البخاري
وفيه أن رواته ما بين بغلاني وبغلان قرية من بلخ وهو قتيبة وبصري وهو عباد وأبو
جمرة
ذكر معناه مختصرا قوله إن وفد عبد القيس الوفد قوم يجتمعون فيردون البلاد وقال
القاضي هم القوم يأتون الملك ركبا وهو اسم الجمع وعبد القيس أبو قبيلة وهو ابن
أفصى بالفاء ابن دعمى بالضم ابن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نذار قوله إنا هذا الحي
بالنصب على الاختصاص قولهمن الربيعة خبرلان وربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان
وانما قالوا ربيعة لان عبد القيس من اولاده قوله إلا في الشهر الحرام المراد به
الجنس فيتناول الأشهر الحرم الأربعة رجب وذا القعدة وذا الحجة والمحرم قوله تأخذه
بالرفع على أنه استئناف وليس جوابا للأمر بقرينة عطف ندعو عليه مرفوعا قوله من
وراءنا في محل النصب على أنه مفعول ندعو قوله ثم فسرها إنما أنت الضمير نظرا إلى
أن المراد من الإيمان الشهادة وإلى أنه خصلة إذا التقدير آمركم بأربع خصال فإن قلت
لم لم يذكر الصوم ههنا مع أنه ذكر في باب أداء الخمس من الإيمان حيث قال وإقام
الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحال أن الصوم كان واجبا حينئذ لأن وفادتهم
كانت عام الفتح وإيجاب الصوم في السنة الثانية من الهجرة قلت قال ابن الصلاح وأما
عدم ذكر الصوم فيه فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر عن رسول الله قوله
الدباء بضم الدال وتشديد الباء الموحدة وبالمد وقد تقصر وقد تكسر الدال وهو
اليقطين اليابس وهو جمع والواحدة دباءة ومن قصر قال دباة و الحنتم بفتح الحاء
المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وهي الجرار الخضر تضرب الى الحمرة
و النقير بفتح النون وكسر القاف وهو جذع ينقر وسطه وينبذ فيه و المقير بضم الميم
وفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف وهو المطلى بالقار وهو الزفت وفي باب أداء
الخمس من الإيمان الحنتم والدباء والنقير والمزفت وربما قال المقير
فإن قلت ما مناسبة نهيه عن الظروف المذكورة وأمره بأداء الخمس بمقارنة أمره
بالإيمان وما ذكره معه قلت كان هؤلاء الوفد يكثرون الانتباذ في الظروف المذكورة
فعرفهم ما يهمهم ويخشى منهم مواقعته وكذلك كان يخشى منهم الغلول في الفيء فلذلك نص
عليه
3
- ( باب البيعة على إقامة الصلاة )
أي هذا باب في بيان البيعة على إقامة الصلاة وقوله إقامة الصلاة بالتاء رواية
كريمة وفي رواية غيرها باب البيعة على إقام الصلاة بدون التاء وهو الأصل والبيعة
هو المبايعة على الإسلام وقال ابن الأثير البيعة عبارة عن المعاقدة على الإسلام
والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته
ودخيلة أمره
524 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( إسماعيل ) قال
حدثنا ( قيس ) عن ( جرير بن عبد الله ) قال بايعت رسول الله على إقام الصلاة
وإيتاء الزكاة
(5/7)
والنصح لكل مسلم
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث يشتمل على ثلاثة أشياء والترجمة على الجزء الأول
منها
ذكر رجاله وهم خمسة محمد بن المثنى بفتح النون المشددة تقدم ويحيى هو القطان
وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي وهذا الحديث
بعينه مع هذا الاسناد غير محمد بن المثنى قد مضى في باب قول النبي الدين النصيحة
لله ولرسوله في آخر كتاب الإيمان وقد ذكرنا هناك ما يتعلق بلطائف الإسناد ومعنى
الحديث وغير ذلك مستوفى مستقصى
4
- ( باب الصلاة كفارة )
أي هذا باب يذكر فيه الصلاة كفارة هكذا الصلاة كفارة في أكثر الروايات وفي رواية
المستملي باب تكفير الصلاة الكفارة عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر
الخطيئة أي تسترها وتمحوها وهي على وزن فعالة بالتشديد للمبالغة كقتالة وضرابة وهي
من الصفات الغالبة في باب الإسمية واشتقاقها من الكفر بالفتح وهو تغطية الشيء
بالاستهلاك والتكفير مصدر من كفر بالتشديد
4 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن الأعمش قال حدثني شقيق قال سمعت حذيفة قال كنا
جلوسا عند عمر رضي الله عنه فقال أيكم يحفظ قول رسول الله في الفتنة قلت أنا كما
قاله قال إنك عليه أو عليها لجريء قلت فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها
الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي قال ليس هذا أريد ولكن الفتنة التي تموج كما
يموج البحر قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا قال
أيكسر أم يفتح قال يكسر قال إذا لا يغلق أبدا قلنا أكان عمر يعلم الباب قال نعم
كما أن دون الغد الليلة إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأل حذيفة فأمرنا
مسروقا فسأله فقال الباب عمر )
مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله تكفرها الصلاة
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول مسدد بن مسرهد الثاني يحيى القطان الثالث سليمان
الأعمش الرابع شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي الخامس حذيفة بن اليمان رضي
الله تعالى عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في
الموضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه حدثني حذيفة رواية المستملي وفي رواية
غيره سمعت حذيفة وفيه بصريان وهما مسدد ويحيى وكوفيان الأعمش وشقيق
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الزكاة عن قتيبة عن جرير
وفي علامات النبوة عن عمر بن حفص قاله المزي في الأطراف وهو وهم وإنما أخرجه عن
عمر بن حفص في الفتن وفي الصوم عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في الفتن عن ابن
نمير وأبي بكر كلاهما عن أبي معاوية قاله المزي وهو وهم وإنما رواه مسلم من طريق
أبي معاوية عن ابن نمير وأبي كريب ومحمد بن المثنى ثلاثتهم عن أبي معاوية فوهم في
ذكره لأبي بكر وفي إسقاطه لابن المثنى وأخرجه الترمذي في الفتن أيضا عن محمود بن
غيلان وأخرجه ابن ماجة فيه أيضا عن ابن نمير عن أبيه وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش
(5/8)
والنصح لكل مسلم
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث يشتمل على ثلاثة أشياء والترجمة على الجزء الأول
منها
ذكر رجاله وهم خمسة محمد بن المثنى بفتح النون المشددة تقدم ويحيى هو القطان
وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي وهذا الحديث
بعينه مع هذا الاسناد غير محمد بن المثنى قد مضى في باب قول النبي الدين النصيحة
لله ولرسوله في آخر كتاب الإيمان وقد ذكرنا هناك ما يتعلق بلطائف الإسناد ومعنى
الحديث وغير ذلك مستوفى مستقصى
4
- ( باب الصلاة كفارة )
أي هذا باب يذكر فيه الصلاة كفارة هكذا الصلاة كفارة في أكثر الروايات وفي رواية
المستملي باب تكفير الصلاة الكفارة عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر
الخطيئة أي تسترها وتمحوها وهي على وزن فعالة بالتشديد للمبالغة كقتالة وضرابة وهي
من الصفات الغالبة في باب الإسمية واشتقاقها من الكفر بالفتح وهو تغطية الشيء
بالاستهلاك والتكفير مصدر من كفر بالتشديد
4 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن الأعمش قال حدثني شقيق قال سمعت حذيفة قال كنا
جلوسا عند عمر رضي الله عنه فقال أيكم يحفظ قول رسول الله في الفتنة قلت أنا كما
قاله قال إنك عليه أو عليها لجريء قلت فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره
تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي قال ليس هذا أريد ولكن الفتنة التي
تموج كما يموج البحر قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا
مغلقا قال أيكسر أم يفتح قال يكسر قال إذا لا يغلق أبدا قلنا أكان عمر يعلم الباب
قال نعم كما أن دون الغد الليلة إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأل
حذيفة فأمرنا مسروقا فسأله فقال الباب عمر )
مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله تكفرها الصلاة
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول مسدد بن مسرهد الثاني يحيى القطان الثالث سليمان
الأعمش الرابع شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي الخامس حذيفة بن اليمان رضي
الله تعالى عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في
الموضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه حدثني حذيفة رواية المستملي وفي رواية
غيره سمعت حذيفة وفيه بصريان وهما مسدد ويحيى وكوفيان الأعمش وشقيق
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الزكاة عن قتيبة عن جرير
وفي علامات النبوة عن عمر بن حفص قاله المزي في الأطراف وهو وهم وإنما أخرجه عن
عمر بن حفص في الفتن وفي الصوم عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في الفتن عن ابن
نمير وأبي بكر كلاهما عن أبي معاوية قاله المزي وهو وهم وإنما رواه مسلم من طريق
أبي معاوية عن ابن نمير وأبي كريب ومحمد بن المثنى ثلاثتهم عن أبي معاوية فوهم في
ذكره لأبي بكر وفي إسقاطه لابن المثنى وأخرجه الترمذي في الفتن أيضا عن محمود بن
غيلان وأخرجه ابن ماجة فيه أيضا عن ابن نمير عن أبيه وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش
به
(5/9)
( ذكر معناه ) قوله كنا جلوسا أي جالسين قوله في الفتنة وهي الخبرة والإعجاب بالشيء فتنه يفتنه فتنا وفتونا وأفتنه وأباها الأصمعي وقال سيبويه فتنه جعل فيه فتنة وأفتنه أوصل الفتنة إليه قال إذا قال أفتنته فقد تعرض الفتن وإذا قال فتنته فلم يتعرض الفتن وحكى أبو زيد أفتن الرجل بصيغة ما لم يسم فاعله أي فتن والفتنة الضلال والإثم وفتن الرجل أماله عما كان عليه قال تعالى وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك والفتنة الكفر قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة والفتنة الفضيحة والفتنة العذاب والفتنة ما يقع بين الناس من القتال ذكره ابن سيده والفتنة البلية وأصل ذلك كله من الاختبار وأنه من فتنت الذهب في النار إذا اختبرته وفي الغريبين الفتنة الغلو في التأويل المظلم وقال ابن طريف فتنته وأفتنته وفتن بكسر التاء فتونا تحول من حسن إلى قبيح وفتن إلى النساء وفتن فيهن أراد الفجور بهن وفي الجمهرة فتنت الرجل أفتنه وأفتنته إفتانا وفي الصحاح قال الفراء أهل الحجاز يقولون ( ما أنتم عليه بفاتنين ) وأهل نجد يقولون بمفتنين من أفتنت وزعم عياض أنها الابتلاء والامتحان قال وقد صار في عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء ويكون في الخير والشر قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة قوله قلت أنا كما قاله أي أحفظ كما قاله رسول الله ( فإن قلت ) الكاف ههنا لماذا وهو حافظ لنفس قول رسول الله لا كمثله ( قلت ) يجوز أن تكون الكاف هنا للتعليل لأنها اقترنت بكلمة ما المصدرية أي أحفظ لأجل حفظ كلامه ويجوز أن تكون للاستعلاء يعني أحفظ على ما عليه قوله وقال الكرماني لعله نقله بالمعنى فاللفظ مثل لفظه في أداء ذلك المعنى ( قلت ) حاصل كلامه يؤول إلى معنى المثلية وهو في سؤاله نفي المثلية فانتفى بذلك أن تكون الكاف للتشبيه وقال بعضهم الكاف زائدة ( قلت ) هذا أخذه من الكرماني ولم يبين واحد منهما أن الكاف إذا كانت زائدة ما تكون فائدته ( فإن قلت ) لفظ أنا مفرد وهو مقول قوله ( قلت ) وقد علم أن مقول القول يكون جملة ( قلت ) أنا مبتدأ وخبره محذوف تقديره أنا أحفظ أو أضبط أو نحوهما قوله عليه أي قول رسول الله قوله أو عليها أي أو على مقالته والشك من حذيفة قاله الكرماني ( قلت ) يجوز أن يكون ممن دونه قوله لجريء خبر أن في قوله إنك واللام للتأكيد والجريء على وزن فعيل من الجراءة وهي الإقدام على الشيء قوله فتنة الرجل في أهله قال ابن بطال فتنة الرجل في أهله أن يأتي من أجلهم ما لا يحل له من القول أو العمل مما لم يبلغ كبيرة وقال المهلب يريد ما يعرض له معهن من شر أو حزن أو شبهة قوله وماله فتنة الرجل في ماله أن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه أو التفريط بما يلزمه من حقوق المال فتكثر عليه المحاسبة قوله وولده فتنة الرجل في ولده فرط محبتهم وشغله بهم عن كثير من الخير أو التوغل في الاكتساب من أجلهم من غير اكتراث من أن يكون من حلال أو حرام قوله وجاره فتنة الرجل في جاره أن يتمنى أن يكون حاله مثل حاله إن كان متسعا قال تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة قوله تكفرها الصلاة أي تكفر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره أداء الصلاة قال تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات يعني الصلوات الخمس إذا اجتنبت الكبائر هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد هي قول العبد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال ابن عبد البر قال بعض المنتسبين إلى العلم من أهل عصرنا أن الكبائر والصغائر تكفرها الصلاة والطهارة واستدل بظاهر هذا الحديث وبحديث الصنابحي إذا توضأ خرجت الخطايا من فيه الحديث وقال أبو عمر هذا جهل وموافقة للمرجئة وكيف يجوز أن تحمل هذه الأخبار على عمومها وهو يسمع قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا في آي كثير فلو كانت الطهارة وأداء الصلوات وأعمال البر مكفرة لما احتاج إلى التوبة وكذلك الكلام في الصوم والصدقة والأمر والنهي فإن المعنى أنها تكفر إذا اجتنبت الكبائر قوله والأمر أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح به البخاري في الزكاة ( فإن قلت ) ما النكتة في تعيين هذه الأشياء الخمسة ( قلت ) الحقوق لما كانت في الأبدان والأموال والأقوال فذكر من أفعال الأبدان أعلاها وهو الصلاة والصوم قال الله تعالى وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين وذكر من حقوق الأموال أعلاها وهي الصدقة ومن الأقوال أعلاها وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله تموج من ماج البحر أي تضطرب ويدفع بعضها بعضها لعظمها وكلمة ما في كما تموج مصدرية أي كموج البحر وهو تشبيه غير بليغ قوله قال أي قال حذيفة قوله بأس أي شدة قوله
(5/9)
لبابا ويروى بابا بدون اللام
قوله مغلقا صفة الباب قال ثعلب في الفصيح أغلقت الباب فهو مغلق وقال ابن درستويه
والعامة تقول غلقت بغير ألف وهو خطأ وذكره أبو علي الدينوري في باب ما تحذف منه
العامة الألف وقال ابن سيده في العويص والجوهري في الصحاح فأغلقت قال الجوهري وهي
لغة رديئة متروكة وقال ابن هشام في شرحه الأفصح غلقت بالتشديد قال الله تعالى
وغلقت الأبواب وفيه نظر لأن غلقت مشددة للتكثير قاله الجوهري وغيره وفي المحكم غلق
الباب وأغلقه وغلقه الأولى من ابن دريرد عزاها إلى أبي زيد وهي نادرة والمقصود من
هذا الكلام أن تلك الفتن لا يخرج منها شيء في حياتك قوله قال أيكسر أي قال عمر رضي
الله تعالى عنه أيكسر هذا الباب أم يفتح قوله قال يكسر أي قال حذيفة يكسر قوله قال
إذا لا يغلق أبدا أي قال عمر رضي الله تعالى عنه إذا لا يغلق أبدا هذا الباب وإذا
هو جواب وجزاء أي إذا انكسر لا يغلق أبدا لأن المكسور لا يعاد بخلاف المفتوح
والكسر لا يكون غالبا إلا عن إكراه وغلبة وخلاف عادة ولفظ لا يغلق روي مرفوعا
ومنصوبا وجه الرفع أن يقال أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير الباب إذا لا يغلق ووجه
النصب أن لا يقدر ذلك فلا يكون ما بعده معتمدا على ما قبله والحاصل أنه فعل مستقبل
منصوب بإذن وأذن تعمل النصب في الفعل المستقبل بثلاثة أشياء وهي أن يعتمد ما قبلها
على ما بعدها وأن يكون الفعل فعل حال وأن لا يكون معها واو العطف وهذه الثلاثة
معدومة في النصب قوله قلنا هو مقول شقيق قوله كما أن دون الغد الليلة أي كما يعلم
أن الغد أبعد منا من الليلة يقال هو دون ذلك أي أقرب منه قوله إني حدثته مقول
حذيفة قوله ليس بالأغاليط جمع أغلوطة وهي ما يغالط بها قال النووي معناه حدثته
حديثا صدقا محققا من أحاديث رسول الله لا من اجتهاد رأي ونحوه وغرضه أن ذلك الباب
رجل يقتل أو يموت كما جاء في بعض الروايات قال ويحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر
يقتل ولكنه كره أن يخاطب عمر بالقتل فإن عمر كان يعلم أنه هو الباب فأتى بعبارة
يحصل منها الغرض ولا يكون إخبارا صريحا بقتله قال والحاصل أن الحائل بين الفتنة
والإسلام عمر رضي الله تعالى عنه وهو الباب فما دام عمر حيا لا تدخل الفتن فيه
فإذا مات دخلت وكذا كان قوله فهبنا أي خفنا من هاب وهو مقول شقيق أيضا قوله مسروقا
هو مسروق بن الأجدع وقد تقدم ذكره قوله فقال الباب عمر أي قال مسروق الباب هو عمر
رضي الله تعالى عنه ( فإن قلت ) قال أولا أن بينك وبينها بابا فالباب يكون بين عمر
وبين الفتنة وهنا يقول الباب هو عمر وبين الكلامين مغايرة ( قلت ) لا مغايرة
بينهما لأن المراد بقوله بينك وبينها أي بين زمانك وبين زمان الفتنة وجود حياتك
وقال الكرماني أو المراد بين نفسك وبين الفتنة بدنك إذ الروح غير البدن أو بين
الإسلام والفتنة وقال أيضا ( فإن قلت ) من أين علم حذيفة أن الباب عمر وهل علم من
هذا السياق أنه مسند إلى رسول الله بل كل ما ذكر في هذا الباب لم يسند منه شيء
إليه ( قلت ) الكل ظاهر مسند إليه بقرينة السؤال والجواب ولأنه قال حدثته بحديث
ولفظ الحديث المطلق لا يستعمل إلا في حديثه ( فإن قلت ) كيف سأل عمر رضي الله
تعالى عنه عن الفتنة التي تأتي بعده خوفا أن يدركها مع علمه بأنه هو الباب ( قلت )
من شدة خوفه خشى أن يكون نسي فسأل من يذكره
526 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( سليمان التيمي ) عن ( أبي
عثمان النهدي ) عن ( ابن مسعود ) أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي فأخبره
فأنزل الله عز و جل أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن
السيئات ( هود 114 ) فقال الرجل يا رسول الله ألي هذا قال لجميع أمتي كلهم (
الحديث 526 - طرفه في 4687 )
مطابقته للترجمة في قوله إن الحسنات يذهبن السيئات لأن المراد من الحسنات الصلوات
الخمس فإذا أقامها تكفر عنه الذنوب إذا اجتنبت الكبائر كما ذكرنا
ذكر رجاله وهم خمسة الأول قتيبة بن سعيد والثاني يزيد من الزيادة ابن
(5/10)
زريع بضم الزاي وفتح الراء
وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة والثالث سليمان بن طرخان أبو المعتمر
وقد مر في باب من خص بالعلم والرابع أبو عثمان عبد الرحمن بن مل بكسر الميم وضمها
وتشديد اللام النهدي بفتح النون وسكون الهاء وكسر الدال المهملة نسبة إلى نهد بن
زيد بن ليث بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة أسلم على عهد رسول الله ولم يلقه
ولكنه أدى إليه الصدقات عاش نحوا من مائة وثلاثين سنة ومات سنة خمس وتسعين وأنه
كان ليصلي حتى يغشى عليه والخامس عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه أن رواته بصريون ما خلا قتيبة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن مسدد عن يزيد بن
زريع وأخرجه مسلم في التوبة عن قتيبة وأبي كامل كلاهما عن يزيد بن زريع وعن محمد
بن عبد الأعلى عن معتمر بن سلمان وعن عثمان بن جرير وأخرجه الترمذي في التفسير عن
محمد بن بشار عن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وابن أبي عدي وعن اسماعيل بن
مسعود عن يزيد بن زريع وأخرجه ابن ماجه في الصلاة عن سفيان بن وكيع وفي الزاهد عن
إسحاق بن إبراهيم عن معتمر بن سليمان
ذكر معناه قوله أن رجلا هو أبو اليسر بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة وقد
صرح به الترمذي في روايته حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال أخبرنا يزيد بن هارون
قال أخبرنا قيس بن الربيع عن عثمان ابن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبي
اليسر قال أتتني امرأة تبتاع تمرا فقلت إن في البيت تمرا أطيب منه فدخلت معي في
البيت فأهويت إليها فقبلتها فأتيت أبا بكر رضي الله تعالى عنه فذكرت ذلك له فقال
استر على نفسك وتب فأتيت عمر رضي الله تعالى عنه فذكرت له ذلك فقال أستر على نفسك
وتب ولا تخبر أحدا فلم أصبر فأتيت رسول الله فذكرت ذلك له فقال أخلفت غازيا في
سبيل الله في أهله بمثل هذا حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلى تلك الساعة حتى ظن أنه
من أهل النار قال فأطرق رسول الله طويلا حتى أوحى الله تعالى إليه أقم الصلاة طرفي
النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ( هود 114 )
قال أبو اليسر فأتيته فقرأها علي رسول الله فقال أصحابه يا رسول الله ألهذا خاصة
أم للناس عامة قال بل للناس عامة ثم قال هذا حديث حسن غريب وقيس بن الربيع ضعفه
وكيع وغيره وقال الذهبي أبو اليسر كعب بن عمرو السلمي بدري قوله فأتى النبي أي أتى
الرجل النبي فأخبره بما أصابه قوله فأنزل الله تعالى أقم الصلاة ( هود 114 ) يشير
بهذا إلى أن سبب نزول هذه الآية في أبي اليسر المذكور
وفي تفسير ابن مردويه عن أبي أمامة أن رجلا جاء إلى النبي فقال يا رسول الله أقم
في حد الله مرة أو مرتين فأعرض عنه ثم أقيمت الصلاة فأنزل الله تعالى الآية وروى
أبو علي الطوسي في ( كتاب الأحكام ) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ رضي
الله تعالى عنه قال ولم يسمع منه أتى النبي رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا لقي
امرأة وليس بينهما معرفة فليس يأتي الرجل شيئا إلى امرأته إلا قد أتاه إليها إلا
أنه لم يجامعها فأنزل الله تعالى الآية فأمره أن يتوضأ ويصلي قال معاذ فقلت يا
رسول الله أهي له خاصة أم للمؤمنين عامة قال بل للمؤمنين عامة وروى مسلم من حديث
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني
أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض في بما شئت فقال عمر لقد سترك الله لو
سترت على نفسك ولم يرد عليه النبي شيئا فانطلق الرجل فأتبعه رجلا فتلا عليه هذه
الآية واعلم أن في كون الرجل في الحديث المذكور أبا اليسر هو أصح الأقوال الستة
القول الثاني إنه عمرو بن غزية بن عمرو الأنصاري أبو حبة بالباء الموحدة التمار
رواه أبو صالح عن ابن عباس جاءت امرأة إلى عمرو بن غزية تبتاع تمرا فقال إن في
بيتي تمرا فانطلقي أبيعك منه فلما دخلت البيت بطش بها فصنع بها كل شيء إلا أنه لم
يقع عليها فلما ذهب عنه الشيطان ندم على ما صنع وأتى النبي فقال يا رسول الله
تناولت امرأة فصنعت بها كل شيء يصنع الرجل بامرأته إلا أني لم أقع عليها فقال
النبي ما أدري ولم يرد عليه شيئا
(5/11)
فبينما هم كذلك إذ حضرت الصلاة
فصلوا فنزلت الآية أقم الصلاة ( هود 114 )
القول الثالث إنه ابن معتب رجل من الأنصار ذكره ابن أبي خيثمة في ( تاريخه ) من
حديث إبراهيم النخعي قال أتى النبي رجل من الأنصار يقال له معتب فذكر الحديث
القول الرابع إنه أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري ذكره مقاتل في ( نوادر التفسير )
وقال هو الذي نزل فيه أقم الصلاة ( هود 114 )
القول الخامس هو نبهان التمار وزعم الثعلبي أن نبهان لم ينزل فيه إلا قوله تعالى
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ( آل عمران 135 ) الآية
القول السادس إنه عباد ذكره القرطبي في تفسيره
قوله طرفي النهار ( هود 114 ) قال الثعلبي طرفي النهار الغداة والعشي وقال ابن
عباس يعني صلاة الصبح وصلاة المغرب وقال مجاهد صلاة الفجر وصلاة العشي وقال الضحاك
الفجر والعصر وقال مقاتل صلاة الفجر والظهر طرف وصلاة المغرب والعصر طرف وانتصاب
طرفي النهار على الظرف لأنهما مضافان إلى الوقت كقولك أقمت عنده جميع النهار وهذا
على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه قوله وزلفا من الليل ( هود 114 ) صلاة العتمة
وقال الحسن هما المغرب والعشاء وقال الأخفش يعني صلاة الليل وقال الزجاج معناه
الصلاة القريبة من أول الليل والزلف جمع زلفة وقرأ الجمهور بضم الزاي وفتح اللام
وقرأ أبو جعفر بضمهما وقرأ ابن محيصن بضم الزاي وجزم اللام وقرأ مجاهد زلفى مثل
قربى وفي ( المحكم ) زلف الليل ساعات من أوله وقيل هي ساعات الليل الأخيرة من
النهار وساعات النهار الأخيرة من الليل وفي ( جامع ) القزاز الزلفة القربة من
الخير والشر وانتصاب زلفى على أنه عطف على الصلاة أي أقم الصلاة طرفي النهار وأقم
زلفى من الليل قوله إن الحسنات ( هود 114 ) قال القرطبي لم يختلف أحد من أهل
التأويل أن الصلاة في هذه الآية يراد بها الفرائض قوله ألي هذا الهمزة للاستفهام
وقوله هذا مبتدأ وقوله لي مقدما خبره وفائدة التقديم التخصيص قوله كلهم ليس في
رواية المستملي
ذكر ما يستفاد منه فيه عدم وجوب الحد في القبلة وشبهها من المس ونحوه من الصغائر
وهو من اللمم المعفو عنه باجتناب الكبائر بنص القرآن وقال صاحب ( التوضيح ) وقد
يستدل به على أنه لا حد ولا أدب على الرجل والمرأة وإن وجدا في ثوب واحد وهو اختيار
ابن المنذر انتهى قلت سلمنا في نفي الحد ولا نسلم في نفي الأدب سيما في هذا الزمان
وفيه أن إقامة الصلوات الخمس تجري مجرى التوبة في ارتكاب الصغائر
وفيه أن باب التوبة مفتوح والتوبة مقبولة وفي الآي المذكورة دليل على قول أبي
حنيفة في أن التنوير بصلاة الفجر أفضل وذلك لأن ظاهر الآية يدل على وجوب إقامة
الصلاة في طرف النهار وبينا أن طرفي النهار الزمان الأول بطلوع الشمس والزمان
الأول بغروبها وأجمعت الأمة على أن إقامة الصلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير
مشروع فقد تعذر العمل بظاهر هذه الآية فوجب حملها على المجاز وهو أن يكون المراد
إقامة الصلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النهار لأن ما يقرب من الشيء يجوز أن
يطلق عليه اسمه فإذا كان كذلك فكل وقت كان أقرب إلى طلوع الشمس وإلى غروبها كان
أقرب إلى ظاهر اللفظ وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطلوع من
إقامتها عند الغلس وكذلك إقامة صلاة العصر عندما يصير ظل كل شيء مثليه أقرب إلى
وقت الغروب من إقامتها عندما صار ظل كل شيء مثله والمجاز كلما كان أقرب إلى
الحقيقة كان حمل اللفظ عليه أولى
وفيها دليل أيضا على وجوب الوتر لأن قوله وزلفا ( هود 114 ) يقتضي الأمر بإقامة
الصلاة في زلف من الليل وذلك لأنه عطف على الصلاة في قوله أقم الصلاة طرفي النهار
( هود 114 ) فيكون التقدير وأقم الصلاة في زلف من الليل والزلف جمع وأقل الجمع
ثلاثة فالواجب إقامة الصلاة في الأوقات الثلاثة فالوقتان للمغرب والعشاء والوقت
الثالث للوتر فيجب الحكم بوجوبه وقال صاحب ( التوضيح ) ذكر هذا شيخنا قطب الدين
وتبعه شيخنا علاء الدين وهي نزغة ولا نسلم لهما قلت لا نسلم له لأن عدم التسليم
بعد إقامة الدليل مكابرة
5
- ( باب فضل الصلاة لوقتها )
أي هذا في بيان فضل الصلاة لوقتها وكان الأصل أن يقال فضل الصلاة في وقتها لأن الوقت
ظرف لها ولذكره هكذا وجهان الأول أن عند الكوفيين أن حروف الجر يقام بعضها مقام
البعض والثاني اللام هنا مثل اللام في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن ( الطلاق 1 ) أي
مستقبلات لعدتهن ومثل قولهم لقيته لثلاث بقين من الشهر وتسمى بلام التأقيت
والتأريخ وأما
(5/12)
قيام اللام مقام في ففي قوله
تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( الأنبياء 47 ) وقوله لا يجليها لوقتها
إلا هو ( الأعراف 187 ) وقولهم مضى لسبيله فإن قلت ففي حديث الباب على وقتها
فالترجمة لا تطابقه قلت اللام تأتي بمعنى على أيضا نحو قوله تعالى ويخرون للأذقان
( الإسراء 107 109 ) ودعانا لجنبه ( يونس 12 ) وتله للجبين ( الصافات 103 ) وعلى
الأصل جاء أيضا في الحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن بندار قال حدثنا عثمان بن
عمر حدثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو عن عبد الله قال سألت
رسول الله أي العمل أفضل قال الصلاة في وقتها وأخرجه ابن حبان أيضا في ( صحيحه )
وكذا أخرجه البخاري في التوحيد بلفظ الترجمة وأخرجه مسلم بالوجهين
527 - حدثنا ( أبو الوليد هشام بن عبد الملك ) قال حدثنا ( شعبة ) قال ( الوليد بن
العيزار ) أخبرني قال سمعت ( أبا عمرو الشيباني ) يقول حدثنا ( صاحب هذه الدار
وأشار إلى دار عبد الله ) قال سألت النبي أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على
وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني
بهن رسول الله ولو استزدته لزادني
مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة وتقدم الكلام في على واللام
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري الثاني
شعبة بن الحجاج الثالث الوليد بن العيزار بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر
الحروف وبالزاي قبل الألف وبالراء بعدها ابن حريث بضم الحاء المهملة الكوفي الرابع
أبو عمرو الشيباني وهو سعيد بن إياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف المخضرم
أدرك أهل الجاهلية والإسلام عاش مائة وعشرين سنة قال أذكر أني سمعت بالنبي وأنا
أرعى إبلا لأهلي بكاظمة بالظاء المعجمة وتكامل شبابي يوم القادسية فكنت ابن أربعين
سنة يومئذ وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود الخامس هو عبد الله
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع وفيه
الإخبار بلفظ الإفراد في الماضي وفيه القول والسماع والسؤال وفيه أن رواته ما بين
بصري وكوفي وفيه قوله قال الوليد بن العيزار أخبرني تقديم وتأخير تقديره حدثنا
شعبة قال أخبرني الوليد بن العيزار قال سمعت أبا عمرو
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي الوليد وفي
التوحيد عن سليمان بن حرب وفي الجهاد عن الحسن بن الصباح وفي التوحيد أيضا عن عباد
بن العوام وأخرجه مسلم في الإيمان عن عبيد الله بن معاذ وعن محمد بن يحيى وعن أبي
بكر بن أبي شيبة وعن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي في الصلاة عن قتيبة وفي
البر والصلة عن أحمد بن محمد المروزي وأخرجه النسائي في الصلاة عن عمرو بن علي وعن
عبد الله بن محمد
ذكر معناه قوله حدثنا صاحب هذه الدار لم يصرح فيه شعبة باسم عبد الله بل رواه
مبهما ورواه مالك بن مغول عن البخاري في الجهاد وأبو إسحاق الشيباني في التوحيد عن
الوليد وصرحا باسم عبد الله وكذا رواه النسائي من طريق أبي معاوية عن أبي عمرو
الشيباني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ومع هذا في قوله
وأشار بيده إلى دار عبد الله اكتفاء عن التصريح لأن المراد من عبد الله هو ابن
مسعود قوله أي العمل أحب إلى الله وفي رواية مالك بن مغول أي العمل أفضل وكذا
الأكثر الرواة قوله على وقتها استعمال لفظة على ههنا بالنظر إلى إرادة الإستعلاء
على الوقت والتمكن على أدائها في أي جزء من أجزائها واتفق أصحاب شعبة على اللفظ
المذكور وخالفهم علي بن حفص فقال الصلاة في أول وقتها وقال الحاكم روى هذا الحديث
جماعة عن شعبة ولم يذكر هذه اللفظة غير حجاج عن علي بن حفص وحجاج حافظ ثقة وقد
احتج مسلم بعلي بن حفص قوله قال ثم أي قال الفاكهاني إنه غير منون لأنه غير موقوف
عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما
بعده خطأ فيوقف
(5/13)
عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما
بعده وقال ابن الجوزي في هذا الحديث أي مشدد منون كذلك سمعت من ابن الخشاب وقال لا
يجوز إلا تنوينه لأنه معرب غير مضاف وقال بعضهم وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف
إليه محذوف والتقدير ثم أي العمل أحب فيوقف عليه بلا تنوين قلت قال النحاة إن أيا
الموصولة والشرطية والاستفهامية معربة دائما فإذا كانت أي هذه معربة عند الإفراد
فكيف يقال إنها مبنية عند الإضافة ولما نقل عن سيبويه هذا هكذا أنكر عليه الزجاج
فقال ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدهما فإنه يسلم أنها تعرب إذا
أفردت فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت قوله قال بر الوالدين هكذا هو عند أكثر الرواة
وفي رواية المستملي قال ثم بر الوالدين بزيادة كلمة ثم و البر بكسر الباء الإحسان
وبر الوالدين الإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك العقوق والإساءة إليهما من بر
يبر فهو بار وجمعه بررة قوله الجهاد في سبيل الله وهو المحاربة مع الكفار لإعلاء
كلمة الله وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال فإن قلت ما الحكمة في تخصيص الذكر
بهذه الأشياء الثلاثة قلت هذه الثلاثة أفضل الأعمال بعد الإيمان من ضيع الصلاة
التي هي عماد الدين مع العلم بفضيلتها كان لغيرها من أمر الدين أشد تضييعا وأشد
تهاونا واستخفافا وكذا من ترك بر والديه فهو لغير ذلك من حقوق الله أشد تركا وكذا
الجهاد من تركه مع قدرته عليه عند تعينه فهو لغير ذلك من الأعمال التي يتقرب بها
إلى الله تعالى أشد تركا فالمحافظ على هذه الثلاثة حافظ على ما سواها والمضيع لها
كان لما سواها أضيع قوله حدثني بهن مقول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أي
بهذه الأشياء الثلاثة وأنه تأكيد وتقرير لما تقدم إذ لا ريب أن اللفظ صريح في ذلك
وهو أرفع درجات التحمل قوله ولو استزدته أي ولو طلبت منه الزيادة في السؤال لزادني
رسول الله في الجواب ثم طلبه الزيادة يحتمل أن يكون أرادها من هذا النوع وهي مراتب
أفضل الأعمال ويحتمل أن يكون أرادها من مطلق المسائل المحتاج إليها وفي رواية
الترمذي من طريق المسعودي عن الوليد فسكت عني رسول الله ولو استزدته لزادني فكأنه
فهم منه السآمة فلذلك قال ما قاله ويؤيده ما في رواية مسلم فما تركت أن أستزيده
إلا إرعاء عليه أي شفقة عليه لئلا يسأم
ذكر ما يستفاد منه فيه أن أعمال البر تفضل بعضها على بعض عند الله تعالى فإن قلت
ورد أن إطعام الطعام خير أعمال الإسلام وورد إن أحب الأعمال إلى الله أدومه وغير
ذلك فما وجه التوفيق بينهما قلت أجاب النبي لكل من سأل بما يوافق غرضه أو بما يليق
به أو بحسب الوقت فإن الجهاد كان في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه كان
كالوسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها أو بحسب الحال فإن النصوص تعاضدت على
فضل الصلاة على الصدقة وربما تجدد حال يقتضي مواساة مضطر فتكون الصدقة حينئذ أفضل
ويقال إن أفعل في أفضل الأعمال ليس على بابه بل المراد به الفضل المطلق ويقال
التقدير أن من أفضل الأعمال فحذفت كلمة من وهي مرادة قلت وفيه نظر وفيه ما قال ابن
بطال إن البدار إلى الصلاة في أول وقتها أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها
أن تكون أحب من الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب قلت لفظ الحديث لا يدل على ما
ذكره على ما لا يخفى وقال ابن دقيق العيد ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا
فكان المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء وقال بعضهم وتعقب بأن إخراجها عن
وقتها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الاستحباب فيكون المراد الاحتراز عن
إيقاعها آخر الوقت قلت الذي يدل ظاهر اللفظ أن الصلاة مشاركة لغيرها من الأعمال في
المحبة فإذا وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله تعالى من غيرها فيكون
الاحتراز عن وقوعها خارج الوقت فإن قلت روى الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله
تعالى عنهما قال قال رسول الله الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو
الله والعفو لا يكون إلا عند التقصير قلت قال ابن حبان لما رواه في ( كتاب الضعفاء
) وتفرد به يعقوب بن الوليد وكان يضع الحديث وقال أبو حاتم الرازي هو موضوع وقال
الميموني سمعت أبا عبد الله يقول لا أعرف شيئا يثبت في أوقات الصلاة أولها كذا
وآخرها هكذا يعني مغفرة ورضوانا وفيه تعظيم الوالدين وبيان فضله ويجب الإحسان
إليهما ولو كانا كافرين وفيه السؤال عن مسائل شتى في وقت واحد وجواز تكرير السؤال
وفيه الرفق بالعالم والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله وفيه
(5/14)
أن الإشارة تنزل منزلة التصريح
إذا كانت معينة للمشار إليه مميزة عن غيره ألا ترى أن الأخرس إذا طلق امرأته
بالإشارة المفهمة يقع طلاقه بحسب الإشارة وكذا سائر تصرفاته
6
- ( باب الصلوات الخمس كفارة )
باب منون تقديره هذا باب يذكر فيه الصلوات الخمس كفارة وهكذا وقع في أكثر الروايات
وفي بعض الروايات الترجمة سقطت وعليه مشى ابن بطال ومن تبعه وفي رواية الكشميهني
باب الصلوات الخمس كفارة للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها وقوله
الصلوات مبتدأ و الخمس صفته و كفارة خبره وقد مر تفسير الكفارة
والخطايا جمع خطيئة وهي الإثم يقال خطأ يخطأ خطأ وخطأة على وزن فعلة بكسر الفاء
والخطيئة على وزن فعيلة الإثم ولك أن تشدد الياء لأن كل ياء ساكنة قبلها كسرة أو
واو ساكنة قبلها ضمة وهما زائدتان للمد لا للإلحاق ولا هما من نفس الكلمة فإنك
تقلب الهمزة بعد الواو واوا وبعد الياء ياء وتدغم وتقول في مقروء مقرو وفي خطيئة
خطية وأصل الخطايا خطائي على وزن فعائل فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء لأن
قبلها كسرة ثم استثقلت والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك فقلبت الياء ألفا ثم قلبت
الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين
528 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثني ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد
) عن ( محمد ابن إبراهيم ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمن ) عن ( أبي هريرة ) أنه
سمع رسول الله يقول أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول
ذلك يبقي من درنه قالوا لا يبقي من درنه شيئا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو
الله به الخطايا
مطابقته للترجمة ظاهرة والباب الذي قبل الباب الذي قبله أعم من هذه الترجمة لأنه
يتناول الصلوات الخمس وغيرها من أنواع الصلاة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة وقد مر في كتاب الايمان
الثاني عبد العزيز ابن أبي حازم بالحاء المهملة وقد مر في باب نوم الرجال الثالث
عبد العزيز بن محمد الدراوردي نسبة إلى دراورد بفتح الدال والراء المهملتين ثم ألف
ثم واو مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة وهي قرية بخراسان وقال أكثرهم منسوب إلى
دار بجرد مدينة بفارس وهي من شواذ النسب الرابع يزيد من الزيادة ابن عبد الله بن
أسامة بن الهاد الليثي الأعرج مات سنة تسع وثلاثين ومائة الخامس محمد بن ابراهيم
التيمي مات سنة عشرين ومائة السادس أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف السابع أبو
هريرة سماه البخاري عبد الله وقال عمرو بن علي لا يعرف له اسم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع واحد وبصيغة الجمع في موضع
وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه اثنان اسم كل منهما عبد العزيز وفيه ثلاثة
تابعيون وهم يزيد وهو تابعي صغير ومحمد وأبو سلمة وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه
أن شيخ البخاري من أفراده
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة عن ليث وبكر بن مضر عن ابن الهاد
وأخرجه الترمذي في الأمثال عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة عن
الليث وحده به
ذكر معناه قوله أرأيتم الهمزة للاستفهام على سبيل التقرير والتاء للخطاب ومعناه
أخبروني ويوري أرأيتكم بالكاف والميم لا محل لهما من الإعراب قوله لو أن نهرا قال
الطيبي لفظ لو يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا
أو تقريرا والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا والنهر بفتح الهاء وسكونها ما
بين جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه قوله ما تقول أي أيها
السامع وفي رواية مسلم ما تقولون قوله ذلك إشارة إلى الاغتسال وقال ابن مالك فيه
شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن والشرط فيه أن يكون فعلا مضارعا مسندا إلى
المخاطب متصلا بالاستفهام كما في هذا الحديث ولغة سليم إجراء فعل
(5/15)
القول مجرى الظن بلا شر فيجوز
على لغتهم أن يقال قلت زيدا منطلقا ونحوه قوله ما تقول كلمة ما الاستفهامية في
موضع نصب بلفظ يبقى وقدم لأن الاستفهام له صدر الكلام والتقدير أي شيء تظن ذلك
الاغتسال مبقيا من درنه و تقول يقتضي مفعولين أحدهما هو قوله ذلك والآخر وهو
المفعول الثاني قوله يبقى وهو بضم الياء من الإبقاء قوله من درنه بفتح الدال
والراء وهو الوسخ قوله شيئا منصوب لأنه مفعول لا يبقى بضم الياء أيضا وكسر القاف
وفي رواية مسلم لا يبقى من درنه شيء فشيء مرفوع لأنه فاعل قوله لا يبقي بفتح الياء
والقاف قوله فكذلك الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا أقررتم ذلك وصح عندكم فهو مثل
الصلوات وفائدة التمثيل التقييد وجعل المعقول كالمحسوس وقال ابن العربي وجه
التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير
فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنبا إلا أسقطته وكفرته
فإن قلت ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر لأن لفظ الخطايا يطلق عليها
قلت روى مسلم من حديث ( العلاء ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) مرفوعا الصلوات الخمس
كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر قال ابن بطال يؤخذ من الحديث أن المراد
الصغائر خاصة لأنه شبه الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من
القروح والجراحات فإن قلت لم لا يجوز أن يكون المراد بالدرن الحب قلت لا بل المراد
به الوسخ لأنه هو الذي يناسبه التنظيف والتطهير ويؤيد ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري
رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل وبين
منزله ومعتمله خمسة أنهار فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو
عرق فكلما مر بنهر اغتسل منه الحديث رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من
طريق عطاء بن يسار عنه فإن قلت الصغائر مكفرة بنص القرآن باجتناب الكبائر فما الذي
تكفره الصلوات الخمس قلت لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فإذا لم
يفعلها لم يكن مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها قوله
بها أي بالصلوات ويروى به بتذكير الضمير أي بأداء الصلوات
528 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثني ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد
) عن ( محمد ابن إبراهيم ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمن ) عن ( أبي هريرة ) أنه
سمع رسول الله يقول أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول
ذلك يبقي من درنه قالوا لا يبقي من درنه شيئا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو
الله به الخطايا
مطابقته للترجمة ظاهرة والباب الذي قبل الباب الذي قبله أعم من هذه الترجمة لأنه
يتناول الصلوات الخمس وغيرها من أنواع الصلاة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة وقد مر في كتاب الايمان
الثاني عبد العزيز ابن أبي حازم بالحاء المهملة وقد مر في باب نوم الرجال الثالث
عبد العزيز بن محمد الدراوردي نسبة إلى دراورد بفتح الدال والراء المهملتين ثم ألف
ثم واو مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة وهي قرية بخراسان وقال أكثرهم منسوب إلى
دار بجرد مدينة بفارس وهي من شواذ النسب الرابع يزيد من الزيادة ابن عبد الله بن
أسامة بن الهاد الليثي الأعرج مات سنة تسع وثلاثين ومائة الخامس محمد بن ابراهيم
التيمي مات سنة عشرين ومائة السادس أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف السابع أبو
هريرة سماه البخاري عبد الله وقال عمرو بن علي لا يعرف له اسم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع واحد وبصيغة الجمع في موضع
وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه اثنان اسم كل منهما عبد العزيز وفيه ثلاثة
تابعيون وهم يزيد وهو تابعي صغير ومحمد وأبو سلمة وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه
أن شيخ البخاري من أفراده
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة عن ليث وبكر بن مضر عن ابن الهاد
وأخرجه الترمذي في الأمثال عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة عن
الليث وحده به
ذكر معناه قوله أرأيتم الهمزة للاستفهام على سبيل التقرير والتاء للخطاب ومعناه
أخبروني ويوري أرأيتكم بالكاف والميم لا محل لهما من الإعراب قوله لو أن نهرا قال
الطيبي لفظ لو يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا
أو تقريرا والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا والنهر بفتح الهاء وسكونها ما
بين جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه قوله ما تقول أي أيها
السامع وفي رواية مسلم ما تقولون قوله ذلك إشارة إلى الاغتسال وقال ابن مالك فيه
شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن والشرط فيه أن يكون فعلا مضارعا مسندا إلى
المخاطب متصلا بالاستفهام كما في هذا الحديث ولغة سليم إجراء فعل القول مجرى الظن
بلا شر فيجوز على لغتهم أن يقال قلت زيدا منطلقا ونحوه قوله ما تقول كلمة ما
الاستفهامية في موضع نصب بلفظ يبقى وقدم لأن الاستفهام له صدر الكلام والتقدير أي
شيء تظن ذلك الاغتسال مبقيا من درنه و تقول يقتضي مفعولين أحدهما هو قوله ذلك
والآخر وهو المفعول الثاني قوله يبقى وهو بضم الياء من الإبقاء قوله من درنه بفتح
الدال والراء وهو الوسخ قوله شيئا منصوب لأنه مفعول لا يبقى بضم الياء أيضا وكسر
القاف وفي رواية مسلم لا يبقى من درنه شيء فشيء مرفوع لأنه فاعل قوله لا يبقي بفتح
الياء والقاف قوله فكذلك الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا أقررتم ذلك وصح عندكم
فهو مثل الصلوات وفائدة التمثيل التقييد وجعل المعقول كالمحسوس وقال ابن العربي
وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء
الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنبا إلا أسقطته
وكفرته فإن قلت ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر لأن لفظ الخطايا يطلق عليها
قلت روى مسلم من حديث ( العلاء ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) مرفوعا الصلوات الخمس
كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر قال ابن بطال يؤخذ من الحديث أن المراد
الصغائر خاصة لأنه شبه الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من
القروح والجراحات فإن قلت لم لا يجوز أن يكون المراد بالدرن الحب قلت لا بل المراد
به الوسخ لأنه هو الذي يناسبه التنظيف والتطهير ويؤيد ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري
رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل وبين
منزله ومعتمله خمسة أنهار فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو
عرق فكلما مر بنهر اغتسل منه الحديث رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من
طريق عطاء بن يسار عنه فإن قلت الصغائر مكفرة بنص القرآن باجتناب الكبائر فما الذي
تكفره الصلوات الخمس قلت لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فإذا لم
يفعلها لم يكن مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها قوله
بها أي بالصلوات ويروى به بتذكير الضمير أي بأداء الصلوات
( باب تضييع الصلاة عن وقتها )
أي هذا باب في بيان تضييع الصلوات عن وقتها وتضييعها تأخيرها إلى أن يخرج وقتها
وقيل تأخيرها عن وقتها المستحب والأول أظهر لأن التضييع إنما يظهر فيه وهذه
الترجمة إنما تثبت في رواية الحموي والكشميهني وليست بثابتة في رواية الباقين
529 - حدثنا ( موسى ابن إسماعيل ) قال حدثنا ( مهدي ) عن ( غيلان ) عن ( أنس ) قال
ما أعرف شيئا مم كان على عهد النبي قيل الصلاة قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها
وجه مطابقته للترجمة في قوله أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها يعني من التضييع
ذكر رجاله وهم أربعة الأول موسى ابن إسماعيل المنقري التبوذكي وقد تكرر ذكره
الثاني مهدي بن ميمون أبو يحيى مات بالمدينة سنة اثنتين وسبعين ومائة الثالث غيلان
بفتح الغين المعجمة ابن جرير الرابع أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع وبصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة
في موضعين وفيه أن إسناده كلهم بصريون
وهذا الحديث من أفراد البخاري
ذكر معناه قوله قيل الصلاة أي قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهد رسول الله وهي
باقية فكيف تصدق القضية السالبة عامةفأجاب بقوله أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها يعني من
تضييعها وهو خروجها عن وقتها وقال المهلب المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها
المستحب لا أنهم أخرجوها عن وقتها وتبعه على هذا جماعة قلت الأصح ما ذكرناه لأن
أنسا رضي الله تعالى عنه إنما قال ذلك حين علم أن الحجاج والوليد بن عبد الملك
وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها والآثار في ذلك مشهورة منها ما رواه عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال أخر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل
أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه
ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال
صليت إلى جنب أبي جحيفة فمشى الحجاج
(5/16)
للصلاة فقام أبو جحيفة فصلى
ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه ومن
طريق محمد ابن إسماعيل قال كنت بمعنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت إلى
سعيد بن جبير وعطاء يوميان إيماء وهما قاعدان مما يؤيد ما ذكرناه قوله تعالى فخلف
من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ( مريم 59 ) أخروها عن مواقيتها وصلوها لغير وقتها
قوله أليس اسمه ضمير الشان قوله صنعتم ما صنعتم فيها بصادين مهملتين والنون في
رواية الأكثرين وفي رواية النسفي بالمعجمتين وتشديد الياء آخر الحروف قال ابن
قرقول رواية العدوي صنعتم بالصاد المهملة ورواية النسفي بالمعجمة وبالياء المثناة
من تحت قال والأول أشبه يريد ما أحدثوا من تأخيرها إلا أنه جاء في نفس الحديث ما
يبين أنه بالضاد المعجمة وهو قوله ضيعت في الحديث الآتي قلت ويؤيد الأول ما رواه
الترمذي من طريق أبي عمران الجوني عن أنس فذكر نحو هذا الحديث وقال في آخره أو لم
تصنعوا في الصلاة ما قد علمتم
75 - وقال ( بكر ) حدثنا ( محمد بن بكر البرساني ) قال أخبرنا ( عثمان بن أبي رواد
) نحوه
بكر بن خلف بالخاء المعجمة واللام المفتوحتين قال الغساني بكر بن خلف البرساني أبو
بشر ذكره البخاري مستشهدا به في كتاب الصلاة بعد حديث ذكره عن أبي عبيدة الحداد
وهو ختن عبد الله بن يزيد المقري مات سنة أربع ومائتين ومحمد
(5/17)
ابن بكر البرساني بضم الباء
الموحدة وسكون الراء وبالسين المهملة وبالنون البصري منسوب إلى برسان بطن من أزد
مات سنة ثلاث ومائتين وهذا التعليق وصله الإسماعيلي قال حدثنا محمود بن محمد
الواسطي حدثنا أبو بشر بن بكر بن خلف حدثنا محمد بن بكر ورواه أيضا أبو نعيم عن
أبي بكر بن خلاد حدثنا أحمد بن علي الخراز حدثنا بكر بن خلف أنبأنا محمد ختن
المقرىء أخبرنا محمد بن بكر فذكره قوله نحوه أي نحو سوق عمرو بن زرارة عن عبد
الواحد عن عثمان بن أبي رواد إلى آخره والذي ذكره الإسماعيلي موافق للذي قبله وفيه
زيادة وهي لا أعرف شيئا مما كنا عليه في عهد رسول الله والباقي سواء
8 -
( باب المصلي يناجي ربه عز و جل )
أي هذا باب يذكر فيه المصلي يناجي ربه من ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناج وهو
المخاطب لغيره والمحدث له وثلاثيه من نجا ينجو نجاة إذا أسرع ونجا من الأمر إذا
خلص وأنجاه غيره
ومناسبة هذا الباب بالأبواب التي قبله التي تضمنها كتاب مواقيت الصلاة من حيث إن
فيه بيان أن أوقات أداء الصلاة أوقات مناجاة الله تعالى ومناجاة الله تعالى لا
تحصل للعبد إلا فيها خاصة والأحاديث السابقة دلت على مدح من صلى في وقتها وذم من
أخرها عن وقتها وأورد البخاري أحاديث هذا الباب ترغيبا للمصلي في تحصيل هذه
الفضيلة على الوجه المذكور في أحاديث هذا الباب لئلا يحرم عن هذه المنزلة السنية
التي يخشى فواتها على المقصر في ذلك
531 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) قال
قال النبي إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه فلا يتفلن عن يمينه ولكن تحت قدمه اليسرى
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الإسناد بعينه قد مر في الحديث الأول في باب زيادة
الإيمان ونقصانه حيث قال حدثنا مسلم ابن إبراهيم أخبرنا هشام أخبرنا قتادة عن أنس
قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله الحديث ومسلم بن إبراهيم أبو عمرو
البصري وهشام ابن أبي عبد الله الدستوائي بفتح الدال وقتادة ابن دعامة وهذا الحديث
قد مضى في باب حك البزاق باليد من المسجد بأطول منه رواه عن قتيبة إسماعيل بن جعفر
عن حميد عن أنس أن النبي رأى نخامة الحديث وأخرجه أيضا في باب لا يبصق عن يمينه في
الصلاة عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما وأخرجه أيضا عن أنس من
حديث شعبة عن قتادة عنه من طرق مختلفة وأخرجه أيضا عن أبي هريرة وقد مر الكلام فيه
مستوفي
وقال سعيد عن قتادة لا يتفل قدامه أو بين يديه ولكن عن يساره أو تحت قدميه
سعيد هو ابن أبي عروبة أي قال سعيد عن قتادة بالإسناد المذكور وطريقه موصولة عند
الإمام أحمد وابن حبان قوله أو بين يديه شك من الراوي ومعناه قدامه
وقال شعبة لا يبزق بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه
أي قال شعبة بن الحجاج عن قتادة بالإسناد أيضا وقد أوصله البخاري أيضا فيما تقدم
عن آدم عنه
وقال حميد عن أنس عن النبي لا يبزق في القبلة ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت
قدمه
أوصله البخاري أيضا فيما تقدم ولكن ليس في تلك الطريقة قوله ولا عن يمينه
وقال الكرماني هذه تعليقات لكنها ليست موقوفة على شعبة ولا على قتادة ويحتمل
الدخول تحت الإسناد السابق بأن يكون معناه مثلا حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن قتادة عن
أنس عن النبي قلت كلها موصولة على الوجه الذي ذكرناه فلا يحتاج إلى ذكر الاحتمال
531 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) قال
قال النبي إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه فلا يتفلن عن يمينه ولكن تحت قدمه اليسرى
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الإسناد بعينه قد مر في الحديث الأول في باب زيادة
الإيمان ونقصانه حيث قال حدثنا مسلم ابن إبراهيم أخبرنا هشام أخبرنا قتادة عن أنس
قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله الحديث ومسلم بن إبراهيم أبو عمرو
البصري وهشام ابن أبي عبد الله الدستوائي بفتح الدال وقتادة ابن دعامة وهذا الحديث
قد مضى في باب حك البزاق باليد من المسجد بأطول منه رواه عن قتيبة إسماعيل بن جعفر
عن حميد عن أنس أن النبي رأى نخامة الحديث وأخرجه أيضا في باب لا يبصق عن يمينه في
الصلاة عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما وأخرجه أيضا عن أنس من
حديث شعبة عن قتادة عنه من طرق مختلفة وأخرجه أيضا عن أبي هريرة وقد مر الكلام فيه
مستوفي
وقال سعيد عن قتادة لا يتفل قدامه أو بين يديه ولكن عن يساره أو تحت قدميه
سعيد هو ابن أبي عروبة أي قال سعيد عن قتادة بالإسناد المذكور وطريقه موصولة عند
الإمام أحمد وابن حبان قوله أو بين يديه شك من الراوي ومعناه قدامه
وقال شعبة لا يبزق بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه
أي قال شعبة بن الحجاج عن قتادة بالإسناد أيضا وقد أوصله البخاري أيضا فيما تقدم
عن آدم عنه
وقال حميد عن أنس عن النبي لا يبزق في القبلة ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت
قدمه
أوصله البخاري أيضا فيما تقدم ولكن ليس في تلك الطريقة قوله ولا عن يمينه
وقال الكرماني هذه تعليقات لكنها ليست موقوفة على شعبة ولا على قتادة ويحتمل
الدخول تحت الإسناد السابق بأن يكون معناه مثلا حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن قتادة عن
أنس عن النبي قلت كلها موصولة على الوجه الذي ذكرناه فلا يحتاج إلى ذكر الاحتمال
(5/18)
532 - حدثنا ( حفص بن عمر )
قال حدثنا ( يزيد بن إبراهيم ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) عن النبي قال
اعتدلوا في السجود ولا يبسط ذراعيه كالكلب وإذا بزق فلا يبزقن بين يديه ولا عن
يمينه فإنه يناجي ربه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله تقدموا
وفي إسناده التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع والعنعنة في موضعين وفيه القول
قوله اعتدلوا في السجود المقصود من الاعتدال فيه أن يضع كفه على الأرض ويرفع مرفقيه
عنها وعن جنبيه ويرفع البطن عن الفخذ والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع وأبلغ في
تمكين الجبهة من الأرض وأبعد من هيئات الكسالى فإن المنبسط يشبه الكلب ويشعر حاله
بالتهاون بالصلوات وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها والاعتدال من عدلته فعدل أي
قومته فاستقام قاله الجوهري قوله ولا يبسط ذراعيه بسكون الطاء وفاعله مضمر أي
المصلي وفي بعض النسخ لا يبسط أحدكم بإظهار الفاعل والذراع الساعد قوله فإنما
يناجي ربه وفي رواية الكشميهني فإنه يناجي ربه وسأل الكرماني ههنا ما ملخصه إن
فيما مضى جعل المناجاة علة لنهي البزاق في القدام فقط لا في اليمين حيث قال فلا
يبصق أمامه فإنه يناجي ربه وقال ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا وأجاب بأنه لا
محذور بأن يعلل الشيء الواحد بعلتين منفردتين أو مجتمعتين لأن العلة الشرعية معرفة
وجاز تعدد المعرفات فعلل نهي البزاق عن اليمين بالمناجاة وبأن ثم ملكا وقال أيضا
عادة المناجي أن يكون في القدام وأجاب بأن المناجي الشريف قد يكون قداما وقد يكون
يمينا
9 -
( باب الإبراد بالظهر في شدة الحر )
أي هذا باب في بيان فضل الإبراد بصلاة الظهر عند شدة الحر وسنفسر الإبراد في
الحديث وإنما قدم الإبراد بالظهر على باب وقت الظهر للاهتمام به
12 - ( حدثنا أيوب بن سليمان قال حدثنا أبو بكر عن سليمان قال صالح بن كيسان حدثنا
الأعرج عبد الرحمن وغيره عن أبي هريرة ونافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن
عمر أنهما حدثاه عن رسول الله أنه قال إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر
من فيح جهنم )
مطابقته للترجمة من حيث أن المراد بقوله فأبردوا بالصلاة هي صلاة الظهر لأن
الإبراد إنما يكون في وقت يشتد الحر فيه وذلك وقت الظهر ولهذا صرح بالظهر في حديث
أبي سعيد حيث قال أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم على ما يأتي في آخر هذا
الباب فالبخاري حمل المطلق على المقيد في هذه الترجمة
( ذكر رجاله ) وهم ثمانية الأول أيوب بن سليمان بن بلال المدني مات سنة أربع
وثلاثين ومائتين الثاني أبو بكر واسمه عبد الحميد بن أبي أويس الأصبحي توفي سنة
ثنتين ومائة الثالث سليمان بن بلال والد أيوب المذكور الرابع صالح بن كيسان الخامس
الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز السادس نافع مولى ابن عمر السابع أبو هريرة الثامن
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة التثنية من
الماضي في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه
أن رواته كلهم مدنيون وفيه صحابيان وثلاثة من التابعين وهم صالح بن كيسان فإنه رأى
عبد الله بن عمر قاله الواقدي والأعرج ونافع وفيه أن أبا بكر من أقران أيوب قوله
وغيره أي وغير الأعرج الظاهر أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وروى أبو نعيم هذا الحديث
في المستخرج من طريق
(5/19)
آخر عن أيوب بن سليمان ولم يقل
فيه وغيره قوله ونافع بالرفع عطف على قوله الأعرج
( ذكر معناه ) قوله أنهما حدثاه أي أن أبا هريرة وابن عمر حدثا من حدث صالح بن
كيسان ويحتمل أن يعود الضمير في أنهما إلى الأعرج ونافع أي أن الأعرج ونافعا حدثاه
أي صالح بن كيسان عن شيخيهما بذلك ووقع في رواية الإسماعيلي أنهما حدثا بغير ضمير
فلا يحتاج إلى التقدير المذكور قوله إذا اشتد من الاشتداد من باب الافتعال وأصله
اشتدد أدغمت الدال الأولى في الثانية قوله فأبردوا بفتح الهمزة من الإبراد قال الزمخشري
في الفائق حقيقة الإبراد الدخول في البرد والباء للتعدية والمعنى إدخال الصلاة في
البرد ويقال معناه افعلوها في وقت البرد وهو الزمان الذي يتبين فيه شدة انكسار
الحر لأن شدته تذهب الخشوع وقال السفاقسي أبردوا أي ادخلوا في وقت الإبراد مثل
أظلم دخل في الظلام وأمسى دخل في المساء وقال الخطابي الإبراد انكسار شدة حر
الظهيرة وذلك أن فتور حرها بالإضافة إلى وهج الهاجرة برد وليس ذلك بأن يؤخر إلى
آخر برد النهار وهو برد العشى إذ فيه الخروج عن قول الأئمة قوله بالصلاة وفي حديث
أبي ذر الذي يأتي بعد هذا الحديث عن الصلاة والفرق بينهما أن الباء هو الأصل وأما
عن ففيه تضمين معنى التأخير أي أخروا عنها مبردين وقيل هما بمعنى واحد لأن عن تأتي
بمعنى الباء كما يقال رميت عن القوس أي بالقوس وقيل الباء زائدة والمعنى أبردوا
بالصلاة وقوله بالصلاة بالباء هو رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني عن الصلاة
كما في حديث أبي ذر وقال بعضهم في قوله بالصلاة الباء للتعدية وقيل زائدة ومعنى
أبردوا أخروا على سبيل التضمين ( قلت ) قوله للتعدية غير صحيح لأنه لا يجمع في
تعدية اللازم بين الهمزة والباء وقوله على سبيل التضمين أيضا غير صحيح لأن معنى
التضمين في رواية عن كما ذكرنا لا في رواية الباء فافهم وقد ذكرنا أن المراد من
الصلاة هي صلاة الظهر قوله فإن شدة الحر الفاء فيه للتعليل أراد أن علة الأمر
بالإبراد هي شدة الحر واختلف في حكمة هذا التأخير فقيل دفع المشقة لكون شدة الحر
مما يذهب الخشوع وقيل لأنه وقت تسجر فيه جهنم كما روى مسلم من حديث عمرو بن عبسة
حيث قال له اقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم انتهى فهذه
الحالة ينتشر فيها العذاب ( فإن قلت ) الصلاة سبب الرحمة وإقامتها مظنة دفع العذاب
فكيف أمر بتركها في هذه الحالة ( قلت ) أجيب عنه بجوابين أحدهما قاله اليعمري بأن
التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه والآخر من جهة أهل
الحكمة وهو أن هذا الوقت وقت ظهور الغضب فلا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له كما في
حديث الشفاعة حيث اعتذر الأنبياء كلهم عليهم السلام للأمم بذلك سوى النبي فإنه أذن
له في ذلك قوله من فيح جهنم بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة
وهو سطوع الحر وفورانه ويقال بالواو فوح وفاحت القدرة تفوح إذا غلت وقال ابن سيده
فاح الحر يفيح فيحا سطع وهاج ويقال هذا خارج مخرج التشبيه والتمثيل أي كأنه فار
جهنم في حرها ويقال هو حقيقة وهو أن نثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة
ويقوى هذا حديث اشتكت النار إلى ربها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وأما لفظ جهنم
فقد قال قطرب زعم يونس أنه اسم أعجمي وفي الزاهر لابن الأنباري قال أكثر النحويين
هي أعجمية لا تجري للتعريف والعجمة وقال أنه عربي ولم تجر للتعريف والتأنيث وفي
المغيث هي نعريب كهنام بالعبرانية وذكره في الصحاح في الرباعي ثم قال هو ملحق
بالخماسي لتشديد الحرف الثالث وفي المحكم سميت جهنم لبعد قعرها ولم يقولوا فيها
جهنام ويقال بئر جهنام بعيدة القعر وبه سميت جهنم وقال أبو عمرو جهنام اسم وهو
الغليظ البعيد القعر
( ذكر ما يستنبط منه ) وهو على وجوه الأول أن فيه الأمر بالإبراد في صلاة الظهر
واختلفوا في كيفية هذا الأمر فحكى القاضي عياض وغيره أن بعضهم ذهب إلى أن الأمر
فيه للوجوب وقال الكرماني ( فإن قلت ) ظاهر الأمر للوجوب فلم قلت للاستحباب ( قلت
) للإجماع على عدمه وقال بعضهم وغفل الكرماني فنقل الإجماع على عدم الوجوب ( قلت )
لا يقال أنه غفل بل الذين نقل عنهم فيه الإجماع كأنهم لم يعتبروا كلام من ادعى
الوجوب فصار كالعدم وأجمعوا على أن الأمر للاستحباب ( فإن قلت ) ما القرينة
الصارفة
(5/20)
عن الوجوب وظاهر الكلام يقتضيه ( قلت ) لما كانت العلة فيه دفع المشقة عن المصلي لشدة الحر وكان ذلك للشفقة عليه فصار من باب النفع له فلو كان للوجوب يصير عليه ويعود الأمر على موضعه بالنقض وفي التوضيح اختلف الفقهاء في الإبراد بالصلاة فمنهم من لم يره وتأول الحديث على إيقاعها في برد الوقت وهو أوله والجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم على القول به ثم اختلفوا فقيل أنه عزيمة وقيل واجب تعويلا على صيغة الأمر وقيل رخصة ونص عليه في البويطي وصححه الشيخ أبو علي من الشافعية وأغرب النووي فوصفه في الروضة بالشذوذ لكنه لم يحكه قولا وبنوا على ذلك أن من صلى في بيته أو مشى في كن إلى المسجد هل يسن له الإبراد إن قلنا رخصة لم يسن له إذ لا مشقة عليه في التعجيل وإن قلنا سنة أبرد وهو الأقرب لورود الأثر به مع ما اقترن به من العلة من أن شدة الحر من فيح جهنم وقال صاحب الهداية من أصحابنا يستحب الإبراد بالظهر في أيام الصيف ويستحب تقديمه في أيام الشتاء ( فإن قلت ) يعارض حديث الإبراد حديث إمامة جبريل عليه الصلاة و السلام لأن إمامته في العصر في اليوم الأول فيما إذا صار ظل كل شيء مثله فدل ذلك على خروج وقت الظهر وحديث الإبراد دل على عدم خروج وقت الظهر لأن امتداد الحر في ديارهم في ذلك الوقت ( قلت ) الآثار إذا تعارضت لا ينقضي الوقت الثابت بيقين بالشك وما لم يكن ثابتا بيقين هو وقت العصر لا يثبت بالشك ( فإن قلت ) هل في الإبراد تحديد ( قلت ) روى أبو داود والنسائي والحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كان قدر صلاة رسول الله الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام فهذا يدل على التحديد اعلم أن هذا الأمر مختلف في الأقاليم والبلدان ولا يستوي في جميع المدن والأمصار وذلك لأن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة الرؤس في مجراها أقرب كان الظل أقصر وكلما كانت أخفض ومن محاذاة الرؤس أبعد كان الظل أطول ولذلك ظلال الشتاء تراها أبدا أطول من ظلال الصيف في كل مكان وكانت صلاة رسول الله بمكة والمدينة وهما من الإقليم الثاني ثلاثة أقدام ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف في شهر أدار ثلاثة أقدام وشيء ويشبه أن تكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام وأما الظل في الشتاء فإنهم يذكرون أنه في تشرين الأول خمسة أقدام وشيء وفي الكانون سبعة أقدام أو سبعة وشيء فقول ابن مسعود منزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني وفي التوضيح اختلف في مقدار وقته فقيل أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت مقدار ما يظهر للحيطان ظل وظاهر النص أن المعتبر أن ينصرف منها قبل آخر الوقت ويؤيده حديث أبي ذر حتى رأينا فيء التلول وقال مالك أنه يؤخر الظهر إلى أن يصير الفيء ذراعا وسواء في ذلك الصيف والشتاء وقال أشهب في مدونته لا يؤخر الظهر إلى آخر وقتها وقال ابن بزيزة ذكر أهل النقل عن مالك أنه كره أن يصلى الظهر في أول الوقت وكان يقول هي صلاة الخوارج وأهل الأهواء وأجاز ابن عبد الحكم التأخير إلى آخر الوقت وحكى أبو الفرج عن مالك أول الوقت أفضل في كل صلاة إلا الظهر في شدة الحر وعن أبي حنيفة والكوفيين وأحمد واسحق يؤخرها حتى يبرد الحر الوجه الثاني أن بعض الناس استدلوا بقوله فأبردوا بالصلاة على أن الإبراد يشرع في يوم الجمعة أيضا لأن لفظ الصلاة يطلق على الظهر والجمعة والتعليل مستمر فيها وفي التوضيح اختلف في الإبراد بالجمعة على وجهين لأصحابنا أصحهما عند جمهورهم لا يشرع وهو مشهور مذهب مالك أيضا فإن التبكير سنة فيها انتهى ( قلت ) مذهبنا أيضا التبكير يوم الجمعة لما ثبت في الصحيح أنهم كانوا يرجعون من صلاة الجمعة وليس للحيطان ظل يستظلون به من شدة التبكير لها أول الوقت فدل على عدم الإبراد والمراد بالصلاة في الحديث الظهر كما ذكرنا فعلى هذا لا يبرد بالعصر إذا اشتد الحر فيه وقال ابن بزيزة إذا اشتد الحر في العصر هل يبرد بها أم لا المشهور نفي الإبراد بها وتفرد أشهب بإبراده وقال أيضا وهل يبرد الفذام لا والظاهر أن الإبراد مخصوص بالجماعة وهل يبرد في زمن الشتاء أم لا فيه قولان والظاهر نفيه وهل يبرد بالجمعة أم لا المشهور نفيه الوجه الثالث فيه دليل على وجود جهنم الآن
(5/21)
535 - حدثنا ( محمد بن بشار )
قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( المهاجر أبي الحسن ) سمع ( زيد بن وهب
) عن ( أبي ذر ) قال أذن مؤذن النبي الظهر فقال أبرد أبرد أو قال انتظر انتظر وقال
شدة الحر من فيح جهنم فإذ اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة حتى رأينا فيء التلول
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن بشار الملقب ببندار وقد تكرر ذكره الثاني غندر
وهو لقب محمد بن جعفر ابن امرأة شعبة وقد تقدم الثالث شعبة بن الحجاج الرابع
المهاجر بلفظ اسم الفاعل من باب المفاعلة ويكنى بأبي الحسن الخامس زيد بن وهب أبو
سليمان الهمداني الجهني قال رحلت إلى رسول الله فقبض وأنا في الطريق مات زمن
الحجاج السادس أبو ذر الغفاري الصحابي المشهور واسمه جندب بن جنادة على المشهور
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه السماع وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي وفيه ذكر أحد الرواة بلقبه والآخر
بكنيته وهو المهاجر فإن كنيته أبو الحسن ذكرت للتمييز فإن في الرواة المهاجرين
مسمار المدني من أفراد مسلم والألف واللام فيه للمح الصفة كما في العباس فإنه في
الأصل صفة ولكنه صار علما
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن آدم وعن مسلم بن
إبراهيم وفي صفة النار عن أبي الوليد كلهم عن شعبة عن مهاجر أبي الحسن وأخرجه مسلم
في الصلاة عن أبي موسى عن غندر به وأخرجه أبو داود فيه عن أبي الوليد به وأخرجه
الترمذي فيه عن محمود بن غيلان عن أبي داود عن شعبة بمعناه
ذكر معناه قوله أذن مؤذن النبي هو بلال رضي الله تعالى عنه لأنه جاء في بعض طرفة
أذن بلال أخرجه أبو عوانة وفي أخرى له فأراد أن يؤذن فقال مه يا بلال قوله الظهر
بالنصب أي وقت الظهر ولما حذف المضاف المنصوب على الظرفيةاقيم المضاف إليه مقامه
قوله فقال أبرد أبرد يعني مرتين وفي لفظ أبي داود فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال
أبرد ثم أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال أبرد مرتين أو ثلاثا قوله عن الصلاة قد ذكرنا
وجه عن هنا في الحديث السابق قوله حتى رأينا فيء التلول التلول جمع تل قال ابن
سيده من التراب معروف والتل من الرمل كومة منه وكلاهما من التل الذي هو القاذي جثة
والتل الرابية وفي ( الجامع ) للقزاز التل من التراب وهي الرابية منه تكون مكدوسا
وليس بحلقة والفيء فيما ذكره ثعلب في ( الفصيح ) يكون بالعشي كما أن الظل يكون
بالغداة وأنشد
( فلا الظل من برد الضحى تستطيعه
ولا الفيء من برد العشي تذوق )
قال وقال أبو عبيدة قال رؤبة بن العجاج كل ما كانت عليه الشمس فزالت فهو فيء وظل
وما لم يكن عليه شمس فهو ظل وعن ابن الأعرابي الظل ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ
الشمس وقال القزاز الفيء رجوع الظل من جانب المشرق إلى جانب المغرب وفي ( المخصص )
و الجمع أفياء وفيوء وقد فاء الفيء فيأ تحول وهو ما كان شمسا فنسخه الظل وقيل
الفيء لا يكون إلا بعد الزوال وأما الظل فيطلق على ما قبل الزوال وأما بعده وروى
فيه في بتشديد الياء واعلم أن كلمة حتى للغاية ولا بد لها من المغيا وهو متعلق بقال
أي كان يقول إلى زمان الرؤية أبرد مرة بعد أخرى أو هو متعلق بالإبراد أي أبرد إلى
أن ترى الفيء وانتظر إليه ويجوز أن يكون متعلقا بمقدر محذوف تقديره أخرنا حتى
رأينا فيء التلول
ذكر ما يستفاد منه فيه دلالة على أن الأمر بالإبراد كان بعد التأذين ولكن في لفظ
آخر للبخاري فأراد أن يؤذن للظهر وظاهر هذا الأمر بالإبراد وقع قبل الأذان وقال
بعضهم يجمع بينهما على أنه شرع في الآذان فقيل له أبرد فترك فمعنى أذن شرع في
الأذان ومعنى أراد أن يؤذن أي يتم به الأذان قلت هذا غير سديد لأنه لا يؤمر بتركه
بعد الشروع ولكن معناه أراد أن يشرع في الأذان فقيل له أبرد فترك الشروع والدليل
عليه لفظ أبو عوانة فأراد أن
(5/22)
يؤذن فقال مه يا بلال كما
ذكرناه ومعناه اسكت لا تشرع في الأذان والأقرب في هذا أن يحمل اللفظان على حالتين
فلا يحتاج إلى ذكر الجمع بينهما
536 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظناه من الزهري ) عن
( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة
فإن شدة الحر من فيح جهنم ( انظر الحديث 533 ) واشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب
أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من
الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير )
مطابقته للترجمة ظاهرة
( ذكر رجاله ) وهم خمسة ذكروا غير مرة وسفيان هو ابن عيينة والزهري محمد بن مسلم
بن شهاب
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه القول والحفظ وفي
رواية الإسماعيلي حدثنا الزهري ورواية البخاري أبلغ لأن حفظ الحديث عن شيخ فوق
مجرد سماعه منه وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه النسائي في الصلاة أيضا عن قتيبة وعن محمد بن عبد
الله كلاهما عن علي بن المديني
( ذكر معناه وإعرابه ) قوله اشتكت النار قيل أنه موقوف وقيل أنه معلق وهو غير صحيح
بل هو داخل في الإسناد المذكور والدليل عليه أن في رواية الإسماعيلي قال واشتكت
النار أي قال النبي اشتكت النار وشكوى النار إلى ربها يحتمل وجهين أحدهما أن يكون
بطريق الحقيقة وإليه ذهب عياض وقال القرطبي لا إحالة في حمل اللفظ على الحقيقة لأن
المخبر الصادق بأمر جائز لا يحتاج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى وقال النووي
نحو ذلك ثم قال حمله على حقيقته هو الصواب وقال نحو ذلك الشيخ التوربشتي ( قلت )
قدرة الله تعالى أعظم من ذلك لأنه يخلق فيها آلة الكلام كما خلق لهدهد سليمان ما
خلق من العلم والإدراك كما أخبر الله تعالى عن ذلك في كتابه الكريم وحكى عن النار
حيث تقول هل من مزيد وورد أن الجنة إذا سألها عبد أمنت على دعائه وكذا النار وقال
ابن المنير حمله على الحقيقة هو المختار لصلاحية القدرة لذلك ولأن استعارة الكلام
للحال وإن عهدت وسمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس
وقصره على اثنين فقط بعيد من المجاز خارج عما ألف من استعماله وقال الداودي وهو
يدل على أن النار تفهم وتعقل وقد جاء أنه ليس شيء أسمع من الجنة والنار وقد ورد أن
النار تخاطب سيدنا محمدا رسول الله وتخاطب المؤمن بقولها جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك
لهبي والوجه الثاني أن يكون بلسان الحال كما قال عنترة
وشكى إلي بعبرة وتحمحم
وقال الآخر
يشكو إلي جملي طول السرى
مهلا رويدا فكلانا مبتلى
ورجع البيضاوي حمله على المجاز فقال شكوها مجاز عن غليانها وأكلها بعضها بعضا مجاز
عن ازدحام أجزائها وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها قوله بنفسين تثنية نفس بفتح
الفاء وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء قوله نفس في الموضعين بالجر على
البدل أو البيان ويجوز فيهما الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير أحدهما نفس
في الشتاء والآخر نفس في الصيف ويجوز فيهما النصب على تقدير أعني نفسا في الشتاء
ونفسا في الصيف قوله أشد ما تجدون بجر أشد على أنه بدل من نفس أو بيان ويروى
بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد ما تجدون وقال البيضاوي هو خبر مبتدأ
محذوف تقديره فذلك أشد وقال الطيبي جعل أشد مبتدأ محذوف الخبر أولى والتقدير أشد
ما تجدون من الحر من ذلك النفس انتهى ويؤيد الوجه الأول رواية الإسماعيلي من هذا
الوجه بلفظ فهو أشد ويؤيد الوجه الثاني رواية النسائي من وجه آخر بلفظ فأشد ما
تجدون من الحر من حر جهنم وفي اللفظ الذي رواه البخاري لف ونشر على غير الترتيب
ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها
طبقة زمهريرية ويقال لا منافاة في الجمع بين الحر والبرد في النار لأن النار عبارة
عن جهنم وقد ورد أن في بعض زواياها نارا وفي الأخرى الزمهرير وليس محلا واحدا
يستحيل أن يجتمعا فيه ( قلت ) الذي خلق الملك من ثلج ونار قادر على جمع الضدين في
محل واحد وأيضا فالنار من أمور الآخرة وأمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا وفي
التوضيح
(5/23)
قال ابن عباس خلق الله النار
على أربعة فنار تأكل وتشرب ونار لا تأكل ولا تشرب ونار تشرب ولا تأكل وعكسه
فالأولى التي خلقت منها الملائكة والثانية التي في الحجارة وقيل التي رؤيت لموسى
عليه السلام ليلة المناجاة والثالثة التي في البحر وقيل التي خلقت منها الشمس
والرابعة نار الدنيا ونار جهنم تأكل لحومهم وعظامهم ولا تشرب دموعهم ولا دماءهم بل
يسيل ذلك إلى طين الخبال وأخبر الشارع أن عصارة أهل النار شراب من مات مصرا على
شرب الخمر والذي في الصحيح أن نار الدنيا خلقت من نار جهنم وقال ابن عباس ضربت
بالماء سبعين مرة ولولا ذلك ما انتفع بها الخلائق وإنما خلقها الله تعالى لأنها من
تمام الأمور الدنيوية وفيها تذكرة لنار الآخرة وتخويف من عذابها
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه استحباب الإبراد بالظهر عند اشتداد الحر في الصيف وفيه
أن جهنم مخلوقة الآن خلافا لمن يقول من المعتزلة أنها تخلق يوم القيامة وفيه أن
الشكوى تتصور من جماد ومن حيوان أيضا كما جاء في معجزات النبي شكوى الجذع وشكوى
الجمل على ما عرف في موضعه وفيه أن المراد من قوله فأبردوا بالصلاة هو صلاة الظهر
كما ذكرناه
538 - حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا ( أبو
صالح ) عن ( أبي سعيد ) قال قال رسول الله أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم
( الحديث 538 - طرفه في 3259 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تقدموا غير مرة والأعمش هو سليمان بن مهران وأبو
صالح ذكوان
ومن لطائف إسناده أن فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع والعنعنة في موضع
وفيه القول وفيه رواية الابن عن الأب
واختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث المذكورة وبين حديث خباب شكونا إلى
النبي حر الرمضاء فلم يشكنا رواه مسلم فقال بعضهم الإبراد رخصة والتقديم أفضل وقال
بعضهم حديث خباب منسوخ بالإبراد وإلى هذا مال أبو بكر الأثرم في كتاب ( الناسخ
والمنسوخ ) وأبو جعفر الطحاوي وقال وجدنا ذلك في حديثين أحدهما حديث المغيرة كنا
نصلي بالهاجرة فقال لنا أبردوا فتبين بها أن الإبراد كان بعد التهجير وحديث أنس
رضي الله تعالى عنه إذا كان البرد بكروا وإذا كان الحر أبردوا وحمل بعضهم حديث
خباب على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد وقال أبو عمر في قول خباب فلم
يشكنا يعني لم يحوجنا إلى الشكوى وقيل لم يزل شكوانا ويقال حديث خباب كان بمكة
وحديث الإبراد بالمدينة فإن فيه من رواية أبي هريرة وقال الخلال في ( علله ) عن
أحمد آخر الأمرين من النبي الإبراد
تابعه سفيان ويحيى وأبو عوانة عن الأعمش
أي تابع حفص بن غياث والد عمر المذكور سفيان الثوري وقد وصله البخاري في صفة
الصلاة عن الفريابي عن سفيان ابن سعيد قوله ويحيى أي تابع حفصا أيضا يحيى بن سعيد
القطان وقد وصله أحمد في ( مسند ) عنه بلفظ الصلاة ورواه الإسماعيلي عن أبي يعلى
عن المقدمي عن يحيى بلفظ بالظهر وروى الخلال عن الميموني عن أحمد عن يحيى ولفظه
فوح جهنم وقال أحمد ما أعرف أن أحدا قال بالواو وغير الأعمش قوله وأبو عوانة أي
تابع حفصا أيضا أبو عوانة الوضاح ابن عبد الله وأراد بمتابعة سفيان الثوري ويحيى
القطان وأبي عوانة لحفص بن غياث في روايتهم عن الأعمش في لفظ أبردوا بالظهر
10 -
( باب الإبراد بالظهر في السفر )
أي هذا باب في بيان الإبراد بصلاة الظهر في حالة السفر وأشار بهذا إلى أن الإبراد
بالظهر لا يختص بالحضر
539 - حدثنا ( آدم بن إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( مهاجر أبو الحسن )
مولى ل ( بني تيم الله ) قال سمعت ( زيد بن وهب ) عن ( أبي ذر الغفاري ) قال كنا
مع النبي
(5/24)
في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن
للظهر فقال النبي أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى رأينا فيء التلول فقال
النبي إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة
هذا الحديث مضى في الباب الذي قبله غير أن هناك أخرجه عن محمد بن بشار عن غندر عن
شعبة وههنا عن آدم بن أبي إياس وهو من أفراد البخاري عن شعبة بن الحجاج وفي هذا من
الزيادة ما ليست هناك فاعتبرها وهذا مقيد بالسفر وذلك مطلق وأشار بذلك إلى أن
المطلق محمول على المقيد لأن المراد من الإبراد التسهيل ودفع المشقة فلا تفاوت بين
السفر والحضر قوله فأراد المؤذن وهو بلال وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة
ومسدد عن أمية بن خالد والترمذي من طريق أبي داود الطيالسي وأبو عوانة من طريق حفص
بن عمرو وهب بن جرير والطحاوي والجوزقي من طريق وهب أيضا كلهم عن شعبة التصريح
بأنه بلال قوله ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد وفي رواية أبي داود عن أبي الوليد عن
شعبة مرتين أو ثلاثا وفي رواية البخاري عن مسلم بن إبراهيم في باب الأذان
للمسافرين في هذا الحديث فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال
له أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى ساوى الظل التلول وقال الكرماني فإن قلت
الإبراد إنما هو في الصلاة لا في الأذان قلت كانت عادتهم أنهم لا يتخلفون عند سماع
الأذان عن الحضور إلى الجماعة فالإبراد بالأذان إنما هو لغرض الإبراد بالصلاة أو
المراد بالتأذين الإقامة قلت يشهد للجواب الثاني رواية الترمذي حيث قال حدثنا
محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن عن زيد ابن
وهب عن أبي ذر أن رسول الله كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال رسول الله
أبرد ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله أبرد في الظهر قال حتى رأينا فيء التلول ثم
أقام فصلى فقال رسول الله إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة قال أبو عيسى
هذا حديث حسن صحيح فإن قلت في ( صحيح أبي عوانة ) من طريق حفص بن عمر عن شعبة
فأراد بلال أن يؤذن بالظهر وفيه بعد قوله فيء التلول ثم أمره فأذن وأقام قلت
التوفيق بينهما بأن إقامته ما كانت تتخلف عن الأذان فرواية الترمذي فأراد أن يقيم
يعني بعد الأذان ورواية أبي عوانة فأراد بلال أن يؤذن يعني أن يؤذن ثم يقيم وقال
الترمذي في ( جامعه ) وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر
وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وقال الشافعي إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان
مسجدا ينتاب أهله
(5/25)
من البعد فأما المصلي وحده
والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر قال أبو عيسى
ومعن من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر فهو أولى وأشبه بالاتباع وأما ما ذهب إليه
الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد وللمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما
يدل على خلاف ما قاله الشافعي قال أبو ذر كنا مع رسول الله في سفر فأذن بلال بصلاة
الظهر فقال النبي يا بلال أبرد ثم أبرد فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم
يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر فكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا
من البعد وقال الكرماني أقول لا نسلم إجتماعهم لأن العادة في القوافل سيما في
العساكر الكثيرة تفرقهم في أطراف المنزل لمصالح مع التخفيف على الاصحاب وطلب
المرعى وغيره خصوصا إذا كان فيه سلطان جليل القدر فإنهم يتباعدون عنه احتراما
وتعظيما له قلت هذا ليس برد موجه لكلام الترمذي فإن كلامه على الغالب والغالب في
المسافرين اجتماعهم في موضع واحد لأن السفر مظنة الخوف سيما إذا كان عسكر خرجوا
لأجل الحرب مع الأعداء وقال بعضهم عقيب كلام الكرماني وأيضا فلم تجر عادتهم باتخاذ
خباء كبير يجمعهم بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر ليس هناك كن يمشون فيه فليس في
سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي وغايته أنه استنبط من النص العام معنى يخصه
انتهى قلت هذا أكثر بعدا من كلام الكرماني لأن فيه إسقاط العمل بعموم النصوص
الواردة في الإبراد بالظهر بأشياء ملفقة من الخارج وقوله فليس في سياق الحديث إلى
آخره غير صحيح لأن الخلاف لظاهر الحديث صريح لا يخفى لأن ظاهره عام والتقييد
بالمسجد الذي ينتاب أهله من البعد خلاف ظاهر الحديث والاستنباط من النص العام معنى
يخصصه لا يجوز عند الأكثرين ولئن سلمنا فلا بد من دليل للتخصيص ولا دليل لذلك ههنا
وقال ابن عباس رضي الله عنهما تتفيأ تتميل
أي قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى يتفيأ ظلاله ( النحل 48 ) أن معناه يتميل
كأنه أراد أن الفيء سمي به لأنه ظل مال إلى جهة غير الجهة الأولى وقال الجوهري
تفيأت الظلال أي تقلبت ويتفيؤ بالياء آخر الحروف أي وفاعله محذوف تقديره يتفيأ
الظل ويروى تتفيأ بالتاء المثناة من فوق أي الظلال
ومناسبة ذكر هذا عن ابن عباس لأجل ما في حديث الباب حتى رأينا فيء التلول وهذا
تعليق وقع في رواية المستملي وكريمة وقد وصله ابن أبي حاتم في تفسيره
11
- ( باب وقت الظهر عند الزوال )
أي هذا باب ويجوز في باب التنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف كما قدرناه ويجوز أن
يكون بالإضافة والتقدير هذا باب يذكر فيه أن وقت الظهر أي ابتداؤه عند زوال الشمس
عن كبد السماء وميلها إلى جهة المغرب
وقال جابر كان النبي يصلي بالهاجرة
هذا التعليق طرف من حديث جابر ذكره البخاري موصولا في باب وقت المغرب رواه عن محمد
بن بشار وفيه فسألنا جابر بن عبد الله فقال كان رسول الله يصلي الظهر بالهاجرة
والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر ولا يعارض هذا حديث الإبراد لأنه ثبت بالفعل
وحديث الإبراد بالفعل والقول فيرجح على ذلك وقيل إنه منسوخ بحديث الإبراد لأنه
متأخر عنه وقال البيضاوي الإبراد تأخير الظهر أدنى تأخير بحيث يقع الظل ولا يخرج
بذلك عن حد التهجير فإن الهاجرة تطلق على الوقت إلى أن يقرب العصر قلت بأدنى
التأخير لا يحصل الإبراد ولم يقل أحد إن الهاجرة تمتد إلى قرب العصر
540 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أنس
بن مالك ) أن رسول الله خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فقام على المنبر فذكر
الساعة فذكر أن فيها أمورا عظاما ثم قال من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني
عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول
سلوني فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال من أبي قال أبوك حذافة ثم أكثر أن يقول
سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسكت
ثم قال عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر
مطابقته للترجمة في قوله خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر وهذا الإسناد بعينه مضى في
كتاب العلم في باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث ومتن الحديث أيضا
مختصرا والزيادة هنا من قوله خرج حين زاغت الشمس إلى قوله فقام عبد الله بن حذافة
وكذا قوله ثم قال عرضت إلى آخره قوله حين زاغت أي حين مالت وفي رواية الترمذي بلفظ
زالت وهذا يقتضي أن زوال الشمس أول وقت الظهر إذا لم ينقل عنه أنه صلى قبله وهذا
هو الذي استقر عليه الإجماع وقال ابن المنذر أجمع العلماء على أن وقت الظهر زوال
الشمس وذكر ابن بطال عن الكرخي عن أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا قال
والفقهاء بأسرهم على خلاف قوله قلت ذكر أصحابنا أن هذا قول ضعيف نقل عن
(5/26)
بعض أصحابنا وليس منقولا عن
أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا والصحيح عندنا أن الصلاة تجب بأول
الوقت وجوبا موسعا وذكر القاضي عبد الوهاب في الكتاب ( الفاخر ) فيما ذكره ابن
بطال وغيره عن بعض الناس يجوز أن يفتح الظهر قبل الزوال وقال شمس الأئمة في (
المبسوط ) لا خلاف أن أول وقت الظهر يدخل بزوال الشمس إلا شيء نقل عن بعض الناس
أنه يدخل إذا صار الفيء بقدر الشراك وصلاة النبي حين زاغت الشمس دليل على أن ذلك
من وقتها قوله فليسأل أي فليسألني عنه قوله فلا تسألوني بلفظ النفي وحذف نون
الوقاية منه جائز قوله إلا أخبرتكم أي إلا أخبركم فاستعمل الماضي موضع المستقبل
إشارة إلى تحققه وأنه كالواقع وقال المهلب إنما خطب النبي بعد الصلاة وقال هو
سلوني لأنه بلغه أن قوما من المنافقين يسألون منه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه
فتغيظ وقال لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به قوله فأكثر الناس في البكاء إنما كان
بكاؤهم خوفا من نزول عذاب لغضبه كما كان ينزل على الأمم عند ردهم على أنبيائهم
عليهم الصلاة والسلام والبكاء يمد ويقصر إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء
وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها قوله وأكثر أن يقول كلمة أن مصدرية تقديره وأكثر
النبي القول بقوله سلوني وأصله اسألوني فنقلت حركة الهمزة إلى السين فحذفت واستغني
عن همزة الوصل فقيل سلوني على وزن فلوني قوله فقام عبد الله بن حذافة قال الواقدي
إن عبد الله بن حذافة كان يطعن في نسبه فأراد أن يبين له ذلك فقالت أمه أما خشيت
أن أكون قارفت بعض ما كان يصنع في الجاهلية أكنت فاضحي عند رسول الله فقال والله
لو ألحقني بعبد للحقت به قوله آنفا أي في أول وقت يقرب مني ومعناه هنا الآن
وانتصابه على الظرفية لأنه يتضمن معنى الظرف قوله في عرض هذا الحائط بضم العين
المهملة يقال عرض الشيء بالضم ناحيته من أي وجه جئته قوله فلم أر كالخير أي ما
أبصرت قط مثل هذا الخير الذي هو الجنة وهذا الشر الذي هو النار أو ما أبصرت شيئا
مثل الطاعة والمعصية في سبب دخول الجنة والنار
541 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي المنهال ) عن ( أبي برزة
) كان النبي يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة
وكان يصلي الظهر إذا زالت الشمس والعصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رجع والشمس
حية ونسيت ما قال في المغرب ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل ثم إلى شطر
الليل وقال معاذ قال شعبة ثم لقيته مرة فقال أو ثلث الليل
مطابقته للترجمة في قوله ويصلي الظهر إذا زالت الشمس
ذكر رجاله وهم أربعة حفص بن غياث تكرر ذكره وكذلك شعبة بن الحجاج وأبو المنهال
بكسر الميم وسكون النون واسمه سيار بن سلامة الرياحي بكسر الراء وتخفيف الياء آخر
الحروف وبالحاء المهملة البصري وأبو برزة بفتح الباء الموحدة وسكون الراء ثم
بالزاي الأسلمي واسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بن عبيد مصغرا أسلم
قديما وشهد فتح مكة ولم يزل يغزو مع رسول الله حتى قبض فتحول ونزل البصرة ثم غزا
خراسان ومات بمرو أو بالبصرة أو بمفازة سجستان سنة أربع وستين روى له البخاري
أربعة أحاديث
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والعنعنة في موضعين وفيه
القول وفي رواية الكشميهني حدثنا أبو المنهال وفيه أن رواته ما بين بصري وواسطي
ويجوز أن يقال كلهم بصريون لأن شعبة وإن كان من واسط فقد سكن البصرة ونسب إليها
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن آدم بن أبي إياس عن شعبة وعن
محمد بن مقاتل عن عبد الله وعن مسدد عن يحيى كلاهما عن عوف نحوه وأخرجه مسلم فيه
عن يحيى بن حبيب وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه كلاهما عن شعبة وعن أبي كريب عن
سويد بن عمرو الكلبي
(5/27)
وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن
عمر بتمامه وفي موضع آخر ببعضه وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى وعن محمد
بن بشار وعن سويد بن نصر وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن بشار عن بندار به
ذكر معناه قوله واحدنا الواو فيه للحال قوله جليسه الجليس على وزن فعيل بمعنى
المجالس وأراد به الذي إلى جنبه وفي رواية الجوزقي من طريق وهب عن شعبة فينظر
الرجل إلى جليسه إلى جنبه وفي رواية أحمد فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه وفي رواية
لمسلم وبعضنا يعرف وجه بعض قوله ما بين الستين إلى المائة يعني من آيات القرآن
الحكيم قال الكرماني فإن قلت لفظ بين يقتضي دخوله على متعدد فكان القياس أن يقال
والمائة بدون حرف الانتهاء قلت تقديره ما بين الستين وفوقها إلى المائة فحذف لفظ
فوقها لدلالة الكلام عليه قوله والعصر بالنصب أي ويصلي العصر و الواو في وأحدنا
للحال قوله إلى أقصى المدينة أي إلى آخرها قوله رجع كذا وقع بلفظ الماضي بدون
الواو وفي رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية غيرهما ويرجع بواو العطف وصيغة المضارع
ومحله الرفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو قوله وأحدنا فعلى هذا يكون لفظ يذهب حالا
بمعنى ذاهبا ويجوز أن يكون يذهب في محل الرفع على أنه خبر لقوله أحدنا وقوله رجع
يكون في محل النصب على الحال و قد فيه مقدرة لأن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت
حالا فلا بد منها من كلمة قد إما ظاهرة وإما مقدرة كما في قوله تعالى أوجاؤكم حصرت
صدورهم ( النساء 90 ) أي قد حصرت ولكن تكون حالا منتظرة مقدرة والتقدير وأحدنا
يذهب إلى أقصى المدينة حال كونه مقدرا الرجوع إليها والحال أن الشمس حية وقال
بعضهم يحتمل أن تكون الواو في قوله وأحدنا بمعنى ثم وفيه تقديم وتأخير والتقدير ثم
يذهب أحدنا أي ممن صلى معه وأما قوله راجع فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع ويكون بيانا
لقوله يذهب قلت هذا فيه ارتكاب المحذور من وجوه الأول كون الواو بمعنى ثم ولم يقل
به أحد والثاني إثبات التقديم والتأخير من غير احتياج إليه والثالث قوله يرجع بيان
لقوله يذهب فلا يصح ذلك لأن معنى يرجع ليس فيه غموض حتى يبينه بقوله يذهب ومحذور
آخر وهو أن يكون المعنى واحدنا يرجع إلى أقصى المدينة وهو مخل بالمقصود وزعم
الكرماني أن فيه وجها آخر وفيه تعسف جدا وهو أن رجع بمعنى يرجع عطف على يذهب و
الواو مقدرة وفيه محذور آخر أقوى من الأول وهو أن المراد بالرجوع هو الرجوع إلى
أقصى المدينة لا الرجوع إلى المسجد فعلى هذا التقدير يكون الرجوع إلى المسجد
والدليل على أن المراد هو الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع إليها رواية عوف
الأعرابي عن سيار بن سلامة الآتية عن قريب ثم يرجع أحدنا إلى رحلة في أقصى المدينة
والشمس حية واقتصر ههنا على ذكر الرجوع لحصول الاكتفاء به لأن المراد بالرجوع
الذهاب إلى المنزل وإنما سمي رجوعا لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد
فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعا قوله والشمس حية وحياة الشمس عبارة عن بقاء حرها
لم يغير وبقاء لونها لم يتغير وإنما يدخلها التغير بدنو المغيب كأنه جعل مغيبها
موتا لها قوله ونسيت أي قال أبو المنهال نسيت ما قاله أبو برزة في ( المغرب ) قوله
ولا يبالي عطف على قوله يصلي أي ولا يبالي النبي وهو من المبالاة وهو الاكتراث
بالشيء قوله إلى شطر الليل أي نصفه ولا يقال إن الذي يفهم منه أن وقت العشاء لا
يتجاوز النصف لأن الأحاديث الاخر تدل على بقاء وقتها إلى الصبح وإنما المراد
بالنصف ههنا هو الوقت المختار وقد اختلف فيه والأصح الثلث قوله قبلها أي قبل
العشاء قوله قال معاذ هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري التميمي قاضي البصرة
سمع من شعبة وغيره مات سنة ست وتسعين ومائة قال الكرماني هذا تعليق قطعا لأن
البخاري لم يدركه قلت هو مسند في ( صحيح مسلم ) قال حدثنا عبد الله بن معاذ عن
أبيه عن شعبة فذكره قوله ثم لقيته أي أبا المنهال مرة أخرى بعد ذلك قوله فقال أو
ثلث الليل تردد بين الشطر والثلث
ذكر ما يستفاد منه فيه الحجة للحنفية لأن قوله وأحدنا يعرف جليسه يدل على الأسفار
ولفظ النسائي والطحاوي فيه كان رسول الله ينصرف من الصبح فينظر الرجل إلى الجليس
الذي يعرفه فيعرفه ولكن قوله ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة يدل على أنه كان
يشرع في الغلس ويمدها بالقراءة إلى وقت الإسفار وإليه ذهب
(5/28)
الطحاوي وفيه أن وقت الظهر من
زوال الشمس عن كبد السماء وفيه أن الوقت المستحب للعصر أن يصلي ما دامت الشمس حية
وهذا يدل على أن المستحب تعجيلها كما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد وفي رواية أبي
داود كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس
مرتفعة والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة قال ابن الأثير وأدناها من المدينة على
أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية ولكن في رواية الزهري أدناها من المدينة
على ميلين كما ذكره أبو داود وقال النووي وأراد بهذا الحديث المبادرة بصلاة العصر
في أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس بعد لم
تتغير ثم قال وفيه دليل لمالك والشافعي وأحمد والجمهور أن وقت العصر يدخل إذا صار
ظل كل شيء مثله وقال أبو حنيفة لا يدخل حتى يصير ظل كل شيء مثليه وهذا حجة للجماعة
عليه قلنا الجواب من جهة أبي حنيفة أنه أمر بإبراد الظهر بقوله أبردوا بالظهر يعني
صلوها إذا سكنت شدة الحر واشتداد الحر في ديارهم يكون في وقت صيرورة ظل كل شيء
مثله ولا يفتر الحر إلا بعد المثلين فإذا تعارضت الآثار يبقى ما كان على ما كان
ووقت الظهر ثابت بيقين فلا يزول بالشك ووقت العصر ما كان ثابتا فلا يدخل بالشك
وفيه أن الوقت المستحب للعشاء تأخيره إلى ثلث الليل أو إلى شطره وهو حجة على من
فضل التقديم وقال الطحاوي تأخير العشاء إلى ثلث الليل مستحب وبه قال مالك وأحمد
وأكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم قاله الترمذي وإلى النصف مباح وما بعده مكروه
وحكى ابن المنذر أن المنقول عن ابن مسعود وابن عباس إلى ما قبل ثلث الليل وهو مذهب
إسحاق والليث أيضا وبه قال الشافعي في كتبه الجديدة وفي الإملاء والقديم تقديمها وقال
النووي وهو الأصح وفيه كراهة النوم قبل العشاء لأنه تعرض لفواتها باستغراق النوم
وفيه كراهية الحديث بعدها وذلك لأن السهر في الليل سبب للكسل في النوم عما يتوجه
من حقوق النوم والطاعات ومصالح الدين قالوا المكروه منه ما كان في الأمور التي لا
مصلحة فيها أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه وذلك كمدارسة العلم وحكايات
الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة
والحاجة ومحادثة المسافرين لحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الإصلاح بين الناس
والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو
ذلك وكل ذلك لا كراهة فيه
542 - حدثنا ( محمد ) يعني ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا (
خالد بن عبد الرحمن ) قال حدثني ( غالب القطان ) عن ( بكر بن عبد الله المزني ) عن
( أنس بن مالك ) قال كنا إذا صلينا خلف رسول الله بالظهائر فسجدنا على ثيابنا
إتقاء الحر ( انظر الحديث 385 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن صلاتهم خلف النبي بالظهائر تدل على أنهم كانوا يصلون
الظهر في أول وقته وهو وقت اشتداد الحر عند زوال الشمس كما مر في أول الباب عن
جابر قال كان النبي يصلي بالهاجرة ولا يعارض هذا حديث الأمر بالإبراد لأن هذا
البيان الجواز وحديث الأمر بالإبراد لبيان الفضل
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن مقاتل بضم الميم أبو الحسن المروزي الثاني عبد
الله بن المبارك الحنظلي المروزي الثالث خالد بن عبد الرحمن ابن بكير السلمي
البصري الرابع غالب بالغين المعجمة ابن خطاف المشهور بابن أبي غيلان بفتح الغين
المعجمة وسكون الياء آخر الحروف القطان تقدم في باب السجود على الثوب الخامس بكر
بن عبد الله المزني تقدم في باب عرق الجنب السادس أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد بصيغة
الماضي في موضع واحد وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين
وفيه محمد بن مقاتل من أفراد البخاري ووقع للأصيلي وغيره حدثنا محمد من غير نسبة
وفي رواية أبي ذر حدثنا محمد بن مقاتل بنسبته إلى أبيه وفيه وقع خالد بن عبد
الرحمن على هذه الصورة وهو السلمي واسم جده بكير كما ذكرناه وفي طبقته خالد بن عبد
الرحمن الخراساني نزيل دمشق وخالد
(5/29)
ابن عبد الرحمن الكوفي العبدي
ولم يخرج لهما البخاري شيئا وأما خالد السلمي المذكور هنا فليس له ذكر في هذا
الكتاب إلا في هذا الموضع وهو من أفراد البخاري وفيه أن راوييه مروزيان والبقية
بصريون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن أبي الوليد هشام
بن عبد الملك ومسدد فرقهما كلاهما عن بشر بن المفضل وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن
يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد ابن محمد عن
ابن المبارك وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وأخرجه ابن ماجه
فيه عن إسحاق ابن إبراهيم عن بشر بن المفضل
ذكر معناه قوله بالظهائر جمع ظهيرة وهي الهاجرة وأراد بها الظهر وجمعها نظرا إلى
ظهر الأيام قوله سجدنا على ثيابنا كذا في رواية أبي ذر والأكثرين وفي رواية كريمة
فسجدنا بالفاء العاطفة على مقدر نحو فرشنا الثياب فسجدنا عليها قوله اتقاء الحر أي
لأجل اتقاء الحر وانتصابه على التعليل والاتقاء مصدر من اتقى يتقي وأصله اوتقى
لأنه من وقى فنقل إلى باب الافتعال ثم قلبت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء فصار
اتقى وأصل الاتقاء الاوتقاء ففعل به ما فعل بفعله وقال الكرماني والاتقاء مشتق من
الوقاية أي وقاية لأنفسنا من الحر أي احترازا منه قلت المصدر يشتق منه الأفعال ولا
يقال له مشتق لأنه موضع صدور الفعل كما تقرر في موضعه وقد ذكرنا ما يتعلق بالأحكام
التي فيه في باب السجود على الثوب في شدة الحر
12 -
( باب تأخير الظهر إلى العصر )
أي هذا باب في بيان تأخير صلاة الظهر إلى أول وقت العصر والمراد أنه لما فرغ من
صلاة الظهر دخل وقت صلاة العصر وليس المراد أنه جمع بينهما في وقت واحد
543 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) هو ( ابن زيد ) عن ( عمرو بن
دينار ) عن ( جابر بن زيد ) عن ( ابن عباس ) أن النبي صلى بالمدينة سبعا وثمانيا
الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقال أيوب لعله في ليلة مطيرة قال عسى
مطابقته للترجمة في قوله سبعا وثمانيا لأن المراد من قوله سبعا المغرب والعشاء ومن
قوله ثمانيا الظهر والعصر على ما نذكره إن شاء الله تعالى وذلك أنه أخر المغرب إلى
آخر وقته فحين فرغ منه دخل وقت العشاء وكذلك أخر الظهر إلى آخر وقته فلما صلاها
خرج وقته ودخل وقت العصر صلى العصر فهذا الجمع الذي قاله أصحابنا إنه جمع فعلا لا
وقتا وقيل أشار البخاري إلى إثبات القول باشتراك الوقتين قلت لا نسلم ذلك لأن من
تأخير الظهر إلى العصر لا يفهم ذلك ولا يستلزمه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو النعمان محمد بن الفضل الثاني حماد بن زيد الثالث
عمرو بن دينار الرابع جابر بن زيد أبو الشعثاء تقدم في باب الغسل بالصاع الخامس
أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه أن رواته بصريون ما خلا عمرو بن دينار فإنه مكي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه أيضا في صلاة الليل عن علي بن عبد الله
وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان به وعن أبي الربيع الزهراني عن
حماد وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان ابن حرب ومسدد وعمرو بن عون ثلاثتهم عن حماد
به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن سفيان به وعن حماد به وعن محمد بن عبد الأعلى
عن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار نحوه وعن أبي عاصم
ذكر معناه قوله سبعا أي سبع ركعات ثلاثا للمغرب وأربعا للعشاء وثمان ركعات للظهر
والعصر وفي الكلام لف ونشر قوله الظهر وما عطف عليه منصوبات إما بدل أو عطف بيان
أو على الاختصاص أو على نزع الخافص أي للظهر والعصر قوله أيوب هو أيوب السختياني
والمقول له هو جابر بن زيد قوله لعله أي لعل هذا التأخير كان في ليلة
(5/30)
مطيرة بفتح الميم وكسر الطاء
أي كثيرة المطر قوله قال عسى أي قال جابر بن زيد عسى ذلك كان في الليلة المطيرة
فاسم عسى وخبره محذوفان
ذكر ما يستفاد منه تكلمت العلماء في هذا الحديث فأوله بعضهم على أنه جمع بعذر
المطر ويؤيد هذا ما رواه أبو داود حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن
سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال صلى رسول الله الظهر والعصر جميعا والمغرب
والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر قال مالك أرى ذلك كان في مطر وأخرجه مسلم
والنسائي وليس فيه كلام مالك رحمه الله وقال الخطابي وقد اختلف الناس في جواز
الجمع بين الصلاتين للمطر في الحضر فأجازه جماعة من السلف روي ذلك عن ابن عمر
وفعله عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وابن المسيب وعمر ابن عبد العزيز وأبو
بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة وعامة فقهاء المدينة وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن
حنبل غير أن الشافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائما في وقت افتتاح الصلاتين معا
وكذلك قال أبو ثور ولم يشترط ذلك غيرهما وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين وفي
حالة الظلمة وهو قول عمر بن عبد العزيز وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي يصلي الممطور
كل صلاة في وقتها قلت هذا التأويل ترده الرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر وأوله
بعضهم على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف وبان أن أول وقت العصر دخل فصلاها
وهذا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب
والعشاء وأوله آخرون على أنه كان بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار
وقال النووي وهو قول أحمد والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي
والروياني من أصحابنا وهو المختار لتأويله لظاهر الحديث ولأن المشقة فيه أشق من
المطر قلت هذا أيضا ضعيف لأنه مخالف لظاهر الحديث وتقييده بعذر المطر ترجيح بلا
مرجح وتخصيص بلا مخصص وهو باطل وأحسن التأويلات في هذا وأقربها إلى القبول أنه على
تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ عنها دخلت الثانية فصلاها ويؤيد
هذا التأويل ويبطل غيره ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال ما
رأيت رسول الله صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع
وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها وهذا الحديث يبطل العمل بكل حديث فيه جواز
الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء سواء كان في حضر أو سفر أو غيرهما فإن قلت
في حديث ابن عمر إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق رواه
أبو داود وغيره وهذا صريح في الجمع في وقت إحدى الصلاتين وقال النووي وفيه إبطال
تأويل الحنفية في قولهم إن المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم
الثانية إلى أول وقتها ومثله في حديث أنس إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر
إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وهو صريح في الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية
والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر
الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما وفي الرواية الأخرى ويؤخر المغرب حتى
يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق قلت الجواب عن الأول أن الشفق نوعان أحمر
وأبيض كما اختلف العلماء من الصحابة وغيرهم فيه ويحتمل أنه جمع بينهما بعد غياب الأحمر
فتكون المغرب في وقتها على قول من يقول الشفق هو الأبيض وكذلك العشاء تكون في
وقتها على قول من يقول الشفق هو الأحمر ويطلق عليه أنه جمع بينهما بعد غياب الشفق
والحال أنه صلى كل واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في تفسير الشفق وهذا
مما فتح لي من الفيض الإلهي
وفيه إبطال لقول من ادعى بطلان تأويل الحنفية في الحديث المذكور والجواب عن الثاني
أن معنى قوله أخر الظهر إلى وقت العصر أخره إلى وقته الذي يتصل به وقت العصر فصلى
الظهر في آخر وقته ثم صلى العصر متصلا به في أول وقت العصر فيطلق عليه أنه جمع
بينهما لكنه فعلا لا وقتا والجواب عن الثالث أن أول وقت العصر مختلف فيه كما عرف
وهو إما بصيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه فيحتمل أنه أخر الظهر إلى أن صار ظل كل
شيء مثله ثم صلاها وصلى عقيبها العصر فيكون قد صلى الظهر في وقتها على قول من يرى
أن آخر وقت الظهر بصيرورة ظل كل شيء مثله ويكون قد صلى العصر في وقتها على قول من
يرى أن أول
(5/31)
وقتها بصيرورة ظل كل شيء مثليه
ويصدق على من فعل هذا أنه جمع بينهما في أول وقت العصر والحال أنه قد صلى كل واحدة
منهما في وقتها على اختلاف القولين في أول وقت العصر ومثل هذا لو فعل المقيم يجوز
فضلا عن المسافر الذي يحتاج إلى التخفيف فإن قلت قد ذكر البيهقي في باب الجمع بين
الصلاتين في السفر عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه سار حتى غاب
الشفق فنزل فجمع بينهما رواه أبو داود وغيره وفيه أخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى
ذهب هو أي ساعة من الليل ثم نزل فصلى المغرب والعشاء قلت لم يذكر سنده حتى ينظر
فيه وروى النسائي خلاف هذا وفيه كان إذا جد به أمر أو جد به السير جمع بين المغرب
والعشاء فإن قلت قد قال البيهقي ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
نافع فذكر أنه سار قريبا من ربع الليل ثم نزل فصلى قلت أسنده في ( الخلافيات ) من
حديث يزيد بن هارون بسنده المذكور ولفظه فسرنا أميالا ثم نزل فصلى قال يحيى فحدثني
نافع هذا الحديث مرة أخرى فقال سرنا حتى إذا كان قريبا من ربع الليل نزل فصلى
فلفظه مضطرب كما ترى قد روي على وجهين فاقتصر البيهقي في ( السنن ) على ما يوافق
مقصوده واستدل جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث على جواز الجمع في
الحضر للحاجة لكن بشرط أن لا يتخذ عادة وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن
المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث واستدل لهم بما وقع
عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال فقلت لابن عباس لم فعل ذلك قال
أراد أن لا يحرج أحد من أمته وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن
عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء
فعل ذلك من شغل وروى مسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس المذكور كان
بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم ثم جمع بين المغرب والعشاء
والذي ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعا أخرجه
الطبراني ولفظه جمع رسول الله بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في
ذلك فقال صنعت هذا لئلا تحرج أمتي قلت قال الخطابي في هذا الحديث رواه مسلم عن ابن
عباس هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء وقال الترمذي ليس في كتابي حديث أجمعت
العلماء على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر
وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة وأما الذي أخرجه الطبراني فيرده ما رواه
البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ما رأيت رسول الله صلى صلاة لغير وقتها الحديث
وقد ذكرناه عن قريب
13 -
( باب وقت العصر وقال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها )
أي هذا باب في بيان وقت صلاة العصر
والمناسبة بين هذه الأبواب ظاهرة خصوصا بين هذا الباب والذي قبله
544 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( هشام ) عن أبيه
أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يصلي العصر والشمس لم تخرج
من حجرتها
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الحديث مضى في باب مواقيت الصلاة في آخر حديث المغيرة
بن شعبة معلقا حيث قال قال عروة ولقد حدثتني عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول
الله كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر وقد ذكرنا هناك معنى الحديث
وهشام فيه هو هشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة أم
المؤمنين قوله والشمس الواو فيه للحال قوله من حجرتها أي من حجرة عائشة وكان
القياس أن يقال من حجرتي وقال بعضهم فيه نوع التفات قلت ليس التفات هنا ولا يصدق
عليه حد الالتفات وإنما هو من باب التجريد فكأنها جردت واحدة من النساء وأثبتت لها
حجرة وأخبرت أن النبي كان يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها وفيه المجاز أيضا
لأن المراد من الشمس ضوؤها لأن عين الشمس لا تدخل حتى تخرج
(5/32)
545 - حدثنا ( قتيبة ) قال (
حدثناالليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن رسول الله صلى العصر
والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها
قتيبة هو ابن سعيد والليث بن سعد وأبن شهاب محمد بن مسلم الزهري وعروة بن الزبير
كلهم قد ذكروا غير مرة
وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والعنعنة في ثلاثة مواضع ورواته ما بين بلخي
وبصري ومدني
قوله والشمس في حجرتها أي باقية و الواو فيه للحال قوله لم يظهر الفيء أي الظل في
الموضع الذي كانت الشمس فيه وقد مر في باب المواقيت والشمس في حجرتها قبل أن تظهر
ومعنى الظهور هنا الصعود يقال ظهرت على الشيء إذا علوته وحجرة عائشة رضي الله
تعالى عنها كانت ضيقة الرقعة والشمس تقلص عنها سريعا وما كان النبي يصلي العصر قبل
أن تصعد الشمس عنها فإن قلت ما المراد بظهور الشمس وبظهور الفيء قلت المراد بظهور
الشمس خروجها من الحجرة وبظهور الفيء انبساطه في الحجرة وليس بين الروايتين اختلاف
لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس واستدل به الشافعي ومن تبعه على
تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وقال الطحاوي لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن
الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على
التأخير لا على التعجيل وقال بعضهم وتعقب بأن الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع
اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواج النبي لم تكن متسعة ولا
يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا متى
مالت جدا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كانت الجدر قصيرة قلت لا وجه للتعقب فيه
لأن الشمس لا تحتجب عن الحجرة القصيرة الجدار إلا بقرب غروبها وهذا يعلم بالمشاهدة
فلا يحتاج إلى المكابرة ولا دخل هنا لاتساع الحجرة ولا لضيقها وإنما الكلام في قصر
جدرها وبالنظر على هذا فالحديث حجة على من يرى تعجيل العصر في أول وقتها فإن قلت
عقد البخاري بابا لوقت العصر وذكر فيه أحاديث لا يدل واحد منها على أن أول وقته
بماذا يكون بصيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه قلت قال بعضهم لم يقع له حديث في شرطه
على تعيين ذلك فذكر الأحاديث المذكورة الدالة على ذلك بطريق الاستنباط قلت لا يلزم
من عدم وقوعه له أن لا يقع لغيره في تعيين ذلك
وقد روى جماعة من الصحابة في هذا الباب منهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال
قال رسول الله أمني جبريل عليه الصلاة و السلام عند البيت مرتين الحديثوفيه صلى بي
العصر حين كان ظله مثله هذا في المرة الأولى وقال في الثانية وصلى بي العصر حين
كان ظله مثليه أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه
) والحاكم في ( مستدركه ) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه ابن خزيمة في صحيحه
وقال ابن عبد البر في ( التمهيد ) وقد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس هذا بكلام
لا وجه له ورواته كلهم مشهورون بالعلم قلت هذا الحديث هو العمدة في هذا الباب
وقوله حين كان ظله مثليه بالتثنية وهذا آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة لأن عنده إذا
صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وعند أبي يوسف
ومحمد إذا صار ظل كل شيء مثله يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وهي رواية الحسن بن
زياد عنه وبه قال مالك والشافعي وأحمد والثوري وإسحاق ولكن قال الشافعي آخر وقت
العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه لمن ليس له عذر وأما أصحاب العذر والضرورات فآخر
وقتها لهم غروب الشمس وقال القرطبي خالف الناس كلهم أبا حنيفة فيما قاله حتى
أصحابه قلت إذا كان استدلال أبي حنيفة بالحديث فما يضره مخالفة الناس له ويؤيده ما
قاله أبو حنيفة حديث علي بن شيبان قال قدمنا على رسول الله المدينة فكان يؤخر
العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية رواه أبو داود وابن ماجه وهذا يدل على أنه كان
يصلي العصر عند صيرورة ظل كل شيء مثليه وهو حجة على خصمه وحديث جابر صلى بنا رسول
الله العصر حين صار ظل كل شيء مثليه قدر ما يسير الراكب إلى ذي الحليفة العنق رواه
ابن أبي شيبة بسند لا بأس به
(5/33)
وقال أبو أسامة عن هشام من قعر
حجرتها
هذا التعليق وقع في رواية أبي ذر والأصيلي وكريمة على رأس الحديث الذي عقيب الباب
والصواب وقوعه ههنا وأسنده الإسماعيلي عن ابن ماجه وغيره عن أبي عبد الرحمن قال
حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله يصلي صلاة العصر
والشمس في قعر حجرتي وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وهشام بن عروة
546 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال أخبرنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن
( عائشة ) قالت كان النبي يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يظهر الفيء
بعد
أبو نعيم الفضل بن دكين وابن عيينة هو سفيان وفي ( مسند الحميدي ) عن ابن عيينة
حدثنا الزهري وفي رواية محمد ابن منصور عند الإسماعيلي عن سفيان سمعته أذناي ووعاه
قلبي من الزهري والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وعروة بن الزبير بن العوام قوله
والشمس طالعة أي ظاهرة و الواو فيه للحال قوله بعد مبني على الضم لأنه من الغايات
المقطوع عنها الإضافة المنوي بها ولو لم تنو الإضافة لقلت من بعد التنوين
قال أبو عبد الله وقال مالك ويحيى بن سعيد وشعيب وابن أبي حفصة والشمس قبل أن تظهر
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار بهذا إلى أن هؤلاء الأربعة المذكورين رووا
الحديث المذكور بهذا الإسناد وعندهم والشمس قبل أن تظهر فالظهور في روايتهم للشمس
وفي رواية سفيان بن عيينة الظهور للفيء وقد ذكرنا عن قريب طريقة الجمع بينهما
ويحيى بن سعيد الأنصاري وشعيب بن أبي حمزة بالمهملة وابن أبي حفصة محمد بن ميسرة
أبو سلمة البصري وأما طريق مالك فقد أوصله البخاري في باب المواقيت وأما طريق يحيى
بن سعيد فعند الذهلي موصولا وأما طريق شعيب فعند الطبراني في ( مسند الشاميين )
وأما طريق ابن أبي حفصة فعند إبراهيم بن طهمان من طريق ابن عدي
547 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( عوف ) عن (
سيار بن سلامة ) قال دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي كيف كان رسول
الله يصلي المكتوبة فقال كان يصلي الهجرة التي تدعونها الأولي حين تدحض الشمس
ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية ونسيت ما قال في
المغرب وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها
والحديث بعدها وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى
المائة
مطابقته للترجمة في قوله ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة
وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في باب وقت الظهر عند الزوال عن حفص بن عمر عن شعبة
عن أبي المنهال وهو سيار بن سلامة وههنا عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك
عن عوف الأعرابي عن سيار بن سلامة عن أبي برزة نضلة بن عبيد وفيه تقديم وتأخير
وزيادة ونقصان ويظهر ذلك بالمقابلة وقد ذكرنا هناك ما فيه الكفاية ونذكر ههنا ما
لم نذكر هناك قوله قال دخلت أنا وأبي القائل هو سيار وأبوه سلامة وحكى عنه ابنه
هنا ولابنه عنه رواية في الطبراني ( الكبير ) في ذكر الحوض وكان دخولهما على أبي
برزة زمن أخرج ابن زياد من البصرة قاله الإسماعيلي وكان ذلك في سنة أربع وستين
وقال الإسماعيلي لما كان زمن أخرج ابن زياد ووثب مروان بالشام قال أبو المنهال
انطلق أبي إلى أبي برزة وانطلقت معه فإذا هو قاعد في ظل علوله من قصب في يوم شديد
الحر فذكر الحديث قوله المكتوبة أي الصلوات المفروضة التي كتبها الله تعالى على
(5/34)
عباده وقال بعضهم استدل به على
أن الوتر ليس من المكتوبة لكون أبي برزة لم يذكره قلت عدم ذكره إياه لا يستلزم نفي
وجوب الوتر وقد ثبت وجوبه بدلائل أخرى قوله يصلي الهجير وهو الهاجرة أي صلاة
الهجير وهو وقت شدة الحر وسمي الظهر بذلك لأن وقتها يدخل حينئذ قوله التي تدعونها
الأولى وتأنيث الضمير إما باعتبار الهاجرة وإما باعتبار الصلاة ويروى يصلي الهجيرة
وإنما قيل لها الأولى لأنها أول صلاة صليت عند إمامة جبريل وقال البيضاوي لأنها
أول صلاة النهار قوله حين تدحض أي حين تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب من الدحض
وهو الزلق ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها ولكن لا يعارض حديث الأمر
بالإبراد لما ذكرنا وجه ذلك مستقصى قوله إلى رحله بفتح الراء وسكون الحاء المهملة
وهو مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث قوله في أقصى المدينة صفة لرحل وليس بظرف
للفعل قوله والشمس حية أي بيضاء نقية و الواو فيه للحال وفي ( سنن أبي داود )
بإسناد صحيح عن خيثمة التابعي قال حياتها أن تجد حرها قوله ونسيت ما قال قائل ذلك
هو سيار بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة به قوله وكان أي رسول الله قوله أن
يؤخر العشاء أي صلاة العشاء قوله التي تدعونها العتمة بفتح العين المهملة والتاء
المثناة من فوق والعتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق وقد أعتم الليل أي أظلم وفيه
إشارة إلى ترك تسميتها بذلك قوله والحديث بعدها أي التحدث قوله وكان ينفتل أي
ينصرف من الصلاة أو يلتفت إلى المأمومين قوله صلاة الغداة أي الصبح وفيه أنه لا
كراهة في تسمية الصبح بذلك قوله يقرأ أي في الصبح بالستين إلى المائة أي من الآي
وقدرها الطبراني بسورة الحاقة ونحوها وقال النووي هذا الحديث حجة على الحنفية حيث
قالوا لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه قلت لا نسلم أن الحنفية قالوا
ذلك وإنما هو رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة وحده وروى الحسن عنه أن أول وقت
العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر واختاره الطحاوي وروى
المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة إذا صار الظل أقل من قامتين يخرج وقت الظهر ولا
يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين وصححه الكرخي وفي رواية الحسن أيضا إذا صار ظل كل
شيء قامة خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين وبينهما وقت مهمل وهو
الذي يسميه الناس بين الصلاتين وحكى ابن قدامة في ( المغنى ) عن ربيعة أن وقت
الظهر والعصر إذا زالت الشمس وعن عطاء وطاووس إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت
الظهر وما بينهما وقت لهما على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس وقال ابن راهويه
والمزني وأبو ثور والطبراني إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر ويبقى وقت الظهر
قدر ما يصلي أربع ركعات ثم يتمحض الوقت للعصر وبه قال مالك
548 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة ) عن ( أنس ابن مالك ) قال كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن
عوف فنجدهم يصلون العصر
مطابقة هذا الحديث ومطابقة بقية أحاديث هذا الباب للترجمة من حيث إن دلالتها على
تعجيل العصر وتعجيله لا يكون إلا في أول وقته وهو عند صيرورة ظل كل شيء مثله أو
مثليه على الخلاف
ذكر رجاله وهم أربعة عبد الله بن مسلمة القعنبي ومالك بن أنس وإسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك يكنى أبا يحيى مات سنة
أربع وثلاثين ومائة قال الواقدي كان مالك لا يقدم عليه أحدا في الحديث
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والعنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه القول فإن قلت هذا الحديث مسند أو موقوف قلت قول الصحابي كنا نفعل كذا فيه
خلاف فذهب بعضهم إلى أنه مسند وهو اختيار الحاكم وإيراد البخاري هذا الحديث مشعر
بأنه مسند وإن لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي وقال الدارقطني والخطيب وآخرون إنه
موقوف والصواب أن يقال إن مثل هذا موقوف لفظا مرفوع حكما لأن الصحابي أورده في
مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمن النبي وقد روى ابن المبارك هذا
الحديث عن مالك فقال
(5/35)
فيه كان رسول الله يصلي العصر
الحديث أخرجه النسائي
ذكر تعدد موضه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم
أيضا في الصلاة عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر عن ابن المبارك
ذكر معناه قوله بني عمرو بن عوف بفتح العين وسكون الواو وبالفاء وكانت منازلهم على
ميلين من المدينة بقباء قوله فيجدهم يصلون العصر أي عصر ذلك اليوم وهذا يدل على
أنهم كانوا يؤخرون عن أول الوقت لأنهم كانوا عمالا في أراضيهم وحروثهم وقال بعضهم
فدل هذا الحديث على تعجيل النبي بصلاة العصر في أول وقتها قلت إنما يدل ذلك على ما
ذكره إذا كان الحديث مرفوعا قطعا وقد ذكرنا عن قريب أن في مثل هذا خلافا هل هو موقوف
أو في حكم المرفوع
549 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( أبو بكر بن عثمان
بن سهل بن حنيف ) قال سمعت ( أبا امامة ) يقول صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر
ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة
التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله التي كنا نصلي معه
ابن مقاتل هو محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة وعبد الله هو ابن
المبارك وأبو بكر بن عثمان بن سهل ابن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون
الياء آخر الحروف وفي آخره فاء الأنصاري الأوسي سمع عمه أبا أمامة بضم الهمزة
واسمه أسعد بن سهل المولود في عهد النبي وهو صحابي على الأصح مات سنة مائة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك في موضعين
وفيه القول والسماعوفيه رواية الصحابي عن الصحابي وفيه راويان مروزيان والبقية
مدنيون
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة عن منصور بن مزاحم وأخرجه النسائي فيه عن
سويد بن نصر كلاهما عن عبد الله بن المبارك
ذكر معناه قوله دخلنا على أنس بن مالك وداره كانت بجنب المسجد قوله يا عم بكسر
الميم وأصله يا عمي فحذفت الياء وهذا من باب التوقير والإكرام لأنس لأنه ليس عمه
على الحقيقة قوله ما هذه الصلاة أي ما هذه الصلاة في هذا الوقت والإشارة فيه بحسب
وقت تلك الصلاة لا بحسب شخصها وقال النووي هذا الحديث صريح في التبكير لصلاة العصر
في أول وقتها فإن وقتها يدخل بمصير ظل كل شيء مثله ولهذا كان الآخرون يؤخرون الظهر
إلى ذلك الوقت وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه على عادة الأمراء
قبل أن تبلغه السنة في تقديمها قبله ويحتمل أنه أخرها لعذر عرض له وهذا كان حين
ولي المدينة نيابة لا في خلافته لأن أنسا توفي قبل خلافته بنحو تسع سنين انتهى قلت
ليس فيه تصريح في التبكير لصلاة العصر ومثل عمر بن عبد العزيز كان يتبع الأمراء
ويترك السنة
550 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أنس بن
مالك ) قال كان رسول الله يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي
فيأتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه
أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي وشعيب بن أبي حمزة والزهري محمد بن مسلم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد من الماضي
في موضع آخر وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول
وفيه من الرواة حمصيان ومدني
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم عن هارون بن سعيد عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن
الزهري
(5/36)
عن أنس وأخرجه أيضا عن قتيبة
ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود والنسائي عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه عن محمد ابن رمح
ذكر معناه قوله والشمس مرتفعة الواو فيه للحال وقد مر تفسير قوله حية قوله العوالي
جمع عالية وهي القرى التي حول المدينة من جهة نجد وأما من جهة تهامة فيقال لها
السافلة قوله فيأتيهم والشمس مرتفعةأي دون ذلك الارتفاع قوله وبعض العوالي إلى
آخره قال الكرماني إما كلام البخاري وإما كلام أنس أو هو للزهري كما هو عادته في
الإدراجات قلت الظاهر أنه من الزهري يدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري في هذا الحديث فقال فيه بعد قوله والشمس حية قال الزهري والعوالي من
المدينة على ميلين أو ثلاثة وروى البيهقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصنعاني عن
أبي اليمان شيخ البخاري وقال في آخره وبعد العوالي بضم الباء الموحدة وبالدال
المهملة وكذلك أخرجه البخاري في الاعتصام تعليقا ووصله البيهقي من طريق الليث عن
يونس عن الزهري لكن قال أربعة أميال أو ثلاثة وروى هذا الحديث أبو عوانة في (
صحيحه ) وأبو العباس السراج جميعا عن أحمد بن الفرج أبي عتبة عن محمد بن حمير عن
إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري ولفظه والعوالي من المدينة على ثلاثة أميال وأخرجه
الدارقطني عن المحاملي عن أبي عتبة المذكور بسنده المذكور فوقع عنه على ستة أميال
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال فيه على ميلين أو ثلاثة ووقع في (
المدونة ) عن مالك رحمه الله تعالى أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال قال عياض كأنه
أراد معظم عمارتها وإلا فأبعدها ثمانية أميال قلت علم من هذه الاختلافات أن أقرب
العوالي من المدينة مسافة ميلين وأبعدها ثمانية أميال وأما الثلاثة والأربعة
والستة فباعتبار القرب والبعد من المدينة فبهذا الوجه يحصل التوفيق بين هذه
الروايات والميل ثلث فرسخ أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشي طولها أربعة
وعشرون إصبعا بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله وعرض الإصبع ست حبات شعير
ملصقة ظهرا لبطن وزنة الحبة من الشعير سبعون حبة خردل وفسر أبو شجاع الميل بثلاثة
آلاف ذراع وخمسمائة ذراع إلى أربعة آلاف ذراع وفي ( الينابيع ) الميل ثلث الفرسخ
أربعة آلاف خطوة كل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة وهو أربعة وعشرون إصبعا
551 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس
بن مالك ) قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة
قد تكرر ذكر هؤلاء الرواة
وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك في موضع واحد وفيه العنعنة
في موضعين وفيه القول
قوله كنا نصلي العصر أي مع النبي والدليل عليه ما رواه خالد بن مخلد عن مالك كذلك
مصرحا به أخرجه الدارقطني في ( غرائبه ) قوله إلى قباء قال أبو عمر قول مالك قباء
وهم لا شك فيه ولم يتابعه أحد فيه عن ابن شهاب وقال النسائي لم يتابع مالك على
قوله قباء والمعروف العوالي وكذا قاله الدارقطني في آخرين إلى العوالي وأخرجه
البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حدديث الزهري وقال التيمي الصحيح
بدل قباء العوالي كذلك رواه أصحاب ابن شهاب كلهم غير مالك في ( الموطأ ) فإنه تفرد
بذكر قباء وهو مما يعد على مالك أنه وهم فيه قلت تابع مالكا ابن أبي ذئب فإنه روى
عن الزهري إلى قباء كما قاله مالك نقله الباجي عن الدارقطني فنسبة الوهم إلى مالك
غير موجه ولئن سلمنا أنه وهم ولكن لا نسلم أن يكون ذلك من مالك قطعا فإنه يحتمل أن
يكون من الزهري حين حدث به مالكا وقال ابن بطال روى خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه
إلى العوالي كما قاله الجماعة فهذا يدل على أن الوهم فيه ممن دون مالك ورد هذا بأن
مالكا أثبته في ( الموطأ ) باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه فرواية خالد عنه شاذة
ولئن سلمنا الوهم فيه فهو إما من مالك كما جزم به البزار والدارقطني ومن تبعهما أو
من الزهري حين حدث به ومع هذا كله فقباء من العوالي فلعل مالكا رأى في رواية
الزهري إجمالا وفسرها بقباء فعلى هذا لا يحتاج إلى نسبة الوهم إلى أحد فافهم قوله
فيأتيهم أي فيأتي أهل قباء و الواو في والشمس للحال
14
(5/37)
( باب إثم من فاته العصر )
أي هذا
باب في بيان إثم من فاتته صلاة العصر والمراد بفواتها تأخيرها عن وقت الجواز بغير
عذر لأن ترتب الإثم على ذلك
552 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر )
أن رسول الله قال الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله
رجال هذا الحديث ولطائف إسناده قد مررت غير مرة
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضا من طريق مالك وأخرجه الكشي من حديث حماد بن
سلمة عن نافع وزاد في آخره وهو قاعد وكذا رواه النسائي عن نوفل بن معاوية كرواية
ابن عمر وفي ( الأوسط ) للطبراني إن نوفلا رواه عن أبيه معاوية بلفظ لأن يوتر
أحدكم أهله وماله خير له من أن تفوته صلاة العصر وقال الذهبي نوفل بن معاوية
الديلي شهد الفتح وتوفي بالمدينة سنة يزيد روى عنه جماعة وقال في باب الميم معاوية
بن نوفل الديلي صحابي روى عنه ابنه قوله صلاة العصر في رواية الكشميهني وفي رواية
غيره يفوته العصر قوله كأنما كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني فكأنما
بالفاء والمبتدأ إذا تضمن معنى الشرط جاز في خبره الفاء وتركها قوله وتر أهله
وماله بنصب اللامين في رواية الأكثرين لأنه مفعول ثان لقوله وتر وهو على صيغة
المجهول والضمير فيه يرجع إلى قوله الذي تفوته صلاة العصر وهو المفعول الأول فإن
قلت الفعل الذي يقتضي المفعولين يكون من أفعال القلوب ووتر ليس منها قلت إذا كان
أحد المفعولين غير صريح يأتي أيضا من غير أفعال القلوب وههنا كذلك ووتر ههنا متعد
إلى إلى مفعولين بهذا الوجه وذلك كما في قوله تعالى لن يتركم أعمالكم ( محمد 35 )
أي لن ينقصكم أعمالكم فعلى هذا المعنى في وتر نقص من وترته إذا نقصته فكأنك جعلته
وترا بعد أن كان كثيرا وقيل معناه ههنا سلب أهله وماله فبقي وترا ليس له أهل ولا
مال وقال النووي روي برفع اللامين قلت هي رواية المستملي وجهها أنه لا يضمر شيء في
وتر بل يقوم الأهل مقام ما لم يسم فاعله و ماله عطف عليه وقال ابن الأثير من رد
النقص إلى الرجل نصبهما ومن رده إلى الأهل والمال رفعهما وقيل معناه وتر في أهله
فلما حذف الخافض انتصب وقيل إنه بدل اشتمال أو بدل بعض ومعناه انتزع منه أهله
وماله وقال الجوهري الموتر الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره
وترا ووترا وترة قلت أصل ترة وتر فحذفت منها الواو تبعا لفعله المضارع وهو يتر لأن
أصله يوتر فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة فلما حذفت الواو في المصدر عوض عنها
التاء كما في عدة
وتكلموا في معنى هذا الحديث فقال الخطابي نقص هو أهله وماله وسلبهم فبقي بلا أهل
ولا مال فليحذر من يفوتها كحذره من ذهاب أهله وماله وقال أبو عمر معناه كالذي يصاب
بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا وهي الجناية التي تطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم
المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر وقال الداودي يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على
من فقد أهله وماله فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة وقيل معناه فاته من
الثواب ما يلحقه من الأسف كما يلحق من ذهب أهله وماله ثم اختلفوا في المراد بفوات
العصر في هذا الحديث فقال ابن وهب وغيره هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار وقال
الأصيلي وسحنون هو أن تفوته بغروب الشمس وقيل أن يفوتها إلى أن تصفر الشمس وقد ورد
مفسرا في رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال وفواتها أن تدخل الشمس صفرة وروى سالم
عن أبيه أنه قال هذا فيمن فاتته ناسيا وقال الداودي هذا في العامد وكأنه أظهر لما
في البخاري من ترك صلاة العصر حبط عمله وهذا ظاهر في العمد وقال المهلب هو فواتها
في الجماعة لما يفوته من شهود الملائكة الليلية والنهارية ولو كان فواتها بغيبوبة
أو اصفرار لبطل الاختصاص لأن ذهاب الوقت كله موجود في كل صلاة وقال أبو عمر يحتمل
أن يكون تخصيص العصر لكونه جوابا بالسائل سأل عن صلاة العصر وعلى هذا يكون حكم من
فاته الصبح بطلوع الشمس والعشاء بطلوع الفجر كذلك وخصت العصر لفضلها ولكونها
مشهودة وقيل خصت بذلك تأكيدا وحضا على المثابرة عليها لأنها تأتي في وقت اشتغال
الناس وقيل يحتمل أنها خصت بذلك لأنها
(5/38)
على الصحيح أنها الصلاة الوسطى
وبها تختم الصلوات واعترض النووي لابن عبد البر في قوله فعلى هذا يكون حكم من فاته
الصبح إلى آخره فإن غير المنصوص إنما يلحق بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها
قال والعلة في هذا الحكم لم تتحقق فلا يلحق غير العصر بها انتهى قلت لقائل أن يحتج
لابن عبد البر بما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء
مرفوعا من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته الحديث ورد بأن في إسناده انقطاعا لأن أبا
قلابة لم يسمع من أبي الدرداء وقد روى أحمد حديث أبي الدرداء بلفظ من ترك العصر فرجع
حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر قلت روى ابن حبان وغيره عن نوفل بن معاوية
مرفوعا من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله وقد ذكرناه عن قريب وهذا يشمل جميع
الصلوات المكتوبات ولكن روى الطبراني هذا الحديث أعني حديث الباب من وجه آخر وزاد
فيه عن الزهري قلت لأبي بكر يعني ابن عبد الرحمن وهو الذي حدثه به ما هذه الصلاة
قال العصر رواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر فصرح بكونها العصر في نفس الخبر ورواه
الطحاوي والبيهقي من وجه آخر فصرحا بكونها العصر في نفس الخبر ورواه الطحاوي من
وجه آخر وفيه إن التفسير من قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما واعترض ابن المنير
على قول المهلب المذكور عن قريب بأن الفجر أيضا فيها شهود الملائكة الليلية
والنهارية فلا يختص العصر بذلك قال والحق أن الله تعالى يخص ما شاء من الصلوات بما
شاء من الفضيلة وبوب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله
على الساهي قلت لا تطابق بين ترجمته وبين الحديث فإن لفظ الحديث الذي تفوته أعم من
أن يكون ساهيا أو عامدا وتخصيصه بالساهي لا وجه له بل القرينة دالة على أن المراد
بهذا الوعيد في العامد دون الساهي
قال أبو عبد الله يتركم أعمالكم وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذت له مالا
أبو عبد الله هو البخاري وأشار بذلك إلى أن لفظة يتركم في قوله تعالى ولن يتركم (
محمد 35 ) أنه متعد إلى مفعولين وهذا يؤيد نصب اللامين في الحديث وأشار بقوله وترت
الرجل إلى أنه يتعدى إلى مفعول واحد وهو يؤيد رواية المستملي
15 -
( باب إثم من ترك العصر )
أي هذا باب في بيان إثم من ترك صلاة العصر قيل لا فائدة في هذا التبويب لأن الباب
السابق يغني عنه وكان ينبغي أن يذكر حديث هذا الباب في الباب الذي قبله لأن كلا
منهما في الوعيد قلت بينهما فرق دقيق وهو أنهم قد اختلفوا في المراد من معنى
التفويت على ما ذكرنا والترك لا خلاف فيه أن معناه إذا كان عامدا
553 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي كثير
) عن ( أبي قلابة ) عن ( أبي المليح ) قال كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم
فقال بكروا بصلاة العصر فإن النبي قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ( الحديث
553 - طرفه في 594 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الحديث يتضمن حبط العمل عند الترك والترجمة في إثم
الترك
ذكر رجاله وهم ستة الأول مسلم بن ابراهيم الأزدي الفراهيدي البصري القصاب يكنى أبا
عمرو الثاني هشام بن عبد الله الدستوائي الثالث يحيى ابن أبي كثير الرابع أبو
قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الحرمي الخامس أبو المليح بفتح الميم وكسر اللام
وبالحاء المهملة واسمه عامر بن أسامة الهذلي مات سنة ثمان وتسعين السادس بريدة بضم
الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن الحصيب بضم
الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة
الأسلمي روي عن رسول الله مائة حديث وأربعة وستون حديثا للبخاري منها ثلاث مات
غازيا بمرو وهو آخر من مات من الصحابة بخراسان سنة اثنتين وستين
(5/39)
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث
بصيغة الجمع باتفاق الرواة عن مسلم بن إبراهيم وفيه التحديث بصيغة الجمع عن هشام
عند أبي ذر وعند غيره أخبرنا بصيغة الجمع وفيه الإخبار بصيغة الجمع عن يحيى عند
أبي ذر وعند غيره حدثنا وفيه العنعنة عن أبي قلابة عن أبي المليح وعند ابن خزيمة
من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام عن يحيى أن أبا قلابة حدثه وعند البخاري في باب
التبكير بالصلاة في يوم الغيم عن معاذ بن فضالة عن هشام عن يحيى عن أبي قلابة أن
أبا المليح حدثه وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء وفيه أن الرواة كلهم بصريون
وفيه القول في ثلاثة مواضع
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن معاذ بن فضالة وأخرجه
النسائي في الصلاة أيضا عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن هشام به ورواه ابن خزيمة
كما رواه البخاري وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير
عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عنه قال ابن حبان وهم الأوزاعي في تصحيفه عن يحيى
فقال عن أبي المهاجر وإنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة عن عمه عنه على الصواب
واعترض عليه الضياء المقدسي فقال الصواب أبو المليح عن أبي بريدة
ذكر معناه قوله ذي غيم صفة يوم ومحل في غزوة و في يوم نصب على الحال وإنما خص يوم
الغيم لأنه مظنة التأخير لأنه ربما يشتبه عليه فيخرج الوقت بغروب الشمس قوله بكروا
أي أسرعوا وعجلوا وبادروا وكل من بادر إلى الشيء فقد بكر وأبكر إليه أي وقت كان
يقال بكروا بصلاة المغرب أي صلوها عند سقوط القرص قوله من ترك كلمة من موصولة
تتضمن معنى الشرط في محل الرفع على الابتداء وخبره فقد حبط عمله ودخول الفاء فيه
لأجل تضمن المبتدأ معنى الشرط و حبط بكسر الباء الموحدة أي بطل يقال حبط يحبط من
باب علم يعلم يقال حبط عمله وأحبطه غيره وهو من قولهم حبطت الدابة حبطا بالتحريك
إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وزاد معمر في رواية هذا
الحديث لفظ متعمدا وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء وفي رواية معمر أحبط الله
عمله وسقط من رواية المستملي لفظ فقد
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه الأول احتج به أصحابنا على أن المستحب تعجيل العصر
يوم الغيم الثاني احتج به الخوارج على تكفير أهل المعاصي قالوا وهو نظير قوله
تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ( المائدة 5 ) ورد عليهم أبو عمر بأن مفهوم
الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهوم الآية ومنطوق الحديث
فإذا كان كذلك يتعين تأويل الحديث لأن الجمع إذا كان ممكنا كان أولى من الترجيح
ونذكر عن قريب وجه الجمع إن شاء الله تعالى الثالث احتج به بعض الحنابلة أن تارك
الصلاة يكفر ورد بأن ظاهره متروك والمراد به التغليظ والتهديد والكفر ضد الإيمان
وتارك الصلاة لا ينفي عنه الإيمان وأيضا لو كان الأمر كما قالوا لما اختصت العصر
بذلك وأما وجه اختصاص العصر بذلك فلأنه وقت ارتفاع الأعمال ووقت اشتغال الناس
بالبيع والشراء في هذا الوقت بأكثر من وقت غيره ووقت نزول ملائكة الليل وأما وجه
الجمع فهو أن الجمهور تأولوا الحديث فافترقوا على فرق فمنهم من أول سبب الترك
فقالوا المراد من تركها جاحدا لوجوبها أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها
وفيه نظر لأن الذي فهمه الراوي الصحابي إنما هو التفريط ولهذا أمر بالتبكير
والمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره ومنهم من قال المراد به من تركها متكاسلا
لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني وهو مؤمن
ومنهم من أول سبب الحبط فقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله
قيل معناه كاد أن يحبط وقيل المراد من الحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع
فيه الأعمال إلى الله تعالى وكان المراد بالعمل الصلاة خاصة أي لا يحصل على أجر من
صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ وقيل المراد بالحبط الإبطال أي بطل انتفاعه
بعمله في وقت ينتفع به غيره في ذلك الوقت وفي ( شرح الترمذي ) ذكر أن الحبط على
قسمين حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات وحبط موازنة وهو إحباط
المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء
حسناته وقيل المراد بالعمل في الحديث العمل الذي كان سببا لترك الصلاة بمعنى أنه
لا ينتفع به ولا يتمتع وأقرب الوجوه في هذا ما قاله ابن بزيزة إن هذا على وجه
التغليظ وإن ظاهره غير مراد والله تعالى أعلم لأن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك
16
(5/40)
( باب فضل صلاة العصر )
أي هذا
باب في بيان فضل العصر والمناسبة بين هذه الأبواب ظاهرة
554 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( مروان بن معاوية ) قال حدثنا ( إسماعيل ) عن
( قيس ) عن ( جرير ) قال كنا عند النبي فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال إنكم
سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلوا على
صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس
وقبل الغروب قال إسماعيل افعلوا لا تفوتنكم نه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وقبل غروبها أي قبل غروب الشمس والصلاة في هذا الوقت
هي صلاة العصر ولو قال باب فضل الصلاة الفجر والعصر لكان أولى لأن المذكور في
الحديث والآية صلاة الفجر والعصر كلتاهما وقال بعضهم باب فضل صلاة العصر أي على
جميع الصلوات إلا قلت هذا التقدير المذكور في الحديث فيه تعسف ولأن جميع الصلوات
مشتركة في الفضل غاية ما في الباب أن لصلاتي الفجر والعصر مزية على غيرهما وإنما
خصص العصر بالذكر للاكتفاء كما في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ( لنحل 81 ) أي
والبرد أيضا وقيل إنما خص العصر لأن في وقته ترتفع الأعمال وتشهد فيه ملائكة الليل
ولهذا ذكر في الحديث فإن استطعتم الحديث قلت وفي الفجر أيضا تشهد فيه ملائكة
النهار والأوجه في الجواب ما ذكرته الآن وقال بعضهم ويحتمل أن يكون المراد أن
العصر ذات فضيلة لا ذات أفضلية قلت كل الصلوات ذوات فضيلة والترجمة أيضا تنبىء عن
ذلك
ذكر رجاله وهم خمسة الأول الحميدي بضم الحاء المهملة واسمه عبد الله بن الزبير بن
عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد ونسبته إلى جده حميد القرشي المكي
مات سنة تسع عشرة وماتين الثاني مروان بن معاوية بن الحارث الفزاري مات بدمشق سنة
ثلاث وتسعين ومائة قبل التروية بيوم فجاة الثالث إسماعيل بن أبي خالد بالخاء
المعجمة الرابع قيس بن أبي حازم بالحاء المهملة الخامس جبير بن عبد الله بن جابر
البجلي رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول ووقع عند أبي مردويه من طريق شعبة عن إسماعيل التصريح بسماع إسماعيل من
قيس وسماع قيس عن جرير وفيه ذكر الحميدي بنسبته إلى أحد أجداده وأنه من أفراد
البخاري وفيه أن رواته ما بين مكي وكوفي وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما
إسماعيل وقيس وفيه أن أحد الرواة من المخضرمين وهو قيس فإنه قدم المدينة بعدما قبض
النبي مات سنة أربع وثمانين رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن مسدد عن يحيى بن سعيد في
الصلاة أيضا وأخرجه في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير وفي التوحيد عن عمرو
بن عون عن خالد وهشيم وعن يوسف ابن موسى عن عاصم وعن عبدة بن عبد الله وأخرجه مسلم
في الصلاة عن زهير بن حرب عن مروان به وعن أبي بكر ابن أبي شيبة عن عبد الله بن
نمير وأبي اسامة ووكيع ثلاثتهم عن اسماعيل به وأخرجه أبو داود في السنة عن عثمان
بن ابي شيبة عن جرير ووكيع وأبي أسامة به وأخرجه النسائي عن يحيى بن كثير وعن
يعقوب بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في السنة عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه
ووكيع وعن علي بن محمد عن خالد ويعلى بن عبيد ووكيع وأبي معاوية أربعتهم عن
إسماعيل به
ذكر معناه قوله ليلة قال الكرماني الظاهر أنه من باب تنازع الفعلين عليه قلت
الظاهر أن ليلة نصب على الظرفية والتقدير نظر إلى القمر في ليلة من الليالي وهذه
الليلة كانت ليلة البدر وبه صرح في رواية مسلم وسنذكر اختلاف الروايات فيه قوله لا
تضامون روي بضم التاء وبتخفيف الميم من الضيم وهو التعب وبتشديدها من الضم
(5/41)
وبفتح التاء وتشديد الميم قال
الخطابي يروى على وجهين أحدهما مفتوحة التاء مشددة الميم وأصله تتضامون حذفت إحدى
التائين أي لا يضام بعضكم بعضا كما تفعله الناس في طلب الشيء الخفي الذي لا يسهل
دركه فيتزاحمون عنده يريد أن كل واحد منهم وادع مكانه لا ينازعه في رؤيته أحد والآخر
لا تضامون من الضيم أي لا يضيم بعضكم بعضا في رؤيته وقال التيمي لا تضامون بتشديد
الميم مراده أنكم لا تختلفون إلى بعض فيه حتى تجتمعوا للنظر وينضم بعضكم إلى بعض
فيقول واحد هو ذاك ويقول الآخر ليس ذاك كما تفعله الناس عند النظر إلى الهلال أول
الشهر وبتخفيفها معناه لا يضيم بعضكم بعضا بأن يدفعه عنه أو يستأثر به دونه وقال
ابن الأنباري أي لا يقع لكم في الرؤية ضيم وهو الذل وأصله تضيمون فالقيت حركة
الياء على الضاد فصارت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وقال ابن الجوزي لا تضامون بضم
التاء المثناة من فوق وتخفيف الميم وعليه أكثر الرواة والمعنى لا ينالكم ضيم
والضيم أصله الظلم وهذا الضيم يلحق الرائي من وجهين أحدهما من مزاحمة الناظرين له
أي لا تزدحمون في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض ولا يظلم بعضكم بعضا والثاني من تأخره
عن مقام الناظر المحقق فكأن المتقدمين ضاموه ورؤية الله عز و جل يستوي فيها الكل
فلا ضيم ولا ضرر ولا مشقة وفي رواية لا تضامون أو لا تضاهون يعني على الشك أي لا
يشتبه عليكم وترتابون فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته وقيل لا تشبهونه في رؤيته بغيره
من المرئيات وروي تضارون بالراء المشددة والتاء مفتوحة ومضمومة وقال الزجاج معناهما
لا تتضارون أي لا يضار بعضكم بعضا في رؤيته بالمخالفة وعن ابن الأنباري هو
تتفاعلون من الضرار أي لا تتنازعون وتختلفون وروي إيضا لا تضارون بضم التاء وتخفيف
الراء أي لا يقع للمرء في رؤيته ضير ما بالمخالفة أو المنازعة أو الخفأ وروي
تمارون براء مخففة يعني تجادلون أي لا يدخلكم شك قولهفان استطعتم ان لا تغلبوا
بلفظ المجهول وكلمة ان مصدرية والتقدير ان لاتغلبوا أي من الغلبة بالنوم والاشتغال
بشيء من الأشياء المانعة عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها قوله فافعلوا أي
الصلاة في هذين الوقتين وزاد مسلم بعد قوله قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر
والفجر وفي رواية ابن مردوية من وجه آخر عن اسماعيل قبل طلوع الشمس صلاة الصبح
وقبل غروبها صلاة العصر وقال الكرماني فإن قلت ما المراد بلفظ إفعلوا إذ لا يصح أن
يراد إفعلوا الاستطاعة أو إفعلوا عدم المغلوبية قلت عدم المغلوبية كناية عن
الإتيان بالصلاة لأنه لازم الإتيان فكأنه قال فأتوا بالصلاة فاعلين لها انتهى قلت
لو وقدر مفعول إفعلوا مثل ما قدرنا لكان استغنى عن هذا السؤال والجواب قوله ثم قرأ
لم يبين فاعل قرأ من هو في جميع روايات البخاري وقال بعضهم الظاهر أنه النبي قلت
هذا تخمين وحسبان وقال الشيخ قطب الدين الحلبي في شرحه لم يبين أحد في روايته من
قرأ ثم ساق من طريق أبي نعيم في ( مستخرجه ) أن جريرا قرأه قلت وقع عند مسلم عن
زهير بن حرب عن مروان بن معاوية بإسناد هذا الحديث ثم قرأ جرير أي الصحابي وكذا
أخرجه أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريق يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد فالعجب
من الشيخ قطب الدين كيف ذهل عن عروة إلى مسلم قوله فسبح التلاوة وسبح بالواو لا
بالفاء المراد بالتسبيح الصلاة قوله افعلوا أي افعلوا هذه الصلاة لا تفوتكم
والضمير المرفوع فيه يرجع إلى الصلاة وهو بنون التأكيد وهو مدرج من كلام إسماعيل
كذلك ثم قرأ مدرج
ذكر الروايات في قوله إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته وفي
لفظ للبخاري إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما أنكم سترون ربكم كما ترون هذا
لا تضامون أو لا تضاهون في رؤيته وفي كتاب التوحيد أنكم سترون ربكم عيانا وفي
التفسير فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة وعن اللالكائي عن البخاري أنكم ستعرضون على
ربكم وترونه كما ترون هذا القمر وعند الدارقطني وقال زيد بن أبي أنيسة فتنظرون
إليه كما تنظرون إلى هذا القمر وقال وكيع ستعاينون وسيأتي عند البخاري عن أبي
هريرة وأبي سعيد هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا قال
هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس فيه سحابة قالوا لا قال والذي نفسي بيده
لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما وعن أبي موسى عنده بنحوه وعن
أبي رزين العقيلي قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه منجليا به يوم القيامة قال نعم
قال وما آية ذلك في خلقه قال يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر منجليا
به قال
(5/42)
فالله أعظم وأجل وذلك آية في
خلقه وعند ابن ماجه عن جابر بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا
رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم فينظر إليهم وينظرون إليه وعن صهيب عند مسلم فذكر
حديثا فيه فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله تعالى شيئا أحب إليهم
من النظر إليه وفي ( سنن اللالكائي ) عن أنس وأبي بن كعب وكعب بن عجرة سئل رسول
الله عن الزيادة في كتاب الله تعالى قال النظر إلى وجهه
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه الأول استدل بهذه الأحاديث وبالقرآن وإجماع
الصحابة ومن بعدهم على إثبات رؤية الله في الآخرة للمؤمنين وقد روى أحاديث الرؤية
أكثر من عشرين صحابيا وقال أبو القاسم روى رؤية المؤمنين لربهم عز و جل في القيامة
أبو بكر وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن مسعود وأبو موسى وابن عباس وابن عمر
وحذيفة وأبو أمامة وأبو هريرة وجابر وأنس وعمار بن ياسر وزيد بن ثابت وعبادة بن
الصامت وبريدة بن حصيب وجنادة بن أبي أمية وفضالة بن عبيد ورجل له صحبة بالنبي ثم
ذكر أحاديثهم بأسانيد غالبها جيد وذكر أبو نعيم الحافظ في ( كتاب تثبيت النظر )
أبا سعيد الخدري وعمارة بن رؤيبة وأبا رزين العقيلي وأبا برزة وزاد الآجري في (
كتاب الشريعة ) وأبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بأبي الشيخ في ( كتاب السنة
الواضحة ) تأليفهما عدي بن حاتم الطائي بسند جيد والرؤية مختصة بالمؤمنين ممنوعة
من الكفار وقيل يراه منافقو هذه الأمة وهذا ضعيف والصحيح أن المنافقين كالكفار
باتفاق العلماء وعن ابن عمر وحذيفة من أهل الجنة من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية
ومنع من ذلك المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة واحتجوا في ذلك بوجوه الأول قوله
تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ( الأنعام 103 ) وقالوا يلزم من نفي
الإدراك بالبصر نفي الرؤية الثاني قوله تعالى لن تراني ( الأعراف 143 ) و لن
للتأييد بدليل قوله تعالى قل لن تتبعونا ( الفتح 15 ) وإذا ثبت في حق موسى عليه
الصلاة و السلام عدم الرؤية ثبت في حق غيره الثالث قوله تعالى وما كان لبشر أن
يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ( الشورى 51 ) فالآية دلت على
أن كل من يتكلم الله معه فإنه لا يراه فإذا ثبت عدم الرؤية في وقت الكلام ثبت في
غير وقت الكلام ضرورة أنه لا قائل بالفصل الرابع أن الله تعالى ما ذكر في طلب
الرؤية في القرآن إلا وقد استعظمه وذم عليه وذلك في آيات منها قوله تعالى وإذ قلتم
يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ( البقرة 55 )
الخامس لو صحت رؤية الله تعالى لرأيناه الآن والتالي باطل والمقدم مثله
ولأهل السنة ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها
ناظرة ( القيامة 22 ) وقوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( المطففين 55
) بهذا يدل على أن المؤمنين لا يكونون محجوبين والجواب عن قوله تعالى لا تدركه
الأبصار ( الأنعام 103 ) أن المراد من الإدراك الإحاطة ونحن أيضا نقول به وعن قوله
لن تراني ( الأعراف 143 ) أنا لا نسلم أن لن تدل على التأبيد بدليل قوله تعالى ولن
يتمنوه أبدا ( البقرة 95 ) مع أنهم يتمنونه في الآخرة وعن قوله وما كان لبشر (
الشورى 51 ) الآية أن الوحي كلام يسمع بالسرعة وليس فيه دلالة على كون المتكلم
محجوبا عن نظر السامع أو غير محجوب عن نظره وعن قوله وإذ قلتم يا موسى ( البقرة 55
) الآية أن الاستعظام لم لا يجوز أن يكون لأجل طلبهم الرؤية على سبيل التعنت
والعناد بدليل الاستعظام في نزول الملائكة في قوله لولا أنزل علينا الملائكة (
الفرقان 21 ) ولا نزاع في جواز ذلك والجواب عن قولهم لو صحت رؤية الله تعالى إلخ
أن عدم الوقوع لا يستلزم عدم الجواز فإن قالوا الرؤية لا تتحقق إلا بثمانية أشياء
سلامة الحاسة وكون الشيء بحيث يكون جائز الرؤية وأن يكون المرئي مقابلا للرائي أو
في حكم المقابل فالأول كالجسم المحاذي للرائي والثاني كالأعراض المرئية فإنها ليست
مقابلة للرائي إذ العرض لا يكون مقابلا للجسم ولكنها حالة في الجسم المقابل للرائي
فكان في حكم المقابل وأن لا يكون المرئي في غاية القرب ولا في غاية البعد وأن لا
يكون في غاية الصغر ولا في غاية اللطافة وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب قلنا
الشرائط الستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها إلا في رؤية الأجسام والله تعالى ليس بجسم
فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط في رؤيته ولا يعتبر في حصول الرؤية إلا أمران سلامة
الحاسة وكونه بحيث يصح أن يرى وهذان الشرطان حاصلان فإن قلت الكاف في كما ترون
للتشبيه ولا بد أن تكون مناسبة بين الرائي والمرئي قلت معنى التشبيه فيه أنكم
ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة ولا خفاء كما ترون القمر
(5/43)
كذلك فهو تشبيه للرؤية بالرؤية
لا المرئي بالمرئي
الوجه الثاني فيه زيادة شرف الصلاتين وذلك لتعاقب الملائكة في وقتيهما ولأن وقت
صلاة الصبح وقت لذة النوم كما قيل
( ألذ الكرى عند الصباح يطيب )
والقيام فيه أشق على النفس من القيام في غيره وصلاة العصر وقت الفراغ عن الصناعات
وإتمام الوظائف والمسلم إذا حافظ عليها مع ما فيه من التثاقل والتشاغل فلأن يحافظ
على غيرها بالطريق الأولى
الوجه الثالث ما قاله الخطابي إن قوله إفعلوا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها
بالمحافظة على هاتين الصلاتين
555 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن (
الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال يتعاقبون فيكم
ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين
باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون
وأتيناهم وهم يصلون
مطابقته للترجمة في قوله ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وقد ذكرنا أن اقتصاره
في الترجمة على العصر من باب الإكتفاء
1ذ - كر رجاله وهم خمسة وقد ذكروا غير مرة وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج
عبد الرحمن ابن هرمز
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع وفيه
العنعنة في ثلاثة مواضع ورواته مدنيون ما خلا عبد الله بن يوسف فإنه تنيسي وهو من
أفراد البخاري
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن إسماعيل وقتيبة
وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه وفي البعوث عن قتيبة
وعن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم الكل عن مالك
ذكر معناه وإعرابه قوله يتعاقبون فيكم ملائكة فاعل يتعاقبون مضمر والتقدير ملائكة
يتعاقبون وقوله ملائكة بدل من الضمير الذي فيه إو بيان كأنه قيل من هم فقيل ملائكة
وهذا مذهب سيبويه فيه وفي نظائره وقال الأخفش ومن تابعه إن إظهار ضمير الجمع
والتثنية في الفعل إذا تقدم جائز وهي لغة بني الحارث وقالوا هو نحو أكلوني
البراغيث وكقوله تعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا ( الأنبياء 3 ) وقال القرطبي هذه
لغة فاشية ولها وجه في القياس صحيح وعليها حمل الأخفش قوله تعالى وأسروا النجوى
الذين ظلموا ( الأنبياء 3 ) وقيل هذا الطريق المذكور هنا اختصره الراوي وأصله
الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وبهذا اللفظ رواه البخاري في بدء
الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد إن الملائكة يتعاقبون فيكم فاختلف
فيه عن أبي الزناد وأخرجه النسائي أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ
إن الملائكة يتعاقبون فيكم فاختلف فيه على أبي الزناد فالظاهر أنه كان تارة يذكره
هكذا وتارة هكذا وهذا يقوي قول هذا القائل ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي
هريرة قد رووه تاما فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مثل رواية
موسى بن عقبة لكن بحذف إن من أوله وأخرجه ابن خزيمة والسراج من طريق أبي صالح عن
أبي هريرة بلفظ إن لله ملائكة يتعاقبون وهذه الطريقة أخرجها البزار أيضا وأخرجه
أبو نعيم في ( الحلية ) بإسناد صحيح من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ إن لله
ملائكة فيكم يتعاقبون ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة عقيب طائفة ومنه تعقيب الجيوش وهو
أن يذهب قوم ويأتي آخرون وقال ابن عبد البر وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو
رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثا إلى مدة
ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن
يجهز الأولين فإن قلت ما وجه تكرير تنكيره ملائكة قلت ليدل على أن الثانية غير
الأولى كقوله تعالى غدوها شهر ورواحها شهر ( سبأ 12 ) وأما الملائكة فعند أكثر
العلماء هم الحفظة فسؤاله لهم إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم
(5/44)
لأعمالهم وكتبهم إياها عليهم
وقال عياض رحمه الله وقيل يحتمل أن يكونوا غير الحفظة فسؤاله لهم إنما هو على جهة
التوبيخ لمن قال أتجعل فيها من يفسد فيها ( البقرة 30 ) وإنه اظهر لهم ما سبق في
علمه بقوله اني اعلم ما لا تعلمون وقال القرطبي وهذه حكمة اجتماعهم في هاتين
الصلاتين أو يكون سؤاله لهم استدعاء لشهادتهم لهم ولذلك قالوا أتيناهم وهم يصلون
وتركناهم وهم يصلون وهذا من خفي لطفه وجميل ستره إذا لم يطلعهم إلا على حال
عبادتهم ولم يطلعهم على حالة شهواتهم وما يشبهها انتهى هذا الذي قاله يعطي أنهم
غير الحفظة لأن الحفظة يطلعون على أحوالهم كلها اللهم إلا أن تكون الحفظة غير
الكاتبين فيتجه ما قاله والظاهر أنهم غيرهما لأنه قد جاء في بعض الأحاديث إذا مات
العبد جلس كاتباه عند قبره يستغفران له ويصليان عليه إلى يوم القيامة يوضحه ما
رواه ابن المنذر بسند له عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه أنه كان يقول يتداول
الحارسان من ملائكة الله تعالى حارس الليل وحارس النهار عند طلوع الفجر وعن الضحاك
في قوله تعالى وقرآن الفجر ( الإسراء 78 ) قال تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار
يشهدون أعمال بني آدم وفي تفسير ابن أبي حاتم تشهده الملائكة والجن
قوله ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر اجتماعهم في هاتين الصلاتين لطف من الله
تعالى بعباده المؤمنين إذ جعل اجتماعهم عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عبادتهم
واجتماعهم على طاعة ربهم فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير وقال ابن حبان في
( صحيحه ) فيه بيان أن ملائكة الليل تنزل والناس في صلاة العصر وحينئذ تصعد ملائكة
النهار وهذا ضد قول من زعم أن ملائكة الليل تنزل بعد غروب الشمس فإن قلت ما وجه
ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية قلت لما ثبت لهما من الفضل على غيرهما من
اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال وغير ذلك ناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل
العطايا وهو النظر إلى الله تعالى والله أعلم فإن قلت التعاقب مغاير للاجتماع
فيكون بين قوله يتعاقبون وبين قوله يجتمعون منافاة قلت كل منهما في حالة فلا
منافاة فإن قلت شهودهم معهم الصلاة في الجماعة أم مطلقا قلت اللفظ يحتمل للجماعة
وغيرهم ولكن الظاهر أن ذلك في الجماعة قوله ثم يعرج من عرج يعرج عروجا من باب نصر
ينصر والعروج الصعود ويقال عرج يعرج عرجانا إذا عجز عن شيء أصابه وعرج يعرج عرجا
إذا صار أعرج أو كان خلقه فيه وعرج بالتشديد تعريجا إذا قام قوله الذين باتوا فيكم
الخطاب فيه وفي قوله يتعاقبون فيكم للمصلين وقال بعضهم أي المصلين أو مطلق
المؤمنين قلت لا يصح أن يكون مطلق المؤمنين لأن هذه الفضيلة للمصلين والدليل على
ذلك قوله يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وقال الكرماني فإن قلت ما وجه التخصيص
بالذين باتوا وترك الذين ظلوا قلت إما للاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر كقوله تعالى
سرابيل تقيكم الحر ( النحل 81 ) وإما لأن الليل مظنة المعصية ومظنة الاستراحة فلما
لم يعصوا واشتغلوا بالطاعة فالنهار أولى بذلك وإما لأن حكم طرفي النهار يعلم من
طرفي الليل فذكره يكون تكرارا انتهى وقيل الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صلوا
الفجر عرجوا في الحال وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط
بقية عمل النهار وقال بعضهم وهذا ضعيف لأنه يقتضي أن ملائكة النهار لا يسألون وهو
خلاف ظاهر الحديث قلت هذا الذي ذكره ضعيف لأن لبث ملائكة النهار لضبط بقية عمل
النهار لا يستلزم عدم السؤال وقيل الحكمة في ذلك بناء على أن الملائكة هم الحفظة
أنهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم وملائكة الليل هم الذين يعرجون ويتعاقبون
ويؤيدها ما رواه أبو نعيم في ( كتاب الصلاة ) له من طريق الأسود بن يزيد النخعي
قال يلتقي الحارسان أي ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم
على بعض فتصعد ملائكة الليل وتلبث ملائكة النهار وقيل يحتمل أن يكون العروج إنما
يقع عند صلاة الفجر خاصة وأما النزول فيقع في الصلاتين معا وفيه التعاقب وصورته أن
تنزل طائفة عند العصر وتبيت ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر فتجتمع الطائفتان في
صلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فقط ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل
الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم عند العصر أيضا ولا يصعد منهم أحد بل تبيت
الطائفتان أيضا ثم تعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك فتصح صورة التعاقب مع اختصاص
النزول بالعصر والعروج بالفجر فلهذا خص السؤال بالذين باتوا وقيل إن قوله في هذا
الحديث أعني حديث الباب ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وهم لأنه ثبت من طرق
كثيرة
(5/45)
أن الاجتماع في صلاة الفجر من
غير ذكر صلاة العصر كما في ( الصحيحين ) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في
اثناء حديث قال فيه ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر قال أبو
هريرة واقرأوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( الإسراء 78 ) وفي
الترمذي والنسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى إن قرآن
الفجر كان مشهودا ( الإسراء 78 ) قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وروى ابن
مردويه في تفسيره من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه وقال ابن عبد البر ليس في هذا
دفع للرواية التي ذكر فيها العصر قلت محصل كلامه أن ذكر الفجر في الحديث الذي
استدل به القائل المذكور على أن ذكر العصر وهم غير صحيح لأن ذكر الفجر لا يستلزم
نفي ذكر العصر ولا وجه لنسبة الراوي الثقة إلى الوهم مع إمكان التوفيق بين
الروايات مع أن الزيادة من الثقة العدل مقبولة أو يكون الاقتصار في الفجر لكونها
جهرية ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون تقصير من بعض الرواة في تركهم سؤال الذين
أقاموا في النهار ولم لا يجوز أن يحمل قوله الذين باتوا على ما هو أعم من المبيت
بالليل وبالإقامة بالنهار فلا يختص ذلك حينئذ بليل دون نهار ولا نهار دون ليل بل
كل طائفة منهم إذا صعدت سئلت ويكون فيه استعمال لفظ بات في أقام مجازا ويكون قوله
فيسألهم أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي تصعد فيه ويدل على هذا ما رواه ابن
خزيمة في ( صحيحه ) والسراج في ( مسنده ) جميعا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في
صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتثبت ملائكة
النهار ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل فيسألهم
ربهم كيف تركتم عبادي الحديث وهذا فيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين قوله فيسألهم
الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستعطافهم بما يقتضي العطف عليهم
وقيل كان ذلك لإظهار الحكمة في خلق بني آدم في مقابلة من قال من الملائكة أتجعل
فيها من يفسد فيها ( البقرة 30 ) الآية والمعنى أنه قد وجد فيهم من يسبح ويقدس
مثلكم بنص شهادتكم وقال عياض هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن
يكتبوا أعمال بني آدم وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع قوله كيف تركتم
قال ابن أبي حمزة وقع السؤال عن آخر الأعمال لأن الأعمال بخواتيمها قال والعباد
المسؤول عنهم هم الذين ذكروا في قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( الحجر
242 والإسراء 65 ) قوله تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون فإن قلت كان مقتضى
الحال أن يبدؤا أولا بالإتيان ثم بالترك ولم يراعوا الترتيب قلت لأن المقصود هو
الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها فناسب أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها
وقال ابن التين الواو في قوله وهم يصلون واو الحال أي تركناهم على هذه الحال فإن
قلت يلزم من هذا أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم والخبر ناطق
بأنهم شهدوها قلت الخبر محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها في أول وقتها
وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك ومن شرع في إسباب ذلك فإن قيل ما الفائدة في قولهم
وأتيناهم وكان السؤال عن كيفية الترك وأجيب بأنهم زادوا في الجواب إظهارا لبيان
فضيلتهم وحرصا على ذكر ما يوجب مغفرتهم كما هو وظيفتهم فيما أخبر الله عنهم بقوله
ويستغفرون للذين آمنوا ( غافر 7 )
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الصلاة أعلى العبادات لأنه عليها وقع السؤال والجواب
وفيه التنبيه على أن الفجر والعصر من أعظم الصلوات كما ذكرناه وفيه الإشارة إلى
شرف هذين الوقتين وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن الأعمال ترفع آخر
النهار فمن كان حينئذ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله وفيه إشارة إلى تشريف هذه
الأمة على غيرها ويلزم من ذلك تشريف نبينا على غيره من الأنبياء عليهم السلام وفيه
الإيذان بأن الملائكة تحب هذه الأمة ليزدادوا فيهم حبا ويتقربون بذلك إلى الله
تعالى وفيه الدلالة على أن الله تعالى يتكلم مع ملائكته وفيه الحث على المثابرة
على صلاة العصر لأنها تأتي في وقت اشتغال الناس وقال بعضهم استدل بعض الحنفية
بقوله ثم يعرج الذين باتوا فيكم على استحباب تأخير صلاة العصر ليقع عروج الملائكة
إذا فرغ منها آخر النهار ثم قال وتعقب بأن ذلك غير لازم إذ ليس في الحديث ما يقتضي
أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة بل جائز أن تفرغ الصلاة ويتأخروا بعد
ذلك إلى آخر النهار ولا مانع أيضا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض النهار باق ويقيم
ملائكة الليل انتهى قلت هذا
(5/46)
القائل ذكر في هذا الموضع
ناقلا عن البعض أن ملائكة الليل إذا صلوا الفجر عرجوا في الحال وملائكة النهار إذا
صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار ثم قال وهذا ضعيف لأنه
يقتضي أن ملائكة النهار لا يسألون وهو خلاف ظاهر الحديث والعجب منه أنه ناقض كلامه
الذي ذكره في التعقيب على ما لا يخفى وبمثل هذا التصرف لا يتوجه الرد على المستدلي
بقوله ثم يعرج الذين باتوا فيكم على استحباب تأخير صلاة العصر
17 -
( باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب )
أي هذا باب في بيان حكم من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس قيل جواب من
التي تضمن معنى الشرط محذوف قلت لا نسلم أن من ههنا شرطية ولكنها موصولة يوضح ذلك
ما قدرناه وقال بعضهم إنما لم يأت المصنف في الترجمة بجواب الشرط لما في لفظ المتن
الذي أورده من الاحتمال وهو قوله فليتم صلاته فإن الأمر بالإتمام أعم من أن يكون
ما يتمه أداء أو قضاء قلت لا بد للشرط من جواب سواء كان ملفوظا أو مقدرا والجواب
في الحديث مذكور وكون الأمر بالإتمام أعم ليست قرينة لترك جواب الشرط في الترجمة
وكان ينبغي أن يقول جواب الشرط في الترجمة محذوف تقديره فليتم ويبينه جواب الشرط
الذي في متن الحديث ولكن التقدير الذي قدرناه لا يحوجنا إلى تقدير جواب الشرط ولا
إلى القول بأن من شرطية
556 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن (
أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة
العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع
الشمس فليتم صلاته
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر فإن قلت المذكور
في الترجمة ركعة وفي الحديث سجدة والترجمة في الإدراك من العصر والحديث فيالعصر
والصبح فلا تطابق قلت المراد من السجدة الركعة على ما يجيء إن شاء الله تعالى وترك
الصبح فيها من باب الاكتفاء
ذكر رجاله وهم خمسة أبو نعيم الفضل بن دكين وشيبان بن عبد الرحمن التميمي ويحيى بن
أبي كثير وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه القول وفيه أن رواته ما بين كوفي وبصري ومدني
ذكر الاختلاف في ألفاظ الحديث المذكور أخرجه البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه أن رسول الله قال من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك
الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر أخرجه في باب من
أدرك من الفجر ركعة وفي رواية النسائي إذا أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر
قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وكذا أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ورواه أحمد بن
منيع ولفظه من أدرك منكم أول ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته
ومن أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك وفي رواية أبي داود إذا
أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر وعند السراج من صلى بسجدة واحدة من العصر قبل
غروب الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر ومن صلى سجدة واحدة من
الصبح قبل طلوع الشمس ثم صلى ما بقي بعد طلوعها فلم يفته الصبح وفي لفظ من أدرك
ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع فقد أدرك وفي لفظ من صلى ركعة
من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته وفي لفظ من أدرك ركعة من الجمعة فليصل
إليها أخرى وفي لفظ من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس ثم صلى ما بقي بعد
الغروب فلم يفته العصر وفي لفظ من أدرك قبل طلوع الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة ومن
أدرك قبل غروب الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة وفي لفظ من أدرك ركعة أو ركعتين من صلاة
العصر وفي لفظ ركعتين من غير تردد غير أنه موقوف وهو عند ابن خزيمة مرفوع بزيادة
أو ركعة من صلاة
(5/47)
الصبح وهو عند الطيالسي من
أدرك من العصر ركعتين أو ركعة الشك من أبي بشر قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك ومن
أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك وعند أحمد من أدرك ركعة من صلاة
الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك ومن أدرك ركعة أو ركعتين من صلاة العصر قبل أن
تغرب الشمس فقد أدرك وفي رواية النسائي من أدرك من صلاة ركعة فقد أدرك وعند
الدارقطني قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها وعنده أيضا فقد أدرك الفضيلة ويتم
ما بقي وضعفه وفي ( سنن ) الكبحي من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها وفي ( الصلاة )
لأبي نعيم ومن أدرك ركعتين قبل أن تغرب الشمس وركعتين بعد أن غابت الشمس فلم تفته
العصر وعند مسلم من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة وعند النسائي
بسند صحيح من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته وعند
الطحاوي من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها قال وأكثر الرواة لا
يذكرون فضلها قال وهو الأظهر وعند الطحاوي من حديث عائشة نحو حديث أبي هريرة
وأخرجه النسائي وابن ماجه أيضا
ذكر معناه قوله إذا أدرك كلمة إذا تتضمن معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في جوابها
وهو قوله فليتم صلاته قوله سجدة أي ركعة يدل عليه الرواية الأخرى للبخاري من أدرك
من الصبح ركعة وكذلك فسرها في رواية مسلم حدثني أبو الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن
وهب والسياق لحرملة قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة
رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس
أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها والسجدةإنما هي الركعة وفسرها حرملة وكذا فسر
في ( الأم ) أنه يعبر بكل واحد منهما عن الآخر وأيا ما كان فالمراد بعض الصلاة
وإدراك شيء منها وهو يطلق على الركعة والسجدة وما دونها مثل تكبيرة الإحرام وقال
الخطابي قوله سجدة معناها الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها
بسجودها فسميت على هذا المعنى سجدة فإن قلت ما الفرق بين قوله من أدرك من الصبح
سجدة وبين قوله من أدرك سجدة من الصبح قلت رواية تقدم السجدة هي السبب الذي به
الإدراك ومن قدم الصبح أو العصر قبل الركعة فلأن هذين الإسمين هما اللذان يدلان على
هاتين الصلاتين دلالة خاصة تتناول جميع أوصافها بخلاف السجدة فإنها تدل على بعض
أوصاف الصلاة فقدم اللفظ الأعم الجامع
ذكر ما يستفاد منه من الأحكام منها أن فيه دليلا صريحا في أن من صلى ركعة من العصر
ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهذا بالإجماع وأما في الصبح فكذلك
عند الشافعي ومالك وأحمد وعند أبي حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها وقالوا
الحديث حجة على أبي حنيفة وقال النووي قال أبو حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس
فيها لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف الغروب والحديث حجة عليه قلت من وقف على
ما أسس عليه أبو حنيفة عرف أن الحديث ليس بحجة عليه وعرف أن غير هذا الحديث من
الأحاديث حجة عليهم فنقول لا شك أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها ولكن لا يمكن أن
يكون كل الوقت سببا لأنه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت فتعين أن يجعل
بعض الوقت سببا وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم فإن اتصل به الأداء تقررت
السببية وإلا تنتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن فيه
من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت ثم هذا الجزء إن كان صحيحا بحيث لم
ينسب إلى الشيطان ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملا حتى لو اعترض
الفساد في الوقت بطلوع الشمس في خلال الصلاة فسدت خلافا لهم لأن ما وجب كاملا لا
يتأدى بالناقص كالصوم المنذور المطلق وصوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر والتشريق
وإذا كان هذا الجزء ناقصا كان منسوبا إلى الشيطان كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصا
لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب فيتأدى بصفة النقصان لأنه أدى كما لزم كما
إذا أنذر صوم النحر وأداه فيه فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العصر لأن
ما بعد الغروب كامل فيتأدى فيه لأن ما وجب ناقصا يتأدى كاملا بالطريق الأولى فإن
قلت يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدها إلى أن غربت قلت لما
كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت فيعفى الفساد الذي يتصل به بالبناء لأن
الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر وأما الجواب عن الحديث المذكور فهو ما
ذكره الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي وهو
(5/48)
أنه يحتمل أن يكون معنى
الإدراك في الصبيان الذين يدركون يعني يبلغون قبل طلوع الشمس والحيض اللاتي يطهرن
والنصارى الذين يسلمون لأنه لما ذكر في هذا الإدراك ولم يذكر الصلاة فيكون هؤلاء
الذين سميناهم ومن أشبههم مدركين لهذه الصلاة فيجب عليهم قضاؤها وإن كان الذي بقي
عليهم من وقتها أقل من المقدار الذي يصلونها فيه فإن قلت فما تقول فيما رواه أبو
سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن
تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم
صلاته رواه البخاري والطحاوي أيضا فإنه صريح في ذكر البناء بعد طلوع الشمس قلت قد
تواترت الآثار عن النبي بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ما لم تتواتر بإباحة
الصلاة عند ذلك فدل ذلك على أن ما كان فيه الإباحة كان منسوخا بما كان فيه التواتر
بالنهي فإن قلت ما حقيقة النسخ في هذا والذي تذكره احتمال وهل يثبت النسخ
بالاحتمال قلت حقيقة النسخ هنا أنه اجتمع في هذا الموضع محرم ومبيح وقد تواترت
الأخبار والآثار في باب المحرم ما لم تتواتر في باب المبيح وقد عرف من القاعدة أن
المحرم والمبيح إذا اجتمعا يكون العمل للمحرم ويكون المبيح منسوخا وذلك لأن الناسخ
هو المتأخر ولا شك أن الحرمة متأخرة عن الإباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة
والتحريم عارض ولا يجوز العكس لأنه يلزم النسخ مرتين فافهم فإنه كلام دقيق قد لاح
لي من الأنوار الإلهيةفان قلت إنما ورد النهي المذكور عن الصلاة في التطوع خاصة
وليس بنهي عن قضاء الفرائض قلت دل حديث عمران بن حصين الذي أخرجه البخاري ومسلم
وغيرهما على أن الصلاة الفائتة قد دخلت في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند
غروبها وعن عمران أنه قال سرينا مع رسول الله في غزوة أو قال في سرية فلما كان آخر
السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس الحديث وفيه أنه أخر صلاة الصبح حتى
فاتت عنهم إلى أن ارتفعت الشمس ولم يصلها قبل الإرتفاع فدل ذلك أن النهي عام يشمل
الفرائض والنوافل والتخصيص بالتطوع ترجيح بلا مرجح
ومنها أي من الأحكام أن أبا حنيفة ومن تبعه استدلوا بالحديث المذكور أن آخر وقت
العصر هو غروب الشمس لأن من أدرك منه ركعة أو ركعتين مدرك له فإذا كان مدركا يكون
ذلك الوقت من وقت العصر لأن معنى قوله فقد أدرك أدرك وجوبها حتى إذا أدرك الصبي
قبل غروب الشمس أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض تجب عليه صلاة
العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزأ يسيرا لا يسع فيه الأداء وكذلك الحكم قبل طلوع
الشمس وقال زفر لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس وقال
زفر لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء فيه حقيقة وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك
دون ركعة كتكبيرة مثلا أحدهما لا يلزمه والآخر يلزمه وهو أصحهما
ومنها أنهم اختلفوا في معنى الإدراك هل هو للحكم أو للفضل أو للوقت في أقل من ركعة
فذهب مالك وجمهور الأئمة وهو أحد قولي الشافعي إلى أنه لا يدرك شيئا من ذلك بأقل
من ركعة متمسكين بلفظ الركعة وبما في ( صحيح ) ابن حبان عن أبي هريرة إذا جئتم إلى
الصلاة ونحن سجود فاسجدوها ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة وذهب
أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في قول إلى أنه يكون مدركا لحكم الصلاة فإن قلت قيد
في الحديث بركعة فينبغي أن لا يعتبر أقل منها قلت قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب
فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة أو نحوها حتى قال بعض الشافعية إنما أراد
رسول الله بذكر الركعة البعض من الصلاة لأنه روي عنه من أدرك ركعة من العصر و من
أدرك ركعتين من العصر ومن أدرك سجدة من العصر فأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة ومرة
بركعتين ومرة بسجدة والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة فمن أدركها فكأنه
أدرك ركعة وقال القرطبي واتفق هؤلاء يعني أبا حنيفة وأبا يوسف والشافعي في قول على
إدراكهم العصر بتكبيرة قبل الغروب واختلفوا في الظهر فعند الشافعي في قول هو مدرك
بتكبيرة لها لاشتراكهما في الوقت وعنه أنه بتمام القيام للظهر يكون قاضيا لها بعد
واختلفوا في الجمعة فذهب مالك والثوري والأوزاعي والليث وزفر ومحمد والشافعي وأحمد
إلى أن من أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أحرم في
الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين وهو قول النخعي والحكم وحماد وأغرب عطاء ومكحول
وطاووس ومجاهد فقالوا إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة يصلي أربعا لأن الجمعة إنما
قصرت من أجل الخطبة
(5/49)
وحمل أصحاب مالك قوله من أدرك
ركعة من العصر على أصحاب الأعذار كالحائض والمغمى عليه وشبههما ثم هذه الركعة التي
يدركون بها الوقت هي بقدر ما يكبر فيها للإحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة
ويركع ويسجد سجدتين يفصل بينهما ويطمئن في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة وعلى
قول من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة يكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها
وأشهب لا يراعي إدراك السجدة بعد الركعة وسبب الخلاف هل المفهوم من اسم الركعة
الشرعية أو اللغوية
وأما التي يدرك بها فضيلة الجماعة فحكمها بأن يكبر لإحرامها ثم يركع ويمكن يديه من
ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي هريرة أنه لا يعتد
بالركعة ما لم يدرك الإمام قائما قبل أن يركع وروي معناه عن أشهب وروي عن جماعة من
السلف أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام وقيل
يجزيه وإن رفع الإمام رأسه ما لم يرفع الناس ونقله ابن بزيزة عن الشعبي قال وإذا
انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رؤوسهم أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه وقد رفع
الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك الصلاة لأن الصف الذي هو فيه إمامه وقال ابن أبي
ليلى وزفر والثوري إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك وإن رفع الإمام قبل
أن يضع يديه على ركبتيه فإنه لا يعتد بها وقال ابن سيرين إذا أدرك تكبيرة يدخل بها
في الصلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك تلك الركعة وقال القرطبي وقيل يجزيه إن أحرم
قبل سجود الإمام وقال ابن بزيزة قال أبو العالية إذا جاء وهم سجود يسجد معهم فإذا
سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد ويعتد بتلك الركعة وعن ابن عمر رضي الله تعالى
عنه أنه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى ولا يعتد
بها وقال ابن مسعود إذا ركع ثم مشى فدخل في الصف قبل أن يرفعوا رؤوسهم اعتد بها
وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها
وأما حكم هذه الصلاة فالصحيح أنها كلها أداء قال بعض الشافعية كلها قضاء وقال
بعضهم تلك الركعة أداء وما بعدها قضاء وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى العصر وصلى
ركعة في الوقت فإن قلنا الجميع أداء فله قصرها وإن قلنا كلها قضاء أو بعضها وجب
إتمامها أربعا إن قلنا إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها وهذا كله
إذا أدرك ركعة في الوقت فإن كان دون ركعة فقال الجمهور كلها قضاء
557 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد
الله عن أبيه أنه أخبره أنه سمع رسول الله يقول إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من
الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا
انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى
صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس
فأعطينا قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا
قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا قال قال الله عز و جل هل ظلمتكم من أجركم من شيء
قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء
مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله إلى غروب الشمس فدل على أن وقت العصر إلى غروب
الشمس وأن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك وقتها فليتم ما بقي وهذا
المقدار بطريق الاستئناس الإقناعي لا بطريق الأمر البرهاني ولهذا قال ابن المنير
هذا الحديث مثال لمنازل الأمم عند الله تعالى وإن هذه الأمة أقصرها عمرا وأقلها
عملا وأعظمها ثوابا
ويستنبط منه للبخاري بتكلف في قوله فعملنا إلى غروب الشمس فدل أن وقت العمل ممتد
إلى غروب الشمس وأنه لا يفوت وأقرب الأعمال المشهور بهذا الوقت صلاة العصر وهو من
قبيل الأخذ بالإشارة لا من
(5/50)
صريح العبارة فإن الحديث مثال
وليس المراد عملا خاصا بهذا الوقت بل المراد سائر أعمال الأمة من سائر الصلوات
وغيرها من سائر العبادات في سائر مدة بقاء الأمة إلى قيام الساعة وكذا قال أبو
المعالي الجويني بأن الأحكام لا تتعلق بالأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال فإنه موضع
تجوز وقال المهلب إنما أدخل البخاري هذا الحديث والحديث الذي بعده في هذا الباب
لقوله ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين ليدل على
أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل مثل الذي أعطي من العصر إلى الليل أجر النهار
كله فمثله كالذي أعطي على ركعة أدرك وقتها أجر الصلاة كلها في آخر الوقت وقال صاحب
( التلويح ) فيه بعد لأنه لو قال إن هذه الأمة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه
ولكنها ما أعطيت إلا بعض أجر جميع النهار نعم عملت هذه الأمة قليلا وأخذت كثيرا ثم
هو أيضا منفك عن محل الاستدلال لأن عمل هذه الأمة آخر النهار كان أفضل من عمل
المتقدمين قبلها ولا خلاف أن صلاة العصر متقدمة أفضل من صلاتها متأخرة ثم هذا من
الخصائص المستثناة عن القياس فكيف يقاس عليه ألا ترى أن صيام آخر النهار لا يقوم
مقام جملته وكذا سائر العبادات انتهى قلت كل ما ذكروا ههنا لا يخلو عن تعسف وقوله
لا خلاف غير موجه لأن الخلاف موجود في تقديم صلاة العصر وتأخيرها وقياسه على الصوم
كذلك لأن وقت الصوم لا يتجزى بخلاف الصلاة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد العزيز الأويسي بضم الهمزة مر في كتاب الحرص على
الحديث ونسبته إلى أويس أحد أجداده الثاني ابراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني الثالث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الرابع
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الخامس أبوه عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة الافراد من الماضي وفيه
القول وفيه السماع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه
رواية التابعة عن التابعي وهما ابن شهاب وسالم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في باب الإجارة إلى نصف النهار
عن سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب عن نافع به وأخرجه أيضا في باب فضل القرآن عن
مسدد عن يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وأخرجه أيضا في التوحيد عن
أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله وأخرجه أيضا في باب ما ذكر عن
بني إسرائيل عن قتيبة عن ليث عن نافع به وأخرجه مسلم والترمذي أيضا
ذكر معناه قوله إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم ظاهره ليس بمراد لأن ظاهره أن
بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة وليس كذلك وإنما معناه أن نسبتكم إليهم
كنسبة وقت العصر إلى تمام النهار وفي رواية الترمذي إنما أجلكم في أجل من خلا من
الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس قوله إلى غروب الشمس كان القياس أن يقال
وغروب الشمس بالواو لأن بين يقتضي دخوله على متعدد ولكن المراد من الصلاة وقت
الصلاة وله أجزاء فكأنه قال بين أجزاء وقت صلاة العصر قوله أوتي أهل التوراة أوتي
على صيغة المجهول أي أعطي فالتوراة الأولى مجرورة بالإضافة والثانية منصوبة على
أنه مفعول ثان قيل اشتقاق التوراة من الوري ووزنها تفعلة وقال الزمخشري التوراة
والإنجيل إسمان أعجميان وتكلف اشتقاقهما من الوري والنجل ووزنهما تفعلة وإفعيل
إنما يصح بعد كونهما عربيين وقرأ الحسن الأنجيل بفتح الهمزة وهو دليل على العجمة
لأن أفعيل بفتح الهمزة عديم في أوزان العرب قوله عجزوا قال الداودي قاله أيضا في
النصارى فإن كان المراد من مات منهم مسلما فلا يقال عجزوا لأنه عمل ما أمر به وإن
كان قاله فيمن آمن ثم كفر فكيف يعطى القيراط من حبط عمله بكفر وأجيب بأن المراد من
مات منهم مسلما قبل التغيير والتبديل وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار
كله وإن كانوا قد استوفوا ما قدر لهم فقوله عجزوا أي عن إحراز الأجر الثاني دون
الأول لكن من أدرك منهم النبي وآمن به أعطي الأجر مرتين قوله قيراطا هو نصف دانق
والمراد منه النصيب والحصة وقد استوفينا الكلام فيه في باب اتباع الجنائز من
الإيمان وإنما كرر لفظ القيراط ليدل على تقسيم القراريط على جميعهم كما هو عادة
كلامهم حيث أرادوا تقسيم الشيء
(5/51)
على متعدد قوله ثم أوتي أهل
الإنجيل الإنجيل الأول مجرور بالإضافة والثاني منصوب على المفعولية قوله فقال أهل
الكتابين أي التوراة والإنجيل قوله أي ربنا كلمة أي من حروف النداء يعني يا ربنا
ولا تفاوت في إعراب المنادى بين حروفه قوله ونحن كنا أكثر عملا قال الإسماعيلي
إنما قالت النصارى نحن أكثر عملا لأنهم آمنوا بموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام
قلت النصارى لم يؤمنوا بموسى على ذلك جماعة الإخباريين وأيضا قوله ونحن كنا أكثر
عملا حكاية عن قول أهل الكتابين وقال الكرماني قول اليهود ظاهر لأن الوقت من الصبح
إلى الظهر أكثر من وقت العصر إلى المغرب وقول النصارى لا يصح إلا على مذهب الحنفية
حيث يقولون العصر هو مصير ظل الشيء مثليه وهذا من جملة أدلتهم على مذهبهم قلت هذا
الذي ذكره هو قول أبي حنيفة وحده وغيره من أصحابه يقولون مثله ويمكن أن يقال إنما
أسند الأكثرية إلى الطائفتين وإن كان في إحداهما بطريق التغليب ويقال لا يلزم من
كونهم أكثر عملا أكثر زمانا لاحتمال كون العمل أكثر في الزمان الأقل قوله هل
ظلمتكم أي هل نقصتكم إذ الظلم قد يكون بزيادة الشيء وقد يكون بنقصانه وفي بعض النسخ
أظلمتكم بهمزة الاستفهام وهو أيضا بمعنى هل ظلمتكم أي في الذي شرطت لكم شيئا
ذكر ما يستنبط منه فيه تفضيل هذه الأمة وتوفر أجرها مع قلة العمل وإنما فضلت بقوة
يقينها ومراعاة أصل دينها فإن زلت فأكثر زللها في الفروع بخلاف من كان قبلهم
كقولهم اجعل لنا إلاها ( الأعراف 138 ) وكامتناعهم من أخذ الكتاب حتى نتق الجبل
فوقهم و فاذهب أنت وربك فقاتلا ( المائدة 54 )
وفيه ما استنبطه أبو زيد الدبوسي في ( كتاب الأسرار ) من أن وقت العصر إذا صار ظل
كل شيء مثليه لأنه إذا كان كذلك كان قريبا من أول العاشرة فيكون إلى المغرب ثلاث
ساعات غير شيء يسير وتكون النصارى أيضا عملوا ثلاث ساعات وشيئا يسيرا وهذا من أول
الزوال إلى أول الساعة العاشرة وهو إذا صار ظل كل شيء مثليه واعترض على هذا بأن
النصارى لم تقله وإنما قاله الفريقان اليهود والنصارى ووقتهم أكثر من وقتنا
فيستقيم قولهم أكثر عملا وأجيب بأن اليهود والنصارى لا يتفقان على قول واحد بل
قالت النصارى كنا أكثر عملا وأقل عطاء وكذا اليهود باعتبار كثرة العمل وطوله ونقل
بعضهم كلام أبي زيد هكذا ثم قال تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد إلى أن وقت العصر من
مصير ظل كل شيء مثليه لأنه لو كان ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر وقد
قالوا كنا أكثر عملا فدل على أنه دون وقت الظهر ثم قال وأجيب بمنع المساواة وذلك
معروف عند أهل العلم بهذا الفن وهو أن المدة بين الظهر والعصر أطول من المدة التي
بين العصر والمغرب انتهى قلت لا يخفى على كل أحد أن وقت العصر لو كان بمصير ظل كل
شيء مثله يكون وقت الظهر الذي ينتهي إلى مصير ظل كل شيء مثله مثل وقت العصر الذي
نقول وقته بمصير ظل كل شيء مثله ومع هذا أبو زيد ما ادعى المساواة بالتحقيق ثم قال
هذا القائل وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة قلت ما
ادعى هو التسوية من كل جهة حتى يعترض عليه
وفيه ما استنبطه بعضهم أن مدة المسلمين من حين ولد سيدنا رسول الله إلى قيام
الساعة ألف سنة وذلك لأنه جعل النهار نصفين الأول لليهود فكانت مدتهم ألف سنة
وستمائة سنة وزيادة في قول ابن عباس رواه أبو صالح عنه وفي قول ابن إسحاق ألف سنة
وتسعمائة سنة وتسع عشرة سنة وللنصارى كذلك فجاءت مدة النصارى لا يختلف الناس أنه
كان بين عيسى ونبينا صلوات الله على نبينا وعليه ستمائة سنة فبقي للمسلمين ألف سنة
وزيادة وفيه نظر من حيث إن الخلاف في مدة الفترة فذكر الحاكم في ( الإكليل ) أنها
مائة وخمسة وعشرون سنة وذكر أنها أربعمائة سنة وقيل خمسمائة وأربعون سنة وعن
الضحاك أربعمائة وبضع وثلاثون سنة وقد ذكر السهيلي عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي
أن جعفرا حدث بحديث مرفوع إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة
وإن أساءت فنصف يوم وفي حديث زمل الخزاعي قال رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع
درجات وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعتها ففسر له النبي الناقة بقيام الساعة التي
أنذر بها ودرجات المنبر عدة الدنيا سبعة آلاف سنة بعث في آخرها ألفا قال السهيلي
والحديث وإن كان ضعيف الإسناد فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه قال
الدنيا سبعة
(5/52)
أيام كل يوم ألف سنة وصحح
الطبري هذا الأصل وعضده بآثار
وفيه ما استدل به بعض أصحابنا على أن آخر وقت الظهر ممتد إلى أن يصير ظل كل شيء
مثليه وذلك أنه جعل لنا من الزمان من الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر
ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس وهو يدل أن بينهما أقل من ربع النهار لأنه لم
يبق من الدنيا ربع الزمان لقوله بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى
فشبه ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبابة والوسطى
من التفاوت قال السهيلي وبينهما نصف سبع لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منها سبع
وزيادتها على السبابة نصف سبع والدنيا على ما قدمناه عن ابن عباس سبعة آلاف سنة
فلكل سبع ألف سنة وفضلت الوسطى على السبابة بنصف الأنملة وهو ألف سنة فيما ذكره
أبو جعفر الطحاوي وغيره وزعم السهيلي أنه بحساب الحروف المقطعة أوائل السور تكون
تسعمائة سنة وثلاث سنين وهل هي من مبعثه أو هجرته أو وفاته والله أعلم
556 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن (
أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة
العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع
الشمس فليتم صلاته
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر فإن قلت المذكور
في الترجمة ركعة وفي الحديث سجدة والترجمة في الإدراك من العصر والحديث فيالعصر
والصبح فلا تطابق قلت المراد من السجدة الركعة على ما يجيء إن شاء الله تعالى وترك
الصبح فيها من باب الاكتفاء
ذكر رجاله وهم خمسة أبو نعيم الفضل بن دكين وشيبان بن عبد الرحمن التميمي ويحيى بن
أبي كثير وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه القول وفيه أن رواته ما بين كوفي وبصري ومدني
ذكر الاختلاف في ألفاظ الحديث المذكور أخرجه البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه أن رسول الله قال من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح
ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر أخرجه في باب من أدرك من
الفجر ركعة وفي رواية النسائي إذا أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر قبل أن
تغرب الشمس فليتم صلاته وكذا أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ورواه أحمد بن منيع
ولفظه من أدرك منكم أول ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ومن
أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك وفي رواية أبي داود إذا أدرك
أحدكم أول السجدة من صلاة العصر وعند السراج من صلى بسجدة واحدة من العصر قبل غروب
الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر ومن صلى سجدة واحدة من الصبح
قبل طلوع الشمس ثم صلى ما بقي بعد طلوعها فلم يفته الصبح وفي لفظ من أدرك ركعة من
الفجر قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع فقد أدرك وفي لفظ من صلى ركعة من صلاة
الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته وفي لفظ من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى
وفي لفظ من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس ثم صلى ما بقي بعد الغروب فلم
يفته العصر وفي لفظ من أدرك قبل طلوع الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة ومن أدرك قبل
غروب الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة وفي لفظ من أدرك ركعة أو ركعتين من صلاة العصر
وفي لفظ ركعتين من غير تردد غير أنه موقوف وهو عند ابن خزيمة مرفوع بزيادة أو ركعة
من صلاة الصبح وهو عند الطيالسي من أدرك من العصر ركعتين أو ركعة الشك من أبي بشر
قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك
وعند أحمد من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك ومن أدرك ركعة
أو ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك وفي رواية النسائي من أدرك من
صلاة ركعة فقد أدرك وعند الدارقطني قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها وعنده أيضا
فقد أدرك الفضيلة ويتم ما بقي وضعفه وفي ( سنن ) الكبحي من أدرك من صلاة ركعة فقد
أدركها وفي ( الصلاة ) لأبي نعيم ومن أدرك ركعتين قبل أن تغرب الشمس وركعتين بعد
أن غابت الشمس فلم تفته العصر وعند مسلم من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد
أدرك الصلاة وعند النسائي بسند صحيح من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها
إلا أنه يقضي ما فاته وعند الطحاوي من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها
قال وأكثر الرواة لا يذكرون فضلها قال وهو الأظهر وعند الطحاوي من حديث عائشة نحو
حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي وابن ماجه أيضا
ذكر معناه قوله إذا أدرك كلمة إذا تتضمن معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في جوابها
وهو قوله فليتم صلاته قوله سجدة أي ركعة يدل عليه الرواية الأخرى للبخاري من أدرك
من الصبح ركعة وكذلك فسرها في رواية مسلم حدثني أبو الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن
وهب والسياق لحرملة قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة
رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس
أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها والسجدةإنما هي الركعة وفسرها حرملة وكذا فسر
في ( الأم ) أنه يعبر بكل واحد منهما عن الآخر وأيا ما كان فالمراد بعض الصلاة وإدراك
شيء منها وهو يطلق على الركعة والسجدة وما دونها مثل تكبيرة الإحرام وقال الخطابي
قوله سجدة معناها الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها بسجودها فسميت
على هذا المعنى سجدة فإن قلت ما الفرق بين قوله من أدرك من الصبح سجدة وبين قوله
من أدرك سجدة من الصبح قلت رواية تقدم السجدة هي السبب الذي به الإدراك ومن قدم
الصبح أو العصر قبل الركعة فلأن هذين الإسمين هما اللذان يدلان على هاتين الصلاتين
دلالة خاصة تتناول جميع أوصافها بخلاف السجدة فإنها تدل على بعض أوصاف الصلاة فقدم
اللفظ الأعم الجامع
ذكر ما يستفاد منه من الأحكام منها أن فيه دليلا صريحا في أن من صلى ركعة من العصر
ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهذا بالإجماع وأما في الصبح فكذلك
عند الشافعي ومالك وأحمد وعند أبي حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها وقالوا
الحديث حجة على أبي حنيفة وقال النووي قال أبو حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس
فيها لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف الغروب والحديث حجة عليه قلت من وقف على
ما أسس عليه أبو حنيفة عرف أن الحديث ليس بحجة عليه وعرف أن غير هذا الحديث من
الأحاديث حجة عليهم فنقول لا شك أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها ولكن لا يمكن أن
يكون كل الوقت سببا لأنه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت فتعين أن يجعل
بعض الوقت سببا وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم فإن اتصل به الأداء تقررت
السببية وإلا تنتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن فيه
من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت ثم هذا الجزء إن كان صحيحا بحيث لم
ينسب إلى الشيطان ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملا حتى لو اعترض
الفساد في الوقت بطلوع الشمس في خلال الصلاة فسدت خلافا لهم لأن ما وجب كاملا لا
يتأدى بالناقص كالصوم المنذور المطلق وصوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر والتشريق
وإذا كان هذا الجزء ناقصا كان منسوبا إلى الشيطان كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصا
لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب فيتأدى بصفة النقصان لأنه أدى كما لزم كما
إذا أنذر صوم النحر وأداه فيه فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العصر لأن
ما بعد الغروب كامل فيتأدى فيه لأن ما وجب ناقصا يتأدى كاملا بالطريق الأولى فإن
قلت يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدها إلى أن غربت قلت لما
كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت فيعفى الفساد الذي يتصل به بالبناء لأن
الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر وأما الجواب عن الحديث المذكور فهو ما
ذكره الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي وهو أنه يحتمل أن يكون معنى الإدراك في
الصبيان الذين يدركون يعني يبلغون قبل طلوع الشمس والحيض اللاتي يطهرن والنصارى
الذين يسلمون لأنه لما ذكر في هذا الإدراك ولم يذكر الصلاة فيكون هؤلاء الذين
سميناهم ومن أشبههم مدركين لهذه الصلاة فيجب عليهم قضاؤها وإن كان الذي بقي عليهم
من وقتها أقل من المقدار الذي يصلونها فيه فإن قلت فما تقول فيما رواه أبو سلمة عن
أبي هريرة قال قال رسول الله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس
فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته رواه
البخاري والطحاوي أيضا فإنه صريح في ذكر البناء بعد طلوع الشمس قلت قد تواترت
الآثار عن النبي بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ما لم تتواتر بإباحة الصلاة عند
ذلك فدل ذلك على أن ما كان فيه الإباحة كان منسوخا بما كان فيه التواتر بالنهي فإن
قلت ما حقيقة النسخ في هذا والذي تذكره احتمال وهل يثبت النسخ بالاحتمال قلت حقيقة
النسخ هنا أنه اجتمع في هذا الموضع محرم ومبيح وقد تواترت الأخبار والآثار في باب
المحرم ما لم تتواتر في باب المبيح وقد عرف من القاعدة أن المحرم والمبيح إذا
اجتمعا يكون العمل للمحرم ويكون المبيح منسوخا وذلك لأن الناسخ هو المتأخر ولا شك
أن الحرمة متأخرة عن الإباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم عارض ولا يجوز
العكس لأنه يلزم النسخ مرتين فافهم فإنه كلام دقيق قد لاح لي من الأنوار
الإلهيةفان قلت إنما ورد النهي المذكور عن الصلاة في التطوع خاصة وليس بنهي عن
قضاء الفرائض قلت دل حديث عمران بن حصين الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما على أن
الصلاة الفائتة قد دخلت في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعن عمران
أنه قال سرينا مع رسول الله في غزوة أو قال في سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما
استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس الحديث وفيه أنه أخر صلاة الصبح حتى فاتت عنهم إلى
أن ارتفعت الشمس ولم يصلها قبل الإرتفاع فدل ذلك أن النهي عام يشمل الفرائض
والنوافل والتخصيص بالتطوع ترجيح بلا مرجح
ومنها أي من الأحكام أن أبا حنيفة ومن تبعه استدلوا بالحديث المذكور أن آخر وقت
العصر هو غروب الشمس لأن من أدرك منه ركعة أو ركعتين مدرك له فإذا كان مدركا يكون
ذلك الوقت من وقت العصر لأن معنى قوله فقد أدرك أدرك وجوبها حتى إذا أدرك الصبي
قبل غروب الشمس أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض تجب عليه صلاة
العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزأ يسيرا لا يسع فيه الأداء وكذلك الحكم قبل طلوع
الشمس وقال زفر لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس وقال
زفر لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء فيه حقيقة وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك
دون ركعة كتكبيرة مثلا أحدهما لا يلزمه والآخر يلزمه وهو أصحهما
ومنها أنهم اختلفوا في معنى الإدراك هل هو للحكم أو للفضل أو للوقت في أقل من ركعة
فذهب مالك وجمهور الأئمة وهو أحد قولي الشافعي إلى أنه لا يدرك شيئا من ذلك بأقل
من ركعة متمسكين بلفظ الركعة وبما في ( صحيح ) ابن حبان عن أبي هريرة إذا جئتم إلى
الصلاة ونحن سجود فاسجدوها ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة وذهب
أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في قول إلى أنه يكون مدركا لحكم الصلاة فإن قلت قيد
في الحديث بركعة فينبغي أن لا يعتبر أقل منها قلت قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب
فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة أو نحوها حتى قال بعض الشافعية إنما أراد
رسول الله بذكر الركعة البعض من الصلاة لأنه روي عنه من أدرك ركعة من العصر و من
أدرك ركعتين من العصر ومن أدرك سجدة من العصر فأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة ومرة
بركعتين ومرة بسجدة والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة فمن أدركها فكأنه
أدرك ركعة وقال القرطبي واتفق هؤلاء يعني أبا حنيفة وأبا يوسف والشافعي في قول على
إدراكهم العصر بتكبيرة قبل الغروب واختلفوا في الظهر فعند الشافعي في قول هو مدرك
بتكبيرة لها لاشتراكهما في الوقت وعنه أنه بتمام القيام للظهر يكون قاضيا لها بعد
واختلفوا في الجمعة فذهب مالك والثوري والأوزاعي والليث وزفر ومحمد والشافعي وأحمد
إلى أن من أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أحرم في
الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين وهو قول النخعي والحكم وحماد وأغرب عطاء ومكحول
وطاووس ومجاهد فقالوا إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة يصلي أربعا لأن الجمعة إنما
قصرت من أجل الخطبة وحمل أصحاب مالك قوله من أدرك ركعة من العصر على أصحاب الأعذار
كالحائض والمغمى عليه وشبههما ثم هذه الركعة التي يدركون بها الوقت هي بقدر ما
يكبر فيها للإحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ويركع ويسجد سجدتين يفصل بينهما
ويطمئن في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة وعلى قول من لا يوجب قراءة أم القرآن
في كل ركعة يكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها وأشهب لا يراعي إدراك السجدة بعد
الركعة وسبب الخلاف هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية أو اللغوية
وأما التي يدرك بها فضيلة الجماعة فحكمها بأن يكبر لإحرامها ثم يركع ويمكن يديه من
ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي هريرة أنه لا يعتد
بالركعة ما لم يدرك الإمام قائما قبل أن يركع وروي معناه عن أشهب وروي عن جماعة من
السلف أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام وقيل
يجزيه وإن رفع الإمام رأسه ما لم يرفع الناس ونقله ابن بزيزة عن الشعبي قال وإذا
انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رؤوسهم أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه وقد رفع
الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك الصلاة لأن الصف الذي هو فيه إمامه وقال ابن أبي
ليلى وزفر والثوري إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك وإن رفع الإمام قبل
أن يضع يديه على ركبتيه فإنه لا يعتد بها وقال ابن سيرين إذا أدرك تكبيرة يدخل بها
في الصلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك تلك الركعة وقال القرطبي وقيل يجزيه إن أحرم
قبل سجود الإمام وقال ابن بزيزة قال أبو العالية إذا جاء وهم سجود يسجد معهم فإذا
سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد ويعتد بتلك الركعة وعن ابن عمر رضي الله تعالى
عنه أنه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى ولا يعتد
بها وقال ابن مسعود إذا ركع ثم مشى فدخل في الصف قبل أن يرفعوا رؤوسهم اعتد بها
وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها
وأما حكم هذه الصلاة فالصحيح أنها كلها أداء قال بعض الشافعية كلها قضاء وقال
بعضهم تلك الركعة أداء وما بعدها قضاء وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى العصر وصلى
ركعة في الوقت فإن قلنا الجميع أداء فله قصرها وإن قلنا كلها قضاء أو بعضها وجب
إتمامها أربعا إن قلنا إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها وهذا كله
إذا أدرك ركعة في الوقت فإن كان دون ركعة فقال الجمهور كلها قضاء
557 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد
الله عن أبيه أنه أخبره أنه سمع رسول الله يقول إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من
الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا
انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى
صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس
فأعطينا قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا
قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا قال قال الله عز و جل هل ظلمتكم من أجركم من شيء
قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء
مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله إلى غروب الشمس فدل على أن وقت العصر إلى غروب
الشمس وأن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك وقتها فليتم ما بقي وهذا
المقدار بطريق الاستئناس الإقناعي لا بطريق الأمر البرهاني ولهذا قال ابن المنير
هذا الحديث مثال لمنازل الأمم عند الله تعالى وإن هذه الأمة أقصرها عمرا وأقلها
عملا وأعظمها ثوابا
ويستنبط منه للبخاري بتكلف في قوله فعملنا إلى غروب الشمس فدل أن وقت العمل ممتد
إلى غروب الشمس وأنه لا يفوت وأقرب الأعمال المشهور بهذا الوقت صلاة العصر وهو من
قبيل الأخذ بالإشارة لا من صريح العبارة فإن الحديث مثال وليس المراد عملا خاصا
بهذا الوقت بل المراد سائر أعمال الأمة من سائر الصلوات وغيرها من سائر العبادات
في سائر مدة بقاء الأمة إلى قيام الساعة وكذا قال أبو المعالي الجويني بأن الأحكام
لا تتعلق بالأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال فإنه موضع تجوز وقال المهلب إنما أدخل
البخاري هذا الحديث والحديث الذي بعده في هذا الباب لقوله ثم أوتينا القرآن فعملنا
إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين ليدل على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر
الكل مثل الذي أعطي من العصر إلى الليل أجر النهار كله فمثله كالذي أعطي على ركعة
أدرك وقتها أجر الصلاة كلها في آخر الوقت وقال صاحب ( التلويح ) فيه بعد لأنه لو
قال إن هذه الأمة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه ولكنها ما أعطيت إلا بعض أجر جميع
النهار نعم عملت هذه الأمة قليلا وأخذت كثيرا ثم هو أيضا منفك عن محل الاستدلال
لأن عمل هذه الأمة آخر النهار كان أفضل من عمل المتقدمين قبلها ولا خلاف أن صلاة
العصر متقدمة أفضل من صلاتها متأخرة ثم هذا من الخصائص المستثناة عن القياس فكيف
يقاس عليه ألا ترى أن صيام آخر النهار لا يقوم مقام جملته وكذا سائر العبادات
انتهى قلت كل ما ذكروا ههنا لا يخلو عن تعسف وقوله لا خلاف غير موجه لأن الخلاف
موجود في تقديم صلاة العصر وتأخيرها وقياسه على الصوم كذلك لأن وقت الصوم لا يتجزى
بخلاف الصلاة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد العزيز الأويسي بضم الهمزة مر في كتاب الحرص على
الحديث ونسبته إلى أويس أحد أجداده الثاني ابراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني الثالث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الرابع
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الخامس أبوه عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة الافراد من الماضي وفيه
القول وفيه السماع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه
رواية التابعة عن التابعي وهما ابن شهاب وسالم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في باب الإجارة إلى نصف النهار
عن سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب عن نافع به وأخرجه أيضا في باب فضل القرآن عن
مسدد عن يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وأخرجه أيضا في التوحيد عن
أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله وأخرجه أيضا في باب ما ذكر عن
بني إسرائيل عن قتيبة عن ليث عن نافع به وأخرجه مسلم والترمذي أيضا
ذكر معناه قوله إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم ظاهره ليس بمراد لأن ظاهره أن
بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة وليس كذلك وإنما معناه أن نسبتكم إليهم
كنسبة وقت العصر إلى تمام النهار وفي رواية الترمذي إنما أجلكم في أجل من خلا من
الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس قوله إلى غروب الشمس كان القياس أن يقال
وغروب الشمس بالواو لأن بين يقتضي دخوله على متعدد ولكن المراد من الصلاة وقت
الصلاة وله أجزاء فكأنه قال بين أجزاء وقت صلاة العصر قوله أوتي أهل التوراة أوتي
على صيغة المجهول أي أعطي فالتوراة الأولى مجرورة بالإضافة والثانية منصوبة على
أنه مفعول ثان قيل اشتقاق التوراة من الوري ووزنها تفعلة وقال الزمخشري التوراة
والإنجيل إسمان أعجميان وتكلف اشتقاقهما من الوري والنجل ووزنهما تفعلة وإفعيل
إنما يصح بعد كونهما عربيين وقرأ الحسن الأنجيل بفتح الهمزة وهو دليل على العجمة
لأن أفعيل بفتح الهمزة عديم في أوزان العرب قوله عجزوا قال الداودي قاله أيضا في
النصارى فإن كان المراد من مات منهم مسلما فلا يقال عجزوا لأنه عمل ما أمر به وإن
كان قاله فيمن آمن ثم كفر فكيف يعطى القيراط من حبط عمله بكفر وأجيب بأن المراد من
مات منهم مسلما قبل التغيير والتبديل وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار
كله وإن كانوا قد استوفوا ما قدر لهم فقوله عجزوا أي عن إحراز الأجر الثاني دون
الأول لكن من أدرك منهم النبي وآمن به أعطي الأجر مرتين قوله قيراطا هو نصف دانق
والمراد منه النصيب والحصة وقد استوفينا الكلام فيه في باب اتباع الجنائز من
الإيمان وإنما كرر لفظ القيراط ليدل على تقسيم القراريط على جميعهم كما هو عادة
كلامهم حيث أرادوا تقسيم الشيء على متعدد قوله ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل الأول
مجرور بالإضافة والثاني منصوب على المفعولية قوله فقال أهل الكتابين أي التوراة
والإنجيل قوله أي ربنا كلمة أي من حروف النداء يعني يا ربنا ولا تفاوت في إعراب
المنادى بين حروفه قوله ونحن كنا أكثر عملا قال الإسماعيلي إنما قالت النصارى نحن
أكثر عملا لأنهم آمنوا بموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام قلت النصارى لم يؤمنوا
بموسى على ذلك جماعة الإخباريين وأيضا قوله ونحن كنا أكثر عملا حكاية عن قول أهل
الكتابين وقال الكرماني قول اليهود ظاهر لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكثر من وقت
العصر إلى المغرب وقول النصارى لا يصح إلا على مذهب الحنفية حيث يقولون العصر هو
مصير ظل الشيء مثليه وهذا من جملة أدلتهم على مذهبهم قلت هذا الذي ذكره هو قول أبي
حنيفة وحده وغيره من أصحابه يقولون مثله ويمكن أن يقال إنما أسند الأكثرية إلى
الطائفتين وإن كان في إحداهما بطريق التغليب ويقال لا يلزم من كونهم أكثر عملا
أكثر زمانا لاحتمال كون العمل أكثر في الزمان الأقل قوله هل ظلمتكم أي هل نقصتكم
إذ الظلم قد يكون بزيادة الشيء وقد يكون بنقصانه وفي بعض النسخ أظلمتكم بهمزة
الاستفهام وهو أيضا بمعنى هل ظلمتكم أي في الذي شرطت لكم شيئا
ذكر ما يستنبط منه فيه تفضيل هذه الأمة وتوفر أجرها مع قلة العمل وإنما فضلت بقوة
يقينها ومراعاة أصل دينها فإن زلت فأكثر زللها في الفروع بخلاف من كان قبلهم
كقولهم اجعل لنا إلاها ( الأعراف 138 ) وكامتناعهم من أخذ الكتاب حتى نتق الجبل
فوقهم و فاذهب أنت وربك فقاتلا ( المائدة 54 )
وفيه ما استنبطه أبو زيد الدبوسي في ( كتاب الأسرار ) من أن وقت العصر إذا صار ظل
كل شيء مثليه لأنه إذا كان كذلك كان قريبا من أول العاشرة فيكون إلى المغرب ثلاث
ساعات غير شيء يسير وتكون النصارى أيضا عملوا ثلاث ساعات وشيئا يسيرا وهذا من أول
الزوال إلى أول الساعة العاشرة وهو إذا صار ظل كل شيء مثليه واعترض على هذا بأن
النصارى لم تقله وإنما قاله الفريقان اليهود والنصارى ووقتهم أكثر من وقتنا
فيستقيم قولهم أكثر عملا وأجيب بأن اليهود والنصارى لا يتفقان على قول واحد بل
قالت النصارى كنا أكثر عملا وأقل عطاء وكذا اليهود باعتبار كثرة العمل وطوله ونقل
بعضهم كلام أبي زيد هكذا ثم قال تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد إلى أن وقت العصر من
مصير ظل كل شيء مثليه لأنه لو كان ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر وقد
قالوا كنا أكثر عملا فدل على أنه دون وقت الظهر ثم قال وأجيب بمنع المساواة وذلك
معروف عند أهل العلم بهذا الفن وهو أن المدة بين الظهر والعصر أطول من المدة التي
بين العصر والمغرب انتهى قلت لا يخفى على كل أحد أن وقت العصر لو كان بمصير ظل كل
شيء مثله يكون وقت الظهر الذي ينتهي إلى مصير ظل كل شيء مثله مثل وقت العصر الذي
نقول وقته بمصير ظل كل شيء مثله ومع هذا أبو زيد ما ادعى المساواة بالتحقيق ثم قال
هذا القائل وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة قلت ما
ادعى هو التسوية من كل جهة حتى يعترض عليه
وفيه ما استنبطه بعضهم أن مدة المسلمين من حين ولد سيدنا رسول الله إلى قيام
الساعة ألف سنة وذلك لأنه جعل النهار نصفين الأول لليهود فكانت مدتهم ألف سنة
وستمائة سنة وزيادة في قول ابن عباس رواه أبو صالح عنه وفي قول ابن إسحاق ألف سنة
وتسعمائة سنة وتسع عشرة سنة وللنصارى كذلك فجاءت مدة النصارى لا يختلف الناس أنه
كان بين عيسى ونبينا صلوات الله على نبينا وعليه ستمائة سنة فبقي للمسلمين ألف سنة
وزيادة وفيه نظر من حيث إن الخلاف في مدة الفترة فذكر الحاكم في ( الإكليل ) أنها
مائة وخمسة وعشرون سنة وذكر أنها أربعمائة سنة وقيل خمسمائة وأربعون سنة وعن
الضحاك أربعمائة وبضع وثلاثون سنة وقد ذكر السهيلي عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي
أن جعفرا حدث بحديث مرفوع إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة
وإن أساءت فنصف يوم وفي حديث زمل الخزاعي قال رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع
درجات وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعتها ففسر له النبي الناقة بقيام الساعة التي
أنذر بها ودرجات المنبر عدة الدنيا سبعة آلاف سنة بعث في آخرها ألفا قال السهيلي
والحديث وإن كان ضعيف الإسناد فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه قال
الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وصحح الطبري هذا الأصل وعضده بآثار
وفيه ما استدل به بعض أصحابنا على أن آخر وقت الظهر ممتد إلى أن يصير ظل كل شيء
مثليه وذلك أنه جعل لنا من الزمان من الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر
ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس وهو يدل أن بينهما أقل من ربع النهار لأنه لم
يبق من الدنيا ربع الزمان لقوله بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى
فشبه ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبابة والوسطى
من التفاوت قال السهيلي وبينهما نصف سبع لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منها سبع
وزيادتها على السبابة نصف سبع والدنيا على ما قدمناه عن ابن عباس سبعة آلاف سنة
فلكل سبع ألف سنة وفضلت الوسطى على السبابة بنصف الأنملة وهو ألف سنة فيما ذكره
أبو جعفر الطحاوي وغيره وزعم السهيلي أنه بحساب الحروف المقطعة أوائل السور تكون
تسعمائة سنة وثلاث سنين وهل هي من مبعثه أو هجرته أو وفاته والله أعلم
558 - حدثنا ( أبو كريب ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن
( أبي موسى ) عن النبي مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون
له عملا إلى الليل فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك فاستأجر
آخرين فقال أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر
قالوا لك ما عملنا فاستأجر قوما فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر
الفريقين ( الحديث 558 - طرفه في 2271 )
مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الإشارة لا بالتصريح بيان ذلك أن وقت العمل ممتد
إلى غروب الشمس وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر وإنما قلنا بطريق
الإشارة لأن هذا الحديث قصد به بيان الأعمال لا بيان الأوقات
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو أسامة حماد ابن أبي أسامة الثالث بريد بضم الباء
الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي ويكنى أبا بردة
الرابع أبو بردة واسمه عامر وهو جد بريد المذكور الخامس أبو موسى عبد الله بن قيس
الأشعري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع
وفيه القول وفيه رواية الرجل عن جده ورواية الابن عن أبيه وفيه أن رواته ما بين
كوفي وبصري وفيه ثلاثة بالكنى
وهذا الحديث أخرجه البخاري في الإجارة أيضا
ذكر معناه قوله مثل المسلمين المثل بفتح الميم في الأصل بمعنى المثل بكسر الميم
وهو النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه
بمورده مثل ولم يضربوا مثلا إلا لقول فيه غرابة وهذا تشبيه المركب بالمركب فالمشبه
والمشبه به هما المجموعان الحاصلان من الطرفين وإلا كان القياس أن يقال كمثل أقوام
استأجرهم رجل ودخول كاف التشبيه على المشبه به في تشبيه المفرد بالمفرد وهذا ليس
كذلك قوله لا حاجة لنا إلى أجرك الخطاب إنما هو للمستأجر والمراد منه لازم هذا
القول وهو ترك العمل قوله فقال أكملوا من الإكمال بهمزة القطع وكذا وقع في رواية
البخاري في الإجارة ووقع هنا في رواية الكشميهني اعملوا بهمزة الوصل من العمل قوله
حين منصوب لأنه خبر كان أي كان الزمان زمان الصلاة ويجوز أن يكون مرفوعا بأنه اسم
كان وتكون تامة وحاصل المعنى من قوله وقالوا لا حاجة لنا في أجرك إلى آخره لا حاجة
لنا في أجرتك التي شرطت لنا وما عملنا باطل فقال لهم لا تفعلوا اعملوا بقية يومكم
وخذوا أجرتكم كاملا فأبوا وتركوا ذلك كله عليه فاستأجر قوما آخرين فقال لهم إعملوا
بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأجر فعملوا حتى حان العصر قالوا لك ما عملنا
باطل ذلك الأجر الذي جعلت لنا لا حاجة لنا فيه فقال لهم اكملوا بقية عملكم فإنما
بقي من النهار شيء يسير وخذوا أجركم فأبوا عليه فاستأجر قوما آخرين فعملوا بقية
يومهم حتى إذا غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كله ذلك مثل اليهود والنصارى
تركوا ما أمرهم
(5/53)
الله تعالى ومثل المسلمين
الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسول الله والمقصود من هذا الحديث ضرب المثل
للناس الذين شرع لهم دين موسى عليه الصلاة و السلام ليعملوا الدهر كله بما يأمرهم
به وينهاهم إلى أن بعث الله عيسى عليه الصلاة و السلام فأمرهم باتباعه فأبوا
وتبرأوا مما جاء به وعمل آخرون بما جاء به عيسى عليه السلام فأمرهم على أن يعملوا
بما يؤمرون به باقي الدهر فعملوا حتى بعث سيدنا رسول الله فدعاهم إلى العمل بما
جاء به فأبوا وعصوا فجاء الله تعالى بالمسلمين فعملوا بما جاء به واستكملوا إلى
قيام الساعة فلهم أجر من عمل الدهر كله بعبادة الله تعالى كإتمام النهار الذي
استؤجر عليه كله أول طبقة وفي حديث ابن عمر قدر لهم مدة أعمال اليهود ولهم أجرهم
إلى أن نسخ الله تعالى شريعتهم بعيسى عليه الصلاة و السلام وقال عند مبعث عيسى
عليه السلام من يعمل إلى مدة هذا الشرع وله أجر قيراط فعملت النصارى إلى أن نسخ
الله تعالى ذلك بمحمد ثم قال متفضلا على المسلمين من يعمل بقية النهار إلى الليل
وله قيراطان فقال المسلمون نحن نعمل إلى انقطاع الدهر فمن عمل من اليهود إلى أن
آمن بعيسى عليه السلام وعمل بشريعته له أجره مرتين وكذلك النصارى إذا آمنوا بمحمد
كما جاء في الحديث و رجل آمن بنبيه وآمن بي يؤتى أجره مرتين فإن قلت حديث أبي موسى
دل على أن الفريقين لم يأخذا شيئا وحديث ابن عمر دل على أن كلا منهما أخذ قيراطا
قلت ذلك فيمن ماتوا منهم قبل النسخ وهذا فيمن حرف أو كفر بالنبي الذي بعث بعد نبيه
وقال ابن رشد ما محصله إن حديث ابن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار
إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك الأجر يحصل له تاما
فضلا من الله تعالى وذكر حديث أبي موسى مثالا لمن أخر من غير عذر وإلى ذلك إشارة
بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخر عامدا لا يحصل له ما
حصل لأهل الأعذار وقال الخطابي دل حديث ابن عمر ان مبلغ أجرة اليهود لعمل النهار
كله قيراطان وأجرة النصارى للنصف الباقي من النهار إلى الليل قيراطان ولو تمموا
العمل إلى آخر النهار لاستحقوا تمام الأجرة وهو قيراط ثم إن المسلمين لما استوفوا
أجرة الفريقين معا حاسدوهم وقالوا الخ يعني قولهم إي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين الخ
ولو لم تكن صورة الأمر على هذا لم يصح هذا الكلام وفي طريق أبي موسى زيادة بيان له
وقولهم لا حاجة لنا إشارة إلى أن تحريفهم الكتب وتبديلهم الشرائع وانقطاع الطريق
بهم عن بلوغ الغاية فحرموا تمام الأجرة لجنايتهم على أنفسهم حين امتنعوا من تمام
العمل الذي ضمنوه
18 -
( باب وقت المغرب )
أي هذا باب في بيان وقت صلاة المغرب
ووجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله ظاهر لا يخفى
وقال عطاء يجمع المريض بين المغرب والعشاء
عطاء هو ابن أبي رباح وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن ابن جريج عنه
وبقوله قال أحمد وإسحاق وبعض الشافعية وهذا بناء على أن وقت المغرب والعشاء واحد
عنده وقال عياض الجمع بين الصلوات المشتركة في الأوقات تكون تارة سنة وتارة رخصة
فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة وأما الرخصة فالجمع في السفر والمرض والمطر فمن تمسك
بحديث صلاة النبي مع جبريل عليه الصلاة و السلام وقد أمه لم ير الجمع في ذلك ومن
خصه أثبت جواز الجمع في السفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه فنقول إذا
أبيح للمسافر الجمع بمشقة السفر فأحرى أن يباح للمريض وقد قرن الله تعالى المريض
بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم وأما الجمع في المطر فالمشهور من مذهب
مالك إثباته في المغرب والعشاء وعنه قولة شاذة إنه لا يجمع إلا في مسجد رسول الله
ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر
فإن قلت ما وجه مطابقة هذا الأثر للترجمة قلت من حيث إن وقت المغرب يمتد إلى
العشاء والترجمة في بيان وقت المغرب
(5/54)
559 - حدثنا ( محمد بن مهران )
قال حدثنا ( الوليد ) قال حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثنا ( أبو النجاشي ) مولى (
رافع بن خديج ) وهو ( عطاء بن صهيب ) قال سمعت ( رافع بن خديج ) يقول كنا نصلي
المغرب مع النبي فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل بالإشارة لا بالتصريح فإن المفهوم منه ليس إلا
مجرد المبادرة إلى صلاة المغرب خوفا أن تتأخر إلى اشتباك النجوم وقد روى ابن خزيمة
والحاكم من حديث العباس بن عبد المطلب لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا
المغرب إلى النجوم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن مهران الجمال بالجيم الحافظ الرازي أبو جعفر مات
سنة ثمان وثلاثين ومائتين الثاني الوليد بن مسلم بكسر اللام الخفيفة أبو العباس
الأموي عالم أهل الشام مات سنة خمس وتسعين ومائة الثالث عبد الرحمن بن عمرو
الأوزاعي وقد مر في باب الخروج في طلب العلم الرابع أبو النجاشي بفتح النون وتخفيف
الجيم وبالشين المعجمة واسمه عطاء بن صهيب بضم الصاد المهملة مولى رافع بن خديج
الخامس رافع بالفاء ابن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم
الأنصاري الأوسي المدني
بيان لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه التحديث بصيغة
الإفراد من الماضي في موضع واحد وفيه القول في خمسة مواضع وفيه السماع وفيه أن
رواته ما بين رازي وشامي ومدني
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن مهران به وعن اسحاق بن
إبراهيم عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي به وأخرجه ابن ماجه فيه عن دحيم عن الوليد
به
ذكر معناه قوله ليبصر بضم الياء آخر الحروف من الإبصار واللام فيه للتأكيد قوله
مواقع نبله المواقع جمع موقع وهو موضع الوقوع و النبل بفتح النون وسكون الباء
الموحدة السهام العربية وهي مؤنثة وقال ابن سيده لا واحد له من لفظه وقيل واحدتها
نبلة مثل تمر وتمرة وفي ( المغيث ) لأبي موسى هو سهم عربي لطيف غير طويل لا كسهام
النشاب والحسيان أصغر من النبل يرمى بها على القسي الكبار في مجاري الخشب
ومعنى الحديث أنه يبكر بالمغرب في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ينصرف أحدنا
ويرمي النبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء
ذكر ما يستفاد منه دل الحديث المذكور على أنه صلى المغرب عند غروب الشمس وبادر بها
بحيث إنه لما فرغ منها كان الضوء باقيا وهو مذهب الجمهور وذهب طاووس وعطاء ووهب بن
منبه إلى أن أول وقت المغرب حين طلوع النجم واحتجوا في ذلك بحديث أبي بصرة الغفاري
قال صلى بنا رسول الله العصر بالمحمض فقال إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم
فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد والشاهد
النجم أخرجه مسلم والنسائي والطحاوي وأجاب الطحاوي عنه بأن قوله ولا صلاة بعدها
حين يرى الشاهد يحتمل أن يكون هو آخر قول النبي كما ذكره الليث ولكن الذي رواه
غيره تأول أن الشاهد هو النجم فقال ذلك برأيه لا عن النبي على أن الآثار قد تواترت
عن النبي أنه كان يصلي المغرب إذا توارت الشمس بالحجاب و أبو بصرة بفتح الباء
الموحدة وسكون الصاد المهملة واسمه جميل بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء
آخر الحروف وقيل جميل بالجيم والأول أصح و المحمض بفتح الميمين وسكون الحاء
المهملة وفي آخره ضاد معجمة وهو الموضع الذي ترعى فيه الإبل الحمض وهو ما حمض وملح
وأمر من النبات كالرمث والأثل والطرفا ونحوها و الخلة من النبت ما كان حلوا تقول
العرب الخلة خبز الإبل والحمض فاكهتها
ذكر اختلاف ألفاظ هذا الحديث واختلاف رواته رواه أبو داود من حديث أنس رضي الله
تعالى عنه كنا نصلي المغرب ثم نرمي فيرى أحدنا موقع نبله وعن كعب بن مالك كان
النبي يصلي المغرب ثم يرجع الناس إلى أهليهم ببني سلمة وهم يبصرون مواقع النبل حين
يرمى بها قال أبو حاتم صحيح مرسل وعن أبي طريف كنت مع النبي حين حاصر الطائف فكان
يصلي بنا صلاة البصر حتى لو أن رجلا رمى بسهم لرأى موضع نبله قال أحمد بن
(5/55)
حنبل صلاة البصر المغرب وعند
أحمد من حديث جابر رضي الله عنه ولفظه نأتي بني سلمة ونحن نبصر مواقع النبل وعند
الشافعي من حديثه عن إبراهيم ثم نخرج نتناضل حتى ندخل بيوت بني سلمة فننظر مواقع
النبل من الإسفار وعند النسائي بسند صحيح عن رجل من أسلم أنهم كانوا يصلون مع
النبي المغرب ثم يرجعون إلى أهليهم إلى أقصى المدينة ثم يرمون فيبصرون مواقع نبلهم
وعند الطبراني في ( المعجم الكبير ) من حديث زيد بن خالد كنا نصلي مع النبي المغرب
ثم ننصرف حتى نأتي السوق وإنا لنرى مواضع النبل وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان نحوه
ذكره أبو علي الطوسي في ( الأحكام ) فإن قلت وردت أحاديث تدل على تأخيره إلى قرب
سقوط الشفق قلت هذه لبيان جواز التأخير
ثم اختلفوا في خروج وقت المغرب فقال الثوري وابن أبي ليلى وطاووس ومكحول والحسن بن
حي والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود إذا غاب الشفق وهو الحمرة خرج
وقتهاوممن قال ذلك أبو يوسف ومحمد وقال عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن المبارك
والأوزاعي في رواية ومالك في رواية وزفر بن الهذيل وأبو ثور والمبرد والفراء لا
يخرج حتى يغيب الشفق الأبيض وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعائشة وأبي هريرة ومعاذ
بن جبل وأبي ابن كعب وعبد الله بن الزبير وإليه ذهب أبو حنيفة وقال ابن المنذر
وكان مالك والشافعي والأوزاعي يقولون لا وقت لها إلا وقتا واحدا إذا غابت الشمس
وقد روينا عن طاووس أنه قال لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر
560 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن (
سعد ) عن ( محمد ابن عمرو بن الحسن بن علي ) قال قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد
الله فقال كان النبي يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت
والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر والصبح كانوا
أو كان النبي يصليها بغلس ( الحديث 560 - طرفه في 565 )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث الأول
ذكر رجاله وهم ستة محمد بن جعفر هو غندر وقد تكرر ذكره وسعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف ومحمد بن عمرو بالواو بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله
وجابر بن عبد الله الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول في أربعة مواضع وفيه السؤال وفيه تابعيان وفيه أن رواته ما بين بصري
ومدني وكوفي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري إيضا في الصلاة عن مسلم وأخرجه مسلم
فيه عن أبي بكر وبندار وأبي موسى ثلاثتهم عن غندر وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه
عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عنه به وأخرجه أبو داود فيه عن مسلم بن إبراهيم به
وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وبندار وكلاهما عن غندر به
ذكر معناه قوله قدم الحجاج هو ابن يوسف الثقفي والي العراق وقال بعضهم وزعم
الكرماني أن الرواية بضم أوله قال وهو جمع حاج قال وهو تحريف بلا خلاف قلت لم يقل
الكرماني إن الرواية بضم أوله وإنما قال الحجاج بضم أوله جمع الحاج وفي بعضها بفتحها
وهو ابن يوسف الثقفي وهذا أصح ذكره في مسلم ولم يقف الكرماني على الضم بل نبه على
الفتح ثم قال وهذا أصح وقوله في مسلم هو ما رواه من طريق معاذ عن شعبة كان الحجاج
يؤخر الصلوات قوله قدم الحجاج يعني قدم المدينة واليا من قبل عبد الملك بن مروان
سنة أربع وسبعين وذلك عقيب قتل ابن الزبير رضي الله عنهما فأمره عبد الملك على
الحرمين قوله فسألنا جابر بن عبد الله لم يبين المسؤول ما هو تقديره فسألنا جابر
بن عبد الله عن وقت الصلاة وقد فسره في حديث أبي عوانة في ( صحيحه ) من طريق أبي
النضر عن شعبة سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجاج وكان يؤخر الصلاة عن وقت
الصلاة قوله بالهاجرة الهاجرة شدة الحر والمراد بها نصف النهار بعد الزوال سميت
بها لأن الهجرة هي الترك والناس يتركون التصرف حينئذ لشدة الحر لأجل القيلولة
وغيرها فإن قلت يعارضه حديث الإبراد لأن قوله كان
(5/56)
يصلي الظهر بالهاجرة يشعر
بالكثرة والدوام عرفا قلت لا تعارض بينهما لأنه أطلق الهاجرة على الوقت بعد الزوال
مطلقا والإبراد مقيد بشدة الحر قوله والعصر بالنصب أي وكان يصلي العصر قوله والشمس
نقية جملة إسمية وقعت حالا على الأصل بالواو ومعنى نقية خالصة صافية لم يدخلها بعد
صفرة وتغير قوله والمغرب بالنصب أيضا أي وكان يصلي المغرب إذا وجبت أي إذا غابت
الشمس وأصل الوجوب السقوط والمراد سقوط قرص الشمس وفي رواية أبي داود عن مسلم بن
إبراهيم والمغرب إذا غربت وفي رواية أبي عوانة من طريق أبي النضر عن شعبة والمغرب
حين تجب الشمس أي حين تسقط قوله والعشاء بالنصب أيضا أي وكان يصلي العشاء قوله
أحيانا وأحيانا منصوبان على الظرفية والمعنى كان يصلي العشاء في أحيان بالتقديم
وفي أحيان بالتأخير وقوله إذا رآهم اجتمعوا على عجل بيان لقوله أحيانا يعني إذا
رأى الجماعة اجتمعوا عجل بالعشاء لأن في تأخيرها تنفيرهم وقوله وإذا رآهم إبطأوا
أخر بيان لقوله وأحيانا يعني إذا رأى الجماعة تأخروا بالعشاء لإحراز فضيلة الجماعة
والأحيان جمع حين وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير من الزمان وهو المشهور وهو
المراد ههنا وإن كان جاء بمعنى أربعين سنة وبمعنى ستة أشهر وقوله أبطأوا على وزن
أفعلوا بفتح الطاء وضم الهمزة وقال الكرماني والجملتان الشرطيتان في محل النصب
حالان من الفاعل أي يصلي العشاء معجلا إذا اجتمعووا ومؤخرا إذا تباطأوا ويحتمل أن
يكونا من المفعول والراجع إليه محذوف إذ التقدير عجلها وأخرها قلت لا نسلم أن إذا
ههنا للشرط بل على أصلها للوقت والمعنى كان يصلي العشاء أحيانا بالتعجيل إذا رآهم
اجتمعوا وكان يصلي أحيانا بالتأخير إذا رآهم تأخروا والجملتان بيانيتان كما ذكرنا
وكل واحد من عجل وأخرج جواب إذا قوله والصبح بالنصب أيضا أي وكان يصلي الصبح وقوله
يصليها بغلس إضمار على شريطة التفسير وقد علم أن الإضمار على شريطة التفسير كل اسم
بعده فعل أو شبهة مشتغل عنه بضميره أو متعلقه لو سلط عليه لنصبه وههنا الإسم هو
قوله الصبح وقوله يصليها فعل وقع بعده قوله كانوا أو كان بكلمة الشك وقال الكرماني
الشك من الراوي عن جابر ومعناهما متلازمان لأن أيهما كان يدخل فيه الآخر إن أراد
النبي فالصحابة في ذلك كانوا معه وإن أراد الصحابة فالنبي كان إمامهم وخبر كانوا
محذوف يدل عليه كان يصليها أي كانوا يصلون وقال ابن بطال ظاهره أن الصبح كان
يصليها بغلس اجتمعوا أو لم يجتمعوا ولا يفعل فيها كما يفعل في العشاء وهذا من أفصح
الكلام وفيه حذفان حذف خبر كانوا وهو جائز كحذف خبر المبتدأ كقوله تعالى واللائي
لم يحضن ( الطلاق 4 ) والمعنى واللائي لم يحضن فعدتهن مثل ذلك ثلاثة أشهر والحذف
الثاني حذف الجملة التي هي الخبر لدلالة ما تقدم عليه وحذف الجملة التي بعد أو مع
كونها مقتضية لها وقال السفاقسي تقديره أو لم يكونوا مجتمعين ويصح أن تكون كان
تامة غير ناقصة فتكون بمعنى الحضور والوقوع ويكون المحذوف ما بعد أو وخاصة وقال
ابن المنير يحتمل أن يكون شكا من الراوي هل قال كان النبي أو كانوا ويحتمل أن يكون
تقديره والصبح كانوا مجتمعين مع النبي أو كان النبي وحده يصليها بغلس قلت الأوجه
ما قاله الكرماني وقول كل واحد من الثلاثة لا يخلو عن تعسف لا يخفى ذلك على
المتأمل قوله بغلس متعلق بقوله كانوا أو كان باعتبار الشك فإن علقتها بقوله كانوا
لا يلزم منه أن لا يكون النبي معهم وإن علقتها بكان لا يلزم أن لا يكون أصحابه معه
والغلس بفتحتين ظلمة آخر الليل
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان معرفة أوقات الصلاة الخمس وفيه بيان المبادرة إلى
الصلاة في أول وقتها إلا ما ورد فيه الإبراد بالظهر والإسفار بالصبح وتأخير العشاء
عند تأخر الجماعة وفيه السؤال عن أهل العلم وفيه تعين الجواب على المسؤول عنه إذا
علم بالمسؤول
56 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال حدثنا ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) قال
كنا نصلي مع النبي المغرب إذا توارت بالحجاب
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يعلم منه أن وقت المغرب بغيبوبة الشمس
ذكر رجاله وهم ثلاثة المكي
(5/57)
بن إبراهيم ابن بشير بن فرقد
البلخي ويزيد بن أبي عبيد مولى سلمة هذا وهو سلمة بن الأكوع الصحابي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد
وفيه القول في موضعين وفيه أن هذا من ثلاثيات البخاري وفيه أن اسم شيخ البخاري على
صورة المنسوب وربما يتوهم أنه شخص منسوب إلى مكة وليس كذلك
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أيضا مسلم في الصلاة عن قتيبة وأبو داود عن عمرو بن علي
والترمذي عن قتيبة وابن ماجه عن يعقوب بن حميد
ذكر معناه قوله المغرب أي صلاة المغرب قوله إذا توارت أي الشمس ولا يقال إن الضمير
فيه مبهم لا يعلم مرجعه لأن قوله المغرب قرينة تدل على أن الضمير الذي فيه يرجع
إلى الشمس كما في قوله تعالى حتى توارت بالحجاب ( ص 32 ) والظاهر أن طي ذكر الفاعل
فيه من شيخ البخاري لأن عبد بن حميد رواه عن صفوان بن عيسى والإسماعيلي كذلك عن
يزيد بن أبي عبيد بلفظ كان يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس حين يغيب حاجبها وفي رواية
أبي داود عن سلمة كان النبي يصلي المغرب ساعة مغرب الشمس إذا غاب حاجبها قوله ساعة
نصب على الظرف ومضاف إلى الجملة قوله إذا غاب حاجبها بدل من قوله ساعة تغرب الشمس
وحاجب الشمس طرفها الأعلى من قرصها وحواجبها نواحيها وقيل سمي بذلك لأنه أول ما
يبدو منها كحاجب الإنسان فعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولا ولا يسمى
جميع جوانبها حواجب
ومما يستفاد منه أن أول وقت صلاة المغرب حين تغرب الشمس وفي خروج وقته اختلاف وقد
ذكرناه عن قريب
19 -
( باب من كره أن يقال للمغرب العشاء )
أي هذا باب في بيان قول من كره أن يقال للمغرب العشاء وإنما لم يجزم بقوله باب
كراهية كذا لأن لفظ الحديث لا يقتضي نهيا مطلقا لأن النهي فيه عن غلبة الإعراب على
ذلك فكأنه رأى جواز إطلاقه بالعشاء على وجه لا يترك التسمية الأخرى كما ترك
الإعراب والمشروع أن يقال لها المغرب لأنه اسم يشعر بمسماها وبابتداء وقتها ووجه
كراهة إطلاق العشاء عليها لأجل الالتباس بالصلاة الأخرى فعلى هذا لا يكره أن يقال
للمغرب العشاء الأولى ويؤيده قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح ونقل ابن بطال
عن بعضهم انه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل خاص لأنه لا حجة له من
حديث الباب وقال المهلب إنما كره أن يقال للمغرب العشاء لأن التسمية من الله تعالى
ورسوله قال تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ( البقرة 31 )
563 - حدثنا ( أبو معمر ) هو ( عبد الله بن عمرو ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) عن (
الحسين ) قال حدثنا ( عبد عبد الله بن بريدة ) قال حدثني ( عبد الله المزني ) أن
النبي قال لا تغلبنكم الأعراب على إسم صلاتكم المغرب قال وتقول الأعراب هي العشاء
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه نهاهم أن يسموا المغرب بالاسم الذي تسميه الأعراب وهو
العشاء
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن عمرو بن أبي
الحجاج المنقري المقعد البصري الثاني عبد الوارث بن سعيد التنوري الثالثص الحسين
المعلم الرابع عبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر
الحروف وبالدال المهملة قاضي مرو مات بها سنة خمس عشرة ومائة الخامس عبد الله بن
مغفل بضم الميم وفتح
(5/58)
الغين المعجمة وتشديد الفاء
المزني من أصحاب الشجرة قال كنت أرفع أغصانها عن رسول الله روي له ثلاثة وأربعون
حديثا للبخاري منها خمسة وهو أول من دخل تستر وقت الفتح مات سنة ستين
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلهم
بصريون وهذا الحديث من أفراد البخاري
ذكر معناه قوله لا يغلبنكم الأعراب قال الأزهري معناه لا يغرنكم فعلهم هذا عن
صلاتكم فتؤخروها ولكن صلوها إذا كان وقتها والعشاء أول ظلام الليل وذلك من حين
يكون غيبوبة الشفق فلو قيل في المغرب عشاء لأدى إلى اللبس بالعشاء الآخرة والكراهة
في ذلك أن لا تتبع الأعراب في هذه التسمية وقيل إن الأعراب يسمونها العتمة لكونهم
يؤخرون الحلب إلى شدة الظلام وقال القرطبي لئلا يعدل بها عما سماها الله تعالى فهو
إرشاد إلى ما هو الأولى لا على التحريم ولا على أنه لا يجوز ألا تراه قد قال ( ولو
يعلمون ما في العتمة والصبح وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عباس فيما ذكره
ابن أبي شيبة وقال الطيبي يقال غلبه على كذا غصبه منه أو أخذه منه قهرا والمعنى لا
تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة فيغصب منكم
الأعراب اسم العشاء التي سماها الله تعالى بها قال فالنهي على الظاهر للأعراب وعلى
الحقيقة لهم وقال غيره معنى الغلبة أنكم تسمونها إسما وهم يسمونها إسما فإن
سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم وإذا وافق الخصم خصمه صار كأنه انقطع
له حتى غلبه ولا يحتاج إلى تقدير غصب ولا أخذ قلت لما فسر الطيبي الغلبة بالغصب
يحتاج إلى هذا التقدير ليتضح المعنى وقال التوربشتي شارح ( المصابيح ) المعنى لا
تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم
قوله الأعراب قال القرطبي الأعراب من كان من أهل البادية وإن لم يكن عربيا والعربي
من ينسب إلى العرب ولو لم يسكن البادية وقال ابن الأثير الأعراب ساكنو البادية من
العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة والعرب اسم لهذا الجيل
من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليهما أعرابي
وعربي قوله على اسم صلاتكم المغرب كلمة على متعلقة بقوله لا يغلبنكم و المغرب
بالجر صفة للصلاة وهذه اللفظة ترد تفسير الأزهري لا يغلبنكم الأعراب وهو الذي
ذكرناه عنه عن قريب قوله قال وتقول الأعراب قال الكرماني أي قال عبد الله المزني
وكان الأعراب يقولون ويريدون به المغرب فكان يشتبه ذلك على المسلمين بالعشاء
الآخرة فنهى عن إطلاق العشاء على المغرب دفعا للالتباس وقال بعضهم وقد جزم
الكرماني بأنه فاعل قال هو عبد الله المزني راوي الحديث ويحتاج إلى نقل خاص لذلك
وإلا فظاهر إيراد الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث فإنه أورد بلفظ فإن الأعراب
تسميها والأصل في مثل هذا أن يكون كلاما واحدا حتى يقوم دليل على إدراجه قلت لم
يجزم الكرماني بذلك وإنما قال قال عبد الله المزني بناء على ظاهر الكلام فإنه فصل
بين الكلامين بلفظ قال والظاهر أنه الراوي على أنه يحتمل أن تكون هذه اللفظة مطوية
في رواية الإسماعيلي قوله هي العشاء بكسر العين وبالمد وهو من المغرب إلى العتمة
وقيل من الزوال إلى طلوع الفجر واعلم أنه اختلف في لفظ المتن المذكور فرواه أحمد
في ( مسنده ) وأبو نعيم في ( مستخرجه ) وابن خزيمة في ( صحيحه ) كرواية البخاري
ورواه ابو مسعود الرازي عن عبد الصمد لا يغلبنكم على اسم صلاتكم فإن الأعراب
تسميها عتمة وكذا رواه علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي معمر شيخ البخاري وأخرجه
الطبراني كذلك ورجح الإسماعيلي رواية أبي مسعود الرازي لموافقته حديث ابن عمر رضي
الله تعالى عنهما الذي رواه مسلم من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف عن ابن
عمر بلفظ لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء وإنهم يعتمون
بحلاب ازبل ولابن ماجه نحوه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن ولأبي يعلى والبيهقي من
حديث عبد الرحمن بن عوف كذلك
20 -
( باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا )
أي هذا باب في بيان ذكر العشاء والعتمة في الآثار ومن رأى إطلاق إسم العتمة على
العشاء واسعا أي جائزا والعتمة
(5/59)
بفتح العين المهملة والتاء
المثناة من فوق وقت صلاة العشاء الآخرة وقال الخليل هي بعد غيبوبة الشفق وأعتم إذا
دخل في العتمة والعتمة الإبطاء يقال أعتم الشيء وعتمه إذا أخره وعتمت الحاجة
واعتمت إذا تأخرت فإن قلت سياق الحديث الذي في هذا الباب والحديث الذي في الباب
الذي قبله واحد فما وجه مغايرة الترجمتين قلت لأنه لم يثبت عن النبي إطلاق إسم
العشاء على المغرب وثبت عنه إطلاق اسم العتمة على العشاء فغاير البخاري بين
الترجمتين بحسب ذلك
وقال أبو هريرة عن النبي أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر وقال لو يعلمون
ما في العتمة والفجر
اللفظ الأول أسنده البخاري في فضل العشاء في جماعة والثاني أسنده في باب الأذان
والشهادات وأشار البخاري بإيراد هذا الحديث والأحاديث التي بعده محذوفة الأسانيد
إلى جواز تسمية العشاء بالعتمة وقد أباح تسميتها بالعتمة أيضا أبو بكر وابن عباس
ذكره ابن أبي شيبة
قال أبو عبد الله والاختيار أن يقول العشاء لقوله تعالى ومن بعد صلاة العشاء
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وكأنه اقتبس مما ثبت أنه قال لا يغلبنكم الأعراب على
اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله تعالى العشاء قال تعالى ومن بعد صلاة العشاء
( النور 58 ) وقال ابن المنير هذا لا يتناوله لفظ الترجمة فإن لفظها يفهم التسوية
وهذا ظاهر في الترجيح وأجيب عنه بأنه لا منافاة بين الجواز والأولوية فالشيئان إذا
كانا جائزي الفعل قد يكون أحدهما أولى من الآخر وإنما صار أولى منه لموافقته لفظ
القرآن قلت لا نسلم أن لفظ الترجمة يفهم بالتسوية غاية ما في الباب إنما تفهم
الجواز عند من رآه والجواز لا يستلزم التسوية
ويذكر عن أبي موسى قال كنا نتناوب النبي عند صلاة العشاء فأعتم بها
هذا التعليق وصله البخاري في باب فضل العشاء مطولا وهو الباب الذي يلي الباب الذي بعده
ولفظه فيه فكان يتناوب النبي عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فوافقنا النبي أنا
وأصحابي وله بعض الشغل في بعض أمره فاعتم بالصلاة الحديث فإن قلت هذا صحيح عنده
فكيف ذكره بصيغة التمريض قلت غرضه بيان اطلاقهم العتمة والعشاء عليهما عليه سواء
كان بصيغة التمريض لنحو يذكر أو بصيغة التصحيح نحو قال كما قال وقال أبو هريرة
فيما مضى الآن
وقال ابن عباس وعائشة أعتم النبي بالعتمة بالعشاء
هذا التعليق ذكر بصيغة التصحيح وحديث ابن عباس وصله في باب النوم قبل العشاء وهو
الباب الرابع بعد هذا الباب ولفظه فيه قلت لعطاء فقال سمعت ابن عباس يقول اعتم
رسول الله ليلة بالعشاء حتى رقد الناس الحديث وأما حديث عائشة فوصله في باب فضل
العشاء ولفظه عن عروة أن عائشة أخبرته قال اعتم رسول الله ليلة بالعشاء الحديث
وكذا وصله في باب النوم قبل العشاء عن عروة أن عائشة قالت اعتم رسول الله بالعشاء
الحديث قوله اعتم النبي بالعتمة أي أخر صلاة العتمة أو أبطأ بها قوله بالعشاء بدل
اشتمال من قوله بالعتمة
وقال بعضهم عن عائشة أعتم النبي بالعتمة
هذا التعليق وصله البخاري في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل من طريق شعيب عن
الزهري عن عروة عنها وأخرجه النسائي أيضا من هذا الطريق قوله اعتم بالعتمة أي دخل
في وقت العتمة
وقال جابر كان النبي يصلي العشاء
لما ذكر ثلاث تعليقات عن ثلاثة من الصحابة وهم أبو موسى الأشعري وابن عباس وعائشة
أم المؤمنين رضي الله تعالى
(5/60)
عنهم وفيها ذكر العتمة وأعتم
شرع يذكر عن خمسة من الصحابة بالتعليق فيها ذكر العشاء الأول عن جابر بن عبد الله
الأنصاري وهذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري في باب وقت المغرب عن محمد بن
بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم إلى آخره وفيه والعشاء أحيانا
وأحيانا الحديث ووصله أيضا في باب وقت العشاء الذي يلي الباب الذي نحن فيه
وقال أبو برزة كان النبي يؤخر العشاء
هذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري في باب وقت العصر الذي مضى قبل هذا الباب
بستة أبواب من حديث سيار بن سلامة قال دخلت أنا وأبي على أبي برزة الحديث وفيه
وكان يستحب أن يؤخر العشاء
وقال أنس أخر النبي العشاء الآخرة
وهذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري في باب وقت العشاء إلى نصف الليل وهو بعد
الباب الذي نحن فيه بأربعة أبواب من حديث حميد الطويل عن أنس قال أخر النبي صلاة
العشاء إلى نصف الليل
وقال ابن عمر وأبو أيوب وابن عباس رضي الله تعالى عنهم صلى النبي المغرب والعشاء
وهذا التعليق فيه ثلاثة من الصحابة عبد الله بن عمر وأبو أيوب خالد بن زيد الخزرجي
وعبد الله بن عباس أما حديث ابن عمر فوصله البخاري في الحج بلفظ صلى النبي المغرب
والعشاء بالمزدلفة وأما حديث أبي أيوب فوصله أيضا بلفظ جمع النبي في حجة الوداع
بين المغرب والعشاء وأما حديث ابن عباس فوصله في باب تأخير الظهر إلى العصر وكذا
أسنده أبو داود وابن ماجه
564 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري )
قال ( سالم ) أخبرني ( عبد الله ) قال صلى لنا رسول الله ليلة صلاة العشاء وهي
التي يدعو الناس العتمة ثم انصرف فأقبل علينا فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس
مائة سنة منها لايبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد ( انظر الحديث 116 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن فيه ذكر العشاء والعتمة
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبدان بفتح العيم المهملة وسكون الباء الموحدة وهو لقب
عبد الله بن عثمان المروزي الثاني عبد الله بن المبارك الثالث يونس بن يزيد الأيلي
الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
السادس أبوه عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في
موضع وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في أربعة
مواضع وفيه رواية الإبن عن أبيه بذكر إسمه وهو قوله قال سالم أخبرني عبد الله فإن
سالما هو ابن عبد الله بن عمر وشيخه هنا هو أبوه عبد الله بن عمر وفيه أن رواته ما
بين مروزي ومدني وأيلي وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره قد ذكرنا في كتاب العلم في باب السمر بالعلم أن
البخاري أخرج هذا الحديث فيه عن سعيد بن عفير عن الليث عن عبد الرحمن بن خالد عن
ابن شهاب هو الزهري عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر
قال صلى لنا رسول الله في آخر حياته فلما سلم قال أرأيتكم الحديث وأخرجه أيضا عن
أبي اليمان عن شعيب الزهري وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الله بن عبد الرحمن عن
شعيب به وعن أبي رافع وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر به
ذكر معناه قوله صلى لنا ويروى صلى بنا ومعنى اللام صلى إماما لنا وإلا فالصلاة لله
لا لهم قوله ليلة أي في ليلة من الليالي قوله وهي التي يدعو الناس العتمة وقد مر
نظيره في حديث أبي برزة في قوله وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة
وهذا يدل على غلبة استعمالهم لها بهذا الإسم ممن لم يبلغهم النهي وأما من عرف
النهي
(5/61)
عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد
التعريف قوله ثم انصرف أي من الصلاة قوله أرأيتكم بفتح الراء وتاء الخطاب وقد
استقصينا الكلام فيه في باب السمر بالعلم قوله فإن رأس وفي رواية الأصيلي فإن على
رأس مائة سنة قوله منها أي من تلك الليلة قوله لا يبقى خبر إن والتقدير لا يبقى
عنده أو فيه وقال النووي المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها
أكثر من مائة سنة سواء قل عمره بعد ذلك أو لا وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة
فوق مائة سنة وقال ابن بطال إنما أراد رسول الله أن هذه المدة تخترم الجيل الذين
هم فيها فوعظهم بقصر أعمارهم وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم
ليجتهدوا في العبادة وقيل أراد الله لنبي بالأرض البلدة التي هو فيها وقال تعالى
ألم تكن أرض الله واسعة ( النساء 97 ) يريد المدينة وقوله ممن هو على وجه الأرض
إحتراز عن الملائكة وقد أمعنا الكلام فيه هناك
ذكر ما يستفاد منه احتج به البخاري ومن قال بقوله على موت الخضر والجمهور على
خلافه وقال السهيلي عن أبي عمر بن عبد البر قد تواترت الأخبار باجتماع الخضر
بسيدنا رسول الله وهذا يرد قول من قال لو كان حيا لاجتمع بنبينا وأيضا عدم إتيانه
إلى النبي ليس مؤثرا في الحياة ولا غيرها لأنا عهدنا جماعة آمنوا به ولم يروه مع
الإمكان وزعم ابن عباس ووهب أن الخضر كان نبيا مرسلا وممن قال بنبوته أيضا مقاتل
وإسماعيل بن أبي زياد الشامي وقيل كان وليا وقال أبو الفرج والصحيح أنه نبي ولا
يعترض على الحديث بعيسى لأنه ليس على وجه الأرض ولا بالخضر لأنه في البحر ولا
لأنهما ليسا ببشر وكذا الجواب في إبليس ويقال معنى الحديث لا يبقى ممن ترونه
وتعرفونه فالحديث عام أريد به الخصوص والجواب الأوجه في هذا أن نقول إن المراد ممن
هو على ظهر الأرض أمته وكل من هو على ظهر الأرض أمته المسلمون أمة إجابة والكفار
أمة دعوة وعيسى والخضر ليسا داخلين في الأمة والشيطان ليس من بني آدم
21 -
( باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا
(
أي هذا باب في بيان وقت العشاء عند اجتماع الجماعة وعند تأخرهم فوقتها عند
الاجتماع أول الوقت وعند التأخر التأخير وأما حد التأخير ففي حديث عمرو بن العاص
وقتها إلى نصف الليل الأوسط وفي رواية بريدة أنه صلى في اليوم الثاني بعدما ذهب
ثلث الليل وفي رواية عندما ذهب ثلث الليل ومثله في حديث أبي موسى حين كان ثلث
الليل وفي حديث جبريل عليه الصلاة و السلام حين ذهب ساعة من الليل وفي رواية ابن
عباس إلى ثلث الليل وفي حديث أبي برزة إلى نصف الليل أو ثلثه وقال مرة إلى نصف
الليل ومرة إلى ثلث الليل وفي حديث أنس شطره وفي حديث ابن عمر حين ذهب ثلثه وفي
حديث جابر إلى شطره وعنه إلى ثلثه وفي حديث عائشة حين ذهب عامة الليل واختلف
العلماء بحسب هذا وقال عياض وبالثلث قال مالك والشافعي في قول وبنصف قال أصحاب
الرأي وأصحاب الحديث والشافعي في قول وابن حبيب من أصحابنا وعن النخعي الربع وقيل
وقتها إلى طلوع الفجر وهو قول داود وهذا عند مالك وقت الضرورة قلت مذهب أبي حنيفة
التأخير أفضل إلا في ليالي الصيف وفي ( شرح الهداية تأخيرها إلى نصف الليل مباح
وقيل تأخيرها بعد الثلث مكروه وفي ( القنية ) تأخيرها على النصف مكروه كراهة تحريم
وقال بعضهم أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إنها تسمى العشاء إذا عجلت
والعتمة إذا أخرت قلت هذا كلام واه لأن الترجمة لا تدل على هذا أصلا وإنما أشار
بهذا إلى أن اختياره في وقت العشاء التقديم عند الإجتماع والتأخير عند التأخر وهو
نص الشافعي أيضا في ( الأم ) أنهم إذا اجتمعوا عجل وإذا أبطأوا أخر
42 - ( حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو
وهو ابن الحسن بن علي قال سألنا جابر بن عبد الله عن صلاة النبي
(5/62)
فقال كان النبي يصلي الظهر
بالهاجرة والعصر والشمس حية والمغرب إذا وجبت والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا
أخروا الصبح بغلس )
قد تقدم هذا الحديث في باب وقت المغرب عن قريب رواه عن محمد بن بشار عن محمد بن
جعفر عن شعبة فانظر بينهما في التفاوت في الرواة ومتن الحديث وقد مر الكلام فيه
هناك مستقصى -
21 -
( باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا
(
أي هذا باب في بيان وقت العشاء عند اجتماع الجماعة وعند تأخرهم فوقتها عند
الاجتماع أول الوقت وعند التأخر التأخير وأما حد التأخير ففي حديث عمرو بن العاص
وقتها إلى نصف الليل الأوسط وفي رواية بريدة أنه صلى في اليوم الثاني بعدما ذهب
ثلث الليل وفي رواية عندما ذهب ثلث الليل ومثله في حديث أبي موسى حين كان ثلث
الليل وفي حديث جبريل عليه الصلاة و السلام حين ذهب ساعة من الليل وفي رواية ابن
عباس إلى ثلث الليل وفي حديث أبي برزة إلى نصف الليل أو ثلثه وقال مرة إلى نصف
الليل ومرة إلى ثلث الليل وفي حديث أنس شطره وفي حديث ابن عمر حين ذهب ثلثه وفي
حديث جابر إلى شطره وعنه إلى ثلثه وفي حديث عائشة حين ذهب عامة الليل واختلف
العلماء بحسب هذا وقال عياض وبالثلث قال مالك والشافعي في قول وبنصف قال أصحاب
الرأي وأصحاب الحديث والشافعي في قول وابن حبيب من أصحابنا وعن النخعي الربع وقيل
وقتها إلى طلوع الفجر وهو قول داود وهذا عند مالك وقت الضرورة قلت مذهب أبي حنيفة
التأخير أفضل إلا في ليالي الصيف وفي ( شرح الهداية تأخيرها إلى نصف الليل مباح
وقيل تأخيرها بعد الثلث مكروه وفي ( القنية ) تأخيرها على النصف مكروه كراهة تحريم
وقال بعضهم أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال إنها تسمى العشاء إذا عجلت
والعتمة إذا أخرت قلت هذا كلام واه لأن الترجمة لا تدل على هذا أصلا وإنما أشار
بهذا إلى أن اختياره في وقت العشاء التقديم عند الإجتماع والتأخير عند التأخر وهو
نص الشافعي أيضا في ( الأم ) أنهم إذا اجتمعوا عجل وإذا أبطأوا أخر
22 -
( ياي فضل العشاء
(
أي هذا باب في بيان فضل العشاء ووجه المناسبة بين هذه الأبواب ظاهر
22 -
( ياي فضل العشاء
(
أي هذا باب في بيان فضل العشاء ووجه المناسبة بين هذه الأبواب ظاهر
566 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن
( عروة ) أن ( عائشة ) أخبرته قالت أعتم رسول الله ليلة بالعشاء وذلك قبل أن يفشو
الإسلام فلم يخرج حتى قال عمر نام النساء والصبيان فخرج فقال لأهل المسجد ما
ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم
قال بعضهم لم أر من تكلم على هذه الترجمة فإنه ليس في الحديثين اللذين ذكرهما
المؤلف في هذا الباب ما يقتضي اختصاص العشاء بفضيلة ظاهرة وكأنه مأخوذ من قوله ما
ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم فعلى هذا في الترجمة حذف تقديره باب فضل انتظار
العشاء قلت هذا القائل نفى أولا كلام الناس على هذه الترجمة ثم ذكر شيئا ادعى أنه
تفرد به وهو ليس بشيء لأن كلامه آل إلى الفضل لانتظار العشاء لا للعشاء والترجمة
في أن الفضل للعشاء فنقول مطابقته للترجمة من حيث إن العشاء عبادة قد اختصت
بالانتظار لها من بين سائر الصلوات وبهذا ظهر فضلها فحسن قوله باب فضل العشاء
ذكر رجاله وهم ستة كلهم ذكروا غير مرة والليث هو ابن سعد وعقيل بضم العين ابن خالد
الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعروة بن الزبير بن العوام
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه الإخبار بتأنيث الفعل المفرد من الماضي وفيه القول وفيه عن عروة وعند مسلم في
رواية يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه أخرجه البخاري أيضا في باب النوم قبل العشاء لمن غلب
عليه وهو الباب الذي يلي الباب الذي قبل الباب الذي نحن فيه وأخرجه مسلم أيضا
بإسناد الباب ولفظ مسلم أعتم رسول الله ليلة من الليالي بصلاة العشاء وهي التي
تدعى العتمة قال ابن شهاب وذكر لي أن رسول الله قال وما كان لكم أن تبرزوا رسول
الله على الصلاة وذلك حين صاح عمر رضي الله تعالى عنه قال ابن شهاب ولا يصلي يومئذ
إلا بالمدينة قال وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول وأخرج
مسلم من حديث أم كلثوم عن عائشة أعتم رسول الله ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى
نام أهل المسجد ثم خرج فصلى وقال إنه لوقتها لولا أن يشق على أمتي
ذكر معناه قوله أعتم أي دخل في العتمة ومعناه أخر صلاة العتمة وذكر ابن سيده
العتمة ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق وقيل عن وقت صلاة العشاء الآخرة وقيل هي
بقية الليل وفي ( المصنف ) حدثنا وكيع حدثنا شريك عن أبي فزارة عن ميمون بن مهران
قال قلت لابن عمر من أول من سماها العتمة قال الشيطان قوله وذلك قبل أن يفشو
الإسلام أي قبل أن يظهر يعني في غير المدينة وإنما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح
مكة قوله حتى قال عمر رضي الله تعالى عنه وفي رواية للبخاري تأتي من رواية صالح عن
ابن شهاب حتى ناداه عمر الصلاة بالنصب بفعل مضمر تقديره صل الصلاة ونحوها قوله نام
النساء والصبيان أراد بهم الحاضرين في المسجد لا النائمين في بيوتهم وإنما خص
(5/63)
هؤلاء بالذكر لأنهم مظنة قلة
الصبر على النوم ومحل الشفقة والرحمة قوله ما ينتظرها أي الصلاة في هذه الساعة
وذلك إما أنه لا يصلي حينئذ إلا بالمدينة وإما لأن سائر الأقوام ليست في أديانهم
صلاة في هذا الوقت قوله غيركم بالرفع صفة لأحد ووقع صفة للنكرة لأنه لا يتعرف
بالإضافة إلى المعرفة لتوغله في الإبهام أللهم إلا إذا أضيف إلى المشتهر بالمغايرة
ويجوز أن يكون بدلا من لفظ أحد ويجوز أن ينتصب على الاستثناء
ذكر ما يستفاد منه فيه أن قوله أعتم ليلة يدل على أن غالب أحوال النبي كان تقديم
العشاء وفيه جواز النوم قبل العشاء وهو الذي بوب عليه البخاري باب النوم قبل
العشاء لمن غلب وفيه الدلالة على فضيلة العشاء كما بيناها في أول الباب وفيه جواز
الإعلام للإمام بأن يخرج للصلاة إذا كان في بيته وفيه لطف النبي وتواضعه حيث لم
يقل شيئا عند مناداة عمر رضي الله تعالى عنه
567 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال أخبرنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي
بردة ) عن ( أبي موسى ) قال كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولا في
بقيع بطحان والنبي بالمدينة فكان يتناوب النبي عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم
فوافقنا النبي أنا وأصحابي وله بعض الشغل في بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى ابهار
الليل ثم خرج النبي فصلى بهم فلما قضى صلاته قال لمن حضره على رسلكم أبشروا إن من
نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم أو قال ما صلى هذه
الساعة أحد غيركم لا ندري أي الكلمتين قال قال أبو موسى فرجعنا ففرحنا بما سمعنا
من رسول الله
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق
ذكر رجاله كلهم تقدموا ومحمد بن العلاء هو أبو كريب وأبو أسامة حماد ابن أسامة
وبريد بضم الباء الموحدة وأبو بردة اسمه عامر وهو جد بريد وأبو موسى عبد الله بن
قيس الأشعري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه القول وفيه رواية الرجل عن جده وفيه ثلاثة بالكنى وفيه رواية الابن عن أبيه
وفيه أن رواته ما بين كوفي ومدني وهذا الإسناد بعينه مضى في باب من أدرك من العصر
ركعة غير أن هناك ذكر محمد بن العلاء بكنيته وههنا باسمه
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن
براد وأبي كريب ثلاثتهم عن أبي أسامة عنه به وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن
خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه صلينا مع رسول الله صلاة
العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم
وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي
الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل وأخرجه ابن ماجة عن أبي سعيد إن النبي صلى
المغرب ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل ثم خرج فصلى بهم وقال لولا الضعيف والسقيم
لأحببت أن أؤخر هذه الصلاة إلى شطر الليل وروى الترمذي من حديث أبي هريرة لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه وروى أبو داود من
حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يقول بقينا رسول الله في صلاة العتمة فتأخر
حتى ظن ظان أنه ليس بخارج والقائل منا يقول صلى وأنا كذلك حتى خرج النبي فقالوا له
كما قالوا فقال أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها
أمة قبلكم قوله بقينا بفتح القاف أي انتظرناه يقال بقيت الرجل أبقيته إذا انتظرته
وأخرج أبو داود أيضا عن عبد الله بن عمر مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله لصلاة
العشاء فخرج إلينا حين
(5/64)
ذهب ثلث الليل أو بعده فلا
ندري أشيء شغله أم غير ذلك فقال حين خرج أتنتظرون هذه الصلاة لولا أن تثقل على
أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وأخرجه مسلم والنسائي أيضا
ذكر معناه قوله نزولا جمع نازل كشهود جمع شاهد قوله في بقيع بطحان البقيع بفتح
الباء الموحدة وكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة وهو من الأرض
المكان المتسع ولا يسمى بقيعا إلا وفيه شجر أو أصولهاو بطحان بضم الباء الموحدة
وسكون الطاء المهملة وبالحاء المهملة غير منصرف واد بالمدينة وقال ابن قرقول بطحان
بضم الباء يرويه المحدثون أجمعون وحكى أهل اللغة فيه بطحان بفتح الباء وكسر الطاء
ولذلك قيده أبو المعالي في ( تاريخه ) وأبو حاتم وقال البكري بفتح أوله وكسر ثانيه
على وزن فعلان لا يجوز غيره قوله نفر مرفوع لأنه فاعل يتناوب والنفر عدة رجال من
ثلاثة إلى عشرة قولهفوافقنا النبي بلفظ المتكلم قوله وله بعض الشغل جملة حالية
وجاء في تفسير بعض الشغل في ( معجم الطبراني ) من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان
عن جابر كان في تجهيز جيش قوله فاعتم بالصلاة أي أخرها عن أول وقتها قوله حتى
ابهار الليل بتشديد الراء على وزن إفعال كإحمار ومعناه انتصف وعن سيبويه كثرت
ظلمته وابهار القمر كثر ضوؤه ذكره في ( الموعب ) وفي ( المحكم ) إبهار الليل إذا
تراكمت ظلمته وقيل إذا ذهبت عامته وفي كتاب ( الواعي ) ابهيرار الليل طلوع نجومه
وفي ( الصحاح ) إبهار الليل ابهيرارا إذا ذهب معظمه وأكثره وإبهار علينا الليل أي
طال قال الداودي انهار الليل يعني بالنون موضع الباء تقول كسر منه وانهزم ومنه
قوله تعالى فانهار به في نار جهنم ( التوبة 109 ) وفيه نظر ولم يقله أحد غيره قوله
على رسلكم بكسر الراء وفتحها أي على هيئتكم والكسر أفصح قوله أبشروا من أبشر
إبشارا يقال بشرت الرجل وأبشرته وبشرته بالتشديد ثلاث لغات بمعنى ويقال بشرته
بمولود فأبشر إبشارا أي سر قوله إن من نعمة الله كلمة من للتبعيض وهو اسم إن وقوله
إنه بالفتح لأنه خبره وقال بعضهم أنه بالفتح للتعليل قلت ليس كذلك على ما لا يخفى
قوله ففرحنا بلفظ المتكلم عطف على قوله فرجعنا هذا في رواية الكشميهني وفي رواية
غيره فرجعنا فرحى على وزن فعلى وقال الكرماني إما جمع فريح على غير قياس وإما مؤنث
الأفرح وهو نحو الرجال فعلت قلت بل هو جمع فرحان كعطشان يجمع على عطشى وسكران على
سكرى ويروى فرجعنا فرحا بفتح الراء مصدرا بمعنى الفرحين وهو نحو الرجال فعلوا وعلى
الوجهين أعني فرحى وفرحا نصب على الحال من الضمير الذي في رجعنا فإن قلت المطابقة
بين الحال وذي الحال شرط في الواحد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث وفي رواية
فرحا غير موجود قلت الفرح مصدر في الأصل ويستوي فيه هذه الأشياء قوله بما سمعناه
الباء تتعلق بفرحنا وكلمة ما موصولة والعائد محذوف تقديره بما سمعناه فإن قلت ما
سبب فرحهم قلت علمت باختاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة
الحسنى هذا الوجه ذكره الكرماني وعندي وجه آخر وهو أن النبي مع كونه مشغولا بأمر
الجيش خرج إليهم وصلى بهم فحصل لهم الفرح بذلك وازدادوا فرحا ببشارته بتلك النعمة
العظيمة
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء وفيه إباحة تأخير العشاء إذا
علم أن بالقوم قوة على انتظارها ليحصل لهم فضل الانتظار لأن المنتظر للصلاة في
الصلاة وقال ابن بطال وهذا لا يصلح اليوم لأئمتنا لأنه لما أمر الأئمة بالتخفيف
وقال إن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة كان ترك التطويل عليهم في انتظارها أولى
وقال مالك تعجيلها أفضل للتخفيف وقال ابن قدامة يستحب تأخيرها للمنفرد ولجماعة
يرضون بذلك وإنما نقل التأخير عنه مرة أو مرتين لشغل حصل له قلت قال أصحابنا إن
كان القوم كسالى يستحب التعجيل وإن كانوا راغبين يستحب التأخير وفيه أن التأني في
الأمور مطلوب وفيه أن التبشير لأحد بما يسره محبوب لأن فيه إدخال السرور في قلب
المؤمن
23 -
( باب ما يكره من النوم قبل العشاء )
أي هذا باب في بيان كراهة النوم قبل صلاة العشاء
(5/65)
568 - حدثنا ( محمد بن سلام )
قال أخبرنا ( عبد الوهاب الثقفي ) قال حدثنا ( خالد الحذاء ) عن ( أبي المنهال )
عن ( أبي برزة ) أن رسول الله كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة ذكروا غير مرة وأبو المنهال بكسر الميم اسمه سيار بن سلامة
الرياحي بالياء آخر الحروف وأبو برزة بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الزاي
المعجمة اسمه نضلة بن عبيد الأسلمي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه محمد ابن سلام كذا وقع بذكر أبيه في رواية أبي ذر ووافقه ابن السكن أنه ابن
سلام ووقع في أكثر الروايات حدثنا محمد غير منسوب ورواية أبي ذر تفسره وقال أبو نصر
إن البخاري يروي في ( الجامع ) عن محمد بن سلام ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى عن
عبد الوهاب وسلام هذا بتخفيف اللام
ذكر معناه قوله قبل العشاء أي قبل صلاة العشاء قوله والحديث بالنصب عطف على قوله
النوم أي وكان يكره الحديث أي المحادثة بعدها أي بعد العشاء وهذا محمول على
المحادثة التي لا مصلحة فيها والتي فيها المصلحة الدينية أو الدنيوية فلا كراهة
فيه وبهذا يندفع الاعتراض عليه بما ورد أنه كان يتحدث بعد العشاء وأما سبب كراهة
النوم قبلها فلأن فيه تعرضا لفوات وقتها باستغراق النوم ولئلا يتساهل الناس في ذلك
فيناموا عن صلاتها جماعة وأما كراهة الحديث بعدها فلأنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه
غلبة النوم عن قيام الليل والذكر فيه أو عن صلاة الصبح ولأن السهر سبب الكسل في
النهار عما يتوجه من حقوق الدين ومصالح الدنيا وقال الترمذي كره أكثر أهل العلم
النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم في رمضان خاصة وحمل الطحاوي الرخصة على ما
قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله وفي ( التوضيح ) واختلف السلف في
ذلك فكان ابن عمر يسب الذي ينام قبلها فيما حكاه ابن بطال ولكن روي عنه أنه كان
يرقد قبلها وذكر عنه كان ينام ويوكل من يوقظه روى معمر عن أيوب عن نافع عنه أنه
كان ربما ينام عن العشاء الآخرة ويأمر أن يوقظوه وعن أنس رضي الله تعالى عنه كنا
نجتنب الفرش قبل العشاء وكتب عمر رضي الله تعالى عنه لا ينام قبل أن يصليها فمن
نام فلا نامت عيناه وكره ذلك أبو هريرة وابن عباس وعطاء وابراهيم ومجاهد وطاووس ومالك
والكوفيون وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه ربما أغفى قبل العشاء وعن أبي موسى
وعبيدة ينام ويوكل من يوقظه وعن عروة وابن سيرين والحكم أنهم كانوا ينامون نومة
قبل الصلاة وكان أصحاب عبد الله يفعلون ذلك وبه قال بعض الكوفيين واحتج لهم بأنه
كره ذلك لمن خشي الفوات في الوقت والجماعة أما من وكل به من يوقظه لوقتها فمباح
فدل على أن النهي ليس للتحريم لفعل الصحابة لكن الأخذ بظاهر الحديث أحوط
24 -
( باب النوم قبل العشاء لمن غلب )
أي هذا باب في بيان حكم النوم قبل صلاة العشاء لمن غلب على صيغة المجهول أي لمن
غلب عليه النوم وتمام الكلام مقدر يعني لا بأس به والحديث الثاني في هذا الباب يدل
على هذا
569 - حدثنا ( أيوب بن سليمان ) قال حدثني ( أبو بكر ) عن ( سليمان ) قال ( صالح
بن كيسان ) أخبرني ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) أن ( عائشة ) قالت أعتم رسول الله
بالعشاء حتى ناداه عمر الصلاة نام النساء والصبيان فخرج فقال ما ينتظرها أحد من
أهل الأرض غيركم قال ولا تصلى يومئذ إلا بالمدينة قال وكانوا يصلون العشاء فيما
بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول ( انظر الحديث 566 وطرفييه )
مطابقته للترجمة في قوله نام النساء والصبيان فإنه لم ينكر على من نام من الذين
كانوا
(5/66)
ينتظرون خروجه لصلاة العشاء
ولم يكن نومهم إلا حين غلب النوم عليهم
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أيوب ابن سليمان بن بلال مولى عبد الله بن أبي عتيق
واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق مات سنة أربع وعشرين ومائتين الثاني أبو
بكر هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله أخو إسماعيل شيخ البخاري ويعرف
بالأعشى الثالث سليمان بن بلال أبو أيوب ويقال أبو محمد القرشي التيمي مولى عبد
الله بن أبي عتيق المذكور آنفا الرابع صالح ابن كيسان أبو محمد ويقال أبو الحارث
الغفاري مولاهم الخامس محمد بن مسلم بن شهاب الزهري السادس عروة ابن الزبير السابع
أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضع وبصيغة الإخبار المفردة من الماضي وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه شيخ
البخاري من الأفراد وفيه رواية الرجل عمن روى عن أبيه وفيه رواية التابعي عن
التابعي عن الصحابة وفيه القول في أربعة مواضع
ذكر معناه قوله أعتم الرسول قد مر معناه في باب فضل العشاء لأن الحديث قد تقدم فيه
رواه عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قوله الصلاة نصب على الإغراء
قوله نام النساء من تتمة كلام عمر رضي الله تعالى عنه قوله ولا تصلى على صيغة
المجهول أي لا تصل الصلاة بالهيئة المخصوصة بالجماعة إلا بالمدينة وبه صرح الداودي
لأن من كان بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سرا وأما غير مكة والمدينة من
البلاد فلم يكن الإسلام دخلها قوله قال أي الراوي ولم يقل قالت نظرا إلى الراوي
سواء كان القائل به عائشة أو غيرها قوله بين أن يغيب لا بد من تقدير أجزاء المغيب
حتى يصح دخول بين عليه و الشفق البياض دون الحمرة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد والشافعي هو الحمرة قوله الأول بالجر صفة الثلث وفي رواية مسلم عن يونس عن
ابن شهاب زيادة في هذا الحديث وهي قال ابن شهاب وذكر لي أن رسول الله قال وما كان
لكن أن تنزروا رسول الله للصلاة وذلك حين صاح عمر رضي الله تعالى عنه قوله تنزروا
بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وضم الزاي بعدها راء أي تلحوا عليه وروي
بضم أوله بعدها باء موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي أي تحرجوا
ذكر ما يستفاد منه فيه ما ذكرناه في الحديث الأول في باب فضل العشاء وفيه تذكير
الإمام وفيه أنه إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم يعتذر إليهم
ويقول لهم لكم فيه مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر ونحوه
570 - 571 - حدثنا محمود قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني
نافع قال حدثنا عبد الله بن عمر أن رسول الله شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في
المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظناثم خرج علينا النبي ثم قال ليس أحد من أهل
الأرض ينتظر الصلاة غيركم وكان ابن عمر لا يبالي أقدمها أم أخرها إذا كان لا يخشى
أن يغلبه النوم عن وقتها وكان يرقد قبلها قال ابن جريج قلت لعطاء فقال سمعت ابن
عباس يقول أعتم رسول الله ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام
عمر بن الخطاب فقال الصلاة قال عطاء قال ابن عباس فخرج نبي الله كأني أنظر إليه
الآن يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن
يصلوها هكذا فاستثبت عطاء كيف وضع النبي يده على رأسه كما أنبأه ابن عباس فبدد لي
عطاء بين أصابعه شيئا من تبديد ثم وضع أطراف أصابعه على
(5/67)
قرن الرأس ثم ضمها يمرها على
الرأس حتى مست إبهامه طرف الأذن مما يلي الوجه على الصدغ وناحية اللحية لا يقصر
ولا يبطش إلا كذلك وقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا ( الحديث 571
- طرفه في 7239 )
مطابقته للترجمة في قوله حتى رقدنا في المسجد وفي قوله رقد الناس وفي قوله وكان
يرقد قبلها أي كان ابن عمر يرقد قبل العشاء وحمله البخاري على ما إذا غلبه النوم
وهو اللائق بحال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمود بن غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر
الحروف الحافظ المروزي تقدم الثاني عبد الرزاق اليماني تقدم الثالث عبد الملك بن
جريج الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة
الجمع في موضع وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه
أن رواته ما بين مروزي ويماني ومكي ومدني
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في
الطهارة عن أحمد ابن حنبل إلى قوله ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم وأخرجه مسلم عن
عطاء مفردا مفصولا من حديث نافع بلفظ قلت لعطاء أي حين أحب إليك أن أصلي العشاء
فقال سمعت ابن عباس الحديث قلت لعطاء كم ذكر لك أن النبي أخرها ليلتئذ فقال لا
أدري قال عطاء وأحب إلي أن تصليها إماما وخلوا مؤخرة كما صلاها النبي ليلتئذ فإن
شق ذلك عليك خلوا أو على الناس في الجماعة وأنت إمامهم فصلها وسطا لا معجلة ولا
مؤخرة وعند النسائي عن عطاء عن ابن عباس وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أخر
النبي العشاء ذات ليلة حتى ذهب الليل فقام عمر رضي الله تعالى عنه فنادى الصلاة يا
رسول الله رقد النساء والولدان فخرج رسول الله والماء يقطر من رأسه فقال إنه للوقت
لولا أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة
ذكر معناه قوله شغل بلفظ المجهول قال الجوهري يقال شغلت عنك بكذا على ما لم يسم
فاعله قوله عنها أي عن وقتها أي متجاوزا عنه قوله وكان ابن عمر لا يبالي أي لا
يكترث أقدم العشاء أم أخرها عند عدم خوفه من غلبة النوم عن وقت العشاء وقد كان
يرقد قبلها أي قبل العشاء قوله قال ابن جريج أي قال عبد الملك بن جريج بالإسناد
الذي قبله وهو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن ابن جريج وليس هو بتعليق وقد أخرجه
عبد الرزاق في ( مصنفه ) بالإسنادين وأخرجه من طريقه الطبراني وعنه أبو نعيم في (
مستخرجه ) قوله فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة وفي رواية للبخاري زاد رقد النساء
والصبيان كما في حديث عائشة والصلاة منصوبة على الإغراء قوله يقطر رأسه ماء جملة
فعلية مضارعية وقت حالا بدون الواو والمعنى يقطر ماء رأسه لأن التمييز في حكم
الفاعل قوله واضعا يده على رأسه أيضا حال وكان قد اغتسل قبل أن يخرج ووقع في رواية
الكشميهني على رأسي وهذا وهم قوله فاستثبت مقول ابن جريج بلفظ المتكلم والاستثبات
طلب التثبيت وهو التأكيد في سؤاله قوله عطاء منصوب بقوله فاستثبت وهو عطاء ابن أبي
رباح وقد تردد فيه الكرماني بين عطاء بن يسار وعطاء بن أبي رباح والحامل عليه كون
كل منهما يروي عن ابن عباس وقال بعضهم ووهم من زعم أنه ابن يسار قلت أراد به
الكرماني ولكنه ما جزم بأنه ابن يسار بل قال الظاهر أنه عطاء بن يسار ويحتمل عطاء
بن أبي رباح قوله كما أنبأه أي مثل ما أخبره ابن عباس قوله فبدد أي فرق التبديد
التفريق قوله على قرن الرأس القرن بسكون الراء جانب الرأس قوله ثم ضمها أي ثم ضم
أصابعه وهو بالضاد المعجمة والميم وفي رواية مسلم وصبها بالصاد المهملة والباء
الموحدة وقال عياض رحمه الله هو الصواب لأنه يصف عصر الماء من الشعر باليد قوله
حتى مست إبهامه طرف الأذن فإبهامه مرفوع بالفاعلية وطرف الأذن منصوب على المفعولية
وهكذا وقع في رواية الكشميهني بإفراد الإبهام وفي رواية غيره إبهاميه بالتثنية
والنصب ووجهها أن يكون قوله إبهاميه
(5/68)
منصوبا على المفعولية وطرف
الأذن مرفوعا بالفاعلية ووقع في رواية النسائي عن حجاج عن ابن جريج حتى مست
إبهاماه طرف الأذن فإن قلت في رواية الأكثرين كيف أنث الفعل المسند إلى الطرف وهو
مذكر قلت لأن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه لشدة الاتصال بينهما فأنث كذلك
قوله لا يقصر بالقاف من التقصير ومعناه لا يبطىء وفي رواية الكشميهني لا يعصر
بالعين قوله ولا يبطش أي لا يستعجل قوله لأمرتهم أي انتفاء الأمر لوجود المشقة
قوله وهكذا أي في هذا الوقت بين ذلك في رواية أخرى بقوله إنه للوقت
ذكر ما يستفاد منه فيه إباحة النوم قبل العشاء لمن يغلب عليه النوم ولمن تعرض له
ضرورة لازمة وفيه الدلالة على فضيلة صلاة العشاء وفيه تذكير الإمام والإعلام
بالصلاة وفيه استحباب حضور النساء والصبيان الصلاة بالجماعة وفيه أن النوم من
القاعد لا ينقض الوضوء إذا كان مقعده ممكنا وهذا هو محمل الحديث وهو مذهب الأكثرين
والصحيح من مذهب الشافعي والدليل عليه أنه لم يذكر أحد من الرواة أنهم توضأوا من
ذلك النوم ولا يدل لفظ ثم استيقظوا على النوم المستغرق الذي يزيل العقل لأن العرب
تقول استيقظ من سنته وغفلته وفيه رد على المزني حيث يقول قليل النوم وكثيره حدث
ينقض الوضوء لأنه محال أن يذهب على أصحابه أن النوم حدث فيصلون به
ثم إعلم أن العلماء اختلفوا في النوم فمذهب البعض إلى أن النوم لا ينقض الوضوء على
أي حالة كان وهذا محكي عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز وحميد
الأعرج وشعبة ومذهب البعض أنه ينقض بكل حال وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي
عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه وهو قول غريب للشافعي وقال ابن المنذر وبه
أقول قال وقد روي معناه عن ابن عباس وأبي هريرة ومذهب البعض أن كثيره ينقص بكل حال
وقليله لا ينقض بكل حال وهو مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية
ومذهب البعض أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم
والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو لم يكن وإن نام مضطجعآ أو مستلقيا
على قفاه انتقض وهو مذهب أبي حنيفة وداود وقول غريب للشافعي ومذهب البعض أنه لا
ينقض إلا نوم الراكع والساجد وروي هذا عن أحمد أيضا ومذهب البعض لا ينقض النوم في
الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعي ومذهب البعض أنه إذا نام
جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض سواء قل أو كثر وسواء كان في
الصلاة أو خارجها وهو مذهب الشافعي
569 - حدثنا ( أيوب بن سليمان ) قال حدثني ( أبو بكر ) عن ( سليمان ) قال ( صالح
بن كيسان ) أخبرني ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) أن ( عائشة ) قالت أعتم رسول الله
بالعشاء حتى ناداه عمر الصلاة نام النساء والصبيان فخرج فقال ما ينتظرها أحد من
أهل الأرض غيركم قال ولا تصلى يومئذ إلا بالمدينة قال وكانوا يصلون العشاء فيما
بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول ( انظر الحديث 566 وطرفييه )
مطابقته للترجمة في قوله نام النساء والصبيان فإنه لم ينكر على من نام من الذين
كانوا ينتظرون خروجه لصلاة العشاء ولم يكن نومهم إلا حين غلب النوم عليهم
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أيوب ابن سليمان بن بلال مولى عبد الله بن أبي عتيق
واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق مات سنة أربع وعشرين ومائتين الثاني
أبو بكر هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله أخو إسماعيل شيخ البخاري ويعرف
بالأعشى الثالث سليمان بن بلال أبو أيوب ويقال أبو محمد القرشي التيمي مولى عبد
الله بن أبي عتيق المذكور آنفا الرابع صالح ابن كيسان أبو محمد ويقال أبو الحارث
الغفاري مولاهم الخامس محمد بن مسلم بن شهاب الزهري السادس عروة ابن الزبير السابع
أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضع وبصيغة الإخبار المفردة من الماضي وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه شيخ
البخاري من الأفراد وفيه رواية الرجل عمن روى عن أبيه وفيه رواية التابعي عن
التابعي عن الصحابة وفيه القول في أربعة مواضع
ذكر معناه قوله أعتم الرسول قد مر معناه في باب فضل العشاء لأن الحديث قد تقدم فيه
رواه عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قوله الصلاة نصب على الإغراء
قوله نام النساء من تتمة كلام عمر رضي الله تعالى عنه قوله ولا تصلى على صيغة
المجهول أي لا تصل الصلاة بالهيئة المخصوصة بالجماعة إلا بالمدينة وبه صرح الداودي
لأن من كان بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سرا وأما غير مكة والمدينة من
البلاد فلم يكن الإسلام دخلها قوله قال أي الراوي ولم يقل قالت نظرا إلى الراوي
سواء كان القائل به عائشة أو غيرها قوله بين أن يغيب لا بد من تقدير أجزاء المغيب
حتى يصح دخول بين عليه و الشفق البياض دون الحمرة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد والشافعي هو الحمرة قوله الأول بالجر صفة الثلث وفي رواية مسلم عن يونس عن
ابن شهاب زيادة في هذا الحديث وهي قال ابن شهاب وذكر لي أن رسول الله قال وما كان
لكن أن تنزروا رسول الله للصلاة وذلك حين صاح عمر رضي الله تعالى عنه قوله تنزروا
بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وضم الزاي بعدها راء أي تلحوا عليه وروي
بضم أوله بعدها باء موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي أي تحرجوا
ذكر ما يستفاد منه فيه ما ذكرناه في الحديث الأول في باب فضل العشاء وفيه تذكير الإمام
وفيه أنه إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم يعتذر إليهم ويقول
لهم لكم فيه مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر ونحوه
570 - 571 - حدثنا محمود قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني
نافع قال حدثنا عبد الله بن عمر أن رسول الله شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في
المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظناثم خرج علينا النبي ثم قال ليس أحد من أهل
الأرض ينتظر الصلاة غيركم وكان ابن عمر لا يبالي أقدمها أم أخرها إذا كان لا يخشى
أن يغلبه النوم عن وقتها وكان يرقد قبلها قال ابن جريج قلت لعطاء فقال سمعت ابن
عباس يقول أعتم رسول الله ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا
فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة قال عطاء قال ابن عباس فخرج نبي الله كأني أنظر
إليه الآن يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن
يصلوها هكذا فاستثبت عطاء كيف وضع النبي يده على رأسه كما أنبأه ابن عباس فبدد لي
عطاء بين أصابعه شيئا من تبديد ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم ضمها يمرها
على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأذن مما يلي الوجه على الصدغ وناحية اللحية لا
يقصر ولا يبطش إلا كذلك وقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هكذا ( الحديث
571 - طرفه في 7239 )
مطابقته للترجمة في قوله حتى رقدنا في المسجد وفي قوله رقد الناس وفي قوله وكان
يرقد قبلها أي كان ابن عمر يرقد قبل العشاء وحمله البخاري على ما إذا غلبه النوم
وهو اللائق بحال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمود بن غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر
الحروف الحافظ المروزي تقدم الثاني عبد الرزاق اليماني تقدم الثالث عبد الملك بن
جريج الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة
الجمع في موضع وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه
أن رواته ما بين مروزي ويماني ومكي ومدني
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في
الطهارة عن أحمد ابن حنبل إلى قوله ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم وأخرجه مسلم عن
عطاء مفردا مفصولا من حديث نافع بلفظ قلت لعطاء أي حين أحب إليك أن أصلي العشاء
فقال سمعت ابن عباس الحديث قلت لعطاء كم ذكر لك أن النبي أخرها ليلتئذ فقال لا
أدري قال عطاء وأحب إلي أن تصليها إماما وخلوا مؤخرة كما صلاها النبي ليلتئذ فإن
شق ذلك عليك خلوا أو على الناس في الجماعة وأنت إمامهم فصلها وسطا لا معجلة ولا
مؤخرة وعند النسائي عن عطاء عن ابن عباس وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أخر
النبي العشاء ذات ليلة حتى ذهب الليل فقام عمر رضي الله تعالى عنه فنادى الصلاة يا
رسول الله رقد النساء والولدان فخرج رسول الله والماء يقطر من رأسه فقال إنه للوقت
لولا أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة
ذكر معناه قوله شغل بلفظ المجهول قال الجوهري يقال شغلت عنك بكذا على ما لم يسم
فاعله قوله عنها أي عن وقتها أي متجاوزا عنه قوله وكان ابن عمر لا يبالي أي لا
يكترث أقدم العشاء أم أخرها عند عدم خوفه من غلبة النوم عن وقت العشاء وقد كان
يرقد قبلها أي قبل العشاء قوله قال ابن جريج أي قال عبد الملك بن جريج بالإسناد
الذي قبله وهو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن ابن جريج وليس هو بتعليق وقد أخرجه
عبد الرزاق في ( مصنفه ) بالإسنادين وأخرجه من طريقه الطبراني وعنه أبو نعيم في (
مستخرجه ) قوله فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة وفي رواية للبخاري زاد رقد النساء
والصبيان كما في حديث عائشة والصلاة منصوبة على الإغراء قوله يقطر رأسه ماء جملة
فعلية مضارعية وقت حالا بدون الواو والمعنى يقطر ماء رأسه لأن التمييز في حكم
الفاعل قوله واضعا يده على رأسه أيضا حال وكان قد اغتسل قبل أن يخرج ووقع في رواية
الكشميهني على رأسي وهذا وهم قوله فاستثبت مقول ابن جريج بلفظ المتكلم والاستثبات
طلب التثبيت وهو التأكيد في سؤاله قوله عطاء منصوب بقوله فاستثبت وهو عطاء ابن أبي
رباح وقد تردد فيه الكرماني بين عطاء بن يسار وعطاء بن أبي رباح والحامل عليه كون
كل منهما يروي عن ابن عباس وقال بعضهم ووهم من زعم أنه ابن يسار قلت أراد به
الكرماني ولكنه ما جزم بأنه ابن يسار بل قال الظاهر أنه عطاء بن يسار ويحتمل عطاء
بن أبي رباح قوله كما أنبأه أي مثل ما أخبره ابن عباس قوله فبدد أي فرق التبديد
التفريق قوله على قرن الرأس القرن بسكون الراء جانب الرأس قوله ثم ضمها أي ثم ضم
أصابعه وهو بالضاد المعجمة والميم وفي رواية مسلم وصبها بالصاد المهملة والباء الموحدة
وقال عياض رحمه الله هو الصواب لأنه يصف عصر الماء من الشعر باليد قوله حتى مست
إبهامه طرف الأذن فإبهامه مرفوع بالفاعلية وطرف الأذن منصوب على المفعولية وهكذا
وقع في رواية الكشميهني بإفراد الإبهام وفي رواية غيره إبهاميه بالتثنية والنصب
ووجهها أن يكون قوله إبهاميه منصوبا على المفعولية وطرف الأذن مرفوعا بالفاعلية
ووقع في رواية النسائي عن حجاج عن ابن جريج حتى مست إبهاماه طرف الأذن فإن قلت في
رواية الأكثرين كيف أنث الفعل المسند إلى الطرف وهو مذكر قلت لأن المضاف اكتسب
التأنيث من المضاف إليه لشدة الاتصال بينهما فأنث كذلك قوله لا يقصر بالقاف من
التقصير ومعناه لا يبطىء وفي رواية الكشميهني لا يعصر بالعين قوله ولا يبطش أي لا
يستعجل قوله لأمرتهم أي انتفاء الأمر لوجود المشقة قوله وهكذا أي في هذا الوقت بين
ذلك في رواية أخرى بقوله إنه للوقت
ذكر ما يستفاد منه فيه إباحة النوم قبل العشاء لمن يغلب عليه النوم ولمن تعرض له
ضرورة لازمة وفيه الدلالة على فضيلة صلاة العشاء وفيه تذكير الإمام والإعلام
بالصلاة وفيه استحباب حضور النساء والصبيان الصلاة بالجماعة وفيه أن النوم من
القاعد لا ينقض الوضوء إذا كان مقعده ممكنا وهذا هو محمل الحديث وهو مذهب الأكثرين
والصحيح من مذهب الشافعي والدليل عليه أنه لم يذكر أحد من الرواة أنهم توضأوا من
ذلك النوم ولا يدل لفظ ثم استيقظوا على النوم المستغرق الذي يزيل العقل لأن العرب
تقول استيقظ من سنته وغفلته وفيه رد على المزني حيث يقول قليل النوم وكثيره حدث ينقض
الوضوء لأنه محال أن يذهب على أصحابه أن النوم حدث فيصلون به
ثم إعلم أن العلماء اختلفوا في النوم فمذهب البعض إلى أن النوم لا ينقض الوضوء على
أي حالة كان وهذا محكي عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز وحميد
الأعرج وشعبة ومذهب البعض أنه ينقض بكل حال وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي
عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه وهو قول غريب للشافعي وقال ابن المنذر وبه
أقول قال وقد روي معناه عن ابن عباس وأبي هريرة ومذهب البعض أن كثيره ينقص بكل حال
وقليله لا ينقض بكل حال وهو مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية
ومذهب البعض أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم
والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو لم يكن وإن نام مضطجعآ أو مستلقيا
على قفاه انتقض وهو مذهب أبي حنيفة وداود وقول غريب للشافعي ومذهب البعض أنه لا
ينقض إلا نوم الراكع والساجد وروي هذا عن أحمد أيضا ومذهب البعض لا ينقض النوم في
الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعي ومذهب البعض أنه إذا نام
جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض سواء قل أو كثر وسواء كان في
الصلاة أو خارجها وهو مذهب الشافعي
25 -
( باب وقت العشاء إلى نصف الليل )
أي هذا باب في بيان أن وقت العشاء إلى نصف الليل وهذه الترجمة تدل على أن اختياره
في آخر وقت العشاء إلى نصف الليل والدليل عليه حديث الباب وقد تكلمنا بما فيه
الكفاية في باب وقت العصر فيما مضى وقال الكرماني ظاهر الترجمة مشعر بأن مذهب
البخاري أن وقت العشاء إلى النصف فقط ولهذا لم يذكر حديثا يدل على امتداد وقته إلى
الصبح انتهى قلت مراده من هذا وقت الاختيار لا وقت الجواز وهو صريح بذلك قبل كلامه
هذا بأن المراد من الترجمة الوقت المختار من العشاء وقال الكرماني أيضا فإن قلت قد
تقدم أن الوقت المختار إلى الثلث كما قال في الباب السابق وكانوا يصلون فيما بين
أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل قلت لا منافاة بينهما إذ الثلث داخل في النصف
وقال أبو برزة كان النبي يستحب تأخيرها
هذا طرف من حديث أبي برزة الذي تقدم في باب وقت العصر وهو الذي رواه عن محمد بن
مقاتل وفيه وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة فإن قلت هذا لا يطابق
الترجمة لأنه لم يذكر فيه إلا نصف الليل قلت لما وردت أحاديث في هذا الباب بعضها
مقيد بالثلث وبعضها بالنصف كان النصف غاية التأخير فدل على الترجمة دلالة لا
تصريحا
572 - حدثنا ( عبد الرحيم المحاربي ) قال حدثنا ( زائدة ) عن ( حميد الطويل ) عن (
أنس )
(5/69)
قال أخر النبي صلاة العشاء إلى
نصف الليل ثم صلى ثم قال قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها
مطابقته للترجمة ظاهرة صريحا
ذكر رجاله وهم أربعة الأول عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي
ويكنى أبا زياد وهو من قدماء شيوخ البخاري مات سنة إحدى عشرة ومائتين وليس للبخاري
في الصحيح عنه غير هذا الحديث الواحد قوله المحاربي بضم الميم وإهمال الحاء وكسر
الراء وبالباء الموحدة وهو نسبة إلى محارب ابن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن
عبد القيس الثاني زائدة بن قدامة بضم القاف وقد تقدم الثالث حميد بضم الحاء الطويل
الرابع أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه
القول في موضعين وفيه أن شيخ البخاري ليس له ههنا إلا هذا الحديث وفيه أن رواته ما
بين كوفي وبصري
ذكر معناه قوله قد صلى الناس أي المعهودون من المسلمين إذ ذاك قوله أما إنكم
بتخفيف الميم حرف التنبيه قوله ما انتظرتموها أي مدة انتظاركم والمعنى أن الرجل
إذا انتظر الصلاة فكأنه في نفس الصلاة
وزاد ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني حميد أنه سمع أنسا قال كأني أنظر
إلى وبيص خاتمه ليلتئذ
وهذا تعليق نبه به على أن حميد الطويل سمع أنسا وذكر هذا التعليق أيضا في اللباس
بلفظ وقال يحيى بن أيوب عن حميد فذكره وأخرجه مسلم أيضا ووصله البغوي حدثنا أحمد
بن منصور قال حدثنا ابن أبي مريم إلى آخره وأول الحديث سئل أنس رضي الله تعالى عنه
هل اتخذ النبي خاتما قال نعم أخر العشاء فذكره وفي آخره فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه
ليلتئذ وابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم المصري قوله وبيص خاتمه الوبيص بفتح الواو
وكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة البريث واللمعان والخاتم فيه أربع لغات كسر
التاء وخاتام وخيتام قوله ليلتئذ أي ليلة إذ أخر الصلاة والتنوين عوض عن المضاف
إليه
26 -
( باب فضل صلاة الفجر )
أي هذا باب في بيان صلاة الفجر قوله وقع في رواية أبي ذر ولم يقع في رواية غيره
قال الكرماني ولم تظهر مناسبة لفظ الحديث في هذا الموضع وقد يقال الغرض منه باب
كذا وباب الحديث الوارد في فضل صلاة الفجر وقال بعضهم ولم يظهر لي توجيه لهذا
اللفظ واستبعد توجيه الكرماني ثم قال والظاهر أن هذا وهم ويدل لذلك أنه ترجم لحديث
جرير إيضا باب صلاة العصر بغير زيادة ويحتمل أنه كان فيه باب فضل صلاة الفجر
والعصر فتحرفت الكلمة الأخيرة قلت استبعاده كلام الكرماني بعيد لأنه لا يبعد أن
يقال تقدير كلامه باب في بيان فضل الفجر وفي بيان الحديث الوارد فيه وهذا أوجه من
إدعاء الوهم ولا يلزم من قوله لفظ الحديث في باب صلاة الفجر أن تكون هذه اللفظة ههنا
وهما والاحتمال الذي ذكره بعيد لأن تحرف العصر بالحديث بعيد جدا
فإن قلت فما وجه خصوصية هذا الباب بهذه اللفظة دون سائر الأبواب الذي يذكر فيها
فضائل الأعمال قلت يحتمل أن يكون وجه ذاك أن صلاة الفجر إنما هي عقيب النوم والنوم
أخو الموت ألا ترى كيف ورد أن يقال عند الاستيقاظ من النوم الحمد لله الذي أحيانا
بعدما أماتنا وإليه النشور فإذا كان كذلك ينبغي أن يجتهد المستيقظ على أداء صلاة
الفجر شكرا لله على حياته وإعادة روحه إليه ويعلم أن لإقامتها فضلا عظيما لورود
الأحاديث فيه فنبه على ذلك بقوله والحديث وخص هذا الباب بهذه الزيادة
573 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثنا ( قيس ) قال لي
( جرير بن عبد الله ) كنا عند النبي إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما إنكم
سترون ربكم
(5/70)
كما ترون هذا لا تضامون أو لا
تضاهون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها
فأفعلوا ثم قال فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها
مطابقته للترجمة في قوله على صلاة قبل طلوع الشمس وقد مر هذا الحديث في باب فضل
صلاة العصر ورواه هناك عن الحميدي عن مروان بن معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير وههنا
عن مسدد عن يحيى القطان عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم قال قال لي
جرير بن عبد الله وهناك قال عن جرير وقد ذكرنا هناك متعلقات الحديث كلها قوله أو
لا تضاهون من المضاهاة وهي المشابهة قال النووي معناه لا يشتبه عليكم ولا ترتابون
فيه
574 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثني ( أبو جمرة ) عن ( أبي
بكر بن أبي موسى ) عن أبيه أن رسول الله قال من صلى البردين دخل الجنة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن أحد البردين صلاة الفجر
ذكر رجاله وهم خمسة الأول هدبة بضم الهاء وسكون الدال المهملة وبالباء الموحدة ابن
خالد القيسي البصري الحافظ مات سنة خمس وثلاثين ومائتين الثاني همام بن يحيى وقد
تقدم الثالث أبو جمرة بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري الرابع أبو بكر بن
عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري الخامس أبوه أبو موسى الأشعري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه رواية التابعي عن الصحابي
وفيه رواية الابن عن أبيه وفيه ثلاثة بصريون بالتوالي وفيه في أبي بكر اختلفوا
فقال الدارقطني قال بعض أهل العلم هو أبو بكر بن عمارة ابن رؤيبة الثقفي وهذا
الحديث محفوظ عنه وقال البزار لا نعلمه يروي عن أبي موسى إلا من هذا الوجه وإنما
يعرف عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه ولكن هكذا قال همام يعنيان بذلك حديث
أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة المخرج عند مسلم بلفظ قال عمارة سمعت رسول الله يقول لن
يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر وروى الطبراني من
حديث السري بن إسماعيل عن الشعبي عن عمارة بن رؤيبة لن يدخل النار من مات لا يشرك
بالله شيئا وكان يبادر بصلاته قبل طلوع الشمس وقبل غروبها
ذكر معناه قوله البردين تثنية برد بفتح الباء الموحدة وسكون الراء والمراد بهما
صلاة الفجر والعصر وقال القرطبي قال كثير من العلماء البردان الفجر والعصر وسميا
بذلك لأنهما يفعلان في وقت البرد وقال الخطابي لأنهما يصليان في بردي النهار وهما
طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر وقال السفاقسي عن أبي عبيدة المراد الصبح
والعصر والمغرب وفيه نظر لأن المذكور تثنية ومع هذا لم يتبعه على هذا أحد وزعم
القزاز أنه اجتهد في تمييز هذين الوقتين لعظم فائدتهما فقال إن الله تعالى أدخل
الجنة كل من صلى تلك الصلاة ممن آمن به في أول دعوته وبشر بهذا الخبر أن من صلاهما
معه في أول فرضه إلى أن نسخ ليلة الإسراء أدخلهم الله الجنة كما بادروا إليه من
الإيمان تفضلا منه تعالى انتهى قلت كلامه يؤدي إلى أن هذا مخصوص لأناس معينين ولا
عموم فيه وأنه منسوخ وليس كذلك من وجوه الأول أن راويه أبا موسى سمعه في آواخر
الإسلام وأنه فهم العموم وكذا غيره فهم ذلك لأنه خير فضل لمحمد ولأمته الثاني أن
الفضائل لا تنسخ الثالث أن كلمة من شرطية وقوله دخل الجنة جواب الشرط فكل من أتى
بالشرط فقد استحق المشروط لعموم كلمة الشرط ولا يقال إن مفهومه يقتضي أن من لم
يصلها لم يدخل الجنة لأنا نقول المفهوم ليس بحجة وأيضا فإن قوله دخل الجنة خرج
مخرج الغالب لأن الغالب أن من صلاهما وراعاهما انتهى عما ينافيهما من فحشاء ومنكر
لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أو يكون آخر أمره دخول الجنة وأما وجه التخصيص
بهما فهو لزيادة شرفهما وترغيبا في حفظهما لشهود الملائكة فيهما كما تقدم وقد مضى
ما رواه الطبراني فيه
(5/71)
وروى أبو القاسم بن الجوزي من
حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا ينادي مناد عند صلاة الصبح يا بني آدم
قوموا فاطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم وينادي عند العصر كذلك فيتطهرون ويصلون
وينامون ولا ذنب لهم ووجه العدول عن الأصل وهو أن يقول يدخل الجنة بصيغة المضارع
لإرادة التأكيد في وقوعه بجعل ما هو للوقوع كالواقع كما في قوله تعالى ونادى أصحاب
الجنة ( الأعراف 44 )
وقال ابن رجاء حدثنا همام عن أبي جمرة أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس أخبره بهذا
أورد البخاري هذا التعليق عن شيخه عبد الله بن رجاء بفتح الراء والجيم وبالمد
الغداني البصري ليفيد بذلك أن نسبة أبي بكر إلى أبيه أبي موسى الأشعري لأن الناس
اختلفوا فيه كما ذكرنا عن قريب وقد وصله الطبراني في ( معجمه ) فقال حدثنا عثمان
بن عمر الضبي قال حدثنا عبد الله بن رجاء فذكره قوله أخبر بهذا أي بهذا الحديث وهو
مرسل لأنه لم يقل عن أبيه إلا أن يقال المراد بالمشار إليه الحديث وبقية الأسناد
كلاهما
حدثنا إسحاق عن حبان قال حدثنا همام قال حدثنا أبو جمرة عن أبي بكر بن عبد الله عن
أبيه عن النبي مثله
أشار البخاري بهذا أيضا بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله بن قيس وهو أبو
موسى الأشعري ردا على من زعم أنه ابن عمارة بن رؤيبة وقد ذكرنا أن حديث عمارة
أخرجه مسلم وغيره فظهر من هذا أنهما حديثان أحدهما عن أبي موسى والآخر عن عمارة بن
رؤيبة قوله حدثنا إسحاق قال الغساني في كتابه ( التقييد ) لعله إسحاق بن منصور
الكوسج وقال في موضع آخر منه قال ابن السكن كل ما في كتاب البخاري عن إسحاق غير
منسوب فهو ابن راهويه واستدل الغساني على أنه منصور بأن مسلما روى عن إسحاق بن
منصور عن حبان بن هلال حديثا غير هذا قلت الأصح أنه إسحاق بن منصور لأنه روى عن
الفربري في باب البيعان بالخيار حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا جعفر ابن هلال فذكر
حديثا وحبان هذا بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال الباهلي مات
سنة ست عشرة ومائتين قوله مثله أي مثل هذا الحديث المذكور ويروى بمثله بزيادة
الباء
27 -
( باب وقت الفجر )
أي هذا باب في بيان وقت صلاة الفجر
575 - حدثنا ( عمرو بن عاصم ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) أن (
زيد بن ثابت ) حدثه أنهم تسحروا مع النبي ثم قاموا إلى الصلاة قلت كم كان بينهما
قال قدر خمسين أو ستين يعني آية ( الحديث 575 - طرفه في 1921 )
مطابقته للترجمة من خيث إنهم قاموا إلى الصلاة بعد أن تسحروا بمقدار قراءة خمسين
آية أو نحوها وذلك أول ما يطلع الفجر وهو أول وقت الصبح واستدل البخاري بهذا أن
أول وقت الصبح هو طلوع الفجر فحصل التطابق بين الحديث والترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمرو بن عاصم بالواو الحافظ البصري مات سنة ثلاث وعشرين
ومائتين الثاني همام بن يحيى الثالث قتادة بن دعامة الرابع أنس بن مالك الخامس زيد
بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في
موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع واحد وفيه رواية الصحابي عن
الصحابي وفيه أن رواته بصريون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مسلم بن إبراهيم عن
هشام الدستوائي عن قتادة وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام
به وعمرو الناقد عن يزيد بن هارون عن همام به وعن محمد بن المثنى عن سالم بن نوح
عن عمرو بن عامر عن قتادة به وأخرجه الترمذي فيه عن يحيى بن موسى عن
(5/72)
أبي داود الطيالسي وعن هناد عن
وكيع عن همام به وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم عن وكيع به وعن إسماعيل
ابن مسعود عن خالد بن الحارث عن همام به وأخرجه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي
عن وكيع به
ذكر معناه قوله أنهم أي أنه وأصحابه تسحروا أي أكلوا السحور وهو بفتح السين اسم ما
يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه وأكثر ما يروي بالفتح وقيل
إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام
قوله إلى الصلاة أي صلاة الفجر قوله كم كان بينهما سقط لفظ كان من رواية السرخسي
والمستملي وفاعل قلت هو أنس والضمير في بينهما يرجع إلى التسحر والقيام إلى الصلاة
من قبيل اعدلوا هو أقرب للتقوى ( المائدة 8 ) قوله قال أي زيد بن ثابت قوله قدر
خمسين مرفوع على الابتداء وخبره محذوف تقديره قدر خمسين آية بينهما والتمييز محذوف
أشار إليه بقوله يعني آية
ومما يستفاد منه استحباب التسحر وتأخيره إلى قريب طلوع الفجر
576 - حدثنا ( حسن بن صباح ) سمع ( روحا ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن (
أنس بن مالك ) أن نبي الله وزيد بن ثابت تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله
إلى الصلاة فصلينا قلت لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة قال
قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية ( الحديث 576 - طرفه في 1134 )
ذكر رجاله وهم خمسة الأول الحسن بن صباح بتشديد الباء البزار بالزاي ثم الراء أحد
الأعلام وقد تقدم الثاني روح بفتح الراء بن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة
تقدم الثالث سعيد بن أبي عروبة بفتح العين المهملة تقدم الرابع قتادة بن دعامة
الخامس أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه السماع وفيه العنعنة في
موضعين والفرق بين سند هذا الحديث وسند الحديث السابق أن هذا الحديث من مسانيد أنس
وذاك من مسانيد زيد بن ثابت ورجح مسلم رواية همام عن قتادة فأخرجها ولم يخرج رواية
سعيد قال بعضهم ويدل على رجحانها أيضا أن الإسماعيلي أخرج رواية سعيد من طريق خالد
بن الحارث عن سعيد فقال عن أنس عن زيد بن ثابت والذي يظهر لي في الجمع بين
الروايتين أن أنسا حضر ذلك لكنه لم يتسحر معهما ولأجل ذلك سأل زيدا عن مقدار وقت
السحور انتهى قلت خرج الطحاوي من حديث هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس وزيد بن
ثابت قالا تسحرنا الحديث فكيف يقول هذا القائل إن أنسا حضر ذلك لكنه لم يتسحر
معهما
ذكر معناه قوله سمع روح بن عبادة جملة وقعت حالا وكلمة قد مقدرة فيه كما في قوله
تعالى أو جاؤكم حصرت صدورهم ( النساء 90 ) أي قد حصرت قوله تسحرا بالتثنية وفي
رواية السرخسي والمستملي تسحروا بالجمع قوله فصلينا بصيغة الجمع عند الأكثرين وفي
رواية الكشميهني بصيغة التثنية ويروى فصلى بالإفراد قوله قلت لأنس القائل قتادة
ويروى قلنا بصيغة الجمع
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان أول وقت الصبح وهو طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم
فيه الطعام والشراب على الصائم والمدة التي بين الفراغ والسحور والدخول في الصلاة
هي قراءة الخمسين آية أو نحوها وهي قدر ثلث خمس ساعة واختلفوا في آخر وقت الفجر
فذهب الجمهور إلى آخره أول طلوع جرم الشمس وهو مشهور مذهب مالك وروى عنه ابن
القاسم وابن عبد الحكم أن آخر وقتها الإسفار الأعلى وعن الاصطخري من صلاها بعد
الإسفار الشديد يكون قاضيا مؤديا وإن لم تطلع الشمس
577 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) عن ( أخيه ) عن ( سليمان ) عن ( أبي حازم )
أنه سمع ( سهل بن سعد ) يقول كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعة بي أن أدرك صلاة
الفجر مع رسول الله ( الحديث 577 - طرفه في 1920 )
(5/73)
مطابقته للترجمة بطريق الإشارة
أن أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر وقال بعضهم الغرض منه ههنا الإشارة إلى مبادرة
النبي إلى صلاة الصبح في أول الوقت قلت الترجمة في بيان وقت الفجر لا فيما قاله فلا
تطابق حينئذ بين الترجمة والحديث وأيضا لا يستلزم سرعة سهل لإدراك الصلاة مبادرة
النبي بها
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إسماعيل بن أبي أويس واسم أبي أويس عبد الله الأصبحي
المدني ابن أخت مالك ابن أنس رحمه الله الثاني أخوه عبد الحميد بن أبي أويس يكنى
أبا بكر الثالث سليمان بن بلال أبو أيوب وقد تقدم الرابع أبو حازم سلمة بن دينار
الأعرج من عباد أهل المدينة الخامس سهل بن سعد بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى
عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة
مواضع وفيه السماع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية الأخ عن الأخ
ذكر معناه قوله ثم تكون سرعة يجوز في سرعة الرفع والنصب أما الرفع فعلى أن كان
تامة بمعنى توجد سرعة ولفظة بي تتعلق به وأما النصب فعلى أن تكون كان ناقصة ويكون
اسم كان مضمرا فيه وسرعة خبره والتقدير تكون السرعة سرعة حاصلة بي وهكذا قدره
الكرماني وقال والاسم ضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظة السرعة قلت فيه تعسف الأوجه
أن يقال إن كان ناقصة وسرعة بالرفع اسمها وقوله بي في محل الرفع على أنها صفة سرعة
وقوله أن أدرك خبر كان وكلمة أن مصدرية والتقدير وتكون سرعة حاصلة بي لإدراك صلاة
الفجر مع النبي وأما نصب سرعة فقد ذكر الكرماني فيه وجهين أحدهما ما ذكرناه والآخر
أنه نصب على الاختصاص فالأول فيه التعسف كما ذكرنا والثاني لا وجه له يظهر بالتأمل
578 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال أخبرنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
قال أخبرني ( عروة ابن الزبير ) أن ( عائشة ) أخبرته قالت كن نساء المؤمنات يشهدن
مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة
لا يعرفهن أحد من الغلس
هذا الحديث أخرجه البخاري في باب كم تصلي المرأة من الثياب عن أبي اليمان عن شعيب
عن الزهري وهو ابن شهاب وتكلمنا هناك بما فيه الكفاية في جميع متعلقات الحديث
ولنتكلم هنا ببعض شيء زيادة الإيضاح وذكر هذا الحديث ههنا لا يطابق الترجمة فإن
قلت فيه دلالة على استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت قلت سلمنا هذا ولكن
لا يدل هذا على أن وقت الفجر عند طلوع الفجر لأن المبادرة تحصل ما دام الغلس باقيا
قوله الليث عن عقيل الليث هو ابن سعد المصري وعقيل بالضم ابن خالد الأيلي وابن
شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
وفي الإسناد التحديث بصيغة الجمع في موضعين والعنعنة في موضعين والإخبار بصيغة
الإفراد من الماضي المذكر في موضع ومثله في موضع ولكن بالتأنيث
قوله كن أي النساء والقياس أن يقال كانت النساء المؤمنات ولكن هو من قبيل أكلوني
البراغيث في أن البراغيث إما بدل أو بيان وإضافة النساء إلى المؤمنات مؤولة لأن
إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز والتقدير نساء الأنفس المؤمنات أو الجماعة المؤمنات
وقيل إن النساء ههنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي
فضلاؤهم ومتقدموهم قوله يشهدن أي يحضرن قوله صلاة الفجر بالنصب إما مفعول به أو
مفعول فيه وكلاهما جائزان لأنها مشهودة ومشهود فيها قوله متلفعات حال أي متلحفات
من التلفع وهو شد اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به قوله بمروطهن يتعلق بمتلفعات
وهو جمع مرط بكسر الميم وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به قوله ثم ينقلبن أي يرجعن
إلى بيوتهن قوله لا يعرفهن أحد قال الداودي معناه لا يعرفن أنساء أم رجال يعني لا
يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة وقيل لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين فاطمة وعائشة
وقال النووي فيه نظر لأن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة
ورد بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد غيرها لنفى الرؤية بالعلم
وقال بعضهم وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة
هيئة غير هيئة
(5/74)
الأخرى في الغالب ولو كان
بدنها مغطى انتهى قلت هذا غير موجه لأن الرائي من اين يعرف هيئة كل امرأة حين كن
مغطيات والرجل لا يعرف هيئة امرأته إذا كانت بين المغطيات إلا بدليل من الخارج
وقال الباجي هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من
معرفتهن لا الغلس قوله من الغلس كلمة من ابتدائية ويجوز أن تكون تعليلية والغلس
بفتحتين ظلمة آخر الليل ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين حديث أبي برزة الذي مضى من
أنه كان ينصرف حين يعرف الرجل جليسه لأنه إخبار عن رؤية جليسه وهذا إخبار عن رؤية
النساء من البعد
28 -
( باب من أدرك ركعة من الفجر )
أي هذا باب في بيان حكم من أدرك ركعة من صلاة الفجر وقد أشبعنا الكلام فيه في باب
من أدرك ركعة من العصر فليرجع إليه
579 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن
يسار ) وعن ( بسر بن سعيد ) وعن ( الأعرج يحدثونه ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله
قال من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من
العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ( انظر الحديث 556 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وبسر بضم الباء الموحدة وسكون
السين المهملة وبالراء والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز قوله يحدثونه أي يحدثون زيد
بن أسلم ورجال الإسناد كلهم مدنيون قوله من الصبح أي من وقت الصبح أو من نفس صلاة
الصبح قوله ركعة أي قدر ركعة والإدراك الوصول إلى الشيء وقد ذكرنا ما المراد من
الإدراك في باب من أدرك ركعة من العصر واستوفينا الكلام فيه في هذا الباب
29 -
( باب من أدرك من الصلاة ركعة )
أي هذا باب في بيان حكم من أدرك من الصلاة ركعة وقال الكرماني الفرق بين البابين
أعني هذا الباب والذي قبله أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة وهذا فيمن أدرك
من نفس الصلاة ركعة قلت ذاك الباب أخص وهذا الباب أعم لأن قوله من الصلاة يشمل
الصلوات الخمس وأورد البخاري في الباب السابق عن عطاء ومن معه عن أبي هريرة وأورد
في هذا الباب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا في باب من أدرك من العصر عن أبي سلمة
عن أبي هريرة والأحاديث الثلاثة عن أبي هريرة والرواية مختلفة ولما كان ذكر العصر
مقدما على الصبح في حديث باب من أدرك من العصر قال في الله لترجمة باب من أدرك من
الفجر فراعى المناسبة في التقديم والتأخير وكذلك في هذا الباب لما كان ذكر الصلاة
غير مقيدة بشيء ذكر الترجمة بقوله باب من أدرك من الصلاة وهذه نكتة مليحة تدل على
إمعان نظره في التصرفات
580 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي
سلمة بن عبد الرحمن ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدرك الصلاة ( انظر الحديث 556 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورواته تقدموا غير مرة وقد ذكرنا في باب من أدرك من العصر
اختلاف الألفاظ والرواة في هذا الحديث وذكرنا ما يتعلق به هناك من جمي