حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

{ج27.وج28.}عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني

{ج27.}عمدة القاري شرح صحيح البخاري  لبدر الدين العيني

النسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم
وقال عمر في وقفه لا جناح على من وليه أن يأكل
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في وقفه وكان وقفه أرضا وقد مر عن قريب في باب الوقف للغني والفقير
وقد يليه الواقف وغيره فهو واسع لكل
هذا من كلام البخاري وأشار بهذا إلى أن قوله على من وليه أعم من أن يكون الواقف أو غيره وقال الداودي استدلال البخاري من قول عمر قوله وقد يليه الواقف أو غيره غلط لأن عمر جعل الولاية إلى غيره فكيف يليه الواقف
43 -
( باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال الواقف إلى آخره
9772 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال النبي يا بني النجار ثامنوني بحائطكم قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله
الترجمة من نفس الحديث وقد مر هذا غير مرة غير أنه ذكره بهذا الإسناد بعينه عن قريب في باب إذا أوقف جماعة أرضا مشاعا وليس فيه زيادة فائدة غير تغيير الترجمة قيل فائدته أنه يشير به إلى أن الوقف يصح بأي لفظ دل عليه إما بمجرده أو بقرينة
53 -
( باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمي ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين ( المائدة 601 701 ) )
أي هذا باب في بيان سبب نزول قول الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إلى قوله الفاسقين ( المائدة 601 701 ) وإنما قلنا كذلك لأن في حديث الباب صرح بقوله وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( المائدة 601 - 701 ) على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى وسيقت هذه الآيات الثلاث في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر سيق من أول يا أيها الذين آمنوا ( المائدة 601 - 701 ) إلى قوله وآخران من غيركم ( المائدة 601 - 701 ) ثم قال إلى قوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ( المائدة 601 - 701 ) قوله شهادة بينكم ( المائدة 601 - 701 ) كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله اثنان ( المائدة 601 - 701 ) تقديره شهادة بينكم شهادة اثنين وقال الزمخشري أو على أن قوله إثنان فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان وقرأ الشعبي شهادة بينكم وقرأ الحسن شهادة بالنصب والتنوين على ليقم شهادة إثنان قوله ذوا عدل منكم وصف الاثنين بأن يكونا عدلين قوله إذا حضر ظرف للشهادة قوله حين الوصية بدل منه قال الزمخشري وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن

(14/73)


يتهاون بها المسلم ويذهل عنها وحضور الموت وظهور أمارات بلوغ الأجل مشارفته قوله منكم أي من أقاربكم قاله الزمخشري وفي تفسير ابن كثير منكم أي من المسلمين قاله الجمهور وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ذوا عدل من المسلمين رواه ابن أبي حاتم قال وروى عن عبيدة وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر والسدي وقتادة ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك وقال ابن جرير وقال آخرون عنى بذلك ذوا عدل منكم من وحي الموصي وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدة غيرهما قوله أو آخران من غيركم قال الزمخشري من الأجانب وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي أخبرنا سعيد بن عون حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس في قوله أو آخران من غيركم قال من غير المسلمين يعني أهل الكتاب ثم قال وروى عن عبيدة وشريح وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ويحيى بن يعمر وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة وأبي مجلز ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك قوله إن أنتم ضربتم في الأرض قال الزمخشري يعني إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبين على الوصية وجعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وبما هو أصلح وهم له أنصح وفي ( تفسير ابن كثير ) قوله إن أنتم ضربتم في الأرض أي سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر وأن يكون في وصية كما صرح بذلك القاضي شريح وقال ابن جرير حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو معاوية ووكيع قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن شريح قال لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني إلا في سفر ولا تجوز في سفر إلا في وصية وقد روى مثله عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهذا من أفراده وخالفه الثلاثة فقالوا لا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين وقال ابن جرير حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري قال مضت السنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا في سفر إنما هي في المسلمين وذكر الطحاوي حديث أبي داود أن رجلا من المسلمين توفي بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب نصرانيين فقدما الكوفة على أبي موسى فقال أبو موسى هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا فأمضى شهادتهما قال الطحاوي فهذا يدل على أن الآية محكمة عند أبي موسى وابن عباس ولا أعلم لهما مخالفا من الصحابة في ذلك وعلى ذلك أكثر التابعين وذكر النحاس أن القائلين بأن الآية الكريمة منسوخة وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال كما لا تجوز شهادة فاسق زيد بن أسلم والشافعي ومالك والنعمان غير أنه أجاز شهادة الكفار بعضهم على بعض وأما الزهري والحسن فزعما أن الآية كلها في المسلمين وذهب غيرهما إلى أن الشهادة هنا بمعنى الحضور وقال آخرون الشهادة بمعنى اليمين وتكلموا في معنى استحلاف الشاهدين هنا فمنهم من قال لأنهما ادعيا وصية من الموت وهذا قول يحيى بن يعمر قال النحاس وهذا لا يعرف في حكم الإسلام أن يدعي رجل وصية فيحلف ويأخذها ومنهم من قال يحلفان إذا شهدا أن الميت أوصى بما لا يجوز أو بماله كله وهذا أيضا لا يعرف في الأحكام ومنهم من قال يحلفان إذا اتهما ثم ينقل اليمين عنهما إذا اطلع على الخيانة وزعم ابن زيد أن ذلك كان في أول الإسلام كان الناس يتوارثون بالوصية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وقال الخطابي ذهبت عائشة رضي الله تعالى عنها إلى أن هذه الآية ثابتة غير منسوخة وروي ذلك عن الحسن والنخعي وهو قول الأوزاعي قال وكان تيم وعدي وصيين لا شاهدين والشهود لا يحلفون وإنما عبر بالشهادة عن الأمانة التي تحملاها في قبول الوصية قوله من بعد الصلاة اختلف فيها فقال النخعي والشعبي وابن جبير وقتادة من بعد صلاة العصر قال النحاس ويروى عن ابن عباس من بعد صلاة أهل دينهما قال فدعا النبي تميما وعديا بعد العصر فاستحلفهما عند المنبر وقال الزهري يعني صلاة المسلمين والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع فيها بحضرتهم فيقسمان بالله أي فيحلفان بالله إن ارتبتم أي ظهرت لكم ريبة منهما أنهما خانا أو غلا فيحلفان حينئذ بالله لا نشتري به أي بالقسم ثمنا أي لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة قوله ولو كان ذا قربى أي ولو كان المشهود عليه قريبا إلينا لا نحابيه ولا نكتم شهادة

(14/74)


الله أضافها إلى الله تشريفا لها وتعظيما لأمرها وقرأ بعضهم ولا نكتم بشهادة الله مجرورا على القسم رواها ابن جرير عن الشعبي قوله إنا إذا لمن الآثمين أي إن فعلنا شيئا من ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتمها بالكلية قوله فإن عثر أي فإن اطلع وظهر واشتهر وتحقق من الشاهدين الوصيين أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به إليهما أو ظهر عليهما بذلك فآخران يقومان مقامهما أي فشاهدان آخران من الذين استحق عليهم الإثم ومعناه من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته قوله الأوليان الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفاعهما على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هما الأوليان كأنه قيل ومن هما فقيل هما الأوليان وقيل هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران قال الزمخشري ويجوز أن يرتفعا باستحق أو من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة المال وقرىء الأولين على أنه وصف للذين استحق عليهم مجرورا ومنصوب على المدح ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها وقرىء الأوليين بالتثنية وانتصابه على المدح وقرأ الحسن الأولان ويحتج به من يرى رد اليمين على المدعي وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون بذلك فوجهه عندهم أن الورثة قد ادعوا على النصرانيين أنهما خانا فحلفا فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما فأنكر الورثة وكانت اليمين على الورثة لإنكارهم الشراء قوله وما اعتدينا أي فينل قلنا فيهما من الخيانة إنا إذا لمن الظالمين أي إن كنا قد كذبنا عليهما فنحن حينئذ من الظالمين قوله ذلك أي الذي تقدم من بيان الحكم أدنى أي أقرب أن يأتي الشهداء على نحو تلك الحادثة بالشهادة على وجهها أو يخافوا إن ترد إيمان أي تكرر إيمان بشهود آخرين بعد إيمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم واتقوا الله أن تحلفوا كاذبين أو تخونوا أمانة وسامعوا الموعظة قوله والله لا يهدي القوم الفاسقين وعيد لهم بحرمان الهداية
0872 - وقال لي ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( يحيى بن آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي زائدة ) عن ( محمد بن أبي القاسم ) عن ( عبد الملك بن سعيد بن جبير ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا من ذهب فأحلفهما رسول الله ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( المائدة 601 )
مطابقته للآيات المذكورة ظاهرة لأنه يبين أنها نزلت فيمن ذكروا فيه
ذكر رجاله وهم سبعة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني يحيى بن آدم بن سليمان المخزومي الثالث يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة واسمه ميمون أبو سعيد الهمداني القاضي الرابع محمد بن أبي القاسم الذي يقال له الطويل ولا يعرف اسم أبيه الخامس عبد الملك بن سعيد بن جبير السادس أبوه سعيد بن جبير السابع عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه القول في أول الإسناد وفي آخره أنه ذكر الحديث عن ابن المديني كذا بغير سماع فأما أن يكون أخذه مذاكرة أو عرضا أو يكون محمد بن أبي القاسم ليس بمرضي عنده وكأنه أشبه لأن محمد بن بحر ذكر عنه أنه قال ابن أبي القاسم لا أعرفه كما أشتهي قيل له فرواه غيره قال لا قال وكان ابن المديني يستحسن هذا الحديث حديث محمد بن أبي القاسم قال وقد رواه عنه أبو أسامة إلا أنه غير مشهور وقيل عادته أنه إذا كان في إسناد الحديث نظر أو كان موقوفا يعبر بقوله قال لي وفيه أن شيخه بصري والبقية كوفيون وفيه محمد بن أبي القاسم وقد أخرج له البخاري هنا مع أنه توقف فيه ووثقه يحيى وأبو حاتم وليس له في البخاري ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد غير هذا الحديث الواحد وفيه رواية الابن عن الأب
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود في القضايا عن الحسن بن علي وأخرجه الترمذي في التفسير عن سفيان بن وكيع كلاهما عن يحيى بن آدم به وقال الترمذي حديث غريب

(14/75)


ذكر معناه قوله خرج رج من بني سهم وهو بزيل بضم الباء الموحدة وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وآخره لام كذا ضبطه ابن ماكولا ووقع عند الترمذي والطبري بديل بدال مهملة عوض الزاي وفي رواية ابن منده من طريق السدي عن الكلبي بديل بن أبي مارية وليس هذا بديل بن ورقاء فإنه خزاعي وهذا سهمي ووهم من ضبطه بالذال المعجمة ووقع في رواية ابن جريج أنه كان مسلما قوله مع تميم الداري وهو الصحابي المشهور ونسبته إلى الدار وهم بطن من لخم ويقال الداري للعطار ولرب الغنم وكان نصرانيا وكانت قضيته قبل أن يسلم وأسلم سنة تسع وسكن المدينة وبعد قضية عثمان انتقل إلى الشام وكان يختم القرآن في ركعة وروى الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها سمعت النبي في خطبة خطبها وقد قال حدثني تميم فذكر خبر الجساسة في قصة الدجال فإن قلت إذا كانت قضية تميم قبل إسلامه يكون الحديث من مرسل الصحابي لان ابن عباس لم يحضر هذه القضية قلت نعم ولكن جاء في بعض الطرق قد رواه عن تميم الداري أخرجه الترمذي حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي النضر عن باذان مولى أم هانىء عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ( المائدة 601 ) قال برىء الناس من هذه الآية غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام في تجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم الحديث فإذا كان كذلك تكون القصة قبل الإسلام والتحاكم بعد إسلام الكل فيحتمل أنه كان بمكة سنة الفتح قوله وعدي بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد الياء ابن بداء بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة مع المد قال الذهبي عدي بن بداء مذكور في تفسير شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ( المائدة 601 ) وفي رواية الترمذي والصحيح أن عديا نصراني لم يبلغنا إسلامه وفي كتاب القضاء للكرابيسي سماه البداء بن عاصم وأخرجه عن معلى بن منصور عن يحيى بن أبي زائدة ووقع عند الواقدي أن عدي بن بداء كان أخا تميم الداري فإن ثبت فلعله أخوه لأمه أو من الرضاعة وفي تفسير مقاتل خرج بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل مسافرا في البحر إلى النجاشي فمات بديل في السفينة وكان كتب وصيته وجعلها في متاعه ثم دفعه إلى تميم وصاحبه عدي فأخذا منه ما أعجبهما وكان فيما أخذا إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوش مموه بالذهب فلما ردا بقية المتاع إلى ورثته ونظروا في الوصية فقدوا بعض متاعه فكلموا تميما وعديا فقالا ما لنا به علم وفيه فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهمياني فحلفا فاعترف تميم بالخيانة فقال له النبي يا تميم أسلم يتجاوز الله عنك ما كان في شركك فأسلم وحسن إسلامه ومات عدي بن بداء نصرانيا وفي ( تفسير الثعلبي ) كان بديل بن أبي مارية وقيل ابن أبي مريم ومولى عمرو ابن العاص وكان بديل مسلما ومات بالشام قوله جاما بالجيم قال بعضهم قوله جاما بالجيم والتخفيف إناء قلت هذا تفسير الخاص بالعام وهذا لا يجوز لأن الإناء أعم من الجام والجام هو الكأس قوله مخوصا بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة وفي آخره صاد مهملة قال ابن الجوزي صيغت فيه صفائح مثل الخوص من الذهب معناه منقوشا فيه خطوط دقاق طوال كالخوص وهو ورق النخل ووقع في بعض نسخ أبي داود مخوضا بالضاد المعجمة أي مموها ووقع في رواية ابن جريج عن عكرمة إناء من فضة منقوش بذهب قوله فقام رجلان من أوليائه أي من أولياء السهمي المذكور الذي مات والرجلان عمرو بن العاص ورجل آخر منهم كذا في رواية الكلبي وسمى الآخر مقاتل في تفسيره بأنه المطلب بن أبي وداعة قوله وفيهم نزلت هذه الآية وقال ابن زيد نزلت هذه الآية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام وذلك في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار وكانوا يتوارثون بالوصية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها رواه ابن جرير وقال ابن التين انتزع ابن شريح من هذه الآية الكريمة الشاهد واليمين قال قوله فإن عثر ( المائدة 601 ) لا يخلو من أربعة أوجه إماأن يقرأ أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهدا وامرأتان أو شاهد واحد قال وأجمعنا أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالب وكذلك مع الشاهدين والشاهد

(14/76)


والمرأتين فلم يبق إلا شاهد واحد فلذلك استحق الطالبان بيمينهما مع الشاهد الواحد انتهى ورد عليه بأنه ليس في شيء من طرق الحديث أنه كان هناك شاهد أصلا بل في رواية الكلبي وسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوا عديا بما يعظم على أهل دينه والله أعلم
63 -
( باب قضاء الوصي دين الميت بغير محضر من الورثة )
أي هذا باب في بيان جواز قضاء الوصي دين الميت وفي بعض النسخ ديون الميت بغير حضور الورثة ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك
1872 - حدثنا ( محمد بن سابق ) أو ( الفضل بن يعقوب ) عنه قال حدثنا ( شيبان أبو معاوية ) عن ( فراس ) قال قال ( الشعبي ) حدثني ( جابر بن عبد الله الأنصاري ) رضي الله تعالى عنهما أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا فلما حضر جداد النخل أتيت رسول الله فقلت يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا وإني أحب أن يراك الغرماء قال اذهب فبيدر كل ثمر على ناحيته ففعلت ثم دعوت فلما نظروا إليه أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال ادع أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى فسلم والله البيادر كلها أخواتي بتمرة حتى أني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله كأنه لم ينقص تمرة واحدة
مطابقته للترجمة من حيث أن جابر بن عبد الله أوفى دين والده بغير حضور أخواته اللاتي هن من الورثة ومحمد بن سابق أبو جعفر التميمي مولاهم البغدادي البزاز وأصله فارسي كان بالكوفة روى عنه البخاري هنا فقط بلا واسطة مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين وروى عنه بواسطة في الجهاد وفي المغازي والنكاح والأشربة ومع هذا تردد البخاري هنا حيث قال محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب الرخامي البغدادي روى عنه البخاري في البيوع والتوحيد والجزية وعمرة الحديبية وهو من أفراده وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية سكن الكوفة أصله بصري وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى الهمداني أبو يحيى الحارثي الكوفي المكتب والشعبي هو عامر بن شراحبيل من شعب همدان الكوفي
والحديث مضى في مواضع في الاستقراض والصلح والهبة وغيرها وسيأتي أيضا وقد مضى الكلام فيه غير مرة
قوله حضر جداد النخل بفتح الجيم وكسرها وهو صرام النخل وهو قطع ثمرتها يقال جد الثمرة يجدها جدا قوله فبيدر بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الدال المهملة أمر من بيدر أي اجعل كل صنف في بيدر أي جرين يخصه والبيدر المكان الذي يداس فيه الطعام وهنا المكان الذي يجعل فيه التمر المجدود قوله أغروا بي مشتق من الإغراء وهو فعل ما لم يسم فاعله أي لهجوا يقال أغرى بكذا إذا لهج به وأولع به وقال ابن الأثير وفي حديث جابر فلما رأوه أغروا بي تلك الساعة أي لجوا في مطالبتي وألحوا قوله ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره تمرة بنزع الخافض
قال أبو عبد الله أغروا بي يعني هيجوا بي فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء
أبو عبد الله هو البخاري نفسه فسر معنى أغروا بي بقوله يعني هيجوا بي والمعنى أن الإغراء هو التهييج وقال أبو عبيدة في ( المجاز ) في قوله فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ( المائدة 41 ) الإغراء التهييج والإفساد
بسم الله الرحمان الرحيم

(14/77)


65 -
( كتاب الجهاد والسير )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الجهاد ولم يقع لفظ كتاب لأكثر الرواة وإنما هو في رواية ابن شبويه والنسفي ولم تقع البسملة إلا في رواية النسفي مقدمة والجهاد بكسر الجيم أصله في اللغة الجهد وهو المشقة وفي الشرع بذل الجهد في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى والجهاد في الله بذل الجهد في أعمال النفس وتدليلها في سبيل الشرع والحمل عليها مخالفة النفس من الركون إلى الدعة واللذات واتباع الشهوات وهذا الكتاب مذكور هنا في جميع النسخ والشروح خلا ابن بطال فإنه ذكره عقيب الحج والصوم قبل البيوع ولما وصل إلى هنا وصل بكتاب الأحكام
1 -
( باب فضل الجهاد والسير )
أي هذا باب في بيان فضل الجهاد وفي بيان السير وهو بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف جمع سيرة وهي الطريقة ومنه سيرة القمرين أي طريقتهما وذكر السير هنا لأنه يجمع سير النبي وطرقه في مغازيه وسير أصحابه وما نقل عنهم في ذلك
وقول الله تعالى إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ( التوبة 111 ) إلى قوله وبشر المؤمنين ( التوبة 211 )
وقول الله مجرور عطفا على فضل الجهاد وهاتان آيتان من سورة براءة أولاهما هو قوله إن الله اشترى إلى قوله الفوز العظيم ( التوبة 111 ) والثانية هو قوله التائبون العابدون إلى قوله وبشر المؤمنين ( التوبة 211 ) والمذكور هنا هكذا في رواية النسفي وابن شبويه وفي رواية الأصيلي وكريمة الآيتان جميعا مذكورتان بتمامهما وفي رواية أبي ذر المذكور إلى قوله وعدا عليه حقا ( التوبة 111 ) من الآية الأولى ثم قال إلى قوله والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ( التوبة 21 ) قوله إن الله اشترى ( التوبة 111 ) إلى آخره قال محمد بن كعب القرظي وغيره قال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه لرسول الله يعني ليلة العقبة اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال اشترط لربي أن تصدقوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( التوبة 111 ) الآية والمراد أن الله أمرهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم ليجازيهم بالجنة فعبر عنه بالشراء لما تضمن من عوض ومعوض ولما جوزوا بالجنة على ذلك عبر عنه بلفظ الشراء تجوزا والباء في بأن للمقابلة والتقدير باستحقاقهم الجنة قوله يقاتلون في سبيل الله ( التوبة 111 ) قال الزمخشري فيه معنى الأمر كقوله تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ( الصف 11 ) قوله فيقتلون ويقتلون ( التوبة 111 ) أي سواء قتلوا أو قتلوا أو اجتمع لهم هذا وهذا فقد وجبت لهم الجنة قوله وعدا عليه حقا ( التوبة 111 ) وعدا مصدر مؤكد أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيل الله وعد ثابت وقد أثبته في التوراة والإنجيل كما أثبته في القرآن قوله ومن أوفى بعهده من الله ( التوبة 211 ) أي لا أحد أعظم وفاء بما عاهد عليه من الله فإنه لا يخلف الميعاد قوله فاستبشروا ( التوبة 111 ) أي افرحوا بهذا البيع أي فليبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى هذا العهد بالفوز العظيم والنعيم المقيم قوله التائبون ( التوبة 211 ) رفع على المدح أي هم التائبون وهذا نعت للمؤمنين المذكورين يعني التائبون من الذنوب كلها التاركون للفواحش العابدون ( التوبة 211 ) أي القائمون بعبادة ربهم وقيل بطول الصلاة وقيل بطاعة الله قوله الحامدون ( التوبة 211 ) أي على دين الإسلام وقيل على السراء والضراء قوله السائحون ( التوبة 211 ) أي الصائمون كذا قال سفيان الثوري عن عاصم عن ذر عن عبد الله بن مسعود وكذا قال الضحاك وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد حدثنا إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبد الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت سياحة هذه الأمة الصيام وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك وسفيان بن عيينة وآخرون وقال الحسن البصري السائحون الصائمون شهر رمضان

(14/78)


وقال أبو عمرو العبدي السائحون الذين يديمون الصيام من المؤمنين وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا فقال ابن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ حدثنا حكيم بن حزام حدثنا سليمان عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله السائحون هم الصائمون وروى أبو داود في ( سننه ) من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله إئذن لي في السياحة فقال النبي سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله وعن عكرمة أنه قال هم طلبة العلم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هم المهاجرون رواهما ابن أبي حاتم وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه من تعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين قوله الآمرون بالمعروف ( التوبة 211 ) وهو طاعة الله والناهون عن المنكر ( التوبة 211 ) وهو معصية الله وإنما دخلت الواو فيها لأنها الصفة الثامنة والعرب تعطف الواو على السبعة ذكره جماعة من المفسرين وقيل إن الواو إنما دخلت على الناهين لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده تبعا وضمنا لا قصدا فلو قال الناهون بغير واو لأشبه أن يريد النهي الذي هو تبع فلما ذكر الواو بين أن المراد الآمرون قصدا والناهون عن المنكر قصدا ولذلك دخلت الواو أيضا في والحافظون لحدود الله ( التوبة 211 ) إذ لو لم يذكر الواو لأوهم أن المعنى يحفظون حدود الله من الأشياء التي تقدم ذكرها فإن في كل شيء حدا لله عز و جل فقال والحافظون ليكون إخبارا لحفظهم الحدود في هذه الأشياء وغيرها
قال ابن عباس الحدود الطاعة
هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تلك حدود الله ( البقرة 781 922 032 النساء 312 الطلاق 1 ) يعني طاعة الله وكأنه تفسير باللازم لأن من أطاع الله وقف عند امتثال أمره واجتناب نهيه
2872 - حدثنا ( الحسن بن صباح ) قال حدثنا ( محمد بن سابق ) قال حدثنا ( مالك بن مغول ) قال سمعت ( الوليد بن العيزار ) ذكر عن ( أبي عمرو الشيباني ) قال قال ( عبد الله بن مسعود ) رضي الله تعالى عنه سألت رسول الله قلت يا رسول الله أي العمل أفضل قال الصلاة على ميقاتها قلت ثم أي قال ثم بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله فسكت عن رسول الله ولو استزدته لزادني
مطابقته للترجمة في قوله الجهاد في سبيل الله والحديث مضى في أوائل مواقيت الصلاة فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن الوليد بن العيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني إلى آخره واسم أبي عمرو الشيباني سعد بن إياس وقد مر الكلام فيه هناك واختلاف الأحاديث في أفضل الأعمال لاختلاف السائلين واختلاف مقاصدهم أو باختلاف الوقت أو بالنسبة إلى بعض الأشياء وقال الطبري إنما خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى خرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤونتها وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عداوتهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك
3872 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان قال حدثني منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا
مطابقته للترجمة في قوله ولكن جهاد ونية إلى آخره وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني و ( يحيى بن سعيد ) هو القطان

(14/79)


و ( سفيان ) هو الثوري
والحديث مضى في كتاب الحج في باب لا يحل القتال بمكة فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن ( منصور ) إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ولنتكلم أيضا بعض شيء
فقوله لا هجرة يعني من مكة وأما الهجرة عن المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين فهي واجبة اتفاقا وقال الخطابي كانت الهجرة على معنيين أحدهما أنهم إذا أسلموا وأقاموا بين قومهم أو ذوا فأمروا بالهجرة إلى دار الإسلام ليسلم لهم دينهم ويزول الأذى عنهم والآخر الهجرة من مكة لأن أهل الدين بالمدينة كانوا قليلا ضعيفين وكان الواجب على من أسلم أن يهاجروا إلى رسول الله لكن إن حدث حادث استعان بهم في ذلك فلما فتحت مكة استغنى عن ذلك إذ كان معظم الخوف من أهلها فأمر المسلمون أن يقيموا في أوطانهم ويكونوا على نية الجهاد مستعدين لأن ينفروا إذا استنفروا وقال الطيبي كلمة لكن تقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها أي أن المفارقة عن الأوطان المسماة بالهجرة المطلقة انقطعت لكن المفارقة بسبب الجهاد باقية مدى الدهر وكذا المفارقة بسبب نية خالصة لله عز و جل كطلب العلم والفرار لدينه انتهى وذكر غير واحد من العلماء أن أنواع الهجرة خمسة أقسام الأول الهجرة إلى أرض الحبشة الثاني الهجرة من مكة إلى المدينة الثالث هجرة القبائل إلى رسول الله الرابع هجرة من أسلم من أهل مكة الخامس هجرة ما نهى الله عنه وبقي من الهجرة ثلاثة أنواع أخر وهي الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة وهجرة من كان مقيما ببلاد الكفر ولا يقدر على إظهار الدين فتجب عليه الهجرة والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن على ما رواه أحمد في ( مسنده ) من رواية شهر قال سمعت عبد الله بن عمر سمعت رسول الله يقول لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم عليه الصلاة و السلام الحديث
ولما روى الترمذي حديث ( ابن عباس ) هذا قال وفي الباب عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن حبشي أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد في ( مسنده ) من رواية أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله أنه قال لما نزلت هذه الآية إذا جاء نصر الله والفتح ( الفتح 1 ) قرأها رسول الله حتى ختمها وقال الناس حيز وأنا وأصحابي حيز وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية قلت الحيز بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وفي آخره زاي والمعنى الناس في ناحية وأنا وأصحابي في ناحية وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البخاري على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وأخرجه أبو داود والنسائي وأما حديث عبد الله بن حبشي فأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي سئل أي الأعمال أفضل قال طول القنوت قيل فأي صدقة أفضل قال جهد المقل قيل فأي الهجرة أفضل قال من هجر ما حرم الله عليه الحديث
قلت وفي الباب عن جماعة آخرين وهم عبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وفضالة بن عبيد وزيد ابن ثابت ورافع بن خديج ومجاشع بن مسعود وغزية بنت الحارث وقيل الحارث بن غزية وعبد الله بن وقدان السعدي وجنادة بن أبي أمية وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وثوبان ومحمد بن حبيب النصري وفديك وواثلة بن الأسقع وصفوان بن أمية ويعلى بن مرة وعمر بن الخطاب وأبو هريرة وابن مسعود وأبو مالك الأشعري وعائشة وأبو فاطمة رضي الله تعالى عنهم
أما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه أحمد والطبراني من رواية مالك بن يخامر عن ابن السعدي أن النبي قال لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل فقال معاوية وعبد الرحمن ابن عوف وعبد الله بن عمرو إن النبي قال الهجرة خصلتان إحداهما تهجر السيئات والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ورواه البزار مقتصرا على حديث عبد الرحمن بن عوف ومعاوية وحده رواه أبو داود والنسائي بلفظ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وأما حديث فضالة بن عبيد فأخرجه ابن ماجه من رواية عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد عن النبي المهاجر من هجر الخطايا والذنوب وأما حديث زيد بن ثابت ورافع بن خديج فأخرجه أحمد في ( مسنده ) من رواية أبي البختري عن أبي سعيد عن النبي بحديث فيه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فقال له مروان كذبت

(14/80)


وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت وهما قاعدان معه على السرير فقال أبو سعيد لو شاء هذان لحدثاك فرفع عليه مروان الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك قالا صدق وأما حديث مجاشع بن مسعود فأخرجه أحمد في ( مسنده ) من رواية يحيى بن إسحاق عن مجاشع بن مسعود أنه أتى النبي بابن أخ له ليبايعه على الهجرة فقال النبي لا بل على الإسلام فإنه لا هجرة بعد الفتح وأما حديث غزية بن الحارث فأخرجه الطبراني في ( الكبير ) من رواية عبد الله ابن رافع عن غزية بن الحارث أنه سمع النبي يقول لا هجرة بعد الفتح إنما هي ثلاث الجهاد والنية والحشر وأما حديث عبد الله بن وقدان السعدي فأخرجه النسائي من رواية بشر بن عبيد الله عن عبد الله بن وقدان السعدي قال وفدت على رسول الله كلنا نطلب حاجة وكنت آخرهم دخولا على رسول الله فقلت يا رسول الله إني تركت من خلفي وهم يقولون إن الهجرة قد انقطعت قال لن تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار وأما حديث جنادة بن أمية فأخرجه أحمد من رواية أبي الخيران جنادة بن أبي أمية حدثه أ رجلا من أصحاب النبي قال قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك قال فانطلقت إلى رسول الله فقلت يا رسول الله إن ناسا يقولون إن الهجرة قد انقطعت فقال رسول الله إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه أحمد في ( مسنده ) في رواية شهر قال سمعت عبد الله بن عمر سمعت رسول الله يقول لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم عليه الصلاة و السلام وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه في مسنده عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي بلفظ المهاجر من هجر ما نهى الله عنه وأما حديث ثوبان فأخرجه البزار في ( مسنده ) من رواية أبي الأشعث الصنعاني عن ابن عثمان عن ثوبان قال قال رسول الله لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار وأما حديث محمد بن حبيب النصري فأخرجه البزار أيضا من رواية أبي إدريس الخولاني عن ابن السعدي عن محمد بن حبيب النصري قال قال رسول الله فذكره بلفظ الذي قبله وأما حديث فديك فأخرجه الطبراني في ( الكبير ) من رواية الزهري عن صالح بن بشير بن فديك أن جده فديكا أتى النبي فقال له النبي أقم الصلاة وآت الزكاة واهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت وهذا مرسل فإن صالح بن بشير لم يسنده إلى جده وإنما روى القصة من عنده مرسلة وأما حديث واثلة بن الأسقع فأخرجه الطبراني أيضا من رواية عمرو بن عبد الله الحضرمي عن واثلة بن الأسقع قال خرجت مهاجرا إلى رسول الله الحديث وفيه أن النبي قال له ما حاجتك قلت الإسلام فقال هو خير لك قال وتهاجر قلت نعم قال هجرة البادية أو هجرة الباتة قلت أيهما أفضل قال هجرة الباتة وهجرة الباتة أن تثبت مع النبي وهجرة البادية أن ترجع إلى باديتك الحديث وأما حديث صفوان بن أمية فأخرجه النسائي من رواية عبد الله بن طاووس عن أبيه عن صفوان بن أمية قال قلت يا رسول الله إنهم يقولون إن الجنة لا يدخلها إلا من هاجر قال لا هجرة بعد فتح مكة لكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وأما حديث يعلى بن أمية فأخرجه النسائي أيضا من رواية عبد الرحمن بن أمية عن يعلى بن أمية قال جئت رسول الله بأبي أمية فقلت يا رسول الله بايع أبي على الهجرة فقال رسول الله أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة وأما حديث عمر رضي الله تعالى عنه فأخرجه الأئمة الستة وهو حديث الأعمال بالنيات الحديث وأما حديث أبي هريرة فأخرجه وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني بإسناد رجاله ثقات وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه الطبراني أيضا من رواية عطاء الخراساني عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله قال إن الله أمرني أن آمركم بخمس كلمات عليكم بالجهاد والسمع والطاعة والهجرة الحديث وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه مسلم من رواية عطاء عنها قالت سئل رسول الله عن الهجرة فقال لا هجرة بعد الفتح وأما حديث أبي فاطمة فأخرجه النسائي من رواية كثير بن مرة أن أبا فاطمة حدثه

(14/81)


أنه قال يا رسول الله حدثني بعمل أستقيم عليه وأعمله قال له رسول الله عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها
4872 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( خالد ) قال حدثنا ( حبيب بن أبي عمرة ) عن ( عائشة بنت طلحة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها قالت يا رسول الله ترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ترى الجهاد أفضل العمل من حيث أنه لم يرد عليها أفضلية الجهاد من حيث هو جهاد ولكنه جعل الحج المبرور من أفضل الجهاد ومع هذا كون الحج أفضل الجهاد في حقهن لقوله جهادكن الحج وخالد هو ابن عبد الله الطحان وحبيب ضد العدو ابن أبي عمرة الأسدي القصاب والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب فضل الحج المبرور فإنه أخرجه هناك عن عبد الرحمن بن المبارك عن خالد إلى آخره والحج المبرور الذي لا إثم فيه وقد مر الكلام فيه هناك
5872 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) قال أخبرنا ( عفان ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثنا ( محمد بن جحادة ) قال أخبرني ( أبو حصين ) أن ( ذكوان ) قال حدثه أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه حدثه قال جاء رجل إلى رسول الله فقال دلني على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن يستطيع ذلك قال أبو هريرة إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات
( الحديث مر سابقا )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إسحاق بن منصور وكذا وقع منسوبا إلى أبيه في رواية الأصيلي وابن عساكر وفي رواية الأكثرين غير منسوب وقال أبو علي الجياني لم أره منسوبا لأحد وهو إما إسحاق بن راهويه وإما إسحاق ابن منصور الثاني عفان بتشديد الفاء ابن مسلم الصفار الأنصاري الثالث همام بالتشديد ابن يحيى بن دينار العوذي الأزدي الشيباني الرابع محمد بن جحادة بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة الأيامي ويقال الأزدي الخامس أبو حصين بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة واسمه عثمان بن عاصم الأسدي السادس ذكوان بفتح الذال المعجمة أبو صالح السمان الزيات السابع أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه إن كان ابن راهويه فهو مروزي وإن كان إسحاق ابن منصور فهو مروزي أيضا وأن عفان وهمام بصريان وأن عثمان ومحمد بن جحادة كوفيان وأن ذكوان مدني
والحديث أخرجه النسائي في الجهاد أيضا عن أبي قدامة السرخسي عن عفان
ذكر معناه قوله يعدل الجهاد أي يساويه ويماثله قوله قال لا أجده كلام النبي أي قال لا أجد عملا يعدل الجهاد قوله قال هل تستطيع كلام مستأنف من النبي وقال مسلم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قيل للنبي ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا تستطيعوه قال فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعوه قال في الثالثة مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائل بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله وحذف النون في لا تستطيعونه بغير جازم ولا ناصب لغة قوله فتقوم بالنصب عطف على أن تدخل قوله ولا تفتر وتصوم ولا تفطر كلها منصوبة قوله قال ومن يستطيع كلام الرجل المذكور قوله ليستن أي ليمرح بنشاط وأصله من الاستنان وهو العدو قال الجوهري الاستنان أن يرفع رجليه ويطرحهما معا ويقال أن يلح في عدوه مقبلا أو مدبرا ومن جملة الأمثال استنت الفصال حتى القرعى

(14/82)


يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه قوله في طوله بكسر الطاء المهملة وفتح الواو وهو الحبل الذي تشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى قوله فيكتب له حسنات أي يكتب له الاستنان حسنات وحسنات منصوب على أنه مفعول ثان وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي صالح موقوفا وسيأتي في باب الخيل ثلاثة من طريق زيد بن أسلم مرفوعا
2 -
( باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله )
أي هذا باب يذكر فيه أفضل الناس إلى آخره قوله مجاهد صفة لقوله مؤمن وفي رواية الكشميهني يجاهد بلفظ المضارع
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ( الصف 01 )
وقوله بالرفع عطف على قوله أفضل الناس لأنه مرفوع بالابتداء وخيره قوله مؤمن هاتان آيتان من سورة الصف فيهما إرشاد للمؤمنين إلى طريق المغفرة قالوا النداء بقوله يا أيها الذين آمنوا ( الصف 01 ) للمخلصين وقيل عام قوله هل أدلكم ( الصف 01 ) استفهام في اللفظ إيجاب في المعنى قوله تنجيكم ( الصف 01 ) أي تخلصكم وتبعدكم من عذاب إليم ( الصف 01 ) قرأ ابن عامر بالتشديد من التنجية والباقون بالتخفيف من الإنجاء قوله تؤمنون ( الصف 01 ) استئناف كأنهم قالوا كيف نعمل فبين ما هي فقال تؤمنون وهو خبر في معنى الأمر ولهذا أجيب بقوله يغفر لكم ( الصف 01 ) قوله وتجاهدون ( الصف 01 ) عطف على تؤمنون وإنما جيء على لفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال كأنها وجدت وحصلت قوله ذلكم ( الصف 01 ) أي ما ذكر من الإيمان والجهاد خير لكم من أموالكم وأنفسكم إن كنتم تعلمون ( الصف 01 ) أنه خير لكم قوله يغفر لكم قيل إنه جواب لقوله هل أدلكم ( الصف 01 ) ووجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة وهي مفسرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم وعن ابن عباس أنهم قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناها فنزلت هذه الآية فمكثوا ما شاء الله يقولون ليتنا نعلم ما هي فدلهم الله بقوله تؤمنون وهذا يدل على أن تؤمنون كلام مستأنف قوله ويدخلكم ( الصف 01 ) عطف على يغفر لكم ( الصف 01 )
6872 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عطاء بن يزيد الليثي ) أن ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه حدثه قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل فقال رسول الله مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله قالوا ثم من قال مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره
( الحديث 6872 - طرفه في 4946 )
مطابقته للترجمة في قوله مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله
ورجاله قد تكرر ذكرهم وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق وأخرجه مسلم في الجهاد عن عبد الله بن عبد الرحمن وعن منصور بن أبي مزاحم وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن أبي الوليد الطيالسي وأخرجه الترمذي فيه عن أبي عمار الحسين بن حريث وأخرجه النسائي فيه عن كثير بن عبيد وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن هشام بن عمار
قوله مؤمن مجاهد أي أفضل الناس مؤمن مجاهد قالوا هذا عام مخصوص تقديره هذا من أفضل الناس وإلا فالعلماء أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث ويدل على ذلك أن في بعض طرق النسائي كحديث أبي سعيد أن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه قوله في شعب بكسر الشين المعجم وسكون العين المهملة وفي آخره باء موحدة هو ما انفرج بين الجبلين وهو خارج على سبيل المثال لا للقيد بنفس الشعب وإنما

(14/83)


المراد العزلة والإنفراد عن الناس ولما كان الشعاب الغالب عليها حلوها عن الناس ذكرت مثلا وهذا كقوله في الحديث الآخر وليسعك بيتك
وفيه فضل العزلة والإنفراد عند خوف الفتن على المخالطة وأما عند عدم الفتن فقال النووي مذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل قلت يدل لقول الجمهور قوله المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم رواه الترمذي في أبواب الزهد وابن ماجه
7872 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال سمعت رسول الله يقول مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالم مع أجر أو غنيمة
مطابقته للترجمة ظاهرة
والحديث أخرجه النسائي في الجهاد عن عمرو بن عثمان بن سعيد عن أبيه عن شعيب به
قوله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله وقع جملة معترضة يعني الله أعلم بعقد نيته إن كانت خالصة لإعلاء كلمته فذلك المجاهد في سبيل الله وإن كان في نيته حب المال والدنيا واكتساب الذكر بها فقد أشرك مع سبيل الله سبيل الدنيا وفي ( المستدرك ) على شرطهما أي المؤمن أكمل إيمانا قال الذي يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه قوله كمثل الصائم القائم زاد النسائي من هذا الوجه الخاشع الراكع الساجد وفي ( الموطأ ) وابن حبان كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع وفي رواية أحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعا مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله مثله بالصائم لأنه ممسك لنفسه عن الأكل والشرب واللذات وكذلك المجاهد ممسك لنفسه على محاربة العدو وحابس نفسه على من يقاتله قوله وتوكل الله أي ضمن الله بملابسة التوفي الجنة وبملابسة عدم التوفي الرجع بالأجر أو الغنيمة قال الكرماني يعني لا يخلو من الشهادة أو السلامة فعلى الأول يدخل الجنة بعد الشهادة في الحال وعلى الثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة مع جواز الاجتماع بينهما فهي قضية مانعة الخلو لا مانعة الجمع ووقع في رواية مسلم تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وفي رواية لمسلم من طريق الأعرج عنه بلفظ تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته وكذلك أخرجه مالك في ( الموطأ ) عن أبي الزناد وفي رواية الدارمي من وجه آخر عن أبي الزناد بلفظ لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله وتصديق كلماته ولفظ الضمان والتكفل والتوكل والانتداب الذي وقع في الأحاديث كلها بمعنى تحقيق الوعد على وجه الفضل منه وعبر عن الله سبحانه وتعالى بتفضيله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه بما جرت به العادة بين الناس بما تطمئن به النفوس وتركن إليه القلوب قوله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أي بأن يدخله الجنة و أن في الموضعين مصدرية تقديره ضمن الله بتوفيه بدخول الجنة وفي رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان إن توفاه بالشرط والفعل الماضي أخرجه الطبراني قوله أن يدخله الجنة أي بغير حساب ولا عذاب أو المراد يدخله الجنة ساعة موته وقال ابن التين إدخاله الجنة يحتمل أن يدخلها إثر وفاته تخصيصا للشهيد أو بعد البعث ويكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطايا المجاهد ولا توزن مع حسناته قوله أو يرجعه بفتح الياء تقديره أو أن يرجعه بالنصب عطفا على أن يتوفاه قوله سالما حال من الضمير المنصوب في يرجعه قوله مع أجر أو غنيمة إنما أدخل وههنا قيل لأنه قد يرجع مرة بغنيمة دون أجر وليس كذلك على ما يجيء الآن بل أبدا يرجع بالأجر كانت غنيمة أو لم تكن قاله ابن بطال وقال ابن التين والقرطبي إن أو هنا بمعنى المواو الجامعة على مذهب الكوفيين وقد سقطت في أبي داود وفي بعض روايات مسلم وبه جزم ابن عبد البر ورجحه التوربشتي شارح ( المصابيح ) والتقدير أو يرجعه بأجر وغنيمة وكذا وقع عند النسائي من طريق الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة بالواو أيضا وذهب بعضهم إلى أن أو على بابها وليست بمعنى الواو أي أجر لمن لم يغنم أو غنيمة ولا أجر وهذا ليس بصحيح لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ما من غازية تغزو في سبيل الله

(14/84)


فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الأجرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم فبهذا يدل على أنه لا يرجع أصلا بدون الأجر ولكنه ينقص عند الغنيمة فإن قلت ضعف هذا الحديث لأن فيه حميد بن هانىء وهو غير مشهور قلت هذا كلام لا يلتفت إليه لأنه ثقة محتج به عند مسلم وقد وثقه النسائي وابن يونس وغيرهما ولا يعرف فيه تجريح لأحد
3 -
( باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء )
أي هذا باب في بيان الدعاء بالجهاد بأن يقول أللهم ارزقني الجهاد أو أللهم اجعلني من المجاهدين قوله والشهادة أي الدعاء بالشهادة بأن يقول أللهم ارزقني الشهادة في سبيلك قوله للرجال والنساء متعلق بالدعاء وأشار به إلى أن هذا غير مخصوص بالرجال وإنما هم والنساء في ذلك سواء
وقال عمر ارزقني شهادة في بلد رسولك
هذا التعليق مطابق للدعاء بالشهادة في الترجمة وقد مضى هذا موصولا في آخر الحج بأتم منه رواه عن يحيى ابن بكير عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله تعالى عنه أللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك وأخرجه ابن سعد في ( الطبقات الكبير ) عن حفصة رضي الله تعالى عنها زوج النبي أنها سمعت أباها يقول أللهم ارزقني قتلا في سبيلك ووفاة في بلدة نبيك قالت قلت وأنى ذاك قال إن الله يأتي بأمره أنى شاء
9872 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت وما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة شك إسحاق قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدع لها رسول الله وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك فقلت وما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأول قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الحديث ليس فيه تمني الشهادة وإنما فيه تمني الغزو وأجيب بأن الثمرة العظمى من الغزو هي الشهادة وقيل حاصل الدعاء بالشهادة أن يدعو الله أن يمكن منه كافرا يعصى الله فيقتله واعترض بأن تمني معصية الله لا تجوز إلا له ولا لغيره ووجه بعضهم بأن القصد من الدعاء نيل الدرجة المرفوعة المعدة للشهداء وأما قتل الكافر فليس مقصود الداعي وإنما هو من ضروريات الوجود لأن الله تعالى أجرى حكمه أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيد
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الرؤيا عن عبد الله بن يوسف أيضا وفي الاستئذان عن إسماعيل وأخرجه مسلم أيضا في الجهاد عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه

(14/85)


الترمذي فيه عن إسحاق بن موسى عن معن وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن عبد الرحمن بن القاسم ستتهم عن مالك به وقال الترمذي حسن صحيح وأخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من مسند أم حرام من رواية عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة عن أنس عن أم حرم وقد اختلف فيه على أنس فقيل عنه عن النبي وقيل عن أنس عن أم حرام واختلف فيه أيضا على أبي طوالة فقال زائدة بن قدامة عن أبي طوالة عن أنس عن أم حرام عن النبي وقال إسماعيل بن جعفر عن أبي طوالة عن أنس عن النبي ورواه أبو داود من رواية عطاء بن يسار عن أخت أم سليم الرميصاء قالت نام رسول الله ثم ذكر معناه والحاصل أن الأئمة الستة ما خلا الترمذي أخرجوا هذا الحديث عن أم حرام من رواية محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن أم حرام وهي خالة أنس قالت أتانا النبي يوما الحديث
ذكر معناه قوله كان رسول الله يدخل على أم حرام حرام ضد حلال بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة وفي آخره نون ابن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار زوج عبادة بن الصامت وأخت أم سليم وخالة أنس بن مالك وقال أبو عمر ولا أقف لها على اسم صحيح وأظنها أرضعت النبي وأم سليم أرضعته أيضا إذ لا يشك مسلم أنها كانت منه بمحرم وقد أنبأنا غير واحد من شيوخنا عن أبي محمد بن فطيس عن يحيى بن إبراهيم بن مزبن قال إنما استجاز رسول الله أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب كانت من بني النجار وقال يونس بن عبد الأعلى قال لنا وهب أم حرام إحدى خالات النبي من الرضاعة قال أبو عمر فأي ذلك كان فأم حرم محرم منه وقال ابن بطال قال غيره إنما كانت خالة لأبيه أو لجده وذكر ابن العربي عن بعض العلماء أن هذا مخصوص بسيدنا رسول الله أو يحمل دخوله عليها أنه كان قبل الحجاب إلا أن قوله تفلي رأسه يضعف هذا وزعم ابن الجوزي أنه سمع بعض الحفاظ يقول كانت أم سليم أخت آمنة من الرضاعة وقال الحافظ الدمياطي ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعل ذاك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع والعادة تقتضي المخالطة بين المخدوم وأهل الخادم سيما إذا كن مسنات مع ما ثبت له عليه من العصمة ولعل هذا كان قبل الحجاب لأنه كان في سنة خمس وقتل أخيها حرام الذي كان رحمها لأجله كان سنة أربع وقال أبو عمر حرام ابن ملحان قتل يوم بئر معونة قتله عامر بن الطفيل قوله تحت عبادة بن الصامت أي كانت امرأته والصامت ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج الأنصاري السالمي يكنى أبا الوليد قال الأوزاعي أول من ولي قضاء فلسطين عبادة بن الصامت مات عبادة سنة أربع وثلاثين بالرملة وقيل ببيت المقدس وهو ابن اثنتين وسبعين سنة قوله تفلي رأسه بفتح التاء وإسكان الفاء وكسر اللام يعني تفتش القمل من رأسه وتقتله من فلى يفلي من باب ضرب يضرب فليا مصدرة والفلي أخذ القمل من الرأس قوله وهو يضحك جملة وقعت حالا وكذا قوله غزاة وهو جمع غازي كقضاة جمع قاضي قوله ثبج هذا البحر بفتح الثاء المثلثة والباء الموحدة بعدها جيم قال الخطابي ثبج البحر متنه ومعظمه وثبج كل شيء وسطه وقيل ثبج البحر ظهره يوضحه بعض ما جاء في الروايات يركبون ظهر هذا البحر وقيل ثبج البحر هوله والثبج ما بين الكتفين قوله ملوكا نصب بنزع الخافض أي مثل ملوك على الأسرة وهو جمع سرير قال أبو عمر أراد أنه رأى الغزاة في البحر على الأسرة في الجنة ورؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي يشهد له قوله تعالى على الأرائك متكئون ( يس 65 ) وبه جزم ابن بطال حيث قال إنما رآهم ملوكا على الأسرة في الجنة في رؤياه وقال القرطبي يحتمل أن يكون خبرا عن حالهم في غزوهم أيضا قوله شك إسحاق وهو إسحاق بن عبد الله الراوي عن أنس قوله ثم وضع رأسه ثم استيقظ قيل رؤياه الثانية كانت في شهداء البر فوصف حال البر والبحر بأنهم ملوك على الأسرة حكاه ابن التين وغيره وقيل يحتمل أن يكون حالتهم في الدنيا كالملوك على الأسرة ولا يبالون بأحد قوله أنت من الأولين خطاب لأم حرام وأراد بالأولين هم الذين عرضوا أولا وهم الذين يركبون ثبج البحر قوله في زمن معاوية بن أبي سفيان وكانت غزت مع زوجها في أول غزوة كانت إلى الروم في البحر مع معاوية زمن عثمان بن عفان

(14/86)


سنة ثمان وعشرين وقال ابن زيد سنة سبع وعشرين وقيل بل كان ذلك في خلافة معاوية على ظاهره والأول أشهر وهو ما ذكره أهل السير وفيه هلكت وقال الكرماني رحمه الله تعالى واختلفوا في أنه متى جرت الغزوة التي توفيت فيها أم حرام فقال البخاري ومسلم في زمن معاوية وقال القاضي أكثر أهل السير أن ذلك كان في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه فعلى هذا يكون معنى قولها في زمن معاوية زمان غزوة معاوية في البحر لا زمان خلافته وقال ابن عبد البر إن معاوية غزا تلك الغزوة بنفسه انتهى قلت كان عمر رضي الله تعالى عنه قد منع المسلمين من الغزو في البحر شفقة عليهم واستأذنه معاوية في ذلك فلم يأذن له فلما ولي عثمان رضي الله تعالى عنه استأذنه فأذن له وقال لا تكره أحدا من غزاه طائعا فاحمله فسار في جماعة من الصحابة منهم أبو ذر وعبادة بن الصامت ومعه زوجته أم حرام بنت ملحان وشداد بن أوس وأبو الدرداء في آخرين وهو أول من غزا الجزائر في البحر وصالحه أهل قبرس على مال والأصح أنها فتحت عنوة ولما أرادوا الخروج منها قدمت لأم حرام بغلة لتركبها فسقطت عنها فماتت هنالك فقبرها هنالك يعظمونه ويستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة قوله حين خرجت من البحر أراد به حين خروجها من البحر إلى ناحية الجزيرة لأنها دفنت هناك
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز دخول الرجل على محرمه وملامسته إياها والخلوة بها والنوم عندها وفيه إباحة ما قدمته المرأة إلى ضيفها من مال زوجها لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل قال ابن بطال ومن المعلوم أن عبادة وكل المسلمين يسرهم وجود سيدنا رسول الله في بيته وقال ابن التين يحتمل أن يكون ذلك من مال زوجها لعلمه أنه كان يسر بذلك ويحتمل أن يكون من مالها واعترضه القرطبي فقال حين دخوله على أم حرام لم تكن زوجا لعبادة كما يقتضيه ظاهر اللفظ إنما تزوجته بعد ذلك بمدة كما جاء في رواية عند مسلم فتزوجها عبادة بعد وفيه جواز فلي الرأس وقتل القمل ويقال قتل القمل وغيره من المؤذيات مستحب وفيه نوم القائلة لأنه يعين البدن لقيام الليل وفيه جواز الضحك عند الفرح لأنه ضحك فرحا وسرورا بكون أمته تبقى بعده متظاهرين وأمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر وفيه دلالة على ركوب البحر للغزو وقال سعيد بن المسيب كان أصحاب النبي يتجرون في البحر منهم طلحة وسعيد بن زيد وهو قول جمهور العلماء إلا عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما فإنهما منعا من ركوبه مطلقا ومنهم من حمله على ركوبه لطلب الدنيا لا للآخرة وكره مالك ركوبه للنساء مطلقا لما يخاف عليهن من أن يطلع منهن أم يطلعن على عورة وخصه بعضهم بالسفن الصغار دون الكبار والحديث يخدش فيهفإن قلت روى أبو داود من حديث ابن عمر قال قال رسول الله لا يركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا قلت هذا حديث ضعيف ولما رواه الخلال في ( علله ) من حديث ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر يرفعه قال قال ابن معين هذا عن النبي منكر وفيه إباحة الجهاد للنساء في البحر وقد ترجم البخاري لذلك على ما سيأتي وفيه أن الوكيل أو المؤتمن إذا علم أنه يسر صاحب المنزل فيما يفعله في ماله جاز له فعل ذلك واختلف العلماء في عطية المرأة من مال زوجها بغير إذنه وقد مر هذا في الوكالة وفيه أن الجهاد تحت راية كل إمام جائز ماض إلى يوم القيامة وفيه تمني الغزو والشهادة حيث قالت أم حرام أدع الله أن يجعلني منهم وفيه أنه من أعلام نبوته وذلك أنه أخبر فيه بضروب الغيب قبل وقوعها منها جهاد أمته في البحر وضحكه دال على أن الله تعالى يفتح لهم ويغنمهم ومنها الإخبار بصفة أحوالهم في جهادهم وهو قوله يركبون ثبج هذا البحر ومنها قوله لأم حرام أنت من الأولين فكان كذلك ومنها الإخبار ببقاء أمته من بعده وأن يكون لهم شوكة وأن أم حرام تبقى إلى ذلك الوقت وكل ذلك لا يعلم إلا بوحي علي أوحي به إليه في نومه وفيه أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق وفيه الضحك المبشر إذا بشر بما يسر كما فعل الشارع قال المهلب وفيه فضل لمعاوية وأن الله قد بشر به نبيه في النوم لأنه أول من غزا في البحر وجعل من غزا تحت رايته من الأولين وفيه أن الموت في سبيل الله شهادة وقال ابن أبي ( شيبة ) حدثنا يزيد

(14/87)


ابن هارون حدثنا أنس بن عون عن ابن سيرين عن أبي العجفاء السلمي قال قال عمر رضي الله تعالى عنه قال محمد من قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة وفيه دلالة على أن من مات في طريق الجهاد من غير مباشرة ومشاهدة له من الأجر مثل ما للمباشر وكانت النساء إذا غزون يسقين الماء ويداوين الكلمى ويصنعن لهم طعامهم وما يصلحهم فهذه مباشرة وفيه أن الموت في سبيل الله والقتل سواء أو قريبا من السواء في الفضل قاله أبو عمر قال وإنما قلت أو قريبا من السواء لاختلاف الناس في ذلك فمن أهل العلم من جعل الميت في سبيل الله والمقتول سواء واحتج بقوله تعالى والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ( الحج 85 ) وبقوله ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ( النساء 001 ) وبقوله في حديث عبد الله بن عتيك من خرج مجاهدا في سبيل الله فخر عن دابته أو لدغته حية أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله وفي مسلم عن أبي هريرة يرفعه من قتل في سبيل الله فهو شهيد وروى أبو داود من حديث بقية عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن ابن غنم عن أبي مالك الأشعري عن النبي من وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله فهو شهيد وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وذكر الحلواني في ( كتاب المعرفة ) فقال حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه من حبسه السلطان وهو ظالم له ومات في محبسه ذلك فهو شهيد ومن ضربه السلطان ظالما فمات من ضربه ذلك فهو شهيد وكل موت يموت به المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل وروى الحاكم من حديث كعب بن عجرة قال النبي لعمر يوم بدر ورأى قتيلا يا عمر إن للشهداء سادة وأشرافا وملوكا وإن هذا منهم واختلفوا في شهيد البحر أهو أفضل أم شهيد البر فقال قوم شهيد البر وقال قوم شهيد البحر قال أبو عمر ولا خلاف بين أهل العلم أن البحر إذا ارتج لم يجز ركوبه لأحد بوجه من الوجه في حين ارتجاجه والذين رجحوا شهيد البحر احتجوا بما رواه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد عن الحسن ابن الصباح حدثنا يحيى بن عباد حدثنا يحيى بن عبد العزيز عن عبد العزيز بن يحيى حدثنا سعيد بن صفوان عن عبد الله ابن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة سمعت عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله الشهادة تكفر كل شيء إلا الدين والغزو في البحر يكفر ذلك كله ومن حديث عبد الله بن صالح عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن يسار عن ابن عمرو مرفوعا غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر وروى أبو داود من حديث يعلى بن شداد عن أم حرام عن النبي أنه قال المائدة في البحر الذي يصيبه القيء وله أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين وروى ابن ماجه من حديث أبي الدرداء أن رسول الله قال غزوة في البحر مثل عشر غزوات في البر والذي يسدر في البحر كالمتشحط في دمه في سبيل الله وروى ابن ماجه أيضا من حديث سليم بن عامر قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله يقول شهيد البحر مثل شهيدين في البر والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر وما بين الموجتين كقاطع الدينا في طاعة الله تعالى فإن الله وكل ملك لموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ولشهيد البحر الذنوب والدين قوله المائد هو الذي يدار برأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالأمواج قوله الغرق بكسر الراء الذي يموت بالغرق وقيل هو الذي غلبه الماء ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق قوله الغرق بكسر الراء الذي يموت بالغرق وقيل هو الذي غلبه الماء ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق قوله والذي يسدر من السدر بالتحريك كالدوار وكثيرا ما يعرض لراكب البحر يقال سدر يسدر سدرا قوله كالمتشحط في دمه وهو الذي يتمرغ ويضطرب ويتخبط في دمه
4 -
( باب درجات المجاهدين في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان درجات المجاهدين في سبيل الله والمجاهد في سبيل الله هو الذي يجاهد لإعلاء كلمة الله ونصرة الدين من غير التفات إلى الدنيا

(14/88)


يقال هذه سبيلي وهاذا سبيلي
غرضه من هذا أن السبيل يذكر ويؤنث وبذلك جزم القراء في قوله تعالى ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ( لقمان 6 ) والضمير يعود إلى آيات القرآن وإن شئت جعلته للسبيل لأنها قد تؤنث قال الله تعالى قل هذه سبيلي ( يوسف 801 ) وفي قراءة أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوها سبيلا ( الأعراف 641 ) وقال ابن سيده السبيل الطريق وما وضح منه وسبيل الله طريق الهدى الذي دعا إليه ويجمع على سبل
قال أبو عبد الله غزا واحدها غاز هم درجات لهم درجات
هذا وقع في رواية المستملي وأبو عبد الله هو البخاري قوله غزى بضم الغين وتشديد الزاي جمع غاز أصله غزى كسبق جمع سابق وجاء مثل حاج وحجيج وقاطن وقطين وغزاء مثل فاسق وفساق قوله هم درجات لهم درجات فسر قوله هم درجات بقوله لهم درجات أي لهم منازل وقيل تقديره ذووا درجات
0972 - حدثنا ( يحيى بن صالح ) قال حدثنا ( فليح ) عن ( هلال بن علي ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها فقالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلاى الجنة أراه قال وفوقه عرش الرحمان تفجر أنهار الجنة
( الحديث 0972 - طرفه في 3247 )
مطابقته للترجمة في قوله إن في الجنة مائة درجة إلى قوله ما بين الدرجتين
ويحيى بن صالح الوحاظي أبو زكرياء الشامي الدمشقي ويقال الحمصي وهو من جملة الأئمة الحنفية أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وفليح بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب عليه واشتهر به وهلال بن علي هو هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي هلال الفهري المدني وعطاء بن يسار ضد اليمين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه به وأخرجه الترمذي فقال حدثنا قتيبة وأحمد بن عبدة الضبي قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال من صام رمضان وصلى الصلوات وحج البيت لا أدري أذكر الزكاة أم لا إلا كان حقا على الله أن يغفر له إن هاجر في سبيل الله أو مكث بأرضه التي ولد بها قال معاذ ألا أخبر بها الناس فقال رسول الله ذر الناس يعملون فإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة وأوسطها وفوق ذلك عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس قوله عن عطاء بن يسار كذا وقع في رواية الأكثرين وقال أبو عامر العقدي عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة بدل عطاء بن يسار أخرجه أحمد وإسحاق في ( مسنديهما ) عنه وهو وهم من فليح في حال تحديثه لأبي عامر وعند فليح بهذا الإسناد حديث غير هذا وهو في الباب الذي يليه حيث قال حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح قال حدثني أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي الحديث على ما يأتي إن شاء الله تعالى
قوله وأقام الصلاة وصام رمضان وقال ابن بطال هذا الحديث كان قبل فرض الزكاة والحج فلذلك لم يذكر فيه وقال صاحب ( التلويح ) وفيه نظر من حيث إن الزكاة فرضت قبل خيبر وهذا رواه أبو هريرة ولم يأت للنبي إلا بخيبر وقال الكرماني لعل الزكاة والحج لم يكونا واجبين في ذلك الوقت أو على التسامح انتهى قلت هذا أيضا تبع ابن بطال وقد ثبت

(14/89)


الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه لا أدري أذكر الزكاة أم لا قوله أو على التسامح يمكن أن يكون جوابا لعدم ذكر الزكاة والحج لأن الزكاة لا تجب إلا على الغني بشرطه والحج يجب في العمر مرة على التراخي قوله كان حقا على الله قال الكرماني أي كالحق قلت معناه حق بطريق الفضل والكرم لا بطريق الوجوب قوله أو جلس في أرضه وفي بعض النسخ أو جلس في بيته فيه تأنيس لمن حرم الجهاد في سبيل الله فإن له من الإيمان بالله والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة لأنها هي غاية الطالبين ومن أجلها بذل النفوس في الجهاد خلافا لما يقوله بعض جهلة المتصوفة وفي ( صحيح مسلم ) من حديث أنس يرفعه من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه وعند الحاكم من سأل القتل صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد وعند النسائي بسند جيد عن معاذ يرفعه من سأل الله من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد قوله قالوا يا رسول الله قيل الذي خاطبه بذلك معاذ بن جبل كما في حديث الترمذي الذي مضى أو أبو الدرداء كما وقع عند الطبراني قوله إن في الجنة مائة درجة قال الكرماني قيل لما سوى رسول الله بين الجهاد في سبيل الله وعدمه في دخول الجنة ورأى استبشار السامع بذلك لسقوط مشاق الجهاد عنه استدرك بقوله إن في الجنة مائة درجة كذا وكذا وأما الجواب فهو من الأسلوب الحكيم أي بشرهم بدخول الجنة بالإيمان ولا تكتف بذلك بل زد عليها بشارة أخرى وهو الفوز بدرجات الشهداء وبل بشرهم أيضا بالفردوس قلت قوله وأما الجواب إلى آخره من كلام الطيبي واعترض عليه بعضهم بقوله لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا لكان ما قال متجها لكن وردت في الحديث زيادة دلت على أن قوله في الجنة مائة درجة تعليل لترك البشارة المذكورة فعند الترمذي من رواية معاذ المذكورة قلت يا رسول الله ألا أخبر الناس قال ذر الناس يعملون فإن في الجنة مائة درجة فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد وهذه هي النكتة في قوله أعدها للمجاهدين انتهى قلت كلام الطيبي متجه والاعتراض عليه غير وارد أصلا لأن قوله لكن وردت في الحديث زيادة إلى آخره غير مسلم لأن الزيادة المذكورة في حديث معاذ بن جبل وكلام الطيبي وغيره في حديث أبي هريرة وكل واحد من الحديثين مستقل بذاته والراوي مختلف فكيف يكون ما في حديث معاذ تعليلا لما في حديث أبي هريرة على أن حديث معاذ هذا لا يعادل حديث أبي هريرة ولا يدانيه فإن عطاء بن يسار لم يدرك معاذا قال الترمذي عطاء لم يدرك معاذ بن جبل معاذ قديم الموت مات في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه قوله كما بين السماء والأرض وفي رواية الترمذي من رواية شريك عن محمد بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام وقال هذا حديث حسن غريب وفي رواية الطبراني من هذا الوجه خمسمائة عام وروى الترمذي قال حدثنا قتيبة قال حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي قال إن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم قال هذا حديث غريب قوله الفردوس قيل هو البستان الذي يجمع ما في البساتين كلها من شجر وزهر ونبات وقيل هو متنزه أهل الجنة وفي الترمذي هو ربوة الجنة وقيل الذي فيه العنب يقال كرم مفردس أي معرش وقيل هو البستان بالرومية فنقل إلى العربية وهو مذكر وإنما أنث في قوله تعالى يرثون الفردوس هم فيها خالدون ( المؤمنون 11 ) قال الجواليقي عن أهل اللغة وقال الزجاج الفردوس الأودية التي تنبت ضروبا من النبات وهو لفظ سرياني وقيل أصله بالنبطية فرداسا وقيل الفردوس يعد بابا من أبواب الجنة قوله أوسط الجنة أي أفضلها كما في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( البقرة 341 ) أي خيارا وقال ابن بطال يحتمل أن يريد متوسط الجنة والجنة قد حفت بها من كل جهة قوله وأعلى الجنةيعني أرفعها لأن الله مدح الجنان إذا كانت في علو وقال كمثل جنة بربوة ( البقرة 562 ) وقال ابن حبان المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية وقيل الحكمة في الجمع بين الأعلى والأوسط أنه أراد بأحدهما الحسي وبالآخر المعنوي وقال بعضهم المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( البقرة 341 ) فعلى هذا فعطف الأعلى عليه للتأكيد انتهى قلت سبحان الله هذا كلام عجيب وليت شعري هل أراد بالتأكيد التأكيد اللفظي أو التأكيد المعنوي ولا يصح أن يراد أحدهما على المتأمل قوله

(14/90)


أراه بضم الهمزة أي أظنه وهذا من كلام يحيى بن صالح شيخ البخاري فيه وقد رواه غيره عن فليح بغير شك منهم يونس بن محمد عند الإسماعيلي وغيره قوله ومنه أي من الفردوس وقد وهم من أعاد الضمير إلى العرش قوله تفجر أصله تتفجر بتاءين فحذفت إحداهما أي تتشقق
قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمان
أشار بهذا التعليق إلى أن محمد بن فليح روى هذا الحديث عن أبيه فليح بإسناده هذا فلم يشك كما شك يحيى بن صالح بقوله أراه فوقه عرش الرحمن وهذا التعليق وصله البخاري في التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه وقال الجياني في نسخة أبي الحسن القابسي قال البخاري حدثنا محمد بن فليح وهو وهم لأن البخاري لم يدرك محمدا هذا إنما يروي عن أبي المنذر ومحمد بن بشار عنه والصواب قال محمد بن فليح معلق كما روته الجماعة
1972 - حدثنا موسى قال حدثنا جرير قال حدثنا أبو رجاء عن سمرة قال قال النبي رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها قالا أما هذه الدار فدار الشهداء
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هي أحسن وأفضل إلى آخره و ( موسى ) هو ابن إسماعيل و ( جرير ) بفتح الجيم هو ابن حازم و ( أبو رجاء ) اسمه عمران بن ملحان العطاردي البصري أدرك زمان النبي وعمر أكثر من مائة وعشرين سنة مات سنة خمس ومائة وهذا الحديث قد مضى في كتاب الجنائز في باب ما قيل في أولاد المشركين مطولا بعين هذا الإسناد وقد مضى الكلام فيه هناك
5 -
( باب الغدوة والروحة في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل الغدوة وهي من طلوع الشمس إلى الزوال وهي بالفتح المرة الواحدة من الغد وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه والروحة من الزوال إلى الليل وهو بالفتح المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها قوله في سبيل الله وهو الجهاد
وقاب قوس أحدكم من الجنة
وقاب بالجر عطفا على الغدوة المجرور بالإضافة تقديره وفي بيان فضل قدر قوس أحدكم في الجنة قال صاحب ( العين ) قاب القوس قدر طولها وقال الخطابي هو ما بين السية والمقبض وعن مجاهد قدر ذراع والقوس الذراع بلغة أزدشنة وقيل القوس ذراع يقاس به وقال الداودي قاب القوس ما بين الوتر والقوس وفي ( المخصص ) القوس أنثى وتصغر بغير هاء والجمع أقواس وقياس وقسي وقسى ويقال لكل قوس قابان ويقال الأشهر أن القاب قدر وكذلك القيب والقاد والقيد وعين القاب واو
2972 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( حميد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة ورجاله قد ذكروا غير مرة ووهيب تصغير وهب هو ابن خالد البصري وحميد بضم الحاء هو الطويل
والحديث من أفراد البخاري من هذا الوجه وأخرجه ابن ماجه عن نصر بن علي ومحمد بن المثنى كلاهما عن عبد الوهاب الثقفي عن حميد وأخرجه مسلم عن القعنبي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأخرجه الترمذي من رواية مقسم عن ابن عباس عن النبي قال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها وقال هذا حديث حسن غريب قلت انفرد بإخراجه الترمذي وأخرج مسلم والنسائي من رواية أبي عبد الرحمن الحبلي واسمه عبد الله بن

(14/91)


يزيد قال سمعت أبا أيوب رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت وأخرج البزار وإبو يعلى الموصلي في ( مسنديهما ) من رواية عمرو بن صفوان عن عروة بن الزبير عن أبيه قال قال رسول الله لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها وقال الذهبي صفوان بن عمرو لا يعرف وأخرج البزار في ( مسنده ) من رواية الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله قال فذكره وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف وأخرجه أحمد في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه مطولا وفيه والذي نفسي بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة وإسناده ضعيف
قوله لغدوة مبتدأ تخصص بالصفة وهو قوله في سبيل الله والتقدير لغدوة كائنة في سبيل الله قوله أو روحة عطف عليه وكلمة أو للتقسيم لا للشك قوله خير خبر المبتدأ واللام في لغدوة لام التأكيد وقال بعضهم للقسم وفيه نظر وقال المهلب معنى قوله خير من الدنيا أن ثواب هذا الزمن القليل في الجنة خير من الدنيا كلها وكذا قوله لقاب قوس أحدكم أي موضع سوط في الجنة يريد ما صغر في الجنة من المواضع كلها من بساتينها وأرضها فأخبر أن قصير الزمان وصغير المكان في الآخرة خير من طويل الزمان وكبير المكان في الدنيا تزهيدا وتصغيرا لها وترغيبا في الجهاد إذا بهذا القليل يعطيه الله في الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها فما ظنك بمن أتعب فيه نفسه وأنفق ماله وقال غيره معنى خير من الدنيا ثواب ذلك في الجنة خير من الدنيا وقيل خير من أن يتصدق بما في الدنيا إذا ملكها وقيل إذا ملك ما في الدنيا وأنفقها في وجوه البر والطاعة غير الجهاد وقال القرطبي أي الثواب الحاصل على مشية واحدة في الجهاد خير لصاحبه من الدنيا وما فيها لو جمعت له بحذافيرها والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته بل يحصل هذا حتى بكل غدوة أو روجة في طريقه إلى الغد وقال النووي وكذا غدوة ورواحه في موضع القتال لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله
3972 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( محمد بن فليح ) قال حدثني أبي عن ( هلال بن علي ) عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لقاب قوس في الجنة خير مما تطله عليه الشمس وتغرب وقال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب
مطابقته للجزء الأول من الترجمة في قوله لغدوة أو روحة في سبيل الله وللجزء الثاني في قوله لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب ومضى الكلام في محمد بن فليح وأبيه هلال بن علي عن قريب في الباب السابق و ( عبد الرحمن بن أبي عمرة ) الأنصاري النجاري قاضي أهل المدينة واسم أبي عمرة عمرو بن محصن ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون
قوله لقاب قوس مبتدأ قوله في الجنة صفة قوس وقوله خير خبر المبتدأ واللام في لقاب للتأكيد وكذلك في لغدوة قوله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب هو معنى قوله خير من الدنيا وما فيها وهذا منه إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا وأما التحقيق فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفعل إلا كما يقال العسل أحلى من الخل
4972 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها
( الحديث 3972 - طرفه في 3523 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ابن عقبة وقد تكرر ذكره وسفيان هو الثوري وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمة بن دينار المدني وأبو حازم الذي روى عن أبي هريرة سلمان الكوفي
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأخرجه النسائي عن عبدة بن عبد الله

(14/92)


وأخرجه ابن ماجة من رواية زكرياء بن منصور عن أبي حازم
قوله الروحة والغدوة وفي رواية مسلم غدوة أو روحة وفي رواية الطبراني من طريق أبي غسان عن أبي حازم لروحة بلام التأكيد قيل الأفضل هو الأكثر ثوابا فما معناه ههنا إذ لا ثواب في الدنيا وأجيب أي أفضل من صرف ما في الدنيا كلها لو ملكها إنسان لأنه زائل ونعيم الآخرة باق
6 -
( باب الحور العين وصفتهن يحار فيها الطرف شديدة سواد العين شديدة بياض العين وزوجناهم أنكحناهم )
أي هذا باب في بيان الحور العين وبيان صفتهن ووقع في رواية أبي ذر الحور العين بغير لفظ باب فعلى هذا يكون الحور مرفوع بأنه مبتدأ خبره محذوف تقديره الحور العين وصفتهن ما نذكره والعين مرفوع أيضا على الوصفية وقوله وصفتهن أيضا مرفوع عطف على الحور والحور بضم الحاء جمع الحوراء وقال ابن سيده الحور أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حولها وقيل الحور شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد وقيل الحور أن تسود العين كلها مثل الظباء والبقر وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء حور العيون لأنهن يشبهن بالظباء والبقر وقال كراع الحور أن يكون البياض محدقا بالسواد كله وإنما يكون هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس وقال الأصمعي لا أدري ما الحور في العين وقد حور حورا واحور وهو أحور وامرأة حوراء وعين حوراء والجمع حور والأعراب تسمي نساء الأمصار حواريات لبياضهن وتباعدهن عن قشف الأعرابيات بنظافتهن قوله العين بكسر العين وسكون الياء جمع عيناء وهي الواسعة العين والرجل أعين وأصل الجمع بضم العين فكسرت لأجل الياء قوله وصفتهن يأتي بيان بعض صفتهن في آخر حديث الباب فإن قلت ما وجه إدخال هذا الباب بين هذه الأبواب المذكورة هنا قلت لما ذكر درجات المجاهدين وذكر أن في الجنة مائة درجة وذكر أيضا أن فيها امرأة لو اطلعت إلى آخره وهي من الحور العين ترجم لها بابا بطريق الاستطراد قوله يحار فيها الطرف كلام مستأنف كأن قائلا يقول ما من صفتهن فقال يحار فيها الطرف أي يتحير فيهن البصر لحسنها وفي ( المغرب ) الطرف تحريك الجفن بالنظر وقال الزمخشري الطرف لا يثنى ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر وقيل ظن البخاري أن اشتقاق الحور من الحيرة حيث قال يحار فيها الطرف لأن أصله يحير نقلت حركة الياء إلى ما قبلها ثم قلبت ألفا ومادته يائية والحور من الحور ومادته واوية وقال بعضهم لعل البخاري لم يرد الاشتقاق الأصغر قلت لم يقل أحد الاشتقاق الأصغر وإنما قالوا الاشتقاق على ثلاثة أنواع اشتقاق صغير واشتقاق كبير واشتقاق أكبر ولا يصح أن يكون الحور مشتقا من الحيرة على نوع من الأنواع الثلاثة ولا يخفى ذلك على من له بعض يد من علم الصرف قوله شديدة سواد العين تفسير العين بالكسر في قوله بالكسر في قوله الحورالعين وكذلك قوله شديدة بياض العين والعين فيهما بالفتح قوله وزوجناهم أنكحناهم أشار بهذا إلى قوله تعالى في سورة الدخن كذلك وزوجناهم بحور عين ( الدخان 45 ) مناسبة للترجمة لأنها في الحور العين أي كما أكرمناهم بجنات وعيون ولباس كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم بحور عين وتفسيره بقوله أنكحناهم قول أبي عبيدة وفي لفظ له زوجناهم جعلناهم أزواجا أي اثنين اثنين كما تقول زوجت النعل بالنعل
5972 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى
( الحديث 5972 - طرفه في 7182 )
6972 - قال وسمعت ( أنس بن مالك ) عن

(14/93)


النبي لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها
( انظر الحديث 2972 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولو أن امرأة إلى آخر الحديث لأنه قال في الترجمة الحور العين وصفتهن والمذكور فيه صفتان عظيمتان من صفات الحور العين إحداهما قوله ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الدنيا لأضاءت والأخرى قوله ولنصيفها إلى آخره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي الثاني معاوية بن عمرو الأزدي البغدادي وقد مر في الجمعة الثالث أبو إسحاق اسمه إبراهيم بن محمد الفزاري سكن المصيصة من الشام الرابع حميد الطويل الخامس أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن معاوية بن عمرو من شيوخ البخاري يروي عنه تارة بواسطة كما هنا وتارة بلا واسطة فأنه روى عنه في كتاب الجمعة بلا واسطة ومن اللطائف فيه أنه مشتمل على أربعة أحاديث الأول قوله ما من عبد يموت إلى قوله مرة أخرى الثاني قوله وسمعت أنس بن مالك إلى قوله وما فيها الثالث قوله ولقاب قوس أحدكم الرابع قوله ولو أن امرأة إلى آخره
ذكر معناه قوله يموت جملة وقعت صفة لعبد وكذلك قوله له عند الله خير صفة أخرى قوله خير أي ثواب قوله يسره جملة وقعت صفة لقوله خير قوله أن يرجع كلمة أن مصدرية و يرجع لازم قوله وأن له الدنيا بفتح الهمزة عطف على أن يرجع ويجوز الكسر على أن يكون جملة حالية قوله إلا الشهيد مستثنى من قوله يسره أن يرجع قوله لما يرى بكسر اللام التعليلية قوله فيقتل على صيغة المجهول بالنصب عطفا على أن يرجع قوله قال وسمعت أي قال حميد الراوي سمعت قوله لروحة وقوله ولقاب قوس قد مر تفسيرهما عن قريب قوله أو موضع قيد قال الكرماني قال بعضهم وقع في النسخ قيد بزيادة الياء وإنما هو بكسر القاف وتشديد الدال لا غير وهو السوط المتخذ من الجلد الذي لم يدبغ ومن رواه قيد بزيادة الياء أي مقداره فقد صحف قلت لا تصحيف إذ معنى الكلام صحيح لا ضرورة إليه سلمنا أن المراد القد غاية ما في الباب أن يقال قلبت إحدى الدالين ياء وذكل كثير وفي بعضها قيد بدون الإضافة إلى الضمير مع التنوين الذي هو عوض من المضاف إليه انتهى كلامه وقال بعضهم قوله يعني سوطه تفسير للقيد غير معروف ولهذا جزم بعضهم أنه تصحيف وأن الصواب قد بكسر القاف وتشديد الدال وهو السوط المتخذ من الجلد ثم قال قلت ودعوى الوهم في التفسير أسهل من دعوى التصحيف في الأصل ولا سيما والقيد بمعنى القاب انتهى قلت قول من قال إن من رواه قيد بزيادة الياء أي مقداره فقد صحف هو الظاهر ونفى الكرماني التصحيف بقوله غاية ما في الباب أن يقال قلبت إحدى الدالين ياء وذلك كثير نفيه غير صحيح لأن تعليله لدعواه تعليل من ليس له وقوف على علم الصرف وذلك أن قلب أحد الحرفين المتماثلين ياء إنما يجوز إذا أمن اللبس ولا لبس أشد من الذي يدعى أن فيه قلبا فالقيد بالياء بعد القاف هو المقدار والقد بالكسر والتشديد هو السوط المتخذ من الجلد وبينهما بون عظيم وأما قول بعضهم دعوى الوهم في التفسير إلى آخره فغير متجه لأن الأمر بالعكس أعني دعوى التصحيف في الأصل أسهل من دعوى الوهم في التفسير لأن التفسير مبني على صحة الأصل فافهم فإن فيه دقة قوله ولو أن امرأة من أهل الجنة ذكر العلماء أن الحور على أصناف مصنفة صغار وكبار وعلى ما اشتهت نفس أهل الجنة
وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال والذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور أطلعت سوارا لها لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر فكيف المسور وإن خلق الله شيئا يلبسه إلا عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي وقال أبو هريرة إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء إذا مشت

(14/94)


مشى حولها سبعون ألف وصيفة عن يمينها وعن يسارها كذلك وهي تقول أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال ابن عباس في الجنة حوراء يقال لها العيناء لو بزقت في البحر لعذب ماؤه وقال رأيت ليلة الإسراء حوراء جبينها كالهلال في رأسها مائة ضفيرة ما بين الضفيرة والضفيرة سبعون ألف ذؤابة والذوائب أضوء من البدر وخلخالها مكلل بالدر وصنوف الجواهر وعلى جبينها سطران مكتوبان بالدر والجوهر في الأول بسم الله الرحمن الرحيم وفي الثاني من أراد مثلي فليعمل بطاعة ربي فقال لي جبريل هذه وأمثالها لأمتك وقال ابن مسعود إن الحوراء ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ومن تحت سبعين حلة كما يرى الشراب في الزجاج الأبيض وروي أن سيدنا رسول الله سئل عن الحور من أي شيء خلقن فقال من ثلاثة أشياء أسفلهن من المسك وأوسطهن من العنبر وأعلاهن من الكافور وحواجبهن سواد خط في نور وفي لفظ سألت جبريل عليه الصلاة و السلام عن كيفية خلقهن فقال يخلقهن رب العالمين من قضبان العنبر والزعفران مضروبات عليهن الخيام أول ما يخلق منهن نهد من مسك إذفر أبيض عليه يلتام البدن وقال ابن عباس خلقت الحوراء من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الإذفر ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب وعنقها من الكافور الأبيض تلبس سبعون ألف حلة مثل شقائق النعمان إذا أقبلت يتلألأ وجهها ساطعا كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا وإذا أقبلت ترى كبدها من رقة ثيابها وجلدها في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها وهذه الأحاديث كلها نقلتها من ( التلويح ) وما وقفت على أصلها فيه
قوله ريحا أي عطرا قوله ولنصيفها بفتح اللام التي هي للتأكيد وفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء وهو الخمار بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم
7 -
( باب تمني الشهادة )
أي هذا باب في بيان جواز تمني الشهادة
7972 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث فإن فيه تمني الشهادة وهذا السند بعينه قد مضى غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وهذا الحديث روي عن أبي هريرة من وجه ومضى في كتاب الإيمان في باب الجهاد من الإيمان
قوله والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم وفي رواية أبي زرعة وأبي صالح لولا أن أشق على أمتي ورواية الباب تفسر المراد بالمشقة المذكورة وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلف ولا يقدرون على التأهب لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره وتعذر وجوده عند النبي وصرح بذلك في رواية هما ولفظه ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي قوله عن سرية أي قطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعه السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس قوله والذي نفسي بيده لوددت ووقع في رواية أبي زرعة بلفظ ولددت أني أقتل بحذف القسم قوله أني أقتل في سبيل الله استشكل بعضهم صدور هذا اليمين من النبي مع علمه بأنه لا يقتل وأجاب ابن التين بأن ذلك لعله كان قبل نزول قوله تعالى والله يعصمك من الناس ( المائدة 76 ) واعترض عليه بأن نزول هذه الآية كان في أوائل ما قدم المدينة وقد صرح أبو هريرة بسماعه من النبي وكان قدومه في أوائل سنة سبع من

(14/95)


الهجرة وأجاب بعضهم بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع قلت أو هو ورد على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه وسيجيء عن أنس في الشهيد أنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة وروى الحاكم بسند صحيح عن جابر كان النبي إذا ذكر أصحاب أحد قال والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل وفحص الجبل ما بسط منه وكشف من نواحيه
ذكر ما يستفاد منه فيه أنه كان يتمنى من أفعال الخير ما يعلم أنه لا يعطاه حرصا منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين وبذلا لنفسه في مرضاة ربه وإعلاء كلمة دينه ورغبته في الإزدياد من ثواب ربه ولتتأسي به أمته في ذلك وقد يثاب المرء على نيته وسيأتي في كتاب التمني ما يتمناه الصالحون مما لا سبيل إلى كونه وفيه إباحة القسم بالله على كل ما يعتقده المرء بما يحتاج فيه إلى يمين وما لا يحتاج وكذا ما كان يقول في كلامه لا ومقلب القلوب لأن في اليمين بالله توحيدا وتعظيما له تعالى وإنما يكره تعمد الحنث وفيه أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد ولو كان معينا ما تخلف الشارع ولا أباح لغيره التخلف عنه ولو شق على أمته إذا كانوا يطيقونه هذا إذا كان العدو لم يفجأ المسلمين في دارهم ولا ظهر عليهم وإلا فهو فرض عين على كل من له قوة وفيه أن الإمام والعالم يجوز لهما ترك فعل الطاعة إذا لم يطق أصحابه ونصحاؤه على الإتيان بمثل ما يقدر عليه هو منها إلى وقت قدرة الجميع عليها وذلك من كرم الصحبة وآداب الأخلاق وفيه عظم فضل الشهادة
8972 - حدثنا ( يوسف بن يعقوب الصفار قل ) حدثنا ( إسماعيل بن علية ) عن ( أيوب ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال خطب النبي فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له وقال ما يسرنا أنهم عندنا قال أيوب أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ما يسرهم أنهم عندنا وذلك أنهم لما رأوا من الكرامة بالشهادة فلا يعجبهم أن يعودوا إلى الدنيا كما كانوا من غير أن يستشهدوا مرة أخرى ويوسف بن يعقوب الصفار بفتح الصاد المهملة وتشديد الفاء وبالراء الكوفي مات في سنة إحدى وثلاثين ومائتين ولم يخرج له البخاري سوى هذا الحديث وأيوب هو السختياني وحميد بن بلال ابن هبيرة العدوي البصري
وهذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في باب الرجل ينعى إلى أهل الميت ومضى الكلام فيه هناك
قوله زيد هو زيد بن حارثة وجعفر هو ابن أبي طالب وعبد الله بن رواحة بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة قوله عن غير إمرة بكسر الهمزة أي بغير أن يجعله أحد أميرا لهم قوله قال أيوب هو الراوي المذكور قوله أو قال شك من أيوب قوله تذرفان أي تسيلان دمعا والجملة حالية
8 -
( باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم )
أي هذا باب في بيان فضل من يصرع وكلمة من موصولة تضمنت معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في جوابها وهو قوله فهو منهم أي من المجاهدين قوله فمات عطف على قوله يصرع وعطف الماضي على المضارع قليل وقوله فمات سقط من رواية النسفي
وقول الله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ( النساء 001 ) وقع وجب
وقول الله مجرور عطفا على قوله فضل من يصرع وقال أبو عمر روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله

(14/96)


ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ( النساء 001 ) قال كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص بن ضمرة بن زنباع الخزاعي لما أمروا بالهجرة وكان مريضا فأمر أهله أن يفرشوا له على سرير ويحملوه إلى رسول الله قال ففعلوا فأتاه الموت وهو بالتنعيم فنزلت هذه الآية وقد قيل في ضمرة هذا أبو ضمرة بن العيص قال أبو عمر والصحيح أنه ضمرة لا أبو ضمرة روينا عن زيد بن حكيم عن الحكم بن أبان قال سمعت عكرمة يقول اسم الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ضمرة بن العيص قال عكرمة طلبت اسمه أربع عشرة سنة حتى وقفت عليه فإن قلت ما المناسبة بين الترجمة والآية قلت يدركه الموت أعم من أن يكون بقتل أو وقوع من دابته أو غير ذلك قوله وقع وجب لم يثبت هذا في رواية المستملي وثبت لغيره وقد فسره أبو عبيدة هكذا في قوله تعالى فقد وقع أجره على الله ( النساء 001 ) أي وجب ثوابه
00 - 8 - 2 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( محمد بن يحيى بن حبان ) عن ( أنس بن مالك ) عن ( خالته ) أم ( حرام بنت ملحان ) قالت نام النبي يوما قريبا مني ثم استيقظ يتبسم فقلت ما أضحكك قال أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة قالت فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت مثل قولها فأجابها مثلها فقالت ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت
مطابقته للترجمة في قوله فصرعتها فماتت لأنها صرعت في سبيل الله تعالى ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري ومحمد بن يحيى ابن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة مر في الوضوء وفي الإسناد تابعيان يحيى ومحمد وصحابيان أنس وخالته وقد مر الحديث عن قريب في باب الدعاء بالجهاد وروى ابن وهب من حديث عقبة بن عامر مرفوعا من صرع عن دابته في سبيل الله فمات فهو شهيد ولما لم يكن هذا الحديث على شرطه أشار إليه في الترجمة ولم يخرجه فإن قيل قال في باب العاء بالجهاد فصرعت عن دابتها أي بعد الركوب وهنا فقربت دابة لتركبها فصرعتها أي قبل الركوب أجيب بأن الفاء فصيحة أي فركبتها فصرعتها قوله فلما انصرفوا من غزوهم قافلين أي راجعين من غزوهم قوله فنزلوا الشام أي متوجهين إلى ناحية الشام
9 -
( باب من ينكب في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل من ينكب وهو على المجهول من المضارع من النكبة وهو أن يصيب العضو شيء فيدميه كذا قال بعضهم قلت هذا التفسير غير صحيح بل النكبة أعم من ذلك قال ابن الأثير النكبة ما يصيب الإنسان من الحوادث وقال الجوهري النكبة واحدة نكبات الدهر تقول أصابته نكبة وفي بعض النسخ باب من تنكب على وزن تفعل من باب التفعل وفي بعضها أيضا أو يطعن بعد قوله في سبيل الله
1082 - حدثنا ( حفص بن عمر الحوضي ) قال حدثنا ( همام ) عن ( أسحاق ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين رجلا فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله وإلا كنتم مني قريبا فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي إذ أومؤا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم مالو على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجل أعرج صعد

(14/97)


الجبل قال همام فأراه آخر معه فأخبر جبريل عليه السلام النبي أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله
مطابقته للترجمة في كون هذا البعث المذكور قد نكبوا في سبيل الله بالقتل
وحفص بن عمر بن الحارث أبو عمر الحوضي والحوضي نسبة إلى حوض داود وهي محلة ببغداد وحفص من أفراد البخاري وهمام بالتشديد ابن يحيى البصري وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل
قوله من بني سليم قال الدمياطي هو وهم فإن بني سليم مبعوث إليهم والمبعوث هم القراء وهم من الأنصار وقال الكرماني بنو سليم بضم المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف قيل إنه وهم من المؤلف إذ المبعوث إليهم هم من بني سليم لأن رعلا هو ابن مالك بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وبالمثلثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بالخاء المعجمة ثم الصاد المهملة والفاء المفتوحات وذكوان هو ابن ثعلبة بن بهثة وعصية هو ابن خفاف بضم المعجمة وخفة الفاء الأولى ابن امرىء القيس بن بهثة وقال الجوهري رعل وذكوان قبيلتان من بني سليم وعصية بطن من بني سليم وقال بعضهم الوهم من حفص بن عمر شيخ البخاري فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل وقال الكرماني الطفيل هو ابن مالك بن خصفة فهو إذن هو أبو سليم وأما بنو عامر فهم أولاد عامر بن صعصعة بالمهملات ثم قال إعلم أنه لا وهم في كلام البخاري إذ يجوز أن يقال إن أقواما هو منصوب بإسقاط الخافض أي إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر فإن قلت أين مفعول بعث قلت اكتفى بصيغة المفعول عن المفعول أي بعث بعثا أو طائفة في جملة سبعين أو كلمة في تكون زائدة وسبعين هو المفعول ومثله قوله
( وفي الرحمن للضعفاء كاف )
أي الرحمن كاف وقال تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( الأحزاب 12 ) وأهل المعاني يسمونها بفي التجريدية وقد يجاب أيضا بأن من ليس بيانا بل ابتدائية أي بعث من جهتهم أو بعث بعثا يساويهم بنو سليم انتهى قلت هذا كله تعسف أما النصب بنزع الخافض فهو خلاف الأصل وإن كان موجودا في الكلام وأما حذف المفعول فشائع ذائع لكن لا بد من نكتة فيه وأما القول بزيادة كلمة في فغير صحيح والذي أجازه خصه بالضرورة ولا ضرورة ههنا وأما تمثيله بقول الشاعر
( وفي الرحمن للضعفاء كاف )
فلا يتم لأنه من باب الضرورة على أنه يمكن أن يقال إن كاف بمعني كفاية لأن وزن كاف في الأصل فاعل ويأتي بمعنى المصدر كما في قوله تعالى ليس لوقعتها كاذبة ( الواقعة 2 ) أي تكذب فإن كاذبة على وزن فاعلة وهو بمعنى المصدر قوله في سبعين رجلا قال التوربشتي كانوا من أوراع الناس ينزلون الصفة يتعلمون القرآن وكانوا ردأ للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة بعثهم رسول الله إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام فلما نزلوا بئر معونة بفتح الميم وبالنون قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من بني سليم وهم رعل وذكوان وعصية فقتلوهم قلت كانت سرية بئر معونة في صفر من سنة أربع من الهجرة وأغرب محكول حيث قال إنها كانت بعد الخندق وقال ابن إسحاق فأقام رسول الله بعد أحد بقية شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد قال موسى بن عقبة وكان أمير القوم المنذر بن عمرو ويقال مرثد بن أبي مرثد قوله خالي هو حرام ضد حلال ابن ملحان قوله وإلا أي وإن لم يؤمنوا قوله فبينما يحدثهم أي يحدث بني سليم قوله إذ جواب بينما قوله أومؤا أي أشاروا قوله فأنفذه بالفاء والذال المعجمة من نفذ السهم من الرمية قوله إلا رجل أعرج ويروى رجلا بالنصب وقال الكرماني وفي بعض الروايات كتب بدون الألف على اللغة الربيعية قوله قال همام وهو من رواة الحديث المذكور في سنده قوله فأراه أي أظنه و يرى بالواو وأراه قوله فكنا نقرأ أن بلغوا

(14/98)


إلى آخره أنزل الله تعالى على النبي في حقهم هذا ثم نسخ بعد ذلك قوله فدعا أي النبي عليهم أربعين صباحا في القنوت قوله على رعل بدل من عليهم بإعادة العامل كقوله تعالى للذين استضعفوا لمن آمن منهم ( الأعراف 57 ) ورعل بكسر الراء وسكون العين المهملة وذكوان بفتح الذال المعجمة وإسكان الكاف وعصية بضم العين المهملة وفتح الصاد المهملة وتشديد الياء آخر الحروف
ومما يستفاد منه جواز الدعاء على أهل الغدر وانتهاك المحارم والإعلان بإسمهم والتصريح بذكرهم وجاء من حديث أنس في باب قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( آل عمران 961 ) أنه دعا عليهم ثلاثين صباحا وهنا فدعا عليهم أربعين صباحا وفي ( المستدرك ) قنت رسول الله عشرين يوما
2082 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( الأسود بن قيس ) عن ( جندب ابن سفيان ) أن رسول الله كان في بعض المشاهد وقد دميت إصبعه فقال
( هل أنت إلا إصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت )
( الحديث 2082 - طرفه في 6416 )
مطابقته للترجمة في قوله وقد دميت إصبعه لأنه نكب في إصبعه وأبو عوانة بفتح العين الوضاح اليشكري والأسود ابن قيس أخو علي بن قيس البجلي الكوفي وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان البجلي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي نعيم عن الثوري وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وقتيبة كلاهما عن أبي عوانة وعن أبي بكر وإسحاق كلاهما عن ابن عيينة وأخرجه الترمذي في التفسير وفي الشمائل عن ابن أبي عمر عن ابن عيينة وفي الشمائل عن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن قتيبة به وعن عمرو بن منصور
قوله المشاهد أي المغازي وسميت بها لأنها مكان الشهادة قوله وقد دميت أصبعه يقال دمي الشيء يدمى دما ودميا فهو دم مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق والمعنى أن إصبعه جرحت فظهر منها الدمقوله هل أنت معناه ما أنت إلا إصبع دميت قال النووي الرواية المعروفة كسر التاء وسكنها بعضهم والإصبع فيها عشر لغات تثليث الهمزة مع تثليث الباء والعاشرة أصبوع قوله دميت بفتح الدال صفة للإصبغ والمستثنى فيه أعم عام الصفة أي ما أنت يا إصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميت كأنها لما توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة تسليا لها أي تثبتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميت ولم يكن ذلك أيضا هدرا بل كان في سبيل الله ورضاه قيل كان ذلك في غزوة أحد وفي ( صحيح مسلم ) كان النبي في غار فنكبت أصبعه وقال القاضي عياض قال أبو الوليد لعله غازيا فتصحف كما قال في الرواية الأخرى في بعض المشاهد وكما جاء في رواية البخاري يمشي إذا أصابه حجر فقال القاضي قد يراد بالغار الجمع والجيش لا الكهف ومنه قول علي رضي الله تعالى عنه ما ظنك بامرىء جمع بين هذين الغارين أي العسكرين قال الكرماني ( فإن قلت ) هذا شعر وقد نفى الله تعالى عنه أن يكون شاعر أفلت أجابوا عنه بوجوه بأنه رجز والرجز ليس بشعر كما هو مذهب الأخفش وإنما يقال لصانعه فلان الراجز ولا يقال الشاعر إذ الشعر لا يكون إلا بيتا تاما مقفى على أحد أنواع العروض المشهورة وبأن الشعر لا بد فيه من قصد ذلك فما لم يكن مصدره عن نية له وروية فيه وإنما هو على اتفاق كلام يقع موزونا بلا قصد إليه ليس منه كقوله وجفان كالجواب وقدور راسيات ( سبإ 31 ) وكما يحكى عن السؤال اختموا صلاتكم بالدعاء والصدقة وعن بعض المرضى وهو يعالج الكي ويتضور إذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى وبأن البيت الواحد لا يسمى شعرا وقال بعضهم وما علمناه الشعر ( يس 96 ) هو رد على الكفار المشركين في قولهم بل هو شاعر وما يقع على سبيل الندرة لا يلزمه هذا الإسم إنما الشاعر هو الذي ينشد الشعر ويشبب ويمدح ويذم ويتصرف في الأفانين وقد برأ الله تعالى رسوله عن ذلك وصان قدره عنه فالحاصل أن المنفي هو صنعة الشاعرية لا غير وفي ( التوضيح ) هل أنت إلا اصبع إلى آخره رجز موزون وقد يقع على لسانه مقدار البيت من الشعر أو البيتين من الرجز كقوله
( أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب )

(14/99)


فلو كان هذا شعرا لكان خلاف قوله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له ( يس 96 ) والله يتعالى أن يقع شيء من خبره أن يوجد على خلاف ما أخبر به ووقوع الكلام الموزون في النادر من غير قصد ليس بشعر لأن ذلك غير ممتنع على أحد من العامة والباعة أن يقع له كلام موزون فلا يكون بذلك شاعرا مثل قولهم
( إسقني في الكوز ماء يا فلان
واسرج البغل وجئني بالطعام )
فهذا القدر ليس بشعر والرجز ليس بشعر قاله القاضي أبو بكر بن الطيب وغيره وقال ابن التين هذا الشعر لابن رواحة وفيه نظر وقيل لما دعا النبي للوليد بن الوليد باع ماله بالطائف وهاجر على رجليه إلى المدينة فقدمها وقد تقطعت رجلان وأصابعه فقال
( هل أنت إلا اصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت )
( يا نفس إن لا تقتلي تموتي )
ومات في زمن النبي قلت الوليد هذا أخو خالد بن الوليد سيف الله وقال أبو عمر قال مصعب شهد مع رسول الله عمرة القضية وكتب إلى أخيه خالد وكان خالد خرج من مكة فأرا لئلا يرى رسول الله وأصحابه بمكة كراهية للإسلام وأهله فسأل رسول الله الوليد وقال لو أتانا خالد لأكرمناه وما مثله سقط عليه الإسلام في غفلة فكتب بذلك الوليد إلى أخيه خالد فوقع الإسلام في قلب خالد وكان سبب هجرته
01 -
( باب من يجرح في سبيل الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان فضل من يجرح في سبيل الله ويجرح على صيغة المجهول من المضارع
3082 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك
( انظر الحديث 732 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله لا يكلم أحد إلى آخره لأن الكلم هو الجرخ على ما نذكره
وهذا الإسناد بعينه قد مر غير مرة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء ولكن بغير هذا الوجه والمعنى واحد
قوله لا يكلم على صيغة المجهول من الكلم وهو الجرح قوله في سبيل الله يريد به الجهاد ويدخل فيه كل من جرح في ذات الله وكل ما دافع فيه المرء بحق فأصيب فهو مجاهد قوله والله أعلم بمن يكلم في سبيله جملة معترضة أشار بها إلى التنبيه على شرطية الإخلاص في نيل هذا الثواب قوله واللون الواو فيه للحال وكذا في قوله والريح
وفيه أن الشهيد يبعث في حالته وهيئته التي قبض عليها والحكمة فيه أن يكون معه شاهد فضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى وفيه أن الشهيد يدفن بدمائه وثيابه ولا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره ليجيء يوم القيامة كما وصف النبي وقال بعضهم فيه نظر لأنه لا يلزم من غسل الدم في الدنيا أن لا يبعث كذلك قلت في نظره نظر لأن أحدا ما ادعى الملازمة بل المراد أن لا تتغير هيئته التي مات عليها وفيه دلالة أن الشيء إذا حال عن حالة إلى غيرها كان الحكم إلى الذي حال إليه ومنه الماء تحل به نجاسة فغيرت أحد أوصافه يخرجه عن الماء المطلق ومنه إذا استحالت الخمر إلى الخل أو بالعكس
11 -
( باب قول الله تعالى قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( التوبة 25 ) )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى لأن فيه معنى الحرب سجال لأن المراد من إحدى الحسنيين إما الشهادة أو الظفر بالكفار قاله ابن عباس ومجاهد وقادة وآخرون وذلك أنا إذا قابلنا الكفار ووقع بيننا وبينهم حروب فإن غلبنا وظفرنا بهم تكون لنا الغنيمة والأجر وإن كان عكسه تكون لنا الشهادة وهذا بعينه كون الحرب سجالا قوله قل هل تربصون ( التوبة 25 ) أي قل يا محمد هل تنتظرون بنا إلا إحدى الحسنيين وهما الظفر أو الشهادة

(14/100)


والحرب سجال
مناسبته للآية ظاهرة لأنها تتضمن معناه كما ذكرناه وسجال بكسر السين يعني تارة لنا وتارة علينا ففي غلبتنا يكون الفتح وفي غلبتهم تكون الشهادة وهذا مطابق لمعنى الآية وكل فتح يقع إلى يوم القيامة أو غنيمة فإنه من إحدى الحسنيين وكل قتيل يقتل في سبيل الله إلى يوم القيامة فهو من إحدى الحسنيين وإنما يبتلي الله الأنبياء عليهم السلام ليعظم لهم الأجر والثواب ولمن معهم ولئلا تخرق العادة الجارية بين الخلق ولو أراد الله خرقها لأهلك الكفار كلهم بغير حرب والسجال جمع سجل في الأصل وهو الدلو إذا كان ملآن ماء ولا تكون الفارغة سجلا وسجال هنا من المساجلة وهي المناولة في الأمر وهو أن يفعل كل من المتساجلين مثل صاحبه فتارة له وتارة لصاحبه
4082 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن ( أبا سفيان ) أخبره أن هرقل قال له سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة
مطابقته للترجمة في قوله فزعمت أن الحرب بينكم سجال وقد ذكرنا أن في معنى إحدى الحسنيين معنى الحرب سجال وكل واحد منهما يتضمن معنى الآخر فتحصل المطابقة ولا يحتاج ههنا إلى تطويل الشراح الذي يشوش على ذهن الناظر فيه وهذا الذي ذكره قطعة من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد مر في أول الكتاب مطولا ومر الكلام فيه مبسوطا قوله ودول جمع دولة ومعناه رجوع الشيء إليك مرة وإلى صاحبك أخرى تتداولانه وقال أبو عمر وهي بالفتح الظفر في الحرب وبالضم ما يتداوله الناس من المال وعن الكسائي بالضم مثل العارية يقال اتخذوه دولة يتداولونه وبالفتح من دال عليهم الدهر دولة ودالت الحرب بهم وقيل الدولة بالضم الإسم وبالفتح المصدر وقال القزاز العرب تقول الأيام دول ودول ودول ثلاث لغات وفي ( الباهر ) لابن عديس عن الأحمر جاء بالدولة والتؤلة تهمز ولا تهمز وفي ( البارع ) عن أبي زيد دولة بفتح الدال وسكون الواو و دول بفتح الدال والواو وبعض العرب يقول دول قوله فكذلك تبتلى أي تختبر قوله ثم تكون لهم العاقبة عاقبة الشيء آخر أمره
21 -
( باب قول الله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ( الأحزاب 32 ) )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل وإنما ذكر هذه الآية لأن المذكور في الحديث رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا والآية المذكورة نزلت فيهم على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى قوله من المؤمنين رجال ( الأحزاب 32 ) جملة إسمية من المبتدأ أعني رجال والخبر أعني من المؤمينين وذكر الواحدي من حديث إسماعيل بن يحيى البغدادي عن أبي سنان عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال قالوا له حدثنا عن طلحة فقال ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ( الأحزاب 32 ) طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل ومن حديث عيسى بن طلحة أن النبي مر عليه طلحة فقال هذا ممن قضى نحبه وقال مقاتل في تفسيره رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الأحزاب 32 ) ليلة العقبة بمكة فمنهم من قضى نحبه ( الأحزاب 32 ) يعني أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه رضي الله تعالى عنهم المقتولين بأحد ومنهم من ينتظر يعني من المؤمنين من ينتظر أجله يعني على الوفاء بالعهد وما بدلوا ( الأحزاب 32 ) كما بدل المنافقون وفي ( تفسير النفسي ) والنحب يأتي على وجوه النذر أي قضى نذره والخطر إي فرغ من خطر الحياة لأن الحي على خطر ما عاش والسير السريع أي سار بسرعة إلى أجله والنوبة أي قضى نوبته و النفس أي فرغ من أنفاسه والنصب أي فرغ من نصب العيش وجهده وهذا كله يعود إلى معاني الموت وانقضاء

(14/101)


الحياة وقال الزمخشري قضاء النحب عبارة عن الموت لأن كل حي لا بد له أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره
5082 - حدثنا ( محمد بن سعيد الخزاعي ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) عن ( حميد ) قال سألت ( أنسا ) حدثنا ( عمرو بن زرارة ) قال حدثنا ( زياد ) قال حدثني ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال غاب عمي أنس ابن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال أللهم إني أعتذر إليك مما صنع هاؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هاؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا اخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هاذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى آخر الآية وقال إن أخته وهي تسمى الربيع كسرت ثنية امرأة فأمر رسول الله بالقصاص فقال أنس يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فرضوا بالأرش وتركوا القصاص فقال رسول الله إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره
مطابقته للآية التي هي ترجمة من حيث إنها نزلت في المذكورين فيه وهو ظاهر
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد ابن سعيد بن الوليد أبو بكر الخزاعي بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين الثاني عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة الثالث حميد الطويل الرابع عمرو بن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف ابن واقد الهلالي الخامس زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن عبد الله العامري البكائي بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف وبالهمزة بعد الألف قال ابن معين لا بأس به في المغازي خاصة مات سنة ثلاث وثمانين ومائة السادس أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السؤال وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه محمد بن سعيد يلقب بمردويه وأنه من أفراده وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في غزوة خيبر وهو ومحمد بن سعيد وحميد وعبد الأعلى بصريون وزياد كوفي وعمرو بن زرارة نيسابوري وفيه أن زيادا لم يذكر منسوبا في أكثر الروايات وهو صاحب ابن إسحاق وراوي المغازي عنه وليس له ذكر في البخاري غير هذا الموضع وفيه طريقان الأول فيه رواية عبد الأعلى بتصريح حميد له بالسماع من أنس فأمن من التدليس الثاني فيه سياق الحديث والحديث رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس قال أنس غاب عمي الذي سميت به لم يشهد مع رسول الله بدرا قال فشق عليه قال أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه وإن أراني الله مشهدا بعد مع رسول الله ليريني الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها قال فشهد مع رسول الله

(14/102)


يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس يا أبا عمرو أين واها لريح الجنة أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل قال فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه ونزلت هذه الآية رجال صدقوا ( الأحزاب 32 ) الآية قال وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه
وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا
ذكر معناه قوله غاب عمي أنس بن النضر قد مر في رواية مسلم قال أنس غاب عمي الذي سميت به والنضر بالنون والضاد المعجمة قوله أول قتال لأن غزوة بدر هي أول غزوة غزا فيها رسول الله بنفسه وهي في السنة الثانية من الهجرة قوله لئن الله أشهدني أي أحضرني واللام في لئن مفتوحة دخلت على أن الشرطية لا جزاء له لفظا وحذف فعل الشرط فيه من الواجبات والتقدير لئن أشهدني الله قوله قتال المشركين منصوب بقوله أشهدني قوله ليرين الله جواب القسم المقدر لأن اللام للقسم ونون التأكيد فيه ثقيلة وما قبلها مفتوحة وفي رواية مسلم ليريني الله كما مر وفي رواية ليراني الله بالألف وفي ( التلويج ) وضبط أيضا بضم الياء وكسر الراء ومعناه ليرين الله الناس ما أصنع ويبرزه لهم وقال القرطبي كأنه ألزم نفسه إلزاما مؤكدا ولم يظهره مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك ويؤيده ما في مسلم فهاب أن يقول غيره ولذلك سماه الله عهدا بقوله صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الأحزاب 32 ) وفي رواية الترمذي كرواية البخاري قوله ما أصنع قال بعضهم أعربه النووي بدلا من ضمير المتكلم قلت هذا لا يصح إلا في رواية مسلم وأما في رواية البخاري فهو منصوب على المفعولية وهذا القائل لم يميز بين الروايتين في الإعراب فربما يضان الناظر في رواية البخاري أن ما قاله النووي فيها وليس ذلك إلا في رواية مسلم فافهم قوله وانكشف المسلمون وفي رواية الإسماعيلي وانهزم الناس قوله أعتذر أي من فرار المسلمين قوله وأبرأ أي عن قتال المشركين مع رسول الله قوله فاستقبله أي فاستقبل أنس بن النضر سعد بن معاذ سيد الأوس وكان ثبت مع رسول الله يوم أحد قوله الجنة بالنصب أي أريد الجنة وبالرفع على تقدير هي مطلوبي قوله ورب النضر أراد به والده النضر قيل يحتمل أن يريد به ابنه فإنه كان له ابن يسمى النضر وكان إذ ذاك صغيرا وفي رواية عبد الوهاب فوالله وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد عند الحارث ابن أبي أسامة عنه والذي نفسي بيده قوله ريحها أي ريح الجنة قوله من دون أحد أي عند أحد قال ابن بطال وغيره يحتمل أن يكون على الحقيقة وأنه وجد ريح الجنة حقيقة أو وجد ريحا طيبة ذكره طيبها بطيب الجنة ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه فيكون المعنى إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع فاشتاق لها قوله قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال ابن بطال يريد ما استطعت أن أصف ما صنع من كثرة ما أبلى في المشركين قوله فوجدنا به وفي رواية عبد الله بن بكر قال أنس فوجدناه بين القتلى وبه قوله أو طعنة كلمة أو في الموضعين للتنويع قوله وقد مثل بتشديد الثاء المثلثة من المثلة وهو قطع الأعضاء من أنف وأذن وغيرهما قوله ببنانه البنان الإصبع وقيل طرف الإصبع وهو الأشهر ووقع في رواية محمد بن طلحة بالشك ببنانه أو بشامته بالشين المعجمة والأولى أكثر والثانية أوجه قوله كنا نرى بضم النون وفتح الراء قوله أو نظن من الراوي وهما بمعنى واحد وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد فكنا نقول وفي رواية أحمد بن سنان عن يزيد فكانوا يقولون والتردد فيه من حميد ووقع في رواية ثابت وأنزلت هذه الآية بالجزم دون الشك قوله وقال إن أخته أي أخت أنس بن النضر وهي عمة أنس بن مالك قوله الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وقصة الربيع هذه مضت في كتاب الصلح في باب الصلح في الدية قوله لأبره أي لأبر قسمه وهو ضد الحنث
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها وإن طلب الشهادة لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين

(14/103)


7082 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان أراه ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( خارجة بن زيد ) أن ( زيد بن ثابت ) رضي الله تعالى عنه قال نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله شهادته شهادة رجلين وهو قوله من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الأحزاب 32 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين الأول عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري وهذا السند بعينه قد مر غير مرة والثاني عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق ضد الجديد عن ابن شهاب هو الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي اليمان عن شعيب وفي فضائل القرآن عن موسى بن إسماعيل وأخرجه الترمذي في التفسير عن بندار عن ابن مهدي وأخرجه النسائي فيه عن الهيثم بن أيوب
قوله نسخت الصحف في المصاحف الصحف بضمتين جمع صحيفة والصحيفة قطعة قرطاس مكتوب والمصحف الكراسة وحقيتها مجمع الصحف قوله فلم أجدها إلا مع خزيمة لم يرد أن حفظها قد ذهب عن جميع الناس فلم يكن عندهم لأن زيد بن ثابت قد حفظها ولهذا قال كنت أسمع رسول الله يقرؤها فإن قلت كيف جاز إثبات الآية في المصحف بقول واحد أو اثنين وشرط كونه قرانا التواتر قلت كان متواترا عندهم ولهذا قال كنت أسمع رسول الله قوله يقرأ بها لكنه لم يجدها مكتوبة في المصحف إلا عند خزيمة ويقال التواتر وعدمه إنما يتصور أن فيما بعد أصحابه لأنهم إذا سمعوا من الرسول أنه قرآن علموا قطعا قرآنيته قلت روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال أشهد لسمعتها من رسول الله وقد روي عن أبي بن كعب وهلال بن أمية مثله فهؤلاء جماعة وخزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عنان بن عامر ابن خطمة واسمه عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس أبو عمارة الخطمي الأنصاري يعرف بذي الشهادتين كانت معه راية بني خطمة يوم الفتح شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وكان مع علي رضي الله تعالى عنه بصفين فلما قتل عمار جرد سيفه فقاتل حتى قتل وكانت صفين سنة سبع وثلاثين وقال أبو عمر لما قتل عمار بصفين قال خزيمة سمعت رسول الله يقول تقتل عمارا الفئة الباغية
وسبب كون شهادته بشهادتين أنه كلم رجلا في شيء فأنكره فقال خزيمة أنا أشهد فقال أتشهد ولم تستشهد فقال نحن نصدقك على خبر السماء فكيف بهذا فأمضى شهادته وجعلها بشهادتين وقال له لا تعد وهذا من خصائصه رضي الله تعالى عنه
31 -
( باب عمل صالح قبل القتال )
أي هذا باب في بيان تقديم عمل صالح قبل القتال هذا على تقدير إضافة الباب إلى عمل ويجوز قطعه عن الإضافة ويكون التقدير هذا باب يذكر فيه عمل صالح قبل القتال يعني كون عمل صالح قبله
وقال أبو الدرداء إنما تقاتلون بأعمالكم
أبو الدرداء اسمه عويمر بن مالك الخزرجي الأنصاري وروى الدينوري هذا التعليق من طريق أبي إسحاق الفزاري عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد أن أبا الدرداء قال أيها الناس عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم أي متلبسين بأعمالكم فإن قلت ما وجه تقسيم البخاري هذا حيث جعل الشطر الأول ترجمة والشطر الثاني أصلا معلقا قلت نظر البخاري في هذا دقيق وذلك أنه لما علم انقطاع الطريق في الشطر الأول بين ربيعة بن يزيد وأبي الدرداء جعله ترجمة وعلم

(14/104)


اتصال الطريق في الشطر الثاني وعزاه إلى أبي الدرداء بالجزمم فإن قلت ما وجه الاتصال قلت روى عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن ابن حلبس عن أبي الدرداء قال إنما تقاتلون بأعمالكم فاقتصر على هذا المقدار بفتح الحاء المهملة وسكون اللام وفتح الباء وفي آخره سين مهملة وقال ابن ماكولا يزيد بن ميسرة بن حلبس يروي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء وأخوه يونس بن ميسرة بن حلبس يروي عن معاوية ابن أبي سفيان وأبي إدريس الخولاني وغيرهما وأخوهما أيوب بن ميسرة بن حلبس
وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ( الصف 2 - 4 )
وقوله تعالى يجوز بالرفع والجر بحسب عطفه على قوله عمل صالح قبل القتال قيل لا مناسبة بين الترجمة والآية ورد بأنها موجودة من حيث إن الله عاتب من قال بما لا يفعل وأثنى على من وفى وثبت عند القتال والثبات عنده من أصلح الأعمال وقال الكرماني والمقصود من ذكر هذه الآية ذكر صفا أي صافين أنفسهم أو مصفوفين إذ هو عمل صالح قبل القتال وقيل يجوز أن يراد استواء بنيانهم في البناء حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان وقيل مفهومه مدح الذين قالوا وعزموا وقاتلوا والقول فيه والعزم عملان صالحان قوله يا أيها الذين ( الصف 2 - 4 ) إلى آخره قال مقاتل في ( تفسيره ) قوله يا أيها الذين آمنوا ( الصف 2 - 4 ) إلى آخره يعظهم بذلك وذلك أن المؤمنين قالوا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا فأنزل الله تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله ( الصف 2 - 4 ) يعني في طاعته صفا كأنهم بنيان مرصوص ( الصف 2 - 4 ) فأخبر الله تعالى بأحب الأعمال إليه بعد الإيمان فكرهوا القتل فوعظهم الله وأدبهم فقال لم تقولون ما لا تفعلون ( الصف 2 - 4 ) وفي ( تفسير النسفي ) قيل إن الرجل كان يجيء إلى النبي فيقول فعلت كذا وكذا وما فعل فنزلت لم تقولون ما لا تفعلون ( الصف 2 - 4 ) وقال الضحاك كان الرجل يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر فنزلت هذه الآية وقال ابن عباس كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون وددنا لو أن الله تعالى دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبرهم الله تعالى أن أفضل الأعمال الجهاد وكره ذلك ناس منهم وشق عليهم الجهاد وتباطؤا عنه فنزلت هذه الآية وقال ابن زيد نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر ويقولون لو خرجتم خرجنا معكم ونصرناكم فلما خرج النبي نكصوا عنه فنزلت هذه الآية قوله لم هي لام الإضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك بم وفيم وعم وإلام وعلام وإنما حذفت الألف لأن ما والحرف كشيء واحد ووقع استعمالها كثيرا في كلام المستفهم وقال الحسن إنما بدأهم بالإيمان تهكما بهم لأن الآية نزلت في المنافقين وبإيمانهم قوله كبر مقتا هذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه قصد في كبر التعجب من غير لفظه ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله وأسند كبر إلى أن تقولوا ونصب مقتا على تفسيره دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه قوله صفا أي صافين أنفسهم أو مصفوفين قوله مرصوص أي كأنهم في تراصهم من غير فرجة بنيان رص بعضه إلى بعض
8082 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال حدثنا ( شبابة بن سوار الفزاري ) قال حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) رضي الله تعالى عنه يقول أتى النبي رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل واسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله عمل قليلا وأجر كثيرا
مطابقته للترجمة في قوله أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل وقد أتى بالعمل الصالح بل بأفضل الأعمال وأقواها صلاحا وهو الإسلام ثم قاتل بعد أن أسلم ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة
وهو من أفراد البخاري وشبابة بفتح

(14/105)


الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى ابن سوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو بعد الألف راء الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وقد مر في كتاب الحيض وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وإسرائيل هذا يروي هنا عن جده أبي إسحاق والحديث من أفراده
قوله رجل قال الكرماني قيل اسمه الأصرم بالمهملة عمرو بن ثابت الأشهلي وحاله من الغرائب لأنه دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة قط قلت قال الذهبي في باب الألف أصرم ويقال أصيرم بن ثابت بن وقش الأشهلي استشهد يوم أحد وقال في باب العين عمرو بن ثابت بن وقش الأوسي الأشهلي ابن عم عباد بن بشر استشهد بأحد وقال أبو عمر وفي باب الهمزة أصرم الشقري كان في النفر الذين أتوا رسول الله من بني شقرة فقال له ما اسمك فقال أصرم فقال أنت زرعة وقال في باب العين عمرو بن ثابت بن وقش بن رغبة بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي استشهد يوم أحد وهو الذي قيل إنه دخل الجنة ولم يصل لله سجدة فيما ذكره الطبري وفيه نظر قوله مقنع على صيغة المفعول أي منشى بالحديد قوله وأجر على صيغة المجهول
وفيه أن الله تعالى يعطي الثواب الجزيل على العمل اليسير تفضلا منه على عباده فاستحق بهذا نعيم الأبد في الجنة بإسلامه وإن كان عمله قليلا لأنه اعتقد أنه لو عاش لكن مؤمنا طول حياته فنفعته نيته وإن كان قد تقدمها قليل من العمل وكذلك الكافر إذا مات ساعة كفره يجب عليه التخليد في النار لأنه انضاف إلى كفره اعتقاد أنه يكون كافرا طول حياته لأن الأعمال بالنيات
41 -
( باب من أتاه سهم غرب فقتله )
أي هذا باب في ذكر من أتاه سهم غرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفي آخره باء موحدة وهو إما صفة لسهم أو مضاف إليه ففيه أربعة أوجه قاله الكرماني وسكت عليه وقال ابن الجوزي روى لنا سهم بالتنوين وغرب بتسكين الراء مع التنوين وقال ابن قتيبة كذا تقوله العامة والأجود سهم غرب بفتح الراء وإضافة الغرب إلى السهم وقال ابن السكيت يقال أصابه سهم غرب إذا لم يدر من أي جهة رمى به وقد روى عن أبي زيد إن جاء من حيث لا يعرف فهو سهم غرب بسكون الراء فإن رمى به إنسان فأصاب غيره فهو غرب بفتح الراء وذكره الأزهري بفتح الراء لا غير وقال ابن سيده يقال أصابه سهم غرب وغرب إذا كان لا يدري من رماه وفي ( المنتهى ) سهم غرب وغرب بتسكين الراء وفتحها يضاف ولا يضاف إذا أصابه سهم لا يعرف من رماه ومثله سهم عرض فإن عرف فليس بغرب ولا عرض وبنحوه ذكر القزاز وابن دريد فعلى هذا لا يقال في السهم الذي أصاب حارثة غرب لأن راميه قد عرف والله أعلم
9082 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) قال حدثنا ( حسين بن محمد أبو أحمد ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( قتادة ) قال حدثنا ( أنس بن مالك ) أن أم ( الربيع بن البراء وهي ) أم ( حارثة بن سراقة ) أتت النبي فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذالك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الله قال الكرماني نسبه البخاري إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي بضم الذال المعجمة قلت كذا جزم به الكلاباذي ووقع في رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن عبد الله ابن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء قلت كلاهما من أفراد البخاري وحسين بن محمد ابن بهرام التميمي المروزي سكن بغداد ومات سنة أربع عشرة ومائتين وشيبان بفتح الشين المعجمة أبو معاوية النحوي وقد مر

(14/106)


ذكر معناه قوله إن أم الربيع بنت البراء كذا وقع لجميع رواة البخاري وهذا وهم نبه عليه غير واحد آخرهم الحافظ الدمياطي والصواب أنها أم حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي ابن النجار والربيع بنت النضر أخت أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي وهي عمة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم وهي التي كسرت ثنية امرأة وقد مر بيانه قوله وهي أم حارثة بن سراقة وهذا هو المعتمد عليه وقد روى الترمذي وابن خزيمة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فقال أنس إن الربيع بنت النضر أتت النبي وكان ابنها حارثة بن سراقة أصيب يوم بدر الحديث وقال ابن الأثير في ( جامع الأصول ) الذي وقع في كتب النسب والمغازي وأسماء الصحابة أن أم حارثة هي الربيع بنت النضر عمة أنس رضي الله تعالى عنه قلت وكذا بينه الإسماعيلي في ( مستخرجه ) وأبو نعيم وغيرهما وحارثة هو الذي قال له رسول الله كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنا بالله حقا الحديث وفيه يا رسول الله أدع لي بالشهادة فجاء يوم بدر ليشرب من الحوض فرماه حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن عرقة بفتح العين المهملة وكسر الراء لابعدها قاف بسهم فأصاب حنجرته فقتله وقال أبو موسى المديني وكان خرج نظارا وهو غلام وقول ابن منده شهد بدرا واستشهد بأحد رد عليه وقد تصدى الكرماني للجواب عن قول من قال بالوهم فقال لا وهم للبخاري إذ ليس في رواية النسفي إلا هكذا قال أنس إن أم حارثة ابن سراقة أتت النبي وهو ظاهر وكأنه كان في رواية الفربري حاشية غير صحيحة لبعض الرواة فألحقت بالمتن ثم إنه على تقدير وجوده وصحته عن البخاري يحتمل إحتمالات أن يكون للربيع ولد يسمى بالربيع بالتخفيف من زوج آخر غير سراقة اسمه البراء وأن تكون بنت البراء خبرا لأن وضمير هي راجع إلى الربيع وأن تكون بنت صفة لأم الربيع وهي المخاطبة لرسول الله فاطلق الأم على الجدة تجوزا وإن تكون إضافة الأم إلى الربيع للبيان أي الأم التي هي الربيع وبنت مصحف من عمه إذ الربيع هي عمة البراء بن مالك وارتكاب بعض هذه التكلفات أولى من تخطئة العدول الثقات انتهى قلت هذه تعسفات والأنساب ما تعرف بالاحتمالات والعدول الثقات غير معصومين من الخطأ ودعوى الأولوية غير صحيحة قوله اجتهدت عليه في البكاء قال الخطابي أقرها النبي على هذا يعني يؤخذ منه الجواز وأجيب بأن هذا كان قبل تحريم النوح فلا دلالة فإن تحريمه كان عقيب غزوة أحد وهذه القصة كانت عقيب غزوة بدر ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة اجتهدت في الدعاء بدل قوله في البكاء وهو خطأ وفي رواية حميد الآتية في صفة الجنة من الرقاق فإن كان في الجنة فلم أبك عليه قوله إنها جنان في الجنة كذا هنا وفي رواية سعيد بن أبي عروبة إنها جنان في جنة وفي رواية أبان عند أحمد إنها جنان كثيرة في جنة وفي رواية حميد إنها جنان كثيرة فقط والضمير في إنها ضمير مبهم يفسره ما بعده كقولهم هي العرب تقول ما تشاء ولما قال رسول الله لأمه ما قال رجعت وهي تضحك وتقول بخ بخ لك يا حارثة وهو أول من قتل من الأنصار يوم بدر وعن أبي نعيم كان كثير البر بأمه قال دخلت الجنة فرأيت حارثة لذلك البر قيل فيه نظر لأن المقتول فيه هذا هو حارثة بن النعمان كما بينه أحمد في مسنده قوله الفردوس هو البستان الذي يجمع ما في البساتين من شجر وزهر ونبات وقيل هو رومية معربة والجنة البستان ويقال هي النخل الطوال وقال الأزهري كل شجر متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة مشتق من جننته إذا سترته
51 -
( باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا )
أي هذا باب في بيان فضل من قاتل إلى آخره
0182 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) عن ( أبي وائل ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل

(14/107)


للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
مطابقته للترجمة في قوله من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
وعمرو هو ابن مرة وأبو وائل هو شقيق ابن سلمة وأبو موسى اسمه عبد الله بن قيس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الخمس عن محمد بن كثير وفي العلم عن عثمان بن أبي شيبة والحديث مضى في كتاب العلم في باب من سأل وهو قائم عالما جالسا وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله جاء رجل في رواية غندر جاء أعرابي قيل هذا يدل على وهم ما وقع عند الطبراني من وجه آخر عن أبي موسى أنه قال يا رسول الله فذكره فإن أبا موسى وإن جاز أن يبهم نفسه لكن لا يصفها بكونه أعرابيا وقيل إن هذا الأعرابي يصلح أن يفسر بلاحق بن ضميرة وحديثه عند أبي موسى المديني في الصحابة من طريق عفير بن معدان سمعت لاحق ابن ضميرة الباهلي قال وفدت على النبي فسألته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له الحديث وفي إسناده ضعف قوله للذكر أي بين الناس يعني الشهرة قوله ليرى على صيغة المجهول قوله مكانه أي مرتبته في الشجاعة قوله كلمة الله أي التوحيد فهو المقاتل في سبيل الله لا طالب الغنيمة والشهرة ولا مظهر الشيء عنه
61 -
( باب من اغبرت قدماه في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل من اغبرت قدماه واغبرار القدمين عبارة عن الاقتحام في المعارك لقتال الكفار ولا شك أن الغبار يثور في المعركة حال مصادمة الرجال ويعم سائر الأعضاء ولكن تخصيص القدمين بالذكر لكونهما عمدة في سائر الحركات
وقول الله تعالى ما كان لأهل المدينة إلى قوله إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( التوبة 021 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله من اغبرت أي وفي بيان قول الله عز و جل ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطأ يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين وقال ابن بطال مناسبة الآية للترجمة أنه سبحانه وتعالى قال في الآية ) ولا يطأون موطأ يغيظ الكفار ( التوبة 021 ) وفي الآية إلا كتب لهم به عمل صالح ( التوبة 021 ) قال فسر النبي العمل الصالح أن النار لا تمس من عمل بذلك قال والمراد بسبيل الله جميع طاعاته وقيل مطابقة الآية من جهة أن الله أثابهم بخطواتهم وإن لم يباشروا قتالا وكذلك دل الحديث على أن من اغبرت قدمه في سبيل الله حرمه الله على النار سواء باشر قتالا أم لا وفي ( تفسير ابن كثير ) عاتب الله تعالى المتخلفين عن رسول الله في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ونفى رغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل من المشقة فإنهم نقصوا أنفسهم من الأجر لأنه لا يصيبهم ظمأ وهو العطش ولا نصب وهو التعب ولا مخمصة وهي المجاعة ولا يطأن موطئا يغيظ الكفار أي لا ينزلون منزلا يرهب عدوهم ولا ينالون منه ظفرا وغلبة عليه إلا كتب الله لهم بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالا صالحة وثوابا جزيلا إن الله لا يضيع أجر المحسنين كما قال تعالى إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( الكهف 03 ) وفي تفسير الثعلبي ظاهر قوله ما كان لأهل المدينة ( الكهف 03 ) خبر ومعناه أمر والأعراب سكان البوادي مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار أن يتخلفوا عن رسول الله إذا غزا وقال ابن عباس كتب لهم بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعين ألف حسنة وقال قتادة هذا خاص بالنبي إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر فأما غيره من الأئمة والولاة فمن شاء أن يتخلف تخلف وقال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي وابن المبارك والفزاري وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية إنها لأول هذه الأمة وآخرها وقال ابن زيد كان هذا وأهل الإسلام قليل فلما كثروا نسخها الله عز و جل وأباح التخلف لمن شاء فقال

(14/108)


وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقال النحاس ذهب غيره أنه ليس هنا ناسخ ولا منسوخ وأن الآية الأولى توجب إذا نفر النبي أو احتيج إلى المسلمين واستنفروا لم يسع أحد التخلف وإذا بعث النبي سرية خلفت طائفة
1182 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( محمد بن المبارك ) قال حدثنا ( يحيى ابن حمزة ) قال حدثني ( يزيد بن أبي مريم ) قال أخبرنا ( عباية بن رافع بن خديج ) قال أخبرني ( أبو عبس ) هو ( عبد الرحمان بن جبر ) أن رسول الله قال ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار
( انظر الحديث 709 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث في كتاب صلاة الجمعة في باب المشي إلى الجمعة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم عن عبابة بن رفاعة قال أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال سمعت النبي يقول من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار وأبو عبس كنية عبد الرحمن ابن جبر بن عمرو بن زيد الأنصاري وقد مر الكلام فيه هناك وإسحاق هو ابن منصور قال الجياني نسبه الأصيلي إلى ابن منصور ويزيد بالياء آخر الحروف وعباية بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة ورفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء ابن رافع بالفاء وبالعين المهملة وأبو عبس بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة وجبر بفتح الجيم وسكون البارء الموحدة قوله من اغبرت كذا هو على الأصل في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي ما اغبرتا وهي لغة
71 -
( باب مسح الغبار عن الناس في السبيل )
أي هذا باب في بيان عدم كراهة مسح الغبار عن رأس الناس حال كونه في سبيل الله نحو الجهاد وغيره من أبواب الطاعة ووقع في بعض النسخ عن الناس قيل هذا تصحيف والصواب عن الرأس قلت لا وجه لدعوى التصحيف لأنه إذا كره مسح الغبار عن رأس من كان في سبيل الله فكذلك في مسحه عن غير الرأس
2182 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) أن ( ابن عباس ) قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيان فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين فمر به النبي ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار
( انظر الحديث 344 )
مطابقته للترجمة في قوله ومسح عن رأسه الغبار وإبراهيم بن موسى بن يزيد أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وخالد هو الحذاء
والحديث قد مر في كتاب الصلاة في باب التعاون في بناء المسجد قوله وهو وأخوه قال الحافظ الدمياطي لم يكن لأبي سعيد أخ بالنسب إلا قتادة بن النعمان الظفري فإنه كان أخاه لأمه وقتادة مات زمن عمر رضي الله تعالى عنه وكان عمر أبي سعيد أيام بناء المسجد عشر سنين أو دونها وقال الكرماني إن صح ذلك فالمراد به أخوه من الرضاعة ولا أقل من أخ في الإسلام إنما المؤمنون أخوة ( الحجرات 01 ) قلت بنى جوابه هذا على قوله إن صح ذلك ولم يصح ذلك فلا يصح الجواب قوله فاحتبى يقال احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته وقد يحتبي بيده قوله عن رأسه ويروى على رأسه وهو متعلق بالغبار أي الغبار الذي على رأسه قوله ويح كلمة رحمة منصوب بإضمار فعل قوله يدعوهم إلى الله قال ابن بطال يريد والله أعلم أهل مكة الذين أخرجوا عمارا من دياره وعذبوه في ذات الله قال ولا يمكن أن يتأول ذلك على المسلمين لأنهم أجابوا دعوة الله عز و جل وإنما يدعى إلى الله من

(14/109)


كان خارجا عن الإسلام قوله ويدعونه إلى النار تأكيد للأول لأن المشركين إذ ذاك طالبوه بالرجوع عن دينه قال فإن قيل فتنة عمار كانت في أول الإسلام وهنا قال يدعوهم بلفظ المستقبل وما قبله لفظ الماضي قيل له العرب تخبر بالفعل المستقبل عن الماضي إذا عرف المعنى كما تخبر بالماضي عن المستقبل فمعنى يدعوهم دعاهم إلى الله فأشار إلى ذكر هذا لما تطابقت شدته في نقله لبنتين شدته في صبره بمكة على العذاب تنبيها على فضيلته وثباته في أمر الله تعالى وقال الكرماني ويدعوهم أي في الزمان المستقبل وقد وقع ذلك يوم صفين معجزة لرسول الله حيث دعا الفئة الباغية إلى الحق وكانوا يدعونه إلى الباطل البغي انتهى قلت ظاهر الكلام يساعد الكرماني ولكن ابن بطال تأدب حيث لم يتعرض إلى ذكر صفين إبعادا لأهلها عن نسبة البغي إليهم والله أعلم
81 -
( باب الغسل بعد الحرب والغبار )
أي هذا باب في بيان ما جاء من غسل النبي بعد الفراغ من الحرب وبيان كون الغبار على رأس جبريل عليه الصلاة و السلام في تلك الحرب لأنه لما فرغ يوم الخندق من الحرب اغتسل وأتاه جبريل وعلى رأسه الغبار وأشار إليه أن يذهب إلى بني قريظة كما يجيء الآن بيانه في حديث الباب والترجمة المذكورة مشتملة على شيئين على الغسل وعلى الغبار فلا يتضح معناها إلا بما ذكرنا وبذلك يحصل التطابق أيضا بينها وبين حديث الباب
3182 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال وضعت السلاح فوالله ما وضعته فقال رسول الله فأين قال هاهنا وأومأ إلي بني قريظة قالت فخرج إليهم رسول الله
وجه المطابقة بين الترجمة والحديث قد مر الآن قوله محمد كذا وقع في رواية الأكثرين بغير نسبة وفي رواية أبي ذر حدثنا محمد بن سلام وعبدة ضد الحرة هو ابن سليمان والحديث من أفراده
قوله يوم الخندق هو خندق مدينة رسول الله حفره الصحابة لما تحزبت عليهم الأحزاب فيوم الخندق هو يوم الأحزاب قال مالك كانت غزوة الخندق في سنة أربع وقيل سنة خمس قوله وقد عصب رأسه بفتح العين والصاد المهملتين جملة حالية أي ركب رأسه الغبار وعلق به كالعصابة قوله بني قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتانية وبالظاء المعجمة قبيلة من اليهود وفيه قتال الملائكة بالسلاح ومصاحبتهم المجاهدين في سبيل الله تعالى وأنهم في عونهم ما استقاموا فإن خانوا فارقتهم يدل على ذلك قوله مع كل قاض ملكان يسددانه ما أقام الحق فإذا جاز تركاه والمجاهد حاكم بأمر الله في أعوانه وأصحابه
91 -
( باب فضل قول الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( آل عمران 971 - 181 ) )
أي هذا باب في بيان فضل من ورد فيه قول الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا ( آل عمران 971 - 181 ) الآية ولا بد من هذا التقدير لأن ظاهره غير مراد ولهذا حذف الإسماعيلي لفظ فضل من الترجمة ثم إن الآيتين ساقهما بتمامهما الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( آل عمران 971 - 181 ) إلى وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( آل عمران 971 - 181 ) واختلفوا في سبب نزول هذه الآيات فقال الإمام أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن إسحاق حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو

(14/110)


ابن سعيد عن أبي الزبير المكي عن ابن عباس قال قال رسول الله لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من أثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عز و جل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( آل عمران 971 ) وما بعدها ورواه أبو داود وابن جرير والحاكم في ( مستدركه ) وروى الحاكم أيضا في ( مستدركه ) من حديث أبي إسحاق الفزاري عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه ولا تحسبن الذين قتلوا ( آل عمران 971 ) الآية وكذا قال قتادة والربيع والضحاك وقال أبو بكر بن مردويه بإسناده عن علي بن عبد المديني عن موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشر بن الفاكه الأنصاري عن طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصمة الأنصاري قال سمعت جابر بن عبد الله قال نظر إلى رسول الله ذات يوم فقال يا جابر مالي أراك مهتما قال قلت يا رسول الله استشهد أبي وترك عليه دينا وعيالا قال ألا أخبرك ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا قال علي الكفاح المواجهة قال سلني أعطك قال أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز و جل إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال أي رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله عز و جل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( آل عمران 971 ) حتى أنفد الآية وقال ابن جرير حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة حدثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي الذين أرسلهم النبي إلى أهل بئر معونة الحديث مطولا وفي آخره قال إسحاق حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت بعد ما قرأناه زمانا وأنزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ( آل عمران 971 ) الآية وقال مقاتل نزلت في قتلى بدر وكانوا أربعة عشر شهيدا قوله فرحين بمعنى فارحين ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يرزقون وأن يكون صفة لأحياء قوله من فضله أي من رزقه قوله ويستبشرون عطف على فرحين من الاستبشار وهو السرور بالبشرة قوله بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ( آل عمران 081 ) أي يفرحون بإخوانهم الذين فارقوهم أحياء يرجون لهم الشهادة يقولون إن قتلوا نالوا ما نلنا من الفضل وقال السدي يؤتى الشهيد بكتاب فيه يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بقدوم غائبهم قوله أن لا خوف عليهم ( آل عمران 081 ) بدل من الذي يعني لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم ولا هم يحزنون ( آل عمران 081 ) على ما خلفوا من أموالهم وقيل لا خوف فيما يقدمون عليه ولا يحزنون على مفارقة الدنيا قوله يستبشرون كلام مستأنف كرر للتوكيد والنعمة فضل من الله لا أنه واجب عليه قوله وأن الله بالفتح عطفا على النعمة والفضل وبالكسر على الابتداء وعلى أن الجملة اعتراضية وهي قراءة الكسائي وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سواء الشهداء وغيرهم وقل ما ذكر الله فضلا ذكر به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثواب ما أعطاهم إلا ذكر ما أعطى المؤمنين من بعدهم
4182 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال دعا رسول الله على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه
مطابقته للترجمة من حيث إنها هي قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا ( آل عمران 971 ) إلى آخره نزلت في حق أصحاب بئر معونة كما ذكره ابن جرير أيضا وقد مر عن قريب وذكره البخاري هنا مختصرا وسيأتي في المغازي عن يحيى بن بكير بأتم منه وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى
قوله معونة بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو وبالنون

(14/111)


وهي موضع من جهة نجد بين أرض بني عامر وحرة بني سليم وكانت غزوتها سنة أربع قوله على رعل بدل من الذين قتلوا بإعادة العامل قوله ثم نسخ معناه سقط ذكره لتقادم عهده إلا أن يذكر بطريق الرواية وليس معناه النسخ الذين بدل مكانه خلافه لأن الخبر لا يدخله نسخ والقرآن ربما نسخ لفظه وبقي حكمه مثل الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ومعنى النسخ هنا أنه أسقط لفظه من التلاوة قال السهيلي هذا المذكور أعني ما نزل نسخ وليس عليه رونق الإعجاز قوله رضينا عنه وقد تقدم بلفظ أرضانا والحال لا يخلو من أحدهما وأجيب بأن القرآن المنسوخ يجوز نقله بالمعنى وقال المهلب في الحديث دلالة على أن من قتل غدرا فهو شهيد لأن أصحاب بئر معونة قتلوا غدرا
واختلف الناس في كيفية حياة الشهيد فقال ابن بطال إن الأرواح ترزق وكذا جاء الخبر في ( صحيح ابن حبان ) إنما نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة قال أهل اللغة يعني تأكل منها قال ابن قرقول بضم اللام أي تتناوله وقيل تشمه وهذا الحديث عام وقد خصه القرآن العزيز باشتراط الشهادة وقال الداودي أرواح الشهداء في حواصل طير وقال ابن التين هذا لا يصح في العقل ولا في الاعتبار لأنها إن كانت هي أرواح الطير فكيف تكون في الحواصل دون سائر الجسد وإن كان لها أرواح غيرها فكيف يكون لها روحان في جسد وكيف تصل لهم الأرزاق التي ذكر الله عز و جل انتهى وفيه نظر لأن مسلما أخرج في ( صحيحه ) عن محمد بن عبد الله بن نمير أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا ( آل عمران 971 ) الآية فقال إنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل الحديث وروى الحاكم على شرط مسلم من حديث قال رسول الله لما أصيب إخوانكم بأحد الحديث ذكرناه عن قريب وروى ابن أبي عاصم من حديث ابن مسعود أن الثمانية عشر من أصحاب رسول الله جعل الله أرواحهم في الجنة في طير خضر وفي لفظ أرواح الشهداء عند الله كطير خضر في قناديل تحت العرش ومن حديث عطية عن أبي سعيد قال رسول الله أرواح الشهداء في طير خضر ترعى في رياض الجنة ثم تكون مأواها قناديل معلقة بالعرش ومن حديث موسى بن عبيدة الربذي عن عبيد الله بن يزيد عن أم قلابة أظنها أم مبشر قال رسول الله إن أرواح المؤمنين طير خضر في حجر من الجنة يأكلون من الجنة ويشربون من الجنة وبسند صحيح إلى كعب بن مالك يرفعه أرواح الشهداء في طير خضر وعند مالك في ( الموطأ ) نسمة المؤمن طائر وتأول بعض العلماء لفظ في في قوله في جوف طير بمعنى على فيكون المعنى أرواحهم على جوف طير خضر كما في قوله ولأصلبنكم في جذوع النخل ( طه 17 ) أي على جذوع النخل وقال الطيبي قوله أرواحهم في جوف طير خضر أي يخلق لأرواحهم بعدما فارقت أبدانهم هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذات الحسية وقال القاضي عياض واختلفوا فيه فقيل ليست للأقيسة والعقول في هذا حكم فإذا أراد الله أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير أو حيث شاء كان ذلك ووقع ولم يبعد لا سيما على القول بأن الأرواح أجساد فغير مستحيل أن يصور جزء من الإنسان طائرا أو يجعل في جوف طائر في قناديل تحت العرش وقد اختلفوا في الروح فقال كثير من أرباب علم المعاني وعلم الباطن والمتكلمين لا نعرف حقيقته ولا يصح وصفه وهو ما جهل العباد بعلمه واستدلوا بقوله تعالى قل الروح من أمر ربي ( الإسراء 58 ) وقال كثيرون من شيوخنا هو الحياة وقال آخرون هو أجسام لطيفة مشاكلة للجسم يحيى بحياته أجرى الله العادة بموت الجسم عند فراقه ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم قال الشيخ هذا هو المختار وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلي بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب وهذا باطل مردود لإبطاله ما جاءت الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار

(14/112)


5182 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الله ) عن ( عمرو ) سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول اصطبح ناس الخمر يوم أحد ثم قتلوا شهداء فقيل لسفيان من آخر ذلك اليوم قال ليس هذا فيه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله شهداء والخمر التي شربوها ذلك اليوم لم تضرهم لأنها كانت مباحة في وقت شربهم ولهذا أثنى الله عليهم بعد موتهم ورفع عنهم الخوف والحزن وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار المكي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن صدقة بن الفضل وفي المغازي عن عبد الله بن محمد
قوله اصطبح أي شربوا الخمر صبوحا والصبوح الشرب بالغداة وهو خلاف الغبوق واصطبح الرجل شرب صبوحا قوله فقيل لسفيان من آخر ذلك اليوم يعني في الحديث هذا اللفظ موجود وهو قوله من آخر ذلك اليوم قال سفيان ليس هذا فيه أي ليس هذا اللفظ مرويا في الحديث فإن قلت أخرج الإسماعيلي هذا الحديث من طريق القواريري عن سفيان بهذه الزيادة ولكن بلفظ اصطبح قوم الخمر أول النهار وقتلوا آخر النهار شهداء قلت لعل سفيان كان نسيه ثم تذكر وقد أخرجه البخاري في المغازي عن عبد الله بن محمد عن سفيان بدون الزيادة وأخرجه في تفسير المائدة عن صدقة بن الفضل عن سفيان بإثباتها
02 -
( باب ظل الملائكة على الشهيد )
أي هذا باب في بيان ظل الملائكة على الشهيد
6182 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( ابن عيينة ) قال سمعت ( محمد بن المنكدر ) أنه سمع ( جابرا ) يقول جيء بأبي إلى النبي وقد مثل به ووضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قومي فسمع صوت صائحة فقيل ابنة عمرو أو أخت عمرو فقال لم تبكي أو لا تبكي ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها قلت لصدقة أفيه حتى رفع قال ربما قاله
مطابقته للترجمة في قوله ما زالت الملائكة تظله وابن عيينة هو سفيان والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجنائز وقد مر الكلام فيه هناك
قوله قلت لصدقة القائل هو البخاري وصدقة بن الفضل شيخه فيه قوله أفيه الهمزة للاستفهام على وجه الاستخبار أي أفي الحديث لفظ حتى رفع قوله قال ربما قاله أي قال سفيان ربما قاله جابر ولم يجزم به وجزم به في الجنائز حيث قال في آخر الحديث حتى رفع وكذلك رواه الحميدي وجماعة عن سفيان
12 -
( باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا )
أي هذا باب في بيان تمني المجاهد أن يرجع كلمة إن مصدرية أي تمنى المجاهد الذي جاهد في سبيل الله ثم قتل رجوعه إلى الدنيا لما يرى من الكرامات للشهداء
7182 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( قتادة ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة
( انظر الحديث 5972 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر بضم الغين المعجمة هو محمد بن جعفر وقد تكرر ذكره
والحديث أخرجه مسلم أيضا في

(14/113)


الجهاد عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به
قوله ما أحد في رواية أبي خالد ما من نفس قوله يدخل الجنة في رواية أبي خالد لها عند الله خير قوله وله ما على الأرض من شيء وفي رواية أبي خالد وأن لها الدنيا وما فيها قوله لما يرى من الكرامة أي لأجل ما يراه من الكرامة للشهداء وفي رواية أبي خالد لما يرى من فضل الشهادة ولم يقل عشر مرات وقال ابن بطال هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة والله أعلم
22 -
( باب الجنة تحت بارقة السيوف )
أي هذا باب ترجمته الجنة تحت بارقة السيوف وهذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف يقال برق السيف بروقا إذا تلألأ وقد تطلق البارقة ويراد بها نفس السيوف والإضافة بيانية نحو شجر الأراك وقيل كأن البخاري أراد بالترجمة أن السيوف لما كانت لها بارقة شعاع كان لها أيضا ظل تحتها وترجم ببارقة يريد لمع السيوف من قولهم ناقة بروق إذا لمعت بذنبها من غير لقاح وهو مثل الجنة تحت ظلال السيوف وقال ابن بطال هو من البريق وهو معروف وقال الخطابي يقال أبرق الرجل بسيفه إذا لمع به وسمي السيف إبريقا وهو إفعيل من البريق وأخرج الطبراني من حديث عمار بن ياسر بإسناد صحيح أنه قال يوم صفين الجنة تحت الأبارقة وقال بعضهم الصواب البارقة وهي السيوف اللامعة قلت قال الخطابي الأبارقة جمع إبريق وسمي السيف إبريقا كما ذكرناه آنفا وكذلك فسر ابن الأثير كلام عمار الجنة تحت الأبارقة أي تحت السيوف فلا وجه حينئذ لدعوى الصواب
وقال المغيرة بن شعبة قال أخبرنا نبينا عن رسالة ربنا قال من قتل منا صار إلى الجنة
وجه دخوله تحت الترجمة من حيث أن كون المقتول منهم إلى الجنة داخل بارقة السيوف وهذا التعليق وصله في الجزية بتمامه قوله عن رسالة ربنا ثبت في رواية الكشميهني وحده
وقال عمر للنبي أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى
وجه هذا مثل وجه المعلق السابق ووصله البخاري في المغازي من حديث سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه على ما يأتي إن شاء الله تعالى
8182 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( موسى ابن عقبة ) عن ( سالم أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) وكان كاتبه قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف
مطابقته للترجمة من حيث إن السيوف لما كانت لها بارقة شعاع كان لها أيضا ظل تحتها وعبد الله بن محمد أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي وأصله كوفي وروى عنه البخاري في الجمعة بلا واسطة وأبو إسحاق قال الكرماني هو السبيعي وهذا سهو وليس إلا أبا إسحاق الفزاري واسمه إبراهيم بن محمد سكن المصيصة من الشام مات سنة ست وثمانين ومائة
والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد في الجهاد في موضعين وأخرجه في الجهاد أيضا عن يوسف بن موسى وأخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي صالح محبوب ابن موسى
قوله وكان كاتبه أي كان سالم كاتب عبد الله بن أبي أوفى وقد سها الكرماني سهوا فاحشا حيث قال وكان سالم كاتب عمر بن عبيد الله وليس كذلك بل الصواب ما ذكرناه قوله كتب إليه أي إلى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وكان أميرا على حرب الخوارج وقال صاحب ( التلويح ) هذا الحديث ليس من الكتابة في شيء لأنه لم يكتب لسالم إنما

(14/114)


كانت الكتابة لعمر بن عبيد الله فأخبر بالواقع فصار وجادة فيها شوب من الاتصال قوله إن الجنة تحت ظلال السيوف أي إن ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله وقال ابن الجوزي المراد أن دخول الجنة يكون بالجهاد والظلال جمع ظل فإذا دنى الشخص من الشخص صار تحت ظل سيفه وإذا تدانى الخصمان صار كل واحد منهما تحت ظل سيف الآخر فالجنة تنال بهذا
تابعه الأويسي عن ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة
يعني الأويسي عبد العزيز بن عبد الله العامري تابع معاوية بن عمرو الذي رواه عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة وهذه المتابعة رواها البخاري في خارج ( الصحيح ) عن الأويسي ورواه عنه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد قلت نسبته إلى أويس بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وكسر السين المهملة نسبة إلى أويس بن سعد أحد أجداد عبد العزيز المذكور
32 -
( باب من طلب الولد للجهاد )
أي هذا باب في بيان من نوى عند المجامعة مع أهله حصول الولد ليجاهد في سبيل الله فيحصل له بذلك أجر لأجل نيته وإن لم يحصل له ولد
9182 - وقال ( الليث ) حدثني ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عبد الرحمان بن هرمز ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون
مطابقته للترجمة ظاهرة كذا أخرجه البخاري معلقا وأخرجه في ستة مواضع مسندة منها في الأيمان والنذور عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج من طريق الليث رواه أبو نعيم من حديث يحيى بن بكير عن الليث وكذلك أخرجه مسلم من حديثه
قوله لأطوفن الليلة ووقع في رواية لأطيفن وقال المبرد كلاهما صحيح قال القرطبي الدوران حول الشيء وهو ههنا كناية عن الجماع واللام فيه للقسم لأن هذه اللام هي التي تدخل على جواب القسم وكثيرا ما تحذف معها العرب المقسم به اكتفاء بدلالتها على المقسم به لكنها لا تدل على مقسم به معين قوله أو تسع وتسعين شك من الراوي وفي لفظ ستين امرأة وفي رواية سبعين وفي رواية مائة من غير شك وفي أخرى تسعة وتسعين من غير شك ولا منافاة بين هذه الروايات لأنه ليس في ذلك القليل نفي الكثير وهو من مفهوم العدد ولا يعمل به جمهور أهل الأصول قوله بفارس وفي رواية بغلام قوله يجاهد جملة في محل الجر لأنها صفة فارس قوله فقال له صاحبه قيل يريد به وزيره من الإنس والجن وقيل الملك كما ذكره في النكاح وفي مسلم فقال له صاحبه أو الملك وهو شك من أحد رواته وفي رواية له فقال له صاحبه بالجزم من غير تردد وقال القرطبي فإن كان صاحبه فيعني به وزيره من الإنس أو من الجن وإن كان الملك فهو الذي كان يأتيه بالوحي قال وقد أبعد من قال هو خاطره وقال النووي قيل المراد بصاحبه هو الملك وهو الظاهر من لفظه وقيل القرين وقيل صاحب له آدمي قلت الصواب أنه هو الملك كما ذكره في النكاح كما ذكرناه قوله فلم يقل إن شاء الله فلم يقل سليمان إن شاء الله بلسانه لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه فإنه لا يليق بمنصب النبوة وإنما هذا كما اتفق لنبينا لما سئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم أن يأتي بالجواب غدا جازما بما عنده من معرفة الله تعالى وصدق وعده في تصديقه وإظهار كلمته لكنه ذهل عن النطق بها لا عن التفويض بقلبه

(14/115)


فاتفق أن يتأخر الوحي عنه ورمي بما رمي به لأجل ذلك ثم علمه الله بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( الكهف 32 ) فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة حتى في الواجب قوله فلم تحمل منهم أي من مائة امرأة قوله إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وفي رواية بشق غلام في أخرى نصف إنسان وفي أخرى فلم تحمل شيئا إلا واحدا سقط أحدى شقيه قوله فرسانا حال وهو جمع فارس قوله أجمعون بالرفع لتأكيد ضمير الجمع الذي في قوله لجاهدوا ويجوز أجمعين بالنصب تأكيدا لقوله فرسانا إن صحت الرواية
ذكر ما يستفاد منه فيه الحض على طلب الولد لنية الجهاد في سبيل الله وقد يكون الولد بخلاف ما أمله فيه ولكن له الأجر في نيته وعمله وفيه أن من قال إن شاء الله وتبرأ من مشيئته ولم يعط الحظ لنفسه في أعماله فهو حري أن يبلغ أمله ويعطى أمنيته وليس كل من قال قولا ولم يستثن فيه المشيئة بواجب أن لا يبلغ أمله بل منهم من شاء الله بإتمام أمله ومنهم من يشاء أن لا يتمه بما سبق في علمه لكن هذه التي أخبر عنها سيدنا رسول الله أنها مما لو استثنى لتم أمله فدل هذا على أن الأقدار في علم الله عز و جل على ضروب فقد يقدر للإنسان الرزق والولد والمنزلة إن فعل كذا أو قال أو دعا فإن لم يفعل ولا قال لم يقدر ذلك الشيء وأصل هذا في قصة يونس عليه الصلاة و السلام فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه فبان بهذا أن تسبيحه كان سبب خروجه من بطن الحوت ولو لم يسبح ما خرج منه وفيه أن الاستثناء ليمضي فيه القدر السابق كما سبق وفيه أن الاستثناء يكون بأثر القول وإن كان فيه سكوت يسير لم ينقطع به دونه فصال الحائلة بينه وبين الاستثناء واليمين وفيه ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وكمال الرجولية مع ما كانوا فيه من المجاهدات في العبادة والعادة في مثل هذا لغيرهم الضعف عن الجماع لكن خرق الله تعالى لهم العادة في أبدانهم كما خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم فحصل لسليمان

(14/116)


عليه الصلاة و السلام من الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة امرأة ينزل في كل واحدة منهن ماء وليس في الأخبار ما يحفظ فيه صريحا غير هذا إلا ما ثبت عن سيدنا رسول الله أنه أعطي قوة ثلاثين رجلا في الجماع وفي ( الطبقات ) أربعين وقال مجاهد أعطي قوة أربعين رجلا كل رجل من أهل الجنة وهي قوة أكثر من قوة سليمان عليه السلام وكان إذا صلى الغداة دخل على نسائه فطاف عليهن بغسل واحد ثم يبيت عند التي هي ليلتها وذلك لأنه كان قادرا على توفية حقوق الأزواج وليس يقدر على ذلك غيره مع قلة الأكل فإن قلت قالت عائشة رضي الله تعالى عنها يدخل على كل نسائه فيدنو من كل امرأة منهن يقبل ويلتمس من غير مسيس ولا مباشرة رواه الدارقطني من حديث ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه قلت هذا ضعيف وسمعت بعض المشايخ الكبار الثقات أن كل نبي عليه الصلاة و السلام من الأنبياء عليهم السلام أعطي قوة أربعين رجلا ونبينا أعطي قوة أربعين نبيا فيكون له قوة ألف وستمائة رجل فاعتبر من هذا صبره وزهده كيف قنع بتسع نسوة وفيه أنه لو قال إن شاء الله لم يحنث وفيه دلالة على أنه أقسم على شيئين الوطء والولادة وفعل الوطء حقيقة والاستيلاد لم يتم إذ لو تم لم يقل ذلك فيه وفيه أن هذا محمول على أن نبينا أوحي إليه بذلك وهذا من خصائص نبينا في اطلاعه على أخبار الأنبياء السالفة والأمم وفيه دلالة على جواز قوله لو ولولا بعد وقوع المقدور وقد جاء في القرآن كثير من ذلك وفي كلام الصحابة والسلف وسيأتي ترجمة البخاري هذا باب ما يجوز من اللو وأما النهي عن ذلك وأنها تفتح عمل الشيطان فمحمول على من يقول ذلك معتمدا على الأسباب معرضا عن المقدور أو متضجرا منه وفيه أنه عليه الصلاة و السلام نبه هنا على آفة التمني والإعراض عن التقويض والتسليم ومن آفته نسيان سليمان عليه الصلاة و السلام الاستثناء لا يكون إلا باللفظ ولا يكفي فيه النية وهو قول الأئمة الأربعة والعلماء كافة وادعى بعضهم أن قياس قول مالك إن اليمين تنعقد بالنية ويصح الاستثناء بها من غير لفظ ومنع ذلك وفيه جواز الإخبار عن الشيء ووقوعه في المستقبل بناء على الظن فإن هذا الإخبار راجع إلى ذلك وقال بعض الشافعية أجاز أصحابنا الحلف على الظن الماضي وقالوا يجوز أن يحلف على خط مورثه إذا وثق بخطه وأمانته وجوزوا العمل به واعتماده وفيه استحباب التعبير باللفظ الحسن عن غيره فإنه عبر عن الجماع بالطواف نعم لو دعت ضرورة شرعية إلى التصريح به لم يعدل عنه فإن قلت من أين لسليمان عليه الصلاة و السلام أن الله تعالى يخلق من مائة في تلك الليلة مائة غلام لا جائز أن يكون بوحي لأنه ما وقع ولا أن يكون الأمر في ذلك إليه لأنه لا يكون إلا ما يريد قلت قال ابن الجوزي إنه من جنس التمني على الله والسؤال له عز و جل أن يفعل والقسم عليه كقول أنس بن النضر والله لا تكسر ثنية الربيع قيل قول أنس ليس بتمن ألا ترى أن الشارع سماه قسما فقال إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره فسماه قسما ولم يسمه تمنيا
42 -
( باب الشجاعة في الحرب والجبن )
أي هذا باب في بيان مدح الشجاعة في الحرب وفي بيان ذم الجبن فيه وهو بضم الجيم وسكون الباء الموحدة وفي آخره نون الخوف وأما الجبن الذي يؤكل فهو بتشديد النون
0282 - حدثنا ( أحمد بن عبد الملك بن واقد ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي سبقهم على فرس وقال وجدناه بحرا
مطابقته للترجمة في قوله وأشجع الناس أي في الحرب وفسر ذلك بقوله ولقد فزع أهل المدينة إلى آخره وأحمد بن عبد الملك بن واقد بالقاف وبالدال المهملة الحراني بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون مر في كتاب الصلاة في باب الخدم للمسجد إلا أنه نسبه ثمة إلى جده
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن سليمان بن حرب وقتيبة فرقهما في الجهاد وأخرجه أيضا في الأدب عن عمرو بن ميمون وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن يحيى بن يحيى وسعيد وابن منصور وأبي الربيع وأبي كامل وأخرجه الترمذي في الجهاد عن قتيبة وأخرجه النسائي في السير عن قتيبة وفي اليوم والليلة عن أبي صالح محمد بن زنبور المكي وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن أحمد بن عبدة الضبي
قوله فزع بكسر الزاي يقال فزع يفزع فزعا أي خاف أهل المدينة وفي رواية ليلا قوله سبقهم على فرس يقال له مندوب كان لأبي طلحة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله وجدناه بحرا أي كالبحر واسع الجري
وفيه استعمال المجاز حيث شبه الفرس بالبحر لأن الجري منه لا ينقطع كما لا ينقطع ماء البحر وأول من تكلم بهذا رسول الله وفيه استعارة الدواب للحرب وغيره وركوب الدابة عريانا لاستعجال الحركة ثم إنه ذكر في الحديث ثلاثة أشياء من صفات النبي وهي الأحسنية والأشجعية والأجودية قال حكماء الإسلام للإنسان قوى ثلاث العقلية والغضبية والشهوية وكمال القوة الغضبية الشجاعة وكمال القوة الشهوية الجود وكمال القوة العقلية الحكمة والأحسن إشارة إليه لأن حسن الصورة تابع لاعتدال المزاج واعتدال المزاج تابع لصفاة النفس الذي به جودة القريحة وهذه الثلاث هي أمهات الأخلاق
1282 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عمر بن محمد بن جبير ابن مطعم ) أن ( محمد بن جبير ) قال أخبرني ( جبير بن مطعم ) أنه بينما هو يسير مع رسول الله ومعه الناس مقفله من حنين فعلقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي فقال اعطوني ردائي لو كان لي عدد هاذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا
( الحديث 1282 - طرفه في 8413 )
مطابقته للترجمة في قوله ثم لا تجدوني إلى آخره وأبو اليمان الحكم بن نافع وعمر بن محمد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ابن مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام النوفلي القرشي قال الكرماني وكثيرا يروي

(14/117)


الزهري عن محمد بدون واسطة عمر قلت لم يرو عن عمر بن محمد بن جبير غير الزهري وقد وثقه النسائي وفيه رد على من زعم أن شرط البخاري أن لا يروي الحديث الذي يخرجه أقل من اثنين عن أقل من اثنني فإن هذا الحديث ما رواه عن محمد بن جبير غير ولده ثم ما رواه عن عمر غير الزهري هذا مع تفرد الزهري بالرواية عن عمر مطلقا
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الخمس عن عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم
قوله ومعه الناس أي ومع النبي قوله مقفله أي زمان قفوله أي رجوعه وهو بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء قوله من حنين هو واد بين مكة والطائف وذلك في سنة ثمان قوله فعلقه الناس بفتح العين المهملة وتخفيف اللام المكسورة بعدها قاف أي فتعلقوا به وفي رواية الكشميهني فطفقت وهو بمعناه قوله يسألونه حال قوله حتى اضطروه أي ألجؤه إلى سمرة وهي واحدة السمر وهي شجر طوال متفرق الرؤوس قليل الظل صغار اورق قصار الشوك جيد الخشب وله نوار أصفر وصمغ أبيض قليل المنفعة ويخرج من السمرة شيء يشبه الدم يقال حاضت السمرة إذا خرج منها ذلك قوله العضاه بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة وفي آخره هاء يقرؤ في الوصل والوقف بالهاء وهو كل شجر عظيم له شوك وواحد العضاه عضاهة وعضهة وعضة حذفوا منها الأصلية كما حذفت في شفة ثم ردت في عضاه كما ردت في شفاه وتصغر على عضيهة وينسب إليها فيقال بعير عضهي للذي يرعاها وبعير عضاهي وإبل عضاهية وقال ابن التين ويقرؤ بالهاء وقفا ووصلا وهو شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر وقال الجوهري هو على ضربين خالص كالعرف والطلح والسلم والسيال والسمر والقتاد والغرب وغير خالص كالشوحط والنبع والشريان والسراء والقشم قوله نعما بفتح النون والعين وفي رواية أبي ذر نعم بالرفع وجه الرفع أنه اسم كان وقوله في عدد خبره ووجه النصب أنه تمييز و كان تكون تامة والنعم الإبل خاصة كذا قاله أكثر أهل التفسير وقال أبو جعفر النحاس قيل النعم الإبل والبقر والغنم وإن انفردت الإبل يقال لها نعم وإن انفردت البقر والغنم لا يقال لها نعم واختلف في الأنعام فقيل هي جمع نعم فيكون للإبل خاصة وقيل إذا قلت أنعام دخل تحته البقر والغنم وقال الجوهري النعم واحد الأنعام وهي المال الراعية قال الفراء هو ذكر لا يؤنث يقولون هذا نعم وأراد ويجمع على نعمان مثل حمل وحملان والأنعام تذكر وتؤنث قال الله تعالى في موضع مما في بطونه وفي موضع مما في بطونها وجمع الجمع أناعيم قوله ثم لا تجدوني ويروى لا تجدونني على الأصل فيه أنه لا بأس للرجل الفاضل أن يخبر عن نفسه بما فيه من الخلال الشريفة عندما يخاف سوء ظن أهل الجاهلية قوله بخيلا قال الفراء البخيل الشحيح وقال ابن مسعود البخيل أن لا يعطي شيئا والشحيح أخذه مال أخيه بغير حق وقال طاووس البخيل أن يبخل مما في يده والشحيح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له ما في أيدي الناس بالحلال والحرام وقيل البخل في اللغة دون الشح والشح أشد منه يقال بخل يبخل بخلا وبخلا وقيل البخل أن يضن الإنسان بماله أن يبذله في المكارم أو اللوازم قوله ولا كذوبا من كذب كذبا وكذبا وهو خلاف الصدق فهو كاذب وكذاب وكذوب وكيذبان
ومكذبان ومكذبانة وكذبة مثال همزة وكذبذب مخففا وقد يشدد قوله وجبانا صفة مشبهة من الجبن وهو ضد الشجاعة لا يقال لا يلزم من نفي الكذوبية نفي الكذب ولا من نفي البخيلية نفي البخل ولا من نفي الجبان نفي نفس الجبن لأنا نقول قد تجيء هذه الأوزان بمعنى ذي كذا كما في قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت 64 ) والتقدير وما ربك بذي ظلم لأن نفي الظلامية لا ينفي نفس الظلم وكذلك ههنا فيؤل المعنى إلى نفي هذه الأشياء بالكلية ثم اقتران الكذب مع الجبان مع أن مقتضى المقام نفي البخل فقط هو إشارة إلى أنه يقول لا أكذب في نفي البخل عني لأن نفي البخل عني ليس من خوفي منكم وهذا من جوامع الكلم إذ أصول الأخلاق الحكمة والكرم والشجاعة وأشار بعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية أي الحكمة وبعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية أي الشجاعة وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوية أي الجود وهذه الثلاث هي أمهات فواضل الأخلاق والأول هو مرتبة الصديقين والثاني هو مرتبة الشهداء والثالث هو مرتبة الصالحين أللهم اجعلنا منهم

(14/118)


52 -
( باب ما يتعوذ من الجبن )
أي هذا باب في بيان التعوذ من الجبن وكلمة ما مصدرية
2282 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) قال حدثنا ( عبد الملك بن عمير ) قال سمعت ( عمرو بن ميمون الأودي ) قال كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول إن رسول الله كان يتعوذ منهن دبر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر فحدثت به مصعبا فصدقه
مطابقته للترجمة في قوله أعوذ بك من الجبن وأبو عوانة بفتح العين الوضاح اليشكري وعمرو بن ميمون مر في الوضوء وهو الذي رأى قردة زنت فرجمتها القردة والأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة نسبة إلى أود بن معن هذا في باهلة وأود أيضا في مذحج وهو أود بن صعب وسعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة
والحديث أخرجه الترمذي في الدعوات عن عبد الله بن عبد الرحمن وأخرجه النسائي في الاستعاذة وفي اليوم والليلة عن يحيى ابن محمد وفي اليوم والليلة عن القاسم بن زكرياء وتفسير الجبن قد مر وإنما تعوذ منه لأنه يؤدي إلى عذاب الآخرة لأنه يفر في الزحف فيدخل تحت وعيد الله فمن ولى فقد باء بغضب من الله وربما يفتتن في دينه فيرتد لجبن أدركه وخوف على مهجته من الأسر والعبودية
قوله أن أرد أي عن الرد وكلمة أن مصدرية وأرذل العمر هو الخرف يعني يعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم ويقال أرذل العمر أردؤه وهو حالة الهرم والضعف عن أداء الفرائض وعن خدمة نفسه فيما يتنظف فيه فيكون كلا على أهله ثقيلا بينهم يتمنون موته فإن لم يكن له أهل فالمصيبة أعظم قوله وفتنة الدنيا هو أن يبيع الآخرة بما يتعجله في الدنيا من حال ومال قوله فحدثت به مصعبا قائل هذا هو عبد الملك بن عمير ومصعب هو ابن سعد بن أبي وقاص وقال الحافظ المزي في ( الأطراف ) وفي رواية عمرو ابن ميمون هذه عن سعد لم يذكر البخاري مصعبا وهو غريب منه لأن هذا ثابت عند البخاري في جميع الروايات فافهم
3282 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( معتمر ) قال سمعت أبي قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي يقول أللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من عذاب القبر
مطابقته للترجمة في قوله والجبن ومعتمر هو ابن سليمان التيمي البصري وأبو سليمان بن طرحان البصري مولى لبني مرة مات سنة ثلاث وأربعين ومائة
والحديث أخرجه أيضا في الدعوات عن مسدد عن معتمر وأخرجه مسلم في الدعوات عن يحيى بن أيوب وعن كامل وعن محمد بن عبد الأعلى وعن أبي كريب وأخرجه أبو داود في الصلاة عن مسدد به وأخرجه النسائي في الاستعاذة عن محمد بن عبد الأعلى به
قوله من العجز هو ضد القدرة وقال ابن بطال اختلف في معنى العجز فأهل الكلام يجعلونه مالا استطاعة لأحد على ما يعجز عنه لأنها عندهم مع الفعل وأما الفقهاء فيقولون إنه هو ما يستطيع أن يعمله إذا أراد لأنهم يقولون إن الحج ليس على الفور ولو كان على المهلة عند أهل الكلام لم يصح معناه لأن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل والذين يقولون بالمهملة يجعلون الاستطاعة قبل الفعل قوله والكسل هو ضعف الهمة وإيثار الراحة للبدن على التعب وإنما استعيذ منه لأنه يبعد عن الأفعال الصالحة قوله والهرم قال الكرماني ضد الشباب وفي ( المغرب ) الهرم كبر السن الذي يؤدي إلى تماوت الأعضاء وتساقط القوى وإنما استعاذ منه لكونه من الأدواء التي لا دواء لها قوله من فتنة المحيى المحيي والممات مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت وفتنة المحيى أن يفتتن بالدنيا ويشتغل بها عن

(14/119)


الآخرة وفتنة الممات أن يخاف عليه من سوء الخاتمة عند الموت وعذاب القبر مما يعرض له عند مساءلة الملكين ومشاهدة أعماله السيئة في أقبح الصور أعاذنا الله منه بمنه وكرمه
62 -
( باب من حدث بمشاهده في الحرب )
أي هذا باب في بيان من حدث بمشاهده وهو جمع مشهد موضع الشهود أي الحضور في الحرب أراد بهذا أن للرجل أن يحدث بما تقدم له من العناء في إظهار الإسلام وإعلاء كلمته ليتأسى بذلك المتأسي ويقتدي به وليرغب الناس في ذلك وأما الذي يحدث لإظهار شجاعته والافتخار بما صنع فذلك لا يجوز
قاله أبو عثمان عن سعد
أي قال ذلك أبو عثمان عبد الرحمن النهدي بفتح النون عن سعد بن أبي وقاص وهذا تعليق ذكره موصولا في المغازي
4282 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( حاتم ) عن ( محمد بن يوسف ) عن ( السائب بن يزيد ) قال ( صحبت طلحة بن عبيد الله وسعدا والمقداد بن الأسود ) وعبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى ( عنهم ) فما سمعت أحدا منهم يحدث عن رسول الله إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد
( الحديث 4282 - طرفه في 2604 )
مطابقته للترجمة في قوله سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد
وحاتم هو ابن إسماعيل الكوفي سكن المدينة ومر في الوضوء ومحمد بن يوسف بن عبد الله ابن أخت نمر وأمه ابنة السائب بن يزيد سمع جده السائب بن يزيد والسائب هذا صحابي صغير ابن صحابيين حج به أبوه وأمه مع النبي في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين ويقال ابن عشر سنين مر في جزاء الصيد وفيه ستة من الصحابة
قوله وسعدا أي وصحبت سعدا وهو سعد بن أبي وقاص قوله فما سمعت أحدا منهم أي هؤلاء الصحابة المذكورين يحدث عن رسول الله قال ابن بطال وغيره كان كثير من كبار الصحابة لا يحدثون عن رسول الله خشية الزيادة والنقصان لئلا يدخلوا في قوله من نقل عني ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار فاحتاطوا على أنفسهم أخذا بقول عمر رضي الله تعالى عنه أقلوا الحديث عن رسول الله وأنا شريككم قوله إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد يعني ما سمعت طلحة يحدث عن رسول الله وإنما كان يحدث عن مشاهده يوم أحد لأنه كان من أهل النجدة وثبات القدم في الحرب وعن أبي عثمان النهدي أنه لم يبق مع رسول الله تلك الأيام غير طلحة وسعد ولهذا حدث طلحة عن مشاهده يوم أحد ليقتدي به ويرغب الناس في مثل فعله
72 -
( باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية )
أي هذا باب في بيان وجوب النفير بفتح النون وكسر الفاء أي الخروج إلى قتال الكفار وأصل النفير مفارقة مكان إلى مكان لأمر حرك ذلك قوله وما يجب من الجهاد أي وفي بيان القدر الواجب من الجهاد قوله والنية أي وفي بيان مشروعية النية في ذلك
وقوله انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله ( التوبة 14 ) الآية
وقوله بالجر عطفا على قوله وجوب النفير أي وقول الله تعالى وفي بعض النسخ وقول الله عز و جل وقال سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح هذه الآية انفروا خفافا وثقالا ( التوبة 14 ) أول ما نزل من سورة براءة وقال

(14/120)


أبو مالك الغفاري وابن الضحاك هذه أول آية نزلت من براءة ثم نزل أولها وآخرها وفي التفسير قال جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما نزلت آية الجهاد منا الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل فنزل قوله تعالى انفروا خفافا ثقالا ( التوبة 14 ) ويقال كان المقداد عظيما سمينا جاء إلى النبي وشكى إليه وسأل أن يأذن له فنزلت انفروا الآية أمر الله بالنفير العام مع الرسول عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر فقال انفروا خفافا وثقالا ( التوبة 14 ) وعن أبي طلحة كهولا وشبانا ما سمع الله عذر أحد ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل وهكذا روي عن ابن عباس وعكرمة والحسن البصري والشعبي ومقاتل ابن حيان وزيد بن أسلم وقال مجاهد شبانا وشيوخا وأغنياء ومساكين وقال الحكم بن عتيبة مشاغيل وغير مشاغيل وعن ابن عباس انفروا نشاطا وغير نشاط وكذا قال قتادة وعن الحسن البصري في العسر واليسر وقيل الخفاف أهل اليسرة والثقال أهل العسرة وقيل أصحاء ومرضى وقيل مقلين من السلاح ومكثرين وقيل رجالا وركبانا وقيل عزبانا ومتأهلين وقال السدي لما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله تعالى فقال ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله ( التوبة 19 ) وخفافا جمع خفيف و ثقالا جمع ثقيل وانتصابهما على الحال من الضمير الذي في انفروا قوله جاهدوا بأموالكم وأنفسكم ( التوبة 14 ) إيجاب للجهاد بهما إن إمكن أو بأحدهما على حسب الحال قوله ذلكم خير لكم ( التوبة 14 ) يعني في الدنيا والآخرة لأنكم تغرمون في النفقة قليلا فيغنمكم أموال عدوكم في الدنيا مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة إن كنتم تعملون أن الله يريد الخير قوله لو كان عرضا قريبا ( التوبة 14 ) الآية نزلت في المنافقين في غزوة تبوك والمعنى لو كان ما دعوا إليه غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا قريبا لاتبعوك طمعا في المال ولكن بعدت عليهم الشقة أي السفر البعيد وقرأ ابن عمير عبيد بكسر الشين وهي لغة قيس قوله وسيحلفون بالله أي يحلفون بالله لكم إذا رجعتم إليهم لو استطعنا لخرجنا معكم أي لو قدرنا وكان لنا سعة من المال لخرجنا معكم وذلك كذب منهم ونفاق لأنهم كانوا مياسير ذوي أموال قال الله تعالى يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون ( التوبة 24 ) وقال الزمخشري يهلكون أنفسهم إما أن يكون بدلا من سيحلفون أو حالا بمعنى مهلكين والمعنى أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وبما يحلفون عليه من التخلف
وقوله يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل لله أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة إلى قوله على كل شيء قدير ( التوبة 83 )
وقوله بالجر عطف على قوله الأول هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا ( التوبة 83 ) الآية قوله إثاقلتم أصله تثاقلتم ادغمت التاء في الثاء فسكنت الأولى فأتى بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن معناه تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار قوله أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ( التوبة 83 ) أي بدل الآخرة ثم قال تعالى فما متاع الحياة الدنيا ( التوبة 83 ) هذا تزهيد من الله في الدنيا وترغيب في الآخرة بأن متاع الدنيا قليل بالنسبة إلى الجنة لانقطاع ذلك ودوام هذا ثم توعد على ترك الخروج فقال ألا تنفروا أي ألا تخرجوا مع نبيكم إلى الجهاد يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم لنصرة نبيه وإقامة دينه قوله ولا تضروه شيئا أي ولا تضروا الله تعالى بتوليتكم عن الجهاد ونكولكم وتثاقلكم عنه والله على كل شيء قدير أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم
ويذكر عن ابن عباس انفروا ثبات سرايا متفرقين يقال أحد الثبات ثبة
هذا التعليق وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه وذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره عنه ومعناه أخرجوا ثبات يعني سرية بعد سرية أو انفروا مجتمعين قوله ثبات بضم الثاء المثلثة وتخفيف الباء الموحدة وهو جمع ثبة وهي الجماعة وجاء جمعها أيضا ثبون وثبون وأثابي وأصل ثبة ثبي على وزن فعل بضم الفاء وفتح العين وفي ( التوضيح )

(14/121)


وعند أهل اللغة الثبات الجماعات في تفرقة أي حلقة حلقة كل جماعة ثبة والثبة مشتقة من قولهم ثبيت الرجل إذا أثنيت عليه في حياته لأنك كأنك قد جمعت محاسنه وقال أبو عمر والتثبية الثناء على الرجل في حياته قوله ثبات سرايا متفرقين أحوال ووقع في رواية أبي ذر وأبي الحسن القابسي ثباتا بالنصب وهو غير صحيح لأنه جمع المؤنث السالم مثل الهندات والنصب والجر فيه سواء والسرايا جمع سرية وهي من يدخل دار الحرب مستخفيا قوله ويقال واحد الثبات ثبة لا طائل تحته لأن هذا معلوم قطعا أن ثبات جمع ثبة وأما الثبة التي بمعنى وسط الحوض فليس من باب ثبة الذي بمعنى الجماعة لأن أصل هذه ثوب وهو أجوف واوي فلما حذفت الواو عوض عنها الهاء وسمي وسط الحوض بذلك لأن الماء يثوب إليه أي يرجع
5282 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثني ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاوس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال يوم الفتح لا هجرة بعد الفتح ولاكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا
مطابقته للترجمة في قوله ولكن جهاد ونية وعمرو بن علي بحر بن يحيى بن كثير أبو حفص الباهلي البصري ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري والحديث مضى في باب فضل الجهاد بهذا الإسناد غير أن شيخه هناك علي بن عبد الله وهنا عمرو بن علي وقد مضى الكلام فيه هناك
82 -
( باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل )
أي هذا باب في بيان حكم الكافر الذي يقتل المسلم ثم يسلم بضم الياء أي القاتل قوله فيسدد بالسين المهملة أي يسدد دينه يعني يستقيم قوله بعد بضم الدال أي بعد قتله المسلم قوله ويقتل على صيغة المجهول وفي رواية النسفي أو يقتل وعليها اقتصر ابن بطال والإسماعيلي وقال الكرماني أو ثم يصير مقتولا والجواب فيه يفهم من الحديث ولم يذكره اكتفاء به
6282 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة كالشرح لمعنى الحديث وذلك أن المذكور فيها فيسدد وفي الحديث فيستشهد والشهادة إنما تعتبر على وجه التسديد وهو الاستقامة فيها وقال بعضهم يظهر لي أن البخاري أشار في الترجمة إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب الحديث انتهى قلت الترجمة لا تكون إلا بما يدل على شيء من الحديث الذي وضعت الترجمة له فكيف تكون الترجمة هنا والحديث في كتاب آخر أخرجه غيره والإسناد المذكور بعين هؤلاء الرجال قد ذكر غير مرة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه النسائي فيه وفي النعوت عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك به
ذكر معناه قوله يضحك الله الضحك وأمثاله إذا أطلقت على الله يراد بها لوازمها مجازا ولازم الضحك الرضا وقال الخطابي الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو يستفزهم الطرب غير جائز على الله عز و جل وإنما هو مثل ضربه لهذا الصنع الذي هو مكان التعجب عند البشر وفي صفة الله تعالى الإخبار عن الرضا بفعل أحد هذين والقبول للآخر ومجازاتهما على صنيعهما الجنة مع اختلاف أحوالهما وتباين مقاصدهما ومعلوم أن الضحك يدل على

(14/122)


الرضا وقبول الوسيلة وإنجاح الطلبة فمعناه أن الله يجزل العطاء لهما لأنه هو مقتضى الضحك وموجبه أو يكون معناه تضحك ملائكة الله من صنيعهما لأن الإيثار على النفس أمر نادر في العادة مستغرب في الطباع وقال ابن حبان في ( صحيحه ) يريد أضحك الله ملائكته من وجود ما قضى وقال ابن فورك أي يبدي الله من فضله توفيقا لهذين الرجلين كما تقول العرب ضحكت الأرض من النبات إذا ظهر فيها وكذلك قالوا للطلع إذا انفتق عنه كفري الضحك لأجل أن ذلك يبدو منه البياض الظاهر كبياض الثغر وقال الداودي أراد قبول أعمالهما ورحمتهما والرضا عنهما قوله إلى رجلين عدى بإلى لتضمنه معنى الإقبال يقال ضحكت إلى فلان إذا توجهت إليه بوجه طلق وأنت عنه راض قلت هذا يدل على أن المراد بالضحك هنا الإقبال بالوجه قوله يدخلان الجنة في محل الجر لأنها صفة للرجلين وفي رواية مسلم من طريق همام عن أبي هريرة قالوا كيف يا رسول الله قوله يقاتل هذا جملة مستأنفة يدل عليه رواية مسلم هذه لأن المعنى قالوا يا رسول الله كيف يدخلان الجنة فقال يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل على صيغة المجهول وزاد في رواية همام فيلج الجنة ثم يتوب الله على القاتل أي فيسلم وفي رواية همام فيهديه الله إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد
وقال أبو عمر يستفاد من هذا الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة وقال أيضا معنى هذا الحديث عند أهل العلم أن القاتل الأول كان كافرا قيل هو الذي استنبطه البخاري في ترجمته ولكن لا مانع أن يكون مسلما لعموم قوله ثم يتوب الله على القاتل كما لو قتل مسلم مسلما عمدا بلا شبهة ثم تاب القاتل واستشهد في سبيل الله عز و جل
7282 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( الزهري ) قال أخبرني ( عنبسة بن سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال أتيت رسول الله وهو بخيبر بعدما افتتحوها فقلت يا رسول الله أسهم لي فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تسهم له يا رسول الله فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل فقال ابن سعيد بن العاص واعجبا لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهنيء على يديه قال فلا أدري أسهم له أم لم يسهم له قال سفيان وحدثنيه السعيدي عن أبي هريرة قال أبو عبد الله السعيدي عمرو ابن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص
مطابقته للترجمة تؤخذ من قول ابن سعيد بن العاص وهو أبان بن سعيد أكرمه الله بيدي وأراد بذلك أن ابن قوقل وهو النعمان استشهد بيد أبان فأكرمه الله بالشهادة ولم يقتل أبان على كفره فيدخل النار بل عاش حتى تاب وأسلم وكان إسلامه قبل خيبر وبعد الحديبية وهذا هو عين الترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول الحميدي بضم الحاء المهملة هو عبد الله بن الزبير أبو بكر منسوب إلى أحد أجداده حميد بن زهير وهو بطن من قريش الثاني سفيان بن عيينة الثالث محمد بن مسلم الزهري الرابع عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن سعيد الأموي الخامس أبو هريرة
وفيه أربعة أنفس أيضا الأول هو قوله بعض بني سعيد بن العاص هو أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي قال الزبير تأخر إسلامه بعد إسلام أخويه خالد وعمرو ثم أسلم أبان وحسن إسلامه قال أبو عمر وكان إسلام أبان بن سعيد بين الحديبية وخيبر وقال إبن إسحاق قتل أبان وعمرو ابنا سعيد بن العاص يوم اليرموك ولم يتابع عليه ابن إسحاق وكانت اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة في خلافة عمر وقال موسى بن عقبة قتل أبان يوم أجنادين وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقيل إنه قتل أيام مرج الصفر وكان في صدر خلافة عمر سنة أربع عشرة وكان الأمير يوم مرج الصفر خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الثاني ابن قوقل هو النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بالصاد

(14/123)


المهملة ابن فهم بن ثعلبة بن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون بعدها ميم ابن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي وقوقل لقب ثعلبة وقيل لقب أصرم وقد ينسب النعمان إلى جده فيقال له النعمان بن قوقل وقوقل بقافين على وزن جعفر شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وروى البغوي في ( الصحابة ) أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة فاستشهد ذلك اليوم فقال النبي لقد رأيته في الجنة الثالث السعيدي وهو الذي أوضحه البخاري بقوله هو عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص يكنى أبا أمية المكي قال يحيى بن معين صالح وذكره ابن حبان في الثقات الرابع سعيد بن عمرو بن سعيد القرشي أبو عثمان الأموي روى عن النبي مرسلا وعن جماعة من الصحابة روى عنه ابن ابنه عمرو بن يحيى المذكور وقال أبو زرعة والنسائي ثقة وقال أبو حاتم صدوق
ذكر معناه قوله وهو بخيبر جملة حالية وكان افتتاحها في سنة
قوله أسهم لي السائل بهذا هو أبو هريرة وفي رواية أبي داود أن رسول الله بعث أبان بن سعيد ابن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان وأصحابه على رسول الله بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان إقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة فقلت لا تقسم له يا رسول الله فقال أبان أنت هنا يا وبر تحدر علينا من رأس ضال فقال النبي إجلس يا أبان ولم يقسم لهم وفي لفظ فقال سعيد بن العاص يا عجبا لوبر قال أبو بكر الخطيب كذا عند أبي داود فقال سعيد وإنما هو ابن سعيد واسمه أبان قال والصحيح أن أبا هريرة هو السائل كما هو في البخاري انتهى قلت على تقدير صحة حديث أبي داود ومقاومته لحديث البخاري يحتمل أنهما سألا جميعا وأن أحدهما جازى الآخر لما أسلفه من قوله لا تقسم له قوله بعض بني سعيد بن العاص هو أبان بن سعيد كما قلنا قوله قاتل ابن قوقل هو النعمان بن مالك كما ذكرناه الآن قوله واعجبا بالتنوين ويروى بدونه وكلمة واهنا اسم لأعجب وانتصاب عجبا به قوله لوبر بفتح الواو وسكون الباء الموحدة بعدها راء قال ابن قرقول كذا لأكثر الرواة بسكون الباء الموحدة وهي دويبة غبراء ويقال بيضاء على قدر السنور حسنة العينين من دواب الجبال وإنما قال له ذلك احتقارا وضبطها بعضهم بفتح الباء وتأوله جمع وبرة وهو شعر الإبل أي إن شأنه كشأن الوبرة لأنه لم يكن لأبي هريرة عشيرة وقال الخطابي أحسب أنها تؤكل لأني وجدت بعض السلف يوجب فيها الفدية وقال القزاز هي ساكنة الباء دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون يعني تشبه الطحال لا ذنب لها وهي من دواب الغور والجمع وبار وفي ( المحكم ( على قدر السنور والأنثى وبرة والجمع وبر ووبور ووبار ووبار وابارة وفي ( الصحاح ) ترحن في البيوت أي تقيم بها وتألفها وقال أبو موسى المديني في كتاب ( المغيث ) يجب على المحرم في قتلها شاة لأنها تجتز كالشاة وقيل لأن لها كرشا كالشاة وفي ( مجمع الغرائب ) عن مجاهد في الوبر شاة فذكر مثله وفي ( البارع ) لأبي علي بن أبي حاتم الطائيون يقولون لما يكون في الجبال من الحشرات الوبر وجمعها الوبارة ولغة أخرى الإبارة بالكسر والهمز وقال ابن بطال وإنما سكت أبو هريرة عن أبان في قوله هذا لأنه لم يرمه بشيء ينقص دينه إنما ينقصه بقلة العشيرة والعدد أو لضعف المنة قوله تدلى علينا أي انحدر ولا يخبر بهذا إلا عمن جاء من مكان عال قال الطبري هذا هو المشهور عند العرب قوله من قدوم ضان قال ابن قرقول هو بفتح القاف وتخفيف الدال اسم موضع وضم المروزي القاف والأول أكثر وتأوله بعضهم قدوم ضان أي المتقدم منها وهي رؤوسها وهو وهم بين وقال ابن بطال يحتمل أن يكون جمع قادم مثل ركوع وراكع وسجود وساجد ويكون المعنى تدلى علينا من جملة القادمين أقام الصفة مقام الموصوف ويكون من في قوله من قدوم تبيينا للجنس كما لو قال تدلى علينا من ساكني ضان ولا تكون من مرتبطة بتدلي كما هي مرتبطة بالفعل في قولك تدليت من الجبل لاستحالة تدليه من قوم لأنه لا يقال تدليت من بني فلان قال ويحتمل أن يكون قدوم مصدرا وصف به

(14/124)


الفاعلون ويكون في الكلام حذف وتقديره تدلى علينا من ذوي قدوم فحذف الموصوف وأقام المصدر مقامه كما لو قالوا رجل صوم أي ذو صوم و من على هذا التقدير أيضا تبيين للجنس كما كانت في الوجه الأول قال ويحتمل أن يكون معناه تدلى علينا من مكان قدوم ضأن ثم حذف المكان وأقام القدوم مكانه كما قالت العرب ذهب به مذهب وسلك به مسلك يريد المكان الذي يسلك فيه ويذهب ويشهد لهذا رواية من رأس ضان ويحتمل أن يكون إسما لمكان قدوم بفتح القاف دون الضم لقلة الضم في هذا البناء في الأسماء وكثرة الفتح ويحتمل أن يكون قدوم ضأن بتشديد الدال وفتح القاف لو ساعدته رواية لأنه من بناء أسماء المواضع وطرف القدوم موضع بالشام وعن ابن دريد قدوم ثنية بسراة أرض دوس وقال أبو عبيد رواه الناس عن البخاري ضأن بالنون إلا الهمداني فإنه رواه من قدوم ضال باللام وهو الصواب إن شاء الله تعالى والضال السدر البري وأما إضافة هذه الثنية إلى الضأن فلا أعلم لها معنى وقد مر عن أبي داود أنه باللام وقال ابن الجوزي كذا هو في أكثر الروايات وزعم أبو ذر الهروي أن ضان بالنون جبل بأرض دوس بلد أبي هريرة وقيل ثنية قوله ينعي علي من نعيت على الرجل فعله إذا عبته عليه قوله قتل رجل بالنصب مفعول ينعى أي ينعي علي بأني قتلت رجلا أكرمه الله على يدي حيث صار شهيدا بواسطتي ولم يكن بالعكس إذ لو صرت مقتولا بيده لصرت مهانا من أهل النار إذا لم أكن حينئذ مسلما قوله قال فلا أدري أسهم له وهو من قول ابن عيينة أو من دونه إلى شيخ البخاري قاله ابن التين قوله قال سفيان أي سفيان بن عيينة ووقع في رواية الحميدي في ( مسنده ) عن سفيان وحدثنيه السعيدي أيضا وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان سمعت السعيدي قوله وحدثنيه السعيدي معطوف على قوله حدثنا الزهري وهو موصول بالإسناد الأول قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه هذا وقع هكذا ولغير أبي ذر
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الرجل قد يوبخ بما قد سلف إلا أن يتوب فلا توبيخ عليه ولا تثريب ألا يرى أن أبا هريرة لم يوبخ ابن سعيد بن العاص على قتل ابن قوقل كيف رد عليه أقبح الرد وصارت له عليه الحجة كما صارت لآدم على موسى عليهما السلام من أجل أنه وبخه بعد التوبة من الذنب وفيه أن التوبة تمحو ما سلف قبلها من الذنوب القتل وغيره لقوله أكرمه الله على يدي ولم يهنيء على يديه لأن ابن قوقل وجبت له الجنة بقتل ابن سعيد له ولم يجب لابن سعيد النار لأنه أسلم ومات ويصحح هذا سكوته على قوله ولو كان غير صحيح لما لزمه السكوت لأنه بعث للبيان وفيه قيل حجة على الكوفيين في قولهم في المدد يلحق بالجيش في أرض الحرب بعد الغنيمة أنهم شركاؤهم في الغنيمة وسائر العلماء إنما تجب الغنيمة عندهم لمن شهد الوقعة واحتجوا بحديث أبي هريرة وأن سيدنا رسول الله لم يسهم لهم وأبو حنيفة إنما يسهم لمن غاب عن الوقعة لشغل شغله به الإمام من أمور المسلمين كما فعل بعثمان رضي الله تعالى عنه حين قسم له من غنائم بدر بسهم ولم يحضرها لأنه كان غائبا في حاجة الله ورسوله فكان كمن حضرها أو مثل أن يبعثه الإمام لقتال قوم آخرين فيصيب الإمام غنيمة بعد مفارقة الرجل إياه أو يبعث رجلا ممن معه في دار الحرب إلى دار الإسلام ليمده بسلاح ورجال فلا يعود ذلك الرجل إلى الإمام حتى يقسم غنيمه فهو شريك فيها وهو كمن حضرها وكذلك كل من أراد الغزو فرده الإمام وشغله بشيء من أمور المسلمين فهو كمن حضرها وقال الطحاوي رحمه الله وأما حديث أبي هريرة فإنما ذلك والله أعلم لأنه وجه أبان لنجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر فتوجه أبان ثم حدث خروجه إلى خيبر فكان ما غاب فيه أبان ليس هو شغل شغل به عن حضورها بعد إرادته إياها فيكون كمن حضرها
92 -
( باب من اختار الغزو على الصوم )
أي هذا باب من اختار الغزو على الصوم لئلا يضعف بدنه بالصوم عن القيام بأمور الغزو وأيضا فالمجاهد يكتب له أجر الصائم القائم وقد مثله بالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر
8282 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( ثابت البناني ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي من أجل الغزو فلما قبض

(14/125)


النبي لم أره مفطرا إلا يوم فطر أو أضحى
مطابقته للترجمة ظاهرة وثابت بالثاء المثلثة ابن أسلم أبو محمد البصري البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى وكسر الثانية نسبة إلى بنانة وهم ولد سعد بن لؤي وبنانة زوجة سعد وقيل كانت أمة له
والحديث من أفراده وأبو طلحة زوج أم أنس واسمه زيد بن سهل الأنصاري وكان أبو طلحة اعتمد على قوله تقووا لعدوكم بالإفطار وكان فارس الحرب ومن له الاجتهاد فيها فلذلك كان يفطر ليتقوى على العدو وهذا يدل على فضل الجهاد على سائر أعمال التطوع فلما مات عليه الصلاة و السلام وقوي الإسلام واشتدت وطأته على العدو ورأى أنه في سعة عما كان عليه من الجهاد رأى أن يأخذ بحظه من الصوم ليجمع له هاتان الطاعتان العظيمتان وليدخل يوم القيامة من باب الريان
قوله لم أره مفطرا هذا من كلام أنس أي لم أر أبا طلحة يفطر إلا يوم فطر أو أضحى أي أو يوم أضحى وكان لا يصومهما للنهي الوارد فيه ويدخل فيه صوم أيام التشريق قالوا هذا خلاف ما كان عليه الفقهاء فإن قلت روى الحاكم في ( مستدركه ) من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة أقام بعد رسول الله أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى قلت هنا مأخذان على الحاكم أحدهما أن أصل الحديث في البخاري فلا يصح الاستدراك والآخر أن هذا المقدار الذي ذكره في حياته بعد النبي فيه نظر لأنه لم يعش بعد النبي إلا ثلاثا أو أربعا وعشرين سنة وصرح بعضهم بأن الزيادة في مقدار حياته بعد النبي غلط قلت التصريح بالغلط غلط لأن أبا عمر قال قال أبو زرعة عاش أبو طلحة بالشام بعد موت النبي أربعين سنة يسرد الصوم وقال أبو زرعة سمعت أبا نعيم يذكر ذلك عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه يعني أن أبا طلحة سرد الصوم بعد النبي أربعين سنة
03 -
( باب الشهادة سبع سوى القتل )
أي هذا باب يذكر فيه الشهادة سبع أي سبعة أنواع وكونها سبعا باعتبار الشهداء ولهذا جاء في حديث جابر بن عتيك عن رسول الله الشهداء سبعة أنواع سوى القتل في سبيل الله تعالى المطعون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد والحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد الحديث في ( الموطأ ) قوله بجمع بضم الجيم وسكون الميم وفي آخره عين مهلمة بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور وهو أن تموت المرأة وفي بطنها ولد وقيل التي تموت بكرا وكسر الكسائي الجيم وفي حديث الباب الشهداء خمسة على ما يأتي وروى الحارث بن أبي أسامة من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله الشهداء ثلاثة رجل خرج بنفسه وماله صابرا محتسبا لا يريد أن يقتل ولا يقتل فإن مات أو قتل غفرت له ذنوبه كلها ويجار من عذاب القبر ويؤمن من الفزع الأكبر ويزوج من الحور العين ويخلع عليه حلة الكرامة ويوضع على رأسه تاج الخلد والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسبا يريد أن يقتل ولا يقتل فإن مات أو قتل كانت ركبته وركبة إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام بين يدي الله عز و جل في مقعد صدق والثالث رجل خرج بنفسه وماله محتسبا يريد أن يقتل أو يقتل فإن مات أو قتل فإنه يجيء يوم القيامة شاهرا سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقول أفسحوا لنا فإنا قد بذلنا دماءنا لله عز و جل والذي نفسي بيده لو قال ذلك لإبراهيم عليه الصلاة و السلام أو لنبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتنحى لهم عن الطريق لما يرى من حقهم ولا يسأل الله شيئا إلا أعطاه ولا يشفع في أحد إلا شفع فيه ويعطى في الجنة ما أحب الحديث بطوله
وروى الترمذي من حديث فضالة بن عبيد يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله يقول الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته فما أدري أقلنسوة عمر أراد أم قلنسوة النبي قال ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن أتاه سهم غرب فقتله فهو في الدرجة الثانية ورجل مؤمن خلط عملا صالحا فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الثالثة

(14/126)


ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وهذا كما رأيت في ترجمة الباب الشهادة سبع وفي حديث جابر بن عتيك سبعة موافق للترجمة وفي حديث الباب خمسة وفي حديث أنس بن مالك ثلاثة وفي حديث عمر بن الخطاب أربعة
وجاءت أحاديث أخرى في هذا الباب منها في ( الصحيح ) من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن وقصه فرسه أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله فهو شهيد ومن حبسه السلطان ظالما له أو ضربه فمات فهو شهيد وكل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد وفي حديث ابن عباس المرابط يموت في فراشه في سبيل الله فهو شهيد والشرق شهيد والذي يفترسه السبع شهيد وعند ابن أبي عمر من حديث ابن مسعود ومن تردى من الجبال شهيد وقال ابن العربي وصاحب النظرة وهو المعين والغريب شهيدان قال وحديثهما حسن ولما ذكر الدارقطني حديث ابن عمر الغريب شهيد صححه وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر الحديث وسنده جيد على رأى الحاكم وروى البزار بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه من عشق وعف وكتم ومات مات شهيدا وروى النسائي من حديث سويد بن مقرن من قتل دون مظلمة فهو شهيد وعند الترمذي من حديث معقل بن يسار من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر فإن مات من يومه مات شهيدا وقال حديث حسن غريب وعند الثعلبي من حديث يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله تعالى عنه من قرأ آخر سورة الحشر فمات من ليلته مات شهيدا وعند الأجري يا أنس إن استطعت أن تكون أبدا على وضوء فافعل فإن ملك الموت إذا قبض روح العبد وهو على وضوء كتب له شهادة وعند أبي نعيم عن ابن عمر من صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر كتب له أجر شهيد وعن جابر من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء قال أبو نعيم غريب من حديث جابر وعند أبي موسى من حديث عبد الملك بن هارون بن عنبرة عن أبيه عن جده يرفعه فذكر حديثا فيه والسل شهيد والغريب شهيد وفي كتاب ( الأفراد والغرائب ) للدارقطني من حديث أنس عن النبي أنه قال المحموم شهيد وفي ( كتاب العلم ) لأبي عمر عن أبي ذر وأبي هريرة إذا جاء الموت طالب العلم وهو على حاله مات شهيدا وفي ( الجهاد ) لابن أبي عاصم من حديث أبي سلام عن ابن معانق الأشعري عن أبي مالك الأشعري مرفوعا من خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء وفي ( التمهيد ) عن عائشة عن النبي إن فناء أمتي بالطعن والطاعون قالت يا رسول الله أما الطعن فقد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط من مات منها مات شهيدا وفي ببعض الآثار المجنوب شهيد يريد صاحب ذات الجنب وفي الحديث إنها نخسة من الشيطان
وهذا كما رأيت ترتقي الشهداء إلى قريب من أربعين فإن قلت كيف التوفيق بين الأحاديث التي فيها العدد المختلف صريحا والأحاديث الأخر أيضا قلت أما ذكر العدد المختلف فليس على معنى التحديد بل كل واحد من ذلك بحسب الحال وبحسب السؤال وبحسب ما تجدد العلم في ذلك من النبي على أن التنصيص على العدد المعين لا ينافي الزيادة ومع هذا الشهيد الحقيقي هو قتيل المعركة وبه أثر أو قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق سواء كان القتل مباشرة أو تسببا أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب بقتله دية فالحكم فيه أن يكفن ويصلى عليه ولا يغسل ويدفن بدمه وثياب إلا ما ليس من جنس الكفن كالفرو والحشو والسلاح المعلق عليه ويزاد وينقص هذا كله عند أصحابنا الحنفية وعند الشافعي من مات في قتال أهل الحرب فهو شهيد سواء كان به أثر أو لا ومن قتل ظلما في غير قتال الكفار أو خرج في قتالهم ومات بعد انفصال القتال وكان بحيث يقطع بموته ففيه قولان في قول لم يكن شهيدا وبه قال مالك وأحمد وفي ( المغنى ) إذا مات في المعترك فإنه لا يغسل

(14/127)


رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الحسن وابن المسيب فإنهما قالا يغسل الشهيد ولا يعمل به وأما ما عدا ما ذكرناهم الآن فهم شهداء حكما لا حقيقة وهذا فضل من الله تعالى لهذه الأمة بأن جعل ما جرى عليهم تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجرهم بلغهم بها درجات الشهداء الحقيقية ومراتبهم فلهذا يغسلون ويعمل بهم ما يعمل بسائر أموات المسلمين وفي ( التوضيح ) الشهداء ثلاثة أقسام شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار بسبب من الأسباب وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم من ذكروا آنفا وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل في الغنيمة ومن قتل مدبرا أو ما في معناه
9282 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة سبع وفي الحديث خمسة وقال ابن بطال هذا يدل على أن البخاري مات ولم يهذب كتاب وأجيب بأن البخاري أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أخر وتلك الأسباب اختلف الأحاديث فيها ففي بعضها خمسة وهو الذي صح عند البخاري ووافق شرطه وفي بعضها سبع لكن لم يوافق شرطه فنبه عليه في الترجمة إيذانا بأن الوارد في عددها من الخمسة أو السبعة ليس على معنى التحديد الذي لا يزيد ولا ينقص بل هو إخبار عن خصوص فيما ذكر والله أعلم بحصرها وقال الكرماني الجواب أن بعض الرواة نسي الباقي وتم كلامه قلت وفيه نظر لا يخفى وقال بعضهم هذه الترجمة لفظ حديث آخر أخرجه مالك من رواية جابر بن عتيك قلت قد ذكرنا حديثه عن قريب وهذا ليس بجواب يجدي لأن المطلوب وجود المطابقة بين الترجمة وبين حديث الباب لا بينها وبين حديث آخر خارج عن الكتاب والأوجه الأقرب ما ذكرنا بقولنا وأجيب بأن البخاري إلى آخره
وسمي بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف أبو عبد الله مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني وأبو صالح ذكوان الزيات السمان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصلاة وفي المرضى عن أبي عاصم وأخرجه الترمذي في الجنائز عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى وأخرجه النسائي في الطب عن قتيبة
قوله المطعون هو الذي مات في الطاعون وقال الجوهري هو الموت من الوباء قوله والمبطون أي العليل بالبطن قوله والغرق بفتح الغين المعجمة وكسر الراء وهو الذي يموت بالغرق وقيل هو الذي غلبه الماء ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق قوله وصاحب الهدم قال ابن الأثير الهدم بالتحريك البناء المهدوم فعل بمعنى مفعول وبالسكون الفعل نفسه قوله والشهيد في سبيل الله وقال الطيبي يلزم منه حمل الشيء على نفسه التحديث بصيغة الجمع في لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ أو المعدود بعده بيان له وأجاب بأنه من باب قول الشاعر
( أنا أبو النجم وشعري شعري )
فافهم
0382 - حدثنا ( بشر بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( عاصم ) عن ( حفصة بنت سيرين ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الطاعون شهادة لكل مسلم
( الحديث 0382 - طرفه في 2375 )
مطابقته للترجمة من حيث إن أحد السبعة التي هي الترجمة واحد الخمسة التي في الحديث السابق وبشر بكسر الباء الموحدة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعاصم هو ابن سليمان الأحول وحفصة بنت سيرين هي أخت محمد بن سيرين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الجهاد عن حامد بن عمر
قوله الطاعون هو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان وقيل الطاعون هو الذي أصابه الطعن وهو الوجع الغالب الذي ينطفي به الروح كالذبحة ونحوها وروى أسامة عن رسول الله

(14/128)


أنه قال والطاعون رجز أرسل على من كان قبلكم وإنما سمي طاعونا لعموم مصابه وسرعة قتله فيدخل فيه مثله مما يصلح اللفظ له
13 -
( باب قول الله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين إلى قوله غفورا رحيما ( النساء 59 ) )
أي هذا باب في بيان سبب نزول قوله تعالى لا يستوي القاعدون ( النساء 59 ) الآية والقاعدون جمع قاعد وأراد بهم القاعدين عن الجهاد وكلمة من للبيان والتبعيض وأريد بالجهاد غزوة بدر قاله ابن عباس وقال مقاتل غزوة تبوك والضرر مثل العمى والعرج والمرض قوله والمجاهدون عطف على قوله القاعدون قوله وفضل الله المجاهدين هذه الجملة موضحة للجملة الأولى التي فيها عدم استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل ما بالهم لا يستوون فأجيب بقوله فضل الله المجاهدين قوله درجة نضب بنزع الخافض وقيل مصدر في معنى تفضيلا وقيل حال أي ذوي درجة قوله وكلا أي وكل فريق من القاعدين والمجاهدين قوله وعد الله الحسنى أي المثوبة الحسنى وهي الجنة قوله إلى قوله غفورا رحيما ( النساء 59 ) أراد به تمام الآية وهو قوله على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ( النساء 59 ) قال الزمخشري أجرا انتصب بفضل لأنه في معنى آجرهم أجرا قوله درجات أي في الجنة قال الزمخشري ويجوز أن ينتصب درجات نصب درجة كما نقول ضربه أسواطا بمعنى ضربات كأنه قيل وفضلهم تفضيلا قوله ومغفرة ورحمة بدل من أجرا وكان الله غفورا رحيما ( النساء 59 ) للفريقين فإن قلت ما الحكمة في أن الله تعالى ذكر في أول الكلام درجة وفي آخره درجات قلت الأولى لتفضيل المجاهدين على أولى الضرر والثانية للتفضيل على غيرهم وقيل الأولى درجة المدح والتعظيم والثانية منازل الجنة
1382 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) رضي الله تعالى عنه يقول لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين ( النساء 59 ) دعا رسول الله زيدا فجاء بكتف فكتبها وشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( النساء 59 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين سبب نزول قوله لا يستوي القاعدون ( النساء 59 ) إلى آخره وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن حفص بن عمر وأخرجه مسلم في الجهاد عن أبي موسى وبندار
قوله زيدا هو زيد بن ثابت الأنصاري النجاري قوله بكتف بفتح الكاف وكسر التاء وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم قوله ابن أم مكتوم هو عمرو بن قيس العامري واسم أمه عاتكة المخزومية قوله ضرارته أي ذهاب بصره
وفيه اتخاذ الكاتب وتقييد العلم
2382 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد الزهري ) قال حدثني ( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) أنه قال رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ي سبيل الله قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى

(14/129)


فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز و جل غير أولى الضرر ( النساء 59 )
( الحديث طرفه في 2954 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة ومروان هو ابن الحكم كان أمير المدينة زمن معاوية والحديث من أفراده ومن لطائف إسناده أن سهل بن سعد الصحابي يروي عن مروان وهو تابعي
قوله يملها بضم الياء وكسر الميم وتشديد اللام أي يمليها والظاهر أن ياءه منقلبة عن إحدى اللامين قوله لو استطيع الجهاد أصله لو استطعت عدل إلى المضارع إما لقصد الاستمرار أو لغرض الاستمرار قوله وكان رجلا أعمى أي كان ابن أم مكتوم قوله وفخذه الواو فيه للحال قوله أن ترض من الرض بتشديد الضاد المعجمة وهو الدق الجرش قوله ثم سري عنه بالتخفيف والتشديد أي كشف وأزيل قيل إن جبريل عليه الصلاة و السلام صعد وهبط في مقدار ألف سنة قبل أن يجف القلم أي بسبب أولى الضرر حكاه ابن التين قال وهذا يحتاج أن يكون جبريل عليه الصلاة و السلام يتناول ذلك من السماء والأمر كذلك لأن القرآن نزل جملة واحدة ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك متفرقا بحسب الحال
وفيه أن من حبسه العذر وغيره عن الجهاد وغيره من أعمال البر مع نية فيه فله أجر المجاهد والعامل لأن نص الآية على المفاضلة بين المجاهد والقاعد ثم استثنى من المفضولين أولي الضرر وإذا استثناهم منها فقد ألحقهم بالفاضلين وقد بين الشارع هذا المعنى فقال إن بالمدينة أقواما ما سلكنا واديا أو شعبا إلا وهم معنا حبسهم العذر وكذا جاء فيمن كان يعمل وهو صحيح وكذا من نام عن حزبه نوما غالبا كتب له أجر حزبه وكان نومه صدقة عليه وكذا المسافر يكتب له ما كان يعمل في الإقامة وهذا معنى قوله عز و جل إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( النساء 59 ) أي غير مقطوع بزمانة أو كبر أو ضعف إذ الإنسان يبلغ بنيته أجر العامل إذا كان لا يستطيع العمل الذي ينويه
23 -
( باب الصبر عند القتال )
أي هذا باب في بيان فضل الصبر عند القتال مع الكفار
3382 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم أبي النضر ) أن عبد الله بن أبي أوفى كتب فقرأته أن رسول الله قال إذا لقيتموهم فاصبروا
مطابقته للترجمة في قوله فاصبروا يعني عند ملاقاة الكفار وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي وأبو إسحاق هو الفزاري واسمه إبراهيم بن محمد والحديث مضى بعين هذا الإسناد في باب الجنة تحت بارقة السيوف ومضى الكلام فيه هناك قوله فاصبروا يحتمل أن يراد به الصبر عند إرادة القتال والشروع فيه أو الصبر حال المقاتلة والثبات عليه
( باب التحريض على القتال )
أي هذا باب في بيان التحريض أي الحث على القتال
وقوله تعالى حرض المؤمنين على القتال ( الأنفال 56 )
وقوله بالجر عطف على قوله التحريض وفي بعض النسخ وقول الله تعالى وأوله قوله تعالى يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ( الأنفال 56 ) قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا سفيان عن ابن شوذب عن الشعبي عن قوله يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ( الأنفال 56 ) أي حثهم عليه ولهذا كان رسول الله يحرض على القتال عند صفهم

(14/130)


ومواجهة العدو كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض الحديث وقال محمد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية أعني قوله يا أيها النبي حرض المؤمنين ( الأنفال 56 ) الآية ثقلت على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ومائة ألفا فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ( الأنفال 66 ) الآية فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغي لهم أن يفروا من عدوهم وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم وجائز لهم أن يتحوزوا وروي عن علي بن أبي طلحة العوفي عن ابن عباس نحو ذلك وقال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك
4382 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول خرج رسول الله إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النبب والجوع قال
( أللهم إن العيش عيش الآخرة
فاغفر للأنصار والمهاجرة )
فقالوا مجيبين له
( نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بقينا أبدا )
مطابقته للترجمة من حيث إن في قوله
( اللهم إن العيش عيش الآخرة )
تحريضهم على ما هم فيه لكونه من الجهاد ورجاله قد ذكروا في إسناد الحديث السابق في الباب الذي قبله
قوله خرج رسول الله إلى الخندق وكان في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن إسحاق وعروة بن الزبير وقتادة وقال موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال كانت الأحزاب في شوال سنة أربع وكذلك قال مالك بن أنس وكان سبب ذلك أنه لما بلغه اجتماع الأحزاب وهي القبائل واتفاقهم على محاربته ضرب الخندق على المدينة قال ابن هشام يقال إن الذي أشار به سلمان رضي الله تعالى عنه وقال الطبري والسهيلي أول من حفر الخنادق منوجهر بن أيرج وكان في زمن موسى عليه الصلاة و السلام قوله فإذا كلمة إذ المفاجأة قوله ما بهم أي الأمر الملتبس بهم قوله من النصب أي التعب قوله والجوع
قوله قال أي النبي اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة إلى آخره وقال الداودي إنما قال ابن رواحة لا هم بلا ألف ولا لام فأتى به بعض الرواة على المعنى وهذا موزون وقال ابن التين بالألف واللام إلى آخره فليس بموزون ولا هو رجز وقال ابن بطال ليس هو من قول رسول الله بل هو من قول ابن رواحة ولو كان من لفظه لم يكن بذلك شاعرا ولا ممن ينبغي له الشعر وإنما يسمي به من قصد صناعته وعلم السبب والوتد والشطر وجميع معانيه من الله لزحاف والخرم والقبض ونحو ذلك قلت فيه نظر لأن شعراء العرب لم يكونوا يعلمون ما ذكره من ذلك قوله إن العيش أي العيش المعتبر أو العيش الباقي قوله فاغفر للأنصار ويروى للأنصار ويخرج به عن الوزن قوله بايعوا ويروى بايعنا
وفيه من الفوائد أن للحفر في سبيل الله وتحصين الديار وسد الثغور منها أجر كأجر القتال والنفقة فيه محسوبة في نفقات المجاهدين إلى سبعمائة ضعف وفيه استعمال الرجز والشعر إذا كانت فيه إقامة النفوس وإثارة الأنفة والمعرة

(14/131)


43 -
( باب حفر الخندق )
أي هذا باب في ذكر حفر الصحابة رضي الله تعالى عنهم الخندق حول المدينة
5382 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ويقولون
( نحن الذين بايعوا محمدا
على الإسلام ما بقينا أبدا )
والنبي يجيبهم ويقول
( أللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة
فبارك في الأنصار والمهاجره )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري وعبد الوارث بن سعيد البصري وعبد العزيز بن صهيب البصري وهؤلاء كلهم بصريون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي معمر أيضا وأخرجه النسائي في المناقب بتمامه وفي الرقايق مختصرا عن عمران بن موسى
قوله على متونهم المتون جمع متن ومتنا الظهر مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم يذكر ويؤنث والمتن من الأرض ما صلب وارتفع قوله على الإسلام ويروى على الجهاد وهو الموزون والأول غير موزون قوله والنبي يجيبهم وفي الحديث الماضي في البيت السابق هم يجيبون له لأنه كان تارة كذا وتارة كذا
52 - ( حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول كان النبي ينقل ويقول لولا أنت ما اهتدينا )
هذا الإسناد بعينه قد مضى عن قريب في أول باب قول الله تعالى لا يستوي القاعدون والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن حفص بن عمر وفي المغازي عن مسلم بن إبراهيم وفي التمني عن عبدان عن أبيه وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وبندار عن غندر وعن أبي موسى عن ابن مهدي وأخرجه النسائي في السير عن علي بن الحسين الدرهمي قوله لولا أنت ما اهتدينا كذا روى وهو بالله لولا أنت ما اهتدينا
53 - ( حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال رأيت رسول الله يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول
لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل السكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
هذا طريق آخر عن البراء بأتم من الطريق السابق قوله يوم الأحزاب سمي به لاجتماع القبائل واتفاقهم على محاربة النبي وهو يوم الخندق والأحزاب جمع حزب بالكسر وهم الطوائف من الناس قوله فأنزلن بالنون المخففة قوله سكينة أي وقارا ويروى فنزل السكينة قوله إن لاقينا يعني مع الكافر قوله إن الأولى هو من ألفاظ الموصولات لا من أسماء الإشارات وهو جمع للمذكر قوله قد بغوا أي ظلموا من البغي قوله أبينا من الإباء

(14/132)


وهو الامتناع وقوله إن الأولى إلى آخره ليس يتزن وروي هكذا أن الأولى هم قد بغوا علينا وهو يتزن لأن وزنه مستفعلن مستفعلن فعولن وقال الداودي وفي رواية أن الأعادي بغوا علينا وهو أيضا لا يتزن إلا بزيادة هم أو قد -
53 -
( باب من حبسه العذر عن الغزو )
أي هذا باب في بيان حكم من حبسه العذر وهو الوصف الطاريء على المكلف المناسب للتسهيل عليه وجواب من محذوف تقديره فله أجر الغازي
8382 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( حميد ) أن ( أنسا ) حدثهم قال رجعنا من غزوة تبوك مع النبي ح
9382 - وحدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) هو ( ابن زيد ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان في غزاة فقال إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر
( انظر الحديث 8382 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وحبسهم العذر وأخرجه من طريقين الأول عن أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي عن زهير بن معاوية أبي خيثمة الجعفي عن حميد الطويل عن أنس الثاني سليمان بن حرب إلى آخره وهذا كما رأيت قرن رواية زهير برواية حماد بن زيد ففي رواية زهير فائدتان أولاهما التصريح بغزوة تبوك والأخرى بتصريح أنس بالتحديث
قوله خلفنا بسكون اللام أي وراءنا ويروى بتشديد اللام وسكون الفاء من التخليف قوله شعبا بكسر الشين المعجمة الطريق في الجبل ويسمى الحي العظيم أيضا شعبا بالكسر والشعب بالفتح ما تفرق من قبائل العرب والعجم والشعب أيضا القبيلة العظيمة قوله إلا وهم معنا فيه أي في ثوابه أي هم شركاء في الثواب وفي رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد إلا وهم معكم فيه بالنية وفي رواية ابن حبان وأبي عوانة من حديث جابر إلا شركوكم في الأجر بدل قوله إلا كانوا معكم قوله العذر لمرض وعدم القدرة على السفر وروى مسلم من حديث جابر بلفظ حبسهم المرض وهذا محمول على الأغلب
وفيه من حبسه العذر من أعمال البر مع نية فيها يكتب له أجر العامل بها كما قال فيمن غلبه النوم عن صلاة الليل إنه يكتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه
وقال موسى حدثنا حماد عن حميد عن موسى بن أنس عن أبيه قال النبي
أي قال موسى بن إسماعيل هو شيخ البخاري وحماد هو ابن سلمة يروي عن حميد عن موسى بن أنس عن أبيه أنس وهذا التعليق وصله الإسماعيلي أخبرنا أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن موسى بن أنس عن أبيه أنس فذكره
قال أبو عبد الله الأول أصح
أبو عبد الله هو البخاري قوله الأول السند الأول الذي فيه حميد عن أنس بدون ذكر موسى بن أنس عندي أصح من الذي فيه موسى بن أنس ورد عليه الإسماعيلي في هذا وقال حماد عالم بحديث حميد مقدم فيه على غيره وكأنه قال هذا تصريح حميد بحديث أنس له ولكن يمكن أن يكون حميد سمع هذا من موسى عن أبيه ثم لقي أنسا فحدثه به أو سمع من أنس فثبته فيه ابنه موسى والله أعلم
63 -
( باب فضل الصوم في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل الصوم في سبيل الله أي الجهاد وقال القررطبي سبيل الله طاعة الله والمراد به الصوم مبتغيا وجه الله

(14/133)


482 - حدثنا ( إسحاق بن نصر ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( يحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح أنهما ) سمعا ( النعمان بن أبي عياش ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي النجاري وكان ينزل بالمدينة بباب بني سعد روى عنه البخاري في غير موضع من كتابه مرة يقول إسحاق بن نصر فينسبه إلى جده ومرة يقول إسحاق بن إبراهيم بن نصر فينسبه إلى أبيه وعبد الرزاق بن همام وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ويحيى بن سعيد الأنصاري وسهيل بن أبي صالح لم يخرج له البخاري موصولا إلا هذا ولم يحتج به ولهذا قرنه بيحيى بن سعيد وقد اختلف في إسناده على سهيل فرواه الأكثرون عنه هكذا وخالفهم شعبة فرواه عنه عن صفوان بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي والنعمان بن أبي عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة واسمه زيد بن الصلت وقيل زيد بن النعمان الزرقي الأنصاري وعن يحيى ثقة وقال ابن حبان كذلك وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك الأنصاري
وأخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق بن منصور وعبد الرحمن بن بشير وعن قتيبة وعن محمد بن رمح وأخرجه الترمذي في الجهاد عن سعيد بن عبد الرحمن وعن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في الصوم عن مؤمل بن شهاب وعن الحسن بن قزعة وعن محمد بن عبد الله وعن عبد الله بن منير وعن أحمد بن حرب وعبد الله بن أحمد بن حنبل وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح
قوله بعد الله وجهه وأول النووي وغيره المباعدة من النار على المعافاة منها دون أن يكون المراد البعد بهذه المسافة المذكورة في الحديث قلت لا مانع من الحقيقة على ما لا يخفى ثم هذا يقتضي إبعاد النار عن وجه الصائم وفي أكثر الطرق إبعاد الصائم نفسه فإذا كان المراد من الوجه الذات كما في قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه ( القصص 88 ) يكون معناهما واحدا وإن كان المراد حقيقة الوجه يكون الإبعاد من الوجه فقط وليس فيه أن يبقى الجسد أن يناله النار إلأ أن الوجه كان أبعد من النار من سائر جسده وذلك لأن الصيام يحصل منه الظمإ ومحله الفم لأن الري يحصل بالشرب في الفم قوله سبعين خريفا أي سنة لأن السنة تستلزم الخريف فهو من باب الكناية
واختلفت الروايات في مقدار المباعدة من النار ففي حديث عقبة بن عامر عن النبي أخرجه النسائي من صام يوما في سبيل الله باعد الله منه جهنم مائة عام وفي حديث عمرو بن عنبسة عن النبي أخرجه الطبراني في ( الكبير ) كذلك مائة عام وكذا في حديث عبد الله بن سفيان أخرجه الطبراني أيضا وفي حديث أنس عن النبي أخرجه ابن عدي في ( الكامل ) من صام يوما في سبيل الله تباعدت عنه جهنم مسيرة خمسمائة عام وفي حديث أبي أمامة أخرجه الترمذي وتفرد به عن النبي قال من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض وكذا رواه الطبراني في ( الصغير ) عن أبي الدرداء وكذا رواه عن جابر وفي رواية ابن عساكر أبعده الله من النار مسيرة مائة سنة حضر الجواد وفي حديث عتبة بن النذر أخرجه الطبراني أيضا قال قال رسول الله من صام يوما في سبيل الله فريضة باعد الله منه جهنم كما بين السموات والأرضين السبع ومن صام يوما تطوعا باعد الله منه جهنم ما بين السماء والأرض وفي حديث سلامة بن قيصر أخرجه الطبراني أيضا في ( الكبير ) قال سمعت رسول الله يقول من صام يوما ابتغاء وجه الله بعده الله من جهنم بعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما وفي حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي أنه قال من صام يوما في سبيل الله زحزحه الله عن النار سبعين خريفا والآخر يقول أربعين وقال الترمذي هذا حديث غريب وفي حديث سهل بن معاذ عن أبيه أخرجه أبو يعلى الموصلي من صام يوما في سبيل الله متطوعا في غير رمضان بعد من النار مائة عام سير المضمر المجيد وفي حديث ابن عساكر عن ابن عمر

(14/134)


من صام يوما في سبيل الله متطوعا فهو بسبعمائة يوم
فإن قلت ما التوفيق بين هذه الروايات قلت الأصل أن يرجح ما طريقته صحيحة وأصحها رواية سبعين خريفا فإنها متفق عليها من حديث أبي سعيد وجواب آخر أن الله أعلم نبيه أولا بأقل المسافاة في الأبعاد ثم أعلمه بعد ذلك بالزيادة على التدريج في مراتب الزيادة ويحتمل أن يكون ذلك بحسب اختلاف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه والله أعلم
73 -
( باب فضل النفقة في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل الإنفاق في سبيل الله المراد من سبيل الله الجهاد ولكن اللفظ أعم من هذا يتناول الجهاد وغيره
1482 - حدثني ( سعد بن حفص ) قال حدثنا ( شيبان ) عن يحياى عن أبي سلمة أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي فل هلم قال أبو بكر يا رسول الله ذااك الذي لا توى عليه فقال النبي إني لأرجو أن تكون منهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له الضخم وهو من أفراده وشيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة ابن عبد الرحمن النحوي و ( يحيى ) هو ابن كثير وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف
والحديث أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن آدم وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد ابن رافع وعن محمد بن حاتم
قوله من أنفق زوجين أي شيئين من أي نوع كان مما ينفق وقال الكرماني والزوج خلاف الفرد وكل واحد منهما يسمى أيضا زوجا قلت ينبغي أن يطلق هنا على الواحد قطعا وقال الخطابي يريد بالزوجين أن يشفع إلى كل شيء ما يشفعه من شيء مثله إن كان دراهم فبدرهمين وإن كان دنانير فبدينارين وإن كان سلاحا وغيره كذلك وقال الداودي يقع الزوج على الواحد والإثنين وهنا على الواحد واحتج بقوله خلق الزوجين واعترضه ابن التين فقال ليس قوله ببين قلت هذا بين فلا وجه لاعتراضه قوله خزنة الجنة الخزنة جمع خازن وهو الذي يخزن تحت يده الأشياء قوله كل خزنة باب قال بعضهم كأنه من المقلوب قلت لا حاجة إلى قوله كأنه بل هو من المقلوب إذ أصله خزنة كل باب قوله أي فل كلمة أي حرف نداء وقوله فل روي بضم اللام وفتحها وأصله فلان فحذف منه الألف والنون بغير ترخيم ولفظ فلان كناية عن اسم سمي به المحدث عنه ويقال في النداء يا فل وإنما قلنا بغير ترخيم إذ لو كان ترخيما لقيل يا فلا قوله هلم معناه تعال يستوي فيه الواحد والجمع في اللغة الحجازية وأهل نجد يقولون هل هلما هلموا قوله لا توى عليه أي لا ضياع عليه وقيل لا هلاك من قولك توى المال يتوي توى وقال ابن فارس التوى يمد ويقصر وأكثرهم على أنه مقصور وقال المهلب في هذا الحديث إن الجهاد أفضل الأعمال لأن المجاهد يعطى أجر المصلي والصائم والمتصدق وإن لم يفعل ذلك ولأن باب الريان للصائمين وقد ذكر في هذا الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بإنفاق قليل من المال في سبيل الله انتهى قلت هذا الذي ذكره إنما يتمشى على القول بأن المراد بقوله في سبيل الله الجهاد والأكثرون على أن المراد به ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة ويؤيد هذا ما جاء في الحديث من زيادة أخرجها أحمد وهي قوله فيه لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل والله أعلم
2482 - حدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( فليح ) قال حدثنا ( هلال ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قام على المنبر فقال إنما أخشاى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض ثم ذكر زهرة الدنيا فبدأ بإحداهما وثنى بالأخراى فقام

(14/135)


رجل فقال يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر فسكت عنه النبي قلنا يوحاى إليه وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء فقال أين السائل آنفا أو خير هو ثلاثا إن الخير لا يأتي إلا بالخير وإنه كلما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر كلما أكلت حتى إذاا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت وإن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه يجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة
مطابقته للترجمة في قوله فجعله في سبيل الله ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون أبو بكر العوفي الباهلي الأعمى وهو من أفراده وفليح بن سليمان وهلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي هلال وهو هلال بن علي الفهري المديني والحديث قد مضى في كتاب الزكاة في باب الصدقة على اليتامى ومضى الكلام فيه هناك فلنذكر بعض شيء لبعد المسافة
قوله فبدأ بإحداهما أي بالبركات قوله وثنى بالأخرى أي بزهرة الدنيا قوله أو يأتي الخير بالشر أي تصير النعمة عقوبة قوله كأن على رؤوسهم الطير قال الداودي يعني أن كل واحد صار كمن على رأسه طائر يريد صيده فلا يتحرك كيلا يطير قوله الرحضاء بضم الراء وفتح الحاء المهملة وبالمد العراق الذي أدره عند نزول الوحي عليه يقال رحض الرجل إذا أضابه ذلك فهو مرحوض ورحيض قوله أو خير هو أي المال هو خير على سبيل الإنكار قوله إن الخير لا يأتي إلا بالخير أي الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير لكن هذا ليس خيرا حقيقيا لما فيه من الفتنة والإشغال عن كمال الإقبال إلى آخره قوله ينبت بضم الياء من الإنبات قوله حبطا وقعت هذه اللفظة في الأصول وذكر ابن التين أنه محذوف وهو بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والطاء المهملة وهو انتفاخ البطن من داء يصيب الآكل من أكله وانتصابه على التمييز وقال ابن قرقول حبطت الدابة إذا أكلت المرعى حتى ينتفخ جوفها فتموت قوله أويلم بضم الياء من الإلمام أي يقرب أن يقتل قوله إلا آكلة الخضر أي إلا الدابة التي تأكل الخضر فقط قوله فثلطت أي الناقة إذا ألقت بعرها رقيقا قوله خضرة تأنيثه إما باعتبار أنواعه أو التاء للمبالغة كالعلامة أو معناه أن كان المال كالبقلة الخضرة قوله ونعم صاحب المسلم المخصوص بالمدح المال قوله ويكون عليه شهيدا وذلك بأن يأتيه في صورة من يشهد عليه بالخيانة كما يأتي على صورة شجاع أقرع
83 -
( باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير )
أي هذا باب في بيان فضل من جهز غازيا بأن هيأ له أسباب سفره قوله أو خلفه بفتح الخاء المعجمة وتخفيف اللام يقال خلف فلان فلانا إذا كان خليفته ويقال خلفه في قومه خلافة
3482 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( الحسين ) قال حدثني ( يحيى ) قال حدثني ( أبو سلمة ) قال حدثني ( بسر بن سعيد ) قال حدثني ( زيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا
مطابقته للترجمة ظاهرة فقوله من جهز غازيا يطابق الجزء الأول للترجمة وقوله ومن خلف غازيا يطابق الجزء الثاني لها وأبو معمر عبد الله بن عمرو المقعد وقد مر عن قريب وعبد الوارث بن سعيد وقد مر معه والحسين هو ابن ذكوان المعلم وهؤلاء كلهم بصريون ويحيى هو ابن أبي كثير اليمامي الطائي وأبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن سعيد مولى الخضرمي من أهل المدينة مات سنة مائة وزيد بن خالد أبو عبد الرحمن الجهني
وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء وهم يحيى وأبو سلمة وبسرة وأبو سلمة روى هنا عن زيد بن خالد بواسطة وروى

(14/136)


عنه بلا واسطة أيضا عند أبي داود والترمذي
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد أيضا عن أبي الربيع الزهراني وعن سعيد ابن منصور وأبي الطاهر بن السرح وأخرجه أبو داود فيه عن أبي معمر به وأخرجه الترمذي فيه عن أبي زكرياء بن درست وأخرجه النسائي فيه عن سليمان بن داود والحارث بن مسكين وعن محمد بن المثنى
وروي في الباب عن عمر رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن ماجه من رواية الوليد عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله يقول من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع وعن معاذ رضي الله تعالى عنه أخرجه الطبراني من رواية رجل لم يسم عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله من جهز غازيا أو خلفه في أهله بخير فإنه معنا وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من رواية داود بن الجراح عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا وداود مختلف في الاحتجاج به وعن زيد بن ثابت أخرجه الطبراني أيضا في ( الأوسط ) من حديث بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت عن النبي قال من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ومن خلف غازيا في أهله بخير أو أنفق على أهله فله مثل أجره وعن أبي سعيد الخدري أخرجه الطبراني أيضا فيه من حديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي سعيد قال عام بني لحيان ليخرج من كل إثنين منكم رجل وليخلف الغازي في أهله وماله وله مثل نصف أجره وفيه ابن لهيعة وتفرد به وعن سهل بن حنيف أخرجه أحمد في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله قال من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غازيا في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعن جبلة بن حارثة أخرجه الطبراني في ( الكبير ) و ( الأوسط ) من رواية شريك عن أبي إسحاق عن جبلة بن حارثة قال كان النبي إذا لم يغز أعطى سلاحه عليا أو أسامة رضي الله تعالى عنهما وعن أبي أمامة أخرجه أبو داود وابن ماجه من رواية الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي قال من لم يغز أو يجهز غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة زاد في رواية قبل يوم القيامة وعن واثلة بن الأسقع أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من رواية مكحول عن واثلة قال قال رسول الله ما من أهل بيت لا يغزو منهم غازيا أو يجهز غازيا بسلك أو بإبرة أو ما يعدلها من الورق أو يخلفه في أهله بخير إلا أصابهم الله بقارعة قبل يوم القيامة وإسناده ضعيف
ذكر معناه قوله من جهز بتشديد الهاء من التجهيز وقد ذكرنا أن معناه من هيأ أسباب سفره من شيء قليل أو كثير ألا يرى في حديث واثلة المذكور آنفا قال بسلك أو بإبرة فإن قلت ذكر في حديث ابن ماجه المذكور حتى يستقل والاستقلال لا يكون إلا بتمام التجهيز قلت حديث واثلة ضعيف كما ذكرنا ولئن سلمنا صحته فإنه وعيد في ترك التجهيز أصلا ولا يعارض غيره قوله فقد غزا قال ابن حبان معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة ثم أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء وقال الطبري فيه إن من أعان مؤمنا على عمل بر فللمعين عليه مثل أجر العامل ومثله المعونة على معاصي الله عز و جل للمعين عليها من الوزر والإثم مثل ما على عاملها ولذلك نهى عن بيع السيوف في الفتنة ولعن عاصر الخمر وقال القرطبي ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في الحديث وشبهه إنما هو بغير تضعيف قال لأنه يجتمع في تلك الأشياء أفعال أخر وأعمال من البر كثيرة لا يفعلها الدال الذي ليس عنده إلا مجرد النية الحسنة وقد قال أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير فله مثل نصف أجر الخارج وقال لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما قلت هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال القرطبي لا حجة في هذا الحديث لوجهين أحدهما أنا نقول بموجبه وذلك أنه لم يتناول محل النزاع فإن المطلوب إنما هو أن الناوي للخير المعوق عنه هل له مثل أجر الفاعل من غير تضعيف وهذا الحديث إنما اقتضى مشاركة ومشاطرة في المضاعف فانفصلا وثانيهما أن القائم على مال الغازي

(14/137)


وعلى أهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوة إلا بأن يكفي ذلك العمل فصار كأنه مباشر معه الغزو فليس مقتصرا على النية فقط بل هو عامل في الغزو ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملا وافرا مضاعفا بحيث إذا أضيف ونسب إلى أجر الغازي كان نصفا له وبهذا يجتمع معنى قوله من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا وبين معنى قوله في اللفظ الأول فله مثل نصف أجر الغازي ويبقى للغازي النصف فإن الغازي لم يطرأ عليه ما يوجب تنقيصا لثوابه وإنما هذا كما قال من فطر صائما كان له مثل أجر الصائم لا ينقصه من أجره شيء والله أعلم وعلى هذا فقد صارت كلمة نصف مقحمة هنا بين مثل و أجر وكأنها زيادة ممن يسامح في إيراد اللفظ بدليل قوله والأجر بينهما ويشهد له ما ذكرناه وأما من تحقق عجزه وصدقت نيته فلا ينبغي أن يختلف أن أجره يضاعف كأجر العامل المباشر
4482 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( همام ) عن ( إسحاق بن عبد الله ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت ام سليم إلا على أزواجه فقيل له فقال إني أرحمها قتل أخوها معي
قيل لا مطابقة لجزء الترجمة وهو قوله أو خلفه بخير لأن ذلك أعم من أن يكون في حياته أو بعد موته ففيه أنه خلفه في أهله بخير بعد وفاة أخي أم سليم وذلك من حسن عهده قلت لا يخلو عن بعض التكلف ولكن له وجه أقرب من هذا وهو أن تجهيز الغازي ونظره في أهله من غاية الإكرام للغازي وقد حث النبي على ذلك حتى إنه أكرمه بعد موته حيث كان يدخل بيت أم سليم لأجل قتل أخيها وهو غاز فكأنه ينبه بهذا على أن إكرام أهل الغازي الميت مرغوب فيه مع الأجر فإذا كان في إكرام أهل الغازي الميت هكذا ففي إكرام الغازي الحي بطريق الأولى
وموسى هو ابن إسماعيل وهمام بالتشديد ابن يحيى الشيباني وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن حسن الحلواني عن عمرو بن عاصم
ذكر معناه قوله عن إسحاق بن عبد الله وفي رواية مسلم عن همام أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وعند الإسماعيلي من طريق حسان بن هلال عن همام حدثنا إسحاق قوله لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم قال الحميدي لعله أراد على الدوام وإلا فقد تقدم أنه كان يدخل على أم حرام وقال ابن التين يريد أنه كان يكثر الدخول على أم سليم وإلا فقد دخل على أختها أم حرام ولعل أم سليم كانت شقيقة المقتول أو وجدت عليه أكثر من أم حرام وأم سليم هي أم أنس وقد ذكرنا أن في اسمها اختلافا فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميثة وقيل مليكة ويقال الغميصاء والرميصاء وأما أم حرام فقد قال أبو عمر لا أقف لها على اسم صحيح قوله إني أرحمها إلى آخره قال الكرماني كيف صار قتل الأخ سببا للدخول على الأجنية قلت لم تكن أجنبية كانت خالة لرسول الله من الرضاع وقيل من النسب فالمحرمية كانت سببا لجواز الدخول وقال بعضهم العلة المذكورة في الحديث أولى من غيره وأشار به إلى ما قاله الكرماني قلت لم يبين في وجه الأولوية ما هو قوله قتل أخوها معي أخوها هو حرام بن ملحان قتل يوم بئر معونة والمراد بقوله معي أي مع عسكري أو معي نصرة للدين لأن رسول الله لم يكن في غزوة بئر معونة وستأتي قصتها في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى
93 -
( باب التحنط عند القتال )
أي هذا باب في بيان استعمال الحنوط عند القتال وقد مر تفسير الحنوط في باب الجنائز وهو عطر مركب من أنواع الطيب يطيب به الميت
5482 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) قال حدثنا ( خالد بن الحارث ) قال حدثنا ( ابن عون ) عن ( موسى بن أنس ) قال وذكر يوم اليمامة قال أتى أنس ثابت بن قيس وقد حسر عن فخذيه

(14/138)


وهو يتحنط فقال يا عم ما يحبسك أن لا تجيء قال الآن يا ابن أخي وجعل يتحنط يعني من الحنوط ثم جاء فجلس فذكر في الحديث انكشافا من الناس فقال هكذا عن وجوهنا حتى نضارب القوم ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله بئس ما عودتم أقرانكم
مطابقته للترجمة في قوله وهو يتحنط وجعل يتحنط يعني من الحنوط
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري الثاني خالد بن الحارث الهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم مر في استقبال القبلة الثالث ابن عون بفتح العين وهو عبد الله بن عون مر في العلم الرابع موسى بن أنس بن مالك الخامس أنس بن مالك السادس ثابت بن قيس بن شماس بفتح الشين المعجمة وتشديد الميم وفي آخره سين مهملة الخزرجي خطيب الأنصار قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رجاله كلهم بصريون ما خلا ثابتا وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما ابن عون وموسى وابن عون رأى أنس بن مالك ولم يثبت له سماع منه وفيه إثنان من الصحابة وهما أنس وثابت وفيه أتى أنس ثابت بن قيس وفي رواية البرقاني من وجه آخر فقال عن موسى بن أنس عن أبيه قال أتيت ثابت بن قيس وفي رواية ابن سعد في ( الطبقات ) حدثنا الأنصاري حدثناابن عون أخبرنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال لما كان يوم اليمامة جئت إلى ثابت بن قيس بن شماس فذكره وهذا الحديث من أفراده
ذكر معناه قوله وذكر يوم اليمامة الواو فيه للحال وفي رواية الحموي بلا واو و اليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم وهي مدينة من اليمين على مرحلتين من الطائف سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وقال الجوهري اليمامة بلاد وكان اسمها الجو فسميت باسم هذه المرأة لكثرة ما أضيف إليها أو ذكر الجاحظ أن اليمامة كانت من بنات لقمان بن عاد وأن اسمها عنز وكانت زرقاء وقال المسعودي هي يمامة بنت رباح بن مرة ويوم اليمامة هو اليوم الذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين وبين بني حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب وكانت في ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة من الهجرة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقيل كانت في أواخر سنة إحدى عشرة والجمع بين القولين أن ابتداءها كان في السنة الحادية عشرة وانتهاءها في السنة الثانية عشرة وقتل فيها جماعة من المسلمين وهم أربعمائة وخمسون من حملة القرآن ومن الصحابة منهم ثابت بن قيس ابن شماس وكانت راية الأنصار مع ثابت هذا وكان رأس العسكر خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وكان بنو حنيفة نحوا من أربعين ألفا والمسلمون نحوا من
وقتل من بني حنيفة نحو من إحدى وعشرين ألفا وفيهم مسيلمة الكذاب قتله وحشي بن حرب قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه رماه بحربة فأصابته وخرجت من الجانب الآخر وسارع إليه أبو دجانة سماك بن حرثة فضربه بالسيف فسقط قوله أتى أنس ثابت بن قيس وارتفاع أنس بالفاعلية وانتصاب ثابت بالمفعولية قوله وقد حسر الواو فيه للحال وكذلك في قوله وهو يتحنط وحسر بمهملتين مفتوحتين معناه كشف قوله يا عم إنما دعاه بذلك لأنه كان أسن منه ولأنه من قبيلة الخزرج قوله ما يحبسك أي ما يؤخرك قوله أن لا تجيء بالنصب قال الكرماني لا زائدة وبالرفع وتخفيف اللام وفي رواية الأنصاري فقلت يا عم ألا ترى ما يلقى الناس وعند الإسماعيلي ألا تجيء وكذا في رواية خليفة في ( تاريخه ) وقال في جوابه بلى يا ابن أخي الآن قوله وجعل يتحنط أي جعل يستعمل الحنوط قوله يعني من الحنوط إنما فسر بهذا حتى لا يتصحف بما يشتق من الخياطة أو من شيء آخر وقال بعضهم وكأن قائلها أراد دفع من يتوهم أنها من

(14/139)


الحنطة قلت هذا الوهم بعيد ولا معنى يفيد أن يتحنط من الحنطة وهذه اللفظة لم تقع في رواية الأنصاري ولكنها موجودة في الأصل
وروى الطبراني عن علي بن عبد العزيز وأبي مسلم الكبشي قالا حدثنا حجاج بن منهال ( ح ) وحدثنا محمد بن العباس المؤدب حدثنا عفان أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنظ ونشر أكفانه وقال أللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر مما صنع هؤلاء فقيل وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال إن درعي في قدر تحت كانون في مكان كذا وكذا وأوصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وانفذوا الوصايا وعند الترمذي قال أنس لما انكشف الناس يوم اليمامة قلت لثابت فذكر الحديث وفيه وكان عليه درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذوها وفيه لما رأى في المنام ودل على الدرع قال لا تقل هذا منام فإذا جئت أبا بكر فأعلمه أن على من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق وفلان فأنفذ أبو بكر وصيته ولا يعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته سواه وفي كتاب ( الردة ) للواقدي بإسناده عن بلال أنه رأى سالم مولى أبي حذيفة وهو قافل إلى المدينة من غزوة اليمامة أن درعي مع الرفقة الذين معهم الفرس الأبلق تحت قدرهم فإذا أصبحت فخذها وأدها إلى أهلي وإن علي شيئا من الدين فمرهم أن يقضوه عني فأخبرت أبا بكر بذلك فقال نصدق قولك ونقضي عنه دينه الذي ذكرته وفيه أن عبدي سعدا وسالما حران وقال الكرماني قال أنس لما انكشف الناس يومئذ ألا ترى يا عم فقال ما هكذا نقاتل مع رسول الله بئسما عودتم أقرانكم ثم قاتل حتى قتل وكان عليه درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فرآه بعض الصحابة في المنام فقال إني أوصيك بوصية فلا تضيعها إني لما قتلت أخذ رجل درعي ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس وقد كفا على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأت خالدا وكان أمير العسكر وقل له يأخذ درعي منه فإذا قدمت المدينة فقل لخليفة رسول الله يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيق عتيق فأتى الرجل خالدا رضي الله تعالى عنه فأخبره فبعث إلى الدرع فأتى بها وحدث أبا بكر فأجاز وصيته ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت وهو من الغرائب
قوله فذكر في الحديث انكشافا أي فذكر أنس في حديثه نوعا من الانهزام أي أشار إلى الفرج بين وجوه المسلمين والكافرين بحيث لا يبقى بيننا وبينهم أحد وقدرنا على أن نضاربهم بلا حائل بيننا وبينم فقال ثابت ما كنا نفعل كذا مع رسول الله بل كان الصف الأول لا ينحرف عن موضعه وكان الصف الثاني مساعدا لهم وفي رواية ابن أبي زائدة فجاء حتى جلس في الصف والناس منكشفون أي منهزمون قوله بئس ما عودتم أقرانكم هكذا في رواية الأكثرين ووقع في رواية المستملي عودكم أقرانكم قلت فعلى الأول أقرانكم بالنصب لأنه مفعول عودتم وعلى الثاني بالرفع لأنه فاعل عودكم والأقران النظراء وهو جمع قرن بكسر القاف وهو الذي يعادل الآخر في الشدة والقرن بفتح القاف من يعادل في السن وأراد ثابت رضي الله تعالى عنه بهذا الكلام توبيخ المنهزمين أي عودتم نظراءكم في القوة من عدوكم الفرار منهم حتى طمعوا فيكم وفي رواية الأنصاري وابن أبي زائدة ومعاذ بن معاذ فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه
ذكر ما يستفاد منه فيه دلالة على الأخذ بالشدة في استهلاك النفس وغيرها في ذات الله عز و جل وترك الأخذ بالرخصة لمن قدر عليها وفيه أن التطيب للموت سنة من أجل مباشرة الملائكة للميت وفيه التداعي للقتال لأن أنسا قال لعمه ما يحبسك أن لا تجيء وفيه قوة ثابت بن قيس وصحة يقينه ونيته وفيه التوبيخ لمن نفر من الحرب وفيه الإشارة إلى ما كانت عليه الصحابة في عهد النبي من الشجاعة والثبات في الحرب
رواه حماد عن ثابت عن أنس
أي روى الحديث حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك وهذا التعليق وصله البرقاني عن أبي العباس ابن حمدان بالإسناد عن قبيصة بن عقبة عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بلفظ انكشفنا يوم اليمامة فجاء ثابت بن

(14/140)


قيس بن شماس فقال بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم وإني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء القوم وأعوذ بك مما صنع هؤلاء وخلوا بيننا وبين أقراننا ساعة وقد كان تكفن وتحنيط فقاتل حتى قتل قال وقتل يومئذ سبعون من الأنصار فكان أنس يقول يا رب سبعين من الأنصار يوم أحد سبعين يوم مؤتة سبعين يوم بئر معونة سبعين يوم اليمامة وبالله المستعان
04 -
( باب فضل الطليعة )
أي هذا باب في بيان فضل الطليعة بفتح الطاء وكسر اللام وطليعة الجيش من بعث ليعلم العدو ويطلع على أحوالهم ويجمع على طلائع وقال ابن الأثير الطلائع هو القوم الذين يبعثون ليطلعوا طلع العدو كالجواسيس والطليعة تطلق على الواحد وعلى الجماعة قلت طلع العدو بكسر الطاء وسكون اللام اسم من اطلع على الشيء إذا علمه
6482 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( محمد بن المنكدر ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب قال الزبير أنا ثم قال من يأتيني بخبر القوم قال الزبير أنا فقال النبي إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله من يأتيني بخبر القوم انتداب لأحد يأتيه بخبر العدو فانتدب له الزبير فاستحق الفضل بذلك
وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن محمد بن كثير وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن وكيع وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي فيه وفي السير عن قاسم بن زكريا وأخرجه ابن ماجه في السنة عن علي ابن محمد عن وكيع
ذكر معناه قوله من يأتيني بخبر القوم أراد بهم بني قريظة من اليهود وعند النسائي قال وهب بن كيسان أشهد لسمعت جابرا يقول لما اشتد الأمر يوم بني قريظة من اليهود قال رسول الله من يأتينا بخبرهم فلم يذهب أحد فذهب الزبير فجاء بخبرهم ثم اشتد الأمر أيضا فقال النبي من يأتينا بخبرهم فلم يذهب أحد فذهب الزبير فجاء بخبرهم ثم اشتد الأمر أيضا فقال النبي إن لكل نبي حواري وإن الزبير حواري وعند ابن أبي عاصم من حديث وهب بن كيسان عن جابر لما كان يوم الخندق واشتد الأمر قال النبي ألا رجل يأتي بني قريظة فيأتينا بخبرهم فانطلق الزبير فجاء بخبرهم ثم اشتد الأمر فقال ألا رجل ينطلق إلى بني قريظة الحديث وفي لفظ ثلاث مرات فلما رجع جمع له أبويه قوله يوم الأحزاب هو يوم الخندق والأحزاب كانوا من قريش وغيرهم وكان بنو قريظة نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على حرب المسلمين قوله حواريا أي أي خاصة من الصحابة وقال الترمذي والحواري ومنه الحواريون من أصحاب المسيح عليه السلام أي خلصاؤه وأنصاره وأصله من التحوير وهو التبييض وقيل إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ومنه الخبز الحواري الذي نخل مرة بعد مرة وقال الأزهري الحواريون خلصاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحواري الوزير إذا أضيف الحواري إلى يا من المتكلم بحذف الياء وحينئذ ضبطه جماعة بفتح الياء وأكثرهم بكسرها قالوا والقياس الكسر لكنهم حين استثقلوا الكسرة وثلاث ياآت حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة وقد قرىء في الشواذ إن ولي الله بالفتح وفي ( التوضيح ) اعلم أنه وقع هنا ما ذكرناه أراد به من أن الذي توجه إلى كشف بني قريضة الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه والمشهور كما قاله شيخنا فتح الدين اليعمري أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن اليمان كما روينا عنه من طريق ابن إسحاق وغيره قال يعني رسول الله من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع فشرط له رسول الله الرجعة أسأل الله أن يجعله رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف والجزع والبرد فلما لم يقم أحد دعاني فقال يا حذيفة إذهب وادخل في القوم وذكر الحديث وذكر ابن عيينة وغيره خروج حذيفة إلى المشركين ومشقة ذلك عليه إلى أن

(14/141)


قال عليه الصلاة و السلام قم يحفظك الله من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا فقام حذيفة مستبشرا بدعاء رسول الله كأنه احتمل احتمالا فما شق عليه شيء مما كان فيه والله أعلم بحقيقة الحال
14 -
( باب هل يبعث الطليعة وحده )
أي هذا باب يذكر فيه هل يبعث الطليعة إلى كشف العدو منفردا وحده وجواب هل الاستفهامية محذوف والتقدير يبعث أو يجوز بعثه وحده
7482 - حدثنا ( صدقة ) قال أخبرنا ( ابن عيينة ) قال حدثنا ( ابن المنكدر ) أنه سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال ندب النبي الناس قال صدقة أظنه يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندب فانتدب الزبير ثم ندب الناس فانتدب الزبير فقال النبي إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير بن العوام
هذا هو الحديث الذي مضى في الباب السابق غير أنه رواه هناك عن أبي نعيم عن سفيان الثوري وهنا رواه عن صدقة ابن الفضل عن سفيان بن عيينة وأيضا هنا ترجم عليه في جواز إرسال الطليعة وحده قوله ندب الناس يقال ندبه لأمر فانتدب له أي دعاه له فأجابه قوله أظنه أي قال صدقة شيخ البخاري أظن أن الندب يوم الخندق ورواه الحميدي عن ابن عيينة فقال فيه يوم الخندق من غير شك
وفيه شجاعة الزبير وتقدمته وفضله وقال الداودي ولا أعلم رجلا جمع له النبي أبويه إلا الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص كان يقول له إرم فداك أبي وأمي وإنما كان يقول لغيرهما إرم فداك أبي أو فدتك أمي وهي كلمة تقال للتبجيل ليس على الدعاء ولا على الخبر وقال ابن بطال زعم بعض المعتزلة أن بعث النبي الزبير وحده معارض لقوله الراكب شيطان ونهى أيضا عن أن يسافر الرجل وحده قال المهلب وليس بينهما تعارض لاختلاف المعنى في الحديثين وهو أن الذي يسافر وحده لا يأنس بأحد ولا يقطع طريقه بمحدث يهون عليه مؤونة السفر كالشيطان الذي لا يأنس بأحد ويطلب الوحدة ليغويه وأما سفر الزبير فليس كذلك لأنه كان كالجاسوس يتجسس على قريش ما يريدون من حرب النبي ولا يناسبه إلا الوحدة على أنه خرج في مثل هذا الأمر الخطير لحماية الدين وإظهار طاعة النبي ولم يزل كان عليه حفظ من الله تعالى ببركة دعاء النبي فأين هذا من ذلك ألا يرى أن عمر رضي الله تعالى عنه لما بلغه أن سعدا بنى قصرا أرسل شخصا وحده ليهدمه وذكر ابن أبي عاصم أن النبي أرسل عبد الله بن أنس سرية وحده وبعث عمرو بن أمية وحده عينا وذكر ابن سعد أنه أرسل سالم بن عمير سرية وحده وحمل الطبري الحديث على جواز السفر للرجل الواحد إذا كان لا يهوله هول وإلا فممنوع من السفر وحده خشية على عقله أو يموت فلا يدري خبره أحد ولا يشهده كما قال عمر رضي الله تعالى عنه أرأيتم إذا سافر وحده فمات من أسأل عنه قال ويحتمل أن يكون النهي عن السفر وحده نهي تأديب وإرشاد إلى ما هو الأولى وقال ابن التين وحمله الشيخ أبو محمد على السفر الذي يقصر فيه الصلاة
24 -
( باب سفر الإثنين )
أي هذا باب في بيان جواز سفر الرجلين معا وليس المراد سفر يوم الإثنين وزعم ابن التين أن الداودي فهم منه سفر يوم الإثنين واعترض على البخاري بقوله ليس في الحديث ذكر سفر يوم الإثنين وهذا ليس بشيء لأنه لم يرد به إلا سفر الرجلين لأنه تقدم ذكر سفر الرجل وحده ثم أتبعه ببيان سفر الرجلين ولو نظر متن الحديث لوضح له

(14/142)


بخلاف قوله وسفر يوم الإثنين إنما هو مذكور في حديث الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك قال كعب كان رسول الله يحب أن يسافر يوم الإثنين ويوم الخميس
8482 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( أبو شهاب ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( أبي قلابة ) عن ( مالك ابن الحويرث ) قال انصرفت من عند النبي فقال لنا أنا وصاحب لي أذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وأبو شهاب موسى بن نافع الأسدي الحناط الكوفي وهو أبو شهاب الأكبر وأبو قلابة بكسر القاف وتخفيف اللام وبالباء الموحدة عبد الله بن زيد البصري والحديث مضى في كتاب مواقيت الصلاة في باب الأذان للمسافر ومضى الكلام فيه هناك
قوله أنا تأكيد أو بدل أو بيان أو خبر مبتدأ محذوف قوله صاحب بالجر والرفع عطف عليه
34 -
( باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة )
أي هذا باب يذكر فيه الخيل إلى آخره وهذه الترجمة هي عين حديث الباب
9482 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
( الحديث 9482 - طرفه في 4463 )
الترجمة والحديث واحد والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى عن مالك به
قوله الخيل معقود في نواصيها وفي رواية ( الموطأ ) ليس فيه معقود ووقع بإثباتها عند الإسماعيلي من رواية عبد الله بن نافع عن نافع وسيجيء في علامات النبوة من طريق عبد الله بن عمر عن نافع بإثباتها وذلك في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده وعند ابن أبي عاصم الخيل في نواصيها الخير وليس فيه لفظ معقود وروي أبو داود عن شيخ من بني سليم عن عتبة بن عبد السلمي سمع النبي يقول لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها فإن أذنابها مذابها ومعارفها دفاؤها ونواصيها معقود فيها الخير وسمى أبو يعلى الموصلي الشيخ نصر بن علقمة وروى البزار عن سلمة بن نفيل الخيل معقود في نواصيها الخير وأهلها معانون عليها وروى مسلم من حديث جرير رأيت رسول الله يلوي ناصية فرسه بإصبعه وهو يقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة وروى عبد الله بن وهب حدثنا عمرو بن الحارث عن الحارث بن يعقوب عن أبي الأسود الغفاري عن أبي ذر قالوا قال رسول الله الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
ذكر معناه قوله الخيل مبتدأ وقوله معقود مرفوع على أنه خبر المبتدأ المؤخر وهو قوله الخير والجملة خبر المبتدأ الأول ومعنى قوله معقود ملازم لها كأنه معقود فيها وهو من باب الاستعارة المكنية لأن الخير ليس بمحسوس حتى تعقد عليه الناصية ولكنهم يدخلون المعقول في جنس المحسوس ويحكمون عليه بما يحكم على المحسوس مبالغة في اللزوم وذكر الناصية تجريد للاستعارة والنواصي جمع ناصية وهي قصاص الشعر وهو الشعر المسترسل على الجبهة وخص النواصي بالذكر لأن العرب تقول غالبا فلان مبارك الناصية فيكنى بها عن الإنسان وقوله الخيل إلى آخره لفظه عام والمراد به الخصوص لأنه لم يرد إلا بعض الخيل بدليل قوله الخيل لثلاثة فبين أنه أراد الخيل الغازية في سبيل الله لا أنها على كل وجوهها ذكره ابن المنذر وقال غيره الخير هنا المال قال عز و جل إن ترك خيرا ( البقرة 081 ) وقال أهل التفسير في قوله تعالى إني أحببت حب الخير ( ص 23 ) إنه أراد به الخيل
وفيه الحث على ارتباط الخيل في سبيل الله تعالى يريد أن من ارتبطها كان له ثواب ذلك فهو خير آجل وهو ما يصيبه على ظهرها من الغنائم وفي بطونها من النتاج خير عاجل

(14/143)


582 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( حصين وابن أبي السفر ) عن ( الشعبي ) عن ( عروة بن الجعد ) عن النبي قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول حفص بن عمر بن الحارث وقد تكرر ذكره الثاني شعبة بن الحجاج الثالث حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الرابع عبد الله بن أبي السفر بفتح السين المهملة وفتح الفاء واسمه سعيد الخامس عامر الشعبي السادس عروة بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ويقال ابن أبي الجعد البارقي الأزدي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه بصري وأن شعبة واسطي والبقية كوفيون وفيه عن الشعبي عن عروة وفي رواية زكرياء عن الشعبي حدثنا عروة وسيأتي في الباب الذي بعده ولما رواه ابن أبي عاصم عن غندر حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي قال عن عروة البارقي قال الحميدي زاد البرقاني في حديث الشعبي من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين يرفعه الإبل عز لأهلها والغنم بركة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن أبي نعيم وفي الخمس عن مسدد وفي علامات النبوة عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن عبد الله بن نمير وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر وعن يحيى بن يحيى وخلف بن هشام وأبي بكر وعن أبي موسى وبندار وعن عبيد الله بن معاذ وأخرجه الترمذي في الجهاد عن هناد وأخرجه النسائي في الخيل عن أبي كريب وعن ابن المثنى وابن بشار عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن أبي بكر بن أبي شيبة وفي التجارات عن محمد بن عبد الله بن نمير عن ابن إدريس به وزاد في أوله الإبل عز لأهلها والغنم بركة
وقال سليمان عن شعبة عن عروة بن أبي الجعد
أي قال سليمان بن حرب إلى آخره وأشار به إلى أن سليمان خالف حفص بن عمر في اسم والد عروة فقال حفص عروة بن الجعد وقال سليمان عروة بن أبي الجعد بزيادة لفظ الأب واعلم أن قوله عن شعبة عن عروة ليس المراد منه أن شعبة يروي عن عروة لأن شعبة لم يدرك عروة وإنما المعنى أن شعبة قال في روايته هو عروة بن أبي الجعد فافهم فإنه موضع التأمل وتعليق سليمان رواه أبو نعيم الحافظ عن فاروق حدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وحصين عن الشعبي عن عروة بن أبي الجعد فذكره
تابعه مسدد عن هشيم عن حصين عن الشعبي عن عروة بن أبي الجعد
أي تابع سليمان بن حرب في زيادة لفظ الأب في الجعد مسدد شيخ البخاري عن هشيم بن بشير عن حصين إلى آخره
1582 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحياى بن سعيد ) عن ( شعبة ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله البركة في نواصي الخيل
( الحديث 1582 - طرفه في 5463 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله البركة لأنها عين الخير ويحيى هو ابن سعيد القطان وأبو التياح بفتح التاء المثاة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف واسمه يزيد بن حميد الضبعي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن قيس بن حفص وأخرجه مسلم في المغازي عن عبيد الله بن معاذ وعن أبي موسى وعن يحيى بن حبيب وعن محمد بن الوليد وأخرجه النسائي في الخيل عن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن بشار
قوله في نواصي الخيل يتعلق بمحذوف تقديره

(14/144)


البركة حاصلة أو نازلة في نواصي الخيل وأخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة بلفظ البركة تنزل في نواصي الخيلوقال عياض إذا كان في نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها شوم فإن قلت جاءإن كان الشوم ففي ثلاث في الفرس الحديث قلت الشؤم في الفرس الذي يرتبط لغير الجهاد ويقتنى للفخر والخيلاء والخيل التي أعدت للجهاد هي المخصوصة بالخير والبركة
44 -
( باب الجهاد ماض على البر والفاجر )
أي هذا باب يذكر فيه الجهاد إلى آخره وقال ابن التين وقع في رواية أبي الحسن القابسي الجهاد ماض على البر والفاجر قال ومعناه أنه يجب على كل أحد وقال بعضهم هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أبي هريرة قلت قال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن العلاء ابن الحارث عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر الحديث ويقال إنه لم يسمع من أبي هريرة
لقول النبي الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
وجه الاستدلال به أنه لما أبقى الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة علم أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وقد علم أن في أمته أئمة جور لا يعدلون ويستأثرون بالمغانم ومع هذا فقد أوجب الجهاد معهم ويقوي هذا المعنى أمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر وقوله على البر والفاجر أعم من أن يكون كل منهما أميرا أو مأمورا
2582 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( زكرياء ) عن ( عامر ) قال حدثنا ( عروة البارقي ) أن النبي قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في نواصيها الخير إلى آخره وأبو نعيم الفضل بن دكين وزكرياء هو ابن زائدة وعامر هو الشعبي
قوله البارقي بالباء الموحدة وكسر الراء بعدها قاف نسبة إلى بارق جبل باليمن وقيل ماء بالسراة وقال الرشاطي البارقي نسبة إلى ذي بارق قبيلة من ذي رعين قوله الأجر هو نفس الخير أي الثواب في الآخرة والمغنم أي الغنيمة في الدنيا وقال الطيبي يجوز أن يكون الخير المفسر بالأجر والغنيمة استعارة مكنية شبهه لظهوره وملازمته بشيء محسوس معقود بحبل على مكان رفيع ليكون منظورا للناس ملازما لنظره فنسب الخيل إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريدا للاستعارة
وفيه الترغيب في اتخاذ الخيل للجهاد
وفيه أن الجهاد لا ينقطع أبدا
54 -
( باب من احتبس فرسا في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل من احتبس فرسا يقال حبسته واحتبسته واحتبس أيضا بنفسه يتعدى ولا يتعدى والمعنى يحبسه على نفسه لسد ما عسى أن يحدث في ثغر من الثغور من ثلمة وليس في بعض النسخ قوله في سبيل الله وفي بعض النسخ أيضا من احتبس فرسا في سبيل الله
لقوله تعالى ومن رباط الخيل ( الأنفال 06 )
وأوله وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ( الأنفال 06 ) الآية أمر الله تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلة الكفار حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة فقال وأعدوا لهم ما استطعتم ( الأنفال 06 ) أي مهما أمكنكم من قوة أي رمي روى أحمد في ( مسنده ) من حديث عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله يقول وهو على المنبر وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( الأنفال 06 ) ألا أن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ورواه مسلم عن هارون بن معروف وأبو داود عن سعيد بن منصور وابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى وقيل القوة كل ما يتقوى به على الحرب كالسيف والرمح

(14/145)


والقوس وقيل ذكور الخيل وقيل اتفاق الكلمة وقيل الثقة بالله والرغبة إليه قوله ومن رباط الخيل ( الأنفال 06 ) يعني ربطها واقتناءها للغزو وهو عام للذكور والإناث في قول الجمهور وعن عكرمة الإناث قوله ترهبون به ( الأنفال 06 ) أي تخوفون به وقرىء مشددا ومخففا
3582 - حدثنا ( علي بن حفص ) قال حدثنا ( ابن المبارك ) قال أخبرنا ( طلحة بن أبي سعيد ) قال سمعت ( سعيدا المقبري ) يحدث أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال النبي من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن حفص المروزي نزل عسقلان قال البخاري لقيته بعسقلان سنة سبع عشرة ومائتين ولم يرو عنه إلا هذا الحديث وآخر في مناقب الزبير موقوفا وآخر في كتاب القدر مقرونا ببشير بن محمد وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي وطلحة بن أبي سعيد المصري نزيل الإسكندرية وكان أصله من المدينة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع والحديث أخرجه النسائي في الخيل عن الحارث بن مسكين
قوله من احتبس قد مضى معناه عن قريب قوله إيمانا نصب على أنه مفعول له أي ربطه خالصا لله تعالى امتثالا لأمره قوله وتصديقا بوعده عبارة عن الثواب المترتب على الاحتباس ويقال بوعده أي للثواب في القيامة وقال الطيبي تلخيصه أنه احتبس امتثالا واحتسابا وذلك أن الله تعالى وعد الثواب على الاحتباس فمن احتبس فكأنه قال صدقت فيما وعدتني قوله شبعه بكسر الشين أي ما يشبه به قوله وريه بكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف من رويت من الماء بالكسر أروي ريا وريا ورويا أيضا مثل رضي ووقع في حديث أسماء بنت يزيد أخرجه أحمد ومن ربطها رياء وسمعة الحديث وفيه فإن شبعها وجوعها إلى آخره خسران في موازينه قوله وروثه أراد به ثواب ذلك لا أن الأرواث توزن بعينها وروى ابن بنت منيع من حديث علي مرفوعا من ارتبط فرسا في سبيل الله فعلفه وأثره في موازينه يوم القيامة وروء ابن أبي عاصم من حديث المطعم بن المقدام عن الحسن عن سهل بن الحنظلية يرفعه من ارتبط فرسا في سبيل الله كانت النفقة عليه كالماد يده بصدقة لا يقبضها وروى ابن ماجه من حديث محمد بن عقبة القاضي عن أبيه عن جده عن تميم الداري سمعت رسول الله يقول من ارتبط فرسا في سبيل الله فعالج علفه كان له بكل حبة حسنة
وفيه أن النية يترتب عليها الأجر وفيه أن الأمثال تضرب لصحة المعاني وقيل يستفاد من هذا الحديث أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانه بخلاف غيرها فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان
64 -
( باب اسم الفرس والحمار )
أي هذا باب في بيان تسمية الفرس الذي هو اسم جنس باسم يخصه ليتميز به عن غيره وكذا في بيان تسمية الحمار الذي هو اسم جنش كذلك واقتصر في الترجمة على الفرس والحمار وغيرهما من الدواب كذلك بيان ذلك أنه كان للنبي أربعة وعشرون فرسا كل واحد منها كان مسمى باسم مخصوص معين مثل السكب والمرتجز واللحيف وكان له حمار يسمى يعفور وغيره وكان له بغلة تسمى دلدل وكانت له لقاح تسمى الحناء والسمراء وغيره ذلك وكانت له ناقة تسمى القصوى والأخرى العضباء وغيرهما وكانت له غنم منها سبعة أعنز كل واحدة منها مسماة باسم وشاة تدعى عيثة
4582 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر ) قال حدثنا ( فضيل بن سليمان ) عن ( أبي حازم ) عن ( عبد الله ابن أبي قتادة ) عن أبيه أنه خرج مع النبي فتخلف أبو قتادة مع أصحابه وهم محرمون وهو غير محرم فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه فلما رأوه تركوه حتى رآه

(14/146)


أبو قتادة فركب فرسا له يقال له الجرادة فسألهم أن ينالوه سوطه فأبوا فتناوله فحمل فعقره ثم أكل فأكلوا فقدموا فلما أدركوه قال هل معكم منه شيء قال معنا رجله فأخذها النبي فأكلها
مطابقته للترجمة في قوله فركب فرسا له يقال له الجرادة بفتح الجيم وتخفيف الراء ووقع في ( السيرة ) لابن هشام أن اسم فرس أبي قتادة الحزوة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها واو وقال بعضهم إما أن يكون لها إسمان وإما أن أحدهما تصحيف والذي في ( الصحيح ) هو المعتمد قلت دعوى التصحيف غير صحيحة ولا مانع أن يكون لها إسمان ومحمد بن أبي بكر شيخ البخاري هو المقدمي وهو الصواب قال الجياني وفي نسخة أبي زيد المروزي محمد بن بكر وهو خطأ قال وليس في شيوخ البخاري محمد بن بكر وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري
والحديث قد مر بمباحثه في كتاب الحج في أربعة أبواب متوالية أولها باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم
قوله خرج مع النبي ويروى مع رسول الله قوله حمارا وحشيا ويروي حمار وحش قوله يقال له الجرادة ويروى لها
5582 - حدثنا ( علي بن عبد الله بن جعفر ) قال حدثنا ( معن بن عيسى ) قال حدثنا ( أبي بن عباس بن سهل ) عن أبيه عن جده قال كان للنبي في حائطنا فرس يقال له اللحيف
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله فرس يقال له اللحيف يطابق قوله في اسم الفرس وعلي بن عبد الله بن جعفر هو الذي يقال له ابن المديني وهو من أفراده ومعن بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالنون ابن عيسى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى المدني وأبي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف ابن عباس بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة ابن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري قالوا ليس لأبي في البخاري غير هذا الحديث وهذا الحديث من أفراده
قوله في حائطنا الحائط هو البستان من النحل إذا كان عليه جدار ويجمع علء حوائط والحائط الجدار أيضا قوله اللحيف بضم اللام وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء وقال ابن قرقول هكذا ضبط عن عامة المشايخ سمي بذلك لطول ذنبه كأنه يلحف الأرض بجريه يقال لحفت الرجل باللحاف إذا طرحته عليه وعن ابن سراج بفتح اللام وكسر الحاء على وزن رغيف وقال ابن الجوزي بنون وحاء مهملة وفي ( المغيث ) بلام مفتوحة وجيم مكسورة وقال أبو موسى المحفوظ بالحاء فإن روي بالجيم فيراد به السرعة لأن اللجيف سهم نصله عريض قاله صاحب ( التتمة )
قال أبو عبد الله وقال بعضهم اللخيف
أبو عبد الله هو البخاري نفسه يعني قال بعضهم بالخاء المعجمة وفي ( التلويح ) وصح عن البخاري أنه بالخاء المعجمة وقال ابن الأثير ولم يتحققه والمشهور هو الأول يعني بالحاء المهملة مصغرا وبه جزم الهروي والدمياطي وقيل الذي قاله البخاري رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل أخو أبي بن عباس ولفظه عند ابن أبي منده كان لرسول الله عند سعد بن سعد والد سهل ثلاثة أفراس فسمعت النبي يسميهن لزازا يعني بكسر اللام وبزايين الأولى خفيفة و الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء وفي آخره باء موحدة و اللخيف وحكى سبط ابن الجوزي أن البخاري ضبطه بالتصغير والخاء المعجمة قال وكذا حكاه ابن سعيد عن الواقدي وقال أهداه له ربيعة بن أبي البراء مالك بن عامر العامري وأبوه الذي يعرف بملاعب الأسنة فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب وقال ابن أبي خيثمة أهداه له فروة بن عمرو الجذامي من أرض البلقاء

(14/147)


6582 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) أنه سمع ( يحيى بن آدم ) قال حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( عمرو بن ميمون ) عن ( معاذ ) رضي الله تعالى عنه قال كنت ردف النبي على حمار يقال له عفير فقال يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا
مطابقته للترجمة في قوله على حمار يقال له عفير فإن اسم الحمار اسم جنس سمي به عفير ليتميز به عن غيره وإسحاق ابن إبراهيم هو الذي يعرف بابن راهويه المروزي ويحيى ابن آدم بن سليمان القرشي المخزومي الكوفي وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الحنفي الكوفي قبل أبو الأحوص هذا عمار بن زريق الضبي الكوفي قلت لا يصح هذا لأن عمارا هذا مما انفرد به مسلم ولم يخرج له البخاري وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي وعمرو بن ميمون الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو من كبار التابعين أدرك الجاهلية
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود في الجهاد عن هناد بن السري بقصة الحمار حسب وأخرجه الترمذي في الإيمان عن محمود بن غيلان ولم يذكر قصة الحمار وأخرجه النسائي في العلم عن محمد بن عبد الله المخزومي ولم يذكر قصة الحمار
ذكر معناه قوله ردف النبي بكسر الراء وسكون الدال المهملة قال الجوهري الردف المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب وأردفته أنا إذا أركبته معك وذلك الموضع الذي يركبه رداف وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه والردف يجمع على أرداف قوله عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء تصغير أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود مأخوذ من العفرة وهي حمرة يخالطها بياض وزعم عياض أنه بغين معجمة ورد ذلك عليه وقال ابن عبدوس في ( أسماء خيله ودوابه ) كان أخضر من العفر وهو التراب وفي ( التلويح ) وزعم شيخنا أبو محمد التوني أنه شبه في عدوه باليعفور وهو الظبي أهداه لسيدنا رسول الله المقوقس وأهدى له فروة بن عمرو حمارا يقال له يعقور وقال ابن عبدوس هما واحد ورد عليه الدمياطي فقال عفير أهداه المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس ويعفور بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الفاء وهو ولد الظبي كأنه سمي بذلك لسرعته وقال الواقدي نعق يعفور منصرف رسول الله من حجة الوداع وقيل طرح نفسه في بئر يوم مات ذكره السهيلي قوله أن يعبدوه وفي رواية الكشميهني أن يعبدوا بحذف المفعول قوله فيتكلوا بتشديد الياء المثناة من فوق وقد مر الكلام فيه في كتاب العلم في باب من خص بالعلم قوما دون قوم
وفيه جواز تسمية الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها وفيه إرداف النبي أفاضل الصحابة ومعاذ أحد الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وأبو زيد الأنصاري وفيه جواز الإرداف على الدابة والحمل عليها ما أقلت ولم يضرها
7582 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( قتادة ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان فزع بالمدينة فاستعار النبي فرسا لنا يقال له مندوب فقال ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا
مطابقته للترجمة في قوله فرسا لنا يقال له مندوب فإنه خص باسم تميز به عن غيره ومحمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وغندر بضم الغين المعجمة محمد بن جعفر
والحديث مضى في كتاب الهبة في باب من استعار من الناس الفرس فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة إلى آخره وفيه فاستعار فرسا من أبي طلحة وهو زوج أم أنس فلذلك

(14/148)


قال هنا فرسا لنا لأن أنسا كان في حجر أبي طلحة فمن هذه الحيثية قال أنس لنا والله أعلم
74 -
( باب ما يذكر من شؤم الفرس )
أي هذا باب في بيان ما يذكر في الأحاديث من شؤم الفرس هل هو عام في جميع الخيل أو مخصوص ببعضها وهل هو على ظاهره أو مؤول وذكر في الباب حديث عمر وحديث سهل بن سعد يدل على أنه ليس على ظاهره كما سنبينه إن شاء الله تعالى ثم ذكره الباب الذي يلي هذا الباب يدل على خصوص الشؤم ببعض الخيل دون كلها كما سيأتي بيانه أن شاء الله تعالى والشؤم ضد اليمن يقال تشاء مت بالشيء وتيمنت به والواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واوا وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة وقال الجوهري يقال رجل مشوم ومشؤم ويقال ما أشأم فلانا والعامة تقول ما أيشمه قلت العامة أيضا تقول ميشوم وهو من تصحيفاتهم
8582 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي يقول إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار
مطابقته للترجمة في قوله في الفرس وهذا السند بهؤلاء الرجال قد مر غير مرة وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمرة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب
والحديث أخرجه مسلم في الطب عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن أبي اليمان وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن خالد بن خلي عن بشر بن شعيب عن أبي حمزة عن أبيه به
قوله أخبرني سالم كذا صرح شعيب عن الزهري بإخبار سالم لهلا وشذ ابن أبي ذئب فأدخل بين الزهري وسالم محمد بن زيد بن قنفذ واقتصر شعيب على سالم وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند أبي عوانة وكذا روى البخاري في كتاب الطب عن عبد الله بن محمد أخبرنا عثمان بن عمر أخبرنا يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر الحديث ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم قلت هذا ممنوع وقد روى الطحاوي حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس ومالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن رسول الله قال إنما الشوم في ثلاثة في المرأة والدار والفرس وأخرجه مسلم أيضا عن أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة المرأة والفرس والدار وقال مسلم أيضا حدثنا أبو بكر بن إسحاق قال أخبرنا ابن أبي مريم قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثنا عتبة ابن مسلم عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله قال إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة قوله إنما الشؤم في ثلاثة أي كان في ثلاثة أشياء وجاء في رواية مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف أداة الحصر قال ابن العربي الحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة وقيل إنما خصت هذه الأشياء الثلاثة بالذكر لطول ملازمتها لأن غالب أحوال الإنسان لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس مرتبطة واتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة ووقع عند إسحاق في رواية عبد الرزاق قال معمر قالت أم سلمة والسيف قال أبو عمر رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة وأخرجه ابن ماجه موصولا عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أنها حدثت بهذا الحديث وزادت فيهن السيف وأبو عبيد المذكور هو ابن بنت أم سلمة وأمه زينب بنت سلمة قلت التحقيق في هذا الموضع أن هذا الحصر ليس على ظاهره وكان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يقول إن كان الشؤم في شيء فهو فيما بين اللحيين مع اللسان وما شيء أحوج إلى سجن

(14/149)


طويل من لسان وإنما قلنا إنه متروك الظاهر لأجل قوله لا طيرة وهي نكرة في سياق النفي فتعم الأشياء التي يتطير بها ولو خلينا الكلام على ظاهره لكانت هذه الأحاديث ينفي بعضها بعضا وهذا محال أن يظن بالنبي مثل هذا الاختلاف من النفي والإثبات في شيء واحد ووقت واحد والمعنى الصحيح في هذا الباب نفي الطيرة بأسرها بقوله لا طيرة فيكون قوله عليه الصلاة و السلام إنما الشؤم في ثلاثة بطريق الحكاية عن أهل الجاهلية لأنهم كانوا يعتقدون الشؤم في هذه الثلاثة لا أن معناه أن الشؤم حاصل في هذه الثلاثة في اعتقاد المسلمين وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تنفي الطيرة ولا تعتقد منها شيئا حتى قالت لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال ما تزوجني رسول الله إلا في شوال ولا بنى بي إلا في شوال فمن كان أحظى مني عنده وكان يستحب أن يدخل على نسائه في شوال وروى الطحاوي عن علي بن معبد قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا همام ابن يحيى عن قتادة عن أبي حسان قال دخل رجلان من بني عامر على عائشة فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي أنه قال الطيرة في المرأة والدار والفرس فغضبت وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت والذي نزل القرآن على محمد ما قاله رسول الله قط إنما قال إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك فأخبرت عائشة أن ذلك القول كان من النبي حكاية عن أهل الجاهلية لا أنه عنده كذلك وأخرجه أيضا ابن عبد البر عن أبي حسان المذكور وفي روايته كذاب والذي أنزل القرآن وفي آخره ثم قرأت عائشة ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب ( الحديد 22 ) الآية قلت أبو حسان الأعرج ويقال الأجرد واسمه مسلم بن عبد الله البصري وثقه يحيى وابن حبان وروى له الجماعة والبخاري مستشهدا قوله طارت شقة أي قطعة ورواه بعض المتأخرين بالسين المهملة وأراد به المبالغة في الغضب والغيظ وقال أبو عمر قول عائشة في أبي هريرة كذب فإن العرب تقول كذبت إذا أرادوا به التغليظ ومعناه أوهم وظن حقا ونحو هذا وهنا جواب آخر وهو أنه يحتمل أن يكون قوله الشوم في ثلاثة كان في أول الإسلام خبرا عما كان تعتقده العرب في جاهليتها على ما قالت عائشة ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن وأخبار الآحاد لا تقطع على عينها وإنما توجب العمل فقط وقال تعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا ( التوبة 9 ) وقال ما أصاب من مصيبة في الأرض ( الحديد 9 ) الآية وما خط في اللوح المحفوظ لم يكن منه بد وليست البقاع ولا الأنفس بصارفة من ذلك شيئا وقد يقال إن شؤم المرأة أن تكون سيئة الخلق أو تكون غير قانعة أو تكون سليطة أو تكون غير ولود وشؤم الفرس أن يكون شموسا وقيل أن لا يكون يغزى عليها وشؤم الدار أن تكون ضيقة وقيل أن يكون جارها سوء وروى الدمياطي بإسناد ضعيف في الخيل إذا كان ضروبا فهو مشئوم وإذا حنت المرأة إلى زوجها الأول فهي مشؤومة وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشؤمة فإن قلت روى مالك في ( موطئة ) عن يحيى ابن سعيد أنه قال جاءت امرأة إلى النبي فقالت يا رسول الله دار سكناها فالعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال رسول الله دعوها ذميمة قلت إنما قال ذلك كذلك لما رأى منهم أنه رسخ في قلوبهم ما كانوا عليه في جاهليتهم ثم بين لهم ولغيرهم ولسائر أمته الصحيح بقوله لا طيرة ولا عدوى وقال الخطابي يحتمل أن يكون أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالا لما وقع في قلوبهم منها من أن يكون المكروه إنما أصابهم بسبب الدار سكناها فإذا تحولوا منها انقطعت مادة ذلك الوهم وقد أخرج الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال سمعت رسول الله يقول لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس قلت في إسناده ضعف وروى أبو نعيم في كتاب ( الحلية ) من حديث خبيب بن عبيد عن عائشة قال رسول الله الشؤم سوء الخلق فإن قلت ما الفرق بين الدار وبين موضع الوباء الذي منع من الخروج منه قلت ما لم يقع التأذي به ولا اطردت عادته به خاصة ولا عامة ولا نادرة ولا متكررة لا يصغي إليه وقد أنكر الشارع الالتفات إليه كلقي غراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في دار ففي مثل هذا قال لا طيرة ولا تطير وأيضا إنه لا يفر منه لإمكان أن يكون قد وصل الضرر إلى الفار فيكون سفره زيادة في محنته وتعجيلا لهلكته

(14/150)


9582 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي حازم بن دينار ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن
( الحديث 9582 - طرفه في 5905 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو حازم اسمه سلمة وقد مر عن قريب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي الطب عن القعنبي وأخرجه مسلم في الطب عن القعنبي وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن عبد السلام ابن عاصم الرازي
قوله إن كان في شيء إلى آخر هكذا هو في جميع النسخ وكذا في ( الموطأ ) لكن زاد في آخره يعني الشؤم وكذا رواه مسلم وهنا اسم كان مقدر تقديره إن كان الشؤم في شيء حاصلا فيكون في المرأة والفرس والمسكن فقوله إن كان في شيء إلى آخره إخبار أنه ليس فيهن فإذا لم يكن في هذه الثلاثة فلا يكون في شيء والشؤم والطيرة واحد والطيرة شرك لما روي أبو داود من حديث زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله قال الطيرة شرك الطيرة شرك ثلاثا وما منا إلا وفيه ولكن الله عز و جل يذهبه بالتوكل وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وقوله الطيرة شرك خارج مخرج المبالغة والتغليظ قوله وما منا إلا وفيه فيه حذف تقديره إلا وفيه الطيرة أو إلا قد يعتريه التطير ويسبق إلى قلبه الكراهية فيه فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع والدليل على أن الطيرة والشؤم واحد قوله لا عدوى ولا طيرة وإن كان في شيء ففي المرأة والفرس والدار رواه أبو سعيد وأخرجه عند الطحاوي
84 -
( باب الخيل لثلاثة )
أي هذا باب يذكر فيه الخيل لثلاثة أي الخيل تنقسم إلى ثلاثة أقسام عند اقتنائها لثلاثة أنفس على ما يجيء في الحديث وهذه الترجمة صدر حديث الباب وذكر هذا المقدار اكتفاء بما ذكر في حديث الباب والخيل جمع لا واحد له وجمعه خيول كذا في ( المخصص ) وكان أبو عبيدة يقول واحدها خائل لاختيالها فهو على هذا اسم للجمع عند سيبويه وجمع عند أبي الحسن وفي ( المحكم ) ليس هذا بمعروف يعني قول أبي عبيدة قال وقول ابن أبي ذؤيب
( فتنازلا واتفقت خيلاهما
وكلاهما بطل اللقاء مخدع )
ثناه على قولهم لقاحان أسودان وحمالان والجمع أخيال عن ابن الأعرابي والأول أشهر وفي الاحتفال لأبي عبد الله بن رضوان وقد جاء فيه الجمع أيضا على أخيل وإذا صغرت الخيل أدخلت الهاء فقلت خييلة ولو طرحت الهاء لكان وجها والخولة بالفتح جماعة الخيل
وقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ( النحل 8 )
وقوله مرفوع عطفا على قوله الخيل وفي بعض النسخ وقول الله تعالى قوله والخيل عطف على قوله والأنعام خلقها لكم ( النحل 8 ) أي وخلق الخيل والبغال والحمير أي وخلق هؤلاء للركوب والزينة واللام في لتركبوها للتعليل قوله وزينة مفعول له عطف على محل لتركبوها ولم يرد المعطوف والمعطوف عليه على سنن واحد لأن الركوب فعل المخاطبين وأما الزينة ففعل الزائن وهو الخالق وقرىء زينة ( النحل 8 ) بلا واو أي وخلقها زينة لتركبوها واحتج به أبو حنيفة ومالك على حرمة أكل الخيل لأنه علل خلقها بالركوب والزينة ولم يذكر الأكل كما ذكره في الأنعام
0682 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا

(14/151)


أو شرفين كانت أرواثها وآثارها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك وسئل رسول الله عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( الزلزلة 7 - 8 )
مطابقته للترجمة في قوله الخيل لثلاثة وقد ذكرنا أنها صدر حديث الباب
والحديث مضى في كتاب الشرب في باب شرب الناس والدواب من الأنهار غير أنه لم يذكر فيه هنا القسم الثالث اختصارا وهو قوله ورجل ربطها تغنيا إلى آخر ما ذكره هناك ومضى الكلام فيه مستوفى ولنذكر بعض شيء لزيادة الفائدة
قوله الخيل لثلاثة وفي رواية الكشميهني الخيل ثلاثة قوله في مرج أو روضة شك من الراوي والمرج موضع الكلأ وأكثر ما يطلق على الموضع المطمئن والروضة أكثر ما يطلق على الموضع المرتفع وقال ابن الأثير المرج الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيها الدواب أي تخلى تسرح مختلطة كيف شاءت والروضة الموضع الذي يستنقع فيه الماء قوله طيلها بكسر الطاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف بعدها لام وهو الحبل الذي ترتبط به ويطول لها الترعي ويقال له طول أيضا قوله فاستنت من الاستنان وهو العدو والشرف الشوط قوله ونواء بكسر النون المناوأة وهي المعاداة وحكى عياض عن الداودي أنه وقع عنده ونوى بفتح النون والقصر قال ولا يصح ذلك وقيل حكاه الإسماعيلي من رواية إسماعيل بن أبي أويس فإن ثبت فمعناه وبعدا لأهل الإسلام وقيل الظاهر أن الواو في قوله ورياء ونواء بمعنى أو لأن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدة قوله الفاذة بالفاء وتشديد الذال المعجمة أي المنفردة في معناها يعني منفردة في عموم الخير والشر
94 -
( باب من ضرب دابة غيره في الغزو )
أي هذا باب في بيان من ضرب دابة غيره التي وقفت من العي إعانة له ورفقا به
1682 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( أبو عقيل ) قال حدثنا ( أبو المتوكل الناجي ) قال أتيت جابر ابن عبد الله الأنصاري فقلت له حدثني بما سمعت من رسول الله قال سافرت معه في بعض أسفاره قال أبو عقيل لا أدري غزوة أو عمرة فلما أن أقبلنا قال النبي من أحب أن يتعجل إلى أهله فليعجل قال جابر فأقبلنا وأنا على جمل لي أرمك ليس فيه شية والناس خلفي فبينما أنا كذلك إذ قام علي فقال لي النبي يا جابر استمسك فضربه بسوطه ضربة فوثب البعير مكانه فقال أتبيع الجمل قلت نعم فلما قدمنا المدينة ودخل النبي المسجد في طوائف أصحابه فدخلت إليه وعقلت الجمل في ناحية البلاط فقلت أهذا جملك فخرج فجعل يطيف بالجمل ويقول الجمل جملنا فبعث النبي أواق من ذهب فقال أعطوهاجابرا ثم قال استوفيت الثمن قلت نعم قال الثمن والجمل لك
مطابقته للترجمة في قوله فضربه بسوطه ضربة فالضارب رسول الله والمضروب دابة غيره وهو جمل جابر رضي الله تعالى عنه ومسلم هو ابن إبراهيم القصاب البصري وأبو عقيل بفتح العين المهملة وكسر القاف اسمه بشير ضد النذير بن عقبة الدورقي الأزدي الناجي ويقال السامي البصري وأبو المتوكل علي بن داود الناجي بالنون والجيم منسوبا إلى بني ناجية بن سامة بن لؤي

(14/152)


قبيلة كبيرة منهم والحديث مضى بهذا الإسناد مختصرا في المظالم ومضت مباحثه مستوفاة في الشروط
قوله أو عمرة كذا في رواية الكشميهنيي وفي رواية غيره أم عمرة قوله فلما أن أقبلنا كلمة أن زائدة قوله فليعجل وفي رواية الكشميهني فليتعجل فالأول من باب التفعيل والثاني من باب التفعل قوله أرمكبراء وكاف على وزن أحمر قال الأصمعي الأرمك لون يخالط حمرته سواده ويقال بعير أرمك وناقة رمكاء وعن ابن دريد الرمك كل شيء خالطت غيرته سوادا كدرا وقيل الرمكة الرماد وقال ابن قرقول ويقال أربك بالباء الموحدة أيضا والميم أشهر قوله ليس فيه شية بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف الخفيفة أي ليس فيه لمعة من غير لونه وعن قتادة في قوله لا شية أي لا عيب ويقال الشية كل لون يخالف معظم لون الحيوان قوله والناس خلفي جملة حالية من قوله وأنا على جمل لي أراد أن جمله كان يسبق جمال الناس قوله فبينا أنا كذلك أي في حالة كان الناس خلفي قوله إذا قام علي جواب بينا أنا كذلك أي إذ وقف الجمل يقال قامت الدابة إذا وقفت من الكلال قوله البلاط بفتح الباء الموحدة وهي الحجارة المفروشة وقيل هو موضع
وقال ابن المنذر اختلفوا في المكتري يضرب الدابة فتموت فقال مالك إذا ضربها ضربا لا يضرب مثله أو حيث لا يضرب ضمن وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور ويقال إذا ضربها ضربا يضربها صاحبها مثله ولم يتعد فليس عليه شيء واستحسن هذا القول أبو يوسف ومحمد وقال الثوري وأبو حنيفة ضامن إلا أن يكون أمره بضربها
05 -
( باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل )
أي هذا باب في بيان مشروعية الركوب على الدابة الصعبة إذا كان من أهل ذلك والصعبة بسكون العين الشديدة والفحولة بفتح الفاء والحاء المهملة جمع فحل وقال الكرماني ولعل التاء فيه لتأكيد الجمع كما في الملائكة
وقال راشد بن سعد كان السلف يستحبون الفحولة لأنها أجرأ وأجسر
راشد بن سعد المقرئي بضم الميم وفتحها وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة نسبة إلى مقرأ قرية من قرى دمشق وهو تابعي وروي عن ثوبان مولى سيدنا رسول الله وأبي أمامة ومعاوية وغيرهم مات سنة ثلاثة عشر ومائة والصحيح أنه مات سنة ثمان ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الأثر الواحد قوله السلف أي من الصحابة ومن بعدهم قوله لأنها أجرأ أفعل من الجراءة ويكون أيضا من الجري لكن الأول بالهمز والثاني بدونه قوله وأجسر أفعل من الجسارة بالجيم والسين المهملة والمفضل عليه محذوف لدلالة القرينة عليه تقديره أجرأ وأجسر من الإناث أو من المخصية
وقال ابن بطال فيه أن ركوب الفحولة أفضل للركوب من الإناث لشدتها وجرأتها ومعلوم أن المدينة لم تخل من إناث الخيل ولم ينقل عن سيدنا رسول الله ولا جملة أصحابه أنهم ركبوا غير الفحول ولم يكن ذلك إلا لفضلها إلا ما ذكر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أنه كان له فرس أنثى بلقاء وذكر سيف في ( الفتوح ) أنها التي ركبها أبو محجن حين كان عند سعد مقيدا بالعراق وذكر الدارقطني في ( سننه ) عن المقداد قال غزوت مع النبي يوم بدر على فرس لي أنثى وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسي بضم النون وفتح السين المهملة او ابن محيريز أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي من أمور الحرب ويستحبون الفحولة في الصفوف والحصون ولما ظهر من أمور الحرب وروي عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنه كان لا يقاتل إلا على أنثى لأنها تدفع البول وهي أقل صهيلا والفحل يحبسه في جريه حتى ينفتق ويؤذي بصهيله وروى أبو عبد الرحمن عن معاذ بن العلاء عن يحيى بن أبي كثير يرفعه عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها عز وبطونها كنز وفي لفظ ظهورها حرز
2682 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) قال سمعت

(14/153)


( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان بالمدينة فزع فاستعار النبي فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه وقال ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا
مطابقته للترجمة في قوله والفحولة من الخيل وأحمد بن محمد قال الدارقطني هو أحمد بن محمد بن ثابت بن عصمان الخزاعي أبو الحسين بن شبويه وذكر في ( رجال الصحيحين ) هو أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار المروزي وهو من أفراد البخاري وعبد الله هو ابن المبارك والحديث مضى عن قريب في باب اسم الفرس والحمار ومضى الكلام فيه هناك
15 -
( باب سهام الفرس )
أي هذا باب في بيان كمية سهام فرس الغازي من الغنيمة وإضافة السهام إلى الفرس باعتبار أن صاحبه يستحق من الغنيمة بسببه ثلاثة أسهم سهمان للفرس وسهم للفارس
3682 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما
( الحديث 3682 - طرفه في 8224 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين فيه سهام الفرس بقوله جعل للفرس سهمين وفي الحقيقة أيضا السهمان لصاحب الفرس ولكن لما كانا له بسبب الفرس ومن جهته أضيفا إليه واللام فيه للتعليل
وعبيد مصغر عبد ضد الحر ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله ابن عمر العمري
قوله ولصاحبه سهما أي جعل لصاحب الفرس سهما غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم وقد فسره نافع كذلك ولفظه إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم فإن لم يكن معه فرس فله سهم وسيأتي هذا في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى
وفي الباب أحاديث نحو حديث الباب فروى أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل قال أخبرنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وقال أبو داود أيضا حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثني المسعودي قال حدثني أبو عمرة عن أبيه قال أتينا رسول الله أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين وروى النسائي من حديث يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال ضرب رسول الله عام خيبر للزبير أربعة أسهم سهم للزبير وسهم لذي القربى لصفية بنت عبد المطلب أم الزبير وسهمين للفرس وروى أحمد من حديث مالك ابن أوس عن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير رضي الله تعالى عنهم قالوا كان رسول الله يسهم للفرسين سهمين وروى الدارقطني من حديث أبي رهم قال غزونا مع النبي أنا وأخي ومعنا فرسان فأعطانا ستة أسهم أربعة لفرسينا وسهمين لنا وروى أيضا من حديث أبي كبشة الأنماري قال لما فتح رسول الله قال إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن أنقصهما أنقصه الله عز و جل وروى أيضا من حديث ضباعة بنت الزبير عن المقداد قال أسهم لي رسول الله يوم بدر سهما ولفرسي سهمين وروى أيضا من حديث عطاء عن ابن عباس أن رسول الله قسم لكل فرس بخيبر سهمين سهمين وروى أيضا من حديث هشام بن عروة عن أبي صالح عن جابر قال شهدت مع رسول الله غزاة فأعطى الفارس منا ثلاثة أسهم وأعطى الراجل سهما وروى أيضا من حديث الواقدي حدثنا محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده أنه شهد حنينا مع النبي فأسهم لفرسه سهمين وله سهما وقال محمد بن عمرو حدثنا أبو بكر بن يحيى بن النضر عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول أسهم رسول الله للفرس سهمين ولصاحبه سهما
واحتج بهذه الأحاديث جمهور العلماء إن سهام الفارس ثلاثة سهمان لفرسه وسهم له وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة لا يسهم للفارس إلا سهم واحد ولفرسه سهم واحتج في ذلك بما رواه الطبراني في ( معجمه ) حدثنا حجاج بن عمران السدوسي حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني حدثنا

(14/154)


محمد بن عمر الواقدي حدثنا موسى بن يعقوب الربعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد ابن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عن المقداد بن عمرو أنه كان يوم بدر على فرس يقال له سبحة فأسهم له النبي سهمين لفرسه سهم واحد وله سهم وبما رواه الواقدي أيضا في المغازي حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن جعفر بن خارجة قال قال الزبير بن العوام شهدت بني قريظة فارسا فضرب لي بسهم ولفرسي بسهم وبما رواه ابن مردويه في ( تفسيره ) في سورة الأنفال من حديث عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أساب رسول الله سبايا بني المصطلق فأخرج الخمس منها ثم قسم بين المسلمين فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما وبما رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا أبو أسامة وابن نمير قالا حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله جعل للفارس سهمين وللراجل سهما وبما رواه الدارقطني في أول كتابه ( المؤتلف والمختلف ) من حديث عبد الرحمن بن أمين عن ابن عمر أن النبي كان يقسم للفارس سهمين وللراجل سهما وفي ( التوضيح ) خالف أبو حنيفة عامة العلماء قديما وحديثا وقال لا يسهم للفارس إلا سهم واحد وقال أكره أن أفضل بهيمة على مسلم وخالفه أصحابه فبقي وحده وقال ابن سحنون انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار قلت لم ينفرد أبو حنيفة بذلك بل جاء مثل ذلك عن عمر وعلي وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم فإن قلت الواقدي فيه مقال قلت ما للواقدي فقد قال إبراهيم الحربي سمعت مصعبا الزبيري وسئل عن الواقدي فقال ثقة مأمون وكذلك قال المسيبي حين سئل عنه وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الواقدي ثقة وعن الداودي قال الواقدي أمير المؤمنين في الحديث ولئن سلمنا أن فيه مقالا ففي أكثر أحاديث هؤلاء أيضا مقال فحديث أبي داود الذي رواه عن أحمد فيه المسعودي فيه مقال واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود وحديث أبي رهم فيه قيس بن الربيع قال في ( التنقيح ) ضعفه بعض الأئمة وأبو رهم مختلف في صحبته وحديث أبي كبشة الأنماري فيه محمد بن عمران العبسي قال النسائي ليس بالقوي وفيه عبد الله بن بشر قال النسائي ليس بثقة وقال يحيى القطان لا شيء وقال أبو حاتم والدارقطني ضعيف وحديث مقداد فيه موسى بن يعقوب عن عمته قريبة فيه لين وتفرد به عنها فإن قلت حديث الباب وما روي من ( الصحاح ) مثله حجة عليه قلت لا لأن ظاهر قوله تعالى واعلموا أنما غنتم من شيء ( الأنفال 14 ) يقتضي المساواة بين الفارس والراجل وهو خطاب لجميع الغانمين وقد شملهم هذا الاسم وحديث الباب ونحوه محمول على وجه التنفيل
وقال مالك يسهم للخيل والبراذين منها
وفي بعض النسخ قوله قال مالك إلى الباب الذي يليه ذكر مقدما على الحديث المذكور قوله والبراذين جمع برذون بكسر الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره نون وفي المغرب البرذون التركي من الخيل وخلافها العراب والأنثى برذونة ويقال البرذون يجلب من بلاد الروم وله جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية وهذا التعليق روي عن مالك بزيادة والهجين وهو ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي وقيل الهجين الذي أبوه فقط عربي وأما الذي أمه فقط عربية فيسمى المقرف وعن أحمد الهجين البرذون ويقال الهجين والبراذين خيل الروم والفرس وقال ابن فارس اشتقاق البرذون من برذن الرجل برذنة إذا ثقل
لقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها ( النحل 8 )
قال ابن بطال رحمه الله وجه الاحتجاج بالآية أن الله تعالى أمتن بركوب الخيل وقد أسهم لها رسول الله واسم الخيل يقع على البرذون والهجين قلت وبقول مالك قال أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وقال الليث للهجين والبرذون سهم دون سهم الفرس ولا يلحقان بالعراب وقال ابن المناصف أول من أسهم البرذون رجل من همدان يقال له المنذر الوداعي فكتب بذلك إلى عمر رضي الله تعالى عنه فأعجبه فجرت سنة للخيل والبراذين وفي ذلك يقول شاعرهم

(14/155)


ومنا الذي قد سن في الخيل سنة
وكانت سواء قبل ذاك سهامها
وعن محكول فيما رواه أبو داود في ( المراسيل ) أن رسول الله هجن الهجين يوم خيبر وعرب العربي للعربي سهمان وللهجين سهم وقال الإشبيلي وروي موصولا عن مكحول عن زياد بن حارثة عن حبيب بن سلمة عن النبي والمرسل أصح وقال ابن المناصف وروي أيضا عن الحسن وبه قال أحمد بن حنبل وقال مكحول ولا شيء للبراذين وهو قول الأوزاعي وقال ابن حزم للراجل وراكب البغل والحمار والجمل سهم واحد فقط وهو قول مالك والشافعي وأبي سليمان وقال أحمد للفارس ثلاثة أسهم ولراكب البعير سهمان
ولا يسهم لأكثر من فرس
هو من بقية كلام مالك وهو قول الجمهور وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن وأهل الظاهر وقال الأوزاعي والثوري والليث وأحمد وأبو يوسف وإسحاق يسهم لفرسين وهو قول ابن وهب وابن الجهم من المالكية وقال ابن أبي عاصم وهو قول الحسن ومكحول وسعيد بن عثمان وقال القرطبي لم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا شيئا روي عن سليمان بن موسى الأشدق قال يسهم لمن عنده أفراس لكل فرس سهمان وهو شاذ وعن مالك فيما ذكره ابن المناصف إذا كان المسلمون في سفن فلقوا العدو فغنموا أنه يضرب للخيل التي معهم في السفن بسهمهم وهو قول الشافعي والأوزاعي وأبي ثور وقال بعض الفقهاء القياس أن لا يسهم لها
واختلف في فرس يموت قبل حضور القتال فقال الشافعي وأحمد وإسحاق يسهم وأبو ثور لا يسهم له إلا إذا حضر القتال وقال مالك وابن القاسم وأشهب وعبد الملك بن الماجشون بالإدراب يستحق الفرس الإسهام وإليه ذهب ابن حبيب قال ومن حطم فرسه أو كسر بعد الإيجاف أسهم له وقال مالك ويسهم للرهيص من الخيل وإن لم يزل رهيصا من حين دخل إلى حين خرج بمنزلة الإنسان المريض قاله ابن الماجشون وأشهب وأصبغ وقال اللخمي وروي عن مالك أنه لا يسهم للمريض من الخيل وقال الأوزاعي في رجل دخل دار الحرب بفرسه ثم باعه من رجل دخل دار الحرب راجلا وقد غنم المسلمون غنائم قبل شرائه وبعده أنه يسهم للفرس فما غنموا قبل الشراء للبائع وما غنموا بعد الشراء فسهمه للمشتري فما اشتبه من ذلك قسم بينهما وبه قال أحمد وإسحاق وقال ابن المنذر وعلى هذا مذهب الشافعي إلا فيما اشتبه فمذهبه أنه يوقف الذي أشكل من ذلك بينهما حتى يصطلحا وقال أبو حنيفة إذا دخل أرض العدو غازيا راجلا ثم ابتاع فرسا يقاتل عليه وأحرزت الغنيمة وهو فارس أنه لا يضرب له إلا بسهم راجل
25 -
( باب من قاد دابة غيره في الحرب )
أي هذا باب في بيان من قاد إلى آخره
4682 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( سهل بن يوسف ) عن ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال رجل للبراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما أفررتم عن رسول الله يوم حنين قال لاكن رسول الله لم يفر إن هوازن كانوا قوما رماة وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام فأما رسول الله فلم يفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بلجامها والنبي يقول
( أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب )
مطابقته للترجمة في قوله وأبو سفيان آخذ بلجامها وسهل بن يوسف الأنماطي البصري وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله

(14/156)


السبيعي وأخرجه مسلم أيضا
قوله رجل للبراء وفي رواية قال للبراء رجل من قيس قوله أفررتم الهمزة فيه للاستفهام على وجه الاستخبار قوله يوم حنين قال الواقدي حنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف وقال البكري بضعة عشر ميلا والأغلب فيه التذكير لأنه اسم ماء وربما أنثت العرب جعلته إسما للبقعة وهو وراء عرفات سمي بحنين بن قانية بن مهلايل وقال الزمخشري هو إلى جنب ذي المجاز وكانت سنة ثمان وسببها أنه لما أجمع على الخروج إلى مكة لنصرة خزاعة أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم فاستعدوا للحرب حتى أتوا سوق ذي المجاز فسار حتى أشرف على وادي حنين مساء ليلة الأحد ثم صالحهم يوم الأحد نصف شوال قوله لكن رسول الله لم يفر هذا هو المعلوم من حاله وحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لإقدامهم وشجاعتهم وثقتهم بوعد الله عز و جل ورغبتهم في الشهادة وفي لقاء الله عز و جل ولم يثبت عن واحد منهم والعياذ بالله أنه فر ومن قال ذلك قتل ولم يستتب لأنه صار بمنزلة من قال إنه كان أسودا وأعجميا لإنكاره ما علم من وصفه قطعا وذلك كفر قال القرطبي وحكي عن بعض أصحابنا الإجماع على قتل من أضاف إليه نقصا أو عيبا وقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل قال ابن بطال لأنه كافر إن لم يتأول ويعذر بتأويله وقال النووي والذين فروا يومئذ إنما فتحه عليه من كان في قلبه مرض من مسلمة الفتح المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا والذين خرجوا الأجل الغنيمة وإنما كانت هزيمتهم فجاءة قوله إن هوازن هم قبيلة من قيس فإن قلت هذا الاستدراك مماذا قلت تقديره نحن فررنا ولكن رسول الله لم يفر وحذف لقصدهم عدم التصريح بفرارهم وكذلك التقدير في قوله فأما رسول الله فلم يفر تقديره أما نحن فقد فررنا وأما رسول الله فلم يفر قوله رماة جمع رام قوله واستقبلونا ويروى فاستقبلونا بالفاء قوله على بغلته البيضاء واختلف في هذه البغلة ففي مسلم كانت بيضاء أهداها له فروة ابن نفاثة وفي لفظ كانت شهباء وفي رواية ابن سعد كان راكبا دلدل التي أهداها له المقوقس فيحتمل أن يكون ركبهما يومئذ نزل عن واحدة وركب الأخرى وركوبه يومئذ البغلة هو النهاية في الشجاعة والثبات لا سيما في نزوله عنها ومما يدل على شجاعته تقدمه يركض على البغلة إلى جمع المشركين حين فر الناس وليس معه غير اثني عشر نفرا وكان العباس وأبو سفيان آخذين بلجام البغلة يكفانها عن الإسراع به إلى العدو وأبو سفيان هو ابن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله وأخوه من الرضاعة قيل اسمه كنيته وقيل اسمه المغيرة وكان من فضلاء الصحابة مات بالمدينة سنة عشرين قوله والنبي يقول الواو فيه للحال وقوله أنا النبي لا كذب زعم ابن التين أن بعض أهل العلم كان يرويه لا كذب بنصب الباء ليخرجه عن أن يكون موزونا وفيه إثبات لنبوته كأنه قال أنا ليس بكاذب فيما أقول فيجوز على الانهزام وانتسابه إلى جده لرؤيا كان عبد المطلب رآها دالة على نبوته مشهورة عند العرب وعبررها له سيف ابن ذي يزن فيما ذكره ابن ظفر قلت قصته أن عبد المطلب لما وفد على سيف بن ذي يزن في جماعة من قريش أخبر سيف أن يكون في ولده نبي وكان ذلك مما يناقله أهل اليمن كابرا عن كابر إلى أن بلغ سيفا وقيل لأن شهرة جده كانت أكثر من شهرة أبيه لأنه توفي شابا في حياة أبيه
وفيه جواز الانتماء في الحرب وإنما كره من ذلك ما كان على وجه الافتخار في غير الحرب لأنه رخص في الخيلاء في الحرب مع نهيه عنها في غيرها فإن قلت الفرار من الزحف كبيرة فكيف بمن انهزم هنا قلت قال الطبري الفرار المتوعد عليه هو أن ينوي أن لا يعود إذا وجد قوة وأما من تحيز إلى فئة أو كان فراره لكثرة عدد العدو ونوى العود إذا أمكنه ليس داخلا في الوعيد ولهذا قال عز و جل في حق هؤلاء ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( التوبة 66 ) وفيه جواز الأخذ بالشدة والتعرض للهلكة في سبيل الله لأن الناس فروا عن رسول الله ولم يبق إلا اثني عشر رجلا وهم عتبة ومعتب ابني أبي لهب وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأبو بكر وعمر وعلي والفضل بن عباس وأسامة وقثم بن العباس وأيمن بن أم أيمن وقتل يومئذ وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وأم سليم أم أنس بن مالك من النساء وفيه ركوب البغال في الحرب للإمام ليكون أثبت له ولئلا يظن به الاستعداد للفرار والتولي وهو من باب السياسة لنفوس الاتباع لأنه إذا ثبت أتباعه وإذا ريىء منه العزم على الثبات عزم عليه

(14/157)


وفيه خدمة السلطان في الحرب وسياسة دوابه لأشراف الناس من قرابته وغيرهم
35 -
( باب الركاب والغرز للدابة )
أي هذا باب في بيان الركاب والغرز الكائنين للدابة فالركاب بكسر الراء وتخفيف الكاف قال الجوهري ركاب السرج معروف والركاب أيضا الإبل التي يسار عليها الواحدة راحلة ولا واحدة لها من لفظها قوله والغرز بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفي آخره زاي وهو الركاب الذي يركب به الإبل إذا كان من جلد والفرق بينهما أن الركاب يكون من الحديد أو الخشب والغرز لا يكون إلا من الجلد وقيل هما مترادفان والغرز للجمل والركاب للفرس
5682 - حدثني ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائمة أهل من عند مسجد ذي الحليفة
مطابقته للترجمة في قوله إذا أدخل ررجه في الغرز فإن قلت لفظ الركاب ليس في الحديث قلت ألحقه به لأنه في معناه أو أشار به إلى أنهما واحد من الأسماء المترادفة وعبيد بن إسماعيل قد مر عن قريب وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله بن عمر العمري وهذا الإسناد بعينه قد مر في أول باب سهام الفرس قوله قائمة نصب على الحال ومباحثه مرت في أوائل كتاب الحج
45 -
( باب ركوب الفرس العري )
أي هذا باب في ذكر ركوب الفرس العري بضم العين المهملة وسكون الراء وهو أن لا يكون عليه سرج ولا أداة ولا يقال في الآدميين إلا عريان قاله ابن فارس وهو من النوادر وحكى ابن التين أنه ضبط في الحديث بكسر الراء وتشديد الياء
55 -
( باب الفرس القطوف )
أي هذا باب في ذكر الفرس القطوف بفتح القاف وضم الطاء المهملة وهو من الدواب المقارب الخطو وقيل الضيق المشي ويقال قطفت الدابة تقطف قطافا وقطوفا بالضم إذا بطأت السير مع تقارب الخطو وقال الثعالبي إن مشى وثبا فهو قطوف وإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه فهو سبوت وإن التوى براكبه فهو قموص وإن منع ظهره فهو شموس
7682 - حدثنا ( عبد الأعلى بن حماد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي فرسا

(14/158)


لأبي طلحة كان يقطف أو كان فيه قطاف فلما رجع قال وجدنا فرسكم هذا بحرا فكان بعد ذلك لا يجارى
مطابقته للترجمة في قوله كان يقطف أو كان فيه قطاف وعبد الأعلى بن حماد بن نصر أصله بصري سكن بغداد وسعيد هو ابن أبي عروبة قوله يقطف بكسر الطاء وبضمها قوله أو كان فيه قطاف شك من الراوي والقطاف بالكسر مصدر وقد مر الآن قوله لا يجارى على صيغة المجهول أي لا يطيق فرس الجري معه
وفيه معجزة للنبي لكونه ركب بطيئا فصار بعد ذلك لا يجارى وقد مر الكلام فيه في باب اسم الفرس والحمار
65 -
( باب السبق بين الخيل )
أي هذا باب في بيان مشروعية السبق بين الخيل والسبق بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة مصدر من سبق يسبق من باب ضرب يضرب وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك
8682 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال أجرى النبي ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق قال ابن عمر وكنت فيمن أجرى
مطابقته للترجمة في قوله أجرى في الموضعين لأن الإجراء فيه معنى السبق وقبيصة بفتح القاف ابن عقبة قد تكرر ذكره وسفيان هو الثوري وعبيد الله هو ابن عمر العمري والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب هل يقال مسجد بني فلان وقد مر الكلام فيه هناك
قال عبد الله حدثنا سفيان قال حدثني عبيد الله قال سفيان بين الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة وبين ثنية إلى مسجد بني زريق ميل
عبد الله هو ابن الوليد العدني وقال الكرماني وما وقع في بعضها بدل عبد الله أبو عبد الله فهو سهو وسفيان هو الثوري وعبيد الله هو ابن عمر العمري وأراد البخاري بهذا بيان تصريح الثوري عن شيخه بالتحديث بخلاف الرواية الأولى فإنها بالعنعنة قوله قال سفيان موصول بالإسناد المذكور
75 -
( باب إضمار الخيل للسبق )
أي هذا باب في بيان إضمار الخيل لأجل السبق هل هو شرط أم لا الإضمار والتضمير أن يظاهر على الخيل بالعلف حتى يسمن ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف وقيل يشد عليها سروجها وتجلل بالإجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها ويقال تضمير الخيل أن تدخل في بيت وينقص من علفه ويجلل حتى يكثر عرقه فينقص لحمه فيكون أقوى لجريه وقيل ينقص علفه ويجلل بجل مبلول
9682 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أن النبي سابق بين الخيل التي لم تضمر وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر كان سابق بها
هذا طريق آخر لحديث عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي عن الليث بن سعد ومطابقته للترجمة غير ظاهرة لأنه ترجم بإضمار الخيل وذكر الخيل التي لم تضمر ولكن قيل المسابقة بالمضمرة لم تنكر عادة وأما غير المضمرة فقد تنكر ويعتقد

(14/159)


أنه لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها والخطر فيه فبين بالحديث جوازه وإن الإضمار ليس بشرط في المسابقة ووجه آخر وهو أنه أراد حديث ابن عمر بطوله وفيه السبق بالنوعين فذكر طرفا منه للعلم بباقيه وقال ابن بطال إنما ترجم لطريق الليث بالإضمار وأورده بلفظ سابق بين الخيل التي لم تضمر ليشير بذلك إلى تمام الحديث
والحديث أخرجه مسلم في المغاز عن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه النسائي في الخيل عن قتيبة به
قوله أمدها الأمد الغاية التي ينتهي إليها من موضع أو وقت
قال أبو عبد الله أمدا غاية فطال عليهم الأمد
أبو عبد الله هو البخاري نفسه ووقع هذا في رواية المستملي وحده والذي ذكره هو تفسير أبي عبيدة في ( المجاز )
85 -
( باب غاية السبق للخيل المضمرة )
أي هذا باب في بيان غاية السبق وفي بعض النسخ غاية السباق
0782 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال سابق رسول الله بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع فقلت لموسى فكم كان بين ذلك قال ستة أميال أو سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق قلت فكم بين ذلك قال ميل أو نحوه وكان ابن عمر ممن سابق فيها
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو طريق آخر لحديث ابن عمر عن عبد الله بن محمد المسندي عن معاوية بن عمرو الأزدي عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري عن ( موسى بن عقبة ) بن أبي عياش الأسدي المديني
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج
قوله فقلت لموسى القائل هو أبو إسحاق
وفيه مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك وجعلها بعضهم سنة وبعضهم إباحة وقال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب انتهى وقد خرج هذا من باب القمار بالسنة وكذلك هو خارج من تعذيب البهائم لأن الحاجة إليها تدعو إلى تأديبها وتدريبها وفيه تجويع البهائم على وجه الصلاح عند الحاجة إلى ذلك وفيه رياضة الخيل المعدة للجهاد وفيه أن المسابقة بين الخيل يجب أن يكون أمدها معلوما وأن تكون الخيل متساوية الأحوال أو متقاربة وأن لا يسابق المضمر مع غيره وهذا إجماع من العلماء لأن صبر الفرس المضمر المجوع في الجري أكثر من صبر المعلوف فلذلك جعلت غاية المضمرة ستة أميال أو سبعة وجعلت غاية المعلوفة ميلا واحدا وقال بعضهم وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به لأن قوله سابق أي أمر وأباح قلت ليت شعري ما وجه هذه النسبة وقد صرح ابن عمر بأنه سابق وهو في الحقيقة إسناد السباق إلى نفسه ولا معنى للعدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير داع ضروري وقد صرح أحمد في ( مسنده ) من رواية عبد الله بن عمر المكبر عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن رسول الله سابق بين الخيل وراهن انتهى ولم يتعرض هنا للمراهنة وقد قال الترمذي باب المراهنة على الخيل ولعله أشار إلى الحديث الذي رواه أحمد وقد أجمع العلماء على جواز المسابقة بلا عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل وخصه بعض العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شيء

(14/160)


وأما المسابقة بعوض فإن كان المال شرطا من جانب واحد بأن يقول أحدهما لصاحبه إن سبقتني فلك كذا وإن سبقتك فلا شيء لي فهو جائز وحكي عن مالك أنه لا يجوز لأنه قمار ولو شرط المال من الجانبين حرم بالإجماع إلا إذا أدخلا ثالثا بينهما وقالا للثالث إن سبقتنا فالمالان لك وإن سبقناك فلا شيء لك وهو فيما بينهما أيهما سبق أخذا لجعل عن صاحبه وسأل أشهب مالكا عن المحلل قال لا أحبه ولنا ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة أنه قال من أدخل فرسه بين فرسين وهو لا يأمن إن سبق فليس قمارا وإن أمن إن يسبق فهو قمار فلهذا يشترط أن يكون فرس المحلل أو بعيره مكافيا بفرسيهما أو بعيريهما وإن لم يكن مكافئا كان أحدهما بطيئا فهو قمار وقال محمد إدخال الثالث إنما يكون حيلة إذا توهم سبقه كذا في ( التتمة ) ويشترط في المسابقة في الحيوان تحديد المسافة وكذا في المناضلة بالرمي
والمسابقة بالأقدام تجوز إذا كان المال مشروطا من جانب واحد وبه قال الشافعي في قول وقال في المنصوص لا يجوز وبه قال مالك وأحمد
ولا تجوز المسابقة في البغال والحمير وبه قال الشافعي في قول ومالك وأحمد إذا كان بجعل وعن الشافعي في قول تجوز
95 -
( باب ناقة النبي )
أي هذا باب في بيان ذكر ناقة النبي وفي بعض النسخ باب ناقة النبي القصواء والعضباء
قال ابن عمر أردف النبي اسامة على القصواء
هذا التعليق رواه ابن منده في كتاب ( الأرداف ) من طريق عاصم بن عبيد الله عن سالم عن أبيه فذكره من غير ذكر القصواء وقال ابن التين ضبطت القصوى بضم القاف والقصر وهي عند أهل اللغة بالفتح والمد وقال ابن قرقول هي المقطوعة ربع الأذن والقصر خطأ وهي التي هاجر النبي عليها ويقال لها العضباء ابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه من نعم بني الحريش والجدعاء وكانت شهباء وكان لا يحمله إذا نزل عليه الوحي غيرها وتسمى أيضا الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والرياء وبردة والمروة والجعدة ومهرة والشقراء وفي ( المحكم ) القصاء حذف في طرف أذن الناقة والشاة وهو أن يقطع منها شيء قليل وقد قصاها قصوا وقصاها وناقة قصواء ومقصوة وجمل مقصو وأقصى وأنكر بعضهم أقصى وقال اللحياني بعير أقصى ومقصى ومقصو وناقة قصواء ومقصاة ومقصوة مقطوعة طرف الأذن والقصية من الإبل الكريمة التي لا تجهد في حل ولا حمل وقيل القصية من الإبل رذالتها وقال الجوهري كانت ناقة النبي لم تكن مقطوعة الأذن وجزم ابن بطال بأن القصواء من النوق التي في أذنها حذف يقال منه ناقة قصواء وبعير مقصي قال أبو عبيد العضباء مشقوقة الأذن وقال ابن فارس العضباء لقب لها وقال الكرماني وأما ناقة رسول الله التي كانت تسمى العضباء إنما كان ذلك لقبا لها ولم تكن أذنها مشقوقة وقال صاحب ( العين ) ناقة عضباء مشقوقة الأذن وشاة عضباء مكسورة القرن والعضب القطع وقد عضبه يعضبه إذا قطع
وقال المسور قال النبي ما خلأت القصواء
المسور بكسر الميم ابن مخرمة بن نوفل له ولأبيه صحبة وهذا التعليق ذكره البخاري مسندا في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد مطولا قوله ما خلأت أي ما وقفت وبركت
1782 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول كانت ناقة النبي يقال لها العضباء

(14/161)


المطابقة بينه وبين الترجمة من حيث إن ذكر الناقة يشمل العضباء وغيرها وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ومعاوية هو ابن عمرو الأزدي وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الفزاري وقد مضى رجال إسناده كلهم عن قريب
2782 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) قال حدثنا ( زهير ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كان للنبي ناقة تسمى العضباء لا تسبق قال حميد أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلميمن حتى عرفه فقال حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا ووضعه طوله موسى عن حماد عن ثابت عن أنس عن النبي
مطابقته للترجمة ما ذكرناه في الحديث الأول ومالك بن إسماعيل بن زيدا النهدي الكوفي وزهير هو ابن معاوية
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن سليمان عن موسى بن داود عن زهير به
قوله أو لا تكاد شك من الراوي قوله على قعود بفتح القاف وهو ما استحق الركوب من الإبل ويقال القعود من الإبل ما يعده الإنسان للركوب والحمل وقال الأزهري عن الليث القعود والقعودة من الإبل خاصة ولم أسمع قعوده بالهاء لغير الليث ولا يكون إلا للذكر ولا يقال للأنثى قعودة قال وأخبرني المنذري أنه قرأ بخط أبي الهيثم ذكر الكسائي أنه سمع من يقول قعودة للقلوص وللذكر قعود وجمع القعود قعدان والقعادين جمع الجمع وفي ( المحكم ) القعدة والقعودة والقعود من الإبل ما اتخذه الراعي للركوب والجمع أقعدة وقعد وقعائد وقال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك إن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل في السادسة فيسمى جملا قوله حتى عرفه أي حتى عرفه رسول الله كونه شاقا عليهم ويقال عرف أثر المشقة وسيجيء في الرقاق فلما رأى ما في وجوههم وقالوا سبقت العضباء الحديث قوله أن لا يرتفع شيء من الدنيا وفي رواية موسى ابن إسماعيل أن لا يرفع شيئا وكذلك في الرقاق على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وكذا في رواية أبي داود عن النفيلي عن زهير وفي رواية النسائي من رواية شعبة عن حميد أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا قوله طوله موسى أي رواه موسى بن إسماعيل التبوذكي مطولا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق وقع في رواية المستملي وحده هنا
وفيه إتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا يتضع وفيه الحث على التواضع وفيه حسن خلق النبي وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه
06 -
( باب الغزو على الحمير )
أي هذا باب في بيان الغزو على الحمير وهو جمع حمار ويجمع على أحمر أيضا ويجمع الحمر على حمرات جمع صحة وجاء على أحمرة أيضا والأتان حمارة وهذا الباب وقع في رواية المستملي وحده بلا حديث فكأنه وضع الترجمة وأخلى بياضا للحديث فاستمر على ذلك وضم النسفي هذه الترجمة للترجمة التي تليها فقال باب الغزو على الحمير وبغلة النبي البيضاء ولم يتعرض إلى وجهه أحد من الشراح وليس له وجه أصلا على ما لا يخفى
16 -
( باب بغلة النبي البيضاء )
أي هذا باب في ذكر بغلة النبي البيضاء
قاله أنس رضي الله تعالى عنه
أي قال ذلك أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وسيأتي هذا موصولا في غزوة حنين أخرجه محمد بن بشار حدثنا معاذ حدثنا ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن الحديث وفيه قالوا لبيك يا رسول الله نحن معك وهو على بغلة بيضاء الحديث

(14/162)


وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة للنبي بغلة بيضاء
أبو حميد بضم الحاء هو عبد الرحمن بن سعد بن المنذر الساعدي الصحابي مات في آخر خلافة معاوية وأيلة بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام وفي آخره هاء إخر الحجاز وأول الشام بينها وبين المدينة خمس عشرة مرحلة وقال أبو عبيد الأيلة على وزن فعلة مدينة على شاطيء البحر في منصف ما بين مصر ومكة واسم ملكها الذي أهدى البغلة للنبي يوحنا بن روبة وفي رواية سليمان عند مسلم وجاء اسم رسول بن العلماء صاحب إيلة إلى رسول الله بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء قلت الظاهر أن علماء اسم أم يوحنا واسم البغلة دلدل والصحيح أن دلدل أهداها له المقوقس وقال مسلم كانت البغلة التي أهداها صاحب أيلة بيضاء ويقال لها إيلية وهذا التعليق أخرجه البخاري موصولا في كتاب الزكاة في باب خرص التمر ومر الكلام فيه مستوفى
3782 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثني ( أبو إسحاق ) قال سمعت ( عمرو بن الحارث ) قال ما ترك النبي إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن علي بن بحر بن كثير أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي الخزاعي أخو جويرية بنت الحارث زوج النبي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن عمرو بن العباس وفي المغازي عن قتيبة وفي الوصايا عن إبراهيم بن الحارث وفي الخمس عن مسدد وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في الأحباس عن قتيبة به وعن عمرو بن علي عن يحيى وعن عمرو بن علي عن أبي بكر الحنفي وقد مر الكلام فيه في أول الوصايا وقال الكرماني قوله وأرضا نصف أرض فدك وثلث أرض وادي القرى وسهمه من خيبر وحقه من بني النضير والضمير في تركها راجع إلى كل الثلث لا إلى الأرض فقط قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
4782 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( سفيان ) قال حدثني ( أبو إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال له رجل يا أبا عمارة وليتم يوم حنين قال لا والله ما ولى النبي ولكن ولى سرعان الناس فلقيهم هوازن بالنبل والنبي على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبي يقول
( أنا النبي لا كذب
إنا ابن عبد المطلب )
مطابقته للترجمة في قوله والنبي على بغلته البيضاء والحديث قد مر عن قريب في باب من قاد دابة في الحرب وقد مر الكلام فيه مستوفى
قوله يا أبا عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم كنية البراء قوله وليتم أي أدبرتم قوله سرعان الناس قال ابن التين ضبط بكسر السين وضمها ويجوز فيه فتح السين مع فتح الراء وسكونها وهم أوائل الناس وفي ( التوضيح ) وهم الذين واجهوا العدو فلما ولى أولئك ضاقت عليهم الأرض والسبل وقال الكرماني سرعان جمع سريع قوله بالنبل ذكر في ( مختصر كتاب العين ) أن النبل لا واحد لها من لفظها وإنما واحدها سهم وقيل النبل السهام العربية
26 -
( باب جهاد النساء )
أي هذا باب في بيان جهاد النساء

(14/163)


5782 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( معاوية بن إسحاق ) عن ( عائشة بنت طلحة ) عن ( عائشة ) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت استأذنت النبي في الجهاد فقال جهادكن الحج
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين أن جهاد النساء الحج وسفيان هو الثوري ومعاوية ابن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي سمع عمته عائشة بنت طلحة وقد تقدم في أول الجهاد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أنها قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور وقد مر الكلام فيه هناك
وقال عبد الله بن الوليد قال حدثنا سفيان عن معاوية بهذا
عبد الله بن الوليد العدني وسفيان هو الثوري ومعاوية هو ابن إسحاق بن طلحة المذكور آنفا وهذا التعليق موصول في ( جامع ) سفيان
6782 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( معاوية ) بهذا
هذا إسناد آخر عن سفيان عن معاوية بهذا الحديث
وعن حبيب ابن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمننين عن النبي سأله نساؤه عن الجهاد فقال نعم الجهاد الحج
رواية حبيب بن أبي عمرة هذه موصولة من رواية قبيصة المذكورة وقال ابن بطال هذا دال على أن النساء لا جهاد عليهن وأنهن غير داخلات في قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا ( التوبة 14 ) وهو إجماع وليس في قوله جهادكن الحج أنه ليس لهن أن يتطوعن به وإنما فيه أنه الأفضل لهن وسببه أنهن لسن من أهل القتال للعدو ولا قدرة لهن عليه ولا قيام به وليس للمرأة أفضل من الاستتار وترك مباشرة الرجال بغير قتال فكيف في حال القتال التي هي أصعب والحج يمكنهن فيه بمجانبة الرجال والاستتار عنهن فلذلك كان أفضل لهن من الجهاد
36 -
( باب غزو المرأة في البحر )
أي هذا باب في بيان غزو المرأة في البحر
8782 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمر ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( عبد الله بن عبد الرحمان الأنصاري ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول دخل رسول الله على ابنة ملحان فاتكأ عندها ثم ضحك فقالت لم تضحك يا رسول الله فقال ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله مثلهم مثل الملوك على الأسرة فقالت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعلها منهم ثم عاد فضحك فقالت له مثل أو مم ذلك فقال لها مثل ذلك فقالت ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين ولست من الآخرين قال قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر مع بنت قرظة فلما قفلت ركبت دابتها فوقصت بها فسقطت عنها فماتت
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد هو المسندي ومعاوية بن عمرو الأزدي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد

(14/164)


ابن الحارث الفزاري وقد تقدم الحديث عن قريب في باب من يصرع في سبيل الله وفي ( التوضيح ) سقط في البخاري هنا بين أبي إسحاق وعبد الله الأنصاري الراوي عن أنس زائدة بن قدامة الثقفي نبه عليه أبو مسعود الدمشقي وأجيب بأن هذا تحكم بلا دليل كيف وقد ثبت سماع أبي إسحاق من عبد الله بن عبد الرحمن
قوله ابنة ملحان هي أم حرام خالة أنس بن مالك قوله قال قال أنس أي قال عبد الله بن عبد الرحمن قال أنس بن مالك قوله فتزوجت أي ابنة ملحان تزوجت عبادة بن الصامت ظاهره أنها تزوجته بعد هذه المقالة ووقع في رواية أبي إسحاق عن أنس في أول الجهاد لفظ وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله وظاهره هذا أنها كانت حينئذ زوجته ووفق ابن التين بين الروايتين بأن يحمل على أنها كانت زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك وقيل يحمل قوله في رواية أبي إسحاق وكانت تحت عبادة جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال وفيه تأمل قوله فركبت البحر مع بنت قرظة بالقاف والراء والظاء المعجمة المفتوحات واسمها فاختة بالفاء وكسر الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق وقيل كنود امرأة معاوية بن أبي سفيان كان معاوية أخذها معه لما غزا قبرس في البحر سنة ثمان وعشرين وكان معاوية أول من ركب البحر للغزاة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف صرح بذلك خليفة بن خياط في ( تاريخه ) وغيره وقد وهم من قال إنها بنت قرظة بن كعب الأنصاري وذكر البلاذري في ( تاريخه ) أن قرظة بن عبد عمرو مات كافرا ولبنتها رؤية وكذا لأخيها مسلم بن قرظة الذي قتل يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها
46 -
( باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه )
أي هذا باب في ذكر حمل الرجل إلى آخره أراد أنه لما غزا أخذ معه من نسائه واحدة منهن ولكن بعد القرعة بينهن كما صرح به في حديث الباب
9782 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( عبد الله بن عمر النميري ) قال حدثنا ( يونس ) قال سمعت ( الزهري ) قال سمعت ( عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص ) وعبيد الله بن عبد الله عن حديث ( عائشة ) كل حدثني طائفة من الحديث قالت كان النبي إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيتهن يخرج سهمها خرج بها النبي فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع النبي بعدما أنزل الحجاب
قيل لا مطابقة بين هذه الترجمة والحديث لأن هذه الترجمة لا تصح إلا بذكر القرعة فيها قلت ليس كذلك لوجود المطابقة لأن الحديث يشمل الترجمة غاية ما في الباب أنه ما ذكر القرعة اكتفاء بما فيه من ذكرها ولا يلزم أن يذكر في الترجمة جميع ما في الحديث وهذا الحديث قطعة من حديث الإفك وقد مر بتمامه في كتاب الشهادات في باب تعديل النساء بعضهن بعضا وقد مر الكلام فيه مستوفى
56 -
( باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال )
أي هذا باب في بيان غزو النساء يعني خروجهن إلى الغزاة مع الرجال
0882 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي قال ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب وقال غيره تنقلان

(14/165)


القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم
قيل بوب البخاري على غزوهن وقتالهن وليس في الحديث أنهن قاتلن فأما أن يريد إن إعانتهن للغزاة غزو وإما أن يريد أنهن ما ثبتن للمداواة ولسقي الجرحى إلا وهن يدافعن عن أنفسهن وهو الغالب فأضاف إليهن القتال لذلك قلت كلا الوجهين جيد ويؤيد الوجه الأول ما رواه أبو داود في ( سننه ) من حديث حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع رسول الله في غزوة خيبر الحديث وفيه فخرجن نعزل الشعر ونعين في سبيل الله ومعنا دواء الجرح وتناول السهام ونسقي السويق فقال لهن خيرا حتى إذا فتح الله خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال الحديث فهذا فيه نناول السهام يعني للغزاة والمناول للغازي أجره مثل أجر الغازي كما للمناول السهم للرامي في غير الغزاة وأجر المناول في الغزاة بطريق الأولى ويؤيد الوجه الثاني ما رواه مسلم من حديث أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنى مني أحد من المشركين بقرت بطنه فهذه أم سليم اتخذت عدة لقتل المشركين وعزمت على ذلك فصار حكمها حكم الرجال المقاتلين وذكر بعضهم حديث أبي داود المذكور وغيره مثله ثم قال ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن انتهى قلت التلويح يغني عن التصريح فيحصل به المطابقة على الوجه الذي ذكرناه ثم قال هذا القائل يحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو فالتقدير بقوله وقتالهن مع الرجال أي هل هو سائغ أو إذا خرجن مع الرجال في الغزو ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك انتهى قلت لم يكن غرض البخاري هذا الاحتمال البعيد أصلا ولا هذا التقدير الذي قدره لأنه خلاف ما يقتضيه التركيب فكيف يقول هل هو سائغ بل هو واجب عليها الدفع إذا دنى منها العدو وكما في حديث أم سليم فافهم
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد الثاني عبد الوارث بن سعيد الثالث عبد العزيز بن صهيب أبو حمزة الرابع أنس بن مالك
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في موضع واحد وفيه أن رجاله كلهم بصريون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في فضل أبي طلحة وفي المغازي وأخرجه مسلم في المغازي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أبي معمر به
ذكر معناه قوله وأم سليم هي أم أنس بن مالك قوله المشمرتان من التشمير يقال شمر إزاره إذا رفعه وشمر عن ساقه وشمر في أمره أي خفف وشمر للأمر أي تهيأ له قوله خدم سوقهما الخدم بفتح الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة الخلاخيل الواحد خدمة وقال ابن قرقول وقد سمي موضعها من الساقين خدمة وجمعه خدام بالكسر ويقال سمي الخلخال خدمة لأنه ربما كان من سيور مركب فيه الذهب والفضة والخدمة في الأصل السير والمخدم موضع الخلخال من الساق ويقال أصله أن الخدمة سير عليها مثل الحلقة تشد في رسغ البعير ثم تشد إليها شرايح نعله فسمي الخلخال خدمة لذلك وقيل الخدمة مخرج الرجل من السراويل والسوق بالضم جمع ساق قوله تنقزان من النقز بالنون والقاف والزاي وهو الوثب وقال الداودي معناه بسرعان المشي كالهرولة وقال غيره معناه الوثوب ونحوه في حديث ابن مسعود أنه كان يصلي الظهر والخلائق تنقز من الرمضاء أي تثب يقال نقز ينقز من باب نصر ينصر وقال الجوهري نقز الظبي في عدوه ينقز نقزا ونقزانا أي وثب والتنقيز التثويب وقال الخطابي أحسب الرواية تزفران بدل تنقزان والزفر حمل القرب الثقال قلت مادته زاي وفاء وراء قال الجوهري الزفر مصدر قولك زفر الحمل يزفره زفرا أي حمله وأزفره أيضا والزفر بالكسر الجمل والجمع أزفار والزفر أيضا القربة ومنه قيل للإماء اللواتي يحملن القرب زوافر وقيل الزفر البحر الفياض فعلى هذا كانت تملأ القرب حتى تفيض قوله القرب بكسر القاف جمع قربة وفي ( التلويح ) ضبط الشيوخ القرب بنصب الباء

(14/166)


وهو مشكل لأن تنقزان لازم ووجهه أن يكون النصب بنزع الخافض أي تنقزان بالقرب وأما على رواية تزفران وتنقلان فلا إشكال على ما لا يخفى قيل كان بعض الشيوخ يرفع القرب على الابتداء والخبر محذوف والتقدير القرب على متونها فتكون الجملة الإسمية في موضع الحال بلا واو وقيل وجد في بعض الأصول تنقزان بضم التاء فعلى هذا يستقيم نصب القرب أي تحركان القرب بشدة عدوهما فكانت القرب ترتفع وتنخفض مثل الوثب على ظهورهما قوله وقال غيره أي قال البخاري قال غير أبي معمر عن عبد الوارث تنقلان القرب من النقل باللام دون الزاي وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي قوله ثم تفرغانه من الإفراغ بالغين المعجمة يقال فرغ الماء بالكسر يفرغ فراغا مثل سمع سماعا أي صب وأفرغته أنا أي صببته فإن قلت ما وجه قوله أرى خدم سوقهما قلت قال النووي الرؤية للخدم لم يكن فيها نهي لأن يوم أحد كان قبل أمر النساء بالحجاب أو لأنه لم يقصد النظر إلى بعض الساق فهو محمول على أن تلك النظرة وقعت فجأة بغير قصد إليها قيل قد تمسك بظاهره من يرى أن تلك المواضع ليست بعورة من المرأة وليس بصحيح
وفوائد اختلف في المرأة هل يسهم لها قال الأوزاعي يسهم للنساء لأنه أسهم لهن بخيبر وأخذ المسلمون بذلك وبه قال ابن حبيب وقال الثوري والكوفيون والليث والشافعي لا يسهم لهن ولكن يرضخ لهن محتجين بقول ابن عباس في ( صحيح مسلم ) لنجدة كن النساء يجدين من الغنيمة ولم يضرب لهم بسهم وذكر الترمذي أن بعض أهل العلم قال يسهم للذمي إذا شهد القتال مع المسلمين وروى عن الزهري أن رسول الله أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه قال ابن المنذر وهو قول الزهري والأوزاعي وإسحاق والمجنون المطبق لا يسهم له كالصبي وقيل يسهم له والظاهر أنه لا يسهم له كالمفلوج اليابس
واختلفوا في الأعمى والمقعد وأقطع اليدين لاختلافهم هل يتمكن لهم نوع من أنواع القتال كإدارة الرأي إن كانوا من أهله وكقتال المقعد راكبا والأعمى يناول النبل ونحو ذلك ويكثرون السواد فمن رأى لمثل ذلك أثرا في استحقاق الغنيمة أسهم لهم وأما الذي يخرج وبه مرض فعند المالكية فيه خلاف هل يسهم له أم لا فإن مرض بعد الإدراب ففيه خلاف الأكثرون يسهمون له ولم يختلفوا أن من مرض بعد القتال يسهم له وإن كان مرضه بعد حوز الغنيمة
واختلف في التاجر والأجير على ثلاثة أقوال قيل يسهم لهما إذا شهدا القتال مع الناس قاتلا أو لم يقاتلا وقيل لا يسهم لهما مطلقا وقيل إن قاتلا يسهم لهما وإلا فلا وعن مالك لا يسهم للأجير والتاجر إلا أن يقاتلا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وعن مالك يسهم لكل حر قاتل وهو قول أحمد وقال الحسن بن حي يسهم للأجير وروي مثل ذلك عن ابن سيرين والحسن في التاجر والأجير يسهم لهما إذا حضرا القتال قاتلا أولا وقال الأوزاعي وإسحاق لا يسهم للعبد ولا للأجير المستأجر على خدمة القوم
66 -
( باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو )
أي هذا باب في بيان مشروعية حمل النساء إلى آخره
1882 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال ( ثعلبة بن أبي مالك ) إن ( عمر بن الخطب ) رضي الله تعالى عنه قسم مروطا بين نساء من نساء المدينة فبقي مرط جيد فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي فقال عمر أم سليط نساء الأنصار ممن بايع رسول الله قال عمر فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد
( الحديث 1882 - طرفه في 1704 )
مطابقته للترجمة في قوله فإنها كانت تزفر لنا القرب أي تحمل إليهم يوم أحد وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعبد الله هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وثعلبة بن أبي مالك قال الذهبي ثعلبة بن أبي مالك أبو يحيى القرظي إمام بني قريظة ولد في عهد النبي وله رؤية وطال عمره روى عنه

(14/167)


ابنه أبو مالك وصفوان بن سليم له حديثان مرسلان وقال ابن سعد قدم أبو مالك من اليمن وهو على دين اليهودية فتزوج امرأة من بني قريظة فنسب إليهم وهو من كندة فأسلم وثعلبة روى عن النبي وعن جماعة من الصحابة وروى عنه جماعة منهم الزهري وقال أبو عمر اسم أبي مالك عبد الله والأثر المذكور من أفراده وأخرجه أيضا في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن الزهري به
قوله مروطا جمع مرط وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به قوله يريدون أم كلثوم بضم الكاف والثاء المثلثة هي بنت فاطمة بنت رسول الله ولدت في حياة رسول الله خطبها عمر إلى علي رضي الله تعالى عنهم فقال أنا أبعثها إليك فإن رضيتها فقد زوجتكها فبعثها إليه ببرد وقال لها قولي له هذا البرد الذي قلت لك فقالت ذلك لعمر رضي الله تعالى عنه فقال لها قولي له قد رضيت رضي الله تعالى عنك ووضع يده على ساقها فقالت أتفعل هذا لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثم جاءت أباها فقالت بعثتني إلى شيخ سوء وأخبرته فقال لها يا بنية إنه زوجك قوله أم سليط بفتح السين المهملة وكسر اللام قال أبو عمر في ( الاستيعاب ) أم سليط امرأة من المبايعات حضرت مع رسول الله يوم أحد وقال غيره ولا يعرف اسمها وليس في الصحابيات من يشاركها في هذه الكنية قلت ذكرها ابن سعد في ( طبقات النساء ) وقال هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عدي بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة فلذلك كان يقال لها أم سليط وذكر أنها شهدت خيبر وحنينا وغفل عن ذكر شهودها خيبر قوله تزفر لنا القرب بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل لنا القرب جمع قربة الماء وقد مر عن قريب ما جاء من هذه المادة
وفيه أن الأولى برسول الله من أتباعه السابقة إليه والنصرة له والمعونة بالمال والنفس ألا ترى أن عمر رضي الله تعالى عنه جعل أم سليط أحق بالقسمة لها من المروط من حفيدة رسول الله لتقدم أم سليط بالإسلام والنصرة والتأييد وكذلك يجب أن لا يستحق الخلافة بعده ببنوة ولا قرابة وإنما يستحق بما ذكر الله بالسابقة والإنفاق والمقاتلة وفيه الإشارة بالرأي على الإمام وإنما ذلك للوزير والكاتب وأهل النصيحة والبطانة له وليس ذلك لغيرهم إلا أن يكون من أهل العلم والبروز في الإمامة فله الإشارة على الإمام وغيره
قال أبو عبد الله تزفر تخيط
أبو عبد الله هو البخاري نفسه يعني قال إن معنى تزفر القرب أي تخيطها وورد عليه بأن ذلك لا يعرف في اللغة وهذا وقع في رواية المستملي وحده قلت وقال أبو صالح كاتب الليث تزفر تخرز ويمكن أن يكون هذا مستند البخاري في تفسيره
76 -
( باب مداواة النساء الجرحى في الغزو )
أي هذا بيا في بيان ما جاء من مداواة النساء الجرحى من الرجال وغيرهم والجرحى جمع جريح
2882 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( خالد بن ذكوان ) عن ( الربيع بنت معوذ ) قالت كنا مع النبي نسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد مروا فيما مضى فعلي بن عبد الله المسندي مر مرارا وبشر بكسر الباء الموحدة ابن المفضل مر في العلم وخالد بن ذكوان مر في الصوم والربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة بنت معوذ بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة ثم الذال المعجمة الأنصارية من المبايعات وأبوها معوذ بن عفراء له صحبة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن مسدد وفي الطب عن قتيبة وأخرجه النسائي في السير عن عمرو ابن علي
قوله نسقي أي أصحاب رسول الله قوله ونداوي الجرخى فيه مباشرة المرأة غير ذي محرم منها في المداواة وما شاكلها من ألطاف المرضى ونقل الموتى فإن قلت كيف ساغ ذلك قلت جاز ذلك للمتجالات منهن لأن موضع الجرح

(14/168)


لا يلتذ بمسه بل تقشعر منه الجلود وتهابه الأنفس ولمسه عذاب للامس والملموس وأما غيرهن فيعالجن بغير مباشرة منهن لهم فيضعن الدواء ويضعه غيرهن على الجرح وقد يمكن أن يضعنه من غير مس شيء من جسده ويدل على ذلك اتفاقهم أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها وراء حائل في قول الحسن البصري والنخعي والزهري وقتادة وإسحاق وعند سعيد بن المسيب ومالك والكوفيين وأحمد تيمم بالصعيد وهو أصح الأوجه عند الشافعية وقال الأوزاعي تدفن كما هي ولا تيمم وقيل الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والدواء ضرورة والضرورات تبيح المحظورات والله أعلم
86 -
( باب رد النساء الجرحى والقتلى )
أي هذا باب في بيان ما جاء من رد النساء الجرحى والقتلى كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني إلى المدينة بعد قوله القتلى وقال ابن التين كانوا يوم أحد يجمعون الرجلين والثلاثة من الشهداء على دابة وتردهن النساء إلى موضع قبورهم
3882 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) عن ( خالد بن ذكوان ) عن ( الربيع بنت معوذ ) قالت كنا نغزو مع النبي فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا طريق آخر من حديث الربيع وهو طريق أوفى بالمقصود وفي رواية الإسماعيلي من طريق آخر عن خالد بن ذكوان زيادة وهي قوله ولا نقاتل
96 -
( باب نزع السهم من البدن )
أي هذا باب في بيان مشروعية نزع السهم من بدن المصاب قيل إنما ترجم بهذا لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع عنه السهم بل يبقى فيه كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك فبين بهذه الترجمة أن هذا مشروع انتهى وفيه نظر لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد وأحسن من ذلك ما قاله المهلب إن فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت وليس ذلك من الإلقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك قال ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها
4882 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال رمي أبو عامر في ركبته فانتهيت إليه قال انزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء فدخلت على النبي فأخبرته فقال أللهم اغفر لعبيد أبي عامر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أسامة بن حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في الجهاد وفي المغازي وفي الدعوات عن أبي كريب محمد بن العلاء وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الله بن براد وأبي كريب وأخرجه النسائي في السير عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي
قوله رمى أبو عامر واسمه عبيد بضم العين ابن وهب وقيل ابن سليم بضم السين المهملة الأشعري عم أبي موسى الأشعري كان من كبار الصحابة قتل يوم أوطاس فلما أخبر رسول الله رفع يديه يدعو له قوله فنزا بالزاي أي ظهر وارتفع وجرى ولم ينقطع وقال ابن التين النز و الوثبان معناه خرج الماء وقال صاحب ( العين ) نزا ينزو نزوا ونزوانا وتنزى إذا وثب قوله أللهم اغفر لعبيد إنما دعا له لأنه علم أنه ميت من ذلك

(14/169)


7 -
( باب الحراسة في الغزو في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل الحراسة في سبيل الله والحراسة بكسر الحاء الحفظ
5882 - حدثنا ( إسماعيل بن خليل ) قال أخبرنا ( علي بن مسهر ) قال أخبرنا ( يحيى بن سعيد ) قال أخبرنا ( عبد الله بن عامر بن ربيعة ) قال سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها تقول كان النبي سهر فلما قدم المدينة قال ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني الليلة إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا فقال أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك ونام النبي
( الحديث 0882 - طرفه في 1327 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله يحرسني الليلة إلى آخره الحديث وإسماعيل بن خليل أبو عبد الله الخزاز الكوفي وعلي بن مسهر بضم الميم على صيغة اسم الفاعل من الإسهار قد مر في مباشرة الحائض ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وعبد الله بن عامر بن ربيعة بن جحر بن سلامان القرشي العنزي ولد في عهد النبي قال أبو عمر قتل سنة ست من الهجرة وحفظ عنه وهو صغير وتوفي رسول الله وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين وأبوه عامر بن ربيعة من كبار الصحابة وتوفي عبد الله بن عامر سنة خمس وثمانين وقال أبو عمر عبد الله بن عامر بن ربيعة هو الأصغر وعبد الله ابن عامر بن ربيعة العدوي هو الأكبر صحب هو وأبوه النبي وآخر في الصحابة عبد الله بن عامر بن كريز العبشمي القرشي ابن خال عثمان بن عفان وفي التابعين عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة الدمشقي أبو عمران اليحصبي ولي قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التمني عن خالد بن مخلد وأخرجه مسلم في فضائل سعد بن أبي وقاص عن القعنبي وعن قتيبة ومحمد بن رمح وعن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في المناقب عن قتيبة به وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن يحيى وفي السير عن قتيبة به
قوله كان النبي سهر لم يبين فيه أن سهره في أي زمان كان وظاهر الكلام يقتضي أن يكون سهره قبل قدومه المدينة على ما لا يخفى ولكن ليس الأمر كذلك بل إنما كان سهره بعد مقدمه المدينة يدل عليه ما رواه مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عائشة قالت سهر رسول الله مقدمه المدينة ليلة فقال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة قالت فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة سلاح فقال من هذا قال سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله ما جاء بك فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله فجئت أحرسه فدعا له رسول الله ثم نام وله في رواية أرق رسول الله ذات ليلة فقال ليت رجلا صالحا الحديث ولم يذكر فيه مقدمه المدينة ففي حديث مسلم التصريح بأن سهره وقوله ليت رجلا إلى آخره كانا بعد مقدمه المدينة وهو ظاهر لا يخفى ومتن حديث البخاري ينزل على هذا لأن الحديث واحد والمخرج متحد ووقع في متن حديث البخاري تقديم وتأخير فالأصل سمعت عائشة تقول لما قدم النبي المدينة سهر ليلة وقال ليت رجلا إلى آخره وتؤكده رواية النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ كان أول ما قدم المدينة سهر من الليل
واعلم أنه ليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق فإن قلت الترجمة الحراسة في الغزو في سبيل الله فعلى ما ذكر لم تقع الحراسة في الغزو في سبيل الله قلت لم يزل النبي في سبيل الله سواء كان في السفر أو الحضر ولم يزل حاله في الغزو كذلك فإن قلت قال الله تعالى والله يعصمك من الناس ( المائدة 76 ) فما الحاجة إلى الحراسة قلت كان ذلك قبل نزول الآية أو المراد العصمة من فتنة الناس واختلافهم وقال القرطبي ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن إعلام الله بنصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العدد
وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وفيه أن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل

(14/170)


وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا وفيه أن التوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن والله تعالى أعلم
6882 - حدثنا ( يحيى بن يوسف ) قال أخبرنا ( أبو بكر ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطى رضى وإن لم يعط لم يرض لم يرفعه إسرائيل عن أبي حصين
7882 - ( وزادنا عمرو ) قال أخبرنا عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع
( انظر الحديث 6882 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله إن كان في الحراسة كان في الحراسة
ذكر رجاله وهم عشرة أنفس الأول يحيى بن يوسف بن أبي كريمة أبو يوسف الثاني أبو بكر بن عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن سالم الحناط بالنون المقبري وقد اختلف في اسمه اختلافا كثيرا والصحيح أن اسمه كنيته الثالث أبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الرابع أبو صالح ذكوان السمان الزيات الخامس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه السادس إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي السابع محمد بن جحادة بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة الأودي ويقال الأيامي الثامن عمرو بفتح العين ابن مرزوق الباهلي بالباء الموحدة التاسع ( عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ) مولى عبد الله بن عمر العاشر أبوه عبد الله بن دينار
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثمانية مواضع وفيه أن شيخه يحيى بن يوسف الزمي نسبة إلى زم بفتح الزاي وتشديد الميم وهي بليدة بخراسان على نهر بلخ وسكن بغداد وهو من أفراده وأبو بكر بن عياش وأبو حصين وإسرائيل ومحمد بن جحادة كوفيون وأبو صالح وعبد الرحمن مدنيان وعمرو بن مرزوق بصري وهو من أفراده وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح وفيه رواية الابن عن أبيه وهو عبد الرحمن يروي عن أبيه عبد الله
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن يحيى بن يوسف أيضا وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن يعقوب بن حميد بن كاسب
ذكر معناه قوله تعس بفتح التاء المثناة من فوق وكسر العين المهملة بعدها سين مهملة قال ابن التين التعس الكب أي عثر فسقط لوجهه وذكره بعض أهل اللغة بفتح العين وقال ابن الأنباري التعس الشر قال الله عز و جل فتعسا لهم ( محمد 8 ) وذكر ابن التياني عن قطرب تعس وتعس شقي وعن علي بن حمزة بالكسر والفتح هلك وفي ( البارع ) تعسه الله وأتعسه بمعنى نكسه وفي ( التهذيب ) قال شمر لا أعرف تعسه الله ولكن يقال تعس بنفسه وأتعسه الله وقيل تعس إذا أخطأ حجته إن خاصم وبغيته إن طلب وقيل التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه وقال الليث التعس أن لا ينتعش من عثرته وأن ينكس في سفال وذكر الزجاج أن التعس في اللغة الإنحطاط وفي ( المحكم ) هو السقوط على أي وجه كان وقيل هو البعد قوله عبد الدينار مجاز عن حرصه عليه وتحمل الذلة لأجله أي طلب ذلك قد استعبده وصار عمله كله في طلبهما كالعبادة لهما قوله والقطيفة بفتح القاف وكسر الطاء دثار مخمل والجمع قطائف وقطف قوله والخميصة

(14/171)


بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم كساء إسود مربع له علمان قوله إن أعطي على صيغة المجهول قال ابن بطال أي إن أعطى ماله عمل ورضي عن خالقه وإن لم يعط لم يرض ويتسخط بما قدر له فصح بهذا أنه عبد في طلب هذين فوجب الدعاء عليه بالتعس لأنه أوقف عمله على متاع الدنيا الفاني وترك النعيم الباقي قوله لم يرفعه إسرائيل أي لم يرفع الحديث إسرائيل ابن يونس عن أبي حصين بل وقفه عليه وكذا محمد بن جحادة قوله وزادنا عمرو وهو عمرو بن مرزوق أحد مشايخ البخاري ويروى وزاد لنا والذي زاد له هو قوله وانتكس إلى آخره وروى أبو نعيم الأصبهاني حديث عمرو هذا عن حبيب بن الحسن عن يوسف القاضي حدثنا عمرو بن مرزوق أنبأنا عبد الرحمن بن عبد الله فذكره قوله وانتكس بالسين المهملة أي عاوده المرض كما بدأ به وقال الطيبي أي انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة لأن من انتكس فقد خاب وخسر وقال صاحب ( المطالع ) ذكره بالشين المعجمة وفسره بالرجوع وجعله دعاء له لا عليه والأول أوجه قوله وإذا شيك بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بعدها كاف أي إذا أصابته شوكة لا قدر على إخراجها بالمنقاش وهو معنى قوله انتقش بالقاف والشين المعجمة يقال نقشت الشوكة إذا أخرجتها بالمنقاش ويقال انتقش الرجل إذا سل الشوكة من قدمه وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي وإذا شئت بتاء مثناة من فوق بدل الكاف وهو خطأ فاحش وإنما خص إنقاش الشوك بالذكر لأن الإنقاش أسهل ما يتصور في المعاونة لمن أصابه مكروه فإذا نفى ذلك الأهون فيكون ما فوق ذلك منفيا بالطريق الأولى قوله طوبى لعبد طوبى على وزن فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا وطوبى اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها ويقال طوبى لك وطوباك بالإضافة قوله آخذ اسم فاعل من الأخذ مجرور لأنه صفة عبد و العنان بكسر العين لجام الفرس قوله أشعث صفة لعبد بفتح الثاء لأن جره بالفتحة لأنه غير منصرف وقوله رأسه مرفوع لأنه فاعل ويجوز في أشعث الرفع قاله الكرماني ولم يبين وجهه وقال بعضهم ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة الرأس أي رأسه أشعث قلت هذا الذي ذكره لا يصح عند المعربين والرأس فاعل أشعث وكيف يكون وصفته والموصوف لا يتقدم على الصفة والتقدير الذي قدره يؤدي إلى إلغاء قوله رأسه بعد قوله أشعث وقال الطيبي أشعث رأسه مغبرة قدماه حالان من قوله لعبد لأنه موصوف قوله إن كان في الحراسة أي في حراسة العدو خوفا من أن يهجم العدو عليهم وذلك يكون في مقدمة الجيش والساقة مؤخرة الجيش والمعنى إيتماره لما أمر وإقامته حيث أقيم لا يفقد من مكانه بحال وإنما ذكر الحراسة والساقة لأنهما أشد مشقة وأكثر آفة الأول عند دخولهم دار الحرب والآخر عند خروجهم منها فإن قلت ما وجه اتحاد الشرط والجزاء قلت وجه ذلك أنه يدل على فخامة الجزاء وكماله نحو من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله أي من كان في الساقة فهو في أمر عظيم أو المراد منه لازمه نحو فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله أو قلة ثوابه قوله إذا استأذن لم يؤذن له إشارة إلى عدم التفاته إلى الدنيا وأربابها بحيث يفنى بكليته في نفسه لا يبتغي مالا ولا جاها عند الناس بل يكون عند الله وجيها ولم يقبل الناس شفاعته وعند الله يكون شفيعا مشفعا قوله يشفع بفتح الفاء المشددة أي لم تقبل شفاعته
قال أبو عبد الله لم يرفعه إسرائيل ومحمد بن جحادة عن أبي حصين
أبو عبد الله هو البخاري نفسه أي لم يرفع الحديث المذكور إسرائيل بن يونس ومحمد بن جحادة عن أبي حصين عثمان بن عاصم بل وقفاه عليه وقد ذكرناه
وقال تعسا كأنه يقول فأتعسهم الله
هكذا وقع في رواية المستملي وجرت عادة البخاري في شرح اللفظ التي توافق ما في القرآن بتفسيرها وهكذا فسر أهل التفسير قوله تعالى فتعسا لهم ( محمد 8 ) كأنه يقول فأتعسهم الله وقد مر الكلام فيه مستوفى

(14/172)


طوبى فعلى من كل شيء طيب وهي ياء إلى الواو وهي من يطيب
هذا أيضا من كلام البخاري فسر طوبى بهذا وقد ذكرنا الكلام فيه
17 -
( باب فضل الخدمة في الغزو )
أي هذا باب في بيان فضل الخدمة للغازي في الغزاة سواء كانت من صغير لكبير أو من كبير لصغير أو لمن يساويه وفي هذا الباب ثلاثة أحاديث كلها عن أنس ففي الأول خدمة الكبير للصغير وفي الثاني خدمة الصغير للكبير وفي الثالث توجد الخدمة لمن يساويه على ما نذكره
8882 - حدثنا ( محمد بن عرعرة ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( يونس بن عبيد ) عن ( ثابت البناني ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال صحبت جرير بن عبد الله فكان يخدمني وهو أكبر من أنس قال جرير إني رأيت الأنصار يصنعون شيئا لا أجد أحدا منهم إلا أكرمته
قيل هذا الحديث ليس في محله وإنما محله المناقب وحاصله نفي المطابقة
قلت هذا الحديث رواه مسلم من حديث محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن يونس بن عبيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر وكان يخدمني فقلت له لا تفعل إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله شيئا آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته وفي آخره وكان جرير أكبر من أنس وقال ابن بشار أسن من أنس انتهى فهذا يدل على أن معنى قوله صحبت جرير بن عبد الله يعني في السفر وهو أعم من أن يكون سفر الغزو أو غيره فبهذا يقع الحديث في بابه فتوجد المطابقة
قوله وهو أكبر من أنس فيه التفات أو تجريد وكان مقتضى الظاهر أن يقول وهو أكبر مني قوله يصنعون شيئا أي من خدمة رسول الله كما ينبغي ومن تعظيمهم إياه غاية ما يكون قوله منهم أي من الأنصار وقوله في رواية مسلم آليت أي حلفت
وفيه فضل الأنصار وفضل جرير وتواضعه ومحبته للرسول
9882 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) عن ( عمرو بن أبي عمرو ) مولى ( المطلب بن حنطب ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول خرجت مع رسول الله إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي راجعا وبدا له أحد قال هاذا جبل يحبنا ونحبه ثم أشار بيده إلى المدينة قال أللهم إني احرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة أللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا
مطابقته للترجمة في قوله خرجت مع رسول الله إلى خيبر أخدمه
وعبد العزيز بن عبد الله ابن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني وهو من أفراده ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المديني وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن حنطب بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الطاء المهملة وقد مر في باب الحرص على كتابة الحديث
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف وفي الاعتصام عن إسماعيل بن أبي إويس وأخرجه مسلم في المناسك عن قتيبة ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر وعن قتيبة بن سعيد وسعيد بن منصور كلاهما عن يعقوب بن عبد الرحمن وأخرجه الترمذي في المناقب عن الأنصاري وهو إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى وعن قتيبة كلاهما عن مالك ببعضه طلع له أحد
قوله إلى خيبر أي إلى غزوة خيبر وكانت سنة ست وقيل سنة سبع قوله أخدمه جملة وقعت حالا قوله راجعا حال من النبي قوله وبدا له أي ظهر له جبل أحد قوله يحبنا يمكن حمله على الحقيقة بأن يخلق الله فيه المحبة والله

(14/173)


على كل شيء قدير وقال الخطابي الحب والبغض لا يجوزان على الجبل نفسه وإنما هو كناية عن أهل الجبل وهم سكان المدينة يريد به الثناء على الأنصار والإخبار عن حبهم لرسول الله وحبه إياهم وهو نحو واسأل القرية ( يوسف 28 ) قوله لابتيها أي لابتي المدينة وهي تثنية لابة بالباء الموحدة الخفيفة وهي الحرة والمدينة بين الحرتين والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي الأرض ذات الحجارة السود ويجمع على حر وحرار وحرات وحرين واحرين وهو من الجموع النادرة واللابة تجمع على لوب ولابات ما بين الثلاث إلى العشر فإذا كثرت جمعت على اللاب واللوب وقد مر الكلام فيه في كتاب الحج في باب لابتي المدينة قوله كتحريم إبراهيم عليه الصلاة و السلام التشبيه في نفس الحرمة و في وجوب الجزاء ونحوه قوله أللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا أي بارك لنا في الطعام الذي يكال بالصيعان والأمداد ودعا لهم رسول الله بالبركة في أقواتهم ومر الكلام فيه أيضا في باب مجرد عن الترجمة في آخر كتاب الحج
وفيه جواز خدمة الصغير للكبير لشرف في نفسه أو في قومه أو لعلمه أو لصلاحه ونحو ذلك
0982 - حدثنا ( سليمان بن داود أبو الربيع ) عن ( إسماعيل بن زكرياء ) قال حدثنا ( عاصم ) عن ( مورق العجلي ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي أكثرنا ظلا الذي يستظل بكسائه وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئا وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوها وعالجوا فقال النبي ذهب المفطرون اليوم بالأجر
قيل هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها في غير مظانها لكونه لم يذكره في الصيام واقتصر على إيراده هنا قلت يمكن أن يقال إن له بعض مظنة هنا وهو أن قوله فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا عبارة عن الخدمة لأن معنى قوله بعثوا الركاب أي إلى الماء للسقي والركاب بالكسر الإبل التي يسار عليها ومعنى قوله وامتهنوا أي خدموا لأن الامتهان الخدمة والابتذال ومعنى قوله وعالجوا أي تناولوا الطبخ والسقي وكل هذا عبارة عن الخدمة وهي أعم من أن يخدموا أنفسهم أو يخدموا غيرهم أو يخدموا أنفسهم وغيرهم بل هم خدموا الصائمين لأنهم سقطوا على ما يجيء من رواية مسلم وكان ذلك في السفر لأن في رواية مسلم عن مورق عن أنس قال كنا مع النبي في السفر الحديث فحينئذ يطابق الحديث الترجمة من هذا الوجه وسليمان بن داود أبو الربيع العتكي الزهراني البصري وإسماعيل بن زكرياء أبو زياد الخلقاني الكوفي وعاصم هو ابن سليمان الأحول ومورق بكسر الراء المشددة وبالقاف العجلي وهما تابعيان في نسق وقال بعضهم والإسناد كله بصريون قلت ليس كذلك وإسماعيل ومورق كوفيان
والحديث أخرجه مسلم في الصوم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم
قوله أكثرنا ظلا من يستظل بكسائه يريد لم يكن لهم أخبية وذلك لما كانوا عليه من القلة وفي رواية مسلم فنزلنا منزلا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء فمنا من يتقي الشمس بيده وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئا يعني لعجزهم وفي رواية مسلم فسقط الصوامون قوله وأما الذين أفطروا إلى قوله وعالجوا قد ذكرناه الآن وفي رواية مسلم وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب قوله ذهب المفطرون بالأجر أي بالأجر الأكمل الوافر لأن نفع صوم الصائمين قاصر على أنفسهم وليس المراد نقص أجرهم بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم اشغالهم واشغال الصوام
قيل فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام وفيه أن التعاون في الجهاد وفي خدمة المجاهدين في حل وارتحال واجب على جميع المجاهدين وفيه جواز خدمة الرجل لمن يساويه لأن الخدمة أعم كما ذكرنا
27 -
( باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر )
أي هذا باب في بيان فضل إلى آخره والمتاع في اللغة كل ما انتفع به

(14/174)


1982 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال كل سلامى عليه صدقة كل يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ودل الطريق صدقة
( انظر الحديث 7072 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله يعين الرجل في دابته إلى قوله والكلمة الطيبة فإن قلت ليس فيه ذكر السفر قلت إطلاق هذا الكلام يتناول حالة السفر بالطريق الأولى
وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نضر السعدي النجاري كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد فالبخاري تارة يقول إسحاق بن إبراهيم بن نصر وتارة يقول إسحاق بن نصر فينسبه إلى جده وعبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني اليماني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وهمام هو ابن منبه الأنباري الصنعاني وقد مر في الصلح في باب فضل الإصلاح بين الناس بهذا الإسناد بعض هذا الحديث عن أبي هريرة قال قال رسول الله كل سلامى من الناس عليه صدقة وفيه زيادة على حديث الباب وهي قوله كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة
قوله كل سلامى بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وبالألف عظام الأصابع وقد مر الكلام فيه في الباب المذكور قوله كل يوم نصب على الظرفية قوله ويعين مبتدأ على تقدير المصدر نحو تسمع بالمعيدي يعني وأن تعين و أن مصدرية تقديره وإعانتك الرجل وقوله صدقة خبره قوله يحامله عليها أي يساعده في الركوب وفي الحمل على الدابة قوله وكل خطوة الخطوة بفتح الخاء المرة الواحدة وبالضم ما بين القدمين وقال ابن التين وضبط في البخاري بالضم قوله ودل الطريق بفتح الدال وتشديد اللام بمعنى الدلالة لمن يحتاج إليه
37 -
( باب فضل رباط يوم في سبيل الله )
أي هذا باب في بيان فضل رباط يوم الرباط بكسر الراء وبالباء الموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم قلت الرباط هي المرابطة وهي ملازمة ثغر العدو وقال ابن قتيبة أصل الرباط والمرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم في الثغر كل يعد لصاحبه وقال ابن التين بشرط أن يكون غير الوطن قاله ابن حبيب عن مالك وفيه نظر لأنه قد يكون وطنه ينوي بالإقامة فيه دفع العدو ويقال الرباط المرابطة في نحو العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين
وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اصبروا ( آل عمران 02 ) إلى آخر الآية
وقوله مجرور عطفا على قوله فضل رباط وتمام الآية وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ( آل عمران 02 ) قال زيد بن أسلم اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل على العدو وعن الحسن وقتادة اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداء الله ورابطوا في سبيل الله وعن الحسن أيضا اصبروا على المصائب وصابروا على الصلوات الخمس وقال محمد ابن كعب إصبروا على دينكم وصابروا لوعدي الذي وعدتكم عليه ورابطوا عدوي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم واتقوني فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني وفي ( تفسير ابن كثير ) قال الحسن البصري أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام ولا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين وأن يصابروا الأعداء الذين يملون دينهم وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن أحمد أخبرنا موسى بن إسحاق أخبرنا أبو جحيفة علي بن يزيد الكوفي أخبرنا ابن أبي كريمة عن محمد بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال أقبل أبو هريرة يوما فقال يا ابن أخي أتدري فيما أنزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ( آل عمران 02 ) الآية قلت لا قال

(14/175)


أما أنه لم يكن في زمان النبي غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ويصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها فعليهم أنزلت اصبروا ( آل عمران 02 ) أي على الصلوات الخمس وصابروا ( آل عمران 02 ) أنفسكم وهواكم ورابطوا ( آل عمران 02 ) في مساجدكم واتقوا الله فيما علمكم لعلكم تفلحون ( آل عمران 02 ) وهكذا روى الحاكم أيضا في ( مستدركه )
2982 - حدثنا ( عبد الله بن منير ) قال سمع ( أبا النضر ) قال حدثنا ( عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون أبو عبد الرحمن المروزي وهو من أفراده وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه هاشم بن القاسم التميمي ويقال الليثي الكناني خراساني سكن بغداد ومات بها يوم الأربعاء غرة ذي القعدة سنة سبع ومائتين وأبو حازم الأعرج سلمة بن دينار وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه الترمذي فيه عن أبي بكر بن أبي النضر
قوله سمع أبا النضر التقدير أنه سمع أبا النضر قوله رباط يوم قد مر تفسير الرباط عن قريب قوله وما عليها أي على الدنيا وفائدة العدول عن قوله وما فيها هو أن معنى الاستعلاء أعم من الظرفية وأقوى فقصده زيادة المبالغة قوله وموضع سوط أحدكم إلى قوله عليها لأن الدنيا فانية وكل شيء في الجنة باق وإن صغر في التمثيل لنا وليس فيه صغير فهو أدوم وأبقى من الدنيا الفانية المنقطعة فكان الدائم الباقي خيرا من المنقطع قوله والروحةإلى آخره وتفسير الغدوة والروحة مر في أوائل كتاب الجهاد في باب الغدوة والروحة لأنه أخرج هناك عن سهل بن سعد عن النبي قال الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها فإن قلت روى أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث عثمان رضي الله تعالى عنه رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل قلت لا تعارض لأنه باختلاف العاملين أو باختلاف العمل بالنسبة إلى الكثرة والقلة
106 - ( حدثنا قتيبة قال حدثنا يعقوب عن عمرو عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي قال لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله إذا نزل فكنت أسمعه كثيرا يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ثم قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها رسول الله لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال رسول الله آذن من حولك فكانت تلك وليمة رسول الله على صفية ثم خرجنا إلى المدينة قال فرأيت رسول الله يحوي لها وراءه

(14/176)


بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب فسرنا حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه ثم نظر إلى المدينة فقال اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله التمس لي غلاما إلى قوله فكنت أخدم رسول الله ويعقوب هو ابن عبد الرحمن بن محمد القاري بالتشديد من القارة حليف بني زهرة أصله مدني سكن الإسكندرية وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب والحديث يشتمل على عدة أحاديث الأول حديث التمس لي غلاما الثاني حديث الاستعاذة أخرجه في الدعوات أيضا عن قتيبة الثالث حديث صفية أخرجه أبو داود في البيوع وفي المغازي عن عبد الغفار بن داود وفي المغازي أيضا عن أحمد وأخرجه أبو داود في الخراج عن سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن ببعضه الرابع حديث أحد وحديث لابتي المدينة أخرجه أيضا في الجهاد عن عبد العزيز بن عبد الله وفي أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن القعنبي وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف وفي الاعتصام عن إسماعيل بن أبي أويس وأخرجه مسلم في المناسك عن قتيبة ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر وعن قتيبة وسعيد بن منصور كلاهما عن يعقوب وأخرجه الترمذي في المناقب عن الأنصاري وهو إسحق بن موسى
( ذكر معناه ) قوله لأبي طلحة زوج أم أنس واسمه زيد بن سهل الأنصاري وقد مر غير مرة قوله يخدمني بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع على تقدير هو يخدمني قوله مردفي من الإرداف والواو في قوله وأنا غلام للحال قوله راهقت الحلم أي قاربت البلوغ قوله من الهم والحزن قال الخطابي أكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن وهما على اختلافهما في الاسم يتقاربان في المعنى إلا أن الحزن إنما يكون على أمر قد وقع والهم إنما هو فيما يتوقع ولم يكن بعد وقال القزاز الهم هو الغم والحزن تقول أهمني هذا الأمر وأحزنني ويحتمل أن يكون من همه المرض إذا أذابه وأنحله مأخوذ من هم الشحم إذا أذابه والشيء مهموم أي مذاب قوله وضلع الدين بفتح الضاد المعجمة واللام أي ثقل الدين وأمر مضلع أي مثقل قوله وغلبة الرجال قال الكرماني عبارة عن الهرج والمرج ويقال غلبة الرجال عبارة عن توحد الرجل في أمره وتغلب الرجال عليه قوله صفية بنت حيي بضم الحاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف المخففة وتشديد الياء الأخيرة وأخطب بسكون الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة وشذ بالمهملتين وحديث صفية قد مر في كتاب البيوع في باب هل يسافر الرجل بالجارية قبل أن يستبرئها فإنه أخرجه هناك عن عبد الغفار بن داود عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال قدم النبي خيبر الحديث إلى قوله حتى تركب وقد مر الكلام فيه هناك مستوفي قوله عروسا نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث مادام في تعريسهما أياما والأحسن أن يقال للرجل معرس لأنه قد أعرس أي اتخذ عرسا قوله سد الصهبا اسم موضع قوله حيسا بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وهو طعام يتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت قوله في نطع بفتح النون وكسرها وسكون الطاء وفتحها أربع لغات قوله يحوي أي يجعل العباءة لها حوية يجعلها حول سنام البعير وفي العين الحوية مركب يهيأ للمرأة ويقال الحوية كساء محشو قوله هذا جبل يحبنا قد مر عن قريب في باب فضل الخدمة في الغزو وكذلك حديث لابتي المدينة قيل في صدر هذا الحديث إشكال قاله الداودي وغيره وهو أن الظاهر أن ابتداء خدمة أنس للنبي من كان أول ما قدم المدينة وأنه صح عنه أنه قال خدمت النبي تسع سنين وفي رواية عشر سنين وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدم أربع سنين وأجيب بأن معنى قوله لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانك تعيين من خرج معه في تلك السفرة فعين له أبو طلحة أنسا فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها

(14/177)


كانت متقدمة فيزول الإشكال بهذا الوجه فافهم وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن أنسا كان يخدمه من غير اشتراط أجرة ولا نفقة فجائز على اليتيم أن تسلمه أمه أو وصيه وشبههما في الصناعة والمهنة وهو لازم له ومنعقد عليه وفي التوضيح وفيه جواز استخدام اليتامى بشبعهم وكسوتهم وجواز الاستخدام لهم بغير نفقة ولا كسوة إذا كان في خدمة عالم أو إمام في الدين لأنه لم يذكر في حديث أنس أن له أجر الخدمة وإن كان قد يجوز أن تكون نفقته من عند رسول الله وفيه جواز حمل الصبيان في الغزو كما بوب له والله أعلم -
47 -
( باب من غزا بصبي للخدمة )
أي هذا باب في بيان مشروعية خروج من غزا بصبي لأجل الخدمة بطريق التبعية وإن كان لا يخاطب بالجهاد
57 -
( باب ركوب البحر )
أي هذا باب في بيان ركوب البحر ولكنه أطلق وذكره في أبواب الجهاد يشير إلى تخصيصه بالغزو للرجال والنساء فإذا جاز ركوبه للجهاد فللحج أجوز وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الأظهر وكره مالك للمرأة الحج في البحر لأنها لا تكاد تستتر من الرجال ومنهم من منع ركوب البحر مطلقا لأن عمر رضي الله تعالى عنه كان يمنع الناس من ركوب البحر فلم يركبه أحد طول حياته ولا حجة في ذلك لأن السنة أباحته للرجال والنساء في الجهاد وهو حديث الباب وغيره وأخرج أبو عبيدة في ( غريب الحديث ) من حديث عمران الجوني عن زهير بن عبد الله يرفعه من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة وفي رواية يلومن إلا نفسه وزهير مختلف في صحبته وقد أخرج البخاري حديثه في ( تاريخه ) فقال في روايته عن زهير عن رجل من الصحابة وإسناده حسن وفيه تقييد المنع بالارتجاج ومفهومه الجواز عند عدمه وهو المشهور من أقوال العلماء فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء قال الله تعالى وهو الذي يسيركم في البر والبحر ( يونس 22 ) وقال أبو عبيدة وأكبر ظني أنه قال التج باللام فدل على أن ركوبه مباح في غير هذا الوقت في كل شيء في التجارة وغيرها
5982 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( يحيى ) عن ( محمد بن يحيى بن حبان ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال ( حدثتني ) أم ( حرام ) أن النبي قال يوما في بيتها فاستيقظ وهو يضحك قالت يا رسول الله ما يضحكك قال عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت معهم ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثا قلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فيقول أنت من الأولين فتزوج بها عبادة بن الصامت فخرج بها إلى الغزو فلما رجعت قربت دابة لتركبها فوقعت فاندقت عنقها
( انظر الحديثين 8872 و9872 وطرافهما )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري القطان ومحمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن منقذ الأنصاري المدني والحديث قد مضى عن قريب في باب غزو المرأة في البحر ومضى أيضا في باب من يصرع في سبيل الله وفي باب الدعاء في الجهاد قوله قال يوما من القيلولة وقد مر الكلام في هذه الأبواب مستقصى
67 -
( باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب )
أي هذا باب في بيان من استعان إلى آخره يعني ببركتهم ودعائهم
وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان قال قال لي قيصر سألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم

(14/178)


فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل
وجه ذكره عقيب الترجمة هو قوله فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وهو طرف من الحديث الطويل الذي في بدء الوحي في أول الكتاب واسم أبي سفيان صخر بن حرب ضد الصلح ابن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي القرشي الأومي المكي أسلم ليلة الفتح نزل المدينة ومات بها سنة إحدى وثلاثين وصلى عليه عثمان بن عفان وهو والد معاوية وقيصر لقب هرقل ملك إحدى وثلاثين سنة ففي ملكه مات النبي
6982 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( محمد بن طلحة ) عن ( طلحة ) عن ( مصعب بن سعد ) قال ( رأى سعد ) رضي الله تعالى عنه أن له فضلا على من دونه فقال النبي هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم
مطابقته للترجمة من حيث إنه أخبر بأنهم لا ينصرون إلا بالضعفاء والصالحين في كل شيء عملا بإطلاق الكلام ولكن أهم ذلك وأقواه أن يكون في الحرب يستعينون بدعائهم ويتبركون بهم
ومحمد بن طلحة بن مصرف ابن عمرو اليامي يروي عن أبيه طلحة بن مصرف وهو يروي عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص
قوله رأى سعد هو ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه وصورة هذا مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول لكنه محمول على أنه سمع ذلك عن أبيه وقد وقع التصريح بذلك في رواية النسائي مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه قوله رأى أي ظن وهي رواية النسائي قوله أن له فضلا على من دونه أي من أصحاب رسول الله أي بسبب شجاعته ونحو ذلك من جهة الغنى وكثرة المال قوله فقال النبي هل تنصرون إلى آخره وقال المهلب إنما أراد بهذا القول لسعد الحض على التواضع ونفي الكبر والزهو على قلوب المؤمنين وأخبر أن بدعائهم ينصرون ويرزقون لأن عبادتهم ودعاءهم أشد إخلاصا وأكثر خشوعا لخلو قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا وزينتها وصفاء ضمائرهم عما يقطعهم عن الله تعالى جعلوا همهم واحدا فزكت أعمالهم وأجيب دعاؤهم وفي رواية الإسماعيلي إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم وروى عبد الرزاق عن مكحول أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أن يكون نصيبه كنصيب من غيره فقال ثكلتك أمك يا ابن سعد وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم
7982 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) أنه سمع ( جابرا ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى ( عنهم ) عن النبي قال يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال فيكم من صحب النبي فيقال نعم فيفتح عليه ثم يأتي زمان فيقال فيكم من صحب أصحاب النبي فيقال نعم فيفتح ثم يأتي زمان فيقال فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي فيقال نعم فيفتح
مطابقته للترجمة من حيث إن من صحب النبي ومن صحب أصحاب النبي ومن صحب صاحب أصحاب النبي هم ثلاثة الصحابة والتابعون وأتباع التابعين حصلت بهم النصرة لكونهم ضعفاء فيما يتعلق بأمر الدنيا أقوياء فيما يتعلق بأمر الآخرة
وسفيان بن عيينة وعمرو بن دينار وجابر بن عبد الله الأنصاري والصحابي وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن قتيبة وفي فضائل الصحابة عن علي ابن عبد الله وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وأحمد بن عبدة كلاهما عن سفيان به وعن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه
قوله فئام بكسر الفاء وفتح الهمزة ويقال فيام بياء آخر الحروف مخففة وفيه لغة أخرى وهي فتح الفاء ذكره

(14/179)


ابن عديس وفي ( التهذيب ) العامة تقول فيام وهي الجماعة من الناس قال صاحب ( العين ) ولا واحد له من لفظه قوله فيكم من صحب رسول الله وفي لفظ هل فيكم من رأى رسول الله بدل من صحب وهو رد لقول جماعة من المتصوفة القائلين إن سيدنا رسول الله لم يره أحد في صورته ذكره السمعاني وقال ابن بطال يشهد لهذا الحديث قوله خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
وفيه معجزة لسيدنا رسول الله وفضيلة لأصحابه وتابعيهم
77 -
( باب لا يقول فلان شهيد )
أي هذا باب يذكر فيه لا يقال فلان شهيد يعني على سبيل القطع إلا فيما ورد به الوحي
وقال أبو هريرة عن النبي الله أعلم بمن يجاهد في سبيل الله أعلم بمن يكلم في سبيله
هذا التعليق طرف من حديث مضى في أوائل الجهاد في باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قوله بمن يكلم على صيغة المجهول أي بمن يجرح
8982 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقال ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجز فلان فقال رسول الله أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
مطابقته للترجمة من حيث إن الصحابة لما شهدوا برجحان هذا الرجل في أمر الجهاد كانوا يقولون إنه شهيد لو قتل ثم لما ظهر منه أنه لم يقاتل لله وأنه قتل نفسه علم أنه لا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد قطعا لاحتمال أن يكون مثل هذا وإن كان يعطي له حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة
و ( يعقوب بن عبد الرحمن ) بن محمد وقد مضى عن قريب وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي وأخرجه مسلم في الإيمان وفي القدر جميعا عن قتيبة
قوله التقى هو والمشركون وكان ذلك في غزوة خيبر وقد أعاد هذا الحديث بعين هؤلاء

(14/180)


الرجال وعين هذا المتن في باب غزوة خيبر وقال ابن الجوزي كان في يوم أحد قوله وفي أصحاب رسول الله رجل واسمه قزمان وهو معدود في المنافقين وكان تخلف يوم أحد فعيره النساء وقلن له ما أنت إلا امرأة فخرج فكان أول من رمى بسهم ثم كسر جفن سيفه ونادى يا آل الأوس قاتلوا على الأحساب فلما خرج مر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك الشهادة فقال إني والله ما قاتلت على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ ثم قتل نفسه فقال رسول الله إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر قوله لا يدع لهم شاذة بشين وذال معجمتين والفاذة بالفاء وتشديد الذال المعجمة قال الخطابي الشاذة هي التي كانت في القوم ثم شذت منهم والفاذة من لم يختلط معهم أصلا فوصفه بأنه لا يبقي شيئا إلا أتى عليه وقال الداودي الشاذة والفاذة ما صغر وكبر ويركب كل صعب وذلول ويقال أنث الكلمتين على وجه المبالغة كما قالوا علامة ونسابة وقيل أنث الشاذة لأنها بمعنى النسمة قوله ما أجرأ بجيم وزاي وهمزة يعني ما أغنى ولا كفى وقال القرطبي كذا صحت فيه روايتان رباعيا وفي ( الصحاح ) أجزأني الشيء كفاني وجزا عني هذا الأمر أي قضى قوله وذبابه ذباب السيف طرفه الذي يضرب به وقال ابن فارس ذباب السيف حده قوله بين ثدييه قال ابن فارس الثدي للمرأة والجمع الثدي يذكر ويؤنث وتندوة الرجل كثدي المرأة وهو مهموز إذا ضم أوله فإذا فتح لم يهمز ويقال هو طرف الثدي قوله ثم تحامل أي مال يقال تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقته قوله فيما يبدو أي فيما يظهر قال الكرماني فإن قلت القتل هو معصية والعبد لا يكفر بالمعصية فهو من أهل الجنة لأنه مؤمن قلت لعل رسول الله علم بالوحي أنه ليس مؤمنا أو أنه سيرتد حيث يستحل قتل نفسه أو المراد من كونه من أهل النار أنه من العصاة الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها انتهى قلت لو اطلع الكرماني على أنه كان معدودا في المنافقين أو على قوله قاتلت على دين لما تكلف بهذه الترديدات
وفيه صدق الخبر عما يكون وخروجه على ما أخبر به الشارع وهو من علامات النبوة وفيه زيادة تطمين في قلوب المؤمنين ألا ترى أن الرجل حين رأى أنه قتل نفسه قال حين أخبر به الرسول أشهد أنك لرسول الله وفيه أن الإعتبار بالخواتيم وبالنيات
وفيه أن الله يؤيد دينه بالرجل الفاجر
87 -
( باب التحريض على الرمي )
أي هذا باب في بيان التحريض أي الحث على الرمي بالسهام
وقول الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ( الأنفال 06 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله التحريض المجرور بالإضافة وقد مر الكلام في هذه الآية في كتاب الجهاد في باب من احتبس فرسا في سبيل الله والمراد بالقوة الرمي وقال القرطبي إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فينهزم من خلفه
9982 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( حاتم بن إسماعيل ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) قال سمعت ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه قال مر النبي على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله مالكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم قال النبي ارموا فأنا معكم كلكم

(14/181)


مطابقته للترجمة في قوله ارموا بني إسماعيل وفي قوله ارموا في موضعين أيضا وفيه تحريض على الرمي أيضا
وحاتم بن إسماعيل أبو إسماعيل الكوفي سكن المدينة ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مصغر عبد مولى سلمة بن الأكوع والأكوع اسمه سنان بن عبد الله الأسلمي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن قتيبة وفي مناقب قريش عن مسدد
قوله من أسلم أي من بني أسلم القبيلة المشهورة وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة قوله ينتضلون بالضاد المعجمة أي يترامون يقال انتصل القوم إذا رموا للسبق والنضال قوله ارموا بني إسماعيل أي يا بني إسماعيل وحرف النداء محذوف وفي كتاب ابن مطير من حديث أبي العالية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي مر بنفر يرمون فقال رميا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وفي ( صحيح ابن حبان ) عن أبي هريرة خرج النبي وأسلم يرمون فقال إرموا بني إسماعيل فأن أباكم كان راميا إرموا وأنا مع ابن الأدرع فأمسك القوم قسيهم قالوا من كنت معه غلب قال إرموا وأنا معكم كلكم انتهى واسم ابن الأدرع محجن قاله ابن عبد البر وحكى ابن منده أن اسمه سلمة قال والأدرع لقب واسمه ذكوان والله أعلم قوله فإن أباكم كان راميا وذكر ابن سعد من طريق ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم أخبرني بكر بن سوادة سمع علي بن رباح يقول قال رسول الله كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وفي كتاب الزبير حدثني إبراهيم الحزامي حدثني عبد العزيز بن عمران عن معاوية بن صالح الحميري عن ثور عن مكحول قال العرب كلها بنو إسماعيل إلا أربع قبائل السلف والأوزاع وحضرموت وثقيف ورواه صاعد في كتاب ( الفصوص ) تأليفه من حديث عبد العزيز ابن عمران عن معاوية أخبرني مكحول عن مالك بن يخامر وله صحبة فذكره قوله وأنا مع بني فلان قد مر في حديث أبي هريرة وأنا مع ابن الأدرع ووقع في رواية الطبراني وأنا مع محجن بن الأدرع قوله قالوا كيف نرمي وأنت معهم من القائلين هذا نضلة الأسلمي ذكره ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قال بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة فذكر الحديث وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه قوله وأنا معكم كلكم بكسر اللام وسئل كيف كان رسول الله مع الفريقين وأحدهما غالب والآخر مغلوب وأجيب بأن المراد منه معية القصد إلى الخير وإصلاح النية والتدرب فيه للقتال
وفي الحديث دلالة على رجحان قول من قال من أهل النسب إن اليمن من ولد إسماعيل وأسلم من قحطان وفيه إطلاق الأب على الجد وإن علا وفيه أن السلطان يأمر رجاله بتعلم الفروسية ويحض عليها خصوصا الرمي بالسهام
وقد وردت فيه أحاديث تدل على فضله والتحريض عليه فمنها ما رواه الترمذي عن أبي نجيح يعني عمرو بن عنبسة يرفعه من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر وقال حسن صحيح ومنها ما رواه النسائي عن كعب بن مرة من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة ومنها ما رواه ابن حبان عن كعب بن مرة هذا قال سمعت رسول الله يقول من بلغ العدو بسهم رفع الله له درجة فقال له عبد الرحمن بن النحام وما الدرجة يا رسول الله قال أما إنها ليست بعتبة أمك ما بين الدرجتين مائة عام ومنها ما ذكره في ( الخلعيات ) من حديث الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس يدخل الله بالسهم الجنة ثلاثة الرامي به وصانعه والمحتسب به وفي لفظ من اتخذ قوسا عربية وجفيره يعني كنانته نفى الله عنه الفقر وفي لفظ أربعين سنة قلت ذكر الخطيب أن الخسن هذا هو ابن أبي الحسناء ومنها ما رواه أبو داود من حديث أبي راشد الحبراني عن علي رضي الله تعالى عنه رأى رسول الله رجلا يرمي بقوس فارسية فقال إرم بها ثم نظر إلى قوس عربية فقال عليكم بهذه وأمثالها فإن بهذه يمكن الله لكم في البلاد ويزيدكم في النصر وذكر البيهقي عن أبي عبد الرحمن بن عائشة أنها قالت قال قال أهل العلم إنما نهى عن القوس الفارسية لأنها إذا انقطع وترها لم ينتفع بها صاحبها والعربية إذا انقطع وترها كانت له عصا ينتفع بها

(14/182)


92 - 2 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( عبد الرحمان بن الغسيل ) عن ( حمزة بن أبي أسيد ) عن أبيه قال قال النبي يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا إذا أكتبوكم فعليكم بالنبل
مطابقته للترجمة في قوله فعليكم بالنبل فإنه تحريض على الرمي بالسهام وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وعبد الرحمن ابن الغسيل هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب وحنظلة هو غسيل الملائكة مر في الجمعة في باب من قال أما بعد وحمزة بالحاء المهملة وبالزاي ابن أبي أسيد بضم الهمزة وفتح السين وإسكان الياء آخر الحروف وأبو أسيد اسمه مالك الساعدي الخزرجي مر في باب من شكا إمامه
قوله حين صففنا لقريش قال الخطابي وفي بعض النسخ حين أففنا مكان صففنا فإن كان محفوظا فمعناه القرب منهم والتدلي عليهم كأن مكانهم الذي كانوا فيه أهبط من مصاف هؤلاء ومنه قولهم أسف الطائر في طيرانه إذا انحط إلى أن يقارب وجه الأرض ثم يطير صاعدا قوله إذا اكثبو بالثاء المثلثة والباء الموحدة يقال أكثبك الصيد إذا أمكنك أو قرب منك والمعنى هنا إذا دنوا منكم وقاربوكم وفي ( الغريبين ) إذا كثبوكم من الكثب بفتحتين وهو القرب وقد استشكل بأن الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد والجواب أنه لا إشكال فيه والمعنى هو الذي مر ذكره لأنهم إذا لم يقربوا ورموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب نبالهم ضياعا ويؤيد هذا ما رواه أبو داود من حديث حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال قال رسول الله حين اصطففنا يوم بدر إذا غشوكم فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم وفي رواية له إذا أكثبوكم فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم وقال الداودي معنى أكثبوكم كاثروكم ورد عليه هذا التفسير بأنه لا يعرف قوله فعليكم بالنبل أي لازموها والنبل جمع نبلة ويجمع على نبال أيضا وهي السهام العربية اللطاف
97 -
( باب اللهو بالحراب ونحوها )
أي هذا باب في بيان مشروعية اللهو بالحراب بكسر الحاء جمع الحربة قوله ونحوها أي نحو الحراب من آلات الحرب كالسيف والقوس والنبل
1092 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال بينا قال بينا الحبشة يلعبون عند النبي بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها فقال دعهم يا عمر وزاد علي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر في المسجد
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن قلت ليس في الحديث ذكر الحراب قلت ورد ذكره في بعض طرقه في حديث عائشة وقد مر في كتاب الصلاة في باب أصحاب الحراب في المسجد
وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام بن يوسف ومعمر بن راشد والزهري محمد بن مسلم وابن المسيب سعيد
والحديث أخرجه مسلم في العيد عن محمد بن رافع وعبد بن حميد
قوله فأهوى أي قصد والحصى جمع حصاة قوله فحصبهم بها أي رماهم بالحصى قوله دعهم أي اتركهم قوله وزاد علي أي ابن المديني والزيادة هي لفظة في المسجد وفي رواية الكشميهني وزادنا علي وفي ( التوضيح ) واللعب بالحراب سنة ليكون ذلك عدة للقاء العدو وليتدرب الناس فيه ولم يعلم عمر رضي الله تعالى عنه معنى ذلك حين حصبهم حتى قال له دعهم
وفيه أن من تأول فأخط لا لوم عليه لأنه لم يوبخ عمر إذ كان متأولا وقال ابن التين حصب عمر الحبشة يحتمل أن يكون ظن أنه لم ير رسول الله ولم يعلم أنه رآهم أو يكون

(14/183)


ظن أنه استحيى منهم وهذا أولى لقوله يلعبون عند رسول الله وفيه جواز مثل هذا اللعب في المسجد إذا كان فيما يشمل الناس لعبه
08 -
( باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه )
أي هذا باب في ذكر المجن وهو بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الدرقة وقال ابن الأثير هو الترس لأنه يواري حامله أي يستره والميم زائدة قوله ومن يتترس أي وفي ذكر من يتترس أي يستتر بترس صاحبه
2092 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) عن ( إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان أبو طلحة يتترس مع النبي بترس واحد وكان أبو طلحة حسن الرمي فكان إذا رمى تشرف النبي فينظر إلى موضع نبله
مطابقته للترجمة ظاهرة في المجن والتستر بترس صاحبه
وأحمد بن محمد أبو حسن الخزاعي المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي والأوزاعي هو عبد الرحمن وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك وسيأتي بأتم من هذا في غزوة أحد
قوله يتترس مع النبي بترس واحد لأن الرامي لا يمسك الترس لأنه يرمي بيديه جميعا فيستره رسول الله لئلا يرمي وكان حسن الرمي وانكسر في يده قوسان أو ثلاثة وفي رواية أنه كان يقول لرسول الله لا تنصرف فيصيبك العدو ونحري دون نحرك وفي حديث سهل لما أصيب سيدنا رسول الله يوم أحد بما ذكر من كسر البيضة والرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب وأدمى وجهه عتبة بن أبي وقاص أخو سد ورماه بان قميئة وقال خذنا وأنا ابن قميئة فقال له رسول الله أقماك الله في النار فدخل بعد ذلك في صبرة غنم فنطحه تيس منها وراءه فلم يوجد له مكان وأراد أبي بن خلف أن يرميه فأراد أبو طلحة أن يحول بينه وبينه فقال له النبي كما أنت ورمى رسول الله فأصابه تحت سابغة الدرع في نحره فمات من يومه قوله تشرف يقال تشرف الرجل إذا تطلع على شيء من فوق ويروى يشرف بضم الياء من الإشراف
3092 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل ) قال لما كسرت بيضة النبي على رأسه وأدمي وجهه وكسرت رباعيته وكان علي يختلف بالماء في المجن وكانت فاطمة تغسله فلما رأت الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه فرقأ الدم
مطابقته للترجمة في قوله في المجن ويعقوب وأبو حازم سلمة وسهل بن سعد قد مضوا عن قريب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي عن قتيبة وقد مضى الكلام الآن في قوله لما كسرت بيضة النبي إلى قوله وكان علي والبيضة بفتح الباء الخودة
قوله وكان علي رضي الله تعالى عنه يختلف بالماء مرة بعد أخرى قوله كثرة نصب على التمييز قوله عمدت أي قصدت قوله فرقأ الدم بفتح الراء وبالهمز أي فسكن عن الجري وقال صاحب ( الأفعال ) يقال رقأ الدم والدمع إذا سكن بعد جريه
وفيه امتحان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإبلاؤهم ليعظم بذلك أجرهم ويكون أسوة بمن ناله جرح وألم من أصحابه فلا يجدون في أنفسهم مما نالهم غضاضة ولا يجد الشيطان السبيل إليهم بأن يقول لهم تقتلون أنفسكم وتحملون الآلام في صون هذا وإذا أصابه ما أصابهم فقدت هذه المكيدة من اللعين وتأسى الناس به وجدوا في مساواتهم له في جميع أحوالهم وفيه خدمة

(14/184)


الإمام وبذل السلاح وفيه دليل على أن ترسهم كان مقعرا ولم يكن منبسطا فلذلك كان يمكن حمل الماء فيه وفيه أن النساء ألطف بمعالجة الرجال والجرحى
4092 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( الزهري ) عن ( مالك بن أوس بن الحدثان ) عن ( عمر ) رضي الله تعالى عنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله خاصة وكان ينفق على أهله نفقة سنته ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله
مطابقته للترجمة في قوله ثم يجعل ما بقي إلى آخره لأن المجن من جملة آلات السلاح وعلي بن عبد الله هو المسندي وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار والزهري محمد بن مسلم ومالك بن أوس بن الحدثان بالحاء والدال المهملتين وبالثاء المثلثة كلها بالفتح مر في الزكاة قيل إن له صحبة
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن قتيبة ومحمد بن عباد وإسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود في الجراح عن عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة الضبي وأخرجه الترمذي في الجهاد عن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن سعيد بن عبد الرحمن وعن زياد بن أيوب وفيه وفيه في قسم الفيء عن عبيد الله بن سعيد وفي التفسير عن عبيد الله بن سعيد أيضا ويحيى بن موسى وهارون ابن عبد الله
قوله بني النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة بنو النضير وبنو قريظة بطنان من اليهود من بني إسرائيل قوله مما أفاء الله من الفيء وهو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد قوله مما لم يوجف من الإيجاف وهو الإسراع في السير ويقال وجف البعير يجف وجفا ووجيفا وهو ضرب من سيره وأوجفه صاحبه إذا سار به ذلك السير وقال ابن فارس أوجف أعنق في السير والمعنى لم يعملوا فيه سعيا لا بالخيل ولا بالركاب وهي الإبل وكانت غزوة بني النضير في سنة أربع وقا الزهري في سنة ثلاث قوله فكانت لرسول الله خاصة أي فكانت أموال بني النضير لرسول الله على الخصوص لا يشاركه فيها أحد وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال أرسل إلي عمر بن الخطاب فدخلت عليه فقال إنه قد حضر أهل أبيان من قومك وإنا قد أمرنا لهم يرضح فاقسمه بينهم فقلت يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري قال إقبضه أيها المرء فبينا أنا كذلك إذ جاء برقاء مولاه فقال عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان وسعد يستأذنون فقال إيذن لهم ثم مكث ساعة ثم جاء فقال هذا علي والعباس يستأذنان فقال إيذن لهما فلما دخل العباس قال إقض بيني وبين هذا الغادر الفاجر الخائن وهما حينئذ يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير فقال القوم إقسم بينهما يا أمير المؤمين فأرح كل واحد منهما من صاحبه فقد طالت خصومتهما فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السموات والأرض أتعلمون أن رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة قالوا قد قال ذلك ثم قال لهما أتعلمان أن رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة قالا نعم قال فسأخبركم بهذا الفيء أن الله تعالى خص نبيه بشيء لم يعطه غيره فقالو وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ( الحشر 6 ) وكانت هذه لرسول الله خاصة فوالله ما اختارها دونكم ولا استأثرها دونكم ولقد قسمها عليكم حتى بقي منها هذا المال وكان رسول الله ينفق على أهله منه نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي في مال الله قوله والكراع وهو اسم للخيل قوله عدة وهي الاستعداد وما أعددته لحوادث الدهر من السلاح ونحوه
5092 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( سعد بن إبراهيم ) قال حدثني ( عبد الله بن شداد ) قال سمعت ( عليا ) رضي الله تعالى عنه يقول ما رأيت النبي يفدي رجلا بعد سعد قال سمعته يقول ارم فداك أبي وأمي

(14/185)


قيل دخول هذا الحديث هنا لا وجه له لأنه لا يطابق واحدا من جزئي الترجمة وأجيب بأنه أثبت أن شبويه قبل هذا الحديث لفظ باب بغير ترجمة فعلى هذا يكون له وجه من حيث أن الرامي لا يستغني عن شيء بقي به نفسه من سهام من يقصده قلت هذا لا يخلو عن تعسف والأوجه أن يقال وجه المناسبة أن فيه ذكر الرمي وكذلك الحديث المذكور في أول الباب فيه ذكر الرمي فهذا القدر كاف في ذلك
وقبيصة بفتح القاف هو ابن عقبة قد تكرر ذكره وزعم أبو نعيم في ( مستخرجه ) أن لفظ قبيصة هنا تصحيف من الكاتب وأن الصواب حدثنا قتيبة وسفيان هو ابن عيينة قلت كأنه علل بأن المراد من سفيان هنا هو الثوري وأن قتيبة لم يسمع من الثوري ولكن لا مانع أن يكون لكل واحد من السفيانين هذا الحديث
وقد أخرج البخاري في الأدب هذا الحديث من طريق يحيى القطان عن سفيان الثوري وأخرجه في المغازي أيضا عن أبي نعيم وعن بسرة ابن صفوان وأخرجه مسلم في الفضائل عن منصور بن أبي مزاحم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وإسحاق بن إبراهيم وعن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة وعن ابن المثنى وابن بشار وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن بندار عن يحيى عن سفيان وعن محمد بن المثنى عن يحيى وعن إسحاق بن إبراهيم به مختصرا وأخرجه ابن ماجه في السنة عن بندار عن غندر به قوله يفدى مضارع فداه إذا قال له جعلت فداك وكذا فداه بنفسه وقال الجوهري الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر وإذا فتح فهو مقصور يقال قم فدى لك أبي قوله بعد سعد أي سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة وقال الخطابي التفدية من رسول الله دعاء وأدعيته خليق أن تكون مستجابة وادعى المهلب أن هذا مما خص به سعد وليس كذلك ففي ( الصحيحين ) أنه فدى الزبير بذلك ولعل عليا رضي الله تعالى عنه لم يسمعه وقال النووي وقد جمعهما لغيرهما أيضا والتفدية بذلك جائزة عند الجمهور وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري وكرهه بعضهم في التفدية بالمسلم من أبويه والصحيح الجواز مطلقا لأنه ليس فيه حقيقة فداء وإنما هو بر ولطف وإعلام بمحبته له وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالتفدية مطلقا فإن قلت روى أبو سلمة عن ابن المبارك عن الحسن دخل الزبير رضي الله تعالى عنه على رسول الله وهو شاك فقال كيف تجدك جعلني الله فداك فقال ما تركت أعرابيتك بعد وقال الحسن لا ينبغي أن يفدي أحد أحدا ورواه المنكدر عن أبيه محمد بن المنكدر قال دخل الزبير فذكره قلت هذا غير صحيح لأن الأول مرسل والثاني ضعيف وقال الطبري هذه أخبار واهية لأن مراسيل الحسن أكثرها صحف غير سماع وإذا وصل الأخبار فأكثر روايته عن مجاهيل لا يعرفون والمنكدر بن محمد بن المنكدر عند أهل النقل لا يعتمد على نقله وعلى تقدير الصحة ليس فيه النهي عن ذلك والمعروف من قول القائل إذا قال فلان لم يترك أعرابيته أنه نسبه إلى الجفاء لا إلى فعل ما لا يجوز وأعلمه أن غيره من القول والتحية ألطف وأرق منه دعاء قوله فداك أبي وأمي أي مفدى لك أبي وأمي فقوله أبي مبتدأ وأمي عطف عليه و فداك خبره مقدما وقد يوهم هذا القول أن فيه إزراء بحق الوالدين وإنما جاز ذلك لأنهما ماتا كافرين وسعد مسلم ينصر الدين ويقاتل الكفار فتفديته بكل كافر غير محذور قاله الخطابي قلت القول بأنهما ماتا كافرين غير جيد لما قيل إن الله أحياهما لأجله بل الوجه في هذا أن هذا القول بالتفدية لأجل إظهار البر والمحبة كما ذكرناه وللأبوة حرمة كيف كانت وعن مالك من آذى مسلما في أبويه الكافرين عوقب وأدب لحرمتهما عليه
18 -
( باب الدرق )
أي هذا باب في بيان مشروعية اتخاذ الدرق وهو جمع درقه وهي الحجفة ويقال هو الترس الذي يتخذ من الجلود
6092 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( ابن وهب ) قال ( عمرو ) حدثني ( أبو الأسود ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث

(14/186)


فاضطجع على الفراش وحول جهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند رسول الله فأقبل عليه رسول الله فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجنا قالت وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله وإما قال تشتهين تنظرين فقالت نعم فأقامني وراءه على خده ويقول دونكم بني أرفدة حتى ملمت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي
مطابقته للترجمة في قوله بالدرق وإسماعيل هو ابن أبي أويس وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمرو هو ابن الحارث المصري وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني يتيم عروة وكان أبوه أوصى به إلى عروة بن الزبير فقيل له يتيم عروة لذلك وهذا الحديث بعينه مضى في أبواب العيدين في باب الحراب والدرق يوم العيد ومضى الكلام فيه هناك و الغناء بالكسر والمد و بعاث بضم الباء الموحدة وتخفيف العين المهملة وبالثاء المثلثة غير منصرف يوم حرب كان بين الأوس والخزرج بالمدينة وكان كل واحد من الفريقين ينشد الشعر ويذكر مفاخر نفسه و المزمار بالهاء والمشهور بدونه قوله فلما عمل أي اشتغل بعمل قوله تنظرين ويروى تنظري وذلك جائز قوله دونكم كلمة الإغراء قوله بني أرفدة أي يا بني أرفدة وأرفدة بفتح الفاء وكسرها لقب جنس من الحبش يرقصون وقيل أرفدة اسم أبيهم الأقدم وقال ابن بطال نسبة إلى جدهم وكان يسمى أرفدة
قال أبو عبد الله قال أحمد عن ابن وهب فلما غفل
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأحمد هو ابن أبي صالح المصري يعني روى بلفظ غفل من الغفلة
28 -
( باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق )
أي هذا باب في بيان حمائل السيف وهي جمع حمالة بالكسر وهي علاقة مثل السيف المحمل هذا قول الخليل وقال الأصمعي حمائل من السيف لا واحد لها من لفظها وإنما واحدها محمل وقال بعضهم الحمائل جمع حميلة قلت هذا ليس بصحيح والحميلة ما حمله السيل من الغثاء وقوله تعليق السيف أي وفي جواز تعليق السيف بالعنق
8092 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي أحسن الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي وقد استبرأ الخير وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا ثم قال وجدناه بحرا أو قال إنه لبحر
مطابقته للترجمة في قوله وفي عنقه السيف فإن قلت ليس فيه ذكر الحمائل قلت الحمائل من جملة السيف وذكر السيف يدل عليه والحديث مر عن قريب في باب ركوب الفرس العري وفي باب الشجاعة في الحرب وفي غيرهما ومر الكلام فيه
قوله وقد استبرأ أي حقق الخبر قوله لم تراعوا وقع في رواية الحموي والكشميهني مرتين ومعناه لا تخافوا والعرب تتكلم بهذه الكلمة واضعة كلمة لم موضع كلمة لا قوله وحدناه بحرا أي وجدنا هذا الفرس واسع الجري كماء البحر كأنه يسبح في جريه كما يسبح ماء البحر إذا ركب بعض أمواجه بعضا قوله أو قال شك من الراوي أي لو قال النبي إنه لبحجر وهذا أبلغ من الأول في وصفه بالجري القوي

(14/187)


38 -
( باب ما جاء في حلية السيوف )
أي هذا باب في بيان ما جاء في حلية السيوف من الجواز وعدمه والحلية والحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة وجمع الحلية حلى مثل لحية ولحى وجمع الحلى حلي بالضم والكسر وتطلق الحلية على الصفة أيضا
9092 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) قال سمعت ( سليمان بن حبيب ) قال سمعت ( أبا أمامة ) يقول لقد فتح الفتوح قوم ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة إنما كانت حليتهم العلابي والآنك والحديد
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه المروزي الثاني عبد الله الله بن المبارك المروزي الثالث عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الرابع سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه الخامس أبو أسامة صدى بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وتشديد الياء آخر الحروف ابن عجلان الباهلي الصحابي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضعين وفيه السماع في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن سليمان المذكور ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد
والحديث أخرجه ابن ماجه في الجهاد عن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم
ذكر معناه قوله العلابي بفتح العين المهملة وتخفيف اللام وكسر الباء الموحدة قال الأوزاعي العلابي الجلود التي ليست بمدبوغة وقيل هو العصب يؤخذ رطبه فيشد به جفوف السيوف يلوى عليها فيجف وكذلك يلوى رطبه على ما يتصدع من الرماح وقال الخطابي هي عصب العنق وهو أمتن ما يكون من عصب البعير ويقال هو جمع علباء وفي ( المنتهى ) لأبي المعاني العلباء العصبة الصفراء في عنق البعير وهما علباوان بينهما منبت العرق وإن شئت قلت علباءان لأنها همزة ملحقة وإن شئت شبهتها بالتأنيث الذي في حمراء وبالأصلية في كساء والجمع العلابي وقال بعضهم وزعم الداودي أن العلابي ضرب من الرصاص فأخطأ وكأنه لما رآه قرن بالأنك ظنه ضربا منه انتهى قلت ما أخطأ إلا من خطأه وقد ذكر في ( المنتهى ) أن العلابي أيضا جنس من الرصاص وقال الجوهري هو الرصاص أو جنس منه وغاية ما في الباب أن القزاز لما ذكر قول من قال العلابي ضرب من الرصاص قال هذا ليس بمعروف وكونه غير معروف عنده لا يستلزم خطأ من قال إنه ضرب من الرصاص قوله والأنك بالمد وضم النون بعدها كاف وهو الرصاص وهو واحد لا جمع له وقيل هو من شاذ كلام العرب أن يكون واحد زنته أفعل وقال في ( الواعي ) هو الأسرب يعني القصدير وفي ( المغيث ) جعله بعضهم الخالص منه وقيل الآنك اسم جنس والقطعة منه آنكة وقيل يحتمل أن يكون الآنك فاعلا وليس بأفعل ويكون أيضا شاذا وذكر كراع أنه الرصاص القلعي وهو بفتح اللام منسوب إلى القلعة اسم موضع بالبادية ينسب ذلك إليه وينسب إليه السيوف أيضا فيقال سيوف قلعية وكأنه معدن يوجد فيه الحديد والرصاص وقالالمهلب إن الحلية المباحة من الذهب والفضة في السيوف إنما كانت ليرهب بها على العدو فاستغنى الصحابة بشدتهم على العدو وبقلتهم وقوتهم في إيمانهم في الإيقاع بهم والنكاية لهم
48 -
( باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة )
أي هذا باب في ذكر ما علق سيفه إلى آخره والقائلة الظهيرة وقد يكون بمعنى النوم في الظهيرة
0192 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سنان بن أبي سنان الدؤلي وأبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال أخبر أنه غزا مع

(14/188)


رسول الله قبل نجد فلما قفل رسول الله قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله تحت سمرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة فإذا رسول الله يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال أن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال من يمنعك مني فقلت الله ثلاثا ولم يعاقبه وجلس
مطابقته للترجمة في قوله فنزل تحت سمرة وعلق بها سيفه وفائدة هذه الترجمة بيان شجاعة النبي وحسن توكله بالله وصدق يقينه وإظهار معجزته وبيان عفوه وصفحه عمن يقصده بسوء
وأبو اليمان هو الحكم بن نافع وشعيب ابن أبي حمزة والزهري هو محمد بن مسلم وسنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون ابن سنان واسمه يزيد بن أبي أمية الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة نسبة إلى الدئل من كنانة ويقال الدؤلي بضم الدال وسكون الواو وهو في قبائل في ربيعة وفي الأزد وفي الرباب وقال الأخفش فيما حكاه أبو حاتم السختياني جاء حرف واحد شاذ على وزن فعل وهو الدئل بضم الدال وكسر الهمزة وهو دويبة صغيرة تشبه ابن عرس وقال سيبويه ليس في كلام العرب في الأسماء ولا في الصفات بنية على وزن فعل وإنما ذلك من بنية الفعل
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي اليمان أيضا وعن موسى بن إسماعيل وعن إسماعيل بن أبي أويس وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن محمد بن جعفر الوركاني وعن أبي بكر محمد بن إسحاق وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن إسماعيل وعن عمرو بن منصور عن أبي اليمان هذا في ترجمة سنان
وفي ترجمة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البخاري أيضا في الجهاد وفي المغازي عن محمود عن عبد الرزاق وأخرجه مسلم أيضا في فضائل النبي عن عبد بن حميد وعن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله غزا مع رسول الله قبل نجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي ناحية نجد وهي ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب فالطائف من نجد والمدينة من نجد وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان العروض وقال ابن دريد نجد بلد للعرب وعند الإسماعيلي قبل أحد وذكر ابن إسحاق أن ذلك كان في غزوته إلى غطفان لثنتي عشرة مضت من صفر وقيل في ربيع الأول سنة اثنتين وهي غزوة ذي أمر بفتح الهمزة والميم وهو موضع من ديار غطفان وسماها الواقدي غزوة أنمار ويقال كان ذلك في غزوة ذات الرقاع قوله فلما قفل أي رجع قوله القائلة مر تفسيرها عن قريب قوله العضاه بكسر العين على وزن شياه قال ابن الأثير العضاه شجر أم غيلان وكل شجر عظيم له شوك الواحدة عضة بالتاء وأصلها عضهة وقيل واحدتها عضاهة قوله تحت سمرة السمرة بفتح السين المهملة وضم الميم واحدة السمر وهو من شجر الطلح وروى ابن أبي شيبة من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا إذا نزلنا طلبنا النبي أعظم الشجر قال فنزلنا تحت سمرة فجاء رجل وأخذ سيفه وقال يا محمد من يعصمك مني فأنزل الله عز و جل والله يعصمك من الناس ( المائدة 76 ) قوله وإذا عنده أعرابي واسمه غورث بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء وبالثاء المثلثة ابن الحارث وسماه الخطيب غورك بالكاف موضع الثاء وقال الخطابي غويرث بالتصغير وذكر عياض أنه مضبوط عند بعض رواة البخاري بعين مهملة قال وصوابه المعجمة قال الجيلاني هو فوعل من الغوث وهو الجوع وقال ابن إسحاق لما نزل رسول الله تحت شجرة نزع ثوبيه ونشرهما على الشجرة ليجفا من مطر أصابه واضطجع تحتها فقال الكفار لدعثور وكان سيدهم وكان شجاعا قد انفرد محمد فعليك به فأقبل ومعه صارم حتى قام على رأسه فقال من يمنعك مني فقال فدفع جبريل عليه الصلاة و السلام في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي

(14/189)


وقال من يمنعك أنت مني اليوم قل لا أحد فقال قم فاذهب لشأنك فلما ولى قال أنت خير مني فقال أنا أحق بذلك منك ثم أسلم بعد وفي لفظ قال وأنا أشهد أن لا إلاه إلا الله وأنك رسول الله ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام وفي رواية البيهقي فسقط السيف من يد الأعرابي فأخذه رسول الله وقال من يمنعك مني قال كن خير آخذ قال فتسلم قال لا ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فأتى أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس قوله اخترط أي سل وأصله من خرطت العود أخرطه وأخرطه خرطا قوله صلتا روي بالنصب وبالرفع فوجه النصب أن يكون على الحال أي مصلتا ووجه الرفع على أنه خبر المبتدأ وهو قوله سيف وفي يده متعلق به وفي ( التوضيح ) المشهور فتح لام صلت وذكر القعنبي أنها تكسر في لغة وقال ابن عديس ضربه بالسيف صلتا وصلتا بالفتح والضم أي مجردا يقال سيف صلت ومنصلت وأصلت متجرد ماض قوله فقال من يمنعك مني استفهام يتضمن النفي كأنه قال لا مانع لك مني قوله الله أي يمنعك الله قاله ثلاث مرات فلم يبال بقوله ولا عرج عليه ثقة بالله وتوكلا عليه فلما شاهد هذا الرجل تلك القوة التي فارق بها عادة الناس في مثل تلك الحالة تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه بضرر وهذا من أعظم الخوارق للعادة فإنه عدو متمكن بيده سيف مشهور وموت حاضر ولا تغير له بحال ولا حصل له روع ولا جزع وهذا من أعظم الكرامات ومع اقتران التحدي يكون من أوضح المعجزات قوله ولم يعاقبه أي ولم يعاقب النبي الرجل المذكور قوله وجلس حال من المفعول
وفي الحديث تفرق الناس عن الإمام في القائلة وطلبهم الظل والراحة ولكن ليس ذلك في غير رسول الله إلا بعد أن يبقى معه من يحرسه من أصحابه لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه بالعصمة وفيه أن حراسة الإمام في القائلة وفي الليل من الواجب على الناس وأن تضييعه من المنكر والخطأ وفيه جواز نوم المسافر إذا أمن وأن المجاهد أيضا إذا أمن نام ووضع سلاحه وإن خاف استوفز وفيه دعاء الإمام لأتباعه إذا أنكر شخصا وفيه ترك الإمام معاقبة من جفا عليه وتوعده إن شاء وإن أحب العفو عفا وفيه صبر سيدنا رسول الله وصفحه عن الجهال
58 -
( باب لبس البيضة )
أي هذا باب في بيان مشروعية لبس البيضة قال بعضهم البيضة ما يلبس في الرأس من آلات السلاح قلت من آلات السلاح السيف والرمح وما يلبس في الرأس والبيضة بفتح الباء الموحدة هي الخودة وهي معروفة
1192 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل ) رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن جرح النبي يوم أحد فقال جرح وجه النبي وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم وعلي يمسك فلما رأت أن الدم لا يزيد إلا كثرة أخذت حصيرا فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألزقته فاستمسك الدم
مطابقته للترجمة في قوله وهشمت البيضة على رأسه وأبو حازم سلمة بن دينار وسهل بن سعد وقد مر الحديث عن قريب في باب المجن ون يتترس بترس صاحبه وقد مر الكلام فيه هناك
قوله وهشمت من الهشم وهو كسر الشيء اليابس وقد أمر الله تعالى باتخاذ آلات الحرب في قوله وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( الأنفال 06 ) الآية فأخبر أن السلاح هنا إرهاب للعدو
وفيه أيضا تقوية لقلوب المؤمنين من أجل أن الله تعالى جبل القلوب على الضعف وإن كان السلاح لا يمنع المنية لكن فيه تقوية للقلوب وأنس لمتخذيه وأما لبس النبي السلاح وإن كان محفوظا من عند الله فلإرشاد أمته لتتقوى قلوبهم عند الحرب وغير ذلك

(14/190)


68 -
( باب من لم ير كسر السلاح عند الموت )
أي هذا باب في ذكر من لم ير كسر السلاح عند موته وأشار بهذه الترجمة إلى رد ما كان عليه أهل الجاهلية من كسر السلاح وعقر الدواب إذا مات ملككم أو رئيس من أكابرهم وربما يوصي أحدهم بذلك فخالف الشارع فعلهم وترك سلاحه وبغلته وأرضا جعلها صدقة قال الكرماني فإن قلت كسر السلاح إذا مات تضييع للمال فما الحاجة إلى ذكره لأن حرمته ظاهرة قلت المراد من الكسر البيع والحديث يدل عليه حيث كان على رسول الله دين فلم يبع سلاحه لأجل الدين انتهى قلت ليس المراد من وضع الترجمة هذا الذي ذكره وإنما المراد ما ذكرناه الآن وقوله وحرمته ظاهرة أي عند المسلمين وأهل الجاهلية ما كانوا يرون ذلك بل كانوا يوصون به فوقعت هذه الترجمة ردا عليهم وأما الجهال من المسلمين وإن فعلوا ذلك فليسوا بمعتقدين حله فافهم
2192 - حدثنا ( عمرو بن عباس ) قال حدثنا عبد الرحمان عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن الحارث قال ما ترك النبي إلا سلاحه وبغلة بيضاء وأرضا جعلها صدقة
مطابقته للترجمة تؤخذ من الحديث وهو أنه خالف ما فعله أهل الجاهلية من كسر سلاحهم وعقر دوابهم وترك ما ذكر في الحديث غير معهود فيه بشيء إلا التصدق بالأرض وعمرو بن عباس أبو عثمان البصري من أفراد البخاري و ( عبد الرحمن ) هو ابن مهدي بن حسان العنبري البصري و ( سفيان ) هو الثوري وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي و ( عمرو بن الحارث ) بن المصطلق الخزاعي ختن رسول الله أخو جويرية بنت الحارث زوج النبي وقد مر الحديث في كتاب الوصايا في باب الوصايا في أول الكتاب وقد مر الكلام فيه هناك
78 -
( باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والإستظلال بالشجر )
أي هذا باب في ذكر تفرق الناس عن الإمام
3192 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثنا ( سنان بن أبي سنان وأبو سلمة ) أن ( جابرا ) أخبره ح وحدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) قال أخبرنا ( ابن شهاب ) عن ( سنان بن أبي سنان الدؤلي ) أن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أنه غزا مع النبي لله فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه يستظلون بالشجر فنزل النبي تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به فقال النبي إن هذا اخترط سيفي فقال من يمنعك قلت الله فشام السيف فها هوذا جالس ثم لم يعاقبه
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى قبل هذا الباب ببابين فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان الحكم بن نافع إلى آخره وأخرجه هنا من طريقين الأول عن أبي اليمان والثاني عن موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي إلى آخره قوله فشام بالشين المعجمة أي غمد ويجيء بمعنى سل فهو من الأضداد
88 -
( باب ما قيل في الرماح )
أي هذا باب في بيان ما قيل في الرماح من فضله وهو جمع رمح

(14/191)


ويذكر عن ابن عمر عن النبي قال جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري
هذا التعليق ذكره الإشبيلي في ( الجمع بين الصحيحين ) من أن الوليد ببن مسلم رواه عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر ومنيب بضم الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف ثم باء موحدة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة ولا يعرف اسم لأبي منيب وأخرجه أحمد في ( مسنده ) بأتم منه قوله جعل رزقي أي من الغنيمة قوله والصغار بفتح الصاد والغين المعجمة هو بذل الجزية
وفيه فضل الرمح والإشارة إلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي جعل فيها لا في غيرها من المكاسب
4192 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) عن ( نافع ) مولى ( أبي قتادة الأنصاري ) عن ( أبي قتادة ) رضي الله تعالى عنه أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي وأبى بعض فلما أدركوا رسول الله سألوه عن ذلك قال إنما هي طعمة أطعمكموها الله
مطابقته للترجمة في قوله فسألهم رمحه وأبو النضر بالنون والضاد المعجمة وأبو قتادة الحارث بن ربعي والحديث مضى في كتاب الحج في باب لا يعين المحرم الحلال وعقيبه باب لا يشير المحرم إلى الصيد وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى قوله محرمين صفة لقوله أصحاب قوله وهو غير محرم جملة حالية
وعن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر قال هل معكم من لحمه شيء
أخرج البخاري هذا موصولا في كتاب الذبائح في باب ما جاء في الصيد وقال حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة مثله إلا أنه قال هل معكم منه شيء وفي رواة هل معكم من لحمه شيء
98 - باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
أي هذا باب في بيان ما قيل في درع النبي من أي شيء كانت وقال ابن الأثير الدرع الزردية ويجمع على أدراع قوله والقميص أي وفي بيان حكم القميص في الحرب
وقال النبي أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله
هذا قطعة من حديث أخرجه البخاري في كتاب الزكاة في باب قول الله تعالى وفي الرقاب ( البقرة 771 والتوبة 06 ) عن الأعرج عن عن أبي هريرة ومضى الكلام فيه هناك
126 - ( حدثني محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي وهو في قبة اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد

(14/192)


ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر )
مطابقته للترجمة في قوله وهو في الدرع وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي وخالد هو الحذاء والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي وفي التفسير عن محمد بن عبد الله بن حوشب وفي التفسير أيضا عن إسحق عن خالد وعن محمد بن عفان وأخرجه النسائي في التفسير عن بندار عن الثقفي به قوله وهو في قبة جملة حالية وفي المغرب القبة الخركاهة وكذا كل بناء مدور والجمع قباب وقبة وقال ابن الأثير القبة من الخيام بيت صغير وهو من بيوت العرب قوله أنشدك أي أطلبك يقال نشدتك الله أي سألتك بالله كأنك ذكرته قوله عهدك نحو قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون قوله ووعدك نحو قوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ويروى أن رسول الله نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة فاستقبل القبلة ومد يديه وقال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فأخذه أبو بكر فألقاه على منكبيه والتزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدة ربك فإنه سينجز لك ما وعدك قوله حسبك أي يكفيك ما قلت قوله ألححت أي داومت الدعاء يقال ألح السحاب بالمطر دام ويقال معناه بالغت في الدعاء وأطلت فيه وقال الخطابي قد يشكل معنى هذا الحديث على كثير من الناس وذلك إذا رأوا نبي الله يناشد ربه في استنجاز الوعد وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يسكن منه فيتوهمون أن حال أبي بكر بالثقة بربه والطمأنينة إلى وعده أرفع من حاله وهذا لا يجوز قطعا فالمعنى في مناشدته وإلحاحه في الدعاء الشفقة على قلوب أصحابه وتقويتهم إذ كان ذلك أول مشهد شهدوه في لقاء العدو وكانوا في قلة من العدد والعدد فابتهل في الدعاء وألح ليسكن ذلك ما في نفوسهم إذا كانوا يعلمون أن وسيلته مقبولة ودعوته مستجابة فلما قال له أبو بكر مقالته كف عن الدعاء إذ علم أنه استجيب له بما وجده أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة حتى قال له هذا القول ويدل على صحة ما تأولناه تمثله على أثر ذلك بقوله سيهزم الجمع ويولون الدبر وفيه تأنيس من استبطأ كريم ما وعده الله به من النصر والبشرى لهم بهزم حزب الشيطان وتذكيرهم بما نبههم به من كتابه عز و جل والمراد من الجمع جمع كفار مكة يوم بدر فأخبر الله تعالى أنهم سيهزمون ويولون الدبر أي الإدبار فوحدوا لمراد الجمع قوله بل الساعة موعدهم أي موعد عذابهم قوله والساعة أي عذاب يوم القيامة أدهى أشد وأفظع والداهية الأمر المنكر الذي لا يهتدى له قوله وأمر أي أعظم بلية وأشد مرارة من الهزيمة والقتل يوم بدر
( وقال وهيب حدثنا خالد يوم بدر )
وهيب هو ابن خالد بن عجلان أبو بكر البصري وخالد هو الحذاء يعني قال وهيب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن الذي قاله كان يوم بدر وهذا التعليق وصله البخاري في تفسير سورة القمر فقال حدثني محمد حدثنا عفان بن مسلم عن وهيب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله قال وهو في قبة يوم بدر الحديث ( فإن قلت ) من المعلوم أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يكن شهد هذا ولا كان في حين من يدركه قلت رواه عمن شهد هذا وأسقط الواسطة على عادته في أكثر رواياته وقد رواه مسلم من حديث سماك بن الوليد عن ابن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنهم بزيادة قوله إذ تستغيثون ربكم الآية وروى البخاري أيضا في سورة القمر وقال حدثني إسحاق أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي قال وهو في قبة يوم بدر الحديث فهذا البخاري روى الحديث المذكور أولا عن محمد عن عفان وثانيا عن إسحاق عن خالد أما محمد فقد قال الجياني كذا في روايتنا عن أبي محمد الأصيلي غير منسوب وكذا في رواية أبي ذر وأبي نصر قال وسقط ذكره جملة من نسخة أبي السكن قال ولعله

(14/193)


الذهلي ( قلت ) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أبو عبد الله النيسابوري الإمام روى عنه البخاري في مواضع يدلسه فتارة يقول حدثنا محمد ولم يزد عليه وتارة ينسبه إلى جده فيقول حدثنا محمد بن عبد الله وأما إسحاق فهو ابن شاهين نص عليه غير واحد وإن كان إسحاق روى أيضا عن خالد الطحان لكن البخاري ما روى عنه في صحيحه وفي رواية البخاري حدثنا خالد عن خالد فخالد الأول هو الطحان والثاني هو الحذاء
6192 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير
مطابقته للترجمة في قوله ودرعه وسفيان هو ابن عيينة والأعمش هو سليمان وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد خال إبراهيم والحديث قد مر في كتاب الرهن في باب من رهن درعه
وقال يعلى حدثنا الأعمش درع من حديد
يعلى على وزن يرضى ابن عبيد بن أبي عبيد أبو يوسف الطنافسي الحنفي الأيادي الكوفي توفي بالكوفة يوم الأحد لخمس من شوال سنة تسع ومائتين روى الحديث المذكور عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وقد مر هذا التعليق موصولا في باب الرهن في السلم
وقال معلى حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الأعمش وقال رهنه درعا من حديد
هذا تعليق آخر وصله البخاري في الاستقراض في أول الباب وقال حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد الواحد الحديث إلى آخره
7192 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما فكلما هم المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره وكلما هم البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه فسمع النبي يقول فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع
مطابقته للترجمة في قوله عليهما جبتان فإن كان جبتان بالباء الموحدة تثنية جبة فهي تناسب القميص في الترجمة وإن كان بالنون تثنية جنة فهي تناسب الدرع و ( موسى بن إسماعيل ) المنقري و ( وهيب ) بالتصغير ابن خالد و ( ابن طاووس ) عبد الله يروي عن أبيه
والحديث مر في كتاب الزكاة في باب مثل المتصدق والبخيل رواه البخاري من طريقين الأول عن موسى بن إسماعيل مختصرا والثاني عن أبي اليمان بأتم منه ومر الكلام فيه هناك
قوله قد اضطرت إيديهما إلى تراقيهما أي ألجئت أيديهما إلى تراقيهما وهو جمع ترقوة وهي العظم الكبير الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ووزنها فعلوة بالفتح وإنما ذكر التراقي لأنها عند الصدر وهو مسلك القلب وهو يأمر المرء وينهاه قوله تعفي أي تمحو وعفت الريح المنزل أي درسته قوله وتقلصت أي انزوت وانضمت قوله فسمع النبي يقول أي فسمع أبو هريرة النبي قيل مجموع الحديث سمعه أبو هريرة من رسول الله فما وجه اختصاصه بالكلمة الأخيرة وأجيب بأن لفظ يقول يدل على الاستمرار والتكرار فلعله كررها دون أخواتها

(14/194)


9 -
( باب الجبة في السفر والحرب )
أي هذا باب في بيان لبس الجبة في السفر والحرب يعني في الغزاة وهو من عطف الخاص على العام وفي ( المطالع ) الجبة ما قطع من الثياب مشمرا
8192 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( أبي الضحى مسلم ) هو ( ابن صبيح ) قال حدثني عن ( مسروق المغيرة بن شعبة ) قال انطلق رسول الله لحاجته ثم أقبل فلقيته بماء وعليه جبة شأمية فمضمض واستنشق وغسل وجهه فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين فأخرجهما من تحت فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفيه
مطابقته للترجمة في قوله وعليه جبة شامية وكان في السفر وكان في غزاة
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب الصلاة في الجبة الشامية فإنه أخرجه هناك عن يحيى عن أبي معاوية عن الأعمش إلى آخره
وفيه جواز إخراج اليدين من تحت الثوب وفيه خدمة العالم في السفر
19 -
( باب الحرير في الحرب )
أي هذا باب في بيان جواز استعمال الحرير في الحرب بالحاء المهملة وزعم بعضهم أنه بالجيم وفتح الراء وليس لذلك وجه لأنه لا يبقى له مناسبة في أبواب الجهاد
9192 - حدثنا ( أحمد بن المقدام ) قال حدثنا ( خالد ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) أن ( أنسا ) حدثهم أن النبي رخص لعبد الرحمان بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكة كانت بهما
قيل ليس في الحديث لفظ الجرب فلا مطابقة إلا إذا كان قوله في الجرب بالجيم كما زعمه بعضهم وأجيب بأن ترخيصه لعبد الرحمن والزبير في قميص من حرير كان من حكة وكان في الغزاة ويشهد له بذلك حديث أنس الذي يأتي عقيب الحديث المذكور وصرح فيه بقوله ورأيته عليهما في غزاة ولهذا ترجم الترمذي أيضا باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ثم روى عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل في غزاة لهما فرخص لهما في قميص الحرير قال ورأيته عليهما قال شيخنا زين الدين كان الترمذي رأى تقييد ذلك بالحرب وفهم ذلك من قوله في غزاة لهما ومنهم من لا يرى الترخيص بوجود الحكة أو القمل إلا بقيد ذلك في السفر كما في رواية مسلم في السفر على ما يجيء وقيل التعليل ظاهر في ذكر الحكة والقمل وأما كونه في سفر أو في غزاة فليس فيه ما يقتضي ترجيح كون ذلك سببا وإنما ذكر فيه المكان الذي رخص لهما فيه ولا يلزم منه كون ذلك سببا قلت بل هو سبب أيضا لأن فيه إرهاب العدو كما أبيح الخيلاء فيه فيجوز أن يكون كل واحد من السفر والغزو والحكة سببا مستقلا وقال ابن العربي قد روى أن النبي أرخص في كل واحد منها مفردا فإفرادها في رواية اقتضى أن يكون كل وجه له حكم وجمعها يوجب أن يكون ثلاث علل اجتمعت فأثرت في الحكم على الاجتماع كما تقتضيه على الإنفراد
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن المقدام أبو الأشعث العجلي البصري الثاني خالد بن الحارث بن سليم الهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم وقد مر في استقبال القبلة الثالث سعيد بن أبي عروبة وفي بعض النسخ شعبة موضع سعيد الرابع قتادة الخامس أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
وأخرجه مسلم في اللباس حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة

(14/195)


عن سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله رخص لعبد الرحمن ابن عوف والزبير بن العوام في قمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما أو وجع كان بهما وفي رواية له فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما وأخرجه أبو داود في اللباس أيضا عن النفيلي ولفظه رخص رسول الله لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في قمص الحرير من حكة كانت بهما وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر ما يستفاد منه قال النووي هذا الحديث صريح الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز لبس الحرير للرجل إذا كانت به حكة لما فيه من البرودة وكذلك القمل وما في معناهما وقال مالك لا يجوز وكذا يجوز لبسه عند الضرورة كمن فاجأته الحرب ولم يجد غيره وكمن خاف من حر أو برد وقال الصحيح عند أصحابنا أنه يجوز لبسه للحكة ونحوها في السفر والحضر جميعا وقال بعض أصحابنا يختص بالسفر وهو ضعيف حكاه الرافعي واستنكره وقال القرطبي يدل الحديث على جواز لبسه للضرورة وبه قال بعض أصحاب مالك وأما مالك فمنعه من الوجهين والحديث واضح الحجة عليه إلا أن يدعي الخصوصية لهما ولا يصح ولعل الحديث لم يبلغه
وقال ابن العربي اختلف العلماء في لباسه على عشرة أقوال الأول محرم بكل حال الثاني يحرم إلا في الحرب الثالث يحرم إلا في السفر الرابع يحرم إلا في المرض الخامس يحرم إلا في الغزو السادس يحرم إلا في العلم السابع يحرم على الرجال والنساء الثامن يحرم لبسه من فوق دون لبسه من أسفل وهو الفرش قاله أبو حنيفة وابن الماجشون التاسع يباح بكل حال العاشر محرم وإن خلط مع غيره كالخز
وقال ابن بطال اختلف الناس في لباسه فأجازته طائفة وكرهته أخرى فممن كرهه عمر بن الخطاب وابن سيرين وعكرمة وابن محيريز وقالوا الكراهة في الحرب أشد لما يرجون من الشهادة وهو قول مالك وأبي حنيفة وممن أجازه في الحرب أنس روى معمر عن ثابت قال رأيت أنس بن مالك لبس الديباج في فزعة فزعها الناس وقال أبو فرقد رأيت على تجافيف أبي موسى الديباح والحرير وقال عطاء الديباج في الحرب سلاح وأجازه محمد بن الحنفية وعروة والحسن البصري وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون أنه استحب الحرير في الجهاد والصلاة به حينئذ للترهيب على العدو والمباهاة
0292 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) ح وحدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن عبد الرحمان بن عوف والزبير شكوا إلى النبي يعني القمل فأرخص لهما في الحرير فرأيته عليهما في غزاة
مطابقته للترجمة في قوله في غزاة وهي للحرب وهذان طريقان آخران في حديث أنس الأول عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن همام ابن يحيى عن قتادة والثاني عن محمد بن سنان أبي بكر العوفي الباهلي الأعمى وهو من أفراده
قوله شكوا كذا هو بالواو وهو لغة يقال شكوت وشكيت بالواو والياء وادعى ابن التين أنه وقع شكيا ثم قال وصوابه شكوا لأن لام الفعل منه واو فهو مثل دعوا الله ربهما ( الأعراف 981 ) قلت ذكر الجوري شكيا أيضا قوله يعني القمل يعني كانت شكواهما من القملفإن قلت كان السبب في الحديث الماضي الحكة حيث قال من حكة كانت بهما وهنا السبب القمل قلت رجح ابن التين رواية الحكة وقال لعل أحد الرواة تأوله فأخطأ ووفق الداودي بين الروايتين باحتمال أن يكون إحدى العلتين بأحد الرجلين وقال الكرماني لا منافاة بينهما ولا منع لجمعهما وقال بعضهم يمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب قلت علة كل منهما سبب مستقل فلا تعلق لأحديهما بالآخر والحكم يثبت بسببين وأكثر فالأحسن ما قاله الكرماني قوله فرأيه الرائي هو أنس

(14/196)


1292 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) قال أخبرني ( قتادة ) أن ( أنسا ) حدثهم قال رخص النبي لعبد الرحمان بن عوف والزبير بن العوام في حرير
هذا طريق آخر عن مسدد عن يحيى القطان عن شعبة إلى آخره قوله في حرير أي في لبس حرير ولم يذكر فيه العلة والسبب وهي محمولة على الرواية التي بين فيها السبب المقتضي للترخيص
2292 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( قتادة ) عن ( أنس ) قال وخص أو رخص لحكة بهما
هذا طريق آخر خامس في حديث أنس عن محمد بن بشار بالباء الموحدة عن غندر بضم الغين وسكون النون وهو محمد بن جعفر البصري عن شعبة بن الحجاج قوله رخص على صيغة المعلوم أي رخص رسول الله قوله أو رخص على صيغة المجهول شك من الراوي قوله لحكه أي لأجل حكة قوله بهما أي بعبد الرحمن ابن عوف والزبير بن العوام
29 -
( باب ما يذكر في السكين )
أي هذا باب في بيان ما يذكر في أمر السكين من جواز إستعماله
3292 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( جعفر بن عمرو بن أمية ) عن أبيه قال رأيت النبي يأكل من كتف يحتز منها ثم دعي إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن احتزازه من كتف الشاة كان بالسكين ويشهد له الطريق الآخر الذي يأتي وفيه فألقى السكين ووجه إدخال هذا الباب بين أبواب الجهاد من حيث إن السكين أيضا من أنواع السلاح
وعبد العزيز ابن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي الأويسي المدني وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري المدني كان على قضاء بغداد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وجعفر بن عمرو بن أمية الضمري المدني يروي عن أبيه عمرو بن أمية بن خويلد الضمري الصحابي وهذا الإسناد كله مدنيون
قوله من كتف من كتف شاة قوله يحتز بالحاء المهملة وتشديد الزاي من الحز وهو القطع والحديث مضى في كتاب الوضوء في باب من لم يتوضأ من لحم الشاة ومضى الكلام فيه هناك
حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري وزاد فألفى السكين
هذا طريق آخر في حديث عمرو بن أمية عن أبي اليمان الحكم بن نافع إلى آخره قوله وزاد يجوز أن يكون الفاعل فيه هو الزهري ويجوز أن يكون جعفر ب عمرو ويجوز أن يكون شيخ البخاري
وفيه استعمال السكين وجواز قطع اللحم المطبوخ بالسكين وغير المطبوخ أيضا فإن قلت روى أبو داود النهي عن قطعه بها قلت هو منكر قال النسائي وقيل إنما يكره قطع الخبز بالسكين
39 -
( باب ما قيل في قتال الروم )
أي هذا باب في بيان ما قيل في قتال الروم من الفضل والروم هم من ولد الروم بن عيصو قاله الجوهري وقال الرشاطي الروم ابن لنطا بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام وهؤلاء الروم من اليونانيين ويقال إن الروم الثانية غلبت على هؤلاء وهم منسوبون إلى جدهم رومي بن لنطا من ولد عيصون إن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام ويقال له روماس وهو باني مدينة رومية

(14/197)


4292 - حدثني ( إسحاق بن يزيد الدمشقي ) قال حدثنا ( يحيى بن حمزة ) قال حدثني ( ثور ابن يزيد ) عن ( خالد بن معدان ) أن ( عمير بن الأسود العنسي ) حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحل حمص وهو في بناء ل ومعه أم حرام قال عمير فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام قلت يا رسول الله أنا فيهم قال أنت فيهم ثم قال النبي أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا فيهم يا رسول الله قال لا
مطابقته للترجمة في قوله يغزون البحر لأن المراد من غزو البحر هو قتال الروم الساكنين من وراء البحر الملح وفي قوله يغزون مدينة قيصر لأن المراد بها القسطنطينية والمشهور عندهم أنها تسمى اصطنبول
ذكر رجاله وهم سبعة الأول إسحاق بن يزيد من الزيادة وقد مر في أول الزكاة الثاني يحيى بن حمزة بالحاء المهملة والزاي الحضرمي أبو عبد الرحمن قاضي دمشق إلى أن مات بها سنة ثلاث وثمانين ومائة الثالث ثور بلفظ الحيوان المشهور ابن يزيد من الزيادة الحمصي الرابع خالد بن معدان بفتح الميم وسكون العين المهملة مر في البيع كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة الخامس عمير بالتصغير ابن الأسود العنسي بفتح العين المهملة وسكون النون وقيل بفتحها أيضا وبالسين لمهملة نسبة إلى عنس وهو زيد بن مذحج بن أدد والعنسي الناقة الصلبة وقال ابن بطال بنو عنس بالنون بالشام وبنو عبس بالباء الموحدة بالكوفة وبنو عيش بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة بالبصرة السادس عبادة بن الصامت السابع أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت وأخت أم سليم وخالة أنس بن مالك قال أبو عمر ولا أقف لها على اسم صحيح
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في أربعة مواضع وبصيغة الجمع في موضع واحد وفيه السماع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده ونسبته إلى جده لأنه إسحاق بن إبراهيم ابن يزيد أبو النضر وفيه أن الإسناد كله شاميون وفيه أن عمير بن الأسود ليس له في البخاري إلا هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض عمرو بن الأسود والراجح التفرقة وهذا الحديث رواه أنس عن أم حرام بأتم من هذا في أوائل الجهاد في باب الدعاء بالجهاد وهذا الحديث من مسند أم حرام
ذكر معناه قوله أول جيش من أمتي يغزون البحر أراد به جيش معاوية وقال المهلب معاوية أول من غزا البحر وقال ابن جرير قال بعضهم كان ذلك في سنة سبع وعشرين وهي غزوة قبرص في زمن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقال الواقدي كان ذلك في سنة ثمان وعشرين وقال أبو معشر غزاها في سنة ثلاث وثلاثين وكانت أم حرام معهم وقال ابن الجوزي في ( جامع المسانيد ) أنها غزت مع عبادة بن الصامت فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت وقال هشام ابن عمار رأيت قبرها ووقفت عليه بالساحل بفاقيس قوله قد أوجبوا قال بعضهم أي وجبت لهم الجنة قلت هذا الكلام لا يقتضي هذا المعنى وإنما معناه أوجبوا استحقاق الجنة وقال الكرماني قوله أوجبوا أي محبة لأنفسهم قوله أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر أراد بها القسطنطينية كما ذكرناه وذكر أن يزيد بن معاوية غزا بلاد الروم حتى بلغ قسنطينية ومعه جماعة من سادات الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وكانت وفاة أبي أيوب الأنصاري هناك قريبا من سور القسطنطينية وقبره هناك تستسقي به الروم إذا قحطوا وقال صاحب ( المرآة ) والأصح أن يزيد بن معاوية غزا القسنطينية في سنة اثنتين وخمسين وقيل سير معاوية جيشا كثيفا مع سفيان بن عوف إلى القسطنطينية فأوغلوا في بلاد الروم وكان في ذلك الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وتوفي أبو أيوب في مدة الحصار قلت الأظهر أن هؤلاء السادات من الصحابة كانوا مع سفيان هذا ولم يكونوا مع يزيد بن معاوية لأنه

(14/198)


لم يكن أهلا أن يكون هؤلاء السادات في خدمته وقال المهلب في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر انتهى قلت أي منقبة كانت ليزيد وحاله مشهور فإن قلت قال في حق هذا الجيش مغفور لهم قلت لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم وقيصر لقب هرقل ملك الروم كما أن كسرى لقب من ملك الفرس وخاقان من ملك الترك والنجاشي من ملك الحبشة
49 -
( باب قتال اليهود )
أي هذا باب في بيان إخبار النبي عن قتال اليهود في مستقبل الزمان وهو أيضا من معجزاته واليهود
5292 - حدثنا ( إسحاق بن محمد الفروي ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال تقاتلون اليهود حتى يختبيء أحدهم وراء الحجر فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله
( الحديث 5292 - طرفه في 3953 )
مطابقته للترجمة في قوله تقاتلون اليهود وإسحاق بن محمد بن إسماعيل بن أبي فروة أبو يعقوب الفروي بفتح الفاء وسكون الراء فنسبته إلى جده المذكور مات سنة ست وعشرين ومائتين
قوله تقاتلون خطاب للحاضرين والمراد غيرهم من أمته فإن هذا إنما يكون إذا نزل عيسى بن مريم عليهما السلام فإن المسلمين يكونون معه واليهود مع الدجال
وفيه إشارة إلى بقاء شريعة نبينا محمد فإن عيسى عليه السلام يكون على شريعة نبينا وفيه معجزة للنبي حيث أخبر بما سيقع عند نزول عيسى عليه السلام من تكلم الجماد والإخبار والأمر بقتل اليهود وإظهاره إياهم في مواضع اختفائهم قوله فيقول يا عبد الله أي يقول الحجر يا عبد الله بأن ينطقه الله بذلك وهو على كل شيء قدير وقيل يحتمل أن يكون مجازا لأنه لا يبقى منهم أحد في ذلك الوقت والأول أولى
6292 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( جرير ) عن ( عمارة بن القعقاع ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم الذي يعرف بابن راهويه وجرير بن عبد الحميد وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع وقد مر في باب الجهاد من الإيمان وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وفتح العين المهملة ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي وفي اسمه أقوال وقد مر أيضا في باب الجهاد من الإيمان
59 -
( باب قتال الترك )
أي هذا باب في بيان قتال المسلمين مع الترك الذي هو من أشراط الساعة واختلفوا في أصل الترك فقال الخطابي الترك هم بنو قنطوراء وهي اسم جارية كانت لإبراهيم عليه السلام ولدت أولادا جاءت من نسلهم الترك وقال كراع الترك هم الذين يقال لهم الديلم وقال ابن عبد البر الترك هم ولد يافث وهم أجناس كثيرة أصحاب مدن وحصون ومنهم في رؤوس الجبال والبراري ليس لهم عمل سوى الصيد ومن لم يصد ودج دابته وصيره في مصران يأكله ويأكلون الرخم والغربان

(14/199)


وليس لهم دين ومنهم من يتدين بدين المجوسية وهم الأكثرون ومنهم من يتهود وملكهم يلبس الحرير وتاج الذهب ويحتجب كثيرا وفيهم سحرة وقال وهب بن منبه الترك بنو عم يأجوج ومأجوج وقيل أصل الترك أو بعضهم من حمير وقيل إنهم بقايا قوم تبع ومن هناك يسمون أولادهم بأسماء العرب العاربة فهؤلاء من كان مثلهم يزعمون أنهم من العرب وألسنتهم عجمية وبلدانهم غير عربية دخلوا إلى بلاد العجم واستعجموا وقيل الترك من ولد أفريدون بن سام بن نوح عليه السلام وسموا تركا لأن عبد شمس بن يشجب لما وطىء أرض بابل أتى بقوم من أحامرة ولد يافث فاستنكر خلقهم ولم يحب أن يدخلهم في سبي بابل فقال اتركوهم فسموا الترك وقال صاعد في ( كتاب الطبقات ) أما الترك فأمة كثيرة العدد فخمة المملكة ومساكنهم ما بين مشارق خراسان من مملكة الإسلام وبين مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور في الشمال وفضيلتهم التي برعوا فيها واحرزوا خصالها الحروف ومعالجة آلاتها قلت الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج من ولد يافث بن نوح عليه الصلاة و السلام باتفاق النسابين وكان ليافث سبعة أولاد منهم ابن يسمى كور فالترك كلهم من بني كومر ويقال الترك هو ابن يافث لصلبه وهم أجناس كثيرة ذكرناهم في ( تاريخنا الكبير ) وقال المسعودي في ( مروج الذهب ) في الترك استرخاء في المفاصل واعوجاج في سيقانهم ولين في عظامهم حتى إن أحدهم ليرمي بالنشاب من خلفه كرميه من قدامه فيصير قفاه كوجهه ووجهه كقفاه
7292 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) قال سمعت ( الحسن ) يقول حدثنا ( عمرو بن تغلب ) قال قال النبي إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة
( الحديث 7292 - طرفه في 2953 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن قوله راض الوجوه إلى آخره صفة الترك
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وجرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي والحسن هو البصري وعمرو بالفتح ابن تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وبالباء الموحدة العبدي من عبد القيس يقال أنه من النمر بن قاسط يعد في أهل البصرة
ورجال الإسناد كلهم بصريون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن سليمان بن حرب وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله إن من أشراط الساعة أي من علامات يوم القيامة والأشراط جمع شرط بفتح الراء وقال أبو عبيد وبه سميت شرط اللسان لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها قوله ينتعلون بنعال الشعر معناه أنهم يصنعون من الشعر حبلا ويصنعون منها نعالا ويقال معناه أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذا أسدلوها كاللباس تصل إلى أرجلهم كالنعال وإنما كانت نعالهم من الشعر أو من جلود مشعرة لما في بلادهم من الثلج العظيم الذي لا يكون في غيرها ويكون من جلد الذئب وغيره وذكر البكري في ( أخبار الترك ) كان أعينهم حدق الجراد يتخذون الدرق يربطون خيولهم بالحبل وفي لفظ حتى يقاتل المسلمون الترك يلبسون الشعر انتهى وهذه إشارة إلى الشرابيش التي تدار عليها بالقندس والقندس كلب الماء وهو من ذوات الشعر والنعال جمع نعل والشعر بفتح العين وكسرها وقال بعضهم هذا الحديث والذي بعده ظاهر في أن الذين ينتعلون نعال الشعر غير الترك وقد وقع في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن عباد قال بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر قلت هذا الذي قاله غير صحيح ولا احتجاج بهذه الرواية لأن كون نعال أصحاب بابك من الشعر لا ينافي كونها للترك أيضا ولا يفهم من ذلك الخصوصية بذلك لأصحاب بابك على أنه يجوز أن يكون أصحاب بابك أيضا من الترك لأن الترك أجناس كثيرة وخبر البكري يصرح بالرد على هذا القائل وأصرح من هذا ما رواه أبو داود من حديث بريدة يقاتلكم قوم صغار الأعين يعني الترك الحديث ومع هذا على ما ذكره لا تبقى مطابقة بين الترجمة والحديث أصلا لأن الترجمة بلفظ الترك وإذا كان الذين ينتعلون نعال الشعر غير الترك يكون بين الترجمة

(14/200)


والحديث بون عظيم على أن الأوصاف المذكورة فيه وفي الحديث الذي بعده كلها أوصاف الترك فإذا كان الترك أجناسا كثيرة لا يلزم أن ينتعل كلهم نعال الشعر وأما بابك الذي ذكره فهو بباءين موحدتين مفتوحتين وفي آخره كاف يقال له بابك الخرمي بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وكان قد أظهر الزندقة وتبعه طائفة فقويت شوكته في أيام المأمون وغلبوا على بلاد كثيرة من بلاد العجم إلى أن قتل في أيام المعتصم في سنة اثنتين وعشرين ومائتين وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين قوله عراض الوجوه قال ابن قرقول أي سعتها قوله المجان بفتح الميم وتشديد النون جمع مجن بكسر الميم وهو الترس قوله المطرقة بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح الراء قال الخطابي هي التي ألبست الأطرقة من الجلود وهي الأعشية منها شبه عرض وجوههم ونتوء وجناتهم بظهور الترس والأطرقة جمع طراق وهو جلدة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عليها وقال القاضي البيضاوي شبه وجوههم بالترس لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها وقال الهروي المجان المطرقة هي التي أطرقت بالعصب أي ألبست به وقيل المطرقة هي التي ألبست الطراق وهو الجلد الذي يغشاه ويعمل هذا حتى يبقى كأنه ترس على ترس وقال ابن قرقول قال بعضهم الأصوب فيه المطرقة بتشديد الراء وهو ما ركب بعضه فوق بعض
فإن قلت هذا الخبر من جملة معجزات النبي حيث أخبر عن أمر سيكون فهل وقع هذا أم سيقع قلت قد وقع بضع ذلك على ما أخبر به رسول الله في سنة سبع عشرة وستمائة وقد خرج جيش عظيم من الترك فقتلوا أهل ما وراء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ولم ينج منهم إلا من اختفى في المغارات والكهوف فهتكوا في بلاد الإسلام إلى أن وصلوا إلى بلاد قهستان فخربوا مدينة الري وقزوين وأبهر وزنجان وأردبيل ومراغة كرسي بلاد إذربيجان واستأصلوا شأفة من في هذه البلاد من سائر الطوائف واستباحوا النساء وذبحوا الأولاد ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصفهان وقتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى وربطوا خيولهم إلى سواري المساجد والجوامع كما جاء في الحديث
وروى أبو داود الطيالسي من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال رسول الله لينزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها البصرة فيجيء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار العيون حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له دجلة فيفترق المسلمون ثلاث فرق أما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق بالبادية فهلكت وأما فرقة فتأخذ على أنفسها فكفرت فهذه وذلك سواء وأما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظهورهم ويقاتلون فقتلاهم شهيد ويفتح الله على بقيتهم
وروى البيهقي من حديث بريدة إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه كأن وجوههم الجحف ثلاث مرات حتى يلحقوهم بجزيرة العرب قالوا يا نبي الله من هم قال الترك والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين
8292 - حدثنا ( سعيد بن محمد ) قال حدثنا ( يعقوب ) قال حدثنا أبي عن ( صالح ) عن ( الأعرج ) قال قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال رسول الله لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر
مطابقته للترجمة أظهر من مطابقة الحديث السابق لأن فيه التصريح بلفظ الترك
وسيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي الكوفي المتشيع ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أصله مدني سكن بالعراق يروي عن أبيه إبراهيم المذكور وصالح هو ابن كيسان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
قوله ذلف الأنوف بضم الذال المعجمة جمع الأذلف وهو صغر الأنف مستوى الأرنبة وهو الفطس وقيل قصر الأنف وانبطاحه ورواه بعضهم بدال مهملة وقال ابن قرقول وقيدناه بالوجهين وبالمعجمة أكثر وقيل تشمير الأنف عن الشفة وعن ابن فارس الذلف الأستواء في طرف الأنف والعرف تقول أملح النساء الذلف والأنوف جمع أنف مثل فلس وفلوس ويجمع على أنف وإناف وفي ( المخصص ) هو جمع المنخر وسمي أنفا لتقدمه

(14/201)


69 -
( باب قتال الذين ينتعلون الشعر )
أي هذا باب في بيان قتال القوم الذين ينتعلون الشعر وهم أيضا من الترك كما ذكرناه ولكن لما روي الحديث المذكور في الباب السابق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من وجه آخر عقد له هذه الترجمة لأن لفظ أبي هريرة في الحديث الماضي لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وقع في آخر الحديث وهو في هذا الحديث وقع في صدره
9292 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعناه قد ذكر عن قريب وروى الترمذي من حديث الصديق رضي الله تعالى عنه أن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة وقال حسن غريب وهذا يدل على أن خروج الترك على المسلمين يتكرر وهكذا وقع كما ذكرنا وسيقع أيضا عند ظهور الدجال والله تعالى أعلم
قال سفيان وزاد فيه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية صغار الأعين ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة
أي قال سفيان بن عيينة زاد في الحديث المذكور أبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وقال بعضهم هو موصول بالإسناد المذكور وأخطأ من زعم أنه معلق قلت القائل بالتعليق هو صاحب ( التلويح ) فإنه قال هذا التعليق رواه البخاري مسندا في علامات النبوة ونسبته إلى الخطأ جزما خطأ لأن ظاهر الكلام هو التعليق والذي ادعاه هذا القائل إحتمال قوله رواية بالنصب أي زاد على سبيل الرواية لا على طريق المذاكرة أي قاله عند النقل والتحميل لا عند القال والقيل قوله صغار الأعين بالنصب لأنه مفعول زاد
79 -
( باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر )
أي هذا باب في ذكر من صف أصحابه عند هزيمتهم وثبت هو ونزل عن دابته واستنصر الله تعالى وهذا كان يوم حنين حيث انقلب أصحاب النبي منهزمين من عدوهم كما وصفهم الله تعالى ثم وليتم مدبرين ( التوبة 52 ) وثبت النبي وذلك لما خصه الله تعالى من الشجاعة والنجدة فنزل عن بغلته واستنصر يعني دعا الله بالنصرة فنصره الله تعالى إذ رماهم بالتراب كما يأتي بيانه مستقصى في المغازي ونزوله كان بسبب الرجالة الباقين معه ليتأسوا به
0392 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) وسأله رجل أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حنين قال لا والله ما ولى رسول الله ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون فأقبلوا هنالك إلى النبي وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به فنزل واستنصر ثم قال أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ثم صف أصحابه

(14/202)


مطابقته للترجمة في قوله فنزل واستنصر
وعمرو بن خالد بن فروخ الحراني الجزري سكن مصر وهو من أفراده وزهير هو ابن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله
والحديث قد مضى في باب من قاد دابة غيره فيكتاب الجهاد فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن سهل بن يوسف عن شعبة عن سهل بن أبي إسحاق إلى آخره
قوله يا أبا عمارة بضم العين وتخفيف الميم كنية أبي الدرداء قوله وأخفاؤهم وجمع خف بمعنى الخفيف وهم الذين ليس معهم سلاح يثقلهم قوله حسرا بضم الحاء وتشديد السين المهملتين وبالراء جمع حاسر وهو الذي لا سلاح معه وقيل هو الذي لا درع له ولا مغفر وانتصابه على الحال من شبان أصحابه قوله ليس بسلاح اسم ليس مضمر والتقدير ليس أححدهم ملتبسا بسلاح ويروى ليس سلاح بدون الباء وسلاح مرفوع على أنه اسم ليس والخبر محذوف أي ليس سلاح لهم قوله رماة جمع رام وانتصابه على أنه صفة قوما وانتصاب قوما على المفعولية قوله جمع هوازن منصوب على أنه بدل من قوما ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم جمع هوازن وجمع بني نصر وهما قبيلتان قال الجوهري نصر أبو قبيلة من بني أسد وهو نصر بن قعين قوله فرشقوهم الرشق الرمي وقال الداودي معناه يرمي الجميع سهامهم قوله وابن عمه مبتدأ والواو للحال وخبره قوله يقود به
89 -
( باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة )
أي هذا باب في بيان دعاء الإمام على المشركين عند قيام الحرب بالهزيمة والزلزلة اقتداء بالنبي والهزيمة من الهزم وهو الكسر والزلزلة من زلزلت الشيء إذا حركته تحريكا شديدا ومنه زلزلة الأرض وهي اضطرابها
1392 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( عيسى ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( محمد ) عن ( عبيدة ) عن ( علي ) رضي الله تعالى عنه قال لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطاى حين غابت الشمس
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا لأن في إحراق بيوتهم غاية التزلزل لأنفسهم
ذكر رجاله وهم ستة الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير الثاني عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الثالث هشام قال بعضهم هو الدستوائي قال وزعم الأصيلي أنه هشام ابن حسان ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين وتجاسر الكرماني فقال المناسب أنه هشام بن عروة قلت هو الذي تجاسر حيث قال إنه هشام الدستوائي وليس هو بالدسوائي وإنما هو هشام بن حسان مثل ما قال الأصيلي وكذا نص عليه الحافظ المزي في ( الأطراف ) في موضعين كما نذكره عن قريب والكرماني أيضا قال وهشام الظاهر أنه ابن حسان ثم قال لكن المناسب لما مر في باب شهادة الأعمى هشام بن عروة ولم يظهر منه تجاسر لأنه لم يجزم أنه هشام ابن عروة وإنما غرته رواية عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عروة في الباب المذكور فظن أن ههنا أيضا كذلك الرابع محمد بن سيرين الخامس عبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة ابن عمرو السلماني أبو مسلم الكوفي السادس علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسحاق وفي الدعوات عن محمد ابن المثنى وفي التفسير عن عبد الله بن محمد وعن عبد الرحمن بن بشر قال الحافظ المزي خمستهم عن هشام بن حسان عن محمد ابن سيرين وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن أبي بكر وعن إسحاق بن إبراهيم وقال الحافظ المزي ثلاثتهم عن هشام بن حسان وعن محمد بن المثنى وبندار كلاهما عن غندر وعن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة وعن يزيد بن هارون وأخرجه الترمذي في التفسير عن هناد بن السري وأخرجه النسائي

(14/203)


في الصلاة عن محمد بن عبد الأعلى
قوله ملأ الله بيوتهم أي أحياء وقبورهم أي أمواتا قوله شغلونا أي الأحزاب بقتالهم مع المسلمين فلما اشتد الأمر على المسلمين دعا رسول الله عليهم فأجيبت دعوته فيهم وكان يدعو على قوم ويدعو لآخرين على حسب ما كانت ذنوبهم في نفسه فكان يدعو على من اشتد أذاه للمسلمين وكان يدعو لمن يرجو بر دعوته ورجوعه إليهم كما دعا لدوس حين قيل له إن دوسا قد عصت ولم يكن لهم نكاية ولا أذى فقال أللهم إهد دوسا وائت بهم قوله حتى غابت الشمس فيه دلالة على أن الصلاة الوسطى هي العصر وهو الذي صحت به الأحاديث وإن كان الشافعي نص على أنها الصبح وفيه أقوال قد ذكرناها في كتاب الصلاة فإن قلت لم لم يصلوا صلاة الخوف قلت قالوا إن هذا كان قبل نزول صلاة الخوف
2392 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن ذكوان ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي يدعو في القنوت أللهم أنج سلمة بن هشام أللهم أنج الوليد ابن الوليد أللهم أنج عياش بن أبي ربيعة أللهم أنج المستضعفين من المؤمنين أللهم اشدد وطأتك على مضر أللهم سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أللهم اشدد وطأتك إلى آخره لأن شدة الوطأة أعم من أن تكون بالهزيمة والزلزلة أو بغير ذلك من الشدائد مثل الغلاء العظيم والموت الذريع ونحوهما
وسفيان هو ابن عيينة وابن ذكوان هو عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث مضى في أول كتاب الاستسقاء في باب دعاء النبي إجعلها كسني يوسف فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة إلى آخره
ومعنى قوله اشدد وطأتك بأسك وعقوبتك أو أخذتك الشديدة قوله على مضر بضم الميم غير منصرف لأنه علم للقبيلة قوله سنين منصوب بتقدير اشدد أو قدر أو إجعل عليهم سنين أو نحو ذلك وهو جمع سنة وهي الغلاء ويوسف هو ابن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم أجمعين
3392 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) قال ( أخرنا عبد الله ) قال أخبرنا ( إسماعيل بن أبي خالد ) أنه سمع ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنهما يقول دعا رسول الله يوم الأحزاب على المشركين فقال أللهم منزل الكتاب سريع الحساب أللهم اهزم الأحزاب أللهم اهزمهم وزلزلهم
مطابقته للترجمة في قوله اللهم اهزمهم وزلزلهم وأحمد بن موسى أبو العباس يقال له مردويه السمسار الرازي وعبد الله هو ابن المبارك الرازي وإسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير وعبد الله بن أبي أوفى الأسلمي وأبو أوفى اسمه علقمة بن خالد
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن قتيبة وفي الدعوات عن محمد بن سلام وفي المغازي عن محمد عن مروان بن معاوية وأخرجه مسلم في المغازي عن سعيد ابن منصور وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر وأخرجه الترمذي في الجهاد عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في السير وفي اليوم والليلة عن محمد بن منصور وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن محمد بن عبد الله ابن نمير
قوله أللهم يعني يا الله يا منزل الكتاب أي القرآن قوله سريع الحساب يعني يا سريع الحساب إما أن يراد به أنه سريع حسابه بمجيء وقته وإما أنه سريع في الحساب قوله إهزمهم أي إكسرهم وبدد شملهم ويقال قوله إهزمهم وزلزلهم دعاء عليهم أن لا يسكنوا ولا يستقروا ولا يأخذهم قرار وقال الداودي أراد أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتون قيل قد نهى رسول الله عن سجع كسجع الكهان وأجيب بأن تلك أسجاع متكلفة وهذا اتفق اتفاقا بدون التكلف والقصد إليه

(14/204)


4392 - حدثنا ( عبد الله بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جعفر بن عون ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( عمرو بن ميمون ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي يصلي في ظل الكعبة فقال أبو جهل وناس من قريش ونحرت جزور بناحية مكة فأرسلوا فجاؤوا من سلاها وطرحوه عليه فجاءت فاطمة فألقته عنه فقال أللهم عليك بقريش أللهم عليك بقريش أللهم عليك بقريش لأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد ابن عتبة وأبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط قال عبد الله فلقد رأيتهم في قليب بدر قتلى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أللهم عليك بقريش ووجهه ظاهر
وعبد الله بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أبو بكر أخو عثمان وجعفر بن عون بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره نون ابن جعفر بن عمرو بن حريث القرشي الكوفي وسفيان هو الثوري وأبو إسحاق عمرو السبيعي وعمرو ابن ميمون الأزدي أبو عبد الله الكوفي أدرك الجاهلية وكان بالشام ثم سكن الكوفة وهؤلاء كلهم كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وهو عبد الله بن مسعود
والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب المرأة تطرح على المصلي شيئا من الأذى بأتم منه
قوله قال أبو جهل اسمه عمرو قوله وناس من قريش وهم الذين ذكرهم في الدعاء عليهم فإن قلت ما مقول أبي جهل قلت محذوف تقديره هاتوا من سلا الجزور التي نحرت وقوله ونحرت جزور جملة معترضة حالية قوله من سلاها السلا بفتح السين المهملة وتخفيف اللام مقصور وهي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي واستدل به مالك على طهارة روث المأكول لحمه ومن قال بنجاسته قال لم يكن في ذلك الوقت تعبد به وأيضا ليس في السلا دم فهو كعضو منها فإن قلت هو ميتة قلت كان ذلك قبل تحريم ذبائح أهل الأوثان كما كانت تجوز مناكحتهم وروي أيضا أنه كان مع الفرث والدم ولكنه كان قبل التعبد بتحريمه قوله لأبي جهل اللام للبيان نحو هيت لك أي هذا الدعاء مختص به أو للتعليل أي دعا أو قال لأجل أبي جهل قوله قال عبد الله هو ابن مسعود قوله في قليب بدر القليب بفتح القاف وكسر اللام البئر قبل تطوى تذكر وتؤنث فإذا طويت فهي الطوى قوله قتلى جمع قتيل نصب على أنه مفعول ثان لقوله رأيتهم
قال أبو إسحاق ونسيت السابع
أي قال أبو إسحاق الراوي عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بالإسناد المذكور وكأن أبا إسحاق لما حدث سفيان الثوري بهذا الحديث كان نسي السابع وهو عمارة بن الوليد
قال أبو عبد الله قال يوسف بن إسحاق عن أبي إسحاق أمية بن خلف وقال شعبة أمية أو أبي والصحيح أمية
أبو عبد الله هو البخاري ويوسف بن إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو السبيعي وأراد البخاري أن أبا إسحاق حدث به مرة فقال أبي بن خلف وهكذا رواية سفيان الثوري عنه هنا وحدث به أخرى فقال أمية أو أبي وهي رواية شعبة فشك فيه وقال البخاري والصحيح أمية بن خلف لا أبي لأن أبي بن خلف قتله الشارع بيده يوم أحد بعد يوم بدر وحديث يوسف بن إسحاق مضى موصولا في كتاب الطهارة في باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر وطريق شعبة وصلها البخاري أيضا في كتاب المبعث عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال بينا النبي ساجد الحديث وفيه وأمية بن خلف أو أبي بن خلف شعبة الشاك فافهم

(14/205)


5392 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( ابن مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن اليهود دخلوا على النبي فقالوا السام عليك فلعنتهم فقال مالك قلت أولم تسمع ما قالوا قال فلم تسمعي ما قلت وعليكم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وعليكم لأن معناه وعليكم السام أي الموت وهو دعاء من النبي وقد جاء في الحديث يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا
وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة بضم الميم اسمه عبد الله واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي الأحول المكي القاضي على عهد ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن محمد بن سلام وفي الدعوات عن قتيبة وذكر في الاستيذان حديث ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهم وعند النسائي من حديث أبي بصرة قال إني راكب إلى اليهود فمن انطلق معي فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم وعند ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن الجهني وصحبته مختلف فيها مثله وعند ابن حبان من حديث أنس قال قال أتدرون ما قال قالوا سلم قال لا إنما قال السام عليكم أي تسامون دينكم فإذا سلم عليكم رجل من أهل الكتاب فقولوا وعليك
قوله السام عليك بتخفيف الميم أي الموت قوله فلعنتهم أي قالت عائشة فلعنت هؤلاء اليهود قوله فقال مالك أي فقال رسول الله لعائشة أي شيء حصل لك حتى لعنت هؤلاء فأجابت عائشة بقولها قلت يا رسول الله أولم تسمع ما قال هؤلاء فقال فلم تسمعي ما قلت وعليكم يعني السام عليكم فرديت عليهم ما قالوا فإنما قلت يستجاب لي وما قالوا الغوا يرد عليهم ثم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رد عليهم ما قالوا وفي قوله وعليكم قال الخطابي رواية عامة المحدثين بإثبات الواو وكان ابن عيينة يرويه بحذفها وهو الصواب وذلك أنه إذا حذفها صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودا عليهم وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأن الواو حرف العطف والاجتماع بين الشيئين وفي رواية يحيى عن مالك عن ابن دينار عليك بلفظ الواحد وقال القرطبي الواو هنا زائدة وقيل للاستئناف وحذفها أحسن في المعنى وإثباتها أصح رواية وأشهر وقال أبو محمد المنذري من فسر السام بالموت فلا يبعد الواو ومن فسره بالسأمة فإسقاطها هو الوجه قال ابن الجوزي وكان قتادة يمد ألف السآمة
فوائد ذهب عامة السلف وجماعة الفقهاء أن أهل الكتاب لا يبدأون بالسلام حاشى ابن عباس وصدي ابن عجلان وابن محيريز فإنهم جوزوه ابتداء وقال النووي وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي ولكنه قال يقول عليك ولا يقول عليكم بالجمع وحكى أيضا أن بعض أصحابنا جوز أن يقول وعليكم السلام فقط ولا يقول ورحمة الله وبركاته وهو ضعيف مخالف للأحاديث وذهب آخرون إلى جواز الابتداء للضرورة أو لحاجة تعن له إليه أو لذمام أو نسب وروى ذلك عن إبراهيم وعلقمة وقال الأوزاعي إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون وتؤول لهم قولهم لا تبتدؤهم بالسلام أي لا تبتدأوهم كصنيعكم بالمسلمين واختلفوا في رد السلام عليهم فقالت طائفة رد السلام فريضة على المسلمين والكفار قالوا وهذا تأويل قوله تعالى فحيوا بأحسن منها وردوها ( النساء 68 ) قال ابن عباس وقتادة في آخرين هي عامة في الرد على المسلمين والكفار وقوله أو ردوها ( النساء 68 ) يقول للكافر وعليكم قال ابن عباس من سلم عليك من خلق الله تعالى فاردد عليه وإن كان مجوسيا وروى ابن عبد البر عن أبي أمامة الباهلي أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام وعن ابن مسعود وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد أنهم كانوا يبدأون أهل الكتاب بالسلام وكتب ابن عباس إلى كتابي السلام عليك وقال لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه وقيل لمحمد بن كعب إن عمر بن عبد العزيز يرد عليهم ولا يبدأوهم فقال ما أرى بإنسان يبدأهم بالسلام لقول الله تعالى فاصفح عنهم وقل سلام ( الزخرف 98 ) وقالت طائفة لا يرد السلام على الكتابي والآية مخصوصة بالمسلمين وهو قول الأكثرين وعن ابن طاووس يقول علاك السلام واختار بعضهم أن يرد

(14/206)


عليهم السلام بكسر السين أي الحجارة وعن مالك إن بدأت ذميا على أنه مسلم ثم عرفت أنه ذمي فلا نسترد منه السلام وقال ابن العربي وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يسترده منه فيقول أردد علي سلامي
99 -
( باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب )
أي هذا باب يذكر فيه هل يرشد المسلم أهل الكتاب ومعنى إرشادهم ما قاله ابن بطال إرشاد أهل الكتاب ودعاؤهم إلى الإسلام على الإمام يعني واجب عليه هذا هو معناه لا ما قاله بعضهم المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل وبالكتاب الثاني ما هو أعم منهما ومن القرآن وغير ذلك انتهى وهذا مستبعد من كل وجه ولو تأمل هذا أن المعنى هل يرشد المسلم أهل الكتاب إلى طريق الهدى ويعرفه بمحاسن الإسلام حتى يرجع إليه لما أقدم على ما قاله قوله أو يعلمهم الكتاب أي أو هل يعلمهم المسلم الكتاب أي القرآن وفيه خلاف فقال أبو حنيفة لا بأس بتعليم الحربي والذمي القرآن والعلم والفقه رجاء أن يرغبوا في الإسلام وهو أحد قولي الشافعي وقال مالك لا يعلمهم الكتاب ولا القرآن وهو أحد قولي الشافعي واحتج الطحاوي لأبي حنيفة بكتاب هرقل وبقوله عز و جل وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( التوبة 6 ) وروى أسامة ابن زيد مر النبي على ابن أبي قبل أن يسلم وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود فقرأ عليهم القرآن
6392 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا ( ابن أخي ابن شهاب ) عن ( عمه ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ) أن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله كتب إلى قيصر وقال فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين
( الحديث 6392 - طرفه في 0492 )
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي كتب إلى قيصر آية من القرآن وهي قوله تعالى يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ( آل عمران 46 ) الآية بتمامها ووجهه أن فيه مطابقة لكل واحد من جزئي الترجمة أما مطابقته للجزء الأول فتؤخذ من قوله فإن توليت إلى آخره لأن فيه إرشادا إلى طريق الهدى والحق وأما مطابقته للجزء الثاني فتؤخذ من كتابه إليه على ما لا يخفى على المتأمل وإسحاق شيخه هو ابن منصور بن كوسج أبو يعقوب المروزي يعقوب ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري وابن أخي ابن شهاب هو محمد بن عبد الله ابن أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهذا الذي ذكره هنا قطعة من حديث طويل قد مر في أول الكتاب
00 - 1 -
( باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم )
أي هذا باب في بيان دعاء النبي للمشركين بأن الله يهديهم إلى دين الإسلام قوله ليتألفهم تعليل لدعائه بالهداية لهم وذلك أنه يدعو لهم إذا رجا منهم الإلفة والرجوع إلى دين الإسلام وقد ذكرنا أن دعاء النبي على حالتين إحداهما أنه يدعو لهم إذا أمن غائلتهم ورجا هدايتهم والأخرى أنه يدعو عليهم إذا اشتدت شوكتهم وكثر أذاهم ولم يأمن من شرهم على المسلمين
7392 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) أن عبد الرحمان قال قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي فقالوا يا رسول الله إن دوسا عصت وأبت فادع الله عليها فقيل هلكت دوس قال أللهم اهد دوسا وات بهم

(14/207)


مطابقته للترجمة في قوله أللهم اهد دوسا وائت بهم
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد عبد الله ابن ذكوان و ( عبد الرحمن ) هو ابن هرمز الأعرج
قوله قدم طفيل بن عمر وبضم الطاء وفتح الفاء ابن طريف بن العاصي بن ثعلبة ابن سليم بن غنم بن دوس الدوسي من دوس أسلم وصدق النبي بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس فلم يزل مقيما بها حتى هاجر رسول الله ثم قدم على رسول الله وهو بخيبر بمن تبعه من قومه فلم يزل مقيما مع رسول الله حتى قبض ثم كان مع المسلمين حتى قتل باليمامة شهيدا وروى إبراهيم بن سعد عن ابن عباس قال قتل الطفيل بن عمرو الدوسي عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذكره ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) وقال أيضا كان الطفيل بن عمرو الدوسي يقال له ذو النور ثم ذكر بإسناده إلى هشام الكلبي أنه إنما سمي بذلك لأنه وفد على النبي فقال يا رسول الله إن دوسا قد غلب عليهم الزنا فادع الله عليهم فقال رسول الله أللهم اهد دوسا ثم قال يا رسول الله ابعثني إليهم واجعل لي آية يهتدون بها فقال أللهم نور له فسطع نور بين عينيه فقال يا رب أخاف أن يقولوا مثلة فتحولت إلى طرف سوطه فكانت تضيء في الليلة المظلمة فسمي ذو النور وقوله قدم الطفيل وأصحابه هذا قدومه الثاني مع أصحابه ورسول الله بخيبر كما ذكرنا وكان أصحابه ثمانين أو تسعين وهم الذين قدموا معه وهم أهل بيت من دوس قوله إن دوسا قد عصت أي على الله تعالى ولم تسمع من كلام الطفيل حين دعاهم إلى الإسلام وأبت من سماع كلامه وقال الطفيل يا رسول الله غلب على دوس الزنا والربا فادع الله عليهم بالهلاك فقال أللهم إهد دوسا وائت بهم أي مسلمين أو كناية عن الإسلام وقال الكرماني هم طلبوا الدعاء عليهم ورسول الله دعا لهم وذلك من كمال خلقه العظيم ورحمته على العالمين قلت لا شك أن رسول الله رحمة للعالمين ومع هذا كان يحب دخول الناس في الإسلام فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام بل كان يدعو لمن يرجو منه الإنابة ومن لا يرجوه ويخشى ضرره وشوكته يدعو عليه كما دعا على قريش كما مر ودوس هو ابن عدنان ابن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد وينسب إليه الدوسي قال الرشاطي الدوسي في الأزد ينسب إلى دوس فذكر نسبه مثل ما ذكرنا فإن قلت كيف انصرف دوس وفيه علتان العلمية والتأنيث قلت قد علم أن سكون حشوه يقاوم أحد السببين فيبقى على علة واحدة كما في هند وعدد
101 -
( باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه وما كتب إلى كسرى وقيصر والدعوة قبل القتال )
أي هذا باب في بيان دعوة اليهودي والنصراني إلى الإسلام قوله وعلى ما يقاتلون عليه أي وفي بيان أي شيء يقاتلون عليه ويقاتلون على صيغة المجهول قوله وما كتب أي في بيان ما كتب النبي إلى كسرى وقيصر قد ذكرنا أن كل من ملك الفرس يقال له كسرى وقيصر لقب هرقل الذي أرسل إليه النبي كتابا ومعنى قيصر في لغتهم البقير وذلك أن أمه لما أتاها الطلق به ماتت فبقر بطنها عنه فخرج حيا وكان يفخر بذلك لأنه لم يخرج من فرج قوله والدعوة أي وفي بيان الدعوة قبل القتال وهو بفتح الدال في القتال وبالضم في الوليمة وبالكسر في النسب
8392 - حدثنا ( علي بن الجعد ) قال أخبرنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول لما أراد النبي أن يكتب إلى الروم قيل له إنهم لا يقرؤن كتابا إلا أن يكون مختوما فاتخذ خاتما من فضة فكأني أنظر إلى بياضه في يده ونقش فيه محمد رسول الله
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ منه لأن قول أنس رضي الله تعالى عنه لما أراد رسول الله أن يكتب إلى الروم كتابا يدل على أنه قد كتب وهو الذي ذكره ابن عباس في حديث طويل وقد مر في أول الكتاب في بدء الوحي ولا

(14/208)


يستبعد هذا لأن هذا الحديث مذكور في الكتاب وهذا أوجه وأقرب إلى القبول من قول بعضهم في بيان المطابقة في بعض المواضع بين الحديث والترجمة أنه أشار بهذا إلى حديث خرجه فلان ولم يذكره في كتابه ووجه ذلك أن للترجمة أربعة أجزاء الجزء الأول هو قوله دعوة اليهودي والنصراني ووجه المطابقة فيه أنه دعا هرقل إلى الإسلام وهو على دين النصارى واليهودي ملحق به الجزء الثاني هو قوله على ما يقاتلون عليه ووجه المطابقة فيه أنه أشار في كتاب أن مراده أن يكونوا مثلنا وإلا يقاتلون عليه كما في حديث علي رضي الله تعالى عنه الآتي بعد هذا الباب فقال نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا الجزء الثالث هو قوله وما كتب إلى كسرى وقيصر وهذا ظاهر الجزء الرابع هو قوله والدعوة قبل القتال فإنه دعاهم إلى الإيمان بالله وتصديق رسوله ولم يكن بينه وبينهم قبل ذلك قتال فافهم فإنه فتح لي من الفيض الإلهي ولم يسبقني إلى ذلك أحد
ذكر معناه قوله قيل له أي قيل للنبي قوله لا يقرأون كتابا إلا أن يكون مختوما وذلك لأنهم كانوا يكرهون أن يقرأ الكتاب لهم غيرهم وقد قيل في قوله تعالى كتاب كريم إنه مختوم وروي عن النبي أنه قال كرامة الكتاب ختمه وعن ابن المقنع من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به قوله فاتخذ خاتما من فضة وكان اتخاذه الخاتم سنة ست وأيضا كان إرساله بكتاب إلى هرقل في سنة ست وكان بعث ستة نفر إلى الملوك في يوم واحد منهم دحية بن خليفة أرسله إلى قيصر ملك الروم ومعه كتاب قاله الواقدي وذكر البيهقي أنه كان في سنة ثمان قوله خاتما فيه أربع لغات بفتح التاء وكسرها وخيتام وخاتام والجمع خواتيم قوله من فضة يدل على أنه لا يجوز من ذهب لما روي من حديث بشير بن نهيك عن أبي هريرة أنه نهى عن خاتم الذهب ولما روى البخاري ومسلم من حديث البراء بن عازب أمرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع وفيه نهانا عن خواتيم الذهب أو عن أن نتختم بالذهب فإن قلت روى الطحاوي وأحمد في ( مسنده ) من حديث محمد بن مالك الأنصاري مولى البراء بن عازب قال رأيت على البراء خاتما من ذهب فقيل له قال قسم رسول الله غنيمة فألبسنيه وقال إلبس ما كساك الله ورسوله فقال الطحاوي فذهب إلى قوم إلى إباحة لبس خواتيم الذهب للرجال واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وأراد بالقوم هؤلاء عكرمة والأعمش وأبا القاسم الأزدي وروي ذلك عن البراء وحذيفة وسعد وجابر بن سمرة وأنس ابن مالك رضي الله تعالى عنهم قلت خالفهم في ذلك آخرون منهم سعيد بن جبير والنخعي والثوري والأوزاعي وعلقمة ومكحول وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق فإنهم قالوا يكره ذلك للرجال واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة المذكور وبحديث علي رضي الله تعالى عنه أخرجه مسلم أن رسول الله نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب الحديث والحديث رواه أبو داود في كتاب الخاتم والترمذي في اللباس والنسائي في الزينة عن زيد بن الخباب عن عبد الله بن مسلم السلمي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاء رجل إلى النبي وعليه خاتم من حديد فقال ما لي أرى عليك حلية أهل النار ثم جاء وعليه خاتم من شبه فقال ما لي أجد منك رائحة الأصنام فقال يا رسول الله من أي شيء اتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا زاد الترمذي ثم جاء وعليه خاتم من ذهب فقال ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة وقال صفر موضع شبه وقال حديث غريب قلت رواه أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي في ( مسانيدهم ) وأبو حبان في ( صحيحه ) فإن قلت كيف التوفيق بين حديثي البراء وهما متعارضان ظاهرا قلت إذا خالف الراوي ما رواه يكون العمل بما رآه لا بما رواه لأنه لا يخالف ما رواه إلا بدليل قام عنده وكان فص خاتم النبي حبشيا وقال ابن الأثير قوله حبشيا يحتمل أنه أراد من الجدع أو العقيق لأن معدتهما اليمن والحبشة أو نوعا آخر ينسب إليه
قوله إلى بياضه أي إلى بياض الخاتم في يد رسول الله وقيل كان عقيقا وفي ( الصحيح ) من رواية حميد عن أنس كان فصه منه ولا تعارض لأنه لا مانع أن يكون له خاتمان أو أكثر قوله ونفش فيه محمد رسول الله وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) وقال حدثنا

(14/209)


ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر قال اتخذ النبي خاتما من ورق ثم نقش عليه محمد رسول الله ثم قال لا ينقش أحد على خاتمي هذا وأخرجه مسلم عن ابن أبي شيبة وروى الترمذي من حديث أنس بن مالك أن النبي صنع خاتما من ورق فنقش فيه محمد رسول الله ثم قال لا تنقشوا عليه قال الترمذي هذا حديث صحيح ومعناه أنه نهى أن ينقش أحد على خاتمه محمد رسول الله وروى الترمذي أيضا من حديث أنس كان نقش خاتم النبي ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر وأخرجه البخاري أيضا على ما سيأتي وقال شيخنا رحمه الله نهيه أن ينقش أحد على نقش خاتمه خاص بحياته ويدل عليه لبس الخلفاء الخاتم بعده ثم تجديد عثمان رضي الله تعالى عنه خاتما آخر بعد فقد ذلك الخاتم في بئر أريس ونقش عليه ذلك النقش
9392 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسرى فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه خرقه فحسبت أن سعيد بن المسيب قال فدعا عليهم النبي أن يمزقوا كل ممزق
مطابقته للترجمة في قوله بعث بكتابه إلى كسرى ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري والحديث قد مر في كتاب العلم في باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان وقد مر الكلام فيه هناك
قوله بعث بكتابه كان حامل الكتاب عبد الله ببن حذاقة السهمي قوله عظيم البحرين كان من تحت يد كسرى والبحرين تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان قوله خرقة بتشديد الراء من التحريق فدعا عليهم النبي أن يمزقوا أي بأن يمزقوا من التمزيق يقال مزقت الثوب وغيره أمزقه تمزيقا إذا قطعته خرقا ومنه يقال تمزق القوم إذا افترقوا ولما دعا النبي بذلك مات منهم أربعة عشر ملكا في سنة لن حتى وليت أمرهم امرأة فقال لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة
201 -
( باب دعاء النبي إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم أربابا من دون الله )
أي هذا باب في بيان دعوة النبي الناس إلى الإسلام قوله والنبوة أي وبالدعاء أيضا إلى الاعتراف بنبوته قوله وأن لا يتخذ أي الدعاء أيضا بأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله يعني لا يقولون عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله لأن كل واحد منهما بشر مثلكم فلا يصلحان أن يكونا في مسلك الربوبية
وقوله تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله ( آل عمران 97 ) إلى آخر الآية
وقوله بالجر عطف على قوله دعاء أي في بيان قوله تعالى إلى آخره
0492 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ابن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) عن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أنه أخبره أن رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع

(14/210)


دحية الكلبي وأمره رسول الله أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله فلما جاء قيصر كتاب رسول الله قال حين قرأه التمسوا لي هاهن أحدا من قومه لأسألهم عن رسول الله قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشأم في رجال من قريش قدموا تجارا في المدة التي كانت بين رسول الله وبين كفار قريش قال أبو سفيان فوجدنا رسول قيصر ببعض الشأم فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج وإذا حوله عظماء الروم فقال لترجمانه سلهم أيهم أقرب نسبا إلى هاذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم إليه نسبا قال ما قرابة ما بينك وبينه فقلت هو ابن عمي وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري فقال قيصر أدنوه وأمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي ثم قال لترجمانه قل لأصحابه إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي فإن كذب فكذبوه قال أبو سفيان والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هاذا القول أحد منكم قبله قلت لا فقال كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال فيزيدون أو ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن الآن منه في مدة نحن نخاف أن يغدر قال أبو سفيان ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه به لا أخاف أن تؤثر عني غيرها قال فهل قاتلتموه أو قاتلكم قلت نعم قال فكيف كانت حربه وحربكم قلت كانت دولا وسجالا يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى قال فماذا يأمركم قال يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فقال لترجمانه حين قلت ذالك له قل له إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان أحد منكم قال هذا قبله قلت رجل يأتم بقول قد قيل قبله وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه من ملك

(14/211)


فزعمت أن لا فقلت لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا وكذلك الرسل لا يغدرون وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم فزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه تكون دولا ويدال عليكم المرة وتدالون عليه الأخرى وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة وسألتك بماذا يأمركم فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة النبي قد كنت أعلم أنه خارج ولاكن لم أظن أنه منكم وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه قال أبو سفيان ثم دعا بكتاب رسول الله فقريء فإذا فيه بسم الله الرحمان الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( آل عمران 46 ) قال أبو سفيان فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم فلا أدري ماذا قالوا وأمر بنا فأخرجنا فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم لقد أمر أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه قال أبو سفيان والله ما زلت ذليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره
مطابقته للترجمة ظاهرة تؤخذ من ألفاظ الحديث وإبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري القرشي المديني كان على قضاء بغداد والحديث بطوله قد تقدم في أول الكتاب في بدء الوحي ومضى الكلام فيه مستقصى ولكن انظر واعتبر جدا فإن بين الطريقين والمتنين اختلافا في الألفاظ كثيرا من زيادة ونقصان فلنتكلم هنا على ما يقتضي الكلام
فقوله لما أبلاه الله قال القتيبي يقال من الخير أبليته أبليه إبلاء ومن الشر بلوته بلاء والمعروف أن الابتلاء يكون في

(14/212)


الخير والشر معا من غير فرق بين فعليهما ومنه قوله تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( الأنبياء 53 ) وإنما مشى قيصر شكرا لاندفاع فارس عنه ومنه الحديث من أبلى فذكر فقد شكر والإيلاء الإنعام والإحسان يقال بلوت الرجل وأبليت عنده بلاء حسنا والابتلاء في الأصل الاختيار والامتحان يقال بلوته وابتليته وأبليته قوله قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان هكذا ويروى أبو سفيان بن حرب قوله فوجدنا بفتح الدال فعل ومفعول وقوله رسول قيصر بالرفع فاعله وقيل يروي بالعكس قوله ببعض الشام قيل غزة المدينة المشهورة قوله فأدخلنا عليه على صيغة المجهول قوله أدنوه بفتح الهمزة أمر من الأدناء أي قربوه قوله عند كتفي بتشديد الياء قوله من أن يأمر بسكون الهمزة وضم الثاء المثلثة معناه من أن يروى ويحكى وقال ابن فارس أثرت الحديث إذا ذكرته عن غيرك قوله فصدقته كذا بالضمير المنصوب ويروى فصدقت بدون الضمير قوله من ملك بكسر اللام ويروى من ملك بفتح اللام على صورة الفعل الماضي وكلمة من حرف الجر في الأول وفي الثاني اسم موصول قوله دولا بضم الدال وهو ما يتداول بينهم فتارة يكون لبعض وتارة يكون لآخرين قوله وسجالا بكسر السين قد مر معناه مستقصى قوله يدال علينا بضم الياء على صيغة المجهول قوله وندال بضم النون على صيغة المجهول أيضا معناه يغلبنا مرة ونغلبه أخرى قوله يأتم بقوله أي يقتدي به وهناك يأتسي بقول ويروى يتأسى قوله لم يكن ليدع الكذب بكسر اللام أي ليترك قوله وكذلك الرسل تبتلى أي تختبر بالغلبة عليهم ليعلم صبرهم قوله فتكون لها العاقبة ويروى له والضمير في له يرجع إلى قوله إلى هذا الرجل فيما مضى وكذلك الضمائر التي في قوله منه وقاتلتموه وحربه ونسبه وأنه وقبله وتتهمونه وآبائه ويتبعونه واتبعوه ولدينه وعليه وأنه وإليه ولقيه وعنده وقدميه ونخافه وأمره قوله فيوشك أي يسرع في ذلك
2492 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة القعنبي ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه قال سمع النبي يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى فقال أين علي فقيل يشتكي عينيه فأمر فدعي له فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء فقال نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم
مطابقته للترجمة في قوله ثم ادعهم إلى الإسلام وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل علي رضي الله تعالى عنه عن قتيبة وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة في الفضائل
قوله يوم خيبر ويوم خيبر كان في أول سنة سبع وقال موسى بن عقبة لما رجع رسول الله من الحديبية مكث بالمدينة عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعدها الله تعالى إياه وحكى موسى عن الزهري أن افتتاح خيبر في سنة ست والصحيح أن ذلك في أول سنة سبع قوله لأعطين الراية أي العلم وقال ابن إسحاق عن عمرو بن الأكوع قال بعث النبي أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهدهم ثم بعث الغد عمر رضي الله تعالى عنه فقاتل عمر ثم رجع ولم يكن فتح فقال رسول الله لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار قال سلمة فدعا رسول الله علي بن أبي طالب وهو يومئذ أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية وامض بها حتى يفتح الله عليك بها فخرج وهو يهرول هرولة وأنا لخلفه

(14/213)


نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت قال أنا علي بن أبي طالب قال يقول اليهودي علوتم وما أنزل على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله على يديه وقال ابن إسحاق كان أول حصون خيبر فتحا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته قوله فقاموا يرجون لذلك أي قام أصحاب رسول الله الذين معه حال كونهم راجين لإعطاء الراية له حتى يفتح الله على يديه قوله أيهم يعطى على صيغة المجهول قوله فغدوا وكلهم يرجو أي كل واحد منهم يرجو أن يعطى وكلمة أن مصدرية أي يرجو إعطاء الراية له قوله فقال أي فقال النبي أين علي بن أبي طالب فقيل يشتكي عينيه من اشتكى عضوا من أعضائه فاشتكى عينيه من الرمد قوله فأمر أي النبي بإحضار علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قوله فدعي على صيغة المجهول أي دعى علي رضي الله تعالى عنه له أي للنبي قوله فبصق بالصاد والسين والزاي قوله فقال فقاتلهم القائل علي رضي الله تعالى عنه قوله حتى يكونوا مثلنا أي حتى يكونوا مسلمين مثلنا قوله فقال على رسلك أي فقال النبي لعلي على رسلك بكسر الراء يقال إفعل هذا على رسلك أي اتئد فيه وكن فيه على الهينة وقال ابن التين ضبط بكسر الراء وفتحها قوله لأن يهدي بك على صيغة المجهول قوله خير لك من حمر النعم حمر النعم بضم الحاء أعزها وأحسنها يريد خير لك من أن تكون فتتصدق بها ولكون الحمرة أشرف الألوان عندهم قال حمر النعم والنعم بفتحتين إذا أطلق يراد به الإبل وحدها وإن كان غيرها من الإبل والبقر والغنم دخل في الإسم معها
3492 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول كان رسول الله إذا غزا قوما لم يغر حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار بعدما يصبح فنزلنا خيبر ليلا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا سمع أذانا أمسك لأن الترجمة الدعاء إلى الإسلام قبل القتال والأذان يبين حالهم وعبد الله ابن محمد هو المسندي وأبو إسحاق هو الفزاري واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث قوله لم يغر بضم الياء من الإغارة وذلك لأنه إذا لم يعلم حال القوم هل بلغتهم الدعوة أم لا فينتظر بهم الصباح ليستبين حالهم بالأذان وغيره من شعائر الإسلام قوله ليلا نصب على الظرف أي في الليل
4492 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) أن النبي كان إذا غزا بنا
هذا طريق آخر لحديث أنس أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير عن حميد عن أنس وبتمامه أخرجه البخاري عن قتيبة أيضا في الصلاة في باب ما يحقن بالأذان من الدماء وقال حدثني قتيبة قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس عن النبي أنه كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم الحديث
( وحدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن حميد عن أنس رضي الله عنه أن النبي خرج إلى خيبر فجاءها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لا يغير عليهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )
هذا طريق آخر لحديث أنس أخرجه عن عبد الله بن مسلمة القعنبي إلى آخره والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن يوسف وأخرجه الترمذي في السير عن إسحاق بن موسى وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة

(14/214)


والحارث بن مسكين قوله حتى يصبح المراد به دخول وقت الصبح وهو طلوع الفجر فإن قلت روى مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال فأتيناهم حين بزغت الشمس فما الجمع بين الحديثين قلت قال شيخنا الجواب أنهم صلوا الصبح بغلس قبل أن يدخلوا زقاق خيبر الذي أجرى فيه رسول الله كما ثبت في الصحيحين وأنهم وصلوا إلى القرية حين بزغت الشمس قوله بمساحيهم بتخفيف الياء جمع مسحاة بكسر الميم والميم زائدة لأنه مأخوذ من سحوت الطين عن وجه الأرض وسحيته إذا جرفته وقال الجوهري المسحاة كالمجرفة إلا أنها من حديد والمكاتل جمع مكتل بكسر الميم والميم فيه أيضا زائدة وقال ابن عبد البر المكاتل القفاف وقال الجوهري المكتل شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا قوله محمد أي جاء محمد قوله والخميس عطف عليه وهو الجيش والسبب في تسميته بالخميس أنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساق قوله الله أكبر المشهور في الرواية التكبيرة مرة وفي رواية الطبراني من حديث أبي طلحة تكراره ثلاثا وهو حسن قوله خربت خيبر فيه سجع ولا بأس به إذا لم يكن في ذلك تكلف وقوله خربت خيبر يحتمل أن يكون قاله بوحي من الله في أنه يغلب عليها ويخربها ويحتمل أن يكون تفاؤلا بذلك على عادة العرب في جزمهم بالأمور والإخبار عن وقوعها بصيغة الماضي قبل وقوعها إذا كان ذلك متوقعا قريبا وقيل سبب تفاؤله بذلك لما رأى من آلات الحراب معهم من المساحي والمكاتل قوله إنا إذا نزلنا إلى آخره فيه الاستشهاد بالقرآن فيما يحسن ويجمل وفي هذا الحديث الحكم بالدليل لكونه كف عن القتال بمجرد سماع الأذان -
6492 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثنا ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله امرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إلاه إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله
مطابقته للترجمة من حيث إن في قتاله معهم إلى أن يقولوا لا إلاه إلا الله دعوته إياهم إلى الإسلام حتى إذا قالوا لا إلاه إلا الله يرفع القتال لكنه قال هذا الحديث في حال قتاله لأهل الأوثان الذين كانوا لا يقرون بالتوحيد وهم الذين قال الله تعالى عنهم إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إلاه إلا الله يستكبرون ( الصافات 53 ) فدعاهم إلى الإقرار بالوحدانية وخلع ما دونه من الأوثان فمن أقر بذلك منهم كان في الظاهر داخلا في صفة الإسلام وأما الآخرون من أهل الكفر الذين كانوا يوحدون الله تعالى غير أنهم ينكرون نبوة محمد فقال في هؤلاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله ويشهدوا أن محمدا رسول الله فإسلام هؤلاء الإقرار بما كانوا به جاحدين كما كان إسلام أولئك إقرارهم بالله أنه واحد لا شريك له وعلى هذا تحمل الأحاديث وقد مر الكلام فيه في حديث ابن عمر في كتاب الإيمان في باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة ( التوبة 5 و11 )
وأبو اليمان الحكم بن نافع وهذا السند بعين هؤلاء الرجال قد مرغير مرة على نسق واحد
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الجهاد عن عمرو بن عثمان وعن أحمد بن محمد بن المغيرة
قوله أمرت على صيغة المجهول يدل على أن الله تعالى أمره وإذا قال الصحابي ذلك فهم أن رسول الله أمره قوله حتى يقولوا كلمة حتى للغاية وقد جعل رسول الله غاية المقاتلة القول بقول لا إلاه إلا الله وفي حديث ابن عمر بالشهادتين والتوفيق بينهما ما ذكرناه الآن قوله فقد عصم أي حفظ وحقن معنى العصم في اللغة وقال الجوهري والعصمة الحفظ قوله إلا بحقه أي إلا بحق لا إلاه إلا الله الذي هو الإسلام في حق المشركين عبدة الأوثان وحقه ثلاثة أشياء قتل النفس المحرمة والزنا بعد الإحصان والارتداد عن الدين قوله وحسابه على الله أي فيما يسر به من الكفر والمعاصي والمعنى إنا نحكم عليه بالإسلام ونؤاخذه بحقوقه بحسب ما يقتضيه ظاهر حاله والله سبحانه وتعالى يتولى حسابه فيثيب المخلص ويعاقب المنافق

(14/215)


ويجازي المصر بفسقه أو يعفو عنه
رواه عمر وابن عمر عن النبي
أي روى مثل حديث أبي هريرة عبد الله بن عمر وأبوه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أما رواية ابن عمر فوصلها البخاري في الإيمان وأما رواية عمر فوصلها في الزكاة
301 -
( باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس )
أي هذا باب في بيان ما جاء من أمر من أراد غزوة فورى بغيرها أي بغير تلك الغزوة التي أرادها يريد بذلك غيرة العدو ولئلا تسبقه الجواسيس ويحذروهم وأصله من الوردي هو جعل البيان وراءه وحاصل المعنى لأنه ألقي البيان وراء ظهره كأنه قال سأبينه وأصحاب الحديث لا يضبطون الهمزة فيه وقيده السيرافي في ( شرح سيبويه ) بالهمزة وكان الذي لا يضبط فيه الهمزة سهلها قوله ومن أحب أي وفي بيان أمر من أحب الخروج للسفر يوم الخميس قال بعضهم لعل الحكمة فيه ما روى من قوله بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بضم النون وفتح الباء الموحدة ابن شريط بفتح الشين المعجمة قلت طلب الحكمة في ذلك بالحديث الضعيف لا وجه له والحكمة فيه تعلم من حديث الباب فإنه صرح فيه أنه كان يحب أن يخرج يوم الخميس ومحبته إياه لا تخلو عن حكمة فإن قلت روى أنه خرج في بعض أسفاره يوم السبت قلت هذا لا ينافي ترك محبته الخروج يوم الخميس فلعل خروجه يوم السبت كان لمانع من خروجه يوم الخميس ولئن سلمنا عدم المانع فنقول لعله كان يحب أيضا الخروج يوم السبت على ما روى بارك الله في سبتها وخميسها ولما لم يثبت عند البخاري إلا يوم الخميس خصه بالذكر فافهم فإنه من الدقائق
7492 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب رضي الله تعالى عنه وكان قائد كعب من بنيه قال سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ) الأنصاري السلمي المديني سمع جده كعبا وأباه وعمه عبد الله في توبة كعب وروى عنه الزهري في مواضع و ( عبد الله بن كعب ) بن مالك الأنصاري السلمي المديني سمع أباه عند الشيخين وابن عباس عند البخاري وكعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو السلمي المدني الشاعر صاحب النبي وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة 811 ) وذكر صاحب ( التلويح ) بعد ذكر هذا الحديث والحديثين اللذين بعده خرجه الستة وخرجه البخاري مطولا ومختصرا في عشرة مواضع
قوله وكان قائد كعب من بنيه أي وكان عبد الله بن كعب قائد أبيه كعب بن مالك حين عمي قوله من بنيه وهم عبد الله هذا وعبيد الله وعبد الرحمن وذكر البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث كلها راجعة إلى كعب ابن مالك كما تراه
8492 - وحدثني ( أحمد بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك ) قال سمعت ( كعب بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول كان رسول الله قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها

(14/216)


رسول الله في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريد
هذا طريق آخر لحديث كعب أخرجه عن أحمد بن محمد بن موسى الذي يقال له ابن السمسار مردويه المروزي عن عبد الله ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري وقال الدارقطني الرواية الأولى صواب وحديث يونس مرسل وقال الجياني كذا هذا الإسناد عن ابن مردويه عن ابن المبارك في ( الجامع ) و ( التاريخ الكبير ) وكذا رواه ابن السكن وأبو زيد ومشايخ أبي ذر الثلاثة ولم يلتفت الدارقطني إلى قول عبد الرحمن بن عبد الله سمعت كعبا لأنه عنده وهم قال أبو علي وقد رواه معمر عن الزهري على نحو ما رواه ابن مردويه من الإرسال قال ومما يشهد لقول أبي الحسن ما ذكره الذهلي في ( العلل ) سمع الزهري من عبد الرحمن بن كعب ومن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسمع من أبيه عبد الله بن كعب ولا أظن سمع عبد الرحمن بن عبد الله من جده شيئا وإنما روايته عن أبيه وعمه قال الجياني والغرض من هذا كله الاستدراك على البخاري حيث خرجه على الاتصال وهو مرسل وقال الكرماني لو كان بدل ابن كلمة عن لصح الاتصال يعني لو قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله عن كعب بن مالك لأن عبد الرحمن سمع من أبيه عبد الله وهو من كعب قال وكذا لو حذف عبد الله من البين قلت يحتمل أن يكون ذكر ابن موضع عن تصحيفا من بعض الرواة
قوله حتى كانت غزوة تبوك وكانت في سنة تسع من الهجرة في رجب منها قوله ومفازا المفازة المهلكة سميت بذلك تفاؤلا بالفوز والسلامة كما قالوا للديغ سليم وذكر ابن الأنباري عن ابن الأعرابي أنها مأخوذة من قولهم قد فوز الرجل إذا هلك وقيل لأن من قطعها فاز ونجا قوله فجلى للمسلمين أمره بالجيم أي أظهره ليتأهبوا لذلك وهو مخفف اللام يقال جليت الشيء إذا كشفته وبينته وأوضحته وفي ( التلويح ) ضبطه الدمياطي في حديث سعد في المغازي بالتشديد وهو خطأ
9492 - وعن ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبد الرحمان بن كعب بن مالك ) أن ( كعب بن مالك ) رضي الله عنه كان يقول لقلما كان رسول الله يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس
هذا موصول بالإسناد الأول عن عبد الله ابن المبارك عن يونس إلى آخره قوله لقلما اللام فيه للتأكيد وقل فعل ماض دخلت عليه كلمة ما معناه يكون خروجه في السفر قليلا في الأيام إلا يوم الخميس فإن أكثر خروجه في السفر فيه تقول قل رجل يفعل كذا إلا زيد معناه قليل من الناس يفعل هذا الفعل الأزيد
0592 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن النبي خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس
هذا طريق آخر عن عبد الله بن محمد المسندي عن هشام بن يوسف عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره
والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد أيضا عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن ( عبد الرحمن بن كعب بن مالك ) عن كعب بن مالك قال قلما كان رسول الله يخرج في سفر إلا يوم الخميس وأخرجه النسائي في السير عن سليمان بن داود عن ابن وهب عن يونس بن يزيد بإسناده قال قلما كان رسول الله يخرج في سفر جهاد وغيره إلا يوم الخميس
401 -
( باب الخروج بعد الظهر )
أي هذا باب في بيان الخروج في السفر بعد الظهر

(14/217)


1592 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال ( حدثناحماد ) عن ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جميعا
مطابقته للترجمة ظاهرة وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي والحديث مضى في كتاب الحج في باب رفع الصوت بالإهلال فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بعينه ومضى الكلام فيه هناك قوله يصرخون بفتح الراء وضمها أي يلبون برفع الصوت قوله بهما أي بالحج والعمرة
501 -
( باب الخروج آخر الشهر )
أي هذا باب في بيان جواز الخروج إلى السفر في آخر الشهر وأراد بهذه الترجمة الرد على من كره ذلك وقال ابن بطال إن أهل الجاهلية كانوا يتحرون أوائل الشهور للأعمال ويكرهون التصرف في محاق القمر قلت المحاق من الشهر ثلاثة أيام من آخره
وقال كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انطلق النبي من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة وقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة
هذا التعليق قطعة من حديث وصلها البخاري في كتاب الحج في باب
فإن قلت روى أصحاب السنن وابن حبان في ( صحيحه ) عن صخر الغامدي بالغين المعجمة عن النبي أنه قال بورك لأمتي في بكورها قلت هذا لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط وقال الكرماني قصد البخاري بهذا الحديث الرد على من كره ذلك عملا بقول المنجم وقد استشكل هذا الحديث وحديث عائشة أيضا الذي يأتي الآن فقيل إن كان سفره ذلك يوم السبت تبقى أربع من ذي القعدة لأن الخميس كان أول ذي الحجة كان أول ذي الحجة وإن كان يوم الخميس فالباقي ست ولم يكن خروجه يوم الجمعة لقول أنس صلى الظهر بالمدينة أربعا والجواب أن الخروج يوم الجمعة وقوله لخمس بقين أي في أذهانهم حالة الخروج بتقدير تمامه فاتفق إن كان الشهر ناقصا فأخبر بما كان في الأذهان يوم الخروج لأن الأصل التمام
2592 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان أنها ) سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها تقول خرجنا مع رسول الله لخمس ليال بقين من ذي القعدة ولا نري إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا فقال نحر رسول الله عن أزواجه
مطابقته للترجمة في قولها خرجنا مع رسول الله لخمس ليال بقين من ذي القعدة فإنها آخر الشهر وهذا الحديث مضى في كتاب الحج في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد إلى آخره نحوه قوله ولا نرى أي ولا نظن قوله فدخل علينا بضم الدال على صيغة المجهول قوله فقال نحر رسول الله ويروى قالوا وقد مضى الكلام فيه هناك
قال يحيى فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال أتتك والله بالحديث على وجهه

(14/218)


يحيى هم ابن سعيد الأنصاري المذكور في سند الحديث والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قوله أتتك أي عمرة بنت عبد الرحمن والله أعلم
601 -
( باب الخروج في رمضان )
أي هذا باب في بيان جواز الخروج في السفر في شهر رمضان وفيه رد على من يتوهك كراهة ذلك
3592 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثني ( الزهري ) عن ( عبيد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال خرج النبي في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله الذي يقال له ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود الهذلي والحديث مضى في كتاب الصوم في باب من صام أياما من رمضان ثم سافر فإنه أخرجه هناك عن عبد الله ابن يوسف عن مالك عن ابن شهاب وهو الزهري إلى آخره نحوه ومضى الكلام فيه هناك و الكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى موضع قريب من مكة على نحو مرحلتين منها
قال سفيان قال الزهري أخبرني عبيد الله عن ابن عباس وساق الحديث
أي قال سفيان بن عيينة قال محمد بن مسلم الزهري أخبرني عبيد الله وأشار بهذا إلى أن سفيان قال في الحديث المذكور حدثني الزهري عن عبيد الله فروى عن الزهري بالتحديث وروى الزهري بالعنعنة عن عبيد الله وهنا قال سفيان قال الزهري بلا تحديث ولا عنعنة وقال الزهري أخبرني عبيد الله فروى عنه بصيغة الإخبار
قال أبو عبد الله هذا قول الزهري وإنما يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله
هذا هكذا وقع في بعض النسخ وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار بهذا إلى أن مذهب الزهري لعله أن طرو السفر في رمضان لا يبيح الإفطار لأنه شهد الشهر في أوله كطروه في أثناء اليوم فقال البخاري يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله لأنه ناسخ للأول وقد أفطر عند الكديد
701 -
( باب التوديع )
أي هذا باب في بيان مشروعية التوديع عند السفر ولفظه بتناول توديع المسافر للمقيم ويتناول أيضا عكسه وحديث الباب يشهد للأول ويؤخذ الثاني منه بطريق الأولى بل هو الغالب في الوقوع
4592 - وقال ( ابن وهب ) أخبرني ( عمرو ) عن ( بكير ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أنه قال بعثنا رسول الله في بعث وقال لنا إن لقيتم فلانا وفلانا لرجلين من قريش سماهما فحرقوهما بالنار قال ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج فقال إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما
( الحديث 4592 - طرفه في 6103 )
مطابقته للترجمة في قوله ثم أتيناه نودعه وهو توديع المسافر للمقيم في ظاهر الحديث وقد مر الكلام فيه الآن وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمرو بفتح العين هو ابن الحارث المصري وبكير بضم الباء الموحدة تصغير بكر بن عبد الله بن الأشج وسليمان بن يسار ضد اليمين
وهذا الحديث أخرجه هنا معلقا وأخرجه أيضا في كتاب الجهاد بعد عدة أبواب مسندا وترجم بقوله باب لا يعذب بعذاب الله ثم قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن سليمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إلى آخره نحوه وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا عن قتيبة وزاد أبو داود ويزيد بن خالد عن الليث وأخرجه النسائي أيضا عن الحارث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث

(14/219)


وزاد النسائي وذكر آخر كلاهما عن بكير
قوله عن بكير عن سليمان وفي رواية أحمد من حديث هاشم بن القاسم عن الليث حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج وأوضح بنسبته وبالتحديث قوله عن أبي هريرة كذا وقع في جميع الطرق عن الليث ليس لين سليمان بن يسار وأبي هريرة أحد وكذا وقع عند النسائي ورواه محمد بن إسحاق في السيرة وأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلا وهو أبو إسحاق الدوسي وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في ( صحيحه ) من طريق ابن إسحاق وقال الترمذي وقد ذكر محمد بن إسحاق بين سليمان بن يسار وبين أبي هريرة رجلا في هذا الحديث وروى غير واحد مثل رواية الليث وحديث الليث بن سعد أشبه وأصح انتهى وسليمان بن يسار صح سماعه من أبي هريرة وهذا الرجل ذكره أبو أحمد الحاكم في ( الكنى ) فيمن تكنى بأبي إسحاق ولم يقف له على إسم ولم يذكر له راويا غير سليمان بن يسار وقال حديثه في أهل الحجاز وذكره صاحب ( الميزان ) في الكنى وقال أبو إسحاق الدوسي عن أبي هريرة مجهول وسماه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) إبراهيم في روايته هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سليمان عن أبي إسحاق بن يزيد بن حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج فذكره قوله في بعث أي في جيش وكان أمير هذا البعث حمزة بن عمرو الأسلمي رواه أبو داود من رواية محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن رسول الله أمره على سرية قال فخرجت فيها وقال إن وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت إليه فقال إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار وهذا كما رأيت ذكر فلانا بالإفراد وفي رواية البخاري وغيره فلانا وفلانا وهما هبار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب بنت رسول الله ما سبق وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم أطلقه النبي من المدينة شرط عليه أن يجهز إليه ابنته زينب فجهزها فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك وفي رواية سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح أن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله بشيء وهي في خدرها فأسقطت فبعث رسول الله سرية فقال إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ثم قال إني لأستحيى من الله لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله فكان إفراد هبار هنا بالذكر لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسماه ابن السكن في روايته من طريق إبن إسحاق نافع بن عبد قيس وكذا نص عليه ابن هشام في سيرته وحكى السهيلي عن ( مسند البزار ) أنه خالد بن عبد قيس قيل لعله تصحف عليه وإنما هو نافع كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار وكذلك أورده ابن بشكوال من ( مسند البزار ) وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك وأما هبار فهو بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة وفي آخره راء ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي قال أبو عمر ثم أسلم هبار بعد الفتح وحسن إسلامه وصحب النبي ذكر الزبير أنه لما أسلم وقدم مهاجرا جعلوا يسبونه فذكر ذلك لرسول الله فقال سب من سبك فانتهوا عنه قوله وإن النار لا يعذب بها إلا الله هو خبر بمعنى النهي ووقع في رواية ابن لهيعة وإنه لا ينبغي وفي رواية إبن إسحاق ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله وقال المهلب ليس نهيه عن التحريق بالنار على معنى التحريم وإنما هو على سبيل التواضع لله تعالى والدليل على أنه ليس بحرام سمل أعين الرعاة بالنار في مصلى المدينة بحضرة الصحابة وتحريق الخوارج بالنار وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون على أهلها بالنار وقول أكثرهم بتحريق المراكب وروى ابن شاهين من حديث صالح بن حبان عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي بعث رجلا إلى رجل كذب عليه
وفي امرأة واقعها فقال إن وجدته حيا فاقتله وإن وجدته ميتا فحرقه بالنار فوجده لدغ فمات فحرقه وفي الحديث أن نبيا من الأنبياء صلوات الله عليهم قرصته نملة فأمر بقرية النمل فأحرقت فقال الله له هلا نملة واحدة قال الحكيم في ( نوادر الأصول ) وهو إذن في إحراقها لأنه إذا جاز إحراق واحدة جاز في غيرها وقالوا لا حجة فيما ذكر للجواز لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو

(14/220)


ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان وقيل حديث الباب يرد هذا كله لأن ظاهر النهي فيه التحريم وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان ذلك بوحي أو باجتهاد منه وقال ابن العربي في هذا نسخ الحكم قبل العمل به ومنع منه المبتدعة والقدرية وقال الحازمي ذهبت طائفة إلى منع الإحراق في الحدود قالوا يقتل بالسيف وإليه ذهب أهل الكوفة النخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومن الحجازيين عطاء وذهبت طائفة في حق المرتد إلى مذهب علي رضي الله تعالى عنه وقالت طائفة من حرق يحرق وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق
وفي الحديث جواز الحكم احتهادا ثم الرجوع عنه واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الإلباس وفيه نسخ السنة بالسنة وهو بالاتفاق وفيه جواز نسخ الحكم قبل العلم به أو قبل التمكن من العمل به وفي الأخير خلاف علم في موضعه وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له أيضا
801 -
( باب السمع والطاعة للإمام )
أي هذا باب في بيان وجوب السمع والطاعة للإمام زاد الكشميهني في روايته ما لم يأمر بمعصية وهذا القيد مراد وإن لم يذكر ونص الحديث يدل عليه
5592 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي وحدثني محمد بن صباح قال حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
( الحديث 5592 - طرفه في 4417 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
وأخرجه من طريقين الأول عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن لخطاب عن نافع عن عبد الله بن عمر وأخرجه البخاري أيضا في الأحكام وأخرجه مسلم في المغازي عن زهير ابن حرب وأخرجه أبو داود في الجهاد عن مسدد به الطريق الثاني عن محمد بن صباح بتشديد الباء الموحدة عن إسماعيل ابن زكرياء الخلقاني عن عبيد الله إلى آخره
قوله السمع أي إجابة قول الأمير إذ طاعة أوامرهم واجبة ما لم يأمر بمعصية وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويأتي من حديث علي بلفظ لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف
وفي الباب عن عمران بن حصين أخرجه النسائي والحكم بن عمر وأخرجه الطبراني وابن مسعود وغيرهم وذكر عياض أجمع العلماء على وجوب طاعة الإمام في غير معصية وتحريمها في المعصية وقال ابن بطال احتج بهذا الخوارج فرأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم والذي عليه الجمهور أنه لا يجب القيام عليهم عند ظهور جورهم ولا خلعهم إلا بكفرهم بعد إيمانهم أو تركهم إقامة الصلوات وأما دون ذلك من الجور فلا يجوز الخروج عليهم إذا استوطن أمرهم وأمر الناس معهم لأن في ترك الخروج عليهم تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء وفي القيام عليهم تفرق الكلمة ولذلك لا يجوز القتال معهم لمن خرج عليهم عن ظلم ظهر منهم وقال ابن التين فأما ما يأمر به السلطان من العقوبات فهل يسع المأمور به أن يفعل ذلك من غير ثبت أو علم يكون عنده بوجوبها قال مالك إذا كان الإمام عدلا كعمر بن الخطاب أو عمر بن العزيز رضي الله تعالى عنهما لم تسمع مخالفته وإن لم يكن كذلك وثبت عنده الفعل جاز وقال أبو حنيفة وصاحباه ما أمر به الولاة من ذلك غيرهم يسعهم أن يفعلوه فيما كان ولايتهم إليه وفي رواية عن محمد لا يسع المأمور أن يفعله حتى يكون الآمر عدلا وحتى يشهد بذلك عنده عدل سواء إلا في الزنا فلا بد من ثلاثة سواء وروي نحو الأول عن الشعبي رحمه الله

(14/221)


901 -
( باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به )
أي هذا باب يذكر فيه أن الإمام جنة يقاتل من ورائه ويقاتل على صيغة المجهول والمراد به المقاتلة للدفع عن الإمام سواء كان ذلك من خلفه أو قدامه ولفظ وراء يطلق على المعنيين قوله ويتقي به أيضا على صيغة المجهول عطف على يقاتل أي يتقي بالإمام شر العدو وأهل الفساد والظلم وكيف لا وإنه يمنع المسلمين من أيدي الأعداء ويحمي بيضة الإسلام ويتقي منه الناس ويخافون سطوته
6592 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) أن ( الأعرج ) حدثه أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول نحن الآخرون السابقون وبهذا الإسناد من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه
( الحديث 7592 - طرفه في 7317 )
مطابقته للترجمة في قوله وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به وسند هذا الحديث بهؤلاء الرجال قد مر غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
وأخرج النسائي بعض الحديث الإمام جنة في البيعة وفي السير
قوله نحن الآخرون أي في الدنيا السابقون في الآخرة وهذه القطعة مرت في كتاب الوضوء في باب البول في الماء الدائم فإنه أخرجه هناك وقال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله يقول نحن الآخرون السابقون ثم قال وبإسناده قال لا يبولن الحديث قوله بهذا الإسناد أي الإسناد المذكور قال من أطاعني إلى آخره قال الخطابي كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة ولا يطيعون غير رؤساء قبائلهم فلما ولي في الإسلام الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة وإنما قال لهم هذا القول ليعلمهم أن طاعة الأمراء الذين كان يوليهم وجبت عليهم لطاعة رسول الله وليس هذا الأمر خاصا بمن باشره الشارع بتولية الإمام به كما نبه عليه القرطبي بل هو عام في كل أمير عدل للمسلمين ويلزم منه نقيض ذلك في المخالفة والمعصية قوله وإنما الإمام جنة بضم الجيم وتشديد النون أي سترة لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض والجنة الدرع وسمي المجن مجنا لأنه يستر به عند القتال والإمام كالساتر وقال الهروي معنى الإمام جنة أن يفي الإمام الزلل والسهو كما يقي الترس صاحبه من وقع السلاح وقال الخطابي يحتمل أن يكون أراد به جنة في القتال وفيما يكون منه في أمره دون غيره قوله يقاتل من ورائه على صيغة المجهول كما ذكرناه آنفاف أي يقاتل معه الكفار والبغاة وسائر أهل الفساد فإن لم يقاتل من ورائه وأتى عليه مرج أمر الناس وأكل القوي الضعيف وضعيت الحدود والفرائض وتطاول أهل الحرب إلى المسلمين قوله ويتقي به مجهول أيضا وأصله يوتقى به التاء مبدلة من الواو وبعد الإبدال تدغم التاء في التاء لأن أصله من الوقاية وقال المهلب معنى يتقي به يرجع إليه في الرأي والعقل وغير ذلك قوله وإن قال بغيره أي وأن أمر بغير تقوى الله وعدله والتعبير عن الأمر بالقول شائع وقيل معناه وإن فعل بغيره وقال بعضهم هذا ليس بظاهر فإنه قسيم قوله فإن أمر فيحمل على أن المراد وإن أمر قلت العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول قال بيده أي أخذ وقال برجله أي مشى وقال بالماء على يده أي قلب وقال يثوبه أي رفعه فإذا كان كذلك لا ينكر استعمال قال هنا بمعنى فعل وقال الخطابي قال هنا بمعنى حكم يقال قال الرجل واقتال إذا حكم ثم قيل إنه هنا مشتق من القيل بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وهو الملك الذي ينفذ حكمه وهذا في لغة حمير قوله فإن عليه منه أي فإن الوبال الحاصل عليه لا على المأمور قال الكرماني ويحتمل أن يكون بعضه عليه قلت هذا على تقدير أن تكون من للتبعيض والظاهر أن المأمور أيضا لا يخلو عن

(14/222)


التبعة على ما حكي أن الحسن البصري وعامر الشعبي حضرا مجلس عمر بن هبيرة فقال لهما إن أمير المؤمنين يكتب إلي في أمور فما تريان فقال الشعبي أصلح الله الأمير أنت مأمور والتبعة على آمرك فقال الحسن إذا خرجت من سعة قصرك إلى ضيق قبرك فإن الله تعالى ينجيك من الأمير ولا ينجيك الأمير من الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال
011 -
( باب البيعة في الحرب أن لا يفروا )
أي هذا باب في بيان البيعة في الحرب على أن لا يفروا أو في بعض النسخ لفظة على موجودة وكلمة أن مصدرية تقديره بأن لا يفروا أي بعدم الفرار
وقال بعضهم على الموت
أي البيعة في الحرب على الموت وقال بعضهم كأنه أشار إلى أن لا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين قلت عدم التنافي بينهما ليس من هذا الوجه بل المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا وليس المراد أن يقع الموت ولا بد
لقول الله تعالى لقد رضي الله على المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( الفتح 81 )
هذا تعليل لقوله وقال بعضهم على الموت وجه الاستدلال به أن لفظ يبايعونك مطلق يتناول البيعة على أن لا يفروا وعلى الموت ولكن المراد البيعة على الموت بدليل أن سلمة بن الأكوع وهو ممن بايع تحت الشجرة أخبر أنه بايع على الموت وأراد بالمؤمنين هم الذين ذكرهم الله في قوله إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( الفتح 01 ) الآية وقيل هذا عام في كل من بايع رسول الله والشجرة كانت سمرة وقيل سدرة وروي أنها عميت عليهم من قابل فلم يدروا أين ذهبت وكان هذا في غزوة الحديبية سنة ست في ذي القعدة بلا خلاف وسميت هذه البيعة بيعة الرضوان
8592 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جويرية عن نافع قال قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رجعنا من العام المقبل فما اجتم منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله فسألت نافعا على أي شيء بايعهم على الموت قال لا بل بايعهم على الصبر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بل بايعهم على الصبر فإن المبايعة على الصبر هو عدم الفرار في الحرب و ( موسى بن إسماعيل ) المنقري التبوذكي و ( جويرية ) تصغير جارية ابن أسماء الضبعي البصري وهذا الحديث من أفراده
قوله من العام المقبل أي الذي بعد صلح الحديبية قوله فما اجتمع منا إثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها أي ما وافق منا رجلان على هذه الشجرة أنها هي التي بايعنا تحتها بل خفي مكانها وقيل أشبهت عليهم قوله كانت رحمة أي كانت هذه الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه قال تعالى لقد رضي الله عنها المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( الفتح 81 ) وقال النووي سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الأعراب والجهال إياها وعبادتهم إياها وكان خفاؤها رحمة من الله تعالى قوله فسألت ( نافع ) ا السائل هو جويرية الراوي قوله على الموت أي أعلى الموت وهمزة الاستفهام مقدرة فيه قوله قال لا أي قال نافع لم يكن مبايعتهم على الموت بل كانت على الصبر واعترض الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند وقال بعضهم وأجيب بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه من مولاه ( ابن عمر ) فيكون مسندا بهذه الطريقة وفيه نظر لا يخفى
9592 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباد بن تميم ) عن ( عبد الله بن زيد ) رضي الله تعالى عنه قال لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال له إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت فقال لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله
( الحديث 9592 - طرفه في 7614 )

(14/223)


مطابقته للترجمة يمكن أن تكون لقوله وقال بعضهم على الموت لأنه من الترجمة والمفهوم من كلام عبد الله بن زيد أنه بايع على الموت ووهيب بالتصغير هو ابن خالد وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني الأنصاري المدني وعباد بتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد بن عاصم الأنصاري يروي عن عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني المدني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إساعيل عن أخيه أبي بكر وأخرجه مسلم في المغازي عن إسحاق ابن إبراهيم
قوله ولما كان زمن الحرة وهي الواقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين ووقعة الحرة حرة زهرة قاله السهيلي وقال الواقدي وأبو عبيد وآخرون هي حرة وأقم أطم شرقي المدينة و الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي في الأصل كل أرض كانت ذات حجارة سود محرقة والحرار في بلاد العرب كثيرة وأشهرها ثلاثة وعشرون حرة قاله ياقوت وسبب وقعة الحرة أن عبد الله بن حنظلة وغيره من أهل المدينة وفدوا إلى يزيد فرأوا منه ما لا يصلح فرجعوا إلى المدينة فخلعوه وبايعوا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرسل إليهم يزيد مسلم بن عقبة الذي قيل فيه مسرف بن عقبة فأوقع بأهل المدينة وقعة عظيمة قتل من وجوه الناس ألفا وسبعمائة ومن أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان قوله إن ابن حنظلة وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيل الملائكة وذلك أن حنظلة قتل شهيدا يوم أحد قتله أبو سفيان بن حرب وقال حنظلة بحنظلة يعني بأبيه حنظلة المقتول ببدر وأخبر رسول الله بأن الملائكة غسلته وكان النبي قال لامرأة حنظلة ما كان شأنه قالت كان جنبا وغسلت إحدى شقي رأسه فلما سمع لهيعة خرج فقتل فقال رسول الله رأيت الملائكة تغسله وعلقت امرأته تلك الليلة بابنة عبد الله بن حنظلة ومات النبي وله سبع سنين وقد حفظ عنه وقال الكرماني ابن حنظلة هو الذي كان يأخذ ليزيد واسمه عبد الله أو المراد به نفس يزيد لأن جده أبا سفيان كان يكنى أيضا بأبي حنظلة لكن على هذا التقدير يكون لفظ الأب محذوفا بين الأب وحنظلة تخفيفا كما أنه محذوف معنى لأنه نسبة إلى الجد أو جعله منسوبا إلى العم استخفافا واستهجانا واستبشاعا لهذه الكلمة المرة انتهى قلت الكرماني خبط ههنا خبط عشواء وتعسف في هذا الكلام من غير أصل والصواب ما ذكرناه قوله لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله فيه إشارة إلى أنه بايع رسول الله على الموت ولكنه ليس بصريح فلذلك ذكر البخاري عقيبه حديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بأنه بايعه على الموت
0692 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال حدثنا ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) رضي الله تعالى عنه قال بايعت النبي ثم عدلت إلى ظل الشجرة فلما خف الناس قال يا ابن الأكوع ألا تبايع قال قلت قد بايعت يا رسول الله قال وأيضا فبايعته الثانية فقلت له يا أبا مسلم على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ قال على الموت
مطابقته للترجمة في قوله وقال بعضهم على الموت المكي بتشديد الياء آخر الحروف هو اسمه وليس بنسبة ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع والأكوع اسمه سنان بن عبد الله
وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري الحادي عشر وأخرجه أيضا في المغازي عن قتيبة وفي الأحكام عن القعنبي وأخرجه مسلم في المغازي عن قتيبة به وعن إسحاق إبن إبراهيم وأخرجه الترمذي والنسائي في السير جميعا عن قتيبة
قوله قال يا ابن الأكوع أي قال النبي يا ابن الأكوع ألا تبايع إنما قال ذلك مع أنه بايع مع الناس لأنه أراد به تأكيد بيعته لشجاعته وشهرته بالثبات فلذلك أمره بتكرير المبايعة وقال أيضا أي بايع أيضا فبايعه مرة أخرى وهو معنى قوله فبايعته الثانية أي المرة الثانية قوله فقلت له يا با مسلم القائل هو يزيد بن أبي عبد الراوي عنه وأبو مسلم كنية سلمة بن الأكوع قوله على الموت قد ذكرنا أن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا وليس المراد أن يقع الموت ألبتة والدليل عليه ما رواه الترمذي عن جابر بن

(14/224)


عبد الله في قوله تعالى لقد رضي الله عنها المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( الفتح 81 ) قال جابر بايعنا رسول الله على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت وسيأتي عن عبادة رضي الله تعالى عنه بايعنا رسول الله على السمع والطاعة وروي من حديث معقل بن يسار قال لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة ومائة وقال لم نبايعه على الموت
3692 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) سمع ( محمد بن فضيل ) عن ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) عن ( مجاشع ) رضي الله تعالى عنه قال أتيت النبي أنا وأخي فقلت بايعنا على الهجرة فقال مضت الهجرة لأهلها فقلت علام تبايعنا قال على الإسلام والجهاد
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله والجهاد لأن مبايعتهم على الجهاد لم تكن إلا على أن لا يفروا وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ومحمد بن فضيل بضم الفاء مصغر فضل ابن غزوان أبو عبد الرحمن الضبي مولاهم الكوفي وعاصم هو ابن سليمان الأحول وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون البصري وقد مر غير مرة ومجاشع بضم الميم وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة وفي آخره عين مهملة ابن مسعود السلمي بضم السين وفي بعض النسخ أبوه مسعود مذكور ومجاشع هذا قتل يوم الجمل وكان له فرس يسابق عليها وقد أخذ في غاية واحدة خمسين ألف دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عمرو بن خالد وعن محمد بن أبي بكر وفي الجهاد أيضا عن إبراهيم بن موسى وأخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن الصباح وعن سويد بن سعيد وعن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله وأخي أخوه اسمه مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم ابن مسعود السلمي قال أبو عمر له صحبة ولا أعلم له رواية كان إسلامه بعد إسلام أخيه بعد الفتح ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن مجالد بن مسعود قتل يوم الجمل وأنه روي عنه أبو عثمان النهدي وقال أبو عمر لم يقل في مجاشع أنه قتل يوم الحمل قولهم ولا شك أنه قتل يوم الجمل ولا تبعد رواية أبي عثمان عنهما كذا قال في ( الاستيعاب ) قوله بايعنا بكسر الياء أمر من بايع يخاطب به مجاشع النبي فأجابه النبي بقوله مضت الهجرة لأهلها وهم الذين هاجروا قبل الفتح وحديث مجاشع كان بعد الفتح وكان النبي قد قال لا هجرة بعد الفتح إنما هو جهاد ونية فكان من بايع قبل الفتح لزمه الجهاد أبدا ما عاش إلا لعذر يجوز له التخلف وأما من أسلم بعد الفتح فله أن يجاهد وله أن يتخلف بنية صالحة كما قال جهاد ونية إلا أن ينزل عدو أو ضرورة فيلزم الجهاد كل أحد قوله فقلت علام تبايعنا أي على أي شيء تبايعنا وأصله على ما لأن ما الاستفهامية جرت فيجب حذف الألف عنها وإبقاء الفتحة دليلا عليها نحو فيم وإلام وعلام وعلة حذف الألف الفرق بين الاستفهام والخبر وأما قراءة عكرمة وعيسى عما يتساءلون ( النبأ 1 ) فنادر وقال ابن التين كان من هاجر إلى رسول الله قبل الفتح من غير أهل مكة وبايعه على المقام بالمدينة كان عليه المقام بها حياته ومن لم يشترط المقام من غير أهل مكة بايع ورجع إلى موضعه كفعل عمر بن

(14/225)


حريب ووفد عبد القيس وغيرهم وكانت الهجرة فرضا على أهل مكة إلى الفتح ثم زالت الهجرة التي توجب المقام مع رسول الله إلى وفاته ثم يرجع المهاجر كما فعل صفوان قوله قال على الإسلام أي قال النبي أبايعكم على الإسلام والجهاد إذا احتيج إليه والله أعلم
111 -
( باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون )
أي هذا باب في بيان أن عزم الإمام على الناس إنما يكون فيما يطيقونه يعني وجوب طاعة الإمام إنما يكون عند الطاقة والعزم هو الأمر الجازم الذي لا تردد فيه
4692 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) قال قال ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه فقال أرأيت رجلا مؤديا نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها فقلت له والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا مع النبي فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشناه منه وأوشك أن لا تجدوه والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه وبقي كدره
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في أشياء لا نحصيها أي لا نطيقها من قوله تعالى علم أن لن تحصوه ( المزمل 02 ) وقال الداودي ويحتمل أن يريد لا ندري هل هو طاعة أم معصية قلت المعنى الأول هو الأوجه لأن المطابقة للترجمة لا تحصل إلا به ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ورجال هذا الإسناد كلهم كوفيون
قوله رجل فاعل أتاني ولم يدر اسمه قوله ما أرد عليه جملة في محل نصب على أنها مفعول قوله ما دريت قوله أرأيت أي أخبرني قوله مؤديا بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الدال يعني ذا أداة للحرب كاملة ولا يجوز حذف الهمزة منه حتى لا يتوهم أنه من أودى إذا هلك وقال الكرماني معناه قويا متمكنا وكذا فسره الداودي والأول أظهر قوله نشيطا بفتح النون وكسر الشين المعجمة من النشاط وهو الأمر الذي تنشط له وتخف إليه وتؤثر فعله قوله لا نحصيها قد مر تفسيره قوله يخرج قال بعضهم كذا في الرواية بالنون قلت مجرد الدعوى أن الرواية بالنون لا يسمع بل يحتاج ذلك إلى البرهان بل الظاهر أنه بالياء آخر الحروف والضمير الذي فيه يعود إلى قوله رجل وأيضا فإن في رواية النون قلقا في التركيب على ما لا يخفى فإن قلت إذا كان يخرج الياء كان مقتضى الكلام أن يقول مع أمرائه بلفظ الغائب ليوافق رجلا قلت هذا من باب الالتفات وهو نوع من أنواع البديع وقال الكرماني معنى رجلا أن أحدنا يخرج مع أمرائنا والذي قلت هو الأوجه فلا حاجة إلى هذا التعسف قوله فيعزم علينا أي الأمير يشدد علينا في أشياء لا نطيقها وقال الكرماني فيعزم إن كان بلفظ المجهول فهو ظاهر يعني لا يحتاج إلى تقدير الفاعل ظاهرا هذا إن كان جاءت به رواية قوله حتى نفعله غاية لقوله لا يعزم أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة وحاصل السؤال أن قوله أرأيت بمعنى أخبرني كما ذكرنا وفيه نوعان من التصرف إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار وإطلاق الاستفهام وإرادة الأمر فكأنه قال أخبرني عن حكم هذا الرجل يجب عليه مطاوعة الأمير أم لا فجوابه وجوب المطاوعة ويعلم ذلك من الاستثناء إذ لولا صحته لما أوجبه الرسول عليهم ويحتمل عزمه تلك المرة على ضرورة كانت باعثة له عليه قوله وإذا شك في نفسه شيء هو من باب القلب وأصله شك نفسه في شيء أو شك بمعنى لصق وقوله شيء أي مما تردد فيه أنه جائز أو غير جائز قوله فشفاه منه أي أزال مرض التردد فيه وأجاب له بالحق قوله وأوشك أي كاد أن لا يجدوا في الدنيا أحدا يفتي بالحق ويشفي القلوب عن الشبه

(14/226)


والشكوك قوله ما غبر بالغين المعجمة أي ما بقي والغبور من الأضداد البقاء والمضي وقال قوم الماضي غابر والباقي غبر وهو هنا يحتمل الأمرين وقال ابن الجوزي هو بالماضي هنا أشبه لقوله ما أذكر قوله إلا كالثغب بفتح الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة ويجوز فتحها وهو الماء المستنقع في الموضع المطمئن والجمع ثغاب شبه بقاء الدنيا بباقي غدير ذهب صفوه وبقي كدره وإذا كان هذا في زمن ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك ثم بعد ذلك وهلم جرا قال القزاز ثغب وثغب والفتح أكثر من الإسكان وفي ( المنتهى ) بالتحريك أفصح وهو موضع الماء وقيل الغدير الذي يكون في غلظ من الأرض أو في ظل جبل لا يصيبه حر الشمس فيبرد ماؤه يريد عبد الله ما ذهب من خير الدنيا وبقي من شر أهلها والجمع ثغبان وثغبان مثل حمل وحملان ومن سكن قال ثغاب وفي ( المحكم ) الثغب بقية الماء العذب في الأرض وقيل هو أخدود يحتفره المائل من عل فإذا انحطت حفرت أمثال القبور والديار فيمضي السيل عنها ويغادر الماء فيها فتصفقه الريح فليس شيء أصغى منه ولا أبرد فسمي الماء بذلك المكان وقيل كل غدير ثغب والجمع أثغاب وقال المهلب هذا الحديث يدل على شدة لزوم الناس طاعة الإمام ومن يستعمله
211 -
( باب كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس )
أي هذا باب يذكر فيه كان النبي إلى آخره والحكمة فيه أن الشمس إذا زالت تهب رياح النصر ويتمكن من القتال بوقت الإبراد وهبوب الرياح لأن الحرب كلما استحرت وحمي المقاتلون بحركتهم فيها وما حملوه من سلاحهم هبت أرواح العشي فبردت من حرهم ونشطتهم وخففت أجسامهم بخلاف اشتداد الحر وقد روى الترمذي من حديث النعمان بن مقرن قال غزوت مع النبي فكان إذا طلع الفجر إمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس قاتل حتى العصر ثم يمسك حتى يصلي العصر ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم وروى أحمد في ( مسنده ) من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال كان النبي يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس وروى الطبراني من حديث عتبة بن غزوان السلمي قال كنا نشهد مع رسول الله القتال فإذا زالت الشمس قال لنا إحملوا فحملنا وروى أيضا من حديث ابن عباس أن رسول الله كان إذا لم يلق العدو أول النهار أخر حتى تهب الرياح ويكون عند مواقيت الصلاة
5692 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم أبي النضر ) مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبا له قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما فقرأته أن رسول الله في بعض أيامه التي لقي فيها انتظر حتى مالت الشمس ثم قال في الناس قال أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال أللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم
مطابقته للترجمة في قوله انتظر حتى مالت الشمس أي حتى زالت وعبد الله بن محمد المسندي ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وموسى بن عقبة إلى آخره وهذا السند بعين هؤلاء الرجال قد مر في الجهاد في باب الصبر عند القتال مع بعض الحديث ومضى أيضا كذلك في باب الجنة تحت بارقة السيوف واقتصر فيه على قوله واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف وقد مر الكلام فيه هناك
قوله منزل الكتاب أي يا منزل القرآن وقد وقع السجع اتفاقا من غير قصد

(14/227)


311 -
( باب استئذان الرجل الإمام )
أي هذا باب في بيان حكم استيذان الرجل من الرعية أي طلبه الإذن من الإمام في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك
لقوله عز و جل إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك ( النور 26 ) إلى آخر الآية
هذه الآية الكريمة في سورة النور وتمامها أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ( النور 26 ) والاحتجاج بها في قوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( النور 26 ) ووجه ذلك أن الله تعالى جعل ترك ذهابهم عن مجلس رسول الله حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله وجعلهما كالتسبب له والبساط لذكره وذلك مع تصدير الجملة بإنما وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ( النور 26 ) والمراد بالأمر الجامع الطاعة يجتمعون عليه نحو الجمعة والنحر والفطر والجهاد وأشباه ذلك قوله لم يذهبوا حتى يستأذنواه ( النور 26 ) قال المفسرون كان النبي إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يستأذن أي يقوم فيراه فيعرف أن له حاجة فيأذن له قال مجاهد وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده ولم يأمره الله تعالى بالإذن لكلهم بل قال فاذن لمن شئت ( النور 26 ) قال مقاتل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه استأذن في الرجوع إلى أهله في غزوة تبوك فأذن له وقال انطلق ما أنت بمنافق يريد بذلك تسميع المنافقين وقال المهلب هذه الآية أصل أن لا يبرح أحد من السلطان إذا جمع الناس لأمر من أمور المسلمين يحتاج فيه إلى اجتماعهم إلا بإذنه فإن رأى أن يأذن له أذن وإلا لم يأذن له
7692 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( جرير ) عن ( المغيرة ) عن ( الشعبي ) عن ( جابر ابن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال غزوت مع رسول الله قال فتلاحق بي النبي وأنا على ناضح لنا قد أعيا فلا يكاد يسير فقال لي ما لبعيرك قال قلت عيي قال فتخلف رسول الله فزجره ودعا له فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير فقال لي كيف ترى بعيرك قال قلت بخير قد أصابته بركتك قال أفتبيعنيه قال فاستحييت ولم يكن لنا ناضح غيره قال فقلت نعم قال فبعنيه فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة قال فقلت يا رسول الله أني عروس فاستأذنته فأذن لي فتقدمت الناس إلى المدينة حتى أتيت المدينة فلقيني خالي فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت فيه فلامني قال وقد كان رسول الله قال لي حين استأذنته هل تزوجت بكرا أم ثيبا فقلت تزوجت ثيبا فقال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك قلت يا رسول الله توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن قال فلما قدم رسول الله المدينة غدوت عليه بالبعير فأعطاني ثمنه ورده علي
مطابقته للترجمة في قوله إني عروس فاستأذنته فأذن لي وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وجرير

(14/228)


هو بن عبد الحميد والمغيرة هو مقسم الضبي أحد فقهاء الكوفة والشعبي هو عامر
والحديث قد مر مطولا ومختصرا في الاستقراض وفي الشروط ومضى الكلام فيه مستقصى
قوله ناضح أي بعير يستقى عليه الماء قوله أعيى أي تعب وعجز وكذلك عيى كلاهما بمعنى قوله فقار ظهره بكسر الفاء وهي خرزات عظام الظهر أي على أن لي الركوب عليه إلى المدينة قوله عروس يستوي فيه الرجل والمرأة قوله لامني أي على بيع الناضح إذ لم يكن له غيره قوله ورده أي الجمل فحصل له الثمن والمثمن كلاهما
قال المغيرة هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا
المغيرة هو المذكور في إسناد الحديث وظاهره تعليق قال بعضهم هو موصول بالإسناد المذكور إلى المغيرة وفيه نظر لا يخفى قوله هذا أي البيع بمثل هذا الشرط حسن في حكمنا به لا بأس بمثله لأنه أمر معلوم لا خداع فيه ولا موجب للنزاع وقال الداودي مراده جواز زيادة الغريم على حقه تأسيا برسول الله ورد عليه ابن التين بأنه لم يذكر فيه أنه قضاه وزاده
411 -
( باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه )
أي هذا باب في ذكر من غزا والحال أنه حديث عهد بعرسه بكسر العين أي بزوجته ويجوز ضم العين أي بزمان عرسه وفي رواية الكشميهني بعرس بلا ضمير
فيه جابر عن النبي
أي في هذا الباب حديث جابر وأراد به الحديث المذكور فيما قبله واكتفى بذكر هذا المقدار لتكرر هذا الحديث
511 -
( باب من اختار الغزو بعد البناء )
أي هذا باب في بيان أمر من اختار الغزو بعد بنائه بزوجته أي بعد دخوله عليها كيف يكون حكمه هل يمنع كما دل عليه حديث أبي هريرة أو لا يمنع والحديث يدل على الأولوية ويأتي حديث أبي هريرة الآن واعترض الداودي على هذه الترجمة فقال لو قال باب من اختار البناء قبل الغزو وكان أبين فإنما الحديث فيه أي في حديث أبي هريرة أنه اختار البناء قبل الغزو ورد عليه أن الترجمة متضمنة معنى الاستفهام كما ذكرناه وفيه يظهر الرد عليه أنه اختار البناء قبل الغزو وسنذكر في النكاح باب من أحب البناء بعد الغزو
فيه أبو هريرة عن النبي
أي في هذا الباب المترجم حديث أبي هريرة وهو الذي أورده في الخمس من طريق همام عنه قال غزا نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها وقال الكرماني إنما لم يذكر الحديث واكتفى بالإشارة إليه لأنه لعله لم يكن بشرطه فأراد التنبيه عليه ورد عليه بأنه لم يستحضر أنه أورده موصولا في مكان آخر على ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا
611 -
( باب مبادرة الإمام عند الفزع )
أي هذا باب في بيان ما جاء من مبادرة الإمام أي مسارعته بالركوب عند وقوع الفزع والفزع في الأصل الخوف فوضع موضع الإغاثة والنصر لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذر قال ابن الأثير ومنه حديث لقد فزع أهل المدينة ليلا فركب فرسا لأبي طلحة إن استغاثوا يقال فزعت إليه فأفزعني أي استغثت إليه فأغاثني وأفزعته إذا أغثته وإذا خوفته

(14/229)


8692 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيء ) عن ( شعبة ) قال حدثني ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان بالمدينة فزع فركب رسول الله فرسا لأبي طلحة فقال ما رأينا من شيء وإن وجدناخ لبحرا
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ويحيى هو ابن سعيد القطان وقد مضى هذا الحديث مرارا في الهبة وفي الجهاد فيما مضى في موضعين وسيأتي في الأدب عن مسدد عن يحيى أيضا قوله فرسا لأبي طلحة اسم الفرس مندوب واسم أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما قوله من شيء أي مما يوجب الفزع قوله وإن وجدناه أي الفرس وكلمة إن مخففة من المثقلة واللام في لبحرا للتأكيد
711 -
( باب السرعة والركض في الفزع )
أي هذا باب في بيان ما جاء من سرعة الإمام والمبادرة إلى الركوب عند وقوع الفزع
9692 - حدثنا ( الفضل بن سهل ) قال حدثنا ( حسين بن محمد ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( محمد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال فزع الناس فركب رسول الله فرسا لأبي طلحة بطيئا ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه فقال لم تراعوا إنه لبحر فما سبق بعد ذلك اليوم
هذا وجه آخر في حديث أنس المذكور أخرجه عن الفضل بن سهل الأعرج البغدادي عن حسين بن محمد بن محمد بن بهرام التميمي المعلم عن جرير بفتح الجيم ابن حازم بالحاء المهملة ابن زيد بن النضر الأزدي البصري عن محمد بن سيرين عن أنس رضي الله تعالى عنه قوله ثم خرج أي من المدينة قوله يركض حال قوله وحده أي بدون رفيق قوله لم تراعوا أي لا تراعوا و لم بمعنى لا قوله إنه أي إن الفرس المذكور لبحر شبهه بالبحر في سرعة الجري قوله قال أي قال أنس فما سبق هذا الفرس وهو على صيغة المجهول
811 -
( باب الخروج في الفزع وحده )
أي هذا باب فيما جاء من خروج الإمام في وقوع الفزع وحده منفردا ثبتت هذه الترجمة بغير حديث قال الكرماني فإن قلت ما فائدة هذه الترجمة حيث لم يأت فيها حديث ولا أثر قلت الإشعار بأنه لم يثبت فيه بشرطه شيء أو ترجم ليلحق به حديثا فلم يتفق له أو اكتفى بالحديث الذي قبله وقال بعضهم قال الكرماني ويحتمل أن يكون اكتفى بالإشارة إلى الحديث الذي قبله وفيه بعد قلت سبحان الله الكرماني ذكر ثلاثة أوجه كما ذكرناها الآن فلم عين الوجه الثالث بقوله وفيه بعد لأجل الطعن فيه وهلا ذكر الوجه الثاني مع أنه ذكره بتغيير عبارته وقال ابن بطال جملة ما في هذه التراجم أن الإمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين إلا أن يكون من أهل الغنى الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك وكان في النبي من ذلك ما ليس في غيره مع ما علم أن الله تعالى يعصمه وينصره
911 -
( باب الجعائل والحملان في السبيل )
أي هذا باب في بيان حكم الجعائل وهو جمع جعيلة أو جعالة بالفتح والجعل بالضم الاسم وبالفتح المصدر يقال جعلت لك جعلا وجعلا وهو الأجرة على الشيء فعلا أو قولا قوله والحملان بضم الحاء الحمل وقال ابن الأثير الحملان مصدر كالحمل يقال حمل يحمل حملانا قوله في السبيل أي في سبيل الله وهو الجهاد

(14/230)


وقال مجاهد قلت لابن عمر الغزو قال إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي قلت أوسع الله علي قال إن غناك لك وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه
هذا التعليق وصله البخاري في المغازي في غزوة الفتح بمعناه قوله الغزو بالنصب تقديره قال مجاهد لعبد الله بن عمر أريد الغزو حاصله أراد المجاهد أن يكون مجاهدا في سبيل الله وقال بعضهم هو بالنصب على الإغراء والتقدير عليك الغزو قلت هذا لا يستقيم ولا يصح معناه لأن مجاهدا يخبر عن نفسه أنه يريد أن يغزو بدليل قول ابن عمر له إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي وليس معناه أن يقول لابن عمر عليك الغزو وفي رواية الكشميهني أنغزو بالنون على الاستفهام قوله قلت أي قال المجاهد وسع الله علي وأراد به أن عنده ما يكفيه للجهاد وليس له حاجة إلى ذلك وقول ابن عمر إن غناك لك إلى آخره يدل على أن الرجل إذا أخرج من ماله شيئا يتطوع به في سبيل الله فلا بأس به وكذلك إذا أعان الغازي بفرس يغزو عليه ونحو ذلك وهذا لا خلاف فيه
وإنما الاختلاف فيما إذا آجر نفسه أو فرسه في الغزو فقال مالك يكره ذلك وقالت الحنفية يكره في ذلك الجعائل إلا إذا كان بالمسلمين ضعف وليس في بيت المال شيء فعند ذلك إن أعان بعضهم بعضا لا يكره وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو بجعل يأخذه وأرده إن غزا به وإنما أجيزه من السلطان دون غيره لأنه يغزو بشيء من حقه واحتج فيه بأن الجهاد فرض على الكفاية فمن فعله وقع عن فرضه فلا يجوز أن يستحق على غيره عوضا
وقال عمر إن ناسا يأخذون من هاذا المال ليجاهدوا ثم لا يجاهدون فمن فعله فنحن أحق بماله حتى نأخذ منه ما أخذ
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق سليمان الشيباني عن عمرو بن أبي قرة قال جاءنا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن ناسا فذكر مثله وأخرجه البخاري أيضا في ( تاريخه ) وقول عمر يدل على أن كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل فإذا أهمل العمل يؤخذ منه ما أخذه قبل وكذلك الأخذ منه على عمل لا يتأهل له ولا يلتفت إلى تخيل أن الأصل من مال بيت المال الإباحة للمسلمين قلت يؤخذ من ذلك أن كل من يتولى وظيفة دينية وهو ليس بأهل لذلك يؤخذ منه ما يأخذه من مال تلك الوظيفة التي عين لإقامتها
وقال طاوس ومجاهد إذا دفع إليك شيء تخرج به في سبيل الله فاصنع به ما شئت وضعه عند أهلك
هذا يدل على أن طاووسا ومجاهدا لا يكرهان أخذ شيء في الغزو قوله دفع على صيغة المجهول قوله ما شئت أي مما يتعلق بسبيل الله حتى الوضع عند الأهل فإنه أيضا من متعلقاته وكان سعيد بن المسيب يقول إذا أعطى الإنسان شيئاف في الغزو إذا بلغت رأس مغزاك فهو لك
0792 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( مالك بن أنس سأل زيد ابن أسلم ) فقال ( زيد ) سمعت أبي يقول قال ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه حملت على فرس في سبيل الله فرأيته يباع فسألت النبي آشتريه فقال لا تشتره ولا تعد في صدقتك

(14/231)


مطابقته للترجمة من حيث إن الفرس الذي حمله عمر رضي الله تعالى عنه في سبيل الله أنه كان حملانا ولم يكن حبيسا إذ لو كان حبيسا لم يكن يجوز بيعه وقوله أيضا لا تعد في صدقتك يدل على أنه لم يكن حبيسا وإنما كان حملانا والحميدي بضم الحاء المهملة عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله ونسبته إلى حميد أحد أجداده وقد تكرر ذكره وسفيان هو ابن عيينة وزيد بن أسلم يروي عن أبيه أسلم مولى عمر بن الخطاب العدوي والحديث مضى في الزكاة وفي الهبة ومضى الكلام فيه
1792 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله فقال لا تبتعه ولا تعد في صدقتك
هذا مثل الحديث الذي قبله غير أن الرواة مختلفة والكلام فيه مضى قوله يباع على صيغة المجهول في محل النصب على أنه المفعول الثاني قوله أن يبتاعه أي أراد أن يشتريه قوله لا تبتعه أي لا تشتره
2792 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( يحيى بن سعيد الأنصاري ) قال حدثنا ( أبو صالح ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ولاكن لا أجد حمولة ولا أجد ما أحملهم عليه ويشق علي أن يتخلفوا عني ولوددت أني قاتلت في سبيل الله فقتلت ثم أحييت ثم قتلت ثم أحييت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولا أجد ما أحملهم عليه ويحيى بن سعيد الأول هو القطان وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث تقدم في أوائل الجهاد في باب تمني الشهادة والحمولة التي يحمل عليها قوله فقتلت إلى آخره كله على صيغ المجهول
121 -
( باب ما قيل في لواء النبي )
أي هذا باب في بيان ما قيل في لواء النبي اللواء بكسر اللام وبالمد قال ابن العربي اللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى معه وبذلك سمي لواء والراية ثوب يجعل في طرف الرمح ويخلى بهيئته تصفقه الريح ويقال اللواء علم الجيش قيل هو دون الراية وقيل اللواء علامة كبكبة الأمير يدور معه حيث دار والراية هي التي يتولاها صاحب الحرب وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير كما مر وفرق الترمذي بين اللواء والراية حيث ترجم أولا وقال باب الألوية ثم روى من حديث جابر أن النبي دخل مكة ولواؤه أبيض ثم ترجم ثانيا وقال باب في الرايات ثم روى من حديث البراء فقال حين سئل عن راية رسول الله كانت سوداء مربعة من نمرة وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا وروى أبو يعلى في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كانت راية رسول الله سوداء ولواؤه أبيض وروى الشيخ بن حيان من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان لواء رسول الله أبيض وروى أبو داود من رواية سماك بن حرب عن رجل من قومه عن آخر منهم قال رأيت راية رسول الله صفراء وروى ابن عدي من حديث ابن عباس قال كانت راية رسول الله سوداء ولواؤه أبيض مكتوب به لا إلاه إلا الله محمد رسول الله وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث جابر أن راية رسول الله كانت سوداء وروى ابن أبي عاصم في ( كتاب الجهاد ) من حديث كرز بن أسامة عن النبي أنه عقد راية بني سليم حمراء وروى أيضا من حديث مزيدة يقول كنت جالسا عند رسول الله فعقد راية الأنصار وجعلها صفراء قلت مزيدة بفتح الميم وكسر الزاي العبدي من

(14/232)


عبد القيس هو جد هودة العصري العبدي فإن قلت ما وجه التوفيق في اختلاف هذه الروايات قلت وجه الاختلاف باختلاف الأوقات
4792 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثني ( الليث ) قال أخبرني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( ثعلبة بن أبي مالك القرظي ) أن قيس ابن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه وكان صاحب لواء رسول الله أراد الحج فرجل
مطابقته للترجمة ظاهرة وثعلبة بن أبي مالك اسمه عبد الله له رؤية من النبي القرظي ويقال الكندي وقيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي أبو عبد الله المديني له ولأبيه صحبة
وهذا الحديث موقوف فلذلك اقتصر على هذا المقدار لأن غرضه هو قوله وكان صاحب لواء رسول الله وأخرجه الإسماعيلي بتمامه من طريق الليث فقال بعد قوله فرجل أحد شقي رأسه فقام غلام له فقلد هديه فنظر قيس هديه وقد قلد فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر قوله أراد الحج خبر قوله أن قيس بن سعد الأنصاري وقوله وكان صاحب لواء رسول الله جملة معترضة بين إسم إن وخبرها قوله فرجل بالجيم من الترجيل وهو تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه بالمشط قال الكرماني وفي بعض الرواية بالحاء قيل إنه خطأ ومفعول رجل محذوف أي رجل رأسه وفي بعض النسخ غير محذوف
5792 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( حاتم بن إسماعيل ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه قال كان علي رضي الله تعالى عنه تخلف عن النبي في خيبر وكان به رمد فقال أنا أتخلف عن رسول الله فخرج علي فلحق بالنبي فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله لأعطين الراية أو قال ليأخذن غدا رجل يحبه الله ورسوله أو قال يحب الله ورسوله يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا هذا علي فأعطاه رسول الله ففتح الله عليه
مطابقته للترجمة في قوله لأعطين الراية وحاتم بن إسماعيل أبو إسماعيل الكوفي سكن المدينة ويزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع وقد مر عن قريب وقد مضى نحوه عن سهل بن سعد في الجهاد في باب دعاء النبي إلى الإسلام
وأخرج البخاري حديث الباب في فضل علي رضي الله تعالى عنه عن قتيبة أيضا وفي المغازي أيضا عن القعنبي وأخرجه مسلم في الفضائل عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل
قوله تخلف عن النبي يعني لأجل رمد عينيه وذلك في غزوة خيبر قوله أو قال شك من الراوي قوله فإذا نحن بعلي كلمة إذا للمفاجأة أي فإذا نحن بعلي قد حضر قوله وما نرجوه أي ما كنا نرجو قدومه في ذلك الوقت للرمد الذي به
وفيه فضيلة علي رضي الله تعالى عنه على غاية ما يكون ومعجزة للنبي في إخباره بالغيب وقد وقع كما أخبر
6792 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( نافع ابن جبير ) قال سمعت ( العباس ) يقول للزبير رضي الله تعالى عنهما هاهنا أمرك النبي أن تركز الراية
( الحديث 6792 - طرفه في 0824 )
مطابقته للترجمة إنما تتأتى على قول من قال اللواء والراية واحدة والصحيح الفرق بينهما كما ذكرنا فعلى هذا وجه المطابقة من حيث إلحاق الراية باللواء في كونهما للنبي وقال الرشاطي الرايات إنما كانت بخيبر وإنما كانت

(14/233)


الألوية قيل قال ابن الأثير ولا يمسك اللواء إلا صاحب الجيش وأبو أسامة حماد بن أسامة ونافع بن جبير بن مطعم مر في الوضوء والعباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام قوله ههنا وأشار به إلى الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم الخفيفة وهو الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة والحديث قطعة من حديث أورده البخاري في غزوة الفتح
قال المهلب فيه أن الراية لا يركزها إلا بإذن الإمام لأنها ولاية عن الإمام ومكانه فلا ينبغي أن يتصرف فيها إلا بأمره ومما يدل على أنها ولاية قوله أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد من غير أمر ففتح له فهذا نص في ولايتها
021 -
( باب الأجير )
أي هذا باب في بيان حكم الأجير في الغزو هل يسهم له أم لا ووقع هذا الباب في رواية بعضهم قبل باب ما قيل في لواء النبي
وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم
أي قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للأجير ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطيا من الغنيمة وقال الثوري لا يسهم للأجير إلا إذا قاتل وإذا استؤجر ليقاتل لا يسهم له عند الحنفية والمالكية وقال غيرهم يسهم له وقال أحمد لو استأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم غير الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد وأما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا تجب الأجرة
وأخذ عطية بن قيس فرسا على النصف فبلغ سهم الفرس أربعمائة دينار فأخذ مائتين وأعطى صاحبه مائتين
عطية بن قيس الكلاعي أبو يحيى الحمصي ويقال الدمشقي وقال أبو مسهر كان مولد عطية بن قيس في حياة رسول الله في سنة سبع وغزا في خلافة معاوية وتوفي سنة عشر ومائة وقيل كان من التابعين وكان لأبيه صحبة وهذا الذي فعله عطية لا يجوز عند مالك وأبي حنيفة والشافعي لأنها إجارة مجهولة فإذا وقع مثل هذا كان لصاحب الدابة كراء مثلها وما أصاب الراكب في المغنم فله وأجاز الأوزاعي وأحمد أن يعطى فرسه على النصف في الجهاد
3792 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( ابن جريج ) عن ( عطاء ) عن ( صفوان بن يعلى ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال غزوت مع رسول الله غزوة تبوك فحملت على بكر فهو أوثق أعمالي في نفسي فاستأجرت أجيرا فقاتل رجلا فعض أحدهما الآخر فانتزع يده من فيه ونزع ثنيته فأتى النبي فأهدرها فقال أيدفع يده إليك فتقضمها كما يقضم الفحل
مطابقته للترجمة في قوله فاستأجرت أجيرا وعبد الله بن محمد المسندي وسفيان هو ابن عيينة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح وصفوان بن يعلى بن أمية التميمي أو التيمي يروي عن أبيه يعلى بفتح الياء آخر الحروف على وزن يرضى ابن أمية ويقال ابن منية وهي أمه وكان عامل عمر رضي الله تعالى عنه على نجران عداده في أهل مكة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإجارة في باب الأجير في الغزو
قوله فأهدرها أي أسقطها ويقال هدر السلطان دم فلان أي أباحه وأهدره أيضا قوله يقضمها أي يمضغها كما يمضغ الفحل ما يأكله يقال قضمت الدابة بالكسر شعيرها تقضمه إذا أكلته وقال الداودي تقضمها تقطعها قال والفحل هنا الجمل

(14/234)


221 -
( باب قول النبي نصرت بالرعب مسيرة شهر )
أي هذا باب في بيان ما جاء من قول النبي نصرت بالرعب أي بالخوف قوله مسيرة شهر أي مسافة شهر ووقع في رواية الطبراني من حديث أبي أمامة شهرا أو شهرين ومن روايته أيضا من حديث السائب بن يزيد شهرا أمامي وشهرا خلفي وخص بالشهرين لأن الله تعالى خص نبينا بخصائص لم يشركها غيره فكان الرعب في هذه المدة وإن حصل لسليمان عليه السلام في الريح غدوها شهر ورواحها شهر ( سبأ 21 ) ونصر الله تعالى إياه بالرعب مما خصه الله به وفضله ولم يؤته أحدا غيره فإن قلت لم اقتصر ههنا على الشهر قلت لأنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار أكثر من ذلك كالشام والعراق ومصر واليمن فإن بين المدينة النبوية وبين واحدة من هذه الممالك شهرا ودونه
وقوله جل وعز سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ( آل عمران ) 151 )
وقوله بالجر عطف على قول النبي ومن معجزاته وخصائصه الرعب الذي ألقاه الله تعالى في قلوب الكفار بسبب ما أشركوا بالله ولهذا جعل الله له الفيء بضعه حيث يشاء لأنه وصل إليه من قبل الرعب الذي في قلوبهم منه والفيء كل مال لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهو ما خلا عنه أهله وتركوه من أجل الرعب وكذا ما صالحوا عليه من جزية أو خراج من وجوه الأموال
قال جابر عن النبي
أي قال جابر بن عبد الله حديث نصرت بالرعب وأشار به إلى ما أخرجه موصولا في أول كتاب التيمم من حديث يزيد الفقير قال أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر الحديث قال الكرماني فإن قلت كثير من الناس يخافون من الملوك من مسافة شهر قلت هذا ليس بمجرد الخوف بل بالنصرة والظفر بالعدو
7792 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال بعثت بجوامع الكلم ونصرت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي قال أبو هريرة وقد ذهب بالرعب فبينا أنا نائم أتيت رسول الله وأنتم تنتثلونها
مطابقته للترجمة في قوله نصرت بالرعب ورجاله قد تكرر ذكرهم والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن سعيد ابن عفير
قوله بجوامع الكلم قال ابن التين جوامع الكلم القرآن لأنه يقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك وقال الخطابي معناه إيجاز الكلام في إشباع المعاني قلت الإضافة في جوامع الكلم من إضافة الصفة إلى الموصوف هي الكلمة الموجزة لفظا المتسعة معنى يعني يكون اللفظ قليلا والمعنى كثيرا وقالوا فيه الحث على استخراج تلك المعاني وتبيين تلك الدقائق المودعة فيها وقال ابن شهاب فيما ذكره الإسماعيلي بلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد أو الأمرين أو نحو ذلك قوله فبينا قد ذكرنا غير مرة أن أصله بين فأشبعت فتحة النون بالألف وهي تضاف إلى الجملة وأتيت جواب على صيغة المجهول قوله بمفاتيح خزائن الأرض قال ابن التين يحتمل أن يريد بهذا ما فتح الله لأمته بعده فغنموه واستباحوا خزائن الملوك المدخرة وهو ما جزم به ابن بطال وقال يحتمل أن يريد الأرض التي فيها المعادن ولا شك أن العرب كانت أقل الناس وأقل الأمم أموالا فبشرهم بأن أموال كسرى وقيصر تصير إليهم وهم الذين يملكون الخزائن وهكذا وقعت قوله تنتثلونها بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وفتح التاء الأخرى كذلك وكسر الثاء المثلثة على وزن تفتعلونها من باب الافتعال ومعناه تستخرجونها من مواضعها وثلاثيه من تثلث البئر وانتلثها إذا استخرجت ترابها وكذلك

(14/235)


نثلث كنانتي إذا استخرجت ما فيها من النبل وقيل النثل ترك شيء بمرة واحدة وفي ( التوضيح ) وفي رواية وأنتم ترغثونها أي تستخرجون درها وترضعونها ومعنى الحديث أنه ذهب ولم ينل منها شيئا بل قسم ما أدرك منها بينكم وآثركم بها ثم أنتم تنتثلونها على حسب ما وعدكم
8792 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) أن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه وهم بإيلياء الله فلما فرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب فارتفعت ثم دعا بكتاب رسول الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفر
مطابقته للترجمة في قوله إنه يخافه ملك بني الأصفر وقيل مناسبة دخول حديث أبي سفيان في هذا الباب هذه اللفظة لأن بين الحجاز والشام مسيرة شهر أو أكثر وقد تقدم هذا الحديث بطوله في بدء الوحي في أول الكتاب
321 -
( باب حمل الزاد في الغزو )
أي هذا باب في بيان جواز حمل الزاد في الغزو وهو لا ينافي التوكل
وقول الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( البقرة 791 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله حمل الزاد روى النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال كان ناس يحجون بغير زاد فأنزل الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( البقرة 791 ) وعن ابن عباس أيضا قال كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فأنزل الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( البقرة 791 ) ولما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة واستصحاب التقوى إليها
9792 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) قال أخبرني ( أبي وحدثتني ) أيضا ( فاطمة ) عن ( أسماء ) رضي الله تعالى عنها قالت صنعت سفرة رسول الله في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة قالت فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فقلت لأبي بكر والله ماأجد به إلا نطاقي قال فشقيه باثنين فاربطيه بواحد السقاء وبالآخر السفرة ففعلت فلذلك سميت ذات النطاقين
مطابقته للترجمة في قوله فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فإنه يدل على حمل الزاد لأجل السفر فإن قلت ليس فيه سفر الغزو فأين المطابقة قلت قاس سفر الغزو عليه
وعبيد بضم العين مصغر عبد ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام وفاطمة هي بنت المنذر زوجة هشام وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في هجرة النبي عن عبد الله بن أبي شيبة وإنما قال هشام في روايته عن أبيه أخبرني وفي روايته عن زوجته فاطمة حدثتني لأنه سمع من فاطمة وقرأ على الوالد أو للتفنن والاحتراز عن التكرار

(14/236)


قوله سفرة بضم السين المهملة قال ابن الأثير السفرة طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة راوية وغير ذلك من الأسماء المنقولة قوله ولا لسقائه بكسر السين وهو ظرف الماء من الجلد ويجمع على أسقية والسقاية إناء يشرب فيه قوله إلا نطاقي بكسر النون وهو شقة تلبسها المرأة قال ابن الأثير النطاق هو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها وبه سميت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ذات النطاقين وقيل لأنها كانت تطارق نطاقا فوق نطاق وقيل كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد إلى النبي وأبي بكر رضي الله تعالى عنه وهما في الغار وقيل شقت نطاقها نصفين فاستعملت أحدهما وجعلت الآخر شدادا لزادهما قوله فلذلك سميت على صيغة المجهول من الماضي ويروى على صيغة المتكلم على صيغة المجهول أيضا
0892 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) قال أخبرني ( عطاء ) قال سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي إلى المدينة
مطابقته للترجمة في قوله كنا نتزود إلى آخره وقد ذكرنا في مطابقة الحديث الماضي أنه قاس سفر الغزو عليه وههنا كذلك
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن علي بن عبد الله أيضا في الأضاحي وفي الأطعمة عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في الأضاحي عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في الحج عن قتيبة عن سفيان به وعن محمد بن عبد الأعلى
ويستفاد منه أشياء الأول فيه دليل على مشروعية التزود في السفر مطلقا وفيه رد على ما يدعيه أهل البطالة من الصوفية والمخرفة على الناس باسم التوكل وترك التزود الثاني فيه جواز التزود من لحوم الأضاحي وروى مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا الثالث فيه جواز الأكل من لحوم الأضاحي ولو كان المضحي غنيا لأن التزود يستلزم الأكل عادة
1892 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال سمعت ( يحيى ) قال أخبرني ( بشير ابن يسار ) أن ( سويد بن النعمان ) رضي الله تعالى عنه أخبره أنه خرج مع النبي عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي من خيبر وهي أدنى خيبر فصلوا العصر فدعا النبي بالأطعمة فلم يؤت النبي إلا بسويق فلكنا فأكلنا وشربنا ثم قال النبي فمضمض ومضمضنا وصلينا
مطابقته للترجمة تؤخذ من موضعين الأول من قوله فدعا النبي بالأطعمة فهذا يدل على أنه كان معهم الزاد والثاني من قوله إلا بسويق وهذا زاد كان معهم وهم في الغزو وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد الأنصاري وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن يسار ضد اليمين والحديث مر في كتاب الوضوء في باب من مضمض من السويق ومضى الكلام فيه هناك قوله فلكنا بضم اللام وسكون الكاف يقال لكت اللقمة ألوكها في فمي لوكا والسويق دقيق القمح المقلو أو الشعير أو الذرة أو الدخن
2892 - حدثنا ( بشر بن مرحوم ) قال حدثنا ( حاتم بن إسماعيل ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) رضي الله تعالى عنه قال خفت أزواد الناس وأملقوا فأتوا النبي في نحر

(14/237)


إبلهم فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال ما بقاؤكم بعد إبلكم فدخل عمر على النبي فقال يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم قال رسول الله ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم فدعا وبرك عليه ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا ثم قال رسول الله أشهد أن لا إلاه إلا الله وأني رسول الله
( انظر الحديث 4842 )
مطابقته للترجمة في قوله خفت أزواد الناس وكذا في قوله بفضل أزوادهم وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن مرحوم بالحاء المهملة وقد مر في البيع وهو من أفراده و خاتم بالحاء المهملة وكسر التاء المثناة من فوق ابن إسماعيل الكوفي ويزيد من الزيادة مولى سلمة بن الأكوع يروي عن مولاه وقد مضى الحديث في باب الشركة في الطعام بعين هذا الإساد والمتن وفيه بعض زيادة
قوله وأملقوا أي افتقروا والمعنى هنا فني زادهم قوله في نحر إبلهم أي بسبب نحر إبلهم وفيه حذف تقديره فاستأذنوه في نحر إبلهم قوله ما بقاؤهم بعد إبلهم أي بعد نحر إبلهم يشير بذلك إلى غلبة الهلكة على الراجل قوله يأتون قال بعضهم أي فهم يأتون فلذلك رفعه قلت كونه حالا أوجه على ما لا يخفى قوله وبرك بالتشديد أي دعا بالبركة قوله عليه أي على الطعام هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره عليهم قوله فاحتثى الناس من الاحتثاء من الحثي بالحاء المهملة والثاء المثلثة وهو الحفن باليد قوله قال رسول الله إلى آخره إشارة إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة لأن المعجزات موجبات للشهادات على صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
وفيه حسن خلق رسول الله وإجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه وإجراؤهم على العادة البشرية في الاحتياج إلى الزاد في السفر وفيه منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دالة على يقينه بإجابة دعاء رسول الله وعلى حسن نظره للمسلمين وقال ابن بطال استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء إلزام ما عنده من فاضل قوته أن يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس
421 -
( باب حمل الزاد على الرقاب )
أي هذا باب في بيان ما جاء من حمل الزاد على الرقاب عند تعذر حمله على الدواب
3892 - حدثني ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن ( وهب بن كيسان ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال خرجنا ونحن ثلثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففند زادنا حتى كان الرجل منا يأكل في كل يوم تمرة قال رجل يا أبا عبد الله وأين كانت التمرة تقع من الرجل قال لقد وجدنا فقدها حين فقدناها حتى أتينا البحر فإذا حوت قد قذفه البحر فأكلنا منها ثمانية عشر يوما ما أحببنا
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان قد مر في الصلاة وهشام بن عروة وجابر بن عبد الله الأنصاري وفي بعض النسخ أبوه مذكور معه والحديث مر في أول باب الشركة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن وهب بن كيسان إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك قوله لقد وجدنا فقدها أي حزنا على فقدها يقال وجد عليه يجد وجدا وموجدة إذا حزن ووجد الشيء يجده وجدانا إذا لقيه قوله ما أحببنا أي ما اشتهينا

(14/238)


521 -
( باب إرداف المرأة خلف أخيها )
أي هذا باب فيما جاء من جواز إرداف المرأة خلف أخيها يقال أردفته إردافا إذا أركبته معك والردف بكسر الراء المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب
4892 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( أبو عاصم ) قال حدثنا ( عثمان ابن الأسود ) قال حدثنا ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها قالت يا رسول الله يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة ولم أزد على الحج فقال لها اذهبي وليردفك عبد الرحمان فأمر عبد الرحمان أن يعمرها من التنعيم فانتظرها رسول الله بأعلى مكة حتى جاءت
مطابقته للترجمة في قوله إذهبي وليردفك عبد الرحمن وهو أخوها ابن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم وعمرو بفتح العين ابن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وأبو عاصم النبيل واسمه الضحاك وهو أحد مشايخ البخاري يروي عنه كثيرا بدون الواسطة وعثمان بن الأسود الحجبي مر في الشركة وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله ابن عبيد الله بن أبي مليكة واسم أبي مليكة زهير وقد تكرر ذكره وقد مضى البحث فيه في باب العمرة ليلة الحصبة وفي باب عمرة التنعيم وفي كتاب الحيض أيضا
قوله وليردفك بضم الياء من الإرداف وقد مر معناه قوله أن يعمرها أي بأن يعمرها بضم الياء من الإعمار قوله من التنعيم بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون موضع من جهة الشام على ثلاثة أميال من مكة شرفها الله عز و جل
5892 - حدثني ( عبد الله ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( عمرو بن أوس ) عن ( عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق رضي الله ) تعالى عنهما قال أمرني النبي أن أردف عائشة وأعرها من التنعيم
( انظر الحديث 4771 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن محمد المعروف بالمسندي وابن عيينة هو سفيان بن عيينة وعمرو بن أوس مضى في التهجد والحديث أخرجه البخاري أيضا في الحج وقد مضى شرحه هناك
621 -
( باب الإرتداف في الغزو والحج )
أي هذا باب في بيان ما جاء من الارتداف في الغزو أي في سفرة الغزاة وسفرة الحج
6892 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعا الحج والعمرة
مطابقته للترجمة ظاهرة ويقاس الغزو على الحج وعبد الوهاب الثقفي وأيوب السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وحديث أنس هذا أخرجه البخاري في الحج مقطعا في مواضع قوله ليصرخون اللام فيه للتأكيد ويصرخون أي يرفعون أصواتهم بهما أي يرفعون أصواتهم بهما أي بالحج والعمرة جميعا قوله الحج والعمرة بالجر بدل من الضمير ويجوز بالنصب على الاختصاص وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير أحدهما الحج والآخر العمرة
721 -
( باب الردف على الحمار )
أي هذا باب فيما جاء من الردف على الحمار والردف بكسر الراء المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب
7892 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( أبو صفوان ) عن ( يونس بن يزيد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة )

(14/239)


عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة وأردف أسامة وراءه
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو ركوب النبي الحمار وإردافه أسامة وأبو صفوان عبد الله بن سعيد الأموي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن قتيبة عن أبي صفوان وفي التفسير وفي الأدب عن أبي اليمان عن شعيب وفي الطب عن يحيى بن بكير عن إسماعيل بن أبي أويس وفي الاستئذان عن إبراهيم بن موسى وأخرجه مسلم في المغازي عن إسحاق ومحمد بن رافع وعبد وعن محمد بن رافع وأخرجه النسائي في الطب عن هشام بن عمار
قوله على إكاف بكسر الهمزة ويقال فيه وكاف بدليل أوكفت الدابة ويجمع على أكف قوله قطيفة وهي دثار مخمل
وفيه تواضع النبي من وجوه ركوبه الحمار وركوبه على قطيفة وإردافه الغلام وفيه البيان أنه النبي مع محله من الله عز و جل منزلة لم يكن يرفع نفسه على الردف على الدابة وكان يردف لنتأسى به في ذلك أمته فلا يأنفوا مما لم يكن يأنف منه رسول الله ولا يستنكف منه مما لم يستنكف وفيه فضل أسامة
8892 - حدثني ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) قال ( يونس ) أخبرني ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمره أن يأتي بمفتاح البيت ففتح ودخل رسول الله ومعه أسامة وبلال وعثمان فمكث فيها نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس وكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله أين صلى رسول الله فأشار إلى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة
مطابقته للترجمة في قوله مردفا أسامة بن زيد فإن قلت الترجمة في الردف على الحمار وهنا الردف على الراحلة قلت كلاهما في نفس الارتداف سواء والفرق في الدابة وتواضعه في إردافه على الحمار أقوى وأعظم من إردافه على الراحلة فيلحق هذا بذاك ورجاله قد تكرر ذكرهم والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي وقال الليث قوله من الحجبة جمع الحاجب أي حجبة الكعبة وسدنتها وبيدهم مفتاحها قوله ففتح فيه حذف تقديره فأتى بالمفتاح ففتح به الكعبة قوله فاستبق الناس أي فتسابقوا قوله أين صلىقد سبق الكلام في الصلاة بين من أثبت ثلاته وبين من نفاها
821 -
( باب من أخذ بالركاب ونحوه )
أي هذا باب في بيان فضل من أخذ بالركاب أي بركاب الراكب قوله ونحوه مثل الإعانة على الركوب وتعديل قماشه ونحو ذلك فإن هذه الأشياء من الفضائل وقد أخذ ابن عباس بركاب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم فقال له لا تفعل يا ابن عم رسول الله فقال هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فأخذ زيد بن عباس فقبلها فقال له لا تفعل فقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل رسول الله

(14/240)


9892 - حدثني ( إسحاق ) قال أخبرنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله كل سلامى من الناس عليه صدقة ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة
( انظر الحديث 7072 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها فإن إعانة الرجل تتناول أخذه بالركاب وغيره
وإسحاق هذا هو ابن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي أو إسحاق بن نصر وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر النجاري لأن هذا الإسناد بعينه قد مر في الموضعين أحدهما في كتاب الصلح في باب فضل الإصلاح بين الناس حيث قال حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله كل سلامي من الناس الحديث والآخر في الجهاد في باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر حيث قال حدثني إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي قال كل سلامي عليه صدقة الحديث وعين هنا نسبة إسحاق حيث قال حدثنى إسحاق بن نصر وهناك قال في أكثر النسخ حدثنا إسحاق مجردا من غير نسبة وفي بعض النسخ قال حدثنا إسحاق بن منصور والذي يظهر من مغايرة المتون أن المراد بإسحاق هنا هو إسحاق بن منصور وكل من إسحاقين هذين يروي عن عبد الرزاق وقد مضى الكلام في هذا الحديث في الموضعين المذكورين ونعيد الكلام هنا تكثيرا للفائدة
فقوله كل سلامي كلام إضافي مبتدأ وقوله عليه صدقة جملة من المبتدأ والخبر خبر للمبتدأ الأول قوله عليه كان القياس فيه أن يقال عليها لأن السلامي مؤنثة ولكن هنا جاء على وفق لفظ كل أو ضمن لفظ سلامي معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه لذلك والسلامي بضم السين وتخفيف اللام مقصور وهو عظم الأصابع قوله كل يوم نصب على الظرف قوله يعدلأي يصلح بالعدل وهو مبتدأ تقديره أن يعدل مثل قوله وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه قوله أو يرفع عليها شك من الراوي أو للتنويع قوله وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة أي يرفع له بها درجة ويحط عنه خطيئة ولهذا حث الشارع على كثرة الخطى إلى المساجد وترك الإسراع في السير إليه قوله وتميط الأذى أي تزيل يقال ماط الرجل الشيء يميطه ميطا وإماطة إذا أزاله ويقال أماط الله عنك الأذى إذا دعوت بزواله قاله القزاز وهو قول الكسائي وأنكره الأصمعي وقال مطيته أنا وأمطيت غيري فافهم
921 -
( باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو )
أي هذا باب في بيان كراهية السفر إلى آخره ولفظ كراهية غير موجودة إلا في رواية المستملي وقال بعضهم المستملي أثبت في روايته لفظ كراهية وبثبوتها يندفع الإشكال الآتي قلت أراد بالإشكال ما قاله ابن بطال إن ترتيب هذا الكتاب وقع فيه غلط من الناسخ وأن الصواب أن يقدم حديث مالك قبل قوله وكذلك يروي عن محمد بن بشر إلى آخره انتهى قلت إنما قال ابن بطال ما قاله بناء على أن الترجمة باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو وكذلك هي عند أكثر الرواة بيان وجه استشكاله أن قوله كذلك يروى عن محمد بن بشر يقتضي تقدم شيء حتى يشار إليه بقوله كذلك ولم يتقدم شيء وقال هذا القائل وما ادعاه ابن بطال من الغلط مردود لأنه أشار بقوله إلى لفظ الترجمة كما بينته من رواية المستملي قلت لم يكن ما قاله على ما وقع في رواية المستملي كما ذكرناه ولأن التقدير على رواية الأكثرين باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو وهل يكره أم لا فلا يستقيم قوله وكذلك يروى عن محمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة على ما لا يخفى على المتأمل
وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي

(14/241)


وكذلك أي كالمذكور في الترجمة من كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو يروى عن محمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي من عبد القيس الكوفي وعبيد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم ورواية محمد بن بشر هذه وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ولفظه كره رسول الله أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وأراد بالقرآن المصحف لأن القرآن المنزل على الرسول المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة وهذا لا يمكن السفر به فدل على أن المراد به المصحف المكتوب فيه القرآن
وتابعه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي
أي تابع محمد بن بشر محمد بن إسحاق صاحب ( المغازي ) عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي ومتابعته إياه في كراهية السفر بالمصحف إلى أرض العدو وإنما ذكر المتابعة لأجل زيادة من زاد في الحديث مخافة أن يناله العدو زاعما أنها مرفوعة لأنها لم تصح عنده ولا عند مالك مرفوعة وقال المنذري رواه بعضهم من حديث ابن مهدي والقعنبي عن مالك فأدرج هذه الزيادة في الحديث وقد اختلف عن القعنبي في هذه الزيادة فمرة بين أنها قول مالك ومرة يدرجها في الحديث ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك يذكر هذه الزيادة البتة وقد رفع هذه الكلمات أيوب والليث والضحاك بن عثمان الحزامي عن نافع عن ابن عمر وقال بعضهم يحتمل أن مالكا شك هل هي من قول سيدنا رسول الله أم لا فجعل بتحريه هذه الزيادة من كلامه على التفسير وإلا فهي صحيحة من قول سيدنا رسول الله من رواية غيره
وقد سافر النبي وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن
أراد البخاري بهذا الكلام أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن نفسه وقد ذكرنا آنفا أن السفر بنفس القرآن لا يمكن وإنما المراد بالقران المصحف وقال الداودي لا حجة فيما ذكره البخاري وقد روى مفسرا نهي أن يسافر بالمصحف رواه ابن مهدي عن مالك وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر وقال الإسماعيلي ما كان أغنى البخاري عن هذا الأستدلال لم يقل أحد أن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في داره وقيل الاستدلال بهذا على الترجمة ضعيف لأنها واقعة عين ولعلهم تعلمون تلقينا وهو الغالب حينئذ فعلى هذا يقرأ يعلمون بالتشديد وقال الكرماني قوله يعلمون من العلم وفي بعض الرواية من التعليم وقال صاحب ( التوضيح ) لكن رأيته في أصل الدمياطي بفتح الياء وأجاب المهلب بأن فائدة ذلك أنه أراد أن يبين أن نهيه عن السفر به إليهم ليس على العموم ولا على كل الأحوال وإنما هو في العساكر والسرايا التي ليست مأمونة وأما إذا كان في العسكر العظيم فيجوز حمله إلى أرضهم ولأن الصحابة كان بعضهم يعلم بعضا لأنهم لم يكونوا مستظهرين له وقد يمكن أن يكون عند بعضهم صحف فيها قرآن يعلمون منها فاستدل البخاري أنهم في تعلمهم كان فيهم من يتعلم بكتاب فلما جاز تعلمه في أرض العدو بكتاب وبغير كتاب كان فيه إباحة لحمله إلى أرض العدو إذا كان عسكرا مأمونا وهذا قول أبي حنيفة ولم يفرق مالك بين العسكر الكبير والصغير في ذلك وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا قلت ليس كذلك الأصح هو الأول وقال ابن سحنون قلت لأبي أجاز بعض العراقيين الغزو بالمصاحف في الجيش الكبير بخلاف السرية قال سحنون لا يجوز ذلك لعموم النهي وقد يناله العدو في غفلة
0992 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن المراد بالقرآن المصحف كما ذكرناه
والحديث أخرجه مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال==

ج28.عمدة القارئ

قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وفي رواية له عن الليث عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ويخاف أن يناله العدو وفي رواية له عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله لا تسافروا بالقرآن فإني لا أمن أن يناله العدو وأخرجه أبو داود وترجم أولا بقوله باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو ثم قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وقال مالك أراه مخافة أن يناله العدو وأخرجه ابن ماجه حدثنا أحمد بن سنان وأبو عمر قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو قال أبو عمر قال يحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير وأكثر الرواة عن مالك قال مالك أراه مخافة أن يناله العدو وجعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه وأشار إلى أن ابن وهب تفرد برفع هذه الزيادة انتهى قلت رفع هذه الزيادة مسلم وابن ماجه كما ذكرناه فصح أن هذه الزيادة مرفوعة وليست بمدرجة وأما نسبة هذه الزيادة إلى مالك في رواية أبي داود فإنها لا تعادل رواية مسلم من طريق الليث وأيوب بنسبتها إلى النبي ولئن سلمنا التساوي فيحتمل أن مالكا كان يجزم بهذه الزيادة أولا ثم لما شك في رفعها جعلها تفسيرا من عنده والله أعلم
031 -
( باب التكبير عند الحرب )
أي هذا باب في بيان مشروعية التكبير عند الحرب
1992 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال صبح النبي خيبر وقد خرجوا بالمساحي على أعناقهم فلما رأوا قالوا هذا محمد والخميس محمد والخميس فلجأوا إلى الحصن فرفع النبي يديه وقال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وأصبنا حمرا فطبخناها فنادى منادي النبي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فأكفئت القدور بما فيها
مطابقته للترجمة في قوله ألله أكبر خربت خيبر وعبد الله شيخه هو المسندي وسفيان هو ابن عيينة وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين وقد مر صدر هذا الحديث قبل هذا بعدة أبواب في باب دعاء النبي إلى الإسلام فإنه أخرجه هناك من حديث حميد عن أنس وأما حديث محمد بن سيرين فإنه أخرجه أيضا في علامات النبوة عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن صدقة بن الفضل وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن عبد الله بن يزيد وأخرجه ابن ماجة في الذبائح عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق
قوله وأصبنا حمرا بضم الحاء والميم جمع حمار قوله فنادى منادي النبي إلى آخره الذي كان نادى بالنهي عن لحوم الحمر الأهلية هو أبو طلحة كما هو المذكور عند مسلم قال حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال لما كان يوم خيبر جاء رجل فقال يا رسول الله أكلت الحمر ثم جاء آخر فقال يا رسول الله افنيت الحمر فأمر رسول الله أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس قال فأكفئت القدور بما فيها قوله والخميس أي الجيش وقد ذكرناه قوله محمد والخميس بالتكرار وهو صحيح قوله فلجأوا إلى الحصن أي تحصنوا بحصن خيبر وقد روى سفيان عن أيوب في هذا الحديث حالوا إلى الحصن أي تحولوا له يقال حلت عن المكان إذا تحولت عنه ومثله أحلت عنه قوله ينهيانكم
قوله فأكفئت القدور بما فيها

(14/243)


أي قلبت ونكست وقال ابن الأثير يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته لتفرغ ما فيها
ويستفاد من هذا الحديث حرمة أكل لحم الحمر الأهلية واختلفت الأحاديث في سبب النهي على خمسة أوجه الأول ما ذكره مسلم في حديث أنس فإنها رجس أو نجس والثاني كونها حمولة للناس على ما ذكر في حديث ابن مسعود نهى عنها لأنها كانت حمولة وهو وإن كان ضعيفا فهو مذكور في حديث ابن عباس المتفق عليه لا أدري أنهى عنه من أجل أنها كانت حمولة للناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه وفي بعض طرقه في ( المعجم الكبير ) للطبراني حرمتها مخافة قلة الظهر وفي حديث ابن عمر عند مسلم وكان الناس احتاجوا إليها والثالث كونها لم تخمس ففي حديث ابن أبي أوفى المتفق عليه فقال فيه ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا قال فقال ناس إنما نهى عنها رسول الله لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها ألبتة الرابع كونها جلالة فروى ابن ماجه في حديث ابن أبي أوفى إنما حرمها رسول الله ألبتة من أجل أنها كانت جلالة تأكل العذرة وروى أبو داود في حديث غالب بن أبحر فإنما حرمتها من جوال القرية والخامس كونها انتهبت ولم تقسم فروى الطبراني بإسناد جيد من حديث ثعلبة بن الحكم قال فسمعته ينهى عن النهبة فأمر بالقدود فاكقئت من لحوم الحمر الأهلية والتعليل بالنجاسة قاض على هذه العلل كلها فهيء مؤثرة بنفسها وذهب قوم منهم عاصم بن عمر بن قتادة وعبيد بن الحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى إلى إباحة أكل لحوم الحمر الأهلية واحتجوا فيه بحديث أبحر أو ابن أبحر أنه قال يا رسول الله إنه لم يبق من مالي شيء أستطيع أن أطعمه أهلي إلا حمر لي قال فأطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم جوال القرية رواه الطحاوي وأبو يعلى والطبراني وقال جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم يحرم أكل لحوم الحمر الأهلية واحتجوا في ذلك بحديث الباب وما جاء به نحوه وبه قالت الظاهرية وحديث أبحر مختلف في إسناده اختلافا شديدا
وقال البيهقي هو معلول وقال ابن حزم هو بطرقه باطل لأنها كلها من طريق عبد الرحمن بن بشر وهو مجهول وعن عبد الله بن عمرو بن لؤيم وهو مجهول ومن طريق شريك وهو ضعيف
تابعه علي عن سفيان رفع النبي يديه
يعني تابع عبد الله بن محمد المسندي علي بن عبد الله المعروف بابن المديني شيخ البخاري وقد أسنده في علامات النبوة عنه عن سفيان والله أعلم
131 -
( باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير )
أي هذا باب فيه بيان ما يكره وكلمة من بيانية
2992 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أبي موسى الأشعري ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن حاصل المعنى فيه أنه كره رفع الصوت بالذكر والدعاء
ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وهو من أفراده والأصح أنه محمد بن يوسف الفريابي كما نص عليه أبو نعيم الحافظ وسفيان هو ابن عيينة وعاصم هو الأحول وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي الكوفي وأبو موسى عبد الله ابن قيس الأشعري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل وفي الدعوات وفي التفسير عن سليمان بن حرب وفي الدعوات أيضا عن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في الدعوات عن ابن نمير وإسحاق بن إبراهيم

(14/244)


وأبي سعيد الأشج وعن أبي بكر وعن أبي كامل وعن محمد بن عبد الأعلى وعن خلف بن هشام وعن أبي الربيع الزهراني وعن إسحاق بن إبراهيم وعن إسحاق بن منصور وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل وعن مسدد وعن أبي صالح محبوب بن موسى وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن بشار وأخرجه النسائي في النعوت عن أحمد بن حرب وعن محمد ابن بشار وعن محمد بن حاتم وفي السير وفي التفسير عن عمرو بن علي وبشر بن هلال وعن عبدة بن عبد الله وفي اليوم والليلة عن حميد بن مسعدة وعن محمد بن بشار وهلال بن بشر وعن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن محمد بن الصباح
قوله إذا أشرفنا من قولهم أشرفت عليه إذا طلعت عليه قوله ارتفعت أصواتنا جملة فعلية وقعت حالا بتقدير قد كما في قوله تعالى أو جاؤكم حصرت صدورهم ( النساء 09 ) أي قد حصرت قوله إربعوا بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة أي أرفقوا وقال الأزهري عن يعقوب ربع الرجل يربع إذا وقع وانحبس وقال الليث يقال أربع على نفسك وأربع عليك أي انتظر وقال الخطابي يريد أمسكوا عن الجهر وقفوا عنه وقال ابن قرقول اعطفوا عليها بالرفق بها والكف عن الشدة ويقال أصل الكلمة من قولك ربع الرجل بالمكان إذا وقف عن السير وأقام به قوله إنه سميع في مقابلة الأصم قريب في مقابلة الغائب
وفي الحديث كراهة رفع الصوت بالدعاء وروي من حديث هشام عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد كان الصحابة يكرهون رفع الصوت عند الذكر وعند القتال وعند الجنائز وفي لفظ ورفع الأيدي عند الدعاء والقتال وقال سعيد بن المسيب ثلاث مما أحدث الناس رفع الصوت عند الدعاء ورفع الأيدي واختصار السجود ورأى مجاهد رجلا يرفع صوته بالدعاء فحصبه
231 -
( باب التسبيح إذا هبط واديا )
أي هذا باب في بيان ما يذكر من التسبيح إذا هبط المسافر في الغزو أو الحج أو غيرهما وأضمر الفاعل فيه والقرينة تدل عليه قوله إذا هبط أي نزل واديا أي في واد
3992 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( حصين بن عبد الرحمان ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا
( الحديث 3992 - طرفه في 4992 )
مطابقته للترجمة في قوله وإذا نزلنا سبحنا والنزول هو الهبوط ومحمد بن يوسف الفريابي وسفيان هو ابن عيينة وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الباب الذي يليه وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أبي كريب وعن أحمد بن حرب
قوله كنا إذا صعدنا يعني إذا طلعنا موضعا عاليا مثل جبل وتل قوله وإذا نزلنا يعني إلى موضع منخفض نحو الوادي ثم التكبير عند الإشراف على المواضع العالية استشعارا لكبرياء اللهعز و جل عندما يقع عليه العين أنه أكبر من كل شيء وأما التسبيح في المواضع المنخفضة فهو مستنبط من قضية يونس عليه الصلاة و السلام وتسبيحه في بطن الحوت قال الله تعالى فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( الصافات 441 ) فنجاه الله تعالى بذلك من الظلمات فامتثل الشارع هذا التسبيح في بطون الأودية لينجيه الله منها ومن أن يدركه العدو
331 -
( باب التكبير إذا علا شرفا
(
أي هذا باب في بيان ما يذكر من التكبير إذا علا المسافر في الغزو أو الحج أو غيرهما قوله شرفا أي مكانا مشرفا مرتفعا
331 -
( باب التكبير إذا علا شرفا
(
أي هذا باب في بيان ما يذكر من التكبير إذا علا المسافر في الغزو أو الحج أو غيرهما قوله شرفا أي مكانا مشرفا مرتفعا
4992 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( حصين ) عن ( سالم ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا تصوبنا سبحنا
مطابقته للترجمة في قوله إذا صعدنا كبرنا لأن معناه إذا علونا مكانا عاليا مرتفعا كبرنا وابن أبي عدي هو محمد بن أبي عدي

(14/245)


وأبو عدي اسمه إبراهيم السلمي وحصين قد مر في الحديث الماضي وكذلك سالم هو ابن أبي الجعد قوله وإذا تصوبنا أي إذا انحدرنا والتصويب النزول
5992 - حدثنا ( عبد الله ) قال حدثني ( عبد العزيز بن أبي سلمة ) عن ( صالح بن كيسان ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي إذا قفل من الحج أو العمرة ولا أعلمه إلا قال الغزو يقول كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا ثم قال لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده قال صالح فقلت له ألم يقل عبد الله إن شاء الله قال لا
مطابقته للترجمة في قوله كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا وعبد الله زعم أبو مسعود أنه عبد الله بن صالح وقال الجياني وقع في رواية ابن السكن عبد الله بن يوسف وقال الحافظ المزي في ( الأطراف ) قال أبو مسعود وهذا الحديث رواه الناس عن عبد الله بن صالح وقد روى أيضا عبد الله بن رجاء البصري والله أعلم أيهما هو
والحديث أخرجه النسائي في الحج عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وفي اليوم والليلة عن محمد بن منصور
قوله إذا قفل أي إذا رجع قوله ولا أعلمه إلا قال الغزو وهذه الجملة كالإضراب عن الحج والعمرة كأنه قال إذا قفل من الغزو قوله يقول كلما أوفى فاعل يقول هو عبد الله بن عمر والضمير في أوفى يرجع إلى رسول الله ومعنى أوفى أي أشرف أو علا قوله على ثنية بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وهي أعلى الجبل وهو ما يرى منه على البعد وقال ابن فارس الثنية من الأرض كالمرتفع وقال الداودي هي الطريق التي في الجبال نظير الطريق بين الجبلين قوله أوفدفد بفاءين بينهما دال مهملة وهو الأرض الغليظة ذات الحصى لا تزال الشمس تدف فيها قاله القزاز وقال ابن فارس الأرض المستوية وقال أبو عبيد الفدفد المكان المرتفع فيه صلابة قوله آيبون خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون أي راجعون إلى الله من آب يؤب أوبا إذا رجع وكذلك الكلام في تائبون وعابدون وساجدون قوله لربنا يحتمل تعلقه بحامدون أو بساجدون أو بهما أو بالصفات الأربعة المتقدمة أو بالخمسة على سبيل التنازع قوله الأحزاب اللام فيه للعهد على طوائف العرب التي اجتمعوا على محاربة رسول الله قوله قال صالح هو ابن كيسان الراوي قوله فقلت له أي لسالم بن عبد الله بن عمر قوله ألم يقل عبد الله هو ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
431 -
( باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة )
أي هذا باب يذكر فيه يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة إذا كان سفره في غير معصية
6992 - حدثنا ( مطر بن الفضل ) قال حدثنا ( يزيد بن هاارون ) قال حدثنا ( العوام ) قال حدثنا ( إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي ) قال سمعت ( أبا بردة ) واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة سمعت أبا موسى مرارا يقول قال رسول الله إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا
مطابقته للترجمة في قوله إذا مرض العبد أو سافر إلى آخره
ذكر رجاله وهم سبعة الأول مطر بن الفضل المروزي الثاني يزيد من الزيادة ابن هارون بن زادان الواسطي الثالث العوام بفتح العين المهملة وتشديد الواو ابن حوشب بالحاء المهملة والشين المعجمة على وزن جعفر الرابع إبراهيم بن عبد الرحمن أبو إسماعيل السكسكي بالسينين

(14/246)


المهملتين المفتوحتين بينهما كاف ساكنة في كندة ينسب إلى السكاسك بن أشرس بن كندة الخامس أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر وقيل الحارث وقيل اسمه كنيته ابن أبي موسى الأشعري السادس يزيد من الزيادة ابن أبي كبشة قال المنذري شامي وكان عريف السكاسك ولي خراج الهند لسليمان بن عبد الملك ومات في خلافته وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع وأبوه أبو كبشة روى عن أبي الدرداء ذكر فيمن لا يعرف اسمه وقيل اسمه حيويل بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الواو بعدها ياء أخرى ساكنة وفي آخره لام السابع أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه أبو داود في الجنائز عن محمد بن عيسى ومسدد
قوله واصطحب هو أي أبو بردة ويزيد في سفر قوله وكان يزيد يصوم في سفر وفي رواية الإسماعيلي وكان يصوم الدهر قوله مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا فيه اللف والنشر المقلوب فإن قوله مقيما يقابل قوله أو سافر وقوله صحيحا يقابل قوله إذا مرض هذا فيمن كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها وقد ورد ذلك صريحا عند أبي داود من طريق العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال سمعت النبي غير مرة ولا مرتين يقول إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عن ذلك مرض أو سفر كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم وورد أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله إذا كان طلقا حتى أطلقه أو ألفته إلي أخرجه عبد الرزاق وأحمد والحاكم وصححه ولأحمد من حديث أنس رضي الله تعالى عنه رفعه إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله أكتب له عمله الذي كان يعمل فإن شفاه طهره وإن قبضه غفر له وروى النسائي من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ما من امرىء يكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة
531 -
( باب سير الرجل وحده بالليل )
أي هذا باب في بيان حكم سير الرجل بالليل وحده أي حال كونه وحده من غير رفيق معه هل يكره ذلك أم لا والجواب يعلم من حديثي الباب فالحديث الأول يدل على عدم الكراهة والثاني يدل على الكراهة فلذلك أبهم البخاري الترجمة وفي نفس الأمر يرجع ما فيهما إلى معنى واحد وهو ما قال المهلب نهيه عن الوحدة في سير الليل إنما هو إشفاق على الواحد من الشياطين لأنه وقت انتشارهم وإذا هم بالتمثل لهم وما يفزعهم ويدخل في قلوبهم الوساوس ولذلك أمر الناس أن يحبسوا صبيانهم عند فحمة الليل ومع هذا إن الوحدة ليست بمحرمة وإنما هي مكروهة فمن أخذ بالأفضل من الصحبة فهو أولى ومن أخذ بالوحدة فلم يأت حراما
7992 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( محمد بن المنكدر ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول ندب النبي الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير قال النبي إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير
مطابقته للترجمة من حيث انتداب الزبير وتوجهه وحده وسيأتي في مناقبه من طريق عبد الله بن الزبير ما يدل على ذلك ويرد بهذا اعتراض الإسماعيلي بقوله لا أعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب وقد رأيت كيفية دخوله فيه ويرد أيضا ما قاله بعضهم بأنه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غيره متابعا قلت ولا يلزم أيضا كونه تابع معه وترجح جانب النفي بما ذكرنا
والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى وقد تكرر ذكره وسفيان هو ابن عيينة
والحديث مر في كتاب الجهاد قبل هذا بعدة أبواب فإنه أخرجه هناك في بابين أحدهما في باب فضل الطليعة عن

(14/247)


أبي نعيم عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر والآخر في باب هل يبعث الطليعة وحده عن صدقة عن ابن عيينة إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قال سفيان الحواري الناصر
سفيان هو ابن عيينة أحد رواه الحديث وقال بعضهم هو موصول عن الحميدي عنه وفيه نظر لا يخفى
8992 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( عاصم بن محمد ) قال حدثني أبي عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي وحدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) عن النبي قال قال لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده
مطابقته للترجمة من حيث إطلاقها لأنها مبهمة كما ذكرنا آنفا وأخرجه من طريقين الأول عن أبي الوليد هشام ابن عبد الملك الطيالسي عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب يروي عن أبيه محمد بن زيد ومحمد يروي عن جده عبد الله بن عمر عن النبي والثاني عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن عاصم إلى آخره وقال الحافظ المزي في ( الأطراف ) قال البخاري حدثنا أبو الوليد عن عاصم بن محمد به وقال بعده وأبو نعيم عن عاصم ولم يقل حدثنا أبو نعيم ولا في كتاب حماد بن شاكر حدثنا أبو نعيم وأجيب عن ذلك بأن الذي وقع في جميع الروايات عن الفربري عن البخاري حدثنا أبو نعيم وكذلك وقع في رواية النسفي عن البخاري فقال حدثنا أبو الوليد فساق الإسناد ثم قال وحدثنا أبو الوليد وأبو نعيم قالا حدثنا عاصم فذكره وبذلك جزم أبو نعيم الأصبهاني في ( المستخرج ) فقال بعد أن أخرجه من طريق عمرو بن مرزوق عن عاصم بن محمد أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأبي الوليد فإن قلت ذكر الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث قلت ليس كذلك فإن أخاه عمرو بن محمد قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي
قوله ما في الوحدة قال ابن التين الوحدة ضبطت بفتح الواو وكسرها وأنكر بعض أهل اللغة الكسر وقال ابن قرقول وحدك منصوب بكل حال عند أهل الكوفة على الظرف وعند البصريين على المصدر أي توحد وحده قال وكسرته العرب في ثلاثة مواضع عيير وحده وجحيش وحده ونسيج وحده وعن أبي علي رجيل وحده ووحد بفتح الحاء وكسرها ووحد ووحيد ومتوحد وللأنثى وحدة ووحدة وحد بكسر الحاء وضمها وحادة ووحدة ووحدا وتوحد كله بقي وحده وعن كراع الوحد الذي ينزل وحده قوله ما أعلم أي الذي أعلم والجملة في محل النصب لأنها مفعول لو يعلم قوله راكب هذا من قبيل الغالب وإلا فالراجل أيضا كذلك فإن قلت ذكر في الباب حديثين أحدهما في الجواز والثاني في المنع قلت تؤخذ الجواب عنه مما ذكرنا في أول الباب وأيضا أن للسير في الليل حالتين إحداهما الحاجة إليه مع غلبة السلامة كما في حديث الزبير والأخرى حالة الخوف فحذر عنها الشارع وأيضا إذا اقتضت المصلحة الانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة فلا كراهة وإلا فالكراهة والله أعلم
631 -
( باب السرعة في السير عند الرجوع إلى الوطن )
أي هذا باب في بيان جواز السرعة في السير عند الرجوع إلى الوطن
قال أبو حميد قال النبي إني متعجل إلى المدينة فمن أراد أن يتعجل معي فليتعجل
أبو حميد بضم الحاء هو عبد الرحمن وقيل غير ذلك الساعدي الأنصاري وهذا التعليق قطعة من حديث سبق في الزكاة مطولا في باب خرص التمر قوله فليتعجل ويروي فليعجل فالأول من باب التفعل والثاني من باب التفعيل

(14/248)


9992 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي قال ( سئل أسامة بن زيد ) رضي الله تعالى عنهما قال كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني عن مسير النبي في حجة الوداع قال فكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص والنص فوق العنق
مطابقته للترجمة في قوله نص لأن النص هو السير الشديد ويحيى هم ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير والحديث مر في كتاب الحج في باب السير إذا دفع من عرفة
قوله كان يحيى أي يحيى القطان يقول وأنا أسمع فسقط عني وهذه جملة معترضة بين قوله سئل أسامة بن زيد وبين قوله عن مسير النبي لأن عن مسير النبي متعلق بقوله سئل والتقدير قال البخاري قال ابن المثنى وكان يحيى يقول تعليقا عن عروة أو مسندا إليه قال سئل أسامة وأنا أسمع السؤال فقال يحيى سقط عني هذا اللفظ وأنا أسمع عند رواية الحديث كأنه لم يذكرها أولا واستدركه آخرا وقال في كتاب الحج سئل أسامة وأنا جالس وفي ( صحيح مسلم ) قال هشام عن أبيه سئل أسامة وأنا شاهد كيف كان مسير النبي حين أفاض من عرفة قوله العنق بفتح العين المهملة والنون وهو السير السهل قوله فجوة بفتح الفاء وسكون الجيم وهي الفرجة بين الشيئين قال تعالى وهم في فجوة منه ( الكهف 71 ) قوله نص بالتشديد فعل ماض من نص ينص نصا وهو السير الشديد حتى يستخرج أقصى ما عنده
00 - 03 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( زيد ) هو ( ابن أسلم ) عن أبيه قال كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق ثم نزل فصلى المغرب والعتمة يجمع بينهما وقال إني رأيت النبي إذا جد به السير أخر المغرب وجمع بينهما
مطابقته للترجمة في قوله إذا جد به السير والحديث مضى في أبواب العمرة في باب المسافر إذا جد به السير تعجل إلى أهله فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن ومضى الكلام فيه هناك وصفية بنت أبي عبيد الثقفية أخت المختار أدركت النبي وسمعت منه وكانت زوجة ابن عمر
1003 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله
مطابقته للترجمة في قوله فليعجل إلى أهله وهذا الحديث مضى في كتاب الحج في باب السفر قطعة من العذاب بعين هذا الإسناد والمتن جميعا ومضى الكلام فيه هناك وأبو صالح ذكوان الزيات قوله نومه منصوب بنزع الخافض أو مفعول ثان للمنع لأنه يقتضي مفعولين كالإعطاء والمراد بمنعه كمالها ولذتها لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والخوف والسرى ومفارقة الأهل والأوطان قوله نهمته بفتح النون الحاجة والمقصود
731 -
( باب إذا حمل على فرس فرآها تباع )
أي هذا باب يذكر فيه إذا حمل رجل على فرس أي أركب غيره عليه في سبيل الله حسبة لله عز و جل ثم رآها تباع هل له أن يشتريها أم لا والجواب يعلم من الحديث
2003 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى

(14/249)


عنهما أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله فقال لا تبتعه ولا تعد في صدقتك
3003 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن أبيه قال سمعت ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه يقول حملت على فرس في سبيل الله فابتاعه أو فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه وظننت أنه بائعه برخص فسألت النبي فقال لا تشتره وإن بدرهم فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
مطابقته للترجمة ظاهرة وفيه بيان ما أبهمه في الترجمة والحديث مضى في الزكاة في باب هل يشتري صدقته عن سالم عن أبيه أن عمر تصدق بفرس ذكره في هذا الباب عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم وذكره ههنا عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر حمل على فرس الحديث ومضى في الهبة أيضا ومضى الكلام فيه هناك
قوله ابتاعه أو أضاعه شك من الراوي ولا معنى لقوله ابتاعه إلا إذا كان بمعنى باعه ولعل الابتياع جاء بمعنى البيع كما جاء اشترى بمعنى باع وقال الزمخشري في قوله بئسما ما اشتروا به أنفسهم ( البقرة 201 ) ان اشتروا بمعني باوا وكأنه قال اتخذ البيع لنفسه كما يقال في اكتسب ونحوه وقيل لعل الراوي صحفه وهو أباعه أي عرضه للبيع قوله وإن بدرهم أي وإن كان بدرهم فحذف فعل الشرط والحذف عند القرينة جائز
831 -
( باب الجهاد بإذن الأبوين )
أي هذا باب في بيان أن الجهاد بإذن الأبوين كذا أطلق ولكن فيه خلاف وتفصيل فلذلك أبهم فقال أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد إنه لا يخرج إلى الغزو إلا بإذن والديه ما لم تقع ضرورة وقوة العدو فإذا كان كذلك تعين الفرض على الجميع وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكل فلا حاجة إلى الإذن من والد وسيد وقال ابن حزم في ( مراتب الإجماع ) إن كان أبواه يضيعان بخروجه ففرضه ساقط عنه إجماعا وإلا فالجمهور يوقفه على الاستيذان والأجداد كالآباء والجدات كالأمهات وعند المنذري هذا في التطوع أما إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما وإن منعاه عصاهما هذا إذا كانا مسلمين فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه ولو نفلا وطاعتهما حينئذ معصية وعن الثوري هما كالمسلمين وقال بعضهم يحتمل أن يكون هذا كله بعد الفتح وسقوط فرض الهجرة والجهاد وظهور الدين وأن يكون ذلك من الأعراب وغير من تجب عليه الهجرة فرجح بر الوالدين على الجهاد فإن قلت هل يندرج في هذا المديان قلت قال الشافعي فيما ذكره ابن المناصف ليس له أن يغزو إلا بإذنه سواء كان مسلما أو غيره وفرق مالك بين أن يجد قضاء وبين أن لا يجد فإن كان عديما فلا يرى بجهاده بأسا وإن لم يستأذن غريمه فإن كان مليا وأوصى بدينه إذا حل أعطى دينه ولا يستأذنه وقال الأوزاعي لا يتوقف على الإذن مطلقا والله أعلم
4003 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( حبيب بن أبي ثابت ) قال سمعت ( أبا العباس الشاعر ) وكان لا يتهم في حديثه قال سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما يقول جاء رجل إلى النبي فاستأذنه في الجهاد فقال أحر والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد
( الحديث 4003 - طرفه في 2795 )
قيل لا مطابقة للترجمة لأنه ليس فيه استئذان ولا غيره قلت تؤخذ المطابقة من قوله ففيهما فجاهد بطريق الاستنباط لأن أمره بالمجاهدة فيهما يقتضي رضاهما عليه ومن رضاهما الإذن له عند الاستئذان في الجهاد
وحبيب بن أبي ثابت واسمه قيس بن دينار أبو يحيى الأسدي الكوفي وقد مر في الصوم وأبو العباس بتشديد الباء الموحدة

(14/250)


واسمه السائب بن فروخ الشاعر المكي الأعمى وقد مر في التهجد وإنما قال وكان لا يتهم في حديثه لئلا يتوهم بسبب أنه شاعر أنه متهم في الحديث وعبد الله بن عمرو بن العاص
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن محمد بن كثير عن سفيان وعن مسدد عن يحيى وأخرجه مسلم في الأدب عن محمد بن المثنى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير ابن حرب وعن عبيد الله بن معاذ وعن محمد بن حاتم وعن القاسم بن زكرياء وعن أبي كريب وأخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن كثير به وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن بشار وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى
قوله جاء رجل قيل يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس قال أبو عمر جاهمة السلمي حجازي ثم قال حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا ابن جريج عن محمد بن طاعة عن معاوية بن جاهمة عن أبيه قال أتيت النبي أستشيره في الجهاد فقال ألك والدة قلت نعم قال إذهب فأكرمها فإن الجنة تحت رجليها ورواه النسائي وأحمد أيضا من طريق معاوية بن جاهمة وروى ابن أبي عاصم بسند صحيح بينا نحن عند النبي في ظل شجرة بين مكة والمدينة إذا جاء أعرابي من أخلق الرجال وأشدهم فقال يا رسول الله إني أحب أن أكون معك وأجد بي قوة وأحب أن أقاتل العدو معك وأقتل بين يديك فقال هل لك من والدين قال نعم قال إنطلق فالحق بهما وبرهما واشكر لله ولهما قال إني أجد قوة ونشاطا لقتال العدو قال انطلق فالحق بهما فأدبر فجعلنا نتعجب من خلقه وجسمه وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري أن رجلا هاجر إلى النبي من اليمن فقال هل لك أحد باليمن قال أبواي فقال أذنا لك قال لا قال إرجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما وصححه ابن حبان فإن قلت روى ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو من طريق غير طريق حديث الباب جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن أفضل الأعمال فقال الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فإن لي والدين فقال برك بوالديك خير فقال والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم قلت هذا يحمل على جهاد فرض العين توفيقا بينه وبين حديث الباب قوله ففيهما أي ففي الوالدين فجاهد الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد ولفظ جاهد المذكور مفسر له لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يعمل فيما قبلها ومعناه خصصهما بالجهاد وهذا كلام ليس ظاهره مرادا لأن ظاهر الجهاد إيصال الضرر للغير وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى إلى إبذل مالك وأتعب بدنك في رضا والديك
وفيه بالتأكيد ببر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما والله أعلم
931 -
( باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل )
أي هذا باب في بيان ما قيل في كراهة الجرس وهو بفتح الجيم والراء وفي آخره سين مهملة وهو معروف وحكى عياض إسكان الراء والأصوب أن الذي بالفتح ما علق في عنق الدابة وغيره فيصوت والجرس بالإسكان الصوت يقال أجرس إذا صوت ويجمع على أجراس قوله ونحوه مثل القلائد من الأوتار كانوا يعلقونها على أعناق الإبل لدفع العين على ما نذكره قوله في أعناق الإبل إنما خص الإبل بالذكر لورود الخبر فيها بخصوصها للغالب
5003 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر ) عن ( عباد بن تميم ) أن ( أبا بشير الأنصاري ) رضي الله تعالى عنه قال أخبره أنه كان مع رسول الله في بعض أسفاره قال عبد الله حسبت أنه قال والناس في مبيتهم فأرسل رسول الله رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت
قيل ليس في الحديث ما يدل على التبويب لأنه لا ذكر فيه للجرس وتمحل له بقول الخطابي أمر بقطع القلائد لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس قيل لعل البخاري استنبطه من هذا وأجيب بأن هذا ليس بشيء لأن الحديث نفسه فيه ذكر الجرس

(14/251)


والبخاري على عادته يحيل على أطراف الحديث في التبويب بيانه ما في ( الموطآت ) للدارقطني من رواية عثمان بن عمر عن مالك عن عبد الله عن عباد عن أبي بشير الساعدي وفيه ولا جرس في عنق بعير إلا قطع قلت رد الوجه الأول ليس له وجه لأن الذي رواه البخاري من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك ليس فيه ذكر الجرس وإنما ذكره في الطريق الذي رواه عثمان بن عمر عن مالك وما قيل في وجه المطابقة بقول الخطابي أوجه لأن الجرس لا يعلق في أعناق الإبل إلا بعلاقة وهي الوتر ونحوه فذكر البخاري الجرس الذي يعلق بالقلادة فإذا ورد النهي عن تعليق القلائد في أعناق الإبل يدخل فيه النهي عن الجرس بالضرورة والأصل هو النهي عن الجرس ألا ترى أنه ورد أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس ولأنه يشبه الناقوس
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن يوسف أبو محمد التنيسي أصله من دمشق الثاني مالك بن أنس الثالث عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم الرابع عباد بتشديد الباء الموحدة ابن تميم الأنصاري مر في الوضوء الخامس أبو بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة الأنصاري وذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه وقيل اسمه قيس بن عبد الحرير تصغير حرير بالحاء المهملة وبالراءين المهملتين مات بعد الحرة وهو من المعمرين وقال الذهبي أبو بشير الأنصاري المازني وقيل الساعدي شهد بيعة الرضوان وقال أبو عمر أبو بشير الأنصاري قيل المازني الأنصاري وقيل الساعدي الأنصاري وقيل الأنصاري الحارثي لا يوقف له على اسم صحيح ولا سماه من يوثق به ويعتمد عليه وقد قيل اسمه قيس بن عبيد من بني النجار ولا يصح والله أعلم وقيل مات سنة أربعين والأصح أنه مات بعد الحرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه ثلاثة مدنيون مالك وشيخه وشيخ شيخه وثلاثة أنصاريون وهم عبد الله وعباد وأبو بشر وفيه تابعيان وهما عبد الله وعباد وفيه أنه ليس لأبي بشير في البخاري غير هذا الحديث الواحد
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي وأخرجه النسائي في السير عن قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن رجل من الأنصار به ولم يقل عن أبي بشير
ذكر معناه قوله في بعض أسفاره لم يعينه أحد من الشراح قوله قال عبد الله هو عبد الله بن أبي بكر الراوي وكأنه شك في قوله أنه قال فلأجل هذا قال حسبت قوله فأرسل رسول الله قال ابن عبد البر في رواية روح بن عبادة عن مالك أرسل مولاه زيدا قال ابن عبد البر هو زيد بن حارثة قوله قلادة من وتر أو قلادة كذا وقع هنا بكلمة أو للشك أو للتنويع ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ ولا قلادة وهو من عطف العام على الخاص قوله وتر بالتاء المثناة من فوق في جميع الروايات وقال ابن الجوزي ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال وبر بالباء الموحدة وحكى ابن التين عن الداودي أنه جزم بذلك وقال وهو ما ينزع من الجمال يشبه الصوف قال ابن التين فصحف وقال ابن الجوزي وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال أحدها أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله تعالى شيئا الثاني لئلا تختنق الدابة بها عند الركض ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن من أصحابنا وعن أبي عبيد ما يرجحه فإنه قال نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير الثالث أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس ويدل عليه تبويب البخاري كما ذكرناه وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى التار فقال معناه لا تطلبوا بها دخول الجاهلية قال القرطبي وهذا تأويل بعيد وقال النووي ضعيف ومال وكيع إلى قول النضر فقال المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب به فإن قلت الكراهة في الجرس لماذا قلت لما رواه مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه

(14/252)


عن أبي هريرة رفعه الجرس مزمار الشيطان وهذا يدل على أن الكراهة فيه لصورته لأن فيه شبها بصوت الناقوس وشكله فإن قلت الكراهة فيه للتحريم أو للتنزيه قلت قال النووي وغيره الجمهور على النهي كراهة تنزيه وقيل كراهة تحريم وقيل يمنع منه قبل الحاجة ويجوز إذا وقعت الحاجة وعن مالك تختص الكراهة من القلائد بالوتر ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي عنه فإنه إنما يجعل للتبرك له والتعوذ بأسمائه وذكره وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف
واختلفوا في تعليق الجرس أيضا فقيل لا يجوز أصلا وقيل يجوز عند الحاجة والضرورة وقيل يجوز في الصغير دون الكبير فإن قلت تقليد الأوتار هل هو مخصوص بالإبل على ما في الحديث أم لا قلت قد ذكرنا أن تخصيص الإبل بالذكر فيه للغالب وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الجياني رفعه إربطوا الخيل وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار فدل على أن لا اختصاص للإبل
( باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له عذر هل يؤذن له )
أي هذا باب في بيان ما جاء من خبر من اكتتب في جيش واكتتب بلفظ المعلوم والمجهول يقال اكتتب فلان إذا كتب نفسه في ديوان السلطان قوله حاجة نصب على الحال قوله أو كان له عذر أي أو كان له عذر غير ذلك هل يؤذن له بالحج معها وجواب من يعلم من الحديث
210 - ( حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي يقول لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم فقام رجل فقال يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة قال اذهب فحج مع امرأتك )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله اذهب فحج مع امرأتك لأنه اكتتب في جيش وأرادت امرأته أن تحج الفرض فأذن له أن يحج مع امرأته لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته فكان اجتماع ذلك له أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وأبو معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة اسمه نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة مولى عبد الله بن عباس والحديث مضى في كتاب الحج في أواخر أبواب المحصر في باب حج النساء فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن عمرو عن أبي معبد إلى آخره ومضى الكلام فيه هنا قوله فحج ويروى فاحجج بفك الإدغام
( باب الجاسوس )
أي هذا باب في بيان حكم الجاسوس إذا كان من جهة الكفار ومشروعيته إذا كان من جهة المسلمين والجاسوس على وزن فاعول من التجسس وهو التفتيش عن بواطن الأمور
( التجسس التبحث )
هكذا فسره أبو عبيدة والتبحث من باب التفعل من البحث وهو التفتيش ومنه بحث الفقيه لأنه يفتش عن أصل المسائل
( وقول الله تعالى لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )
وقول الله بالجر عطفا على لفظ الجاسوس قال المفسرون نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وقصته تأتي عن قريب ومناسبة ذكر هذه الآية هنا هي أنه ينتزع منها حكم جاسوس الكفار يعلم ذلك من قصة حاطب قوله عدوي أي عدو ديني وعدوكم

(14/253)


عطف عليه وأولياء مفعول ثان لقوله لا تتخذوا والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد
211 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال سفيان وأي إسناد هذا )
مطابقته للترجمة من حيث أن تلك الظعينة التي معها كتاب كان حكمها حكم الجاسوس واختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار
( ذكر رجاله ) وهم ستة الاول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني سفيان بن عيينة الثالث عمرو بن دينار المكي الرابع حسن بن محمد بن الحنفية أبو محمد الهاشمي المدني مات في زمن عبد الملك بن مروان الخامس عبيد الله بضم العين ابن أبي رافع واسمه أسلم مولى رسول الله السادس علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن قتيبة وفي التفسير عن الحميدي وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحق بن إبراهيم وابن أبي عمر وأخرجه أبو داود في الجهاد عن مسدد وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور وعبيد الله بن سعد السرخسي رحمهم الله تعالى
( ذكر معناه ) قوله روضة خاخ بخاءين معجمتين بينهما ألف وقال السهيلي كان هشيم يصحفها فيقول خاج بخاء وجيم وذكر البخاري أن أبا عوانة كان يقولها كما يقول هشيم وذكر ياقوت مائة وثلاثين روضة في بلاد العرب منها روضة خاخ وهو موضع بين مكة والمدينة قوله ظعينة بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهي المرأة في الهودج ولا يقال ظعينة إلا وهي كذلك لأنها تظعن بارتحال الزوج وقيل أصلها الهودج وسميت به المرأة لأنها تكون فيه وقال ابن فارس الظعينة المرأة وهو من باب الاستعارة وأما الظعائن فالهوادج كانت فيها نساء أو لم تكن وكان اسمها سارة وقيل أم سارة وقيل كنود مولاة لقريش وقيل

(14/254)


لعمران بن صيفي وقيل كانت من مزينة من أهل العرج وفي الإكليل للحاكم وكانت مغنية نواحة تغني بهجاء رسول الله فأمر بها يوم الفتح فقتلت وذكرها أبو نعيم وابن منده في جملة الصحابيات ووقع في كتاب الأحكام للقاضي إسماعيل في قصة حاطب قال للذين أرسلهم أن بها امرأة من المسلمين معها كتاب إلى المشركين وأنهم لما أرادوا أن يخلعوا ثيابها قالت أولستم مسلمين انتهى وهذا مشكل لأن سيدنا رسول الله لما دخل مكة ذكرها في المستثنين بالقتل وبما قال الحاكم أيضا ويؤيده ما ذكر أبو عبيد البكري فإن بها امرأة من المشركين وقال الواحدي قال جماعة المفسرين أن هذه الآية يعني قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت رسول الله إلى المدينة من مكة وهو يتجهز لفتح مكة فقال ما جاء بك قالت الحاجة قال فأين أنت عن شباب أهل مكة وكانت مغنية قالت ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فكساها وحملها وأتاها حاطب بن أبي بلتعة كتب معها كتابا إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكتب في الكتاب إلى أهل مكة أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم فنزل جبريل عليه الصلاة و السلام بخبرها فبعث عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرسانا وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب إلى المشركين فخذوه وخلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها وفي تفسير النسفي أتت سارة رسول الله من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين ورسول الله يتجهز لفتح مكة فقال رسول الله أمسلمة جئت قالت لا قال أمهاجرة جئت قالت لا قال فما حاجتك قالت ذهب الموالي يعني قتلوا يوم بدر فاحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني فحث عليها رسول الله بني عبد المطلب وبني المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة فأتاها حاطب فكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا واستحملها كتابا إلى أهل مكة نسخته من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة اعلموا أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم وقال السهيلي الكتاب أما بعد فإن رسول الله قد توجه إليكم في جيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم وأنجز له بوعده فيكم فإن الله وليه وناصره وفي تفسير ابن سلام أن فيه أن محمدا رسول الله قد نفر إما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذر وقيل كان فيه أنه آذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم فقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي إليكم قوله تعادى بنا خيلنا بلفظ الماضي أي تباعد وتجارى وبالمضارع بحذف إحدى التاءين قوله أو لتلقين الثياب قال ابن التين صوابه في العربية بحذف الياء ( قلت ) القياس ما قاله لكن صحت الرواية بالياء فتناول الكسرة بأنها لمشاكلة لتخرجن وباب المشاكلة واسع فيجوز كسر الياء وفتحها فالفتحة بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة قال الكرماني ويروى بفتح القاف ورفع الثياب قوله فأخرجته أي الكتاب من عقاصها بكسر العين المهملة وبالقاف وبالصاد المهملة وهو الشعر المضفور ويقال هي التي تتخذ من شعرها مثل الوقاية وكل خصلة منه عقيصة والعقص لي خصلات الشعر بعضه على بعض وقال المنذري هو لي الشعر بعضه على بعض على الرأس ويدخل أطرافه في أصوله قال ويقال هي التي تتخذ من شعرها مثل الرمانة قال وقيل العقاص هو الخيط الذي يجمع فيه أطراف الذوائب وعقص الشعر ضفره ويقال العقاص السير الذي يجمع به شعرها على رأسها والعقص الضفر والضفر الفتل وقال ابن بطال وفي رواية أخرجته من حجزتها قوله فأتينا به أي بالكتاب ويروى بها أي بالصحيفة قال الكرماني أو بالمرأة قلت فيه نظر لأنا قد ذكرنا عن الواحدي أن في روايته معها كتاب إلى المشركين فخذوه فخلوا سبيلها قوله إلى أناس من المشركين قال الكرماني هو كلام الراوي وضع موضع إلى فلان وفلان المذكورين في الكتاب قلت لم يطلع الكرماني على أسماء المكتوب إليهم فلذلك قال هكذا والذين كتب إليهم هم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل قوله ملصقا في قريش أي مضافا إليهم ولست منهم وأصل ذلك من إلصاق الشيء بغيره ليس منه ولذلك قيل للدعي في القوم ملصق وقيل معناه حليفا ولم يكن من نفس قريش وأقربائهم قوله وكان معك كذا في الرواية الصحيحة

(14/255)


وعند مسلم ممن معك بزيادة من والصواب إسقاطها لأن من لا تزاد في الموجب عند البصريين وأجازه بعض الكوفيين قوله إذ فاتني ذلك كلمة إذ بمعنى حين وذلك إشارة إلى قوله لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمولهم قوله أن أتخذ كلمة أن مصدرية في محل النصب لأنه مفعول أحببت قوله يدا أي نعمة ومنة عليهم قوله كفرا نصب على التمييز وما بعده عطف عليه قوله هذا المنافق إنما أطلق عمر رضي الله تعالى عنه اسم النفاق عليه لأنه والى كفار قريش وباطنهم وإنما فعل حاطب ذلك متأولا في غير ضرر لرسول الله وعلم الله صدق نيته فنجاه من ذلك وقال الحافظ قال عمر دعني أضرب عنقه يعني كفر وقال الباقلاني في قضية هذا الكتاب هذه اللفظة ليست بمعروفة قيل يحتمل أن يكون المراد بها كفر النعمة وقال ابن التين يحتمل أن يكون قول عمر هذا قبل قوله لقد صدقكم وقد أثبت الله له الإيمان في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم الآية وكانت أمه بمكة فأراد أن يحفظوها فيها وعن الطبري كان هذا من حاطب هفوة وقد قال فيما روته عمرة عن عائشة أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم قال فإن ظن ظان أن صفحه عنه كان لما أعلم الله من صدقه فلا يجوز لمن بعد الرسول أن يعلم ذلك فإن ظن فقد ظن خطأ لأن أحكام الله عز و جل في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم لا بما يظن قوله لعل الله كلمة لعل استعملت استعمال عسى قال النووي معنى الترجي فيها راجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه لأن وقوع هذا الأمر محقق عنده وما يدريك على التحقيق بعثا له على التفكر والتأمل ومعناه أن الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد استوفي منه قوله اعملوا ما شئتم ظاهره الاستقبال وقال ابن الجوزي ليس هو على الاستقبال وإنما هو للماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر ويدل على هذا شيئا أحدهما أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر والثاني أنه يكون إطلاقا في الذنوب ولا وجه لذلك وقال القرطبي هذا التأويل وإن كان حسنا لكن فيه بعد لأن اعملوا صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب قط صيغة الأمر موضع الماضي لا بقرينة ولا بغير قرينة كذا نص عليه النحويون وصيغة الأمر إذا وردت بمعنى الإباحة إنما هي بمعنى الإنشاء والابتداء لا بمعنى الماضي فكان كقول القائل أنت وكيلي وقد جعلت لك التصرف كيف شئت فإنما يقتضي إطلاق التصرف من وقت التوكيل لا قبل ذلك قال وقد ظهر لي وجه وهو أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف يتضمن أن هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ذنوب مستأنفة إن وقعت منهم لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت منه أهليتها وكذلك القضاء وغيره وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع من الذنوب ثم أن الله عز و جل أظهر صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن توفوا ومن وقع منهم في أمر ما أو مخالفة لجأ إلى توبة ولازمها حتى لقي الله عليها يعلم ذلك قطعا من حالهم من طالع سيرهم وأخبارهم قوله قال سفيان وأي إسناد هذا أراد به سفيان بن عيينة تعظيم هذا الإسناد وصحته وقوته لأن رجاله هم الأكابر العدول الثقات الحفاظ
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه هتك سر الجاسوس رجلا كان أو امرأة إذا كانت في ذلك مصلحة أو كان في الستر مفسدة وقال الداودي الجاسوس يقتل وإنما نفى القتل عن حاطب لما علم النبي منه ولكن مذهب الشافعي وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله وإن كان ذا هيئة عفي عنه لهذا الحديث وعن أبي حنيفة والأوزاعي يوجع عقوبة ويطال حبسه وقال ابن وهب من المالكية يقتل إلا أن يتوب وعن بعضهم أنه يقتل إذا كانت عادته ذلك وبه قال ابن الماجشون وقال ابن القاسم يضرب عنقه لأنه لا تعرف توبته وبه قال سحنون ومن قال بقتله فقد خالف الحديث وأقوال المتقدمين وقال الأوزاعي فإن كان كافرا يكون ناقضا للعهد وقال أصبغ الجاسوس الحربي يقتل والمسلم والذمي

(14/256)


يعاقبان إلا أن يظاهرا على الإسلام فيقتلان وفيه كما قال الطبري إذا ظهر للإمام رجل من أهل الستر أنه قد كاتب عدوا من المشركين ينذره مما أسره المسلمون فيهم من عزم ولم يكن معروفا بالغش للإسلام وأهله وكان ذلك من فعله هفوة وزلة من غير أن يكون لها أخوات يجوز العفو عنه كما فعل رسول الله بحاطب من عفوه عن جرمه بعدما اطلع عليه من فعله وفيه البيان عن بعض أعلام النبوة وذلك إعلام الله تعالى نبيه بخبر المرأة الحاملة كتاب حاطب إلى قريش ومكانها الذي هي به وذلك كله بالوحي وفيه هتك ستر المريب وكشف المرأة العاصية وفيه أن الجاسوس لا يخرجه تجسسه من الإيمان وفيه الحجة لترك إنفاذ الوعيد من الله لمن شاء ذلك لقوله لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب قبل وقوعه وفيه جواز تجريد العورة عن السترة عند الحاجة قاله ابن العربي وفيه دلالة على أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل قاله ابن الجوزي وفيه أن من أتى محظورا وادعى في ذلك ما يحتمل التأويل كان القول قوله في ذلك وإن كان غالب الظن خلافه
( باب الكسوة للأسارى )
أي هذا باب في بيان ما جاء من الكسوة للأسارى قال ابن التين الكسوة بكسر الكاف وضمها وفي المغرب الكسوة اللباس والضم لغة وجمعه كسى بالضم يقال كسوته إذا ألبسته ثوبا والكاسي خلاف العاري وجمعه كساة كعراة جمع عار والأسارى جميع أسير
212 - ( حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي إياه فلذلك نزع النبي قميصه الذي ألبسه قال ابن عيينة كانت له عند النبي يد فأحب أن يكافئه )
مطابقته للترجمة تأخذ من قوله فكساه النبي إياه وذلك لأن العباس بن عبد المطلب عم النبي كان في جملة الأسارى يوم بدر وكان عريانا فكساه النبي وحديث جابر هذا قد مضى في أواخر كتاب الجنائز في باب هل يخرج الميت من القبر بأتم من هذا فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله فنظر النبي له أي للعباس قميصا أي نظر يطلب قميصا لأجله فوجدوا قميص عبد الله بن أبي بن سلول وكان العباس طوالا كأنه الفسطاط وكان أبوه عبد المطلب أطول منه وكان ابنه عبد الله إذا مشى مع الناس كأنه راكب والناس مشاة وكان العباس أطول منه فلم يجدوا قميصا قدره إلا قميص عبد الله بن أبي بن سلول وهو معنى قوله يقدر عليه بضم الدال من قدرت الثوب عليه قدرا فانقدر أي جاء على المقدار قوله إياه أي قميص عبد الله قوله فلذلك أي فلأجل ذلك نزع النبي قميصه من بدنه فألبسه عبد الله بعد وفاته مكافأة على صنيعه وهو معنى قوله قال ابن عيينة أي سفيان بن عيينة كانت له أي لعبد الله عند النبي يد أي نعمة فأحب النبي أن يكافئه وفيه أن المكافأة تكون في الحياة وبعد الممات وفيه كسوة الأسارى والإحسان إليهم ولا يتركون عراة فتبدو عوراتهم ولا يجوز النظر إلى عورات المشركين -
341 -
( باب فضل من أسلم على يديه رجل )
أي هذا باب في بيان فضل من أسلم على يديه رجل

(14/257)


9003 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله ابن عبد القاري ) عن ( أبي حازم ) قال أخبرني ( سهل ) رضي الله تعالى عنه يعني ابن سعد قال قال النبي يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى فغدوا كلهم يرجوه فقال أين علي فقيل يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لأن يهدي الله بك إلى آخره ويعقوب القاري بالقاف والراء منسوب إلى القارة هم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج والحديث مضى في كتاب الجهاد وأخرجه أيضا في المغازي عن قتيبة في الكل وقد مضى الكلام فيه في باب ما قيل في لواء النبي فإنه أخرجه هناك من حديث سلمة بن الأكوع
قوله أيهم يعطى بضم الياء في يعطى وفتح الطاء على صيغة المجهول فعلى هذا أيهم بضم الياء ويروى يعطي على صيغة المعلوم وعلى هذا أيهم بالنصب قوله يرجوهويروى يرجونه قوله على رسلك بكسر الراء وسكون السين أي على هينتك قوله لأن يهدي الله كلمة أن مصدرية في محل الرفع على الابتداء وخبره قوله خير لك قوله من حمر النعم بضم الحاء أي كرامها وأعلاها منزلة قاله ابن الأنباري وعن الأصمعي بعير أحمر إذا لم يخالط حمرته بشيء فإن خالطت حمرته فهو كميت والمراد بحمر النعم الإبل خاصة وهي أنفسها وخيارها قال الهروي يذكر ويؤنث وأما الأنعام فالإبل والبقر والغنم
441 -
( باب الأساري في السلاسل )
أي هذا باب في بيان كون الأسارى في السلاسل وهو جمع سلسلة وقال أبو داود باب الأسير يوثق وذكر فيه حديث ثمامة بن أثال وحديث الحارث بن برصاء وأنهما أوثقا وجيء بهما إلى رسول الله والإيثاق أعم من أن يكون بالسلسلة أو بالحبال
0103 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن زياد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل
( الحديث 0103 - طرفه في 7554 )
قيل إن كان المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق فالترجمة مطابقة وإن كان المراد المجاز عن الإكراه فليست بمطابقة وقال المهلب يعني أنهم يدخلون الجنة في الإسلام مكرهين وسمى الإسلام باسم الجنة لأنه سببها ومن دخله دخل الجنة قلت فعلى هذا يكون ذكر المسبب وإرادة السبب قلت هذا مجاز وقيل يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين في السلاسل عند أهل الكفر يموتون على ذلك أو يقتلون فيحشرون كذلك وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم فيها قلت هذا أيضا مجاز ولكن لا مانع أن يكون المراد من الترجمة الحقيقة على تقدير أن يقال يدخلون الجنة وكانوا في الدنيا في السلاسل وقال الطيبي يحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات العلى قلت هذا أيضا مجاز
وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون محمد بن جعفر البصري
قوله عجب الله من قوم قد مر غير مرة أن المراد من إطلاق ما يستحيل على الله لازمه وغايته نحو الرضا والإثابة فيه قوله يدخلون الجنة في السلاسل وفي رواية أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد بلفظ يقادون إلى الجنة بالسلاسل

(14/258)


541 -
( باب فضل من أسلم من أهل الكتابين )
أي هذا باب في بيان فضل من أسلم من أهل الكتابين وهما التوراة والإنجيل وأهلهما اليهود والنصاري
1103 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان بن عيينة ) قال حدثنا ( صالح بن حي أبو حسن ) قال سمعت ( الشعبي ) يقول حدثني ( أبو بردة ) أنه سمع أباه عن النبي قال ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ويؤديها فيحسن أدبها ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمنا ثم آمن بالنبي فله أجران والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده فله أجران
مطابقته للترجمة في قوله ومؤمن من أهل الكتاب إلى قوله فله أجران فإذا كان له أجران فله الفضل والشعبي هو عامر وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه الحارث ويقال عامر ويقال اسمه كنيته وقد مر غير مرة وأبوه أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله ابن قيس والحديث مر في كتاب العلم في باب تعليم الرجل أمته وأهله فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن المحاربي عن صالح بن حيان عن عامر الشعبي عن أبي بردة عن أبيه وحي لقب حيان فلذلك ذكر هنا بصالح بن حيان وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
ثم قال الشعبي وأعطيتكها بغير شيء وقدح كان الرجل يرحل في أهون منها إلى المدينة
أي قال عامر الشعبي يخاطب صالحا أعطيتك هذه المسألة أو المقالة ويروي أعطيكها بلفظ المستقبل قوله بغير شيء أي بغير أخذ مال منك على جهة الأجرة عليه قوله وقد كان الرجل يرحل أي يسافر في أهون منها أي من هذه المسألة إلى المدينة أي مدينة النبي واللام فيها للعهد وفي باب تعليم الرجل أمته قد كان يركب فيما دونها ومراد الشعبي من هذا الكلام الحث على طلب العلم ولا سيما إذا كان المعلم حاضرا فافهم
641 -
( باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري )
أي هذا باب في حكم أهل الدار أي أهل دار الحرب قوله يبيتون على صيغة المجهول من التبييت يقال بيت العدو أي أوقع بهم ليلا قوله فيصاب الولدان أي بسبب التبييت والولدان جمع الوليد وهي الصبي قوله والذراري بالرفع والتشديد عطفا على الولدان ويجوز بالسكون والتخفيف وهو جمع ذرية وجواب المسألة محذوف تقديره هل يجوز ذلك أم لا وحكمهما يعلم من الحديث
بيانا ليلا
ليس من الترجمة بل هو من القرآن وقد جرت عادته أنه إذا وقع في الخبر لفظة توافق ما وقع في القرآن أورد تفسيرا للفظ الواقع في القرآن وهذه اللفظة في آية في سورة الأعراف وهي قوله تعالى وكم من قرية أهلكناها فجاءنا بأسنا بياتا أو هم قائلون ( الأعراف 4 ) أهلكناها أي أهلكنا أهلها بمخالفتهم رسلنا وتكذيبهم قوله بأسنا أي نقمتنا قوله بياتا أي ليلا أو هم قائلون من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار وقال بعض الشراح موضع بياتا نياما بنون وميم من النوم وجعل هذه اللفظة من الترجمة فقال والعجب لزيادته في الترجمة نياما وما هو في الحديث إلا ضمنا لأن الغالب أنهم إذا أوقع بهم في الليل لم يخلوا من نائم وما الحاجة إلى كونهم نياما أو أيقاظا وهما سواء إلا أن قتلهم نياما أدخل في الغيلة فنبه على جوازها مثل هذا انتهى وقال صاحب ( التلويح ) هذا من قول البخاري ما لم يقله والذي رأيت في عامة ما رأيت من نسخ ( كتاب الصحيح ) بياتا بباء موحدة وبعد الألف تاء مثناة من فوق وكأن هذا القائل وقعت له نسخة مصحفة أو تصحف عليه بياتا

(14/259)


بنياما انتهى قلت هذا القائل لا يستحق هذا المقدار من الحط عليه وله أن يقول رأيت عامة ما رأيت من نسخ كتاب ( الصحيح ) نياما بالنون والميم وهذا محل نظر وتأمل مع أنا وافقنا صاحب ( التلويح ) فيما قاله حيث قلنا آنفا إن لفظ بياتا ليس من الترجمة بل هو من القرآن
ليبيتنه ليلا يبيت ليلا
أكد صاحب ( التلويح ) كلامه الذي ذكرناه الآن بهاتين اللفظتين حيث قال يوضحه أي يوضح ما ذكره في بعض النسخ من قول البخاري لبيتنه ليلا يبيت ليلا وقال بعضهم هذه الزيادة وقعت عند غير أبي ذر قلت هذا كله ليس بوجه قوي في الرد على ذلك القائل لأنه لا يلزم من ذكر هاتين اللفظتين في بعض النسخ أن يكون لفظ بياتا بالباء الموحدة ويجوز أن يكون بالنون والميم ويكون من الترجمة ثم ذكر هاتين اللفظتين لكونهما من القرآن أما الأولى ففي سورة النمل في قوله تعالى قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ( النمل 94 ) الآية يعني قالوا متقاسمين بالله لنبيتنه قرأ حمزة والكسائي بضم التاء على الخطاب وقرأ الباقون بالنون وهو من البيات وهو مباغتة العدو ليلا وأما الثانية ففي سورة النساء في قوله تعالى بيت طائفة منهم غير الذي تقول ( النساء 18 ) وهي في السبعة وهو من التبييت في الليل لأنه وقت البيتوتة فإن ذلك الوقت أخلى للفكر وقال أبو عبيدة كل شيء قدر بليل تبييت
2103 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( عبيد الله ) عن ( ابن عباس ) عن ( الصعب بن جثامة ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال مر بي النبي بالأبواء أو بودان وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم قال هم منهم وسمعته يقول لا حمى إلا لله ولرسوله وعن الزهري أنه سمع عبيد الله عن ابن عباس قال حدثنا الصعب في الذراري كان عمرو يحدثنا عن ابن شهاب عن النبي فسمعناه من الزهري قال أخبرني عبيد الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الصعب قال هم منهم ولم يقل كم قال عمرو هم من آبائهم
( انظر الحديث 0732 )
مطابقته للترجمة في قوله وسئل عن أهل الدار إلى قوله وسمعته ورجاله كلهم قد ذكروا وعبيد الله هو ابن عبد الله ابن عتبة بن مسعود والصعب ضد السهل ابن جثامة بفتح وتشديد الثاء المثلثة ابن قيس بن ربيعة الليثي مر في جزاء الصيد
والحديث أخرجه بقية الستة فمسلم أخرجه في المغازي وأبو داود وابن ماجه في الجهاد والترمذي والنسائي في السير
ذكر معناه قوله بالأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد من عمل الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرين ميلا سميت بذلك لتبوء السيول بها وبه توفيت أم رسول الله قوله أو بودان شك من الراوي وهي بفتح الواو وتشديد الدال المهملة وبعد الألف نون وهي قرية جامعة بينها وبين الأبواء ثمانية أميال قريب من الجحفة وهي أيضا من عمل الفرع قوله وسئل على صيغة المجهول والواو فيه للحال ويروى فسئل بالفاء قوله عن أهل الدار أي عن أهل دار الحرب وفي رواية مسلم سئل عن الذراري من المشركين يبيتون من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم رواه عن يحيى بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة وفي لفظ له عن الصعب قال قلت يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين قال هم منهم وفي لفظ له أن النبي قيل له لو أن خيلا غارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين قال هم من آبائهم وترجم مسلم على هذا باب ما أصيب من ذراري العدو في البيات وقال النووي هكذا هو في أكثر نسخ بلادنا سئل

(14/260)


عن الذراري وفي بعضها سئل عن ذراري المشركين ونقل القاضي هذه عن رواية جمهور رواة ( صحيح مسلم ) قال وهي الصواب فأما الرواية الأولى فقال ليست بشيء بل هي تصحيف قال وما بعده يبين غلطه وقال النووي وليست باطلة كما ادعى القاضي بل لها وجه وتقديره سئل عن حكم صبيان المشركين الذين يبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال هم من آبائهم أي لا بأس بذلك لأن أحكاما البلد جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك والمراد إذا لم يتعمد من غير ضرورة قوله يبيتون على صيغة المجهول وقعت حالا عن أهل الدار من التبييت وهو أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف رجل من امرأة قوله من المشركين بيان الدار قوله فيصاب من نسائهم وذراريهم وفي رواية مسلم إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين كما مر وقال النووي والمراد بالذراري هنا النساء والصبيان قلت كيف يراد من الذراري النساء وهذا كما رأيت في رواية البخاري عطف الذراري على النساء قوله هم منهم أي النساء والذراري من أهل الدار من المشركين
فإن قلت هذا يخالف ما ذكره البخاري فيما بعد عن ابن عمر نهى عن قتل النساء والصبيان وما رواه مسلم عن بريدة اغزوا فلا تقتلوا وليدا وسيروا ولا تمثلوا وما رواه الترمذي عن سمرة اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم وقال حسن صحيح غريب وما رواه النسائي عن ابن عباس أن رسول الله لم يقتلهم فلا يقتلهم بقوله لنجدة الحروري وما رواه أبو داود والنسائي من حديث رياح بكسر الراء وبالياء آخر الحروف ابن الربيع وفيه فقال الخالد رضي الله تعالى عنه لا تقتلن امرأة ولا عسيفا وما رواه أحمد من حديث الأسود بن سريع وفيه ألا لا تقتلوا ذرية ألا لا تقتلوا ذرية وما رواه أحمد أيضا من حديث ابن عباس وفيه ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع وما رواه الطبراني في ( الأوسط ) من حديث أبي سعيد الخدري قال نهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان وقال هما لمن غلب وما رواه أيضا من حديث أبي ثعلبة الخشني قال نهى رسول الله عن قتل النساء والولدان وما رواه أبو داود من حديث أنس وفيه لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة وما رواه أبو يعلى الموصلي من حديث جرير بن عبد الله وفيه ولا تقتلوا الولدان وما رواه البزار في ( مسنده ) من حديث ابن عمر وفيه لا تقتلوا وليدا وما رواه أيضا من حديث عوف ابن مالك وفيه لا تقتلوا النساء وما رواه أحمد في ( مسنده ) من حديث ثوبان مولى رسول الله أنه سمع رسول الله يقول من قتل صغيرا أو كبيرا أو أحرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة أو ذبح شاة لأهلها لم يرجع كفافا وما رواه الطبراني من حديث كعب أن النبي نهى عن قتل النساء والولدان
قلت قال الخطابي قوله هم منهم يريد في حكم الدين فإن ولد الكافر محكوم له بالكفر ولم يرد بهذا القول إباحة دمائهم تعمدا لها وقصدا إليها وإنما هو إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بهم فإذا أصيبوا لاختلاطهم بالآباء لم يكن عليهم في قتلهم شيء وقد نهى النبي عن قتل النساء والصبيان فكان ذلك على القصد لا قتال فيهن فإذا قاتلهن فقد ارتفع الحظر وأحل دماء الكفار إلا بشرط الحقن ولما روى الترمذي حديث ابن عمر الذي فيه نهى عن قتل النساء والصبيان على ما يأتي إن شاء الله تعالى قال والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم كرهوا قتل النساء والولدان وهو قول الثوري والشافعي ورخص بعض أهل العلم في البيات وقتل النساء فيهم والولدان وهو قول أحمد وإسحاق وقال شيخنا وما حكاه الترمذي عن الثوري والشافعي من كراهة قتل النساء والصبيان ظاهر في ترك القتل مطلقا في البيات وغيره وليس كذلك أما قتلهم في غير البيات فأجمعوا على تحريمه إذا لم يقاتلوا كما حكاه النووي في ( شرح مسلم ) فإن قاتلوا فقال في ( شرح مسلم ) حكاية عن جماهير العلماء يقتلون وقال الطحاوي رحمه الله تعالى باب ما نهى عن قتله من النساء والولدان في دار الحرب ثم أخرج عن تسعة أنفس من الصحابة في النهي عن قتل الولدان والنسوان وقد مرت أحاديث أكثرهم عن قريب ثم قال فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على كل حال وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم وكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان فحرام عليهم رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف في ذلك تلف نسائهم

(14/261)


وولدانهم واحتجوا في ذلك بهذه الأحاديث التي رويناها قلت أراد بالقوم هؤلاء الأوزاعي ومالكا والشافعي في قول وأحمد في رواية
وقال أبو عمر اختلفوا في رمي الحصون بالمنجنيق إذا كان فيها أطفال المشركين أو أسارى المسلمين فقال مالك لا يرمى الحصن ولا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى المسلمين قال الأوزاعي إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا ولا تحرق المركب الذي فيه أسارى المسلمين وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في ( الصحيح ) وأحمد وإسحاق إذا كان لا يوصل إلى قتلهم إلا بتلف الصبيان والنساء فلا بأس به وقال أبو عمر قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا بأس برمي حصون المشركين وإن كان فيها أسارى من المسلمين وأطفالهم أو أطفال المشركين ولا بأس أن تحرق السفن ويقصد به المشركون فإن أصابوا واحدا من المسلمين بذلك فلا دية ولا كفارة وقال الثوري إن أصابوه ففيه الكفارة ولا دية قوله وسمعته يقول أي قال الصعب بن جثامة سمعت النبي يقول ويروى فيقول وهي رواية أبي ذر وبالواو أظهر قوله لا حمى إلا لله ولرسوله هذا حديث مستقل مضى في كتاب المساقاة في باب لا حمى إلا لله ولرسوله أخرجه عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة قال إن رسول الله لا حمى إلا لله ولرسوله وقد مضى الكلام فيه هناك فإن قلت ما وجه ذكر هذا الحديث في أثناء حديث الباب قلت كانوا يحدثون بالأحاديث على نحو ما كانوا يسمعونها وقيل هذا يشبه أن يكون شبيها بما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نحن الآخرون السابقون ثم وصله بحديث آخر ليس فيه شيء من معناه كما ذكرناه قوله وعن الزهري موصول بالإسناد الأول حدثنا الصعب في الذراري أشار بهذا إلى أن في هذه الرواية عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قوله حدثنا الصعب في الذراري أشار بهذا إلى أن في هذه الرواية عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس حدثنا الصعب في الذراري أي سئل عن الذراري وكذا وقع في بعض النسخ لمسلم سئل عن الذراري وقد ذكرنا عن قريب عن النووي أنه قال المراد بالذراري هنا النساء والصبيان قوله كان عمرو يحدثنا أي قال سفيان بن عيينة كان عمرو بن دينار يحدثنا عن ابن شهاب وهو الزهري عن النبي مرسلا وقال بعضهم في سياق هذا الباب عن الزهري عن النبي يوهم أن رواية عمرو بن دينار عن الزهري هكذا بطريق الإرسال وبذلك جزم بعض الشراح وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق العباس بن يزيد حدثنا سفيان قال كان عمرو يحدثنا قبل أن يقدم الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال فقدم علينا الزهري فسمعته يعيده ويبديه فذكر الحديث انتهى قلت أراد ببعض الشراح الكرماني فإنه قال إنه مرسل والصواب معه فإن صورة ما وقع هنا صورة الإرسال ولا نزاع في ذلك بحسب الظاهر ولا يندفع صورة الإرسال هنا بإخراج الإسماعيلي كما ذكره قوله ولم يقل كما قال عمرو هم من آبائهم بيان هذا الموضع هو أن سفيان بن عيينة قال كان عمرو بن دينار يحدثنا بهذا الحديث عن الزهري مرسلا عن النبي أنه قال هم من آبائهم فسمعناه بعد ذلك من الزهري أنه قال أخبرني عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب عن النبي أنه قال هم منهم ولم يقل كما قال عمرو من آبائهم وقال الترمذي حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس قال أخبرني الصعب بن جثامة قال قلت يا رسول الله إن خيلنا وطئت من نساء المشركين وأولادهم قال هم من آبائهم هذا حديث حسن صحيح وقد أخرج ابن حبان في حديث الصعب زيادة في آخره ثم نهى عنه يوم حنين وأشار الزهري إلى نسخ حديث الصعب وحكي الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب قلت حديث رياح بن الربيع الذي مر عن قريب يدل على أن النهي كان متأخرا عن حديث الصعب لأن خالدا رضي الله تعالى عنه إنما كان مع النبي مقاتلا سنة ثمان والله تعالى أعلم

(14/262)


741 -
( باب قتل الصبيان في الحرب )
أي هذا باب في بيان النهي عن قتل الصبيان في الحرب لقصورهم عن فعل الكفر ولأن في استبقائهم انتفاعا بالرقبية أو بالفداء عند من يجوز أن يفادى بهم
4103 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال أخبرنا ( الليث ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أخبره أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة فأنكر رسول الله قتل النساء والصبيان
( الحديث 4103 - طرفه في 5103 )
مطابقته للترجمة في قوله والصبيان أي وقتل الصبيان في الحرب وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي والليث هو ابن سعد وعبد الله هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود في الجهاد عن يزيد بن خالد ابن وهب وقتيبة
841 -
( باب قتل النساء في الحرب )
أي هذا باب في بيان النهي عن قتل النساء في الحرب
5103 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال قلت ل ( أبي أسامة حدثكم عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان
( انظر الحديث 4103 )
مطابقته للترجمة في قوله عن قتل النساء وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه وأبو أسامة هو حماد بن أسامة وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب والحديث أخرجه مسلم أيضا في المغازي عن أبي بكر
قوله حدثكم عبيد الله هو سؤال إسحاق عن أبي أسامة عن تحديث هذا الحديث وفيه أنه إذا قال لشيخه حدثكم أو أخبركم فلان فقال نعم أو سكت في جوابه مع قريبنة الإجابة جازت الرواية عنه وهنا سكت وإسحاق روى هذا الحديث في ( مسنده ) بهذا السياق وزاد في آخره فأقر به أبو أسامة وقال نعم وقال بعضهم وعلى هذا فلا حجة فيه لمن قال فيه إن من قال لشيخه حدثكم فلان فسكت جاز ذلك مع القرينة لأنه تبين من هذه الطريقة الأخرى أنه لم يسكت انتهى قلت قول أبي أسامة في هذا الطريق نعم لا يستلزم عدم سكوته في الطريقة الآخر فإذا فاتت القرينة الدالة على الإجابة عند سكوت الشيخ يكون حكمه حكم التصريح بقوله نعم وغرض هذا القائل بما ذكره الرد على الكرماني فإنه جعل السكوت مع القرينة كالتصريح على ما ذكرناه
941 -
( باب لا يعذب بعذاب الله )
أي هذا باب يذكر فيه لا يعذب بعذاب الله ولا يعذب على صيغة المجهول
6103 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( بكير ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أنه قال بعثنا رسول الله في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموها فاقتلوهما
( الحديث 4592 - طرفه في 5103 )

(14/263)


مطابقته للترجمة في قوله وإن النار لا يعذب بها إلا الله وبكير بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن الأشج والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد معلقا في باب التوديع وقال ابن وهب أخبرني عمرو عن بكير عن سليمان ابن يسار عن أبي هريرة الحديث وقد مضى الكلام فيه هناك قوله حدثنا الليث عن بكير وفي رواية أحمد عن هشام عن القاسم عن الليث حدثني بكير بن عبد الله الأشج فأفاد شيئين أحدهما التصريح بالتحديث والآخر نسبة بكير قوله عن أبي هريرة كذا في جميع الطرق عن الليث ليس بين سليمان بن يسار وأبي هريرة فيه أحد وكذلك أخرجه النسائي من طريق عمرو ابن الحارث وغيره عن بكير وخالفه محمد بن إسحاق فرواه في ( السيرة ) عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير فأدخل بين سليمان ابن يسار وأبي هريرة أخبرنا إسحاق الدوسي وقد ذكرنا هناك أن ابن أبي شيبة سماه إبراهيم
7103 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) أن عليا رضي الله تعالى عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم كما قال النبي من بدل دينه فاقتلوه
مطابقته للترجمة في قوله لا تعذبوا بعذاب الله وعلى بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأيوب هو السختياني وعكرمة هو مولى ابن عباس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في استتابة المرتدين عن أبي النعمان محمد بن الفضل وأخرجه أبو داود في الحدود عن أحمد بن حنبل وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن عبدة الضبي وأخرجه النسائي في المحاربة عن محمد بن عبد الله المخزومي وعن عمران بن موسى وعن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه في الحدود عن محمد ابن الصباح
قوله إن عليا حرق قوما وفي رواية الحميدي أن عليا أحرق المرتدين يعني الزنادقة وفي رواية ابن أبي عمر وعمر ابن عباد جميعا عن سفيان قال رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمار الدهني اجتمعوا فتذاكروا الذين أحرقهم علي فقال أيوب فذكر الحديث قال فقال عمار لم يحرقهم ولكن حفر لهم حفائر وحرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم وقال عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الدهني في إنكاره أصل التحريق وقال المهلب ليس نهيه عن التحريق على التحريم وإنما هو على سبيل التواضع والدليل على أنه ليس بحرام سمل الشارع أعين الرعاة بالنار وتحريق الصديق رضي الله تعالى عنه الفجاءة بالنار في مصلى المدينة بحضرة الصحابة وتحريق علي رضي الله تعالى عنه الخوارج بالنار وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون على أهلها بالنار وقول أكثرهم بتحريق المراكب وهذا كله يدل على أن معنى الحديث على الندب وممن كره رمي أهل الشرك بالنار عمرو بن عباس وابن عبد العزيز وهو قول مالك وأجازه علي وحرق خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ناسا من أهل الردة فقال عمر للصديق إنزع هذا الذي يعذب بعذاب الله فقال الصديق لا أنزع سيفا سله الله على المشركين وأجاز الثوري رمي الحصون بالنار وقال الأوزاعي لا بأس أن يدخن عليهم في المطمورة إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة ويحرقوا ويقتلوا كل قتال ولو لقيناهم في البحر رميناهم بالنفط والقطران وأجاز ابن القاسم رمي الحصن بالنار والمراكب إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة فقط قوله لو كنت أنا خبره محذوف أي لو كنت أنا بدله وكان ذلك من علي بالرأي والاجتهاد قوله لأن النبي قال لا تعذبوا بعذاب الله هذا أصرح في النهي من الذي قبله وأخرج أبو داود هذا الحديث عن أحمد بن حنبل وفي آخره فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن عباس ورأيت في نسخة صحيحة ويح أم ابن عباس قوله من بدل دينه فاقتلوه هذا يدل على أن كل من بدل دينه يقتل ولا يحرق بالنارد وبه احتج ابن الماجشون أن المرتد يقتل ولا يستتاب وجمهور الفقهاء على استتابته فإن تاب قبلت توبته واحتج به الشافعي أيضا في قوله من انتقل من كفر إلى كفر أنه يقتل إن لم يسلم وهذا مثل اليهدوي إذا تنصر أو النصراني إذا تهود وعند أبي حنيفة لا يقتل لأن الكفر كله ملة واحدة واحتج به الشافعي أيضا في قتل المرتدة وعند أبي حنيفة لا تقتل بل تحبس

(14/264)


51 -
( باب فإما منا بعد وإما فداء ( محمد 04 ) )
أي هذا باب يذكر فيه التخيير بين المن والفداء في الأسرى لقوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء وأول هذا قوله تعالى فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ( محمد 04 ) قوله فإذا لقيتم من اللقاء وهو الحرب قوله فضرب الرقاب ( محمد 04 ) أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب مناب الفعل مضافا إلى المفعول وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد وضرب عبارة عن القتل لأن الواجب أن تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء مع أن في هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله فاضربوا فوق الأعناق قوله حتى إذا أثخنتموهم ( محمد 04 ) أي أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الشيء الثخين وهو الغليظ وقيل أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض وقيل قهرتموهم وغلبتموهم قوله فشدوا الوثاق ( محمد 04 ) وهو بفتح الواو اسم ما يوثق به قوله فإما منا منصوب بتقدير فإما تمنون منا وكذلك وإما تفدون فداء والمعنى التخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين أن يفادوهم وقال الضحاك قوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء ( محمد 04 ) ناسخة لقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( التوبة 5 ) ويروى مثله عن ابن عمر قال أليس الله بهذا أمرنا قال حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ( محمد 04 ) وهو قول عطاء والشعبي والحسن البصري كرهوا قتل الأسير وقالوا يمن عليه أويفادوه وبمثل هذا استدل الطحاوي فقال ظاهر الآية يقتضي المن أو الفداء ويمنع القتل
فيه حديث ثمامة
أي في هذا الباب حديث ثمامة بضم الثاء المثلثة ابن أثال بضم الهمزة وبالثاء المثلثة المخففة وقد مر حديثه في كتاب الصلاة في باب دخول المشرك المسجد ومر أيضا في باب الملازمة والإشخاص في موضعين أحدهما في باب التوثق ممن يخشى معرته والآخر في باب الربط والحبس في الحرم وسيأتي أيضا مطولا في أواخر كتاب المغازي في باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة ابن أثال وحاصله أنه بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد ثم أطلقه والله أعلم
وقوله عز و جل ما كان لنبي أن تكون له أسرى ( الأنفال 76 )
وتمام الآية حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ( الأنفال 76 ) وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه والحاكم في ( مستدركه ) من حديث عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر أن رسول الله قال لم أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر أسره رجل من الأنصار قال وقد أوعدته الأنصار إن يقتلوه فبلغ ذلك النبي فقال رسول الله وفيه إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فقال عمر رضي الله تعالى عنه فآتهم قال نعم فأتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا لا والله لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان لرسول الله رضا قالوا فإن كان لرسول الله رضا فخذه فأخذه عمر رضي الله تعالى عنه فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك قال فاستشار رسول الله أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال أبو بكر عشيرتك فأرسلهم فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه فقال ففاداهم رسول الله فأنزل الله عز و جل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ( الأنفال 76 ) الآية وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه
واختلف العلماء في هذا الباب منهم من قال لا يحل قتل أسير صبرا وإنما يمن عليه أو يفدى وقالوا إن قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ( التوبة 5 ) منسوخ بقوله فإما منا وإما فداء ( محمد 4 ) وهو قول جماعة من التابعين وقد ذكرناهم عن قريب ومنهم من قال لا يجوز في الأسرى من المشركين إلا القتل وجعلوا قوله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( التوبة 5 ) ناسخا لقوله فإما منا بعد

(14/265)


وإما فداء ( محمد 4 ) وهو قول مجاهد وقال غيرهم إن الآيتين جميعا محكمتان وهو قول ابن زيد وهو قول صحيح بين لأن إحداها لا تنفي الأخرى ينظر الإمام في ذلك مما يراه مصلحة أما القتل وإما الفداء أو المن وكذا قال أبو عبيد بن سلام وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وأبي ثور قال وقد فعل هذا كله سيدنا رسول الله في حروبه
وقال الطحاوي اختلف قول أبي حنيفة في هذا فروي عنه أن الأسرى لا تفادى ولا يردون حربا لأن في ذلك قوة لأهل الحرب وإنما يفادون بالمال وما سواه مما لا قوة لهم فيه وروي عنه أنه لا بأس أن يفادى بالمشركين أسارى المسلمين وهو قول أبي يوسف ومحمد ورأى أبو حنيفة أن المن منسوخ وقيل كان خاصا بسيدنا رسول الله وقال أبو عبيد والقول في ذلك عندنا أن الآيات جميعا محكمات لا منسوخ فيهن وذلك أنه عمل بالآيات كلها من القتل والأسر والفداء حتى توفاه الله تعالى على ذلك فكان أول أحكامه فيهم يوم بدر فعمل بها كلها يومئذ بدأ بالقتل فقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث في قفوله ثم قدم المدينة فحكم في سائرهم بالفداء ثم حكم يوم بني قريظة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقتل المقاتلة وسبى الذرية فنفذه رسول الله وأمضاه ثم كانت غزاة بني المصطلق رهط جويرية بنت الحارث فاستحياهم جميعا وأعتقهم ثم كان فتح مكة فأمر بقتل ابن خطل والقينتين وأطلق الباقين ثم كانت حنين فسبى هوازن ومن عليهم وقتل أباغرة الجمحي يوم أحد وقد كان من عليه يوم بدر وأطلق ثمامة بن أثال فهذه كانت أحكامه عليه الصلاة و السلام بالمن والفداء والقتل فليس شيء منها منسوخا والأمر فيهم إلى الإمام وهو مخير بن القتل والمن والفداء يفعل الأفضل في ذلك للإسلام وأهله وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور انتهى وقال أصحابنا لا يجوز مفاداة أسرى المشركين قال الله تعالى فاقتلوا المشركين حين وجدتموهم ( التوبة 5 ) الآية وقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( التوبة 92 ) وما ورد في أسرى بدر كله منسوخ ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمد فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخا للفداء المذكور في غيرها
151 -
( باب للأسير أن يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة )
أي هذا باب يذكر فيه هل للأسير في أيدي الكفار أن يقتل إلخ وإنما لم يذكر الجواب لمكان الاختلاف في فقال الجمهور إن ائتمنوه يفي لهم بالعهد حتى قال مالك لا يجوز أن يهرب منهم وخالفه أشهب فقال لو خرج به الكافر ليفادى به فله أن يقتله وقال أبو حنيفة إعطاؤه العهد على ذلك باطل ويجوز له أن لا يفي لهم به وبه قال الطبري وقالت الشافعية يجوز أن يهرب من أيديهم ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم قالوا وإن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك وقال ابن المواز إذا ألجؤه أن يحلف أن لا يهرب بطلاق أو عتاق أنه لا يلزمه ذلك لأنه مكروه ورواه أبو زيد عن ابن القاسم وقال غيره لا معنى لمن فرق بين يمينه ووعده لأن حاله حال المكره حلف لهم أو وعدهم أو عاهدهم سواء أمنوه أو أخافوه لأن الله تعالى فرض على المؤمن أن لا يبقى تحت أحكام الكفار وأوجب عليه الهجرة من دارهم فخروجه على كل وجه جائز والحجة في ذلك خروج من أبي بصير وتصويب النبي فعله ورضاه
فيه المسور عن النبي
أي في حكم هذا الباب حديث المسور بن مخرمة وفيه قصة أبي بصير وقد مر حديثه في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد مطولا جدا ومن أمره يؤخذ وجه المطابقة لما ترجم له
251 -
( باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أحرق المشرك الرجل المسلم هل يحرق هذا المشرك جزاء بفعله وأحرق يحرق من باب الأفعال وفي بعض النسخ إذا حرق بتشديد الراء من التحريق وكذلك يحرق بالتشديد قيل كان اللائق أن يذكر هذه

(14/266)


الترجمة قبل بابين فلعل تأخيرها من تصرف النقلة قلت ذكر هذه الترجمة في ذلك الموضع ليس بأمر مهم فلا يحتاج نسبه ذلك إلى تصرف النقلة ثم قال قائل هذا القول ويؤيد ذلك أنهما أي أن البابين المذكورين قبل هذا الباب سقطا جميعا للنسفي وثبتت عنده ترجمة إذا أحرق المشرك تلو ترجمة لا يعذب بعذاب الله قلت لا يلزم من سقوط هذين البابين عنده تأييد ما ذكره لأن الساقط معدوم والمعدوم لا يؤيد ولا يؤكد
8103 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رهطا من عكل ثمانية قدموا على النبي فاجتووا المدينة فقالوا يا رسول الله ابغنا رسلا قال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا وسمنوا وقتلوا الراعي واستاقوا الذود وكفروا بعد إسلامهم فأتى الصريخ النبي فبعث الطلب فما ترجل النهار حتى أتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا قال أبو قلابة قتلوا وسرقو وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا
قيل ليس فيه مطابقة للترجمة لأنه ليس فيه أن هذا الرهط من عكل فعلوا ذلك براعي النبي وأجاب الكرماني بأنه فعل بهم مثل ما فعلوا بالراعي من سمل العين ونحوه ويؤول لا تعذبوا بعذاب الله بما إذا لم يكن في مقابلة فعل الجاني فالحديثان لموضع النهي والجزاء وقال صاحب ( التوضيح ) وقد يخرج معنى الترجمة من هذا الحديث بالدليل ولو لم يصح سمل العرنيين للرعاء وذلك أنه لما سمل أعينهم والسمل التحريق بالنار واستدل منه البخاري أنه لما جاز تحريق أعينهم بالنار ولو كانوا لم يحرقوا أعين الرعاء أنه أولى بالجواز في تحريق المشرك إذا أحرق المسلم قلت الأوجه ما قاله الكرماني بأنه فعل بهم مثل ما فعلوا بالراعي من سمل العين وقد ثبت ذلك فيما رواه مسلم من وجه آخر عن أنس قال إنما سمل النبي أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء ولو اطلع صاحب ( التوضيح ) على هذا لما قال لم يصح سمل العرنيين للرعاء
قوله معلى بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد كذا ثبت منسوبا في رواية الأصيلي وغيره ووهيب بضم الواو وفتح الهاء هو ابن خالد وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي
والحديث قد مر في كتاب الوضوء في باب أبوال الإبل والدواب ومضى الكلام فيه هناك
قوله عكل بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة معروفة قوله ثمانية بالنصب بدل من رهطا أو بيان له قوله فاجتووا من الاجتواء وهو كراهة الإقامة قوله ابغنا أي أعنا مشتق من الإبغاء يقال أبغيتك الشيء إذا أعنتك على طلبه قوله رسلا بكسر الراء وسكون السين المهملة وهو الدر من اللبن قوله بالذود بفتح الذال المعجمة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة قوله الصريخ هو صوت المستغيث أو الصارخ قوله فبعث الطلب بفتح اللام جمع طالب قوله فما ترجل النهار أي ما ارتفع النهار حتى أتي بهم أي بالثمانية المذكورين قوله فأحميت كذا وقع من الإحماء مزيد الثلاثي وهو الصواب في اللغة فلا يقال فحميت من الثلاثي قوله بالحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء موضع بالمدينة وقد مر غير مرة قوله قال أبو قلابة هو الراوي المذكور قوله سرقوا لم يكن هذا سرقة إنما كان حرابة وهذا ظاهر لا يخفى
351 -
( باب )
كذا وقع بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وقد مر نحو هذا كثيرا وهو غير معرب لأن الإعراب لا يكون إلا بالتركيب

(14/267)


9103 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد ابن المسيب وأبي سلمة ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله
( الحديث 9103 - طرفه في 9133 )
وجه مناسبته بما قبله من حيث إنه لا يجوز المجاوزة بالتحريق إلى من لا يستحق ذلك فإنه أخبر فيه أن الله عز و جل عاتب هذا النبي بإحراقه تلك الأمة من النمل ولم يكتف بإحراق النملة التي قرصته فلو أحرقها وحدها لما عوتب عليه
ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه مسلم في الحيوان عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن صالح وأخرجه النسائي في الصيد عن وهب بن بيان وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي الطاهر وأحمد بن عيسى وعن محمد بن يحيى
قوله قرصت بالقاف أي لدغت قوله نبيا قال الكرماني قيل ذلك النبي كان موسى عليه الصلاة و السلام قوله بقرية النمل القرية المجتمع قوله أن قرصتك بفتح الهمزة وبهمزة الاستفهام ملفوظة أو مقدرة وقال الكرماني كيف جاز إحراق النمل قصاصا وهو ليس بمكلف ثم إن جزاء سيئة سيئة مثلها ثم إن القارص نملة واحدة ولا تزر وازرة وزر أخرى قلت لعله كان في شرعه جائزا ويقال المؤذي طبعا يقتل شرعا قياسا على الأفعى فإن قلت لو كان جائزا لما ذم عليه قلت يحتمل أن يذل على ترك الأولى وحسنات الأبرار سيئات المقربين انتهى قلت قوله لعله كان في شرعه جائزا فيه نظر لأنه حكم بالتخمين والأولى أن يقال لعله لم يكن يعلم حينئذ أنه لا يجوز وقوله المؤذي طبعا ليس النمل بمؤذ طبعا لأن قرصها يحتمل أنه كان على سبيل الاتفاق وقوله يحتمل أن يذم على ترك الأولي لا يقال في حق نبي أن الله ذمه على فعل بل يقال عاتبه
وفي الحديث تسبيح النمل فيدل ذلك على أن جميع الحيوانات تسبح الله تعالى كما قال في كتابه الكريم وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( الإسراء 44 ) الآية وقال ابن التين وهو دليل لمن قال لا يحرق النمل وأجازه ابن حبيب وأما إن أدت ضرورة إلى ذلك فجائز أن تحرق أو تغرق
451 -
( باب حرق الدور والنخيل )
أي هذا باب في بيان جواز إحراق دور المشركين ونخيلهم قال بعضهم كذا وقع في جميع النسخ حرق الدور وضبطوه بفتح أوله وإسكان الراء وفيه نظر لأنه لا يقال في المصدر حرق وإنما يقال تحريق وإحراق لأنه رباعي فلعله كان بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي وهو المطابق للفظ الحديث والفاعل محذوف تقديره النبي بفعله أو بإذنه وعلى هذا فقوله الدور منصوب بالمفعولية والنخيل كذلك نسقا عليه انتهى قلت دعواه النظر في الضبط المذكور في جميع النسخ فيها نظر لأنه لم يبين أن الذين ضبطوه هكذا هم النساخ أو المشايخ أصحاب هذا الفن فإن كانوا هم النساخ فلا اعتبار لضبطهم وإن كانوا المشايخ فهو صحيح لأنه يجوز أن يكون لفظ حرق بهذا الضبط إسما للإحراق فلا يكون مصدرا حتى لا يرد ما ذكره لأن الحرق بالضبط المذكور مصدر حرقت الشيء حرقا إذا بردته وحككت بعضه ببعض وأما الذي يستعمل في النار فلا يقال إلا أحرقته من الإحراق أو حرقته بالتشديد من التحريق وقوله لأنه رباعي غير مصطلح عند الصرفيين لأنه لا يقال رباعي عندهم إلا لما كان حروفه الأصلية على أربعة أحرف وإنما يقال لمثل هذا ثلاثي مزيد فيه وقوله فلعله كان إلى آخره فيه تعسف وتكلف جدا لأن فيه إضمارا قبل الذكر ثم تقدير الفاعل والفاعل لا يحذف
0203 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس بن أبي حازم ) قال قال لي ( جرير ) قال لي رسول الله ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيت في خثعم

(14/268)


يسمى كعبة اليمانية قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحب خيل قال وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها فكسرها وحرقها ثم بعث إلى رسول الله يخبره فقال رسول جرير والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف أو أجرب قال فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات
مطابقته للترجمة في قوله وحرقها وهو ظاهر ويحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الجهاد أيضا وفي المغازي عن أبي موسى وفي المغازي أيضا عن يوسف بن موسى وفي الدعوات عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الحميد بن بيان وعن إسحاق بن إبراهيم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن محمد بن عباد المكي وعن ابن أبي عمرو وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في الجهاد عن الربيع بن نافع وأخرجه النسائي في السير وفي اليوم والليلة عن محمد ابن منصور عن سفيان به وعن يوسف بن عيسى وفي المناقب عن موسى بن عبد الرحمن
ذكر معناه قوله ألا تريحني كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام معناها هنا العرض والتحضيض وتختص بالجملة الفعلية و تريحني من الإراحة بالراء وبالحاء المهملة قوله من ذي الخلصة بالخاء المعجمة وباللام وبالصاد المهملة المفتوحات وقيل بسكون اللام وقيل بضم الخاء وسكون اللام وهو اسم لذلك البيت وقيده أبو الوليد الوقشي بفتح الخاء وإسكان اللام وضبطه الدمياطي بخطه بفتحهما وقال ابن الأثير ذو الخلصة طاغية كانت لدوس يعبدونها وقيل هو بيت كان لخثعم يسمى الكعبة اليمانية وهو الذي أخربه جرير بن عبد الله البجلي بعثه إليه النبي وفي ( صحيح مسلم ) من حديث أبي هريرة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة وكانت صنما تعبدها دوس وقال ابن دحية قيل هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم وقيل هو صنم كان لعمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حين نصبت الأصنام وكانوا يلبسونه القلائد ويعلقون عليه بيض النعام ويذبحون عنده قوله يسمى كعبة اليمانية من إضافة الموصوف إلى الصفة جوزه الكوفيون وقدر فيه البصريون حذفا أي كعبة الجهة اليمانية والمشهور فيه تخفيف الياء آخر الحروف لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب وقد جاء بالتشديد وفي رواية الكعبة اليمانية والكعبة الشامية وفي بعض النسخ بغير واو بين اليمانية والكعبة الشامية لخثعم والشامية للكعبة الحرام المشرفة قوله فانطلقت وكان انطلاقه قبل وفاة النبي بشهرين قوله من أحمس بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وفي آخره سين مهملة وأحمس هذا هو ابن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان وخثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وهو ابن أفتل بفاء وتاء مثناة من فوق وقيل أقبل بقاف وباء موحدة ابن أنمار بن أراش بن عمرو إلى آخر ما ذكرناه الآن قوله فضرب في صدري إنما ضربه في صدره لأن فيه القلب قوله هاديا إشارة إلى قوة التكميل ومهديا إلى قوة الكمال أي اجعله كاملا مكملا قال ابن بطال هو من باب التقديم والتأخير لأنه لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا وببركة دعاء النبي بقوله أللهم ثبته ما سقط بعد ذلك من فرس قوله وحرقها بالتشديد قوله ثم بعث أي جرير قوله يخبره من الأحوال المققدرة قوله فقال رسول جرير جاء مبينا في بعض الروايات أنه أبو أرطأة حصين بن ربيعة بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين قال عياض وروى حصن والصواب هو الأول وقال أبو عمر حصين ويقال حصن والأكثر حصين بن ربيعة الأحمسي أبو أرطأة يقال حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور والأزور مالك الشاعر وروي

(14/269)


في خيل أحمس وقد قيل في اسم أبي أرطأة هذا ربيعة بن حصين والصواب حصين بن ربيعة وكان مع جرير في هذا الجيش قوله أجوف أي مجوف وهو ضد الصمت أي خال عن كل ما يكون في البطن ووجه الشبه بينهما عدم الانتفاع به وكونه في معرض الفناء بالكلية لا بقاء ولا ثبات له وقال الداودي معنى أجوف أنها أحرقت فسقط السقف وبعض البناء وما كان فيها من كسوة وبقيت خاوية على عروشها قوله أو أجرب شك من الراوي قال الخطابي مطلي بالقطران لما به من الجرب فصار أسود لذلك يعني صار من الإحراق وقال الداودي شبهها حين ذهب سقفها وكسوتها فصارت سوداء بالجمل الذي زال شعره ونقص جلده من الجرب وصار إلى الهزال قوله فبارك أي دعا بالبركة خمس مرات
وفي الحديث توجيه من يريح من النوازل وجواز هتك ما افتتن به الناس من بناء أو إنسان أو حيوان أو غيره وفيه قبول خبر الواحد وفيه الدعاء للجيش وفيه استحباب إرسال البشير بالفتوح وفيه النكاية بإزالة الباطل وآثاره والمبالغة في إزالته
1203 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال حرق النبي نخل بني النضير
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وسفيان هو ابن عيينة والحديث مضى في كتاب المزارعة في باب قطع الشجر والنخيل وقد اختصره هناك وهنأ وسيأتي في المغازي بأتم منه وقد مر الكلام فيه هناك وذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا بوصية أبي بكر رضي الله تعالى عنه لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك وأجيب عن ذلك بأنه كان يعلم أن تلك البلاد ستفتح فأراد إبقاءها على المسلمين وقال الطبري النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وقال غيره أثر الصديق مرسل والراوي سعيد بن المسيب وقال الطحاوي سعيد بن المسيب لم يولد في أيام الصديق ويقال حديث ابن عمر دال على أن للمسلمين أن يكيدوا عدوهم من المشركين بكل ما فيه تضعيف شوكتهم وتوهين كيدهم وتسهيل الوصول إلى الظفر بهم من قطع ثمارها وتغوير مياههم والتضييق عليهم بالحصار وممن أجاز ذلك الكوفيون ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وابن القاسم وقال الكوفيون يحرق شجرهم وتخرب بلادهم وتذبح الأنعام وتعرقب إذا لم يمكن إخراجها وقال مالك يحرق النخل ولا تعرقب المواشي وقال الشافعي يحرق الشجر المثمر والبيوت وأكره حريق الزرع والكلأ وقال الشافعي لا يحل قتل المواشي ولا عقرها ولكن تخلى
551 -
( باب قتل النائم المشرك )
أي هذا باب في بيان ما جاء من قتل النائم المشرك وفي بعض النسخ قتل المشرك النائم
2203 - حدثنا ( علي بن مسلم ) قال حدثنا ( يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ) قال حدثني أبي عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما قال بعث رسول الله رهطا من الأنصار إلى أبي رافع ليقتلوه فانطلق رجل منهم فدخل حصنهم قال فدخلت في مربط دواب لهم قال وأغلقوا باب الحصن ثم إنهم فقدوا حمارا لهم فخرجوا يطلبونه فخرجت فيمن خرج أريهم أنني أطلبه معهم فوجدوا الحمار فدخلوا ودخلت وأغلقوا باب الحصن ليلا فوضعوا المفاتيح في كوة حيث أراها فلما ناموا أخذت المفاتيح ففتحت باب الحصن ثم دخلت عليه فقلت

(14/270)


يا أبا رافع فأجابني فتعمدت الصوت فضربته فصاح فخرجت ثم جئت ثم رجعت كأني مغيث فقلت يا أبا رافع وغيرت صوتي فقال مالك لأمك الويل قلت ما شأنك قال لا أدري من دخل علي فضربني قال فوضعت سيفي في بطنه ثم تحاملت عليه حتى قرع العظم ثم خرجت وأنا دهش فأتيت سلما لهم لأنزل منه فوقعت فوثئت رجلي فخرجت إلى أصحابي فقلت ما أنا ببارح حتى أسمع الناعية فما برحت حتى سمعت نعايا أبي رافع تاجر أهل الحجاز قال فقمت وما بي قلبة حتى أتينا النبي فأخبرناه
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة إلا إذا أريد بالنائم المضطجع وقيل هذا قتل يقظان نبه من نومه وقيل هذا حكمه حكم النائم لأنه لما أجاب الرجل كان في خيال النوم ولهذا لم يتحرك من موضعه ولا قام من مضجعه فكان حكمه حكم النائم وهذا الوجه أقرب مع أنه جاء فيه فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته فقتله وهو نائم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول علي بن مسلم بكسر اللام الخفيفة ابن سعيد أبو الحسن الطوسي سكن بغداد وهو من أفراده الثاني يحيى بن زكرياء ابن أبي زائدة واسمه ميمون الهمداني الكوفي القاضي الثالث أبو زكرياء الهمداني الكوفي الأعمى الرابع أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي الخامس البراء بن عازب الأنصاري الخزرجي الأوسي رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا مختصرا هنا عن عبد الله بن محمد وفي المغازي أيضا عن إسحاق بن نصر
ذكر معناه قوله رهطا من الأنصار الرهط الجماعة من الرجال ما بين الثلاثة إلى التسعة ولا يكون فيهم امرأة وهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة والأسود بن خزاعي ومسعود بن سنان وعبد الله ابن عقبة وكان معهم أيضا أسعد بن حرام حليف بني سوادة قال السهيلي ولا نعرف أحدا ذكره غيره قلت ذكره الحاكم أيضا في ( الإكليل ) عن الزهري وعند الكلبي عبد الله بن أنيس هو ابن سعد بن حرام قلت ما كان الموجب لبعثه هؤلاء الرهط إلى أبي رافع ومتى كان هذا البعث قلت أما الموجب لذلك فما ذكره ابن إسحاق فقال لما انقضى أمر الخندق وأمر بني قريظة وكان أبو رافع ممن حزب من الأحزاب على رسول الله استأذنت الخزرج رسول الله في قتله فأذن لهم فخرجوا وفي ( طبقات ابن سعد ) كان أبو رافع قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم من الجعل العظيم لحرب رسول الله فبعث رسول الله هؤلاء الذين ذكرناهم وأما وقت هذا البعث فقال ابن سعد كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة وقيل في ذي الحجة سنة خمس وفي ( الإكليل ) كان بعد بدر وقيل بعد غزوة السويق وقال النيسابوري قبل دومة الجندل وقال ابن حبان بعد بدر الموعب آخر سنة أربع وقال أبو معشر بعد غزوة ذات الرقاع وقبل سرية عبد الله بن رواحة وقال الزهري هو بعد كعب بن الأشرف قوله إلى أبي رافع واسمه عبد الله ويقال سلام بن أبي الحقيق بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى وسكون الياء آخر الحروف اليهودي قوله فانطلق رجل منهم هو عبد الله بن عتيك بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق الأنصاري من بني عمرو بن عوف استشهد يوم اليمامة قال أبو عمر وأظنه وأخاه جابر بن عتيك شهد بدرا ولم يختلف أن عبد الله شهد أحدا وقال ابن الكلبي وأبوه إنه شهد صفين مع علي رضي الله تعالى عنه فإن كان هذا فلم يقتل يوم اليمامة قوله فدخل حصنهم يقال إنه حصن بأرض الحجاز والظاهر أنه خيبر قوله أريهم بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة قوله في كوة بضم الكاف وفتحها وهي الثقب في جدار البيت قوله ففتحت باب الحصن ثم دخلت فإن قيل كان هو داخل الحصن فما معناه أجيب بأنه كان للحصن مغاليق وطبقات قوله فتعمدت الصوت أي اعتمدت جهة الصوت إذ كان الموضع مظلما قوله مالك كلمة ما للاستفهام مبتدأ و لك خبره قوله لأمك الويل القياس أن يقال على أمك الويل وإنما ذكر اللام لإرادة الاختصاص بهم قوله تحاملت عليه أي تكلفته على مشقة قوله حتى قرع العظم أي أصابه ومنه قرعته الداهية أي أصابته وأصل القرع الضرب قوله وأنا دهش جملة إسمية وقعت حالا

(14/271)


ودهش بفتح الدال وكسر الهاء صفة مشبهة أي متحير مدهوش قوله فوثئت بضم الواو وكسر الثاء المثلثة من الوثأ وهو أن يصيب العظم وصم لا يبلغ الكسر وذكر ثعلب هذه المادة في باب المهموز من الفعل يقال وثئت يده فهي موثوءة ووثأتها أنا وأما ابن فارس فقال وقد يهمز وقال الخطابي والواو مضمومة على بناء الفعل لما لم يسم فاعله قوله ما أنا ببارح أي بذاهب قوله الناعية بالنون وكسر العين المهملة على وزن فاعلة من النعي وهو الإخبار بالموت ويروى الواعية أي الصارخة التي تندب القتيل والوعي الصوت قال صاحب ( العين ) الوعي جلبة وأصوات الكلاب في الصيد وقال الداعية التي تدعو بالويل والثبور وهي النائحة قوله سمعت نعايا أبا رافع كذا الرواية وصوابه نعاي بغير ألف كذا تقوله النحاة وقال الخطابي هكذا يروى نعايا أبي رافع وحقه أن يقال نعاي أبي رافع أي انعوا أبا رافع كقولهم دراك بمعنى أدركوا وزعم سيبويه أنه يطرد هذا الباب في الأفعال الثلاثية كلها أن يقال فيها فعال بمعنى إفعل نحو حذار ومناع ونزال كم تقول أنزل واحذر وامنع وقال الأصمعي كانت العرب إذا مات فيهم ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير في الناس ويقول نعاء فلانا أي أنعه وأظهر خبر وفاته قال أبو نصر وهي مبنية على الكسر وقال الداودي نعايا جمع ناعية والأظهر أنه جمعي مثل صفايا جمع صفي وفي ( المطالع ) نعايا أبي رافع هو جمع نعي أي أصوات المنادين بنعيه من الرجال والنساء وقد يحتمل أن تكون هذه الكلمة كما جاء في الخبر الآخر في حديث شداد بن أوس نعايا العرب كذا في الحديث قال الأصمعي إنما هو يا نعاء العرب أي يا هؤلاء انعوا العرب وقال الكرماني يحتمل أن نعاء من أسماء الأفعال وقد جمع على نحو خطايا شاذا ويحتمل أن يكون جمع نعي أو ناعية قلت هو من أسماء الأفعال بلا احتمال لأنه بمعنى انعوا كما ذكرنا وقوله أو ناعية نقله من كلام الداودي وفيه نظر لا يخفى قوله وما بي قلبة بالقاف واللام والباء الموحدة المفتوحات أي ما بي علة قال الفراء أصله من القلاب وهو داء يصيب الإبل وزاد الأصمعي تموت من يومها به فقيل ذلك لكل سالم ليس به علة وقال ابن الأعرابي معناه ليست به علة يقلب لها فينظر إليه وأصل ذلك في الدواب وعن الأصمعي معناه ما به داء وهو من القلاب داء يأخذ الإبل في رؤوسها فيقلبها إلى فوق وقال الفراء ما به علة يخشى عليه فيها وهو من قولهم قلب الرجل إذا أصابه وجع في قلبه وليس يكاد يفلت منه وقال غيره ما به شيء يقلقه فيقلب منه على فراشه وقال النحاس حكى عبد الله بن مسلم أن بعضهم يقول في هذا أي ما به حول ثم استعير من هذا الأصل لكل سالم ليست به آفة قوله فأخبرناه أي أخبرنا النبي بموت أبي رافع
ثم إن الذي يظهر من هذا الحديث أن الذي قتله هو عبد الله بن عتيك وقال ابن سعد وغيره لما ذهب الجماعة المذكورون إلى خيبر كمنوا فلما هدأت الرجل جاؤوا إلى منزله فصعدوا درجة له وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية واستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه كأنه قبطية فعلوه بأسيافهم قال ابن أنس وكنت رجلا أعشى لا أبصر فأتكيء بسيفي على بطنه حتى سمعت حسه في الفراش وعرفت أنه قضى وجعل القوم يضربونه جميعا ثم نزلوا وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار واختبأ القوم في بعض مياه خيبر وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران فلم يجدوهم فرجعوا ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب ثم خرجوا إلى المدينة وكلهم يدعي قتله فأخذ رسول الله أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذبابة سيف ابن أنيس فقال هذا قتله
وفي كتاب ( دلائل النبوة ) قتله ابن عتيك ودفف عليه ابن أنيس
وفي ( الإكليل ) عن ابن أنيس قال ظهرت أنا وابن عتيك وقعد أصحابنا في الحائط فاستأذن ابن عتيك فقالت امرأة ابن أبي الحقيق إن هذا لصوت ابن عتيك فقال ابن أبي الحقيق ثكلتك أمك
ابن عتيك بيثرب أنى هو هذه الساعة افتحي فإن الكريم لا يرد على بابه هذه الساعة أحدا ففتحت فدخلت أنا وابن عتيك فقال لابن عتيك دونك فشهرت عليها السيف فأخذ ابن أبي الحقيق وسادة فاتقاني بها فجعلت أريد أن أضربه فلا أستطيع فوخزته بالسيف وخزا ثم خرجت إلى ابن أنيس فقال اقتله قلت نعم
وقال الواقدي كانت أم ابن عتيك التي أرضعته يهودية

(14/272)


بخيبر فأرسل إليها يعملها بمكانه فخرجت إلينا بجراب مملوء تمرا لينا وخبزا ثم قال لها يا أماه أما لو أمسينا لبتنا عندك فأدخلينا خيبر فقالت وكيف تطيق خيبر وفيها أربعة آلاف مقاتل ومن تريد فيها قال أبا رافع قالت لا تقدر عليه ثم قالت إدخلوا علي ليلا لما نام أهل خيبر في حمر الناس وأعلمتهم أن أهل خيبر لا يغلقوا عليهم أبوابهم فرقا أنم يتطرقهم ضيف فلما هدأت الرجل قالت انطلقوا حتى تستفتحوا على أبي رافع فقولوا إنا جئنا له بهدية فانهم سيفتحون لكم فلما انتهوا إليه استهموا عليه فخرج سهم ابن أنيس
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الاغتيال على من أعان على رسول الله بيد أو مال أو رأي وكان أبو رافع يعادي رسول الله ويؤلب الناس عليه وفيه جوز التجسس على المشركين وطلب غرتهم وفيه الاغتيال بالحرب والإيهام بالقول وفيه الأخذ بالشدة في الحرب والتعرض لعدد كثير من المشركين وفيه الإلقاء إلى التهلكة باليد في سبيل الله وأما الذي نهى عنه من ذلك فهو في الإنفاق في سبيل الله لئلا تخلى يده من المال فيموت جوعا وضياعا وفيه الحكم بالدليل المعروف والعلامة المعروفة على الشيء كحكم هذا الرجل بالناعية
3203 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( يحيى بن آدم ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي زائدة ) عن أبيه عن ( إسحاق ) عن ( البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما قال بعث رسول الله رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن محمد المسندي عن يحيى بن آدم بن سليمان القرشي المخزومي الكوفي صاحب الثوري عن يحيى بن أبي زائدة وفيه التصرحي بأن ابن عتيك هو الذي قتل أبا رافع وأنه قتله وهو نائم ولا تطلب المطابقة بين الحديث والترجمة أكثر من هذا قوله بيته بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف يعني منزله ويروى بيته بتشديد الياء من التبييت وهو في محل النصب على الحال بتقدير قد كما في قوله تعالى أوجاؤكم حصرت صدورهم ( النساء 09 )
651 -
( باب لا تتمنوا لقاء العدو )
أي هذا باب يذكر فيه لا تتمنوا لقاء العدو اللقاء الملاقاة
4203 - حدثنا ( يوسف بن موسى ) قال حدثنا ( عاصم بن يوسف اليربوعي ) قال حدثنا ( أبو إسحاق الفزاري ) عن ( موسى بن عقبة ) قال حدثني ( سالم أبو النضر ) قال كنت كاتبا لعمر بن عبيد الله فأتاه كتاب عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال لا تمنوا لقاء العدو
مطابقته للترجمة ظاهرة فأن الترجمة هي متن الحديث ويوسف بن موسى بن عيسى أبو يعقوب المروزي وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الفزاري بفتح الفاء والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
6203 - وقال ( أبو عامر ) حدثنا مغيرة بن عبد الرحمان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا تمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا
أبو عامر هو عبد الملك بن عمرو بن قيس البصري العقدي بفتحتين بنسبة إلى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد وقد ظن الكرماني أن أبا عامر هذا هو عبد الله بن براد بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وفي آخره دال مهملة وليس كذلك لأنه ليس له رواية عن ( مغيرة بن عبد الرحمن ) وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج

(14/273)


عبد الرحمن بن هرمز وهذا التعليق وصله مسلم وقال حدثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد قالا حدثنا أبو عامر العقدي عن المغيرة وهو أبو عبد الرحمن الحزامي عن ( أبي الزناد ) عن الأعرج عن ( أبي هريرة ) أن النبي قال لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا
وأخرجه النسائي أيضا
وفي الحديث نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من الإعجاب والاتكال على القوة ولأن الناس يختلفون في الصبر على البلاء ألا يرى الذي أحرقته الجراح في بعض المغازي مع رسول الله فقتل نفسه وقال الصديق رضي الله تعالى عنه لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال لأبنه يا بني لا تدعون أحدا إلى المبارزة ومن دعاك إليها فاخرج إليه لأنه باغ والله تعالى قد ضمن نصر من بغى عليه وأما أقوال العلماء فيه فقد ذكر ابن المنذر أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم من العلماء على أن للمرء أن يبارز ويدعو إلى البراز بإذن الإمام غير الحسن البصري فإنه كرهها هذا قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأباحته طائفة ولم يذكروا إذن الإمام ولا غيره وهو قول مالك والشافعي فإن طلبها كافر يستحب الخروج إليه وإنما يحسن ممن جرب نفسه ويأذن الإمام وسئل مالك عن الرجل يقول بين الصفين من يبارز قال ذلك إلى نيته إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى فأرجو أن لا يكون به بأس قد كان فعل ذلك من مضى وقال أنس بن مالك قد بارز البراء ابن مالك مرزبان فقتله وقال أبو قتادة بارزت رجلا يوم حنين فقتلته فأعطاني رسول الله سلبه وليس في خبره أنه استأذن فيه
751 -
( باب الحرب خدعة )
أي هذا باب يذكر فيه الحرب خدعة بضم الخاء وفتحها على ما نذكره إن شاء الله تعالى
7203 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله وسمى الحرب خدعة
( الحديث 8203 - طرفه في 9203 )
مطابقته للترجمة ظاهرة قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه مسلم عن محمد بن رافع
قوله كسرى بفتح الكاف وكسرها لقب ملك الفرس وذكره ثعلب بكسر الكاف وقال الفراء الكسر أكثر من الفتح وأنكر أبو زيد الأنصاري الفتح وقال ابن الأعرابي الكسر أفصح وكان أبو حاتم يختار الكسر وقال القزاز الجمع كسور وأكاسرة وكياسرة والقياس أن يجمع كسرون كما يجمع موسى موسون وعن أبي إسحاق الزجاج أنه أنكر على أبي العباس قوله كسرى بكسر الكاف قال وإنما هو كسرى بالفتح وقال ألا تراهم يقولون كسروي وقال ابن فارس لا اعتبار بالنسبة فقد يفتح في النسبة ما هو مكسور في الأصل أو مضموم فيقال في ثعلبي بالفتح ثعلبي بالكسر وفي أموي بالضم أموي بالفتح ومع هذا فإنه معرب خسر ومعناه واسع الملك فكيف عربه المعرب إذا لم يخرج عن بناء كلام العرب فهو جائز وفي ( المجمل ) قال أبو عمرو ينسب إلى كسرى بكسر الكاف كسرى وكسروي وذكر اللحياني أن معناه شاهان شاه وهو اسم لكل من ملك الفرس قوله وقيصر مبتدأ وقوله ليهلكن خبره وهو غير منصرف للعلمية والعجمة ويروى قيصر بعد النفي بالتنوين لزوال العلمية بالتنكير وكذا الكلام في كسرى وإنما قال في كسرى هلك بلفظ الماضي وفي قيصر بلفظ المضارع لأن كسرى الذي كان في عهده كان هالكا حينئذ وأما قيصر فكان حيا إذ ذاك فإن قلت قد كان بعدهما غيرهما قلت ما قام لهم الناموس على الوجه الذي قبل ذلك قلت روى مسلم من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله قد مات كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتتنفقن كنوزهما في سبيل الله وروى الترمذي من حديث الزهري أيضا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده الحديث وبين اللفظين

(14/274)


بون عظيم فلفظ مسلم يقتضي أن موت كسرى قد وقع فأخبر عنه النبي وهو يؤيد رواية البخاري هلك كسرى ولفظ الترمذي يدل على أن هلاكه سيقع لأن إذا للمستقبل ولفظ مسلم قد مات كسرى بلفظ الماضي المؤكد بكلمة قد ولا يصح أن يقال في قد مات إذا مات قلت الجواب من وجهين أحدهما أن يقال أن أبا هريرة سمع الحديث مرتين فسمع أولا إذا هلك كسرى ثم سمع بعده قد مات في رواية مسلم وهلك في رواية البخاري ومعناهما واحد وكان أخبر أولا قبل موت كسرى بموته لأنه علم أنه يموت ثم لما مات قال قد مات كسرى والآخر أن يفرق بين الموت والهلاك فموته قد وقع في حياته فأخبر بذلك وأما هلاك ملكه فلم يقع إلا بعد موته وموت أبي بكر رضي الله تعالى عنه وإنما هلك ملكه في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وتمامه وتلاشيه في أيام عثمان رضي الله تعالى عنه قوله ولتقسمن على صيغة المجهول وهكذا جرى اقتسم المسلمون كنوزهما في سبيل الله وهذه معجزة ظاهرة والكنوز جمع كنز وهو المال المدفون والذي يجمع ويدخر واعلم أن الهلاك في كسرى عام وفي قيصر خاص لأن معنى الحديث لا قيصر بعده في أرض الشام وقد دعا النبي لقيصر لما قرأ كتابه أن يثبت الله ملكه فلم يذهب ملك الروم أصلا إلا من الجهة التي خلا منها وأما كسرى فإنه مزق كتابه فدعا عليه أن يمزق ملكه كل ممزق فانقطع إلى اليوم وإلى يوم القيامة قوله وسمى أي رسول الله الحرب خدعة وضبط الأصيلي خدعة بضم الخاء وسكون الدال وعن يونس ضم الخاء وفتح الدال وعن عياض فتحهما وقال القزاز فتح الخاء وسكون الدال لغة النبي ولغته أفصح اللغات وقالوا الخدعة المرة الواحدة من الخداع فمعناه أن من خدع فيها مرة واحدة عطب وهلك ولا عودة له
وقال ابن سيده في ( العويص ) من قال خدعة أراد تخدع أهلها وفي ( الواعي ) أي تمنيهم بالظفر والغلبة ثم لا تفي لهم وقال ومن قال خدعة أراد هي أن تخدع كما يقال رجل لعنة يلعن كثيرا وإذ خدع أحد الفريقين صاحبه في الحرب فكأنها خدعت هي وقال قاسم بن ثابت في ( كتابه الدلائل ) كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى سموا الحرب خدعة وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد خدعة بالكسر وقال المطرزي الأفصح بالفتح لأنه لغة قريش وقال ابن درستويه ليست بلغة قوم دون قوم وإنما هي كلام الجميع لأنها المرة الواحدة من الخداع فلذلك فتحت وقال الأستاذ أبو بكر بن طلحة أراد ثعلب أن سيدنا رسول الله كان يختار هذه البنية ويستعملها كثيرا لأنها بلفظها الوجيز تعطي معنى البنيتين الأخريين ويعطي أيضا معناها استعمل الحيلة في الحرب ما أمكنك فإذا أعيتك الحيل فقاتل فكانت هذه اللغة على ما ذكرنا مختصرة اللفظ كثيرة المعنى فلذلك كان سيدنا يختارها قال اللحياني خدعت الرجل أخدعه خدعا وخدعا وخديعة وخدعة إذ أظهرت له خلاف ما تخفي وأصله كل شيء كتمته فقد خدعته ورجل خداع وخدوع وخدع وخديعة وخدعة إذا أظهرت له خلاف ما تخفي وأصله كل شيء كتمته فقد خدعته ورجل خداع وخدوع خدع وخدعة إذا كان خبا وفي ( المحكم ) الخدع والخديعة المصدر والخدع والخداع الإسم ورجل خيدع كثير الخداع وقال ابن العربي الخديعة في الحرب تكون بالتورية وتكون بالكمين وتكون بخلف الوعد وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرم
والكذب حرام بالإجماع جائز في مواطن بالإجماع أصلها الحرب أذن الله فيه وفي أمثاله رفقا بالعباد لضعفهم وليس للعقل في تحريمه ولا في تحليله أثر إنما هو إلى الشرع ولو كان تحريم الكذب كما يقول المبتدعون عقلا ويكون التحريم صفة نفسية كما يزعمون ما انقلب حلالا أبدا والمسألة ليست معقولة فتستحق جوابا وخفي هذا على علمائنا وقال الطبري إنما يجوز في المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل وقال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل وقال بعض أهل السير قال النبي ذلك يوم الأحزاب لنعيم بن مسعود وعن المهلب الخداع في الحرب جائز كيف ما يمكن إلا بالأيمان والعهود والتصريح بالأيمان فلا يحل شيء من ذلك
9203 - حدثنا ( أبو بكر بن أصرم ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمى النبي الحرب خدعة

(14/275)


هذا طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه عن أبي بكر بن أصرم واسمه بور بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفي آخره راء وكنيته أبو بكر المروزي قال البخاري مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين وهو من أفراده وليس له إلا هذا الحديث وعبد الله هو ابن المبارك المروزي
0303 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( ابن عيينة ) عن ( عمرو ) سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي الحرب خدعة
مطابقته للترجمة ظاهرة وصدقة بن الفضل المروزي وهو من أفراده وابن عيينة هو سفيان بن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن علي بن حجر وعمرو الناقد وزهير بن حرب وأخرجه أبو داود في الجهاد عن سعيد بن منصور وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع ونصر بن علي وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن منصور المكي والحارث بن مسكين وفي الباب عن علي أخرجه النسائي كذلك وعن زيد بن ثابت أخرجه الطبراني كذلك وعن ابن عباس أخرجه ابن ماجه كذلك وعن كعب بن مالك أخرجه أبو داود كذلك وعن أنس أخرجه أحمد في ( مسنده ) كذلك وعن عائشة أخرجه ابن ماجه قال ذلك وعن ابن عمر أخرجه البزار في ( مسنده ) قال ذلك وعن الحسن بن علي أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده فقال ذلك وعن الحسين بن علي أخرجه البزار في ( مسنده ) قال ذلك وعن عبد الله ابن سلام أخرجه أبو يعلى والطبراني في ( الكبير ) قال ذلك وعن النواس ابن سمعان أخرجه الطبراني في ( الكبير ) قال ذلك وعن عوف بن مالك أخرجه الطبراني في ( الكبير ) قال ذلك وعن نعيم بن مسعود أخرجه الطبراني قال ذلك وعن نبيط ابن شريط أخرجه الطبراني أيضا في ( الأوسط ) قال ذلك
851 -
( باب الكذب في الحرب )
أي هذا باب في بيان الكذب في الحرب هل يجوز أم لا وإذا جاز يجوز بالتصريح أو بالتلويح ويجيء بيانه الآن
1303 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله يا رسول الله قال نعم قال فأتاه فقال إن هذا يعني النبي قد عنانا وسألنا الصدقة قال وأيضا والله لتملنه قال فأنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى تنظر إلى ما يصير أمره قال فلم يزل يكلمه حتى استمكن منه فقتله
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الذي وقع من محمد بن مسلمة في قتل كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا وأجيب بوجود المطابقة فإن محمد بن مسلمة قال فأذن لي فأقول قال قد فعلت فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا فإن قلت ليس في حديث الباب هذا قلت هذه الزيادة ثابتة في حديث الباب الذي يليه والحديث واحد في الأصل عن جابر على أنه قد جاء من ذلك صريحا فيما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وقال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى
والحديث قد مضى في كتاب الشركة في باب رهن السلاح فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو عن جابر
قوله من لكعب بن الأشرف أي من لقتله و من مبتدأ و لكعب خبره وكعب بن الأشرف ضد الأخس اليهودي القرظي وكان يهجو رسول الله ويؤذيه قوله قال محمد بن مسلمة بفتح الميم واللام الأنصاري الحارثي قوله قد آذى الله فيه حذف أي آذن رسول الله وأذاه لرسول الله هو أذى لله لأنه لا يرضى به قوله أتحب الهمزة في للاستفهام وكلمة أن في أن أقتله مصدرية والتقدير

(14/276)


أتحب قتله قوله قد عنانا بفتح النون المشددة أي أتعبنا وهذا من التعريض الجائز بل من المستحسن لأن معناه في الباطن أدبنا بآداب الشريعة التي فيها تعب لكنه تعب في مرضاة الله تعالى والذي فهم المخاطب هو العناء الذي ليس بمحبوب قوله وسألنا بفتح الهمزة وفتح اللام والضمير فيه يرجع إلى النبي والصدقة منصوب لأنه مفعول ثان قوله وأيضا والله لتملنه أي والله بعد ذلك تزيد ملالتكم عنه وتتضجرون عنه أكثر وأزيد من ذلك فإن قلت هذا غدر فكيف جاز قلت حاشا لأنه نقض العهد بإيذائه رسول الله وقال المازري نقض عهد رسول الله وهجاه وأعان المشركين على حربه فإن قلت أمنه محمد بن مسلمة قلت لم يصرح له بأمان في كلامه وإنما كلمه في أمر البيع والشراء والشكاية إليه والاستيناس به حتى تمكن من قتله وقيل في قتل محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف دلالة أن الدعوة ساقطة ممن قرب من دار الإسلام وكانت قضية محمد بن مسلمة في رمضان وقيل في ربيع الأول الأول أشهر في السنة الثالثة من الهجرة وقال إبن إسحاق أتى كعب المدينة فنزلها ولما جرى ببدر ما جرى قال ويحكم أحق هذا وأن محمدا قتل أشراف العرب وملوكها والله إن كان هذا حقا لبطن الأرض خير من ظهرها ثم خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي فأكرمه المطلب فجعل ينوح ويبكي على قتلى بدر ويحرض الناس على رسول الله وأنشد الأشعار في ذلك وبلغ ذلك رسول الله فقال من لكعب بن الأشرف فقال محمد بن مسلمة الأنصاري أخو بني عبد الأشهل أنا له يا رسول الله وسرد في ذلك كلاما كثيرا ثم قال إنه اجتمع به وسأله أن يسلفه سلفا وجرى بينهما ما يتعلق بالرهن إلى أن قال نرهنك اللامة يعني السلاح قال نعم فواعده أن يأتيه بالحارث بن أوس وأبي عبس جابر بن عتيك وعباد بن بشر قال فجاؤه فدعوه ليلا فنزل إليهم فقالت له امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم فقال إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة وإن الكريم لو دعي إلى طعنة لأجاب وقال محمد إني إذا جاء سأمد يدي فإذا استمكنت منه فدونكم قال فنزل وهو متوشح فقال له نجد منك ريح الطيب قال نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب فقال محمد أتأذن لي أن أشم منه قال نعم فشم فتناول فشم ثم عاد فشم فلما استمكن منه قال دونكم فقتلوه ثم أتوا رسول الله فأخبروه وحكى الطبري عن الواقدي قال جاؤوا برأس كعب بن الأشرف إلى رسول الله وفي كتاب ( شرف المصطفى ) أن الذين قتلوا كعبا حملوا رأسه في المخلاة فقيل إنه أول رأس حمل في الإسلام وقيل بل رأس أبي غرة الجمحي الذي قال له النبي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فقتله واحتمل رأسه إلى المدينة في رمح وأما أول مسلم حمل رأسه في الإسلام فعمرو بن الحمق وله صحبة
951 -
( باب الفتك بأهل الحرب )
أي هذا باب في بيان جواز الفتك بأهل الحرب والفتك بفتح الفاء وسكون التاء المثناة من فوق بعدها كاف وهو أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشتد عليه فيقتله
2303 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( جابر ) عن النبي قال من لكعب بن الأشرف فقال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله قال نعم قال فأذن لي فأقول قال قد فعلت
وجه المطابقة للترجمة يؤخذ من معناه لأن محمد بن مسلمة غر كعبا فاستغفله فشد عليه فقتله وهو الفتك بعينه وهذا طرف من حديث جابر الذي مضى قبله قوله فأقول أي عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره ما لم يحق باطلا ولم يبطل حقا قوله قال قد فعلت أي قال النبي قد أذنت ولفظ الفعل أعم الأفعال يعبر به عن ألفاظ كثيرة وقد مر الكلام فيه غير مرة

(14/277)


61 -
( باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من يخشى معرته )
أي هذا باب في بيان ما يجوز إلى آخره قوله مع من يخشى على بناء المعلوم ويجوز أن يكون على صيغة المجهول فعلى الأول معرفته منصوب وعلي الثاني مرفوع والمعرة بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الراء الشدة وما يكره من فساد
3303 - قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه قال انطلق رسول الله ومعه أبي بن كعب قبل ابن صياد فحدث به في نخل فلما دخل عليه رسول الله النخل طفق يتقي بجذوع النخل وابن صياد في قطيفة له فيها رمرمة فرأت أم ابن صياد رسول الله فقالت يا صاف هذا محمد فوثب ابن صياد فقال رسول الله لو تركته بين
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله طفق يتقي بجذوع النخل لأن معناه شرع يخفي نفسه بجذوع النخل حتى لا تراه أم ابن صياد وهذا احتيال وحذر لأن أم ابن صياد ممن يخشى معرته ولم أر أحدا من الشراح ذكر هنا المطابقة بين الترجمة والحديث وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء
والليث هو ابن سعد وعقيل بضم العين ابن خالد وهذا التعليق وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح كلاهما عن الليث وقد مضى قصة ابن صياد مطولة في كتاب الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه
قوله قبل ابن صياد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي ناحيته وجهته قوله فحدث به على صيغة المجهول والضمير في به يرجع إلى ابن صياد قوله في نخل حال من الضمير المجرور والمعنى أخبر النبي بابن صياد والحال أنه في نخل قوله طفق يتقي قد مر تفسيره الآن قوله في قطيفة وهي الكساء المخمل قوله له فيها أي لابن صياد في القطيفة رمرمة براءين وهو الصوت ويروى بالزايين قوله يا صاف صاف اسم ابن صياد بضم الفاء وكسرها قوله لو تركته بين أي لو تركته أمه بحيث لا تعرف قدوم رسول الله ولم يندهش منه بين لكم باختلاف كلامه ما يهون عليكم أمره وقد سبقت مباحثه مستقصاة في كتاب الجنائز في الباب المذكور
161 -
( باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق )
أي هذا باب في بيان ما جاء من إنشاء الرجز في الحرب والرجز بفتح الراء والجيم وفي آخره زاي وهو بحر من بحور الشعر وهو معروف ونوع من أنواع الشعر يكون كل مصراع منه مفردا وتسمى قصائده أراجيز واحدتها أرجوزة فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل بحور الشعر شاعرا ولم يعده الخليل شعرا وقال ابن الأثير والرجز ليس بشعر عند أكثرهم قوله ورفع مجرور عطفا على لفظ الرجز أي وفي بيان ما جاء من رفع الصوت في حفر الخندق وهو الذي حفره الصحابة من المهاجرين والأنصار يوم الأحزاب وكانوا ينقلون التراب على ظهورهم وينشدون الأراجيز على ما مر في كتاب الجهاد في باب حفر الخندق وكانت عادة العرب باستعمال الأراجيز في الحروب لأنها تزيد النشاط وتهيج الهمم
فيه سهل وأنس عن النبي
أي مما جاء في هذا الباب روى سهل بن سعد الأنصاري الساعدي رضي الله تعالى عنه عن النبي ووصل البخاري حديثه في غزوة الخندق وفيه
( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة )
قوله وأنس بالرفع عطف على سهل وحديثه مضى في باب حفر الخندق ووصله عن أبي معمر عن عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه
وفيه

(14/278)


( أللهم لا خير إلا خير الآخرة )
وقد مر الكلام فيه هناك
وفيه يزيد عن سلمة
أي وفي الباب أيضا روى يزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع عن مولاه سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه وسيأتي في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى
4303 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( أبو الأحوص ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال رأيت النبي يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره وكان رجلا كثير الشعر وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة
( أللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا )
( فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا )
( إن الأعداء قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا )
يرفع بها صوته
مطابقته للترجمة في قوله وهو يرتجز برجز عبد الله وفي قوله يرفع بها صوته وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي والحديث مضى في باب حفر الخندق فإنه أخرجه هناك عن حفص ابن عمر عن شعبة عن أبي إسحاق إلى آخره وفيه وقد وارى التراب بياض بطنه وهنا زيادة وهي قوله وكان رجلا كثير الشعر وفيه أيضا هنا وهو يرتجز برجز عبد الله وهو عبد الله بن رواحة الأنصاري الحارثي البدري النقيب الشاعر وهنا إن الأعداء وهناك إن الأولى وقد مر الكلام فيه هناك قوله وهو ينقل الواو فيه للحال وكذا الواو في قوله وهو يرتجز قوله بغوا من البغي وهو الاستطالة والظلم قوله أبينا من الإباء وهو الامتناع قوله يرفع بها صوته جملة وقعت حالا من قوله وهو يرتجز
261 -
( باب من لا يثبت على الخيل )
أي هذا باب في بيان ذكر ما جاء عن النبي من الدعاء في حق من لا يثبت على الخيل وقال بعضهم باب من لا يصبت على الخيل أي ينبغي لأهل الخير أن يدعو له بالثبات قلت ما أبعد هذا التفسير من معنى الترجمة على ما لا يخفى على المتأمل بل ينبغي أن يفسر مثل ما فسرنا ثم يقال وينبغي لأهل الخير أن يدعو له بالثبات تأسيا بالنبي حيث دعا لجرير حين شكا إليه من عدم ثباته على الخيل
5303 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن نمير ) قال حدثنا ( ابن إدريس ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس ) عن ( جرير ) رضي الله تعالى عنه قال ما حجبني النبي منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري وقال أللهم ثبته واجعله هاديا مهديا
مطابقته للترجمة في قوله ولا أثبت على الخيل وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس بن يزيد مات سنة ثنتين وتسعين ومائة وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي وقيس بن أبي حازم
والحديث أخرجه البخاري في الأدب أيضا عن محمد ابن عبد الله بن نمير أيضا وفي فضل جرير عن إسحاق الواسطي وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الحميد بن بيان ويحيى بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن ابن نمير وأخرجه الترمذي في المناقب عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة

(14/279)


وأخرجه ابن ماجه في السنة عن ابن نمير به
قوله ما حجبني النبي منذ أسلمت أي ما منعني مما التمست منه أو من دخول الدار ولا يلزم منه النظر إلى أمهات المؤمنين قوله في وجهي هذا هكذا في رواية السرخسي والكشميهني وفي رواية غيرهما في وجهه وفي التفات من التكلم إلى الغيبة قوله ولقد شكوت إلى آخره مضى في باب حرق الدور والنخيل عن قريب
وفيه أن الرجل الوجيه في قومه له حرمة ومكانة على من هو دونه لأن جريرا كان سيد قومه وفيه أن لقاء الناس بالتبسم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة وهو مناف للتكبر وجالب للمودة وفيه فضل الفروسية وأحكام ركوب الخيل فإن ذلك مما ينبغي أن يتعلمه الرجل الشريف والرئيس وفيه أنه لا بأس للإمام أو للعالم إذا أشار إليه إنسان في مخاطبة أو غيرها أن يضع عليه يده ويضرب بعض جسده وذلك من التواضع واستماله النفوس وفيه بركة دعوته لأنه جاء في الحديث أنه ما سقط بعد ذلك من الخيل
361 -
( باب دواء الجرح بإحراق الحصير وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه وحمل الماء في الترس )
أي هذا باب في بيان ما جاء من دواء الجرح إلى آخره قوله وحمل الماء معطوف على قوله دواء الجرح أي وفي بيان ما جاء من حمل الرجل الماء في الترس لأجل غسل الدم وهذه الترجمة مأخوذة من معنى حديث الباب لأن المراد من المرأة هي فاطمة بنت رسول الله لأنها هي التي داوت جرح النبي بالحصير المحرق بالنار بعد غسلها الدم عن وجه النبي وذلك لإزدياد الدم بالغسل بالماء وعدم انقطاعه وأما حمل الماء فكان من علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
7303 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( أبو حازم ) قال سألوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه بأي شيء دووي جرح النبي فقال ما بقي من الناس أحد أعلم به مني كان علي يجيء بالماء في ترسه وكانت يعني فاطمة تغسل الدم عن وجهه وأخذ حصير فأحرق ثم حشي به جرح رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج والحديث بعينه مضى في كتاب الطهارة في غسل المرأة أباها الدم عن وجهه غير أنه هناك أخرجه عن محمد عن سفيان إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله جرح النبي أي الذي وقع يوم أحد من شج رأسه المبارك قوله ما بقي لأنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة
461 -
( باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصي إمامه )
أي هذ باب في بيان ما يكره إلى آخره قوله في الحرب أي من المقاتلة في أحوال الحرب قوله وعقوبة أي وفي بيان عقوبة من عصى إمامه يعني بالهزيمة وحرمان الغنيمة وفي ( التوضيح ) التنازع هو الاختلافقلت ليس كذلك لأنه يلزم عطف الشيء على نفسه في الترجمة ولا يقال إنه عطف بيان لأن التنازع معلوم فلا يحتاج إلى البيان والتنازع هو التخاصم والتجادل والاختلاف أن يذهب كل واحد منهم إلى رأي والاختلاف سبب الهلاك في الدنيا والآخرة لأن الله عز و جل قد عبر في كتابه بالخلاف الذي قضى به على عباده عن الهلاك في قوله ولو شاء الله ما اختلفوا ( الأنفال 64 ) ثم قال ولذلك خلقهم يعني ليكونوا فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير من أجل اختلافهم
وقال الله تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ( الأنفال 64 )
أول الآية وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا ( الأنفال 64 ) وقبلها خاطب المؤمنين بقوله يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا

(14/280)


واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( الأنفال 54 ) فأمروا بالثبات عند ملاقاتهم الأعداء والصبر على مبارزتهم ثم أمرهم بذكره في تلك الحال ولا ينسونه بل يستعينون به ويوكلون عليه ويسألونه النصر عليهم ثم أمرهم بإطاعة الله ورسوله في حالهم ذلك فما أمرهم به ايتمروا وما نهاهم عنه انزجروا ولا يتنازعون فيما بينهم فيفشلون من الفشل وهو الفزع والجبن والضعف قوله وتذهب ريحكم ( الأنفال 64 ) أي قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال واصبروا إن الله مع الصابرين ( الأنفال 64 ) قوله يعني الحرب هكذا وقع في رواية الكشميهني وحده
وقال قتادة الريح الحرب
هذا هو الذي وقع في هذا الموضع في رواية الأصيلي قال قتادة الريح الحرب وهذا وصله عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة به وقال مجاهد الريح النصر وقيل الدولة شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها فقيل هبت رياح فلان إذا دالت له
8303 - حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( وكيع ) عن ( شعبة ) عن ( سعيد بن أبي بردة ) عن أبيه عن جده أن النبي بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا
مطابقته للترجمة في قوله ولا تختلفا
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى قيل هو يحيى بن جعفر بن أعين أبو زكرياء البخاري البيكندي وقيل يحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكرياء السختياني البلخي يقال له خت بفتح الخاء المعجمة وبالتاء المثناة من فوق وكل منهما سمع وكيعا وقال الكرماني في يحيى بن جعفر البلخي وليس إلا البخاري وقال في يحيى بن موسى الختي بالنسبة إلى خت وليس كذلك فإن خت لقبه وما هو بمنسوب إليه الثاني وكيع وقد تكرر ذكره الثالث شعبة كذلك الرابع سعيد بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر الخامس أبو عامر السادس جده أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس والضمير في جده راجع إلى سعيد لا إلى الأب يعني روى سعيد عن عامر عن عبد الله
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن إسحاق وفي الأحكام عن محمد بن بشار وفي المغازي عن مسلم بن إبراهيم وعن إسحاق بن شاهين أيضا وأخرجه مسلم في الأشربة عن قتيبة وإسحاق وعن محمد بن عباد وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن أحمد وعن زيد بن أبي أنيسة وفي المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عباد وعن إسحق بن إبراهيم وابن أبي خلف وأخرجه أبو داود في الحدود في قصة اليهودي الذي أسلم ثم ارتد وأخرجه النسائي في الأشربة وفي الوليمة عن أحمد بن عبد الله وعبد الله بن الهيثم وأخرجه ابن ماجه في الأشربة عن محمد بن بشار
ذكر معناه قوله يسرا بالياء آخر الحروف والسين المهملة معناه خذا بما فيه التيسير قوله ولا تعسرا من التعسير وهو التشديد والتعصيب قوله وبشرا بالباء الموحدة والشين المعجمة من التبشير وهو إدخال السرور من بشرت الرجل أبشره بشرا وبشورا من البشرى قوله ولا تنفرا من التنفير يعني لا تذكرا شيئا يهربون منه ولا تقصدا إلى ما فيه الشدة قوله وتطاوعا أي تحابا قوله ولا تختلفا فإن الاختلاف يورث الاختلال
9303 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) قال حدثنا ( زهير ) حدثنا ( أبو إسحاق ) قال سمعت ( البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما يحدث قال جعل النبي على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير فقال إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطاناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم فهزموهم قال فأنا وال له

(14/281)


رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله ابن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين وكان النبي وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا فقال أبو سفيان أفي القوم محمد ثلاث مرات فنهاهم النبي أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ثم قال أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك قال يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز أعل هبل أعل هبل قال النبي ألا تجيبوا له قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا ألله أعلى وأجل قال إن لنا العزى ولا عزي لكم فقال النبي ألا تجيبوا قال قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا ألله مولانا ولا مولى لكم
مطابقته للترجمة في قوله أصحاب عبد الله بن جبير فإن الهزيمة وقعت بسبب مخالفتهم
وعمرو بن خالد بن فروخ الحراني الجزري وهو من أفراده وزهير بن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي وفي التفسير عن عمرو بن خالد أيضا وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عبد الله بن محمد النفيلي وأخرجه النسائي في السير عن زياد بن يحيى وعمرو بن يزيد وفي التفسير عن هلال بن العلاء
ذكر معناه قوله يحدث جملة في محل النصب على الحال من البراء لأن الصحيح أن سمعت لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد قوله على الرجالة بفتح الراء وتشديد الجيم جمع راجل على خلاف القياس قوله يوم أحد نصب على الظرف وكان يوم أحد يوم السبت في منتصف شوال من سنة ثلاث من الهجرة وكان السبب في غزوة أحد ما قاله ابن إسحاق لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ورجع فلهم إلى مكة مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر وكلموا أبا سفيان بن حرب أن يخرج بهم لعلهم يدركوا آثارهم فاجتمعت قريش لحرب رسول الله بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة فخرجوا وأبو سفيان قائدهم ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة ومنهم ظعائن التماس الحفيظة وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فارس قد جنبوها فعلى الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام وعلى الخيل صفوان بن أمية وقيل عمرو بن العاص وعلى الرماء عبد الله بن ربيعة وكانوا مائة وفيهم سبعمائة دارع والظعن خمسة عشر وخرج رسول الله في ألف من أصحابه ونزل على أحد ورجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة فبقي رسول الله في سبعمائة وقال الواقدي وكان في أصحاب رسول الله مائة دارع ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين فرس لرسول الله وفرس لأبي بردة وأمر رسول الله على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير وهو قول البراء جعل النبي على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير وهو منصوب بقوله جعل

(14/282)


وعبد الله بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن النعمان بن أمية بن أمرىء القيس واسمه البرك بن ثعلبة بن عمرو ابن عوف الأنصاري شهد العقبة ثم شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وقال أبو عمر لا أعلم له رواية عن النبي قوله تخطفنا الطيرمن خطف يخطب من باب نصر ينصر ويقال من باب ضرب يضرب وهو قليل ومصدره خطف وهو استلاب الشيء وأخذه سرعة وقال الخطابي هذا مثل يريد به الهزيمة يقول إن رأيتمونا قد زلنا عن مكاننا وولينا منهزمين فلا تبرحوا أنتم وهذا كقولهم فلان ساكن الطير إذا كان هاديا وقورا وليس هناك طير وأيضا فالطير لا يقع إلا على الشيء الساكن ويقال للرجل إذا أسرع وخف قد طار طيره وقال الداودي معناه إن قتلنا وأكلت الطير لحومنا فلا تبرحوا مكناكم قوله وأوطأناهم قال ابن التين يريد مشينا عليهم وهم قتلى على الأرض وقال الكرماني الهمزة في أوطأناهم للتعريض أي جعلناهم في معرض الدوس بالقدم قوله قال فإنا والله أي قال البراء قوله يشتددن أي على الكفار يقال شد عليه في الحرب أي حمل عليه ويقال معناه يعدون والاشتداد العدو ويروى يسندن قال ابن التين هي رواية أبي الحسن ومعناه يمشين في سند الجبل يردن أن يرقين الجبل قوله قد بدت جملة حالية أي قد ظهرت قوله وأسوقهن جمع ساق قوله رافعات حال من الضمير الذي في يشتددن وقوله ثيابهن منصوب به قوله الغنيمة نصب على الإغراء قوله أي قوم يعني يا قوم وهو منادى قوله ظهر أي غلب قوله أنسيتم الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله صرفت وجوههم يعني قلبت وحولت إلى موضع جاؤوا منه وذلك عقوبة لعصيانهم قول رسول الله قوله منهزمين حال من الضمير الذي في أقبلوا قوله فذاك إذ يدعوهم أي حين يقول لهم رسول الله إلى يا عباد الله إلي يا عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة قوله في أخراهم أي في جماعتهم المتأخرة قوله فلم يبق مع النبي غير اثني عشر وكذا قال مقاتل وقال ابن سعد وثبت رسول الله وما زال يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وسبعة من الأنصار حتى تحاجزوا وقال الواقدي وابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهم لما انهزم المسلمون بقي رسول الله في نفر يسير وقال هشام كانوا تسعة سبعة من الأنصار ورجلين من المهاجرين وقال البلاذري ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم ومن الأنصار الحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وأسيد ابن حضير وسعد بن معاذ وقيل وسهل بن حنيف قوله فأصابوا منا سبعين وذكر ابن إسحاق أنهم خمسة وسون واستدرك علية ابن هشام خمسة أخرى فصاروا على قوله سبعين وهو رواية البخاري أيضا
قال ابن إسحاق استشهد من المسلمين يوم أحد مع رسول الله من المهاجرين أربعة نفر وهم حمزة بن عبد المطلب قتله وحشي غلام جبير بن مطعم وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير قتله ابن قمئة وشماس بن عثمان ومن الأنصار عمرو بن معاذ والحارث بن أنس وعمارة بن زياد وسلمة بن ثابت بن وقش وعمر بن ثابت بن وقش وثابت أبوهما ورفاعة بن وقش وحسيل بن جابر أبو حذيفة وصيفي بن قيظي وخباب بن قيظي وعباد بن سهل والحارث بن أوس بن معاذ وإياس بن أوس وعبيد ابن التيهان وحبيب بن زيد ويزيد بن حاطب وأبو سفيان بن الحارث وحنظلة بن أبي عامر وأنيس بن قتادة وأبو حية ابن عمرو بن ثابت وعبد الله بن جبير أمير الرماة وخيثمة أبو سعد وعبد الله بن مسلمة وسبيع بن حاطب وعمرو بن قيس وأبوه قيس بن عمرو وثابت بن عمرو وعامر بن مخلد وأبو هبيرة بن الحارث وعمرو بن مطرف وأوس بن ثابت أخو حسان بن ثابت وأنس بن النضر وقيس بن مخلد وكيسان عبد بني مازن وسليم بن الحارث ونعمان بن عبد عمرو وخارجة بن زيد وسعد بن الربيع وأوس بن الأرقم ومالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري وسعيد بن سويد وعتبة ابن ربيع وثعلبة بن سعد وثقف بن فروة وعبد الله بن عمرو بن وهب وضمرة حليف بني طريف ونوفل بن عبد الله

(14/283)


وعباس بن عبادة ونعمان بن مالك والمجدر بن زياد وعبادة بن الحسحاس ورفاعة بن عمرو وعبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام وخلاد بن عمرو بن الجموح وأبو أيمن مولى عمرو بن الجموح وسليم بن عمرو ومولاه عنترة وسهل بن قيس وذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى فهؤلاء الذين ذكرهم ابن إسحاق
وأما الذين استدرك عليهم ابن هشام فهم مالك بن نميلة والحارث بن عدي ومالك بن إياس وإياس بن عدي وعمرو بن إياس
قوله أفي القوم محمد الهمزة للاستفهام على سبيل الإستخبار قوله فنهاهم النبي أن يجيبوه أي بأن يجيبوا أبا سفيان ونهيه عن إجابة أبي سفيان تصاونا عن الخوض فيما لا فائدة فيه قوله ابن أبي قحافة هو أبو بكر الصديق وأبو قحافة اسمه عثمان قوله فما ملك عمر رضي الله تعالى عنه نفسه فقال كذبت يا عدو الله وكانت إجابته بعد النهي حماية للظن برسول الله أنه قتل وأن بأصحابه الوهن وقال ابن بطال وليس فيه عصيان لسيدنا رسول الله في الحقيقة وإن كان عصيانا في الظاهر فهو مما يؤجر به قوله وقد بقي لك ما يسوءك يعني يوم الفتح قوله قال يوم بيوم بدر أي قال أبو سفيان هذا يوم في مقابلة يوم بدر لأن المسلمين قتلوا يوم بدر سبعين رجلا والأسارى كذلك قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب قوله والحرب سجال أي دول مرة لهؤلاء ومرة لهؤلاء وأصله أن المستقين بالسجل وهو الداو يكون لكل واحد منهم بسجال قوله مثلة بضم الميم وسكون الثاء المثلثة اسم من مثل به ومثله أي خدعه قوله لم آمر بها أي بالمثلة قال الداودي معناه أنه لا يأمر بالأفعال الخبيثة التي ترد على فاعلها نقصا قوله ولم تسؤني يريد لأنكم عدوي وقد كانوا قتلوا ابنه يوم بدر وخرجوا لينالوا العيرة التي كانوا بها فوقعوا في كفار قريش وسلمت العير قوله أعل هبل وفي رواية إرق مكان أعل و هبل بضم الهاء وفتح الباء الموحدة اسم صنم كان في الكعبة ومعنى إرق مكان أعل يعني ارق في الجبل على حزبك أي علوت حتى صرت كالجبل العالي وقال الداودي يحتمل أن يريد بذلك تعيير المسلمين حين انحازوا إلى الجبل قوله قال لا تجيبوا له أي قال ألا تجيبوا لأبي سفيان وقوله ألا تجيبوا بحذف النون بغير الناصب والجازم وهي لغة فصيحة ويروى ألا تجيبونه قوله العزى تأنيث الأعز إسم صنم كان لقريش قاله الضحاك وأبو عبيد وفي ( التلويح ) العزى شجرة لغطفان كانوا يعبدونها وروى أبو صالح عن ابن عباس قال بعث رسول الله خالد بن الوليد إلى العزى ليقطعها قوله الله مولانا ولا مولى لكم يعني الله ناصرنا والمولى يأتي لمعان كثيرة والمولى في قوله تعالى ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ( الأنعام 26 ) يعني المالك وقال ابن الجوزي المولى هنا بمعنى الولي والله عز و جل يتولى المؤمنين بالنصر والإعانة ويخذل الكافرين
561 -
( باب إذا فزعوا بالليل )
أي هذا باب يذكر فيه إذا فزع العسكر بالليل أو أهل بلدة والفزع هو الخوف في الأصل لكنه وضع موضع الإغاثة والنصر وجواب إذا محذوف تقديره ينبغي لإمامهم أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يندبه لذلك
0403 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس قال وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا قال فتلقاهم النبي على فرس لأبي طلحة عري وهو متقلد سيفه فقال لم تراعوا لم تراعوا ثم قال رسول الله وجدته بحرا يعني الفرس
مطابقته للترجمة ظاهرة ومضى هذا الحديث في كتاب الجهاد مرارا وفي آخر كتاب الهبة ومضى الكلام فيه قوله عري بضم العين وسكون الراء أي مجرد من السرج واسم الفرس مندوب ومعنى لم تراعوا لا تراعوا أي لا تخافوا
661 -
( باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس )

(14/284)


أي هذا باب في بيان أمر من رأى العدو قد أقبل فنادي بأعلى صوته يا صباحاه يعني أغير عليكم في الصباح أو قد أصبحتم فخذوا حذركم وقال القرطبي معناه الإعلام بهذا الأمر المهم الذي دهمهم في الصباح قيل لأنهم كانوا يغيرون وقت الصباح وكأنه قيل جاءت وقت الصباح فتأهبوا للقاء فإن الأعداء يتراجعون عن القتال في الليل فإذا جاء النهار عاودوه والهاء فيه للندبة تسقط في الوصل والرواية إثباتها فتقف على الهاء وهو منادى مستغاث والألف فيه للاستغاثة وقيل الهاء فيه للسكت كأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح أي وقت الغارة والحاصل أنها كلمة يقولها المستغيث قوله حتى يسمع أي حتى إن يسمع بضم الياء من الإسماع و الناس بالنصب مفعوله
1403 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) أنه أخبره قال خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة حتى إذا كنت بثنية الغابة لقيني غلام لعبد الرحمان بن عوف قلت ويحك ما بك قال أخذت لقاح النبي قلت من أخذها قال غطفان وفزارة فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها يا صباحاه يا صباحاه ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها فجعلت أرميهم وأقول أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا فأقبلت بها أسوقها فلقيني النبي فقلت يا رسول الله إن القوم عطاش وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم فابعث في إثرهم فقال يا ابن الأكوع ملكت فأسجع إن القوم يقرون في قومهم
( الحديث 1403 - طرفه في 4914 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والمكي بتشديد الكاف والياء ابن إبراهيم بن بشير بن فرقد البرجمي التميمي الحنظلي البلخي ويزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع
وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري الثاني عشر وأخرجه أيضا في المغازي عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي والنسائي في اليوم والليلة جميعا عن قتيبة به وهذا الحديث بأتم من هذا يأتي في غزوة ذي قرد بفتح القاف والراء وبالدال المهملة ويقال بضمتين وقال السهيلي كذا لقيته مقيدا عن أبي علي والقرد في اللغة الصوف الرديء وهو على نحو يوم من المدينة
قوله ذاهبا حال قوله نحو الغابة بالغين المعجمة وبعد الألف باء موحدة وهي على بريد من المدينة في طريق الشام وهي في الأصل الأجمة والثنية في الجبل كالعقبة فيه قوله أخذت لقاح النبي اللقاح بكسر اللام الإبل والواحدة لقوح وهي الحلوب وقال ابن سعد كانت لقاح سيدنا رسول الله عشرين لقحة ترعى بالغابة وكان أبو ذر فيها قوله غطفان وفزارة بفتح الفاء وهما قبيلتان من العرب وكان رأس القوم الذين أغاروا عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان في خيل من غطفان قوله ما بين لابتيها أي لابتي المدينة واللابة الحرة وقد مر غير مرة قوله ثم اندفعت أي أسرعت في السير قوله أنا ابن الأكوع الأكوع لقب واسمه سنان بن عبد الله قوله يوم الرضع بضم الراء وتشديد الضاد المعجمة بعدها عين مهملة قال ابن الأنباري هو الذي رضع اللؤم من ثدي أمه أي غذى به وقيل هو الذي يرضع ما بين أسنانه مستكثرا من الجشع بذلك والجشع أشد الحرص وقالت امرأة من العرب تذم رجلا إنه لأكلة يكله يأكل من جشعه خلله أي ما يتخلل بين أسنانه وقال أبو عمر وهو الذي يرضع الشاة أو الناقة قبل أن يحلبها من شدة الشره وقال قوم الراضع الراعي لا يمسك معه محلبا فإذا جاءه إنسان فسأله أن يسقيه احتج أنه لا محلب معه وإذا أراد هو أن يشرب رضع الناقة أو الشاة وقيل هو رجل كان يرضع الغنم ولا يحلبها لئلا يسمع صوت الحلب فيطلب منه وفي ( الموعب ) رضع الرجل رضاعة مثال كرم وهو رضيع وراضع لئيم وجمعه راضعون وقال ابن دريد أصل الحديث أن رجلا من العمالقة طرقه ضيف ليلا فمص ضرع شاة لئلا يسمع الضيف صوت الشخب فكثر حتى صار كل لئيم راضعا فعل ذلك أو لم يفعل وقيل هو الذي يرضع طرف الخلال التي يخلل بها أسنانه ويمص ما يتعلق به وقال السهيلي اليوم يوم الرضع برفعهما وبنصب الأول ورفع الثاني قلت وجه رفعهما على كونهما مبتدأ وخبر أو وجه

(14/285)


النصب على الظرفية ويكون يوم الرضع مبتدأ وخبره الظرف فيما يتعلق قبله تقديره وفي هذا اليوم يوم الرضع يعني يوم هلاك اللئام قوله فاستنقذتها أي استخلصتها منهم قوله قبل أن يشربوا أي الماء بدليل قوله إن القوم عطاش قوله فأقبلت بها أي باللقاح قوله أسوقها أي حال كوني أسوق اللقاح التي أخذها غطفان وفزارة قوله فلقيني النبي وكان ذلك عشاء ومع النبي ناس وتوضيح ذلك أن عيينة بن حصن الفزاري لما أغار على لقاح النبي في خيل من غطفان أربعين فارسا وكان ذلك ليلة أربعاء جاء الصريخ فنودي يا خيل الله اركبي وكان أول ما نودي بها فركب رسول الله وخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعا فوقف فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له رسول الله لواء في رمحه وقال إمض حتى تلحقك الخيول وأنا على إثرك واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة قال المقداد فأدركت أخريات العدو وقد قتل أبو قتادة مسعدة وقتل عكاشة أبان بن عمرو وقتل المقداد حبيب بن عيينة وفرقد بن مالك بن حذيفة ابن بدر وأدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه فجعل يراميهم بالنبل ويقول خذها وأنا بن أكوع اليوم يوم الرضع حتى انتهى بهم إلى ذي قرد قال سلمة فلحقنا رسول الله والناس عشاء وهذا معنى قوله فلقيني النبي فقلت يا رسول الله إن القوم عطاش وهو جمع عطشان قوله وإني أعجلتهم قبل أن يشربوا سقيهم بكسر السين وسكون القاف وهو الحظ من الشرب و أن يشربوا مفعول له أي كراهة شربهم قوله فابعث في إثرهم أي قال سلمة يا رسول الله إبعث في إثرهم وفي رواية ابن سعد قال سلمة فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم فقال رسول الله يا ابن الأكوع ملكت من المملكة وهي أن يغلب عليهم ويستعبدهم وهم في الأصل أحرار قوله فاسجح بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة من الإسجاح وهو حسن العفو أي إرفق ولا تأخذ بالشدة وهذا مثل من أمثال العرب قوله إن القوم يقرون أي يضافون يعني أنهم وصلوا إلى غطفان وهم يضيفونهم ويساعدونهم فلا فائدة في الحال في البعث لأنهم لحقوا بأصحابهم ويقرون هنا من القري وهو الضيافة فراعى النبي ذلك لهم رجاء توبتهم وإنابتهم وقال ابن الجوزي يقرون بضم الياء والراء وفسره بأنهم يجمعون بين الماء واللبن وقيل يغزون بغين معجمة وزاي وهو تصحيف وفي كتاب ( الدلائل ) للبيهقي إنهم ليغبقون الآن في غطفان فجاء رجل من غطفان فقال مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غيرة فتركوها وخرجوا هرابا انتهى
وتمام القصة أن النبي لما لقي سلمة لم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم حتى انتهوا إلى رسول الله بذي قرد فاستنقذوا عشر لقائح وأفلت القوم بما بقي وهي عشر وصلى رسول الله بذي قرد صلاة الخوف وأقام بها يوما وليلة وفي ( الإكليل ) للحاكم باب غزوة ذي قرد قال أبو عبد الله هذه الغزوة هي الثالثة لذي قرد فإن الأولى سرية زيد بن حارثة في جمادي الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة والثانية خرج فيها سيدنا رسول الله بنفسه إلى فزارة وهي على رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة وهذه الثالثة التي أغار فيها عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله فخرج أبو قتادة وابن الأكوع في طلبها وذلك في سنة ست من الهجرة وقال ابن إسحاق في غزوة ذي قرد إنه كان أول ما بدر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له وكان يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه ثم خرج يشد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق بالقوم فجعل يرميهم بالنبل ويقول إذا رماها خذها وأنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع قال ابن إسحاق وبلغ رسول الله صياح ابن الأكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع فترامت الخيول إلى رسول الله فكان أول من انتهى إليه من الفرسان المقداد بن الأسود وجماعة آخرون ذكرهم ابن إسحاق قال وسار رسول الله حتى نزل بالجبل من ذي قرد وتلاحق به الناس فأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الأكوع يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل

(14/286)


لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال رسول الله الآن ليغبقون في غطفان وقسم رسول الله في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليها ثم رجع قافلا حتى قدم المدينة انتهى وقيل كانت غيبة رسول الله خمس ليال انتهى
وفي الحديث جواز الأخذ بالشدة ولقاء الواحد أكثر من المثلين لأن سلمة كان وحده وألقى رضي الله تعالى عنه بنفسه إلى التهلكة وفيه تعريف الإنسان بنفسه في الحرب بشجاعته وتقدمه وفيه فضل الرمي على ما لا يخفى
761 -
( باب من قال خذها وأنا ابن فلان )
أي هذا باب في بيان ذكر من قال عند ملاقاته العدو وهو يرمي خذها أي الرمية وتنوه باسمه بقوله وأنا ابن فلان وقال ابن التين وهي كلمة يقولها الرامي عندما يصيب فرحا وكان ابن عمر إذا رمى فأصاب يقول خذها وأنا أبو عبد الرحمن ورمى بين الهدفين وقال أنا بها وكان راميا يرمي الطير على سنام البعير فلا يخشى أن يصيب السنام وروي أن النبي قال أنا ابن العواتك
وقال سلمة خذها وأنا ابن الأكوع
هذا مطابق للترجمة وبيان لها وقطعة من الحديث المذكور قبله من حيث المعنى وقيل موقع هذا من الأحكام أنه خارج عن الافتخار المنهي عنه لأن الحال يقتضي ذلك وقال ابن بطال معنى خذها وأنا ابن الأكوع أنا ابن الأكوع المشهور في الرمي بالإصابة عن القوس وهذا على سبيل الفخر لأن العرب تقول أنا ابن نجدتها أي القائم بالأمر وأنا ابن جلا يريد المنكشف الأمر الواضح الجلي ولا يقول مثل هذا إلا الشجاع البطل والعادة عند العرب أن يعلم الشجاع نفسه بعلامة في الحرب يتميز بها من غيره ليقصده من يدعي الشجاعة
2403 - حدثنا ( عبيد الله ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) قال ( سأل رجل البراء ) رضي الله تعالى عنه فقال يا أبا عمارة أوليتم يوم حنين قال البراء وأنا أسمع أما رسول الله لم يول يومئذ كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول
( أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب )
قال فما رئي من الناس يومئذ أشد منه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أنا النبي لا كذب لأن فيه تنويها بشجاعته وثباته في الحرب وهذا أقوى من قول القائل خذها وأنا ابن فلان
وعبيد الله هو ابن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي جد إسرائيل المذكور
والحديث مر في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب ومر الكلام فيه هناك
قوله يابا عمارة هو كنية البراء قوله وأنا أسمع من كلام أبي إسحاق والواو فيه للحال قوله لم يول ويروى فلم يول على الأصل بالفاء وقال ابن مالك حذف الفاء جائز نظما ونثرا يعني لا يختص بالضرورة قوله فلما غشيه المشركون أي أحاطوا به نزل عن بغلته قوله فما رئي بضم الراء وكسر الهمزة وفتح الياء قوله منه أي من الرسول
وقال الطبري إختلف السلف هل يعلم الرجل الشجاع نفسه عند لقاء العدو فقال بعضهم ذلك جائز على ما دل عليه هذا الحديث وقد أعلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه نفسه يوم بدر بريشة نعامة في صدره وأعلم نفسه أبو دجانة بعصابة بمحضر رسول الله وكان الزبير رضي الله تعالى عنه يوم بدر معمما بعمامة صفراء فنزلت الملائكة معتمين بعمائم صفر وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى بخمسة آلاف من الملائكة مسومين انهم أتوا محمدا مسومين بالصوف فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف
وكره آخرون التسويم والأعلام في الحرب وقالوا فعل ذلك من الشهرة ولا ينبغي

(14/287)


للمسلم أن يشهر نفسه في الخير ولا في الشر قالوا وإنما ينبغي للمؤمن إذا فعل شيئا لله تعالى أن يخفيه عن الناس إن الله لا يخفى عليه شيء ( آل عمران 5 ) روي هذا عن بريدة الأسلمي
والصواب مع الفريق الأول أنه لا بأس بالتسويم والأعلام في الحرب إذا فعله من هو من أهل البأس والشدة والنجدة وهو قاصد بذلك حث الناس على الثبات والصبر للعدو في الملاقاة وفيه ترهيب العدو إذا عرفوا مكانه وأما إذا لم يقصد ذلك بل قصد به الافتخار فهو مكروه لأنه ليس ممن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وإنما يقاتل للذكر
861 -
( باب إذا نزل العدو على حكم رجل )
أي هذا باب في بيان ما إذا نزل العدو من المشركين على حكم رجل من المسلمين وجواب إذا محذوف تقديره ينفذ إذا أجازه الإمام
3403 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سعد بن إبراهيم ) عن ( أبي أمامة ) هو ( ابن سهل بن حنيف ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد هو ابن معاذ بعث رسول الله وكان قريبا منه فجاء على حمار فلما دنا قال رسول الله قوموا إلى سيدكم فجاء فجلس إلى رسول الله فقال له إن هؤلاء نزلوا على حكمك قال فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية قال لقد حكمت فيهم بحكم الملك
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني وأبو أمامة بضم الهمزة وبالميمين اسمه أسعد بن سهل بن حنيف يروي عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل سعد عن محمد بن عرعرة وفي الاستئذان عن أبي الوليد وفي المغازي عن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي موسى وبندار وعن زهير بن حرب وأخرجه أبو داود في الأدب عن بندار به وعن حفص بن عمر وأخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن علي عن غندر به وفي السير وفي الفضائل عن إسماعيل بن مسعود
ذكر معناه قوله بنو قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالظاء المعجمة وهم قبيلة من اليهود كانوا في قلعة فنزلوا على حكم سعد بن معاذ قوله بعث جواب لما أي بعث رسول الله يطلبه قوله أن تقتل المقاتلة أي الطائفة المقاتلة منهم أي البالغون والذرية النساء والصبيان قوله بحكم الملك بكسر اللام وهو الله تعالى وفي بعض الروايات بحكم الله تعالى وقال القاضي عياض ضبط بعضهم في ( صحيح البخاري ) كسرها وفتحها فإن صح الفتح فالمراد به جبريل عليه الصلاة و السلام وتقديره بالحكم الذي جاء به الملك عن الله تعالى ورد هذا عن ابن الجوزي من وجهين أحدهما ما نقل أن ملكا نزل من السماء في شأنهم بشيء ولو نزل بشيء أتبع وترك اجتهاد سعد والثاني في بعض ألفاظ الصحيح كما سيأتي في موضعه قضيت بحكم الله وقال ابن التين المعنى كله واحد على الكسر والفتح وقيل في الوجه الأول نظر لأن في غير رواية البخاري قال في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرا
ذكر ما يستفاد منه فيه لزوم حكم المحكم برضى الخصمين سواء كان في أمور الحرب أو غيرها وهو رد على الخوارج الذين أنكروا التحكيم على علي رضي الله تعالى عنه وفيه أن النزول على حكم الإمام أو غيره جائز ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم فإذا حكم فلا رجوع ولهم أن ينقلوا من حكم رجل إلى غيره وفيه أن التحاكم إلى رجل معلوم الصلاح والخير لازم للمتحاكمين فكيف بيننا وبين عدونا في الدين والمال أخف مؤونة من النفس والأهل وفيه أمر السلطان والحاكم

(14/288)


بإكرام السيد من المسلمين وإكرام أهل الفضل في مجلس السلطان الأكبر والقيام فيه لغيره من أصحابه وسادة أتباعه وإلزام الناس كافة بالقيام إلى سيدهم ولا يعارض هذا حديث معاوية من سره أن يتمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أو يسخط أن لا يقام له وقال القرطبي إنما المكروه القيام للمرء وهو جالس قال وتأول بعض أصحابنا قوله قوموا إلى سيدكم على أن ذلك مخصوص بسعد وقال بعضهم أمرهم بالقيام لينزلوه عن الحمار لمرضه وفيه بعد وقال السهيلي وقام رسول الله لصفوان بن أمية ولعدي بن حاتم حين قدما عليه وقام لمولاه زيد بن حارثة ولغيره أيضا وكان يقوم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها إذا دخلت عليه وتقوم له إذا قدم عليها وقام لجعفر ابن عمه وفيه جواز قول الرجل للآخر يا سيدي إذا علم منه خيرا أو فضلا وإنما جاءت الكراهة في تسويد الرجل الفاجر وفيه أن للإمام إذا ظهر من قوم من أهل الحرب الذي بينه وبينهم هدنة على خيانة وغدر أن ينبد إليهم على سواء وأن يحاربهم وذلك أن بني قريظة كانوا أهل موادعة من رسول الله قبل الخندق فلما كان يوم الأحزاب ظاهروا قريشا وأبا سفيان على رسول الله وراسلوهم إنا معكم فاثبتوا مكانكم فأحل الله بذلك من فعلهم قتالهم ومنابذتهم على سواء وفيهم أنزلت وإما نخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ( الأنفال 85 ) الآية فحاصرهم والمسلمون معه حتى نزلوا على حكم سعد رضي الله تعالى عنه
961 -
( باب قتل الأسير صبرا وقتل الصبر )
أي هذا باب في بيان حكم قتل الأسير صبرا أي من حيث الصبر والصبر في اللغة الحبس ويقال للرجل إذا شدت يداه ورجلاه ورجل يمسكه حتى يضرب عنقه قتل صبرا وفي الحديث أنه نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا هو أن يمسك من ذوات الروح شيء حيا ثم يرمي بشيء حتى يموت وهو معنى قوله وقتل الصبر وفي رواية الكشميهني باب قتل الأصير صبرا وليس في روايته وقتل الصبر وهذا اللفظ زائد لا طائل تحته
4403 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه
مطابقته للترجمة من حيث إنه أمر بقتل عبد الله بن خطل صبرا وه حاد الله ورسوله وارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو رسول الله وكانت له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين والحديث قد مر بعينه في أواخر كتاب الحج في باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام ومر الكلام فيه مستوفى والمغفر بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء وفي آخره راء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة
071 -
( باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأثر ومن ركع ركعتين عند القتل )
أي هذا باب يذكر فيه هل يستأسر الرجل أي هل يطلب أن يجعل نفسه أسيرا يعني هل يسلم نفسه للأسر أم لا وهذه الترجمة مشتملة على ثلاثة أشياء الأول هو قوله هل يستأسر الرجل والثاني هو قوله ومن لم يستأسر أي وفي بيان من لم يسلم نفسه للأسر والثالث هو قوله من ركع ركعتين عند القتل أي وفي بيان من صلى ركعتين عند القتل
5403 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي ) وهو حليف لبني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال بعث رسول الله عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن

(14/289)


ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة وهو بين عسفان ومكة ذكروا الحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر أللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذالك والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها أللهم أحصهم عددا
ما أبالي حين أقتل مسلما
على أي شق كان لله مصرعي
وذالك في ذات الإلاه وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله ابن الحارث فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرىء مسلم قتل صبرا فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي أصحابه خبرهم وما أصيبوا وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا
المطابقة من الحديث للجزى الأول وهو قوله هل يستأسر الرجل في قوله فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق وللجزء الثاني وهو قوله ومن لم يستأسر في قوله قال عاصم بن ثابت أمير السيرة أما أنا فوالله لا أنزل اليوم

(14/290)


في ذمة كافر وللجزء الثالث وهو قوله ومن صلى ركعتين عند القتل في قوله قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو اليمان الحكم بن نافع الثاني شعيب بن أبي حمزة الثالث محمد بن مسلم الزهري الرابع عمرو بفتح العين المهملة وقال بعض أصحاب الزهري عمر بضم العين وقال يونس من رواية أبي صالح عن الليث عن يونس وابن أخي الزهري وإبراهيم بن سعد عمر بضم العين غير أن إبراهيم نسبه إلى جده فقال عمر بن أسيد قال البخاري في ( تاريخه ) الصحيح عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ابن جارية بالجيم الثقفي حليف لبني زهرة بضم الزاي وسكون الهاء الخامس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن أبي اليمان أيضا وفي المغازي عن موسى بن إسماعيل وأخرجه أبو داود في الجهاد عن موسى بن إسماعيل وعن محمد بن عوف عن أبي اليمان وأخرجه النسائي في السير عن عمران بن بكار وفيه الشعر دون الدعاء
ذكر معناه قوله عشرة رهط الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى أربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه وقال محمد بن إسحاق حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله رهط من عضل والقارة وقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام فبعث معهم رسول الله نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب وهو أمير القوم وخالد بن بكير الليثي حليف بني عدي أخو بني حججبي وثابت بن أبي الأفلح وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق والأصح ما قاله البخاري عشرة رهط وأميرهم عاصم بن ثابت على ما مر قوله سرية نصب على البيان والسرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بوجه لأن لام السر راء وهذه ياء وهذه السرية تسمى سرية الرجيع وهي غزوة الرجيع قال ابن سعد كانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا وذكرها ابن إسحاق في صفر سنة أربع من الهجرة والرجيع على ثمانية أميال من عسفان وقال الواقدي سبعة أميال وقال البكري الرجيع بفتح أوله وبالعين المهملة في آخره ماء لهذيل لبني لحيان منهم بين مكة وعسفان بناحية الحجاز وعسفان قرية جامعة منها إلى كراع الغميم ثمانية أميال والغميم بالغين المعجمة واد والكراع جبل أسود عن يسار الطريق شبيه بالكراع ومن كراع الغميم إلى بطن مر خمسة عشر ميلا ومن مر إلى سرف سبعة أميال ومن سرف إلى مكة ستة أميال قوله عينا أي جاسوسا وانتصابه على أنه بدل من سرية قوله وأمر بتشديد الميم من التأمير أي جعل عاصم بن ثابت أميرا على الرهط المذكور وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح واسمه قيس بن عصمة بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف ابن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري يكنى أبا سليمان شهد بدرا وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه لأن أم عاصم جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح أخت عاصم بن ثابت وكان اسمها عاصية فسماها رسول الله جميلة وقيل هو خاله لا جده قوله بالهداة بفتح الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الهمزة وهو موضع بين عسفان ومكة قوله ذكروا على صيغة المجهول قوله من هذيل هو ابن مدركة بن الياس بن مضر قال ابن دريد من الهذل وهو الاضطراب قوله بنو لحيان بكسر اللام وحكى صاحب ( المطالع ) فتحها ولحيان من هذيل وقال الرشاطي إنهم من بقايا جرهم دخلوا في هذيل وعن ابن دريد اشتقاقه من اللحى واللحي من قولهم لحيت العود ولحوته إذا قشرته قوله فنفروا لهم بتشديد الفاء أي استنجدوا لأجلهم قريبا من مائتي رجل وفي رواية فنفر إليهم قريب من مائة رجل بتخفيف الفاء أي خرج إليهم فكأنه قال نفروا مائتي رجل ولكن ما تبعهم إلا مائة وفي رواية أخرى فنفذوا بالذال المعجمة

(14/291)


قوله فاقتصوا آثارهم أي اتبعوها وقال ابن التين ويجوز بالسين قوله مأكلهم اسم مكان منصوب بتقدير الجار وذلك جائز نحو رميت مرمى زيد قوله تزودوه جملة في محل النصب على أنها صفة لتمر قوله فلما رآهم عاصم كذا هو في ( الصحيح ) و ( شرح ابن بطال ) وذكره بعض الشراح بلفظ فلما أحس بهم ثم قال أي علم قال تعالى هل تحس منهم من أحد ( مريم 89 ) وفي ( سنن أبي داود ) حس بغير ألف قوله لجأوا أي استندوا إلى فدفد بفاءين مفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة وهو الموضع المرتفع الذي فيه غلظ وارتفاع وقال ابن فارس إنه الأرض المستوية وظاهر الحديث أنه مكان مشرف تحصنوا فيه وفي رواية أبي داود ) إلى قردد بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم بدالين مهملتين وهما سواء قوله العهد أي الذمة قوله بالنبل أي السهام العربية قوله في سبعة أي في جملة سبعة والحاصل أن السبعة من العشرة قتلوا وعن إبن إسحاق الذين قتلوا ثلاثة لأنا قد ذكرنا عنه عن قريب أن الذين أرسلهم النبي كانوا ستة وقد ذكرناهم وقال ابن إسحاق غدروا بهم على الرجيع فاستصرخوا عليهم هذيلا فل يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم وقاتلهم أصحاب رسول الله فقتل منهم ثلاثة وأسر منهم ثلاثة وهم زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق وعند البخاري القتلى سبعة والذين أسروا ثلاثة وهو قوله فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد أي بالذمة قوله ومنهم أي من هؤلاء خبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة أخرى ابن عدي الأنصاري الأوسي من بني حججبي بن كلفة بن عمرو بن عوف من البدريين قوله وابن الدثنة وهو زيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وسكونها والنون ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري البياضي شهد بدرا وأحدا قوله ورجل آخر هو عبد الله بن طارق بينه ابن إسحاق في روايته وهو عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك البلوي حليف لبني ظفر من الأنصار شهد بدرا وأحدا قوله فقال الرجل الثالث هو عبد الله بن طارق قوله هذا أول الغدر ويروى هذا أوان الغدر قوله فجروه ويروى فجروه بالفاء ويروى بالواو قوله فأبى أي فامتنع من الرواح معهم فقتلوه وقبره بم الظهران قال أبو عمر لما أسروا الثلاثة خرجوا بهم إلى مكة حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من الوثاق وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة فقتلوه قوله فابتاع أي اشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر قوله وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر وقال ابن إسحاق ابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليفا لهم وكان جحير أخا الحارث بن عامر لأمه فابتاعه لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه وقيل اشترك في ابتياعه أبو إهاب بن عزيز وعكرمة بن أبي جهل والأخنس بن أبي شريق وعبيدة بن حكيم بن الأوقص وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرمي وصفوان بن أمية وهم أبناء من قتل من المشركين ببدر ودفعوه إلى عقبة فسجنه حتى انقضت الأشهر الحرم فصلبوه بالتنعيم فأخبرني عبيد الله بن عياض القائل بهذا هو ابن شهاب الزهري وعبيد الله بضم العين مصغر ابن عياض بكسر العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وفي آخره ضاض معجمة ابن عمرو القاري من القارة حجازي وسمع عبيد الله هذا عن عائشة وغيرها قاله المنذري ولم يذكره أحد في رجال البخاري كما ادعاه الدمياطي نعم ذكره المزي وهو والد محمد قوله إن بنت الحارث أخبرته قال إبن إسحاق اسمها مارية وقيل ماوية وهي مولاة حجير بن أبي إهاب وكانت زوج عقبة بن الحارث وسماها ابن بطال جويرة وفي ( معجم البغوي ) مارية بنت حجير بن أبي إهاب وقال الواقدي هي مولاة بني عبد مناف وقال الحميدي في ( جمعه ) رواية عبيد الله عنها هنا إلى قوله فلما خرجوا من الحرم قوله استعار منها موسى وجاز صرفه لأنه مفعل وعدم صرفه لأنه على خلاف بين الصرفيين قوله يستحد بها من الاستحداد وهو حلق شعر العانة وهو استفعال من الحديد استعمل على طريق الكناية والتورية وذلك لئلا يظهر شعر عانته عند قتله قوله فأخذ إبنا لي أي فأخذ خبيب ابنا لي والحال أنا غافلة حين أتاه ويروى حتى أتاه واسم الابن أبو الحسين ابن الحارث بن عامر بن نوفل وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي حسين المكي شيخ مالك رضي الله تعالى عنه قوله فوجدته أي وجدت خبيبا مجلسه أي مجلس ابني بضم الميم وسكون

(14/292)


الجيم وكسر اللام من الإجلاس والواو وفي الموسى بيده للحال قوله ففزعت فزعة أي خفت خوفا قوله من قطف عنب بكسر القاف وهو العنقود قوله وإنه لموثق أي المربوط في الحديد والواو فيه للحال وكذا الواو في قوله وما بمكة من ثمر بالثاء المثلثة وفتح الميم قوله ذروني أي اتركوني قوله فركع ركعتين أي صلى ركعتين وهو أول من صلى ركعتين عند القتل قوله جزع بفتح الجيم والزاي وهو نقيض الصبر قوله أللهم إحصهم عددا دعاء عليهم بالهلاك استئصالا أي لا تبق منهم أحدا ويروى بعده واقتلهم بددا بفتح الباء الموحدة والبدد التفرق قال السهيلي ومن رواه بكسر الباء فهو جمع بدة وهي الفرقة والقطعة من الشيء المتبدد ونصبه على الحال من المدعو وبالفتح مصدر قوله ما أبالي إلى آخره بيتان أنشدهما بعد الفراغ من دعائه عليهم وهما من بحر الطويل والصحيح ولست أبالي وعلى الرواية الأولى فيه وهما من قصيدة أولها هو قوله
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد قربوا أبناءهم ونساءهم
وقربت من جزع طويل ممنع
وكلهم يبدي العداوة جاهدا
علي لأني في وثاق بمضيع
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي
وما جمع الأحزاب لي عند مصرع
يذا العرش صبرني على ما أصابني
وقد بضعوا لحمي وقد قل مطمع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد عرضوا بالكفر والموت دونه
وقد ذرفت عيناي من غير مدمع
وما بي حذار الموت إني لميت
ولكن حذاري حر نار تلفع
فلست بمبد للعدو تخشعا
ولا جزعا إني إلى الله مرجع
ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي شق كان لله مضجع
وقال ابن هشام أكثر أهل العلم بالشعر ينكرها له قوله الأحزاب الجمع من طوائف مخلفة قوله وألبوا أي جمعوا قبائلهم قال الجوهري ألبت الجيش إذا جمعته وتألبوا تجمعوا قوله بمضيع موضع الضياع أي الهلاك قوله يذا العرش أصله يا ذا العرش حذفت الألف للضرورة قوله بضعوا أي قطعوا قطعا قطعا قوله في ذات الإله أي في وجه الله وطلب ثوابه قوله أوصال جمع وصل قوله شلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام العضو قوله ممزع أي مقطع والمزعة القطعة قوله تلفع من لفعته النار إذ شملته من نواحيه وأصابه لهيبها قوله فلست بمبد أي بمظهر قوله ولا جزعا الجزع قلة الصبر قوله فقتله ابن الحارث وهو عقبة بن الحارث وقيل أخوه وكلاهما أسلم بعد ذلك وقال أبو عمر روى سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر أنه سمعه يقول الذي قتل خبيبا أبو سروعة عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل وكان القتل بالتنعيم وأبو سروعة بكسر السين المهملة وقيل بفتحها وفتح الراء وقيل بفتح السين وضم الراء قوله حين حدثوا على صيغة المجهول أي حين أخبروا بقتل عاصم بن ثابت قوله ليؤتوا على صيغة المجهول قوله بشيء منه أي من عاصم يعني بقطعة منه يعرف بها قوله وكان قد قتل أي وكان عاصم قد قتل رجلا من عظمائهم أي من أشرافهم وأكابرهم يوم بدر وهو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أبي أمية بن عبد شمس وكان عاصم قتل يوم أحد فتبين من عبد الدار أخوين أمهما سلاقة بنت سعد بن شهيد وهي التي نذرت إن قدرت على قحف عاصم لتشربن فيه الخمر قوله مثل الظلة بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام وهي السحابة المظلة كهيئة الصفة قوله من الدبر بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء وهي ذكور النحل وقال القزاز الدبر الزنابير واحدها دبرة وقال ابن فارس هي النحل جمعه دبور وقال ابن بطال الدبر جماعة النحل لا واحد لها قوله فحمته أي حفظته ويقال حمته أي عصمته ولهذا سمي عاصم محمي الدبر فعيل بمعنى مفعول ويقال لما عجزوا قالوا إن الدبر يذهب بالليل فلما جاء الليل أرسل الله سيلا فاحتمله فلم يجدوه وقيل إن الأرض

(14/293)


ابتلعته والحكمة فيه أن الله حماه من قطع شيء من جسده وما حماه من القتل إذا القتل موجب للشهادة ولا ثواب في القطع مع ما فيه من هتك حرمته
ذكر ما يستفاد منه في نزول خبيب وصاحبه جواز أن يستأسر الرجل قال المهلب إذا أراد أن يأخذ بالرخصة في إحياء نفسه فعل كفعل هؤلاء وعن الحسن لا بأس أن يستأسر الرجل إذا خاف أن يغلب وقال الثوري أكره للأسير المسلم أن يمكن من نفسه إلا مجبورا وعن الأوزاعي لا بأس للأسير المسلم أن يأبى أن يمكن من نفسه بل يأخذ بالشدة والإباء من الأسر والأنفة من أن يجري عليه ملك كافر كما فعل عاصم وفيه استيثار الاستحداد لمن أسر ولمن يقتل والتنظيف لمن يصنع بعد القتل لئلا يطلع منه على قبح عورة وفيه أداء الأمانة إلى المشرك وغيره وفيه التورع من قتل أطفال المشركين رجاء أن يكونوا مؤمنين وفيه الامتداح بالشعر حين ينزل بالمرء هو أن في دين أو ذلة القتل يرغم بذلك أنف عدوه ويحدد في نفسه صبرا وأنفة وفيه كرامة كبيرة لخبيب في أكله من قطف عنب في غير أوانه وقال ابن بطال هذا ممكن أن يكون آية لله على الكفار وتصحيحا لرسالة نبيه محمد عند الكفار من أجل ما كانوا عليه من تكذيب رسول الله وفيه علامة من علامات نبوته بإجابة دعوة عاصم بأن أخبر الله نبيه محمدا بالخبر قبل بلوغه على ألسنة المخلوقين
261 -
( باب فكاك الأسير )
أي هذا باب في بيان وجوب فكاك الأسير من أيدي العدو بمال أو غيره والفكاك بفتح الفاء أي التخليص ويجوز بالكسر
فيه عن أبي موسى عن النبي
أي في الباب روى عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وأخرج البخاري حديثه هنا عن قتيبة وفي الأطعمة وفي النكاح وفي الأحكام عن مسدد وفي الطب عن قتيبة أيضا وأخرجه أبو داود في الجنائز عن محمد بن كثير وأخرجه النسائي في السير وفي الطب عن قتيبة وفي الطب أيضا عن محمود بن غيلان
6403 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله فكوا العاني يعني الأسير وأطعموا الجائع وعودوا المريض
مطابقته للترجمة في قوله فكوا العاني وهو الأسير وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة
قوله العاني بالعين المهملة وبالنون مثل القاضي من عنا يعنو فهو عان والجمع عناة والمرأة عانية والجمع عوان وقال ابن الأثير والعاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا وقد فسره إما قتيبة أو جرير بقوله يعني الأسير وفكاك الأسير فرض على الكفاية قال ابن بطال على هذا كافة العلماء وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكاك أسرى المسلمين من بيت المال وبه قال إسحاق وعن الحسن بن علي هو على أهل الأرض التي يقاتل عليها وعن أحمد يفادون بالرؤوس وأما بالمال فلا أعرفه والحديث عام فلا معنى لقول أحمد وقد قال عمر بن عبد العزيز إذا خرج الذمي بالأسير من المسلمين فلا يحل للمسلمين أن يردوه إلى الكفر فيفادوه بما استطاعوا قوله وأطعموا الجائع عام يتناول كل جائع من بني آدم وغيرهم وإطعام الجائع فرض على الكفاية فلو أن رجلا يموت جوعا وعند آخر ما يحييه به بحيث لا يكون في ذلك الموضع أحد غيره ففرض عليه إحياء نفسه وإذا ارتفعت حالة الضرورة كان ذلك ندبا قوله وعودوا المريض و عودوا أمر من العيادة وعيادة المريض فرض كفاية أيضا وقيل سنة مؤكدة

(14/294)


7403 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( مطرف ) أن ( عامرا ) حدثهم عن ( أبي جحيفة ) رضي الله تعالى عنه قال قلت لعلي رضي الله تعالى عنه هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر
مطابقته للترجمة في قوله وفكاك الأسير وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي سكن الجزيرة ومطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء وبالفاء ابن طريف الحارثي أبو بكر الكوفي وعامر هو الشعبي وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء واسمه وهب بن عبد الله السوائي
والحديث مر في كتاب العلم في باب كتابة العلم فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن وكيع عن سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة إلى آخره نحوه ومضى الكلام فيه هناك
قوله والذي فلق الحبة من أيمان العرب ومعنى فلق الحبة شقها في الأرض حتى تنبث ثم أثمرت فكان منها حب كثير وكل شيء شققته فقد فلقته قوله وبرأ أي خلق والنسمة الإنسان والنفس قوله فهما بسكون الهاء وفتحها قوله العقل الدية
271 -
( باب فداء المشركين )
أي هذا باب في بيان فداء المشركين بمال يؤخذ منهم
8403 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ابن عقبة ) عن ( موسى ابن عقبة ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول لله فقالوا يا رسول الله ائذن فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعون منه درهما
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إيذن لنا إلى آخر الحديث والحديث مضى في كتاب العتق في باب إذا أسر أخو الرجل وقال الإسماعيلي لم يسمع موسى بن عقبة من ابن شهاب قلت الإثبات أولى من النفي قوله لا تدعون أي لا تتركون ويروى لا تدعوا على صيغة الأمر قوله منه ويروى منها
9403 - وقال ( إبراهيم ) عن ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس ) قال أتي النبي بمال من البحرين فجاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال خذ فأعطاه في ثوبه
( انظر الحديث 124 وأطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه في ذكر الفداء وهذا تعليق أورده مختصرا وذكره معلقا أيضا بأتم منه في الصلاة في أبواب المساجد في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد وإبراهيم هو ابن طهمان صرح بذكره هناك وهنا ذكره مجردا ولم ينسبه ومضى الكلام فيه هناك
0503 - حدثني ( محمود ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( محمد ابن جبير ) عن أبيه وكان جاء في أساري بدر قال سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور
مطابقته للترجمة في قوله وكان جاء في أسارى بدر أي جاء في طلب فداء أسارى بدر ومحمود هو ابن غيلان المروزي

(14/295)


وجبير مصغر ضد كسير ابن مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام كان من سادات قريش أسلم يوم الفتح وكان حين جاء في فداء أسارى بدر وفكاكهم كافرا قال أتيت النبي لأكلمه في أسارى بدر فوافيته وهو يصلي بأصحابه المغرب فسمعته وهو يقرأ وقد خرج صوته من المسجد إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ( الطور 7 - 8 ) قال فكأنما صدع قلبي فلما فرغ من صلاته كلمته في الأسارى فقال لو كان أبوك حيا فأتانا فيهم لقبلنا شفاعته وذلك أنه كانت له عند رسول الله يد قوله يقرأ في المغرب بالطور أي يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور وقد مضى هذا في كتاب الصلاة في باب الجهر في المغرب ومضى الكلام فيه
371 -
( باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان )
أي هذا باب في بيان حكم الحربي من أهل دار الحرب إذا دخل دار الإسلام بغير أمان ما يكون أمره هل يجوز قتله أم لا لم يذكر الجواب لأجل الاختلاف فيه فقال مالك يتخير فيه الإمام وحكمه حكم أهل الحرب وقال الأوزاعي والشافعي إن ادعى أنه رسول قبل منه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد لا يقبل ذلك منه وهو فيء للمسلمين وقال محمد هو لمن وجده
1503 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( أبو العميس ) عن ( إياس بن سلمة بن الأكوع ) عن أبيه قال أتى النبي عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي اطلبوه واقتلوه فقتله فنفله سلبه
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الحديث في عين المشركين وهو جاسوسهم والترجمة في الحربي المطلق الذي يدخل بغير أمان وأجيب بأن العين المذكورة في الحديث أوهم أنه ممن له أمان فلما قضى حاجته من التجسس انفتل مسرعا فعلموا أنه حربي دخل بغير أمان فلهذا قتل
وأبو نعيم الفضل بن دكين وأبو العميس بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة واسمه عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن عبد الله الهلالي مر في كتاب الإيمان وإياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالسين المهملة ابن سلمة بفتح اللام ابن الأكوع
والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد أيضا عن الحسن بن علي عن أبي نعيم وأخرجه النسائي في السير عن أحمد بن سليمان
قوله عين أي جاسوس قوله في سفر بينه مسلم فإنه أخرج الحديث في المغازي عن زهير بن حرب عن عمر ابن يونس عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه غزونا مع رسول الله هوازن يعني حنينا فبينا نحن نتضحى مع رسول الله إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من جعبته فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم قعد عليه فاشتد به الجمل فاتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة وخرجت اشتد فكنت عند ورك الناقة ثم أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه على الأرض ضربت رأسه فبدر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله والناس معه فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع قال له سلبه أجمع وعند الإسماعيلي فقال علي بالرجل اقتلوه فابتدره القوم وفي رواية قام رجل من عند النبي فأخبر أنه عين من المشركين فقال من قتله فله سلبه قوله ثم انفتل أي ثم انصرف قوله اطلبوه واقتلوه وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس أدركوه فإنه عين وفي رواية أبي داود فسبقتهم إليه فقتلته وفاعل اسبقتهم سلمة بن الأكوع وكذلك فاعل فقتلته قوله فقتله أي فقتله سلمة وفيه التفات من المتكلم إلى الغائب والقياس فقتلته بالإخبار عن نفسه كما في رواية أبي داود وهكذا روى أيضا هنا قوله فنفله أي فنفل رسول الله سلب هذا العين سلمة وفيه التفات أيضا والقياس فقتلته ونفلني سلبه أي أعطاه ما سلب منه وأما النفل في اصطلاح الفقهاء ما شرطه الأمير لمتعاطي خطر والسلب

(14/296)


بفتح اللام مركب المقتول وثيابه وسلاحه وما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو في وسطه وما عدا ذلك فليس بسلب وكذلك ما كان مع غلامه على دابة أخرى
وفيه قتل الجاسوس الحربي وعليه الإجماع وأما الجاسوس المعاهد أو الذمي فقال مالك والأوزاعي يصير ناقضا للعهد فإن رأى الإمام استرقاقه أرقه ويجوز قتله وعند الجمهور لا ينتقض عهده بذلك إلا أن يشترط عليه انتقاضه به وأما الجاسوس المسلم فعند أبي حنيفة والشافعي وبعض المالكية يعزر بما يراه الإمام إلا القتل وقال مالك يجتهد فيه الإمام وقال عياض قال كبار أصحابه يقتل واختلفوا في تركه بالتوبة فقال ابن الماجشون إن عرف بذلك قتل وإلا عزر والله أعلم
471 -
( باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون )
أي هذا باب يذكر فيه يقاتل عن أهل الذمة أي عن أهل الكتاب لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يأمنوا في أنفسهم وأموالهم وأهليهم فيقاتل عنهم كما يقاتل عن المسلمين قوله ولا يسترقون على صيغة المجهول وفي ( التوضيح ) وما ذكر من الاسترقاق فليس في الخبر قلت هذا من كلام ابن التين وأجيب بأنه أخذه من قوله في الحديث وأوصيه بذمة الله فإن مقتضى الوصية بالإشفاق أن لا يدخلوا في الاسترقاق قلت يحتمل أنه ذكره لمكان الخلاف فيه فإن مذهب ابن القاسم أنهم يسترقون إذا نقضوا العهد وخالفه أشهب وقيل أغرب ابن قدامة فحكى الإجماع فكأنه لم يطلع على خلاف ابن القاسم قلت يحتمل أنه أراد به إجماع الأئمة الأربعة
2503 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( حصين ) عن ( عمرو بن ميمون ) عن ( عمر ) رضي الله تعالى عنه قال وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم
مطابقته للترجمة في قوله وأن يقاتل من ورائهم وأبو عوانة الوضاح اليشكري وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي والحديث قد مر مطولا في كتاب الجنائز في باب قبر النبي وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قوله بذمة الله أي عهد الله قوله وأن يقاتل من ورائهم أراد به دفع الكافر الحربي ونحوه عنهم قوله ولا يكلفوا على صيغة المجهول من التكليف ومعناه أن لا يزيدوا على مقدار الجزية
571 -
( باب جوائز الوفد )
671 -
( باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم )
أقول هكذا وقع هذان البابان وليس بينهما شيء في جميع النسخ من طريق الفربري إلا أن في رواية أبي علي بن بن شبويه عن الفربري وقع باب جوائز الوفد بعد باب هل يستشفع وكذا وقع عند الإسماعيلي وهذا أصوب لأن حديث الباب مطابق لترجمة جوائز الوفد لقوله فيه وأجيزوا الوفد بخلاف الترجمة الأخرى وكان البخاري وضع هاتين الترجمتين وأخلى بينهما بياضا ليجد حديثا يناسبهما فلم يتفق ذلك ثم إن النساخ أبطلوا البياض وقرنوا بينهما وليس في رواية النسفي باب جوائز الوفد بل الذي وقع عنده باب هل يستشفع إلى أهل الذمة وأورد فيه حديث ابن عباس وفي طلب المطابقة بينهما تعسف ولقد تكلف بعضهم في توجيه المطابقة فقال ولعله من جهة أن الإخراج يعني في قوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب يقتضي رفع الاستشفاع والحض على إجازة الوفد يقتضي حسن المعاملة أو لعل إلى في الترجمة بمعنى اللام أي هل يستشفع لهم عند الإمام وهل يعاملون انتهى قلت قوله يقتضي رفع الاستشفاع يقتضي العمل برفع الاستشفاع والعمل بالاقتضاء يكون عند الضرورة ولا ضرورة ههنا والإخراج معناه معلوم وليس فيه معنى الاقتضاء

(14/297)


والوفد أعم من أن يكون من المسلمين أو من المشركين والمواضع التي تذكر فيها أن إلى بمعنى اللام إنما معنى إلى فيها على أصلها بمعنى الانتهاء فافهم وههنا لا يتأتي هذا المعنى ثم التقدير في باب جوائز الوفد أي هذا باب في بيان جوائز الوفد والجوائز جمع جائزة وهي العطية يقال أجازه يجيزه إذا أعطاه والوفد هم القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافد وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك يقال وفد يفد فهو وافد وأوفدته فوفد وأوفد على الشيء فهو موفد إذا أشرف والتقدير في باب هل يستشفع أي هذا باب يذكر فيه هل يستشفع قوله ومعاملتهم بالجر عطفا على المضاف إليها لفظ الباب
3503 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( سليمان الأحول ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أنه قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا أهجر رسول الله قال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة
وجه المطابقة قد ذكر الآن وقبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ابن عقبة قال الجياني لا أحفظ لقبيصة عن ابن عيينة شيئا في ( الجامع ) ورواية ابن السكن قتيبة بدل قبيصة قلت وقع هكذا قبيصة حدثنا ابن عيينة عند أكثر الرواة عن الفربري وكذا في رواية النسفي ولم يقع في البخاري لقبيصة رواية عن سفيان بن عيينة إلا هذه الرواية وروايته فيه عن سفيان الثوري كثيرة جدا وقيل لعل البخاري سمع هذا الحديث منهما غير أنه لا يحفظ لقبيصة عن ابن عيينة شيء في ( الجامع ) ولا ذكره أبو نصر فيمن روى في ( الجامع ) عن غير الثوري
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن قتيبة وفي الجزية عن محمد وأخرجه مسلم في الوصايا عن سعيد بن منصور وقتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد الكل عن ابن عيينة وأخرجه أبو داود في الخراج عن سعيد بن منصور ببعضه وأخرجه النسائي في العلم عن محمد بن منصور عن سفيان مثل الأول
قوله يوم الخميس خبر المبتدأ المحذوف أو بالعكس نحو يوم الخميس يوم الخميس نحو أنا أنا والغرض منه تفخيم أمره في الشدة والمكروه قوله وما يوم الخميس أي أي يوم يوم الخميس وهذا أيضا لتعظيم أمره في الذي وقع فيه قوله حتى خضب أي رطب وبلل قوله فتنازعوا وقد مر في كتاب العلم في باب كتابة العلم بعض هذا الحديث عن ابن عباس وفيه ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده قال عمر إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغظ قال قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع الحديث وهذا يوضح معنى قوله فتنازعوا قوله ولا ينبغي عند نبي تنازع قال الكرماني لفظ ولا ينبغي إما قول رسول الله وإما قول ابن عباس والسياق يحتملهما والموافق لسائر الروايات الأولى قلت لا حاجة إلى هذا الترديد لأنه صرح في الحديث الذي سبق في كتاب العلم بقوله ولا ينبغي عندي التنازع والعجب منه ذلك مع أنه قال ومر شرح الحديث في باب كتابة العلم قوله أهجر ويروى هجر بدون الهمزة أطلق بلفظ الماضي لما رأوا فيه من علامات الهجرة عن دار الفناء وقال ابن بطال قالوا هجر رسول الله أي اختلط وأهجر إذا أفحش وقال ابن التين يقال هجر العليل إذا هذى يهجر هجرا بالفتح والهجر بالضم الإفحاش وقال ابن دريد يقال هجر الرجل في المنطق إذا تكلم بما لا معنى له وأهجر إذا أفحش قلت هذه العبارات كلها فيها ترك الأدب والذكر بما لا يليق بحق النبي ولقد أفحش من أتى بهذه العبارة فانظر إلى ما قال النووي أهجر بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أنكروا على من قال لا تكتبوا أي لا تجعلوه كأمر من هذي في كلامه وإن صح بدون الهمزة فهو أنه لما أصابته الحيرة والدهشة لعظم ما شاهد من هذه الحالة الدالة

(14/298)


على وفاته وعظم المصيبة أجرى الهجر مجرى شدة الوجع وقال الكرماني وأقول هو مجاز لأن الهذيان الذي للمريض مستلزم لشدة وجعه فأطلق الملزوم وأريد اللازم قلت لو كان بتحسين العبارة لكان أولى قوله دعوني أي اتركوني ولا تنازعوا عندي فإن الذي أن فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله تعالى والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما تدعوني إليه من الكتابة ونحوها قوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب أخرجوا أمر من الإخراج ولم يتفرغ أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لذلك فأجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه قيل كانوا أربعين ألفا ولم ينقل عن أحد من الخلفاء أنه أجلاهم من اليمن مع أنها من جزيرة العرب
وروى أحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب وإنما أخرج أهل نجران من الجزيرة وإن لم تكن من الحجاز لأنه صالحهم على أن لا يأكلوا الربا فأكلوه رواه أبو داود من طريق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال أحمد بن المعدل حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى عن الزهري قال قال مالك بن أنس جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن وفي رواية ابن وهب عنه مكة والمدينة واليمن وعن المغيرة بن عبد الرحمن مكة والمدينة واليمن وقرياتها وعن الأصمعي هي ما لم يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى أطراف الشام هذا الطول والعرض من جدة إلى ريف العراق وفي رواية أبي عبيد عنه الطول من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا وعرضها من جزيرة جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام وقال الشعبي هي ما بين قادسية الكوفة إلى حضرموت وقال أبو عبيدة هي ما بين حفر أبي موسى بطوارة من أرض العراق إلى أقصى اليمن في الطول وأما في العرض فما بين رمل بيرين إلى منقطع السماوة وقال أبو عبيد البكري قال الخليل سميت جزيرة العرب لأن بحر فارس وبحر الحبش والفرات ودجلة أحاطت بها وهي أرض العرب ومعدنها وقال أبو إسحاق الحربي أخبرني عبد الله بن شبيب عن زبير عن محمد بن فضالة إنما سميت جزيرة لإحاطة البحر بها والأنهار من أقطارها وأطرافها وذلك أن الفرات أقبل من بلاد الروم فظهر بناحية قنسرين ثم انحط عن الجزيرة وهي ما بين الفرات ودجلة وعن سواد العراق حتى دفع في البحر من ناحية البصرة والأيلة وامتد البحر من ذلك الموضع مغربا مطبقا ببلاد العرب منقطعا عليها فأتى منها على سفوان وكاظمة ونفذ إلى القطيف وهجروا أسياف عمان والشحر وسال منه عنق إلى حضرموت إلى أبين وعدن ودهلك واستطال ذلك العنق فطعن في تهايم اليمن بلاد حكم والأشعريين وعك ومضى إلى جدة ساحل مكة وإلى الجاد ساحل المدينة وإلى ساحل تيما وإيلة حتى بلغ إلى قلزم مصر وخالط بلادها وأقبل النيل في غربي هذا العنق من أعلى بلاد السودان مستطيلا معارضا للبحر حتى دفع في بحر مصر والشام ثم أقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين ومر بعسقلان وسواحلها وأتى على صور بساحل الأردن وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمشق ثم نفذ إلى سواحل حمص وسواحل قنسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات منحطا على أطراف قنسرين والجزيرة إلى سوار العراق فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزلوها على خمسة أقسام تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن
قوله وأجيزوا الوفد وأجيزوا من الإجازة يقال أجازه بجوائز أي أعطاه عطايا قد مر تفسير الجائزة والوفد ويقال الجائزة قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل وجائزته يوم وليلة قوله ونسيت الثالثة قال ابن التين ورد في رواية أنها القرآن وقال المهلب هي تجهيز جيش أسامة بن زيد وقال ابن بطال كان المسلمون اختلفوا في ذلك على الصديق فأعلمهم أنه عهذ بذلك عند موته وقال عياض يحتمل أنها قوله لا تتخذوا قبري وثنا فقد ذكر مالك معناه مع إجلاء اليهود
وههنا فرع ذكره في ( التوضيح ) وهو يمنع كل كافر عندنا وعند مالك من استيطان الحجاز ولا يمنعون من ركوب بحره ولو دخل بغير إذن الإمام أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع فإن استأذن في دخوله أذن الإمام أو نائبه فيه إن كان مصلحة للمسلمين كرسالة وحمل ما يحتاج إليه وعن أبي حنيفة جواز سكناهم في الحرم ويمنع دخول حرم مكة قال تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ( التوبة 82 ) والمراد به هنا جميع الحرم وقال إن الشيطان إيس أن يعبد في جزيرة العرب فلو دخله ومات لم يدفن فيه وإن مات في غير الحرم من الحجاز

(14/299)


وتعذر نقله دفن هناك وحرم المدينة لا يلحق بحرم مكة فيما ذكر لكن استحسن الروياني أن يخرج منه إذا لم يتعذر الإخراج ويدفن خارجه قلت مذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بأن يدخل أهل الذمة المسجد الحرام لأن النبي أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار رواه أبو داود والآية محمولة على منعهم أن يدخلوها مستولين عليها ومستعلين على أهل الإسلام من حيث التدبير والقيام بعمارة المسجد فإن قبل الفتح كانت الولاية والاستعلاء لهم ولم يبق ذلك لهم بعد الفتح أو هي محمولة على كونهم طائفين الكعبة حال كونهم عراة كما كانت عادتهم في الجاهلية
وقال يعقوب بن محمد سألت المغيرة بن عبد الرحمان عن جزيرة العرب فقال مكة والمدينة واليمامة واليمن وقال يعقوب والعرج أول تهامة
يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري والمغيرة بن عبد الرحمن وهذا الأثر المعلق وصله إسماعيل القاضي في كتاب ( أحكام القرآن ) عن أحمد بن المعدل عن يعقوب بن محمد عن مالك بن أنس مثله قوله والعرج بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخره جيم وهو منزل بين طريق مكة وتهامة وهي بكسر التاء المثناة من فوق اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز وقال البكري العرج قرية جامعة على طريق مكة من المدينة بينها وبين الرويثة أربعة عشر ميلا وبينها وبين المدينة أحد وعشرون فرسخا
771 -
( باب التجمل للوفود )
أي هذا باب في بيان التجمل باللبس لأجل الوفود وهو جمع وفد وقد مر تفسيره عن قريب
4503 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) أن ( عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال وجد عمر حلة إستبرق تباع في السوق فأتى بها رسول الله فقال يا رسول الله ابتع هاذه الحلة فتجمل بها للعيد وللوفود فقال رسول الله إنما هاذه لباس من لا خلاق له أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له فلبث ما شاء الله ثم أرسل إليه النبي بجبة ديباج فأقبل بها عمر حتى أتى رسول الله فقال يا رسول الله قلت إنما هاذه لباس من لا خلاق له أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له ثم أرسلت إلي بهاذه فقال تبيعها أو تصيب بها بعض حاجتك
مطابقته للترجمة في قوله ابتع هذه الحلة فتجمل بها للعيد وللوفود وأخرج البخاري نحوه في كتاب الجمعة في باب يلبس أحسن ما يجد عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى حلة سيراء عند باب المسجد الحديث وفي آخره فقال رسول الله إني لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر بن الخطاب أخا له بمكة مشركا
قوله استبرق هو معرب استبر فزيدت عليه القاف وقال ابن الأثير الإستبرق ما غلظ من الحرير وهي لفظة أعجمية معربة أصلها استبره وقد ذكرها الجوهري في فصل الباء من القاف على أن الهمزة والسين والتاء زوائد وذكرها الأزهري في خماسي القاف على أن همزتها وحدها زائدة قوله ابتع أمر من الإبتياع أي شتر والحلة واحدة الحلل ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد قوله فتجمل أمر من التجمل وهو التزين قوله من لا خلاق له أي من لا نصيب له قوله ديباج وهي الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب وقد تفتح داله ويجمع على دباييج ودبابيج بالباء والياء لأن أصله دباج بالتشديد قوله أو إنما شك من الراوي وقد مرت الأبحاث فيه في كتاب الجمعة

(14/300)


871 -
( باب كيف يعرض الإسلام على الصبي )
أي هذا باب يذكر فيه كيف يعرض الإسلام على الصبي
5503 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه أخبره أن عمر انطلق في رهط من أصحاب النبي مع النبي قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وقد قارب يومئذ ابن صياد يحتلم فلم يشعر حتى ضرب النبي ظهره بيده ثم قال النبي أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد للنبي أتشهد أني رسول الله قال له النبي آمنت بالله ورسله قال النبي ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب قال النبي خلط عليك الأمر قال النبي إني قد خبأت لك خبيئا قال ابن صياد هو الدخ قال النبي اخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه قال النبي إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله قال ابن عمر انطلق النبي وأبي بن كعب يأتيان النخل الذي فيه ابن صياد حتى إذا دخل النخل طفق النبي يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمزة فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لإبن صياد أي صاف وهو اسمه فثار ابن صياد فقال النبي لو تركته بين
وقال سالم قال ابن عمر ثم قام النبي في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا قد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه ولاكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور
مطابقته للترجمة في قوله أتشهد أني رسول الله وهو عرض الإسلام على الصبي لأن ابن صياد إذ ذاك لم يحتمل وقد ترجم في كتاب الجنائز باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام وذكر فيه حديث ابن صياد وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى ولنذكر هنا بعض شيء وفي هذا الحديث ثلاث قصص ذكرها البخاري بتمامها في الجنائز من طريق يونس وذكر هنا من طريق معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وذكر في الأدب من طريق شعيب واقتصر في الشهادات على الثانية وذكرها أيضا فيما مضى من الجهاد من وجه آخر واقتصر في الفتن على الثالثة
قوله قبل ابن صياد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي ناحيته وجهته قوله عند أطم بني مغالة بضم الهمزة وهو البناء المرتفع ويجمع على آطام وآطام المدينة أبنيتها المرتفعة كالحصون ومغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة وباللام قال النووي كذا في بعض النسخ بني مغالة وفي بعضها ابن مغالة والأول هو المشهور وذكره مسلم في رواية الحسن الحلواني أنه أطم بني معاوية بضم الميم وبالعين المهملة قال العلماء المشهور

(14/301)


المعروف هو الأول وقد ذكرنا في كتاب الجنائز أن بني مغالة بطن من الأنصار وقيل حي من قضاعة قوله الأميين أي العرب وما ذكره وإن كان حقا من جهة المنطوق باطل من جهة المفهوم وهو أنه ليس مبعوثا إلى العجم كما زعمه اليهود قوله آمنت بالله ورسله وفي رواية المستملي ورسوله بالإفراد وفي حديث أبي سعيد آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قيل كيف طابق آمنت بالله ورسله الاستفهام وأجيب بأنه لما أراد أن يظهر للقوم حاله أرخى العنان حتى يبينه عند المغتر به فلهذا قال آخرا إخسأ وقيل إنما عرض النبي الإسلام على ابن صياد بناء على أنه ليس الدجال المحذر منه ورد بأن أمره كان محتملا فأراد اختباره بذلك وقال القرطبي كان ابن صياد على طريق الكهنة يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى ولم ينزل في شأنه وحي فأراد النبي سلوك طريقته يختبر بها حاله وهذا هو السبب أيضا في انطلاقه إليه وقد روى أحمد من حديث جابر قال ولدت امرأة من اليهود غلاما ممسوحة إحدى عينيه والأخرى طالعة ناتئة فأشفق النبي أن يكون هو الدجال قوله ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب وروى الترمذي من حديث أبي سعيد قال لقي رسول الله ابن صياد في بعض طرق المدينة فاحتبسه وهو غلام يهودي وله ذؤابة ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال له رسول الله تشهد أني رسول الله فقال أتشهد أني رسول الله فقال النبي آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقال له النبي ما ترى قال أرى عرشا فوق الماء قال النبي ترى عرش إبليس فوق البحر قال ما ترى قال أرى صادقا وكاذبين أو صادقين وكاذبا قال النبي ليس عليه فدعاه انتهى قوله فدعاه أي اتركاه يخاطب أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وكذا رواه مسلم وفي آخره فدعوه بصيغة الجمع وفي رواية أحمد أرى عرشا على الماء وحوله الحيتان قوله خلط عليك الأمر بضم الخاء وكسر اللام المخففة ومعناه لبس وكذا هو في رواية بضم اللام وكسر الباء الموحدة المخففة بعدها سين مهملة وفي حديث أبي الطفيل عند أحمد فقال تعوذوا بالله من شر هذا قوله إني خبأت أي ضمرت لك خبيئا بفتح الخاء المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ثم همزة ويروى خبأ بكسر الخاء وسكون الباء وبالهمزة يعني أضمرت لك اسم الدخان وقيل آية الدخان وهي فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( الدخان 01 ) قوله هو الدخ بضم الدال المهملة وبالخاء المعجمة وحكى صاحب ( المحكم ) الفتح ووقع عند الحاكم الزخ بفتح الزاي بدل الدال وفسره بالجماع واتفق الأئمة على تغليطه في ذلك ويرده ما وقع في حديث أبي ذر وأخرجه أحمد والبزار فأراد أن يقول الدخان فلم يستطع فقال الدخ وفي رواية البزار والطبراني في ( الأوسط ) من حديث زيد بن حارثة قال كان النبي خبأ له سورة الدخان وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها والدليل عليه أن أحمد روى عن عبد الرزاق في حديث الباب وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين ( الدخان 01 ) وأما جواب ابن صياد بالدخ فإنه اندهش ولم يقع من لفظ الدخان إلا على بعضه وحكى الخطابي أن الآية كانت حينئذ مكتوبة في يد النبي فلم يهتد ابن صياد منها إلا لهذا القدر الناقص على طريق الكهنة ولهذا قال له النبي لن تعدو قدرك أي قدر مثلك من الكهان الذي يحفظون من إلقاء شياطينهم ما يختطفونه مختلطا صدقه بكذبه وحكى أبو موسى المديني أن السر في امتحان النبي له بهذه الآية الإشارة إلى أن عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام يقتل الدجال بجبل الدخان فأراد التعريض لابن صياد بذلك قوله إخسأ كلمة زجر واستهانة أي اسكت صاغرا ذليلا قوله فلن تعدو قدرك قد مر تفسيره الآن ويروى بحذف الواو وقال ابن مالك الجزم بلن لغة حكاها الكسائي قوله إن يكنه القياس إن يكن إياه لأن المختار في خبر كان الإنفصال ولكن يقع المرفوع المنفصل موضع المنصوب ويحتمل أن يكون تأكيدا للمتصل وكان تلامة أو الخبر محذوف أي إن يكن هو هذا وإن يكون ضمير فصل والدجال المحذوف خبره وإنما لم يأذن رسول الله يضرب عنقه لأنه كان غير بالغ أو هو من أهل مهادنة رسول الله معهم قوله فلن تسلط عليه وفي حديث جابر فلست بصاحبه وإنما صاحبه عيسى بن مريم عليهما السلام قوله فلا خير لك في قتله وفي

(14/302)


مرسل عروة فلا يحل لك قتله قوله قال ابن عمر هذا موصول بالإسناد الأول وشروع في القصة الثانية وفي حديث جابر ثم جاء النبي ومعه أبو بكر وعمر ونفر من المهاجرين والأنصار وأنا معهم قوله طفق النبي أي جعل قوله ويتقي أي يستر قوله ويختل أي يسمع في خفية وفي حديث جابر رجاء أن يسمع من كلامه شيئا ليعلم أنه صادق أم كاذب ويقال يختل بسكون الخاء المعجمة وكسر التاء المثناة من فوق أي يخدعه ليعلم الصحابة حاله في أنه كاهن حيث يسمعون منه شيئا يدل على كهانته قوله رمزة بفتح الراء وسكون الميم وفتح الزاي وفي ( المطالع ) قوله فيها رمرمة أو رمزة كذا في البخاري في كتاب الشهادات بغير خلاف وفي الجنائز مثله في الأول وفي الآخر رمزة لأبي ذر خاصة وعند النسفي وقال عقيل رمزة وفي كتاب ( كيف يعرض الإسلام على الصبي ) رمزة وعند البخاري في حديث أبي اليمان عن شعيب رمرمة أو زمزمة وكذا للنسفي في الجنائز قال ومعنى هذه الألفاظ كلها متقارب و الزمزمة بالزايين تحريك الشفتين بالكلام قاله الخطابي وقال غيره هو كلام العلوج وهو سكوت بصوت يدار من الخواشيم والحلق لا يتحرك فيه السان ولا الشفتان و الرمرمة بالراءين صوت خفي بتحريك الشفتين بكلام لا يفهم وأما الزمرة بتقديم الزاي من داخل الفم قوله أي صاف بالصاد المهملة والفاء وزاد في رواية يونس أي صاف هذا محمد وفي حديث جابر فقالت يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء وكان الراوي عبر باسمه الذي يسمى به في الإسلام وأما اسمه الأول فهو صاف قوله لو تركته أي لو تركت أم ابن صياد ابنها بين هو أي أظهر لنا من حاله ما نطلع به على حقيقة حاله قوله وقال سالم أي ابن عمر هذا أيضا موصول بالإسناد الأول وشروع في القصة الثالثة والله أعلم
971 -
( باب قول النبي لله لليهود أسلموا تسلموا )
أي هذا باب فيما ذكر من قول النبي لليهود أسلموا بفتح الهمزة من الإسلام قوله تسلموا بفتح التاء من السلامة أي تسلموا في الدنيا من القتل والجزية وفي الآخرة من العقاب والخلود في النار
قاله المقبري عن أبي هريرة
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة نسبة إلى المقبرة واشتهر بها سعيد بن أبي سعيد المقبري لسكناه بالقرب من المقبرة وأبو سعيد اسمه كيسن وسيأتي حديثه في الجزية إن شاء الله تعالى
081 -
( باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم )
أي هذا باب يذكر فيه إذ أسلم قوم من أهل الحرب في دار الحرب والحال أن لهم مالا وأرضين فهي لهم يعني إذا غلب المسلمون عليها فهو أحق بماله وأرضه وفيه خلاف فقال الشافعي وأشهب وسحنون إن الذي أسلم في دار الحرب وبقي فيها ماله وولده ثم خرج إلينا مسلما ثم غزا مع المسلمين بلده أنه قد يحرز ماله وعقاره حيث كان وولده الصغار لأنهم تبع له في الإسلام وقال مالك والليث أهله وماله وولده فيها فيء على حكم البلد وفرق أبو حنيفة بين حكمها إذا أسلم في بلده ثم خرج إلينا فأولاده الصغار أحرار مسلمون وما أودعه مسلما أو ذميا فهو له وما أودعه حربيا فهو وسائر عقاره هنالك فيء وإذا أسلم في بلد الإسلام ثم ظهر المسلمون على بلده فكل ما له فيه فيء لاختلاف حكم الدارين عنده ولم يفرق مالك والشافعي بين إسلامه في داره أو في دار الإسلام
8503 - حدثنا ( محمود ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( علي بن حسين ) عن ( عمرو بن عثمان بن عفان ) عن ( أسامة بن زيد ) قال قلت يا رسول الله الله أين تنزل غدا في حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلا ثم قال نحن نازلونع غدا بخيف بني كنانة المحصب حيث قاسمت قريش على الكفر وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا

(14/303)


يؤووهم قال الزهري والخيف الوادي
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي قال لعقيل تصرفه قبل إسلامه فما بعد الإسلام بالطريق الأولى ومحمود هو ابن غيلان بالغين المعجمة المفتوحة ومحمود بن عبد الرزاق هو رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثنا محمود حدثنا عبد الله هو ابن المبارك وعلي بن الحسين بن علي زين العابدين رضي الله تعالى عنهم وعمرو بن عثمان بن عفان القرشي الأموي المدني
والحديث مر في كتاب الحج في باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها
قوله عقيلبفتح العين ابن أبي طالب قوله بخيف بني كنانة الخيف ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل ومسجد منى يسمى مسجد الخيف لأنه في سفح جبلها وقد فسر الزهري الخيف بالوادي قوله المحصب بلفظ المفعول من التحصيب عطف بيان أو بدل من الخيف قوله حيث قاسمت أي حيث حالفت قريش قوله ذلك أن بني كنانة إلى آخره هكذا وقع هذا القدر معطوفا على حديث أسامة وذكر الخطيب أن هذا مدرج في رواية الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة وإنما هو عند الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذلك أن ابن وهب رواه عن يونس عن الزهري ففصل بين الحديثين وروى عن محمد بن أبي حفصة عن الزهري الحديث الأول فقط وروى شعيب والنعمان بن راشد وإبراهيم بن سعد والأوزاعي عن الزهري الحديث الثاني فقط لكن عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأجيب إن أحاديث الجمع عنه وطريق ابن وهب عنده لحديث أسامة في الحج ولحديث أبي هريرة في التوحيد وأخرجهما مسلم معا في الحج
9503 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن أبيه أن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى فقال يا هني اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله إنها لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام وذلك لأن أهل المدينة أسلموا لو لم يكونوا من أهل العنوة فهم أحق ومن أسلم من أهل العنوة فارضه فيء للمسلمين وإسماعيل هو ابن أويس واسمه عبد الله وهو ابن أخت مالك وأسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وهذا الأثر تفرد به البخاري عن الجماعة وقال الدارقطني فيه غريب صحيح
قوله هنيا بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف وقد يهمز أدرك أيام النبي ولكن لم يذكره أحد في الصحابة وروى عن أبي بكر وعمر وعمرو بن العاص وروى عنه ابنه عمير وشيخ من الأنصار وغيرهما وشهد صفين مع معاوية ولما قتل عمار تحول إلى علي رضي الله تعالى عنه ولولا هو من أهل الفضل والثقة لما ولاه عمر على موضع قوله على الحمى بكسر الحاء المهملة وفتح الميم مقصورا وهو موضع يعينه الإمام لأجل نعم الصدقة ممنوعا عن الغير وبين ابن سعد من طريق عمير بن علي عن أبيه أنه كان على حمى الربذة قوله أضمم جناحك ضم الجناح كناية عن الرحمة والشفقة وحاصل المعنى كف يدك عن ظلم المسلمين وفي رواية معن بن عيسى عن مالك عند الدارقطني في ( الغرائب ) أضمم جناحك للناس وفي ( التلويح ) اضمم جناحك على المسلمين يريد استرهم بجناحك وفي بعض الروايات على المسلمين أي لا تحمل ثقلك عليهم وكف يدك عن ظلمهم قوله واتق دعوة المظلوم هكذا في رواية الإسماعيلي

(14/304)


والدارقطني وأبي نعيم ويروى واتق دعوة المسلمين قوله وأدخل بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة أمر من الإدخال يعني أدخل في المرعى رب الصريمة بضم الصاد المهملة وفتح الراء مصغر الصرمة وهي القطيعة من الإبل بقدر الثلاثين والغنيمة مصغر الغنم والمعنى صاحب القطيعة القليلة من الإبل والغنم ولهذا صغر اللفظين قوله وإياي وكان القياس أن يقول وإياك لأن هذه اللفظة للتحذير وتحذير المتكلم نفسه شاذ عند النحاة ولكنه بالغ فيه من حيث إنه حذر نفسه ومراده تحذير المخاطب وهو أبلغ لأنه ينهى نفسه ومراده نهي من يخاطبه قوله نعم ابن عوف وهو عبد الرحمن ابن عوف ونعم ابن عفان وهو عثمان بن عفان وإنما خصهما بالذكر على طريق المثال لكثرة نعمهما لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد بذلك منعهما البتة وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم الفريقين فنعم المقلين أولى فنهاه عن إيثارهما على غيرهما وتقديمهما على غيرهما وقد بين وجه ذلك في الحديث بقوله فإنهما أي فإن ابن عوف وابن عفان إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع أراد أن ماشيتهما إذا هلكت كان لهما عوض ذلك من أموالها من النخل والزرع وغيرهما يعيشان فيها ومن ليس له إلا الصريمة القليلة أو الغنيمة القليلة إن تهلك ماشيتهما يستغيث عمر ويقول انفق علي وعلى بني من بيت المال وهو معنى قوله يأتني ببنيه أي بأولاده فيقول يا أمير المؤمنين نحن فقراء محتاجون وهذا في رواية الكشميهني هكذا ببنيه جمع ابن وفي رواية غيره ببيته بلفظ البيت الذي هو عبارة عن زوجته قوله يا أمير المؤمنين هكذا هو بالتكرار قوله أفتاركهم أنا الهمزة فيه للإستفهام على سبيل الإنكار والمعنى أنا لا أتركهم محتاجين ولا أجوز ذلك فلا بد لي من إعطاء الذهب والفضة إياهم بدل الماء والكلأ قوله لا أبالك هو حقيقة في الدعاء عليه لكن الحقيقة مهجورة وهي بلا تنوين لأنه صار شبيها بالمضاف وإلا فالأصل لا أب لك قوله وأيم الله من ألفاظ القسم كقولك لعمر الله وعهد الله وفيه لغات كثيرة وتفتح همزتها وتكسر وهمزتها همزة وصل وقد تقطع وأهل الكوفة من النحاة يزعمون أنها جمع يمين وغيرهم يقول هو اسم موضوع للقسم قوله إنهم ليرون بضم الياء أي ليظنون أني قد ظلمتهم ويجوز بفتح الياء أي ليعتقدون قوله قد ظلمتهم قال ابن التين يريد أرباب المواضي الكثيرة والظاهر أنه أراد أرباب المواشي القليلة لأنهم الأكثرون وهم أهل تلك البلاد من بوادي المدينة يدل عليه قوله إنها أي إن هذه الأراضي لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية والمراد عموم أهل المدينة ولم يدخل في ذلك ابن عوف ولا ابن عفان قوله لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله أي من الإبل التي كان يحمل عليها من لا يجد ما يركب وجاء عن مالك أن عدة ما كان في الحمى في زمن عمر رضي الله تعالى عنه بلغ أربعين ألفا من إبل وخيل وغيرهما
وفيه دليل على أن مشارع القرى وعوامرها التي ترعى فيها مواشي أهلها من حقوق أهل القرية وليس للسلطان بيعه إلا إذا فضل منه فضلة فإن قلت قد مضى لا حمى إلا لله ولرسوله قلت معناه لا حمى لأحد يخص به نفسه وإنما هو لله ولرسوله ولمن ورث ذلك عنه من الخلفاء للمصلحة الشاملة للمسلمين وما يحتاجون إلى حمايته
181 -
( باب كتابة الإمام للناس )
أي هذا باب في بيان كتابة الإمام لأجل الناس من المقاتلة وغيرهم قوله كتابة الإمام أعم من كتابته بنفسه أو بأمره وفي بعض النسخ كتابة الإمام الناس بنصب الناس على أنه مفعول للمصدر المضاف إلى فاعله وفي الأول يكون المفعول محذوفا فافهم
0603 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( حذيفة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل فقلنا نخاف ونحن ألف وخمسمائة فلقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف

(14/305)


مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان وأبو وائل هو شقيق بن سلمة
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عبدان عن أبي حمزة في هذا الباب وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وابن نمير وأبي كريب وأخرجه النسائي في السير عن هناد وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن ابن نمير وعلي بن محمد قوله أكتبوا وفي رواية مسلم احصوا بدل أكتبوا وهي أعم من أكتبوا وقد يفسر احصوا باكتبوا وقال المهلب كتابة الإمام الناس سنة عند الحاجة إلى الدفع عن المسلمين حينئذ فرض الجهاد على كل إنسان يطبق المدافعة إذا أنزل بأهل ذلك البلد مخافة قوله فقلنا نخاف تقديره هل نخاف وهو استفهام تعجب يعني كيف نخاف ونحن ألف وخمسمائة رجل وكان هذا القول عند حفر الخندق جزم بذلك ابن التين وقيل يحتمل أن يكون ذلك عند خروجهم إلى د وعن الداودي بالحديبية قوله فلقد رأينا بضم التاء التاء التي للمتكلم أي فلقد رأيت نفسنا ويروى فلقد رأينا قوله ابتلينا على صيغة المجهول من الإبتلاء وحاصل الكلام يقول حذيفة كنا نتعجب من خوفنا والحال أنا نحن ألف وخمسمائة رجل فصار أمرنا بعد رسول الله إلى أن الرجل يصلي وحده وهو خائف مع كثرة المسلمين وقال النووي لعله أراد أنه كان في بعض الفتن التي جرت بعد رسول الله وكان بعضهم يخفي نفسه ويصلي سرا يخاف من الظهور والمشاركة في الدخول في الفتنة والحرب
حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة قال أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة
عبد الله هو عبد الله بن عثمان بن جبلة وعبدان لقبه وقد مر غير مرة وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي هو محمد بن ميمون اليشكري وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة وأشار البخاري بهذا إلى أن كل واحد من أبي حمزة وأبي معاوية خالف سفيان الثوري المذكور في السند الذي قبله في روايته عن سليمان الأعمش أما أبو حمزة فإنه روى عن الأعمش خمسمائة ولم يذكر الألف وقد كان سفيان روي عن الأعمش ألفا وهمسامائة أما أبو معاوية فإنه روى عن الأعمش ما بين ستمائة إلى سبعمائة فالبخاري اعتمد على رواية سفيان لكونه أحفظهم مطلقا وزاد على أبي حمزة وأبي معاوية وزيادة الثقة الحافظ مقبولة مقدمة وإن كان أبو معاوية أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه فإن قلت طريق أبي معاوية وصله مسلم فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قالوا حدثنا معاوية عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال كنا مع رسول الله فقال إحصوا لي كم من تلفظ بالإسلام قال فقلنا يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة قال إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا قال فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا قلت إنما اختار مسلم طريق أبي معاوية لما ذكرنا أنه كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه والبخاري رجح رواية الثوري عن الأعمش لكون الثوري أحفظ من الكل مطلقا فإن قلت ما وجه التوفيق بين الروايات قلت قال الداودي لعلهم كتبوا مرات في مواطن وقيل المراد بالألف والخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة وبالخمسمائة المقاتلة خاصة قال النووي قالوا وجه الجمع بين هذه الروايات الثلاث فذكر ما ذكرناه وقيل المراد بالألف إلى آخره ثم قال وهذا باطل للتصريح بأن الكل رجال في الرواية الأخرى حيث قال فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل بل الصحيح ما بين الستمائة إلى السبعمائة رجل من المدينة خاصة وبالألف والخمسمائة هم مع المسلمين الذين حولهم قلت الحكم ببطلان الوجه المذكور لا يخلو عن نظر لأن العبيد والصبيان يدخلون في لفظ الرجل فتأمل والله أعلم
1603 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن جريج ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( أبي معبد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إني كتبت

(14/306)


في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة قال ارجع فحج مع امرأتك
مطابقته للترجمة في قوله إني كتبت في غزوة كذا وكذا وأبو نعيم الفضل بن دكين وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وأبو معبد بفتح الميم والباء الموحدة واسمه نافذ بالنون والفاء وفي آخره ذال معجمة والحديث قد مر فيما قبل في باب من اكتتب في جيش فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن سفيان عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس إلى آخره وفيه زيادة على هذا
281 -
( باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر )
أي هذا باب يذكر فيه أن الله إلى آخره والفاجر من الفجور وهو الانبعاث في المعاصي والمحارم ويأتي بمعنى الذنب كما في قولهم العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور أي الذنوب وبمعنى العصيان كما في قوله ونترك من يفجرك وقال الجوهري فجر فجورا أي فسق وفجر أي كذب وأصله الميل والفاجر المائل
2603 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) ح وحدثني ( محمود بن غيلان ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال شهدنا مع رسول الله فقال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي إلى النار قال فكان بعض الناس أراد أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى بالناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
مطابقته للترجمة في آخر الحديث ورجاله قد ذكروا غير مرة
وأخرجه من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم ابن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري والآخر عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بن همام عن معمر ابن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في القدر عن حبان عن ابن المبارك وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن رافع وعبد بن حميد ونظير هذا الحديث عن سهل بن سعد الساعدي قد مر فيما قبل في باب لا يقال فلان شهيد
قوله شهدنا مع رسول الله لم يعين المشهد فزعم ابن إسحاق والواقدي وآخرون أن هذا كان بأحد واسم الرجل قزمان وهو معدود في جملة المنافقين وكان تخلف عن أحد فعيرته النساء فلما احفضنه خرج وقتل سبعة ثم جرح فقتل نفسه ورد عليهم بأن قصة قزمان كانت بأحد وقد سلف ذكرها فيما قبل وأما حديث أبي هريرة هذا فكان بخيبر كما ذكره البخاري ولهذا ذكر في بعض النسخ شهدنا مع رسول الله خيبر فقال لرجل إلى آخره وهذا هو الصحيح لأنهما قصتان قوله فلما حضر القتال قال الكرماني بالرفع والنصب قلت وجه الرفع على أنه فاعل حضر ووجه النصب على المفعولية على التوسع وفي حضر ضمير يرجع إلى الرجل وهو فاعله قوله الذي قلت إنه من أهل النار ويروى الذي قلت له إنه أي الذي قلت فيه واللام بمعنى في قوله فكأن بعض الناس أراد ويروى فكاد بعض الناس من أفعال المقاربة قوله أن يرتاب كذا في الأصل بإثبات أن وإثباتها مع كاد قليل قال الكرماني ويرتاب أي يشك في صدق رسول الله أي يرتد عن دينه قوله فأخبر النبي على صيغة المجهول قوله إلا نفس مسلمة يدل على أن الرجل قد ارتاب وشك حين أصابته الجراحة وقيل هذا رجل ظاهر الإسلام قتل نفسه وظاهر النداء عليه يدل على أنه

(14/307)


كان ليس مسلما والمسلم لا يخرجه قتل نفسه عن كونه مسلما فلا يحكم بكفره ويصلى عليه وأجيب عن ذلك بأنه اطلع من أمره على سره فعلم بكفره لأن الوحي عنده عتيد قوله إن الله ليؤيد ( آل عمران 31 ) ويروى يأيد بدون اللام ويجوز في إن هذه الفتح والكسر وقد قرىء في السبعة إن الله يبشرك ( آل عمران 93 و54 ) فإن قلت يعارض هذا قوله إنا لا نستعين بمشرك رواه مسلم قلت لا تعارض لأن المشرك غير المسلم الفاجر روي هذا أيضا عن الشافعي أو يقال إنه خاص بذلك الوقت وقد استعان بصفوان بن أمية في هوازن واستعار منه مائة درع بأداتها وخرج معه صفوان حتى قالت له هوازن تقاتل مع محمد ولست على دينه فقال رب من قريش خير من رب من هوازن وقال الطحاوي قتال صفوان مع رسول الله باختياره فلا يعارض قوله إنا لا نستعين بمشرك وقال بعضهم هي تفرقة لا دليل عليها ولا أثر قلت كان النبي قد علم بالوحي أنه لا بد من إسلامه ولهذا أعطى له من الغنائم يوم حنين شيئا كثيرا ثم أسلم والله أعلم ومن قوله إن الله ليؤيد الحديث استحسن العلماء الدعاء للسلاطين بالتأييد وشبهه من أهل الخير من حيث تأييدهم للدين لا من أحوالهم الخارجة
381 -
( باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو )
أي هذا باب في بيان حكم من تأمر أي جعل نفسه أميرا على قوم في الحرب من غير تأمير الإمام أو نائبه وجواب من محذوف أي جاز ذلك
3603 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا ( ابن علية ) عن ( أيوب ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال خطب رسول الله فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح عليه وما يسرني أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وقال وإن عينيه لتذرفان
مطابقته للترجمة في قوله ثم أخدها خالد بن الوليد من غير إمرة ويعقوب ابن إبراهيم بن كثير الدورقي وابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف هو إسماعيل بن إبراهيم البصري وعلية أمه مولاة لبني أسد وأيوب هو السختياني ومضى هذا الحديث في أوائل الجهاد في باب تمني الشهادة
وهذا الحديث في غزوة مؤتة وسيأتي بأتم منه في المغازي وكانت في السنة الثامنة من الهجرة في جمادي الأوى وكان السبب في ذلك ما قاله الواقدي عن الزهري بعث رسول الله كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من الشام وهو موضع على ليلة من البلقاء وقيل موضع من وراء وادي القرى فوجدوا جمعا كثيرا من بني قضاعة فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا أورشقوهم بالنبل فلما رآهم أصحاب رسول الله قاتلوهم أشد القتال فقتلوا فأفلت منهم رجل جريح في القتلى فلما أن برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله فأخبر بذلك وبعث سرية عليها زيد بن حارثة في نحو من ثلاثة آلاف إلى أرض البلقاء لأجل هؤلاء الذين قتلوا وقال إن أصيب زيد فجعفر على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فخرجوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام والقين وبهرام وبلي مائة ألف منهم عليهم رجل من بلي ثم أحد أراشه يقال له مالك بن نافلة فلما بلغ ذلك لمسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله نخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له قال فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم إن الذي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل بعدد ولا قوة ولا نقاتل إلا لهذا الدين فانطلقوا فإحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فصدقوه فمضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال

(14/308)


لها مشارف ولما دناالعدو انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فتلاقوا عندها فاقتتلوا فقتل زيد بن حارثة ثم أخذ الراية جعفر فقاتل بها حتى قتل قال ابن هشام إن جعفر أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذها بشماله فقطعت فاحتضنها بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ثم أخذها ثابت بن أقرم فقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت قال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه قال الواقدي لما أخذ خالد الراية قال رسول الله الآن حمى الوطيس فهزم الله العدو وظهر المسلمون وقتلوا منهم مقتلة عظيمة قوله خطب رسول الله قال الواقدي حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال أخذ الراية زيد وهو زيد بن حارثة ابن شراحيل بن كعب الكلبي القضاعي مولى رسول الله قوله فأصيب أي قتل قوله ثم أخذها أي الراية جعفر وهو ابن أبي طالب عم النبي قوله ثم أخذها عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس الأنصاري الخزرجي قوله من غير إمرة بلفظ المصدر النوعي أي صار أميرا بنفسه من غير أن يفوض إليه الإمام قوله ففتح عليه أي على خالد قوله وما يسرني أو قال ما يسرهم أنهم عندنا لأن حالهم فيما هم فيه أفضل مما لو كانوا عندنا قوله قال أي قال أنس وإن عينيه لتذرفان بكسر الراء يعني تسيلان دمعا وقال الداودي أي تدفعان وقيل تدمعان الدمع
481 -
( باب العون بالمدد )
أي هذا باب في بيان عون الجيش بالمدد وهو في اللغة ما يمد به الشيء أي يزاد ويكثر ومنه أمد الجيش بمدد إذا أرسل إليه زيادة ويجمع على أمداد وقال ابن الأثير هم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد
4603 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( ابن أبي عدي وسهل بن يوسف ) عن ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي بسبعين من الأنصار قال أنس كنا نسميهم القراء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرؤوا بهم قرآنا ألا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد
مطابقته للترجمة في قوله واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي بسبعين من الأنصار وابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم أبو عمرو السلمي البصري وسهل بن يوسف أبو عبد الله الأنماطي البصري وسعيد هو بن أبي عروبة البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب وفي المغازي عن عبد الأعلى بن حماد وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي موسى وأخرجه النسائي في الطهارة وفي الحدود وفي الطب عن محمد بن عبد الأعلى وفي المحاربة عن أبي موسى به
قوله رعل بكسر الراء وسكون العين المهملة ابن خالد بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم قال ابن دريد رعل من الرعلة وهي النخلة الطويلة والجمع رعال وذكوان بفتح الذال المعجمة ابن ثعلبة بن بهثة بن سليم وعصية بضم العين المهملة مصغر عصا ابن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم وهؤلاء الثلاثة قبائل في سليم قوله وبنو لحيان بكسر اللام حي من هذيل وقال الحافظ الدمياطي قوله في هذه الطريق أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان وهم لأن هؤلاء

(14/309)


ليسوا أصحاب بئر معونة وإنما هم أصحاب الرجيع الذين قتلوا عاصم بن أبي الأفلح وأصحابه وأسروا خبيبا وابن الدثنة وإنما الذي أتاه أبو براء من بني كلاب وأجار أصحاب رسول الله فأخفر جواره عامر بن الطفيل وجمع عليه هذه القبائل من سليم قوله واستمدوه أي طلبوا منه المدد قوله بسبعين من الأنصار قال موسى بن عقبة وكان أمير القوم المنذر بن عمرو ويقال مرثد بن أبي مرثد قوله كنا نسميهم القراء جمع القاريء وسموا بذلك لكثرة قراءتهم قوله يحطبون أي يجمعون الحطب قوله بئر معونة بفتح الميم وضم العين المهملة وبالنون وهو بين مكة وعسفان وأرض هذيل حيث قتل القراء وكانت سرية بئر معونة في صفر من السنة الرابعة من الهجرة وأغرب مكحول حيث قال إنها كانت بعد الخندق وقال ابن إسحاق كانت في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد قوله ثم رفع بعد ذلك أي نسخت تلاوته
وفي ( التوضيح ) وفيه أنه يجوز النسخ في الإخبار على صفة ولا يكون نسخه تكذيبا إنما يكون نسخه رفع تلاوته فقط كما أن نسخ الأحكام ترك العمل بها فربما عوض من المنسوخ من الأحكام حكم غيره وربما لم يعوض عنه وكذلك الإخبار نسخها من القرآن رفع ذكرها وترك تلاوتها لا أن تكذب بخبر آخر مضاد لها ومثله مما نسخ من الأخبار ما كان يقرؤ في القرآن لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا
581 -
( باب من غلب العدو فأقام على عرصتها ثلاثا )
أي هذا باب في ذكر من غلب على العدو فأقام على عرصتها بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الصاد المهملة وهي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها
5603 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال حدثنا ( روح بن عبادة ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) قال ذكر لنا ( أنس بن مالك ) عن ( أبي طلحة ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال
( الحديث 5603 - طرفه في 7693 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى الذي يقال له صاعقة وروح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وسعيد هو ابن أبي عروبة والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي في غزوة بدر عن شيخ آخر عن روح بأتم من هذا السياق
قوله إذا ظهر أي إذا غلب قوله ثلاث ليال وقال ابن الجوزي كانت إقامته ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وترتيب الثواب ولقلة احتفاله بهم كأنه يقول نحن مقيمون فإن كانت لكم قوة فهلموا إلينا وقال غيره كان هذا منه لأن الثلاث أكثر ما يريح المسافر لأن الأربعة إقامة لحديث لا يبقين متأخر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث ولأن الغنيمة فيما تقسم ولأن الظهر أيضا يستريح هذا كله إذا كان في أمن من عدوه
تابعه معاذ وعبد الأعلى قال حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة عن النبي
معاذ هو ابن عبد الأعلى العنبري أخرج متابعته الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا معاذ بن معاذ العنبري وعبد الأعلى قالا حدثنا سعيد عن قتادة فذكره وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة ومتابعتهما أخرجها مسلم عن يوسف بن حماد عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس وعن محمد بن حاتم عن روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة قال لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي الله الحديث وقال في آخره يعني حديث أنس وحديث أنس هو الذي رواه قبله ولفظه إن رسول الله ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم الحديث معناه أنه لما ظهر على المشركين يوم بدر أقام هناك ثلاث ليال ثم أتاهم

(14/310)


( باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره )
أي هذا باب في ذكر من قسم الغنيمة قال بعضهم أشار بذلك إلى الرد على قول الكوفيين إن الغنائم لا تقسم في دار الحرب واعتلو بأن الملك لا يتم عليها إلا بالإستيلاء ولا يتم الإستيلاء إلا بإحرازها في دار الإسلام قلت هذا الرد مردود لأن الباب فيه حديثان وليس واحد منهما يدل على أن قسمة الغنيمة كانت في دار الحرب أما حديث رافع فيدل على أنها كانت بذي الحليفة وأما حديث أنس فيدل على أنها كانت في الجعرانة وكل من ذي الحليفة والجعرانة من دار الإسلام ففي الحقيقة الحديثان حجة للكوفيين لأنه لم يقسم إلا في دار الإسلام
وقال رافع كنا مع النبي بذي الحليفة فأصبنا غنما وإبلا فعدل عشرة من الغنم ببعير
هو رافع بن خديج ومطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق مضى مسندا مطولا في كتاب الشركة في باب قسمة الغنم وقال المهلب هذا إلى نظر الإمام واجتهاده يقسم حيث رأى الحاجة ويؤخر إذا رأى في المسلمين قوة وومن أجاز قسمة الغنائم في دار الحرب مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تقسم حتى يخرجها إلى دار الإسلام لما ذكرنا في أول الباب في قول الكوفيين على أنهم قالوا روي أنه نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب والبيع في معنى القسمة فكما لا يجوز البيع كذلك لا تجوز القسمة
6603 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) أن ( أنسا ) أخبره قال اعتمر النبي من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين
مطابقة هذا أيضا ظاهرة وهدبة بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الباء الموحدة ابن خالد بن الأسود القيسي البصري ويقال هداب وهمام بتشديد الميم ابن يحيى الشيباني البصري وقد مضى الحديث في الحج في باب كم اعتمر النبي

(14/311)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الخامس عشر
عمدة القاري ( 15 )
781 -
( باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا غنم أهل الحرب مال مسلم ثم إذا استولى المسلمون عليهم ووجد ذلك المسلم عين ماله هل يأخذه وهو أحق به أو يكون من الغنيمة ففيه خلاف نذكره الآن فلذلك لم يذكر البخاري جواب إذا
7603 - قال ( ابن نمير ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي
مطابقته للترجمة من حيث إنه جواب لها وابن نمير بضم النون وفتح الميم مصغر نمر الحيوان المشهور هو عبيد الله بن نمير الهمداني الكوفي وعبيد الله عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني وهذا تعليق من البخاري لأنه لم يسمع من ابن نمير فإنه مات سنة تسع وتسعين ومائة
ووصله أبو داود وقال حدثنا محمد بن سليمان الأنباري والحسن بن علي قالا حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال ذهب فرس له إلى آخره نحوه وأخرجه ابن ماجه أيضا قوله وذهب فرس له وفي رواية الكشميهني ذهبت لأن الفرس تذكر وتؤنث وكذلك في روايته فأخذها قوله في زمن رسول الله كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي وقصة العبد بعد النبي وخالفه يحي القطان عن عبيد الله العمري كما هي الرواية الثانية في الباب فجعلها مما بعد النبي وكذلك وقع في رواية موسى بن عقبة عن نافع وهي الرواية الثالثة في الباب فصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قلت في وقوع ذلك في زمن أبي بكر والصحابة رضي الله تعالى عنهم متوافرون من غير إنكار منهم كفاية للاحتجاج به قوله فأخذه العدو أي الكافر من أهل الحرب قوله فظهر عليه أي غلب عليه قوله وأبق أي هرب واحتج بهذا الحديث الشافعي وجماعة أن أهل الحرب لا يملكون بالغلبة شيئا من مال المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها وعن علي والزهري والحسن وعمرو بن دينار لا ترد إلى صاحبها قبل القسمة ولا بعدها وعن علي والزهري والحسن وعمرو بن دينار لا ترد الى صاحبها قبل القسمة ولا بعدها وهي للجيش وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك إن صاحبه إن علم به قبل القسمة أخذه بغير شيء وإن أصابه بعد القسمة يأخذه بقيمته وهو قول عمر وزيد بن ثابت وابن المسيب وعطاء والقاسم وعروة واحتجوا في ذلك بما رواه أبو داود من حديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك ابن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال له النبي إن أصبته

(15/2)


قبل أن يقسم فهو لك وإن أصبته بعدما قسم أخذته بالقيمة فإن قلت قال أحمد فيه متروك وقال ابن معين ليس بشيء وقال الجوزجاني ساقط قلت قال أحمد وقد روى مسعر عن عبد الملك وقال يحيى بن سعيد سألت مسعرا عنه فقال هو من حديث عبد الملك ولكن لا أحفظه وقال علي بن المديني روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل مسعرا عنه فقال هو من رواية عبد الملك عن طاووس عن ابن عباس فدل على أنه قد رواه غير الحسن بن عمارة فاستغنى عن روايته لشهرته عن عبد الملك على أنا نقول قال الطحاوي حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قال سمعت علي بن يونس المروزي يقول سمعت جرير بن عبد الحميد يقول ما ظننت أني أعيش إلى دهر يحدث فيه عن محمد بن إسحاق ويسكت فيه عن الحسن بن عمارة وقال الطحاوي وقد روي عن جماعة من المتقدمين نحو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه فمما روي عنهم في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال فيما أحرز المشركون وأصابه المسلمون فعرفه صاحبه قال إن أدركه قبل أن يقسم فهو له فإن جرت فيه السهام فلا شيء له فإن قلت قبيصة بن ذؤيب لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه قلت يكون مرسلا فيعمل به على أن رجاء بن حيوة روى أن ابن عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في هذا فقال من وجد ماله بعينه فهو أحق به بالثمن الذي حسب على من أخذه وكذلك إن بيع ثم قسم منه فهو أحق بالثمن والله أعلم
8603 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( نافع ) أن عبدا لابن عمر أبق فلحق بالروم فظهر عليه خالد بن الوليد فرده على عبد الله وأن فرسا لابن عمر عار فلحق بالروم فظهر عليه فردوه على عبد الله ( انظر الحديث 7603 وطرفه )
هذا طريق آخر وفيه خالف يحيى القطان عن عبيد الله المذكور حيث جعل رد العبد والفرس كلاهما بعد النبي قوله عار بالعين يأتي تفسيره عن البخاري حيث يقول
قال أبو عبد الله عار مشتق من العير وهو حمار وحش أي هرب
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله من العير بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهو الحمار الوحشي ثم فسر عار بقوله أي هرب وقال ابن التين أراد أنه فعل فعله في النفار وقال الخليل يقال عار الفرس والكلب عيارا أي أفلت وذهب وقال الطبري يقال ذاك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة ومنه للبطال من الرجال الذي لا يثبت على طريقة عيار ومنه سهم عائر إذا كان لا يدري من أين أتى
9603 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه كان على فرس يوم لقي المسلمون وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد بعثه أبو بكر فأخذه العدو فلما هزم العدو رد خالد فرسه ( انظر الحديث 7603 وطرفه )
هذا طريق آخر على خلاف الطريقين المذكورين حيث صرح بأن قصة الفرس كانت في أيام أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله يوم لقي المسلمون أي كفار الروم
881 -
( باب من تكلم بالفارسية والرطانة )
أي هذا باب في بيان من تكلم بالفارسية أي باللغة الفارسية نسبة إلى فارس بن عامور بن يافث بن نوح عليه الصلاة و السلام كذا قاله علي بن كيسان النسابة وحكى الهمداني قال فارس الكبرى ابن كومرث ومعناه الحي الناطق وأليت بن أميم ابن لاوذ بن سام بن نوح وقال المسعودي من الناس من رأى أن فارس ابن لامور بن سام بن نوح ومنهم من قال إنهم من ولد هذرام بن أرفخشذ بن سام بن نوح وأنه ولد بضعة عشر ولدا رجالا كلهم كان فارسا شجاعا فسموا الفرس بالفروسية وكان

(15/3)


دينهم الصابئة ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران وكانوا أهل رياسة وسياسة وحسن مملكة وتدبير للحرب ووضع الأشياء مواضعها ولهم الترسل والخطابة والنظافة وتأليف الطعام والطيب واللباس ومن كتبهم استملى الناس رسوم الملك قوله والرطانة بفتح الراء وقيل يجوز بكسرها وهو كلام غير العربي وقال الكرماني الكلام بالأعجمية وقال صاحب ( الأفعال ) يقال رطن رطانة إذا تكلم بكلام العجم وقال ابن التين هي كلام لا يفهم ويخص بذلك كلام العجم
وقوله تعالى واختلاف ألسنتكم وألوانكم ( الروم 22 ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إبراهيم 4 )
ويروى وقال تعالى واختلاف ألسنتكم ( الروم 22 ) وقبله ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ( الروم 22 ) هذه الآية الكريمة في سورة الروم أي ومن آيات الله تعالى خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم أي لغاتكم وأجناس النطق وأشكاله خالف تعالى بين هذه حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ولا جهارة ولا حدة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله وكان أصل اختلاف اللغات من هود ألقى الله على ألسنة كل فريق اللسان الذي يتكلمون به ليلا فأصبحوا لا يحسنون غيره قوله وألوانكم أي واختلاف ألوانكم في تخطيطها وتنويعها ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة وربما رأيت توأمين مشتبهين في الحلية ويعروك الخطأ في التمييز بينهما وتعرف حكمة الله في المخالفة بين الحلى قوله وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إبراهيم 4 ) وتمام الآية ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ( إبراهيم 4 ) وهذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم عليه الصلاة و السلام قال الزمخشري ليبين لهم أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا تكون لهم حجة على الله ولا يقولوا لم نفهم ما خوطبنا به انتهى وكان البخاري أشار إلى أن النبي كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه والدليل على عموم رسالته قوله تعالى قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( الأعراف 851 ) بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة
0703 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( أبو عاصم ) قال أخبرنا ( حنظلة بن أبي سفيان ) قال أخبرنا ( سعيد بن ميناء ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير فتعال أنت ونفر فصاح النبي فقال يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سؤرا فحي هلا بكم
مطابقته للترجمة في قوله إن جابرا قد صنع سورا وهو بضم السين وسكون الواو وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا وهي لفظة فارسية وقيل السؤر الوليمة بالفارسية وقيل السور بلغة الحبشة الطعام لكن العرب تكلمت بها فصارت من كلامها وأما السؤر بالهمزة فهو بقية من ماء أو طعام أو غير ذلك وليس المراد ههنا إلا الأول
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي الثاني أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري الثالث حنظلة بن سفيان الجمحي القرشي من أهل مكة واسم أبي حنظلة الأسود بن عبد الرحمن الرابع سعيد بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون مقصورا وممدودا أبو الوليد المكي الخامس جابر بن عبد الله
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عمرو بن علي أيضا وأخرجه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشاعر
قوله ذبحنا بهيمة قال الداودي البهيمة من الأنعام وقال ابن فارس البهم صغار الغنم قلت البهم بفتح الباء جمع بهمة وهي ولد الضان الذكر والأنثى وجمع البهم بهام قوله فتعال صيغة أمر يخاطب به جابر النبي قوله ونفر أي مع نفر قوله فحي هلا بكم مركب من حي وهل وقد يبنى على الفتح وقد يقال حيهلا بالتنوين وحيهلا بلا تنوين وعليها الرواية أي عليكم بكذا أو ادعوكم أو اقبلوا أو أسرعوا بأنفسكم وجاء حيهل بسكون اللام وحيهل بسكون الهاء وفتح اللام مع الألف وبدون الألف وحيهلا بسكون الهاء وبالتنوين وجاء معديا بنفسه وبالباء وبالى

(15/4)


وبعلى ويستعمل حي وحده بمعنى أقبل و هلا وحده بمعنى أسكن وقال أبو عبيدة معنى قوله إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر أي أدع عمر وقيل معناه اقبلوا على ذكر عمر وقال صاحب ( المطالع ) تقول حي على كذا أي هلم وأقبل ويقال حي علا وقيل حي هلم وقال الداودي قوله فحيهلا بكم أي أقبلوا أهلا بكم أتيتم أهلكم
1703 - حدثنا ( حبان بن موسى ) قال أخبرنا ( عبد الله ) عن ( خالد بن سعيد ) عن أبيه عن أم ( خالد بنت خالد بن سعيد ) قالت أتيت رسول الله مع أبي وعلي قميص أصغر قال رسول الله سنه سنه قال عبد الله وهي بالحبشية حسنة قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي قال رسول الله دعها ثم قال رسول الله أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي قال عبد الله فبقيت حتى ذكر
مطابقته للترجمة في قوله سنه سنه بفتح النون وسكون الهاء وفي رواية الكشميهني سناه سناه بزيادة الألف والهاء فيهما للسكت وقد يحذف وفي ( المطالع ) هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر وشددها الباقون وهي بفتح أوله للجميع إلا القابسي فكسره ويروى سناه وسناه معناه بالحبشية حسنة كما فسره في الحديث وهو الرطانة بغير العربي
ذكر رجاله وهم خمسة الأول حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالنون ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي الثاني عبد الله بن المبارك المروزي الثالث خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن سعيد القرشي الأموي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد ذكره عنه مرارا يروى عن أبيه وهو الرابع الخامس أم خالد اسمها أمة بفتح الهمزة بنت خالد مر في كتاب الجنائز في باب التعوذ من عذاب القبر قال الذهبي أمة أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص الأموية ولدت بالحبشة تزوجها الزبير فولدت له خالدا وعمرا وقال بعضهم في طبقة خالد بن سعيد بن عمر وخالد بن سعيد بن أبي مريم المدني لكن لم يخرج له البخاري ولا لابن المبارك عنه رواية وزعم الكرماني أن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام ولا أدري من أين له ذلك قلت عبارة الكرماني هكذا واعلم أن لفظ خالد مذكور هنا ثلاث مرات والثاني غير الأول وهو خالد بن الزبير بن العوام والثالث غيرهما وهو خالد بن سعيد بن العاص انتهى قلت لم يقل الكرماني إن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد ابن الزبير بن العوام بل قال الثاني غير الأول وأراد به خالدا في قوله أم خالد ولا شك أن خالدا هذا هو ابن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه على ما قاله الذهبي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أبي نعيم وعن أبي الوليد وفي هجرة الحبشة عن الحميدي وفي الأدب عن حبان عن عبد الله أيضا وأخرجه أبو داود في اللباس عن إسحاق بن الجراح الأذني
قوله بخاتم النبوة وهو ما كان مثل زر الحجلة بين كتفي النبي قوله فزبرني بالزاي وبالباء الموحدة والراء من الزبر وهو النهي عن الإقدام على ما لا ينبغي قوله دعها أي اتركها قوله أبلي من أبليت الثوب إذا جعلته عتيقا ويقال البلاء للخير والشر لأن أصله الاختبار وأكثر ما يستعمل في الخير مقيدا قوله واخلقي من باب الأفعال بمعنى أبلى ويجوز أن يكون كلاهما من الثلاثي إذا خلق بالضم وأخلق بمعنى وكذلك بلى وأبلى وليس ذلك من عطف الشيء على نفسه لأن في المعطوف تأكيدا وتقوية ليس في المعطوف عليه كقوله تعالى كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ( النبأ 4 و5 ) وفي رواية أبي ذر أخلفي بالفاء والمشهور بالقاف من إخلاق الثوب وقال صاحب ( العين ) معنى أبل وأخلق أي عش فخرق ثيابك وارقعها قوله قال عبد الله هو ابن المبارك وقال الكرماني وفي بعضها أبو عبد الله أي البخاري قوله فبقيت أي أم خالد قوله حتى ذكر على صيغة المجهول والضمير فيه يرجع إلى القميص ويروى على صيغة بناء الفاعل والضمير للقميص أيضا أي حتى ذكر دهرا وقال الكرماني أو يكون الضمير للراوي ونحوه أي حتى ذكر الراوي ما نسي طول مدته ويروى حتى ذكرت بلفظ بناء المعلوم أي بقيت حتى ذكرت دهرا طويلا قال الكرماني وفي بعضها بلفظ المجهول أي حتى صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن العادة ورواية أبي الهيثم حتى دكن بدال مهملة ونون في آخره من الدكنة وهي غبرة من طول ما لبس فاسود لونه ورجحه أبو ذر

(15/5)


وفي بعض النسخ فذكر دهرا ولفظ دهرا محذوف في كتاب ابن بطال وذكره ابن السكن وهو تفسير لهذه الرواية كأنه أراد بقي هذا القميص مدة طويلة من الزمان فنسيها الراوي فعبر عنها بقوله ذكر دهرا أي زمانا بحسب تحديده
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز لبس القميص الأصفر لأن النبي لم ينكر على والد أم خالد وفيه المسامحة للأطفال في اللعب بحضرة آبائهم وغيرهم وكان على خلق عظيم وفيه الدعاء لمن يلبس جديدا بقوله إبلي واخلقي أو إبل وأخلق للابس وفيه جواز الرطانة بغير العربية لأن الكلام بغير العربية يحتاج المسلمون إليه للتكلم مع رسل العجم وقد أمر الشارع زيد بن ثابت بكلام العجم وقال ابن التين إنما يكره أن يتكلم بالعجمية إذا كان بعض من حضر لا يفهمها فيكون كمناجي القوم دون الثالث قال الداودي إذا لم يعرفها اثنان فأكثر يلزم أن يجوز ذلك
2703 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن زياد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال له النبي بالفارسية كخ كخ أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة ( انظر الحديث 5841 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله كخ كخ وهو بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاء المعجمة وكسرها وبالتنوين مع الكسر وبغير تنوين وهي كلمة يزجر بها الصبيان من المستقذرات يقال له كخ أي اتركها وارم بها وقال ابن دريد يقال كخ بكخ كخا إذا نام فقط وقال الداودي كلمة أعجمية عربت وغندر هو محمد بن جعفر وقد مر غير مرة
والحديث قد مر في كتاب الزكاة في باب ما يذكر في الصدقة فإنه روي هناك عن آدم عن شعبة وهنا بينه وبين شعبة اثنان قال الكرماني وللمنازع أن ينازع في كون هذه الألفاظ أعجمية أما السور فلاحتمال أن يكون من باب توافق اللغتين كالصابون وأما سنه فيحتمل أن يكون أصله حسنة فحذف من أوله الحاء كما حذف هدفي قولهم كفى بالسيف شا أي شاهدا وأما كخ فهو من باب الأصوات قلت الكل لا يخلو عن نظر أما الأول فاحتمال وبه لا تثبت اللغة وأما الثاني فلا يجوز الترخيم في أول الكلمة وأما الثالث فلأنه من أسماء الأفعال وقال الكرماني ما مناسبة هذه الأحاديث لكتاب الجهاد فقال أما الحديث الأول فظاهر لأنه كان في يوم الخندق وأما الآخران فبالتبعية قلت كونه في الخندق لا يستلزم أن يكون متعلقا بأمور الجهاد أقول يمكن أن يقال إن للترجمة تعلقا ما بكتاب الجهاد وهو أن الإمام إذا أمن أهل الحرب بلسانهم ولغتهم يكون ذلك أمانا لأن الله يعلم الألسنة كلها فافهم
981 -
( باب الغلول )
أي هذا باب في بيان حرمة الغلول نقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر وهو من غل في المغنم يغل غلولا فهو غال قال ابن الأثير الغلول هو الخيانة في المغنم والسرقة في الغنيمة قبل القسمة وكل من خان في شيء خفية فقد غل وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غل وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه ويقال لها الجامعة أيضا
وقول الله تعالى ومن يغلل يأت بما غل ( آل عمران 161 )
وقول الله بالجر عطفا على الغلول وأوله وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ( آل عمران 161 ) وهذه الآية الكريمة في سورة آل عمران وقال ابن أبي حاتم حدثنا المسيب بن واضح حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا لعل رسول الله أخذها فأنزل الله وما كان لنبي أن يغل ( آل عمران 161 ) أي يخون هذه تنزيه له من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك وقال العوفي عن ابن عباس وما كان لنبي أن يغل ( آل عمران 161 ) أي

(15/6)


بأن يقسم لبعض السرايا ويترك أبعضا وكذا قال الضحاك وقرأ الحسن البصري وطاووس ومجاهد والضحاك أن يغل بضم الياء أي يخان وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال اتهم المنافقون رسول الله بشيء فقد فأنزل الله تعالى وما كان لنبي أن يغل ( آل عمران 161 ) قوله ومن يغللإلى آخره تهديد شديد ووعيد أكيد وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة
3703 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( أبي حيان ) قال حدثني ( أبو زرعة ) قال حدثني ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قام فينا النبي فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته فرس له حمحمة يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته بعير ل رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك أو على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وقال أيوب عن أبي حين فرس له حمحمة ( انظر الحديث 2041 وأطرفيه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف اسمه يحيى بن سعيد التيمي وأبو زرعة اسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي
والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب إثم مانع الزكاة
قوله لا ألفين بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي لا أجدن هكذا الرواية للأكثرين بلفظ النفي المؤكد بالنون والمراد به النهي ورواه الهروي بفتح الهمزة والقاف من اللقاء وكذا في بعض رواية مسلم قوله على رقبته وفي رواية مسلم وعلى رقبته بالواو للحال قوله ثغاء بضم الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة وهو صوت الشاة يقال ثغا ثغوا قوله حمحمة بفتح المهملتين صوت الفرس إذا طلب العلف قوله لا أملك لك شيئا أي من المغفرة لأن الشفاعة أمرها إلى الله قوله قد أبلغتك ويروى بلغتك أي لا عذر لك بعد الإبلاغ وهذا مبالغة في الزجر وتغليظ في الوعيد وإلا فهو صاحب الشفاعة في مذنبي هذه الأمة يوم القيامة قوله رغاء بضم الراء وتخفيف الغين المعجمة وبالمد صوت البعير قوله صامت وهو الذهب والفضة قوله رقاع جمع رقعة وهي الخرقة قوله تخفق أي تتحرك وتضطرب وليس المراد منه الخرقة بعينها بل تعميم الأجناس من الحيوان والنقود والثياب وغيرها وقال ابن الجوزي المراد بالرقاع الثياب وقال الحميدي المراد بها ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع ورد عليه ابن الجوزي بأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسي فحمله على الثياب أنسب قوله وقال أيوب أي السختياني عن أبي حيان المذكور فيه فرس له حمحمة كذا للأكثرين في الموضعين ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى على رقبته له حمحمة بحذف لفظ فرس وكذا هو في رواية النسفي وأبي علي بن شبويه فعلى هذا ذكر طريق أيوب للتنصيص على ذكر الفرس في موضعين
ومما ينبه عليه هنا ما قاله ابن المنذر أجمع العلماء إن الغال عليه أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم ما لم يفترق الناس واختلفوا فيما يفعل بعد ذلك إذا افترق الناس فقالت طائفة يدفع إلى الإمام خمسة ويتصدق بالباقي وهو قول الحسن ومالك والأوزاعي والليث والزهري والثوري وأحمد وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية وقال الشافعي وطائفة يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة وليس له الصدقة بمال غيره وعن ابن مسعود أنه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه واختلفوا في عقوبة الغال فقال الجمهور يعزر بقدر حاله على ما يراه

(15/7)


الإمام ولا يحرق متاعه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال الحسن وأحمد وإسحاق ومكحول والأوزاعي يحرق رحله ومتاعه كله قال الأوزاعي إلا سلاحه وثيابه التي عليه قال الحسن إلا الحيوان والمصحف وقال أما حديث ابن عمر عن عمرو رضي الله تعالى عنه مرفوعا في تحريق رحل الغال فهو حديث تفرد به صالح بن محمد وهو ضعيف عن سالم ولأن النبي لم يحرق رحل الذي وجد عنده الخرز والعباءة قيل إنما لم يحرق رحل الرجل المذكور لأنه كان ميتا فخرج ماله إلى ورثته قلت قال الطحاوي ولو صح حمل على أنه كان إذ كانت العقوبات في الأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل وسارق التمر وكله منسوخ
091 -
( باب القليل من الغلول )
أي هذا باب في بيان حكم القليل من الغلول هل هو مثل حكم الكثير أم لا وحكمه أنه مثله
ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي أنه حرق متاعه وهذا أصح
أي لم يذكر عبد الله بن عمرو في حديثه الذي يأتي في هذا الباب الذي رواه عن النبي أنه حرق متاعه أي متاع الرجل الذي يقال له كركرة الذي وجد عنده عباءة وقد غلها والحاصل من هذا أن البخاري أشار بهذا إلى أن حرق متاع الغال ورحله لا يجوز وأن العمل على منعه وأنه هو الصحيح أشار إليه بقوله وهذا أصح قال الكرماني أي عدم ذكر التحريق أصح من ذكره قلت لما روى عن عبد الله بن عمرو حديثان أحدهما حديث الباب وليس فيه ذكر التحريق والآخر رواه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني قال دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالما أي ابن عبد الله بن عمر عنه قال سمعت أبي يحدث عن عمرو رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا وجدتم الرجل غل فأحرقوا متاعه وفيه صالح بن محمد المذكور وهو ضعيف ضعفه يحيى والدارقطني وقال البخاري يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال وهو باطل ليس له أصل ورواته لا يعتمد عليهم وأن الصحيح هو الذي ليس فيه ذكر التحريق أشار إليه بقوله وهذا أصح وقيل حكي عن الأصيلي أن المذكور هنا ويذكر عن عبد الله بن عمرو بصيغة بناء المجهول بدل قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو فإن صح هذا يكون قوله وهذا أصح إشارة إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض وهي قوله ويذكر على بناء المجهول وأما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن موسى بن أيوب عن وليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله وأبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما حرقوا متاع الغال وضربوه
4703 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال كان على ثقل النبي رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله فوجدوا عباءة لأنها قليل بالنسبة إلى غيرها من الأمتعة والنقدين وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو بن دينار
قوله على ثقل النبي بفتح الثاء المثلثة والقاف وهوالعيال وما يثقل حمله من الأمتعة ويقال الثقل متاع المسافر قوله هو في النار قال ابن التين عن الداودي يحتمل أن يكون هذا جزاؤه إلا أن يعفو الله ويحتمل أن يصيبه في القبر ثم ينجو من جهنم ويحتمل أن يكون وجبت له النار من نفاق كان يسره أو بذنب مات عليه مع غلوله أو بما غل فإن مات مسلما فقد قال النبي يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان

(15/8)


قال أبو عبد الله قال ابن سلام كركرة يعني بفتح الكاف وهو مضبوط كذا
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وابن سلام هو محمد بن سلام بتخفيف اللام شيخ البخاري رحمه الله واختلف في ضبط كركرة فذكر عياض أنه بفتح الكافين وكسرهما وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا ونقل البخاري عن شيخه محمد بن سلام أنه رواه عن ابن عيينة كركرة بفتح الكاف وصرح بذلك الأصيلي في روايته أشار إليه بقوله وهو مضبوط كذا يعني بفتح الكاف وقال عياض هو عند الأكثرين بالفتح في رواية علي بن عبد الله وبالكسر في رواية ابن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول وقال القابسي لم يكن عند المروزي فيه ضبط إلا أني أعلم أن الأول خلاف الثاني
191 -
( باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم )
أي هذا باب في بيان ما يكره إلى آخره
5703 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( سعيد بن مسروق ) عن ( عباية بن رفاعة ) عن جده ( رافع ) قال كنا مع النبي بذي الحليفة فأصاب الناس جوع وأصبنا إبلا وغنما وكان النبي في أخريات الناس فعجلوا فنصبوا القدور فأمر بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير وفي القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوي إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا فقال جدي إنا نرجو أو نخاف أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدي أفنذبح بالقصب فقال ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذالك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة
مطابقته للترجمة تؤخذ من أمره بإكفاء القدور فإنه يقتضي كراهة ما ذبحوا بغير أمر وأبو عوانة بفتح العين الوضاح اليشكري وسعيد بن مسروق الثوري الكوفي والد سفيان الثوري وعباية بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف ابن رفاعة بكسر الراء وبالفاء وبالعين المهملة ابن رافع بن خديج الأنصاري الحارثي سمع جده رافعا
والحديث مر في كتاب الشركة في باب قسمة المغنم فإنه أخرجه هناك عن علي بن الحكم الأنصاري عن أبي عوانة عن سعيد بن مسروق إلى آخره
قوله بذي الحليفة هي ميقات أهل المدينة قوله فأكفئت أي قلبت أو نكست قوله فند أي نفر قوله فأعياهم أي أعجزهم قوله فأهوى إليه أي مد يده إليه بسهم قوله أوابد جمع آبدة وهي التي قد تأبدت أي توحشت ونفرت من الإنس وقد أبدت تأبد وتأبد بكسر عين الفعل وضمها قوله قال جدي أي قال عبابة قال جدي وهو رافع بن خديج قوله إنا نرجو أي نخاف والرجاء يأتي بمعنى الخوف قوله أو نخاف شك من الراوي قوله مدى جمع المدية وهي السكين قوله ما أنهر الدم أي ما أساله وأجراه وقال المهلب إنما أمر بإكفائها لأنهم ذبحوها بذي الحليفة وهي أرض الإسلام وليس لأهل الإسلام إن يأخذوا في أرض الإسلام إلا ما قسم لهم قال القرطبي المأمور بإراقته إنما هو إتلاف لنفس المرق وأما اللحم فلم يتلفوه ويحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولا يظن به أنه أمر بإتلافه لأنه مال الغانمين وقد نهى عن إضاعة المال فإن قيل لم ينقل أنهم حملوا ذلك اللحم إلى المغنم قلنا ولا نقل أنهم أحرقوه ولا أتلفوه كما فعل بلحوم الحمر الأهلية لأنها نجسة قاله أو قال إنها رجس

(15/9)


291 -
( باب البشارة في الفتوح )
أي هذا باب في بيان مشروعية البشارة بكسر الباء من بشرت الرجل أبشره بالضم بشرا وبشورا من البشرى وكذلك الإبشار والتبشير ثلاث لغات وهو إدخال السرور في قلبه وقال الجوهري البشارة بالكسر والضم الإسم وقال ابن الأثير البشارة بالضم ما يعطى البشير كالعمالة للعامل وبالكسر الإسم لأنها تظهر طلاقة الإنسان وفرحه قوله في الفتوح جمع فتح في الغزوة وفي معناه كل ما فيه ظهور الإسلام وأهله ليسر المسلمين بإعلاء الدين ويبتهلوا إلى الله تعالى بالشكر على ما وهبهم من نعمه ومن عليهم من إحسانه فقد أمر الله تعالى عبادة بالشكر ووعدهم المزيد بقوله لئن شكرتم لأزيدنكم ( إبراهيم 7 )
6703 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثني ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس ) قال قال لي ( جرير بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيتا فيه خثعم يسمى كعبة اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة من أحمس وكانوا أصحاب خبل فأخبرت النبي أني لا أثبت على الخيل فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري فقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها فكسرها وحرقها فأرسل إلى النبي يبشره فقال رسول جرير يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب فبارك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات قال مسدد بيت في خثعم
مطابقته للترجمة في قوله فأرسل إلى النبي يبشره ويحيى هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي وقيس هو ابن أبي حازم والحديث مر في كتاب الجهاد في باب حرق الدور والنخيل عن مسدد عن يحيى إلى آخره وأخرج بعضه أيضا في باب من لا يثبت على الخيل
قوله أجرب وفي رواية مسدد فيما مضى أجوف قوله قال مسدد بيت في خثعم أراد بهذا أن مسددا رواه عن يحيى القطان بالإسناد الذي ساقه البخاري عن محمد بن المثنى عن يحيى فقال بدل قوله وكان بيتا فيه خثعم وهذه الرواية هي الصواب
391 -
( باب ما يعطى للبشير )
أي هذا باب في بيان ما يعطى للبشير وقد ذكرنا أن الذي يعطى للبشير يسمى بشارة بضم الباء
وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة
كعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو السلمي المدني الشاعر وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة 811 ) وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة قوله حين بشر بالتوبة أي بشر بقبول توبته لأجل تخلفه عن غزوة تبوك وكان المبشر هو سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه وقد مضى هذا
491 -
( باب لا هجرة بعد الفتح )
أي هذا باب يذكر فيه لا هجرة بعد فتح مكة ويجوز أن يكون المراد أعم من ذلك
7703 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا

(15/10)


مطابقته للترجمة ظاهرة وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ومنصور بن المعتمر والحديث مر في أول كتاب الجهاد
9703 - حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا يزيد بن زريع عن خالد عن أبي عثمان النهدري عن مجاشع بن مسعود قال جاء مجاشع بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي فقال هذا مجالد يبايعك على الهجرة فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( إبراهيم بن موسى ) بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير و ( خالد ) هو ابن مهران الحذاء البصري وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون و ( مجاشع بن مسعود ) بن ثعلبة بن وهب السلمي قتل يوم الجمل وأخوه مجالد بالجيم أيضا له صحبة قال أبو عمر ولا أعلم له رواية كان إسلامه بعد إسلام أخيه بعد الفتح قال أبو حاتم قتل يوم الجمل والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب البيعة في الحرب
0803 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو وابن جريج ) سمعت ( عطاء ) يقول ذهبت مع عبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله تعالى عنها وهي مجاورة بثبير فقالت لنا انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه مكة
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وابن جريج هو عبد الملك وعطاء هو ابن أبي رباح وعبيد بن عمر بالتصغير فيهما ابن قتادة الليثي قاضي أهل مكة
قوله بثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى قال محمد بن الحسن وللعرب أربعة جبال اسم كل واحد ثبير وكلها حجازية والهجرة انقطعت بعد فتح مكة لأن المؤمنين كانوا يفرون بدينهم إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتنوا وأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية كما مر في الحديث فيما مضى
591 -
( باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة وجواب إذا محذوف تقديره يجوز للضرورة قوله والمؤمنات بالجر عطف على ما قبله وتقديره وإذا اضطر الرجل إلى النظر في المؤمنات إذا عصين الله قوله تجريدهن أي وإذا اضطر أيضا إلى تجريدهن من الثياب لأن المعصية تبيح حرمتها ألا ترى أن عليا والزبير رضي الله تعالى عنهما أرادا كشف المرأ في قضية كتاب حاطب وقد أجمعوا أن المؤمنات والكافرات في تحريم الزنا بهن سواء وكذلك تحريم النظر إليهن ولكن الضرورات تبيح المحظورات ولم أر أحدا تعرض لشرح هذه الترجمة
1803 - حدثني ( محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي ) قال حدثنا ( هشيم ) قال أخبرنا ( حصين ) عن ( سعد بن عبيدة ) عن أبي عبد الرحمان وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء وسمعته يقول بعثني النبي والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يدا فصدقه النبي قال عمر دعني أضرب عنقه

(15/11)


فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه
مطابقته للترجمة كلها ما تتأتى لأن حديث الباب ليس فيه النظر إلى المؤمنات إذا عصين الله نعم يطابق الترجمة قوله فأخرجت من حجزتها وفي الحديث الذي مضى في باب الجاسوس فأخرجته من عقاصها وعن قريب نذكر التوفيق بينهما وعقاصها ذوائبها المضفورة فلم يكن إلا وقد كشفت شعرها لإخراج الكتاب فبالضرورة حينئذ نظروا إليه للضرورة وقوله أيضا أو لأجردنك يطابق في الترجمة قوله وتجريدهن وقيل ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية لكن لما استوى حكمهما في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل وقال ابن التين إن كانت مشركة لم يوافق الترجمة وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة
ذكر رجاله وهم محمد بن عبد الله بن حوشب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة الطائفي وهشيم بن بشير الواسطي وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي وسعد بن عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة أبو حمزة السلمي الكوفي ختن ( أبي عبد الرحمن ) عبد الله السلمي وكل هؤلاء قد مروا
والحديث قد مر من وجه آخر في الجهاد في باب الجاسوس عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
قوله وكان عثمانيا أي وكان عبد الرحمن يقدم عثمان بن عفان على علي بن أبي طالب وهو قول أكثر أهل السنة قوله فقال لابن عطية هو حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة قوله وكان علويا أي بفضل علي بن أبي طالب على عثمان وهو قول جماعة من أهل السنة من أهل الكوفة قوله إني لأعلم مقول قوله قال أي قال أبو عبد الرحمن لابن عطية إني لأعلم ما الذي جرأ أي أي شيء جرأ صاحبك وقوله وكان علويا جملة معترضة بين القول ومقوله قوله جرأ بتشديد الراء من الجراءة وهي الجسارة وأراد بقوله صاحبك علي بن أبي طالب قال الكرماني كيف جاز نسبة الجراءة على القتل إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأجاب بقوله غرضه أنه لما كان جازما أنه من أهل الجنة عرف أنه إن وقع منه خطأ فيما اجتهد فيه عفى عنه يوم القيامة قطعا انتهى قلت قول أبي عبد الرحمن ظن منه لأن عليا رضي الله تعالى عنه على مكانته من الفضل والعلم لا يقتل أحدا إلا بالواجب وإن كان قد ضمن له بالجنة لشهوده بدرا وغيرها ومع هذا قال الداودي بئس ما قال أبو عبد الرحمن قوله وسمعته يقول أي سمعت عليا رضي الله تعالى عنه يقول بعثني النبي والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قوله روضة كذا أي روضة خاخ كما ذكر هكذا في باب الجاسوس قوله امرأة وهي سارة بالسين المهملة والراء قوله حاطب وهو حاطب بن أبي بلتعة بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح التاء المثناة من فوق وبالعين المهملة قوله الكتاب منصوب بمقدر أي هات الكتاب ونحوه قوله لم يعطني أي لم يعطني حاطب الكتاب أو لم يعطني أحد الكتاب قوله لتخرجن باللام المفتوحة وبالنون المشددة أي لتخرجن الكتاب أو لأجردنك من الثياب يقال جردت الثوب عنه أي نزعته وكشفت عنه وكلمة أو هنا بمعنى إلا في الاستثناء ولأجردنك منصوب بأن المقدرة والمعنى لتخرجن الكتاب إلا أن تجردي كما في قولك لأقتلنك أو تسلم أي إلا أن تسلم وقريب منه أن يكون بمعنى إلى كما في قولك لألزمنك أو تعطينيحقي أي إلى أن تعطيني حقي قوله فأخرجت ويروى فأخرجته أي فأخرجت الكتاب من حجزتها بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالزاي وهي معقد الإزار وحجزة السراويل التي فيها التكة ووقع في رواية القابسي من حزتها بحذف الجيم وهي لغة عامية وقد مضى في باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها وهي شعورها المضفورة والتوفيق بينهما بأنه لعلها أخرجته من الحجزة أولا ثم أخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى الإخراج عنها أو المراد من الحجزة المعقد مطلقا أو الحبل إذ الحجاز حبل يشد بوسطه يد البعير ثم يخالف فيعقد به رجلاه ثم يشد طرفاه إلى حقويه أو عقاصها كانت تصل إلى موضع الحجزة فباعتباره صح الإطلاقان أو كان ثم كتابان وإن كان مضمونهما واحدا كما أن القضية واحدة قوله فقال لا تعجل أي فقال حاطب لا تعجل يا رسول الله قوله فهذا الذي جرأه أي قوله إعملوا ما شئتم لأهل بدر هو الذي جرأ حاطبا وبقية البحث مرت في باب الجاسوس

(15/12)


691 -
( باب استقبال الغزاة )
أي هذا باب في بيان استقبال الغزاة عند رجوعهم من غزوتهم
2803 - حدثنا ( عبد الله بن أبي الأسود ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع وحميد بن الأسود ) عن ( حبيب بن الشهيد ) عن ( ابن أبي مليكة ) قال ( ابن الزبير ) لإبن جعفر رضي الله تعالى عنهم أتذكر إذ تلقينا رسول الله أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذ تلقينا رسول الله
وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود أبو بكر ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ وهو من أفراد البخاري وحميد بضم الحاء المهملة ابن الأسود أبو الأسود البصري صاحب الكرابيس وهو من أفراده أيضا وحبيب بن الشهيد أبو محمد الأزدي الأموي البصري وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير أبو محمد المكي الأحول كان قاضيا لعبد الله بن الزبير ومؤذنا له وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام وابن جعفر هو أيضا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال الكرماني وكان لجعفر أولاد ثلاثة عبد الله ومحمد وعون والظاهر أنه هو عبد الله قلت لم يجزم به وغيره من الشراح جزم بأنه عبد الله
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه النسائي في الحج عن أبي الأشعث ومحمد بن عبد الله كلاهما عن يزيد بن زريع
قوله حدثنا عبد الله بن أبي الأسودكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره عبد الله بن الأسود وهو يروي عن اثنين أحدهما يزيد بن زريع والآخر حميد ابن الأسود وهو جده وقرنه بيزيد وما لحميد بن الأسود في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في تفسير سورة البقرة قوله قال ابن الزبير لابن جعفر وفي رواية مسلم قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير وهو عكس ما في رواية البخاري قال بعضهم والذي في البخاري أصح ويؤيده ما تقدم في الحج عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله مكة استقبل أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه فإن ابن جعفر من بني عبد المطلب بخلاف ابن الزبير وإن كان عبد المطلب جد أبيه لكنه جده لأمه قلت الترجيح بهذا الوجه فيه نظر والزبير أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله وقال أبو عمر روي عن النبي أنه قال الزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي فإن قلت أخرج أحمد والنسائي من طريق خالد بن سارة عن عبد الله بن جعفر أن النبي حمله خلفه وحمل قثم بن العباس بين يديه قلت لا يستلزم هذا أن يكون حين تلقى رسول الله عند قدومه مكة قوله أتذكرالهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله إذ تلقينا أي حين تلقينا قوله فحملنا بفتح اللام والضمير في حمل يرجع إلى النبي فالمحمول ابن الزبير وابن عباس والمتروك عبد الله بن جعفر وعلى رواية مسلم المتروك ابن الزبير
وفيه من الفوائد إن التلقي للمسافرين والقادمين من الجهاد والحج بالبشر والسرور أمر معروف ووجه من وجوه البر وفيه الفخر بإكرام الشارع وفيه رواية الصبي ابن سبع سنين وإثبات الصحبة لعبد الله بن الزبير لأنه توفي وهو ابن ثمان سنين وفيه ركوب الثلاثة على الدابة
3803 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) قال قال ( السائب بن يزيد ) رضي الله تعالى عنه ذهبنا نتلقى رسول الله مع الصبيان إلى ثنية الوداع
مطابقته للترجمة ظاهرة ومالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي وابن عيينة هو سفيان بن عيينة والسائب بالسين المهملة ابن يزيد الكندي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وعبد الله بن محمد فرقهما وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي الطاهر بن السرح وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن يحيى وسعيد

(15/13)


بن عبد الرحمن
قوله إلى ثنية الوداع المراد من ثنية الوداع هنا هي من جهة تبوك لأن في رواية الترمذي عن السائب بن يزيد قال لما قدم رسول الله من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع فخرجت مع الناس وأنا غلام وقال هذا حديث حسن صحيح وفي غير هذا يحتمل أن يكون ثنية الوداع التي من كل جهة التي يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع والثنية طريق العقبة وحكى صاحب ( المحكم ) في الثنية أربعة أقوال فقال والثنية الطريق في الجبل كالنقب وقيل الطريقة إلى الجبل وقيل هي العقبة وقيل هي الجبل نفسه وقال الداودي ثنية الوداع من جهة مكة وتبوك من الشام مقابلتها كالمشرق من المغرب إلا أن يكون ثنية أخرى في تلك الجهة قال والثنية الطريق في الجبل ورد عليه صاحب ( التوضيح ) بقوله وليس كذلك وإنما الثنية ما ارتفع من الأرض قلت كان هذا ما اطلع على ما قاله صاحب ( المحكم ) فلذلك أسرع بالرد
791 -
( باب ما يقول إذا رجع من الغزو )
أي هذا باب في بيان ما يقول الغازي إذا رجع من غزوه
4803 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان إذا قفل كبر ثلاثا قال آيبون إن شاء الله تائبون عابدون حامدون لربنا ساجدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
وجويرية مصغر جارية بن أسماء الضبعي البشري والحديث قد مر في الجهاد في باب التكبير إذا علا شرفا فإنه أخرجه هناك عن عبد الله عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن صالح بن كيسان عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر الحديث ومضى أيضا في أواخر الحج في باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو وأنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إلى آخره قوله قوله إذا قفل بالقاف ثم بالفاء معناه إذا رجع من غزوه
5803 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثني ( يحيى بن أبي إسحاق ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي مقفلة من عسفان ورسول الله على راحلته وقد أردف صفية بنت حيي فعثرت ناقته فصرعا جميعا فاقتحم أبو طلحة فقال يا رسول الله جعلني الله فداءك قال عليك المرأة فقلب ثوبا على وجهه وأتاها فألقاه عليها وأصلح لهما مركبهما فركبا فاكتنفنا رسول الله فلما أشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذالك حتى دخل المدينة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن عمرو المنقري المقعد البصري وعبد الوارث هو ابن سعيد ويحيى بن أبي إسحاق مولى الحضارمة البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد وفي الأدب عن علي عن بشر بن المفضل وفي اللباس عن محمد عن الحسن بن محمد بن الصباح وأخرجه مسلم في المناسك عن زهير بن حرب وعن حميد بن مسعدة وأخرجه النسائي في الحج وفي اليوم والليلة عن عمران بن موسى
قوله مقفله بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء أي مرجعه قوله من عسفان بضم العين وسكون السين المهملة وقد مر غير مرة أنه موضع على مرحلتين من مكة وقال الحافظ الدمياطي هذا وهم وإنما هو عند مقفله من خيبر لأن غزوة عسفان إلى بني لحيان كانت في سنة ست وغزوة خيبر كانت في سنة سبع وإرداف رسول الله صفية ووقوعهما كان فيها قوله فصرعا أي وقعا قوله فاقتحم من قحم في الأمر إذا رمى نفسه فيه من غير روية قوله المرأة بالنصب

(15/14)


أي إلزم المرأة ويروى بالمرأة وهي صفية قوله فقلب أي أبو طلحة قلب ثوبه على وجهه وأتاها أي وأتى صفية قوله وأصلح لهما أي للنبي وصفية قوله فاكتنفنا أي احطنا به يقال كنفت الرجل أي حطته وصنته قوله فلما أشرفنا على المدينة من أشرفت على الشيء إذا اطلعت عليه وأشرفت الشيء أي علوته
وفي الحديث فوائد فيه إرداف المرأة خلف الرجل وسترها عن الناس وفيه ستر من لا تجوز رؤيته وستر الوجه عنه وفيه خدمة الإمام والعالم وخدمة أهل العلم وفيه اكتناف الإمام والاجتماع حوله عند دخول المدن وفيه حمد الله للمسافر عند إتيانه سالما إلى أهله وسؤاله الله التوبة وفيه حجاب أمهات المؤمنين وإن كن كالأمهات
6803 - حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي إسحاق ) عن ( أنس ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه أنه أقبل هو وأبو طلحة مع النبي ومع النبي صفية مردفها على راحلته فلما كانوا ببعض الطريق عثرت الناقة فصرع النبي والمرأة وإن أبا طلحة قال أحسب قال اقتحم عن بعيره فأتى رسول الله فقال يا نبي الله جعلني الله فداءك هل أصابك من شيء قال لا ولكن عليك بالمرأة فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه فقصد قصدها فألقى ثوبه عليها فقامت المرأة فشد لهما على راحلتهما فركبا فساروا حتى إذا كانوا بظهر المدينة أو قال أشرفوا على المدينة قال قال النبي آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة
هذا وجه آخر في الحديث المذكور وهو في رواية الكشميهني وحده وعلي هو ابن المديني ويحيى هو ابن أبي إسحاق المذكور قوله وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري
قوله على راحلته أي ناقته قوله والمرأة بالرفع عطفا على النبي ويجوز بالنصب على تقدير مع المرأة قوله أحسب أي أظن قوله هل أصابك من شيء كلمة من زائدة قوله عليك بالمرأة أي إلزم المرأة وانظر في أمرها قوله فقصد قصدها أي نحا نحوها قوله بظهر المدينة أي بظاهرها قوله أو قال أشرفوا شك من الراوي
891 -
( باب الصلاة إذا قدم من سفر )
أي هذا باب في بيان الصلاة إذا قدم الغازي أو المسافر من سفره
8803 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد الرحمان بن عبد الله ابن كعب ) عن أبيه ( وعمه عبيد الله بن كعب ) عن ( كعب ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان إذا قدم من سفر ضحى دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج

(15/15)


وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى عن أبي عاصم به وعن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن ابن جريج به وأخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي الحلال وعن أبي الطاهر بن السرح وأخرجه النسائي في السير عن عمرو بن علي عن أبي عاصم به وعن يوسف بن سعيد وفيه وفي الصلاة عن سليمان بن داود
قوله ضحى بالضم والقصر قال ابن الأثير الضحوة ارتفاع أول النهار والضحى هو فوقه وبه سميت صلاة الضحى
وفيه أن الصلاة عند القدوم من السفر سنة وفضيلة فيها معنى الحمد لله على السلامة والتبرك بالصلاة أول ما يبدأ في الحضر ونعم المفتاح إلى كل خير وفيها يناجي العبد ربه وذلك هدي رسوله وسنته ولنا فيه الأسوة وفيه الابتداء ببيت الله تعالى قبل بيته وجلوسه للناس عند قدومه ليسلموا عليه
991 -
( باب الطعام عند القدوم )
أي هذا باب في بيان مشروعية اتخاذ الطعام عند القدوم من السفر
وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه
يفطر من الإفطار لا من التفطير قوله لمن يغشاه أي لأجل من يقدم عليه وينزل لديه وهذا التعليق رواه القاضي إسماعيل في ( أحكامه ) عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عنه أنه كان إذا كان مقيما لم يفطر وإذا كان مسافرا لم يصم فإذا قدم أفطر أياما لغاشيته ثم يصوم
9803 - ح ( دثني محمد ) أخبرنا ( وكيع ) عن ( شعبة ) عن ( محارب بن دثار ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة زاد معاذ عن شعبة عن محارب سمع جابر بن عبد الله اشتري مني النبي بعيرا بوقيتين ودرهم أو درهمين فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين ووزن لي ثمن البعير
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام
والحديث أخرجه أبو داود في الأطعمة عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع
قوله وجزورا أي ناقة أو جملا زاد معاذ وهو معاذ بن معاذ العنبري وقد وصله مسلم قوله بوقيتين ويروى بأوقيتين قوله أو درهمين شك من الراوي وهذا الطعام يسمى النقيعة بفتح النون وكسر القاف مشتق من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر وقال في ( الموعب ) النقيعة المحض من اللبن يبرد وقال السلمي طعام الرجل ليلة يملك وعن صاحب ( العين ) النقيعة العبيطة من الإبل وهي جزور توفر أعضاؤها وتنقع في أشياء على حيالها وقد نقعوا نقيعة ولا يقال انقعوا
صرار موضع ناحية بالمدينة
صرار بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء الأولى موضع قريب من المدينة على نحو ثلاثة أميال من طريق العراق وقيده الدارقطني بالمهملة وعند الحموي وغيره والمستملي وابن الحذاء ضرار بالضاد المعجمة وقال ابن قرقول وهو وهم وقال أبو عبيد البكري وهي بئر قديمة تلقاء حرة راقم والله تعالى أعلم
بسم الله الرحمان الرحيم

(15/16)


75 -
( كتاب الخمس )
أي هذا كتاب في بيان حكم الخمس وفي بعض النسخ هذا متوج بالبسملة وبعده
1 -
( باب فرض الخمس )
أي هذا باب في بيان فرض الخمس وفي بعض النسخ أيضا هكذا فرض الخمس بدون ذكر لفظ باب
1903 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( علي بن الحسين ) أن ( حسين بن علي عليهما السلام ) أخبره أن ( عليا ) قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار رجعت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفاي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما فقلت من فعل هذا فقالوا فعل حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار فانطلقت حتى أدخل على النبي وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي في وجهي الذي لقيت فقال النبي مالك فقلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النبي بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق رسول الله يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله ثم صمد النظر فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر فنظر إلى سرته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة هل أنتم إلا عبيد لأبي فعرف رسول الله أنه قد ثمل فنكص رسول الله على عقبيه القهقرى وخرجنا معه
مطابقته للترجمة في قوله أعطاني شارفا من الخمس وعبدان قد مر غير مرة وهو لقب عبد الله بن عثمان وعبد الله هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد الأيلي وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم يروي عن أبيه الحسين بن علي أخو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم
والحديث مر في كتاب الشرب في باب بيع الحطب والكلأ فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن ابن جريج عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي عن أبيه حسين بن علي عن علي ابن أبي طالب إلى آخره وبين المتنيين بعض تفاوت بزيادة ونقصان
قوله شارف بالشين المعجمة وهو المسنة من النوق قوله أعطاني شارفا من الخمس يعني يوم بدر ظاهره أن الخمس كان يوم بدر قال ابن بطال لم يختلف أهل السير أن الخمس لم يكن يوم بدر قلت فحينئذ يحتاج قول علي رضي الله تعالى عنه إلى تأويل لا يعارض قول أهل السير وهو أن معنى قول علي رضي الله تعالى عنه وكان

(15/17)


النبي أعطاني شارفا من الخمس يعني من سرية عبد الله بن جحش وكانت قبل بدر الأولى في رجب من السنة الثانية وكان بعث عبد الله بن جحش ومعه ثمانية رهط من المهاجرين إلى نخلة بين مكة والطائف فوجدوا بها غير قريش فقتلوهم وأخذوا العير فقال عبد الله لأصحابه إن لرسول الله مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم فعزل لرسول الله خمس الغنيمة وقسم الباقي بين أصحابه وقد روى أبو داود ما يدل على هذا المعنى قال كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وأعطاني رسول الله شارفا من الخمس يومئذ يعني يوم بدر وأراد به من الخمس الذي عزله عبد الله بن جحش لرسول الله من العير التي أخذها كما ذكرنا وقيل أول يوم جعل فيه الخمس في غزوة بني قريظة حين حكم سعد بأن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية وقيل نزل بعد ذلك ولم يأت في ذلك من الحديث ما فيه بيان شاف وإنما جاء أمر الخمس يقينا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضرها الشارع قوله إن أبتني من الابتناء وهو الدخول بالزوجة وكذلك البناء وقد ذكرنا أن أصل ذلك أن الرجل كان إذا أراد تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على أهله قوله من بني قينقاع بفتح القافين وضم النون وفتحها وكسرها منصرفا وغير منصرف قال الكرماني هم قبيلة من اليهود وقال الصاغاني هم حي من اليهود قلت هو مركب من قين الذي هو الحداد وقاع اسم أطم من آطام المدينة قوله بأذخر بكسر الهمزة حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب وهمزته زائدة وقد مر في كتاب الحج قوله وليمة عرسي الوليمة طعام الزفاف وقيل اسم لكل طعام والعرس بالكسر امرأة الرجل وبالضم طعام الوليمة وينبغي أن يكون بالكسر وألا يكون المعنى وليمة وليمتي وهكذا لا يقال وفي ( المغرب ) العرس بالضم اسم ومنه إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب أي إلى طعام عرس وطعام الوليمة يسمى عرسا باسم سببه قوله من الأقتاب جمع قتب وهو معروف والغرائر بالغين المعجمة وبالراء المكررة ظرف التبن ونحوه وهو جمع غرارة قال الجوهري أظنه معربا قوله وشارفاي مبتدأ وخبره قوله مناخان أي مبروكان ويروى مناختان فالتذكير باعتبار لفظ شارف والتأنيث باعتبار معناه قوله فإذا كلمة مفاجأة قوله قد اجتبت افتعل من الجب بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة وهو القطع قوله بقرت على صيغة المجهول من البقر بالباء الموحدة والقاف وهو الشق قوله ولم أملك عيني أي من البكاء وإنما كان بكاؤه رضي الله تعالى عنه خوفا من توهم تقصيره في حق فاطمة رضي الله تعالى عنها أو في تأخير الابتناء بسبب ما كان منه ما يستعان به لا لأجل فواتهما لأن متاع الدنيا قليل لا سيما عند أمثاله قوله في شرب بفتح الشين المعجمة جمع شارب قوله حتى أدخل يجوز بالرفع والنصب قوله ما رأيت كاليوم قط أي ما رأيت يوما أفظع كاليوم قوله فطفق أي جعل قوله قد ثمل بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم أي سكر قوله ثم صعد بفتح الصاد المهملة وتشديد العين المهملة المفتوحة أي جر النظر قوله إلا عبيد أي كعبيد وغرضه أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته وأنه أقرب إليه منهما قوله فنكص رسول الله القهقرى قال الأخفش يعني رجع وراءه ووجهه إليه والنكوص الرجوع إلى وراء يقال نكص ينكص فهو ناكص قال ابن الأثير القهقرى مصدر ومنه قولهم رجع القهقرى أي رجع الرجوع الذي يعرف بهذا الأسم قلت يكون القهقرى منصوبا على المصدرية من غير لفظه كما في قعدت جلوسا وقال الأزهري القهقرى الارتداد عما كان عليه وقد قهقر وتقهقر وقيل إنه مشتق من القهر
وقال الطبري وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه أن المسلمين كانوا يشربون الخمر ويسمعون الغناء في أول الإسلام حتى نهى الله عن ذلك بقوله إنما الخمر والميسر ( المائدة 09 ) الآية وإنما حرمت الخمر بعد غزوة أحد احتج بعض أهل العلم بهذا الحديث في إبطال أحكام السكران وقالوا لو لزم السكران ما يكون منه في حال سكره كما يلزمه في حال صحوه لكان المخاطب رسول الله بما استقبله حمزة كافرا مباح الدم قاله الخطابي ثم قال وقد ذهب على هذا القائل أن ذلك منه إنما كان قبل تحريم الخمر فإن قلت إلى ما آل إليه أمر الناقتين قلت كان ضمانهما لازما لحمزة رضي الله تعالى عنه لو كن طالبه علي رضي الله تعالى عنه ويمكن أن النبي عوضهما إذ العلماء لا يختلفون أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء ومن شرب لبنا أو أكل طعاما أو تداوى

(15/18)


بمباح فسكر فهو كالمجنون والمغمى عليه والصبي يسقط عنهم حد القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال لرفع القلم عنهم ومن سكر من حلال فحكمه حكم هؤلاء وعن أبي عبد الله النحال أن من سكر من ذلك لا طلاق عليه وحكى الطحاوي أنه إجماع من العلماء رحمهم الله تعالى
2903 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أخبرته أن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر إن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر قالت وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال لست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر قال فهما على ذلك إلى اليوم
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه ليس فيه ذكر الخمس وأجيب بأن من جملة ما سألت فاطمة ميراثها من خيبر وقد ذكر الزهري أن بعض خيبر صلح وبعضها عنوة فجرى فيها الخمس وقد جاء في بعض طرق الحديث في كتاب المغازي وقالت عائشة إن فاطمة جاءت تسأل نصيبها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر وإلى هذا أشار البخاري واستغنى بشهرة الأمر عن إيراده مكشوفا بلفظ الخمس في هذا الباب
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي العامري الأويسي المديني وهو من أفراده الثاني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق القرشي الزهري المديني الثالث صالح بن كيسان أبو محمد مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
والحديث أخرجه البخاري أيضا في باب غزوة خيبر عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه الحديث
ذكر معناه قوله سألت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما قال عياض تأول قوم طلب فاطمة ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث أن كان بلغها قوله إنا لا نورث على الأموال التي لها بال فهو الذي لا يورث لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح قال وهذا التأويل يرده قوله مما أفاء الله عليه وقوله مما ترك من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة وقيل إن طلبها لذلك كان قبل أن تسمع الحديث الذي دل على خصوصية سيدنا رسول الله بذلك وكانت متمسكة بآية الوصية وإن كانت واحدة فلها النصف ( النساء 11 ) وقال ابن التين حكى ابن بطال أن طائفة من الشيعة تزعم أنه لا يورث قالوا ولم تطالب فاطمة بالميراث وإنما طالبت بأن النبي نحلها من غير علم

(15/19)


أبي بكر وأنكر هذا وقالوا ما ثبت أنه نحلها شيئا ولا أنها طالبت به فإن قلت رووا أن فاطمة طلبت فدك وذكرت أن رسول الله أقطعها إياها وشهد علي رضي الله تعالى عنه على ذلك فلم يقبل أبا بكر شهادته لأنه زوجها قلت هذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنها ادعت ذلك وإنما هو أمر مفتعل لا يثبت قوله ما ترك بيان أو بدل لميراثها قوله مما أفاء الله عليه من الفيء وهو ما حصل له من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد قوله لا نورث قال القرطبي جميع الرواه لهذه اللفظة يقولونها بالنون لا نورث يعني جماعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما في الرواية الأخرى نحن معاشر الأنبياء لا نورث قوله ما تركنا في محل الرفع على الابتداء وصدقة بالرفع خبره وقد صحف بعض الشيعة هذا وقال لا يورث بياء آخر الحروف وما تركنا صدقة بالنصب على أن يجعل ما مفعولا لما لم يسم فاعله و صدقة تنصب على الحال يكون معنى الكلام أن ما نترك صدقة لا يورث وهذا مخالف لما وقع في سائر الروايات وإنما فعل الشيعة هذا واقتحموه لما يلزمهم على رواية الجمهور من فساد مذهبهم لأنهم يقولون إن النبي يورث كما يورث غيره من المسلمين متمسكين بعموم الآية الكريمة وقال الكرماني لا نورث بفتح الراء والمعنى على الكسر أيضا صحيح
ثم الحكمة في سبب عدم ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه لا يظن بهم أنهم جمعوا المال لورثتهم وقيل لئلا يخشى على وارثهم أن يتمنى لهم الموت فيقع في محذور عظيم وقيل لأنهم كالآباء لأمتهم فما لهم لكل أولادهم وهو معنى الصدقة قوله فهجرت أبا بكر قال المهلب إنما كان هجرها انقباضا عن لقائه وترك مواصلته وليس هذا من الهجران المحرم وأما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه ولم يرو أحد أنهما التقيا وامتنعا من التسليم ولو فعلا ذلك لم يكونا متهاجرين إلا أن تكون النفوس مظهرة للعداوة والهجران وإنما لازمت بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران وقد ذكر في كتاب ( الخمس ) تأليف أبي حفص بن شاهين عن الشعبي أن أبا بكر قال لفاطمة يا بنت رسول الله ما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة فإن كان عندك من رسول الله في ذلك عهد فأنت الصادقة المصدقة المأمونة على ما قلت قال فما قام أبو بكر حتى رضيت ورضي وروى البيهقي عن الشعبي قال لما مرضت فاطمة رضي الله تعالى عنها أتاها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فاستأذن عليها فقال علي رضي الله تعالى عنه يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت وهذا قوي جيد والظاهر أن الشعبي سمعه من علي رضي الله تعالى عنه أو ممن سمعه من علي فإن قلت روى أحمد وأبو داود عن أبي الطفيل قال لما قبض رسول الله أرسلت فاطمة إلى أبي بكر لأنت ورثت رسول الله أم أهله فقال لا بل أهله قالت فأين سهم رسول الله فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله يقول إن الله تعالى إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده فرأيت أن أرده على المسلمين قالت فأنت وما سمعت من رسول الله قلت في لفظة غرابة ونكارة وفي إسناده من يتشيع وأحسن ما فيه قولها أنت وما سمعت من رسول الله وهذا هو المظنون بها واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها قوله وفدك بالفاء والدال المهملتين المفتوحتين منصرفا وغير منصرف بينها وبين مدينة الرسول مرحلتان وقيل ثلاث قوله وصدقته بالمدينة أي أملاكه التي بالمدينة التي صارت بعده صدقة ويقال صدقته بالمدينة أموال بني النضير وكانت قريبة من المدينة وقال ابن الجوزي وهي مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وقال عياض الصدقات التي صارت إليه أحدها من وصية مخيريق يوم أحد وكانت سبع حوائط في بني النضير قلت مخيريق كان يهوديا فأعطى تلك الحوائط لرسول الله عند إسلامه الثاني ما أعطاه الأنصار من أرضهم وهو مما لا يبلغه الماء وكان هذا ملكا له ومنها حقه من الفيء من أموال بني النضير كانت له خاصة حين أجلاهم وكذا نصف أرض فدك صالح أهلها بعد

(15/20)


فتح خيبر على نصف أرضها فكانت خالصة له وكذا ثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح اليهود وكذا حصنان من حصون خيبر الوطيح والسلالم أخذهما صلحا ومنها سهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة فكانت هذه كلها ملكا لسيدنا رسول الله خاصة لا حق لأحد فيها فكان يأخذ منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين وقال ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة وكان ابن عيينة يقول أزواج النبي في معنى المعتدات لأنهن لا يجوز لهن النكاح أبدا فجرت عليهن النفقة وتركت لهن حجرهن يسكنها وأراد بمؤونة العامل من يلي بعده قوله لست تاركا شيئا عمله رسول الله إلا عملته يعني أنه كان مع ما كان يعمل يخبر أنه لا يورث عنه قاله الداودي قوله أن أزيغ من الزيغ بالزاي والغين المعجمة وهو الميل يعني أن أميل عن الحق قوله فأما صدقته إلى آخره من كلام عائشة أيضا قوله فدفعها أي دفع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصدقة المذكورة إلى علي بن أبي طالب وعباس عمه ليتصرفا فيها وينتفعا منها بقدر حقهما كما تصرف رسول الله لا على جهة تمليكه لهما وقال القرطبي لما ولي علي رضي الله تعالى عنه لم يغير هذه الصدقة عما كانت في أيام الشيخين ثم كانت بعده بيد الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي بن الحسين ثم بيد الحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن ثم بيد عبد الله بن حسين ثم وليها بنو العباس على ما ذكره البرقاني في ( صحيحه ) ولم يرو عن أحد من هؤلاء أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه فلو كان ما يقوله الشيعة حقا لأخذها علي رضي الله تعالى عنه أو أحد من أهل بيته لما ولوها قوله التي تعروه أي تنزل وتنتابه وتغشاه قوله ونوائبه النوائب جمع نائبة وهي الحادثة التي تصيب الرجل
قال أبو عبد الله اعتراك افتعلت من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله اعتراك أشار بهذا إلى المذكور في قوله تعالى اعتراك بعض آلهتنا بسوء ( هود 45 ) قوله افتعل
أراد به أنه من باب الافتعال وأصله من عروته إذا أصبته وقال الجوهري عراني هذا الأمر واعتراني إذا غشيك وعروت الرجل أعروه عروا إذا ألممت به وأتيته طالبا فهو معرو وفلان تعروه الأضياف ويعتريه أي تغشاه
قصة فدك
4903 - حدثنا ( إسحاق بن محمد الفروي ) قال حدثنا ( مالك بن أنس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( مالك بن أوس بن الحدثان ) وكان محمد بن جبير ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك فانطلقت حتى أدخل على مالك بن أوس فسألته عن ذلك الحديث فقال مالك بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش متكيء على وسادة من أدم فسلمت عليه ثم جلست فقال يا مال إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه بينهم فقلت يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري قال اقبضه أيها المرء فبينا أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمان بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون قال نعم فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفا يسيرا ثم قال هل لك في علي وعباس قال نعم فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني

(15/21)


وبين هذا وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر تيدكم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما الله أتعلمان أن رسول الله قد قال ذلك قالا قد قال ذلك قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ وما أفاء الله على رسوله منهم ( الحشر 6 ) إلى قوله قدير فكانت هاذه خالصة لرسول الله والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هاذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل رسول الله بذلك حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم قال لعلي وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك قال عمر ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا يريد عليا يريد نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما إن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها فقلتما ادفعها إلينا فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك قال الرهط نعم ثم أقبل على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا نعم قال فتلتمسانه مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها

(15/22)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إن الله قد خص رسوله إلى قوله فكانت هذه خالصة لرسول الله لا من جملة ما سألت فاطمة رضي الله تعالى عنها ما بقي من خمس خيبر وكان علي وعباس يختصمان في الفيء الذي خص الله تعالى نبيه بذلك كما سيجيء بيان ذلك أن قي الفيء خص رسول الله بشيء دون غيره وحقه في الفيء من أموال بني النضير كانت له خاصة حين أجلاهم وكذا نصف أرض فدك صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها فكانت خالصة له وكذا ثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح اليهود وكذا حصنان من حصون خيبر الوطيح والسلالم أخذهما صلحا ومنها سهمه من خمس خيبر وما افتتح منها عنوة فكان هذا ملكا له خاصة لا حق لأحد فيها
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إسحاق بن محمد الفروي بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو وقال الغساني وفي بعض النسخ محمد بن إسحاق وهو خطأ الثاني مالك بن أنس الثالث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الرابع مالك ابن أوس بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة ابن الحدثان بالمهملتين المفتوحتين وبالثاء المثلثة ابن عوف بن ربيعة النصري من بني نصر بن معاوية يكنى أبا سعيد زعم أحمد بن صالح المصري وكان من جملة أهل هذا الشان أن له صحبة وقال سلمة بن وردان رأيت جماعة من أصحاب رسول الله فذكرهم وذكر فيهم مالك بن أوس بن الحدثان النصري وقال أبو عمر لا أحفظ له صحبة أكثر مما ذكرت ولا أعلم له رواية عن النبي وأما روايته عن عمر رضي الله تعالى عنه فأكثر من أن تذكر وروى عن العشرة المهاجرين وعن العباس بن عبد المطلب روى عنه محمد بن جبير بن مطعم والزهري ومحمد بن المنكدر وآخرون مات بالمدينة سنة اثنتين وتسعين وهو ابن أربع وتسعين سنة الخامس محمد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عدي بن عبد مناف القرشي المديني مات بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن سعيد بن عفير وفي الاعتصام عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم في المغازي عن عبد الله بن أسماء وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الخراج عن الحسن بن علي الخلال ومحمد بن يحيى بن فارس وعن محمد ابن عبيد وأخرجه الترمذي في السير عن الحسن بن علي الخلال به وأخرجه النسائي في الفرائض عن عمرو بن علي وفي قسم الفيء عن علي بن حجر وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله حتى أدخل يجوز فيه ضم اللام وفتحها فوجه الضم هو أن تكون حتى عاطفة والمعنى انطلقت فدخلت ووجه الفتح هو أن تكون حتى بمعنى كي ومثله قوله تعالى وزلزلوا حتى يقول الرسول ( البقرة 412 ) قوله بينا قد مر غير مرة أن أصله بين فأشبعت فتحة النون بالألف وربما تزاد فيه الميم فيقال بينما وهما ظرفا زمان ويضافان إلى جملة إسمية وفعلية ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى وجوابه هو قوله إذا رسول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه والأفصح أن لا يكون في جوابهما إذ وإذا قوله حين متع النهار بالميم والتاء المثناة من فوق والعين المهملة المفتوحات ومعناه حين ارتفع وطال ارتفاعه وقال صاحب ( العين ) متع النهار متوعا وذلك قبل الزوال وقيل معناه طال وعلا وامتع الشيء طالت مدته ومنه في الدعاء أمتعني الله بك وقيل معناه نفعنى الله بك وقال الداودي متع صار قرب نصف النهار وفي رواية أبي داود أرسل علي عمر رضي الله تعالى عنه حين تعالى النهار وفي رواية مسلم أرسل إلي عمر بن الخطاب فجئته حين تعالى النهار قوله على رمال سرير الرمال بكسر الراء وضمها ما ينسج من سعف النخل ليضطجع عليه ويقال رمل سريره وأرمله إذا رمل شريطا أو غيره فجعله ظهرا وقيل رمال السرير ما مد على وجهه من خيوط وشريط ونحوهما وفي رواية أبي داود فجئته فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله وفي رواية مسلم فوجدته في بيته جالسا على سريره مفضيا إلى رماله متكئا على وسادة من أدم قوله مفضيا إلى رماله يعني ليس بينه وبين رماله شيء وإنما قال هذا لأن

(15/23)


العادة أن يكون فوق الرمال فراش أو نحوه ومعنى قوله ليس بينه وبينه أي ليس بين عمر وبين الرمال فراش قوله يا مال أي يا مالك فرخمه بحذف الكاف ويجوز ضم اللام وكسرها على الوجهين في الترخيم قوله إنه قدم علينا من قومك وفي رواية مسلم أنه قد دف أهل أبيات من قومك وكذا في رواية أبي داود دف من الدف وهو المشي بسرعة قوله برضخ بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة وفي آخره خاء معجمة وهي العطية القليلة غير المقدرة قوله لو أمرت به غيري أي لو أمرت بدفع الرضخ إليهم غيري وفي رواية أبي داود وقد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم قلت لو أمرت غيري بذلك فقال خذه وفي رواية مسلم لو أمرت بهذا غيري قال خذه يا مال قوله إقبضه أيها المرء هو عزم عليه في قبضه قوله يرفأ هو مولى عمر وحاجبه بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وفتح الفاء مهموزا وغير مهموز وهو الأشهر وفي رواية البيهقي اليرفأ بالألف واللام قوله هل لك في عثمانأي هل لك إذن في عثمان وقال الكرماني هل لك رغبة في دخولهم قوله يستأذنونجملة حالية قوله إقض بيني وبين هذايعني علي بن أبي طالب وفي رواية مسلم إقض بيني وبين هذا الكاذب الإثم الغادر الخائن يعني الكاذب إن لم ينصف فحذف الجواب وزعم المازري أن هذه اللفظة ننزه القائل والمقول فيه عنها وننسبها إلى أن بعض الرواة وهم فيها وقد أزالها بعض الناس من كتابه تورعا وإن لم يكن الحمل فيها على الرواة فأجود ما يحمل عليه أن العباس قالها إدلالا عليه لأنه بمنزلة والده ولعله أراد ردع علي عما يعتقد أنه مخطىء فيه وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعله عن قصد وإن كان علي لا يراها موجبة لذلك في اعتقادهوهذا كما يقول المالكي شارب النبيذ ناقص الدين والحنفي يعتقد أنه ليس بناقص وكل واحد محق في اعتقاده ولا بد من هذا التأويل لأن هذه القضية جرت بحضرة عمر والصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر أحد منهم هذا الكلام مع تشددهم في إنكار المنكر وما ذلك إلا أنهم فهموا بقرينة الحال أنه تكلم بما لا يعتقده انتهى قلت كل هذا لا يفيد شيئا بل يجب إزالة هذه اللفظة عن الكتاب وحاشا من عباس أن يتلفظ بها ولا سيما بحضرة عمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة ولم يكن عمر ممن يسكت عن مثل هذا لصلابته في أمور الدين وعدم مبالاته من أحد وفي ما قاله نسبة عمر إلى ترك المنكر وعجزه عن إقامة الحق فاللائق لحال الكل إزالة هذه من الوسط فلا يحتاج إلى تأويل غير طائل فافهم قوله وهما يختصمانأي العباس وعلي يختصمان أي يتجادلان ويتنازعان والواو فيه للحال قوله فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير وهو مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وهو المال الذي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر وفي رواية عن الزهري قرى غربية فدك وقال ابن عباس في قوله وما أفاء الله على رسوله منهم ( الحشر 6 ) الآية هو من أموال الكفار وأهل القرى وهم قريظة والنضير وهما بالمدينة وفدك وخيبر وقرى غربية وينبع كذا في ( تفسير النسفي ) قوله فقال الرهط وهم المذكورون فيما مضى وهم عثمان وأصحابه فقوله عثمان خبر مبتدأ محذوف أي هم عثمان وأصحابه المذكورون ويجوز أن يكون بيانا أو بدلا قوله وأرح أمر من الإراحة بالراء المهملة وفي رواية مسلم فاقض بينهم وأرحهم فقال مالك بن أوس يخيل إلي أنهم كانوا قدموهم لذلك وفي رواية أبي داود فقال العباس يا أمير المؤمنين إقض بيني وبين هذا يعني عليا فقال بعضهم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهما وأرحهما قوله فقال عمر تيدكم بفتح التاء المثناة من فوق وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة وضمها وهو اسم فعل كرويد أي اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم وقيل إنه مصدر تأد يتئد وقال ابن الأثير هو من التؤدة كأنه قال إلزموا تؤدتكم يقال تأد تأدا كأنه أراد أن يقول تأدكم فابدل من الهمزة ياء يعني آخر الحروف هكذا ذكره أبو موسى وفي رواية مسلم اتئدوا أي تأنوا واصبروا قوله أنشدكم بالله بضم الشين أي أسألكم بالله يقال نشدتك الله وبالله قوله لا نورث ما تركنا صدقة قد مضى تفسيره وأن الرواية بالنون قال القرطبي يعني جماعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما في رواية أخرى نحن معاشر الأنبياء لا نورث روى أبو عمر في ( التمهيد ) من حديث ابن شهاب عن مالك ابن أوس عن عمر رضي الله تعالى عنه إنا معشر الأنبياء ما تركناه صدقة وهذا حجة على الحسن البصري في ذهابه إلى أن هذا خاص بنبينا محمد دون غيره من الأنبياء فاستدل بقوله تعالى في قصة زكرياء عليه السلام

(15/24)


يرثني ويرث من آل يعقوب ( مريم 6 ) وبقوله تعالى وورث سليمان داود ( النمل 61 ) وحمل جمهور العلماء الآيتين على ميراث العلم والنبوة والحكمة ومنطق الطير في حق سليمان عليه السلام قوله قد قال ذلك أي قوله لا نورث ما تركناه صدقة وكذلك معنى قوله قد قال ذلك في الموضعين الآخرين قوله ولم يعطه أحدا غيره أي لم يعط الفيء أحدا غير النبي لأنه خصص الفيء كله له كما هو مذهب الجمهور أو جله كما هو مذهب الشافعة وقيل أي حيث حلل الغنيمة له ولم تحل لسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال القاضي تخصيصه بالفيء إما كله أو بعضه وهل في الفيء خمس أم لا قال ابن المنذر لا نعلم أحدا قبل الشافعي قال بالخمس قوله ثم قرأ وما أفاء الله على رسول منهم ( الحشر 6 ) إلى قوله قدير ( الحشر 6 ) وتمام الآية فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ( الحشر 6 ) أي وما رد الله على رسوله ورجع إليه ومنه في فيء الظل والفيء كالعود والرجوع يستعمل بمعنى المصير وإن لم يتقدم ذلك قوله فما أوجفتم من الإيجاف من الوجيف وهو السير السريع والمعنى إنما جعل الله لرسوله من أموال بني النضير شيئا لم تحصلوه بالقتال والغلبة ولكن سلط الله رسوله عليهم وعلى أموالهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء وهو معنى قوله فكانت هذه خالصة لرسول الله ولا حق لأحد فيها فكان يأخذ منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين وفي رواية مسلم قال عمر رضي الله تعالى عنه إن الله خص رسوله بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره قال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ( الحشر 7 ) ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا قال فقسم رسول الله بينكم أموال بني النضير فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال وكان رسول الله يأخذ منه نفقته سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال انتهى وهذا تفسير لرواية البخاري في نفس الأمر فقوله والله ما احتازها أي ما جمعها دونكم وهو بالحاء المهملة والزاي قوله ولا استأثر بها أي ولا استبد بها وتخصص بها عليكم قوله وبثها فيكم أي فرقها عليكم قوله قوله نفقة سنتهم فإن قلت كيف يجمع هذا مع ما ثبت أن درعه حين وفاته كانت مرهونة على الشعير استدانة لأهله قلت كان يعزل مقدار نفقتهم منه ثم ينفق ذلك أيضا في وجوه الخير إلى حين انقضاء السنة عليهم قوله فجعل مال الله بفتح الميم وهو موضع الجعل بأن يجعله في السلاح والكراع ومصالح المسلمين قوله فلما بدا أي ظهر وصح لي قوله من ابن أخيك وهو رسول الله لأن أخاه عبد الله والنبي ابن عبد الله قوله يريد نصيب امرأته من أبيها أي يريد علي بن أبي طالب نصيب زوجته فاطمة الذي آل إليها من أبيها وهو رسول الله قال الكرماني إن كان الدفع إليهما صوابا فلم لم يدفعه في أول الحال وإلا فلم دفعه في الآخر وأجاب بأنه منع أولا على الوجه الذي كانا يطلبانه من التملك وثانيا أعطاهما على وجه التصرف فيها كما تصرف رسول الله وصاحباه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقال الخطابي هذه القصة مشكلة جدا وذلك أنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على الشريطة التي شرطها عليهم وقد اعترفا بأنه قال ما تركنا صدقة وقد شهد المهاجرون بذلك فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما والمعنى في ذلك أنه كان يشق عليهما الشركة فطلبا أن يقسم بينهما ليستبد كل واحد منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر القسم لئلا يجري عليهما اسم الملك لأن القسمة إنما تقع في الأموال ويتطاول الزمان فتظن به الملكية وقال أبو داود ولما صارت الخلافة إلى علي رضي الله تعالى عنه لم يغيرها عن كونها صدقة قوله قضاء غير ذلك أي غير الذي قضى به وفي رواية أبي داود والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة قوله فادفعاها إلي وفي رواية أبي داود فإن عجزتما عنها فرداها إلي
ذكر ما يستفاد منه فيه أن عليا والعباس اختصما في ما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير ولم يتنازعا في الخمس وإنما تنازعا فيما كان خاصا للنبي وهو الفيء فتركه صدقة بعد وفاته وفيه أنه يجب أن يولي أمر كل قبيلة سيدها لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم لعلمه بهم وفيه الترخيم له ولا عار على المنادى بذلك ولا نقيصة وفيه استعفاؤه

(15/25)


مما يوليه الإمام بألين الكلام لقول مالك لعمر رضي الله تعالى عنه حين أمره بقسمة المال بين قومه لو أمرت به غيري وفيه الحجابة للإمام وأن لا يصل إليه شريف ولا غيره إلا بإذنه وفيه الجلوس بين يدي السلطان بغير إذنه وفيه الشفاعة عند الإمام في إنفاذ الحكم إذا تفاقمت الأمور وخشي الفساد بين المتخاصمين لقول عثمان رضي الله تعالى عنه إقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر وقد ذكر البخاري في المغازي أن عليا والعباس استبا يومئذ وفيه تعزير الإمام من يشهد له على قضائه وحكمه وفيه أنه لا بأس أن يمدح الرجل نفسه ويطريها إذا قال الحق وفيه جواز إدخار الرجل لنفسه وأهله قوت سنة وهو خلاف جهلة الصوفية المنكرين للإدخار الزاعمين أن من ادخر لغد فقد أساء الظن بربه ولم يتوكل عليه حق توكله وفيه إباحة اتخاذ العقار التي يبتغي بها الفضل والمعاش وفيه أن الصديق رضي الله تعالى عنه قضى على العباس وفاطمة رضي الله تعالى عنهما بحديث لا نورث ولم يحاكمهما في ذلك إلى أحد غيره فكذلك الواجب أن يكون للحكام والأئمة الحكم بعلومهم لأنفسهم كان ذلك أو لغيرهم بعد أن يكون ما حكموا فيه بعلومهم مما يعلم صحة أمره رعيتهم قاله الطبري وفيه قبول خبر الواحد فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يستشهد بأحد كما استشهد عمر بل أخبر بذلك عنه فقبل ذلك منه وفيه أنه لا ينكر أن يخفى على الفقيه والعالم بعض الأمور مما علمه غيره كما خفي على فاطمة التخصيص في ذلك وكذلك يقال إنه خفي على علي رضي الله تعالى عنه ذلك وكذلك على العباس حتى طلبا الميراث وقد يقال لم يخف ذلك عليهما وإنما كانا ذهلا ونسيا حتى ذكرهما أبو بكر فرجعا إليه بدليل أن عمر نشدهما بالله هل تعلمان ذلك فقالا نعم وفيه أن في طلب فاطمة ميراثها من أبيها وطلب العباس دليلا على أن الأصل في الأحكام العموم وعدم التخصيص حتى يرد ما يدل على التخصيص وعلى أن المتكلم داخل في عموم كلامه حيث قال من ترك مالا فلأهله وهذا قول أكثر أهل الأصول خلافا للحنابلة وابن خويز منداد وعند كثير من القائلين بالعموم إن هذا الخطاب وسائر العمومات لا يدخل فيها سيدنا رسول الله لأن الشرع ورد بالتفرقة بينه وبين أمته ولو ثبت العموم لوجب تخصيصها وهذا الخبر وما في معناه يوجب تخصيص الآية وإن كانت واحدة فلها النصف ( النساء 11 ) وخبر الآحاد يخصص فكيف ما كان هذا سبيله وهو القطع بصحته والله أعلم
2 -
( باب أداء الخمس من الدين )
أي هذا باب في بيان أن أداء الخمس شعبة من شعب الدين ويجوز أن يكون لفظ باب مضافا إلى لفظ أداء الخمس ويجوز أن يقطع ويرتفع باب على أنه خبر مبتدأ محذوف كما قلنا ويكون أداء الخمس مبتدأ أو من الدين خبره وقد ذكر في كتاب الإيمان باب أداء الخمس من الإيمان والجمع بين الترجمتين أن الإيمان إن قدر أنه قول وعمل دخل أداء الخمس في الإيمان وإن قدر أنه تصديق دخل في الدين والخمس بضم الخاء من خمست القوم أخمسهم بالضم إذا أخذت منهم خمس أموالهم وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
5903 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أبي جمرة الضبعي ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول قدم وفد عبد القيس فقالوا يا رسول الله إن هذا الحي من ربيعة بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر نأخذ منه وندعو إليه من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله شهادة أن لا إلاه إلا الله وعقد بيده وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وحماد هو ابن زيد وأبو جمرة بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة من بني ضبيعة مصغرا

(15/26)


وهو بطن من عبد القيس
والحديث قد مر في باب أداء الخمس من الإيمان في أواخر كتاب الإيمان وقد استقصينا فيه الكلام ولكن نذكر بعض شيء لطول العهد به
قوله وفد عبد القيس الوفد قوم يجتمعون فيردون إلى البلاد للقي الملوك وغيرهم وعبد القيس أبو قبيلة وربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة غير منصرف وهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان أخو ربيعة قوله عقد بيده أي ثنى خنصره قاله الداودي فإذل ثنىخنصره وعد الإيمان فهو خمسة بلا شك قوله الدباء بتشديد الباء والمد القرع الواحدة دباءة والنقير بفتح النون وكسر القاف أصل النخلة ينقر جوفها وينبذ فيها والحنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق قال أبو هريرة هي الجرار الخضر وقال ابن عمر هي الجرار كلها وقال أنس بن مالك جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف والمزفت بتشديد الفاء أي المطلي بالزفت
3 -
( باب نفقة نساء النبي بعد وفاته )
أي هذا باب في بيان نفقة نساء النبي بعد موته
6903 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومونة عاملي فهو صدقة ( انظر الحديث 6772 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره نحوه متنا وسندا وفي الفرائض عن إسماعيل وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الجراح عن القعنبي وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما
قوله لا تقتسم من الاقتسام من باب الافتعال ويروى لا تقسم من القسم قوله دينارا التقييد به هو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى كقوله تعالى ومنهم من إن تأمنه بدينار ( آل عمران 57 ) وإنما هو بمعنى الإخبار ومعناه لا تقسمون شيئا لأني لا أورث ولا أخلف مالا وإنما استثنى نفقة نسائه بعد موته لأنهن محبوسات عليه أو لعظم حقوقهن في بيت المال لفضلهن وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ولذلك اختصصن بمساكنهن ولم يرث ورثتهن
واختلف في مؤونة العامل فقيل حافر قبره ومتولى دفنه وقيل الخليفة بعده وقيل عمال حوائطه وجزم ابن بطال بأن المراد بالعامل عامل نخله فيما خصه الله به من الفيء في فدك وبني النضير وسهمه بخيبر ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان له من ذلك نفقته ونفقة أهله ويجعل سائره في نفع المسلمين وجرت النفقة بعده من ذلك على أزواجه وعلى عمال الحوائط إلى أيام عمر رضي الله تعالى عنه فخير عمر أزواجه بين أن يتمادين على ذلك أو يقطع لهن قطائع فاختارت عائشة وحفصة الثاني فقطع لهما بالغابة وأخرجهما عن حصتهما من ثمرة تلك الحيطان فملكتا ما أقطعهما عمر من ذلك إلى أن ماتتا وورث عنهما
7903 - حدثنا ( عبد الله بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) قالت توفي رسول الله وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني ( الحديث 7903 - طرفه في 1546 )
مطابقته للترجمة من حيث أنها لم تذكر أنها أخذته في نصيبها إذ لو لم يكن لها النفقة مستحقة لكان الشعير الموجود لبيت المال أو مقسوما بين الورثة وهي إحداهن وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة بن الزبير
والحديث

(15/27)


أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن عبد الله بن أبي شيبة أيضا وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة به
قوله ذو كبد أي حيوان أو إنسان قوله إلا شطر شعير قال الترمذي الشطر الشيء وقال عياض نصف وسق وقال ابن الجوزي أي جزء من شعير قال ويشبه أن يكون نصف شيء كالصاع ونحوه قوله في رف بفتح الراء وتشديد الفاء شبه الطاق وقال ابن الأثير الرف خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يوقى به ما يوضع عليه وجمعه رفوف ورفاف قوله ففنييعني فرغ وقال ابن بطال كان الشعير الذي عند عائشة غير مكيل فكانت البركة فيه من أجل جهلها بكيله وكانت تظن في كل يوم أنه سيفنى لقلة كانت تتوهمها فيه فلذلك طال عليها فلما كالته علمت مدة بقائه ففني عند تمام ذلك الأمد فإن قلت روي عن المقدام بن معدي كرب كيلو طعامكم يبارك لكم فيه قلت المراد بكيله أول تملكه إياه أو عند إخراج النفقة منه بشرط أن يبقى الباقي مجهولا ويكيل ما يخرجه لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل
وفيه أن البركة أكثر ما يكون في المجهولات والمبهمات
8903 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) قال حدثني ( أبو إسحاق ) قال سمعت ( عمرو بن الحارث ) قال ما ترك النبي إلا سلاحه وبغلته البيضاء وأرضا تركها صدقة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وأرضا تركها صدقة وذلك لأن نفقة نسائه بعد موته كانت مما خصه الله به من الفيء ومنه فدك وسهمه من خيبر ويحيى هو القطان وقال الجياني وقع عند القابسي حدثنا يحيى عن سفيان وهذا وهم والصواب حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي إلى آخره وقد مر الحديث في أول كتاب الوصايا بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
4 -
( باب ما جاء بيوت أزواج النبي وما نسب من البيوت إليهن )
أي هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في بيوت زوجات النبي وفي بيان ما نسب من البيوت إليهن
وقول الله تعالى وقرن في بيوتكن ( الأحزاب 35 ) ( و ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( الأحزاب 35 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله في بيوت أزواج النبي والتقدير وما جاء في قوله تعالى وذكر بعض شيء من آيتين من القرآن مطابقا لما في الترجمة
الآية الأولى وهي قوله عز و جل وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ( الأحزاب 33 ) الآية قرأ نافع وعاصم قرن بفتح القاف والباقون بكسرها فالفتح أصله قررن فحذفت الراء الأولى وألقيت فتحتها على ما قبلها فصار قرن على وزن فلن وقيل من قار يقار إذا اجتمع فعلى هذا أصله قورن قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار قارن فالتقى ساكنان فحذفت الألف فصار قرن فالتقى ساكنان فحذفت الألف فصار قرن ووجه كسر القاف هو أنه من وقر يقر وقارا والأمر منه قر قرا قروا قرى قرا قرن وأصله أوقرن فحذفت الواو لوقوعها بين الكسرتين واستغنيت عن الهمزة فحذفت فصار قرن على وزن علن وقيل من قر يقر وأصله على هذا أقررن نقلت حركة الراء إلى القاف ثم حذفت واستغنيت عن الهمزة فحذفت فصار قرن والمعنى على الوجهين لا تخرجن من بيوتكن ولا تبرجن من التبرج قال قتادة هو التبختر والتكسر والتفتح وقيل هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال قوله تبرج الجاهلية الأولى وقال الشافعي هي ما بين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام وقال أبو العالية ما بين داود وسليمان وقال الكلبي الجاهلية الأولى هي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة و السلام وكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال فكان ذلك في زمن نمرود والناس حينئذ كلهم كفار
الآية الثانية هي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ( الأحزاب 33 ) الآية وفيها قضية الحجاب المعنى لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين إناه أي غير منتظرين وقت إدراكه ونضجه قال ابن عباس نزلت في ناس يتحينون طعام النبي صلى الله

(15/28)


عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون وكان النبي يتأذى من ذلك فنزلت ولكن إذا دعيتم ( الأحزاب 35 ) الآية
9903 - ح ( دثنا حبان بن موسى ومحمد ) قالا أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ويونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت لما ثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له
مطابقته للترجمة في قولها في بيتي حيث أسندت البيت إلى نفسها ووجه ذلك أن سكنى أزواج النبي في بيوت النبي من الخصائص فلما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكنى ما بقين فنبه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاق سكناهن للبيوت ما بقين
وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي مات آخر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ومحمد الذي قرنه بحبان وذكره مجردا هو محمد بن مقاتل المروزي مات سنة ست وعشرين ومائتين قاله البخاري وكلاهما من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر هو ابن راشد ويونس هو ابن يزيد الأيلي
والحديث قد مر مطولا في كتاب الصلاة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
00 - 1 - 3 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال حدثنا ( نافع ) سمعت ( ابن أبي مليكة ) قال قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها توفي النبي في بيتي وفي ثوبتي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه قالت دخل عبد الرحمان بسواك فضعف النبي عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي أبو محمد المصري ونافع هو ابن يزيد المصري وابن أبي مليكة هو عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة وقد مر غير مرة
قوله وفي نوبتي يعني يوم نوبتي على حساب الدور الذي كان قبل المرض قوله عبد الرحمن هو ابن أبي بكر أخو عائشة رضي الله تعالى عنهم قوله سحري بفتح السين المهملة وسكون الحاء المهملة وهو الرئة وقيل ما لحق بالحلقوم والنحر بالنون الصدر قوله ثم سننته به أي ثم سوكت النبي بسواك عبد الرحمن وقال ابن الأثير الاستنان استعمال السواك وهو افتعال من الإسنان أي أن يمره عليها وأصل الحديث في كتاب الجمعة في باب من تسوك بسواك غيره فليرجع إليه
1013 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عبد الرحمان بن خالد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( علي بن حسين ) أن ( صفية ) زوج النبي أخبرته أنها جاءت رسول الله تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ثم قامت تنقلب فقام معها رسول الله حتى إذا بلغ قريبا من باب المسجد عند باب أم سلمة زوج النبي مر بهما رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله ثم نفذا فقال لهما رسول الله على رسلكما قالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما ذلك فقال إن الشيطان يبلغ من الأنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله عند باب أم سلمة وذكر الباب يستلزم ذكر البيت والحديث بعين هذا المتن قد مر في الاعتكاف

(15/29)


في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد غير أنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وهو محمد بن مسلم بن شهاب إلى آخره وهنا لفظة زائدة وهي قوله ثم نفذا أي مضيا وتجاوزا قوله تزوره حال من صفية وهو معتكف حال من النبي قوله على رسلكما بكسر الراء أي تأنيا ولا تتجاوزا حتى تعرفا أنها صفية زوج النبي
2013 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( محمد بن يحيى بن حبان ) عن ( واسع بن حبان ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام
مطابقته للترجمة في قوله في بيت حفصة وعبيد الله بن عمر العمري وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة والحديث مضى في كتاب الوضوء في باب التبرز في البيوت وفيه لفظة زائدة وهي قوله لبعض حاجتي بعد قوله فوق ظهر بيت حفصة والباقي نحو حديث الباب متنا وسندا
3013 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( هشام ) عن أبيه أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها
مطابقته للترجمة في قوله من حجرتها لأن الحجرة بيت والحديث مضى بعين هذا الإسناد والمتن في كتاب الصلاة في باب وقت العصر
4013 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال قام النبي خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان
مطابقته للترجمة في قوله نحو مسكن عائشة لأن مسكنها بيتها قيل لا مطابقة هنا ولا دلالة على الملك الذي أراده البخاري لأن المستعير والمستأجر والمالك يستوون في المسكن وأجيب بأن طائفة من العلماء قالوا إنه إنما جعل لكل امرأة منهن المسكن الذي كانت ساكنة في حياته وملكت ذلك في حياته فتوفي حين توفي وذلك لها يدل عليه أن المساكن لو لم تكن ملكهن كانت دخلت في الميراث ولم تكن إلا على وجه الميراث عنه وكان لكل واحدة منهن ما يخصها مشاعا في جميعها وأقوى من ذلك أن العباس وفاطمة لم ينازعا معهن فيها وهذا دليل واضح على أن الأمر في ذكل كان كما ذكرناه وقال آخرون إنما تركهن في المساكن التي كن يسكنها في حياته لأنها كانت مستثناة لهن ما كان بيده أيام حياته كما استثنى نفقاتهن ويدل على ذلك أنها ما ورثت بعدهن ولا طلبت ورثتهن فلما مضين لسبيلهن جعلت زيادة في المسجد النبوي وجويرية بن أسماء الضبعي البصري وعبد الله هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما هنا الفتنة أي جانب المشرق وهو العراق وهذا مثار الفتنة قوله قرن الشيطان أي طرف رأسه أي يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت فيكون الساجدون للشمس من الكفار كالساجدين له وقيل قرنه أمته وشيعته ويروى قرن الشمس
5013 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر ) عن ( عمرة ابنة عبد الرحمان ) أن ( عائشة ) زوج النبي أخبرتها أن الرسول كان عندها وأنها سمعت صوت إنسان يستأذن في بيت حفصة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة وأن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ( انظر الحديث 6462 وطرفه )

(15/30)


مطابقته للترجمة في قوله في بيت حفصة والحديث مضى في كتاب الشهادات في باب الشهادة على الأنساب والرضاع فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف أيضا إلى آخره نحوه وهناك بعض زيادة قوله تحرم من التحريم قوله ما تحرم الولادة ويروى ما يحرم من الولادة
5 -
( باب ما ذكر من درع النبي وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله وآنيته مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته )
أي هذا باب في بيان ما ذكر من درع النبي إلى آخره قوله وما استعمل أي وفي بيان ما استعمله الخلفاء بعده من ذلك أي من التي ذكرها قوله مما لم تذكر قسمته يعني على طريقة قسمة الصدقات إذ لا خفاء أن المراد منها هو قسمة التركات قوله ومن شعره أي وفي بين ما ذكر من شعر النبي وهو بسكون العين وفتحها قوله مما يتبرك من باب التفعل من البركة
واعلم أن هذه الترجمة مشتملة على تسعة أجزاء وفي الباب ستة أحاديث الأول فيه ذكر الخاتم والثاني فيه ذكر النعل والثالث فيه ذكر الكساء الملبد والرابع فيه ذكر القدح والخامس فيه ذكر السيف والسادس فيه ذكر الصدقة التي كان ذكرها في الصحيفة ولم يذكر فيه ما يطابق درعه ولا ما يطابق عصاه ولا ما يطابق شعره ولا ما يطابق آنيته أما الدرع فقد ذكره في كتاب الجهاد في باب ما قيل في درع النبي وأما عصاه فقد ذكروا أنه كانت له مخصرة تسمى العرجون وهي كالقضيب يستعملها الأشراف للتشاغل بها في أيديهم ويحكون بها ما بعد من البدن عن اليد وكان له قضيب من شوحط يسمى الممشوق وكان له عسيب من جريد النخل وأما شعره ففي مسلم أن الحلاق لما حلق النبي بمنى جعل يعطيه الناس وفي رواية أحمد عن أنس قال رأيت رسول الله والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل وأما آنيته فكثيرة ذكرها أصحاب السير منها قدر من حجارة يدعى المخضب يتوضأ فيه ومخضب آخر من شبه يكون فيه الحناء والكتم يضع على رأسه إذا وجد فيه حرا وكان له مغسل من صفر وكانت له ركوة تسمى الصادرة وكان له طست من نحاس وقدح من زجاج وكانت له جفنة عظيمة يطعم فيها الناس يحملها أربعة رجال تسمى الغراء مذكور في ( سنن أبي داود ) وغير ذلك
6013 - حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثني أبي عن ( ثمامة ) عن ( أنس ) أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب وختمه وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر
مطابقته لجزء من أجزاء الترجمة في قوله وخاتمه ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو عبد الله الأنصاري البصري وثمامة بضم الثاء المثلثة وبالميمين وبينهما ألف ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة سمع جده أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
قوله لما استخلف على صيغة المجهول قوله إلى البحرين على تثنية البحر هو بلد مشهور بين البصرة وعمان صالح أهله رسول الله وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي قوله بعثه فيه التفات من الغائب إلى الحاضر وأصله بعثني قوله هذا الكتاب أي كتاب فريضة الصدقة وصورة المكتوب قد تقدمت في كتاب الزكاة في باب زكاة الغنم ولشهرته فيما بينهم أطلق وأشار إليه بهذا الكتاب وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار ومحمد ابن يحيى نحو رواية البخاري غير أن في رواية محمد بن يحيى لم يقل ثلاثة أسطر وروى ابن عدي في ( الكامل ) عن ابن عباس أن النبي أراد أن يكتب إلى العجم كتابا فذكر الحديث وفيه فأمر بخاتم آخر مصاغ من ورق فجعله في إصبعه فأقره جبريل عليه الصلاة و السلام وأمر النبي أن ينقش عليه محمد رسول الله

(15/31)


7013 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الله الأسدي ) قال حدثنا ( عيسى بن طهمان ) قال أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي
مطابقته لجزء الترجمة وهو قوله ونعله وعبد الله بن محمد هو ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله الأسدي أبو أحمد الزبيري
والحديث أخرجه البخاري في اللباس عن محمد عن عبد الله قلت هو محمد بن مقاتل وعبد الله هو ابن المبارك وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع عن أبي أحمد الزبيري
قوله جرداوين بالجيم تثنية جرداء مؤنث أجرد أي الخلق بحيث صار مجردا عن الشعر وهو بالواو لا غير نحو الحمراوين ويروى جرداوتين وهو مشكل أللهم إلا أن يقال التاء زائدة للمبالغة قاله الكرماني وفيه نظر قوله قبالان بكسر القاف تثنية قبال وهو ما يشد فيه الشسع وقال الجوهري هو الزمام الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها قوله بعد أي بعد أن كان أنس أخرج إلينا نعلين
8013 - حدثني ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( أبي بردة ) قال أخرجت إلينا عائشة رضي الله تعالى عنها كساء ملبدا وقالت في هذا نزع روح النبي ( الحديث 8013 - طرفه في 8185 )
مطابقته لجزء من الترجمة يمكن أن تكون لقوله وما استعمل الخلفاء بعده وعبد الوهاب الثقفي وأيوب السختياني وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري واسمه الحارث ويقال عامر ويقال اسمه كنيته
والحديث أخرجه البخاري في اللباس أيضا عن مسدد ومحمد وأخرجه مسلم في اللباس عن شيبان بن فروخ وعن علي بن حجر ومحمد بن حاتم ويعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود فيه عن موسى عن حماد وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله كساه ملبدا الكساء معروف لكن الظاهر أنه لا يطلق إلا على ما كان من الصوف والملبد اسم مفعول المرقع يقال لبدت القميص ألبده ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص اللبدة والتي يرفع بها قبلة القبيلة قاله ابن الأثير قال ويقال الملبد الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبدة ويقال الملبد الكساء الغليظ يركب بعضه على بعض وأما لبسه الملبد يحتمل أن يكون للتواضع وترك التنعم ويحتمل أن يكون لعدم وجود ما هو أرفع منه ويحتمل أن يكون ذلك اتفاقا عن قصد منه بل كان يلبس ما وجد والوجه الأول أقرب وكان على موسى عليه الصلاة و السلام يوم كلمه ربه جبة وسراويل وكساء وقلنسوة
وزاد سليمان عن حميد عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة
سليمان هذا هو ابن المغيرة أبو سعيد القيسي البصري أي زاد سليمان على رواية أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة إلى آخره وأسنده مسلم وقال حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد عن أبي بردة قال دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من التي تسمونها الملبدة قال فأقسمت بالله أن رسول الله قبض في هذين الثوبين
9013 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( عاصم ) عن ( ابن سيرين ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن قدح النبي انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه ( الحديث 9013 - طرفه في 8365 )

(15/32)


مطابقته لجزء الترجمة الذي هو قوله وقدحه وعبدان لقب عبد الله بن عثمان وقد مر غير مرة وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري المروزي وعاصم هو ابن سليمان الأحول وابن سيرين هو محمد بن سيرين قال الدارقطني هذا حديث اختلف فيه على عاصم الأحول فرواه أبو حمزة محمد بن ميمون عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس وخالفه غيره فرواه عن عاصم عن أنس والصحيح الأول وقال الجياني والذي عندي في هذا أن بعض الحديث رواه عاصم عن أنس وروى بعضه عن ابن سيرين عن أنس وهذا بين في حديث أبي عوانة عن عاصم المذكور عند البخاري وفي آخره قال وقال عاصم قال ابن سيرين إنه كانت فيه حلقة من فضة فقال له أبو طلحة لا تغيرن فيه شيئا صنعه رسول الله فتركه قال كذا رواه أبو عوانة وجوده ذكر أوله عن عاصم عن أنس وآخره عن عاصم عن محمد عن أنس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن حسن بن مدرك
قوله الشعب بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة الصدع والشق وإصلاحه أيضا الشعب وقال البيهقي هو قدح عريض من نضار وروى أحمد من حديث حجاج بن حسان قال كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضباب من حديد وحلقته من حديد فأخرجه من غلاف أسود وهو دون الربع وفوق نصف الربع وأمر أنس فجعلنا فيه ماء فأتانا به فشربنا وصببنا على رؤوسنا ووجوهنا وصلينا على النبي
0113 - حدثنا ( سعيد بن محمد الجرمي ) قال حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا أبي أن ( الوليد بن كثير ) حدثه عن ( محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي ) قال حدثه أن ( ابن شهاب ) حدثه أن ( علي بن حسين ) حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها فقلت له لا فقال له فهل أنت معطي سيف رسول الله فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعت رسول الله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه قال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبدا
مطابقته لجزء الترجمة الذي هو قوله وسيفه وسعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي بفتح الجيم وإسكان الراء الكوفي ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري يكنى أبا يوسف أصله مدني كان بالعراق يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد والوليد بفتح الواو ابن كثير ضد القليل المخزومي من أهل المدينة ومحمد بن عمرو ابن حلحلة بفتح الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة ويروى بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين رضي الله تعالى عنهم
والحديث رواه مسلم في الفضائل عن أحمد بن حنبل رحمه الله
قوله المدينة أي المدينة النبوية قوله مقتل الحسين كان ذلك في سنة إحدى وستين يوم عاشوراء قوله المسور بن مخرمة بكسر الميم في المسور وفتحها في مخرمة ولهما صحبة قوله معطي بضم الميم وسكون العين وكسر الطاء وتشديد الياء يعني هل أنت معطي سيف رسول الله إياي وكون السيف عند آل علي رضي الله تعالى عنه يحتمل أن يكون النبي قد أعطاه لعلي رضي الله تعالى عنه في حياته انتقل إلى زين العابدين أو أعطاه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ثم انتقل إلى آله والظاهر أن هذا السيف هو ذو الفقار لأن سبط ابن الجوزي ذكر في ( تاريخه ) ولم يزل ذو الفقار عنده حتى وهبه لعلي رضي الله تعالى عنه قبل موته ثم انتقل إلى آله وكانت له عشرة أسياف منها ذو الفقار تنفله يوم بدر قوله أن يغلبك القوم عليه أي يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء

(15/33)


قوله لا يخلص على صيغة المجهول معناه لا يصل إليه أحد أبدا قوله حتى تبلغ بلفظ المجهول أي حتى تقبض روحي قوله أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى آخره إنما ذكر المسور قصة خطبة علي بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة وفي نسلها لما سمع من رسول الله قوله خطب ابنة أبي جهل واسمها جويرية تصغير جارية بالجيم وقيل جميلة بفتح الميم قوله فاطمة مني أي بضعة مني قوله أن تفتن في دينها يريد أنها لا تصبر بسبب الغيرة قوله صهرا له الصهر يطلق على الزوج وعلى أقاربه وأقارب المرأة وأراد أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس كان زوج زينب بنت النبي وكان مناصفا له ومصافيا مرت قصته في كتاب الشروط قوله وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما قد أعلم بذلك بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي رضي الله تعالى عنه ولكن نهى عن الجمع بينها وبين فاطمة ابنته لعلتين منصوصتين إحداهما أن ذلك يؤذيني لأن إيذاء فاطمة إيذاءا لي والأخرى خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة
وقالوا في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي بكل حال وعلى كل وجه لأن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو في هذا بخلاف غيره وقال النووي ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ويكون معنى لا أحرم حلالا أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله فإذا أحل شيئا لم أحرمه وإذا حرمه لم أحله ولم أسكت على تحريمه لأن سكوتي تحليل له ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت رسول الله وبنت عدو الله والله أعلم
1113 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( محمد بن سوقة ) عن ( منذر ) عن ( ابن الحنفية ) قال لو كان علي رضي الله تعالى عنه ذاكرا عثمان رضي الله تعالى عنه ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان فقال لي علي اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله فمر سعاتك يعملون فيها فأتيته بها فقال أغنها عنا فأتيت بها عليا فأخبرته فقال ضعها حيث أخذتها ( الحديث 1113 - طرفه في 2113 )
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله فأخبرته أنها صدقة رسول الله وأراد به الصحيفة التي كانت فيها أحكام الصدقات ويكون هذا مطابقا لقوله في الترجمة وما استعمل الخلفاء بعده
وسفيان هو ابن عيينة ومحمد بن سوقة بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف أبو بكر الغنوي الكوفي ومنذر بلفظ اسم الفاعل من الإنذار ابن يعلى الثوري الكوفي وابن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب والحنفية أمه واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن يربوع بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة وكانت من سبي اليمامة
قوله ولو كان علي ذاكرا عثمان أي بما لا يليق ولا يحسن قوله ذكره جواب لو قوله يوم جاءه يوم نصب على الظرف قوله سعاة عثمان جمع ساع وهو العامل في الزكاة قوله إذهب إلى عثمان وأخبره أنها صدقة رسول الله المعنى أن عليا رضي الله تعالى عنه أرسل إلى عثمان صحيفة فيها بيان أحكام الصدقات وقال مر سعاتك يعملون بها أي بهذه الصحيفة ويروى يعملون فيها أي بما فيها قوله فأتيته بها أي قال ابن الحنفية أتيت عثمان بتلك الصحيفة قوله فقال أي عثمان قوله أغنها عنا بقطع الهمزة أي إصرفها عنا وقيل كفها عنا وقال الخطابي هي كلمة معناها الترك والإعراض وقال ابن الأنباري ومنه قوله تعالى وتولوا واستغنى الله ( التغابن 6 ) المعنى تركهم لأن كل من استغنى عن شيء تركه وهو من الثلاثي من قولهم غني فلان عن كذا فهو غان مثل علم فهو عالم وقال الداودي ويحتمل قوله إغنها عنا أن يكون عنده علم من ذلك وأنه أمر به وقال ابن بطال رد الصحيفة ويقال كان عنده نظير منها ولم يجهلها لا أنه ردها ولا يبعد ذلك لأنه لا يجوز على عثمان غير هذا وأما فعل عثمان في صدقة النبي فرواه الطبري عن أبي حميد حدثنا جرير عن مغيرة قال لما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه جمع بني أمية فقال إن النبي كانت له فدك وكان يأكل منها وينفق ويعود على فقراء بني هاشم ويزوج منها أيمهم وأن فاطمة رضي الله تعالى عنها سألته أن يجعلها لها فأبي فكانت كذلك حياة رسول الله حتى قبض ثم ولي أبو بكر رضي الله تعالى عنه فكانت كذلك

(15/34)


فعمل فيها بما عمل رسول الله حياته حتى مضى لسبيله ثم ولي عمر رضي الله تعالى عنه فعمل فيها مثل ذلك ثم ولي عثمان فأقطعها مروان فجعل مروان ثلثها لعبد الملك وثلثها لعبد العزيز فجعل عبد الملك ثلثه ثلثا للوليد وثلثا لسليمان وجعل عبد العزيز ثلثه لي ثم ولى مروان فجعل ثلثه لي فلم يكن لي مال أعود ولا أسد لحاجتي منها ثم وليت أنا فرأيت أن أمرا منعه رسول الله فاطمة ابنته أنه ليس لي بحق وأنا أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله
2113 - قال ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( محمد بن سوقة ) قال سمعت ( منذرا الثوري ) عن ( ابن الحنفية ) قال أرسلني أبي خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان فإن فيه أمر النبي في الصدقة ( انظر الحديث 1113 )
الحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده حميد وهذا تعليق منه وهو من مشايخ البخاري وسفيان هو ابن عيينة قوله في الصدقة ويروى بالصدقة
6 -
( باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله والمساكين وإيثار النبي أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن والرحى أن يخدمها من السبي فوكلها إلى الله )
أي هذا باب في بيان الدليل على أن الخمس من المغنم لنوائب رسول الله وهو جمع نائبة وهي ما كانت تنوبه أي تنزل به من المهمات والحوادث قوله والمساكين أي ولأجل المساكين قوله وإيثار النبي أي ولأجل إيثاره أي اختياره قوله أهل الصفة بالنصب لأنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله وهم الفقراء والمساكين الذين كانوا يسكنون صفة مسجد النبي قوله والأرامل بالنصب عطفا على أهل الصفة وهو جمع أرمل والأرمل هو الرجل الذي لا امرأة له والأرملة المرأة التي لا زوج لها والأرامل المساكين من الرجال والنساء قوله حين ظرف للإيثار قوله سألته أي سألت النبي ابنته فاطمة وشكت إلى النبي ما كانت تقاسيه من طحن الشعير ومن مقالبة الرحى قوله أن يخدمها بفتح أن لأنه مفعول ثان لقوله سؤلته و يخدمها بضم الياء من الإخدام أي يعطي لها خادما من السبي الذي حضر عنده على ما يجيء بيانه في حديث الباب قوله فوكلها إلى الله تعالى أي فوض أمرها إلى الله تعالى
3113 - حدثنا ( بدل بن المحبر ) قال أخبرنا ( شعبة ) قال أخبرني ( الحكم ) قال سمعت ( ابن أبي ليلى ) قال حدثنا ( علي ) أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن رسول الله أتي بسبي فأتته تسأله خادما فلم توافقه فذكرت لعائشة فجاء النبي فذكرت ذلك عائشة له فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال على مكانكما حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال ألا أدلكما على خير مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه
مطابقته للترجمة من حيث إنه اختار أهل الصفة على فاطمة رضي الله تعالى عنها وإن لم يكن فيه

(15/35)


ذكر الخمس لكنه يفهم من معنى الحديث وروى إسماعيل بن إسحاق من حديث ابن عيينة وحماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي قال لعلي وفاطمة لا أخدمكما وأدع أهل الصفة يطوون جوعا لا أجد ما أنفق عليهم لكن أبيعه فأنفقه عليهم
وبدل بفتح الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وباللام ابن المحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة مر في الصلاة والحكم بفتحتين هو ابن عيينة وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وقال ابن الأثير في ( الجامع ) إذا أطلق المحدثون ابن أبي ليلى يعنون عبد الرحمن بن أبي ليلى وإذا أطلقه الفقهاء يريدون ابنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل علي عن بندار عن غندر وفي النفقات عن مسدد وفي الدعوات عن سليمان بن حرب وأخرجه مسلم في الدعوات عن محمد بن المثنى وبندار وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن عبد الله بن معاذ عن أبيه وعن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد به وعن حفص بن عمر عن شعبة به
قوله ما تلقى من الرحى مما تطحن وفي رواية مسلم ما تلقى من الرحى في يدها قوله أتى بسبي السبي النهب وأخذ الناس عبيدا وإماء قوله خادما هو يطلق على العبد والجارية قوله فلم توافقه أي لم تصادفه ولم تجتمع به وفي رواية مسلم فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها قوله فأتانا أي النبي والحال أنا قد أخذنا مضاجعنا قوله فذهبنا لنقوم أي لأن نقوم وفي رواية مسلم فذهبنا نقوم قوله على مكانكما أي لا تفارقا عن مكانكما والزماه وفي رواية مسلم على مكانكما فقعد بيننا قوله حتى وجدت برد قدميه على صدري وكلمة حتى غاية لمقدر تقديره فدخل هو في مضجعنا ولظهوره ترك وفي لفظ وكانت ليلة باردة وقد دخلت هي وعلي في اللحاف فأرادا أن يلبسا الثياب وكان ذلك ليلا وفي لفظ جابر من عند رأسهما وأنها أدخلت رأسها في اللفاع يعني اللحاف حياء من أبيها قال علي حتى وجدت برد قدميه على صدري فسخنتها وروى مسلم من حديث أبي هريرة أن فاطمة أتت النبي تسأله خادما وشكت العمل فقال ما ألفيته عندنا قال ألا أدلك على خير الحديث وفي ( علل ) الدارقطني أن أم سلمة هي التي قالت لرسول الله إن ابنتي فاطمة جاءتك تلتمسك الحديث وروى أبو داود وقال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الله ابن وهب قال حدثنا عياش بن عقبة الحضرمي عن الفضل بن حسن الضمري أن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير حدثته عن إحداهما إنها قالت أصاب رسول الله سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت رسول الله فشكونا إليه ما نحن فيه وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي فقال رسول الله سبقكن يتامى بدر ثم ذكر قصة التسبيح قوله ألا أدلكما على خير مما سألتما ويروى سألتماه بالضمير وإنما أسند السؤال إليهما مع أن السائل هي فاطمة فقط لأن سؤالها كان برضاه فإن قلت أين وجه الخيرية في الدنيا أو الآخرة أو فيهما قلت فائدة الذكر ثواب الآخرة وفائدة الجارية خدمة الطحن ونحوه والثواب أكثر وأبقى فهو خير
7 -
( باب قول الله تعالى فإن لله خمسه وللرسول ( الأنفال 14 ) يعني للرسول قسم ذلك قال رسول الله إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي )
أي هذا باب في بيان معنى قول الله تعالى فإن لله خمسه ( الأنفال 14 ) إلى آخره هذا اللفظ من قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ( الأنفال 14 ) الآية بين الله تعالى فيها إحلال الغنائم لهذه الأمة من بين سائر الأمم والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم والجزية والخراج ونحو ذلك قوله يعني للرسول قسم ذلك هذا تفسير البخاري قوله تعالى فإن لله خمسه وللرسول ( الأنفال 14 ) قال الكرماني يعني للرسول قسمته لا أن سهما منه له ثم قال وقال شارح ( التراجم ) مقصود البخاري ترجيح قول من قال إن النبي لم يملك خمس الخمس وإنما كان إليه قسمته فقط
قلت هذا الباب فيه اختلاف للمفسرين فقال بعضهم لله نصيب يجعل في الكعبة فعن أبي عالية الرياحي كان رسول الله

(15/36)


يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة يكون أربعة أخماس لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم لله تعالى ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وقال آخرون ذكر الله استفتاح كلام للتبرك وسهم للرسول وعن ابن عباس أن سهم الله وسهم الرسول واحد وهكذا قال إبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية والحسن البصري والشعبي وعطاء بن أبي رباح وقتادة وآخرون إن سهم الله ورسوله واحد ثم اختلف القائلون لهذا القول فروى علي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال كانت الغنيمة تقسم على خمسة أقسام فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس فربع لله وللرسول فما كان لله وللرسول فهو لقرابة رسول الله ولم يأخذ النبي من الخمس شيئا وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن بريدة في قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ( الأنفال 14 ) قال الذي لله فلنبيه والذي للرسول فلأزواجه وعن عطاء بن أبي رباح خمس الله ورسوله واحد يحمل منه ويصنع فيه ما شاء يعني النبي وقال آخرون إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء وهذا قول مالك وأكثر السلف
وقد اختلف أيضا في الذي كان يناله النبي من الخمس ماذا يصنع به من بعده فقالت طائفة يكون لمن يلي الأمر من بعده روي ذلك عن أبي بكر وعلي وقتادة وجماعة وقال آخرون يصرف في مصالح المسلمين وقال آخرون بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل واختاره ابن جرير وقيل إن الخمس جميعه لذوي القربى وقال الأعمش عن إبراهيم قال كان أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يجعلان سهم النبي في الكراع والسلاح قلت لإبراهيم ما كان علي رضي الله تعالى عنه يقول فيه قال كان أشدهم فيه وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء وذكر ابن المناصف في كتاب الجهاد عن مالك أن الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطي الإمام أقارب سيدنا رسول الله بقدر اجتهاده ولا يعطون من الزكاة لقوله لا تحل الصدقة لآل محمد وهم بنو هاشم وقال في الخمس والفيء هو حلال للأغنياء ويوقف منه لبيت المال بخلاف الزكاة وقال عبد الملك المال الذي آسى الله عز و جل فيه بين الأغنياء والفقراء مال الفيء وما ضارع الفيء من ذلك أخماس الغنائم وجزية أهل العنوة وأهل الصلح وخراج الأرض وما صولح عليه أهل الشرك في الهدنة وما أخذ عليه من تجار أهل الحرب إذا خرجوا لتجاراتهم إلى دار الإسلام وما أخذ من أهل ذمتنا إذا أتجروا من بلد إلى بلد وخمس الركاز حيث ما وجد يبدأ عندهم في تفريق ذلك بالفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ثم يساوي بين الناس فيما بقي شريفهم ووضيعهم ومنه يرزق والي المسلمين وقاضيهم ويعطى غازيهم ويسد ثغورهم ويبنى مساجدهم وقناطرهم ويفك أسيرهم وما كان من كافة المصالح التي لا توضع فيها الصدقات فهذا أعم في المصرف من الصدقات لأنه يجري في الأغنياء والفقراء وفيما يكون فيه مصرف الصدقة وما لا يكون هذا قول مالك وأصحابه ومن ذهب مذهبهم أن الخمس والفيء مصرفهما واحد وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور وداود وإسحاق والنسائي وعامة أصحاب الحديث والفقه إلى التفريق بين مصرف الفيء والخمس فقالوا بالخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم ولهم مع ذلك في توجيه قسمه عليهم بعد وفاة سيدنا رسول الله خلاف وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى الإمام بحسب المصلحة والاجتهاد
قوله قال رسول الله إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي احتج البخاري بهذا التعليق على ما ذهب إليه من الرد على من جعل لرسول الله خمس الخمس ملكا وأسند أبو داود هذا التعليق من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت والله أعلم
4113 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان ومنصور وقتادة أنهم سمعوا سالم بن أبي

(15/37)


الجعد ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال ولد لرجل منا من الأنصار غلام فأراد أن يسميه محمدا قال شعبة في حديث منصور إن الأنصاري قال حملته على عنقي فأتيت به النبي وفي حديث سليمان ولد له غلام فأراد أن يسميه محمدا قال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني إنما جعلت قاسما أقسم بينكم وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم قال عمرو أخبرنا شعبة عن قتادة قال سمعت سالما عن جابر أراد أن يسميه القاسم فقال النبي سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
مطابقته للترجمة في قوله إنما جعلت قاسما أقسم بينكم وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وسليمان هو الأعمش ومنصور هو ابن المعتمر
والحديث أخرجه البخاري أيضا في صفة النبي عن محمد بن كثير وفي الأدب عن آدم وأخرجه مسلم رحمه الله في الاستيذان كذا قاله المروزي ولم يخرجه إلا في الأدب عن جماعة كثيرة
قوله قال شعبة في حديث منصور أشار بهذا إلى أن شعبة لما روى هذا الحديث عن هؤلاء الثلاثة وهم سليمان ومنصور وقتادة وهم سمعوا جابرا قال ولد لرجل منا من الأنصار غلام فأراد أن يسميه محمدا قال في حديث منصور أن الأنصاري قال حملته على عنقي فأتيب به النبي وفي رواية مسلم عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه لا ندعك تسمي باسم رسول الله فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى به النبي فقال يا رسول الله ولد لي غلام فسميته محمدا فقال لي قومي لا ندعك تسمي باسم رسول الله فقال رسول الله تسموا بإسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنا أنا قاسم أقسم بينكم وروى مسلم أيضا من حديث شعبة عن قتادة ومنصور وسليمان وحصين بن عبد الرحمن قالوا سمعنا سالم بن أبي الجعد عن جابر فزاد هنا حصين بن عبد الرحمن على هؤلاء الثلاثة المذكورين قوله في حديث سليمان أي قال شعبة في حديث سليمان الأعمش ولد له غلام إلى آخره قوله سموا بفتح السين وضم الميم المشددة أمر من سمى يسمي قوله ولا تكتنوا من الاكتناء من باب الافتعال ويروى ولا تكنوا من كنى يكني وقال الجوهري اكتنى فلان كذا وفلان يكنى بأبي عبد الله ولا تقل يكنى بعبد الله وكنيته أبا زيد وبأبي يزيد تكنية والكنية عند أهل العربية كل مركب إضافي في صدره أب أو أم كأبي بكر وأم كلثوم وهي من أقسام الأعلام قوله إنما جعلت قاسما أقسم بينكم أي أقسم الأموال في المواريث والغنائم وغيرهما عن الله تعالى وليس ذلك لأحد إلا له فلا يطلق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه وعلى هذا فيمتنع التكنية بذلك مطلقا وهو مذهب محمد بن سيرين والشافعي وأهل الظاهر سواء كان اسمه أحمد أو محمدا وقال المنذري اختلف هل النهي عام أو خاص فذهبت طائفة من السلف إلى أن التكني وحده بأبي القاسم ممنوع كيف كان الاسم وذهب آخرون من السلف إلى منع التكني بأبي القاسم وكذلك تسمية الولد بالقاسم لئلا يكون سببا للتكنية لأن الشخص إذا سمي بالقاسم يلزم منه أن يكون أبوه أبا القاسم فيصير الأب مكنى بكنية رسول الله وذهب آخرون إلى أن الممنوع الجمع بين التكنية والاسم وأنه لا بأس بالتكني بأبي القاسم مجردا ما لم يكن الاسم محمدا أو أحمد وذهب أخرون وشذوا إلى منع التسمية باسم النبي حملة كيف ما كان يكنى وذهب آخرون إلى أن النهي في ذلك منسوخ وحكى القرطبي عن جمهور السلف والخلف وفقهاء الأمصار جواز كل ذلك والحديث إما منسوخ وإما خاص به احتجاجا بحديث علي رضي الله تعالى عنه رواه الترمذي وصححه ولفظه يا رسول الله إن ولد لي بعدك غلام أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم قوله وقال حصين هو حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي وهذا التعليق رواه مسلم وقال حدثنا هناد بن السري حدثنا عبثر عن حصين عن سالم بن أبي الجعد

(15/38)


عن جابر بن عبد الله قال ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقلنا لا نكنيك برسول الله حتى تستأمره قال فأتاه فقال إنه ولد لي غلام فسميته برسول الله وإن قومي أبوا أن يكنوني به حتى تستأذن النبي فقال سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم قوله قال عمرو هو عمر بن مرزوق وهذا تعليق رواه أبو نعيم الأصبهاني عن أبي العباس قال حدثنا يوسف القاضي حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة الحديث
23 - ( حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقالت الأنصار لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا فأتى النبي فقال يا رسول الله ولد لي غلام فسميته القاسم فقالت الأنصار لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا فقال النبي أحسنت الأنصار سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم )
هذا طريق آخر من حديث جابر المذكور رواه عن محمد بن يوسف البخاري البيكندي عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأعمش إلى آخره قوله لا نكنيك بضم النون وفتح الكاف وكسر النون من التكنية ويروى لا نكنك بفتح النون وسكون الكاف من كنى يكنى قوله ولا ننعمك عينا أي لا نقر عينك بذلك ولا نكرمك تقول العرب في الكرامة حسن القبول نعم عين ونعمة عين ونعام عين أما النعمة فمعناها التنعم يقال كم من ذي نعمة لا نعمة له أي لا تنعم له بماله والنعمة بفتح النون الفرح والسرور ونعمة العين بالضم قرتها قوله فسموا ويروى تسموا بفتح السين وتشديد الميم قوله ولا تكنوا من التكنية ويروى ولا تكتنوا من الاكتناء وفيه إباحة التسمي باسمه للبركة الموجودة منه ولما في اسمه من الفال الحسن من معنى الحمد ليكون محمودا من يسمى باسمه ونهيه عن التكني بكنيته لما رواه أنس نادى رجل يا أبا القاسم فالتفت النبي فقال الرجل لم أعنك ونقل أيضا عن اليهود أنها كانت تناديه بها فإذا التفت قالوا لم نعنك فحسم الذريعة بالنهي ( فإن قلت ) هل يمنع التسمية بمحمد قلت قد قيل به ولم يكن أحد من الصحابة يجترىء أن ينادي النبي باسمه لأن النداء بالاسم لا توقير فيه بخلاف الكنية وإنما كان يناديه باسمه الأعراب ممن لم يؤمن منهم أو لم يرسخ الإيمان بقلبه وقيل أن النهي مخصوص بحياته وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وكان عمر رضي الله تعالى عنه كتب إلى أهل الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمين بمحمد حتى ذكر له جماعة من الصحابة أنه أذن لهم في ذلك فتركهم وقال القرطبي حديث النهي غير معروف عند أهل النقل وعلى تسليمه فمقتضاه النهي عن لعن من تسمى بمحمد وقيل وأن سبب نهي عمر عن ذلك أنه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب فعل الله بك يا محمد فقال إن سيدنا رسول الله يسب بك والله لا ندعو محمدا ما بقيت وسماه عبد الرحمن وقد تقرر الإجماع على إباحة التسمية بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتسمى جماعة من الصحابة بأسماء الأنبياء وكره بعض العلماء فيما حكاه عياض التسمي بأسماء الملائكة وهو قول الحارث بن مسكين قال وكره مالك التسمي بجبريل وإسرافيل وميكائيل ونحوها من أسماء الملائكة وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال ما قنعتم بأسماء بني آدم حتى سميتم بأسماء الملائكة
24 - ( حدثنا حبان بن موسى قال أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية قال قال رسول الله من يرد الله به خيرا يفقه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون )

(15/39)


مطابقته للترجمة في قوله وأنا قاسم وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى أبو محمد المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس بن يزيد الأيلي والحديث رواه البخاري في كتاب العلم في باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين عن سعيد بن عفير عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول سمعت النبي يقول من يرد الله به خيرا إلى آخره نحوه وقد مر الكلام فيه هناك -
7113 - حدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( فليح ) قال حدثنا ( هلال ) عن ( عبد الرحمان بن أبي عمرة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرتنه
مطابقته للترجمة في قوله إنما أنا قاسم ومحمد بن سنان بكسر السين وبالنونين وفليح بضم الفاء وفتح اللام ابن سليمان بن المغيرة وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب على اسمه وهلال هو ابن علي الفهري المديني قوله ما أعطيكم ولا أمنعكم أي الله هو المعطي في الحقيقة وهو المانع وأنا أعطيكم بقدر ما يلهمني الله منه
8113 - حدثنا ( عبد الله بن يزيد ) قال حدثنا ( سعيد بن أبي أيوب ) قال حدثني ( أبو الأسود ) عن ( ابن أبي عياش واسمه نعمان ) عن ( خولة الأنصارية ) رضي الله تعالى عنها قالت سمعت النبي يقول إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة
لا مطابقة بين الحديث والترجمة بحسب الظاهر ولكن قال الكرماني قوله بغير حق أي بغير قسمة حق واللفظ وإن كان أعم من ذلك ولكن خصصناه بالقسمة ليفهم منه الترجمة صريحا
وعبد الله بن يزيد من الزيادة أبو عبد الرحمن المقري مولى آل عمر بن الخطاب وأصله من ناحية البصرة سكن مكة روى عنه البخاري في غير موضع وروى عن علي بن المديني عنه في الأحكام وعن محمد غير منسوب عنه في البيوع وسعيد بن أبي أيوب الخزاعي المصري واسم أبي أيوب مقلاص وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل وابن أبي عياش اسمه نعمان وأبو عياش بالعين المهملة والياء آخر الحروف المشددة واسمه زيد بن الصلت الزرقي الأنصاري المديني وخولة بفتح الخاء المعجمة بنت قيس بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية ويقال لها خويلة أم محمد وهي امرأة حمزة بن عبد المطلب وقيل إن امرأة حمزة خولة بنت ثامر بالثاء المثلثة الخولانية وقيل إن ثامر لقب لقيس بن فهد قال علي بن المديني خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن سعيد المقبري عن أبي الوليد قال سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب تقول سمعت رسول الله يقول إن هذا المال خضرة حلوة من أصابه بحقه بورك له في ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار هذا الحديث حسن صحيح وأبو الوليد اسمه عبيد سنوطا قلت وكذا أخرجه الطبراني من حديث جماعة عن المقبري وأخرج الإسماعيلي وأبو نعيم والطبراني والحميدي من حديث أبي الأسود عن ابن أبي عياش عن خولة بنت ثامر وقد ذكرنا أن كنية خولة بنت قيس أم محمد وقال أبو نعيم ويقال أم حبيبة وصحف ابن منده أم حبيبة بأم صبية وتلك غير هذه تلك جهينية وهذه أنصارية من أنفسهم ووقع للكلاباذي أيضا أن كنيتها أم صبية وقال الدارقطني لم يرو عن خولة بنت ثامر سوى النعمان بن أبي عياش الزرقي وذكر أبو عمر الحديث في خولة بنت قيس عن عبيد سنوطا وبنت ثامر عن النعمان عنها قوله يتخوضون من الخوض بالمعجمتين وهو المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التلبس بالأمر والتصرف فيه والتخوض تفعل منه وقيل هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن وباب التفعل فيه التكلف

(15/40)


8 -
( باب قول النبي أحلت لكم الغنائم )
أي هذا باب في ذكر قول النبي أحلت لكم الغنائم أي ولم تحل لأحد غيركم
وقال الله تعالى وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ( الفتح 021 )
تمام الآية وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما ( الفتح 02 ) قوله وعدكم الله مغانم كثيرة ( الفتح 02 ) هي ما أصابوها مع النبي وبعده إلى يوم القيامة قوله فعجل لكم هذه يعني غنائم خيبر قوله وكف أيدي الناس عنكم أي أيدي قريش كفهم الله بالصلح وقال قتادة أيدي اليهود وقال مقاتل إنهم أسد وغطفان حلفاء أهل خيبر جاءوا لينصروا أهل خيبر فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا
9113 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( خالد ) قال حدثنا ( حصين ) عن ( عامر ) عن ( عروة ) البارقي رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الخيل معقود في نواصيها الخير الأجر والمغنم إلى يوم القيامة
مطابقته للترجمة في قوله والمغنم وخالد هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان وحصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة ابن عبد الرحمن السلمي وعامر هو الشعبي وعروة بن الجعد ويقال أبي الجعد البارقي بالباء الموحدة وبالراء والقاف الأزدي والحديث قد مر في كتاب الجهاد في باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن حصين وابن أبي سفر عن الشعبي عن عروة بن الجعد عن النبي وليس فيه لفظة والمغنم وأخرجه أيضا في باب الجهاد ماض إلى يوم القيامة وفيه الأجر والمغنم
0213 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لتنفقن كنوزهما في سبيل الله لأن كنوزهما كانت مغانم وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
قوله فلا كسرى بعده أي في العراق ولا قيصر أي في الشام وكلمة لا هنا بمعنى ليس فلا يلزم التكرير وقال الخطابي أما كسرى فقد قطع الله دابره وانفقت كنوزه في سبيل الله وأما قيصر فكان الشام منشأه وبها بيت المقدس وهو الذي لا يتم للنصارى نسك إلا فيه ولا يملك أحد على الروم من ملوكهم حتى يكون قد دخله سرا أو جهرا وقد أجلى عنها وافتتحت خزائنه التي فيها ولم يخلفه أحد من القياصرة بعده إلى أن ينجز الله تمام وعده في فتح قسطنطينية في آخر الزمان
1213 - حدثنا ( إسحاق ) سمع ( جريرا ) عن ( عبد الملك ) عن ( جابر بن سمرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا هلك كسرى فلا كسري بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الذي قبله وإسحاق هذا قال الجياني لم أره منسوبا إلى أحد ونسبه أبو نعيم إسحاق بن إبراهيم قلت ثلاثة أنفس كل واحد منهم يسمى إسحاق بن إبراهيم وروى البخاري عن كل واحد منهم فإسحاق بن إبراهيم من هؤلاء الثلاثة وجرير بن عبد الحميد وعبد الملك هو ابن عمير الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن قبيصة بن عقبة وفي الإيمان والنذور عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة عن جرير به
2213 - حدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( هشيم ) قال أخبرنا ( سيار ) قال حدثنا ( يزيد الفقير

(15/41)


) قال حدثنا ( جابر بن عبد ) الله رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله أحلت لي الغنائم ( انظر الحديث 533 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشيم بضم الهاء ابن بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف الواسطي وسيار بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن أبي سيار واسمه وردان أبو الحكم الواسطي ويزيد من الزيادة ابن صهيب الكوفي المعروف بالفقير قال الكرماني الفقير ضد الغني قلت ليس كذلك وإنما هو من فقار الظهر لا من المال وهو الذي أصيب في فقار ظهره وهو خرزاته الواحدة فقارة
والحديث قد مر في كتاب الطهارة في باب أول التيمم بأتم منه عن محمد بن سنان عن هشيم وعن سعيد بن النضر عن هشيم عن سيار عن يزيد الفقير الحديث وقد مر الكلام فيه هناك
قوله وأحلت لي الغنائمهي من خصائصه فلم تحل لأحد غيره وغير أمته على ما ذكرناه هناك
3213 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع أجر أو غنيمة
مطابقته للترجمة في قوله أو غنيمة وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس وقد تكرر ذكره والحديث قد مضى في كتاب الإيمان في باب الجهاد من الإيمان فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن حرمي بن حفص عن عبد الواحد إلى آخره
قوله أو يرجعه بفتح الياء لأن رجع يتعدى بنفسه قوله أو غنيمة يعني لا يخلو عن أحدهما مع جواز الاجتماع بينهما بخلاف أو التي في أو يرجعه فإنها تفيد منع الخلو ومنع الجمع كليهما
4213 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( ابن المبارك ) عن ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح لله عليه فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها فقال إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال فيكم الغلول فجاؤا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ( الحديث 4213 - طرفه في 7515 )
مطابقته للترجمة في قوله ثم أحل لنا الغنائم
ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي كريب أيضا عن ابن المبارك به
ذكر معناه قوله غزا نبي من الأنبياء قال ابن إسحاق هذا النبي هو يوشع بن نون ولم تحبس الشمس إلا له ولنبينا محمد صبيحة الإسراء حين انتظروا العير التي أخبر بقدومها عند شروق الشمس في ذلك اليوم وأصل ذلك أن النبي لما توجه من بيت المقدس بعد نزوله من الإسراء لقي عير بني فلان بضجنان ولما دخل مكة أخبر بذلك

(15/42)


وقال الآن تصوب عيرهم من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء قال فابتدر القوم الثنية فوجدوا مثل ما أخبر وعن السدي أن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير فدعا الله عز و جل فحبسها حتى قدموا كما وصف لهم قال فلم تحبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم وعلى يوشع بن نون رواه البيهقي قلت حبست أيضا في الخندق حين شغل عن صلاة العصر حتى غابت الشمس فصلاها ذكره عياض في ( إكماله ) وقال الطحاوي رواته ثقات ووقع لموسى عليه الصلاة و السلام تأخير طلوع الفجر روى إبن إسحاق في المبتدأ من حديث يحيى بن عروة عن أبيه أن الله عز و جل أمر موسى عليه الصلاة و السلام بالمسير ببني إسرائيل وأمره بحمل تابوت يوسف ولم يدل عليه حتى كاد الفجر يطلع وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف ففعل الله عز و جل ذلك وبنحوه ذكر الضحاك في ( تفسيره الكبير ) وقد وقع ذلك أيضا للإمام علي رضي الله تعالى عنه أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عميس أنه نام على فخذ علي رضي الله تعالى عنه حتى غابت الشمس فلما استيقظ قال علي رضي الله تعالى عنه يا رسول الله إني لم أصل العصر فقال أللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيك فرد عليه شرقها قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام علي فتوضأ وصلى العصر وذلك بالصهباء وذكره الطحاوي في ( مشكل الآثار قال وكان أحمد بن صالح يقول لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من أجل علامات النبوة وقال وهو حديث متصل ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه وكذلك وقع لسليمان عليه الصلاة و السلام روي عن ابن عباس أنه قال سألت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن هذه الآية إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ( ص 23 ) فقال ما بلغك في هذا يا ابن عباس فقلت له سمعت كعب الأحبار يقول إن سليمان عليه الصلاة و السلام اشتغل ذات يوم بعرض الأفراس والنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب ردوها علي يعني الأفراس وكانت أربعة عشر فردوها عليه فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها وإن الله تعالى سلب ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي رضي الله تعالى عنه كذب كعب لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد عدو حتى توارت بالحجاب فقال يأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي يعني الشمس فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم ولا يرضون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون قوله ملك بضع امرأة بضم الباء وهو النكاح أي ملك عقدة نكاحها وهو أيضا يقع على الجماع وعلى الفرج قوله وهو يريد الواو فيه للحال قوله أن يبني بها أي يدخل عليها وتزف إليه ويروى أن يبتني من الابتناء من باب الافتعال قوله ولما يبن بها أي والحال أنه لم يدخل عليها قوله أو خلفات جمع خلفة بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح الفاء وقال ابن فارس هي الناقة الحامل وقيل جمعها مخاض على غير قياس كما يقال لواحدة النساء امرأة وقيل هي التي استكملت سنة بعد النتاج ثم حمل عليها فلقحت وقيل الخلفة التي توهم أن بها حملا ثم لم تلقح وقال الأصمعي فلا تزال خلفة حتى تبلغ عشرة أشهر وقال الجوهري الخلفة بكسر اللام المخاض من النوق الواحدة خلفة وفي ( المغيث ) يقال خلفت إذا حملت واختلفت إذا حالت ولم تحمل قوله فدنا من الله لقريةقيل هي أريحا وقال ابن إسحاق لما مات موسى عليه السلام وانقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيا فأخبر بني إسرائيل أنه نبي الله وأن الله قد أمره بقتال الجبارين فصدقوه وبايعوه فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا ومعه تابوت الميثاق فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون ضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة فدخلوها وقتلوا الجبارين وكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فخشي يوشع أن يعجزوا فقال أللهم أردد الشمس علي فقال لها إنك في طاعة الله وأنا في طاعة الله وهو معنى قوله إنك مأمورة وأنا مأمور يعني إنك مأمورة بالغروب وأنا مأمور بالصلاة أو القتال قبل الغروب قوله فلم تطعمها أي فلم تطعم النار الغنائم وإنما قال فلم تطعمها ولم يقل فلم تأكلها للمبالغة إذ معناه لم تذق طعمها كقوله تعالى ومن لم يطعمه فإنه مني ( البقرة 942 ) قوله إن فيكم غلولا وهو الخيانة في المغنم وكان من خصائص الأنبياء المتقدمين

(15/43)


أن يجمعوا الغنائم في مربد فتأتي نار من السماء فتحرقها فإن كان فيها غلول أو ما لا يحل لم تأكلها وكذلك كانوا يفعلون في قرابينهم كان المتقبل تأكله النار وما لا يتقبل يبقى على حاله ولا تأكله ففضل الله هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس وأعطاهم ما لم يعط أحدا غيرهم وأحل لهم الغنائم ثم أشار إليه في الحديث بقوله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا رحمة من الله علينا وهي من خصائص النبي فإن قلت ما الحكمة في أكل النار غنائمهم والتحليل لنا قلت جعل هذا في حقهم حتى لا يكون قتالهم لأجل الغنيمة لقصورهم في الإخلاص وأما تحليلها في حق هذه الأمة فلكون الإخلاص غالبا عليهم فلم يحتج إلى باعث آخر
9 -
( باب الغنيمة لمن شهد الوقعة )
أي هذا باب في بيان كون الغنيمة لمن شهد أي حضر الوقعة أي صدمة العدو وهذا قول عمر رضي الله تعالى عنه وعليه جماعة الفقهاء فإن قلت قسم النبي لجعفر بن أبي طالب ولمن قدم في سفينة أبي موسى من غنائم خيبر لمن لم يشهدها قلت إنما فعل ذلك لشدة احتياجهم في بدء الإسلام فإنهم كانوا للأنصار تحت منح من النخيل والمواشي لحاجتهم فضاقت بذلك أحوال الأنصار وكان المهاجرون في ذلك في شغل فلما فتح الله خيبر عوض الشارع المهاجرين ورد إلى الأنصار منائحهم وقال الطحاوي رحمه الله أنه استطاب أنفس أهل الغنيمة وقد روي ذلك عن أبي هريرة كما يجيء عن قريب
5213 - حدثنا ( صدقة ) قال أخبرنا عبد الرحمان عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي خيبر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إلا قسمتها بين أهلها وصدقة بلفظ أخت الزكاة ابن الفضل أبو الفضل المروزي وهو من أفراده و ( عبد الرحمن ) هو ابن مهدي البصري وأسلم مولى عمر بن الخطاب يكنى أبا خالد كان من سبي اليمن
قوله لولا آخر المسلمين المعنى لو قسمت كل قرية على الفاتحين لما بقي شيء لمن يجيء بعدهم من المسلمين قال الكرماني هو حقهم لم لا يقسم عليهم فأجاب بأنه يسترضيهم بالبيع ونحوه ويوقفه على الكل كما فعل بأرض العراق وغيرها قوله كما قسم النبي خيبر ولم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم منها طائفة وترك طائفة لم يقسمها والذي قسم منها هو الشق والنطاءة وترك سائرها فللإمام أن يفعل من ذلك ما رآه صلاحا واحتج عمر رضي الله تعالى عنه في ترك قسمة الأرض بقوله تعالى ما أفاء الله على رسوله ( الحشر 7 ) إلى قوله والذين جاؤا من بعدهم ( الحشر 7 ) الآية وقال عمر هذه الآية قد استوعبت الناس كلهم فلم يبق أحد منهم إلا وله في هذا المال حق حتى الراعي بعدي وقال أبو عبيد وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ رضي الله تعالى عنهما وأشار عمر بإقرار الأرض لمن يأتي بعده
وقد اختلف العلماء في حكم الأرض فقال أبو عبيد وجدنا الآثار عن رسول الله والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرض ثلاثة أحكام أرض أسلم أهلها عليها فهي لهم ملك وهي أرض عشر لا شيء فيها غيره وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه وأرض أخذت عنوة وهي التي أختلف فيها المسلمون فقال بعضهم سبيلهم سبيل الغنيمة فيكون أربعة أخماسها حصصا بين الذين افتتحوها خاصة والخمس الباقي لمن سمى االله وقال ابن المنذر وهذا قول الشافعي وأبي ثور وبه أشار الزبير بن العوام على عمرو بن العاص حين افتتح مصر قال أبو عبيد وقال بعضهم بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما فعل رسول الله فذلك له وإن رأى أن يجعلها موقوفة على المسلمين ما بقوا كما فعل عمر في السواد فذلك له وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والثوري فيما حكاه الطحاوي وقال ( مالك ) يجتهد فيها الإمام وقال في القنية العمل في أرض العنوة على فعل عمر رضي الله تعالى عنه أن لا تقسم وتقر بحالها وقد ألح بلال وأصحاب له على عمر في قسم الأرض بالشام فقال اللهم أكفنيهم فما أتى الحول وقد بقي منهم أحد

(15/44)


1 -
( باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره )
أي هذا باب في بيان حال من قاتل لأجل حصول الغنيمة هل ينقص أجره وجوابه أنه ليس له أجر فضلا عن النقصان لأن المجاهد الذي يجاهد في سبيل الله هو الذي يجاهد لإعلاء كلمة الله
6213 - حدثني ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) قال سمعت ( أبا وائل ) قال حدثنا ( أبو موسى الأشعري ) رضي الله تعالى عنه قال قال أعرابي للنبي الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر ويقاتل ليري مكانه من في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
مطابقته للترجمة في قوله الرجل يقاتل للمغنم وغندر بضم الغين وسكون النون لقب محمد بن جعفر وعمرو بفتح العين هو ابن مرة وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن عمرو رضي الله تعالى عنه إلى آخره نحوه غير أن هناك جاء رجل وهنا جاء أعرابي قوله ليذكر على صيغة المجهول أي ليذكر بالشجاعة عند الناس قوله ليرى على صيغة المجهول أيضا قوله مكانه أي مرتبته قوله من في سبيل الله كلمة من للاستفهام
11 -
( باب قسمة الإمام ما يقدم عليه ويخبا لمن لم يحضره أو يغيب عنه )
أي هذا باب في بيان قسمة الإمام ما يقدم عليه من هدايا المشركين بين أصحابه قوله ويخبأ من خبأت الشيء أخبؤه خبأ إذا أخفيته والخبء والخبيء والخبيئة الشيء المخبوء قوله لمن لم يحضره أي لأجل من لم يحضر مجلسه أو يغيب عنه حاصل المعنى يقسم ما يقدم عليه بين الحاضرين والغائبين بأن يعطي شيئا للحاضرين ويخبأ شيئا للغائبين
35 - ( حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله ابن أبي مليكة أن النبي أهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب فقسمها في أناس من أصحابه وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال ادعه لي فسمع النبي صوته فأخذ قباء فتلقاه به فاستقبله بأزراره فقال يا أبا المسور خبأت هذا لك يا أبا المسور خبأت هذا لك وكان في خلقه شدة )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وأيوب هو السختياني وعبد الله بن أبي مليكة بضم الميم التيمي الأحول القاضي على عهد ابن الزبير وهو من التابعين وليست له صحبة وحديثه من مراسيل التابعين وهذا الحديث قد مر مسندا في كتاب الشهادات في باب شهادة الأعمى أخرجه عن زياد بن يحيى عن حاتم بن وردان عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال قدمت على النبي أقبية الحديث وهذا مسند لأن المسور بكسر الميم وأباه مخرمة بفتح الميمين كليهما صحابي والأقبية جمع قباء والديباج الثياب المتخذة من الأبريسم وهو معرب وقد ذكر غير مرة قوله مزررة من زررت القميص إذا اتخذت له أزرارا ويروى مزردة من الزرد وهو تداخل حلق الدروع بعضها في بعض قوله فقال ادعه لي أي فقال مخرمة لابنه المسور ادع النبي معناه عرفه أني حضرت فلما سمع النبي صوته خرج فتلقاه به أي بذلك الواحد من الأقبية وفي الحديث الماضي

(15/45)


فخرج ومعه قباء وهو يريد محاسنه قوله فتلقاه به فاستقبله بأزراره وإنما استقبله بأزراره ليريه محاسنه كما نص عليه في الحديث الماضي وإنما فعل هذا ليرضيه لأنه كان شرس الخلق وأشار إليه في الحديث بقوله وكان في خلقه شدة
( ورواه ابن علية عن أيوب وقال حاتم بن وردان قال حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن المسور قال قدمت على النبي أقبية )
أي روى الحديث المذكور إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهو إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري وعليه أمه وقد ذكر غير مرة وأيوب هو السختياني وأسند البخاري رواية أيوب في باب شهادة الأعمى حيث قال حدثنا زياد بن يحيى حدثنا حاتم بن وردان حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الحديث
( تابعه الليث عن ابن أبي مليكة )
أي تابع أيوب الليث بن سعد عن عبد الله ابن أبي مليكة وقد أسند البخاري هذه المتابعة في كتاب الهبة في باب كيف يقبض المتاع وقال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الحديث
21 -
( باب كيف قسم النبي قريظة والنضير وما أعطى من ذلك في نوائبه )
أي هذا باب في بيان كيفية قسمة النبي قريظة بضم القاف والنضير بفتح النون وهما قبيلتان من اليهود ولم يبين كيفية القسمة وهي الترجمة طلبا للاختصار وفي بقية الحديث ما يدل عليها أو يجعل قوله وما أعطى من ذلك في نوائبه كالعطف التفسيري لقوله كيف قسم وأصل ذلك أن الأنصار كانوا يجعلون لرسول الله من عقارهم نخلات لتصرف في نوائبه وهي المهمات الحادثة وكذلك لما قدم المهاجرون قاسمهم الأنصار أموالهم فلما وسع الله الفتوح عليه كان يرد عليهم نخلاتهم
8213 - حدثنا ( عبد الله بن أبي الأسود ) قال حدثنا ( معتمر ) عن أبيه قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول كان الرجل يجعل للنبي النخلات حين افتتح قريظة والنضير فكان بعد ذلك يرد عليهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وعبد الله بن أبي الأسود اسمه حميد أبو بكر ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ وهو من أفراده ومعتمر على وزن اسم الفاعل من الاعتمار ابن سليمان بن طرخان التيمي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن أبي الأسود وفيه حدثني خليفة وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر وحامد بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى
قوله كان الرجل أي من الأنصار قوله حين افتتح قريظة أي حين افتتح حصنا كان لقريظة وحين أجلى بني النضير لأن الافتتاح لا يصدق على القبيلتين فإن قلت بنو النضير أجلاهم رسول الله من المدينة فما معنى الفتح فيه قلت هو من باب
( علفتها تبنا وماء باردا )
بأن المراد القدر المشترك بين التعليف والسقي وهو الإعطاء مثلا أو ثمة إضمار أي وأجلى بني النضير أو الإجلاء مجاز عن الفتح وهذا الذي كانوا يجعلونه للنبي وكان من باب الهدية لا من باب الصدقة لأنها محرمة عليه وعلى آله أما المهاجرون فكانوا قد نزل كل واحد منهم على رجل من الأنصار فواساه وقاسمه فكانوا كذلك إلى أن فتح الله الفتوح على رسوله فرد عليهم ثمارهم فأول ذلك النضير كانت مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وانجلى عنها أهلها بالرعب فكانت خالصة لرسول الله دون سائر الناس وأنزل الله فيهم ما أفاء الله على رسوله ( الحشر 7 )

(15/46)


الآية فحبس منها رسول الله لنوائبه وما يعروه وقسم أكثرها في المهاجرين خاصة دون الأنصار وذلك أن رسول الله قال للأنصار إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتهم في ثماركم وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم قالوا بلى تعطيهم دوننا ونقيم على مواساتهم فأعطى رسول الله المهاجرين دونهم فاستغنى القوم جميعا استغنى المهاجرون بما أخذوا واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم
31 -
( باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي وولاة الأمر )
أي هذا باب في بيان بركة الغازي إلى آخره البركة بالباء الموحدة مأخوذة في الأصل من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ويطلق أيضا على الزيادة وفي ديوان الأدب البركة الزياة والنمو وتبرك به أي تيمن وقيل صحفها بعضهم فقال تركة الغازي بالتاء المثناة من فوق قال عياض وهو وإن كان متجها باعتبار أن في القصة ذكر ما خلفه الزبير رضي الله تعالى عنه لكن قوله حيا وميتا مع النبي وولاة الأمر يدل على أن الصواب ما وقع عند الجمهور بالباء الموحدة وقيل هذا يشبه أن يكون من باب القلب لأن الذي ينبغي أن يقال باب بركة مال الغازي قلت لا حاجة إلى هذا لأن المعنى باب البركة الحاصلة للغازي في ماله قوله حيا نصب على الحال أي في حال كونه حيا وقوله وميتا عطف عليه أي وفي حال موته قوله مع النبي يتعلق بقوله الغازي والولاة بالضم جمع والي
37 - ( حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما وإن من أكبر همي لديني أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا فقال يا بني بع ما لنا فاقض ديني وأوصي بالثلث وثلثه لبنيه يعني عبد الله بن الزبير يقول ثلث الثلث فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك قال هشام وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وعباد وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبة من مولاك قال الله قال فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر قال وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قال عبد الله بن الزبير فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف قال فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمه فقال مائة ألف فقال حكيم والله ما أرى أموالكم تسع

(15/47)


لهذه فقال له عبد الله أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف قال ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي قال وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف فقال لعبد الله إن شئتم تركتها لكم قال عبد الله لا قال فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم فقال عبد الله لا قال قال فاقطعوا لي قطعة فقال عبد الله لك من ههنا إلى ههنا قال فباع منها فقضى دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة فقال له معاوية كم قومت الغابة قال كل سهم مائة ألف قال كم بقي قال أربعة أسهم ونصف قال المنذر بن الزبير قد أخذت سهما بمائة ألف قال عمرو بن عثمان قد أخذت سهما بمائة ألف وقال ابن زمعة قد أخذت سهما بمائة ألف فقال معاوية كم بقي فقال سهم ونصف قال أخذته بخمسين ومائة ألف قال وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا قال لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه قال فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم قال فكان للزبير أربع نسوة ورفع الثلث فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وما ولي إمارة إلى قوله وعثمان رضي الله تعالى عنه وذلك أن البركة التي كانت في مال الزبير من كونه غازيا مع النبي ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم وكون البركة في حياته وبعد موته تظهر عند التأمل في قصته
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول إسحق بن إبراهيم بن مخلد يعرف بابن راهويه الحنظلي المروزي الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي الثالث هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الرابع عروة بن الزبير الخامس عبد الله بن الزبير السادس الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة بالجنة وحواري رسول الله وابن عمته صفية بنت عبد المطلب شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله وهاجر الهجرتين وأسلم وهو ابن ست عشرة سنة وهو أول من سل سيفا في سبيل الله وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع مع الاستفهام وهو قوله أحدثكم هشام وفيه رواية الابن عن الأب ورواية الأخ عن الأخ لأن عروة وعبد الله أخوان ابنا الزبير بن العوام
( ذكر رجال هذا الحديث ) هذا من أفراد البخاري وذكره أصحاب الأطراف في مسند الزبير والأشبه أن يكون من مسند ابنه عبد الله وكله موقوف غير قوله وما ولي إمارة ولا جباية خراج ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي فهذا المقدار في حكم المرفوع ورواه الإسماعيلي عن جويرية حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله وروى الترمذي من حديث عروة قال أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل فقال ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله حتى انتهى ذلك إلى فرجه ورواه ابن سعد في طبقاته في قتل الزبير ووصيته بدينه

(15/48)


وثلث ماله عن أبي أسامة حماد بن أسامة نحو حديث البخاري وطوله غير أنه خالفه في موضع واحد وهو قوله أصاب كل امرأة من نسائه ألف ألف ومائة ألف لا كما في البخاري مائتا ألف وعلى هاتين الروايتين لا يصح قسمة خمسين ألف ألف ومائتي ألف على دينه ووصيته وورثته وإنما يصح قسمتها أن لو كان لكل امرأة ألف ألف فيكون الثمن أربعة آلاف ألف فتصح قسمة الورثة من اثنين وثلاثين ألف ألف ثم يضاف إليها الثلث ستة عشرة ألف ألف فتصير الجملتان ثمانية وأربعين ألف ألف ثم يضاف إليها الدين ألف ألف ومائتا ألف ومنها تصح ورواية ابن سعد تصح من خمسة وخمسين ألف ألف ورواية البخاري تصح من تسعة وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف ومائتي ألف فهذه تركته عند موته لا ما زاد عليها بعد موته من غلة الأرضين والدور في مدة أربع سنين قبل قسمة التركة ويدل عليه ما رواه الواقدي عن أبي بكر بن سبرة عن هشام عن أبيه قال كان قيمة ما ترك الزبير أحدا وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف وروى ابن سعد عن القعنبي عن ابن عيينة قال قسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف وذكر الزبير بن بكار عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير في بني عدي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل زوج الزبير أن عبد الله بن الزبير أرسل إليها بثمانين ألف درهم وقبضتها وصالحت عليها قال الدمياطي وبين قول الزبير بن بكار هذا وبين قول غيره بون بعيد والعجب من الزبير مع سعة علمه فيه وتنفيره عنه كيف خفي عليه وما تصدى لتحرير ذلك كما ينبغي
( ذكر بيان قصة وقعة الجمل ) ملخصة مختصرة كانت وقعة الجمل عام ستة وثلاثين من الهجرة وكان قتل عثمان بن عفان سنة خمس وثلاثين وكانت عائشة بمكة وكذلك أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في سنة خمس وثلاثين فرارا من الفتنة ولما بلغ أهل مكة أن عثمان قد قتل أقمن بمكة ثم لما بويع علي رضي الله تعالى عنه كان أحظى الناس عنده بحكم الحال لا عن اختيار علي لذلك رؤس أولئك الذين قتلوا عثمان رضي الله تعالى عنه وفر جماعة من بني أمية وغيرهم إلى مكة وخرج طلحة والزبير في الاعتمار وتبعهم خلق كثير وجم غفير وقدم إلى مكة أيضا في هذه الأيام يعلى بن أمية ومعه ستمائة ألف ألف درهم وستمائة بعير فأناخ بالأبطح وقيل كان معه ستمائة ألف دينار وقدم ابن عامر من البصرة بأكثر من ذلك فاجتمع بنو أمية بالأبطح وقامت عائشة في الناس تحضهم على القيام بطلب دم عثمان وطاوعوها في ذلك وخرجوا وتوجهوا نحو البصرة وكانت عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار وكان هذا هو الذي يدلهم على الطريق وكانوا لا يمرون على ماء ولا واد إلا سألوه عنه حتى وصلوا إلى موضع يسمى حوءب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة وهو ماء قريب من البصرة فنبحت كلابه فقالوا أي ماء هذا قال الدليل هذا ماء الحوءب فحين سمعت عائشة بذلك صرخت بأعلى صوتها وضربت عضد بعيرها فأناخته فقالت أنا والله صاحبة الحوءب ردوني ردوني تقول ذلك فأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى المسير حتى إذا كانت الساعة التي أناخت فيها من الغد جاءها عبد الله بن الزبير فقال النجاء النجاء فقد أدرككم علي ابن أبي طالب فعند ذلك رحلوا
وأما حديث الحوءب فأخرجه أحمد في مسنده عن عائشة قالت أن رسول الله قال لي ذات يوم كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوءب فعرفت الحال عند ذلك فأرادت الرجوع وأما علي رضي الله تعالى عنه فإنه خرج في آخر شهر ربيع الآخر في سنة ست وثلاثين من المدينة في تسعمائة مقاتل وقيل لما بلغ عليا مسير عائشة وطلحة وزبير إلى البصرة سار نحوهم في أربعة آلاف من أهل المدينة فيهم أربعمائة ممن بايعوا تحت الشجرة وثمانمائة من الأنصار ورايته مع ابنه محمد بن الحنفية وعلى ميمنته الحسن بن علي وعلى ميسرته الحسين بن علي وعلى الخيل عمار بن ياسر وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق وعلى مقدمته عبد الله بن عباس ثم اجتمعوا كلهم عند قصر عبيد الله بن زياد ونزل الناس في كل ناحية وقد اجتمع مع علي رضي الله تعالى عنه عشرون ألفا والتفت على عائشة رضي الله تعالى عنها ومن معها نحو من ثلاثين ألفا وقامت الحرب على ساقها فتصافوا وتصاولوا وتجاولوا وكان من جملة من يبارز الزبير وعمار فحمل عمار نحوه بالرمح

(15/49)


والزبير كاف عنه لقول رسول الله تقتلك الفئة الباغية وقتل ناس كثير ورجع الزبير عن القتال وقال الواقدي كان زمام الجمل بيد كعب بن سور وما كان يأخذ زمام الجمل إلا من هو معروف بالشجاعة ما أخذه أحد إلا قتل وحمل عليه عدي بن حاتم ولم يبق إلا عقره ففقئت عين عدي واجتمع بنو ضبة عند الجمل وقاتلوا دونه قتالا لم يسمع مثله فقطعت عنده ألف يد وقتل عليه ألف رجل منهم وقال ابن الزبير جرحت على زمام الجمل سبعة وثلاثين جراحة وما أحد أخذ برأسه إلا قتل أخذه عبد الرحمن بن عتاب فقتل ثم أخذه الأسود بن البحتري فقتل وعد جماعة وغلب ابن الزبير من الجراحات فألقى نفسه بين القتلى ثم وصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين فجعلت تنادي الله الله يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على أولئك القوم من قتلة عثمان فضج الناس معها بالدعاء وأولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى بقي مثل القنفذ فجعلت الحرب تأخذ وتعطي فتارة لأهل البصرة وتارة لأهل الكوفة وقتل خلق كثير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة ثم حملت عليه السائبة والأشتر يقدمها وحمل بجير بن ولجة الضبي الكوفي وقطع بطانه وعقره وقطع ثلاث قوائم من قوائمه فبرك ووقع الهودج على الأرض ووقف عليها علي رضي الله تعالى عنه فقال السلام عليك يا أماه فقالت وعليك السلام يا بني فقال يغفر الله لك فقالت ولك وانهزم من كان حوله من الناس وأمر علي رضي الله تعالى عنه أن يحملوا الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أن يضربا عليه قبة ولما كان آخر الليل خرج محمد بعائشة فأدخلها البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وبكت عائشة بكاء شديدا وقالت وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون عليها ثم أن عليا رضي الله تعالى عنه أقام بظاهر الكوفة ثلاثة أيام وصلى على القتلى من الفريقين وقال ابن الكلبي قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي ألف وقيل قتل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف وكان في جملة القتلى طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة ثم دخل على البصرة يوم الاثنين ثم جهز عائشة أحسن الجهاز بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وأخرج معها كل من نجا من الوقعة ممن خرج معها واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات ووقف علي معها حتى ودعها وكان خروجها يوم السبت غرة رجب سنة ست وثلاثين وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما وقال الواقدي أمر علي النساء اللاتي خرجن مع عائشة بلبس العمائم وتقليد السيوف ثم قال لهن لا تعلمنها أنكن نسوة وتلثمن مثل الرجال وكن حولها من بعيد ولا تقربنها وسارت عائشة على تلك الحالة حتى دخلت مكة وأقامت حتى حجت واجتمع إليها نساء أهل مكة يبكين وهي تبكي وسئلت عن مسيرها فقالت لقد أعطى علي فأكثر وبعث معي رجالا وبلغ النساء فأتينها وكشفن عن وجوههن وعرفنها الحال فسجدت وقالت والله ما يزداد ابن أبي طالب إلا كرما
( ذكر مقتل الزبير وبيان سيرته ) لما انفصل الزبير رضي الله تعالى عنه من عسكر عائشة كما ذكرنا تبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس من غواة بني تميم وأدركوه وتعاونوا عليه فقتلوه ويقال بل أدركه عمرو بن جرموز فقال له إن لي إليك حاجة فقال ادن فقال مولى الزبير واسمه عطية إن معه سلاحا فقال وإن كان فتقدم إليه فجعل يحدثه وكان وقت الصلاة فقال له الزبير الصلاة الصلاة فقال الصلاة فتقدم الزبير ليصلي بهما فطعنه عمرو بن جرموز فقتله ويقال بل أدركه عمرو بوادي السباع وهو نائم في القائلة فهجم عليه فقتله وهذا القول هو الأشهر وأخذ رأسه وذهب به إلى علي فقيل لعلي هذا ابن جرموز قد أتاك برأس الزبير فقال بشروا قاتل الزبير بالنار فقال عمرو
أتيت عليا برأس الزبير
وقد كنت أحسبها زلقتي
فبشر بالنار قبل العيان
فبئس البشارة والتحفة
وسيان عندي قتل الزبير
وضرطة عنزة بذي الجحفة

(15/50)


وأما سيرته فقد ذكرنا عن قريب أنه أحد العشرة المبشرة بالجنة وأنه شهد جميع مشاهد النبي وكان عليه يوم بدر ملاءة صفراء فنزلت الملائكة على سيمائه وثبت مع النبي يوم أحد وبايعه على الموت وقال مصعب بن الزبير قاتل أبي مع رسول الله وعمره اثنا عشر سنة وقال الزبير بن بكار بإسناده عن الأوزاعي قال كان للزبير ألف مملوك يودون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم بل يتصدق بها وقال الزبير بن بكار بإسناده عن جويرية قالت باع الزبير دارا بستمائة ألف فقيل له غبنت فقال كلا والله لتعلمن أنني لم أغبن هي في سبيل الله وروي عن هشام بن عروة فقال أوصى إلى الزبير جماعة من الصحابة منهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود والمقداد وكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أولادهم من ماله وكان الزبير رجلا ليس بالقصير ولا بالطويل إلى الخفة ما هو في اللحم ولحيته خفيفة أسمر اللون أشعر وحكى الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال ربما أخذت بالشعر على منكب الزبير وأنا غلام فأتعلق به على ظهره وحكى أبو اليقظان عن هشام بن عروة قال كان جدي الزبير إذا ركب تخط الأرض رجلاه ولا يغير شيبه واختلفوا في سنه حكى ابن سعد عن الواقدي بإسناده إلى عروة بن الزبير قال قتل أبي يوم الجمل وقد زاد على الستين بأربع سنين وحكى ابن الجوزي في الصفوة ثلاثة أقوال أحدها أنه قتل وهو ابن بضع وخمسين سنة والثاني ابن ستين سنة والثالث ابن خمسة وستين
( ذكر معاني الحديث ) قوله قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة لم يذكر جواب الاستفهام وقد ذكره في مسنده إسحق بن إبراهيم بن راهويه بهذا الإسناد وقال في آخره نعم قوله ( يوم الجمل ) يعني يوم وقعة كانت بين علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما وهي في هودج على جمل كما ذكرناه وكانت الوقعة على باب البصرة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وإنما أضيفت الوقعة إلى الجمل لكون عائشة عليه وهذا الحرب كان أول حرب وقعت بين المسلمين قوله لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم قال ابن بطال معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا الفريقين كان يتأول أنه على الصواب وقال ابن التين معناه أنهم إما صحابي متأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقال الكرماني المراد ظالم أهل الإسلام هذا لفظ الكرماني في شرحه وقال بعضهم قال الكرماني أن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين ثم قال قلت ويحتمل أن يكون أو للشك من الراوي وأن الزبير إما قال لا يقتل اليوم إلا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة أو لا يقتل اليوم إلا مظلوم بمعنى أنه ظن أن يعجل له الشهادة وظن على التقديرين أنه كان يقتل مظلوما إما لاعتقاده أنه كان مصيبا وإما لأنه كان سمع من النبي ما سمع علي رضي الله تعالى عنه وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير بشر قاتل ابن صفية بالنار ورفعه إلى النبي كما رواه أحمد وغيره من طريق زرين حبيش عن علي بإسناد صحيح انتهى قلت الأصل أن لا تكون أو للشك والاحتمال لا يثبت ذلك وكلمة أو على معناه للتقسيم هنا لأن المقتول يومئذ لم يكن إلا من أحد القسمين على ما ذكره ابن بطال وأيضا إنما أراد الزبير بقوله هذا أن تقاتل الصحابة ليس كتقاتل أهل البغي والعصبية لأن القاتل والمقتول منهم ظالم لقوله إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار لأنه لا تأويل لواحد منهم يعذر به عند الله ولا شبهة له من الحق يتعلق بها فليس أحد منهم مظلوما بل كلهم ظالم وكان الزبير وطلحة وجماعة من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم خرجوا مع عائشة لطلب قتلة عثمان وإقامة الحد عليهم ولم يخرجوا لقتال علي لأنه لا خلاف بين الأمة أن عليا كان أحق بالإمامة من جميع أهل زمانه وكان قتلة عثمان لجؤا إلى علي رضي الله تعالى عنه فرأى علي أنه لا ينبغي إسلامهم للقتل على هذا الوجه حتى يسكن حال الأمة وتجري الأشياء على وجوهها حتى ينفذ الأمور على ما أوجب الله عليه فهذا وجه منع علي رضي الله عنه المطلوبين بدم عثمان فكان ما قدر الله مما جرى به القلم في الأمور التي وقعت وقال الزبير لابنه ما قال لما رأى من شدة الأمر وأنهم لا ينفصلون إلا عن تقاتل فقال لا أراني إلا سأقتل مظلوما لأنه لم ينو على قتال ولا عزم عليه ولما التقى الجمعان فر فتبعه ابن جرموز فقتله في طريقه كما ذكرنا قوله وإني لأراني بضم الهمزة أي لا أظن ويجوز بفتح الهمزة بمعنى لا أعتقد وقد

(15/51)


تحقق ظنه فقتل مظلوما قوله لديني اللام فيه مفتوحة للتأكيد وهو خبر أن ومعناه ليس علي تبعة سوى ديني قوله أفترى على صيغة المجهول بهمزة الاستفهام أي أفتظن قوله يبقى بضم الياء من الإبقاء وقوله ديننا بالرفع فاعله وشيئا بالنصب مفعوله قوله وأوصى بالثلث أي بثلث ماله مطلقا لمن شاء ولما شاء قوله وثلثه لبنيه أي وبثلث الثلث لبني عبد الله خاصة وقد فسره بقوله يعني بني عبد الله بن الزبير وهم حفدة الزبير قوله فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك قال المهلب معناه ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به للمساكين من الثلث لبنيه وحكى الدمياطي عن بعض العلماء أن قوله فثلثه بتشديد اللام على صيغة الأمر من التثليث يعني ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به للمساكين من الثلث لبنيه قال بعضهم هذا أقرب يعني من كلام المهلب وقال الدمياطي فيه نظر يعني فيما حكاه عن بعض العلماء قوله قال هشام هو ابن عروة بن الزبير قوله قد وازى بالزاي المعجمة أي ساوى أي حاذاهم في السن وأنكر الجوهري استعمال هذا بالواو فقال يقال آزيته أي حازيته ولا يقال وازيته والذي جاء هنا حجة عليه قوله خبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى روي مرفوعا على أنه بدل أو بيان لقوله للبعض في قوله وكان بعض ولد عبد الله وروي مجرورا باعتبار الولد وقال بعضهم يجوز جره على أنه بيان للبعض ( قلت ) هذا غلط لأن لفظ بعض في موضعين أحدهما وهو الأول مرفوع لأنه اسم كان والآخر منصوب لأنه مفعول قوله وازى قوله وعباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة قوله وله يومئذ قال الكرماني أي لعبد الله يوم وصية الزبير تسعة بنين أحدهم خبيب وعباد ( قلت ) ليس كذلك بل معنى قوله وله أي للزبير تسعة بنين وتسع بنات ولم يكن لعبد الله يومئذ إلا خبيب وعباد وهاشم وثابت وأما سائر ولده فولدوا بعد ذلك أما تسعة بنين فهم عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعمرو وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف وعبيدة وجعفر أمهما زينب بنت بشر وسائر ولد الزبير غير هؤلاء ماتوا قبله وأما التسع الإناث فهن خديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر وحبيبة وسودة وهند أمهن أم خالد ورملة أمها الرباب وحفصة أمها زينب وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة قوله منها الغابة بالغين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة قال الكرماني اسم موضع بالحجاز ( قلت ) هذا ليس بتفسير واضح وتفسيرها أرض عظيمة شهيرة من عوالي المدينة وقال ياقوت الغابة موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال من ناحية الشام والغابة أيضا قرية بالبحرين وقال في كتاب الأمكنة والجبال للزمخشري الغابة بريد من المدينة بطريق الشام وقال البكري الغابة غابتان العليا والسفلى وقال الرشاطي الغابة موضع عند المدينة والغابة أيضا في آخر الطريق من البصرة إلى اليمامة وفي المطالع الغابة مال من أموال عوالي المدينة وفي تركة الزبير كان اشتراها بسبعين ومائة ألف وبيعت في تركته بألف ألف وستمائة ألف وقد صحفه بعض الناس فقال الغاية بالياء آخر الحروف وذلك غلط فاحش والغابة في اللغة الشجر الملتف والأجم من الشجر وشبهها قوله فيقول الزبير لا أي لا يكون وديعة ولكنه دين وهو معنى قوله سلف وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا وليكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته وقال ابن بطال وليطيب له ربح ذلك المال قوله وما ولي إمارة قط بكسر الهمزة قوله ولا جباية خراج أي ولا ولي أيضا جباية خراج ولا شيئا أي ولا ولي شيئا من الأمور التي يتعلق بها تحصل المال أراد أن كثرة ماله ليس من هذه الجهات التي يظن فيها السوء بأصحابها وإنما كان كسبه من الغنائم مع النبي ثم مع أبي بكر ثم مع عمر ثم مع عثمان رضي الله تعالى عنهم فبارك الله له في ماله لطيب أصله وربح أرباحا بلغت ألوف الألوف قوله قال عبد الله بن الزبير هو متصل بالإسناد المذكور قوله فحسبت بفتح السين من حسبت الشيء أحسبه بالضم حسابا وحسابة وحسبا وحسبانا بالضم أي عددته وأما حسبته بالكسر أحسبه بالفتح محسبة بفتح السين ومحسبة بكسر السين وحسبانا بكسر الحاء أي ظننته قوله فلقي حكيم بن حزام بالرفع على أنه فاعل لقي وعبد الله بن الزبير بالنصب مفعوله قوله يا ابن أخي إنما جعل الزبير أخا له باعتبار أخوة الدين قال

(15/52)


( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الوصية عند الحرب لأنه سبب مخوف كركوب البحر واختلف لو تصدق حينئذ أو حرر هل يكون من الثلث أو من رأس المال وفيه أن للوصي تأخير قسمة الميراث حتى يوفي ديون الميت وينفذ وصاياه إن كان له ثلث ويؤخر القسمة بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده ولكن إذا وقع العلم بوفاء الدين وصمم الورثة على القسمة أجيب إليها فلا يتربص إلى أمر موهوم فإذا ثبت بعد ذلك شيء يؤخذ منهم وفيه جواز الوصية للأحفاد إذا كان من يحجبهم وفيه جواز شراء الوارث من التركة وكذلك شراء الوصي إذا كان بالقيمة وفيه أن الهبة لا تملك إلا بالقبض وفيه بيان جود عبد الله بن جعفر فلذلك سمي بحر الكرم وفيه إطلاق اللفظ المشترك لمن يظن به معرفة المراد والاستفهام لمن لم يتبين له لأن الزبير قال لابنه استعن عليه بمولاي ولفظ المولى مشترك بين معان كثيرة فظن عبد الله أنه يريد بعض عتقائه فاستفهم فعرف مراده وفيه منزلة الزبير عند نفسه وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والإقبال عليه والرضا بحكمه والاستعانة به وفيه قوة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة وفيه كرم حكيم أيضا وسماحة نفسه وفيه أن الدين إنما يكره لمن لا وفاء له أو لمن يصرفه إلى غير وجهه وفيه النداء في ديون من يعرف بالدين وفيه النداء في المواسم لأنها مجمع الناس وفيه طاعة بني الزبير لأخيهم في تأخير القسمة لأجل الدين المتوهم وفيه ما كان عليه الصحابة من اتخاذ النساء وفيه أن أجل المفقود والغائب أربع سنين وبه احتج مالك وفيه نظر لا يخفى -
41 -
( باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة أو أمره بالمقام هل يسهم له )
أي هذا باب يذكر فيه إذا بعث إلى آخره قوله بالمقام أي بالإقامة قوله هل يسهم له أي من الغنيمة أو لا يسهم وجواب إذا يفهم من حديث الباب وفيه خلاف ذكره في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة
0313 - حدثنا ( موسى ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) قال حدثنا ( عثمان بن موهب ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال إنما تغيب عثمان عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله وكانت مريضة فقال له النبي إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إن لك أجر رجل إلى آخره وبه يحصل الجواب للترجمة وموسى هو ابن إسماعيل المنقري المعروف بالتبوذكي وأبو عوانة بفتح العين اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري وعثمان بن موهب على وزن جعفر هو عثمان بن عبد الله بن موهب الأعرج الطليحي التيمي القرشي
والحديث أخرجه البخاري مطولا في المغازي عن عبدان وفي فضل عثمان أيضا عن موسى وأخرجه الترمذي في المناقب عن صالح بن عبد الله الترمذي عن أبي عوانة
قوله عثمان بن موهب عن ابن عمر قال أبو علي الجياني وقع في نسخة أبي محمد عن أبي أحمد يعني الأصيلي عن الجرجاني عمرو ابن عبد الله وهو غلط وصوابه عثمان بن موهب قوله إنما تغيب عثمان أي تكلف الغيبة لأجل تمريض بنت رسول الله وعثمان رضي الله عنه لم يحضر بدرا لأجل ذلك وعد ابن اسحاق الذين غابوا عن بدر ثمانية أو تسعة وهم عثمان بن عفان تخلف لذلك وطلحة بن عبيد الله كان بالشام فضرب له سهمه وأجره وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان بالشام أيضا وأبو لبابة بشير بن عبد المنذر رده رسول الله من الروحاء حين بلغه خروج النفير من مكة فاستعمله على المدينة والحارث بن حاطب بن عبيد رده أيضا من الطريق والحارث بن الصمة انكسر بالروحاء فرجع وخوات ابن جبير لم يحضر الوقعة وأبو الصباح بن ثابت خرج مع رسول الله فأصاب ساقه نصل حجر فرجع وسعد بن مالك تجهز ليخرج فمات وقيل إنه مات في الروحاء فضرب لكل واحد منهم سهمه وأجره قوله كانت تحتهأي تحت عثمان بنت رسول الله وهي رقية توفيت ورسول الله في بدر ثم زوجه أم كلثوم فتوفيت تحته سنة تسع وهي التي غسلتها أم عطية واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث أن من بعثه الإمام لحاجة حتى غنم الإمام أنه يسهم له وكذلك

(15/54)


المدد يلحقون أرض الحرب وهو قول الشعبي والنخعي والثوري والحكم بن عتيبة والأوزاعي والحديث حجة على الليث والشافعي ومالك وأحمد حيث قالوا لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة واحتجوا بحديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي وأبو داود أنه بعث أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان ورسول الله بخيبر بعدما فتحها الحديث وفيه أجلس يا أبان فلم يقسم لهم شيئا وأجاب الطحاوي عنه بقوله إنه وجه أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر فتوجه أبان في ذلك ثم حدث من خروج النبي إلى خيبر ما حدث فكان ما غاب فيه أبان من ذلك عن حضور خيبر ليس هو شغل شغله النبي عن حضورها وقال الجصاص لا حجة فيه لأن خيبر صارت دار الإسلام لظهور النبي عليها وهذا لا خلاف فيه وقيل كانت خيبر لأهل الحديبية خاصة شهدوها أو لم يشهدوها دون من سواهم لأن الله تعالى كان وعدهم إياها بقوله وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ( الفتح 02 ) بعد قوله وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ( الفتح 02 ) فإن قالوا إن أعطاه رسول الله لعثمان وهو لم يحضر بدرا خصوص له قلنا يحتاج إلى دليل الخصوص فإن قالوا أعطى عثمان من سهمه من الخمس قلنا كان ذلك يوم حنين حيث قال ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس وهو مردود فيكم قلنا يحتاج إلى ذليل على أن إعطاء عثمان ومن غاب أيضا من بدر أنه كان من سهمه بعد حنين
51 -
( باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي برضاعه فيهم فتحلل من المسلمين وما كان النبي يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر )
باب مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا باب يذكر فيه ومن الدليل إلى آخره وقال بعضهم ومن الدليل عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله وقال هنا لنوائب المسلمين وقال بعد باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام انتهى قلت لا وجه لدعوى هذا العطف البعيد المتخلل بين المعطوف والمعطوف عليه أبواب بأحديثها فإن اضطر إلى القول بهذا لأجل الواو فيقال له هذه ليس بواو العطف وإنما مثل هذا يأتي كثيرا بدون أن يكون معطوفا على شيء فيقال هذه واو الاستفتاح وهو المسموع من الأساتذة الكبار ولما ذكر أولا الخمس لنوائب رسول الله ثم ذكر لنوائب المسلمين ثم ذكر أن الخمس للإمام فطريق التوفيق بينها أن الخمس لرسول الله ثم للإمام بعده يتولاه مثل ما كان يتولاه وأما قوله هنا لنوائب المسلمين هو أنه لا يكون إلا مع تولى النبي قسمته وله أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته وكذلك من يتولى بعده وقال بعضهم وجوز الكرماني أن يكون كل ترجمة على وفق مذهب من المذاهب وفيه بعد لأن أحدا لم يقل إن الخمس للمسلمين دون النبي ودون الإمام ولا للنبي دون المسلمين وكذا للإمام انتهى قلت عبارة الكرماني هكذا فإن قلت ترجم هذه المسألة أولا بقوله ومن الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله وثانيا بقوله ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين وثالثا إن الخمس للإمام فما التلفيق بينها قلت المذاهب فيه مختلفة فبوب لكل مذهب بابا وترجم له ولا تفاوت في المعنى إذ نوائب رسول الله هي نوائب المسلمين ولا شك أن التصرف فيه له ولمن يقوم مقامه انتهى قلت قوله ولا تفاوت في المعنى ينبىء عن وجه التوفيق مثل ما ذكرناه غير أنه قال لكل مذهب بابا بحسب النظر إلى الظاهر وأما بالنظر إلى المعنى فما قاله على أنا نقول في هذا الباب مذاهب وذكر المفسرون في قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ( الأنفال 14 ) قال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية الرياحي قال كان رسول الله يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة يكون أربعة أخماسها لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى

(15/55)


وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد على أربعة أخماس فربع لله وللرسول فما كان لله وللرسول فهو لقرابة رسول الله ولم يأخذ النبي من الخمس شيئا وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن عبد الله ابن بريدة في قوله واعلموا أنما غنمتم ( الأنفال 14 ) الآية قال الذي لله فلنبيه والذي للرسول فلأزواجه وروى أبو داود والنسائي من حديث عمرو ببن عنبسة أن رسول الله صلى بهم إلى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من ذلك البعير ثم قال ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم وقال جماعة إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء وقالت طائفة يصرف في مصالح المسلمين وقالت طائفة بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وقال ابن جرير وهو قول جماعة من أهل العراق وقيل إن الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير حدثنا الحارث بن عبد العزيز حدثنا عبد الغفار حدثنا المنهال بن عمر سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا هو لنا فقلت لعباس إن الله يقول واليتامى والمساكين وابن السبيل ( الأنفال 14 ) فقال يتامانا ومساكيننا قوله لنوائب المسلمين النوائب جمع نائبة وقد فسرناها بأنها ما ينوب الإنسان من الحوادث قوله ما سأل في محل الرفع على الابتداء وخبره قوله ومن الدليل قوله هوازن مرفوع لأنه فاعل سأل وهو أبو قبيلة وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن قيس غيلان قال الرشاطي في هوازن بطون كثيرة وأفخاذ وفي خزاعة أيضا هوازن بن أسلم بن أفصى قوله النبي منصوب بقوله سأل قوله برضاعة فيهم أي بسبب رضاعه فيهم ويروى برضاعة بلفظ المصدر والتنوين وذلك أن حليمة بفتح الحاء المهملة السعدية التي أرضعت النبي منهم إذ هي بنت أبي ذؤيب بضم الذال المعجمة عبد الله بن الحارث بن شجنة بكسر الشين المعجمة وسكون الجيم وفتح النون ابن صابر بن رزام بكسر الراء وتخفيف الزاي ابن ناضرة بالنون والضاد المعجمة والراء ابن سعد بن بكر بن هوازن قوله فتحلل من المسلمين أي استحل من الغانمين أقسامهم من هوازن أو طلب النزول عن حقهم وقد مر تحقيقه في كتاب العتق في باب من ملك من العرب رقيقا قوله وما كان عطف على قوله ما سأل قوله من الفيء والأنفال الفيء ما يحصل من الكفار بغير قتال والأنفال جمع نفل بالتحريك وهو ما شرط الأمير المتعاطي خطر من مال المصالح وهو الغنيمة هذا في اصطلاح الفقهاء وأما في اللغة فقال الجوهري الفيء الخراج والغنيمة والنفل الغنيمة يقال نفلته تنفيلا أي أعطيته نفلا قوله ما أعطى الأنصار عطف على قوله وما كان وقوله وما أعطى جابر بن عبد الله عطف على ما قبله قوله من تمر خيبر بالتاء المثناة من فوق أو بالثاء المثلثة
2313 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال ( وزعم عروة ) أن ( مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة ) أخبراه أن رسول الله قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول لله أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بهم وقد كان رسول الله انتظر آخرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤنا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم من أحب أن يطيب فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه

(15/56)


إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم فقال لهم رسول الله إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاءهم ثم رجعوا إلى رسول الله فأخبروه أنهم قد طيبوا فأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن
مطابقته للترجمة في قوله ومن الدليل إلى قوله فتحلل من المسلمين
والحديث قد مر في كتاب العتق في باب من ملك من العرب رقيقا فإنه أخرجه هناك عن ابن أبي مريم عن الليث إلى آخره نحوه وقد مر الكلام فيه مستقصى
قوله استأنيت أي انتظرت والعرفاء جمع عريف وهو القائم بأمور القوم المتعرف لأحوالهم قوله فهذا الذي بلغنا من كلام ابن شهاب وهو محمد بن مسلم الزهري
3313 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) قال حدثنا ( حماد ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) قال وحدثني ( القاسم بن عاصم الكليبي وأنا لحديث القاسم أحفظ ) عن ( زهدم ) قال ( كنا عند أبي موسى ) فأتى ذكر دجاجة وعنده رجل من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي فدعاه للطعام فقال إني رأيته يأكل شيئا فقذرته فحلفت لا آكل فقال هلم فلأحدثكم عن ذاك إني أتيت النبي في نفر من الأشعريين نستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم وأتي رسول الله بنهب إبل فسأل عنا فقال أين النفر الأشعريون فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى فلما انطلقنا قلنا ما صنعنا لا يبارك لنا فرجعنا إليه فقلنا إنا سألناك أن تحملنا فحلفت أن لا تحملنا أفنسيت قال لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها
مطابقته للترجمة وهي قوله وما كان النبي إلى قوله من الخمس تؤخذ من قوله وأتى رسول الله بنهب إبل إلى آخره
وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وحماد هو ابن زيد وأيوب السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله ابن زيد الجرمي البصري والقاسم بن عاصم التميمي الكليبي منسوب إلى مصغر الكلب البصري وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب من التضريب بالضاد المعجمة الجرمي الأزدي البصري وهؤلاء كلهم بصريون وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس
والحديث أخرجه البخاري في التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب أيضا وفي النذور عن قتيبة وفي الذبائح وفي النذور أيضا عن أبي معمر وفي كفارات الأيمان عن علي بن حجر وفي المغازي عن أبي نعيم وفي الذبائح عن يحيى عن وكيع وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي الربيع الزهراني وعن ابن أبي عمر وعن علي بن حجر وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن ابن أبي عمر عن سفيان وعن شيبان ابن فروخ وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن هناد ببعضه وعن زيد بن أحرم في الشمائل عن علي بن حجر وأخرجه النسائي في الصيد عن علي بن حجر وعن محمد بن منصور وفي النذور عن قتيبة
ذكر معناه قوله وحدثني القاسم القائل هو أيوب بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب كما سيأتي في الأيمان

(15/57)


والنذور وقوله أحفظ يعني من أبي قلابة وقال الكلاباذي القاسم وأبو قلابة كلاهما حدثا عن زهدم وروى أيوب عن القاسم مقرونا بأبي قلابة في الخمس قوله فأتى ذكر دجاجة كذا في رواية أبي ذر فأتى بصيغة الماضي من الإتيان ولفظ ذكر بكسر الذال وسكون الكاف ودجاجة بالجر والتنوين على الإضافة وكذا في رواية النسفي وفي رواية الأصيلي فأتي بصيغة المجهول و ذكر بفتحتين على صيغة الماضي و دجاجة بالنصب والتنوين على المفعولية وفي النذور فأتى بطعام فيه دجاج وفي رواية مسلم فدعي بمائدة وعليها لحم دجاج وفي لفظ عن زهدم الجرمي دخلت على أبي موسى وهو يأكل لحم دجاج وفي رواية الترمذي عن زهدم قال دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجة فقال أدن فكل فإني رأيت رسول الله يأكله وقال هذا حديث حسن والدجاجة بفتح الدال وكسرها وهما لغتان مشهورتان وحكى فيه أيضا ضمها وهي لغة ضعيفة قال الداودي اسم الدجاجة يقع على الذكر والأنثى وقال صاحب ( التوضيح ) ولا أدري من أين أخذه قلت قاله أهل اللغة والتاء فيه للفرق بين الجنس ومفرده قوله وعنده رجل من بني تيم الله والرجل وتيم الله بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وهو نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة ومعنى تيم الله عبد الله قوله أحمر مقابل الأسود وهو صفة لرجل قوله كأنه من الموالى يعني من سبي الروم قوله فقذرته بالقاف والذال المعجمة والراء قال ابن فارس قذرت الشيء أي كرهته قوله هلم أي تعال وفيه لغتان فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والإثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح وبنو تميم تثنى وتجمع وتؤنث فتقول هلم هلما هلموا هلمي هلما هلمن قوله فلأحدثكم عن ذلك يعني عن الحلف قوله في نفر النفر رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه والرهط عشيرة الرجل وأهله والرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع قوله من الأشعريين جمع أشعري نسبة إلى الأشعر وهو نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان قوله نستحمله أي نسأل منه أن يحملنا يعني أرادوا ما يركبون عليه من الإبل ويحملون عليها قوله وأتي رسول الله أي على صيغة المجهول قوله بنهب إبل النهب الغنيمة قوله ذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة قوله غر الذرى الغر بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر وهو الأبيض و الذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء مقصورا جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه يريد أنها ذوو الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن قوله أفنسيتالهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ولكن الله حملكم قال الخطابي هذا يحتمل وجوها أن يريد به إزالة المنة عليهم وإضافة النعمة فيها إلى الله تعالى أو أنه نسي والناسي بمنزلة المضطر وفعله قد يضاف إلى الله تعالى كما في الصائم إذا أكل ناسيا فإن الله أطعمه وسقاه أو أن الله حملكم حين ساق هذا النهب ورزق هذه الغنيمة أو أنه نوى في ضميره إلا أن يرد عليه مال في ثاني الحال فيحملهم عليه قوله وتحللتها من التحلل وهو التفضي من عهدة اليمين والخروج من حرمتها إلى ما يحل له منها وهو إما بالاستثناء مع الاعتقاد وإما بالكفارة
وفي هذا الحديث دلالة على أن من حلف على فعل شيء أو تركه وكان الحنث خيرا من التمادي على اليمين استحب له الحنث وتلزمه الكفارة وهذا متفق عليه وأجمعوا على أنه لا تجب عليه الكفارة قبل الحنث وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث وعلى أنه لا يجوز تقديمها قبل اليمين واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث فجوزها مالك والأوزاعي والثوري والشافعي واستثنى الشافعي التكفير بالصوم فقال لا يجوز قبل الحنث وأما التكفير بالمال فيجوز وقال أبو حنيفة وأصحابه وأشهب المالكي لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال وفيه أنه لا بأس بدخول الرجل على الرجل في حال أكله لكن إنما يحسن ذلك إذا كان بينهما صداقة مؤكدة وفيه استدناء صاحب الطعام للداخل عليه في حال أكله ودعوته للطعام وهو مشروع متأكد سواء كان الطعام قليلا أو كثيرا وطعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية واجتماع الجماعة على الطعام مقتض لحصول البركة فيه وفيه جواز

(15/58)


أكل الدجاج وهو مجمع عليه وإنما الخلاف في الجلالة منه هل يكره أكلها أو يحرم وروى ابن عدي في ( الكامل ) من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها بعد ذلك
4313 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله بعث سرية فيها عبد الله ابن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرا فكانت سهامهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا ( الحديث 4313 - طرفه في 8334 )
مطابقته للترجمة في قوله ونفلوا على صيغة المجهول من التنفيل وهو الإعطاء لغة وقال الخطابي التنفيل عطية يخص بها الإمام من أبلى بلاء حسنا وسعى سعيا جميلا كالسلب إنما يعطى للقاتل كالقتالة وكفايته قوله بعث سرية وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو قوله فيها عبد الله وهو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وصرح بذلك مسلم في روايته فإنه أخرجه في المغازي عن يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر قال بعث النبي سرية وأنا فيهم قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهامهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي عن مالك وعن القعنبي وابن موهب كلاهما عن الليث عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد الحديث ورواه الطحاوي عن محمد بن خزيمة عن يوسف بن عدي عن ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله بعث سرية فيها ابن عمر فغنموا غنائم كثيرة فكانت غنائمهم لكل إنسان اثني عشر بعيرا أو نفل كل إنسان منهم بعيرا بعيرا سوى ذلك
قوله قبل نجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي ناحية نجد وجهتها والنجد بفتح النون وسكون الجيم وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق وروي أن هذه السرية كانوا عشرة فغنموا مائة وخمسين بعيرا فأخذ رسول الله منها ثلاثين وأخذوا هم عشرين ومائة وأخذ كل واحد منها اثني عشر بعيرا ونفل بعيرا قوله فغنموا إبلا كثيرة وفي رواية لمسلم فأصبنا إبلا وغنما قوله فكانت سهامهم أي أنصباؤهم اثني عشر بعيرا وقال النووي معناه أسهم لكل واحد منهم وقد قيل معناه سهمان جميع الغانمين إثني عشر بعيرا وهذا غلط وقد جاء في بعض روايات أبي داود وغيره أن الإثني عشر بعيرا كانت سهمان كل واحد من الجيش والسرية ونفل السرية سوى هذا بعيرا قوله أو أحد عشر قال ابن عبد البر اتفق جماعة رواة ( الموطأ ) على أن روايته بالشك إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب ومالك فلم يشك وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب وكذا أخرج أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك وقال أبو عمر قال سائر أصحاب نافع إثني عشر بعيرا بغير شك ولم يقع الشك فيه قوله ونفلوا على صيغة المجهول كما ذكرنا وفي رواية فنفلوا بعيرا فلم يغيره رسول الله وفي رواية ونفلنا رسول الله والجمع بين هذه الروايات أن أمير السرية نفلهم فأجازه رسول الله فيجوز نسبته إلى كل منهما
واحتج بهذا الحديث سعيد بن المسيب والحسن البصري والأوزاعي وأحمد وإسحاق في جواز التنفيل بعد سهامهم قالوا هذا ابن عمر يخبر أنهم قد نفلوا بعد سهامهم بعيرا بعيرا فلم ينكر ذلك النبي وقال النووي واختلفوا في محل النفل هل هو من أصل الغنيمة أو من أربعة أخماسها أم من خمس الخمس وهي ثلاثة أقوال للشافعي وبكل منها قال جماعة من العلماء والأصح عندنا أنه من خمس الخمس وبه قال ابن المسيب ومالك وأبو حنيفة وآخرون وممن قال إنه من أصل الغنيمة الحسن البصري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وآخرون وأجاز النخعي أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش وهو خلاف ما قاله العلماء كافة
5313 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال أخبرنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله كان ينفل بعض من يبعث من

(15/59)


السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن عبد الملك عن شعيب ابن الليث عن أبيه عن جده به وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عبد الملك به وعن حجاج بن أبي يعقوب عن حصين بن المثنى عن الليث به
وفيه دليل على أن لا نفل إلا بعد الخمس ويؤيده ما رواه الطحاوي من حديث معن بن يزيد السلمي قال سمعت رسول الله يقول لا نفل إلا بعد الخمس قال الطحاوي معناه حتى يقسم الخمس فإذا قسم الخمس انفرد حق المقاتلة وهي أربعة أخماس فكان ذلك النفل الذي ينفله الإمام من بعد أن آثر أن يفعل ذلك من الخمس لا من الأربعة الأخماس التي هي حق المقاتلة
6313 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثنا ( بريد ابن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال بلغنا مخرج النبي ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر إن رسول الله بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي حين افتتح خبير فأسهم لنا أو قال فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأسهم لنا إلى آخره وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري يكنى أبا بردة الكوفي يروي عن جده أبي بردة واسمه عامر وقيل الحارث وهو يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في الخمس وفي هجرة الحبشة وفي المغازي عن أبي كريب وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب وأبي عامر عبد الله بن براد كلاهما عن أبي أسامة عنه به
قوله مخرج النبي لفظ مخرج مصدر ميمي بمعنى الخروج مرفوع لأنه فاعل بلغنا وهو بفتح الغين والواو في ونحن باليمن للحال قوله مهاجرين نصب على الحال قوله أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر بن قيس الأشعري وقال أبو عمر حديثه عن النبي أللهم إجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون قوله أبو رهم بضم الراء ابن قيس الأشعري وقال أبو عمر كانوا أربع إخوة أبو موسى وأبو بردة وأبو رهم ومجدي وقيل أبو رهم اسمه مجدي بنو قيس ابن سليم بن حضار بن حرب بن غنم بن عدي بن وائل بن ناجية بن جماهر بن الأشعر بن أدد بن زيد
قالت العلماء في معنى هذا الحديث تأويلات أحدها ما روى عن موسى بن عقبة أن رسول الله استطاب قلوب الغانمين بما أعطاهم كما فعل في سبي هوازن الثاني إنما أعطاهم مما لم يفتح بقتال الثالث إنما أعطاهم من الخمس الذي حكمه حكم الفيء وله أن يضعه باجتهاده حيث شاء وقال الكرماني ميل البخاري إلى الأخير بدليل الترجمة وبدليل أنه لم ينقل أنه استأذن من المقاتلين
7313 - حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( محمد بن المنكدر ) قال سمع ( جابرا ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هاكذا وهاكذا وهاكذا فلم يجىء حتى قبض النبي فلما جاء مال البحرين أمر أبو

(15/60)


بكر مناديا فنادى من كان له عند رسول الله دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت إن رسول الله قال لي كذا وكذا فحثا لي ثلاثا وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعا ثم قال لنا هكذا قال لنا ابن المنكدر وقال مرة فأتيت أبا بكر فسألت فلم تعطني أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني قال قلت تبخل علي ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك قال سفيان وحدثنا عمرو عن محمد بن علي عن جابر فحثا لي حثية وقال عدها فوجدتها خمسمائة قال فخذ مثلها مرتين وقال يعني ابن المنكدر وأي داء أدوأا من البخل
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من كان له عند رسول الله دين أو عدة وقد مر في الترجمة وما كان النبي يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس
وعلي شيخه هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
والحديث مر بالسند الأول بعينه في كتاب الهبة في باب إذا واهب هبة أو وعد ثم مات إلى قوله فحثى لي ثلاثا بدون الزيادة التي بعده وتقدمت رواية سفيان عن عمرو هو ابن دينار عن محمد بن علي بن الحسين بن علي في كتاب الكفالة في باب من تكفل عن ميت دينا وفي كتاب الشهادات في باب من أمر بإنجاز الوعد فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر الحديث
قوله فلما جاء مال البحرينأرسله العلاء بن الحضرمي قوله أو عدة أي وعد قوله مناديا قيل يحتمل أن يكون بلالا رضي الله تعالى عنه قوله فحثى لي ثلاثا أي ثلاث حثيات من حثى يحثي ومن حثا يحثو لغتان الحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ الكفين وذكر أبو عبيد أنهما بمعنى قوله تبخل بفتح الخاء ويروى تبخل بتشديد الخاء أي تنسب إلى البخل قوله عني أي من جهتي قوله ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك فإن قلت إذا كان يريد أن يعطيه فلم منعه قلت لعله منع الإعطاء في الحال لمانع أو لأمر أهم من ذلك أو لئلا يحرص على الطلب أو لئلا يزدحم الناس عليه ولم يرد به المنع الكلي على الإطلاق قوله قال سفيان هو متصل بالسند المذكور قوله أدوا قال القاضي عياض رواه المحدثون غير مهموز من دوى الرجل إذا كان به مرض في جوفه والصواب الهمز لأنه من الداء
8313 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( قرة بن خالد ) قال حدثنا ( عمرو بن دينار ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال بينما رسول الله يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل اعدل فقال له شقيت إن لم أعدل
لا يمكن توجيه وجه المطابقة بين حديث الباب وبين الترجمة إلا بأن يقال لما كان التصرف في الفيء والأنفال والغنائم والأخماس للنبي وفي الحديث ذكر قسمة الغنيمة وفي الترجمة ما يدل على هذا حصلت المطابقة من هذا الوجه وإن كان فيه بعض التعسف
وقرة بضم القاف وتشديد الراء هو ابن خالد أبو محمد السدوسي البصري وقد مر تفسير الجعرانة غير مرة أنه موضع قريب من مكة وهي في الحل وميقات الإحرام وهي بتسكين العين والتخفيف وقد تكسر وتشدد الراء وكانت القسمة بالجعرانة قسمة غنائم هوازن وكانت الغنيمة ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والشاء ما لا يدرى عدته ويقال عدة الإبل أربعة وعشرون ألف بعير وعدة الغنم أكثر من أربعين ألف شاة ومن الفضة أربعة آلاف أوقية وقال الواقدي أصاب كل راجل أربع من الإبل وأربعون شاة وعن سفيان بن عيينة عن

(15/61)


رافع بن خديج أن رسول الله أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة من الإبل فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة وصفوان بن أمية مائة وعيينة بن حصين مائة والأقرع بن حابس مائة وعلقمة بن غلاثة مائة ومالك بن عوف مائة والعباس ابن مرادس دون المائة وقصتهم مشهورة
قوله إذ قال جواب بينا والرجل الذي قال له إعدل دو الخويصرة التميمي كما ذكره ابن إسحاق رجل من بني تميم وفي رواية قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وسيأتي حديث أبي سعيد مطولا قال بينما نحن عند رسول الله وهو يقسم إذا أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم فقال يا رسول الله إعدل الحديث قوله فقال له أي فقال رسول الله للرجل شقيت إن لم أعدل وشقيت بضم التاء في رواية الأكثرين ومعناه ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء بل هو عادل فلا يشقى وحكى القاضي عياض فتح التاء على الخطاب ورجحه النووي والمعنى على هذا لقد ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل أو حيث تعتقد ذلك في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن وقال الذهبي ذو الخويصرة القائل فقال يا رسول الله إعدل يقال هو حرقوص بن زهير رأس الخوارج قتل في الخوارج يوم النهر
61 -
( باب ما من النبي على الأسارى من غير أن يخمس )
أي هذا باب في بيان ما منه النبي على الأسارى من غير تخميس وأشار بهذه الترجمة إلى أنه له أن يتصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة فتارة ينفل من رأس الغنيمة وتارة من الخمس وتارة يمن بلا تخميس يعني بغير فداء
9313 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد ابن جبير عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن النبي قال في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هاؤلاء النتنى لتركتهم له
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث وإسحاق بن منصور شيخ البخاري صرح أصحاب الأطراف إنه إسحاق ابن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي وكذا ذكره في المغازي فقال حدثني إسحاق بن منصور حدثنا ( عبد الرزاق ) ورواه أبو نعيم عن الطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق ولما رواه في المغازي قال حدثنا محمد ابن مكي حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق وكذا هو في بعض نسخ المغاربة أنه ابن منصور وجبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة مصغر الجبر أسلم قبل الفتح ومات بالمدينة وأبوه مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي مات كافرا في صفر قبل بدر بنحو سبعة أشهر وكان قد أحسن السعي في نقض الصحيفة التي كتبها قريش في أن لا يبايعوا الهاشمية والمطلبية ولا يناكحوهم وحصروهم في الشعب ثلاث سنين فأراد النبي أن يكافيه وقيل لما مات أبو طالب وخديجة خرج رسول الله إلى الطائف فلم يلق عندهم خيرا ورجع إلى مكة في جوار المطعم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسحاق بن منصور وقال المزي أخرجه في الخمس عن إسحاق ولم ينسبه وأخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق به
قوله في هؤلاء النتنى قال الخطابي النتنى جمع النتن مثل الزمنى والزمن يقال أنتن الشيء فهو منتن ونتن
وفيه دلالة على أن للإمام أن يمن على الأسارى بغير فداء خلافا للبعض وفيه حجة لأبي حنيفة ومالك على أن الغنائم لا تستقر ملكا للغانميم إلا بعد القسمة وقال الشافعي يملكون بنفس الغنيمة وقال بعضهم الجواب عن الحديث أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين وليس في الحديث ما يمنع ذلك فلا يصلح للاحتجاج قلت رد هذا بأن طيب قلوب الغانميم بذلك من العقود الاختيارية فيحتمل أن لا يذعن بعضهم قوله وليس في الحديث ما يمنع ذلك فنقول كذلك ليس في الحديث ما يقتضي ذلك وقال ابن قصار لو ملكوا بنفس العقد لكان من له أب أو ولد أو ممن يعتق عليه إذا

(15/62)


ملكه يجب أن يعتق عليه ويحاسب به من سهمه وكان يجب لو تأخرت القسمة في العين والورق ثم إن قسمت يكون حول الزكاة على الغانمين يوم غنموا إذ في اتفاقهم أنه لا يعتق عليهم من يلزم عتقه إلا بعد القسمة ولا يكون حول الزكاة إلا من يوم حاز نصيبه بالقسمة فدل هذا كله على أنها لا تملك بنفس الغنيمة إذ لو ملكت بنفس الغنيمة لم يجب عليه الحد إذا وطىء جارية من المغنم وقد أنكر الداودي دخول التخميس في أسارى بدر فقال لم يقع فيهم غير أمرين أما المن بغير فداء وأما الفداء بمال ومن لم يكن مال له علم أولاد الأنصار الكتابة ورد بأنه لا يلزم من وقوع شيء أو شيئين مما خير فيه رفع التخيير فافهم
71 -
( باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر )
هذا باب يذكر فيه ومن الدليل وقد مر توجيه هذا عند قوله باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين قوله للإمام أراد به من كان نائب رسول الله لأن التصرف فيه له ولمن يقوم مقامه قوله وأنه يعطي عطف على أن الخمس أي وعلى أنه يعطي بعض قرابته دون بعض قوله ما قسم في محل الرفع على الابتداء و ما موصولة وخبره قوله ومن الدليل مقدما قوله لبني المطلب هذا المطلب هو عم عبد المطلب جد رسول الله وكان المطلب وهاشم ونوفل وعبد شمس كلهم أولاد عبد مناف وقال ابن إسحاق عبد شمس وهاشم والمطلب أخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل أخاهم لأبيهم فقسم رسول الله لبني المطلب وبني هاشم وترك بي نوفل وبني عبد شمس فهذا يدل على أن الخمس له وله فيه الخيار يضعه حيث شاء
قال عمر بن عبد العزيز لم يعمهم بذلك ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه وإن كان الذي أعطى لما يشكوا إليه من الحاجة ولما مستهم في جنبه من قومهم وحلفائهم
قوله لم يعمهم أي لم يعم قريشا بذلك أي بما قسمه قوله من أحوج إليه أي من أحوج هو إليه قال ابن مالك فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل ومنه قراءة يحيى بن يعمر
تماما علي الذي أحسن بضم النون أي الذي هو أحسن قال وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( الزخرف 48 ) أي وفي الأرض هو إله واحد قلت وفي بعض النسخ دون من هو أحوج إليه فعلى هذا لا يحتاج إلى التكلف المذكور وأحوج من أحوجه إليه غيره وأحوج أيضا بمعنى احتاج قوله وإن كان شرط على سبيل المبالغة ويروى بفتح أن قاله الكرماني قوله أعطيعلى صيغة المجهول وحاصل المعنى وإن كان الذي أعطي أبعد قرابة ممن لم يعط قوله لما تشكو تعليل لعطية الأبعد قرابة وتشكو بتشديد الكاف من التشكي من باب التفعل ويروى لما يشكو من شكا يشكو شكاية قوله ولما مستهم عطف على لما الأولى ويروى مسهم بدون تاء التأنيث قوله في جنبه أي في جانبه قوله وحلفائهم بالحاء المهملة أي حلفاء قومهم بسبب الإسلام وأشار بذلك إلى ما لقي النبي وأصحابه بمكة من قريش بسبب الإسلام
0413 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) عن ( جبير بن مطعم ) قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد

(15/63)


مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في مناقب قريش عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل وفي المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس وأخرجه أبو داود في الخراج عن القواريري عن ابن المهدي وعن القواريري عن عثمان بن عمر وعن مسدد عن هشيم وأخرجه النسائي في قسم الفيء عن محمد بن المثنى وعن عبد الرحمن بن عبد الله وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن يونس بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله عن ابن المسيب في رواية أبي داود أخبرني سعيد بن المسيب قوله عن جبير بن مطعم في رواية البخاري في المغازي من رواية يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قوله مشيت أنا وعثمان وفي رواية أبي داود قال أخبرني جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله فيما قسم من الخمس في بني المطلب فقلت يا رسول الله قسمت لإخواننا في بني المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة فقال النبي إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قوله بمنزلة واحدة لأن عثمان ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وجبير هو ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فهما وبنو المطلب كلهم أولاد عم جده قوله شيء واحد بفتح الشين المعجمة وفي آخره همزة قال عياض روينا في البخاري هكذا بلا خلاف وقال الخطابي روى بعضهم سي بكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ومعناه سواء ومثل قيل هذا رواية الكشميهني هنا ورواية المستملي في المغازي ومناقب قريش وكذا رواية الحموي ويحيى بن معين وحده وقال الخطابي هو أجود في المعنى وقال عياض الصواب رواية العامة لرواية أبي داود إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه انتهى وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير قيل وقع في رواية أبي زيد المروزي شيء أحد بغير الواو فقيل الواحد والأحد بمعنى واحد وقيل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد وقيل لا يقال أحد إلا لله تعالى
حدثني يونس وزاد قال قال الليث جبير ولم يقسم النبي لبني عبد شمس ولا لبني نوفل
هذا التعليق أسنده البخاري في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه
وقال ابن إسحاق عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لام وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل أخاهم لأبيهم
ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب ( المغازي ) وهذا التعليق ذكره ابن جرير والزبير بن بكار ومحمد بن إسحاق وقال ابن جرير وكان هاشم توأم أخيه عبد شمس وأن هاشما خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس فما تخلصت حتى سال بينهما دم فتفاءل الناس بذلك أن يكون بين أولادهما حروب فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة قوله وكان نوفل أخاهم لأبيهم ولم يذكر أمه وهي واقدة بالقاف بنت عمرو المازنية وكان هؤلاء الأربعة قد سادوا قومهم بعد أبيهم وصارت إليهم الرياسة فكأن يقال لهم المجيرون وذلك لأنهم أخذوا لقومهم قريش الأمان من ملوك الأقاليم ليدخلوا في التجارات إلى بلدانهم فكان هاشم قد أخذ أمانا من ملوك الشام والروم وغسان وأخذ لهم عبد شمس من النجاشي الأكبر ملك الحبشة وأخذ لهم نوفل من الأكاسرة وأخذ لهم المطلب أمانا من ملوك حمير وكانت إلى هاشم السقاية والرفادة بعد أبيه وإليه وإلى أخيه المطلب نسب ذوي القربى وقد كانوا شيئا واحدا وقال ابن كثير في ( تفسيره

(15/64)


بنو المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية والإسلام ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول الله وحماية له مسلمهم طاعة لله ولرسوله وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل وإن كانوا أبناء عم فلم يوافقوهم على ذلك بل حاربوهم ونابذوهم وأمالوا بطون قريش على حرب الرسول ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدته اللامية
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا
عقوبة شر عاجل غير أجل
بميزان قسط لا يفيض شعيرة
له شاهد من نفسه حق عادل
لقد سفهت أخلاق قوم تبدلوا
بني خلف قيضا بنا والغياطل
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم
وآل قصي في الخطوب الأوائل
وهذه قصيدة طويلة مائة وعشرة أبيات قد ذكرناها في ( تاريخنا الكبير ) وفسرنا لغاتها قوله بني خلف أراد رهط أمية بن خلف الجمحي قوله قيضا أي مقايضة وهو الاستبدال والغياطل جمع غيطلة وهي الشجرة
81 -
( باب من لم يخمس الأسلاب )
هذا باب يذكر فيه من لم ير بتخميس الأسلاب وأشار بهذا إلى خلاف فيه فقال الشافعي كل شيء من الغنيمة يخمس إلا السلب فإنه لا يخمس وبه قال أحمد وابن جرير وجماعة من أهل الحديث وعن مالك أن الإمام مخير فيه إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه واختاره القاضي إسماعيل بن إسحاق وفيه قول ثالث أنها تخمس إذا كثرت وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وبه قال إسحاق بن راهويه وقال الثوري ومكحول والأوزاعي يخمس وهو قول مالك ورواية عن ابن عباس وقال الزهري عن القاسم بن محمد عن ابن عباس السلب من النفل والنفل يخمس وقال ابن قدامة السلب للقاتل إذا قتل في كل حال إلأ أن ينهزم العدو وبه قال الشافعي وأبو ثور وداود وابن المنذر وقال مسروق إذا التقى الزحفان فلا سلب له إنما النفل قبله أو بعده ونحوه قول نافع وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو بكر بن أبي مريم السلب للقاتل ما لم تمتد الصفوف بعضها إلى بعض فإذا كان كذلك فلا سلب لأحد وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد السلب من غنيمة الجيش حكمه حكم سائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فحينئذ يكون له وقال ابن قدامة وبه قال مالك وقال أحمد لا يعجبني أن يأخذ السلب إلا بإذن الإمام وهو قول الأوزاعي وقال ابن المنذر والشافعي له أخذه بغير إذنه قوله الأسلاب جمع سلب بفتحتين على وزن فعل بمعنى مفعول أي مسلوب وهو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب
ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه
قوله ومن قتل قتيلا فله سلبه هذا المقدار أخرجه الطحاوي وقال حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا حدثنا أبو داود عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن رسول الله قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم وأبو بكرة بكار القاضي وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي وأخرجه أبو داود أيضا في ( سننه ) ولكن لفظه من قتل كافرا فله سلبه قوله قتيلا يعني مشارفا للقتل لأن قتل القتيل لا يتصور قوله من غير أن يخمس ليس من لفظ الحديث وأراد به أن السلب لا يخمس ويروى من غير خمس بضمتين وخمس بسكون الميم قوله وحكم الإمام فيه عطف على قوله من لم يخمس فافهم
1413 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يوسف بن الماجشون ) عن ( صالح بن إبراهيم بن عبد

(15/65)


الرحمان بن عوف ) عن أبيه عن جده قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم ما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس قلت ألا أن هذا صاحبكما الذي سألتماني فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله فأخبراه فقال أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لافنظر في السيفين فقال كلاكما قتله سلبه لمعاذ بن عمرو ابن الجموح وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي لم يخمس سلب أبي جهل
ويوسف هو ابن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة واسمه دينار التيمي القرشي والماجشون هو يعقوب وهو بالفارسية تفسيره المورد وهو بكسر الجيم وفتحها وضم الشين المعجمة وصالح بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن وإبراهيم بن عبد الرحمن سمع أباه عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وعن يعقوب بن إبراهيم وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون
قوله بينا أناقد مر غير مرة أن أصله بين فأشبعت الفتحة فصار بينا ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى جواب فجوابه هو قوله فإذا أنا بغلامين وهما معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء ويجيء ذكرهما عن قريب قوله حديثة أسنانهما صفة الغلامين فلذلك جر لفظ حديثة و أسنانهما بالرفع لأنه فاعل حديثة قوله بين أضلع بالضاد المعجمة والعين المهملة أي بين أشد وأقوى منهما أي من الغلامين المذكورين وهو على وزن أفعل من الضلاعة وهي القوة يقال اضطلع بحمله أي قوي عليه ونهض به وهذا هكذا رواة الأكثرين ووقع في رواية الحموي وحده بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين ونسب ابن بطال هذه الرواية لمسدد شيخ البخاري وقال خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي وموسى بن إسماعيل عند ابن سنجر وعفان عند ابن أبي شيبة فكلهم رووا أضلع بالضاد المعجمة والعين المهملة ورواية ثلاثة حفاظ أولى من رواية واحد خالفهم وقال القرطبي الذي في مسلم أضلع ووقع في بعض رواياته أصلح والأول الصواب قوله هل تعرف أبا جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي فرعون هذه الأمة قوله أخبرت بضم الهمزة على صيغة المجهول قوله لا يفارق سوادي سواده يعني لا يفارق شخصي شخصه وأصله أن الشخص يرى على البعد أسود قوله الأعجل منا أي الأقرب أجلا وهو كلام مستعمل يفهم منه أن يلازمه ولا يتركه إلى وقوع الموت بأحدهما وصدور هذا الكلام في حال الغضب والانزعاج يدل على صحة العقل الوافر والنظر في العواقب فإن مقتضى الغضب أن يقول حتى أقتله لكن العاقبة مجهولة قوله فلم أنشب فلم ألبث يقال نشب بعضهم في بعض أي دخل وتعلق ونشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه ولم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره ولا بسواه ومادته نون وشين معجمة وباء موحدة قوله يجول في الناس بالجيم وفي رواية مسلم يزول هو بمعناه أي يضطرب في المواضع ولا يستقر على حال قوله ألا للتحضيض والتنبيه قوله فابتداره أي سبقاه مسرعين قوله فنظر في السيفين ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما فعلم أن الجموح هو المثخن وقال المهلب نظره في السيفين ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسيف لمن كان في ذلك أبلغ ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما لأنهما لو مسحاهما لما بين المراد من ذلك قوله فقال كلاكما قتله إنما قال ذلك وإن كان أحدهما أو الذي

(15/66)


أثخنه تطييبا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في القتل قوله سلبه أي سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح وإنما حكم له مع أنهما اشتركا في القتل لأن القتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب هو الإثخان وهو إنما وجد منه وقال الإسماعيلي إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ فدل قوله كلاكما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها وبه يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه ولما روى الطحاوي هذا الحديث قال فيه دليل على أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان وجب سلبه لهما ولم يكن النبي ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر إلا يرى أن الإمام لو قال من قتل قتيلا فله سلبه وقتل رجلان قتيلا إن سلبه لهما نصفان وأنه ليس للإمام أن يحرم أحدهما ويدفعه إلى الآخر لأن كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه وهما أولى به من الإمام فلما كان للنبي في سلب أبي جهل أن يجعله لأحدهما دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما لأنه لم يكن قال يومئذ من قتل قتيلا فله سلبه وقال أيضا إن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا أن يجعل الإمام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم
قوله وكانا أي الغلامان المذكوران من الأنصار معاذ بن عفراء ومعاذ عمرو بن الجموح أما معاذ بن عفراء بفتح العين المهملة وسكون الفاء وبالراء وبالمد وهي أمه عفراء بنت عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد وهكذا قاله محمد بن إسحاق وقال ابن هشام هو معاذ ابن الحارث بن عفراء بن سواد بن مالك بن النجار وقال موسى بن عقبة معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث شهد بدرا هو وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء وهم بنو الحارث بن رفاعة وقال أبو عمر ولمعاذ بن عفراء رواية عن النبي في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فالجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعيد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج السلمي الخزرجي الأنصاري شهد العقبة وبدرا هو وأبوه عمرو وقتل عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه يوم أحد وذكر ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق أنه الذي قطع رجل أبي جهل بن هشام وصرعه وقال وضرب ابنه عكرمة بن أبي جهل يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته وتركه وبه رمق ثم وقف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمره رسول الله أن يلتمسه في القتلى وفي ( صحيح مسلم ) ابن ابني عفراء ضرباه حتى برد بالدال أي مات وفي رواية حتى برك بالكاف أي سقط على الأرض وكذا في البخاري في باب قتل أبي جهل وادعى القرطبي أنه وهم التبس على بعض الرواة معاذ بن الجموح بمعاذ بن عفراء وقال ابن الجوزي ابن الجموح ليس من ولد عفراء ومعاذ بن عفراء ممن باشر قتل أبي جهل فلعل بعض إخوته حضره أو أعمامه أو يكون الحديث ابن عفراء فغلط الراوي فقال ابنا عفراء وقال أبو عمر أصح من هذا حديث أنس بن مالك أن ابن عفراء قتله وقال ابن التين يحتمل أن يكونا أخوين لأم أو يكون بينهما رضاع وقال الداودي ابنا عفراء سهل وسهيل ويقال معوذ ومعاذ وروى الحاكم في ( إكليله ) من حديث الشعبي عن عبد الرحمن ابن عوف حمل رجل كان مع أبي جهل على ابن عفراء فقتله فحمل ابن عفراء الآخر على الذي قتل أخاه فقتله ومر ابن مسعود على أبي جهل فقال الحمد لله الذي أعز الإسلام فقال أبو جهل تشتمني يا رويعي هذيل فقال نعم والله وأقتلك فحذفه أبو جهل بسيفه وقال دونك هذا إذا فأخذه عبد الله فضربه حتى قتله وقاال يا رسول الله قتلت أبا جهل فقال الله الذي لا إله إلا هو فحلف له فأخذه النبي بيده ثم انطلق معه حتى أراه إياه فقام عنده وقال الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله ثلاث مرات والتوفيق بين هذه الروايات إثبات الاشتراك في قتل أبي جهل ولكن السلب ما ثبت إلا للذي أثخنه على ما مر فافهم

(15/67)


قال محمد سم يوسف صالحا وإبراهيم أباه
محمد هو البخاري أي سمع يوسف بن الماجشون صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المذكور في الإسناد وسمع إبراهيم أباه وهذه الزيادة هنا لأبي ذر وأبي الوقت وأراد بهذه دفع قول من يقول إن بين يوسف وبين صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن رجل هو عبد الواحد بن أبي عون وهو رجل مشهور ثقة فيكون الحديث منقطعا وقد ذكره البزار في روايته عن محمد بن عبد الملك القريشي وعلي بن مسلم قالا حدثنا يوسف بن أبي سلمة حدثنا عبد الواحد بن أبي عون حدثني صالح بن إبراهيم به ثم قال هذا الحديث لا نعلمه يروي عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ووثق عبد الواحد فأشار البخاري بهذه الزيادة أن سماع يوسف عن صالح وسماع إبراهيم عن أبيه ثابت فالحديث متصل
2413 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( ابن أفلح ) عن ( أبي محمد ) مولى ( أبي قتادة ) عن ( أبي قتادة ) رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس قال أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس النبي فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال الثالثة مثله فقال رجل صدق يا رسول الله وسلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لا الله إذا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه فقال النبي صدق فأعطاه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
مطابقته للترجمة من حيث إن السلب الذي أخذه أبو قتادة لم يخمس وهذا الإسناد بعينه قد ذكر في كتاب البيوع في باب بيع السلاح في الفتنة فإنه أخرجه هناك مختصرا
ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أفلح هو عمر بن كثير بن أفلح وأبو محمد هو نافع مولى أبي قتادة وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري
وقد مر الكلام فيه هناك ومن أخرجه غيره ولطائف إسناده
ذكر معناه قوله عام حنين وكان في السنة الثامنة من الهجرة وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو منصرف قوله جولة أي بالجيم أي دوران واضطراب من جال يجول إذا دار قوله فاستدرت من الدوران هذه رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين فاستدبرت من الاستدبار قوله على حبل عاتقه وهو موضع الرداء من العنق وقيل ما بين العنق والمنكب وقيل هو عرق أو عصب هناك قوله ما بال الناس أي ما حال الناس منهزمين قوله قال أمر الله أي قال عمر جاء أمر الله تعالى ويقال معناه ما حالهم بعد الانهزام فقال أمر الله غالب والعاقبة للمتقين قوله رجعوا أي بعد الانهزام قوله لاها الله إذا كذا الرواية بالتنوين قال الخطابي والصواب فيه لاها الله ذا بغير ألف قبل الذال ومعناه لا والله يجعلون الهاء مكان الواو بمعنى والله لا يكون ذا وقال المازري معناه لاها الله ذا يميني أو قسمي وقال أبو زيد ذا زائدة وفي هذا لغتان المد والقصر قالوا ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو وقالوا ولا يجوز الجمع بينهما فلا يقال لاها والله وقال أبو عثمان المازني

(15/68)


من قال لاها الله إذا فقد أخطأ إنما هو لاها الله ذا وقال الجوهري ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت وقولهم لاها الله ذا أن أصله لا والله هذا ففرقت بين ها وذا وتقديره لا والله ما فعلت هذا وقال الكرماني المعنى صحيح على لفظ إذا يعني بالتنوين جوابا وجزاء وتقديره لا والله إذا صدق لا يكون أو لا يعمد ويروى برفع الله مبتدأ و ها للتنبيه و لا يعمد خبره قوله يعمد بالياء آخر الحروف وبالنون أيضا وكذلك يعطيك بالياء والنون أي لا يقصد رسول الله إلى رجل كالأسد يقاتل عن جهة الله ورسوله نصرة في الدين فيأخذ حقه قوله يعطيك أي لا يعطيك أيها الرجل المسترضي حق أبي قتادة لا والله كيف وهو أسد الله قوله إلى أسد من أسد الله الأول بفتحتين مفرد والثاني بضم الهمزة وسكون السين جمع أسد فقال النبي صدق أي أبو بكر قوله فأعطاه أي فأعطى النبي أبا قتادة الدرع ومقتضى الظاهر أن يقول فأعطاني فعدل إلى الغيبة التفاتا أو تجريدا وهو مفعول ثان والأول محذوف وإنما أعطاه بلا بينة لأنه لعله علم أنه القاتل بطريق من الطرق ولا يقال إن أبا قتادة استحق السلب بإقرار من هو في يده لأن المال كان منسوبا إلى الجيش جميعهم فلا اعتبار لإقراره قوله فابتعت به مخرفا أي اشتريت بالدرع أي بثمنه إن كان باعه والمخرف بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها فاء وهو البستان وقيل الحائط من النخل يخرف فيه الرطب أي يجتنى قوله في بني سلمة بكسر اللام قوله تأثلته أي جمعته وهو من باب التفعل فيه معنى التكلف مأخوذ من الأثلة وهو الأصل أي اتخذته أصلا للمال ومادته همزة وثاء مثلثة ولام يقال مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل
ذكر ما يستفاد منه احتج به من قال إن السلب من رأس الغنيمة لا من الخمس لأن إعطاءه أبا قتادة كان قبل القسمة لأنه نقل حين برد القتال وأجاب أصحابنا ومالك عنه فقال هذا حجة لنا لأنه إنما قال ذلك بعد تقضي الحرب وقد حيزت الغنائم وهذه حالة قد سبق فيها مقدار حق الغانمين وهو الأربعة الأخماس على ما أوجبها الله لهم فينبغي أن يكون من الخمس وقال القرطبي هذا الحديث أدل دليل على صحة مذهب مالك وأبي حنيفة وزعم من خالفنا أن هذا الحديث منسوخ بما قاله يوم حنين وهو فاسد لوجهين الأول أن الجمع بينهما ممكن فلا نسخ الثاني روى أهل السير وغيرهم أن النبي قال يوم بدر من قتل قتيلا فله سلبه كما قاله يوم حنين وغايته أن يكون من باب تخصيص العموم وفيه أن لاها الله يمين ولكنهم قالوا إنه كناية إن نوى بها اليمين كانت يمينا وإلا فلا قلت ظاهر الحديث يدل على أنه يمين وفيه جواز كلام الوزير ورد مسائل الأمير قبل أن يعلم جواب الأمير كما فعله أبو بكر رضي الله تعالى عنه حين قال لاها الله وفيه إذا ادعى رجل أنه قتل رجلا بعينه وادعى سلبه هل يعطى له فقالت طائفة لا بد من البينة فإن أصاب أحدا فلا بد أن يحلف معه ويأخذه واحتجوا بظاهر هذا الحديث وبه قال الليث والشافعي وجماعة من أهل الحديث وقال الأوزاعي لا يحتاج إليها ويعطى بقوله وفيه من استدل به على دخول من لا سهم له في عموم قوله من قتل قتيلا وعن الشافعي لا يستحق السلب إلا من استحق السهم وبه قال مالك لأنه إذا لم يستحق السهم فلأن لا يستحق السلب بالطريق الأولى ورد بأن السهم علق على المظنة والسلب يستحق بالفعل فهو أولى وهذا هو الأصح وفيه أن السلب مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من وقف عليه وفيه أن السلب مستحق للقاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة وبه قال أبو ثور وابن المنذر وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة وقال ابن قدامة ويجوز أن يسلب القتلى ويتركهم عراة قاله الأوزاعي وكرهه الثوري وابن المنذر
91 -
( باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه )
أي هذا باب في بيان ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم وهم ضعفاء النية في الإسلام وشرفاء يتوقع بإسلامهم إسلام نظرائهم قوله وغيرهم أي المؤلفة قلوبهم ممن يظهر له المصلحة في إعطائه قوله ونحوه أي ونحو الخمس وهو مال الخراج والجزية والفيء

(15/69)


( رواه عبد الله بن زيد عن النبي )
أي روى ما ذكر في الترجمة عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني المدني وسيأتي حديثه الطويل موصولا في قصة حنين إن شاء الله تعالى
50 - ( حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال سألت رسول الله فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال لي يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل فقال يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي حتى توفي )
مطابقته للترجمة في قوله سألت رسول الله فأعطاني ثم سألت فأعطاني وحكيم بن حزام كان من المؤلفة قلوبهم وهو بفتح الحاء وكسر الكاف وحزام بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي والحديث قد مضى في كتاب الزكاة في باب الاستعفاف في المسألة فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس عن الزهري إلى آخره نحوه وتقدم الكلام فيه هناك مستوفى قوله لا أرزأ بتقديم الراء على الزاي أي لا آخذ من أحد شيئا بعدك وأصله النقص
51 - ( حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله إنه كان على اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به قال وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة قال فمن رسول الله على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك فقال عمر يا عبد الله انظر ما هذا فقال من رسول الله على السبي قال اذهب فأرسل الجاريتين قال نافع ولم يعتمر رسول الله من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله )
مطابقته للترجمة في قوله وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين وأبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي وهذا الحديث يشتمل على ثلاثة أحكام الأول في الاعتكاف أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف في باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل إلى آخره لكن رواه نافع هناك عن ابن عمر أن عمر وهنا عن نافع أن عمر هذا مرسل لأنه لم يدرك رسول الله ولا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكل ما رواه عنهما فهو مرسل وقد مر الكلام فيه الثاني في المن على السبي وهو قوله قال وأصاب عمر جاريتين وهو أيضا مرسل وقال الدارقطني روى سفيان بن عيينة عن أيوب حديث الجاريتين فوصله عنه قوم وأرسله عنه آخرون الثالث في العمرة وهو أيضا مرسل ووصله مسلم قال حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله

(15/70)


من الجعرانة فقال لم يعتمر منها وليس في قول نافع حجة لأن ابن عمر ليس كل ما علمه حدث به نافعا ولا كل ما حدث به حفظه نافع ولا كل ما علم ابن عمر لا ينساه والعمرة من الجعرانة أشهر من هذا وأظهر أن يشك فيها
( وزاد جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال من الخمس )
أراد بهذا أن حديث السبي في رواية جرير بن حازم موصول وأن الذي أصاب عمر جاريتين كان من الخمس قال الدارقطني حديث جرير موصول وحماد أثبت في أيوب من جرير
( ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في النذر ولم يقل يوم )
أي روى حديث الاعتكاف معمر بفتح الميمين قيل اتفقت الروايات كلها على أنه بفتح الميمين ابن راشد وقال بعضهم وحكى بعض الشراح أنه معتمر بفتح الميم وبعد العين تاء مثناة من فوق وهو تصحيف قلت إن أراد به الكرماني فهو لم يقل هكذا وإنما عبارته معمر بفتح الميمين ابن راشد وفي بعضها معتمر بلفظ الفاعل من الاعتمار وكلاهما أدركا أيوب وسمعا منه والأول أشهر قوله في النذر أي في حديث النذر قوله ولم يقل يوم يعني لم يذكر لفظ يوم في قوله على اعتكاف يوم ويجوز في يوم الجر بالتنوين على طريق الحكاية ويجوز النصب على الظرفية
52 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن قال حدثني عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال أعطى رسول الله قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قوما أخاف ظلعهم وجزعهم وأكل أقواما إلي ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم )
مطابقته للترجمة في قوله أعطى رسول الله قوما والحسن هذا هو البصري وعمرو بالواو بن تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة وقد مر الحديث في كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد فإنه أخرجه هناك عن محمد بن معمر قال حدثنا أبو عاصم عن جرير بن حازم إلى آخره قوله كأنهم عتبوا عليه أي لاموا قال الخليل حقيقة العتاب مخاطبة الادلال ومذاكرة الموجدة قوله ظلعهم ليس هناك وإنما هناك لما رأى في قلوبهم من الجزع والهلع والظلع بفتح الظاء المعجمة واللام وبالعين المهملة وهو الاعوجاج وأصل الظلع الميل وأطلق ههنا على مرض القلب وضعف اليقين قوله وجزعهم بالجيم والزاي قوله وأكل أي أفوض قوله من الغنى بالكسر والقصر بلفظ ضد الفقر في رواية الكشميهني وفي رواية غيره من الغناء بفتح الغين المعجمة ثم نون ممدودة وهو الكفاية قوله بكلمة رسول الله أي التي قالها في حقه وهي إدخاله في أهل الخير والغناء ويقال المراد الكلمة التي قالها في حق غيره فالمعنى لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي أو أن يكون لي ذلك وتقال تلك الكلمة في حق غيري قوله حمر النعم قال الجوهري النعم واحد الانعام وهو المال الراعية وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل والحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم
( وزاد أبو عاصم عن جرير قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله أتي بمال أو بسبي فقسمه بهذا )
أبو عاصم هو الضحاك المشهور بالنبيل أحد مشايخ البخاري وهذا من المواضع التي علق البخاري عن بعض شيوخه ما بينه وبينه واسطة وساقه موصولا في أواخر الجمعة وأدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة حيث قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا أبو عاصم عن جرير بن حازم وقد ذكرناه الآن وهنا روى عنه بواسطة وتارة يروى بلا واسطة قوله أو بسبي

(15/71)


بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وفي رواية الكشميهني بشيء بالشين المعجمة وهو أشمل وأعم من ذلك قوله بهذا أي بهذا الذي ذكر في الحديث
33 - ( حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال النبي إني أعطي قريشا أتألفهم لأنهم حديث عهد بجاهلية )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأخرج البخاري هذا الحديث مطولا ومختصرا فأخرجه في مناقب قريش عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن بندار عن غندر وفرق عن أبي الوليد وآدم على ما يجيء قوله أتألفهم أي أطلب ألفهم قوله لأنهم حديث عهد أي قريب العهد بالكفر ويروى حديثوا عهد بصيغة الجمع والحديث على وزن فعيل يستوى فيه المذكر والمؤنث والمثنى والجمع وإن كان بمعنى الفاعل
54 - ( حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن ناسا من الأنصار قالوا لرسول الله حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله فقال ما كان حديث بلغني عنكم قال له فقهاؤهم أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله إني أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض قال أنس فلم نصبر )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع قوله فطفق بمعنى أخذ في الفعل وجعل يفعل وهو من أفعال المقاربة قوله المائة من الإبل ذكر ابن إسحاق الذين أعطاهم رسول الله يومئذ مائة من الإبل يتألفهم ويتألف بهم قومهم هم أبو سفيان صخر بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن الحارث بن كلدة والحارث بن هشام وسهل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى والعلاء بن حارثة الثقفي وعيينة بن حصن وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس ومالك بن عوف النصري فهؤلاء أصحاب المئين وأعطى دون المائة رجالا من قريش منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمير بن وهب الجمحي وهشام بن عمر وأخو بني عامر قال ابن اسحاق لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المائة وأعطى سعد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل والسهمي كذلك وقال ابن هشام واسمه عدي بن قيس وأعطى عباس بن مرداس أباعر قليلة وقال ابن التين أنهم فوق الأربعين وعد منهم عكرمة بن أبي جهل قوله فحدث رسول الله على صيغة المجهول أي أخبر رسول الله ما قاله أناس من الأنصار قوله فقهاؤهم أي أصحاب الفهم والعلم واشتقاق الفقه في الأصل من الفهم وليس المراد منه ما جعله العرف خاصا بعلم الشريعة وتخصيصا بعلم

(15/72)


الفروع منها قوله أما ذوو رأينا أي أما أصحاب رأينا الذين ترجع إليهم الأمور فلم يقولوا شيئا من ذلك قوله حديثة أسنانهم أرادوا بهم الشبان الجهال الذين ما تمكنوا من القول بالصواب وقوله أسنانهم مرفوع بحديثه قوله إلى رجالكم هو جمع الرحل وهو مسكن الرجل وما يستصحبه من المتاع قوله خير أي رسول الله خير من المال قوله أثرة بفتح الهمزة والثاء المثلثة وهو اسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى يقال استأثر فلان بالشيء أي استبد به وأراد استقلال الأمراء بالأموال وحرمانكم منها وهذا مر في كتاب الشرب
8413 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عمر بن محمد بن جبير بن مطعم ) أن ( محمد بن جبير ) قال أخبرني ( جبير بن مطعم ) أنه بينا هو مع رسول الله ومعه الناس مقبلا من حنين علقت رسول الله الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله فقال أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا ( انظر الحديث 1282 )
مطابقته للترجمة تستأنس من قوله لقسمته بينكم وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو ابن كيسان
والحديث مر في كتاب الجهاد في باب الشجاعة في الحرب والجبن فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عمر بن محمد إلى آخره
قوله مقبلا نصب على الحال ووقع في رواية الكشميهني مقفله أي مرجعه قوله إلى سمرة بفتح السين المهملة وضم الميم وهي شجرة طويل متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلب الخشب قوله فخطفت رداءه أي خطفت السمرة على سبيل المجاز أو خطفت الأعراب قوله العضاه هو شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر واحدتها عضة كشفة وشفاه وأصلها عضهة وشفهة فحذفت الهاء وقيل واحدها عضاهة وقد مر تحقيق الكلام فيه هناك
9413 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كنت أمشي مع النبي وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه أعطى لهذا الأعرابي مع إساءته في حقه تألفا له وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أبو يحيى الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن إسماعيل بن أبي أويس وفي الأدب عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وأخرجه مسلم في الزكاة عن عمرو بن محمد الناقد وعن يونس بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن يونس بن عبد الأعلى به مختصرا
قوله وعليه برد نجراني الواو فيه للحال والبرد بضم الباء الموحدة وهو نوع من الثياب معروف والجمع أبراد وبرود ونجراني بالنون المفتوحة وسكون الجيم وبالراء نسبة إلى نجران بلد باليمن قوله إلى صفحة عاتق النبي صفح كل شيء وجهه وناحيته والعاتق ما بين المنكب والعنق قوله جذبة الجذبة والجبذة بمعنى واحد
وفيه لطف رسول الله وحلمه وكرمه وأنه لعلى خلق عظيم
0513 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله )

(15/73)


رضي الله تعالى عنه قال لما كان يوم حنين آثر النبي أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة قال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن النبي فأتيته فأخبرته فقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير بفتح الجيم ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن قتيبة وأخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب
قوله آثر بالمد أي اختار أناسا في القسمة بالزيادة والأقرع بن حابس بالحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي الدارمي أحد المؤلفة قلوبهم وكان الأقرع وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله فتح مكة وحنينا والطائف وقال الذهبي قال ابن دريد اسمه فراش ولقبه الأقرع لقرع برأسه وكان أحد الأشراف واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بجوزجان وعيينة بضم العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وسكون الثانية أبو حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري من المؤلفة قال الذهبي وكان أحمق مطاعا دخل على النبي بغير إذن وأساء الأدب فصبر النبي على جفوته وأعرابيته وقد ارتد وآمن بطليحة ثم أسر فمن عليه الصديق رضي الله تعالى عنه ثم لم يزل مظهرا للإسلام واسمه حذيفة ولقبه عيينة لشتر عينه قوله فقال رجل
قوله أو ما أريد فيها أي في هذه القسمة وكلمة أو شك من الراوي وفي مسلم بالواو من غير شك قوله فأخبرته وفي رواية مسلم بعده بما قال قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف بكسر الصاد المهملة وسكون الراء وفي آخره فاء وهو صبغ أحمر يصبغ به الجلود وقال ابن دريد وقد يسمى الدم صرفا وفي رواية أخرى له قال فأتيت النبي فساررته فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكر له وقال القاضي عياض حكم الشرع أن من سب النبي كفر وقتل ولم يذكر في هذا الحديث أن الرجل قتل وقال المازري يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة فلعله لم يعاقب هذا الرجل لأنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وبشهادة الواحد لا يراق الدم قوله أوذي على صيغة المجهول
1513 - حدثنا ( محمود بن غيلان ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( أسماء ) ابنة أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ ( الحديث 1513 - طرفه في 4225 )
وجه المطابقة بينه وبين قوله في الترجمة وغيرهم أي وغير المؤلفة وفي قوله وغيره أي وغير الخمس يؤخذ من هذا وفيه دقة
وغيلان بفتح الغين المعجمة وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة ابن الزبير بن العوام
والحديث أخرجه البخاري مطولا في النكاح ولم يذكر هنا إلا قصة النووي وأخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وفي الاستئذان عن أبي كريب وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن عبد الله

(15/74)


ابن المبارك
قوله أقطعه أي أعطاه قطعة من الأراضي التي جعلت الأنصار لرسول الله حين قدم المدينة أو من أراضي بني النضير كما في الحديث بعده قوله على رأسي يتعلق بقوله انقل قوله وهي أي الأرض التي أقطعه
وقال أبو ضمرة عن هشام عن أبيه أن النبي أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير
أبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء اسمه أنس بن عياض وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام وأشار بهذا التعليق إلى أن أبا ضمرة خالف أسامة في وصله فأرسله كما نرى وأيضا فيه تعيين الأرض المذكورة وأنها كانت مما أفاء الله تعالى على رسوله من أموال بني النضير فأقطع الزبير منها وبهذا يجاب عن إشكال الخطابي حيث قال لا أدري كيف أقطع النبي أرض المدينة وأهلها قد أسلموا راغبين في الدين إلا أن يكون المراد ما وقع من الأنصار أنهم جعلوا للنبي ما لا يبلغه الماء من أرضهم فأقطع النبي لمن شاء منه
2513 - حدثني ( أحمد بن المقدام ) قال حدثنا ( الفضيل بن سليمان ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين فسأل اليهود رسول الله أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف الثمر فقال رسول الله نقركم على ذلك ما شئنا فأقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحا
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة هنا لأنه ليس للعطاء فيه ذكر وأجيب بأن فيه جهات قد علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء فبهذا الطريق يدخل تحت الترجمة
وأحمد بن المقدام بن سليمان العجلي البصري والفضيل مصغر فضل النميري البصري
وقد مر الحديث في كتاب المزارعة في باب إذا قال رب الأرض أقرك بما أقرك الله فإنه أخرجه هناك مطولا عن أحمد بن المقدام عن فضيل بن سليمان عن موسى عن نافع عن ابن عمر إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله أجلى اليهود والنصارى أي أخرجهم من وطنهم يقال أجليت القوم عن وطنهم وجلوتهم وجلى القوم وأجلوا وجلوا وإنما فعل هذا عمر لقوله لا يبقين دينان بجزيرة العرب والصديق اشتغل عنه بقتال أهل الردة أو لم يبلغه الخبر والله أعلم قوله لليهود وللرسول وللمسلمين هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية ابن السكن لما ظهر عليها لله وللرسول قيل هذا هو الصواب وقال ابن أبي صفرة والذي في الأصل صحيح أيضا قال والمراد بقوله لما ظهر عليها أي لما ظهر على فتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه فكانت لليهود فلما صالحهم على أن يسلموا له الأرض كانت لله وللرسول ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي ثمرة الأرض ويحتمل أن يكون المراد بالأرض ما هي أعم من المفتتحة وغير المفتتحة والمراد بظهوره عليها غلبته لهم فكانت حينئذ بعض الأرض لليهود وبعضها للرسول وللمسلمين قوله نقركم من التقرير هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره نترككم قوله تيماء بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالمد قال ابن قرقول هي من أمهات القرى على البحر من بلاد طيء منها يخرج إلى الشام وقال البكري قال السكوني ترتحل من المدينة وأنت تريد تيماء فتنزل الصهباء لأشجع ثم تنزل الثمدى لأشجع ثم تنزل العين ثم سلاج لبني عذرة ثم تسير ثلاث ليال في الجناب ثم تنزل تيماء وهو لطي قوله وأريحاء بفتح

(15/75)


الهمزة وكسر الراء وبالحاء المهملة قال البكري أريحا قرية بالشام وهي أرض سميت بأريحا بن لمك بن أرفخشذ بن سام ابن نوح عليه السلام والله تعالى أعلم
02 -
( باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب )
أي هذا باب في بيان حكم ما يصيب المجاهد من الطعام في دار الحرب هل يؤخذ منه الخمس أو هل يباح أكله للغزاة وفيه خلاف فعند الجمهور لا بأس بأكل الطعام في دار الحرب بغير إذن الإمام ما داموا فيها فيأكلون منه قدر حاجتهم ولا بأس بذبح البقر والغنم قبل أن يقع في المقاسم هذا قول الليث والأربعة والأوزاعي وإسحاق واتفقوا أيضا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورده بعد انقضاء الحرب وقال الزهري لا يأخذ شيئا من الطعام وغيره إلا بإذن الإمام وقال سليمان بن موسى يأخذ إلا أن ينهى الإمام
3513 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( عبد الله بن مغفل ) رضي الله تعالى عنه قال كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي فاستحييت منه
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي رآه ولم ينكر عليه فإن قلت قال فنزوت لآخذه وليس فيه أنه أخذه حتى يتأتى عدم الأنكار قلت جاء في رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل قال أصبت جرابا من شحم يوم خيبر قال فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا رواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان ابن المغيرة
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي وفي الذبائح عن أبي الوليد وفي المغازي أيضا عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في المغازي عن بندار عن سليمان بن المغيرة وأخرجه أبو داود في الجهاد عن موسى بن إسماعيل والقعنبي وأخرجه النسائي في الذبائح عن يعقوب بن إبراهيم
قوله بجراب هو المزود وقال القزاز هو بفتح الجيم وهو وعاء من جلود وفي ( غرائب المدونة ) هو بكسر الجيم وفتحها وقال صاحب ( المنتهى ) الجراب بالكسر والعامة تفتحه وجمعه أجربة وجرب بإسكان الراء وفتحها قوله فنزوت بالنون والزاي أي وثبت مسرعا قوله فإذا النبي أي هناك ونحوه لأن كلمة إذا التي للمفاجأة تقع بعدها الجملة قوله فاستحييت منه أي من النبي إراد أنه استحيى منه من فعل ذلك
وفيه إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي ومن الإعراض عن خوارم المروءة وفيه جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكات محرمة عليهم وكرهها مالك وعنه تحريمها وكذا عن أحمد رضي الله تعالى عنه
4513 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه
مطابقته للترجمة ظاهرة قوله العسل بالنصب مفعول نصيب وعند أبي نعيم من رواية يونس بن محمد وعند الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم كلاهما عن حماد بن زيد فزاد فيه والفواكه وروى الإسماعيلي أيضا من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك وهذا موقوف يوافق المرفوع لأن يوم اليرموك كان بعد النبي قوله ولا نرفعه أي ولا نحمله للادخار قيل ويحتمل أن يريد ولا نرفعه إلى متولي القسمة أو إلى النبي لأجل الاستئذان وفيه ما فيه
4513 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه
مطابقته للترجمة ظاهرة قوله العسل بالنصب مفعول نصيب وعند أبي نعيم من رواية يونس بن محمد وعند الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم كلاهما عن حماد بن زيد فزاد فيه والفواكه وروى الإسماعيلي أيضا من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك وهذا موقوف يوافق المرفوع لأن يوم اليرموك كان بعد النبي قوله ولا نرفعه أي ولا نحمله للادخار قيل ويحتمل أن يريد ولا نرفعه إلى متولي القسمة أو إلى النبي لأجل الاستئذان وفيه ما فيه

(15/76)


5513 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الشيباني ) قال سمعت ( ابن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنهما يقول أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله اكفؤوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئا قال عبد الله فقلنا إنما نهى النبي لأنها لم تخمس قال وقال آخرونع حرمها البتة وسألت سعيد بن جبير فقال حرمها البتة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات ولولا ذلك ما أقدموا بحضرة النبي على ذلك فلما أمروا بالإراقة كفوا
وعبد الواحد بن زياد العبدي البصري والشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة والنون هو سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز الكوفي وابن أبي أوفى هو عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة
وأخرجه البخاري أيضا في المغازي عن سعيد بن سليمان وأخرجه مسلم في الذبائح عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كامل الجحدري وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وأخرجه ابن ماجه في الذبائح عن سويد بن سعيد
قوله مجاعة أي جوع شديد قوله اكفوا أي إقلبوا من كفأت القدر إذا كببتها لتفرغ ما فيها وكفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته قوله ولا تطعموا أي ولا تذوقوا قوله قال عبد الله هو عبد الله بن أبي أوفى الصحابي راوي الحديث وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني بلفظ قال ابن أبي أوفى فتحدثنا فذكر نحوه وفي رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني قال فتحدثنا بيننا أي الصحابة وهذه إشارة إلى أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحوم الحمر هل هو لذاتها أو لعارض فقال عبد الله إنما نهى النبي لأنها لم تخمس فهذا يدل على أنها إذا خمست تؤكل وقال بعضهم لأنها كانت تأكل القذر وفي ( كتاب الأطعمة ) لعثمان بن سعيد الدارمي بإسناده عن سعيد بن جبير قال إنما نهى عنها لأنها كانت تأكل القذر وقال آخرون منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى قال إنما كرهت ابقاء على الظهر وخشية أن يفنى قوله وقال آخرون حرمها ألبتة أي قال جماعة آخرون من الصحابة حرمها البتة يعني قطعا وهو منصوب على المصدرية يقال بته البتة من البت وهو القطع قوله وسألت سعيد ابن جبير السائل هو الشيباني وللشيباني رواية عن سعيد بن جبير من غير هذا الحديث عند النسائي فإن قلت روى ابن شاهين في ( ناسخه ) استدلالا على نسخ التحريم بأسناد جيد عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله يوم خيبر أن نكفيء الحمر الأهلية نيئة ونضيجة ثم أمر
بعد ذلك وروى أبو داود أيضا من حديث غالب بن أبجر أنه قال يا رسول الله لم يبق في مالي شيى أطعم أهلي إلا حمر لي فقال أطعم أهلك من سمين مالك قلت الأحاديث الصحيحة الثابتة ترد ذلك كله وقال الخطابي حديث غالب مختلف في إسناده فلا يثبت والنهي ثابت وقال عبد الحق ليس هو بمتصل الإسناد وقال السهيلي ضعيف لا يعارض بمثله حديث النهي
بسم الله الرحمان الرحيم
85 -
( كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الجزية إلى آخره ولفظ الكتاب إنما وقع عند أبي نعيم وابن بطال وعند الأكثرين باب الجزية وأما البسملة فموجودة عند الكل إلا في رواية أبي ذر والجزية من الجزاء لأنها مال يؤخذ من أهل الكتاب جزاء الإسكان في دار الإسلام وقيل من جزأت الشيء إذا قسمته ثم سهلت الهمزة وهي عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة وهي فعيلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله والموادعة المتاركة والمراد بها متاركة أهل الحرب مدة معينة لمصلحة قيل فيه لف ونشر مرتب لأن الجزية مع أهل الذمة والموادعة مع أهل الحرب

(15/77)


وقول الله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( التوبة 92 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله الجزية أي وفي بيان قول الله عز و جل ومطابقة الآية الكريمة للترجمة في قوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( التوبة 92 ) وهذه الآية أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ولهذا جهز رسول الله لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم فأوعبوا معه واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم وكان ذلك في عام جدب ووقت قيظ وحر وخرج رسول الله يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وأقام على مائها قريبا من عشرين يوما ثم استخار الله تعالى في الرجوع فرجع لضيق الحال وضعف الناس قوله حتى يعطوا الجزية ( التوبة 92 ) أي إن لم يسلموا قوله عن يد ( التوبة 92 ) أي عن قهر وغلبة وهم صاغرون ( التوبة 92 ) أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزازهم لا رفعهم على المسلمين بل أذلاء أشقياء
أذلاء
هذا تفسير البخاري لقوله تعالى وهم صاغرون ( التوبة 92 ) وذكر أبو عبيد في ( المجاز ) الصاغر الذليل الحقير
والمسكنة مصدر المسكين يقال أسكن من فلان أحوج منه ولم يذهب إلى السكون
وجه ذكر البخاري لفظ المسكنة هنا هو أن عادته أنه يذكر ألفاظ القرآن التي لها أدنى مناسبة بينها وبين ما هو المقصود في الباب ويفسرها وقد ورد في حق أهل الكتاب قوله تعالى وضربت عليهم الذلة والمسكنة ( البقرة 16 ) فقال والمسكنة مصدر المسكين قلت المسكنة الفقر المدقع وقال ابن الأثير المسكنة فقر النفس فإن كان مراد البخاري من المصدر الاصطلاحي فلا يصح على ما لا يخفى وإن كان مراده الموضع فكذلك لأنه لا يقال المسكنة موضع صدور المسكين قوله أسكن من فلان أحوج منه إشارة إلى أن المسكين يؤخذ من قولهم فلان أسكن من فلان أي أحوج وليس من السكون الذي هو قلة الحركة وهذا الكلام فيه ما فيه أيضا لأن المسكنة والمسكين وما يشتق من ذلك في هذا الباب كلها من السكون وقال بعضهم والقائل ولم يذهب إلى الكسون قيل هو الفربري الراوي عن البخاري قلت من قال ممن تصدى شرح البخاري أو من غيرهم إن قائل هذا هو الفربري وهذا تخمين وحدس ولئن سلمنا أن أحدا منهم ذكر هذا الإبهام فلا يفيد شيئا لأن المتصرف في مادة خارجا عن القاعدة لا يؤخذ منه وهذا مما لا نزاع فيه ولا مكابرة
وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم
أي وفي بيان ما جاء في أخذ الجزية إلى آخره وهذا من بقية الترجمة قوله والعجم أعم من المعطوف عليه من وجه وأخص من وجه آخر وهذا الذي ذكره هو قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فإن عنده تؤخذ الجزية من جميع الأعاجم سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين وعند الشافعي وأحمد لا يؤخذ إلا من أهل الكتاب وعند مالك يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك إلا من ارتد وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام
وقال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذالك من قبل اليسار

(15/78)


ابن عيينة هو سفيان وابن أبي نجيح هو عبد الله وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عنه به وزاد بعد قوله أهل الشام من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية قوله من قبل اليسار أي من جهة الغنى وأشار بهذا إلى جواز التفاوت في الجزية وقد عرف ذلك في الفروع
6513 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( عمرا ) قال كنت جالسا مع جابر ابن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة سنة سبعين عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة عند درج زمزم قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر )
مطابقته للترجمة في قوله والمجوس
( ذكر رجاله ) الرجال المذكورون فيه أحد عشر نفسا الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني سفيان بن عيينة الثالث عمرو بن دينار الرابع جابر بن زيد أبو الشعثاء البصري الخامس عمرو بن أوس بفتح الهمزة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة الثقفي المكي السادس بجالة بفتح الباء الموحدة وتخفيف الجيم باللام ابن عبدة بالمهملتين والباء الموحدة المفتوحات التميمي وقد يقال بجالة بن عبد بسكون الباء بلا هاء وهو من التابعين الكبار المشهورين من أهل البصرة السابع مصعب بن الزبير بن العوام أبو عبد الله من الطبقة الثانية من التابعين من أهل المدينة وكان يجالس أبا هريرة وحكى عن عمر بن الخطاب وروى عن أبيه الزبير بن العوام وسعد وأبي سعيد الخدري وكان يقال له النحل لجوده وكان جميلا وسيما شجاعا وولي العراق خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف ألف ففرقها في الناس قتل يوم الخميس النصف من جمادى الأخرى سنة اثنتين وسبعين وسنة خمس وثلاثون سنة وقيل تسع وثلاثون وقيل أربعون وقيل خمس وأربعون وكان قتله عند دير الجاثليق على شاطيء نهر يقال له دجيل وقبره معروف هناك وكان عبد الملك بن مروان سار في جنود هائلة من الشام فالتقى مصعبا في السنة المذكورة وعبد الملك في خمسين ألفا ومصعب في ثلاثين ألفا فانهزم جيش مصعب لنفاق جماعة من عسكره وقتل منهم خلق كثير وقتل مصعب قتله زائدة بن قدامة وقيل يزيد بن الهبار القابسي وكان من أصحاب مصعب ونزل إليه عبيد الله بن ظبيان فخر رأسه وأتى به عبد الملك فأعطاه ألف دينار وكان في هذه الأيام عبد الله بن الزبير يدعى له بالخلافة في أرض الحجاز وأخوه مصعب كان عامله على البصرة والكوفة الثامن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي وفي آخره همزة ابن معاوية بن حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة التميمي السعدي قال الدارقطني بكسر الجيم وسكون الزاي وبالياء آخر الحروف وقال ابن ماكولا بفتح الجيم وكسر الزاي وبالياء وقيل بضم الجيم وفتح الزاي وتشديد الياء وقيل هذا تصحيف وقال بعضهم وهو معدود في الصحابة وكان عامل عمر على الأهواز وقال أبو عمر في الاستيعاب لا يصح له صحبة التاسع الأحنف بن قيس واسمه الضحاك بن قيس وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة بن النزال بن مرة ابن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة التميمي السعدي قال أبو عمر أدرك النبي ولم يره وأسلم على عهد النبي وكان أحد الأجلة الحكماء الدهاة الحلماء العقلاء يعد من كبار التابعين بالبصرة ومات بالكوفة في إمارة مصعب بن الزبير سنة سبع وستين ومشى مصعب في جنازته وقال الذهبي هو مخضرم العاشر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الحادي عشر عبد الرحمن بن عوف أحد المبشرة بالجنة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه السماع في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه عمرو بن دينار وليس له هنا رواية لأن بجالة لم يقصده بالتحديث وإنما حدث غيره

(15/79)


فسمعه هذا وهذا من وجوه التحمل بالاتفاق ولكن اختلفوا هل يسوغ أن يقول حدثنا والجمهور على الجواز ومنع منه النسائي وطائفة قليلة وقال البرقاني يقول سمعت فلانا وفيه بجالة وما له في البخاري سوى هذا الموضع وذكر المزي هذا الحديث في مسند عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه أبو داود أيضا في الخراج عن مسدد عن سفيان بأتم منه وأخرجه الترمذي في السير عن أحمد بن منيع بقصة الجزية مختصرة وعن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن سفيان به مختصرا
( ذكر معناه ) قوله سنة سبعين فيها حج مصعب بن الزبير وأخوه يدعي له بالخلافة بالحجاز والعراق وقدم بأموال عظيمة ودواب وظهر ففرق الجميع في قومه وغيرهم ونحر عند الكعبة ألف بدنة وعشرين ألف شاة وأغنى ساكني مكة وعاد إلى الكوفة قوله عند درج زمزم الدرج بفتحتين جمع درجة وهي المرقاة قاله الجوهري وفي المغرب درج السلم رتبة الواحدة درجة قوله قبل موته أي قبل موت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس قال الخطابي أمر عمر رضي الله تعالى عنه بالتفرقة أي بين الزوجين المراد منه أن يمنعوا من إظهاره للمسلمين والإشارة به في مجالسهم التي يجتمعون بها للأملاك وإلا فالسنة أن لا يكشفوا عن بواطن أمورهم وعما يستحلون به من مذاهبهم في الأنكحة وغيرها وذلك كما يشترط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم ولا يفشوا عقائدهم لئلا يفتتن به ضعفة المسلمين ثم لا يكشف لهم عن شيء مما استحلوه من بواطن الأمور وفي رواية مسدد وأبي يعلى بعد قوله فرقوا بين كل زوجين من المجوس اقتلوا كل ساحر قال فقتلنا في يوم ثلاث سواحر وفرقنا بين المحارم منهم وصنع طعاما فدعاه وعرض السيف على فخذيه فأكلوا بغير رمرمة قوله ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس لأنه كان يرى في زمانه أن الجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب إذ لو كان عاما لما كان في توقفه في ذلك معنى قوله حتى شهد عبد الرحمن بن عوف يعني إلى أن شهد فلما شهد بذلك رجع إليه وفي الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر قال لا أدري ما أصنع بالمجوس فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لقد سمعت رسول الله يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا منقطع ورجاله ثقاة ورواه ابن المنذر والدارقطني في الغرائب من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه عن جده وهذا ايضا منقطع لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر وقال أبو عمر هذا من العام الذي أريد به الخاص لأن المراد منه أهل الكتاب وأخذ الجزية فقط واستدل بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل الكتاب ورد هذا بأن قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعني في أخذ الجزية منهم ومن ادعى الخصوص فعليه الدليل وأيضا فإنه كان يبعث أمراء السرايا فيقول لهم إذا لقيتم العدو فادعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا فالجزية فإن أعطوا وإلا قاتلوهم ولم ينص على مشرك دون مشرك بل عم جميعهم لأن الكفر يجمعهم ولما جاز أن يسترقهم جاز أن تؤخذ منهم الجزية عكسه المرتد لما لم يجز أن يسترق لم يجز أخذ الجزية منه ( فإن قلت ) تدل الآية المذكورة على أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب قلت لا نسلم لأن الله تعالى لم ينه أن تؤخذ من غيرهم وللشارع أن يزيد في البيان ويفرض ما ليس بموجود ذكره في الكتاب على أن الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما رووا بإسناد حسن عن علي رضي الله تعالى عنه كان المجوس أهل كتاب يقرؤنه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم عليه الصلاة و السلام كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه فقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم فلم يبق عندهم شيء قوله هجر بفتحتين قالوا المراد منه هجر البحرين قال الجوهري هو اسم بلد مذكر مصروف وقال الزجاجي يذكر ويؤنث وقال البكري لا يدخله الألف واللام وفي الحديث قبول خبر الواحد

(15/80)


8513 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عروة بن الزبير ) عن ( المسور بن مخرمة ) أنه أخبره أن ( عمرو بن عوف الأنصاري ) وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا أخبره أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله حين رآهم وقال أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوا ها وتهلككم كما أهلكتهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بعث أبا عبيدة إلى البحرين إلى قوله فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين وكان أهل البحرين إذ ذاك مجوسا
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم وكل هؤلاء قد ذكروا وعمرو بن عوف بالفاء في آخره الأنصاري قال أبو عمر عمرو بن عوف الأنصاري حليف لبني عامر بن لؤي شهد بدرا يقال له عمير وقال ابن إسحاق هو مولى سهيل بن عمرو العامري سكن المدينة لا عقب له روى عنه المسور بن مخرمة حديثا واحدا أن رسول الله أخذ الجزية من مجوس البحرين قال بعضهم المعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين لأن قوله وهو حليف لبني عامر يشعر بكونه من أهل مكة قلت لا يقطع به أنه من المهاجرين ثم قال هذا القائل ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم وقد تفرد بها شعيب عن الزهري ورواه أصحاب الزهري كلهم عنه بدونها في ( الصحيحين ) وغيرهما قلت هذا أيضا لا يجزم به أنه من المهاجرين وشعيب بن أبي حمزة ثقة لا يضر تفرده بمثل هذا على أنه يحتمل أن يكون أصله من الأوس أو من الخزرج ونزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الاعتبار يطلق عليه أنه أنصاري مهاجري باعتبار الوجهين المذكورين ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير وقد ذكرنا عن قريب عن أبي عمر أنه يقال له عمر وقد فرق العسكري بين عمرو بن عوف وعمير بن عوف والصواب ما قاله أبو عمر إنهما واحد
قوله أبا عبيدة واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح أمين هذه الأمة قوله وكان رسول الله هو صالح أهل البحرين وكان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة قوله وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وهو صحابي مشهور واسم الحضرمي عبد الله بن مالك بن ربيعة وكان من أهل حضرموت فقدم مكة فخالف بها بني مخزوم وأسلم العلاء قديما ومات أبو عبيدة والعلاء باليمن وعمرو بن عوف في خلافة عمر رضي الله تعالى عنهم قوله أملوا من التأميل قوله لا الفقر منصوب لأنه مفعول أخشى قوله أن تبسط كلمة أن مصدرية في محل النصب على أنه مفعول ولكن أخشى قوله فتنافسوها من التنافس وهو الرغبة في الشيء والانفراد به وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه ونافست في الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه
وفي الحديث أن طلب العطاء من الإمام لا غضاضة فيه وفيه البشرى من الإمام لاتباعه وتوسيع أملهم منه وفيه من إعلام النبوة أخباره بما يفتح عليهم وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين
9513 - حدثنا ( الفضل بن يعقوب ) قال حدثنا ( عبد الله بن جعفر الرقي ) قال حدثنا ( المعتمر بن سليمان ) قال حدثنا ( سعيد بن عبيد الله الثقفي ) قال حدثنا ( بكر بن عبد الله المزني وزياد

(15/81)


ابن جبير ) عن ( جبير ) عن ( جبير بن حية ) قال بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فأسلم الهرمزان فقال إني مستشيرك في مغازي هذه قال نعم مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حية قال فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا فقام ترجمان فقال ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة سل عما شئت قال ما أنتم قال نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد الشجر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول الله أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ومن بقي منا ملك رقابكم فقال النعمان ربما أشهدك الله مثلها مع النبي فلم يندمك ولم يخزك ولكني شهدت القتال مع رسول الله كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات ( الحديث 9513 - طرفه في 0357 )
مطابقته للترجمة في تأخير النعمان بن مقرن عن مقاتلة العدو وانتظاره هبوب الرياح وزوال الشمس وهو معنى قوله في آخر الحديث أنتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات وفي رواية ابن أبي شيبة حتى تزول الشمس على ما نذكره إن شاء الله تعالى وهذه موادعة في هذا الزمان مع الإمكان للمصلحة والترجمة هي المواعدة مع أهل الحرب وهي ترك قتالهم مع إمكانه قبل الظفر بهم
ذكر رجاله وهم ثمانيةالأول الفضل بن يعقوب الرخامي البغدادي وهو من أفراده مر في البيع الثاني عبد الله ابن جعفر بن غيلان أبو عبد الرحمن الرقي بفتح الراء المشددة وكسر القاف المشددة نسبة إلى الرقة وكانت مدينة مشهورة على شرقي ضفة الفرات ويقال لها الرقة البيضاء وهي الرافقة أما الرقة فخربت وغلب اسم الرقة على الرافقة الثالث المعتمر بن سليمان كذا وقع في جميع النسخ بسكون العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وكسر الميم وكذا وقع في ( مستخرج ) الإسماعيلي وغيره في هذا الحديث وزعم الدمياطي أن الصواب المعمر بفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة وبالراء قال لأن عبد الله ابن جعفر لا يروي عن المعتمر البصري ورد بأن ذلك ليس بكاف في رد الروايات الصحيحة لأن عدم دخول أحدهما بلد الآخر لا يستلزم عدم ملاقاتهما في سفر الحج ونحوه وقال بعضهم وأغرب الكرماني فحكى أنه قيل الصواب في هذا معمر ابن راشد يعني شيخ عبد الرزاق ثم قال قلت وهذا هو الخطأ بعينه فليست لعبد الله بن جعفر الرقي عن معمر بن راشد رواية أصلا انتهى قلت الكرماني لم يجزم فيه بل حكى عن بعضهم ولمن حكى عنه أن يقول الدعوى بعدم رواية عبد الله بن جعفر الرقي عن معمر بن راشد يحتاج إلى دليل فمجرد النفي غير كاف الرابع سعيد بن عبيد الله الثقفي هو ابن جبير بن حية الذي

(15/82)


يأتي الآن الخامس بكر بن عبد الله المزني البصري السادس زياد بن جبير بن حية الثقفي روى عن أبيه جبير بن حية وروى عنه سعيد بن عبيد الله الثقفي المذكور آنفا السابع جبير بن حية بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن مسعود ابن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي ولاه زياد أصبهان ومات أيام عبد الملك بن مروان وقال ابن ماكولا جبير بن حية الثقفي روى عن المغيرة بن شعبة هو والد الجبيرين بالبصرة وابنه زياد بن جبير قلت روى جبير بن حية أيضا عن عمر بن الخطاب والنعمان بن بشير الثامن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وأخرج البخاري بعض هذا الحديث في التوحيد عن الفضل بن يعقوب أيضا
ذكر معناه قوله في أفناء الأمصار قال صاحب ( المطالع ) قوله في أفناء الناس أي جماعاتهم والواحد فنو وقيل أفناء الناس أخلاطهم يقال للرجل إذا لم يعلم من أي قبيلة هو من أفناء القبائل وقيل الأفناء أنزاع من القبائل من ههنا ومن ههنا حكى أبو حاتم أنه لا يقال في الواحد هذا من أفناء الناس إنما يقال في الجماعة هؤلاء من أفناء الناس وقال الجوهري يقال هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو وقال ابن الأثير وفي الحديث رجل من أفناء الناس أي لم يعلم ممن هو الواحد فنو وقيل هو من الفناء وهو المتسع أمام الدار ويجمع الفناء على أفنية وقال الكرماني قوله أفناء الأمصار يقال هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو وفي بعضها الأمصار بالميم وقال بعضهم في أفناء الأمصار إنه في مجموع البلاد الكبار قلت هذا التفسير ليس على قانون اللغة والذي ذكرناه هو التفسير قوله فأسلم الهرمزان بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم وتخفيف الزاي وفي آخره نون و هذا الموضع يقتضي بعض بسط الكلام حتى ينشرح صدر الناظر فيه لأن الراوي هنا أخل شيئا كثيرا فنقول وبالله التوفيق أما الهرمزان فكان ملكا كبيرا من ملوك العجم وكانت تحت يده كورة الأهواز وكورة جندي سابور وكورة السوس وكورة السرق وكورة نهر بين وكورة نهر تيري ومناذر بفتح الميم والنون وبعد الألف ذال معجمة وفي آخره راء وكان الهرمزان في الجيش الذين أرسلهم يزدجر إلى قتال المسلمين وهم على القادسية وهي قرية على طريق الحاج على مرحلة من الكوفة وأمير المسلمين يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وكان رأس جيش العجم رستم في مائة ألف وعشرين ألفا يتبعها ثمانون ألفا ومعهم ثلاثة وثلاثون فيلا وكان الهرمزان رأس الميمنة وزعم ابن إسحاق أن المسلمين كانوا ما بين السبعة آلاف إلى الثمانية آلاف ووقع بينهم قتال عظيم لم يعهد مثله وأبلى في ذلك اليوم جماعة من الشجعان مثل طليحة الأسدي وعمرو بن معدي كرب والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبد الله البجلي وضرار بن الخطاب وخالد بن عرفطة وأمثالهم وكانت الوقعة بينهم يوم الاثنين مستهل المحرم عام أربع عشرة وأرسل الله تعالى في ذلك اليوم ريحا شديدة أرمت خيام الفرس من أماكنها وألقت سرير رستم مقدم الجيش فركب بغلة وهرب وأدركه المسلمون وقتلوه وانهزمت الفرس وقتل المسلمون منهم خلقا كثيرا وكان فيهم المسلسلون ثلاثين ألف فقتلوا بكمالهم وقتل في المعركة عشرة آلاف وقيل قريب من ذلك ولم يزل المسلمون وراءهم إلى أن دخلوا مدينة الملك وهي المدائن التي فيها إيوان كسرى وكان الهرمزان من جملة الهاربين ثم وقعت بينه وبين المسلمين وقعة ثم وقع الصلح بينه وبين المسلمين ثم نقض الصلح ثم جمع أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه الجيش وحاصروا هرمزان في مدينة تستر ولما اشتد عليه الأمر بعث إلى أبي موسى فسأل الأمان إلى أن يحمله إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأجابه إلى ذلك ووجه معه الخمس من غنائم المسلمين فلما وصل إليه ووقع نظره عليه سجد لله تعالى وجرى بينه وبين عمر محاورات ثم بعد ذلك أسلم طائعا غير مكره وأسلم من كان معه من أهله وولده وخدمه ثم قربه عمر وفرح بإسلامه فهذه قصة إسلام هرمزان الذي قال في حديث الباب فأسلم الهرمزان وكان لا يفارق عمر حتى قتل عمر رضي الله تعالى عنه فاتهمه بعض الناس بممالأة أبي لؤلؤه فقتله عبيد الله بن عمر قوله فقال إني مستشيرك أي قال عمر رضي الله تعالى عنه للهرمزان قوله في مغازي بتشديد الباء وقد بين ابن أبي شيبة ما قصده من ذلك فروى من طريق معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجن أن بأيها يبدأ وإنما شاوره عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك لأنه كان أعلم بأحوال تلك البلاد قوله قال نعم

(15/83)


أي قال الهرمزان نعم وهو حرف إيجاب وقال الكرماني إن صحت الرواية بلفظ فعل المدح فتقديره نعم المثل مثلها والضمير في مثلها يرجع إلى الأرض التي يدل عليها السياق وارتفاع مثلها على الابتداء وخبره قوله مثل طائر قوله والجناج قيصر هو ملك الروم قيل فيه نظر لأن كسرى لم يكن رأسا للروم ونوزع في هذا بأن كسرى رأس الكل لأنه لم يكن في زمانه ملك أكبر منه لأن سائر ملوك البلاد كانوا يهابونه ويهادونه قوله فلينفروا إلى كسرى إنما أشار بالنفير أولا إلى كسرى لكونه رأسا فإذا فات الرأس فات الكل وأشار إلى هذا المعنى بقوله وإن شدخ الرأس أي وإن كسر من الشدخ بالشين المعجمة والدال المهملة والخاء المعجمة قال ابن الأثير الشدخ كسر الشيء الأجوف تقول شدخت رأسه فانشدخ فإن قلت قال فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس وما الرجلان قلت لقيصر الفربخ مثلا ولكسرى الهند مثلا ولا شك أن الفربخ كانت في طرف من قيصر متصلين به والهند كانت في طرف من كسرى متصلين به وإنما لم يقل وإن كسر الرجلان فكذا اكتفاء للعلم بحاله قياسا على الجناح لا سيما وأنه بالنسبة إلى الظاهر أسهل حالا من الجناح فإن قلت إذا انكسر الجناحان والرجلان جميعا لا ينهض أيضا قلت الغرض أن العضو الشريف هو الأصل فإذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد بخلاف العكس قوله وقال بكر هو بكر بن عبد الله المذكور وزياد هو زياد بن جبير المذكور قوله فندبنا بفتح الدال والباء على صيغة الماضي أي طلبنا ودعانا وعزم علينا أن نجتمع للجهاد قوله واستعمل علينا النعمان بن مقرن أي جعله أميرا علينا وكان النعمان قدم على عمر رضي الله تعالى عنه بفتح القادسية التي ذكرناها عن قريب وفي رواية ابن أبي شيبة فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان يصلي فقعد فلما فرغ قال إني مستعملك قال أما جابيا فلا ولكن غازيا قال فإنك غاز فخرج ومعه الزبير وحذيفة وابن عمر والأشعث وعمرو بن معدي كرب وفي رواية الطبراني فأراد عمر رضي الله تعالى عنه أن يسير بنفسه ثم بعث النعمان ومعه ابن عمر وجماعة وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يسير بأهل البصرة وإلى حذيفة أن يسير بأهل الكوفة حتى يجتمعوا بنهاوند وإذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرن بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة وبالنون ابن عائذ بن منجي بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب بن عبد بن تور بن هدمة بن الأطم بن عثمان وهو مزينة بن عمرو بن أد بن طابخة المزني قال أبو عمر ويقال النعمان بن عمرو بن مقرن يكنى أبا عمرو ويقال أبا حكيم قال مصعب هاجر النعمان بن مقرن ومعه سبعة أخوة وروى عنه أنه قال قدمنا على رسول الله في أربع مائة من مزينة ثم سكن البصرة وتحول عنها إلى الكوفة قوله حتى إذا كنا بأرض العدو وهي نهاوند بضم النون وتخفيف الهاء وفتح الواو وسكون النون وفي آخره دال مهملة وضبط بعضهم بفتح النون وليس كذلك بل بالضم لأن الذي بناها نوح عليه الصلاة و السلام وكانت تسمى نوح أوند يعني عمرها نوح عليه الصلاة و السلام فأبدلوا الحاء هاء وهي مدينة جنوبي همدان ولها أنهار وبساتين وهي كثيرة الفواكه وتحمل فواكهها إلى العراق لجودتها منها إلى همدان أربعة عشر فرسخا وهي من بلاد عراق العجم في حد بلاد الجيل قوله وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا كان هؤلاء الأربعون ألفا من أهل فارس وكرمان وكان من أهل نهاوند عشرون ألفا ومن أهل أصبهان عشرون ومن أهل قم وقاشان عشرون ومن أهل أذربيجان ثلاثون ألفا ومن بلاد أخرى عشرون ألفا فالجملة مائة ألف وخمسون ألفا فرسانا وكان عامل كسرى الذي على هؤلاء الجيش الغيرزان ويقال بندار ويقال ذو الحاجبين وقال ابن الأثير في ( كتاب الأذواء ) ذو الحاجبين هو خرزاد بن هرمز من الفرس أحد الأمراء الأربعة الذين أمرتهم الأعاجم على كورة نهاوند وكانت هذه الوقعة التي وقعت على نهاوند وقعة عظيمة وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح وقال ابن إسحاق والواقدي كانت وقعة نهاوند في سنة إحدى وعشرين وقال سيف كانت في سنة سبع عشرة وقيل في سنة تسع عشرة وكانت هذه الواقعة أربع وقعات وفي الوقعة الثانية قتل النعمان ابن مقرن أمير الجيش وقام مقامه حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قوله فقام ترجمان بفتح التاء وضمها وضم الجيم والوجه الثالث فتحهما نحو الزعفران قوله فقال المغيرة وهو المغيرة بن شعبة وكان هو الترجمان وكذلك كان هو الترجمان بين الهرمزان وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في المدينة لما قدم الهرمزان إليه كما ذكرناه قوله قال ما أنتم

(15/84)


هكذا خاطب عامل كسرى الذي هو عينه على جيشه بصيغة من لا يعقل احتقارا له قوله قال ناس من العرب أي قال المغيرة نحن ناس من العرب إلى آخر ما ذكره وفي رواية ابن أبي شيبة فقال إنكم معشر العرب أصابكم جوع وجهد فجئتم فإن شئتم مرناكم بكسر الميم وسكون الراء أي أعطيناكم الميرةأي الزاد ورجعتم وفي رواية الطبري إنكم معشر العرب أطول الناس جوعا وأبعد الناس من كل خير وما منعني أن أمر هؤلاء الأساورة أن ينتظموكم بالنشاب إلا تقذرا لجيفكم قال المغيرة فحمدت لله وأثنيت عليه ثم قلت ما أخطأت شيئا من صفتنا كذلك كنا حتى بعث الله إلينا رسوله قوله نعرف أباه وأمه وزاد في رواية ابن أبي شيبة في شرف منا أوسطنا حسبا وأصدقنا حديثا قوله فقال النعمان يعني للمغيرة ربما أشهدك الله أي أحضرك الله مثلها أي مثل هذه الشدة مع رسول الله قوله فلم يندمك بضم الياء من الإندام يقال أندمه الله فندم والمعنى لم يندمك فيما لقيت معه من الشدة قوله ولم يخزك من الإخزاء يقال خزي بالكسر إذا ذل وهان ويروى فلم يحزنك بالحاء المهملة والنون وهي رواية الأكثرين والأولى رواية المستملي وهي أوجه لوفاق ما قبله كما في حديث وفد عبد القيس غير خزايا ولا ندامى وهذه المحاورة التي وقعت بين النعمان بن مقرن والمغيرة بن شعبة بسبب تأخير النعمان القتال فاعتذر النعمان بقوله ولكني شهدت القتال مع رسول الله إلى آخره وقال الكرماني ما معنى الاستدراك وأين توسطه بين كلامين متغايرين قلت كان المغيرة قصد الاشتغال بالقتال أول النهار بعد الفراغ من المكالمة مع الترجمان فقال النعمان إنك شهدت القتال مع رسول الله لكنك ما ضبطت انتظاره للهبوب وقال ابن بطال قوله ولكني شهدت إلى آخره كلام مستأنف وابتداء قصة أخرى قلت الذي قاله الكرماني هو الذي يقتضيه سياق الكلام وسياقه على ما لا يخفى على المتأمل وفي رواية الطبري قد كان الله أشهدك أمثالها والله ما منعني أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله وهو قوله كان إذا لم يقاتل أول النهار إلى آخره قوله حتى تهب الأرواح جمع ريح وأصله روح قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها والتصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها وقد حكى ابن جني جمع ريح على أرياح قوله وتحضر الصلوات يعني بعد زوال الشمس تدل عليه رواية ابن أبي شيبة وتزول الشمس وزاد في رواية الطبري ويطيب القتال وفي رواية ابن أبي شيبة وينزل النصر
وفي الحديث من الفوائد منقبة النعمان ومعرفة المغيرة بن شعبة بالحرب وقوة نفسه وشهامته وفصاحته وبلاغته واشتمال كلامه على بيان أحوالهم الدينية والدنياوية وعلى بيان معجزات الرسول وأخباره عن المغيبات ووقوعها كما أخبر وفيه فضل المشورة وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة من هو دونه وأن المفضول قد يكون أميرا على الأفضل لأن الزبير ابن العوام رضي الله تعالى عنه كان في جيش عليه النعمان بن مقرن والزبير أفضل منه اتفاقا وفيه ضرب المثل وفيه جودة تصور الهرمزان وكذلك استشارة عمر رضي الله تعالى عنه وفيه الإرسال إلى الإمام بالبشارة وفيه فضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله
2 -
( باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وادع الإمام من الموادعة وهي المصالحة والمسالمة على ترك الحرب والأذى وحقيقة الموادعة المتاركة أي يدع كل واحد منهما ما هو فيه قوله هل يكون ذلك جواب إذا أي هل يكون ما ذكر من الموادعة التي يدل عليه قوله وادع قوله لبقيتهم أي لبقية أهل القرية وجواب الاستفهام محذوف تقديره يكون
1613 - حدثنا ( سهل بن بكار ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباس الساعدي ) عن ( أبي حميد الساعدي ) قال غزونا مع النبي تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي بغلة بيضاء وكساه بردا وكت له ببحرهم

(15/85)


مطابقته للترجمة من حيث إن قبول هديته مؤذن بموادعته وكتابته ببحرهم مؤذن بدخولهم في الموادعة لأن موادعة الملك موادعة لرعيته لأن قوتهم به ومصالحهم إليه فلا معنى لانفراده دونهم وانفرادهم دونه عند الإطلاق وقال بعضهم هذا القدر لا يكفي في مطابقة الحديث للترجمة لأن العادة بذلك معروفة من غير الحديث وإنما جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث الذي يورده وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في ( السيرة ) فقال لما انتهى النبي إلى تبوك أتاه بحنة بن روبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية وكتب إليه رسول الله كتابا فهو عندهم بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لبحنة بن روبة وأهل أيلة فذكره قلت هذا القائل ذكر الاكتفاء في مواضع عديدة في المطابقة بوجه أدنى من الذي ذكرناه فما له يدعى هنا عدم الكفاية وإثبات المطابقة بالوجه الذي ذكرناه أقوى وأوجه من الذي ذكره لأن الذي ذكرناه من الداخل والذي ذكره من الخارج وهل علم أنه قصد ذلك أم لا
وسهل بن بكار أبو بشر الدارمي البصري ووهيب مصغر وهب بن خالد بن عجلان أبو بكر البصري صاحب الكرابيس وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني وعباس ابن سهل الساعدي وأبو حميد الساعدي اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر ويقال إنه عم عباس الساعدي
وهذا طرف حديث مضى في كتاب الزكاة مطولا بعين هذا الإسناد في باب خرص التمر وقد مضى الكلام فيه
قوله أيلة بضم الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام وفي آخره هاء وقال ابن قرقول هي مدينة بالشام على النصف ما بين طريق مصر ومكة على شاطىء البحر من بلاد الشام قوله وكساه كذا هو بالواو وفي رواية أبي ذر بالفاء قوله ببحرهم أي بقريتهم
3 -
( باب الوصاة بأهل ذمة رسول الله )
أي هذا باب في بيان الوصية بأهل الذمة وإنما أضاف الذمة إلى رسول الله لأن الذمة التي هي العهد عهد بينهم وبين رسول الله والوصاة اسم بمعنى الوصاية بفتح الواو وتخفيف الصاد بمعنى الوصية وقال الجوهري أوصيت له بشيء وأوصيت إليه إذا جعلته وصيك والاسم الوصاية بكسر الواو وفتحها وأوصيته ووصيته توصية والاسم الوصاة وفي بعض النسخ باب الوصايا
والذمة العهد والإل القرابة
فسر البخاري الذمة بالعهد والذمة تجيء بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق وسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم قوله والأل بكسر الهمزة وتشديد اللام وقد فسره بالقرابة والإل أيضا الله تعالى قاله مجاهد وأنكروا عليه وقيل الإل الأصل الجيد والأل بالفتح الشدة والله تعالى أعلم
4 -
( باب ما أقطع النبي من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية ولمن يقسم الفيء والجزية )
أي هذا باب في بيان ما أقطع النبي وأقطع من الإقطاع بكسر الهمزة وهو تسويغ الإمام شيئا من مال الله لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل في إقطاع الأرض وهو أن يخرج منها شيئا له يحوزه إما أن يملكه إياه فيعمره أو يجعل له عليه مدة والإقطاع قد يكون تمليكا وغير تمليك والأجناد يسمون مقطعين بفتح الطاء ويقال مقتطعين أيضا من البحرين أراد به من مال البحرين لأنها كانت صلحا فلم يكن في أرضها شيء قوله وما وعد على ما أقطع قوله والجزية من عطف الخاص على العام قوله ولمن يقسم الفيء وقد مر أن الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد

(15/86)


3613 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) عن ( يحيى بن سعيد ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه قال دعا النبي الأنصار ليكتب لهم بالبحرين فقالوا لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها فقال ذاك لهم ما شاء الله على ذلك يقولون له قال فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني
مطابقته للجزء الأول من الترجمة لأن لها ثلاثة أجزاء ففي الباب ثلاثة أحاديث فلكل جزء حديث يطابقه على الترتيب فحديث أنس هذا يدل على أنه قد أشار بذلك على الأنصار فلم يقبلوا فتركه فنزل البخاري ما بالقوة منزلة ما بالفعل وهو في حقه واضح لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس ابن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي الكوفي وزهير بن معاوية بن خديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي ويحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة
والحديث قد مر في كتاب الشرب في باب كتابة القطائع فإنه أخرجه هناك معلقا فقال قال الليث عن يحيى بن سعيد إلى آخره وهناك لفظة ليقطع لهم بالبحرين وهنا ليكتب لهم بالبحرين أي ليعين لكل منهم منها حصة على سبيل الإقطاع والمراد بالحصة الحصة من الجزية والخراج لأن رقبتها لا تملك لأن أرض الصلح لا تقسم
قوله وذاك لهمأي ذاك المال للمهاجرين ما شاء الله على ذلك قوله يقولون له أي الأنصار يقولون لرسول الله في شأنهم مصرين على ذلك حتى قال رسول الله إنكم سترون أثرة وهي بفتح الهمزة والثاء المثلثة الإسم من آثر إيثارا إذا أعطى قاله ابن الأثير وفي ( المطالع ) بضم الهمزة وإسكان الثاء ويروى أثرة بفتحهما وبالوجهين قيده الجياني ويقال أيضا إثرة بكسر الهمزة وسكون الثاء قال الأزهري وهو الاستيثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم ولا يجعل لكم في الأمر نصيبا وعن أبي علي القالي إن الإثرة الشدة وبه كان يتأول الحديث والتفسير الأول أظهر وعليه الأكثر وسببه يشهد له وهو إيثار الأنصار المهاجرين على أنفسهم فأجابهم بهذا قوله حتى تلقوني ويروى على الحوض
4613 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) قال أخبرني ( روح بن القاسم ) عن ( محمد بن المنكدر ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله قال لي لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهاكذا وهاكذا فلما قبض رسول الله وجاء مال البحرين فقال أبو بكر من كانت له عند رسول الله عدة فليأتني فأتيته فقلت إن رسول الله قد كان قال لي لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هاكذا وهاكذا وهاكذا فقال لي إحثه فحثوت حثية فقال لي عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفا وخمسمائة
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وقد بيناه عن قريب وإسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي الهروي سكن بغداد وروح بفتح الراء ابن قاسم العنبري التميمي البصري والحديث مر في الخمس في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين قوله عدة أي وعد قوله أحثه بضم الهمزة وكسرها من حثا يحثو حثوا وحثى يحثي حثيا وقيل الهاء فيه للسكت
5613 - وقال ( إبراهيم بن طهمان ) عن ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس ) قال أتي النبي صلى الله عليه

(15/87)


وسلم ( بمال من البحرين ) فقال ( انثروه في المسجد فكان أكثر مال ) أتي ( به ) رسول الله ( إذ جاءه العباس ) فقال ( يا رسول الله أعطني ) إني ( فاديت نفسي وفاديت عقيلا ) قال ( خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع ) فقال ( أمر بعضهم يرفعه إلي ) قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه فقال أمر بعضهم يرفعه علي قال لا قال ( فارفعه أنت علي ) قال لا فنثر ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله وثم منها درهم ( انظر الحديث 124 وطرفه )
وقد مضى هذا التعليق بهذا الإسناد في كتاب الصلاة في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد قوله عقيلا بفتح العين ابن أبي طالب وقد فادى العباس لنفسه وله يوم بدر حين صارا أسيرين للمسلمين قوله يقله بضم الياء وكسر القاف وتشديد اللام أي يحمله قوله على كاهله وهو ما بين الكتفين
5 -
( باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم )
أي هذا باب في بيان إثم من قتل معاهدا أي ذميا بغير جرم أي بغير ذنب أراد إذا قتله بغير حق وهذا القيد ليس في الحديث ولكنه مستفاد من قواعد الشرع ووقع منصوصا عليه في رواية أبي معاوية التي يأتي ذكرها بلفظ بغير حق وروى النسائي وأبو داود من حديث أبي بكر بلفظ من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حر الله علهي الجنة
6613 - حدثنا ( قيس بن حفص ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الحسن بن عمرو ) قال حدثنا ( مجاهد ) عن ( عبد الله بن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ( الحديث 6613 - طرفه في 4196 )
مطابقته للترجمة في قوله من قتل معاهدا وقوله لم يرح إلى آخره يوضح ما أبهمه في الترجمة وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري وعبد الواحد بن زياد والحسن بن عمرو الفقيمي التميمي الكوفي والفقيمي بضم الفاء وفتح القاف نسبة إلى فقيم بن دارم بن مالك والحسن بن عمر وهذا ليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الأدب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قيس بن حفص أيضا وأخرجه ابن ماجه في الديات عن أبي كريب قالوا هذا الحديث منقطع فيما بين عبد الله بن عمرو ومجاهد بين ذلك البرديحي في كتابه ( المتصل والمرسل ) بقوله مجاهد عن ابن عمرو ولم يسمع منه وقد رواه مروان بن معاوية الفزاري عن حدثنا الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو قال الدارقطني هو الصواب وأجيب بأن سماع مجاهد عن ابن عمر وثابت وليس هو بمدلس فيحتمل أن يكون مجاهد سمعه أولا من جنادة ثم لقي عبد الله ابن عمرو أو سمعاه معا من ابن عمرو فحدث به مجاهد تارة عن ابن عمرو وتارة عن جنادة وقالوا أيضا هذا الحديث من مسند عبد الله بن عمرو إلا أن الأصيلي رواه عن الجرجاني عن الفربري فقال عبد الله بن عمر بضم العين بغير واو ورد بأنه تصحيف
ذكر معناه قوله معاهدا بكسر الهاء وفتحها وأراد به الذمي لأنه من أهل العهد أي الأمان والعهد حيث وقع هو الميثاق قوله لم يرح بفتح الياء والراء وأصله يراح قال الجوهري راح فلان الشيء يراحه ويريحه إذا وجد ريحه وأما في هذا الحديث فقد جعله أبو عبيد من راحه يراحه وكان أبو عمرو يقول إنه من راحه يريحه والكسائي يقول من راحه يريحه ومعنى الثلاث واحد قوله أربعين عاما هكذا هو في رواية الجميع أربعين عاما إلا عبد الغفار فقال

(15/88)


سبعين عاما وكذا جاء في رواية أبي هريرة عند الترمذي مرفوعا ولفظه ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يراح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا وروى النسائي أيضا من حديث أبي بكرة بإسناد صحيح نحوه وفي ( الموطأ ) خمسمائة قال ابن بطال أما الأربعون فهي أقصى أشد العمر في قول الأكثرين فإذا بلغها ابن آدم زاد عمله ويقينه واستحكمت بصيرته في الخشوع لله تعالى على الطاعة والندم على ما سلف فهذا يجد ريح الجنة على مسيرة أربعين عاما وأما السبعون فهي حد المعترك ويعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله فيجد ريح الجنة من مسيرة سبعين عاما وأما وجه الخمسمائة فهي فترة ما بين نبي ونبي فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبل الفترة ولم يضره طولها فيجد ريح الجنة على خمسمائة عام فإن قلت المؤمن لا يخلد في النار قلت المراد لم يجد أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر وقال أحمد أربعة أحاديث تدور على ألسنة الناس ولا أصل لها عن رسول الله من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ومن بشر بخروج آذار بشر بالجنة ويوم نحركم يوم فطركم وللسائل حق وإن جاء على فرس
6 -
( باب إخراج اليهود من جزيرة العرب )
أي هذا باب في بيان إخراج اليهود من جزيرة العرب وقد مضى تفسير جزيرة العرب في باب هل يستشفع إلى أهل الذمة وقال الكرماني جزيرة العرب هي ما بين عدن إلى ريف العراق طولا ومن جدة إلى الشام عرضا وقيل هذا عام أريد به الخاص وهو الحجاز
وقال عمر عن النبي أقركم ما أقركم الله به
هذا قطعة من قصة أهل خيبر وقد ذكرها البخاري موصولة في كتاب المزارعة في باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ومضى الكلام فيه هناك
7613 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن في المسجد خرج النبي قال انطلقوا إلى يهود فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس فقال أسلموا تسلموا واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذا الأرض فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي أراد أن يخرج اليهود لأنه كان يكره أن يكون بأرض العرب غير المسلمين لأنه امتحن في استقبال القبلة حتى نزل قد نرى تقلب وجهك في السماء ( البقرة 441 ) الآية وامتحن مع بني النضير حين أرادوا الغدر به وأن يلقوا عليه حجرا فأمره الله بإجلائهم وإخراجهم وترك سائر اليهود وكان يرجو أن يحقق الله رغبته في إبعاد اليهود عن جواره فلم يوح إليه في ذلك شيء إلى أن حضرته الوفاة فأوحي إليه فيه فقال لا يبقين دينان بأرض العرب وأوصى بذلك عند موته فلما كان في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه قال من كان عنده عهد من رسول الله فليأت به وإلا فإني مجليكم فأجلاهم
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم وسعيد المقبري يروي هنا عن أبيه أبي سعيد واسمه كيسان المدني مولى بني ليث
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الاعتصام عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في السير جميعا عن قتيبة
ذكر معناه قوله خرج جواب بينما وقد ذكرنا أن الأفصح في جوابه أن يكون بلا إذ وإذا قوله بيت المدراس بكسر الميم وهو البيت الذي يدرسون فيه وقيل المدراس العالم التالي للكتاب وقال بعضهم الأول أرجح لأن

(15/89)


في الرواية الأخرى حتى أتى المدراس قلت ما ثم ترجيح لأن معنى أتى المدراس أي جاء مكان دراستهم للتوراة ونحوها قوله أسلموا بفتح الهمزة من الإسلام قوله تسلموا مجزوم لأنه جواب الأمر وهو من السلامة وفيه الجناس الحسن لسهولة لفظه وعدم كلفته ونظيره في كتاب هرقل أسلم تسلم قوله واعلموا جملة ابتدائية كأنهم قالوا في جواب قوله أسلموا تسلموا لم قلت هذا وكررته فقال إعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم قوله بماله أي بدل ماله والباء للبدلية قوله فليبعه جواب من والمعنى إن من كان له شيء مما لا يمكن تحويله فله أن يبيعه قوله وإلا أي وإن لم تسمعوا ما قلت لكم من ذلك فاعلموا أن الأرض لله أي تعلقت مشيئة الله بأن يورث أرضكم هذه للمسلمين ففارقوها وهذا كان بعد قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير لأن هذا كان قبل إسلام أبي هريرة لأن أبا هريرة إنما جاء بعد فتح خيبر قوله ورسوله ويروى ولرسوله
8613 - حدثنا ( محمد ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( سليمان بن أبي مسلم الأحول ) قال سمع ( سعيد ابن جبير ) قال سمع ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا ابن عباس ما يوم الخميس قال اشتد برسول الله وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ماله أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها قال سفيان هاذا من قول سليمان
مطابقته للترجمة في قوله أخرجوا المشركين فإن قلت الترجمة إخراج اليهود والمشرك أعم من اليهود قلت إنما ذكر اليهود في الترجمة لأن أكثرهم يوحدون الله تعالى فإذا كان هؤلاء مستحقين الإخراج فغيرهم من الكفار أولى ومحمد شيخ البخاري قال الجياني لم ينسبه أحد من الرواة وقال بعضهم هو محمد بن سلام وقد ذكر في الوضوء حدثنا ابن سلام حدثنا ابن عيينة قلت لا يلزم من قوله في الوضوء حدثنا ابن سلام عن ابن عيينة أن يكون هنا أيضا ابن سلام عن ابن عيينة لأنه قال في عدة مواضع عن محمد بن يوسف البيكندي عن ابن عيينة وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد الباهلي عن ابن عيينة وهو سفيان بن عيينة
والحديث مر في كتاب الجهاد في باب هل يستشفع إلى أهل الذمة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن ابن عيينة إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله قال سفيان أي ابن عيينة هذا من قول سليمان أي الأحول المذكور فيه وقال المهلب إنما أمر بإخراجهم خوف التدليس منهم وأنهم متى رأوا عدوا قويا صاروا معه كما فعلوا برسول الله يوم الأحزاب
وقال الطبري فيه من الفقه أن الشارع بين لأمته المؤمنين إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كل بلدة للمسلمين سواء كانت تلك البلدة من البلاد التي أسلم أهلها عليها أو من بلاد العنوة إذا لم يكن للمسلمين بهم ضرورة إليهم مثل كونهم عمارا لأراضيهم ونحو ذلك فإن قلت كان هذا خاصا بمدينة رسول الله وسائر جزيرة العرب دون سائر بلاد الإسلام إذ لو كان الكل في الحكم سواء لكان بين ذلك قلت قد ذكرنا أنه إذا كان للمسلمين ضرورة إليهم لا يتعرض لهم ألا يرى أنه أقر يهود خيبر بعد قهر المسلمين إياهم لإعمار أرضها للضرورة وكذلك فعل الصديق رضي الله تعالى عنه في يهود خيبر ونصارى نجران وكذلك فعل عمر رضي الله تعالى عنه بنصارى الشام فإنه أقرهم للضرورة إليهم في عمارة الأرضين إذا كان المسلمون مشغولين بالجهاد

(15/90)


7 -
( باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا غدر المشركون بالمسلمين والغدر ضد الوفاء والغدر الخيانة والغدر نقض العهد ولم يذكر جواب الاستفهام لأجل الاختلاف في معاقبة المرأة التي أهدت الشاة المسمومة
9613 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي شاة فيها سم
فقال النبي اجمعوا إلي من كان هاهنا من يهود فجمعوا له فقال لهم إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه فقالوا نعم قال لهم النبي من أبوكم قالوا فلان فقال كذبتم بل أبوكم فلان قالوا صدقت قال فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم من أهل النار قالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال النبي اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم قال هل جعلتم في هذه الشاة سما قالوا نعم قال ما حملكم على ذالك قالوا أردنا إن كنت كاذبا نستريح وإن كنت نبيا لم يضرك
مطابقته للترجمة من حيث إن المشركين من أهل خيبر غدروا بالنبي وأهدوا له على يد امرأة شاة مسمومة فعفا عنها أو قتلها فيه خلاف على ما نذكره الآن
و سعيد هو المقبري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن يوسف أيضا وفي الطب عن قتيبة وأخرجه النسائي أيضا في التفسير عن قتيبة به وأخرجه مسلم عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك قال أو قال علي قال قالوا ألا نقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله
ذكر معناه قوله أهديت للنبي شاة وكان الذي أتى بها امرأة يهودية صرح بذلك في ( صحيح مسلم ) وقال النووي في ( شرح مسلم ) وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي قلت كذا رواه الواقدي عن الزهري وأنه قال لها ما حملك على هذا قالت قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي قال محمد فسألت إبراهيم بن جعفر عن هذا فقال أبوها الحارث وعمها بشار وكان أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم قوله سم بفتح السين وضمها وكسرها ثلاث لغات والفتح أفصح وجمعه سمام وسموم قوله صادقي بتشديد الياء لأن أصله صادقون فلما أضيف إلى ياء المتكلم وسقطت النون وقلبت الواو ياء أدغمت الياء في الياء قوله ثم تخلفونا فيها أي في النار وأصل تخلفونا تخلفوننا فإسقاط النون من غير جازم ولا ناصب لغة وهو من خلف يخلف إذا قام مقام غيره والخلف بتحريك اللام وسكونها كل من يجيء بعده من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير وبالسكون في الشر يقال خلف صدق وخلف سوء قوله اخسئوا زجر لهم بالطرد والإبعاد أو دعاء عليهم بذلك ويقال لطرد الكلب إخسأ
قال القاضي عياض واختلفت الآثار والعلماء هل قتلها النبي أم لا فوقع في ( مسلم ) أنهم قالوا ألا نقتلها قال لا ومثله عن أبي هريرة وجابر وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه قتلها وفي رواية ابن عباس أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها وقال ابن سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله قتلها وفي رواية أبي داود فأمر بها فقتلت وفي لفظ قتلها وصلتها وفي ( جامع معمر ) عن الزهري لما أسلمت تركها قال معمر كذا

(15/91)


قال الزهري أسلمت والناس يقولون قتلها وأنها لم تسلم وقال السهيلي قيل إنه صفح عنها قال القاضي وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها إلا حين اطلع على سحرها وقيل له اقتلها فقال لا فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا فصح قولهم لم يقتلها أي في الحال ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم
وفيه أن الإمام مالكا احتج به على أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الذي يوجب القصاص وقال الكوفيون لا قصاص فيه وفيه الدية على العاقلة قالوا ولو دسه في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته وقال الشافعي إذا فعل ذلك وهو مكره ففيه قولان في وجوب القود أصحهما لا وفيه معجزة ظاهرة له عليه السلام حيث لم يؤثر فيه السم والذي أكل معه مات وفيه أن السم لا يؤثر بذاته بل بإذن الرب جل جلاله ومشيئته ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال والله أعلم
8 -
( باب الدعاء على من نكث عهدا )
أي هذا باب في بيان جواز الدعاء على من نكث أي نقض عهد أي ميثاقا
0713 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( ثابت بن يزيد ) قال حدثنا ( عاصم ) قال سألت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه عن القنوت قال قبل الركوع فقلت إن فلانا يزعم أنك قلت بعد الركوع فقال كذب ثم حدثنا عن النبي أنه قنت شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من بني سليم قال بعث أربعين أو سبعين يشك فيه من القراء إلى أناس من المشركين فعرض لهم هاؤلاء فقتلوهم وكان بينهم وبين النبي عهد فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وثابت بن يزيد بالياء آخر الحروف ووهم من قال فيه زيد بغير الياء وعاصم هو ابن سليمان الأحول وهؤلاء وهؤلاء كلهم بصريون
والحديث قد مر في كتاب الوتر في باب القنوت قبل الركوع وبعده فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن عبد الواحد عن عاصم عن أنس رضي الله تعالى عنه
قوله من القراءمتعلق بقوله بعث قوله وجد يقال وجد مطلوبه يجده من باب ضرب يضرب وجودا ويجده بالضم لغة عامرية لا نظير لها في باب المثال ووجد ضالته وجدانا ووجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضا حكاها بعضهم ووجد في الحزن وجدا بالفتح ووجد في المال وجدا ووجدا ووجدا وجدة أي استغنى وكان لا يدعو بالشر على أحد من الكفار ما دام يرجو لهم الرجوع والإقلاع عما هم عليه ألا ترى أنه سئل أن يدعو على دوس فدعا لها بالهدى وإنما دعا على بني سليم حين نكثوا العهد وغدروا لأنه أيس من رجوعهم عن ضلالتهم فأجاب الله بذلك دعوته وأظهر صدقه وبرهانه وهذه القصة أصل في جواز الدعاء في الصلاة والخطبة على عدو المسلمين ومن خالفهم ومن نكث عهدا وشبهه والله أعلم
9 -
( باب أمان النساء وجوارهن )
أي هذا باب في بيان حكم أمان النساء وجوارهن بكسر الجيم وضمها أي إجارتهن قال الجوهري الجار الذي يجاورك تقول جاورته مجاورة وجوارا بكسر الجيم وضمها والجار الذي أجرته من أن يظلمه ظالم وأجرته بدون المد من الإجارة ويقال أجرت فلانا على فلان إذا أعنته منه ومنعته
1713 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) أن ( أبا مرة ) مولى أم ( هانيء ) ابنة أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانىء ابنة أبي طالب تقول ذهبت

(15/92)


إلى رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال من هاذه فقلت أنا أم هانىء بنت أبي طالب فقال مرحبا بأم هانىء فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فقلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان ابن هبيرة فقال رسول الله قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء وذلك ضحى
مطابقته للترجمة في قوله قد أجرنا من أجرت وأبو النضر بالنون والضاد المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر ابن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني وأبو مرة بضم الميم وتشديد الراء واسمه يزيد بن مرة مولى عقيل بن أبي طالب ويقال مولى أم هانىء وقال الداودي كان عبدا لهما فأعتقاه فينسب مرة لهذا ومرة لهذا
والحديث مضى في أوائل كتاب الصلاة في باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك إلى آخره ومر الكلام فيه هناك
وفيه من الفقه جواز أمان المرأة وأن من أمنته حرم قتله وقد أجارت زينب بنت رسول الله أبا العاص ابن الربيع وعلى هذا جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وهو قول الثوري والأوزاعي وشد عبد الملك بن الماجشون وسحنون عن الجماعة فقالا أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام فإن أجازه جاز وإن رده رد
01 -
( باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم )
أي هذا باب يذكر فيه ذمة المسلمين وجوارهم واحدة فقوله ذمة المسلمين مرفوع بالابتداء وجوارهم عطف عليه وخبره قوله واحدة ومعناه أن من انعقدت عليه ذمة من طائفة من المسلمين فإنها واحدة في الحكم لا تختلف باختلاف العاقدين وحاصل المعنى أن كل من عقد ذمة يعني أمانا لأحد من أهل الحرب جاز أمانه على جميع المسلمين دنيا كان أو شريفا عبدا كان أو حرا رجلا كان أو امرأة وليس لهم بعد ذلك أن يخفروه واتفق مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور على جواز أمان العبد قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يجوز أمانه إلا أن يقاتل وأجاز مالك أمان الصبي إذا عقل الإسلام ومنع ذلك أبو حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز والمجنون كذلك لا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر وقال الأوزاعي إن غزا الذمي مع المسلمين فأمن أحدا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فيرده إلى مأمنه قوله وجوارهمأي وجوار المسلمين وقد مر تفسيره عن قريب وليس في بعض النسخ لفظ جوارهم قوله يسعى بها أي بذمة المسلمين أي بأمانهم أدناهم أي أقلهم عددا فيدخل فيه الواحد وتدخل فيه المرأة أيضا ولا يدخل فيه العبد عند أبي حنيفة لأنه ليس من أهل الجهاد فإذا قاتل يكون منهم ولفظ ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم رواه أحمد في ( مسنده ) وقال الترمذي وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو عن النبي مثل رواية أحمد ثم قال معنى هذا عند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين فهو جائز على كلهم وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم الحديث
2713 - حدثني ( محمد ) قال أخبرنا ( وكيع ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم التيمي ) عن أبيه قال خطبنا علي فقال ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فقال فيها الجراحات وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك

(15/93)


مطابقته للترجمة في قوله وذمة المسلمين واحدة وأما قوله يسعى بها أدناهم ففي رواية أحمد وقد ذكرناه الآن ومحمد شيخ البخاري هو محمد بن سلام كذا نسبه ابن السكن وقال الكلاباذي روى محمد بن مقاتل ومحمد بن سلام ومحمد بن نمير في ( الجامع ) عن وكيع بن الجراح وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب مات إبراهيم في حبس الحجاج سنة أربع وتسعين
والحديث مضى في باب حرم المدينة فإنه رواه هناك عن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه إلى آخره وفيه وهذه الصحيفة عن النبي وليس فيه فقال فيها الجراحات وأسنان الإبل وتقدم الكلام فيه هناك
قولهما بين عيربفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهو اسم جبل بالمدينة قولهإلى كذا لعلهأحد
قوله حدثا بفتح الدال وهو الأمر المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة والمحدث بكسر الدال وهو الذي ينصر جانيا أو أواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين من يقتص منه ويروى بفتح الدال وهو الأمر المبتدع نفسه قوله صرف بفتح الصاد المهملة وهو التوبة وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل الفريضة قوله فمن أخفر بالخاء المعجمة أي فمن نقض عهد مسلم فعليه مثل ما كان على من أحدث فيها
11 -
( باب إذا قالوا صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا )
أي هذا باب في بيان قول المشركين حين يقاتلون إذا قالوا صبأنا وأرادوا به الإخبار بأنهم أسلموا ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا وجواب إذا محذوف تقديره إذا محذوف تقديره هل يكون ذلك كافيا في رفع القتال عنهم أم لا قيل إن المقصود من الترجمة أن المقاصد تعتبر بأدلتها كيف ما كانت الأدلة لفظية أو غير لفظية تأتي بأي لغة كانت وصبانا من صبأ فلان إذا خرج من دينه إلى دين غيره من قولهم صبا ناب البعير إذا طلع وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها وكانت العرب تسمي النبي الصابيء لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام
وقال ابن عمر فجعل خالد يقتل فقال النبي أبرأ إليك مما صنع خالد
أي قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وهذا طرف من حديث طويل أخرجه البخاري في كتاب المغازي في غزوة الفتح وأصل القصة أن خالد بن الوليد بعثه النبي إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم بناء على ظاهر اللفظ فبلغ النبي ذلك فأنكره فدل على أنه يكتفي من كل قوم بما يعرف من لغتهم وقد عذر النبي خالدا في اجتهاده ولذلك لم يقد منه وقال ابن بطال لا خلاف أن القاضي إذا قضى بجور أو بخلاف قول أهل العلم فهو مردود فإن كان على وجه الاجتهاد والتأويل كما صنع خالد رضي الله تعالى عنه فإن الإثم ساقط والضمان لازم عند عامة أهل العلم إلا أنهم اختلفوا في ضمان ذلك فإن كان في قتل أو جراح ففي بيت المال وهذا قول الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وقالت طائفة على عاقلة الإمام أو الحاكم وهذا قول الأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وقال ابن الماجشون ليس على الحاكم شيء من الدية في ماله ولا على عاقلته ولا في بيت المال فإن قلت ليس فيه ولا في الحديث الذي يأتي لفظ صبأنا فأين المطابقة قلت جرت عادته أنه يترجم ببعض ما ورد في الحديث الذي يذكره فيه
وقال عمر إذا قال مترس فقد آمنه إن الله يعلم الألسنة كلها وقال تكلم لا بأس
أي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق وصله عبد الرزاق من طريق أبي وائل قال جاءنا كتاب عمر ونحن نحاصر قصر فارس فقال إذا حاصرتم قصرا فلا تقولوا إنزلوا على حكم الله فإنهم لا يدرون ما حكم الله ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم وإذا لقي الرجل الرجل فقال لا تخف فقد أمنه وإذا قال مترس فقد أمنه أن الله يعلم الألسنة كلها ولفظة مترس كلمة فارسية ومعناها لا تخف لأن لفظ م كلمة النفي عندهم ولفظ ترس بمعنى الخوف عندهم فإذا أرادوا أن يقولوا لواحد لا تخف يقولون بلسانهم مترس واختلفوا في ضبطها فضبطه الأصيلي بفتح الميم والتاء وسكون الراء وضبطه أبو ذر

(15/94)


بكسر الميم وسكون التاء وضبطه بعضهم بإسكان التاء وفتح الراء وأهل خراسان كانوا يقولون ليحيى بن يحيى في ( الموطأ ) مطرس قلت الأصح ضبط الأصيلي لا غير قوله قال تكلم لا بأس أي قال عمر بن الخطاب للهرمزان حين أتوا به إليه وقد تقدم في الجزية والموادعة وأخرجه ابن أبي شيبة عن مروان بن معاوية عن حميد عن أنس قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما قدم عليه استعجم فقال له عمر تكلم لا بأس عليك فكان ذلك عهدا وتأمينا من عمر رضي الله تعالى عنه
21 -
( باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف بالعهد )
أي هذا باب في بيان جواز الموادعة وهي المسالمة على ترك الحرب والأذى وحقيقة الموادعة المتارعة أي أن يدع كل واحد من الفريقين ما هو فيه قوله وغيره أي وغير المال نحو الأسرى قوله من لم يف ويروى من لم يوف
وقوله وإن جنحوا للسلم فاجنج لها ( الأنفال 16 ) الآية
وقوله بالجر عطف على قوله الموادعة أي وفي بيان قوله تعالى وإن جنحوا ( الأنفال 16 ) الآية في مشروعية الصلح ومعنى جنحوا أي مالوا ويقال أي طلبوا و السلم بكسر السين الصلح قوله فاجنح أمر من جنح يجنح أي مل لها أي إليها أي إلى المسالمة واقبل منهم ذلك قال مجاهد نزلت في بني قريظة وفيه نظر لأن السياق كله في وقعة بدر وذكرها مكشف لهذا كله وقول ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( التوبة 92 ) وقال ابن كثير في ( تفسيره ) فيه نظر أيضا لأن آية براءة الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك فأما إذا كان العدو كثيفا فإنه تجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة وكما فعل النبي يوم الحديبية فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص
3713 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر ) هو ( ابن المفضل ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( بشير بن يسار ) عن ( سهل بن أبي حثمة ) قال انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله وهو يتشحط
في دم قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمان بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي فذهب عبد الرحمان يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم قالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبريكم يهود بخمسين فقالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي من عنده
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وهي يومئذ صلح وتمام المطابقة تؤخذ من قوله فعقله النبي من عنده لأنه مصالحة مع المشركين بالمال
ذكر رجاله وهم تسعة الأول مسدد الثاني بشر بكسر الباء الموحدة ابن المفضل على صيغة اسم المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة ابن لاحق أبو إسماعيل البصري الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع بشير بضم الباء الموحدة مصغر بشر ابن يسار ضد اليمين المدني مولى الأنصار الخامس سهل ابن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة واسمه عبد الله أبو محمد الأنصاري المدني فهؤلاء الخمسة رواة السادس عبد الله بن سهل بن زيد بن كعب الحارثي قتيل اليهود بخيبر وهو أخو عبد الرحمن بن سهل وابن أخي حويصة ومحيصة السابع محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة ابن مسعود بن كعب بن عامر الأنصاري الخزرجي أبو سعيد المدني له صحبة وهو أخو حويصة بن مسعود ويقال فيهما جميعا بتشديد الياء وتخفيفها أسلم قبل أخيه حويصة وكان حويصة

(15/95)


أسن منه الثامن عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري أخو عبد الله بن سهل المذكور التاسع حويصة بن مسعود الأنصاري أبو سعد أخو محيصة لأبيه وأمه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في ( الصلح عن مسدد وفي الأدب عن سليمان بن حرب وفي الديات عن أبي نعيم وفي الأحكام عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس وأخرجه مسلم في الحدود عن عبيد الله ابن عمر عن حماد وعن عبيد الله أيضا عن بشر بن المفضل وعن عمرو الناقد وعن محمد بن المثنى وعن قتيبة وعن يحيى بن يحيى وعن القعنبي عن سليمان بن بلال وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن إسحاق بن منصور وأخرجه أبو داود في الديات عن القواريري ومحمد بن عبيد وعن أبي الطاهر بن السرح وعن الحسن بن محمد وأخرجه الترمذي في الديات أيضا عن قتيبة به وعن الحسن بن علي الخلال وأخرجه النسائي في القضاء وفي القسامة عن قتيبة به وعن أبي الطاهر بن السرح به وعن أحمد بن عبدة وعن محمد بن منصور وعن محمد بن بشار وعن إسماعيل بن مسعود وعن عمرو بن علي وعن أحمد بن سليمان فيهما وعن محمد بن إسماعيل في القضاء وحده وفيهما عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وأخرجه ابن ماجه في الديات عن يحيى بن حكيم
ذكر معناه قوله انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة به مسعود إلى خيبر وكانا خرجا في أناس من أصحاب لهما يمتارون تمرا فوجد عبد الله بن سهل في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها فدفنوه وقدموا على رسول الله فذكروا له شأنه فحكم فيه بالقسامة وبسببه كانت القسامة قوله وهي يومئذ صلح أي والحال أن خيبر يوم وقوع هذه القضية صلح يعني كانوا في مصالحة مع النبي قولهوهو يتشحط في دمأي عبد الله يضطرب في الدم قاله الخطابي وقال الداودي المتشحط المختضب ومادته شين معجمة وحاء مهملة وطاء مهملة قال ابن الأثير معناه يتخبط في دمه ويضطرب ويتمرغ قوله قتيلا نصب على الحال قوله كبر كبر أي قدم الأسن يتكلم وهو أمر من التكبير كرره للمبالغة قوله أتحلفون الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أو صاحبكم شك من الراوي قوله تبرئكم من الإبراء أي تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينا قوله خمسين هكذا وقع بغير مميزه وتقديره بخمسين يمينا قوله فعقله النبي أي أدى ديته قوله من عنده يحتمل وجهين هو أن يكون من مال نفسه والآخر أن يكون من مال بيت المال المعد لمصالح المسلمين وإنما عقله رسول الله قطعا للنزاع وإصلاحا وجبرا لخواطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت
ذكر ما يستفاد منه فيه أدب وإرشاد إلى أن الأكبر أولى بالتقدمة في الكلام واعلم أن حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه وأنه أمر أن يتكلم الأكبر لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى بل سماع صورة القصة وكيفيتها فإذا أراد حقيقتها تكلم صاحبها ويحتمل أن عبد الرحمن وكل الأكبر أو أمره بتوكيله فيها وفيه أن القوم إذا كان فيهم صغير ينبغي أن يتأدب الصغير ولا يتقدم عليهم بالكلام ونحوه أشار إليه بقوله وهو أحدث القوم أي عبد الرحمن أصغر القوم وفيه صحة الوكالة أشار إليه بقوله فتكلما أي فتكلم محيصة وحويصة وذلك لأن الحق لم يكن لهما وإنما تكلما بطريق الوكالة وفيه أن حكم القسامة مخالفة لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي وفيه أن القسامة خمسون يمينا فإن قلت كيف عرضت اليمين على الثلاثة وإنما هي للوارث خاصة وهو أخوه قلت كان معلوما عندهم أن اليمين تختص بالوارث فأطلق الخطاب لهم والمراد من يختص به وفيه إثبات حكم القسامة خلافا لجماعة روي عنهم إبطال القسامة وأنه لا حكم فيها ولا عمل بها قال الكرماني منهم البخاري وفيه من استدل على أن القسامة توجب القصاص بقوله تستحقون دم قاتلكم منهم مالك وقال النووي معناه ثبت حقكم على من حلفتم عليه وذلك الحق أعم من أن يكون قصاصا أو دية وفيه كما ذكرنا أن النبي وداه من عنده قطعا للنزاع واستئلافا لليهود وطمعا منه في دخولهم الإسلام وليكف بذلك شرهم عن نفسه وعن المسلمين مع إشكال القضية بإباء أولياء القتيل من اليمين

(15/96)


وإبائهم أيضا من قبول أيمان اليهود فكاد الحكم أن يكون مطولا ولكن أراد النبي أن يوادع اليهود بالغرم عنهم لأن الدليل كان متوجها إلى اليهود في القتل لعبد الله وأراد أن يذهب ما بنفوس أوليائه من العداوة لليهود بأن غرم لهم الدية إذ كان العرف جاريا أن من أخذ دية قتيله فقد انتصف وقال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على فدية أو هدية يؤديها المسلمون إليهم فقال لا يصح ذلك إلا بضرورة وشغل من المسلمين عن حربهم من قتال عدوهم أو فتنة شملت المسلمين فإذا كان ذلك فلا بأس به قال الوليد وذكرت ذلك لسعيد بن عبد العزيز فقال قد صالحهم معاوية أيام صفين وصالحهم عبد الملك بن مرواه لشغله بقتال ابن الزبير يؤدي عبد الملك إلى طاغية ملك الروم في كل يوم ألف دينار وإلى تراجمة الروم وأنباط الشام في كل جمعة ألف دينار وقال الشافعي لا يعطيهم المسلمون شيئا بحال إلا أن يخافوا أن يصطلحوا لكثرة العدد لأنه من معاني الضرورات أو يرسل مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس به لأنه فدى رجلا برجلين وقال ابن بطال ولم أجد لمالك وأصحابه ولا الكوفيين نصا في هذه المسألة قلت مذهب أصحابنا أن للإمام أن يصالحهم بمال يأخذه منهم أو يدفعه إليهم إذا كان الصلح خيرا في حق المسلمين لقوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ( الأنفال 16 ) والمال الذي يؤخذ منهم بالصلح يصرف مصارف الجزية
31 -
( باب فضل الوفاء بالعهد )
أي هذا باب في بيان فضل الوفاء بالعهد أي الميثاق
4713 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أخبره أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشام في المدة التي ماد فيها رسول الله أبا سفيان في كفار قريش
مطابقته للترجمة من حيث إن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم وليس هو من صفات الرسل وأن هرقل أراد أن يمتحن بذلك أعني بإرساله إلى أبي سفيان صدق رسول الله لأن من غدر ولم يف بعهده لا يجوز أن يكون نبيا والرسل أخبرت عن الله تعالى فضل من وفى بعهده
والحديث قطعة من حديث أبي سفيان قد مر في أوائل الكتاب قوله ماد أي المدة التي هادن رسول الله وعينها للصلح بينهما ويقال ماد الغريمان إذا اتفقا على أجل الدين
41 -
( باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر )
أي هذا باب يذكر فيه هل يعفى إلى آخره وجواب الاستفهام يوضحه حديث الباب
وقال ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب سئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل قال بلغنا أن رسول الله قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب
مطابقته للترجمة ظاهرة وقال الكرماني فإن قلت الترجمة بلفظ الذمي والسؤال بأهل العهد والجواب بأهل الكتاب قلت المراد بأهل الكتاب الذي لهم عهد وإلا فهو حربي واجب القتل والعهد والذمة بمعنى انتهى قلت هذا تطويل بلا فائدة وكان قوله والعهد والذمة بمعنى فيه كفاية وفيه إيضاح لجواب الترجمة وابن وهب هو عبد الله بن وهب ويونس هو ابن يزيد الأيلي وهذا التعليق موصول في جامع ابن وهب
قوله سئل على صيغة المجهول قوله أعلىالهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ذلك أي السحر وحكم هذا الباب أنه لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك كقول ابن شهاب ولكن يعاقب إلى أن يقر بسحره فيقتل أو يحدث حدثا فيؤخذ منه بقدر ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي

(15/97)


وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أيضا أنه لا يقتل بسحره ضررا على مسلم إن لم يعاهدوا عليه فإذا فعلوا ذلك فقد نقضوا العهد فحل بذلك قتلهم وعلى هذا القول لا حجة لابن شهاب في أنه لم يقتل اليهودي الذي سحره لوجوه الأول أنه قد ثبت عنه أنه لا ينتقم لنفسه ولو عاقبه لكان حاكما لنفسه الثاني أن ذلك السحر لم يضره لأنه لم يتغير عليه شيء من الوحي ولا دخلت عليه داخلة في الشريعة وإنما اعتراه شيء من التخيل والوهم ثم لم يتركه الله على ذلك بل تداركه بعصمته وأعلمه موضع السحر وأعلمه استخراجه وحله عنه كما دفع الله عنه السم بكلام الذراع الثالث أن هذا السحر إنما تسلط على ظاهره لا على قلبه وعقله واعتقاده والسحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض فلا يقدح في نبوته ويجوز طروه عليه في أمر دنياه وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر
5713 - حدثني ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثني أبي عن ( عائشة ) أن النبي سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه
مطابقته للترجمة من حيث إنه سحره يهودي وعفا عنه كما ذكرنا عن قريب فإن قلت ليس في الترجمة ما ذكرته قلت تتمة القصة تدل عليه ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها
قوله سحر على صيغة المجهول واسم اليهودي الذي سحره لبيد بن أعصم ذكر في ( تفسير النسفي ) عن ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم كان غلام من اليهود يخدم رسول الله فدنت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له لبيد بن أعصم ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان ويقال أروان فمرض رسول الله وانتشر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وجعل يذوب ولا يدري ما عراه ويخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه ما بال الرجل قال طب قال وما طب قال سحر قال ومن سحره قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال وبم طبه قال بمشط وبمشاطة قال وأين هو قال في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان والجف قشر الطلع والراعوفة صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها فانتبه رسول الله مذعورا فقال يا عائشة أما شعرت أن الله تعالى أخبرني بدائي ثم بعث رسول الله عليا والزبير وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم فنزحوا ماء تلك البئر وكأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه وإذا وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر فأنزل الله تعالى المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله خفة حين انحلت العقدة الأخيرة فقام رسول الله كأنما نشط من عقال وجعل جبريل عليه الصلاة و السلام يقول بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من عين وحاسد والله يشفيك فقالوا يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث فنقتله فقال أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا قالت عائشة ما غضب رسول الله غضبا ينتقم من أحد لنفسه قط إلا أن يكون شيئا هو لله فيغضب لله وينتقم وسيأتي هذا في كتاب الطب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قوله يخيل إليه على صيغة المجهول
وقد اعترض بعض الملحدين على حديث عائشة وقالوا كيف يجوز السحر على رسول الله والسحر كفر وعمل من أعمال الشياطين فكيف يصل ضرره إلى النبي مع حياطة الله له وتسديده إياه بملائكته وصون الوحي عن الشياطين وأجيب بأن هذا اعتراض فاسد وعناد للقرآن لأن الله تعالى قال لرسوله قل أعوذ برب الفلق ( الفلق 1 ) إلى قوله في العقد والنفاثات السواحر في العقد كما ينفث الراقي في الرقية حين سحر وليس في جواز ذلك عليه ما يدل على أن ذلك يلزمه أبدا أو يدخل عليه داخلة في شيء من ذاته أو شريعته وإنما كان له من ضرر السحر ما ينال المريض من ضرر الحمى والبرسام من ضعف الكلام وسوء التخيل ثم زال ذلك عنه وأبطل الله كيد السحر وقد قام الإجماع على عصمته في الرسالة والله الموفق

(15/98)


51 -
( باب ما يحذر من الغدر )
أي هذا باب في بيان ما يحذر من سوء الغدر وهو ضد الوفاء ونقض العهد يحذر على صيغة المجهول من حذر ويحذر حذرا ويروى يحذر بالتشديد من التحذير
وقوله تعالى وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ( الأنفال 26 ) الآية
وقوله بالجر عطفا على ما يحذر لأنه مجرور بالإضافة تقديره وفي بيان قوله تعالى وإن يريدوا ( الأنفال 26 ) أي وإن يرد الكفار بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا فإن حسبك الله ( الأنفال 26 ) أي كافيك وحده وهذه الآية بعد قوله وإن جنحوا للسلم ( الأنفال 16 ) وبعدها ذكر نعمة الله عليه بقوله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ( الأنفال 36 ) أي جمعها على الإيمان بك وعلى طاعتك ومناصرتك فإنك ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ( الأنفال 36 )
6713 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( الوليد بن مسلم ) قال حدثنا ( عبد الله بن العلاء بن زبر ) قال سمعت ( بسر بن عبيد الله ) أنه سمع ( أبا إدريس ) قال سمعت ( عوف بن مالك ) قال أتيت النبي في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال اعدد ستا بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية إثنا عشر ألفا
مطابقته للترجمة في قوله فيغدرون
ذكر رجاله وهم ستة الأول الحميدي وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده الثاني الوليد بن مسلم القرشي أبو العباس الثالث عبد الله بن العلاء بن زبر بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة والراء الربعي بفتح الراء والباء الموحدة وبالعين المهملة الرابع بسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخره راء ابن عبيد الله الحضرمي الخامس أبو إدريس عائذ الله بالعين المهملة والهمزة بعد الألف وبالذال المعجمة وقال ابن الأثير بكسر الياء آخر الحروف بعد الألف الخولاني بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون السادس عوف ابن مالك الأشجعي مات بالشام سنة ثلاث وسبعين
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن هؤلاء كلهم شاميون إلا شيخ البخاري فإنه مكي وفيه عبد الله بن العلاء سمعت بسر بن عبيد الله ووقع في رواية الطبراني من طريق دحيم عن الوليد عن عبد الله بن العلاء عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله ولا يضر هذا رواية البخاري فإن عبد الله بن العلاء صرح بالسماع عن بسر وكذا في رواية أبي داود وابن ماجه وغيرهما مثل رواية البخاري ليس فيها زيد بن واقد
وأبو داود أخرجه في الأدب عن مؤمل بن الفضل وعن صفوان بن صالح وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن دحيم عن الوليد بن مسلم
ذكر معناه قوله في غزوة تبوك كانت في سنة
قوله وهو في قبة من أدم القبة بضم القاف وتشديد الباء الموحدة الخرقاهة وكل بناء مدور فهو قبة والجمع قباب وقبية والأدم بفتحتين اسم لجمع أديم وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدباغ قوله ستا أي ست علامات لقيام القيامة قوله ثم موتان بضم الميم وسكون الواو قال القزاز هو الموت وقال غيره الموت الكثير الوقوع ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها ويقال للبليد موتان القلب بفتح الميم والسكون وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى يغلط بعض المحدثين فيقول

(15/99)


بضم الميم والواو وإنما ذاك اسم الأرض التي لم تحز بالزرع والإصلاح ووقع في رواية ابن السكن ثم موتتان بلفظ التثنية ولا وجه له هنا قوله كقعاص الغنم بضم القاف وتخفيف العين المهملة وبعد الألف صاد مهملة وهو داء يأخذ الغنم فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجاءة وكذلك غيرها من الدواب وقال ابن فارس القعاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق وقيل هو الهلاك المعجل وبعضهم ضبطه بتقديم العين على القاف ولم أر ذلك في شرح من شروح البخاري وما ذكره ابن الأثير وابن قرقول وغيرهما إلا بتقديم القاف على العين قوله ثم استفاضة المال والاستفاضة من فاض الماء والدمع وغيرهما إذا كثر قوله فيظل ساخطا أي يبقى ساخطا استقلالا للمبلغ وتحقيرا له قوله ثم هدنة الهدنة بضم الهاء الصلح وأصل الهدنة السكون يقال هدن يهدن فسمي الصلح على ترك القتال هدنة ومهادنة لأنه سكون عن القتال بعد التحرك فيه قوله بني الأصفر هم الروم قوله غاية بالغين المعجمة وبالياء آخر الحروف الراية وقال ابن الجوزي رواه بعضهم بالباء الموحدة وهي الأجمة وشبه كثرة الرماح للعسكر بها فاستعيرت له يعني يأتون قريبا من ألف ألف رجل قاله الكرماني وقال غيره الجملة في الحساب تسعمائة ألف وستون ألفا وقال الخطابي الغاية الغيضة فاستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيش وقال الجواليقي غاية وراية واحد لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف وإذا مشت تبعها وهذه الست المذكورة ظهرت منها الخمس موت النبي وفتح بيت المقدس والموتان كان في طاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مات فيه سبعون ألفا في ثلاثة أيام واستفاضة المال كانت في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه عند تلك الفتوح العظيمة والفتنة استمرت بعده والسادسة لم تجيء بعد وروى ابن دحية من حديث حذيفة مرفوعا أن الله تعالى يرسل ملك الروم وهو الخامس من أولاد هرقل يقال له صمارة فيرغب إلى المهدي في الصلح وذلك لظهور المسلمين على المشركين فيصالحه إلى سبعة أعوام فيضع عليهم الجزية عن يد وهم صاغرون ( التوبة 92 ) ولا يبقى لرومي حرمة ويكسر لهم الصليب ثم يرجع المسلمون إلى دمشق فإذا هم كذلك إذا رجل من الروم قد التفت فرأى أبناء الروم وبناتهم في القيود فرفع الصليب ورفع صوته وقال ألا من كان يعبد الصليب فلينصره فيقوم إليه رجل من المسلمين فيكسر الصليب ويقول الله أغلب وأعز فحينئذ يغدرون وهم أولى بالغدر فيجتمع عند ذلك ملوك الروم خفية فيأتون إلى بلاد المسلمين وهم على غفلة مقيمين على الصلح فيأتون إلى أنطاكية في اثني عشر ألف راية تحت كل راية اثني عشر ألفا فعند ذلك يبعث المهدي إلى أهل الشام والحجاز والكوفة والبصرة والعراق يستنصر بهم فيبعث إليه أهل الشرق أنه قد جاءنا عدو من أهل خراسان شغلنا عنك فيأتي إليه بعض أهل الكوفة والبصرة فيخرج بهم إلى دمشق وقد مكث الروم فيها أربعين يوما يفسدون ويقتلون فينزل الله صبره على المسلمين فيخرجون إليهم فيشتد الحرب بينهم ويستشهد من المسلمين خلق كثير فيا لها من وقعة ومقتلة ما أعظمها وأعظم هولها ويرتد من العرب يومئذ أربع قبائل سليم وفهد وغسان وطي فيلحقون بالروم ثم إن الله ينزل الصبر والنصر والظفر على المؤمنين ويغضب على الكافرين فعصابة المسلمين يومئذ خير خلق الله تعالى والمخلصين من عباده وليس فيهم مارد ولا مارق ولا شارد ولا مرتاب ولا منافق ثم إن المسلمين يدخلون إلى بلاد الروم ويكبرون على المدائن والحصون فتقع أسوارها بقدرة الله تعالى فيدخلون المدائن والحصون ويغنمون الأموال ويسبون النساء والأطفال وتكون أيام المهدي أربعين سنة عشر منها بالمغرب واثني عشر سنة بالمدينة واثني عشر سنة بالكوفة وستة بمكة وتكون منيته فجاءة
61 -
( باب كيف ينبذ إلى أهل العهد )
أي هذا باب يبين فيه كيف ينبذ وهو على صيغة المجهول من النبد بالنون والباء الموحدة والذال المعجمة وهو الطرح والمراد هنا نقض العهد
وقوله تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ( الأنفال 85 ) الآية
وقوله بالرفع على الابتداء وخبره محذوف تقديره وقوله تعالى هو وأما تخافن ( الأنفال 85 ) الآية والجملة معطوفة على الجملة التي

(15/100)


قبلهاقوله وأما تخافن خطاب للنبي أي من قوم من المشركين قال الأزهري معناه إذا هادنت قوما فعلمت منهم النقض فلا تسرع إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك نقضت العهد فيكونون في علم النقض مستوين ثم أوقع بهم وقال الكسائي السواء العدل وقال ابن عباس المثل وقيل أعلمهم أنك قد جازيتهم حتى يصيروا مثلك في العلم
7713 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرنا حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر رضي الله تعالى عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي مشرك
مطابقته للترجمة في قوله فنبذ أبو بكر إلى الناس وأبو اليمان الحكم بن نافع وهذا الإسناد قد تكرر ذكره
والحديث مضى في كتاب الحج في باب لا يطوف بالبيت عريان ولا مشرك فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن ( حميد بن عبد الرحمن ) أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان
قوله بعثني أبو بكر كان بعثه إياه في الحجة التي أمره النبي قبل حجة الوداع والأحاديث يفسر بعضها بعضا قوله ويوم الحج الأكبر يوم النحر هذا قول مالك وجماعة من الفقهاء وقيل عرفة وإنما قيل له الأكبر لأجل قول الناس الحج الأصغر قال الداودي يعني العمرة وقيل إنما قيل له الأكبر لأن الناس كانوا في الجاهلية يقفون بعرفة وتقف قريش بالمزدلفة لأنهم كانوا يقولون لا نخرج من الحرم فإذا كان صلاة الفجر يوم النحر وليلة النحر اجتمعوا كلهم بالمزدلفة فقيل له يوم الحج الأكبر لأنه يوم الاجتماع الأكبر فيه
71 -
( باب إثم من عاهد ثم غدر )
أي هذا باب في بيان إثم من عاهد ثم غدر أي نقض العهد
وقوله تعالى الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ( الأنفال 65 )
وقوله بالجر عطفا على قوله إثم أي وفي بيان ما جاء في تحريم نقض العهد من قوله تعالى الذين عاهدت ( الأنفال 65 ) الآية والغدر حرام باتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي
8713 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله بن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ( انظر الحديث 43 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وإذا عاهد غدر ورجاله كلهم قد مروا غير مرة والحديث أيضا مر في كتاب الإيمان في باب علامة المنافق ومضى الكلام فيه هناك قوله أربع خلال أي أربع خصال وهو جمع خلة وهي الخصلة
9713 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم التيمي ) عن أبيه

(15/101)


عن ( علي ) رضي الله تعالى عنه قال ما كتبنا عن النبي إلا القرآن وما في هذه الصحيفة قال النبي المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله فمن أحدث فيها حدثا إلى آخره لأن في إحداث الحدث وإيواء المحدث والموالاة بغير إذن مواليه معنى الغدر فلهذا استحق هؤلاء اللعنة المذكورة وسفيان هو ابن عيينة وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك التيمي والحديث قد مر غير مرة عن قريب في باب ذمة المسلمين وجوارهم وفي الحج أيضا
0813 - قال ( أبو موسى ) حدثنا ( هاشم بن القاسم ) قال حدثنا ( إسحاق بن سعيد ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما فقيل له وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة قال إي والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق قالوا عم ذاك قال تنتهك ذمة الله وذمة رسوله فيشد الله عز و جل قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم
أبو موسى هو محمد بن المثنى شيخ البخاري هاشم بن القاسم أبو النضر التميمي ويقال الليثي الكناني خراساني سكن بغداد وإسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو خالد بن سعيد الأموي القرشي يروي عن أبيه سعيد بن عمرو
وهذا التعليق كذا وقع في أكثر نسخ الصحيح وقاله أيضا أصحاب ( الأطراف ) والإسماعيلي والحميدي في جمعه وأبو نعيم وفي بعض النسخ حدثنا أبو موسى والأول هو الصحيح ثم هذه الصيغة تحمل على السماع فيه خلاف وقال الخطيب لا تحمل على السماع إلا ممن جرت عادته أن يستعملها فيه ووصل أبو نعيم هذا في ( مستخرجه ) من طريق موسى بن عباس عن أبي موسى مثله
قوله إذا لم تجتبوا من الجباية بالجيم والباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف يعني إذا لم تأخذوا من الجزية والخراج قوله عن قول الصادق المصدوق معنى الصادق ظاهر والمصدوق هو الذي لم يقل له إلا الصدق يعني أن جبريل عليه الصلاة و السلام مثلا لم يخبره إلا بالصدق قال الكرماني أو المصدق بلفظ المفعول قوله تنتهك بضم أوله من الانتهاك وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل من الجور والظلم قوله فيمنعون ما في أيديهم أي من الجزية وقال الحميدي أخرج مسلم معنى هذا الحديث من وجه آخر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رفعه منعت العراق درهمها وقفيزها الحديث وساق الحديث بلفظ الماضي والمراد ما يستقبل مبالغة في الإشارة إلى تحقق وقوعه وروى مسلم أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعا يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم قالوا مم ذاك قال من قبل العجم يمنعون ذلك وفيه علم من علامات النبوة
81 -
( باب )
أي هذا باب وقد وقع كذا بلا ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وقد مر مثل هذا غير مرة
1813 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( أبو حمزة ) قال سمعت ( الأعمش ) قال سألت أبا وائل شهدت صفين قال نعم فسمعت سهل بن حنيف يقول اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل

(15/102)


ولو أستطيع أن أرد أمر النبي لرددته وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا
تعلق هذا الحديث بالباب المترجم من حيث ما آل أمر قريش في نقضهم العهد من الغلبة عليهم والقهر بفتح مكة فإنه يوضح أن مال الغدر مذموم ومقابل ذلك ممدوح
وعبدان قد مر غير مرة وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي وهو محمد بن ميمون السكري والأعمش هو سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وسهل ابن حنيف بن واهب الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عبدان أيضا وعن موسى بن إسماعيل وفي الخمس عن الحسن بن إسحاق وفي التفسير عن أحمد بن إسحاق وأخرجه مسلم في المغازي عن جماعة والنسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان
قوله صفين بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء وهو اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين علي ومعاوية وهي وقعة مشهورة قوله اتهموا رأيكم قال ذلك يوم صفين وكان مع علي رضي الله تعالى عنه يعني اتهموا رأيكم في هذا القتال يعظ الفريقين لأن كل فريق منهما يقاتل على رأي يراه واجتهاد يجتهده فقال لهم سهل اتهموا رأيكم فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم برأي رأيتموه وكانوا يتهمون سهلا بالتقصير في القتال فقال اتهموا رأيكم فإني لا أقصر وما كنت مقصرا في الجماعة كما في يوم الحديبية قوله رأيتني أي رأيت نفسي يوم أبي جندل بفتح الجيم وسكون النون واسمه العاص بن سهل وإنما نسب اليوم إليه ولم يقل يوم الحديبية لأن رده إلى المشركين كان شاقا على المسلمين وكان ذلك أعظم عليهم من سائر ما جرى عليهم من سائر الأمور وكان أبو جندل جاء إلى النبي من مكة مسلما وهو يجر قيوده وكان قد عذب على الإسلام فقال سهل والده يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه فرد عليه أبا جندل وهو ينادي أتردونني إلى المشركين وأنا مسلم وترون ما لقيت من العذاب في الله فقام سهل إلى ابنه بحجر فكسر قيده فغارت نفوس المسلمين يومئذ حتى قال عمر رضي الله تعالى عنه ألسنا على الحق فعلى ما نعطي الدنية على وزن فعيلة أي النقيصة والخطة الخسيسة أي لم نرد أبا جندل إليهم ونقاتل معهم ولا نرضى بهذا الصلح قوله فلو أستطيع أن أرد أمر النبي أشار بهذا الكلام إلى جواب الذي اتهموه بالتقصير في القتال يوم صفين فقال كيف تنسبونني إلى التقصير فلو كان لي استطاعة على رد أمر النبي يوم الحديبية لرددته ولم يكن امتناعي عن القتال يومئذ للتقصير وإنما كان لأجل أمر النبي بالصلح قوله وما وضعنا أسيافناإلى آخره يعني ما جردنا سيوفنا في الله لأمر يفظعنا من أفظع بالفاء والظاء المعجمة والعين المهملة قال ابن فارس فظع وأفظع لغتان يقال أمر فظيع أي شديد علينا إلا أسهلت بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا يعني أمر الفتنة التي وقعت بين المسلمين فإنها مشكلة حيث حلت المصيبة بقتل المسلمين فنزع السيف أول من سله في الفتنة
2813 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( يحيى بن آدم ) قال حدثنا ( يزيد بن عبد العزيز ) عن أبيه قال حدثنا ( حبيب بن أبي ثابت ) قال حدثني ( أبو وائل ) قال كنا بصفين فقام سهل ابن حنيف فقال أيها الناس اتهموا أنفسكم فإنا كنا مع رسول الله يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل فقال بلى فقال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال فعلى ما نعطي الدنية في ديننا أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي فقال =التالي هو ج29.و30.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...