حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج23.وج24.عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني

ج23.وج24.عمدة القاري شرح صحيح البخاري    لبدر الدين العيني

 

 

ج23.عمدة القاري شرح صحيح البخاري    لبدر الدين العيني

الغرر ألا يرى أن الظئر يكرى لأجل لبنها الذي لم يخلق ولم يوجد إلا أوله ولا يدري كم يشرب الصبي منه وكذلك لو اكترى عبدا لخدمته فالمنفعة التي وقع عليها العقد لم تخلق وإنما تتجدد أولا فأولا حتى لو مات العبد تعذرت المحاسبة على ما حصل من المنفعة وقد جرت العادة في الأغلب إذا كان الأصل سليما من الآفات أن تتتابع بطونها وتتلاحق وعدم مشاهدته لا تدل على بطلان بيعه بدليل بيع الجوز واللوز في قشورهما وفساده يتبين من خارج
8022 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي نهى عن بيع ثمر التمر حتى تزهو فقلنا لأنس ما زهوها قال تحمر وتصفر أرأيت أن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك
مطابقته للترجمة من معنى الحديث لأن الثمرة قبل زهوها خضراء فتدخل في بيع المخاضرة قبل الزهو وإسماعيل بن جعفر بن كثير أبو إبراهيم الأنصاري المديني والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي ابن حجر ثلاثتهم عن إسماعيل به
قوله ثمر التمر الأول بالثاء المثلثة وفتح الميم والثاني بالتاء المثناة من فوق وسكون الميم ويروى بيع الثمر بدون الإضافة إلى شيء قوله أرأيت معناه أخبرني قوله أن منع الله الثمرة يعني لم يخرج شيء قوله بم تستحل يعني إذا تلف الثمر لا يبقى في مقابلة شيء عوض ذلك فيكون البائع آكلا لمال غيره بالباطل واحتمال التلف بعد الزهو وإن كان ممكنا لكن تطرقه إلى الباذي أسرع وأظهر وأكثر
49 -
( باب بيع الجمار وأكله )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الجمار بضم الجيم وتشديد الميم هو قلب النخلة ويقال شحمها قوله وأكله أي وفي بيان حكم أكله
9022 - حدثنا ( أبو الوليد هشام بن عبد الملك ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كنت عند النبي وهو يأكل جمارا فقال من الشجر شجرة كالرجل المؤمن فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أحدثهم قال هي النخلة
هذه الترجمة لها جزءان أحدهما بيع الجمار والآخر أكله وليس في الحديث إلا الأكل وقال الكرماني ما الذي يدل على بيع الجمار ثم قال جواز أكله ولعل الحديث مختصر مما فيه ذلك أو غرضه الإشارة إلى أنه لم يجد حديثا يدل عليه بشرطه انتهى قلت الجواب الأول أوجه من الآخرين وعن هذا قال ابن بطال بيع الجمار وأكله من المباحات بلا خلاف وكل ما انتفع به للأكل فبيعه جائز وقال بعضهم فائدة الترجمة دفع توهم المنع من ذلك لكونه قد يظن إفسادا وإضاعة وليس كذلك قلت المقصود من الترجمة أن يدل على شيء في الحديث الذي يورده في بابها وهذا الذي قاله أجنبي من ذلك وليس بشيء على ما لا يخفى
وهذا الحديث قد مضى في كتاب العلم في باب طرح الإمام المسألة على أصحابه فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وهنا أخرجه عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن أبي عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس البصري إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله وهو يأكل جمارا جملة حالية وهذه الجملة ليست مذكورة هناك فلذلك هنا ترجم للأكل قوله فإذا أنا كلمة إذا للمفاجأة وقوله أحدثهم جوابها أي أصغرهم فمعنى الصغر في السن أن أتقدم على الأكابر وأتكلم بحضورهم
وفيه أكل الشارع بحضرة القوم تواضعا ولا عبرة بقول بعضهم إنه يكره أظهاره وإنه يخفى مدخله كما يخفى مخرجه وفيه مراعاة الصغار الأدب بحضور الكبار

(12/15)


59 -
( باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة )
أي هذا باب يذكر فيه من أجرى أمرها إلى الأمصار على ما يتعارفون بينهم أي على عرفهم وعوائدهم في أبواب البيوع والإجارات والمكيال وفي بعض النسخ والكيل والوزن مثلا بمثل كل شيء لم ينص عليه الشارع أنه كيلي أو وزني يعمل في ذلك على ما يتعارفه أهل تلك البلدة مثلا الأرز فإنه لم يأت فيه نص من الشارع أنه كيلي أو وزني فيعتبر في عادة أهل كل بلدة على ما بينهم من العرف فيه فإنه في البلاد المصرية يكال وفي البلاد الشامية يوزن ونحو ذلك من الأشياء لأن الرجوع إلى العرف جملة من القواعد الفقهية
قوله وسننهم عطف على ما يتعارفون بينهم أي على طريقتهم الثابتة على حسب مقاصدهم وعاداتهم المشهورة
وحاصل الكلام أن البخاري قصد بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف والعادة
وقال شريح للغزالين سنتكم بينكم ربحا
شريح بضم الشين المعجمة ابن الحارث الكندي القاضي من عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله للغزالين هو جمع غزال وهو بياع الغزل قوله سنتكم يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره قوله بينكم يعني عادتكم وطريقتكم بينكم معتبرة وأما النصب فعلى تقدير إلزموا سنتكم وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق ابن سيرين أن ناسا من الغزالين اختصموا إلى شريح في شيء كان بينهم فقالوا إن سنتنا بيننا كذا وكذا فقال سنتكم بينكم قوله ربحا قيل لا معنى له ههنا وإنما محله في آخر الأثر الذي بعده قلت هكذا وقع في بعض النسخ ولكنه غير صحيح لأن هذه اللفظة هنا لا فائدة لها ولا معنى يطابق الأثر
وقال عبد الوهاب عن أيوب عن محمد لا بأس العشرة بأحد عشر ويأخذ للنفقة ربحا
مطابقته للترجمة من حيث إن عرف البلد أن المشترى بعشرة دراهم يباع بأحد عشر فباعه المشتري على ذلك العرف لم يكن به بأس وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب هذا قوله لا بأس العشرة بأحد عشر أي لا بأس أن يبيع ما اشتراه بمائة دينار مثلا كل عشرة منه بأحد عشر فيكون رأس المال عشرة والربح دينارا وقال الكرماني العشرة بالرفع والنصب إذا كان عرف البلد أن المشترى بعشرة دراهم يباع بأحد عشر درهما فيبيعه على ذلك العرف فلا بأس به ويأخذ لأجل النفقة ربحا قلت أما وجه الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره هو قوله بأحد عشر والتقدير تباع بأحد عشر وأما النصب فعلى تقدير بيع العشرة يعني المشترى بعشرة بأحد عشر
وقال ابن بطال اختلف العلماء في ذلك فأجازه قوم وكرهه آخرون وممن كرهه ابن عباس وابن عمر ومسروق والحسن وبه قال أحمد وإسحاق قال أحمد البيع مردود وأجازه ابن المسيب والنخعي وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وحجة من كرهه لأنه بيع مجهول وحجة من أجازه بأن الثمن معلوم والربح معلوم وأصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم ولا يعلم مقدارها من الطعام فأجازه قوم وأباه آخرون ومنهم من قال لا يلزم إلا القفيز الواحد وعن مالك لا يأخذ في المرابحة أجر السمسار ولا أجر الشد والطي ولا النفقة على الرقيق ولا كراء البيت وإنما يحسب هذا في أصل المال ولا يحسب له ربح وأما كراء البز فيحسب له الربح لأنه لا بد منه فإن أربحه المشترى على ما لا تأثير له جاز إذا رضي بذلك وقال أبو حنيفة يحسب في المرابحة أجرة القصارة والسمسرة ونفقة الرقيق وكسوتهم ويقول قام علي بكذا ولا يقول اشتريته بكذا
قوله ويأخذ للنفقة أي لأجل النفقة ربحا هذا محل ذكر الربح كما ذكرناه عن قريب وقد ذكرنا الآن خلاف مالك فيه
وقال النبي لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
مطابقته للترجمة من حيث إنه قال لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو عادة الناس وهذا

(12/16)


يدل على أن العرف عمل جار وقال ابن بطال العرف عند الفقهاء أمر معمول به وهو كالشرط اللازم في الشرع ومما يدل على ما قاله قضية هند بنت عتبة زوج أبي سفيان والد معاوية وهذا التعليق يأتي الآن موصولا
وذكر ابن بطال بعض مسائل من الفقه التي يعمل فيها بالعرف منها لو وكل رجل رجلا على بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي هو عرف الناس لم يجز ذلك ولزمه النقد الجاري وكذا لو باع طعاما موزونا أو مكيلا بغير الوزن أو الكيل المعهود لم يجز ولزم الكيل المعهود المتعارف من ذلك
وقال تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( النساء 6 )
هذا من الترجمة وكان ينبغي أن يذكر في صدر الباب أو يكتفى بذكره في حديث عائشة الآتي في هذا الباب والمراد منه في الترجمة حوالة وإلى اليتيم في أكله من ماله على العرف
واكترى الحسن من عبد الله بن مرداس حمارا فقال بكم قال بدانقين فركبه ثم جاء مرة أخرى فقال الحمار الحمار فركبه ولم يشارطه فبعث إليه بنصف درهم
مطابقته للترجمة من حيث إن الحسن لم يشارط المكاري في المرة الثانية اعتمادا على الأجرة المتقدمة وزاد بعد ذلك على الأجرة المتقدمة على سبيل الفضل وقد جرى العرف أن شخصا إذا اكترى حمارا أو فرسا أو جملا للركوب إلى موضع معين بأجرة معينة ثم في ثاني مرة إذا أراد ركوب حمار هذا على العادة لا يشارطه الأجرة لاستغنائه عن ذلك باعتبار العرف المعهود بينهما والحسن هو البصري وعبد الله بن مرادس بكسر الميم هو صاحب الحمار الذي اكتراه منه الحسن ووصل هذا التعليق سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس فذكر مثله
قوله بدانقين تثنية دانق بفتح النون وكسرها وهو سدس الدرهم قوله فركبه فيه حذف أي فرضي الحسن بدانقين فأخذه فركبه قوله ثم جاء أي الحسن مرة أخرى إلى عبد الله بن مرداس فقال الحمار الحمار بالتكرار ويجوز فيهما النصب والرفع أما النصب فعلى تقدير هات الحمار فينصب على المفعولية وأما الرفع فعلى الابتداء والخبر محذوف أي الحمار مطلوب أو أطلب أو نحو ذلك قوله ولم يشارطه يعني الأجرة اعتمادا على الأجرة المتقدمة للعرف بذلك قوله فبعث إليه أي بعث الحسن إلى عبد الله المذكور بنصف درهم فزاد على الدانقين دانقا آخر على سبيل الفضل والكرم
0122 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال حجم رسول الله أبو طيبة فأمر له رسول الله بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يشارط الحجام المذكور على أجرته اعتمادا على العرف في مثله وقد مضى الحديث بعينه إسنادا ومتنا فيما مضى في كتاب البيوع في باب ذكر الحجام غير أن هناك حجم أبو طيبة رسول الله وهنا حجم رسول الله أبو طيبة
1122 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت هند أم معاوية لرسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن اخذ من ماله سرا قال خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف
مطابقته للترجمة في قوله خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف من حيث إنه أحالها على العرف فيما ليس فيه تحديد شرعي وأبو نعيم بضم النون هو الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري نص عليه المزي في ( الأطراف ) ح
والحديث

(12/17)


أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن محمد بن يوسف وفي الأحكام عن محمد بن كثير ثلاثتهم عن سفيان به
قوله هند يصرف ولا يصرف وهي بنت عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف زوجة أبي سفيان أسلمت عام الفتح وماتت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب ضد الصلح ابن أمية بن عبد شمس أسلم يوم فتح مكة وكان رئيس قريش يومئذ وقد مر في حديث هرقل قوله شحيح بفتح الشين المعجمة وبالحاءين المهملتين والشحيح هو البخيل الحريص قوله جناح بضم الجيم أي إثم قوله أن آخذ أي بأن آخذ وكلمة أن مصدرية قوله سرا نصب على التمييز أي من حيث السر ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي أخذا سرا غير جهر قوله وبنوك ويروى وبنيك بالجر أما وجه الأول فعلى أنه معطوف على الضمير المرفوع في خذي وإنما ذكر أنت ليصح العطف عليه وفيه خلاف بين البصريين والكوفيين وأما النصب فعلى أنه مفعول معه وقال الكرماني مقتضى المقام أن يقال أيضا وما يكفي بنيك أو ما يكفيكم قلت تقديره ما يكفي لنفسك ولبنيك واقتصر عليها لأنها هي الكافلة لأمورهم وقال أيضا فإن قلت هذه القصة بمكة وأبو سفيان فيها فكيف حكم رسول الله في غيبته وهو في البلد قلت هذا لم يكن حكما بل كان فتوى انتهى وقال صاحب ( التوضيح ) واستدل بحديث هند على القضاء على الغائب وبالإفتاء لأن زوجها أبا سفيان كان متواريا بها انتهى قلت لم يكن غائبا ولا متواريا وقال السهيلي كان حاضرا سؤالها فقال أنت في حل مما أخذت فلا يصح الاحتجاج به على جواز القضاء على الغائب
وقال الكرمانيوفيه نفقة الزوجة والأولاد الصغار وأنها مقدرة بالكفاية قال وفيه أخذ الحق من مال الغير بدون إذنه قلت ليس هذا على إطلاقه بل هذا إذا ظفر بجنس حقه وفي خلاف جنس حقه لا بد من إذنه أو إذن الحاكم قال وفيه إطلاق الفتوى وإرادة تعليقها بما يقوله المستفتي وفيه خروج المزوجة من بيتها لحاجتها إذا علمت رضى الزوج به
154 - ( حدثني إسحاق قال حدثنا ابن نمير قال أخبرنا هشام ح وحدثني محمد قال سمعت عثمان بن فرقد قال سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف )
مطابقته للترجمة في قوله أكل منه بالمعروف
( ذكر رجاله ) وهم سبعة الأول اسحق قال الغساني لم أجده منسوبا لأحد من الرواة وقال خلف وغيره في الأطراف أنه اسحق بن منصور واستخرج أبو نعيم هذا الحديث من مسند اسحق بن راهويه عن ابن نمير وقال أخرجه البخاري عن اسحق وقال في التفسير أخرجه البخاري عن اسحق بن منصور الثاني ابن نمير هو عبد الله بن نمير بضم النون وقد مر في التيمم الثالث هشام بن عروة الرابع محمد بن المثنى المشهور بالزمن وقد مر في الإيمان كذا قاله الكرماني ويقال هو محمد بن سلام والظاهر أنه هو الأول الخامس عثمان بن فرقد بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف وفي آخره دال مهملة على وزن جعفر هو العطار فيه مقال لكن البخاري لم يخرج له موصولا إلا هذا الحديث وقد قرنه بابن نمير وذكر له آخر تعليقا في المغازي السادس عروة بن الزبير بن العوام السابع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضعين وفيه السماع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه اسحق إن كان ابن منصور فهو مروزي انتقل إلى نيسابور وإن كان هو ابن راهويه فكذلك مروزي انتقل إلى نيسابور وفيه أن شيخه الآخر إن كان ابن المثنى فهو بصري وإن كان محمد بن سلام فهو البخاري البيكندي وفيه أن عبد الله بن نمير كوفي وأن عثمان بن فرقد بصري وأن هشاما وأباه عروة مدنيان

(12/18)


( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا من حديث عبد الله بن نمير عن هشام في التفسير ومن طريق عثمان بن فرقد من أفراده وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير
( ذكر معناه ) قوله ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف هذا في سورة النساء وأول الآية وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا قوله وابتلوا اليتامى أي اختبروهم قاله ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان قوله حتى إذا بلغوا النكاح قال مجاهد يعني الحلم قوله فإن آنستم منهم رشدا يعني صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم قاله سعيد بن جبير ثم نهى الله عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم قوله ومن كان غنيا أي من كان في غنية عن مال اليتيم فليستعفف عنه ولا يأكل منه شيئا قوله أنزلت أي هذه الآية في والي اليتيم وهو الذي يلي أمره ويتولاه قوله الذي يقيم عليه قال ابن التين الصواب يقوم لأنه من القيام لا من الإقامة قلت لا مانع من ذلك لأن معناه يلازمه ويعتكف عليه أو يقيم نفسه عليه وكذا أخرجه أبو نعيم عن هشام من وجه آخر وذهل صاحب التوضيح عن هذا المعنى وقال الصواب يقوم بالواو ولأن يقيم متعد بغير حرف جر قوله أكل منه بالمعروف يعني بقدر قيامه عليه وقال الفقهاء له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته واختلفوا هل يرد إذا أيسر على قولين أحدهما لا لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا وهو الصحيح عند أصحاب الشافعي لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الوهاب حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل رسول الله فقال ليس لي مال ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متاثل مالا ومن غير أن تقي مالك وقال تفدي مالك شاك حسين وروى ابن حبان في صحيحه وابن مردويه في تفسيره من حديث علي بن مهدي عن جعفر بن سليمان عن أبي عامر الخراز عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا قال يا رسول الله مما أضرب يتيمي قال ما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله ولا متاثل منه مالا وقال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال إن في حجري أيتاما وإن لهم إبلا ولي إبل وأنا أمنح في إبلي وأفقر فماذا يحل لي من ألبانها فقال إن كنت تبغي ضالتها وتهنأ جرباها وتلوط حوضها وتسقي عليها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب وبهذا القول وهو عدم البدل يقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطية العوفي والحسن البصري والثاني نعم لأن مال اليتيم على الخطر وإنما أبيح للحاجة فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة قوله ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يعني القرض كذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروى من طريق السدي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله فليأكل بالمعروف قال يأكل بثلاث أصابع وقال الشعبي لا يأكل منه إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة فإن أكل منه قضاه رواه ابن أبي حاتم وقيل أن الولي يستقرض من مال اليتيم إذا افتقر وبه قال عبيدة وعطاء وأبو العالية وقيل فليأكل بالمعروف في مال نفسه لئلا يحتاج إلى مال اليتيم وقال مجاهد ليس عليه أن يأخذ قرضا ولا غيره وبه قال أبو يوسف وذهب إلى أن الآية منسوخة نسختها لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قوله فإذا دفعتم إليهم أموالهم يعني بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد فحينئذ سلموهم أموالهم فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه قوله وكفى بالله حسيبا أي محاسبا وشاهدا ورقيبا على الأولياء في حال نظرهم للأم حال تسلمهم الأموال هل هي كاملة وفرة أو ناقصة مبخوسة مدحلسة مروج حسباها مدلس أمورها الله عالم بذلك كله ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله قال يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم

(12/19)


69 -
( باب بيع الشريك من شريكه )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الشريك من شريكه
3122 - حدثني ( محمود ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال جعل رسول الله الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
مطابقته للترجمة من حيث إن الشفعة لا تقوم إلا بالشفيع وهو إذا أخذ الدار المشتركة بينه وبين رجل حين باع ما يخصه بالشفعة فكأنه اشتراه من شريكه فصدق عليه أنه بيع الشريك من الشريك ومحمود هو ابن غيلان بالغين المعجمة وعبد الرزاق ابن همام ومعمر ابن راشد والزهري محمد بن مسلم وأبو سلمة ابن عبد الرحمان
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمد بن محبوب وفيه وفي الشركة وفي الشفعة عن مسدد وفي الشركة وفي ترك الحيل عن عبد الله بن محمد وأخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن أحمد بن حنبل وأخرجه الترمذي في الأحكام عن عبد بن حميد وأخرجه ابن ماجه فيه عن عبد الرزاق به
ذكر معناه قوله في كل مال لم يقسم وفي رواية للبخاري على ما يأتي عن قريب في كل ما لم يقسم ورواه أحمد في ( مسنده ) عن عبد الرزاق في كل ما لم يقسم ورواه إسحاق بن إبراهيم عنه فقال في الأموال ما لم يقسم والمراد من قوله في كل ما لم يقسم العقار وإن كان اللفظ عاما قوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفقة لأنها حينئذ تكون مقسومة غير مشاعة قوله صرفت على صيغة المجهول بتشديد الراء وتخفيفها
ذكر مذاهب العلماء في هذا الباب مذهب الأوزاعي والليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور أن لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم ولا تجب الشفعة بالجوار واحتجوا بحديث جابر المذكور واحتجوا أيضا بما رواه الطحاوي من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله الشفعة في كل شرك بأرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع وأخرجه مسلم وأبو داود أيضا واحتج الثوري والحسن بن حي وإسحاق وأحمد في رواية وأبو عبيد والظاهرية أن أحد الشريكين إذا عرض عليه الآخر فلم يأخذ سقط حقه من الشفعة وروي ذلك عن الحكم بن عتيبة أيضا
وقال الطحاوي وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم لا يسقط حقه بذلك بل له أن يأخذ بعد البيع لأن الشفعة لم تجب بعد وإنما تجب له بعد البيع فتركه ما لم يجب له بعد لا معنى له ولا يسقط حقه إذا وجب وقال النخعي وشريح القاضي والثوري وعمرو بن حريث والحسن بن حي وقتادة والحسن البصري وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد تجب الشفعة في الأراضي والرباع والحوائط للشريك الذي لم يقاسم ثم للشريك الذي قاسم وقد بقي حق طريقه أو شربه ثم من بعدهما للجار الملازق وهو الذي داره على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى وروي عن عطاء أنه قال الشفعة في كل شيء حتى في الثوب وحكى مقالة عطاء عن بعض الشافعية ومالك وأنكره القاضي أبو محمد وحكى عن مالك وأحمد وجوب الشفعة في السفن وفي ( حاوي ) الحنابلة وكل ما لا يقسم ولا هو متصل بعقار كالسيف والجوهرة والحجر والحيوان وما في معنى ذلك ففي وجوب الشفعة فيه روايتان ذكرهما ابن أبي موسى ولا تؤخذ الثمار بالشفعة تبعا ذكره القاضي وقال أبو الخطاب تؤخذ وعلى ذلك يخرج الزرع ولا شفعة فيما يقسم من المنقولات بحال وقال النووي في ( الروضة ) ولا شفعة في المنقولات سواء بيعت وحدها أم مع الأرض ويثبت في الأرض سواء بيع الشقص منها وحده أم مع شيء من المنقولات وما كان منقولا ثم أثبت في الأوض للدوام كالأبنية والأشجار فإن بيعت منفردة فلا شفعة فيها على الصحيح

(12/20)


ولو كان على الشجر ثمرة مؤبرة وأدخلت في البيع بالشرط لم تثبت فيها الشفعة فيأخذ الشفيع الأرض والنخيل بحصتهما وإن كانت غير مؤبرة دخلت في البيع وهل للشفيع أخذها وجهان أو قولان أصحهما نعم انتهى
ثم اختلف من يقول بالشفعة للجار فقال أصحابنا الحنفية لا شفعة إلا للجار الملازق وقال الحسن بن حي للجار مطلقا بعد الشريك وقال آخرون الجار الذي تجب له الشفعة أربعون دارا حول الدار وقال آخرون من كل جانب من جوانب الدار أربعون دارا وقال آخرون هو كل من صلى معه صلاة الصبح في المسجد وقال بعضهم أهل المدينة كلهم جيران وحجة أصحابنا فيما ذهبوا إليه أحاديث رويت عن النبي منها ما رواه الطحاوي بإسناد صحيح فقال حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرنسي قال حدثنا علي ابن صالح القطان وأحمد بن حبان قالا حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن رسول الله قال جار الدار أحق بالدار وأخرجه البزار أيضا في ( مسنده ) فإن قلت قال الترمذي ولا يعرف حديث قتادة عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس قلت ما لعيسى بن يونس فإنه حجة ثبت فقال ابن المديني حين سئل عنه بخ بخ ثقة مأمون وقال محمد بن عبد الله بن عمار عيسى حجة وهو أثبت من إسرائيل وقال العجلي كان ثبتا في الحديث فإذا كان كذلك فلا يضر كون الحديث عنه وحده ومنها حديث سمرة بن جندب أخرجه الترمذي وقال حدثنا علي بن حجر قال أخبرنا إسماعيل بن علية عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله جار الدار أحق بالدار وقال الترمذي حديث حسن صحيح وأخرجه الطحاوي من ستة طرق صحاح أحدها مرسل فإن قلت الحسن لم يسمع من سمرة إلا ثلاثة أحاديث وهذا ليس منها قلت قال الترمذي عن البخاري رضي الله تعالى عنه إنه سمع منه عدة أحاديث وقال الحاكم في أثناء كتاب البيوع من ( المستدرك ) قد احتج البخاري بالحسن عن سمرة وذلك بعد أن روى حديثا من رواية الحسن عن سمرة ومنها حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما أخرجه الطحاوي وقال حدثنا أبو بكرة حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان عن منصور عن الحكم عمن سمع عليا وعبد الله بن مسعود يقولان قضى رسول الله بالجوار وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن الحكم عن علي وعبد الله قالا قضى رسول الله بالشفعة للجوار قلت في سند الطحاوي مجهول وفي سند ابن أبي شيبة الحكم عن علي والحكم لم يدرك عليا ولا عبد الله ومنها حديث عمرو بن حريث أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح مثل الحديث الذي قبله وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على عمرو بن حريث أنه كان يقضي بالجوار أي يقضي للجار بالشفعة بسبب الجوار وروى الطحاوي أيضا بإسناده إلى عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى شريح أن يقضي بالشفعة للجار الملازق وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة نحوه وفيه فكان شريح يقضي للرجل من أهل الكوفة على الرجل من أهل الشام وأجاب الأصحاب عن حديث الباب أن جابرا قال جعل رسول الله الشفعة في كل مال لم يقسم ولفظه في حديثه الثاني الذي يأتي عقيب هذا الباب قضى النبي بالشفعة في كل ما لم يقسم وهذان اللفظان إخبار عن النبي بما قضى ثم قال بعد ذلك فإذا وقعت الحدود إلى آخره وهذا قول من رأى جابرا لم يحكه عن رسول الله وإنما يكون هذا حجة علينا أن لو كان رسول الله قال ذلك على أنه روى عن جابر أيضا أنه قال قال رسول الله الجار أحق بشفعة جاره فإن كان غائبا انتظر إذا كان طريقهما واحدا أخرجه الطحاوي من ثلاث طرق صحاح وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه أيضا وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن مالك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك ثقة مأمون عند أهل الحديث لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث وقد روى وكيع عن شعبة عن عبد الملك هذا الحديث وروى عن ابن المبارك عن سفيان الثوري قال عبد الملك بن أبي سليمان ميزان يعني في العلم

(12/21)


79 -
( باب بيع الأرض والدور والعروض مشاعا غير مقسوم )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الأرض إلى آخره قوله الدؤر بالهمز والواو كليهما بالواو فقط جمع دار والعروض بالضاد المعجمة جمع عرض بالفتح وهو المتاع قوله مشاعا نصب على الحال وكان القياس أن يقال مشاعة لكن لما صار المشاع كالاسم وقطع النظر فيه عن الوصفية جاز تذكيره أن يكون باعتبار المذكور أو باعتبار كل واحد
4122 - حدثنا ( محمد بن محبوب ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قضي النبي بالشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
مطابقته للترجمة في قوله كل ما لا يقسم وقد ذكرنا أن هذا اللفظ عام وأريد به الخاص في العقار والبحث فيه قد مضى في الباب السابق من أن الشفعة في الأرضين والدور خاصة وأما بيع العروض مشاعا فأكثر العلماء أنه لا شفعة فيها كما مر وإنما ذكر العروض في الترجمة وليس لها ذكر في الحديث تنبيها على الخلاف فيه على الإجمال فيوقف عليه من الخارج
ورجال الحديث كلهم قد مروا فمحمد بن محبوب ضد المبغوض قد مر في الغسل وعبد الواحد بن زياد قد مر في باب وما أوتيتم من العلم ( الإسراء 58 ) وقال الخطابي هنا معنى الشفقة نفي الضرر وإنما يتحقق مع الشركة ولا ضرر على الجار فلا وجه لنزع ملك المبتاع منه بعد استقراره انتهى قلت هذا مدافعة للأحاديث الصحيحة التي فيها الشفعة للجار وقد ذكرناها عن قريب قوله ولا ضرر على الجار ممنوع لاحتمال أن يكون المشتري من شرار الناس أو ممن يشتغل بالمعاصي فيتضرر به الجار ولا ضرر أعظم من هذا لاستمراره ليلا ونهارا وقوله بعد استقراره غير صحيح لأن حق الغير فيه فكيف يقال إنه مستقر وهذه كلها معاندة ومكابرة
751 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد بهذا ) وقال ( في كل ما ) لم ( يقسم )
أشار به إلى أنه أخرج هذا الحديث عن شيخه أحدهما محمد بن محبوب عن عبد الواحد والآخر عن مسدد عن عبد الواحد وأشار به أيضا إلى اختلاف كل في قوله في كل ما لم يقسم فإن في رواية محمد بن محبوب في كل ما لم يقسم وفي رواية مسدد وفي كل مال لم يقسم قوله بهذا أي بهذا الحديث المذكور
تابعه هشام عن معمر
أي تابع عبد الواحد هشام بن يوسف اليماني في روايته في كل مال لم يقسم وهذه المتابة وصلها البخاري رحمه الله تعالى في ترك الحيل
قال عبد الرزاق في كل مال رواه عبد الرحمان بن إسحاق عن الزهري
أي قال عبد الرزاق في روايته عن معمر في كل مال وكذا قال عبد الرحمن بن إسحاق القرشي قال أبو داود إنه قدري ثقة قوله عن الزهري أي رواه عن محمد بن مسلم الزهري وطريق عبد الرزاق وصله البخاري في الباب السابق وطريق عبد الرحمن بن إسحاق وصله مسدد في ( مسنده ) عن بشر بن المفضل عنه ووقع عند السرخسي في رواية عبد الرزاق وفي رواية عبد الواحد في الموضعين في كل مال وللباقين في كل ما لم يقسم في رواية عبد الواحد و كل مال في رواية عبد الرزاق وقال الكرماني ما الفرق بين هذه الأساليب الثلاثة قلت المتابعة هي أن يروي الراوي الآخر الحديث بعينه والرواية أعم منها والقول إنما يستعمل عند السماع على سبيل المذاكرة انتهى قلت هذه فائدة جليلة وأراد بالأساليب الثلاثة قوله تابعه وقوله قال عبد الرزاق وقوله رواه عبد الرحمن

(12/22)


89 -
( باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اشترى أحد شيئا لأجل غيره بغير إذن منه يعني بطريق الفضول وأشار به البخاري إلى بيع الفضولي وكأنه مال إلى جواز بيع الفضولي فلذلك عقد هذه الترجمة قوله فرضي أي فرضي ذلك الغير بذلك الشراء بعد وقوعه بغير إذن منه
5122 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا ( أبو عاصم ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( موسى ابن عقبة ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نراى منها السماء قال ففرج عنهم وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار فسعيت فيها حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة قال ففرج عنهم الثلثين وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذالك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء فقال يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلاى تلك البقر وراعيها فإنها لك فقال أتستهزىء بي فقلت ما أستهزيء بك ولاكنها لك اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم
مطابقته للترجمة في قوله حتى اشتريت منه بقرا فإنه اشترى شيئا لغيره بغير إذنه ثم لما جاء الأجير المذكور وأخبره الرجل بذلك فرضي وأخذه
ويعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي وأبو عاصم الضحاك بن مخلد وابن جريج هو عبد الملك ابن عبد العزيز وموسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المزارعة عن إبراهيم بن المنذر عن أنس بن عياض وأخرجه مسلم في التوبة عن المسيبي عن أنس بن عياض وعن إسحاق بن منصور وعبد بن حميد كلاهما عن أبي عاصم به وأخرجه النسائي في الرقائق عن يوسف بن سعيد عن حجاج عن ابن جريج به
ذكر معناه قوله خرج ثلاثة أي ثلاثة من الناس وفي رواية المزارعة بينما ثلاثة نفر يمشون وقوله يمشون حال ومحله النصب قوله أصابهم المطر بالفاء عطف على خرج ثلاثة وفي رواية المزارعة أصابهم بدون الفاء لأنه خبر بينما قوله فدخلوا في غار في رواية المزارعة فأووا إلى غار بقصر الهمزة ويجوز مدها أي انضموا إلى الغار وجعلوه

(12/23)


لهم مأوى قوله في جبل أي في غار كائن في جبل قوله فانحطت عليهم صخرة أي على باب غارهم وفي رواية المزارعة فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل قوله قال أي النبي فقال بعضهم لبعض أدعوا الله بأفضل عمل عملتموه وفي رواية المزارعة فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله تعالى فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم قال أحدهم أي أحد الثلاثة وههنا فقال بالفاء قوله أللهم إعلم أن لفظ اللهم يستعمل في كلام العرب على ثلاثة أنحاء أحدها للنداء المحض وهو ظاهر والثاني للإيذان بنذرة المستثنى كقولك بعد كلام أللهم إلا إذا كان كذا والثالث ليدل على تيقن المجيب في الجواب المقترن هو به كقولك لمن قال أزيد قائم أللهم نعم أو أللهم لا كأنه يناديه تعالى مستشهدا على ما قال من الجواب وأللهم هذا هنا من هذا القبيل قوله إني كان لي أبوان شيخان كبيران قوله أبوان من باب التغليب لأن المقصود الأب والأم وفي رواية المزارعة أللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار وكنت أرعى عليهم وفي رواية هذا الباب وكنت أخرج فأرعى يعني كنت أخرج إلى المرعى فأرعى أي إبلي قوله ثم أجيء أي من المرعى فأحلب أي التي يحلب منها وفي رواية المزارعة فإذا رحت عليهم حلبت قوله فأجيء بالحلاب بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام وهو الإناء الذي يحلب فيه ويراد به ههنا اللبن المحلوب فيه قوله فآتي به أي بالحلاب قوله أبوي من باب التغليب كما ذكرنا عن قريب وأصله أبوان لي فلما أضيف إلي ياء المتكلم وسقطت النون وانتصب على المفعولية قلبت ألف التثنية ياء وأدغمت الياء في الياء قوله فيشربان معطوف على محذوف تقديره فأناولهما إياه فيشربان قوله وأسقي الصبية بكسر الصاد جمع صبي وكذلك الصبوة والواوو القياس والياء أكثر استعمالا وفي رواية المزارعة فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني أي قبل أن أسقي بني وأصله بنون لي فلما أضيف إلى ياء المتكلم وسقطت النون وقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصار بني بضم النون وأبدلت الضمة كسرة لأجل الياء فصار بني قوله وأهلي المراد بالأهل ههنا الأقرباء نحو الأخ والأخت حتى لا يكون عطف امرأتي على أهلي عطف الشيء على نفسه قوله فاحتبست ليلة أي تأخرت ليلة من الليالي بسبب أمر عرض لي وفي باب المزارعة وإني استأخرت ذات يوم فلم آت حتى أمسيت قوله استأخرت بمعنى تأخرت يقال تأخر واستأخر بمعنى وليس السين فيه للطلب قوله ذات يوم الإضافة فيه من قبيل إضافة المسمى إلى الإسم أي قطعة من زمان هذا اليوم أي من صاحبة هذا الإسم قوله فإذا هما نائمان كلمة إذا للمفاجأة وقد ذكر غير مرة أنها تضاف إلى جملة فقوله هما مبتدأ و نائمان خبره وفي رواية المزارعة فوجدتهما ناما فحلبت كما كنت أحلب قوله فكرهت أن أوقظهما وفي رواية المزارعة فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما وأكره أن أسقي الصبية قوله والصبية يتضاغون أي يصيحون وهو من باب التفاعل من الضغاء بالمعجمتين وهو الصياح بالبكاء ويقال ضغا الثعلب ضغاء أي صاح وكذلك السنور ويقال ضغا يضغو ضغوا وضغاء إذا صاح وضج قوله عند رجلي وفي رواية المزارعة يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر قوله فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما الدأب العادة والشأن وقال الفراء أصله من دأبت إلا أن العرب حولت معناه إلى الشأن قوله أللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك وفي رواية المزارعة فإن كنت تعلم أني فعلته وليس فيه لفظة أللهم قوله ابتغاء وجهك أي طلبا لمرضاتك والمراد بالوجه الذات وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول له أي لأجل ابتغاء وجهك قوله فأفرج عنا أمر من فرج يفرج من باب نصر ينصر وقال ابن التين هو بضم الراء في أكثر الأمهات وقال الجوهري إنه بكسرها وهو دعاء في صورة الأمر وفي رواية المزارعة فأفرج لنا قوله فرجة بضم الفاء وفتحها والفرجة في الحائط كالشق والفرجة انفراج الكروب وقال النحاس الفرجة بالفتح في الأمر والفرجة بالضم فيما يرى من الحائط ونحوه قلت الفرجة هنا بالضم قطعا على ما لا يخفى قوله ففرج عنهم أي فرج بقدر ما دعاه وهي التي بها ترى السماء وفي رواية المزارعة ففرج الله لهم فرأوا السماء قوله وقال الآخر أللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب أمرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء وفي كتاب المزارعة أللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء قوله كأشد الكاف

(12/24)


زائدة أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات قوله فقالت لا تنال ذلك منها أي قالت بنت عمه لا تنال مرادك منها حتى تعطيها مائة دينار وفيه التفات لأن مقتضى الكلام لا تنال مني حتى تعطيني وفي باب المزارعة فطلبت منها فأبت حتى أتيتها بمائة دينار أي طلبت من بنت عمي فامتنعت وقالت حتى تعطيني مائة دينار فجمعتها حتى أتيتها بمائة دينار التي طلبتها قوله فسعيت فيها أي في مائة دينار حتى جمعتها وفي رواية المزارعة فبغيت حتى جمعتها أي فطلبت من البغي وهو الطلب هكذا في رواية السجري وفي رواية العذري والسمرقندي وابن ماهان فبعثت حتى جمعتها وفي ( المطالع ) والأول هو المعروف بالغين المعجمة والياء آخر الحروف دون الثاني وهو بالعين المهملة والثاء المثلثة قوله فلما قعدت بين رجليها وفي رواية المزارعة فلما وقعت بين رجليها قوله قالت إتق الله وفي رواية المزارعة قالت يا عبد الله إتق الله أي خف الله ولا ترتكب الحرام قوله ولا تقض الخاتم إلا بحقه وفي رواية المزارعة ولا تفتح الخاتم إلا بحقه و لا تفض بفتح الضاد المعجمة وكسرها و الخاتم بفتح التاء وكسرها وهو كناية عن بكارتها قوله إلا بحقه أي إلا بالنكاح أي لا تزل البكارة إلا بحلال قوله فقمت أي من بين رجليها وتركتها يعني لم أفعل بها شيئا وليس في رواية المزارعة وتركتها قوله ففرج عنهم الثلثين أي ففرج الله عنهم ثلثي الموضع الذي عليه الصخرة وليس في رواية المزارعة إلا قوله ففرج ليس إلا قوله أللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة وفي المزارعة أللهم إني استأجرت أجيرا بفرق أرز الفرق بفتح الراء وسكونها مكيال يسع ثلاثة آصع وقال ابن قرقول رويناه بالإسكان والفتح عن أكثر شيوخنا والفتح أكثر قال الباجي وهو الصواب وكذا قيدناه عن أهل اللغة ولا يقال فرق بالإسكان ولكن فرق بالفتح وكذا حكى النحاس وذكر ابن دريد أنه قد قيل بالإسكان قوله ذرة7 بضم الذال المعجمة وفتح الراء الخفيفة وهو حب معروف وأصله ذرو أو ذري والهاء عوض و الأرز بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي وهو معروف وفيه ست لغات أرز وأرز فتتبع الضمة الضمة و ارز وارز مثل رسل ورسل ورز ورنز وهو لغة عبد القيس قوله فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ وفي رواية المزارعة فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه قوله أعطيته أي أعطيت الفرق من ذرة وأبى أي امتنع قوله ذاك أي الأجير المذكور قوله أن يأخذ كلمة أن مصدرية تقديره أبى من الأخذ وهو معنى قوله فرغب عنه أي أعرض عنه فلم يأخذه قوله فعمدت بفتح الميم أي قصدت يقال عمدت إليه وعمدت له أعمد عمدا أي قصدت قوله فزرعته أي الفرق المذكور حتى اشتريت منه بقرا وراعيها وفي رواية المزارعة فرغت عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها ويروى ورعاتها بضم الراء جمع راعي قوله ثم جاء أي الأجير المذكور فقال يا عبد الله أعطني حقي وفي رواية المزارعة فجاءني فقال اتق الله قوله فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك وفي رواية المزارعة فقلت إذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ ويروى إلى تلك البقر قوله فقال أتستهزىء بي من استهزأ بفلان إذا سخر منه وفي رواية المزارعة فقال اتق الله ولا تستهزىء بي قوله فقلت ما استهزىء بك ولكنها لك وفي رواية المزارعة فقال إني لا استهزىء بك فخذه فأخذه ويروى فقلت إني إلى آخره قوله فافرج عنا فكشف عنهم أي فكشف باب المغارة وفي رواية المز ارعة فافرج ما بقي ففرج أي ففرج الله ما بقي من باب المغارة
ذكر ما يستفاد منه فيه الإخبار عن متقدمي الأمم وذكر أعمالهم لترغيب أمته في مثلها ولم يكن يتكلم بشيء إلا لفائدة وإذا كان مزاحه كذلك فما ظنك بأخباره وفيه جواز بيع الإنسان مال غيره بطريق الفضول والتصرف فيه بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك ولهذا عقد البخاري الترجمة وقال بعضهم طريق الاستدلال به يبتنى على أن شرع من قبلنا شرع لنا والجمهور على خلافه انتهى قلت شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقص الشارع الإنكار عليه وهنا طريق آخر في الجواز وهو أنه ذكر هذه القصة في معرض المدح والثناء على فاعلها وأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه وقال ابن بطال وفيه دليل على صحة قول ابن القاسم إذا أودع رجل رجلا طعاما فباعه المودع بثمن فرضي المودع به فله الخيار إن شاء أخذ الثمن الذي باعه به وإن شاء أخذ مثل طعامه ومنع أشهب قال لأنه طعام بطعام فيه

(12/25)


خيار وفيه الاستدلال لأبي ثور في قوله إن من غصب قمحا فزرعه إن كل ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة وقال الخطابي استدل به أحمد على أن المستودع إذا أتجر في مال الوديعة وربح أن الربح إنما يكون لرب المال قال وهذا لا يدل على ما قال وذلك أن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله وتقرب به إلى الله عز و جل وقد قال إنه اشترى بقرا وهو تصرف منه في أمر لم يوكله به فلا يستحق عليه ربحا والأشبه بمعناه أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن أتجر فيه وأنماه والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودع إذا أتجر بمال الوديعة والمضارب إذا خالف رب المال فربحا أنه ليس لصاحب المال من الربح شيء وعند أبي حنيفة المضارب ضامن لرأس المال والربح له ويتصدق به والوضيعة عليه وقال الشافعي إن كان اشترى السلعة بعين المال فالبيع باطل وإن كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري وهو ضامن للمال وقال ابن بطال وأما من أتجر في مال غيره فقالت طائفة يطيب له الربح إذا رد رأس المال إلى صاحبه سواء كان غاصبا للمال أو كان وديعة عنده متعديا فيه هذا قول عطاء ومالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي يوسف واستحب مالك والثوري والأوزاعي تنزهه عنهويتصدق به وقالت طائفة يرد المال ويتصدق بالربح كله ولا يطيب له منه شيء هذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر وقالت طائفة الربح لرب المال وهو ضامن لما تعدى فيه هذا قول ابن عمر وأبي قلابة وبه قال أحمد وإسحاق وقال ابن بطال وإصح هذه الأقوال قول من قال إن الربح للغاصب والمتعدي والله أعلم وفيه إثبات كرامات الأولياء والصالحين وفيه فضل الوالدين ووجوب النفقة عليهما وعلى الأولاد والأهل قال الكرماني نفقة الفروع متقدمة على الأصول فلم تركهم جائعين قلت لعل في دينهم نفقة الأصل مقدمة أو كانوا يطلبون الزائد على سد الرمق والصياح لم يكن من الجوع قلت قوله والصياح لم يكن من الجوع فيه نظر لا يخفى وفيه أنه يستحب الدعاء في حال الكرب والتسل بصالح العمل إلى الله تعالى كما في الاستسقاء وفيه فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما من الأولاد والزوجة وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات بعد القدرة عليها وفيه جواز الإجارة بالطعام وفيه فضيلة أداء الأمانة وفيه قبول التوبة وأن من صلح فيما بقي غفر له وأن من هم بسيئة فتركها ابتغاء وجهه كتب له أجرها ولمن خاف مقام ربه جنتان ( الرحمن 64 ) وفيه سؤال الرب جل جلاله بإنجاز وعده قال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( الطلاق 2 ) وقال ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ( الطلاق 4 )
99 -
( باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب )
أي هذا باب في بيان حكم الشراء والبيع مع المشركين قوله وأهل الحرب من عطف الخاص على العام وفي بعض النسخ أهل الحرب بدون الواو فعلى هذا يكون أهل الحرب صفة للمشركين
6122 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( معتمر بن سليمان ) عن أبيه عن ( أبي عثمان ) عن عبد الرحمان بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قال كنا مع النبي ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال له النبي بيعا أم عطية أو قال أم هبة قال لا بل بيع فاشترى منه شاة
مطابقته للترجمة في قوله فاشترى منه شاة وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ومعتمر بن سليمان بن طرخان وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهبة عن أبي النعمان أيضا وأخرجه في الأطعمة عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الأطعمة عن عبيد الله بن معاذ وحامد بن عمرو ومحمد بن عبد الأعلى ثلاثتهم عن معتمر
ذكر معناه قوله مشعان بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبعدها عين مهملة وبعد الألف نون مشددة أي

(12/26)


طويل جدا فوق الطول وعن الأصمعي شعر مشعان بتشديد النون متنفش وإشعان الشعر اشعينانا كاحمار احميرارا وفي ( التهذيب ) تقول العرب رأيت فلانا مشعان الرأس إذا رأيته شعثا متنفش الرأس مغبرا وروى عمرو عن أبيه أشعن الرجل إذا نامى عدوه فاشعان شعره قوله بيعا منصوب على المصدرية أي اتبيع بيعا قيل ويجوز الرفع أي أهذا بيع قوله أم عطية بالنصب عطف على بيعا قوله أو قال شك من الراوي قوله قال لا أي قال الرجل ليس عطية أو ليس هبة بل بيع أي بل هو بيع وأطلق البيع عليه باعتبار ما يؤول إليه
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز بيع الكافر وإثبات ملكه على ما في يده وقال الخطابي في قوله أم هبة دليل على قبول الهدية من المشرك لو وهب فإن قلت قد قال لعياض بن حمار حين أهدى له في شركه إنا لا نقبل زبد المشركين يريد عطاهم قلت قال أبو سليمان يشبه أن يكون ذلك منسوخا لأنه قبل هديه غير واحد من أهل الشرك أهدى له المقوقس وأكيدر دومة قال إلا أن يزعم زاعم أن بين هدايا أهل الشرك وهدايا أهل الكتاب فرقا انتهى
قلت فيه نظر في مواضع
الأول أن الزعم بالفرق المذكور يرده قول عبد الرحمن في نفس هذا الحديث إن هذا الرجل كان مشركا وقد قال له أبيع أم هدية
الثاني هدية أكيدر كانت قبل إسلام ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما راوي هذا الحديث لأن إسلامه كان في هدنة الحديبية وذلك في سنة سبع وهدنة أكيدر كانت بعد وفاة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه الذي قال في حقه لما عجب الناس من هدية أكيدر والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه وسعد توفي بعد غزوة بني قريظة سنة أربع في قول عقبة وعند إبن إسحاق سنة خمس وأيا ما كان فهو قبل إسلام عبد الرحمن وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس كان في سنة ست ذكره ابن منده وغيره فدل على أنه قبل هذا الحديث
الثالث لقائل أن يقول هذان اللذان قبل منهما هديتهما ليس سوقة إنما هما ملكان فقبل هديتهما تألفا لأن في رد هديتهما نوع حصول شيء
الرابع نقول كان قبول هديتهم بإثابته عليهما وقوله لهذا المشرك أيضا كان تأنيسا له ولأن يثيبه بأكثر مما أهدى وكذا يقال في هدية كسرى المذكورة في كتاب الحربي من حديث علي رضي الله تعالى عنه ورد هدية عياض بن حمار وكان بينه وبين النبي معرفة قبل البعثة فلما بعث أهدى له فرد هديته وكذا رد هدية ذي الجوشن وكانت فرسا وكذا رد هدية ملاعب الأسنة لأنهم كانوا سوقة وليسوا ملوكا وأهدى له ملك أيلة بغلة وفروة الجذامي هدية فقبلهما وكانا ملكين ومما يؤيد هذا ما ذكره أبو عبيد في ( كتاب الأموال ) أنه إنما قبل هدية أبي سفيان بن حرب لأنها كانت في مدة الهدنة وكذا هدية المقوقس إنما كان قبلها لأنه أكرم حاطبا وأقر بنبوته ولم يؤيسه من إسلامه وقبول هدية الأكيدر لأن خالدا رضي الله تعالى عنه قدم به فحقن دمه وصالحه على الجزية لأنه كان نصرانيا ثم خلى سبيله وكذا ملك أيلة لما أهدى كساه بردا له وهذا كله يرجع إلى أنه كان لا يقبل هدية إلا ويكافىء
ثم إعلم أن الناس اختلفوا فيما يهدى للأئمة فروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يوجب رده إلى بيت المال وإليه ذهب أبو حنيفة وقال أبو يوسف ما أهدى إليه أهل الحرب فهو له دون بيت المال وأما ما يهدى للنبي خاصة فهو في ذلك بخلاف الناس لأن الله تعالى اختصه في أموال أهل الحرب بخاصة لم تكن لغيره قال تعالى ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ( الحشر 6 ) بعد قوله ما أفاء الله على رسوله ( الحشر 6 ) فسبيل ما تصل إليه يده من أموالهم على جهة الهدية والصلح سبيل الفيء يضعه حيث أراه الله فأما المسلمون إذا أهدوا إليه فكان من سجيته أن لا يردها بل يثيبهم عليها
وفيه أن ابتياع الأشاء من المجهول الذي لا يعرف جائز حتى يطلع على ما يلزم التورع عنه أو يوجب ترك مبايعته غصب أو سرقة أو شبههما وقال ابن المنذر من كان بيده شيء فظاهره أنه مالكه ولا يلزم المشتري أن يعلم حقيقة ملكه
واختلف العلماء في مبايعة من الغالب على ماله الحرام

(12/27)


وقبول هديته وجائزته فرخصت فيه طائفة فكان الحسن بن أبي الحسن لا يرى بأسا أن يأكل الرجل من طعام العشار والصراف والعامل ويقول قد أحل الله طعام اليهود والنصارى وقد أخبر أن اليهود أكالون للسحت قال الحسن ما لم يعرفوا شيئا منه حراما يعني معينا وعن الزهري ومكحول إذا كان المال فيه حرام وحلال فلا بأس أن يؤكل منه إنما يكره من ذلك الشيء الذي يعرف بعينه وقال الشافعي لا أحب مبايعة من أكثر ماله ربا أو كسبه من حرام فإن بويع لا يفسخ البيع وقال ابن بطال والمسلم والذمي والحربي في هذا سواء وحجة من رخص حديث الباب وحديث رهنه درعه عند اليهودي وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم يأخذان هدايا المختار وبعث عمرو بن عبيد الله بن معمر إلى ابن عمر بألف دينار وإلى القاسم بن محمد بألف دينار فأخذها ابن عمر وقال لقد جاءتنا على حاجة وأبى أن يقبلها القاسم فقالت امرأته إن لم تقبلها فأنا ابنة عمه كما هو ابن عمه فأخذتها وقال عطاء بعث معاوية إلى عائشة رضي الله تعالى عنها بطوق من ذهب فيه جوهر قوم بمائة ألف وقسمته بين أمهات المؤمنين وكرهت طائفة الأخذ منهم روي ذلك عن مسروق وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وبشر بن سعيد وطاووس وابن سيرين والثوري وابن المبارك ومحمد بن واسع وأحمد وأخذ ابن المبارك قذاة من الأرض وقال من أخذ منهم مثل هذه فهو منهم
00 - 1 -
( باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه )
أي هذا باب في بيان حكم شراء المملوك من الحربي وحكم هبته وعتقه وقال ابن بطال غرض البخاري بهذه الترجمة إثبات ملك الحربي وجواز تصرفه في ملكه بالبيع والهبة والعتق وغيرها إذ أقر سلمان عند مالكه من الكفار وأمره أن يكاتب وقبل الخليل عليه الصلاة و السلام هبة الجبار وغير ذلك مما تضمنه أحاديث الباب
وقال النبي لسلمان كاتب وكان حرا فظلموه وباعوه
مطابقته للترجمة من حيث إنه يعلم من قضية سلمان تقرير أحكام الحربي على ما كان عليه وسلمان هو الفارسي رضي الله تعالى عنه وقصته طويلة على ما ذكره ابن إسحاق وغيره وملخصها أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسيا فلحق براهب ثم براهب ثم بآخر وكان يصحبهم إلى وفاتهم حتى دله الأخير إلى الحجاز وأخبره بظهور رسول الله فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به وباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة فلما قدم رسول الله ورأى علامات النبوة أسلم فقال له رسول الله كاتب عن نفسك عاش مائتين وخمسين سنة وقيل مائتين وخمس وسبعين سنة ومات سنة ست وثلاثين بالمداين
ثم هذا التعليق الذي علقه البخاري أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم من حديث زيد بن صوحان سلمان وأخرجه أحمد والطبراني من حديث محمود بن لبيد عن سلمان قال كنت رجلا فارسيا فذكر الحديث بطوله وفيه ثم مر بي نفر من بني كلب تجار فحملوني معهم حتى إذا قدموا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي الحديث وفيه فقال رسول الله كاتب يا سلمان قال فكاتب صاحبي على ثلاثمائة ودية الحديث وفي حديث الحاكم ما يدل أنه هو ملك رقبته لهم وعنده من حديث أبي الطفيل عن سلمان وصححه وفيه فمر ناس من أهل مكة فسألتهم عن النبي فقالوا نعم ظهر منا رجل يزعم أنه نبي فقلت لبعضهم هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن تحملوني عقبة وتطعموني من الكسر فإذا بلغتم إلى بلادكم فمن شاء أن يبيع باع ومن شاء أن يستعبد استعبد فقال رجل منهم أنا فصرت عبدا له حتى أتى بي مكة فجعلني في بستان له الحديث
قوله كاتب أمر من المكاتبة قوله وكان حرا جملة وقعت حالا من قال لا من قوله كاتب وقال الكرماني فإن قلت كيف أمره رسول الله بالكتابة وهو حر قلت أراد بالكتاب صورة الكتابة لا حقيقتها فكأنه قال أفد عن نفسك وتخلص من ظلمه انتهى قلت هذا السؤال غير وارد فلا يحتاج إلى الجواب فكان الكرماني اعتقد أن قوله وكان حرا يعني في حال الكتابة فإنه في ذلك الوقت كان في ملك الذي اشتراه لأنه غلب عليه

(12/28)


بعض الأعراب في وادي القرى فملكه بالقهر ثم باعه من يهودي واشترى منه يهودي آخر كما ذكرنا وقوله وكان حرا إخبار منه بحريته في أول أمره قبل أن يخرج من دار الحرب والعجب من الكرماني أنه قال قوله وكان حرا حال من قال يعني من قال النبي لا من قوله كاتب فكيف غفل عن هذا وسأل هذا السؤال الساقط ونظير ذلك ما قاله صاحب ( التوضيح ) ولكن ما هو في البعد مثل ما قاله الكرماني وهو أنه قال فإن قلت كيف جاز لليهودي ملك سلمان وهو مسلم فلا يجوز للكافر ملك مسلم قلت أجاب عنه الطبري بأن حكم هذه الشريعة أن من غلب من أهل الحرب على نفس غيره أو ماله ولم يكن المغلوب على ذلك ممن دخل في الإسلام فهو ملك للغالب وكان سلمان حين غلب نفسه لم يكن مؤمنا وإنما كان إيمانه تصديق النبي إذا بعث مع إقامته على شريعة عيسى عليه الصلاة و السلام انتهى ويؤيد ما ذكره الطبري أنه لما قدم المدينة وسمع به سلمان فذهب إليه ببعض تمر يختبره إن كان هو هذا النبي يقبل الهدية ويرد الصدقة فلما تحققه دخل في ذلك الوقت في الإسلام كما هوشرطه فلذلك أمره بالكتابة ليخرج من ملك مولاه اليهودي
وسبي عمار وصهيب وبلال
مطابقته للترجمة من حيث إن أم عمار كانت من موالي بني مخزوم وكانوا يعاملون عمارا معاملة السبي فهذا هو السبي فهذا هو الوجه هنا لأن عمارا ما سبي على ما نذكره وأما صهيب وبلاد فباعهما المشركون على ما نذكره فدخلا في قوله في الترجمة شراء المملوك من الحربي وقال صاحب ( التوضيح ) قوله وسبي عمار وصهيب وبلال يعني أنه كان في الجاهلية يسبي بعضهم بعضا ويملكون بذلك انتهى قلت هذا الكلام الذي يقرب قط من المقصود أخذه من صاحب ( التلويح ) وكون أهل الجاهلية سابين بعضهم بعضا لا يستلزم كون عمار ممن سبي ولا بلالد وإنما كانا يعذبان في الله تعالى حتى خلصهما الله تعالى ببركة إسلامهما نعم سبي صهيب وبيع على يد المشركين وروي عن ابن سعد أنه قال أخبرنا أبو عامر العقدي وأبو حذيفة موسى بن مسعود قالا حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال إني رجل من العرب من النمر بن قاسط ولكني سبيت سبتني الروم غلاما صغيرا بعد أن عقلت أهلي وقومي وعرفت نسبي وعن ابن سعد كان أباه من النمر بن قاسط وكان عاملا لكسرى فسبت الروم صهيبا لما غزت أهل فارس فابتاعه منهم عبدالله بن جدعان وقيل هرب من الروم إلى مكة فحالف ابن جدعان فهذا يناسب الترجمة لأنه دخل في قوله شراء المملوك من الحربي وأما بلال فإن ابن إسحاق ذكر في ( المغازي ) حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال مر أبو بكر رضي الله تعالى عنه بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال ألا تتقي الله في هذا المسكين فقال انقذه أنت بما ترى فأعطاه أبو بكر غلاما أجلد منه وأخذ بلالا فأعتقه وقيل غير ذلك فحاصل الكلام أنه أيضا يناسب الترجمة لأنه دخل في قوله شراء المملوك من الحربي أما الشراء فإن أبا بكر قايض مولاه والمقايضة نوع من البيوع وأما كونه اشترى من الحربي لأن مكة في ذلك الوقت كانت دار الحرب وأهلها من أهل الحرب وأما عمار فإنه كان عربيا عنسيا بالنون والسين المهملة ما وقع عليه سباء وإنما سكن أبوه ياسر مكة وحالف بني مخزوم فزوجوه سمية بضم السين وهي من مواليهم أسلم عمار بمكة قديما وأبوه وأمه وكانوا ممن يعذب في الله عز و جل فمر بهم النبي وهم يعذبون فقال صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة وقيل أبو جهل سمية طعنها بحربة في قبلها فكانت أول شهيد في الإسلام وقال مسدد لم يكن أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر وليس له وجه في دخوله في الترجمة إلا بتعسف كما ذكرناه وقال الكرماني قوله سبي أي أسر ولم يذكر شيئا غيره لأنه لم يجد شيئا يذكره على أن السبي هل يجيء بمعنى الأسر فيه كلام
وقال الله تعالى والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ( النحل 17 )

(12/29)


مطابقة هذه الآية الكريمة للترجمة في قوله على ما ملكت أيمانهم ( النحل 17 ) والخطاب فيه للمشركين فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبا على غير الأوضاع الشرعية وقيل مقصوده صحة ملك الحربي وملك المسلم عنه قلت إذا صح ملكهم يصح تصرفهم فيه بالبيع والشراء والهبة والعتق ونحوها وقال ابن التين معناه أن الله فضل الملاك على مماليكهم فجعل المملوك لا يقوى على ملك مع مولاه واعلم أن المالك لا يشرك مملوكه فيما عنده وهما من بني آدم فكيف تجعلون بعض الرزق الذي يرزقكم الله لله وبعضه لأصنامكم فتشركون بين الله وبين الأصنام وأنتم لا ترضون ذاك مع عبيدكم لأنفسكم وقال ابن بطال تضمنت التقريع للمشركين والتوبيخ لهم على تسويتهم عبادة الأصنام بعبادة الرب تعالى وتعظم فنبههم الله تعالى على أن مماليكهم غير مساوين في أموالهم فالله تعالى أولى بإفراد العبادة وأنه لا يشرك معه أحد من عبيده إذ لا مالك في الحقيقة سواه ولا يستحق الإلهية غيره قوله أفبنعمة الله يجحدون ( النحل 17 ) الاستفهام على سبيل الإنكار معناه لا تجحدوا نعمة الله ولا تكفروا بها وجحودهم بأن جعلوا ما رزقهم الله لغيره وقيل أنعم الله عليهم بالبراهين فجحدوا نعمه
7122 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي هاجر إبراهيم عليه الصلاة و السلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هاذه التي معك قال أختي ثم رجع إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله قال الأعرج قال أبو سلمة بن عبد الرحمان إن أبا هريرة قال قالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته فارسل ثم قام إليها فقامت توضأ وتصلي وتقول أللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هاذا الكافر فغط حتى ركض برجله قال عبد الرحمان قال أبو سلمة قال أبو هريرة فقالت اللهم إن يمت فيقال هي قتلته فأرسل في الثانية أو في الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة
مطابقته للترجمة في قوله أعطوها هاجر فقبلتها سارة فهذه هبة من الكافر إلى المسلم فدل ذلك على جواز تصرف الكافر في ملكه ورجاله كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم الحكم بن نافع الحمصي وشعيب ابن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهبة وفي الإكراه
ذكر معناه قوله هاجر إبراهيم عليه الصلاة و السلام بسارة أي سافر بها و سارة بتخفيف الراء بنت توبيل ابن ناحور وقيل سارة بنت هاران بن ناحور وقيل بنت هاران بن ناحور وقيل بنت هاران بن تارخ وهي بنت أخيه على هذا وأخت لوط قاله العتبي في ( المعارف ) والنقاش في التفسير قال وذلك أن نكاح بنت الأخ كان حلالا إذ ذاك ثم إن النقاش نقض هذا القول فقال في تفسير قوله عز و جل شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ( الشورى 31 ) إن هذا يدل على تحريم بنت الأخ على لسان نوح عليه الصلاة و السلام قال السهيلي هذا هو الحق وإنما توهموا أنها بنت أخيه لأن هاران أخوه وهو هاران الأصغر وكانت هي بنت هاران الأكبر وهو عمه قوله فدخل بها قرية القرية من قريت الماء في الحوض أي جمعته سميت بذلك لاجتماع الناس فيها وتجمع

(12/30)


على قرى قال الداودي القرية تقع على المدن الصغار والكبار وقال ابن قتيبة القرية الأردن والملك صادوق وكانت هاجر لملك من ملوك القبط وعند الطبري كانت امرأة ملك من ملوك مصر فلما قتله أهل عين شمس احتملوها معهم وزعم أن الملك الذي أراد سارة اسمه سنان بن علوان أخو الضحاك وقال ابن هشام في ( كتاب التيجان ) إن إبراهيم عليه الصلاة و السلام خرج من مدين إلى مصر وكان معه من المؤمنين ثلاثمائة وعشرون رجلا وبمصر ملكها عمرو بن امرىء القيس بن نابليون من سبأ قوله أو جبار شك من الراوي والجبار يطلق على ملك عات ظالم قوله فقيل دخل إبراهيم بامرأة وقال ابن هشام وشى به حناط كان إبراهيم يتمار منه فأمر بإدخال إبراهيم وسارة عليه ثم نحى إبراهيم وقام إلى سارة فلما صار إبراهيم عليه الصلاة و السلام خارج القصر جعله الله له كالقارورة الصافية فرأى الملك وسارة وسمع كلامهما فهم عمرو بسارة ومد يده إليها فيبست فمد الأخرى فكذلك فلما رأى ذلك كف عنها وقال ابن هشام وكان الحناط أخبر الملك بأنه رآها تطحن فقال الملك يا إبراهيم ما ينبغي لهذه أن تخذم نفسها فأمر له بهاجر قوله قال أختي يعني في الدين
وقال ابن الجوزي على هذا الحديث إشكال ما زال يختلج في صدري وهو أن يقال ما معنى توريته عليه السلام عن الزوجة بالأخت ومعلوم أن ذكرها بالزوجية كان أسلم لها لأنه إذا قال هذه أختي قال زوجنيها وإذا قال امرأتي سكت هذا إن كان الملك يعمل بالشرع فأما إذا كان كما وصف من جوره فما يبالي إذا كانت زوجة أو أختا إلى أن وقع لي أن القوم كانوا على دين المجوس وفي دينهم أن الأخت إذا كانت زوجة كان أخوها الذي هو زوجها أحق بها من غيره فكان الخليل عليه الصلاة و السلام أراد أن يستعصم من الجبار بذكر الشرع الذي يستعمله فإذا هو جبار لا يراعي جانب دينه قال واعترض على هذا بأن الذي جاء على مذهب المجوس زرادشت وهو متأخر عن هذا الزمن فالجواب أن لمذهب القوم أصلا قديما ادعاه زرادشت وزاد عليه خرافات وقد كان نكاح الأخوات جائزا في زمن آدم عليه السلام ويقال كانت حرمته على لسان موسى عليه الصلاة و السلام قال ويدل على أن دين المجوس له أصل ما رواه أبو داود أن النبي أخذ الجزية من مجوس هجر ومعلوم أن الجزية لا تؤخذ إلا ممن له كتاب أو شبهة كتاب ثم سألت عن هذا بعض علماء أهل الكتاب فقال كان من مذهب القوم أن من له زوجة لا يجوز له أن يتزوج إلا أن يهلك زوجها فلما علم إبراهيم عليه الصلاة و السلام هذا قال هي أختى كأنه قال إن كان الملك عادلا فخطبها مني أمكنني دفعه وإن كان ظالما تخلصت من القتل وقيل إن النفوس تأبى أن يتزوج الإنسان بامرأة وزوجها موجود فعدل عليه السلام عن قوله زوجتي لأنه يؤدي إلى قتله أو طرده عنها أو تكليفه لفراقها وقال القرطبي قيل إن من سيرة هذا الجبار أنه لا يغلب الأخ على أخته ولا يظلمه فيها وكان يغلب الزوج على زوجته والله أعلم
قوله إن على الأرض كلمة إن بكسر الهمزة وسكون النون للنفي يعني والله ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك قوله وغيرك بالجر عطفا على غيري ويروى بالرفع بدلا عن المحل ويروى من يؤمن بكلمة من الموصولة وصدر صلتها محذوف تقديره والله الذي على الأرض ليس بمؤمن غيري وغيرك قوله فقامت توضأ برفع الهمزة في محل النصب على الحال وتصلي عطف عليه قوله أللهم إن كنت آمنت قيل شرط مدخول أن كونه مشكوكا فيه والإيمان مقطوع به وأجيب بأنها كانت قاطعة به ولكنها ذكرته على سبيل الفرض ههنا هضما لنفسها قوله فغط قال ابن التين ضبط في بعض الأصول بفتح الغين والصواب بالضم كذا في بعض الأصول قلت هو بالغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة ومعناه أخذ مجاري نفسه حتى سمع له غطيط يقال غط المخنوق إذا سمع غطيطه قوله حتى ركض برجله أي حركها وضربها على الأرض قوله قال الأعرج هو المذكور في السند وهو عبد الرحمن بن هرمز قال أبو سلمة إن أبا هريرة قال قالت أللهم إن يمت ( ح ) هو موقوف ظاهرا وكذا ذكره صاحب ( الأطراف ) وكان أبا الزناد روى القطعة الأولى مسندة وهذه موقوفة قوله يقال هي قتلته ويروى يقل هي قتلته وهو الظاهر لوجوب الجزم فيه ووجه رواية يقال هو إما أن الألف حصلت من إشباع الفتحة وإما أنه كقوله تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت ( النساء 87 ) بالرفع في قراءة بعضهم وقال الزمخشري قيل هو بتقدير الفاء قلت تقديره فيدرككم الموت وكذلك

(12/31)


هنا يكون التقدير فيقال قوله في الثانية أي أرسل سارة في المرة الثانية قوله أو في الثالثة شك من الراوي أي أو أرسلها في المرة الثالثة قوله إلا شيطانا أي متمردا من الجن وكانوا يهابون الجن ويعظمون أمرهم ويقال سبب قوله ذلك أنه جاء في بعض الروايات لما قبضت يده عنها قال لها ادعي لي فقال ذلك لئلا يتحدث بما ظهر من كرامتها فتعظم في نفوس الناس وتتبع فلبس على السامع بذكر الشيطان قوله إرجعوا بكسر الهمزة أي ردوها إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام قوله وأعطوها آجر أي أعطوا سارة آجر وهي الوليدة اسمها آجر بهمزة ممدودة وجيم مفتوحة وفي آخره راء واستعملوا الهاء موضع الهمزة فقيل هاجر وهي أم إسماعيل عليه الصلاة و السلام كما أن سارة أم إسحاق عليه الصلاة و السلام وقيل إن هاجر من حقن من كورة أنصنا قوله قلت حقن بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وفي آخره نون وهو اسم لقرية من صعيد مصر قاله ابن الأثير قلت هو كفر من كفور كورة أنصنا بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الصاد المهملة ثم نون ثانية وألف مقصورة وهي بلدة بالصعيد الأوسط على شط النيل من البر الشرقي في قبالة الأشمونيين من البر الآخر وبها آثار عظيمة ومزدرع كثير وقال اليعقوبي هي مدينة قديمة يقال إن سحرة فرعون كانوا فيها قوله أشعرت أي أعلمت تخاطب إبراهيم عليه الصلاة و السلام قوله كبت الكافر أي رده خاسئا خائبا وقيل أحزنه وقيل أغاظه لأن الكبت شدة الغيظ وقيل صرعه وقيل أذله وقيل أخزاه وقيل أصله كبد أي بلغ الهم كبده فأبدل من الدال تاء قوله واخدم وليدة أي أعطي خادما أي أعطاها أمة تخدمها والوليدة تطلق على الجارية وإن كانت كبيرة وفي الأصل الوليد الطفل والأنثى وليدة والجمع ولائد فافهم
ذكر ما يستفاد منه فيه إباحة المعارض لقوله إنها أختي وإنها مندوحة عن الكذب وفيه إن أخوة الإسلام أخوة تجب أن يتسمى بها وفيه الرخصة في الأنقياد للظالم أو الغاصب وفيه قبول صلة السلطان الظالم وقبول هدية المشرك وفيه إجابة الدعاء بإخلاص النية وكفاية الرب جل جلاله لمن أخلصها بما يكون نوعا من الآفات وزيادة في الإيمان تقوية على التصديق والتسليم والتوكل وفيه ابتلاء الصالحين لرفع درجاتهم وفيه أن من قال لزوجته أختي ولم ينو شيئا لا يكون طلاقا وكذلك لو قال مثل أختي لا يكون ظهارا وفيه أخذ الحذر مع الإيمان بالقدر وفيه مستند لمن يقول إن طلاق المكره لا يقع وليس بشيء وفيه الحيل في التخلص من الظلمة بل إذا علم أنه لا يتخلص إلا بالكذب جاز له الكذب الصراح وقد يجب في بعض الصور بالاتفاق لكونه ينجي نبيا أو وليا ممن يريد قتله أو لنجاة المسلمين من عدوهم وقال الفقهاء لو طلب ظالم وديعة لإنسان ليأخذها غصبا وجب عليه الإنكار والكذب في أنه لا يعلم موضعها
8122 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها قالت اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله إلاى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة فلم تره سودة قط
مطابقته للترجمة من حيث إن عبد بن زمعة قال هذا ابن أمة أبي ولد على فراشه فأثبت لأبيه أمه وملكا عليها في الجاهلية فلم ينكر ذلك وسمع خصامهما وهو دليل على تنفيذ عهد المشرك والحكم به وإن تصرف المشرك في ملكه يجوز كيف شاء وحكم النبي هنا بأن الولد للفراش فلم ينظر إلى الشبه ولا اعتبره والحديث قد مر في تفسير المشبهات فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستقصى قوله أنظر إلى شبهه أي إلى مشابهة الغلام بعتبة والعاهر الزاني

(12/32)


9122 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سعد ) عن أبيه قال عبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه لصهيب اتق الله ولا تدع إلى غير أبيك فقال صهيب ما يسرني أن لي كذا وكذا وأني قلت ذلك ولاكني سرقت وأنا صبي
مطابقته للترجمة تؤخذ من تتمة قصته وهي أن كلبا ابتاعه من الروم فاشتراه ابن جدعان فاعتقه وقد ذكرناه عن قريب وغندر بضم الغين المعجمة هو محمد بن جعفر البصري وسعد هو ابن إبراهيم بن ( عبد الرحمن بن عوف ) رضي الله تعالى عنه والحديث من أفراده
قوله قال عبد الرحمن بن عوف لصهيب إتق الله إلى آخره إنما قال عبد الرحمن ذلك لأن صهيبا كان يقول إنه ابن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل نسبه إلى أن ينتهي إلى النمر بن قاسط وأن أمه من بني تميم وكان لسانه أعجميا لأنه ربي بين الروم فغلب عليه لسانهم فإن قلت وروى الحاكم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لصهيب ما جدت عليك في الإسلام إلا ثلاثة أشياء اكتنيت أبا يحيى وإنك لا تمسك شيئا وتدعى إلى النمر بن قاسط فقال أما الكنية فإن رسول الله كناني وأما النفقة فإن الله تعالى يقول وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وأما النسب فلو كنت من روثة لانتسبت إليها ولكن كان العرب يسبي بعضهم بعضا فسباني ناس بعد أن عرفت مولدي وأهلي فباعوني فأخذت بلسانهم يعني بلسان الروم قلت سياق الحديث يدل على أن المراجعة كما كانت بين صهيب وبين عبد الرحمن كانت كذلك بينه وبين عمر بن الخطاب قلت النمر بن قاسط في ربيعة بن نزار وهو النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار قوله اتق الله أي خف الله ولا تنتسب إلى غير أبيك فكأن عبد الرحمن كان ينكر عليه ذلك ولا يحمله إلا على خلافه فأجاب صهيب بقوله ما يسرني أن لي كذا وكذا
0222 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( حكيم بن حزام ) أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث أو أتحنث بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة هل لي فيها أجر قال حكيم رضي الله تعالى عنه قال رسول الله أسلمت على ما سلف لك من خير
مطابقته للترجمة فيما تضمنه الحديث من وقوع الصدقة والعتاقة من المشرك فإنه يتضمن صحة ملك المشرك لأن صحة العتق متوقفة على صحة الملك فيطابق هذا قوله في الترجمة وهبته وعتقه وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن هشام عن معمر عن الزهري عن عروة إلى آخره
قوله أرأيت أمورا وهناك أرأيت أشياء وقوله أو أتحنت غير مذكور هناك وفي التلويح أتحنث أو أتحنت كذا في نسخة السماع الأول بالثاء المثلثة والثاني بالتاء المثناة وعليها تمريض وفي بعض النسخ بالعكس كذا ذكره ابن التين قال ولم يذكر أحد من اللغويين التاء المثناة وإنما هو المثلثة كما جاء في حديث حراء فيتحنث أي فيتعبد وفي ( المطالع ) قول حكيم بن حزام كنت أتحنت بتاء مثناة رواه المروزي في باب من وصل رحمه وهو غلط من جهة المعنى وأما الرواية فصحيحة والوهم فيه من شيوخ البخاري بدليل قول البخاري ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنث أو أتحنت على الشك والصحيح الذي رواه الكافة بالثاء المثلثة وقال الكرماني ويروى أتحبب من المحبة والله تعالى أعلم
101 -
( باب جلود الميتة قبل أن تدبغ )
أي هذا باب في بيان حكم جلود الميتة قبل دباغها هل يصح بيعها أم لا وسنوضح في الحديث جواز بيعها

(12/33)


1222 - حدثنا ( زهير بن حرب ) قال حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا أبي عن ( صالح ) قال حدثني ( ابن شهاب ) أن ( عبيد الله بن عبد الله ) قال أخبره أن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله مر بشاة ميتة فقال هلا انتفعتم بإهابها قالوا إنها ميتة قال إنما حرم أكلها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هلا انتفعتم بإهابها لأنه يدل على أنه ينتفع بجلد الميت والانتفاع به يدل على جواز بيعه لأن الشارع خص الحرمة فيها بغير الأكل وغير الأكل أعم من أن يكون بالبيع وغيره وظاهره جواز الانتفاع به سواء دبغ أو لم يدبغ وهو مذهب الزهري وكان البخاري أيضا اختار هذا المذهب وبما ذكرناه يسقط اعتراض من يورد عليه بأنه ليس في الحديث الذي أورده تعرض للبيع والحديث أيضا أوضح الإبهام الذي في الترجمة
ورجاله سبعة زهير مصغر زهر ابن حرب ضد الصلح ابن شداد أبو خيثمة ويعقوب ابن إبراهيم بن سعد وأبوه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن وتكبير الأب ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الصدقة على موالي أزواج النبي فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس وقد مر الكلام فيه مستقصى
201 -
( باب قتل الخنزير )
أي هذا باب في بيان قتل الخنزير هل هو مشروع كما شرع تحريم أكله أي مشروع والجمهور على جواز قتله مطلقا إلا ما روي شاذا من بعض الشافعية أنه يترك الخنزير إذا لم يكن فيه ضراوة وقال ابن التين ومذهب الجمهور أنه إذا وجد الخنزير في دار الكفر وغيرها وتمكنا من قتله قتلناه قلت ينبغي أن يستثنى خنزير أهل الذمة لأنه مال عندهم ونحن نهينا عن التعرض إلى أموالهم فإن قلت يأتي عن قريب أن عيسى عليه السلام حين ينزل يقتل الخنزير مطلقا قلت يقتل الخنزير بعد قتل أهله كما أنه يكسر الصليب لأنه ينزل ويحمل الناس كلهم على الإسلام لتقرير شريعة نبينا فإذا جاز قتل أهل الكفر حينئذ سواء كانوا من أهل الذمة أو من أهل الحرب فقتل خنزيرهم وكسر صليبهم بطريق الأولى والأحق ألا ترى أنه يضع الجزية يعني يرفعها لأن الناس كلهم يسلمون فمن لم يدخل في الإسلام يقتله فلا يبقى وجه لأخذ الجزية لأن الجزية إنما تؤخذ في هذه الأيام لتصرف في مصالح المسلمين منها دفع أعدائهم وفي زمن عيسى عليه الصلاة و السلام لا يبقى عدو للدين لأن الناس كلهم مسلمون ويفيض المال بينهم فلا يحتاج أحد إلى شيء من الجزية لارتفاعها بذهاب أهلها فإن قلت ما وجه دخول هذا الباب في أبواب البيوع قلت كان البخاري فهم أن كل ما حرم ولم يجز بيعه يجوز قتله فالخنزير حرم الشارع بيعه كما في حديث جابر الآتي فجاز قتله فمن هذه الحيثية أدخل هذا الباب في أبواب البيوع وقال بعضهم ووجه دخوله في أبوواب البيع الإشارة إلى أن ما أمر بقتله لا يجوز بيعه قلت فيه نظر من وجهين أحدهما أنه يحتاج إلى بيان الموضع الذي أمر النبي بقتل الخنزير وتحريم بيعه لا يستلزم جواز قتله والآخر أن قوله ماأمر بقتله لا يجوز بيعه ليس بكلي فإن الشارع أمر بقتل الحيات صريحا مع أن جماعة من العلماء منهم أبو الليث قالوا يجوز بيع الحيات إذا كانت ينتفع بها للأدوية
وقال جابر حرم النبي بيع الخنزير
مطابقته للترجمة من حيث إن مشروعية قتل الخنزير كان مبنيا على كونه محرما أكله فهذا القدر بهذه الحيثية يكفي لوجود المطابقة وهذا التعليق طرف من حديث البخاري بإسناده عن جابر بلفظ سمعت النبي

(12/34)


عام الفتح وهو بمكة يقول إن الله تعالى ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام بعد تسعة أبواب
2222 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد
مطابقته للترجمة في قوله ويقتل الخنزير والحديث أخرجه مسلم أيضا في الإيمان عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث به وأخرجه الترمذي في الفتن عن قتيبة به وقال حسن صحيح
ذكر معناه قوله ليوشكن اللام فيه مفتوحة للتأكيد ويوشكن من أفعال المقاربة وهو مضارع دخلت عليه نون التأكيد وماضيه أوشك وأنكر الأصمعي مجيء الماضي منه وحكى الخليل استعمال الماضي في قول الشاعر
ولو سالوا الشراب لأوشكونا
وأفعال المقاربة أنواع نوع منها ما وضع للدلالة على دنو الخبر وهو ثلاثة كاد وكرب وأوشك ومعناه هنا ليسرعن وقال الداودي معناه ليكونن قال وجاء يوشك بمعنى يكون ومعنى يقرب قوله أن ينزل كلمة أن مصدرية في محل الرفع على الفاعلية والمعنى ليسرعن نزول ابن مريم فيكم ونزوله من السماء فإن الله رفعه إليها وهو حي ينزل عند المنارة البيضاء بشرقي دمشق واضعا كفيه على أجنحة ملكين وكان نزوله عند انفجار الصبح قوله حكما بفتحتين بمعنى الحاكم قوله مقسطا أي عادلا من الإقساط يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا ظلم فكأن الهمزة فيه للسلب كما يقال شكا إليه فأشكاه قوله فيكسر الصليب الفاء فيه تفصيلية لقوله حكما مقسطا وويرى حكما عدلا قال الطيبي يريد بقوله يكسر الصليب إبطال النصرانية والحكم بشرع الإسلام وفي ( التوضيح ) يكسر الصليب أي بعد قتل أهله قلت فتح لي هنا معنى من الفيض الإلهي وهو أن المراد من كسر الصليب إظهار كذب النصارى حيث ادعوا أن اليهود صلبوا عيسى عليه الصلاة و السلام على خشب فأخبر الله تعالى في كتابه العزيز بكذبهم وافترائهم فقال وما قتلوه وما صلبوه لكن شبه لهم ( النساء 751 ) وذلك أنهم لما نصبوا له خشبة ليصلبوا عليها ألقى الله تعالى شبه عيسى على الذي دلهم عليه واسمه يهوذا وصلبوه مكانه وهم يظنون أنه عيسى ورفع الله عيسى إلى السماء ثم تسلطوا على أصحابه بالقتل والصلب والحبس حتى بلغ أمرهم إلى صاحب الروم فقيل له إن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول الله وكان يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص ويفعل العجائب فعدوا عليه وقتلوه وصلبوه فأرسل إلى المصلوب فوضع عن جذعه وجيء بالجذع الذي صلب عليه فعظمه صاحب الروم وجعلوا منه صلبانا فمن ثم عظمت النصارى الصلبان ومن ذلك الوقت دخل دين النصرانية في الروم ثم يكون كسر عيسى الصليب حين ينزل إشارة إلى كذبهم في دعواهم أنه قتل وصلب وإلى بطلان دينهم وأن الدين الحق هو الدين الذي هو عليه وهو دين الإسلام دين محمد الذي هو نزل لإظهاره وإبطال بقية الأديان بقتل النصارى واليهود وكسر الأصنام وقتل الخنزير وغير ذلك قوله ويقتل الخنزير قال الطيبي ومعنى قتل الخنزير تحريم اقتنائه وأكله وإباحة قتله وفيه بيان أن أعيانها نجسة لأن عيسى عليه الصلاة و السلام إنما يقتلها على حكم شرع الإسلام والشيء الطاهر المنتفع به لا يباح إتلافه انتهى وقيل يحتمل أنه لتضعيف أهل الكفر عندما يريد قتالهم ويحتمل أنه يقتله بعدما يقتلهم قوله ويضع الجزية وقد مر تفسيره في أول الباب قوله ويفيض المال أي يكثر ويتسع من فاض الماء إذا سال وارتفع وضبطه الدمياطي بالنصب عطفا على ما قبله من المنصوبات وقال ابن التين إعرابه بالضم لأنه كلام مستأنف غير معطوف لأنه ليس من فعل عيسى عليه الصلاة و السلام قوله حتى لا يقبله أحد لكثرته واستغناء كل واحد بما في يده ويقال يكثر المال حتى يفضل منه بأيدي ملاكه ما لا حاجة لهم به فيدور واحد منهم على من يقبل شيئا منه فلا يجده
ومما يستفاد من الحديث ما فيه قاله ابن بطال دليل على أن الخنزير حرام في شريعة عيسى عليه الصلاة و السلام وقتله له تكذيب

(12/35)


للنصارى أنه حلال في شريعتهم واختلف العلماء في الانتفاع بشعره فكرهه ابن سيرين والحكم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال الطحاوي لا ينتفع من الخنزير بشيء ولا يجوز بيع شيء منه ويجوز للخرازين أن يبيعوا شعرة أو شعرتين للخرازة ورخص فيه الحسن وطائفة وذكر عن مالك أنه لا بأس بالخرازة بشعره وأنه لا بأس ببيعه وشرائه وقال الأوزاعي يجوز للخراز أن يشتريه ولا يجوز له أن يبيعه ومنه ما قاله البيهقي في ( سننه ) أن الخنزير أسوأ حالا من الكلب لأنه لم ينزل بقتله بخلافه قلت الخنزير نجس العين حتى لا يجوز دباغة جلده بخلاف الكلب على ما عرف في الفروع
301 -
( باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه )
أي هذا باب يذكر فيه لا يذاب شحم الميتة ولا يذاب مجهول من يذيب إذابة من ذاب الشيى ذوبا ضد جمد قوله ودكه بفتح الواو والدال وفي ( المغرب ) الودك من اللحم والشحم ما يتحلب منه وقول الفقهاء ودك الميتة من ذلك وقال ابن الأثير الودك هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه
رواه جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي
أي روى المذكور من ترك إذابة شحم الميتة وترك بيع الودك جابر بن عبد الله عن النبي وهذا تعليق أسنده البخاري في باب بيع الميتة والأصنام يأتي بعد ثمانية أبواب
166 - ( حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني طاوس أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله قال قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها )
مطابقته للترجمة في قوله حرمت عليهم الشحوم فجملوها بالجيم والحميدي بضم الحاء المهملة هو عبد الله بن الزبير ابن عيسى القرشي المكي وهو من أفراد البخاري وسفيان هو ابن عيينة وكان الحميدي أثبت الناس وفيه وقال جالسته تسع عشرة سنة أو نحوها والحديث أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل عن علي بن عبد الله عن سفيان وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واسحق بن إبراهيم ثلاثتهم عن ابن عيينة به وعن أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع وأخرجه النسائي في الذبائح وفي التفسير عن اسحق بن إبراهيم به وأخرجه ابن ماجة في الأشربة عن أبي بكر بن أبي شيبة به قوله قاتل الله فلانا قال البيضاوي أي عاداهم وقيل قتلهم فأخرج في صورة المبالغة أو عبر عنه بما هو سبب عنه فمنهم بما اخترعوا من الحيل انتصبوا لمحاربة الله ومقاتلته ومن قاتله قتله وقال الخطابي قيل أن الذي فيه عمر رضي الله تعالى عنه هذا القول سمرة فإنه خللها ثم باعها وكيف يجوز على مثل سمرة أن يبيع عين الخمر وقد شاع تحريمها لكنه أول فيها بأن خللها وغير اسمها كما أولوه بالإذابة في الشحم فعابه عمر على ذلك انتهى قلت قال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر قال حدثنا سفيان عن عمرو وعن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر رضي الله تعالى عنه أن سمرة باع خمرا فقال قاتل الله سمرة ألم يعلم أن رسول الله قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ورواه البيهقي من طريق الزعفراني عن سفيان وزاد في روايته سمرة بن جندب وقال القرطبي وغيره اختلف في تفسيره بيع سمرة الخمر على ثلاثة أقوال أحدهما أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقدا جواز ذلك والثاني أن يكون باع العصير ممن يتخذه خمرا والعصير يسمى خمرا كما يسمى العنب به لأنه يؤول إليه قال الخطابي ولا يظن بسمرة أنه باع عين الخمر بعد أن شاع تحريمها وإنما باع العصير والثالث أن يكون خلل الخمر وباعها لما ذكرنا آنفا وقال

(12/36)


الإسماعيلي في كتابه المدخل يجوز أن سمرة علم بتحريمها ولم يعلم بحرمة بيعها ولو لم يكن كذلك لما أقره عمر على عمله ولعزله لو فعله عن علم انتهى وهذا يرد قول بعضهم ولم أر في شيء من الأخبار أن سمرة كان واليا لعمر على شيء من أعماله انتهى لأن قول الذي اطلع على شيء حجة على قول من يدعي عدم الاطلاع عليه وأيضا الدعوى بعدم رؤية شيء في الأخبار الذي نقله غير واحد من الحفاظ غير مسموعة لأنه يبعد أن يطلع أحد على جميع ما وقع في قضية من الأخبار قوله قاتل الله اليهود فسره البخاري من رواية أبي ذر باللعنة وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال الهروي معناه قتلهم الله وحكى عن بعضهم عاداهم والأصل في فاعل أن يكون من اثنين وربما يكون من واحد مثل سافرت وطارقت قوله فجملوها بالجيم أي أذابوها يقال جمل الشحم يجمله من باب نصر ينصر إذا أذابه ومنه الجميل وهو الشحم المذاب وقال الداودي ومنه سمى الجمال لأنه يكون عن الشحم وليس هذا بين لأنه قد يكون بعد الهزال وقال بعضهم وجه تشبيه عمر رضي الله تعالى عنه بيع المسلمين الخمر ببيع اليهودي المذاب من الشحم الاشتراك في النهي عن تناول كل منهما قلت هذا لا يسمى تشبيها لعدم شروط التشبيه فيه وإنما هو تمثيل يعني بيع فلان الخمر مثل بيع اليهودي الشحم المذاب والمعنى حال هذا الرجل الذي باع الخمر العجيبة الشأن كحال اليهود الذين حرم عليهم الشحم ثم جملوه فباعوه وعلماء البيان قد فرقوا بين التشبيه والتمثيل وجعلوا لكل واحد بابا مفردا نعم إذا كان وجه التشبيه منتزعا من أمور يسمى تمثيلا كما في تشبيه مثل الذي حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا فإن تشبيه مثل اليهود الذين كلفوا بالعمل بما في التوراة ثم لم يعملوا بذلك بمثل الحمار الحامل للأسفار فإن وجه التشبيه بينهما وهو حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع الكد والتعب في استصحابه لا يخفى كونه منتزعا من عدة أمور وقال هذا القائل أيضا كل ما حرم تناوله حرم بيعه قلت قد ذكرنا فيما مضى أن هذا ليس بكلي فإن الحية يحرم تناولها ولا يحرم بيعها للضرورة للتداوي وقال أيضا وتناول الخمر والسباع وغيرهما مما حرم أكله إنما يتأتى بعد ذبحه وهو بالذبح يصير ميتة لأنه لا ذكاة له وإذا صارة ميتة صار نجسا ولم يجز بيعه انتهى قلت كان ينبغي له أن يقول هذا في مذهبنا لأن من لم يقف على مذاهب العلماء في مثل هذا يعتقد أنه أمر مجمع عليه وليس كذلك فإن عندنا ما لا يؤكل لحمه إذا ذبح يطهر لحمه حتى إذا صلى ومعه من ذلك أكثر من قدر الدرهم تصح صلاته ولو وقع في الماء لا ينجسه لأنه بالذكاة يطهر لأن الذكاة أبلغ من الدباغ في إزالة الدماء والرطوبات وقال الكرخي كل حيوان يطهر جلده بالدباع يطهر بالذكاة فهذا يدل على أنه يطهر لحمه وشحمه وسائر أجزائه وفي البدائع الذكاة تطهر المذكي بجميع أجزائه إلا الدم المسفوح هو الصحيح وقال ابن بطال أجمع العلماء على تحريم بيع الميتة بتحريم الله تعالى لها قال تعالى حرمت عليكم الميتة والدم واعترض بعض الملاحدة بأن الابن إذا ورث من أبيه جارية كان الأب وطئها فإنها تحرم على الابن ويحل له بيعها بالإجماع وأكل ثمنها وقال القاضي هذا تمويه على من لا علم عنده لأن جارية الأب لم يحرم على الابن منها غير الاستمتاع على هذا الولد دون غيره من الناس ويحل لهذا الابن الانتفاع بها في جميع الأشياء سوى الاستمتاع ويحل لغيره الاستمتاع وغيره بخلاف الشحوم فإنها محرمة المقصود منها وهو الأكل منها على جميع اليهود وكذلك شحوم الميتة محرمة الأكل على كل واحد فكان ما عدا الأكل تابعا بخلاف موطوءة الأب وفي الحديث لعن العاصي المعين ولكن يحتمل أن قول عمر كان للتغليظ لأن هذا كلمة تقولها العرب عند إرادة الزجر وليست على حقيقتها وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم وفيه تحريم بيع الخمر وقال ابن المنذر وغيره فيه الإجماع وشذ من قال يجوز بيعها ويجوز بيع العنقود المستحيل باطنه خمرا وقال بعضهم فيه أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه قلت هذا ليس بكلي وقال أيضا فيه دليل على أن بيع المسلم الخمر من الذمي لا يجوز وكذا توكيل الذمي المسلم في بيع الخمر قلت لا خلاف في المسئلة الأولى ولا في الثانية ولكن الخلاف فيما إذا وكل الذمي المسلم ببيع الخمر والحديث لا يدل على مسئلة التوكيل من الجانبين وفيه استعمال القياس في الأشباه والنظائر وقال بعضهم واستدل به على تحريم جثة الكافر إذا قتلناه وأراد الكفار شراءه قلت وجه هذا الاستدلال من هذا الحديث غير ظاهرة

(12/37)


4222 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال سمعت ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال قاتل الله يهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري المدني
والحديث أخرجه مسلم بإسناد البخاري قوله يهود يغير تنوين لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث لأنه علم للقبيلة ويروى يهودا بالتنوين ووجهه أن يكون باعتبار الحي فيبقى بعلة واحدة فينصرف
قال أبو عبد الله قاتلهم الله لعنهم قتل لعن الخراصون الكذابون
هذا وقع في رواية المستملي وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وقال تفسير قاتلهم لعنهم واستشهد على ذلك بقوله تعالى قتل الخراصون ( الذاريات 01 ) يعني لعن الخراصون وهو تفسير ابن عباس في قوله قتل رواه الطبري عنه في تفسيره والخراصون الكذابون رواه الطبري أيضا عن مجاهد وقد مر الكلام فيه في معنى اللعن عن قريب
401 -
( باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك )
أي هذا باب في بيان حكم التصاوير أي المصورات التي ليس فيها روح كالأشجار ونحوها قوله وما يكره أي وفي بيان ما يكره من ذلك من اتخاذ أو عمل أو بيع أو نحو ذلك
5222 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال أخبرنا ( عوف ) عن ( سعيد بن أبي الحسن ) قال ( كنت عند ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما إذا أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله سمعته يقول من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح
مطابقته للترجمة في قوله فعليك بهذا الشجر وكان البخاري فهم من قوله في الحديثإنما معيشتي من صنعة يدي وإجابة ابن عباس بإباحة صور الشجر وشبهه إباحة البيع وجوازه فترجم عليه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي الثاني يزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع وقد تكرر ذكره الثالث عوف بفتح العين المهملة وسكون الواو في آخره فاء ابن أبي حميد الأعرابي يعرف به وليس بأعرابي الأصل يكنى أبا سهل ويقال أبو عبد الله الرابع سعيد بن أبي الحسن أخو الحسن البصري واسم أبي الحسن يسار بالياء آخر الحروف والسين المهملة الخامس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه السماع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في خمسة مواضع وفيه أن هؤلاء كلهم بصريون وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن سعيد بن أبي الحسن ليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في اللباس عن نصر بن علي وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن الحسين بن إبراهيم وفي الباب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخرجه الطحاوي حدثنا فهد قال حدثنا القعنبي قال حدثنا

(12/38)


عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال المصورون يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ورواه مسلم أيضا وغيره وعن أبي هريرة أخرجه النسائي قال أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ وأخرجه الطحاوي أيضا
ذكر معناه قوله إذ أتاه رجل كلمة إذ للمفاجأة وقد ذكرنا غير مرة أن إذ وإذا يضافان إلى جملة فقوله أتاه رجل جملة فعلية وقوله فقال ابن عباس جواب إذ قوله إنما معيشتي من صنعة يدي يعني ما معيشتي إلا من عمل يدي قوله حتى ينفخ فيها أي إلى أن ينفخ في الصورة قوله وليس بنافخ أي لا يمكن له النفخ قط فيعذب أبدا قوله فربا أي فربا الرجل أي أصابه الربو وهو مرض يحصل للرجل يعلو نفسه ويضيق صدره وقال ابن قرقول أي ذكر وامتلأ خوفا وعن صاحب ( العين ) ربا الرجل أصابه نفس في جوفه وهو الربو والربوة والربوة وهو نهج ونفس متواتر وقال ابن التين معناه انتفخ كأنه خجل من ذلك قوله ويحك كلمة ترحم كما أن ويلك كلمة عذاب قوله كل شيء بالجر بدل الكل عن البعض وهذا جائز عند بعض النحاة وهو قسم خامس من الإبدال كقول الشاعر
( رحم الله أعظما دفنوهابسجستان طلحة الطلحات )
ويروى نضر الله أعظما ويجوز أن يكون فيه مضاف محذوف والتقدير عليك بمثل الشجر أو يكون واو العطف فيه مقدرة تقديره وكل شيء كما في التحيات المباركات الصلوات الطيبات فإن معناه والصلوات وبواو العطف جاء في رواية أبي نعيم من طريق خودة عن عوف فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح وفي رواية مسلم والإسماعيلي بلفظ فاصنع الشجر ومالا نفس له وقال الطيبي هو بيان للشجر لأنه لما منعه عن التصوير وأرشده إلى جنس الشجر رأى أنه غير واف بالمقصود فأوضحه به ويجوز النصب على التفسير
ذكر ما يستفاد منه فيه أن تصوير ذي روح حرام وأن مصوره توعد بعذاب شديد وهو قوله فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها وفي رواية لمسلم كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم وروى الطحاوي من حديث أبي جحيفة لعن رسول الله المصورين وعن عمير عن أسامة بن زيد يرفعه قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون وقال المهلب إنما كره هذا من أجل أن الصورة التي فيها الروح كانت تعبد في الجاهلية فكرهت كل صورة وإن كانت لا فيء لها ولا جسم قطعا للذريعة وقال القرطبي في حديث مسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون وهذا يقتضي أن لا يكون في النار أحد يزيد عذابه على عذاب المصورين وهذا يعارضه قوله تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ( غافر 64 ) وقوله أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام ضلالة وقوله أشد الناس عذابا عالم لم ينفعه الله بعلمه وأشباه ذلك ووجه التوفيق أن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل نوع الناس بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد المدعين للإلهية عذابا ومن يقتدي به في ضلالة كفر أشد ممن يقتدي به في ضلالة بدعة ومن صور صورا ذات أرواح أشد عذابا ممن يصور ما ليس بذي روح فيجوز أن يعني بالمصورين الذين يصورون الأصنام للعبادة كما كانت الجاهلية تفعل وكما يفعل النصارى فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة انتهى ولقائل أن يقول أشد الناس عذابا بالنسبة إلى هذه الأمة لا إلى غيرها من الكفار فإن صورها لتعبد أو لمضاهاة خلق الله تعالى فهو كافر قبيح الكفر فلذلك زيد في عذابه قلت قول القرطبي ومن صور صورا ذات أرواح أشد عذابا ممن يصور ما ليس بذي روح فيه نظر لا يخفى وفيه إباحة تصوير ما لا روح له كالشجر ونحوه وهو قول جمهور الفقهاء وأهل الحديث فإنهم استدلوا على ذلك بقول ابن عباس فعليك بهذا الشجر إلى آخره فإن ابن عباس استنبط قوله من قوله فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها أي الروح فدل هذا على أن المصور إنما يستحق هذا العذاب لكونه قد باشر تصوير حيوان مختص بالله تعالى وتصوير جماد ليس له في معنى ذلك فلا بأس به
وذهب جماعة

(12/39)


منهم الليث بن سعيد والحسن بن حي وبعض الشافعية إلى كراهة التصوير مطلقا سواء كانت على الثياب أو على الفرش والبسط ونحوها واحتجوا بعموم قوله لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب رواه أبو داود من حديث علي رضي الله تعالى عنه وقوله لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة أخرجه مسلم من حديث ابن عباس عن أبي طلحة وأخرجه الطحاوي والطبراني نحوه من حديث أبي أيوب عن رسول الله وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أبي سلمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن جبريل عليه الصلاة و السلام قال لرسول الله إنا لا ندخل بيتا فيه صورة وأخرجه مسلم مطولا وأخرج الطحاوي أيضا من حديث عائشة قالت دخل علي رسول الله وأنا مستترة بقرام ستر فيه صورة فهتكه ثم قال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله تعالى وأخرجه مسلم بأتم منه وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أسامة بن زيد عن رسول الله قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة وأخرجه الطبراني مطولا وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أبي الزبير قال سألت جابرا عن الصور في البيت وعن الرجل يفعل ذلك فقال زجر رسول الله عن ذلك
وخالف الآخرون هؤلاء المذكورين وهم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية وقالوا إذا كانت الصور على البسط والفرش التي توطأ بالأقدام فلا بأس بها وأما إذا كانت على الثياب والستائر ونحوهما فإنها تحرم وقال أبو عمر ذكر ابن القاسم قال كان مالك يكره التماثيل في الأسرة والقباب وأما البسط والوسائد والثياب فلا بأس به وكره أن يصلي إلى قبة فيها تماثيل وقال الثوري لا بأس بالصور في الوسائد لأنها توطأ ويجلس عليها وكان أبو حنيفة وأصحابه يكرهون التصاوير في البيوت بتمثال ولا يكرهون ذلك فيما يبسط ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة وكذلك عندهم ما كان خرطا أو نقشا في البناء
وقال المزني عن الشافعي وإن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أو صورا ذات أرواح لم يدخل إن كانت منصوبة وإن كانت توطأ فلا بأس وإن كانت صورة الشجر وقال قوم إنما كره من ذلك ما له ظل وما لا ظل له فليس به بأس وقال عياض وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك وكره مالك شراء ذلك لابنته وادعى بعضهم أن إباحة اللعب للبنات منسوخ وقال القرطبي واستثنى بعض أصحابنا من ذلك ما لا يبقى كصور الفخار والشمع وما شاكل ذلك وهو مطالب بدليل التخصيص وكانت الجاهلية تعمل أصناما من العجوة حتى إن بعضهم جاع فأكل صنمه قلت بنو باهلة كانوا يصنعون الأصنام من العجوة فوقع فيهم الغلاء فأكلوها وقالوا بنو باهلة أكلوا آلهتهم
وحجة المخالفين لأهل المقالة الأولى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قدم رسول الله وعندي نمط لي فيه صورة فوضعته على سهوتي فاجتذبه فقال لا تستروا الجدار قالت فصنعته وسادتين أخرجه الطحاوي وأخرجه مسلم بأتم منه والنمط بفتح النون والميم هو ضرب من البسط له خمل رقيق ويجمع على أنماط والسهوة بالسين المهملة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة وقيل هو كالصفة تكون بين يدي البيت وقيل شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشيء والوسادة المخدة
وأجابوا عن الأحاديث التي مضت بأنا عملنا بها على عمومها وعملنا بحديث عائشة أيضا وبأمثاله التي رويت في هذا الباب فيما إذا كانت الصور مما كان يوطأ ويهان فإذن نحن عملنا بأحاديث الباب كلها بخلاف هؤلاء فإنهم عملوا ببعضها وأهملوا بعضها
وفيه ما قاله القرطبي يستفاد من قوله وليس بنافخ جواز التكليف بما لا يقدر عليه قال ولكن ليس مقصود الحديث التكليف وإنما المقصود منه تعذيب المكلف وإظهار عجزه عما تعاطاه مبالغة في توبيخه وإظهار قبح فعله
قال أبو عبد الله سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد
أبو عبد الله هو البخاري رحمه الله والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو النضر بن أنس بن مالك البخاري

(12/40)


الأنصاري يكنى أبا مالك عداده في أهل البصرة ولم يسمع سعيد هذا من النضر إلا هذا الحديث الواحد الذي رواه عوف الأعرابي وهو معنى قوله هذا الواحد أي هذا الحديث الواحد
أخرج البخاري هذا في كتاب اللباس عن عياش بن الوليد عن عبد الأعلى عن ابن أبي عروبة سمعت النضر بحديث قتادة قال كنت عند ابن عباس فذكره وروى مسلم فأدخل بين سعيد والنضر قتادة قال الجياني وليس بشيء لتصريح البخاري وغيره بسماع سعيد من النضر هذا الحديث وحده ورواه مسلم أيضا عن أبي غسان وعن أبي موسى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن النضر مثله
501 -
( باب تحريم التجارة في الخمر )
أي هذا باب في بيان تحريم التجارة في الخمر وذكر البخاري رضي الله تعالى عنه هذه الترجمة في أبواب المسجد لكن بقيد المسجد حيث قال باب تحريم تجارة الخمر في المسجد وهذه الترجمة أعم من تلك الترجمة لأنها غير مقيدة بشيء
وقال جابر رضي الله تعالى عنه حرم النبي بيع الخمر
مطابقته للترجمة ظاهرة ووصله البخاري في باب بيع الميتة والإصنام وسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى
6222 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي الضحى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها خرج النبي فقال حرمت التجارة في الخمر
مطابقته للترجمة في قوله حرمت التجارة في الخمر ورجاله قد ذكروا غير مرة ومسلم هو ابن إبراهيم الأزدي القصاب البصري والأعمش هو سليمان وأبو الضحى مسلم بن صبيح الكوفي وقد مضى الحديث في باب تحريم تجارة الخمر في المسجد فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي جمرة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقد مر الكلام فيه هناك
قوله لما نزلت آيات سورة البقرة أي من أول آية الربا إلى آخر السورة ولفظه هناك لما نزلت الآيات من سورة البقرة في الربا قوله خرج النبي أي من البيت إلى المسجد وكذا هو هناك والأحاديث يفسر بعضها بعضا
601 -
( باب إثم من باع حرا )
أي هذا باب في بيان إثم من باع حرا يعني عالما بذلك متعمدا والحر يستعمل في بني آدم على الحقيقة وقد يستعمل في غيرهم مجازا كما يقال في الوقف وقال بعضهم والحر الظاهر أن المراد به من بني آدم ويحتمل ما هو أعم من ذلك فيدخل فيه مثل الموقوف انتهى قلت لا معنى لقوله والحر الظاهر أن المراد به من بني آدم لأن لفظ الحر موضوع في اللغة لمن لم يمسه رق وعن هذا قال الجوهري الحر خلاف العبد والحرة خلاف الأمة وقوله أعم من ذلك إن أراد به عموم لفظ حر فإنه في أفراده ولا يدخل فيه شيء خارج عنها وإن أراد به أن لفظ حر يستعمل لمعان كثيرة مثل ما يقال حر الرمل وحر الدار يعني وسطها وحر الوجه ما بدا من الوجنة والحر فرخ الحمامة وولد الظبية والحية وطين حر لا رمل فيه وغير ذلك فلا هموم في كل واحد منها بلا شك وعند إطلاقه يراد به الحر خلاف العبد فكيف يقول ويحتمل ما هو أعم من ذلك وهذا كلام لا طائل تحته
7222 - حدثني ( بشر بن مرحوم ) قال حدثنا ( يحيى بن سليم ) عن ( إسماعيل بن أمية ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال قال الله ثلاثة

(12/41)


أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ( الحديث 7222 - طرفه في 0722 )
مطابقته للترجمة في قوله ورجل باع حرا فأكل ثمنه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمةابن مرحوم ضد المعذب وهو بشر بن عبيس بن مرحوم بن عبد العزيز بن مهران مولى آل معاوية بن أبي سفيان القرشي العطار مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين وعبيس بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة الثاني يحيى بن سليم بضم السين المهملة القرشي الخراز الحذاء يكنى أبا زكريا ويقال أبو محمد مات سنة خمس وتسعين ومائة الثالث إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي مات سنة تسع وثلاثين ومائة الرابع سعيد المقبري وقد تكرر ذكره الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع وبصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه طائفي نزل مكة مختلف في توثيقه وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث وذكره في الإجارة من وجه آخر عنه وفيه أن يحيى وإسماعيل مكيان وسعيد مدني روى الحديث المذكور عن أبي هريرة وقال البيهقي رواه أبو جعفر النفيلي عن يحيى بن سليم فقال عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة والمحفوظ قول الجماعة وهذا الحديث من أفراد البخاري
ذكر معناه قوله ثلاثة أي ثلاثة أنفس وذكر الثلاثة ليس للتخصيص لأن الله تعالى خصم لجميع الظالمين ولكن لما أراد التشديد على هؤلاء الثلاثة صرح بها قوله خصمهم الخصم يقع على الواحد والإثنين والجماعة والمذكر والمؤنث بلفظ واحد وزعم الهروي أن الخصم بالفتح الجماعة من الخصوم والخصم بكسر الخاء الواحد وقال الخطابي الخصم هو المولع بالخصومة الماهر فيها وعن يعقوب يقال للخصم خصيم وفي ( الواعي ) خصيم للمخاصم والمخاصم وعن الفراء كلام العرب الفصحاء أن الإسم إذا كان مصدرا في الأصل لا يثنونه ولا يجمعونه ومنهم من يثنيه ويجمعه فالفصحاء يقولون هذا خصم في جميع الأحوال والآخرون يقولون هذان خصمان وهم خصوم وخصماء وكذا ما أشبهه قوله أعطي بي حذف فيه المفعول تقديره أعطى العهد باسمي واليمين به ثم نقض العهد ولم يف به وقال ابن الجوزي معناه حلف في قوله ثم غدر يعني نقض العهد الذي عهد عليه واجترأ على الله تعالى قوله باع حرا أي عالما متعمدا فإن كان جاهلا فلا يدخل في هذا القول قوله فأكل ثمنه خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود قوله فاستوفى منه أي استوفى العمل منه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن العذاب الشديد على الثلاثة المذكورين إما الأول فلأنه هتك حرمة اسم الله تعالى وأما الثاني فلأن المسلمين أكفاء في الحرية والذمة وللمسلم على المسلم أن ينصره ولا يظلمه وأن ينصحه ولا يغشه وليس في الظلم أعظم ممن يستعبده أو يعرضه على ذلك ومن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه حال الذلة والصغار فهو ذنب عظيم ينازع الله به في عباده وأما الثالث فهو داخل في بيع حر لأنه استخدمه بغير عوض وهذا عين الظلم وقال ابن المنذر وكل من لقيت من أهل العلم على أن من باع حرا لا قطع عليه ويعاقب ويروى عن ابن عباس يرد البيع ويعاقبان وروى حلاس عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال تقطع يده والصواب قول الجماعة لأنه ليس بسارق ولا يجوز قطع غير السارق وذكر ابن حزم عن عبد الله بن بريدة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بأنه عبد كما أقر وجعل ثمنه في سبيل الله تعالى وروى ابن أبي شيبة عن شريك عن الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه قال إذا أقر على نفسه بالعبودية فهو عبد وروى سعيد بن منصور فقال حدثنا هشيم أنبأنا مغيرة بن مقسم عن النخعي

(12/42)


فيمن ساق إلى امرأة رجلا فقال إبراهيم هو رهن بما جعل فيه حتى يفتك نفسه وعن زرارة بن أوفى قاضي البصرة التابعي أنه باع حرا في دين عليه قال ابن حزم وروينا هذا القول عن الشافعي وهي قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الآثار قال وهذا قضاء عمر وعلي بحضرة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يعترضهما معترض قال وقد جاء أثر بأن الحر يباع في دينه في صدر الإسلام إلى أن أنزل الله وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ( البقرة 082 ) وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله باع حرا أفلس ورواه الدارقطني من حديث حجاج عن ابن جريج فقال عن أبي سعيد أو سعد على الشك ورواه البزار من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن البيلماني عن سرق أنه اشترى من أعرابي بعيرين فباعهما فقال يا أعرابي إذهب فبعه حتى تستوفي حقك فاعتقه الأعرابي ورواه ابن سعد عن أبي الوليد الأزرقي عن مسلم وهو سند صحيح وضعفه عبد الحق بأن قال مسلم وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيفان وليس بجيد لأن مسلما وثقه غير واحد وصحح حديثه وعبد الرحمن لا مدخل له في هذا لا جرم وأخرجه الحاكم من حديث بندار حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ابن دينار حدثنا زيد بن أسلم ثم قال على شرط البخاري وفي ( التوضيح ) ويعارضه في ( مراسيل ) أبي داود عن الزهري كأن يكون على عهد النبي ديون على رجال ما علمنا حرا بيع في دين
701 -
( باب أمر النبي اليهود ببيع أرضيهم ودمنهم حين أجلاهم فيه المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه )
أي هذا باب في بيان أمر النبي اليهود في بيع أرضيهم كذا وقع في رواية أبي ذر بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة وفيه شذوذان أحدهما أنه جمع سلامة وليس من العقلاء والآخر أنه لم يبق مفرده سالما لتحريك الراء قوله حين أجلاهم أي من المدينة قوله فيه المقبري أي في أمره اليهود حديث سعيد المقبري بفتح الباء وضمها وجاء الكسر أيضا وأشار البخاري بهذا إلى ما أخرجه في الجهاد في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال بينا نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي فقال انطلقوا إلى الله ليهود وفيه فقال إني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بما له شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله قال ابن إسحاق فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم لا الحلقة فاحتملوا ذلك وخرجوا إلى خيبر وخلوا الأموال لرسول الله فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها سيدنا رسول الله على المهاجرين وهؤلاء اليهود الذين أجلاهم هم بنو النضير وذلك أنهم أرادوا الغدر برسول الله وأن يلقوا عليه حجرا فأوحى الله تعالى إليه بذلك فأمره بإجلائهم وأمرهم أن يسيروا حيث شاؤوا فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بني النضير أثبتوا وتمتعوا فإنا لم نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن خرجتم خرجنا معكم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب ( الأحزاب 62 الحشر 2 ) فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم فأجابهم بما ذكرناه
فإن قلت هذا يعارض حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة لأن فيه أن النبي أمرهم ببيع أرضيهم قلت أمره بذلك كان قبل أن يكونوا حربا ثم أطلعه الله على الغدر منهم وكان قبل ذلك أمرهم ببيع أرضيهم وإجلائهم فلم يفعلوا لأجل قول المنافقين لهم إثبتوا فعزموا على مقاتلته فصاروا حربا فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم فخرج إليهم رسول الله وأصحابه في السلاح وحاصرهم فلما يئسوا من عون المنافقين ألقى الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله الذي كان عرض عليهم قبل ذلك فلم يبح لهم بيع الأرض وقاضاهم أن يجليهم ويحملوا ما استقلت به الإبل على أن يكف عن دمائهم وأموالهم فجلوا عن ديارهم وكفى الله المؤمنين القتال ( الأحزاب 52 ) وكانت أرضهم وأموالهم مما لم يوجف عليها بقتال فصارت خالصة لرسول الله يضعها حيث يشاء وقال ابن إسحاق ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان أسلما على أموالهما فأحرزاها قال ونزلت في بني النضير سورة الحشر إلى قوله تعالى ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ( الحشر 3 ) الآية وقال الكرماني فإن قلت لم عبر عما رواه بهذه العبارة ولم يذكر

(12/43)


الحديث بعينه قلت لأن الحديث لم يثبت على شرطه انتهى ورد عليه بعضهم بأنه غفلة منه لأنه غفل عن الإشارة إلى هذا الحديثغاية ما في الباب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ففر من تكراره على صوورته بغير فائدة زائدة كما هو الغالب من عادته انتهى قلت التكرار حاصل على ما لا يخفى مع أن ذكر هذا لا دخل له في كتاب البيوع ولهذا سقط هذا في بعض النسخ
801 -
( باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة )
أي هذا باب في بيان حكم بيع العبد نسيئة وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة هذا تقدير الكلام وقوله والحيوان بالحيوان من عطف العام على الخاص قوله نسيئة بفتح النون وكسر السين المهملة وفتح الهمزة أي مؤجلا وانتصابه على التمييز وقال بعضهم وكأنه أراد بالعبد جنس ما يستعبد فيدخل الذكر والأنثى قلت لا نسلم أن يكون المراد بالعبد جنس ما يستعبد وليس هذا موضوعه في اللغة وإنما هو خلاف الأمة كما نص عليه أهل اللغة ولا حاجة لإدخال الأنثى فيه إلى هذا التكلف والتعسف وقد علم أنه إذا أورد حكم في الذكور يدخل فيه الإناث إلا بدليل يخص الذكور
واعلم أن هذه الترجمة مشتملة على حكمين
الأول في بيع العبد بالعبد نسيئة وبيع العبد بعبدين أو أكثر نسيئة فإنه يجوز عند الشافعي وأحمد وإسحاق وقال مالك إنما يجوز إذا اختلف الجنس وقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون لا يجوز ذلك وقال الترمذي باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين حدثنا قتيبة أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال جاء عبد يبايع النبي على الهجرة ولا يشعر النبي أنه عبد فجاء سيده يريده قال النبي بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله أعبد هو ثم قال والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا بأس عبد بعبدين يدا بيد واختلفوا فيه إذا كان نسأ وأخرجه مسلم وبقية أصحاب السنن
الحكم الثاني في بيع الحيوان بالحيوان فالعلماء اختلفوا فيه فقالت طائفة لا ربا في الحيوان وجائز بعضه ببعض نقدا ونسيئة اختلف أو لم يختلف هذا مذهب علي وابن عمر وابن المسيب وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وقال مالك لا بأس بالبعير النجيب بالبعيرين من حاشية الإبل نسيئة وإن كانت من نعم واحدة إذا اختلفت وبان اختلافها وإن اشتبه بعضها بعضا واتفقت أجناسها فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل ويؤخذ يدا بيد وهو قول سليمان بن يسار وربيعة ويحيى بن سعيد وقال الثوري والكوفيون وأحمد لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة اختلفت أجناسها أو لم تختلف واحتجوا في ذلك بما رواه الحسن عن سمرة أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وقال الترمذي باب ما جاء في كراهة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ثم روى حديث سمرة هذا وقال هذا حديث حسن صحيح وسماع الحسن من سمرة صحيح هكذا قال علي بن المديني وغيره والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد
وقال الترمذي وفي الباب عن ابن عباس وجابر وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قلت حديث ابن عمر أخرجه الترمذي في كتاب العلل حدثنا محمد بن عمرو المقدمي عن زياد بن جبير عن ابن عمر قال نهى رسول الله عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وحديث جابر أخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الأشج عن حفص بن غياث وأبي خالد عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قال لا بأس بالحيوان واحد باثنين يدا بيد وكرهه نسيئة وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي في العلل حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا محمد بن حميد هو الأحمري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
فإن قلت قال البيهقي بعد تخريجه حديث سمرة أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة قلت قول الحافظين الكبيرين الحجتين الترمذي وعلي بن المديني كاف في هذا مع أنهما مثبتان والبيهقي ينقل النفي فلا يفيد شيئا فإن قلت حديث ابن عمر قال فيه الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال إنما يروى عن زياد بن جبير عن النبي

(12/44)


مرسلا قلت رواه الطحاوي موصولا بإسناد جيد قال حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ وعبيد الله بن محمد بن حشيش وإبراهيم بن محمد الصيرفي قالوا حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن دينار عن موسى بن عبد عن زياد بن جبير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فإن قلت قال البيهقي هذا الحديث ضعيف بمحمد بن دينار الطاحي البصري بما روي عن ابن معين أنه ضعيف قلت البيهقي لتحامله على أصحابنا يثبت بما لا يثبت وقد روى أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين أنه قال ليس به بأس وكذا قاله النسائي وقال أبو زرعة صدوق وقال ابن عدي حسن الحديث
فإن قلت حديث جابر فيه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف قلت قال ابن حبان صدوق يكتب حديثه وقال الذهبي في ( الميزان ) أحد الأعلام على لين في حديثه روى له مسلم مقرونا بغيره وروى له الأربعة
فإن قلت حديث ابن عباس قال فيه البيهقي إنه عن عكرمة عن النبي مرسل قلت أخرجه الطحاوي من طريقين متصلين وأخرجه البزار أيضا متصلا ثم قال ليس في هذا الباب حديث أجل إسنادا منه وهذه الأحاديث مع اختلاف طرقها يؤيد بعضها بعضا ويرد قول الشافعي أنه لا يثبت الحديث في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ثم إن الشافعي ومن معه احتجوا لما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أبو داود حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق وعن يزيد ابن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة وراه الطحاوي أيضا وفي روايته في قلاص الصدقة والقلاص بكسر القاف جمع قلص بضم القاف واللام وهو جمع قلوص فيكون القلاص جمع الجمع وقال القلوص يجمع على قلص وقلائص وجمع القلص قلاص والقلوص من النوق الشابة وهي بمنزلة الجارية من النساء وأجابوا عنه بأن في إسناده اختلافا كثيرا وذكر عبد الغني في ( الكمال ) في باب الكنى أبو سفيان روى عن عمر بن حريش روى عنه مسلم بن جبير ولم يذكر شيئا غير ذلك وقال الذهبي في ترجمة عمرو بن حريش ما روي عنه سوى أبي سفيان ولا يدرى من أبو سفيان وقال الطحاوي بعد أن رواه ثم نسخ ذلك بآية الربا بيان ذلك أن آية الربا تحرم كل فضل خال عن العوض ففي بيع الحيوان بالحيوان نسيئة يوجد المعنى الذي حرم به الربا فنسخ كما نسخ بآية الربا استقراض الحيوان لأن النص الموجب للحظر يكون متأخرا عن الموجب للإباحة ومثل هذا النسخ يكون بدلالة التاريخ فيندفع بهذا قول النووي وأمثاله أن النسخ لا يكون إلا بمعرفة التاريخ وإن حديث أبي رافع الذي رواه مسلم وغيره أن النبي استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء احتج به الأوزاعي والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق فيما ذهبوا إليه من جواز استقراض الحيوان قالوا وهو حجة على منع ذلك وأجاب المانعون عن ذلك بأنه منسوخ بآية الربا بالوجه الذي ذكرناه الآن ومع هذا ليس فيه إلا الثناء على من أحسن القضاء فأطلق ذلك ولم يقيده بصفة ولم يكن ذلك بشرط الزيادة وقد أجمع المسلمون بالنقل عن النبي أن اشتراط الزيادة في السلف ربا حرام وكذلك أجابوا عن كل حديث يشبه حديث أبي رافع بأنه كان قبل آية الربا وعن هذا قال أبو حنيفة وأصحابه وفقهاء الكوفة والثوري والحسن بن صالح إن استقراض الحيوان لا يجوز ولا يجوز الاستقراض إلا مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة فلا يجوز قرض ما لا مثل له من المزروعات والعدديات المتفاوتة لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين ولا إلى إيجاب القيمة لاختلاف تقويم المقومين فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل فيختص جوازه بما له مثل وعن هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يجوز القرض في الخبز لا وزنا ولا عددا وقال محمد يجوز عددا

(12/45)


واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه بيع الحيوان بالحيوان وهذا التعليق رواه مالك في ( الموطأ ) عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ورواه الشافعي أيضا عن مالك وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي بشر عن نافع أن ابن عمر اشترى ناقة بأربعة أبعرة بالربذة فقال لصاحب الناقة إذهب فانظر فإن رضيت فقد وجب البيع وأجيب عن هذا بأن ابن أبي شيبة روى عن ابن عمر خلاف ذلك فقال حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن عون عن ابن سيرين قلت لابن عمر البعير بالبعيرين إلى أجل فكرهه
قوله راحلة هي ما أمكن ركوبها من الإبل سواء كانت ذكرا أو انثى وقال ابن الأثير الراحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والتاء فيه للمبالغة يستوي فيها الذكر والأنثى وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت والأبعرة جمع بعير ويجمع أيضا على بعران وهو أيضا يقع على الذكر والأنثى قوله مضمونة عليه أي تكون تلك الراحلة في ضمان البائع قوله يوفيها صاحبها أي يسلمها صاحب الراحلة إلى المشتري قوله بالربذة أي في الربذة بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة وفي آخره تاء قال بعضهم هو مكان معروف بين مكة والمدينة قلت هي قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه وقال ابن قرقول وهي على ثلاث مراحل من المدينة قريب من ذات عرق وقال القرطبي ذات عرق ثنية أو هضبة بينها وبين مكة يومان وبعض يوم وقال الكرماني ذات عرق أول بلاد تهامة
وقال ابن عباس قد يكون البعير خيرا من البعيرين
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا التعليق وصله الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال قد يكون البعير خيرا من البعيرين قلت فإن استدل به من يجوز بيع الحيوان بالحيوان فلا يتم الاستدلال به لأنه يحتمل أنه كرهه لأجل الفضل الذي ليس في مقابلته شيء
واشترى رافع بن خديج بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا لأنه اشترى بعيرا ببعيرين نسيئة وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في ( مصنفه ) فقال أخبرنا معمر عن بديل العقيلي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أن رافع بن خديج اشترى فذكره ورافع بكسر الفاء ابن خديج بفتخ الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وفي آخره جيم الأنصاري الحارثي
قوله رهوا بفتح الراء وسكون الهاء وهو في الأصل السير السهل والمراد به هنا أنا آتيك به سهلا بلا شدة ولا مماطلة وأن المأتي به يكون سهل السير رفيقا غير خشن فإن قلت بم انتصاب رهوا قلت على التفسير الأول يكون منصوبا على أنه صفة لمصدر محذوف أي أنا آتيك به إتيانا رهوا وعلى الثاني يكون حال عن قوله بالآخر بالتأويل فافهم
وقال ابن المسيب لا ربا في الحيوان البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى أجل
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن المسيب هو سعيد بن المسيب من كبار التابعين وقد تكرر ذكره قوله لا ربا في الحيوان وصله مالك عن ابن شهاب عنه لا ربا في الحيوان والباقي وصله ابن بي شيبة من طريق آخر عن الزهري عنه لا بأس بالبعير بالبعيرين نسيئة ورواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) أنبأنا معمر عن الزهري سئل سعيد فذكره
وقال ابن سيرين لا بأس بعير ببعيرين نسيئة ودرهم بدرهم
مطابقته للترجمة في قوله بعير ببعيرين وابن سيرين هو محمد بن سيرين من كبار التابعين وهذا التعليق رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أيوب عن ابن سيرين قال لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة وإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه قوله ودرهم بدرهم كذا هو في معظم الروايت ووقع في بعضها ودرهم بدرهمين نسيئة قال ابن بطال هذا خطأ والصواب ما ذكره عبد الرزاق

(12/46)


8222 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال كان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي
مطابقته للترجمة من حيث إن في بعض طرق هذا الحديث أن النبي اشترى صفية من دحية بسبعة أرؤس وذلك أنه لما جمع في خيبر السبي جاء دحية فقال أعطني جارية منه قال إذهب فخذ جارية فأخذ صفية فقيل يا رسول الله إنها سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك فأخذها منه كما ذكرنا وفي رواية للبخاري فقال لدحية خذ جارية من السبي غيرها وقال ابن بطال ينزل تبديلها بجارية غير معينة منزلة بيع جارية بجارية نسيئة والذي ذكره البخاري هنا مختصر من حديث خيبر أخرجه في النكاح عن قتيبة عن حماد بن زيد عن ثابت وشعيب بن الحبحاب كلاهما عن أنس به وعن مسدد عن حماد عن ثابت عن عبد العزيز بن صهيب كلاهما عن أنس به وأخرجه عن مسدد في النكاح أيضا عن قتيبة به وعن أبي الربيع الزهراني عن حماد عن ثابت وعبد العزيز بن صهيب كلاهما عن أنس به وأخرجه ابن ماجه فيه عن أحمد ابن عبدة عن حماد عن ثابت وعبد العزيز به ومن حديث شعيب بن الحبحاب أخرجه مسلم أيضا وأخرجه النسائي أيضا في النكاح عن عمرو بن منصور ومحمد بن رافع وفي الوليمة أيضا عن عمران بن موسى عن عبد الوارث به ومن حديث عبد العزيز أخرجه أبو داود في الخراج عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبد العزيز عن أنس مختصرا
وصفية بنت حيي ابن أخطب بن سفنة بن ثعلبة النضيرية أم المؤمنين من بنات هارون بن عمران أخي موسى بن عمران عليهما السلام وأمها برة بنت سموأل سباها رسول الله عام خيبر في شهر رمضان سنة سبع من الهجرة ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها وروى لها عشرة أحاديث اتفقا على حديث واحد ماتت في خلافة معاوية سنة خمسين قاله الواقدي ودحية بكسر الدال وفتحها ابن خليفة بن فروة الكلبي رسول رسول الله إلى قيصر وقد مر ذكره في أول الكتاب
901 -
( باب بيع الرقيق )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الرقيق
9222 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرنا ( ابن محيريز ) أن ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أخبره أنه بينما هو جالس عند النبي قال يا رسول الله إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال أو إنكم تفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا ذالكم فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يمنع عن بيع السبي لما قالوا إنا نصيب السبي فنحب الأثمان والأثمان لا تجيء إلا بالبيع والسبي فيه الرقيق وغيره
وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن حمزة الحمصي والزهري محمد بن مسلم وقد تكرر ذكرهم وابن محيريز بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الراء وفي آخره زاي وهو عبد الله بن محيريز الجمحي القرشي اليمامي يكنى أبا محيريز مات في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل عن جويرية عن مالك وفي القدر عن حبان بن موسى عن ابن المبارك عن يونس كلاهما عن الزهري عنه به وفي المغازي عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر وفي العتق عن عبد الله بن يوسف عن مالك كلاهما عن ربيعة بن عبد الرحمن وفي التوحيد عن إسحاق بن عفان وأخرجه مسلم في النكاح عن عبد الله بن محمد به وعن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر وعن محمد بن الفرج وفيه قصة لأبي صرمة وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي في العتق

(12/47)


عن علي بن حجر به وعن عمرو بن منصور وعن هارون بن سعيد الأيلي وعن عبد الملك بن شعيب وعن يحيى بن أيوب وفي عشرة النساء عن عباس بن عبد العظيم وعن كثير بن عبيد وفيه وفي النعوت عن هارون بن عبد الله
ذكر معناه قوله إنا نصيب سيبا أي نجامع الإماء المسبية ونحن نريد أن نبيعهن فنعزل الذكر عن الفرج وقت الإنزال حتى لا ينزل فيه دفعا لحصول الولد المانع من البيع إذ أمهات الأولاد حرام بيعها وكيف تحكم في العزل أهو جائز أم لا واختلف فيه أهل كانوا أهل كتاب أم لا على قولين وقال أبو محمد الأصيلي كانوا عبدة أوثان وإنما جاز وطؤهن قبل نزول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( البقرة 122 ) وقال الداودي كانوا أهل كتاب فلم يحتج فيهن إلى ذكر الإسلام وقال ابن التين والظاهر الأول لقوله في بعض طرقه فأصبنا سبيا من سبي العرب ثم نقل عن الشيخ أبي محمد أنه كان أسر في بني المصطلق أكثر من سبعمائة ومنهم جويرية بنت الحارث أعتقها رسول الله وتزوجها ولما دخل بها سألته في الأسرى فوهبهم لها رضي الله تعالى عنها قوله أو أنكم تفعلون ذلك على التعجب منه وذلك إشارة إلى العزل قوله لا عليكم أن لا تفعلوا أي ليس عدم الفعل واجبا عليكم وقال المبرد كلمة لا زائدة أي لا بأس عليكم في فعله وأما من لم يجوز العزل فقال لا نفي لما سألوه و عليكم أن لا تفعلوا كلام مستأنف مؤكذ له وقال النووي معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لأن كل نفس قدر الله تعالى خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا قوله نسمة بفتح النون والسين المهملة وهو كل ذات روح ويقال النسمة النفس والإنسان ويراد بها الذكر والأنثى والنسم الأرواح والنسيم الريح الطيبة قوله إلا هي خارجة ويروى إلا وهي خارجة بالواو أي جف القلم بما يكون
ذكر ما يستفاد منه فيه السؤال عن العزل من الإماء وأجاب بأن ما قدر من النسمة يكون وفي حديث النسائي سأل رجل رسول الله عن العزل فقال إن امرأتي مرضع وأنا أكره أن تحمل فقال ما قدر في الرحم سيكون وروى أبو داود من حديث جابر أن رجلا سأل النبي أن لي جارية أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال إعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها وروى الترمذي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه قلنا يا رسول الله إنا كنا نعزل فزعمت اليهود أنها الموؤودة الصغرى فقال كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه لم تمنعه ثم إن هذا السبي المذكور في الحديث كان من سبي هوازن وذلك يوم حنين سنة ثمان لأن موسى بن عقبة روى هذا الحديث عن ابن محيريز عن أبي سعيد فقال أصبنا سبيا من سبي هوازن وذلك يوم حنين سنة ثمان قال القرطبي وهم موسى بن عقبة في ذلك ورواه أبو إسحاق السبيعي عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال لما أصبنا سبي حنين سألنا رسول الله عن العزل فقال ليس من كل الماء يكون الولد وروى من حديث ابن محيريز قال دخلت أنا وأبو الصرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو الصرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله يذكر العزل فقال نعم غزونا مع رسول الله غزوة المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله فقال لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون قوله غزوة المصطلق أي بني المصطلق وهي غزوة المريسيع قال القاضي قال أهل الحديث هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه في غزوة أوطاس وكانت غزوة بني المصطلق في سنة ست أو خمس أو أربع وفيه في قوله فنحب الأثمان دلالة على عدم جواز بيع أمهات الأولاد وهو حجة على داود وغيره ممن يجوز بيعهن وفيه إباحة العزل عن الأمة قال الرافعي يجوز العزل في الأمة قطعا وحكى في البحر فيه وجهان وأما الزوجة فالأصح جوازه عند الشافعية ولكنه يكره ومنهم من جوزه عند إذنها ومنعه عند عدمه وهو مذهب الحنفية أيضا وذكر بعض العلماء أربعة أقوال الجواز وعدمه ومذهب مالك جوازه في التسري وفي الحرة موقوف على إذنها وإذن سيدها إن كانت للغير ورابعها يجوز برضى الموطوءة كيف ما كانت وحجة من أجاز حديث جابر كنا نعزل والقرآن ينزل فبلغ ذلك النبي ولم ينهنا وحجة من منع أنه لما سئل عنه قال ذلك الوأد الخفي

(12/48)


وفيه دلالة على أن الولد يكون مع العزل وفي ( التوضيح ) ولهذا صحح أصحابنا أنه لو قال وطئت وعزلت لحقه الولد على الأصح
011 -
( باب بيع المدبر )
أي هذا باب في بيان حكم بيع المدبر وهو المعلق عتقه بموت سيده كذا قالوا قلت التدبير لغة ) النظر فيما يؤول إليه عاقبته وشرعا التدبير تعليق العتق بمطلق موته كقوله إذا مت فأنت حر أو أنت حر يوم أموت أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو دبرتك أو قال أعتقتك بعد موتي أو أنت عتيق أو معتق أو محرر بعد موتي أو إن مت فأنت حر أو إن حدث لي حدث فأنت حر لأن الحدث يراد به الموت عادة وكذا إذا قال أنت حر مع موتي أو في موتي فهذه كلها ألفاظ التدبير المطلق فالحكم فيها أنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولكنه يستخدم ويؤجر والأمة توطأ وتنكح وتعتق بموت المولى من ثلثه وإن مات فقيرا يسعى في ثلي قيمته ويسعى في جميع قيمته إن مات المولى مديونا مستغرقا
وأما ألفاظ التدبير المقيد فهي كقوله إن مت من مرضي هذا أو من سفري هذا فأنت حر فحكمه أنه يجوز بيعه بالإجماع فإن وجد الشرط عتق وقال الشافعي وأحمد يجوز بيع المدبر بكل حال وقال القرطبي وغيره اتفقوا على مشروعية التدبير واتفقوا على أنه من الثلث غير الليث بن سعد وزفر فإنهما قالا من رأس المال واختلفوا هل هو عقد جائز أو لازم فمن قال لازم منع التصرف فيه إلا بالعتق ومن قال جائز أجاز وبالأول قال مالك والأوزاعي والكوفيون وبالثاني قال الشافعي وأهل الحديث
0322 - حدثنا ( ابن نمير ) قال حدثنا ( وكيع ) قال حدثنا ( إسماعيل ) عن ( سلمة بن كهيل ) عن ( عطاء ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال باع النبي المدبر
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن عبد الله بن نمير بضم النون وفتح الميم وهو مصغر نمر الحيوان المشهور الثاني وكيع بن الجراح الرواسي الثالث إسماعيل بن أبي خالد واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير الرابع سلمة بن كهيل مصغر كهل الحضرمي كان ركنا من الأركان مات سنة إحدى وعشرين ومائة الخامس عطاء بن أبي رباح السادس جابر بن عبد الله الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه إن شيخه ووكيعا وإسماعيل وسلمة كلهم كوفيون وأن عطاء مكي وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم إسماعيل وسلمة ووعطاء فإسماعيل وسلمة قريبان من صغار التابعين وعطاء من أوساطهم وفيه ثلاثة ذكروا مجردين بلا نسبة وفيه أن شيخه ذكر منسوبا إلى جده
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود في العتق عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي فيه عن أبي داود الحراني وفيه وفي البيوع عن محمود بن غيلان وفيه وفي القضاء عن عبد الأعلى بن واصل وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد ابن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن إسماعيل به
ذكر ما يستفاد منه احتج به الشافعي وأحمد لما ذهبا إليه من جواز بيع المدبر بكل حال وقد مر الكلام فيه مستوفى بما فيه الكفاية في باب بيع المزايدة قوله المدبر أي المدبر الذي كان للرجل المحتاج قد ذكرنا هناك أن الذي اشتراه نعيم واسم المدبر يعقوب واسم سيده أبو مذكور والثمن ثمانمائة درهم
1322 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول باعه رسول الله
هذا طريق آخر أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وفي رواية الحميدي حدثنا عمرو بن دينار هكذا أورده مختصرا ولم يذكر من يعود عليه الضمير وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن

(12/49)


سفيان فزاد في آخره يعني المدبر وأخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن أبي شيبة جميعا عن سفيان بلفظ دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فباعه رسول الله فاشتراه ابن النحام عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير وهكذا أخرجه أحمد عن سفيان بتمامه نحوه وقد أخرجه البخاري رضي الله تعالى عنه في كفارات الإيمان من طريق حماد بن زيد عن عمرو نحوه ولم يقل فيه في إمارات ابن الزبير ولا عين الثمن
3322 - حدثني ( زهير بن حرب ) قال حدثنا ( يعقوب ) قال حدثنا أبي عن ( صالح ) قال حدث ( ابن شهاب ) أن ( عبيد الله ) أخبره أن ( زيد بن خالد وأبا هريرة ) رضي الله تعالى عنهما أخبراه أنهما سمعا رسول الله يسئل عن الأمة تزني ولم تحصن قال اجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها بعد الثالثة أو الرابعة
قيل لا معنى لإدخال هذا في بيع المدبر ولهذا أسقط هذا الباب ابن التين وأدخله ابن بطال في الباب الذي قبله وهو باب بيع الرقيق وقال بعضهم وجه دخول هذا في هذا الباب عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت فيشمل ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبرة في الجملة انتهى قلت أخذ هذا القائل بعض كلامه هذا من الكرماني وزاد عليه من عنده فإن الكرماني قال فإن قلت ما وجه تعلقه بالمدبر قلت لفظ الأمة المطلقة شامل للمدبرة وغيرها انتهى قلت هذا الكلام كله ليس بموجه لأن الأمة المذكورة في الحديث إنما أمر ببيعها لأجل تكرر زناها والأمة المدبرة يجوز بيعها عندهم مطلقا سواء تكرر الزنا منها أو لم يتكرر أو لم تزن أصلا وقول هذا القائل فيؤخذ منه جواز بيع المدبرة في الجملة كلام واه لأن الأخذ الذي ذكره لا يكون إلا بدلالة من اللفظ من أقسام الدلالة الثلاثة ولا يصح أيضا على رأي أهل الأصول فإن الذي يدل لا يخلو إما أن يكون بعبارة النص أو بإشارته أو بدلالته فأي ذلك أراد هذا القائل فلا يدري ما قاله والصواب مع ابن بطال وابن التين
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول زهير مصغر زهر بن حرب ضد الصلح الثاني يعقوب بن إبراهيم الثالث أبوه ابراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري الرابع صالح بن كيسان الخامس محمد بن مسلم بن شهاب الزهري السادس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة السابع زيد بن خالد الجهني الثامن أبو هريرة
وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب بيع العبد الزاني فإنه أخرجه هناك من وجه آخر عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهما
قوله لم تحصن بفتح الصاد وكسرها
4322 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال أخبرني ( الليث ) عن ( سعيد ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن أبي هريرة وحده أخرجه عن عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبي القاسم القرشي العامري الأويسي المدني وهو من أفراده عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن أبيه أبي سعيد كيسان مولى بني ليث وهذا أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرحم جميعا عن عيسى بن حماد كلاهما عن الليث به
قوله فتبين أي ظهر زناها وثبت قوله ولا يثرب أي ولا

(12/50)


يوبخها بالزنا بعد الضرب والتثريب اللوم وقيل أراد لا يقع في عقوبتها التثريب بل يضربها الحد فإن زنا الإماء لم يكن عند العرب مكروها ولا منكرا فأمرهم بحد الإماء كما أمرهم بحد الحرائر ومادته ثاء مثلثة وراء وباء موحدة قوله ولو بحبل أي ولو كان بحبل من شعر
111 -
( باب هل يسافر بالجارية أن يستبرئها )
أي هذا باب يذكر فيه هل يسافر شخص بالجارية التي اشتراها قبل أن يستبرئها وإنما قيد بالسفر وإن كان في الحضر أيضا لا بد من الاستبراء لأن السفر مظنة المخالطة والملامسة غالبا واستبراء الجارية طلب براءة رحمها من الحمل وأصله من استبرأت الشيء إذا طلبت أمره لتعرفه وتقطع الشبهة وقيل الاستبراء عبارة عن التعرف والتبصر احتياطا والاستبراء الذي يذكر مع الاستنجاء في الطهارة هو أن يستفرغ بقية البول وينقي موضعه ومجراه وكلمة هل هنا للاستفهام على سبيل الاستخبار ولم يذكر جوابه لمكان الاختلاف فيه
ولم ير الحسن بأسا أن يقبلها أو يباشرها
الحسن هو البصري هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن ابن علية قال سئل يونس عن الرجل يشتري الأمة فيستبرئها يصيب منها القبلة والمباشرة فقال ابن سيرين يكره ذلك ويذكر عن الحسن أنه كان لا يرى بالقبلة بأسا قوله أو يباشرها يعني فيما دون الفرج ويروى ويباشرها بالواو ويؤيد هذا ما رواه عبد الرزاق بإسناده عن الحسن قال يصيب ما دون الفرج ولفظ المباشرة أعم من التقبيل وغيره ولكن الفرج مستثنى لأجل المعرفة ببراءة الرحم
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو عتقت فليستبرأ رحمها بحيضة ولا تستبرأ العذراء
ابن عمر هو عبد الله بن عمر قوله إذا وهبت إلى قوله بحيضة تعليق وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر والوليدة الجارية قوله التي توطأ على صيغة المجهول قوله أو بيعت بكسر الباء على صيغة المجهول أيضا قوله أو عتقت بفتح العين وقيل بضمها وليس بشيء قوله فليستبرأ على صيغة المجهول أو المعلوم أي ليستبرىء المتهب والمشتري والمتزوج بها الغير المعتق قوله ولا تستبرأ العذراء وهي البكر إذ لا شك في براءة رحمها من الولد وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب عن سعيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال إن اشترى أمة عذراء فلا يستبرئها وقال ابن التين هذا خلاف ما يقوله مالك قيل والشافعي أيضا وقيل يستبرىء استحبابا وعن ابن سيرين في الرجل يشتري الأمة العذراء قال لا يقربن رحمها حتى يستبرئها وعن الحسن يستبرئها وإن كانت بكرا وكذا قاله عكرمة وقال عطاء في رجل اشترى جارية من أبويها عذراء وقال يستبرئها بحيضتين ومذهب جماعة منهم ابن القاسم وسالم والليث وأبو يوسف لا استبراء إلا على البالغة وكان أبو يوسف لا يرى استبراء العذراء وإن كانت بالغة ذكره ابن الجوزي عنه وقال إياس بن معاوية في رجل اشترى جارية صغيرة لا يجامع مثلها قال لا بأس أن يطأها ولا يستبرئها وكره قتادة تقبيلها حتى يستبرئها وقال أيوب اللخمي وقعت في سهم ابن عمر جارية يوم جلولاء فما ملك نفسه حتى قبلها قال ابن بطال ثبت هذا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
وقال عطاء لا بأس أن يصيب من جاريته الحامل ما دون الفرج وقال الله تعالى إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
عطاء هو ابن أبي رباح المكي والمراد بقوله الحامل من غير سيدها لأنها إذا كانت حاملا من سيدها فلا يرتاب في حله ثم وجه الاستدلال بالآية هو أن الله تعالى مدح الحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنها دلت على جواز الاستمتاع بجميع وجوهه لكن خرج الوطء بدليل فبقي الباقي على أصله

(12/51)


3522 - حدثنا ( عبد الغفار بن داود ) قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قدم النبي خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها رسول الله لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال رسول الله آذن من حولك فكانت تلك وليمة رسول الله على صفية ثم خرجنا إلى المدينة قال فرأيت رسول الله يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما اصطفى صفية استبرأها بحيضة ثم بنى بها وهذا يفهم من قوله حتى بلغنا سد الروحاء حلت فإن المراد بقوله حلت أي طهرت من حيضها وقد روى البيهقي أنه استبرأ صفية بحيضة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول عبد الغفار بن داود بن مهران مات سنة أربع وعشرين ومائتين الثاني ( يعقوب بن عبد الرحمن ) بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري من القارة حليف بني زهرة وقد مر في باب الخطبة على المنبر الثالث ( عمرو بن أبي عمرو ) واسمه ميسرة يكنى أبا عثمان الرابع ( أنس بن مالك )
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وعبد الغفار حراني سكن مصر وأن يعقوب مدني سكن إسكندرية وأن عمرو بن أبي عمرو مدني مات في أول خلافة أبي جعفر المنصور سنة ثنتين وثلاثين ومائة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الغفار وفي الجهاد عن قتيبة وفي المغازي أيضا عن أحمد عن ابن وهب وفي الأطعمة وفي الدعوات عن قتيبة أيضا وأخرجه أبو داود في الخراج عن سعيد بن منصور
ذكر معناه قوله خيبر كانت غزوة خيبر سنة ست وقيل سبع قوله الحصن اسمه القموص وكان سبى صفية وابنة عم لها من هذا الحصن قوله صفية بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء آخر الحروف الصحيح أن هذا كان اسمها قبل السبي وقيل كان اسمها زينب فسميت صفية بعد السبي قوله بنت حيي بضم الحاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وتشديد الثانية قال الدارقطني المحدثون يقولونه بكسر الحاء وأهل اللغة بضمها قوله ابن أخطب بالخاء المعجمة قوله وقد قتل زوجها وهو كنانة بن أبي الحقيق وكان زوجها أو لأسلام بن مشكم وكان خمارا في الجاهلية ثم خلف عليها كنانة وكانت صفية رأت في المنام قمرا أقبل من يثرب ووقع في حجرها فقصت على زوجها فلطم وجهها وقال أنت تزعمين أن ملك يثرب يتزوجك وفي لفظ تحبين أن يكون هذا الملك الذي يأتي من المدينة زوجك وفي لفظ رأيت كأني وهذا الذي يزعم أن الله أرسله وملك يسترنا بجناحه وكان رأى بوجهها أثر خضرة قريبا من عينها فقال ما هذا قالت يا رسول الله رأيت في المنام فذكرت ما مضى إلى آخره و هذه الخضرة من لطمة على وجهي وفي ( الإكليل ) للحاكم وجويرية رأت في المنام كرؤية صفية قبل تزوجها برسول الله وذكر ابن سعد أن أم حبيبة قالت رأيت في النوم كأن آتيا يقول لي يا أم المؤمنين ففزعت وأولت أن النبي يتزوجني وعن ابن عباس رأت سودة في المنام كأن النبي أقبل يمشي حتى وطىء على عنقها فقال زوجها إن صدقت رؤياك لتتزوجي به ثم رأيت ليلة

(12/52)


أخرى أن قمرا أبيض انقض عليها من السماء وهي مضطجعة فأخبرت زوجها السكران فقال إن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرا حتى أموت وتتزوجيه من بعدي فاشتكى من يومه ذلك ولم يلبث إلا قليلا حتى مات قوله وكانت عروسا العروس نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث وعن الخليل رجل عروس وامرأة عروس ونساء عرائس وقال ابن الأثير يقال للرجل عروس كما يقال للمرأة وهو اسم لها عند دخول أحدهما بالآخر ويقال أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها قوله فاصطفاها أي أخذها صفيا والصفي سهم رسول الله من المغنم كان يأخذه من الأصل قبل القسمة جارية أو سلاحا وقيل إنما سميت صفية بذلك لأنها كانت صفية من غنيمة خيبر قوله سد الروحاء السد بفتح السين المهملة وتشديد الدال والروحاء بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة وبالمد موضع قريب من المدينة وفي ( المطالع ) الروحاء من عمل الفرع على نحو من أربعين ميلا من المدينة وفي مسلم على ستة وثلاثين وفي كتاب ابن أبي شيبة على ثلاثين وقال الكرماني وقيل الصواب الصهباء بدل سد الروحاء وفي ( المطالع ) الصهباء من خيبر على روحة قوله حلت قد فسرناه عن قريب في أول الباب قوله فبنى بها أي دخل بها قال ابن الأثير الابتناء والبناء الدخول بالزوجة والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج بامرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على أهله قال الجوهري لا يقال بنى بأهله قوله حيسا بفتح الحاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وهو أخلاط من التمر والأقط والسمن ويقال من الثمر والسويق ويقال من التمر والسمن وعن أبي الوليد وليمة رسول الله السمن والأقط والثمر وفي لفظ التمر والسويق قوله في نطع بكسر النون وفتح الطاء على الأفصح وقال ابن التين يقال قطع بسكون الطاء وفتحها جلود تدبغ ويجمع بعضها على بعض وتفرش قوله آذن من حولك أي أعلمه لإشهاد النكاح وهو أمر من آذن يؤذن إيذانا والخطاب لأنس رضي الله تعالى عنه قوله وليمة رسول الله الوليمة هي الطعام الذي يصنع عند العرس قوله يحوي بضم الياء آخر الحروف وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو المكسورة وهو رواية أبي ذر وقول أهل اللغة وفي رواية أبي الحسين يحوى بالتخفيف ثلاثي وهو أن يدير كساء فوق سنام البعير ثم يركبه والعباءة ممدود ضرب من الأكيسة وكذلك العباء قوله فيضع ركبته إلى آخره قال الواقدي كانت تعظم أن تجعل رجلها على ركبته فكانت تضع ركبتها على ركبته ولما أركبها على البعير وحجبها علم الناس أنها زوجته وكانوا قبل ذلك لا يدرون أنه تزوجها أم اتخذها أم ولد وقال الجاحظ في ( كتاب الموالي ) ولد صفية مائة نبي ومائة ملك ثم صيرها الله تعالى أمة لسيدنا رسول الله وكانت من سبط هارون عليه الصلاة و السلام وقال القاضي أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان النوقائي في ( كتاب المحنة ) إن النبي لما أراد البناء بصفية استأذنته عائشة أن تكون في المتنقبات فقال يا عائشة إنك لو رأيتها اقشعر جلدك من حسنها فلما رأتها حصل لها ذلك وقيل حديث اصطفائه بصفية يعارضه حديث أنس أنها صارت لدحية فأخذها منه وأعطاه سبعة أرؤس ويروى أنه أعطاه بنتي عمها عوضا منها ويروى أنه قال له خذ رأسا آخر مكانها وأجيب لا معارضة لأن أخذها من دحية قبل القسم وما عوضه فيها ليس على جهة البيع ولكن على جهة النفل أو الهبة غير أن بعض رواة الحديث في الصحيح يقولون فيه إنه ترى صفية من دحية وبعضهم يزيد فيه بعد القسم والله أعلم أي ذلك كان وفي ( حواشي السنن ) الإمام إذا نفل ما لم يعلم بمقداره له استرجاعه والتعويض عنه وليس له أن يأخذه بغير عوض وإعطاء دحية كان برضاه فيكون معاوضة جارية بجارية فإن قلت الواهب منهي عن شراء هبته قلت لم يهبه من مال نفسه وإنما أعطاه من مال الله عز و جل على جهة النظر كما يعطي الإمام النفل لأحد من أهل الجيش نظرا
ومما يستفاد من هذا الحديث أنه يدل على أن الاستبراء أمانة يؤتمن المبتاع عليها بأن لا يطأها حتى تحيض حيضة إن لم تكن حاملا لأن الحامل لا توطأ حتى تضع لئلا يسقي ماؤه زرع غيره وأجمع الفقهاء على أن حيضة واحدة براءة في الرحم إلا أن مالكا والليث قالا إن اشتراها في أول حيضها اعتد بها وإن كانت في آخرها لم يعتد بها وقال ابن المسيب

(12/53)


حيضتان وقال ابن سيرين ثلاث حيض واختلف إذا أمن فيها الحمل فقال مالك يستبرىء وقال مطرف وابن الماجشون لا
واختلفوا في قبلة الجارية ومباشرتها قبل الاستبراء فأجاز ذلك الحسن البصري وعكرمة وبه قال أبو ثور وكرهه ابن سيرين وهو قول مالك والليث وأبي حنيفة والشافعي ووجهه قطعا للذريعة وحفظا للأنساب وحجة المجيزين قوله لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائض حتى تطهر فيدل هذا على أن ما دون الوطء من المباشرة والقبلة في حيز المباح وسفره بصفية قبل أن يستبرئها حجة في ذلك لكونه لو لم يحل له من مباشرتها ما دون الجماع لم يسافر بها معه لأنه لا بد أن يرفعها أو يتركها وكان لا يمس بيده امرأة لا تحل له ومن هذا اختلافهم في مباشرة المظاهرة وقبلتها فذهب الزهري والنخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يقبلها ولا يتلذذ منها بشيء وقال الحسن البصري لا بأس أن ينال منها ما دون الجماع وهو قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ولذلك فسر عطاء وقتادة والزهري قوله تعالى من قبل أن يتماسا ( المجادلة 3 و4 ) أنه عنى بالمسيس الجماع في هذه الآية
211 -
( باب بيع الميتة والأصنام )
أي هذا باب في بيان تحريم بيع الميتة وتحريم بيع الأصنام وهو جمع صنم قال الجوهري هوالوثن وقال غيره الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورا وقال ابن الأثير الصنم ما اتخذ إلها من دون الله وقيل الصنم ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن وقال في باب الواو بعدها الثاء المثلثة الفرق بين الصنم والوثن أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب فيعبد والصنم الصورة بلا جثة ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين وقد يطلق الوثن على غير الصورة وقد يطلق الوثن على الصليب والميتة بفتح الميم هي التي تموت حتف أنفها من غير ذكاة شرعية والإجماع على تحريم الميتة واستثنى منها السمك والجراد
6322 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( عطاء بن أبي رباح ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال رسول الله عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن قتيبة وفي التفسير عن عمرو بن خالد عن الليث ببعضه وأخرجه مسلم أيضا في البيوع عن قتيبة به وعن محمد بن المثنى وعن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة به وعن محمد بن بشار عن أبي عاصم به وأخرجه الترمذي والنسائي جمعيا فيه عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن عيسى بن حماد عن الليث به
ذكر معناه قوله عن عطاء هذا رواية متصلة ولكن نبه البخاري في الرواية المعلقة التي عقيب هذه بأن يزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وإنما كتب به إليه على ما يأتي وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بالكتابة فذهب إلى صحتها أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وآخرون واحتج بها الشيخان وقال ابن الصلاح إنه الصحيح المشهور وقال أبو بكر بن السمعاني إنها أقوى من الإجازة وتكلم فيها بعضهم ولم يرها حجة لأن الخطوط تشتبه وبه جزم الماوردي في ( الحاوي ) قوله عن جابر وفي رواية أحمد عن حجاج بن محمد عن الليث بسنده سمعت جابر بن عبد الله بمكة قوله عام الفتح أي فتح مكة قوله وهو بمكة جملة حالية فيه بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة قيل يحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده يسمعه من لم يكن سمعه قوله إن الله ورسوله حرم هكذا هو في الأصول الصحيحة حرم بإفراد الفعل ولم يقل حرما وهكذا في ( الصحيحين ) و ( سنن ) النسائي

(12/54)


وابن ماجه وأما أبو داود فقال إن الله حرم ليس فيه ورسوله وقد وقع في بعض الكتب أن الله ورسوله حرما بالتثنية وهو القياس وهكذا رواه ابن مردويه في تفسيره من طريق الليث أيضا والمشهور في الرواية الأولى ووجهه أنه لما كان أمر الله هو أمر رسوله وكان النبي لا يأمر إلا بما أمر الله به كان كأن الأمر واحد وقال صاحب ( المفهم ) كان أصله حرما لكن تأدب النبي فلم يجمع بينه وبين اسم الله تعالى في ضمير الإثنين لأن هذا من نوع ما رده على الخطيب الذي قال ومن يعصهما فقد غوى فقال بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله قال وصار هذا مثل قوله تعالى إن الله برىء من المشركين ورسوله ( التوبة 3 ) فيمن قرأ بنصب رسوله غير أن الحديث فيه تقديم وتأخير لأنه كان حقه أن يقدم حرم على رسوله كما جاء في الآية وقال شيخنا قد ثبت في ( الصحيح ) تثنية الضمير في غير حديث ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله تعالى عنه فنادى منادي رسول الله إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر وفي رواية لمسلم فأمر رسول الله أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر وفي رواية النسائي إن الله عز و جل ورسوله ينهاكم بالإفراد وروى أبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان إذا تشهد قال الحمد نستعينه وفيه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه قوله فقيل يا رسول الله وفي رواية عبد الحميد الآتية فقال رجل قوله أرأيت أي أخبرني عن شحوم الميتة إلى قوله الناس أي أخبرني هل يحل بيعها لأن فيها منافع مقتضية لصحة البيع قوله فقال لاأي فقال النبي لا تبيعوها هو حرام أي بيعها حرام هكذا فسر بعض العلماء منهم الشافعي ومنهم من قال يحرم الانتفاع بها فلا يجوز الانتفاع من الميتة أصلا عندهم إلا ما خص بالدليل كالجلد إذا دبغ وسئل رسول الله في هذا الحديث عن ثلاثة أشياء الأول عن طلي السفن والثاني عن دهن الجلود والثالث عن الاستصباح كل ذلك بشحوم الميتة وكان سؤالهم عن بيع ذلك ظنا منهم أن ذلك جائز لما فيه من المنافع كما جاز بيع الحمر الأهلية لما فيه من المنافع وإن حرم أكلها فظنوا أن شحوم الميتة مثل ذلك يحل بيعها وشراؤها وإن حرم أكلها فأخبر النبي أن ذلك ليس كالذي ظنوا وأن بيعها حرام وثمنها حرام إذ كانت نجسة نظيره الدم والخمر مما يحرم بيعها وأكل ثمنها وأما الاستصباح ودهن السفن والجلود بها فهو بخلاف بيعها وأكل ثمنها إذا كان ما يدهن بها من ذلك يغسل بالماء غسل الشيء الذي أصابته النجاسة فيطهره الماء هذا قول عطاء بن أبي رباح وجماعة من العلماء
وممن أجاز الاستصباح مما يقع فيه الفأرة علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم والإجماع قائم على أنه لا يجوز بيع الميتة والأصنام لأنه لا يحل الانتفاع بها ووضع الثمن فيها إضاعة مال وقد نهى الشارع عن إضاعته قلت على هذا التعليل إذا كسرت الأصنام وأمكن الانتفاع برضاضها جاز بيعها عند بعض الشافعية وبعض الحنفية وكذلك الكلام في الصلبان على هذا التفصيل وقال ابن المنذر فإذا أجمعوا على تحريم بيع الميتة فبيع جيفة الكافر من أهل الحرب كذلك وقال شيخنا استدل بالحديث على أنه لا يجوز بيع ميتة الآدمي مطلقا سواء فيه المسلم والكافر أما المسلم فلشرفه وفضله حتى إنه لا يجوز الانتفاع بشيء من شعره وجلده وجميع أجزائه وأما الكافر فلأن نوفل بن عبد الله بن المغيرة لما اقتحم الخندق وقتل غلب المسلمون على جسده فأراد المشركون أن يشتروه منهم فقال لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه فخلى بينهم وبينه ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير قال ابن هشام أعطوا رسول الله بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري وروى الترمذي من حديث ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي أن يبيعهم
ومنهم من استدل بهذا الحديث على نجاسة ميتة الآدمي إذ هو محرم الأكل ولا ينتفع به قلت عموم الحديث مخصوص بقوله لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا رواه الحاكم في ( المستدرك ) من حديث ابن عباس وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه
قال القرطبي اختلف في جواز بيع كل محرم نجس فيه منفعة كالزبل والعذرة فمنع من ذلك الشافعي ومالك وأجازه الكوفيون والطبري وذهب آخرون إلى إجازة ذلك من المشتري دون البائع ورأوا أن المشتري أعذر من البائع لأنه مضطر

(12/55)


إلى ذلك روي ذلك عن بعض الشافعية واستدل بالحديث أيضا من ذهب إلى نجاسة سائر أجزاء الميتة من اللحم والشعر والظفر والجلد والسن وهو قول الشافعي وأحمد وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن ما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت كالشعر والظفر والقرن والحافر والعظم لأن النبي كان له مشط من عاج وهو عظم الفيل وهو غير مأكول فدل على طهارة عظمه وما أشبهه وأجيب بأن المراد بالعاج عظم السمك وهو الذيل قلت قال الجوهري العاج من عظم الفيل وكذا قاله في ( العباب ) وفي ( المحكم ) العاج أنياب الفيل ولا يسمى غير الناب عاجا وقال الخطابي العاج الذبل وهو خطأ وفي ( العباب ) الذيل ظهر السلحفاة البحرية تتخذ منها السوار والخاتم وغيرهما وقال جرير
( ترى العبس الحولي جونا بلوغها
لها مسكا من غير عاج ولا ذبل )
فهذا يدل على أن العاج غير الذبل وروى الدارقطني من حديث ابن عباس قال إنما حرم رسول الله من الميتة لحمها فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به وروى أيضا من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها زوج النبي تقول سمعت رسول الله يقول لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء فإن قلت الحديثان كلاهما ضعيفان لأن في إسناد الأول عبد الجبار بن مسلم قال الدارقطني هو ضعيف وفي إسناد الثاني يوسف بن أبي السفر قال الدارقطني هو متروك الحديث قلت ابن حبان ذكر عبد الجبار في الثقات وأما يوسف فإنه لا يؤثر فيه الضعف إلا بعد بيان جهته والجرح المبهم غير مقبول عند الحذاق من الأصوليين وهو كان كاتب الأوزاعي قوله ثم قال رسول الله عند ذلك أي عند قوله هو حرام قوله قاتل الله اليهود أي لعنهم قوله جملوه بالجيم أي أذابوه من جملة الشحم أجمله جملا وإجمالا إذا أذبته واستخرجت دهنه و جملت أفصح من أجملت وهذا يدل على أن المراد بقوله هو حرام أي البيع لا الانتفاع وقال الكرماني الضمير في باعوه راجع إلى الشحوم باعتبار المذكور أو إلى الشحم الذي في ضمن الشحوم قلت الأول له وجه والثاني لا وجه له على ما لا يخفى
قال أبو عاصم حدثنا عبد الحميد قال حدثنا يزيد قال كتب إلي عطاء قال سمعت جابرا رضي الله تعالى عنه عن النبي
أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني أحد شيوخ البخاري وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم بن سنان حليف الأنصار مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة حدث هو وابنه سعد وأبوه جعفر وجده أبو الحكم رافع وله صحبة وابن عمه عمر بن الحكم بن رافع بن سنان وهو من ولد القطيون من ولد محرق بن عمرو ومزيقيا وقيل القطيون من اليهود وليس من ولد محرق ورافع بن سنان له حديث في ( سنن أبي داود ) من رواية ابنه في تخيير الصبي بين أبويه ويزيد هو ابن أبي حبيب المذكور في الحديث السابق
وهذا التعليق وصله أحمد قال حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر أخبرني يزيد بن أبي حبيبالحديث
311 -
( باب ثمن الكلب )
أي هذا باب في بيان حكم ثمن الكلب
7322 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي بكر بن عبد الرحمان ) عن ( أبي مسعود الأنصاري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن
مطابقته للترجمة في قوله نهى عن ثمن الكلب
ورجاله قد ذكروا وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام راهب قريش مر في الصلاة وأبو مسعود هو عقبة بن عمر الأنصاري مر في آخر كتاب الإيمان وعقبة بضم العين المهملة وسكون القاف

(12/56)


ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الإجارة عن قتيبة عن مالك وفي الطلاق عن علي بن عبد الله وفي الطب عن عبد الله بن محمد كلاهما عن سفيان بن عيينة وأخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى بن يحيى عن مالك وقتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث وعن أبي بكر عن سفيان ثلاثتهم عن الزهري عنه به وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة عن سفيان به وأخرجه الترمذي فيه وفي النكاح عن قتيبة عن الليث به وعن سعيد بن عبد الرحمن وأخرجه النسائي فيه وفي الصيد عن قتيبة عن ليث به وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن هشام بن عمار ومحمد بن الصباح كلاهما عن سفيان به
ولما أخرجه الترمذي قال وفي الباب عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن جعفر وأخرج هو أيضا حديث رافع بن خديج من حديث السائب بن يزيد عنه أن رسول الله قال كسب الحجام خبيث ومهر النغي خبيث وثمن الكلب خبيث وأخرجه أيضا مسلم والأربعة
أما حديث عمر فأخرجه الطبراني في ( الكبير ) من حديث السائب بن يزيد عن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال ثمن القينة سحت وغناها حرام والنظر إليها حرام وثمنها مثل ثمن الكلب وثمن الكلب سحت ومن نبت لحمه على السحت فالنار أولى به وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) من حديث الحارث عنه قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب وأجر البغي وكسب الحجام والضب والضبع وأما حديث ابن مسعود
وأما حديث جابر فأخرجه مسلم من رواية أبي الزبير قال سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي عن ذلك وأخرجه أبو داود والترمذي من رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وابن ماجه من رواية أبي حازم عنه قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب وعسب الفحل وفي رواية النسائي وعسب التيس وأخرجه الحاكم ولفظه لا يحل مهر الزانية ولا ثمن الكلب وقال صحيح على شرط مسلم وأخرجه أبو داود من رواية علي بن رباح أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود من رواية قيس بن جبير عن عبد الله بن عباس قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا وأخرجه النسائي أيضا من رواية عطاء بن أبي رباح عنه وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن أبي حاتم في ( العلل ) فقال سألت أبي عن حديث رواه المعافى عن ابن عمران الحمصي عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا قال أبي هذا حديث منكر وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية يحيى بن العلاء عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب وكسب الحجام أورده في ترجمة يحيى بن العلاء وضعفه
قلت وفي الباب عن أبي جحيفة وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وميمونة بنت سعد وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري وقد مر وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) من رواية حصين عن مجاهد عن عبد الله ابن عمرو قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب ومهر البغي وأجر الكاهن وكسب الحجام وأما حديث أنس فأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) عنه ثمن الكلب كلها سحت وأما حديث السائب بن يزيد فأخرجه النسائي من رواية عبد الرحمن بن عبد الله قال سمعت السائب بن يزيد يقول قال رسول الله السحت ثلاثة مهر البغي وكسب الحجام وثمن الكلبوأما حديث ميمونة بنت سعد فأخرجه الطبراني من رواية عبد الحميد بن يزيد عن أمية بنت عمر بن عبد العزيز عن ميمونة بنت سعد أنها قالت يا رسول الله أفتنا عن الكلب فقال الكلب طعمة جاهلية وقد أغنى الله عنها قال شيخنا وليس المراد من هذا الحديث أكل الكلب

(12/57)


وإنما المراد أكل ثمنه كما رواه أحمد في ( مسنده ) من حديث جابر عن النبي أنه نهى عن ثمن الكلب وقال طعمة جاهلية
ذكر معناه قوله نهى عن ثمن الكلب وهو بإطلاقه يتناول جميع أنواع الكلاب ويأتي الكلام فيه عن قريب قوله ومهر البغي وفي حديث علي وأجر البغي وجاء وكسب الأمة هو مهر البغي لا الكسب الذي تكتسبه بالصنعة والعمل وإطلاق المهر فيه مجازوالمراد ما تأخذه على زناها والبغي بفتح الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء وقال ابن التين نقل عن أبي الحسن أنه قال بإسكان الغين وتخفيف الياء وهو الزنا وكذلك البغاء بكسر الباء ممدودا قال الله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ( النور 33 ) يقال بغت المرأة تبغي بغاء والبغي يجيء بمعنى الطلب يقال أبغني أي اطلب لي قال الله تعالى يبغونكم الفتنة ( التوبة 74 ) قال الخطابي وأكثر ما يأتي ذلك في الشر ومنه الفئة الباغية من البغي وهو الظلم وأصله الحسد والبغي الفساد أيضا والاستطالة والكبر والبغي في الحديث الفاجرة وأصله بغوي على وزن فعول بمعنى فاعلة اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصار بغي بضم الغين فأبدلت الضمة كسرة لأجل الياء وهو صفة لمؤنث فلذلك جاء بغير هاء كما يجيء إذا كانت بمعنى مفعول نحو ركوب وحلوب ولا يجوز أن يكون بغي هنا على وزن فعيل إذ لو كان كذلك للزمته الهاء كامرأة حليمة وكريمة ويجمع البغي على بغايا قوله وحلوان الكاهن الحلوان بضم الحاء الرشوة وهو ما يعطى الكاهن ويجعل له على كهانته تقول منه حلوت الرجل حلوانا إذا حبوته بشيء وقال الهروي قال بعضهم أصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو يقال حلوته إذا أطعمته الحلو كما يقال عسلته اذا اطعمته العسل وقال أبو عبيد والحلوان أيضا في غير هذا أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه وهو عيب عند النساء وقالت امرأة تمدح زوجها
لا تأخذ الحلوان من بناتها
وفي ( شرح الموطأ ) لابن زرقون وأصل الحلوان في اللغة العطية قال الشاعر
( فمن رجل أحلوه رحلي وناقتييبلغ عني الشعر إذ مات قائله )
وقال الجوهري حلوت فلانا على كذا مالا وأنا أحلوه حلوا وحلوانا إذا وهبت له شيئا على شيء يفعله لك غير الأجرة والحلوان أيضا أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه شيئا كما ذكرنا والكاهن الذي يخبر بالغيب المستقبل والعراف الذي يخبر بما أخفي وقد حصل في الوجود ويجمع الكاهن على كهنة وكهان يقال كهن يكهن كهانة مثل كتب يكتب كتابة إذا تكهن فإذا أردت أنه صار كاهنا قلت كهن بالضم كهانة بالفتح وقال ابن الأثير الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما
ذكر ما يستفاد منه وهو ثلاثة أحكام
الأول ثمن الكلب احتج به جماعة على أنه لا يجوز بيع الكلب مطلقا المعلم وغيره ومما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز وأنه لا ثمن له وإليه ذهب الحسن ومحمد بن سيريين وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحكم وحماد بن أبي سليمان وربيعة والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأهل الظاهر وهو إحدى الروايتين عن مالك وقال ابن قدامة لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل على كل حال وكره أبو هريرة ثمن الكلب ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر وبه قال عطاء والنخعي
واختلف أصحاب مالك فمنهم من قال لا يجوز ومنهم من قال الكلب المأذون في إمساكه يكره بيعه ويصح ولا تجوز إجارته نص عليه أحمد وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم يجوز وقال مالك في ( الموطأ ) أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهيه عن ثمن الكلب وفي ( شرح الموطأ ) لابن زرقون واختلف قول مالك في ثمن الكلب المباح اتخاذه فأجازه مرة ومنعه أخرى وبإجازته قال

(12/58)


ابن كنانة وأبو حنيفة وقال سحنون ويحج بثمنه وروى عنه ابن القاسم أنه كره بيعه وفي ( المزينة ) كان مالك يأمر ببيع الكلب الضاري في الميراث والدين والمغارم ويكره بيعه ابتداء قال يحيى بن إبراهيم قوله في الميراث يعني لليتيم وأما لأهل الميراث البالغين فلا يباع إلا في الدين والمغارم وقال أشهب في ( ديوانه ) عن مالك يفسخ بيع الكلب إلا أن يطول وحكى ابن عبدالحكم أنه يفسخ وإن طال وقال ابن حزم في ( المحلى ) ولا يحل بيع كلب أصلا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشتري حرام على البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة في دفع الظلم وفداء الأسير ومصانعة الظالم ولا فرق
ثم إن الشافعية قالوا من قتل كلب صيد أو زرع وماشية لا يلزمه قيمته قال الشافعي ما لا ثمن له لا قيمة له إذا قتل وبه قال أحمد ومن نحى إلى مذهبهما وعن مالك روايتان واحتجوا بما روي في هذا الباب بالأحاديث التي فيها منع بيع الكلب وحرمة ثمنه وخالفهم في ذلك جماعة وهم عطاء ابن أبي رباح وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وابن كنانة وسحنون من المالكية ومالك في رواية فقالوا الكلاب التي ينتفع بها يجوز بيعها ويباح أثمانها وعن أبي حنيفة أن الكلب العقور لا يجوز بيعه ولا يباح ثمنه وفي ( البدائع ) وأما بيع ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والهر ونحوها فجائز عند أصحابنا ثم عندنا لا فرق بين المعلم وغير المعلم في رواية الأصل فيجوز بيعه كيف ما كان وروى عن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور كما روى عن أبي حنيفة فيه ثم على أصلهم يجب قيمته على قاتله واحتجوا بما روي عن عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه أنه أغرم رجلا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا وبما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما وقضى في كلب ماشية بكبش
وقال المخالفون لهم أثر عثمان منقطع وضعيف قال البيهقي ثم الثابت عن عثمان بخلافه فإنه خطب فأمر بقتل الكلاب قال الشافعي فكيف يأمر بقتل ما يغرم من قتله قيمته وأثر عبد الله بن عمرو له طريقان أحدهما منقطع والآخر فيه من ليس بمعروف ولا يتابع عليهما كما قاله البخاري وقد روى عبد الله بن عمرو النهي عن ثمن الكلب فلو ثبت عنه القضاء بقيمته لكانت العبرة بروايته لا بقضائه على الصحيح عند الأصوليين انتهى قلت الجواب عن هذا كله أما قول البيهقي ثم الثابت عن عثمان بخلافه فإنه حكى عن الشافعي أنه قال أخبرني الثقة عن يونس عن الحسن سمعت عثمان يخطب وهو يأمر بقتل الكلاب فلا يكتفى بقوله أخبرني الثقة فقد يكون مجروحا عند غيره لا سيما والشافعي كثيرا ما يعني بذلك ابن أبي يحيى أو الزنجي وهما ضعيفان وكيف يأمر عثمان بقتل الكلاب وآخر الأمرين من النبي النهي عن قتلها إلا الأسود منها فإن صح أمره بقتلها فإنما كان ذلك في وقت لمفسدة طرأت في زمانه قال صاحب ( التمهيد ) ظهر بالمدينة اللعب بالحمام والمهارشة بين الكلاب فأمر عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما بقتل الكلاب وذبح الحمام قال الحسن سمعت عثمان غير مرة يقول في خطبته اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام فظهر من هذا أنه لا يلزم من الأمر بقتلها في وقت لمصلحة أن لا يضمن قاتلها في وقت آخر كما أمر بذبح الحمام وأما قول البيهقي أثر عثمان منقطع وقد روي من وجه آخر منقطع عن يحيى الأنصاري عن عثمان فنقول مذهب الشافعي أن المرسل إذا روي مرسلا من وجه آخر صار حجة وتأيد أيضا بما رواه البيهقي بعد عن عبد الله بن عمرو وإن كان منقطعا أيضا وأما قوله والآخر فيه من ليس بمعروف فلا يتابع عليه كما قاله البخاري فهو إسماعيل بن خشاش الراوي عن عبد الله بن عمر وقد ذكر ابن حبان في ( الثقات ) وكيف يقول البخاري لم يتابع عليه وقد أخرجه البيهقي فيما بعد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو وذكر ابن عدي في ( الكامل ) كلام البخاري ثم قال لم أجد لما قاله البخاري فيه أثرا فأذكره وأما قوله فالعبرة لروايته لا بقضائه غير مسلم لأن هذا الذي قاله يؤدي إلى مخالفة الصحابي لرسول الله فيما روى عنه ولا نظن ذلك في حق الصحابي بل العبرة لقضائه لأنه لم يقض بخلاف ما رواه إلا بعد أن ثبت عنده انتساخ ما رواه
وهكذا أجاب الطحاوي عن الأحاديث التي فيها النهي عن ثمن الكلب وأنه سحت فقال إن هذا إنما كان حين كان حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساك شيء منها ولا الانتفاع بها ولا شك أن

(12/59)


ما حرم الانتفاع به كان ثمنه حراما فلما أباح رسول الله الانتفاع بها للاصطياد ونحوه ما نهى عن قتلها نسخ ما كان من النهي عن بيعها وتناول ثمنها فإن قلت ما وجه هذا النسخ قلت وجهه ظاهر وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة فلما ورد النهي عن اتخاذ الكلاب وورد الأمر بقتلها علمنا أن اتخاذها حرام وأن بيعها حرام أيضا لأن ما كان انتفاعه حراما قيمته حرام كالخنزير ونحوه ثم لما وردت الإباحة بالانتفاع بها للاصطياد ونحوه وورد النهي عن قتلها علمنا أن ما كان قبل ذلك من الحكمين المذكورين قدانتسخ بما ورد بعده ولا شك أن الإباحة بعد التحريم نسخ لذلك التحريم ورفع لحكمه وسيأتي زيادة بيان في المزارعة وغيرها
فإن قلت ما حكم السنور قلت روى الطحاوي والترمذي من حديث أبي سفيان عن جابر قال نهى النبي عن ثمن الكلب والسنور ثم قال هذا حديث في إسناده اضطراب ثم روى الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله عن أكل الهر وثمنه ثم قال هذا حديث غريب وروى مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي عن ذلك ورواه النسائي ولفظه نهى عن الكلب والسنور إلا كلب صيد وقال النسائي بعد تخريجه هذا حديث منكر
واختلف العلماء في جواز بيع الهر فذهب قوم إلى جواز بيعه وحل ثمنه وبه قال الجمهور وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين والحكم وحماد ومالك وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وقال ابن المنذر وروينا عن ابن عباس أنه رخص في بيعه قال وكرهت طائفة بيعه روينا ذلك عن أبي هريرة وطاووس ومجاهد وبه قال جابر بن زيد وأجاب القائلون بجواز بيعه عن الحديث بأجوبه أحدها أن الحديث ضعيف وهو مردود والثاني حمل الحديث على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه حكاه البيهقي في ( السنن ) عن بعض أهل العلم والثالث ما حكاه البييهقي عن بعضهم أنه كان ذلك في ابتداء الإسلام حين كان محكوما بنجاسته ثم لما حكم بطهارة سؤره حل ثمنه والرابع أن النهي محمول على التنزيه لا على التحريم ولفظ مسلم زجر يشعر بتخفيف النهي فليس على التحريم بل على التنزيه وعكس ابن حزم هذا فقال الزجر أشد النهي وفي كل منهما نظر لا يخفى والخامس ما حكاه ابن حزم عن بعضهم أنه يعارضه ما روى أبو هريرة وابن عباس عن النبي أنه أباح ثمن الهر ثم رده بكلام طويل والسادس ما حكاه أيضا ابن حزم عن بعضهم أنه لما صح الإجماع على وجوب الهر والكلب المباح اتخاذه في الميراث والوصية والملك جاز بيعيهما ثم رده أيضا وقال النووي والجواب المعتمد أنه محمول على ما لا نفع فيه أو على أنه نهي تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته
والحكم الثاني مهر البغي وهو ما يعطى على النكاح المحرم فإذا كان محرما ولم يستبح بعقد صارت المعاوضة عليه لا تحل لأنه ثمن عن محرم وقد حرم الله الزنا وهذا مجمع على تحريمه لا خلاف فيه بن المسلمين
والحكم الثالث حلوان الكاهن وهو حرام لأنه نهى عن إتيان الكهان مع أن ما يأتون به باطل وحله كذب قال تعالى تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ( الشعراء 222 ) وأخذ العوض على مثل هذا ولو لم يكن منهيا عنه من أكل المال بالباطل ولأن الكاهن يقول ما لا ينتفع به ويعان بما يعطاه على ما لا يحل
8322 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عون بن أبي جحيفة ) قال رأيت أبي اشترى حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك فقال إن رسول الله نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصور
مطابقته للترجمة في قوله ثمن الكلب والحديث قد مضى في باب موكل الربا فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة وهنا عن حجاج بن منهال السلمي مولاهم الأنماطي البصري عن شعبة إلى آخره نحوه غير أن فيه عن ثمن الكلب وثمن الدم وفيه أيضا اشترى عبدا حجاما وقد مر الكلام فيه مستوفى
بسم الله الرحيم

(12/60)


53 -
( كتاب السلم )
أي هذا كتاب في بيان أحكام السلم والسلم بفتحتين بيع على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا وسمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديم رأس المال والسلم والسلف كلاهما بمعنى واحد ووزن واحد وقيل السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وقيل السلف بتقديم رأس المال والسلم تسليمه في المجلس فالسلف أعم وقييل السلم والسلف والتسليف عبارة عن معنى واحد غير أن الاسم الخاص بهذا الباب السلم لأن السلف يقال على القرض والسلم في الشرع بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكى عن ابن المسيب وفي ( التلويح ) وكرهت طائفة السلم روى عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه كان يكره السلم
1 -
( باب السلم في كيل معلوم )
أي هذا باب في بيان حكم السلم في كيل معلوم فيما يكال كذا وقع هذا في رواية المستملي ووقعت البسملة عنده مقدمة ووقعت في رواية الكشميهني بين الكتاب والباب ولم يقع في رواية النسفي لفظ كتاب السلم وإنما وقع عنده لفظ الباب ووقعت البسملة بعده
9322 - حدثنا ( عمرو بن زرارة ) قال أخبرنا ( إسماعيل بن علية ) قال أخبرنا ( أبي ابن نجيح ) عن ( عبد الله بن كثير ) عن ( أبي المنهال ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قدم رسول الله المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين أو قال عامين أو ثلاثة شك إسماعيل فقال من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول عمرو بفتح العين ابن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف وفي آخره هاء ابن واقد أبو محمد مر في سترة الصلاة الثاني إسماعيل بن علية بضم العين وفتح اللام المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وهو إسماعيل بن إبراهيم بن سهم الأسدي وعليه اسم أمه مولاة لبني أسد الثالث عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة واسمه يسار ضد اليمين الرابع عبد الله بن كثير ضد قليل المقريء أحد القراء السبعة وبه جزم القابسي وعبد الغني والمزي وقال الكلاباذي وابن طاهر الدمياطي هو عبد الله بن كثير بن المطلب ابن أبي وداعة السهمي كلاهما ثقة الخامس أبو المنهال بكسر الميم وسكون النون عبد الرحمن بن مطعم الكوفي ولا يشتبه عليك بأبي المنهال سيار البصري السادس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه نيسابوري وهو شيخ مسلم أيضا وأن إسماعيل بصري وابن أبي نجيح وعبد الله بن كثير سواء كان هو المقرىء أو ابن المطلب مكيون وعبد الله بن كثير بن المطلب ليس له في البخاري إلا هذا الحديث وذكر له مسلم حديثا آخر في الجنائز رواه عنه ابن جريج وكذلك ليس لعبد الله بن كثير المقرىء غير هذا الحديث وليس لأحد من القراء السبعة رواية إلا لهذا ولابن أبي النجود في المبايعة ووقع في ( المدونة ) عبد الله بن أبي كثير وهو غلط وصوابه حذف أبي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في السلم عن محمد وعن صدقة بن الفضل وعلي بن عبد الله وقتيبة فرقهم ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة وعن أبي نعيم وقال عبد الله بن الوليد كلاهما عن سفيان الثوري وأخرجه مسلم أيضا في البيوع عن يحيى بن يحيى وعمرو بن محمد الناقد كلاهما عن سفيان بن عيينة به وعن أبي بكر بن أبي

(12/61)


شيبة وإسماعيل بن سالم كلاهما عن إسماعيل بن علية به وعن أبي كريب وابن أبي عمر كلاهما عن وكيع وعن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن الثوري به وعن شيبان بن فروخ وأخرجه أبو داود فيه عن النفلي وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن هشام ابن عمار أربعتهم عن سفيان بن عيينة
ذكر معناه قوله والناس يسلفون الواو فيه للحال و يسلفون بضم الياء من أسلف قوله العام بالنصب على الظرفية قوله شك إسماعيل وهو إسماعيل بن علية ولم يشك سفيان فقال وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث ويأتي في الباب الذي يليه وقال بعضهم وقوله السنتين منصوب إما على نزع الخافض أو على المصدر قلت هذا غلط لا يخفى ومن مس شيئا ما من العربية لا يقول هذا ولكن لو بين وجهه لكان له وجه وهو أن يقال التقدير في وجه نزع الخافض إلى السنة والتقدير في وجه النصب على المصدر أن يقال إسلاف السنة فالإسلاف مصدر منصوب فلما حذف قام المضاف إليه مقامه فافهم قوله من سلف في تمر بتشديد اللام في رواية ابن علية وفي رواية ابن عيينة من أسلف في شيء وهذه أشمل قوله في تمر بالتاء المثناة من فوق ويروى بالثاء المثلثة قوله ووزن الواو بمعنى أو أي أو في وزن معلوم والمراد اعتبار الكيل فيما يكال واعتبار الوزن فيما يوزن
ذكر ما يستفاد منه فيه اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيلات واشتراط الوزن فيما يوزن من الموزونات لاختلاف المكاييل والموزونات إلا أن يكون في بلد ليس فيه إلا كيل واحد ووزن واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق ولا خلاف في اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل كصاع الحجاز وقفيز العراق وإردب مصر بل مكاييل هذه البلاد في أنفسها مختلفة فلا بد من التعين وعن هذا قال ابن حزم لا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط ولا يجوز في مذروع ولا في معدود ولا شيء غير ما ذكر في النص وكأنه قصر السلم على ما ذكر في الحديث وليس كذلك بل السلم يجوز فيما لا يكال ولا يوزون ولكن لا بد فيه من صفة الشيء المسلم فيه ويدخل في قوله كيل معلوم ووزن معلوم إذ العلم بهما يستلزمه
والأصل فيه عندنا أن كل شيء يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه كمكيل وموزن ومذروع ومعدود متقارب كالجوز والبيض وعند زفر لا يجوز في المعدود عند تفاوت آحاده وقال الشافعي لا يصح إلا وزنا وفي ( الروضة ) ويجوز السلم في الجوز واللوز وزنا إذا لم تختلف قشوره غالبا ويجوز كيلا على الأصح وكذا الفستق والبندق وأما البطيخ والقثاء والبقول والسفرجل والرمان والباذنجان والنارنج والبيض فالمعتبر فيها الوزن انتهى وبه قال أحمد وفي ( حاوي ) الحنابلة ولا يسلم في معدود مختلف من حيوان وغيره وعنه يصح وزنا في غير الحيوان كالفلوس إن جاز السلم فيها وعنه عددا وقيل في المتقارب كجوز وبيض عددا وفي المتفاوت كفاكهة وبقل وزنا انتهى
ومذهب مالك ما ذكره في ( الجواهر ) ويكفي العدد في المعدودات ولا يفتقر إلى الوزن إلا أن يتفاوت آحاده تفاوتا يقتضي اختلاف أثمانها فلا يكفي فيها حينئذ مجرد العدد والمعدود كالبيض والباذنجان والرمان وكذا الجوز واللوز إن جرت عادة بيعه بالعدد وكذا اللبن وكذا البطيخ إذا كان متفاوتا غير بين التفاوت وكذلك جميع ما يشبه ما ذكرنا انتهى وأما الفلوس فيجوز السلم فيها عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يجوز وبه قال مالك وأحمد في رواية وعن أحمد يجوز وزنا وعنه عددا وعن الشافعي قولان في سلم الفلوس وأما السلم في الدراهم والدنانير فإن أسلم فيهما قيل يكون باطلا وقيل ينعقد بيعا بثمن مؤجل معناه إذا أسلم في الدراهم ثوبا مثلا والأول أصح وعند الشافعي القول الثاني هو الأصح وقال النووي اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز إسلام الدراهم في الدنانير ولا عكسه سلما مؤجلا وفي الحال وجهان الأصح المنصوص في ( الأم ) أنه لا يصح والثاني يصح بشرط قبضها في المجلس
حدثنا محمد قال أخبرنا إسماعيل عن ابن نجيح بهاذا في كيل معلوم ووزن معلوم
اختلف في محمد هذا من هو قال أبو علي الجياني لم ينسب محمدا هذا أحد من الرواة قال والذي عندي في هذا أنه

(12/62)


محمد بن سلام وبه جزم الكلاباذي وأن ابن سلام روى عن إسماعيل بن علية قوله بهذا أي بهذا الحديث المذكور
2 -
( باب السلم في وزن معلوم )
أي هذا باب في بيان حكم السلم حال كونه في وزن معلوم وكأنه قصد بهذه الترجمة التنبيه على أن ما يوزن لا يسلم فيه كيلا وبالعكس وهو أحد الوجهين عند الشافعية والأصح الجواز
0422 - حدثنا ( صدقة ) قال أخبرنا ( ابن عيينة ) قال أخبرنا ( ابن أبي نجيح ) عن ( عبد الله بن كثير ) عن ( أبي المنهال ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قدم النبي المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم
مطابقته للترجمة في قوله ووزن معلوم وهذا طريق آخر في الحديث المذكور فيه روايته عن صدقة بن الفضل المروزي وهو من أفراده يروي عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عبد الرحمن عن ابن عباس وقد مر الكلام فيه فيما مضى وفيه زيادة وهي قوله إلى أجل معلوم وهذا يدل على أن السلم الحال لا يجوز وعند الشافعيي يجوز كالمؤجل فإن صرح بحلول أو تأجيل فذاك وإن أطلق فوجهان وقيل قولان أصحهما عند الجمهور يصح ويكون حالا والثاني لا ينعقد ولو صرحا الأجل في نفس العقد ثم أسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا
وقوله إلى أجل من جملة شروط صحة السلم وهو حجة على الشافعي ومن معه في عدم اشتراط الأجل وهو مخالفة للنص الصريح والعجب من الكرماني حيث يقول ليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل لصحة السلم الحال لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجواز الحال أولى لأنه أبعد من الغرر بل معناه أن كان أجل فليكن معلوما كما أن الكيل ليس بشرط ولا الوزن بل يجوز في الثياب بالذرع وإنما ذكر الكيل أو الوزن بمعنى أنه إن أسلم في مكيل أو موزون فليكونا معلومين انتهى قلت هذا كلام مخالف لقوله إلى أجل معلوم لأن معناه فليسلم فيما جاز السلم فيه إلى أجل معلوم وهذا قيد والقيد شرط وكلامه هذا يؤدي إلى إلغاء ما قيده الشارع من الأجل المعلوم فكيف يقول مع الغرر ولا غرر ههنا أصلا لأن الأجل إذا كان معلوما فمن أين يأتي الغرر والمذكور الأجل المعلوم والمعلوم صفة الأجل فكيف يشترط قيد الصفة ولا يشترط قيد الموصوف وقوله كما أن الكيل ليس بشرط ولا الوزن قلنا معناه أن المسلم فيه لا يشترط أن يكون من المكيلات خاصة ولا من الموزونات خاصة كما ذهب إليه ابن حزم بظاهر الحديث يعني لا ينحصر السلم فيهما بل معناه أن المسلم فيه إذا كان من المكيلات لا بد من إعلام قدر رأس المسلم فيه وذلك لا يكون إلا بالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات وكون الكيل معلوما شرط وليس معناه أن السلم فيما لا يكال غير صحيح حتى يقال بل يجوز في الثياب بالذرع وفي الثياب أيضا لا يجوز إلا إذا كان ذرعها معلوما وصفتها معلومة وضبطها ممكنا وقال الخطابي المقصود منه أن يخرج المسلم فيه من حد الجهالة حتى إن أسلف فيما أصله الكيل بالوزن جاز قلت قد ذكرنا أنه لا يجوز في أحد الوجهين عند الشافعية ولا ينبغي أن يورد الكلام على الإطلاق ثم إنهم اختلفوا في حد الأجل فقال ابن حزم الأجل ساعة فما فوقها وعند بعض أصحابنا لا يكون أقل من نصف يوم وعند بعضهم لا يكون أقل من ثلاثة أيام وقالت المالكية يكره أقل من يومين وقال الليث خمسة عشر يوما
حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثني ابن أبي نجيح وقال فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن علي بن عبد الله بن المدين عن سفيان بن عيينة إلى آخره وفيه نبه أيضا على اشتراط الأجل وهو أيضا حجة على من لم يشترطه

(12/63)


1422 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( عبد الله بن كثير ) عن ( أبي المنهال ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول قدم النبي وقال في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان بن عيينة إلى آخره وهذا كما رأيت أخرج هذا الحديث من أربع طرق الأول عن عمرو بن زرارة أخرجه في الباب الذي قبله والثلاثة في هذا الباب عن صدقة وعلي وقتيبة وذكر الأجل في هذه الثلاثة المفرقة عن سفيان بن عيينة
4 - ( حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن ابن أبي المجالد ح وحدثنا يحيى قال حدثنا وكيع عن شعبة عن محمد بن أبي المجالد )
أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ويحيى هو ابن معين أبو زكريا السختياني البلخي يقال له خت أحد مشايخ البخاري من أفراده ومحمد بن أبي المجالد الكوفي من أفراد البخاري سمع عبد الله بن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبزى روى عنه أبو إسحاق الشيباني وشعبة إلا أنه قال مرة محمد بن أبي المجالد ومرة محمد أو عبد الله مترددا في اسمه ولهذا بهم البخاري أولا حيث قال ابن أبي المجالد وبقية هذا السند في السند الذي يأتي وهو قوله حدثنا حفص إلى آخره والمجالد من الأعلام التي تستعمل بلام التعريف وقد يترك
( حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة قال أخبرني محمد أو عبد الله بن أبي المجالد قال اختلف عبد الله بن شداد بن الهاد وأبو بردة في السلف فبعثوني إلى ابن أوفى رضي الله عنه فسألته فقال إنا كنا نسلف على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر وسألت ابن أبزى فقال مثل ذلك )
قيل ليس لإيراد هذا الحديث في هذا الباب وجه لأن الباب في السلم في وزن معلوم وليس في الحديث شيء يدل على ما يوزن وأجيب بأنه جاء في بعض طرق هذا الحديث على ما يأتي في الباب الذي يليه بلفظ فيسلفهم في الحنطة والشعير والزيت وهو من جنس ما يوزن فكأن وجه إيراده في هذا الباب الإشارة إليه
( ذكر رجاله ) وهم سبعة الأول حفص بن عمر بن الحارث أبو عمر الحوضي النمري الأزدي الثاني شعبة بن الحجاج الثالث هو ابن أبي المجالد الذي أبهمه أبو الوليد عن شعبة وهنا تردد فيه شعبة بين محمد بن أبي المجالد وبين عبد الله ابن أبي المجالد وذكر البخاري فيه ثلاث روايات الأولى عن أبي الوليد عن شعبة عن ابن أبي المجالد والثانية عن حفص ابن عمر عن شعبة بالتردد بين محمد وعبد الله والثالثة ذكرها في الباب الذي يليه عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن الشيباني عن محمد بن أبي المجالد وجزم أبو داود بأن اسمه عبد الله وكذا قال ابن حبان ووصفه بأنه كان صهر مجاهد وبأنه كوفي ثقة وكان مولى عبد الله بن أبي أوفى الرابع عبد الله بن شداد بن الهاد وقد مر في الحيض الخامس أبو بردة بضم الباء الموحدة ابن أبي موسى الأشعري الفقيه قاضي الكوفة واسمه عامر السادس عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة أبو إبراهيم وقيل أبو محمد وقيل غير ذلك أخو زيد بن أبي أوفى لهما ولأبيهما صحبة السابع عبد الرحمن بن أبزى بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي مقصورة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه السؤال في موضعين وفيه أن شيخه بصري وأنه من أفراده وشعبة واسطي وعبد الله بن شداد مدني يأتي إلى الكوفة وأبو بردة كوفي وكذلك ابن أبي مجالد كما ذكرناه وفيه اثنان من الصحابة أحدهما ابن أبي أوفى

(12/64)


والآخر ابن أبزى وقال بعضهم عبد الله بن شداد من صغار الصحابة قلت لم أر أحدا ذكره من الصحابة وذكره الحافظ الذهبي في كتاب تجريد الصحابة وقال عبد الله بن شداد بن أسامة بن الهاد الكناني الليثي العتواري من قدماء التابعين وقال الخطيب هو من كبار التابعين وقال ابن سعد كان عثمانيا ثقة في الحديث وفيه أن ابن أبي المجالد ليس له في البخاري سوى هذا الحديث
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري عن أبي الوليد وعن يحيى عن وكيع وعن حفص بن عمر وعن موسى بن إسماعيل وعن اسحق بن خالد وعن قتيبة عن جرير وعن محمد بن مقاتل وأخرجه أبو داود أيضا في البيوع عن حفص بن عمر ومحمد بن كثير وعن محمد بن بشار وأخرجه النسائي عن عبد الله بن سعيد وعن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجة في التجارات عن محمد بن بشار به
( ذكر معناه ) قوله في السلف أي في السلم يعني هل يجوز السلم إلى من ليس عنده المسلم فيه في تلك الحالة أم لا قوله فبعثوني هو مقول ابن أبي المجالد وإنما جمع إما باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو باعتبارهما ومن معهما قوله فقال أي ابن أبي أوفى قوله على عهد رسول الله أي في زمنه وأيام حياته قوله وأبي بكر أي وعلى عهد أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الخليفتين من بعده قوله في الحنطة ذكر أربعة أشياء كلها من المكيلات ويقاس عليها سائر ما يدخل تحت الكيل قوله فقال مثل ذلك أي فقال عبد الرحمن بن أبزى مثل ما قال عبد الله بن أبي أوفى وفيه مشروعية السلم والسؤال عن أهل العلم في حادثة تحدث وفيه جواز المباحثة في المسألة طلبا للصواب وإلى الله المرجع والمآب -
3 -
( باب السلم إلى من ليس عنده أصل )
أي هذا باب في بيان حكم السلم إلى من ليس عنده مما أسلف فيه أصل وقيل المراد بالأصل أصل الشيء الذي يسلم فيه فأصل الحب الزرع وأصل الثمار الأشحار وقال بعضهم الغرض من الترجمة أن كون أصل المسلم فيه لا يشترط قلت كأنه أشار إلى سلم المنقطع فإنه لا يجوز عندنا وهذا على أربعة أوجه الأول أن يكون المسلم فيه موجودا عند العقد منقطعا عند الأجل فإنه لا يجوز والثاني أن يكون موجودا وقت العقد إلى الأجل فيجوز بلا خلاف والثالث أن يكون منقطعا عند العقد موجودا عند الأجل والرابع أن يكون موجودا وقت العقد والأجل منقطعا فيما بين ذلك فهذان الوجهان لا يجوزان عندنا خلافا لمالك والشافعي وأحمد قالوا لأنه مقدور التسليم فيهما قلنا غير مقدور التسليم لأنه يتوهم موت المسلم إليه فيحل الأجل وهو منقطع فيتضرر رب السلم فلا يجوز وفي ( التوضيح ) وأصل السلم أن يكون إلى من عنده أصل مما يسلم فيه إلا أنه لما وردت السنة في السلم بالصفة المعلومة والكيل والوزن والأجل المعلوم كان عاما فيمن عنده أصل ومن ليس عنده قلت إذا لم يكن الأصل موجودا عند حلول الأجل أو فيما بين العقد والأجل يكون غررا والشارع نهى عن الغرر
5422 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الشيباني ) قال حدثنا ( محمد بن أبي المجالد ) قال بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما فقالا سله هل كان أصحاب النبي في عهد النبي يسلفون في الحنطة قال عبد الله كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم قلت إلى من كان أصله عنده قال ما كنا نسألهم عن ذالك ثم بعثاني إلى عبد الرحمان ابن أبزى فسألته فقال كان أصحاب النبي يسلفون على عهد النبي ولم نسألهم ألهم حرث أم لا ( انظر الحديث 2422 وطرفه ) ( انظر الحديث 3422 وطرفه )

(12/65)


مطابقته للترجمة في قوله قلت إلى من كان أصله عنده وفي قوله ألهم حرث أم لا والحديث قد مضى في الباب السابق ومضى الكلام فيه بوجوهه غير أن في هذا نص البخاري على أن اسم أبي المجالد محمد وذكر هنا الزيت موضع الزبيب هناك وفيه زيادة وهي السؤال عن كون الأصل عند المسلم إليه والجواب بعدم ذلك وعبد الواحد هو ابن زياد والشيباني بفتح الشين المعجمة هو أبو إسحاق سليمان وقد مر في الحيض
قوله يسلفون من الإسلاف ويروى بتشديد اللام من التسليف قوله نبيط أهل الشام بفتح النون وكسر الباء الموحدة أي أهل الزراعة من أهل الشام وقيل هم قوم ينزلون البطائح وتسموا به لاهتدائهم إلى استخراج المياة من الينابيع ونحوها وفي رواية سفيان أنباطا من أنباط أهل الشام وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم قوم ينزلون البطائح بين العراقين والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام ويقال لهم النبط بفتحتين ويجمع على أنباط وكذلك النبيط يجمع على أنباط يقال رجل نبطي ونباطي ونباط وحكى يعقوب نباطي بضم النون ويقال أنباط الشام هم نصارى الشام الذين عمروها قال الجوهري نبط الماء ينبط وينبط نبوطا نبع فهو نبيط وهو الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت وأنبط الحفار بلغ الماء والاستنباط الاستخراج قوله إلى من كان أصله أي أصل المسلم فيه وهو الثمر أي الحرث قوله ألهم حرث أي زرع فافهم
وفيه مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم وفيه جواز السلم في السمن والشيرج ونحوهما قياسا على الزيت
حدثنا إسحاق قال حدثنا خالد بن عبد الله عن الشيباني عن محمد بن أبي مجالد بهذا وقال فنسلفهم في الحنطة والشعير
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن إسحاق بن شاهين الواسطي عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي عن سليمان الشيباني إلى آخره
وقال عبد الله بن الوليد عن سفيان قال حدثنا الشيباني وقال والزيت
هذا طريق آخر معلق عن عبد الله بن الوليد أبو محمد العدني نزيل مكة روى عنه أحمد بن حنبل وكان يصحح حديثه وسماعه عن سفيان قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم يكت حديثه ولا يحتج به واستشهد به البخاري في باب رمي الجمار من بطن الوادي وقال البخاري كان يقول أنا مكي يقال لي عدني وسفيان هو الثوري قوله وقال والزيت يعني بعد أن قال في الحنطة والشعير قال والزيت وهذا التعليق وصله سفيان في ( جامعه ) من طريق علي بن الحسن الهلالي عن عبد الله بن الوليد رحمه الله
حدثنا قتيبة قال حدثنا جرير عن الشيباني وقال في الحنطة والشعير والزبيب
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الشيبانيي قوله وقال في الحنطة أي قال في رواته فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب ولم يذكر فيه الزيت بل ذكر الزبيب
5422 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الشيباني ) قال حدثنا ( محمد بن أبي المجالد ) قال بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما فقالا سله هل كان أصحاب النبي في عهد النبي يسلفون في الحنطة قال عبد الله كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم قلت إلى من كان أصله عنده قال ما كنا نسألهم عن ذالك ثم بعثاني إلى عبد الرحمان ابن أبزى فسألته فقال كان أصحاب النبي يسلفون على عهد النبي ولم نسألهم ألهم حرث أم لا ( انظر الحديث 2422 وطرفه ) ( انظر الحديث 3422 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله قلت إلى من كان أصله عنده وفي قوله ألهم حرث أم لا والحديث قد مضى في الباب السابق ومضى الكلام فيه بوجوهه غير أن في هذا نص البخاري على أن اسم أبي المجالد محمد وذكر هنا الزيت موضع الزبيب هناك وفيه زيادة وهي السؤال عن كون الأصل عند المسلم إليه والجواب بعدم ذلك وعبد الواحد هو ابن زياد والشيباني بفتح الشين المعجمة هو أبو إسحاق سليمان وقد مر في الحيض
قوله يسلفون من الإسلاف ويروى بتشديد اللام من التسليف قوله نبيط أهل الشام بفتح النون وكسر الباء الموحدة أي أهل الزراعة من أهل الشام وقيل هم قوم ينزلون البطائح وتسموا به لاهتدائهم إلى استخراج المياة من الينابيع ونحوها وفي رواية سفيان أنباطا من أنباط أهل الشام وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم قوم ينزلون البطائح بين العراقين والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام ويقال لهم النبط بفتحتين ويجمع على أنباط وكذلك النبيط يجمع على أنباط يقال رجل نبطي ونباطي ونباط وحكى يعقوب نباطي بضم النون ويقال أنباط الشام هم نصارى الشام الذين عمروها قال الجوهري نبط الماء ينبط وينبط نبوطا نبع فهو نبيط وهو الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت وأنبط الحفار بلغ الماء والاستنباط الاستخراج قوله إلى من كان أصله أي أصل المسلم فيه وهو الثمر أي الحرث قوله ألهم حرث أي زرع فافهم
وفيه مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم وفيه جواز السلم في السمن والشيرج ونحوهما قياسا على الزيت
حدثنا إسحاق قال حدثنا خالد بن عبد الله عن الشيباني عن محمد بن أبي مجالد بهذا وقال فنسلفهم في الحنطة والشعير
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن إسحاق بن شاهين الواسطي عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي عن سليمان الشيباني إلى آخره
وقال عبد الله بن الوليد عن سفيان قال حدثنا الشيباني وقال والزيت
هذا طريق آخر معلق عن عبد الله بن الوليد أبو محمد العدني نزيل مكة روى عنه أحمد بن حنبل وكان يصحح حديثه وسماعه عن سفيان قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم يكت حديثه ولا يحتج به واستشهد به البخاري في باب رمي الجمار من بطن الوادي وقال البخاري كان يقول أنا مكي يقال لي عدني وسفيان هو الثوري قوله وقال والزيت يعني بعد أن قال في الحنطة والشعير قال والزيت وهذا التعليق وصله سفيان في ( جامعه ) من طريق علي بن الحسن الهلالي عن عبد الله بن الوليد رحمه الله
حدثنا قتيبة قال حدثنا جرير عن الشيباني وقال في الحنطة والشعير والزبيب
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الشيبانيي قوله وقال في الحنطة أي قال في رواته فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب ولم يذكر فيه الزيت بل ذكر الزبيب
6422 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرنا ( عمرو ) قال سمعت ( أبا البختري الطائي ) قال سألت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن السلم في النخل قالت نهى النبي عن بيع النخل حتى يؤكل منه وحتى يوزن فقال الرجل وأي شيء يوزن قال رجل إلى جانبه حتى يحرز
قال ابن بطال حديث ابن عباس هذا ليس من هذا الباب وإنما هو من الباب الذي بعده المترجم بباب السلم في النخل وهو غلط من الناسخ وأجيب بأن ابن عباس لما سئل عن السلم إلى من له نخل عد ذلك من قبيل بيع الثمار قبل بدو صلاحها فإذا كان السلم في النخل لا يجوز لم يبق لوجودها في ملك المسلم إليه فائدة متعلقة بالسلم فيصير جواز السلم إلى من

(12/66)


ليس له عنده أصل وإلا يلزمه سد باب السلم
وآدم هو ابن أبي إياس وعمرو بفتح العين هو ابن مرة بضم الميم وفي رواية مسلم عمرو بن مرة وهو عمرو بن مرة بن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي وأبو البختري بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق وبالراء وتشديد الياء واسمه سعيد بن فيروز الكوفي الطائي قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن الوليد وعن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر
قوله في النخل أي في ثمر النخل وقال الكرماني ما ملخصه أن المراد من السلم معناه اللغوي وهو السلف حتى لا يقال كيف يصح معنى السلم فيه ولم يقع العقد على موصوف في الذمة وأما النهي عنه فلأنه من جهة أنه من تلك الثمرة خاصة وليس مسترسلا في الذمة مطلقا قوله حتى يؤكل منه مقتضاه أن يصح بعد الأكل الذي هو كناية عن ظهور الصلاح ومع هذا لم يصح لأن ذكر هذه الغاية بيان للواقع لأنهم كانوا يسلفونه قبل صيرورته مما يؤكل والقيود التي خرجت مخرج الأغلب لا مفهوم لها قوله فقال الرجل قال الكرماني إنما عرف مع أن السياق يقتضي تنكيره لأنه معهود إذا أراد به أبو البختري نفسه أي السائل من ابن عباس قوله قال رجل لم يدر هذا من هو قوله وأي شيء يوزن إذ لا يمكن وزن الثمرة التي على النخل قوله إلى جانبه أي إلى جانب ابن عباس قوله حتى يحرز بتقديم الراء على الزاي حتى يحفظ ويصان وفي رواية الكشميهني حتى يحرز بتقديم الزاي على الراء أي يخرص وفي رواية النسفي حتى يحرر من التحرير ولكنه رواه بالشك واعلم أن الخرص والأكل والوزن كلها كنايات عن ظهور صلاحها وفائدة ذلك معرفة كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف فيه المالك واحتج بهذا الكوفيون والثوري والأوزاعي بأن السلم لا يجوز إلا أن يكون السلم فيه موجودا في أيدي الناس في وقت العقد إلى حين حلول الأجل فإن انقطع في شيء من ذلك لم يجز وهو مذهب ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور يجوز السلم فيما هو معدوم في أيدي الناس إذا كان مأمون الوجود عند حلول الأجل في الغالب فإن كان ينقطع حينئذ لم يجز وقد مر الكلام فيه في أول الباب مفصلا
وقال معاذ حدثنا شعبة عن عمرو وقال أبو البختري سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نهى النبي مثله
معاذ هو ابن معاذ التميمي قاضي البصرة وهذا التعليق وصله الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به وفي الحديث السابق قال شعبة أخبرنا عمرو قال سمعت أبا البختري قال سألت ابن عباس وههنا يقول شعبة عن عمرو قال أبو البختري سمعت ابن عباس قوله مثله أي مثل هذا الحديث المذكور
4 -
( باب السلم في النخل )
أي هذا باب في بيان حكم السلم في ثمر النخل
8422 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) عن ( أبي البختري ) قال سألت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن السلم في النخل حتى يصلح وعن بيع الورق نساء بناجز وسألت ابن عباس عن السلم في النخل فقال نهى النبي عن بيع النخل حتى يؤكل منه أو يأكل منه وحتى يوزن ( انظر الحديث 6422 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي قوله فقال نهى أي فقال ابن عمر نهي بضم النون على بناء المجهول والروايات كلها متفقة على ضم النون قوله عن بيع النخل أي عن بيع ثمر النخل قوله حتى يصلح أي حتى يظهر فيه الصلاح قوله وعن بيع الورق أي ونهى أيضا عن بيع الورق بفتح الواو وكسر الراء وبكسر الواو وسكون

(12/67)


الراء وفتح الواو وسكون الراء وهو الدراهم المضروبة أي نهى عن بيع الفضة بالذهب نسأ أي بالتأخير وهو بفتح النون وبالمد والقصر ومنه نسأت الدين أي أخرته نساء وأنسأته إنسا والنساء الإسم فإن قلت انتصاب نساء بماذا قلت يجوز أن يكون على الحال ويكون نسأ بمعنى منسأ على صيغة اسم المفعولقوله بناجز بالزاي في آخره أي بحاضر يقال نجز ينجز نجزا إذا حضر وحصل قوله فقال أي ابن عباس نهى النبي عن بيع ثمر النخل حتى يؤكل منه أي حتى يؤكل من النخل ثمره أو يأكله صاحبه منه قوله وحتى يوزن أي حتى يخرص وقد مر عن قريب
واستدل بعضهم بالحديث المذكور على جواز السلم في النخل المعين من البستان المعين ولكن بعد بدو صلاحه وهو مذهب المالكية أيضا وهذا الاستدلال ضعيف وقال ابن المنذر اتفاق الأكثر على منع السلم في بستان معين لأنه غرر قلت وهو مذهب أصحابنا الحنفية أيضا والدليل عليه ما رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عبد الله بن سلام في قصة إسلام زيد بن سعنة بفتح السين وسكون العين المهملتين وفتح النون أنه قال لرسول الله هل لك أن تبيعني تمرا معلوما إلى أجل معلوم من حائط بني فلان قال لا أبيعك من حائط مسمى بل أبيعك أوسقا مسماة إلى أجل مسمى
0522 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) عن ( أبي البختري ) قال سألت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن السلم في النخل فقال نهى النبي عن بيع الثمر حتى يصلح ونهى عن الورق بالذهب نساء بناجز وسألت ابن عباس فقال نهى النبي عن بيع النخل حتى يأكل أو يؤكل وحتى يوزن قلت وما يوزن قال رجل عنده حتى يحرز ( انظر الحديث 6841 وطرفه ) ( انظر الحديث 6422 وطرفه )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن بشار عن غندر وهو محمد بن جعفر عن شعبة إلى آخره قوله فقال نهى النبي وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت نهى عمر رضي الله تعالى عنه ونهي عمر إما عن السماع عن رسول الله وإما عن اجتهاده
5 -
( باب الكفيل في السلم )
أي هذا باب في بيان حكم الكفيل في السلم
1522 - حدثنا ( محمد ) قال حدثنا ( يعلى ) قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت اشترى رسول الله طعاما من يهودي بنسيئة ورهنه درعا له من حديد
قيل ليس في هذا الحديث ما ترجم به وأجاب الكرماني بأنه إما أن يراد بالكفالة الضمان ولا شك أن المرهون ضامن للدين من حيث إنه يباع فيه وأما يقاس على الرهن بجامع كونهما وثيقة ولهذا كل ما صح الرهن فيه صح ضمانه وبالعكس قلت إثبات المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة بهذا الكلام إنما هو بالجر الثقيل ومع هذا الجواب الثاني فيه بعض قرب والأقرب منه أن يقال إن عادته جرت أن يشير إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث وقد روى في الرهن عن مسدد عن عبد الواحد عن الأعمش قال تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف فذكر إبراهيم هذا الحديث وفيه التصريح بالرهن والكفيل لأن القبيل هو الكفيلوبهذا يجاب أيضا عما قاله الكرماني ليس فيه عقد السلم لأن السلف هو السلم
والحديث مضى في كتاب البيوع في باب شراء النبي بالنسيئة فإنه أخرجه هناك عن معلى بن أسد عن عبد الواحد عن سليمان الأعمش وهنا أخرجه عن محمد بن سلام عن يعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام وبالقصر ابن عبيد بالتصغير أبي يوسف الطنافسي الحنفي الكوفي مات سنة تسع ومائتين عن سليمان الأعمش عن الأسود بن يزيد النخعي وقد مر البحث فيه هناك مستوفى

(12/68)


6 -
( باب الرهن في السلم )
أي هذا باب في بيان حكم الرهن في السلم
7 -
( باب السلم إلى أجل معلوم )
أي هذا باب في بيان حكم السلم الواقع إلى أجل معلوم أي إلى مدة معينة وفيه الرد على من أجاز السلم الحال وهو قول الشافعية ومن تبعهم
وبه قال ابن عباس وأبو سعيد والأسود والحسن
أي باختصاص السلم بالأجل قال ابن عباس وأبو سعيد الخدري والأسود بن يزيد النخعي والحسن البصري وتعليق ابن عباس وصله الشافعي عن سفيان عن قتادة عن أبي حسان بن مسلم الأعرج عن ابن عباس قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أجله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ( البقرة 282 ) وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وصححه وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال لا تسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا وتعليق أبي سعيد وصله عبد الرازق من طريق نبيح العنزي الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن أسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم قلت نبيح بضم النون وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة والعنزي بفتح العين المهملة والنون وبالزاي وتعليق الأسود وصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن أبي إسحاق عنه قال سألته عن السلم في الطعام قال لا بأس به كيل معلوم إلى أجل معلوم ولم أقف على تعليق الحسن
وقال ابن عمر لا بأس في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل معلوم ما لم يك ذالك في زرع لم يبد صلاحه
هذا التعليق وصله مالك في ( الموطأ ) عن نافع عنه قال لا بأس أن يسلف الرجل في الطعام الموصوف فذكر مثله وزاد وثمرة لم يبد صلاحها وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع نحوه قوله ما لم يك أصله ما لم يكن حذفت النون تخفيفا ويروى على الأصل وهذا كما رأيت أساطين الصحابة عبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر

(12/69)


بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم شرطوا الأجل في السلم وكذلك من أساطين التابعين الأسود والنخعي والحسن البصري وهذا كله حجة على من يرى جواز السلم الحال من الشافعية وغيرهم واختار ابن خزيمة من الشافعية تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة رواه النسائي أن النبي بعث إلى يهودي إبعث لي ثوبين إلى الميسرة وابن المنذر طعن في صحته ولئن سلمنا صحته فلا دلالة فيه على ما ذكره لأنه ليس فيه إلا مجرد الاستدعاء فلا يمتنع أنه إذا وقع العقد قيد بشروطه ولذلك لم يصف الثوبين
3522 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( عبد الله بن كثير ) عن ( أبي المنهال ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قدم النبي المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال أسلفوا في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم ( انظر الحديث 9322 وطرافيه )
مطابقته للترجمة في قوله إلى أجل معلوم وقد مضى هذا الحديث في باب السلم في كيل معلوم فإنه أخرجه هناك عن عمرو ابن زرارة عن إسماعيل بن علية عن عبد الله بن أبي نجيح إلى آخره وأخرجه هنا عن أبي نعيم بضم النون الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح إلى آخره والتكرار لأجل الترجمة واختلاف الشيوخ وقد مضى الكلام فيه مستوفى
وقال عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان قال حدثنا ابن أبي نجيح وقال في كيل معلوم ووزن معلوم
هذا التعليق موصول في ( جامع ) سفيان من طريق عبد الله بن الوليد العدني وهذا فيه فائدتان الأولى فيه بيان التحديث والذي قبله مذكور بالعنعنة والأخرى فيه الإشارة إلى أن من جملة الشرط في السلم الوزن المعلوم في الموزونات
5522 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( سليمان الشيباني ) عن ( محمد بن أبي مجالد ) قال ( أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمان بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما ) عن ( السلف فقالا ) كنا نصيب المغانم مع رسول الله فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى قال قلت أكان لهم زرع أو لم يكن لهم زرع قالا ما كنا نسألهم عن ذالك ( انظر الحديث 3422 وطرفه ) ( انظر الحديث 2422 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله إلى أجل مسمى وهو أجل معلوم والحديث مضى عن قريب في باب السلم إلى من ليس عنده أصل فإنه أخرجه هناك من ثلاث طرق عن موسى بن سماعيل وإسحاق وقتيبة وأخرجه هنا عن محمد بن مقاتل المروزي وهو من أفراده عن عبد الله بن المبارك المروزي عن سفيان الثوري إلى آخره والتكرار لأجل الترجمة واختلاف الشيوخ والتقديم والتأخير في بعض المتن وبعض الزيادة فيه هنا يعرف ذلك بالنظر والتأمل
8 -
( باب السلم إلى أن تنتج الناقة )
أي هذا باب في بيان حكم السلم إلى أن تنتج الناقة وتنتج على صيغة المجهول ومعناه إلى أن تلد الناقة يقال نتجت الناقة إذا ولدت فهي منتوجة وأنتجت إذا حملت فهي نتوج ولا يقال منتج ونتجت الناقة أنتجها إذا أولدتها والناتج للإبل كالقابلة للنساء والمقصود من هذه الترجمة بيان عدم جواز السلم إلى أجل غير معلوم يدل عليه حديث الباب

(12/70)


6522 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال أخبرنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال كانوا يتبايعون الجزور إلى حبل الحبلة فنهى النبي عنه فسره نافع إلى أن تنتج الناقة ما في بطنها ( انظر الحديث 3412 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله حبل الحبلة لأن معناه نتاج النتاج وفسره نافع الراوي عن ابن عمر بقوله أن تنتج الناقة يعني أن تلد ما في بطنها وقال الكرماني ما في بطنها بدل عن الناقة وهو الموافق لتفسير نافع له في باب بيع الغرر وقال الشافعي هو بيع الجزور بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة وتلد ولدها وهو تفسير ابن عمر وقيل هو بيع ولد ولد الناقة وقد مضى الحديث في كتاب البيوع في باب بيع الغرر وحبل الحبلة وقد مر الكلام فيه مستقصى وجويرية مصغر جارية وهو جويرية بن أسماء ابن عبيد الضبعي البصري
بسم الله الرحمان الرحيم
63 -
( كتاب الشفعة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الشفعة وهو بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها قاله بعضهم وقال صاحب ( تثقيف اللسان ) والفقهاء يضمون الفاء والصواب الإسكان قلت فعلى هذا لا ينبغي أن ينسب الفقهاء إلى الغلط صريحا لرعاية الأدب وكان ينبغي أن يقال والصواب الإسكان كما قاله صاحب ( تثقيف اللسان ) واختلف في اشتقاقها في اللغة على أقوال إما من الضم أو الزيادة أو التقوية والإعانة أو من الشفاعة وكل ذلك يوجد في حق الشفيع وقال ابن حزم وهي لفظة شرعية لم تعرف العرب معناها قبل رسول الله كما لم يعرفوا معنى الصلاة والزكاة ونحوهما حتى بينها الشارع ويقال شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا وكان الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه بأن ضمه إليه وقال الكرماني الشفعة في الاصطلاح تملك قهري في العقار بعوض يثبت على الشريك القديم للحادث وقيل هي تملك العقار على مشتريه جبرا بمثل ثمنه وقال أصحابنا الشفعة تملك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه وقيل هي ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشفيع بسبب الشركة أو الجوار وهذا أحسن ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها
( كتاب السلم في الشفعة )
كذا في رواية المستملي وفي رواية الباقين سقط ما سوى البسملة
1 -
( باب الشفعة في ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة )
أي هذا باب في بيان حكم الشفعة في المكان الذي لم يقسم قوله فإذا وقعت الحدود أي إذا صرفت وعينت فلا شفعة وهذا الباب بهذه الترجمة ثابت عند جميع الرواة
7522 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قضى رسول الله بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الحديث مضى في كتاب البيوع في باب بيع الشريك من شريكه فإنه أخرجه هناك عن محمود عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وهنا عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن معمر إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى واختلف على الزهري في هذا الإسناد فقال مالك عنه عن أبي سلمة وابن المسيب مرسلا كذا

(12/71)


رواه الشافعي وغيره ورواه أبو عاصم والماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة أخرجه البيهقي ورواه ابن جريج عن الزهري كذلك لكن قال عنهما أو عن أحدهما أخرجه أبو داود قلت هذا مما يضعف حجة من احتج به في اختصاص ثبوت الشفعة للشريك دون الجار وأيضا قال ابن أبي حاتم عن أبيه إن قوله فإذا وقعت الحدود إلى آخره مدرج من كلام جابر قال بعضهم فيه نظر لأن الأصل كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل قلت قوله كل ما إلى آخره غير مسلم لأن أشياء كثيرة تقع في الحديث وليست منه وأبو حاتم إمام في هذا الفن ولو لم يثبت عنده الإدراج فيه لما أقدم على الحكم به
وقال الكرمانيي قال التيمي قال الشافعي الشفعة إنما هي للشريك وأبو حنيفة للجار وهذا الحديث حجة عليه قلت سبحان الله هذا كلام عجيب لأن أبا حنيفة لم يقل الشفعة للجار على الخصوص بل قال الشفعة للشريك في نفس المبيع ثم في حق المبيع ثم من بعدهما للجار وكيف يقول هو حجة عليه وإنما يكون حجة عليه إذا ترك العمل به وهو عمل به أولا ثم عمل بحديث الجار ولم يهمل واحدا منهما وهم عملوا بأحدهما وأهملوا الآخر بتأويلات بعيدة فاسدة وهو قولهم أما حديث الجار أحق بصقبه فلا دلالة فيه إذ لم يقل أحق بشفعته بل قال أحق بصقبه لأنه يحتمل أن يراد منه بما يليه ويقرب منه أي أحق بأن يتعمد ويتصدق عليه أو يراد بالجار الشريك قلت هذه مكابرة وعناد من أريحية التعصب وكيف يقول إذا لم يقل أحق بشفعته وقد وقع في بعض ألفاظ أحمد والطبراني وابن أبي شيبة جار الدار أحق بشفعة الدار وكيف يقبل هذا التأويل الصارف عن المعنى الوارد في الشفعة ويصرف إلى معنى لا يدل عليه اللفظ ويرد هذا التأويل ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث الحسن عن سمرة قال قال رسول الله جار الدار أحق بالدار ذكره الترمذي في باب ما جاء في الشفعة وقال حديث حسن ثم قال وروى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي مثله وروى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي والصحيح عند أهل العلم حديث الحسن عن سمرة ولا يعرف حديث قتادة عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي في هذا الباب هو حديث حسن وروى إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع سمعت محمدا يقول كلا الحديثين عندي صحيح
وقال الكرماني بعد أن قال يراد بالجار الشريك يجب الحمل عليه جمعا بين مقتضى الحديثين قلت لم يكتف الكرماني بصرف معنى الجار عن معناه الأصلي إلى الشريك حتى يحكم بوجوب ذلك وهذا يدل على أنه لم يطلع على ما ورد في هذا الباب من الأحاديث الدالة بثبوت الشفعة للجار بعد الشريك فإن قلت قال ابن حبان الحديث ورد في الجار الذي يكون شريكا دون الجار الذي ليس بشريك يدل عليه ما أخبرنا وأسند عن عمرو بن الشريد قال كنت مع سعد بن أبي وقاص والمسور ابن مخرمة فجاء أبو رافع مولى رسول الله فقال لسعد بن مالك إشتر مني بيتي الذي في دارك فقال لا إلا بأربعة آلاف منجمة فقال أما والله لولا أني سمعت رسول الله يقول الجار أحق بصقبه ما بعتكها وقد أعطيتها بخمسمائة دينار قلت هذا معارض بما أخرجه النسائي وابن ماجه عن حسين المعلم عن عمرو ابن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رجلا قال يا رسول الله أرضي ليس فيها لأحد شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بصقبه الصقب بالصاد ما قرب من الدار ويقال السقب أيضا بالسين وقال ابن دريد سقبت الدار سقوبا وأسقبت لغتان فصيحتان أي قربت وأبياتهم متساقبة أي متدانية وفي ( الجامع ) هو بالصاد أكثر وفي ( المنتهى ) الصقب بالتحريك التقرب يقال هذا أصقب الموضعين إليك أي أقربهما وفي ( الزاهر ) للأنباري الصقب الملاصقة كأنه أراد بما يليه وما يقرب منه

(12/72)


2 -
( باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع )
أي هذا باب في بيان إن عرض الشريك فيما يشفع فيه الشفعة على من له الشفعة قبل صدور البيع هل يبطل الشفعة أم لا وفيه خلاف على ما نذكره
وقال الحكم إذا أذن له قبل البيع فلا شفعة له
الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي التابعي قوله إذا أذن له أي إذا أذن الشريك لصاحبه في البيع قبل البيع سقط حقه في الشفعة وهذا التعليق أخرجه ابن أبي شيبة بلفظ إذا أذن المشتري في المشترى فلا شفعة له ورواه وكيع عن سفيان عن أشعث عن الحكم إذا أذن الشفيع للمشتري في الشراء فلا شفعة له وقال ابن التين قول الحكم بن عتيبة هذا قال به سفيان وخالفهما مالك وقال لا يلزمه إذنه بذلك وقال ابن بطال هذا العرض مندوب إليه كما فعل أبو رافع على ما يأتي حديثه عن قريب وفي ( التوضيح ) وإذا أذن له شريكه في بيع نصيبه ثم رجع فطالبه بالشفعة فقالت طائفة لا شفعة له وهذا قول الحسن والثوري وأبي عبيد وطائفة من أهل الحديث وقالت طائفة إن عرض عليه الأخذ بالشفعة قبل البيع فأبى أن يأخذ ثم باع فأراد أن يأخذ بشفعه فذلك له هذا قول مالك والكوفيين ورواية عن أحمد وقال ابن بطال ويشبه مذهب الشافعي قال صاحب ( التوضيح ) وهو مذهبه وحكى أيضا عن عثمان البتي وابن أبي ليلى واحتج أحمد فقال لا تجب له الشفعة حتى يقع البيع فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وقد احتج بمثله ابن أبي ليلى وذكر الرافعي قال مالك إذا باع المشتري نصيبه من أجنبي وشريكه حاضر يعلم بيعه فله المطالبة بالشفعة متى شاء ولا تنقطع شفعته إلا بمضي مدة يعلم أنه في مثلها تارك واختلف في المدة فقيل سنة وقيل فوقها وقييل فوق ثلاث وقيل فوق خمس حكاها ابن الحاجب وقال أبو حنيفة إذا وقع البيع فعلم الشفيع به فإن أشهد في مكانه أنه على شفعته وإلا بطلب شفعته وبه قال الشافعي إلا أن يكون له عذر مانع من طلبها من حبس أو غيره فهو على شفعته
وقال الشعبي من بيعت شفعته وهو شاهد لا يغيرها فلا شفعة له
الشعبي هو عامر بن شراحيل الكوفي التابعي الكبير قال منصور بن عبد الرحمن الفداني عن الشعبي إنه قال أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله يقولون علي وطلحة والزبير في الجنة مات سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثنتين وثمانين وتعليق الشعبي وصله ابن أبي شيبة عن وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال سمعت الشعبي يقول به وفيه لا ينكرها بدل لا يغيرها
8522 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( إبراهيم بن ميسرة ) عن ( عمرو بن الشريد ) قال ( وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن محرمة ) فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت النبي يقول الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إياه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ابتع مني بيتي الذي في دارك ففي ذلك عرض الشريك بالبيع شريكه لأجل شفعته قبل صدور البيع
ذكر رجاله وهم سبعة الأول المكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد أبو السكن الحنظلي البلخي

(12/73)


الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثالث إبراهيم بن ميسرة ضد الميمنة وقد مر في باب الدهن للجمعة الرابع عمرو بن الشريد بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة أبو الوليد قال العجلي حجازي تابعي ثقة وأبوه الشريد بن سويد الثقفي صحابي شهد الحديبية الخامس سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه السادس المسور بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن مخرمة بفتح الميم والراء وإسكان الخاء المعجمة بينهما تقدم في آخر كتاب الوضوء السابع أبو رافع واسمه أسلم بلفظ أفعل التفضيل القبطي كان للعباس فوهبه لرسول الله فلما بشر رسول الله بإسلام العباس أعتقه مات في أول خلافة علي رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في خمسة مواضع وفيه ثلاثة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم واحدهم صحابي ابن صحابي وهو المسور بن مخرمة فإن مخرمة من مسلمة الفتح ومن المؤلفة قلوبهم وشهد حنينا مع النبي وهو ابن عم سعد بن أبي وقاص وفيه أن شيخه بلخي كما ذكرنا وأن ابن جريج وإبراهيم مكيان وعمرو بن شريد طائفي وهو من أوساط التابعين وليس له في البخاري غير هذا الحديث وفيه إبراهيم عن عمرو وفي رواية سفيان على ما يأتي في ترك الحيل عن إبراهيم بن ميسرة سمعت عمرو بن الشريد
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في ترك الحيل عن علي بن عبد الله عن سفيان ابن عيينة وعن محمد بن يوسف وأبي نعيم كلاهما عن سفيان الثوري وعن مسدد عن يحيى عن الثوري وأخرجه أبو داود في البيوع عن النفيلي عن سفيان بن عيينة به وعن محمود بن غيلان عن أبي نعيم بيه وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر ابن أبي شيبة وعلي بن محمد وعبد الله بن الجراح ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة
ذكر معناه قوله إحدى منكبي ذكره ابن التين هكذا بلفظ إحدى وأنكره بعضهم وقال المنكب مذكر وبخط الحافظ الدمياطي أحد منكبي قوله إذ جاء كلمة إذ للمفاجأة مضافة إلى الجملة وجوابها قوله فقال يا سعد قوله إبتع مني أي إشتر مني قوله بيتي في داركأي بيتي الكائنين في دارك وقال الكرماني بيتي بلفظ المفرد والتثنية ولهذا جاءت الضمائر التي بعده مثنى ومفردا مؤنثا بتأويل البيت بالبقعة قوله ما ابتاعهما أي ما اشتريهما قوله لتبتاعنهما اللام فيه مفتوحة للتأكيد وكذلك نون التأكيدإما مخففة وإما مثقلة قوله منجمة أي موظفة والنجم الوقت المضروب قوله أو مقطعة شك من الراوي والمراد مؤجلة يعطي شيئا فشيئا قوله أربعة آلاف وفي رواية سفيان أربعمائة درهم وفي رواية الثوري في ترك الحيل أربعمائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك عشرة دراهم قوله لقد أعطيت على صيغة المجهول وكذلك قوله وأنا أعطي بها
ذكر ما يستفاد منه استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار وأوله الخصم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ولذلك دعاه إلى الشراء منه ورد هذا بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من دار سعد رضي الله تعالى عنه وذكر عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلين بينهما عشرة أذرع وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق حديث الباب فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا وقيل الجار لما احتمل معاني كثيرة منها أن كل من قارب بدنه بدن صاحبه قيل له جار في لسان العرب ومنها يقال لامرأة الرجل جارته لما بينهما من الاختلاط بالزوجية ومنها أنه يسمى الشريك جارا لما بينهما من الاختلاط بالشركة وغير ذلك من المعاني فإذا كان كذلك يكون لفظ الحار في الحديث مجملا وقوله فإذا وقعت الحد فلا شفعة كان مفسرا فالعمل به أولى من العمل بالمجمل قلت دعوى الإجمال هنا دعوى فاسدة لعدم الدليل على ذلك وفي ( مصنف ) عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح الخليط أحق من غيره وفي ( مصنف ) ابن أبي شبة عن إبراهيم النخعي الشريك أحق بالشفعة فإن لم يكن شريك فالجار وهذا ينادي بأعلى صوته أن الشريك غير الجار فإن المراد بالجار هو صاحب

(12/74)


الدار الملاصقة بدار غيره وفيه ثبوت الشفعة مطلقا سواء كان الذي له الشفعة حاضرا أو غائبا وسواء كان بدويا أو قرويا مسلما أو ذميا صغيرا أو كبيرا أو مجنونا إذا أفاق وقال قوم من السلف لا شفعة لمن لم يسكن في المصر ولا للذمي قاله الشعبي والحارث العكلي والبتي وزاد الشعبي ولا لغائب وقال ابن أبي ليلى ولا شفعة لصغير وقال الشعبي لا تباع الشفعة ولا توهب ولا تعار هي لصاحبها الذي وقعت له وقال إبراهيم فيما نقله الأثرم لا تورث وكذا روي عن ابن سيرين وقال ابن حزم قال عبد الرزاق وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق والحسن بن حي وأبي سليمان وقال مالك والشافعي تورث قلت مذهب أبي حنيفة أن الشفعة تبطل بموت الشفيع قبل الأخذ بعد الطلب أو قبله فلا تورث عنه ولا تبطل بموت المشتري لوجود المستحق وفيه ما يدل على مكارم الأخلاق لأن أبا رافع باع من سعد بأقل مما أعطاه غيره فهو من باب الإحسان والكرم وإذا اختلف الشفيع والمشتري في مقدار الثمن فالقول للمشتري لأنه منكر ولا يتحالفان فإن برهنا فالبينة بينة الشفيع عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف البينة بينة المشتري وعند الشافعي وأحمد تهاترتا والقول للمشتري وعنهما يقرع وعند مالك يحكم للأعدل وإلا فباليمين
3 -
( باب أي الجوار أقرب )
أي هذا باب في بيان أي الجوار أقرب إذا كان ثمة جيران وقد ذكرنا أن الجار الذي يستحق الشفعة هو الجار الملاصق وهو الذي داره على ظهر الدار المشفوعة وسيأتي مزيد الكلام فيه والجوار بضم الجيم وكسرها
9522 - حدثنا ( حجاج ) قال حدثنا ( شعبة ) ح وحدثني ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( شبابة ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( أبو عمران ) قال سمعت ( طلحة بن عبد الله ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح أي الجوار أقرب
ذكر رجاله وهم سبعة الأول حجاج هو ابن منهال السلمي الأنماطي وليس هو حجاج بن محمد الأعور وإن كان كل منهما قد روى عن شعبة لأن البخاري سمع من حجاج ابن منهال ولم يسمع من حجاج بن محمد ولكن روى له الثاني شعبة بن الحجاج الثالث علي بن عبد الله كذا وقع في النسبة في رواية ابن السكن وكريمة وفي رواية الأكثرين وقع غير منسوب حيث قال حدثني علي فقط وعن هذا اختلفوا فيه من هو فقال أبو علي الجياني هو علي بن سلمة اللبقي بفتح اللام والباء الموحدة وبالقاف النييسابوري وبه جزم الكلاباذي وابن طاهر وهو الذي ثبت في رواية المستملي وقال ابن شبويه هو علي بن المديني وهو الأظهر لأن في كثير من المواضع يطلق البخاري الرواية عن علي وإنما يقصد به علي بن المديني ولأن العادة أنه إذا أطلق ينصرف إلى من يكون أشهر ولا شك أن ابن المديني أشهر من اللبقي الرابع شبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف البائين الموحدتين بينهما ألف ابن سوار الفزاري أبو عمرو وقد مر في باب الصلاة على النفساء الخامس أبو عمران واسمه عبد الملك بن حبيب ضد العدو الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون السادس طلحة بن عبد الله قال الحافظ المزي هو طلحة ابن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن معمر التيمي وقال بعضهم هو طلحة بن عبد الله الخزاعي والأصح ما قاله المزي لأن البخاري أخرج حديث الباب في الهبة من طريق غندر عن شعبة فقال طلحة بن عبد الله رجل من بني تيم بن مرة وقال الدارقطني في رواية سليمان بن حرب عن شعبة عن طلحة بن عبد الله الخزاعي وقال الحارث بن عبد الله عن أبي عمران الجوني عن طلحة ولم ينسبه وقال أبو داود وسليمان بن الأشعث قال شعبة في هذا الحديث عن طلحة رجل من قريش وقال الإسماعيلي قال يحيى بن يونس عن شعبة أخبرني أبو عمران أنه سمع طلحة عن عائشة قال شعبة وأظنه سمعه من عائشة ولم يقل سمعته منها السابع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع وفيه القول في

(12/75)


موضعين وفيه أن شيخه بصري وأنه من أفراده وأن شعبة واسطي وعلي بن عبد الله مديني وشبابة مدائني وأن أبا عمران بصري وفيه أنه ليس لطلحة بن عبد الله في البخاري سوى هذا الحديث
وهذا الحديث من أفراده لم يخرجه مسلم وأخرجه البخاري أيضا في الأدب عن حجاج وفي الهبة عن ابن بشار وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وسعيد بن منصور
ذكر معناه قوله أهدي بضم الهمزة من الإهداء وقال المهلب وإنما أمر بالهدية إلى من قرب بابه لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها فإذا رأى ذلك أحب أن يشارك فيه وأنه أسرع إجابة لجاره عندما ينوبه من حاجة إليه في أوقات الغفلة والغرة فلذلك بدأ به على من بعد باب داره وإن كانت داره أقرب قال ابن المنذر وهذا الحديث دال على أن اسم الجار يقع على غير الملاصق لأنه قد يكون له جار ملاصق وبابه من سكة غير سكته وله جار بينه وبين بابه قدر ذراعين وليس بملاصق وهو أدناهما بابا وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر الحديث فقال إن الجار الملاصق إذا ترك الشفعة وطلبها الذي يليه وليس له حد ولا طريق فلا شفعة له وعوام العلماء يقولون إذا أوصى رجل لجيرانه أعطى اللزيق وغيره إلا أبا حنيفة فإنه قال لا يعطى إلا اللزيق وحده انتهى قلت الذي قال خرج أبو حنيفة عن ظاهر الحديث خرج عن ظاهر الأدب ولا ينقل عن إمام مثل أبي حنيفة شيء مما قاله إلا بمراعاة الأدب فإن الذي ينقل عنه شيئا من بعده لا يساوي مقداره ولا يدانيه لا في الدين ولا في العلم وأبو حنيفة لا يذهب إلى شيء إلا بعد أن يحقق مدركه والسر فيه والأصل في النصوص التعليل ولا يدري هذا إلا من يقف على مداركها والسر في وجوب الشفعة دفع الأذى من الخارج ولهذا قدم الشريك في نفس المبيع ثم من بعده الشريك في حق المبيع ثم من بعدهما للجار ولا يحصل الضرر في منع الشفعة إلا للجار الملاصق لاتصال الجدران ووضع الأخشاب بينه وبين صاحب الملك ولا مناسبة بين الجار الذي له الشفعة وبين الجار الذي أوصى إليه بشء لأن أمر الشفعة مبني على القهر بخلاف الوصية وإنما قال في الوصية لجيرانه الملاصقين لأنهم الجيران تسمية وعرفا وفي مذهب عوام العلماء عسر عظيم بل لا يحصل فيه فائدة على قول من يقول أهل المدينة كلهم جيران وفي ( مراسيل ) أبي داود عن ابن شهاب قال رسول الله أربعون دارا جار قال يونس قلت لابن شهاب وكيف أربعون دارا قال أربعون عن يمينه وعن يساره وخلفه وبين يديه وعن الحسن أربعون من هنا وأربعون من جوانبها الأربع أربعون أربعون أربعون ولو فرضنا أن شخصا من أهل مصر أوصى بثلث ماله لجيرانه فخرج ثلث ماله عشرة دراهم مثلا فعلى قول الحسن يعطى هذه العشرة لمائة وعشرين نفسا فيحصل لكل واحد ما ليس فيه فائدة ولا ينتفع به الموصى إليه وأما على قول أهل المدينة كلهم جيران فحكمه حكم العدم فلا يحصل مقصود الموصي ولا مقصود الموصى لهم فإذا قلنا الجيران هم الملاصقون لا يفوت شيء من ذلك ويحصل مقصود الموصي من ذلك أيضا وقال ابن بطال لا حجة في هذا الحديث لمن أوجب الشفعة بالجوار لأن عائشة إنما سألت عمن تبدأ به من جيرانها بالهدية فأخبرها بأن من قرب أولى من غيره انتهى قلت إنما كان مراد ابن بطال من هذا الكلام التسميع للحنفية فهم ما احتجوا به ولئن سلمنا أنهم احتجوا به فلهم ذلك لأنه أشار إلى أن الأقرب أولى فالجار الملاصق أقرب من غيره فيكون أحق من غيره ولا سيما بأنه باب الإكرام وباب الإهداء على التعهد والتفضل والإحسان قوله قال إلى أقربهما منك بابا أي قال إلى أقرب الجارين من حيث الباب وهنا استعمل أفعل التفضيل بوجهين مع أنه لا يستعمل إلا بأحد الوجوه الثلاثة لأنه لم يستعمل إلا بالإضافة وأما كلمة من فهي من صلة القرب كما يقال قرب من كذا
وفيه افتقاد الجيران بإرسال شيء إليهم ولا سيما إذا كانوا فقراء وفيهم أغنياء وقد قال لا يؤمن أحدكم ببيت شبعان وجاره طاو وقد أوصى الله تعالى بالجار فقال والجار ذي القربى والجار الجنب ( النساء 63 ) وقال ما زال جبريل عليه الصلاة و السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه

(12/76)


73 -
( كتاب الإجارة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الإجارة وفي رواية المستملي بسم الله الرحمن الرحيم في الإجارات وليس في رواية النسفي قوله في الإجارات وكذا ليس في رواية الباقين لفظ كتاب الإجارة والإجارة على وزن فعالة بالكسر في اللغة اسم للأجرة وهو كراء الأجير وقد أجره إذا أعطاه أجرته من بابي طلب وضرب فهو آجر وذاك مأجور وفي كتاب ( العين ) آجرت مملوكي أو جره إيجارا فهو موجر وفي ( الأساس ) أجرني داره فاستأجرتها وهو مؤجر ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ فاحش وتقول أجره إذا أعطاه أجرته وإذا نقلته إلى باب الإفعال تقول أجر بالمد لأن أصله اءجر بهمزتين إحداهما فاء الفعل والأخرى همزة أفعل فقلبت الهمزة الثانية ألفا للتخفيف فصار آجر على وزن أفعل فاسم الفاعل من الأول آجر ومن الثاني مؤجر وفي الشرع الإجارة عقد المنافع بعوض وقيل تمليك المنافع بعوض وقيل بيع منفعة معلومة بأجر معلوم وهذا أحسن
1 -
( باب في استئجار الرجل الصالح )
أي هذا باب في بيان استيجار الرجل الصالح وأشار به إلى قصة موسى مع ابنة شعيب عليهما الصلاة والسلام
وقول الله تعالى إن خير من استأجرت القوي الأمين ( القصص 62 )
وقوله الله بالجر عطف على قوله في استيجار الرجل الصالح وفي رواية أبي ذر وقال الله تعالى إن خير من استأجرت ( القصص 62 ) الآية وقال مقاتل بن سليمان في ( تفسيره ) هذا قول صفوراء ابنة شعيب عليه الصلاة و السلام وهي التي تزوجها موسى عليه الصلاة و السلام وكانت توأمة عبوراء ولدت صفوراء قبلها بنصف يوم وكان بين المكان الذي سقى فيه الغنم وبين شعيب ثلاثة أميال فمشى معها وأمرها أن تمشي خلفه وتدله على الطريق كراهية أن ينظر إليها وهما على غير جادة فقال شعيب لابنته من أين علمت قوته وأمانته فقالت أزال الحجر عن رأس البئر وكان لا يطيقه إلا رجال وقيل أربعون رجلا وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهة أن ينظر إليها وسأوضح لك هذه القصة حتى تقف على حقيقتها مع اختصار غير مخل
لما قتل موسى القبطي كما أخبر الله تعالى في القرآن فوكزه موسى فقضى عليه فأصبح في المدينة خائفا يترقب الأخبار وأمر فرعون الذباحين بقتل موسى فجاءه رجل من شيعته يقال له خربيل وكان قد آمن بإبراهيم عليه الصلاة و السلام وصدق موسى عليه الصلاة و السلام وكان ابن عم فرعون وقال له إن الملأ يأتمرون بك أي يتشاورون في قتلك فاخرج من هذه المدينة إني لك من الناصحين فخرج ولم يدر أين يذهب فجاءه ملك ودله على الطريق فهداه إلى مدين وبينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام وقيل عشرة وكان يأكل من ورق الشجر ويمشي حافيا حتى ورد ماء مدين ونزل عند البئر وإذا بجنبه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان أي تمنعان أغنامهما عن الاختلاط بأغنام الناس فقال لهما ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ( القصص 32 ) لأنا ضعفاء لا نقدر على مزاحمتهم وأبونا شيخ كبير ( القصص 52 ) تعنيان شعيبا عليه الصلاة و السلام والمشهور عند الجمهور أنه شعيب النبي وقيل إنه ابن أخي شعيب ذكره أحمد في ( تفسيره ) وذكر السهيلي أن شعيبا هو شيرون بن ضيفون بن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة و السلام ويقال شعيب بن ملكاين وقيل شيرون ابن أخي شعيب وقيل ابن عم شعيب وقال وهب اسم ابنته الكبرى صفوراء واسم الصغرى عبوراء وقيل اسم إحديهما شرفا وقيل ليا والمقصود لما جاء إلى شعيب بعد أن فعل ما ذكرنا قص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ( القصص 62 ) وقالت إحداهما ( القصص 32 ) وهي صفوراء يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ( القصص 62 ) فقال لها شعيب وما علمك بهذا فأخبرت بالذي فعله موسى عليه الصلاة و السلام فعند ذلك قال شعيب إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ( القصص 72 ) إلى آخر الآية وكان في شرعهم يجوز تزويج المرأة على رعي الغنم وأما في شرعنا ففيه خلاف مشهور وقال موسى ذلك بيني وبينك ( القصص 82 ) الآية

(12/77)


والخازن الأمين ومن لم يستعمل من أراده
هذا أيضا من الترجمة ولها جزآن أحدهما قوله والخازن الأمين والآخر قوله ومن لم يستعمل من أراده وقد ذكر بعد لكل واحد حديثا فالحديث الأول للجزء الأول والثاني للثاني ومعنى من لم يستعمل من أراده الإمام الذي لم يستعمل الذي أراد العمل لأن الذي يريده يكون طلبه لحرصه فلا يؤمن عليه
1622 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( قرة بن خالد ) قال حدثني ( حميد بن هلال ) قال حدثنا ( أبو بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال أقبلت إلى النبي ومعي رجلان من الأشعريين فقلت ما علمت أنهما يطلبان العمل فقال لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده
مطابقته لقوله ومن لم يستعمل من أراده ظاهرة وأما وجه دخوله في هذا الباب فلأن الذي يطلب العمل إنما يطلبه غالبا لتحصيل الأجرة التي شرعت له وهذا كان في ذلك الزمان وأما الذي يطلب العمل في زماننا هذا فلا يطلبه إلا لتحصيل الأموال سواء كان من الحلال أو الحرام وللأمر والنهي بغير طريق شرعي بل غالب من يطلب العمل إنما يطلبه بالبراطيل والرشوة ولا سيما في مصر فإن الأمر فاسد جدا في العمال فيها حتى إن أكثر القضاة يتولون بالرشوة وهذا غير خاف على أحد فنسأل الله العفو والعافية
ويحيى هو ابن سعيد القطان وقرة بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد أبو محمد وأبو خالد السدوسي البصري وحميد بضم الحاء المهملة ابن هلال بن هبيرة العدوي الهلالي البصري مر في باب يرد المصلي من بين يديه وأبو بردة عامر وقد مضى الآن
والحديث أخرجه البخاري مختصرا ومطولا في الإجارة والأحكام وفي استنابة المرتدين عن مسدد عن يحيى وفي الأحكام أيضا عن عبد الله بن الصباح وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي قدامة ومحمد بن حاتم وأخرجه أبو داود في الحدود عن أحمد بن حنبل ومسدد بتمامه وفي القضايا عن أحمد بن حنبل

(12/78)


ببعضه وأخرجه النسائي في الطهارة وفي القضاء عن عمرو بن علي خمستهم عن يحيى بن سعيد به
ذكر معناه قوله ومعى الواو فيه للحال قوله من الأشعريين أي من الجماعة الأشعريين والأشعري نسبة إلى الأشعر وهو نبت بن أدد بن يشحب بن عريب بن يزيد بن كهلان وإنما قيل له الأشعري لأن أمه ولدته وهو أشعر قوله فقلت القائل هو أبو موسى الأشعري أي فقلت يا رسول الله ما علمت أنهما أي أن الرجلين يطلبان العمل وسيجيء في استتابة المرتدين بهذا الإسناد بعينه وفيه معي رجلان من الأشعريين وكلاهما سألا أي العمل فقلت والذي بعثك ما أطلعت على ما في أنفسهما ولا علمت أنهما يطلبان العمل الحديث قوله فقال لن أو لا أي فقال النبي لن نستعمل على عملنا من أراده وقوله أو لشك الراوي أي لا نولي من أراد العمل وذكر ابن التين أنه ضبط في بعض النسخ لن أولي بضم الهمزة وفتح الواو وكسر اللام المشددة مضارع فعل من التولية وقال الشيخ قطب الدين الحلبي فعلى هذه الرواية يكون لفظ نستعمل زائد أو يكون تقدير الكلام لن أولى على عملنا وقد وقع هذا الحديث في الأحكام من طريق بريد بن عبدالله عن أبي بردة بلفظ إنا لا نولي على عملنا وهذا يؤيد ما ذكره الشيخ قطب الدين رحمه الله وقال ابن بطال لما كان طلب العمالة دلالة على الحرص وجب أن يحترز من الحريص عليها وقال القرطبي هذا نهي وظاهره التحريم كما قال لا تسأل الإمارة وإنا والله لا نولي على عملنا هذا أحدا يسأله ويحرص عليه فلما أعرض عنهما ولم يولهما لحرصهما ولى أبا موسى الذي لا يحرص عليها والسائل الحريص يوكل إليها ولا يعان عليها
2 -
( باب رعي الغنم على قراريط )
أي هذا باب في بيان رعي الغنم على قراريط وهو جمع قراط بتشديد الراء فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء ومثل هذا كثير في لغة العرب والقيراط نصف دانق وقيل هو نصف عشر الدينار وقيل هو جزء من أربعة وعشرين جزءا وقال بعضهم على هنا بمعنى الباء وهي للسببية أو المعاوضة وقيل إنها للظرفية قلت تجيء على بمعنى الباء نحو حقيق علي أن لا أقول وقد قرأه أبي بالباء ولكن كونها للسببية غير بعيد وكذلك كونها للمعاوضة إلا أن كونها للظرفية بعيد أللهم إلا أن يقال إن القراريط إسم موضع
2622 - حدثنا ( أحمد بن محمد المكي ) قال حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن جده عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة
مطابقته للترجمة في قوله كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي ويقال الزرقي الثاني عمرو بن يحيى بن سعيد الثالث جده سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي الرابع أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه من أفراده وهما مكيان وأن سعيد بن عمرو جد عمرو بن يحيى مدني الأصل كان مع أبيه إذ غلب على دمشق فلما قتل أبوه سيره عبد الملك بن مروان مع أهل بيته إلى الحجاز ثم سكن الكوفة وهذا الإسناد بعينه مر في باب الاستنجاء بالحجارة
والحديث أخرجه ابن ماجه أيضا في التجارات عن سويد بن سعيد
ذكر معناه قوله إلا راعي الغنم وفي رواية الكشميهني إلا راعي الغنم قوله وأنت أي وأنت أيضا رعيت الغنم فقال نعم قوله على قراريط واختلف في القراريط فقيل هي قراريط النقط والدليل عليه ما رواه ابن ماجه عن سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط وقال سويد شيخ ابن ماجة يعني كل شاة بقيراط يعني

(12/79)


القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم وقال إبراهيم الحربي قراريط اسم موضع بمكة قرب جياد ولم يرد القراريط من النقد وقال ابن الجوزي الذي قاله الحربي أصح وهو تبع في ذلك شيخه ابن ناصر فإنه خطأ سويدا في تفسيره وقال بعضهم لكن رجح الأول لأن أهل مكة لا يعرفون مكانا يقال له قراريط ( قلت ) وكذلك لا يعرفون القيراط الذي هو من النقد ولذلك جاء في الصحيح ستفتحون أرضا يذكر فيها القراط ولكن لا يلزم من عدم معرفتهم القراريط الذي هو اسم موضع والقراريط التي من النقد لا يكون للنبي بذلك علم فالنبي لما أخبر بأنه رعى الغنم على قراريط علموا في ذلك الوقت أنها اسم موضع ولم يكونوا علموا به قبل ذلك لكون هذا الاسم قد هجر استعماله من قديم الزمان فأظهره في ذلك الوقت ويدل على تأييد ذلك شيئان أحدهما أن كلمة على في أصل وضعها للاستعلاء والاستعلاء حقيقة لا يكون إلا على القراريط الذي هو اسم موضع وعلى القراريط من النقد يكون بطريق المجاز فلا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة ولا تعذر هنا والثاني جاء في رواية كنت أرعى غنم أهلي بجياد وهو موضع بأسفل مكة فهذا يدل على أنه يرعى تارة بجياد وتارة بقراريط الذي هو المكان وهذا يدل أيضا أنه ما كان يرعى بأجرة فإذا كان كذلك فلا دخل للقراريط من النقد في هذا الموضع فإن قلت متى كان هذا الرعي في عمره ( قلت ) علم بالاستقراء من كلام ابن إسحاق والواقدي أنه كان وعمه نحو العشرين سنة ( فإن قلت ) ما الحكمة فيه ( قلت ) التقدمة والتوطئة في تعريفه سياسة العباد وحصول التمرن على ما سيكلف من القيام بأمر أمته ( فإن قلت ) ما وجه تخصيص الغنم فيه ( قلت ) لأنها أضعف من غيرها وأسرع انقيادا وهي من دواب الجنة ( فإن قلت ) ما الحكمة في ذكره ذلك ( قلت ) إظهار تواضعه لربه مع كونه أكرم الخلق عليه وتنبيه أمته على ملازمة التواضع واجتناب الكبر ولو بلغ أقصى المنازل الدنياوية وفيه أيضا اتباع لأخوته من الرسل الذين رعوا الغنم وفي حديث للنسائي قال رسول الله بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم عليهما وعليه صلوات الله وسلامه دائما أبدا
( باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام )
أي هذا باب في بيان حكم استيجار المسلمين أهل الشرك عند الضرورة وهذه الترجمة تشعر بأنه لا يرى استئجار المشرك سواء كان من أهل الذمة أو من غيرهم عند عدم الضرورة إلا عند الاحتياج إلى أحد منهم لأجل الضرورة نحو عدم وجود أحد من أهل الإسلام يكفي ذلك أو عند عدمه أصلا وأشار إليه بقوله وإذا لم يوجد أهل الإسلام وقوله لم يوجد على صيغة المجهول وفي بعض النسخ وإذا لم يجد على صيغة المعلوم أي وإذا لم يجد المسلم أحدا من أهل الإسلام لأن يستأجره وجواب إذا محذوف يعلم مما قبله لأنه عطف عليه وقد قررناه
( وعامل النبي يهود خيبر )
مطابقة هذا التعليق للترجمة من حيث أنه عامل يهود خيبر على العمل في أرضها إذ لم يوجد من المسلمين من ينوب منابهم في عمل الأرض في ذلك الوقت ولما قوي الإسلام استغنى عنهم حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وسقط بذلك قول بعضهم وفي استشهاده بقصة معاملة النبي يهود خيبر على أن يزرعوها نظر لأنه ليس فيها تصريح بالمقصود ( قلت ) كيف ينفي التصريح بالمقصود فيه فإن معاملته يهود خيبر على الزراعة في معنى استئجاره إياهم صريحا
4 - ( حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها واستأجر النبي وأبو بكر رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا الخريت الماهر بالهداية قد غمس يمين حلف في آل العاصي

(12/80)


ابن وائل وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ بهم وهو على طريق الساحل )
مطابقته للترجمة في واستأجر النبي وأبو بكر رجلا من بني الديل وهذا صريح في أنه وأبا بكر رضي الله تعالى عنه استأجرا هذا الرجل وهو مشرك إذ لم يجدا أحدا من أهل الإسلام وقول بعضهم وفي استشهاده باستئجار الدليل المشرك على ذلك نظر قول واه صادر من غير ترو ولا تأمل على ما لا يخفى وهذا الحديث يأتي كاملا في أواخر كتاب الإجارة قوله واستأجر بواو العطف إنما وقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت وفي رواية غيرهما وقع استأجر بدون حرف العطف وهي ثابتة في الأصل في نفس الحديث الطويل لأن القصة معطوفة على قصة قبلها وقال الكرماني واستأجر ذكر بالواو إشعارا بأنه قد تقدم لها كلمات أخر في حكاية هجرة رسول الله فعطف هذا عليها ( قلت ) نسب بعضهم الكرماني في قوله هذا إلى الوهم حيث قال ووهم من زعم أن المصنف زاد الواو للتنبيه على أنه اقتطع هذا القدر من الحديث انتهى ( قلت ) هذا القائل وهم في نقله كلام الكرماني على هذا الوجه لأنه لم يقل بأن المصنف زاد الواو إلى آخره على هذا الوجه وما غر هذا القائل فيما قاله إلا قول الكرماني إشعارا وقوله فعطف هذا عليها وأخذ منهما ما ذهب إليه وهمه فنسبه إلى الوهم ومعنى قوله إشعارا يعني للإشعار بأنه واو العطف حيث قال قد تقدم لها كلمات أخر يعني من المعطوف عليه ومعنى قوله فعطف هذا عليها يعني أظهر واو العطف على الكلمات التي تقدمت لا أنه زاد المصنف من عنده واو العطف قوله رجلا من بني الديل واسم هذا الرجل عبد الله بن أرقم فيما قاله ابن إسحق وقال ابن هشام عبد الله بن أريقط وقال مالك اسمه رقيط والديلي بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام وقال الرشاطي الديل في الأزد الديلي بن هداء بن زيد وفي ثعلب الديل بن زيد وفي إياد الديل بن أمية وفي ضبة الديل بن ثعلبة وفي عبد القيس الديل بن عمرو والنسبة إلى ذلك كله الديل بكسر الدال وإسكان الياء من دال يديل إذا تعلق الشيء وتحرك ويقال منه اندال يندال وقال ابن هشام رجلا من بني الديلي بن بكر وكانت أمه من بني سهم بن عمرو وكان مشركا قوله من بني الديل جملة في محل النصب على أنها صفة لقوله رجلا قوله ثم من بني عبد بن عدي وعبد خلاف الحر وعدي بفتح العين المهملة وكسر الدال وتشديد الياء من بني بكر قوله هاديا صفة لرجلا أيضا من هداه الطريق إذا أرشده إليه قوله خريتا أيضا صفة بعد صفة والخريت بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة من فوق وهو الماهر الذي يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية ومضايقها وقيل أراد به أنه يهتدي لمثل خرت الإبرة من الطريق أي ثقبها وحكى الكسائي خرتنا الأرض إذا عرفناها ولم تخف علينا طرقها قوله الخريت الماهر بالهداية مدرج من قول الزهري قوله قد غمس يمين حلف أي دخل في جملتهم وغمس نفسه في ذلك والحلف بكسر الحاء العهد الذي يكون بين القوم وإنما قال غمس إما لأن عادتهم أنهم كانوا يغمسون أيديهم في الماء ونحوه عند التحالف وإما أنه أراد بالغمس الشدة قوله العاص بن وائل بالهمزة بعد الألف وباللام ويقال العاصي بالياء وبدونه وآل العاص هم بنو سهم رهط من قريش قوله فأمناه أي فأمن النبي وأبو بكر الرجل من أمنت فلانا فهو آمن وذاك مأمون قوله راحلتيهما تثنية راحلة وهي من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء والتاء فيها للمبالغة وقال الواقدي كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه اشتراهما بثمانمائة درهم وكان حبسهما في داره يعلفها إعدادا للسفر قال ابن إسحاق لما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله قدم له أفضلهما فقال اركب يا رسول الله فداك أبي وأمي فقال رسول الله إني لا أركب بعيرا ليس لي قال فهي لك يا رسول الله بأبي وأمي قال ما الثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال أخذتها بذلك قال فهي لك يا رسول الله وروى الواقدي أنه أخذ

(12/81)


القصوى وروى ابن عساكر بإسناده عن عائشة أنها قالت هي الجدعاء فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه خلفه للخدمة في الطريق قوله غار ثور الغار بالغين المعجمة الكهف وثور اسم الحيوان المشهور جبل بأسفل مكة وفيه الغار الذي بات فيه النبي وأبو بكر لما هاجرا قوله معهما أي مع النبي وأبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله عامر بن فهيرة بضم الفاء وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء الأزدي وكان أسود اللون مملوكا للطفيل بن عبد الله فاشتراه أبو بكر الصديق منه فأعتقه وكان دخوله في الإسلام قبل دخول رسول الله دار الأرقم وكان حسن الإسلام وهاجر معهما إلى المدينة وكان ثالثهما قتل يوم بئر معونة بفتح الميم وبالنون سنة أربع من الهجرة قوله فأخذ بهم أي فأخذ الدليل الديلي بالنبي وأبي بكر وعامر بن فهيرة أي ملتبسا بهم قوله وهو على طريق الساحل أي طريق ساحل البحر ويروى فأخذ بهم طريق ساحل البحر
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه استئجار المسلم الكافر على هدايته الطريق قلت وعلى غيرها أيضا وفيه استئجار الرجلين الواحد على عمل واحد لهما وفيه استئجار الرجل على أن يدخل في العمل بعد أيام معلومة فيصح عقدهما قبل العمل وقياسه أن يستأجر منزلا مدة معلومة قبل مجيء السنة بأيام وأجاز مالك وأصحابه استئجار الأجير على أن يعمل بعد يوم أو يومين أو ما قرب هذا إذا نقده الأجرة واختلفوا فيما إذا استأجره ليعمل بعد شهر أو سنة ولم ينقده فأجازه مالك وابن القاسم وقال أشهب لا يجوز ووجهه أنه لا يدري أيعيش المستأجر أو الدابة واتفقوا على أنه لا يجوز في الراحلة المعينة والأجير المعين وأما إذا كان كراء مضمونا فيجوز فيه ضرب الأجل البعيد وتقديم رأس المال ولا يجوز أن يتأخر رأس المال إلى اليومين والثلاثة لأنه إذا تأخر كان من باب بيع الدين بالدين وتفسير الكراء المضمون أن يستأجره على حملة بعينها على غير دابة معينة والإجارة المضمونة أن يستأجره على بناء بيت لا يشترط عليه عمل يده ويصف له طوله وعرضه وجميع آلته على أن المؤنة فيه كلها على العامل مضمونا عليه حتى يتمه فإن مات قبل تمامه كان ذلك في ماله ولا يضره بعد الأجل وفيه ائتمان أهل الشرك على السر والمال إذا عهد منهم وفاء ومروءة كما استأمن رسول الله هذا المشرك لما كانوا عليه من بقية دين إبراهيم عليه الصلاة و السلام وإن كان من الأعداء لكنه علم منه مروءة وائتمنه من أجلها على سره في الخروج من مكة وعلى الناقتين اللتين دفعهما إليه ليوافيهما بهما بعد ثلاث في غار ثور
( باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد ستة أشهر أو بعد سنة جاز وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل )
أي هذا باب يذكر فيه إذا استأجر شخص أجيرا إلى آخره قوله جاز جواب إذا قوله وهما أي المؤجر والمستأجر على شرطهما قوله إذا جاء الأجل أي الأجل المضروب المذكور وقد ذكرنا خلاف مالك وأصحابه فيه
5 - ( حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي قالت واستأجر رسول الله وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث )
مطابقته للترجمة من حيث استئجار النبي وأبي بكر رضي الله تعالى عنه الرجل المذكور على أن ينظر في أمر راحلتيهما ثلاثة أيام وأن يحضرهما بعد ثلاثة أيام عند غار ثور ثم خدمهما بما قصداه من الدلالة على الطريق بعد تلك الثلاثة

(12/82)


الأيام فهذا بعينه ظاهر الترجمة ولكن فيها ابتداء العمل بعد الثلاثة وقاس عليها البخاري إذا كان ابتداء العمل بعد شهر أو بعد سنة وقاس الأجل البعيد على الأجر القريب إذ لا قائل بالفصل فجعل الحديث دليلا على جواز الأجل مطلقا وهذا هو التحقيق ههنا فلا يرد اعتراض من قال أنه ليس في الخبر أنهما استأجراه على أن لا يعلم إلا بعد ثلاث بل الذي في الخبر أنهما استأجراه وابتدأ في العمل من وقته بتسليمهما إليه راحلتيهما وبحفظهما فكان خروجهما وخروجه بعد ثلاث على الراحلتين اللتين قام بأمرهما إلى ذلك الوقت انتهى قلت هذا القائل صدر كلامه هذا أولا بقوله ظن البخاري ظنا فعمل عليه بل هو الذي ظن
ظنا فعمل عليه بل هو الذي ظن ظنا فعمل عليه لأنه ظن أن ابتداء الإجارة من أول ما تسلم الرجل الراحلتين وليس كذلك بل أول الإجارة بعد الثلاث ولم تكن إجارتهما إياه لخدمة الراحلتين بل كانت الإجارة لأجل الدلالة على الطريق كما ذكرناه وإنما كان تسليمهما الراحلتين إياه لأجل مجرد النظر فيهما ولأجل حفظهما إلى مضي الثلاث فإن ادعى هذا المعترض ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من حين الإجارة فيحتاج إلى إقامة برهان ولا يرد أيضا اعتراض من قال إن الإبتداء في العمل بعد شهر أو سنة غرر فلا يدري هل يعيش الرجل أم لا واغتفر الأمد اليسير لأن العطبفيه نادر والغالب السلامة انتهى قلت يكون الحكم في الأمد الكثير بعروض الموت مثل ما يكون في الأمد القصير بعروضه لأن عدم العروض فيه غير محقق فلا غرر حينئذ في الفصلين والحكم في الموت وجوب الضمان فيهما والله أعلم
5 -
( باب الأجير في الغزو )
أي هذا باب في بيان حكم استئجار الأجير في الغزو وقال ابن بطال استئجار الأجير للخدمة وكفاية مؤونة العمل في الغزو وغيره سواء ويحتمل أن يكون أشار إلى أن الجهاد وإن كان القصدبه تحصيل الأجر فلا ينافي ذلك الاستعانة بالخادم خصوصا لمن لا يقدر على معاطاة الأمور بنفسه
6 - ( حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن علية قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن صفوان بن يعلى عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال غزوت مع النبي جيش العسرة فكان من أوثق أعمالي في نفسي فكان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما إصبع صاحبه فانتزع إصبعه فأندر ثنيته فسقطت فانطلق إلى النبي فأهدر ثنيته وقال أفيدع إصبعه في فيك تقضمها قال أحسبه قال كما يقضم الفحل )
مطابقته للترجمة في قوله فكان لي أجير
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي الثاني إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وعلية اسم أمه وهو إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع عطاء بن أبي رباح الخامس صفوان بن يعلى بن أمية التميمي أو التيمي حليف لقريش السادس يعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام مقصورا ابن أمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ويقال له ابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح الياء آخر الحروف وهو اسم أمه والأول اسم أبيه أبو صفوان
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بغدادي وإنما قيل له الدورقي لأنه وأقاربه كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إليها وليسوا من بلد دورق وإسماعيل بصري والبقية كلهم مكيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه عن عطاء عن صفوان وفي رواية همام الماضية في الحج حدثني صفوان بن يعلى

(12/83)


( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن عبد الله بن محمد عن سفيان بن عيينة وفي المغازي عن عبيد الله بن سعيد وفي الديات مختصرا عن أبي عاصم أربعتهم عن ابن جريج عن عطاء عنه به وأخرجه مسلم في الحدود عن عمرو بن زرارة وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن شيبان بن فروخ وعن ابن المثنى وابن بشار وعن أبي غسان وأخرجه أبو داود في الديات عن مسدد عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج وأخرجه النسائي في القصاص وعن عبد الجبار وإسحاق بن إبراهيم فرقهما وعن عبد الجبار وعن إسحاق بن إبراهيم أيضا وعن أبي بكر بن إسحاق
( ذكره معناه ) قوله جيش العسرة بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وهي غزوة تبوك وتعرف أيضا بالفاضحة وقيل لها العسرة لأن الحر كان فيها شديدا والجدب كثيرا وحين طابت الثمار وكان الناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم وكانت في رجب قال ابن سعد يوم الخميس وقال ابن التين خرج في أول يوم من رجب ورجع في سلخ شوال وقيل رمضان من سنة تسع من الهجرة قوله فكان من أوثق أعمالي في نفسي أي مكان الغزو من أحكم أعمالي في نفسي وأقواها اعتمادا عليه ويؤخذ منه ذكر الرجل الصالح عمله قوله فكان لي أجير وهو الذي يخدم بالأجرة قوله فقاتل أي الأجير إنسانا ووقع في رواية مسلم أن يعلى قاتل رجلا قال مسلم حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين قال قاتل يعني ابن منية أو ابن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته وقال ابن المثنى ثنتيه فاختصما إلى النبي فقال يعض أحدكم كما يعض الفحل لا دية لك وقال القرطبي ورواية البخاري أن أجيرا ليعلى هو الأولى إذ لا يليق بيعلى مع جلالته وفضله ذلك الفعل وقال النووي الصحيح المعروف فيما قاله الحفاظ أنه أجير يعلى لا يعلى ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو في وقتين انتهى قوله يده ويروى ذراعه قوله أصبع صاحبه في الأصبع تسع لغات والعاشر أصبوع قوله فندر ثنيته أي أسقطها بجذبه والثنية مقدم الأسنان وللإنسان أربع ثنايا ثنتان من فوق وثنتان من أسفل قوله أفيدع الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله فيقضمها بفتح الضاد المعجمة من القضم وهو الأكل بأطراف الأسنان يقال قضمت الدابة شعيرها بالكسر تقضمه وفي الواعي أصل القضم الدق والكسر ولا يكون إلا في الشيء الصلب وماضيه على ما ذكره ثعلب بكسر العين وحكى ثابت وابن طلحة فتح العين وقال ابن التين القضم هو الأكل بأدنى الأضراس قوله الفحل الذكر من الإبل ونحوه
( ذكر ما يستفاد منه ) وبه احتج أبو حنيفة والشافعي في آخرين في أن المعضوض إذا جبذ يده فسقطت أسنان العاض أو فك لحييه فلا ضمان عليه وقال الشافعي إذا صال الفحل على رجل فدفعه فأتى عليه لم يلزمه قيمته وعند مالك يضمن المعضوض قال القرطبي لم يقل أحد بالقصاص في ذلك فيما علمت وإنما الخلاف في الضمان فأسقطه أبو حنيفة وبعض أصحابنا وضمنه الشافعي وهو مشهور مذهب مالك قال ونزل بعض أصحابنا القول بالضمان على ما إذا أمكنه نزع يده برفق فانتزعها بعنف وحمل بعض أصحابنا الحديث على أنه كان متحرك الثنايا وقال أبو عبد الملك لم يصح الحديث عند مالك وفيه استئجار الأجير للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو وغيره سواء وأما القتال فلا يستأجر عليه لأن على كل مسلم أن يقاتل حتى تكون كلمة الله هي العليا
( قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن أبي مليكة عن جده بمثل هذه الصفة أن رجلا عض يد رجل فأندر ثنيته فأهدرها أبو بكر رضي الله عنه )
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعبد الله بن أبي مليكة تصغير ملكة منسوب إلى جده وقيل إلى جد أبيه فإنه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان وله صحبة ومنهم من زاد في نسبة عبد الله بين عبيد الله وزهير وقال أن الذي يكنى أبا مليكة هو عبد الله بن زهير فعلى الأول فالحديث من رواية زهير بن عبد الله عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعلى الثاني من رواية عبد الله بن زهير فالضمير في جده على الأول يعود على عبد الله

(12/84)


فيكون الحديث متصلا وعلى الثاني يعود على زهير فيكون منقطعا قال بعضهم قوله قال ابن جريج إلى آخره هو بالإسناد المذكور إليه وقال صاحب التلويح وهذا التعليق رواه الحاكم أبو أحمد في الكنى عن أبي بكر بن أبي داود حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن جده عن أبي بكر أن رجلا عض يد رجل فأندر ثنيته فأهدرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقال صاحب التوضيح عبد الله بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان قاضي الطائف لابن الزبير توفي بمكة سنة أربع عشرة ومائة وقد خالف البخاري ابن منده وأبو نعيم وأبو عمر فرووه في كتب الصحابة في ترجمة أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن جده عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله بمثل هذه الصفة بتشديد الصاد المهملة بعدها الفاء ويروى بمثل هذه القضية بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف -
6 -
( باب من استأجر أجيرا فبين له الأجل ولم يبين له العمل لقوله إني أريد أن أنكحك إحدى بنتي هاتينن على أن تأجرني إلى قوله والله على ما نقول وكيل )
أي هذا باب في بيان من استأجر أجيرا فبين له الأجل أي المدة ولم يبين له أي للأجير العمل يعني لم يبين أي عمل يعمله له وفي رواية أبي ذر إذا استأجره وجواب من محذوف تقديره وهل يصح ذلك أم لا وميل البخاري إلى الصحة فلذلك ذكر هذه الآية في معرض الاحتجاج حيث قال لقوله تعالى إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيي ( القصص 72 ) الآية وجه الدلالة منه أنه لم يقع في سياق القصة المذكورة بيان العمل وإنما فيه أن موسى آجر نفسه من والد المرأتين فإن قلت كيف يقول لم يقع في سياق القصة بيان العمل وقد قال شعيب إني أريد أن أنكحك إحدى بنتي هاتين قلت قال الزمخشري فإن قلت كيف يصح أن ينكحه إحدى ابنتيه من غير تمييز قلت لم يكن ذلك عقد النكاح ولكن مواعدة ومواضعة أمر قد عزم عليه ولو كان عقدا لقال قد أنكحتك ولم يقل إني أريد أن أنكحك انتهىقلت حاصله أن شعيبا عليه الصلاة و السلام إستأجر موسى لم يبين له العمل أولا لكنه بين له الأجل فدل ذلك أن الإجارة إذا بين فيها المدة ولم يبين العمل جائزة لكن هذا في موضع يكون نفس العمل معلوما بنفس العقد كاستئجار العبد لأجل الخدمة وأما اذا لم يكن نفس العمل معلوما بنفس العقد فلا يجوز إلا ببيان العمل لأن الجهالة فيه تقضي إلى المنازعة وقال المهلب رحمه الله تعالى عليه ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة لأن ذلك كان معلوما بينهم من سقي وحرث ورعي واحتطاب وما شاكل ذلك من أعمال البادية ومهنة أهلها فهذا متعارف وإن لم يبين له أشخاص الأعمال وقد عرفه المدة وسماها له انتهى وأجيب بأن هذا ظن أن البخاري أجاز أن يكون العمل مجهولا وليس كما ظن إنما أراد البخاري أن التنصيص على العمل باللفظ غير مشروط وأن المنبع المقاصد لا الألفاظ فيكفي دلالة الفوائد عليها
قلت يؤيد هذا ما رواه ابن ماجه من حديث عتبة ابن الندر قال كنا عند رسول الله فقال إن موسى عليه الصلاة و السلام آجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه انتهى وليس فيه بيان العمل من قبل موسى عليه الصلاة و السلام وعتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة والندر بضم النون وتشديد الدال المهملة وقال الذهبي عتبة بن الندر السلمي صحابي يقال هو عتبة بن عبد السلمي وليس بشيء روى عنه علي بن رباح وخالد بن معدان
فإن قلت كيف حكم النكاح على أعمال البدن قلت لا يجوز عند أهل المدينة لأنه غرر وما وقع من النكاح على مثل هذا الصداق لا يؤمر به اليوم لظهور الغرر في طول المدة وهو خصوص لموسى عليه الصلاة و السلام عند أكثر العلماء لأنه قال إحدى ابنتي هاتين ولم يعينها وهذا لا يجوز إلا بالتعيين
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك إذا تزوجها على أن يؤجرها نفسه سنة أو أكثر يفسخ النكاح إن لم يكن دخل بها فإن دخل ثبت النكاح بمهر المثل وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إن كان حرآ فلها مهر مثلها وإن كان عبدا فلها خدمة سنة وبه قال أحمد في رواية وقال محمد يجب عليه قيمة الخدمة سنة لأنها متقومة وقال الشافعي النكاح جائز على خدمته إذا كان وقتا معلوما ويجب عله عين الخدمة سنة وكذلك الخلاف إذا تزوجها على تعليم القرآن

(12/85)


ثم الكلام في تفسير الآيات الكريمة قوله إني أريد أن أنكحك ( القصص 72 ) أي أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ( القصص 82 ) نفسك مدة ثماني حجج أي على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين من أجرته إذا كنت له أجيرا كقولك أبوته إذا كنت له أبا وثماني حجج ظرفه ويجوز أن يكون من آجرته كذا إذا أثبته إياه ومنه تعزية رسول الله آجركم الله ورحمكم الله وثماني حجج مفعول به أي رعية ثماني حجج وقال الزمخشري فإن قلت كيف جاز أن يمهرها إجارة نفسه في رعية الغنم ولا بد من تسليم ما هو مال ألا ترى إلى أبي حنيفة كيف منع أن يتزوج امرأة بأن يخدمها سنة وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة أو يسكنها داره سنة لأنه في الأول سلم نفسه وليس بمال وفي الثاني هو مسلم مالا وهو العبد أو الدار قلت الأمر على مذهب أبي حنيفة كما ذكرت وأما الشافعي فقد جوز التزويج على الإجازة ببعض الأعمال والخدمة إذا كان المستأجر له أو المخدوم فيه أمرا معلوما ولعل ذلك كان جائزا في تلك الشريعة ويجوز أن يكون المهر شيئا آخر وإنما أراد أن يكون رعي غنمه هذه المدة وأراد أن ينكحه ابنته فذكر له المرادين وعلق الإنكاح بالرعية على معنى أني أفعل هذا إذا فعلت ذلك على وجه المفاهدة لا على وجه المعاقدة ويجوز أن يستأجره لرعي غنمه ثماني سنين بمبلغ معلوم ويوفيه إياه ثم ينكحه ابنته به ويجعل قوله على أن تأجرني ثماني حجج عبارة عما جرى بينهما فإن أتممت العمل عشرا فمن عندك ( القصص 72 ) فإتمامه من عندك والمعنى فهو من عندك لا من عندي يعني لا ألزمك ولا أحتمه عليك ولكن إن فعلته فهو منك تفضيل وتبرع وإلا فلا عليك وما أريد أن أشق عليك ( القصص 72 ) في هذه المدة فأكلفك ما يصعب عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين ( القصص 72 ) في حسن العشرة والوفاء بالعهد وهذا شرط للأب وليس بصداق وقيل صداق والأول أظهر لقوله تأجرني ( القصص 72 ) ولم يقل تأجرها وإنما قال إن شاء الله للاتكال على توفيقه ومعونته قوله قال ذلك ( القصص82 ) أي قال موسى لشعيب عليهما السلام ذلك مبتدأ بيني وبينك ( القصص 82 ) خبره وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب ثم قال موسى عليه الصلاة و السلام أيما الأجلين ( القصص 82 ) أي أجل من الأجلين أطولهما الذي هو العشر وأقصرهما الذي هو ثمان قضيت أي أوفيتك إياه وفرغت من العمل فيه فلا عدان علي أي لا سبيل علي والمعنى لا تعتد علي بأن تلزمني أكثر منه قوله والله على ما نقول وكيل ( القصص82 ) أي على ما نقول من النكاح والأجر والإجارة وكيل أي حفيظ وشاهد ولما استعمل وكيل في موضع الشاهد عدى بعلى وروي عن ابن عباس مرفوعا سأل جبريل عليه الصلاة و السلام أي الأجل قضى موسى فقال أتمهما وأكملهما
يأجر فلانا يعطيه أجرا ومنه في التعزية آجرك الله
يأجر بضم الجيم والمقصود منه تفسير قوله تعالى تأجرني ثماني حجج ( القصص 72 ) وبهذا فسر أبو عبيدة في ( المجاز ) قوله ومنه أي ومن هذاالمعنى قولهم في التعزية آجرك الله أي يعطيك أجره وهكذا فسر أبو عبيدة أيضا وزاد يأجرك أي يثيبك وقيل المعنى في قوله على أن تأجرني أن تكون لي أجيرا أو التقدير على أن تأجرني نفسك وقال الكرماني في جواب من قال ما الفائدة في عقد هذا الباب إذ لم يذكر فيه حديثا بأن البخاري كثيرا ما يقصد بتراجم الأبواب بيان المسائل الفقهية فأراد هنا بيان جواز مثل هذه الإجارة واستدل عليه بالآية ثم قال قال المهلب ليس كما ترجم لأن العمل كان معلوما عندهم انتهى قلت قد مر الكلام فيه عن قريب
7 -
( باب إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا استأجر أحد أجيرا لأجل إقامة حائط يريد أن ينقض أي بسقط يقال انقض الطائر سقط من الهواء بسرعة قوله جاز جواب إذا وقال ابن التين تبويب البخاري يدل على أن هذا جائز لجميع الناس وإنما كان ذلك للخضر عليه السلام خاصة ولعل البخاري أراد أن يبني له حائطا من الأصل أو يصلح له حائطا انتهى قلت ينبغي أن يكون هذا جائزا لجميع الناس وتخصيصه بالخضر عليه السلام لا دليل عليه وجه ذلك على العموم أن حائط رجل إذا أشرف على السقوط فخيف من سقوطه فاستأجر أحدا يعلقه حتى لا يسقط فإنه يجوز بلا خلاف ثم بعد التعليق إما أن يرمه ويقطع عيبه أو يهده ويبنيه جديدا وقال المهلب إنما جاز الاستئجار عليه لقول موسى عليه الصلاة و السلام لو

(12/86)


شئت لاتخذت عليه أجرا ( الكهف 77 ) والأجر لا يؤخذ إلا على عمل معلوم وإنما كان يكون له الأجر لو عامله عليه قبل عمله وأما بعد أن أقامه بغير إذن صاحبه فلا يجبر صاحبه على غرم شيء وقال ابن المنذر وفيه جواز الاستئجار على البناء
7622 - حدثنا ( إبراهيم بن مسى ) قال أخبرنا ( هشام بن يوسف ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار ) عن ( سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما ) قال قد ( سمعته يحدثه ) عن ( سعيد ) قال قال لي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال حدثني أبي بن كعب قال قال رسول الله فانطلقا فوجدا جدارا يريد أن ينقض قال سعيد بيده هكذا ورفع يديه فاستقام قال يعلى حسبت أن سعيدا قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال سعيد أجرا نأكله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فوجد جدارا يريد أن ينفض فأقامه
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق يعرف بالصغير الثاني هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن قاضي اليمن الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع يعلى بن مسلم بن هرمز الخامس عمرو بن دينار القرشي الأثرم السادس سعيد بن جبير السابع عبد الله بن عباس الثامن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين وبصيغة الإخبار بجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه السماع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ستة مواضع وفيه أن شيخه رازي وأن هشاما يماني وأن ابن جريج وعمر مكيان وسعيد بن جبير كوفي وفيه يروي ابن جريج عن شيخين وفيه يزيد أحدهما أي يعلى أو عمرو
قوله سمعته الضمير فيه يرجع إلى الغير أي قال ابن جريج وسمعت غيرهما أيضا يحدث عن سعيد بن جبير قال الكرماني يلزم من زيادة أحدهما على صاحبه نوع محال وهو أن يكون الشيء مزيدا ومزيدا عليه ثم أجاب بأنه إن أراد بأحدهما واحدا معينا منهما فلا إشكال وإن أراد كل واحد منهما فمعناه أنه يزيد شيئا غير ما زاده الآخر فهو مزيد باعتبار شيء مزيدعليه باعتبار شيء آخر ثم قال هذا المروي مجهول إذ لا يعلم الزيادة منه ثم أجاب علم من سياقه زيادة يعلى إذ قال حسبت
وقد ذكرنا تعدد موضعه ومن أخرجه غيره وما يتعلق به من كل الوجوه في كتاب العلم في باب ذهاب موسى في البحر إلى الخضر وهنا ذكر قطعة من حديث موسى والخضر وقد أورده مستوفى في التفسير قوله يريد نسبة الإرادة إلى الجدار مجاز وفيه حجة على من ينكر المجاز قوله أن ينقض وقرىء ينقاض أي ينقلع من أصله ويقال للبئر إذا انهارت انقاضت بالضاد المعجمة وقرىء بالمهملة موضع الألف أي ينشق طولا قوله يرفع يديه أي إلى الجدار فاستقام وهو تفسير لقوله فأقامه وروى يده بالإفراد
8 -
( باب الإجارة إلى نصف النهار )
أي هذا باب في بيان حكم الإجارة إلى نصف النهار يعني من أول النهار إلى نصفه ثم قال بعد هذا الباب باب الإجارة إلى صلاة العصر ثم قال بعد باب آخر باب الإجارة من العصر إلى الليل وهذا كله في حكم يوم واحد وأراد بذلك إثبات صحة الإجارة بأجر معلوم إلى أجل معلوم إذ لولا جازت ما أقره الشارع في الحديث الذي ضرب به المثل كما يأتي وما اتخذه من هذا الحديث وقيل يحتمل أن يكون الغرض من كل ذلك إثبات جواز الإجارة بقطعة من النهار إذا كانت معلومة معينة دفعا لتوهم من يتوهم أن أقل الأجل المعلوم أن يكون يوما كاملا
8622 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال

(12/87)


من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى فقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء قال هل نقصتكم من حقكم قالوا لا فذلك فضلي أوتيه من أشاء
مطابقته للترجمة في قوله من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار
ورجاله قد ذكروا غير مرة وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني
وهذا الحديث مضى في كتاب الصلاة في باب من أدرك ركعة من العصر فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه وبينهما تفاوت في المتن أيضا ولكن الأصل واحد وقد مضى الكلام فيه ولنذكر بعض شيء
قوله أهل الكتابين المراد به اليهود والنصارى قوله كمثل رجل فيه حذف تقديره وهو مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتابين مع أنبيائهم كمثل رجل استأجر فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به الأجراء مع من استأجرهم وقال الكرماني القياس يقتضي أن يقال كمثل أجراء ثم قال هو من تشبيه المفرد بالمفرد فلا اعتبار إلا بالمجموعين أو التقدير مثل الشارع معكم كمثل رجل مع أجراء قوله على قيراط وفي رواية عبد الله بن دينار على قيراط قيراط والمراد بالقيراط النصيب وهو في الأصل نصف دانق والدانق سدس درهم قوله فغضبت اليهود والنصارى أي الكفار منهم قوله أكثر بالرفع والنصب أما الرفع فعلى تقدير ما لنا نحن أكثر على أنه خبر مبتدأ محذوف وأما النصب فعلى الحال ويجوز أن يكون خبرا كان تقديره ما لنا كنا أكثر عملا قوله عملا نصب على التمييز قوله وأقل عطاء مثله على العطف وقال الكرماني كيف كانوا أكثر عملا ووقت الظهر إلى العصر مثل وقت العصر إلى المغرب وأجاب بأنه لا يلزم من أكثرية العمل أكثرية الزمان وقد مضى البحث فيه هناكقوله فذلك فضلي فيه حجة لأهل السنة على أن الثواب من الله على سبيل الإحسان منه
9 -
( باب الإجارة إلى صلاة العصر )
أي هذا باب في بيان الإجارة إلى صلاة العصر
9622 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) مولى ( عبد الله ابن عمر ) عن ( عبد الله بن عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود على قيراط قيراط ثم عملت النصارى على قيراط قيراط ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا فقال فذلك فضلي أوتيه من أشاء
وقال ابن بطال لفظ نحن أكثر عملا من قول اليهود خاصة كقوله تعالى نسيا حوتهما ( الكهف 16 ) والناسي هو يوشع وقوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( الرحمن 22 ) والحال أنه لا يخرج إلا من المالح هذا طريق آخر في الحديث المذكور قوله واليهود عطف على المضمر المجرور بدون إعادة الخافض وهو جائز على رأي الكوفيين وقيل يجوز الرفع على تقدير ومثل اليهود والنصارى على حذف المضاف وإعطاء المضاف إليه إعرابه وقيل في أصل أبي ذر بالنصب ووجهه أن تكون الواو بمعنى مع قوله على قيراط قيراط بالتكرار ليدل على تقسيم القراريط على جميعهم قوله إلى مغارب الشمس

(12/88)


ووقع في رواية سفيان الآتية في ( فضائل القرآن ) إلى مغرب الشمس على الإفراد وهو الأصل وهنا الجمع كأنه باعتبار الأزمنة المتعددة باعتبار الطوائف المختلفة الأزمنة إلى يوم القيامة قوله هل ظلمتكم أي هل نقصتكم فإن قلت لم كان للمؤمنين قيراطان قلت لإيمانهم بموسى وعيسى عليهما السلام لأن التصديق أيضا عمل
01 -
( باب إثم من منع أجر الأجير )
أي هذا باب في بيان إثم الذي يمنع أجر الأجير وقد أخر ابن بطال هذا الباب عن الباب الذي بعده وهو الأوجه فإن فيه رعاية المناسبة
0722 - حدثنا ( يوسف بن محمد ) قال حدثني ( يحيى بن سليم ) عن ( إسماعيل بن أمية ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ( انظر الحديث 7222 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث في كتاب البيوع في باب إثم من باع حرا فإنه أخرجه هناك عن بشر ابن مرحوم عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن علية إلى آخره وهنا أخرجه عن يوسف بن محمد بن سابق العصفري روى عنه البخاري ههنا وهو حديث واحد ويوسف هذا من أفراده
11 -
( باب الإجارة من العصر إلى الليل )
أي هذا باب في بيان حكم الإجارة من أول وقت العصر إلى أول دخول الليل
11 - ( حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم فعملوا له إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا واستأجر أجيرين بعدهم فقال لهما أكملا بقية يومكما هذا ولكما الذي شرطت لهم من الأجر فعملا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالا لك ما عملنا باطل ولكم الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال لهما أكملا بقية عملكما فإن ما بقي من النهار شيء يسير فأبيا واستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور )
مطابقته للترجمة في قوله واستأجر قوما أن يعملوا إلى قوله الشمس وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب من أدرك ركعة من العصر فإنه أخرجه هناك عن كريب عن أبي أسامة عن بريد إلى آخره بأخصر منه وهنا أخرجه عن محمد بن العلاء بن كريب أي كريب الهمداني الكوفي عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف عن أبي بردة واسمه عامر عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس قوله كمثل رجل استأجر قوما هو من باب القلب والتقدير كمثل قوم استأجرهم قوم أو هو من باب التشبيه بالمركب قوله إلى الليل هذا

(12/89)


مغاير لحديث ابن عمر لأن فيه أنه استأجرهم على أن يعملوا إلى نصف النهار وأجيب بأن ذلك بالنسبة إلى من عجز عن الإيمان بالموت قبل ظهور دين آخر وهذا بالنسبة إلى من أدرك دين الإسلام ولم يؤمن به وقد تقدم تمام البحث في ذاك الباب قوله لا حاجة لنا إلى أجرك إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم وهذا من باب إطلاق القول وإرادة لازمه لأن لازمه ترك العمل المعبر به عن ترك الإيمان قوله وما عملنا باطل إشارة إلى إحباط عملهم بكفرهم بعيسى عليه الصلاة و السلام إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى عليه الصلاة و السلام وحده بعد بعثة عيسى عليه الصلاة و السلام وكذلك القول في النصارى إلا أن فيه إشارة إلى أن مدتهم كانت قدر نصف المدة فاقتصروا على نحو الربع من جميع النهار قوله لا تفعلوا أي إبطال العمل وترك الأجر المشروط ( فإن قلت ) المفهوم منه أن أهل الكتابين لم يأخذوا شيئا ومن السابق أنهم أخذوا قيراطا قيراطا ( قلت ) الآخذون هم الذين ماتوا قبل النسخ والتاركون الذين كفروا بالنبي الذي بعد نبيهم قوله فإنما بقي من النهار شيء يسير أي بالنسبة لما مضى منه والمراد ما بقي من الدنيا حتى إذا كان حين صلاة العصر هو بنصب حين ويجوز الرفع قاله بعضهم ولم يبين وجهه ولا وجه النصب ( قلت ) أما النصب فعلى الظرفية وأما الرفع فعلى أنه اسم كان قوله أجر الفريقين كليهما كذا وقع في رواية أبي ذر وغيره وحكى ابن التين أن في روايته كلاهما بالرفع ثم خطأه ( قلت ) ليس لما قاله وجه لأن كلاهما بالألف على لغة من يجعل المثنى في الأحوال الثلاثة بالألف قوله فذلك مثلهم أي مثل المسلمين ومثل ما قبلوا من هذا النور أي نور الهداية إلى الحق وفي رواية الإسماعيلي فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله به والمقصود من التمثيلين من الأول بيان أن أعمال هذه الأمة أكثر ثوابا من أعمال سائر الأمم ومن الثاني أن الذين لم يؤمنوا بمحمد رسول الله أعمالهم السالفة على دينهم لا ثواب لها قيل استدل به على أن بقاء هذه الأمة تزيد على الألف لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة وقيل أقل فيكون مدة المسلمين أكثر من ألف قطعا ( قلت ) فيه نظر لأنه صح عن ابن عباس من طرق صحاح أنه قال الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله في اليوم الآخر منها وقد مضت منه سنون أو مئون ويؤيد هذا أيضا حديث زمل الخزاعي حين قص على رسول الله رؤياه وقال فيها رأيتك على منبر له سبع درجات الحديث وفيه في المنبر ودرجاته الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفا وقد صحح أبو جعفر الطبري هذا الأصل بآثار -
21 -
( باب من استأجر أجيرا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد أو من عمل في مال غيره فاستفضل )
أي هذا باب في ذكر من استأجر أجيرا فترك أجره وفي رواية الكشميهني فترك الأجير أجره وغايته أنه أظهر فاعل ترك قوله فعمل فيه ويروى به أي اتجر فيه أو زرع فزاد أي ربح قوله من عمل في مال غيره عطف على من استأجر قوله فاستفضل بمعنى أفضل يعني أفضل من مال غيره الشيء وليس السين فيه للطلب
2722 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم أللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي في طلب شيء

(12/90)


يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج قال النبي وقال الآخر أللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت با سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا احل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها قال النبي وقال الثالث اللهم إنيي استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أدي إلي أجري فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزىء بي فقلت إني لا أستهزىء بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون
مطابقته للترجمة في قوله فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب إلى قوله بعد حين قال المهلب ليس فيه دليل لما ترجم له وإنما أتجر الرجل في أجر أجيره ثم أعطاه على سبيل التبرع وإنما الذي كان يلزمه قدر العمل خاصة قلت ورجاله هكذا قد تقدموا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب
وقد مضى هذا الحديث في كتاب البيوع في باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فإنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن أبي عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وبينهما تفاوت في المتن يعرف بالنظر
قوله ثلاثة رهط الرهط من الرجال ما دون العشرةوقيل إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع قوله حتى أووا يقال أوى فلان إلى منزله يأوي أويا على وزن فعول وقال أبو زيد فعلت وأفعلت بمعنى يعني أوى بالقصر وآوى بالمد سواء والمبيت موضع البيتوتة وكلمة إلى في إلى غار للانتهاء يعني انتهى أويهم لأجل البيتوتة إلى غار وهو كهف في الجبل قوله فانحدرت أي هبطت ونزلت قوله لا ينجيكم بضم الياء من الإنجاء بالجيم وهو التخليص قوله إلا أن تدعوا الله بسكون الواو لأنه جمع وأصله تدعون من الدعاء فسقطت النون لأجل أن قوله أللهم قد ذكرنا معناه هناك في ذلك الباب قوله لا أغبق من الغبوق بالغين المعجمة والباء الموحدة وفي آخره قال وهو شرب العشي وضبطوا لا أغبق بفتح الهمزة من الثلاثي إلا الأصيلي فإنه يضمها من الرباعي وخطؤه فيه وقال صاحب ( الأفعال ) يقال غبقت الرجل ولا يقال أغبقته والغبوق شرب آخر النهار مقابل الصبوح واسم الشراب الغبققوله أهلا الأهل الزوجات والمال الرقيق وقال الدادي والدواب أيضا وقال ابن التين وليس للدواب هنا معنى يذكر به قوله فناء بي بمد بعد النون بوزن جاء في رواية كريمة والأصيلي وفي رواية غيرهما فنأى بفتح النون والهمزة مقصورا على وزن سقى أي بعد وأصل هذه المادة

(12/91)


من النأي بفتح النون وسكون الهمزة البعد يقال نأى بي طلب شيء أي بعد قوله فلم أرح بضم الهمزة وكسر الراء أي لم أرجع على أبوي حتى أخذهما النوم قوله والقدح الواو فيه للحال قوله حتى برق الفجر أي ظهر الضياء قوله فأردتها عن نفسها كناية عن طلب الجماع قوله حتى ألمت بها أي حتى نزلت بها سنة من سني القحط فأحوجتها قوله عشرين ومائة أي عشرين دينارا ومائة ووقع هناك مائة والتخصيص بالعدد لا ينافي الزيادة والمائة كانت بالتماسها والعشرون تبرع منه كرامة لها قوله لا أحل لك بضم الهمزة من الإحلال قوله أن تفض الخاتم كناية عن الوطء يقال فض الخاتم والختم إذا كسره وفتحه قوله فتحرجت يقال تحرج فلان إذا فعل فعلا يخرج به من الحرج وهو الإثم والضيق قوله وتركت الذهب الذي أعطيتها وفي رواية أبي ذر التي أعطيتها والذهب يذكر ويؤنث قوله فأفرج عنا بوصل الهمزة وضم الراء فإذا قطع الهمزة وكسر الراء فالأول أمر من الفرجوالثاني من الإفراج قوله أجراء جمع أجير قوله فثمرت أي كثرت من التثمير قوله كل ما ترى مبتدأ وخبره قوله من أجرك أي من أجرتك قوله من الإبل إلى آخره بيان لما ترى وهنا زاد الإبل والبقر وهناك بقرا وراعيها ولا منافاة بينهما وقد ذكرنا بعض الخلاف فيمن اتجر في مال غيره فقال قوم له الربح إذا أدى رأس المال إلى صاحبه سواء كان غاصبا للمال أو وديعة عنده متعديا فيه وهو قول عطاء ومالك وربيعة والليث والأوزاعي وأبي يوسف واستحب مالك والثوري والأوزاعي تنزهه ويتصدق به وقال آخرون يرد المال ويتصدق بالربح كله ولا يطيب له شيء من ذلك وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر وقال قوم الربح لرب المال وهو ضامن لما تعدى فيه وهو قول ابن عمر وأبي قلابة وبه قال أحمد وإسحاق وقال الشافعي إن اشترى السلعة بالمال بعينه فالربح ورأس المال لرب المال وإن اشتراها بمال بغير عينه قبل أن يستوجبها بثمن معروف بالعين ثم نقد المال منه أو الوديعة فالربح له وهو ضامن لما استهلك من مال غيره والله أعلم بالصواب
31 -
( باب من آجر نفسه ليحمل علي ظهره ثم تصدق به وأجرة الحمال )
أي هذا باب في بيان حكم من أجر نفسه لغيره ليحمل متاعه على ظهره ثم تصدق به أي بأجره وفي رواية الكشميهني ثم تصدق منه قوله وأجرة الحمال أي وباب في بيان أجرة الحمال ويروى وأجر الحمال
3722 - حدثنا ( سعيد بن يحيى بن سعيد ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( أبي مسعود الأنصاري ) رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله إذا أمر بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل فيصيب المد وإن لبعضهم لمائة ألف قال ما نراه إلا نفسه
مطابقته للترجمة تعلم من معناه لأن معناه أن النبي إذا كان يأمر بالصدقة يسمعه فقراء الصحابة ويرغب في الصدقة لما يسمع من الأجر الجزيل فيها ثم يذهب إلى السوق فيحمل شيئا من أمتعة النساء على ظهره بأجره ثم يتصدق به وهذا معنى الترجمة أيضا وكذلك في الحديث ما يطابق قوله وأجر الحمال لأنه حين يحمل شيئا بأجرة يصدق عليه أنه حمال وأنه يأخذ الأجرة
ثم الحديث قد مضى في كتاب الزكاة في باب اتقوا النار ولو بشق تمرة بعين هذا الإسناد وبعين هذا المتن غير أن فيه هنا زيادة شيء وهو قوله ما نراه إلا نفسه
وسعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص القرشي الأموي أبو عثمان البغدادي والأعمش هو سليمان وشقيق أبو وائل وأبو مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري
قوله فيحامل أي يعمل صنعة الحمالين من المحاملة من باب المفاعلة التي تكون من الإثنين والمراد هنا أن الحمل من أحدهما والأجرة من الآخر كالمساقاة والمزارعة ويروى تحامل على وزن تفاعل بلفظ الماضي أي تكلف حمل متاع الغير ليكتسب ما يتصدق به قوله فنصيب المد أي من الطعام وهو أجرته قوله وأن لبعضهم لمائة ألف أي من الدراهم أو الدنانير واللام في المائة للتأكيد تسمى اللام الابتدائية لدخولها على اسم إن وهو لفظ فإنه اسم إن وخبرها مقدما قوله

(12/92)


لبعضهم وفي رواية النسائي وما كان له يومئذ درهم أي في اليوم الذي كان يحمل بالأجرة لأنهم كانوا فقراء في ذلك الوقت واليوم هم أغنياء قوله قال ما نراه إلا نفسه أي قال شقيق الراوي ما أظن أبا مسعود أراد بذلك البعض إلا نفسه فإنه كان من الأغنياء وقد جاء ذلك مبينا في رواية ابن ماجه من طريق زائدة عن الأعمش أن قائل ذلك هو أبو وائل الراوي والله أعلم
41 -
( باب أجر السمسرة )
أي هذا باب في بيان حكم السمسرة أي الدلالة والسمسار بالكسر الدلال وفي ( المغرب ) السمسرة مصدر وهو أن يوكل الرجل من الحاضرة للقادمة فيبيع لهم ما يجلبونه وقال الزهري وقيل في تفسير قوله لا يبيع حاضر لباد أنه لا يكون له سمسارا ومنه كان أبو حنيفة يكره السمسرة
ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسا
أي لم ير محمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي والحسن البصري بأجر السمسار بأسا وتعليق ابن سيرين وإبراهيم وصله ابن أبي شيبة حدثنا حفص عن أشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم ومحمد بن سيرين قالا لا بأس بأجر السمسار إذا اشترى يدا بيد وتعليق عطاء وصله ابن أبي شييبة أيضا حدثنا وكيع حدثنا الليث أبو عبد العزيز قال سألت عطاء عن السمسرة فقال لا بأس بها وقال بعضهم وكأن المصنف أشار إلى الرد على من كرهها وقد نقله ابن المنذر عن الكوفيين انتهى قلت لم يقصد البخاري بهذا الرد على أحد وإنما نقل عن هؤلاء المذكورين أنهم لا يرون بأسا بالسمسرة وطريقة الرد لا تكون هكذا
وهذا الباب فيه اختلاف للعلماء فقال مالك يجوز أن يستأجره على بيع سلعته إذا بين لذلك أجلا قال وكذلك إذا قال له بع هذا الثوب ولك درهم أنه جائز وإن لم يوقت له ثمنا وكذلك إن جعل له في كل مائة دينار شيئا وهو جعل وقال أحمد لا بأس أن يعطيه من الألف شيئا معلوما وذكر ابن المنذر عن حماد والثوري أنهما كرها أجره وقال أبو حنيفة إن دفع له ألف درهم يشتري بها بزا بأجر عشر دراهم فهو فاسد وكذلك لو قال اشتر مائة ثوب فهو فاسد فإن اشترى فله أجر مثله ولا يجاوز ما سمى من الأجر وقال أبو ثور إذا جعل له في كل ألف شيئا معلوما لم يجز لأن ذلك غير معلوم فإن عمل على ذلك فله أجره وإن اكتراه شهرا على أن يشتري له ويبيع فذلك جائز وقال ابن التين أجرة السمسار ضربان إجارة وجعالة فالأول يكون مدة معلومة فيجتهد في بيعه فإن باع قبل ذلك أخذ بحسابه وإن انقضى الأجل أخذ كامل الأجرة والثاني لا يضرب فيها أجل هذا هو المشهور من المذهب ولكن لا تكون الإجارة والجعالة إلا معلومين ولا يستحق في الجعالة شيئا إلا بتمام العمل وهو البيع والجعالة الصحيحة أن يسمى له ثمنا إن بلغه ما باع أو يفوض إليه فإن بلغ القيمة باع وإن قال الجاعل لا تبع إلا بأمري فهو فاسد وقال أبو عبد الملك أجرة السمسار محمولة على العرف يقل عن قوم ويكثر عن قوم ولكن جوزت لما مضى من عمل الناس عليه على أنها مجهولة قال ومثل ذلك أجرة الحجام وقال ابن التين وهذا الذي ذكره غير جار على أصول مالك وإنما يجوز من ذلك عنده ما كان ثمنه معلوما لا غرر فيه
وقال ابن عباس لا بأس أن يقول بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس نحوه
وقال ابن سيرين إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به
هذا التعليق أيضا وصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن يونس عن ابن سيرين وفي ( التلويح ) وأما قول ابن عباس وابن سيرين فأكثر العلماء لا يجيزون هذا البيع وممن كرهه الثوري والكوفيون وقال الشافعي ومالك لا يجوز فإن باع فله أجر مثله وأجازه أحمد وإسحاق وقالا هو من باب القراض وقد لا يربح المقارض

(12/93)


وقال النبي المؤمنون عند شروطهم
مطابقته للترجمة من حيث إن السمسرة إذا شرطت بشيء معين ينبغي أن يكون السمسار وصاحب المتاع ثابتين على شرطهما لقوله المؤمنون عند شروطهم وهذا التعليق وصله أبو داود في القضاء من حديث الوليد بن رباح بالباء الموحدة عن أبي هريرة وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء بلغنا أن النبي قال المؤمنون عند شروطهم وروى الدارقطني والحاكم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها مثله وزاد ما وافق الحق وروى إسحاق في ( مسنده ) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما وكثير ابن عبد الله ضعيف عند الأكثرين إلا أن البخاري قوي أمره وكذلك الترمذي وابن خزيمة وفي بعض نسخ البخاري وقال النبي المسلمون على شروطهم وقيل ظن ابن التين أن قوله وقال النبي المسلمون على شروطهم بقية كلام ابن سيرين فشرح على ذلك فوهم وقد اعترض عليه الشيخ قطب الدين الحلبي وغيره
4722 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله أن يتلقى الركبان ولا يبيع حاضر لباد قلت يا ابن عباس ما قوله لا يبيع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا
مضى هذا الحديث في كتاب البيع في باب النهي عن تلقي الركبان فإنه أخرجه هناك عن عياش بن الوليد عن عبد الأعلى عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه إلى آخره وأخرجه هنا عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن معمر بن راشد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه طاووس عن عبدالله بن عباس وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى قوله لا يبيع بالنصب على أن لا زائدة وبالرفع بتقدير قال قبله عطفا على نهي وقال ابن بطال قال لا يكون له سمسارا يعني من أجل المضرة الداخلة على الناس لا من أجل أجرته والله أعلم
4722 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله أن يتلقى الركبان ولا يبيع حاضر لباد قلت يا ابن عباس ما قوله لا يبيع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا
مضى هذا الحديث في كتاب البيع في باب النهي عن تلقي الركبان فإنه أخرجه هناك عن عياش بن الوليد عن عبد الأعلى عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه إلى آخره وأخرجه هنا عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن معمر بن راشد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه طاووس عن عبدالله بن عباس وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى قوله لا يبيع بالنصب على أن لا زائدة وبالرفع بتقدير قال قبله عطفا على نهي وقال ابن بطال قال لا يكون له سمسارا يعني من أجل المضرة الداخلة على الناس لا من أجل أجرته والله أعلم
51 -
( باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب )
أي هذا باب يذكر فيه هل يؤجر الرجل المسلم نفسه من رجل مشرك في دار الحرب ولم يذكر جواب الاستفهام لأن حديث الباب يتضمن إجارة خباب نفسه وهو مسلم إذ ذاك في عمله للعاص بن وائل وهو مشرك وكان ذلك بمكة وكانت مكة إذ ذاك دار حرب وأطلع النبي على ذلك فأقره ولكنه يحتمل أن يكون كان ذلك لأجل الضرورة أو كان ذلك قبل الإذن في قتال المشركين ومنابذتهم وقبل الأمر بمنع إذلال المؤمن نفسه وقال المهلب كره أهل العلم ذلك إلا للضرورة بشرطين أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم والآخر أن لا يعينه على ما هو ضرر على المسلمين وقال ابن المنير استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ولا يعتد ذلك من الذلة بخلاف أن يخدمه في منزله وبطريق التبعية له
5722 - حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( مسلم ) عن ( مسروق ) قال حدثنا ( خباب ) قال كنت رجلا قينا فعملت للعاص ابن وائل فاجتمع لي عنده فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت أما والله حتى تموت ثم تبعث فلا قال وإني لميت ثم مبعوث قلت نعم قال فإنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك فأنزل الله تعالى أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى في كتاب البيوع في باب ذكر القين والحداد فإنه أخرجه هناك عن محمد

(12/94)


بن بشار عن ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب إلى آخره وأخرجه هنا عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها عن سليمان الأعمش عن أبي الضحى مسلم عن مسروق إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك والقين بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف الحداد
قوله أما حرف التنبيه وجواب القسم محذوف تقديره لا أكفر قوله حتى تموت غاية له والغرض التأييد كما في قولك إبليس عليه اللعنة إلى يوم القيامة وبعد البعث لا يمكن الكفر قوله فلا أي فلا أكفر ويروى هكذا فلا أكفر فإن قلت الفاء لا تدخل جواب القسم قلت المذكور مفسر للمقدر ويروى أما بتشديد الميم وتقديره أما أنا فلا أكفر والله وأما غيري فلا أعلم حاله قوله وإني همزة الاستفهام مقدرة فيه وإنما أكد بأن واللام مع أن المخاطب هو خباب غير منكر ولا متردد في ذلك لأن العاص فهم منه التأكيد في مقابلة إنكاره فكأنه قال أتقول هذا الكلام المؤكد
61 -
( باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب )
أي هذا باب في بيان حكم ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب ولم يبين الحكم اكتفاء بما في الحديث على عادته في ذلك والرقية بضم الراء وسكون القاف وفتح الياء آخر الحروف من رقاه رقيا ورقية ورقيا فهو راق إذا عوذه وصاحبه رقاه وقال الزمخشري وقد يقال استرقيته بمعنى رقيته قال وعن الكسائي ارتقيته بهذا المعنى وقال ابن درستويه كل كلام استشفي به من وجع أو خوف أو شيطان أو سحر فهو رقية وفي معظم نسخ البخاري وأكثرها هكذا باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب واعترض عليه بتقييده بأحياء العرب بأن الحكم لا يختلف باختلاف المحال ولا الأمكنة وأجاب بعضهم بأنه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره قلت هذا الجواب غير مقنع لأنه قيده بأحياء العرب والقيد شرط إذا انتفى ينتفي المشروط وهذا القائل لم يكتف بهذا الجواب الذي لا يرضى به حتى قال والأحياء جمع حي والمراد به طائفة مخصوصة وهذا الكلام أيضا يشعر بالتقييد والأصل في الباب الإطلاق فافهم
وقال ابن عباس عن النبي أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه جواز أخذ الأجرة لقراءة القرآن وللتعليم أيضا وللرقيا به أيضا لعموم اللفظ وهو يفسر أيضا الإبهام الذي في الترجمة فإنه ما بين فيه حكم ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب وهذا الذي علقه البخاري طرف من حديث وصله هو في كتاب الطب في باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم حدثني سيدان بن مضارب إلى آخره وفي آخره إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
وقد اختلف العلماء في أخذ الأجر على الرقية بالفاتحة وفي أخذه على التعليم فأجازه عطاء وأبو قلابة وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور ونقله القرطبي عن أبي حنيفة في الرقية وهو قول إسحاق وكره الزهري تعليم القرآن بالأجر وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أن يأخذ الأجر على تعليم القرآن وقال الحاكم من أصحابنا في كتابه ( الكافي ) ولا يجوز أن يستأجر رجل رجلا أن يعلم ولده القرآن والفقه والفرائض أو يؤمهم رمضان أو يؤذن وفي ( خلاصة الفتاوى ) ناقلا عن الأصل لا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والأذان والتذكير والتدريس والحج والغزو يعني لا يجب الأجر وعند أهل المدينة يجوز وبه أخذ الشافعي ونصير وعصام وأبو نصر الفقيه وأبو الليث رحمهم الله والأصل الذي بنى عليه حرمة الاستئجار على هذه الأشياء أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها لأن هذه الأشياء طاعة وقربة تقع على العامل قال تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) فلا يجوز أخذ الأجرة من غيره كالصوم والصلاة واحتجوا على ذلك بأحاديث منها ما رواه أحمد في ( مسنده ) حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي حدثني يحى بن أبي كثير عن أبي راشد الحبراني قال قال عبد الرحمن بن شبل سمعت رسول الله يقول إقرأوا القرآن ولا تأكلوا به وعنه ولا تجفوا ولا تقلوا فيه ولا تستكثروا به ورواه إسحاق بن راهويه أيضا في ( مسنده ) وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في ( مصنفيهما ) ومن طريق عبد الرزاق رواه عبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي والطبراني ومنها ما رواه البزار في ( مسنده ) عن حماد بن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن

(12/95)


ابن عوف مرفوعا نحوه ومنها ما رواه ابن عدي في ( الكامل ) عن الضحاك بن نبراس البصري عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله نحوه ومنها حديث رواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلي عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال علمت ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمي بها في سبيل الله فسألت النبي عن ذلك فقال إن أردت أن يطوقك الله طوقا من نار فاقبلها ورواه ابن ماجه والحاكم في ( المستدرك ) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرجه أبو داود من طريق آخر من حديث جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال كان النبي إذا قدم الرجل مهاجرا دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن فدفع إلي رجلا كان معي وكنت أقرئه القرآن فانصرفت يوما إلى أهلي فرأى أن عليه حقا فأهدى إلي قوسا ما رأيت أجود منها عودا ولا أحسن منها عطاء فأتيت رسول الله فاستفتيته فقال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها وأخرجه الحاكم في ( كتاب الفضائل ) عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن بشر بن عبد الله بن يسار به سندا ومتنا وقال حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه ومنها ما رواه ابن ماجه من حديث عطية الكلاعي عن أبي بن كعبرضي الله تعالى عنه قال علمت رجلا القرآن فأهدى إلي قوسا فذكرت ذلك للنبي فقال إن أخذتها أخذت قوسا من نار قال فرددتها ومنها ما رواه عثمان بن سعيد الدارمي من حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله قال من أخذ قوسا على تعليم القرآن قلده الله قوسا من نار ومنها ما رواه البيهقي في ( شعب الإيمان ) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله من قرأ القرآن يأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظمة ليس عليه لحم ومنها ما رواه الترمذي من حديث عمران بن حصين يرفعه اقرأوا القرآن وسلوا الله به فإن من بعدكم قوم يقرأون القرآن يسألون الناس به وذكر ابن بطال من حديث حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال أجرهم حرام وذكر ابن الجوزي من حديث ابن عباس مرفوعا لا تستأجروا المعلمين وهذا غير صحيح وفي إسناده أحمد بن عبد الله الهروي قال ابن الجوزي دجال يضع الحديث ووافقه صاحب التنقيح وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال لكنها يؤكد بعضها بعضا ولا سيما حديث القوس فإنه صحيح كما ذكرنا وإذا تعارض نصان أحدهما مبيح والآخر محرم يدل على النسخ كما نذكره عن قريب وكذلك الكلام في حديث أبي سعد الخدري الذي يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى في هذا الباب
وأجاب ابن الجوزي ناقلا عن أصحابه عن حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه ثلاثة أجوبة أحدها أن القوم كانوا كفارا فجاز أخذ أموالهم والثاني أن حق الضيف واجب ولم يضيفوهم والثالث أن الرقية ليست بقربة محضة فجاز أخذ الأجرة عليها وقال القرطبي ولا نسلم أن جواز أخذ الإجر في الرقي يدل على جواز التعليم بالأجر وقال بعض أصحابنا ومعنى قوله إن أحق ما إخذتم عليه أجرا كتاب الله يعني إذا رقيتم به وحمل بعض من منع أخذ الأجر على تعليم القرآن الأجر في الحديث المذكور على الثواب وبعضهم ادعوا أنه منسوخ بالأحاديث المذكورة التي فيها الوعيد واعترض عليه بعضهم بأنه إثبات النسخ بالإحتمال وهو مردود قلت منع هذا بدعوى الاحتمال مردود ومن الذي قال هذا الحديث يحتمل النسخ بل الذي ادعى النسخ إنما قال هذا الحديث يحتمل الإباحة والأحاديث المذكورة تمنع الإباحة قطعا والنسخ هو الحظر بعد الإباحة لأن الإباحة أصل في كل شيء فإذا طرأ الحظر يدل على النسخ بلا شك وقال بعضهم الأحاديث المذكورة ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الأحاديث الصحيحة قلت لا نسلم عدم قيام الحجة فيها فإن حديث القوس صحيح وفيه الوعيد الشديد وقال الطحاوي ويجوز الأجر على الرقى وإن كان يدخل في بعضه القرآن لأنه ليس على الناس أن يرقي بعضهم بعضا وتعليم الناس بعضهم بعضا القرآن واجب لأن في ذلك التبليغ عن الله تعالى وقال صاحب ( التوضيح ) قول الطحاوي هذا غلط لأن تعلمه ليس بفرض فكيف تعليمه وإنما الفرض المعين منه على كل أحد ما تقوم به الصلاة وغير ذلك فضيلة ونافلة وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضا ليس بفرض متعين عليهم وإنما هو على الكفاية ولا فرق بين الأجرة في الرقي وعلى تعليم القرآن لأن ذلك كله منفعة انتهى قلت هذا كلام صادر بقلة الأدب وعدم مراعاة أدب البحث سواء كان هذا الكلام منه أو هو نقله

(12/96)


من غيره وكيف يقول لأن تعلمه ليس بفرض فكيف تعليمه فإذا لم يكن تعليمه وتعلمه فرضا فلا يفرض قراءة القرآن في الصلاة وقد أمر الله تعالى بالقراءة فيها بقوله فاقرأوا فإذا أسلم أحد من أهل الحرب أفلا يفرض عليه أن يعلم مقدار ما تجوز به صلاته وإذا لم يجد إلا أحدا ممن يقرأ القرآن كله أو بعضه أفلا يجب عليه أن يعلمه مقدار ما تجوز به الصلاة وقوله وإنما الفرض المعين منه ما تقوم به الصلاة يدل على أن تعلمه فرض عليه لأنه لا يقدر على هذا المقدار إلا بالتعليم إذ لا يقدر عليه من ذاته فإذا كان ما تقوم به الصلاة من القراءة فرضا عليه يكون تعلمه هذا المقدار فرضا عليه لأن ما يقوم به الفرض فرض والتعلم لا يحصل إلا بالتعليم فيكون فرضا على كل حال سواء كان على التعيين أو على الكفاية وكيف لا يكون فرضا وقد أمر رسول الله بالتبليغ من الله تعالى ولو كان آية من القرآن وأوجب التبليغ عليه بلغوا عني ولو آية من كتاب الله تعالى
وقال الشعبي لا يشترط المعلم إلا أن يعطى شيئا فليقبله
الشعبي هو عامر بن شراحيل ووصل تعليقه ابن أبي شيبة عن مروان بن معاوية عن عثمان بن الحارث قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أيوب بن عائذ الطائي عنه وقول الشعبي هذا يدل على أن أخذ الأجر بالاشتراط لا يجوز فإن اعطى من غير شرط فإنه يجوز أخذه لأنه إما هبة أو صدقة وليس بأجرة وأصحابنا الحنفية قائلون بهذا أيضا قوله إلا أن يعطى الاستثناء فيه منقطع معناه لكن الإعطاء بدون الاشتراط جائز فيقبله ويروى إن بكسر الهمزة أي لكن إن يعطى شيئا بدون الشرط فليقبله وإنما كتب يعطى بالألف على قراءة الكسائي من يتق ويصبر أو الألف حصلت من إشباع الفتحة
وقال الحكم لم أسمع أحدا كره أجر المعلم
الحكم بفتح الحاء والكاف ابن عتيبة ووصل تعليقه البغوي في ( الجعديات ) حدثنا علي بن الجعد عن شعبة سألت معاوية بن قرة عن أجر المعلم فقال أرى له أجرا قال وسألت الحكم فقال ما سمعت فقيها يكرهه انتهى قلت نفي الحكم سماعه من أخذ كراهة أجر المعلم لا يستلزم النفي عن الكل لأن النبيي كره لعبادة بن الصامت حين أهدى له من كان يعلمه قوسا الحديث وقد مر عن قريب وقال عبد الله بن شقيق يكره أرش المعلم فإن أصحاب رسول الله كانوا يكرهونه ويرونه شديدا وقال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون أن يأخذوا على الغلمان في الكتاب أجرا وذهب الزهري وإسحاق إلى أنه لا يجوز أخذ الأجر عليه
وأعطى الحسن دراهم عشرة
أي أعطى الحسن البصري عشرة دراهم أجر المعلم ووصل تعليقه محمد بن سعد في ( الطبقات ) من طريق يحيى بن سعيد بن أبي الحسن قال لما حذقت قلت لعمي يا عماه إن المعلم يريد شيئا قال ما كانوا يأخذون شيئا ثم قال أعطه خمسة دراهم فلم أزل به حتى قال أعطوه عشرة دراهم ورورى ابن أبي شيبة حدثنا حفص عن أشعث عن الحسن أنه قال لا بأس أن يأخذ على الكتابة أجرا وكره الشرط انتهى والكتابة غير التعليم
ولم ير ابن سيرين بأجر القسام بأسا وقال كان يقال السحت الرشوة في الحكم وكانوا يعطون على الخرص
قيل وجه ذكر القسام والخارص في هذا الباب الاشتراك في أن جنسهما وجنس تعليم القرآن والرقية واحد انتهى قلت هذا وجه فيه تعسف ويمكن أن يقال وقع هذا استطرادا لا قصدا وابن سيرين هو محمد بن سيرين والقسام بالفتح والتشديد مبالغة قاسم وقال الكرماني القسام جمع القاسم فعلى قوله القاف مضمومة قلت السحت بضم السين وسكون

(12/97)


الحاء المهملتين وحكى ضم الحاء وهو شاذ وقد فسره بالرشوة في الحكم وهو بتثليث الراء وقيل بفتح الراء المصدر وبالكسر الاسم وقيل السحت ما يلزم العار بأكله وقال ابن الأثير الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء وقال السحت الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها واشتقاقه من السحت بالفتح وهو الإهلاك والاستئصال قوله وكانوا يعطون أي الأجرة على الخرص بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد المهملة وهو الحرز وزنا ومعنى ومضى الكلام فيه في البيوع
ثم اعمل أن قول ابن سيرين في أجرة القسام مختلف فيه فروى عبد بن حميد في ( تفسيره ) من طريق يحيى بن عتيق عن محمد وهو ابن سيرين أنه كان يكره أجور القسام ويقول كان يقال السحت الرشوة على الحكم وأرى هذا حكما يؤخذ عليه الأجر وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة قال قتل لابن المسيب ما ترى في كسب القسام فكرهه وكان الحسن يكره كسبه وقال ابن سيرين إن لم يكن حسنا فلا أدري ما هو وجاءت عنه رواية جمع بها ما بين هذا الاختلاف قال ابن سعد حدثنا عارم حدثنا حماد عن يحيى عن محمد هو ابن سيرين أنه كان يكره أن يشارط القسام فكأنه كان يكره له أخذ الأجرة على سبيل المشارطة ولا يكرهها إذا كانت بغير اشتراط وأما قول ابن سيرين السحت الرشوة في الحكم فأخذه مما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم من قولهم في تفسير السحت إنه الرشوة في الحكم أخرجه الطبري بأسانيده عنهم ورواه من وجه آخر مرفوعا برجال ثقات ولكنه مرسل ولفظه كل جسم أنبته السحت فالنار أولى به قيل يا رسول الله وأما السحت قال الرشوة في الحكم
16 - ( حدثنا أبو النعمان قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد رضي الله عنه قال انطلق نفر من أصحاب النبي في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله فذكروا له فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك رسول الله )
مطابقته للترجمة في قوله فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين وهو الرقية بفاتحة الكتاب
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الثاني أبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري الثالث أبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة هو جعفر بن أبي وحشية وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه واسم أبيه أبو وحشية إياس الرابع أبو المتوكل واسمه علي بن داود بضم الدال المهملة وتخفيف الواو وقيل داود الناجي بالنون والجيم السامي بالسين المهملة مات سنة اثنتين ومائة الخامس أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك مشهور باسمه وكنيته

(12/98)


( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رجال هذا الحديث كلهم مذكورون بالكنى وهذا غريب جدا وفيه أن شيخه ومن بعده كلهم بصريون غير أبي عوانة فإنه واسطي وفيه عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد وقد ذكر البخاري في آخر الباب بتصريح أبي بشر بالسماع منه وتابع أبو عوانة على هذا الإسناد شعبة كما في آخر الباب وهشيم كما أخرجه مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد جعل بدل أبي المتوكل أبا نضرة وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريقه وقال الترمذي طريق شعبة أصح من طريق الأعمش وقال ابن ماجه هو الصواب وقال ابن العربي فيه اضطراب وليس بشيء
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الطب عن موسى بن إسماعيل وفيه عن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في الطب عن بندار وأبي بكر بن نافع عن غندر به وعن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه وفي البيوع عن مسدد وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي فيه وفي اليوم والليلة عن بندار به وعن زياد بن أيوب وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن أبي كريب وأوله بعثنا في ثلاثين راكبا
( ذكر معناه ) قوله انطلق نفر النفر رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه قال ابن الأثير ويجمع على أنفار وهذا يدل على أنهم ما كانوا أكثر من العشرة وفي سنن ابن ماجه بعثنا في ثلاثين راكبا وفي رواية الأعمش عند الترمذي بعثنا رسول الله ثلاثين رجلا فنزلنا بقوم ليلا فسألناهم القرى أي الضيافة وفيه عدد السرية ووقت النزول وفي رواية الدارقطني بعث سرية عليها أبو سعيد وفيها تعيين أمير السرية والسرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وتجمع على السرايا قوله حي اعلم أن طبقات أنساب العرب ست الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان مثلا وهو أبو القبائل الذين ينسبون إليه ويجمع على شعوب والقبيلة وهي ما انقسم به الشعب كربيعة ومضر والعمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة ويجمع على عمارات وعمائر والبطن وهي ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم ويجمع على بطون وأبطن والفخذ وهي ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية ويجمع على أفخاذ والفصيلة بالصاد المهملة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس وأكثر ما يدور على الألسنة من الطبقات القبيلة ثم البطن وربما عبر عن كل واحد من الطبقات الست بالحي إما على العموم مثل أن يقال حي من العرب وإما على الخصوص مثل أن يقال حي من بني فلان وقال الهمداني في الأنساب الشعب والحي بمعنى قوله فاستضافوهم أي طلبوا منهم الضيافة قوله فأبوا أي امتنعوا من أن يضيفوهم بالتشديد من التضييف ويروى بالتخفيف وقال ثعلب ضفت الرجل إذا أنزلت به وأضفته إذا أنزلته وقال ابن التين ضبطه في بعض الكتب أن يضيفوهم بفتح الياء والوجه ضمها قوله فلدغ على بناء المجهول من اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة وهو اللسغ وزنا ومعنى وأما اللذغ بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف واللدغ في الحديث ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب وقد بين في الترمذي أنها عقرب ( فإن قلت ) عند النسائي من رواية هشيم أنه مصاب في عقله أو لديغ ( قلت ) هذا شك من هشيم ورواه الباقون أنه لديغ ولم يشكوا خصوصا تصريح الأعمش بأنه لديغ من عقرب وسيأتي في فضائل القرآن من طريق معبد بن سيرين بلفظ أن سيد الحي سليم وكذا في الطب من حديث ابن عباس أن سيد القوم سليم والسليم هو اللديغ قيل له ذلك تفاؤلا بالسلامة وقيل لاستسلامه بما نزل به ( فإن قلت ) جاء في رواية أبي داود والنسائي والترمذي من طريق خارجة بن الصلت عن عمه أنه مر بقوم وعندهم رجل مجنون موثق في الحديد فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا هذا الرجل وفي لفظ عن خارجة بن الصلت عن عمه يعني علاقة بن صحار أنه رقى مجنونا موثقا بالحديد بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة فأخبرت النبي فقال خذها ولعمري من أكل برقية

(12/99)


باطل فقد أكلت برقية حق ( قلت ) هما قضيتان لأن الراقي هناك أبو سعيد وهنا علاقة بن صحار وبينهما اختلاف كثير قوله جعلا بضم الجيم وهو الأجرة على الشيء ويقال أيضا جعالة والجعل بالفتح مصدر يقال جعلت لك كذا جعلا وجعلا قوله فسعوا له بكل شيء أي مما جرت به العادة أن يتداوى به من لدغة العقرب وقال الخطابي يعني عالجوا طلبا للشفاء يقال سعى له الطبيب عالجه بما يشفيه أو وصف له ما فيه الشفاء وفي رواية الكشميهني فشفوا بالشين المعجمة والفاء وعليه شرح الخطابي فقال معناه طلبوا له الشفاء يقال شفى الله مريضي إذا أبرأه وشفى له الطبيب أي عالجه بما يشفيه أو وصف له ما فيه الشفاء وادعى ابن التين أن هذا تصحيف ( قلت ) الذي قاله أقرب قوله لو أتيتم هؤلاء الرهط قال ابن التين قال تارة نفرا وتارة رهطا قوله لو أتيتم جواب لو محذوف أو هو للتمني قوله فأتوهم وفي رواية معبد بن سيرين أن الذي جاء في الرسلية جارية منهم فيحمل على أنه كان معها غيرها قوله وسعينا وفي رواية الكشميهني فشفينا من الشفاء كما ذكرنا عن قريب قوله فقال بعضهم وفي رواية أبي داود فقال رجل من القوم نعم والله إني لأرقي بكسر القاف وبين الأعمش أن الذي قال ذلك أبو سعيد راوي الخبر ولفظه قلت نعم أنا ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما ( فإن قلت ) في رواية معبد بن سيرين أخرجها مسلم فقام منا رجل ما كنا نظنه يحسن رقية وسيأتي في فضائل القرآن فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية ففي هذا ما يشعر بأنه غيره ( قلت ) لا مانع من أن يكنى الرجل عن نفسه وهو من باب التجريد فلعل أبا سعيد صرح تارة وكنى أخرى ووقع في حديث جابر رواه البزار فقال رجل من الأنصار أنا أرقيه وأبو سعيد أنصاري وحمل بعض الشارحين ذلك على تعدد القصة وكان أبو سعيد روى قصتين كان في إحداهما راقيا وفي الأخرى كان غيره قيل هذا بعيد جدا لاتحاد مخرج الحديث والسياق والسبب قوله فصالحوهم أي وافقوهم قوله غنم على قطيع من الغنم والقطيع طائفة من الغنم والمواشي وقال الداودي يقع على ما قل وكثر وفي رواية النسائي ثلاثون شاة قوله يتفل عليه من تفل بالتاء المثناة من فوق يتفل بكسر الفاء وضمها تفلا وهو نفخ معه قليل بصاق وقال ابن بطال التفل البصاق وقيل محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق فتحصل البركة في الريق الذي يتفله قوله ويقرأ الحمد لله رب العالمين وفي رواية شعبة فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب وكذا في حديث جابر وفي رواية الأعمش فقرأت عليه وأنه سبع مرات وفي رواية جابر ثلاث مرات قوله نشط بضم النون وكسر الشين المعجمة من الثلاثي المجرد كذا وقع في رواية الجميع وقال الخطابي وهو لغة والمشهور نشط إذا عقد وأنشط إذا حل يقال نشطته إذا عقدته وأنشطته إذا حللته وفكيته وعند الهروي فكأنما نشط من عقال وقيل معناه أقيم بسرعة ومنه يقال رجل نشيط والعقال بكسر العين المهملة وبالقاف هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة قوله يمشي جملة وقعت حالا قوله قلبة بالفتحات أي علة وقيل للعلة قلبة لأن الذي تصيبه يتقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء وبخط الدمياطي أنه داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه قاله ابن الأعرابي قوله فقال الذي رقى بفتح القاف قوله فننظر ما يأمرنا أي فنتبعه ولم يريدوا أن يكون لهم الخيرة في ذلك قوله وما يدريك أنها رقية قال الداودي معناه وما أدراك وقد روى كذلك ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال إذا قال وما يدريك فلم يعلم وإذا قال وما أدراك فقد أعلم واعترض بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القران ولا فرق بينهما في اللغة أي في نفي الدارية ووقع في رواية هشيم وما أدراك وفي رواية الدارقطني وما علمك أنها رقية قال حق ألقي في روعي وهذه الكلمة أعني وما أدراك وما يدريك تستعمل عند التعجب من الشيء وفي تعظيمه قوله قد أصبتم أي في الرقية قوله واضربوا لي سهما أي اجعلوا لي منه نصيبا وكأنه أراد المبالغة في تصويبه إياهم كما وقع له في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز الرقية بشيء من كتاب الله تعالى ويلحق به ما كان من الدعوات المأثورة أو مما يشابهها ولا يجوز بألفاظ مما لا يعلم معناها من الألفاظ الغير العربية وفيه خلاف فقال الشعبي وقتادة وسعيد بن جبير وجماعة آخرون يكره الرقي والواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاما بالله تعالى وتوكلا عليه وثقة به وانقطاعا إليه

(12/100)


وعلما بأن الرقية لا تنفعه وإن تركها لا يضره إذ قد علم الله تعالى أيام المرض وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل أيام المرض وزمن الداء وعلى تكثير أيام الصحة ما قدروا على ذلك قال الله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها واحتجوا في ذلك بحديث عمران بن حصين أخرجه الطحاوي من حديث أبي مجلز قال كان عمران بن حصين ينهى عن الكي فابتلي فكان يقول لقد اكتويت كية بنار فما أبرأتني من إثم ولا شفتني من سقم وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي والزهري والثوري والأئمة الأربعة وآخرون لا بأس بالرقى واحتجوا في ذلك بحديث الباب وغيره وفيه جواز أخذ الأجرة وقد ذكرناه عن قريب مستوفي وفيه أن سورة الفاتحة فيها شفاء ولهذا من أسمائها الشافية وفي الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ولأبي داود من حديث ابن مسعود مرض الحسن أو الحسين فنزل جبرائيل عليه الصلاة و السلام فأمره أن يقرأ الفاتحة على إناء من الماء أربعين مرة فيغسل يديه ورجليه ورأسه وقال ابن بطال موضع الرقية منها إياك نستعين وعبارة القرطبي موضعها إياك نعبد وإياك نستعين والظاهر أنها كلها رقية لقوله وما يدريك أنها رقية ولم يقل فيها فيستحب قراءتها على اللديغ والمريض وصاحب العاهة وفيه مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب والطلب مما عندهم على سبيل القرى أو الشرى وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنيعه كما صنعه الصحابي من الامتناع من الرقية في مقابلة امتناع أولئك من ضيافتهم وهذا طريقة موسى عليه السلام في قوله لو شئت لاتخذت عليه أجرا ولم يعتذر الخضر عليه السلام عن ذلك إلا بأمر خارج عن ذلك وفيه الاشتراك في الموهوب إذا كان أصله معلوما وفيه جواز قبض الشيء الذي ظاهره الحل وترك التصرف فيه إذا عرضت فيه شبهة وفيه عظمة القرآن في صدور الصحابة خصوصا الفاتحة وفيه أن الرزق الذي قسم لأحد لا يفوته ولا يستطيع من هو في يده منعه منه وفيه الاجتهاد عند فقد النص
( قال أبو عبد الله وقال شعبة قال حدثنا أبو بشر سمعت أبا المتوكل بهذا )
أبو عبد الله هو البخاري وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة هو جعفر بن أبي وحشية المذكور في سند الحديث وأبو المتوكل علي بن داود المذكور فيه ووصله الترمذي بهذه الصيغة والبخاري أيضا في الطب ولكن وصله بالعنعنة -
71 -
( باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء )
أي هذا باب في النظر في ضريبة العبد والضريبة بفتح الضاد المعجمة على وزن فعيلة بمعنى مفعولة وهي ما يقرره السيد على عبده في كل يوم أن يعطيه قوله وتعاهد أي وفي بيان افتقاد ضرائب الإماء والضرائب جمع ضريبة والإماء جمع أمة وإنما اختصها بالتعاهذ لكونها مظنة لطريق الفساد في الأغلب مع أنه يخشى أيضا من اكتساب لعبد بالسرقة مثلا وقيل كأنه أراد بالتعاهد التفقد لمقدار ضريبة الأمة لاحتمال أن تكون ثقيلة فتحتاج إلى التكسب بالفجور
7722 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال حجم أبو طيبة النبي فأمر له بصاع أو صاعين من طعام وكلم مواليه فخفف عن غلته أو ضريبته
مطابقته للترجمة في قوله فخفف عن غلته وهو النظر في ضريبة العبد والحديث مضى بعين هذا الإسناد فيما مضى في كتاب البيوع في باب ذكر الحجام غير أن هناك وأمر أهله أن يخففوا من خراجه وهناك من صاع من تمر وهنا ليس فيه ذكر التمر بل قال من طعام ولا منافاة بينهما لأن الطعام هو المطعوم والتمر مطعوم أو كانت القضية مرتين قوله أو

(12/101)


صاعين شك من الراوي قوله فكلم مواليه أي ساداته وهم بنو حارثة على الصحيح ومولى أبو طيبة منهم هو محيصة بن مسعود وإنما ذكر الموالي بلفظ الجمع إما باعتبار أنه كان مشتركا بين طائفة وإما مجازا كما يقال تميم قتلوا فلانا والقاتل هو شخص واحد منهم قوله فخفف من غلته بالغين المعجمة وتشديد اللام وهي الخراج والضريبة والأجر بمعنى واحد قوله أو ضريبته شك من الراوي فإن قلت ما فيه ما يدل على ضرائب الإماء والترجمة مشتملة عليه قلت بالقياس على ضريبة العبد
81 -
( باب خراج الحجام )
أي هذا باب في بيان خراج الحجام أي أجره
8722 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب قل ) حدثنا ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال احتجم النبي وأعطى الحجام أجره
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في كتاب البيوع في باب ذكر الحجام فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال احتجم النبي وأعطى الذي حجمه ولو كان حراما لم يعطه وهنا أخرجه عن موسى بن إسماعيل التبوذكي عن وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاووس
9722 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال احتجم النبي وأعطى الحجام أجره ولو علم كراهية لم يعطه
مطابقته للترجمة في قوله وأعطى الحجام أجره وقد مر الكلام فيه فيما مضى
قوله ولو علم كراهية لم يعطه أي ولو علم النبي كراهية أجر الحجام لم يعطه أجره ولفظه في الحديث الذي رواه مسدد ولو كان حراما لم يعطه يدل على أن المراد بالكراهية هنا كراهية التحريم
0822 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( مسعر ) عن ( عمرو بن عامر ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول كان النبي يحتجم ولم يكن يظلم أحدا أجره
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة وفي آخره راء ابن كدام مر في باب الوضوء بالمد وعمرو بفتح العين ابن عامر الأنصاري مر في الوضوء من غير حدث وليست له رواية في البخاري إلا عن أنس له حديث في الوضوء وأخر في الصلاة وهذا المذكور هنا
والحديث أخرجه مسلم في الطب عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن وكيع عن مسعر به
قوله ولم يكن يظلم أحدا أجره أعم من أجر الحجام وغيره ممن يستعمل في عمل والمراد أنه يوفي أجر كل أجير ولم يكن يظلم أي ينقص من أجر أحد ولا يرده بغير أجر
91 -
( باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه )
أي هذا باب في بيان حكم من كلم موالي العبد أن يخففوا أي بأن يخففوا عنه من خراجه أي من ضريبته التي وضعها مولاه عليه وهذا التكليم بطريق التفضيل لا على وجه الإلزام إلا إذا كان العبد لا يطيق ذلك وإنما جمع المولى إما باعتبار كون العبد مشتركا بين جماعة وإما باعتبار أنه مجاز كما ذكرنا عن قريب في الباب الذي قبل الباب السابق

(12/102)


1822 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال دعا النبي غلاما حجاما فحجمه وأمر له بصاع أو صاعين أو مد أو مدين وكلمع فيه فخفف من ضريبته
مطابقته للترجمة في قوله وكلم فيه فخفف من ضريبته والحديث عن حميد عن أنس مر عن قريب وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه عن حميد سمعت أنسا
قوله دعا النبي غلاما قال بعضهم هو أبو طيبة كما تقدم قبل باب قلت من أين علم أنه هو فلم لا يجوز أن يكون غيره ومن ادعى أن النبي لم يكن له إلا حجام واحد متعين فعليه البيان وقد روى ابن منده في ( معرفة الصحابة ) من رواية الزهري قال كان جابر رضي الله تعالى عنه يحدث أن رسول الله احتجم على كاهله من أجل الشاة التي أكلها حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة وروى أبو داود من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن أبا هند حجم النبي في اليافوخ الحديث وقال ابن منده قيل إسم أبي هند سنان وقيل سالم قوله وكلم فيه مفعوله محذوف أي كلم النبي في الغلام المذكور مولاه بأن يخفف عنه من ضريبته وكلمة في للتعليل أي كلم لأجله كما في قوله إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها أي لأجل هرة
وفيه استعمال العبد بغير إذن سيده إذا كان معدا لعمل ومعروفا به وفيه الحكم بالدليل لأنه استدل على أنه مأذون له في العمل لانتصابه له وعرض نفسه عليه ويجوز للحجام أن يأكل من كسبه وكذلك السيد وقد مر الكلام فيه مستوفى
02 -
( باب كسب البغي والإماء )
أي هذا باب في بيان حكم كسب البغي والإماء البغي الفاجرة يقال بغت المرأة تبغي بالكسر بغيا إذا زنت فهي بغي ويجمع على بغايا والإماء جمع أمة والبغي أعم من أن تكون أمة أو حرة والأمة أعم من أن تكون بغية أو عفيفة ولم يصرح بالحكم تنبيها على أن الممنوع من كسب البغي مطلق والممنوع من كسب الأمة مقيد بالفجور لأن كسبها بالصنائع الجائزة غير ممنوع
وكره إبراهيم أجر النائحة والمغنية
إبراهيم هو النخعي ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي هاشم عنه أنه كره أجر النائحة والمغنية والكاهن وكرهه أيضا الشعبي والحسن وقال عبد الله بن هبيرة وأكلهم السحت قال مهر البغي فإن قلت ما المناسبة في ذكر أثر إبراهيم هذا في هذا الباب قلت قال بعضهم كان البخاري أشار بهذا إلى أن النهي في حديث أبي هريرة محمول على ما كانت الحرفة فيه ممنوعة أو تجر إلى أمر ممنوع انتهى قلت هذا لا يصلح أن يكون جوابا عن السؤال عن المناسبة في ذكر الأثر المذكور ولكن يمكن أن يقال إن بين كسب البغي وأجر النائحة والمغنية مناسبة من حيث إن كلا منهما معصية كبيرة وأن إجارة كل منهما باطلة وهذا المقدار كاف
وقول الله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن يردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( النور 33 )
وقول الله بالجر تقديره وباب في ذكر قول الله تعالى ولا تكرهوا الآية ذكر هذه الآية في معرض الدليل لحرمة كسب البغي لأنه نهي عن إكراه الفتيات أي الإماء على البغاء أي الزنا والنهي يقتضي تحريم ذلك وتحريم هذا يستدعي حرمة زناهن وحرمة زناهن تستلزم حرمة وضع الضرائب عليهن وهي تقتضي حرمة الأجر الحاصل من ذلك
ثم سبب نزول

(12/103)


هذه الآية فيما ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره نزلت هذه الآية في ست جوار لعبد الله بن أبي بن سلول كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن وهي معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة فجاءته إحداهن يوما بدينار وجاءت أخرى ببرد فقال لهما إرجعا فازنيا فقالتا والله لا نفعل قد جاء الله تعالى بالإسلام وحرم الزنا فأتتا الرسول وشكتا إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية ذكره الواحدي في ( أسباب النزول ) وروى الطبري من طريق ابن نجيح عن مجاهد قال في قوله ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ( النور 33 ) قال إماءكم على الزنا وأن عبد الله بن أبي أمر أمة له بالزنا فزنت فجاءت ببرد فقال إرجعي فازني على آخر قالت والله ما أنا براجعة فنزلت وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعا وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير سمع جابرا قال جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء فنزلت قوله فتياتكم جمع فتاة وهي الشابة والفتى الشاب وقد فتي بالكسر يفتي فهو فتي السن بين الفتا والفتي السخي الكريم وقد تفتى وتفاتى والجمع فتيان وفتية وفتو على فعول وفتي مثل عصا والفتيان الليل والنهار واستفتيت الفقيه في مسألة فأفتاني والاسم الفتيا والفتوى قوله إن أردن تحصنا ( النور 33 ) أي تعففا وقال بعضهم قوله إن أردن تحصنا ( النور 33 ) لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب قلت المفهوم لا يصح نفيه لأن كلمة إن تقتضي ذلك ولكن الذي يقال هنا أن إن ليست للشرط بل بمعنى إذ وذلك كما في قوله تعالى وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ( البقرة 872 ) وقوله تعالى وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( آل عمران 931 ) وقوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ( الفتح 72 ) ومعنى إن في هذه كلها بمعنى إذ وقال النسفي في تفسير هذه الآية وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصنا ثم قال وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذان بأن الباغيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية وقيل إن أردن تحصنا متصل بقوله وأنكحوا الأيامى منكم ( النور 23 ) أي من أراد أن يلزم الحصانة فليتزوج وقيل في الآية تقديم وتأخير والمعنى فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( النور 33 ) لمن أراد تحصنا قوله لتبتغوا أي لتطلبوا بإكراههن على الزنا أجورهن على الزنا قوله غفور رحيم أي لهن وقيل لهم لمن تاب عن ذلك بعد نزول الآية وقيل لهن ولهم إن تابوا وأصلحوا
2822 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام ) عن ( أبي مسعود الأنصاري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن
مطابقته للترجمة في قوله ومهر البغي والحديث قد مضى في أواخر البيوع في باب ثمن الكلب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستوفى
3822 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن جحادة ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهى النبي عن كسب الإماء ( الحديث 3822 - طرفه في 8435 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن جحادة بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة الأيامى بفتح الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف الكوفي مات سنة ثلاث ومائة وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي المعجمة واسمه سلمان الأشجعي والحديث رواه البخاري أيضا في الطلاق عن محمد بن الجعد وأخرجه أبو داود في البيوع عن عبد الله بن معاذ عن أبيه وقد ذكرنا أن المراد من كسب الإماء المنهي هو الكسب الذي تحصله الأمة بالفجور وأما الذي تحصله بالصناعة المباحة فغير منهي عنه
12 -
( باب عسب الفحل )
أي هذا باب في بيان النهي عن عسب الفحل وقال الترمذي باب ما جاء في كراهية عسب الفحل وهو بفتح العين وسكون

(12/104)


السين المهملتين وفي آخره باء موحدة وقد اختلف أهل اللغة فيه هل هو الضراب أو الكراء الذي يؤخذ عليه أو ماء الفحل فحكى أبو عبيد عن الأموي أنه الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل وبه صدر الجوهري كلامه في ( الصحاح ) ثم قال وعسب الفحل أيضا ضرابه ويقال ماؤه وصدر صاحب ( المحكم ) كلامه بأن العسب ضراب الفحل ثم قال عسب الرجل يعسبه عسبا أعطاه وقال أبو عبيد العسب في الحديث الكراء والأصل فيه الضراب قال والعرب تسمي الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه كما قالوا للمزادة راوية والراوية البعير الذي يستقى عليه قال شيخنا ويدل على ما قاله أبو عبيد رواية الشافعي نهى عن ثمن بيع عسب الفحل وقال الرافعي المشهور في الفقهيات أن العسب الضراب وقال الغزالي هو النطفة وقال صاحب ( الأفعال ) عسب الرجل عسبا أكرى منه فحلا ينزيه وقال أبو علي ولا يتصرف منه فعل يقال قطع الله عسبه أي ماءه ونسله ونقل ابن التين عن أصحاب مالك أن معنى عسب الفحل أن يتعدى عليه بغير أجر وقالوا ليس بمعقول أن يسمى الكراء عسبا
4822 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الوارث وإسماعيل بن إبراهيم ) عن ( علي بن الحكم ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى النبي عن عسب الفحل
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول مسدد الثاني عبد الوارث بن سعيد الثالث إسماعيل بن إبراهيم وهو إسماعيل بن علية وقد تكرر ذكره الرابع علي بن الحكم بالفتحتين البناني بضم الباء الموحدة وتشديد النون الأولى الخامس نافع مولى ابن عمر السادس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن مسددا روى عن شيخين وفيه أن إسماعيل بن علية ذكر هنا بنسبته إلى أبيه وشهرته باسم أمه عليه أكثر وفيه أن الرواة كلهم بصريون ما خلا نافعا وفيه أن علي بن الحكم ثقة عند الجميع إلا أن أبا الفتح الأزدي لينه قال بعضهم لينه بلا مستند قلت لو لم يظهر عنده شيء لما لينه وليس له في البخاري غير هذا الحديث
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود في البيوع عن مسدد عن إسماعيل وحده به وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأبي عمار عن إسماعيل به وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم بن علية به وعن حميد بن مسعدة عن عبد الوارث به وأخرجه ابن ماجه عن حميد بن مسعدة عن عبد الوارث وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه من رواية الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب وعسب الفحل وفي رواية للنسائي عسب التيس وعن أنس أخرجه ابن أبي حاتم في ( العلل ) من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن أنس أن النبي نهى عن أجر عسب الفحل قال أبو حاتم إنما يروي من كلام أنس ويزيد لم يسمع من الزهري وإنما كتب إليه وأخرجه النسائي أيضا وعن أبي سعيد أخرجه النسائي من رواية هشام عن ابن أبي نعيم عنه قال نهى عن عسب الفحل وعن جابر أخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله عن بيع ضراب الجمل وعن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أخرجه عبد الله بن أحمد في ( زوائده ) على المسند من حديث عاصم بن ضمرة عنه أن النبي نهى عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطيور وعن ثمن الميتة وعن لحم الحمر الأهلية وعن مهر البغي وعن عسب الفحل وعن المياثر الأرجوان
ذكر ما يستفاد منه احتج به من حرم بيع عسب الفحل وإجارته وهو قول جماعة من الصحابة منهم علي وأبو هريرة وهو قول أكثر الفقهاء كما حكى عنهم الخطابي وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجزم أصحاب الشافعي بتحريم البيع لأن ماء الفحل غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وحكوا في إجارته وجهين أصحهما

(12/105)


المنع وذهب ابن أبي هريرة إلى جواز الإجارة عليه وهو قول مالك وإنما يجوز عندهم إذا استأجره على نزوات معلومة وعلى مدة معلومة فإن آجره على الطرق حتى يحمل لم يصح ورخص فيه الحسن وابن سيرين وقال عطاء لا بأس به إذا لم يجد ما يطرقه
وقال ابن بطال اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فكرهت طائفة أن يستأجر الفحل لينزيه مدة معلومة بأجر معلوم وذلك عن أبي سعيد والبراء وذهب الكوفيون والشافعي وأبو ثور إلى إنه لا يجوز واحتجوا بحديث الباب وروى الترمذي من حديث أنس أن رجلا من كلاب سأل رسول الله عن عسب الفحل فنهاه فقال يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنركم فرخص في الكرامة ثم قال حسن غريب
وفيه جواز قبول الكرامة على عسب الفحل وإن حرم بيعه وإجارته وبه صرح أصحاب الشافعي وقال الرافعي ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية خلافا لأحمد انتهى وما ذهب إليه أحمد قد حكي عن غير واحد من الصحابة والتابعين فروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) بإسناده إلى مسروق قال سألت عبد الله عن السحت قال الرجل يطلب الحاجة فيهدى إليه فيقبلها وروي عن ابن عمر أن رجلا سأله أنه تقبل رجلا أي صمنه فأعطاه دراهم وحمله وكساه فقال أرأيت لو لم تقبله أكان يعطيك قال لا قال لا يصلح لك وروى أيضا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وأنه أتى إلى أهله فإذا هدية فقال ما هذا فقالوا الذي شفعت له فقال أخرجوها أتعجل أجر شفاعتي في الدنيا وروي عن عبد الله بن جعفر أنه كلم عليا في حاجة دهقان فبعث إلى عبد الله بن جعفر بأربعين ألفا فقال ردوها عليه فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف وقد روي نحو هذا في حديث مرفوع رواه أبو داود في ( سننه ) من رواية خالد بن أبي عمران عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي قال من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا وهذا معنى ما ورد كل قرض جر منفعة فهو ربا وروى ابن حبان في ( صحيحه ) من حديث أبي عامر الهوزني عن أبي كبشة الأنماري أنه أتاه فقال أطرقني فرسك فإني سمعت رسول الله يقول من أطرق فرسا فعقب له كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليها في سبيل الله وإن لم يعقب كان له كأجر فرس حمل عليها في سبيل الله قوله أطرقني أي أعرني فرسك للإنزاء ثم الحكمة في كراهة إجارته عند من يمنعها أنها ليست من مكارم الأخلاق ومن جوزها من الشافعية والحنابلة بمدة معلومة قاسها على جواز الاستئجار لتلقيح النخل وهو قياس بالفارق لأن المقصود هنا ماء الفحل وصاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف تلقيح النخل
22 -
( باب إذا استأجر أحد أرضا فمات أحدهما )
أي هذا باب يذكر فيه إذا استأجر أرضا فمات أحدهما أي أحد المتواجرين وليس هو بإضمار قبل الذكر لأن لفظ استأجر يدل على المؤجر وجواب إذا محذوف تقديره هل ينفسخ أم لا وإنما لم يجزم بالجواب للاختلاف فيه
وقال ابن سيرين ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل
أي قال محمد بن سيرين ليس لأهله أي لأهل الميت أن يخرجوه أي المستأجر إلى تمام الأجل أي المدة التي وقع العقد عليها قال الكرماني ليس لأهله إي لورثته أن يخرجوه أي عقد الاستئجار أي يتصرفوا في منافع المستأجر قلت قول الكرماني أي عقد الاستئجار بيان لعود الضمير المنصوب في أن يخرجوه إلى عقد الاستئجار وهذا لا معنى له بل الضمير يعود إلى المستأجر كما ذكرنا ولكن لم يمض ذكر المستأجر فكيف يعود إليه وكذلك الضمير في أهله ليس مرجعه مذكورا ففيهما إضمار قبل الذكر ولا يجوز أن يقال مرجع الضميرين يفهم من لفظ الترجمة لأن الترجمة وضعت بعد قول ابن سيرين هذا بمدة طويلة وليس كله كلاما موضوعا على نسق واحد حتى يصح هذا ولكن الوجه في هذا أن يقال إن مرجع الضميرين محذوف والقرينة تدل عليه فهو في حكم الملفوظ
وأصل الكلام في أصل الوضع هكذا سئل محمد بن سيرين في رجل استأجر من رجل أرضا فمات أحدهما هل لورثة الميت أن يخرجوا يد المستأجر من تلك الأرض أم لا

(12/106)


فأجاب بقوله ليس لأهله أي لأهل الميت أن يخرجوا المستأجر إلى تمام الأجل أي أجل الإجارة أي المدة التي وقع عليها العقد وقال بعضهم الجمهور على عدم الفسخ وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره وتعقب بأن المنفعة قد تنفك عن الرقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة فحينئذ ملك المنفعة باق للمستأجر بمقتضى العقد وقد اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا انتهى قلت الذي يتركه الميت ينتقل بالموت إلى الوارث ثم يترتب الحكم على هذا عند موت المؤجر أو موت المستأجر أما إذا مات المؤجر فقد انتقلت رقبة الدار إلى الوارث والمستحق من المنافع التي حدثت على ملكه قد فات بموته فبطلت الإجارة لفوات المعقود عليه لأن بعد موته تحدث المنفعة على ملك الوارث فإذا كانت المنفعة على ملك الوارث كيف يقول هذا القائل فملك المنفعة باق للمستأجر بمقتضى العقد ومقتضى العقد هو قيام الإجارة وقيام الإجارة بالمتؤاجرين فإذا مات أحدهما زال ذلك الاقتضاء وأما إذا مات المستأجر فلو بقي العقد لبقي على أن يخلفه الوارث وذا لا يتصور لأن المنفعة الموجودة في حياته تلاشت فكيف يورث المعدوم والتي تحدث ليست بمملوكة له ليخلفه الوارث فيها إذ الملك لا يسبق الوجود فإذا ثبت انتفاء الإرث تعين بطلان العقد وقوله المنفعة قد تنفك عن الرقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة كلام واه جدا لأن المنفعة عرض والعرض كيف يقوم بذاته وتنظيره ببيع مسلوب المنفعة غير صحيح لأن مسلوب المنفعة لم يكن فيها منفعة أصلا وقت البيع حتى يقال كانت فيه منفعة ثم انفكت عنه وفات بذاتها وفي الإجارة المنفعة موجودة وقت العقد لأنها تحدث ساعة فساعة ولكن قيامها بالعين وحين انتقلت العين إلى ملك الوارث انتقلت المنفعة معها لقيامها معها وتنظيرها بالمسألة الاتفاقية أيضا غير صحيح لأن الناظر لا يرجع إليه العقد والعاقد من وقع المستحق عليه فإن قلت الموكل إذا مات ينفسخ العقد مع أنه غير عاقد قلت نحن نقول كلما مات العاقد لنفسه ينفسخ ولم نلتزم بأن كل ما انفسخ يكون بموت العاقد لأن العكس غير لازم في مثله
وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية تمضي الإجارة إلى أجلها
الحكم بفتحتين هو ابن عتيبة أحد الفقهاء الكبار بالكوفة وهو ممن روى عنه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه والحسن هو البصري وإياس بن معاوية بن قرة المزني قوله تمضي الإجارة على صيغة بناء الفاعل أو على صيغة بناء المفعول قوله إلى أجلها أي إلى مدة الإجارة والحاصل أن الإجارة لا تنفسخ عندهم بموت أحد المتؤاجرين ووصل ابن أبي شيبة هذا المعلق من طريق حميد عن الحسن وإياس بن معاوية نحوه وأيضا من طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه
وقال ابن عمر أعطى النبي خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قبض النبي
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما أعطى خيبر بالشطر استمر الأمر عليه في حياته وبعده أيضا فدل على أن عقد الإجارة لا ينفسخ بموت أحد المتؤاجرين وهذا تعليق أدرج فيه البخاري كلامه والتعليق أخرجه مسلم في ( صحيحه ) على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا حجة من يدعي عدم الفسخ بالموت ولكن هذا لا يفيدهم في الاستدلال ولهذا قال ابن التين قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو الراوي ليس مما بوب عليه البخاري لأن خيبر مساقاة والمساقاة سنة على حيالها انتهى قلت قال أصحابنا من جهة أبي حنيفة إن قضية خيبر لم تكن بطريق المزارعة والمساقاة بل كانت بطريق الخراج على وجه المن عليهم والصلح لأن النبي ملكها غنيمة فلو كان أخذ كلها جاز وتركها في أيديهم بشطر ما يخرج منها فضلا وكان ذلك خراج مقاسمة وهو جائز كخراج التوظيف ولا

(12/107)


نزاع فيه وإنما النزاع أن يوظف في جواز المزارعة والمعاملة وخراج المقاسمة أن يوظف الإمام في الخارج شيئا مقدرا عشرا أو ثلثا أو ربعا ويترك الأراضي على ملكهم منا عليهم فإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء عليهم ولم ينقل عن أحد من الرواة أنه تصرف في رقابهم أو رقاب أولادهم وقال أبو بكر الرازي في ( شرحه لمختصر الطحاوي ) ومما يدل على أن ما شرط من نصف الثمر أو الزرع كان على وجه الخراج أنه لم يرو في شيء من الأخبار أن النبي أخذ منهم الجزية إلى أن مات ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله تعالى عنهما إلى أن أجلاهم ولو لم يكن ذلك لأخذ منهم الجزية حين نزلت آية الجزية وسنذكر بقية الكلام في هذا الباب في باب المزارعة إن شاء الله تعالى
5822 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال أعطى رسول الله خيبر أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها وأن ابن عمر حدثه أن المزارع كانت تكرى على شيء سماه نافع لا أحفظه
6822 - ( وأن رافع بن خديج ) حدث أن النبي نهى عن كراء المزارع وقال عبيد الله عن نافع عن ابن عمر حتى أجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه
هذا أيضا ليس بداخل فيما ترجم به على ما ذكرنا الآن أن قضية خيبر لم تكن بطريق المزارعة والمساقاة إلى آخره وقال صاحب ( التوضيح ) هي إجارة وسكت على ذلك وسكوته كان خيرا لأنه ربما كان يعلل كلامه بشيء لا يقبله أحد وقال ابن التين وما ذكر من حديث رافع ليس مما بوب عليه أيضا لأنه قال كنا نكري الأرض بالثلث والربع وعلى الماديانات وإقبال الجداول فنهينا عن ذلك وجويرية مصغر جارية ضد الواقفة ابن أسماء بوزن حمراء وهو من الأعلام المشتركة وقد مر غير مرة قوله وأن ابن عمر عطف على عن عبد الله أي عن نافع أن ابن عمر حدثه أيضا أنه كانت المزارع تكرى على شيء من حاصلها قوله سماه نافع أي قال جويرية سمى نافع مقدار ذلك الشيء لكن أنا لا أحفظ مقداره قوله وأن رافع بن خديج حدث إنما قال وأن ابن عمر حدثه بالضمير وقال هذا حدث بلا ضمير لأن ابن عمر حدث نافعا بخلاف نافع فإنه لم يحدث له خصوصا ويحتمل أن يكون الضمير محذوفا وسيجيء بيان حكم هذا الباب في المزارعة إن شاء الله تعالى قوله وقال عبيد الله إلى آخره تعليق وصله مسلم فقال حدثنا أحمد بن حنبل وزهير بن حرب واللفظ لزهير قال حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ورواه أيضا من وجوه أخرى وفي آخره قال لهم رسول الله نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه إلى تيماء وأريحاء وقال الكرماني وقال عبيد الله هو كلام موسى ومن تتمة حديثه ومنه تحصل الترجمة قلت ليس هو من كلام موسى بل هو كلام مستأنف معلق ولا هو من تتمة حديثه ولا منه تحصل الترجمة لأنها في الإجارة وهذا ليس بإجاره وإنما هو خارج على ما ذكرنا عن قريب وعبيد الله بتصغير العبد ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
بسم الله الرحمان الرحيم
83 -
( كتاب الحوالات )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الحوالات وهي جمع حوالة بفتح الحاء وكسرها مشتقة من التحول والانتقال قال ثعلب تقول أحلت فلانا على فلان بالدين إحالة قال ابن طريف معناه أتبعته على غريم ليأخذه وقال ابن درستويه يعني أزال عن نفسه الدين إلى غيره وحوله تحويلا وفي ( نوادر ) اللحياني أحيله إحالة وإحالا وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة قوله

(12/108)


كتاب الحوالة بعد البسملة وقع كذا في رواية النسفي والمستملي وفي رواية الأكثرين لم يقع إلا لفظ باب الحوالة لا غير
1 -
( باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة )
أي هذا باب في بيان حكم الحوالة وهل يرجع المحيل في الحوالة أم لا وإنما لم يجزم بالحكم لأن فيه خلافا وهو أن الحوالة عقد لازم عند البعض وجائز عند آخرين فمن قال عقد لازم فلا يرجع فيها ومن قال عقد جائز فله الرجوع
وقال الحسن وقتادة إذا كان يوم أحال عليه مليا جاز
أي إذا كان المحال عليه يوم أحال المحيل عليه أي على المحال عليه مليا يعني غنيا من ملىء الرجل إذا صار مليا وهو مهموز اللام وليس هو من معتل اللام وأصل مليا مليئا على وزن فعيلا فكأنهم قلبوا الهمزة ياء وأدغموا الياء في الياء قوله جاز جواب إذا يعني جاز هذا الفعل وهو الحوالة ومفهومه أنه إذا كان مفلسا فله أن يرجع وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة والأثرم واللفظ له من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن أنهما سئلا عن رجل احتال على رجل فأفلس قال إذا كان مليا يوم احتال عليه فليس له أن يرجع وجمهور العلماء على عدم الرجوع وقال أبو حنيفة يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا أو حكم بإفلاسه أو جحد الحوالة ولم يكن له بينة وبه قال شريح وعثمان البتي والشعبي والنخعي وأبو يوسف ومحمد وآخرون وقال الحكم لا يرجع ما دام حيا حتى يموت ولا يترك شيئا فإن الرجل يوسر مرة ويعسر أخرى وقال الشافعي وأحمد وعبيد والليث وأبو ثور لا يرجع عليه وإن توى وسواء غره بالفلس أو طول عليه أو أنكره وقال مالك لا يرجع على الذي أحاله إلا أن يغره بفلس
وقال ابن عباس يتخارج الشريكان وأهل الميراث فيأخذ هذا عينا وهذا دينا فإن توي لأحدهما لم يرجع على صاحبه
يتخارج الشريكان أي يخرج هذا الشريك مما وقع في نصيب صاحبه وذلك الآخر كذلك أراد أن ذلك في القسمة بالتراضي بغير قرعة مع استواء الدين وإقرار من عليه وحضوره فأخذ أحدهما عينا والآخر الدين ثم إذا توى الدين أي إذا هلك لم تنقض القسمة لأنه رضي بالدين عوضا فتوى في ضمانه فالبخاري أدخل قسمة الديون والعين في الترجمة وقاس الحوالة عليه وكذلك الحكم بين الورثة أشار إليه بقوله وأهل الميراث قوله فإن توى بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الواو على وزن قوى من توى المال يتوى من باب علم إذا هلك ويقال توى حق فلان على غريمه إذا ذهب توى وتواء والقصر أجود فهو تو وتاو ومنه لا توى على مال امرىء مسلم وتفسيره في حديث عمر رضي الله تعالى عنه في المحتال عليه يموت مفلسا قال يعود الدين إلى ذمة المحيل
7822 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال مطل الغني ظلم فإذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع
مطابقته للترجمة في قوله فإذا أتبع إلى آخره وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون هو عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وقد تكرر ذكرهما
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن محمد ابن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن عبد الرحمن بن القاسم أربعتهم عن مالك به وأخرجه البخاري أيضا في الحوالة عن محمد بن يوسف عن سفيان وأخرجه الترمذي في البيوع عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان وأخرجه النسائي أيضا وابن

(12/109)


ماجه من رواية سفيان بن عيينة وفي الباب عن ابن عمر رواه ابن ماجه من رواية يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل وعن الشريد بن سويد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية محمد بن ميمون بن مسيكة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته وعن جابر أخرجه البزار من رواية محمد بن المنكدر عنه أن النبي قال مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع
ذكر معناه قوله مطل الغني ظلم المطل في الأصل من قولهم مطلت الحديدة أمطلها إذا مددتها لتطول وفي ( المحكم ) المطل التسويف بالعدة والدين مطله حقه وبه يمطله مطلا فأمطل قال القزاز والفاعل ماطل ومماطل والمفعول ممطول ومماطل تقول ماطلني ومطلني حقي وقال القرطبي المطل عدم قضاء ما استحق أداؤه مع التمكن منه وقال الأزهري المطل المدافعة وإضافة المطل إلى الغني إضافة المصدر للفاعل هنا وإن كان المصدر قد يضاف إلى المفعول لأن المعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز ومنهم من قال إنه مضاف للمفعول والمعنى أنه يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخيره حقه عنهفإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى وفيه تكلف وتعسف وفي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند النسائي وابن ماجه المطل ظلم الغني والمعنى أنه من الظلم أطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل وقد رواه الجوزقي من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ إن من الظلم مطل الغني وقال القرطبي الظلم وضع الشيء في غير موضعه لغة وفي الشرع هو محرم مذموم وعن سحنون ترد شهادة الملي إذا مطل لكونه سمي ظالما وعند الشافعي بشرط التكرار قوله فإذا أتبع قال القرطبي هو بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وكسر الباء الموحدة مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع وقوله فليتبع بالتخفيف من تبعت الرجل بحقي أتبعه تباعة بالفتح إذا طلبته وقيل فليتبع بالتشديد والأول أجود عند الأكثر وقال الخطابي إن أكثر المحدثين يقولونه بالتشديد والصواب التخفيف ومعناه إذا أحيل فليحتل وقد رواه بهذا اللفظ أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي الزناد وفي رواية ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ فإا أحلت على ملي فأتبعه وهذا بتشديد التاء بلا خلاف وقال الرافعي الأشهر في الروايات وإذا اتبع يعني بالواو ولأنهما جملتان لا تعلق لأحداهما بالأخرى وغفل عما في ( صحيح البخاري ) هنا فإنه بالفاء في جميع الروايات وهو كالتوطئة والعلة لقبول الحوالة فإن قلت رواه مسلم بالواو وكذا البخاري في الباب الذي بعده قلت نعم لكن قال ومن اتبع وقوله لي الواجد قال ابن التين لي الواجد بفتح اللام وتشديد الياء أي مطله يقال لواه بدينه ليا وليانا وأصل لي لوى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء والواجد بالجيم الغني الذي يجد ما يقضي به دينه قوله يحل عرضه أي لومه وعقوبته أي حبسه هذا تفسير سفيان والعرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب وقال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير وفي ( الفصيح ) العرض ريح الرجل الطيبة أو الخبيثة ويقال هو نقي العرض أي بريء من أن يشتم أو يعاب وقال ابن خالويه العرض الجلد يقال هو نقي العرض أي لا يعاب بشيء وقال ابن المبارك يحل عرضه يغلظ عليه وعقوبته يحبس به
ذكر ما يستفاد منه فيه الزجر عن المطل واختلف هل يعد فعله عمدا كبيرة أم لا فالجمهور على أن فاعله يفسق لكن هل يثبت فسقه بمطله مرة واحدة أم لا قال النووي مقتضى مذهبنا اشتراط التكرار ورد عليه السبكي في ( شرح المنهاج ) بأن مقتضى مذهبنا عدمه واستدل بأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة وتسميته ظلما يشعر بكونه كبيرة والكبيرة لا يشترط فيها التكرار نعم لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره انتهى وفيه أن العاجز عن الأداء لا يدخل في المطل وفيه أن المعسر لا يحبس ولا يطالب حتى يوسر وقيل لصاحب

(12/110)


الحق أن يحبسه وقيل يلازمه وفيه أمر بقبول الحوالة فمذهب الشافعي يستحب له القبول وقيل الأمر فيه للوجوب وهو مذهب داود وعن أحمد روايتان الوجوب والندب والجمهور على أنه ندب لأنه من باب التيسير على المعسر وقيل مباح ولما سأل ابن وهب مالكا عنه قال هذا أمر ترغيب وليس بإلزام وينبغي له أن يطيع سيدنا رسول الله بشرط أن يكون بدين وإلا فلا حوالة لاستحالة حقيقتها إذ ذاك وإنما يكون حمالة وفي ( التوضيح ) ومن شرطها تساوي الدينين قدرا ووصفا وجنسا كالحلول والتأخير وقال ابن رشد ومنهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ومنعها في الطعام وأجاز مالك إذا كان الطعامان كلاهما من قرض إذا كان دين المحال حالا وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه لا يجوز إلا أن يكون الدينان حالين وعند ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حالا ولم يفرق بين ذلك الشافعي لأنه كالبيع في ضمان المستقرض وأما أبو حنيفة فأجاز الحوالة بالطعام وشبهه بالدراهم وفي ( التلويح ) وجمهور العلماء على أن الحوالة ضد الحمالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء وعند أبي حنيفة يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا أو حكم بإفلاسه أو جحد الحوالة ولا بينة له وبه قال ابن شريح وعثمان البتي وجماعة وقد مر في أول الباب وفي الروضة للنووي أما المحال عليه فإن كان عليه دين للمحيل لم يعتبر رضاه على الأصح وإن لم يكن لم يصح بغير رضاه قطعا وبإذنه وجهان وفي الجواهر للمالكية أما المحال عليه فلا يشترط رضاه وفي بعض كتب المالكية يشترط رضاه إذا كان عدوا وإلا فلا وأما المحيل فرضاه شرط عندنا وعندهم لأنه الأصل في الحوالة وفي العيون والزيادات ليس بشرط وقال صاحب ( التلويح ) ورئي بخط بعض الفضلاء في قوله مطل الغني ظلم دلالة على أن الحوالة إنما تكون بعد حلول الأجل في الدين لأن المطل لا يكون إلا بعد الحلول وفيه ملازمة المماطل وإلزامه بدفع الدين والتوصل إليه بكل طريق وأخذه منه قهرا
2 -
( باب إذا أحال على ملي فليس له رد )
هذا الباب وقع في نسخة الفربري لا غير أي هذا باب يذكر فيه إذا أحال صاحب الحق على رجل ملي فليس له رد
8822 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن ذكوان ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال مطل الغني ظلم ومن أتبع على ملي فليتبع ( انظر الحديث 7822 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وهو من أفراده وليس هذا محمد بن يوسف ابن واقد أبو عبد الله الفريابي وهو أيضا شيخ البخاري روى عنه في الكتاب وذكر ابن مسعود أن البخاري رواه عن محمد بن يوسف في كتاب الحوالة وكذا ذكره خلف وأبو العباس الطرقي ومن طريقه أخرجه الترمذي عن الثوري وأخرجه النسائي عن سفيان بن عيينة قوله عن ابن ذكوان هو عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والكلام فيه قد مر عن قريب
3 -
( باب إذا أحال دين الميت على رجل جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إن أحال دين الميت على رجل جاز أي هذا الفعل وقال ابن بطال إنما ترجم بالحوالة فقال إن أحال دين الميت ثم أدخل حديث سلمة وهو في الضمان لأن الحوالة والضمان متقاربان وإليه ذهب أبو ثور لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة إلى ذمة آخر في هذا الحديث نقل ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة
9822 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال حدثنا ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه قال كنا جلوسا عند النبي إذ أتى بجنازة فقالوا صل عليها فقال هل

(12/111)


عليه دين قالوا لا قال فهل ترك شيئا قالوا لا فصلى عليه ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا يا رسول الله صل عليها قال هل عليها دين قال نعم قال فهل ترك شيئا قالوا ثلاثة دنانير فصلى عليها ثم أتي بالثالثة فقالوا صل عليها قال هل ترك شيئا قالوا لا قال فهل عليه دين قالوا ثلاثة دنانير قال صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه ( الحديث 9822 - طرفه في 5922 )
مطابقته للترجمة تفهم مما نقلناه عن ابن بطال الآن
ورجاله ثلاثة وهذا سابع ثلاثيات البخاري الأول مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد البلخي أبو السكن وروى مسلم عنه بواسطة الثاني يزيد من الزيادة ابن أبي عبيد بضم العين مولى سلمة بن الأكوع مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة الثالث سلمة بن الأكوع هو سلمة بن عمرو بن الأكوع ويقول سلمة بن وهب بن الأكوع واسمه سنان بن عبد الله المدني شهد بيعة الرضوان تحت الشجرة وبايع رسول الله ثلاث مرات وكان يسكن الربذة وكان شجاعا راميا مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الكفالة عن أبي عاصم وأخرجه النسائي في الجنائز عن عمر وعلي ومحمد بن المثنى
ذكر معناه قوله جلوسا جمع جالس وانتصابه على أنه خبر كان قوله إذ كلمة مفاجأة قوله أتي بضم الهمزة على صيغة المجهول وكذلك آتي في الموضعين الآخرين وذكر ثلاثة أحوال الأول لم يترك مالا ولا دينا الثاني عليه دين وترك مالا الثالث عليه دين ولم يترك مالا ولم يذكر الرابع وهو الذي لا دين عليه وترك مالا وهذا حكمه أن يصلي عليه أيضا ولم يذكره إما لأنه لم يقع وإما لأنه كان كثيرا قوله ثلاثة دنانير في الأخير وروى الحاكم من حديث جابر وفيه ديناران وكذلك في رواية أبي داود عن جابر وفي رواية الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد فإن قلت كيف التوفيق بين رواية الثلاث ورواية الإثنين قلت يحمل بأنه كان دينارين ونصفا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال دينارين ألغى النصف أو كان أصل ذلك ثلاثة فوفىالميت قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال دينارين فباعتبار ما بقي من الدين قوله قال أبو قتادة الحارث بن ربعي الخزرجي الأنصاري فارس رسول الله مر في الوضوء وأخرجه الترمذي عن نفس أبي قتادة فقال حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أخبرنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه أن رسول الله أتى برجل ليصلي عليه فقال النبي صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا قال أبو قتادة هو علي فقال رسول الله بالوفاء فصلى عليه وفي رواية ابن ماجة فقال ابن قتادة أنا أتكفل به وفي رواية أبو داود هما علي يا رسول الله قال بالوفاء وفي رواية الدارقطني فجعل رسول الله يقول هما عليك وفي مالك وحق الرجل عليك والميت منهما بريء فقال نعم فصلى عليه وجعل رسول الله إذا لقي أبا قتادة يقول ما صنعت في الدينارين حتى إذا كان آخر ذلك قال قد قضيتهما يا رسول الله قال الآن حين بردت عليه جلدته وفي رواية الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد فقال على صاحبكم دين قالوا ديناران قال أبو قتادة أنا بدينه يا رسول الله وروى الدراقطني من حديث ابن عباس عن عطاء بن عجلان عن أبي اسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه كان رسول الله إذا أتى بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسأل عن دينه فإن قيل عليه دين كف وإن قيل ليس عليه دين صلى فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سأل هل عليه قالوا ديناران فعدل عنه وقال صلوا على صاحبكم فقال علي رضي الله تعالى عنه هما علي وهو بريء منهما فصلى عليه ثم قال لعلي جزاك الله خيرا وفك الله رهانك كما فككت رهان أخيك إنه ليس من ميت يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة فقال بعضهم هذا لعلي خاصة أم للمسلمين عامة قال بل للمسمين عامة وروى عن أبي سعيد الخدري نحوه وفيه أن عليا قال أنا ضامن لدينه وفي

(12/112)


رواية الطحاوي من حديث شريك عن عبد الله بن عقيل قال إن رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي حتى قال أبو اليسر أو غيره هو علي فصلى عليه فجاءه من الغد يتقاضاه فقال أما كان ذلك أمس ثم أتاه من بعد الغد فأعطاه فقال النبي الآن بردت عليه جلدته
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الكفالة من الميت وقال ابن بطال اختلف العلماء فيمن تكفل عن ميت بدين فقال ابن أبي ليلى ومحمد وأبو يوسف والشافعي الكفالة جائزة عنه وإن لم يترك الميت شيئا ولا رجوع له في مال الميت إن ثاب للميت مال وكذلك إن كان للميت مال وضمن عنه لم يرجع في قولهم لأنه متطوع وقال مالك له أن يرجع في ماله كذلك إن قال إنما أديت لأرجع في مال الميت وإن لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له إن ثاب للميت قال ابن القاسم لأنه بمعنى الهدية وقال أبو حنيفة إن لم يترك الميت شيئا فلا تجوز الكفالة وإن ترك جازت بقدر ما ترك وقال الخطابي فيه إن ضمان الدين عن الميت يبريه إذا كان معلوما سواء خلف الميت وفاء أو لم يخلف وذلك أنه إنما امتنع من الصلاة لارتهان ذمته بالدين فلو لم يبرأ بضمان أبي قتادة لما صلى عليه والعلة المانعة قائمة وفيه فساد قول مالك أن المؤدى عنه الدين يملكه أولا عن الضامن لأن الميت لا يملك وإنما كان هذا قبل أن يكون للمسلمين بيت مال إذ بعده كان القضاء عليه وقال القاضي البيضاوي لعله امتنع عن الصلاة عن المديون الذي لم يترك وفاء تحذيرا عن الدين وزجرا عن المماطلة أو كراهة أن يوقف دعاؤه عن الإجابة بسبب ما عليه من مظلمة الخلق وقال الكرماني الحديث حجة على أبي حنيفة حيث قال لا يصلح الضمان عن الميت إذا لم يترك وفاء وقال ابن المنذر وخالف أبو حنيفة الحديث قلت هذا إساءة الأدب وحاشا من أبي حنيفة أن يخالف الحديث الثابت عن رسول الله عند وقوفه عليه وكان الأدب أن يقول ترك العمل بهذا الحديث ثم تركه في الموضع الذي ترك العمل به إما لأنه لم يثبت عنده أو لم يقف عليه أو ظهر عنده نسخه وحديث أبي هريرة الذي يأتي بعد أربعة أبواب يدل على النسخ وهو قوله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة أن النبي قال من ترك كلأ فإليه ومن ترك مالا فللوارث قال أبو بشر يونس ابن حبيب سمعت أبا الوليد يقول هذا نسخ تلك الأحاديث التي جاءت في ترك الصلاة على من عليه الدين وقال أبو بكر عبد الله بن أحمد الصفار حدثنا محمد بن الفضل الطبري أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن المخزومي أنبأنا محمد بن بكير الحضرمي حدثنا خالد بن عبد الله عن حسين بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان رسول الله لا يصلي على من مات وعليه دين فمات رجل من الأنصار فقال عليه دين قالوا نعم فقال صلوا على صاحبكم فنزل جبريل عليه الصلاة و السلام فقال إن الله عز و جل يقول إنما الظالم عندي في الديون التي حملت في البغي والإسراف والمعصية فأما المتعفف ذو العيال فأنا ضامن أن أؤدي عنه فصلى عليه النبي وقال بعد ذلك من ترك ضياعا أو دينا فإلي أو علي ومن ترك ميراثا فلأهله فصلى عليهم وقال القرطبي التزامه بدين الموتى يحتمل أن يكون تبرعا على مقتضى كرم أخلاقه لا أنه أمر واجب عليه قال وقال بعض أهل العلم يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال فعلي قضاؤه ولأن الميت المديون خاف أن يعذب في قبره علي ذلك الدين لقوله الآن حين بردت جلدته وكما أن على الإمام أن يسد رمقه ويراعي مصلحته الدنيوية فالأخروية أولى وقال ابن بطال فإن لم يعط الإمام عنه شيئا وقع القصاص منه في الآخرة ولم يحبس الميت عن الجنة بدين له مثله في بيت المال إلا أن يكون دينه أكثر مما له في بيت المال وفي شرح المهذب قيل أنه كان يقضيه من مصالح المسلمين وقيل من ماله وقيل كان هذا القضاء واجبا عليه وقيل لم يصل عليه لأنه لم يكن للمسلمين يومئذ بيت مال فلما فتح الله عليهم وصار لهم بيت مال صلى على من مات وعليه دين ويوفيه منه

(12/113)


( باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها )
أي هذا باب في بيان حكم الكفالة في القرض والديون أي ديون المعاملات وهو من باب عطف العام على الخاص قوله بالأبدان يتعلق بالكفالة قوله وغيرهما أي وغير الأبدان وهي الكفالة بالأموال وفي بعض النسخ باب الكفالة في القروض والديون ووجه إدخال هذا الباب في كتاب الحوالة من حيث أن الحوالة والكفالة التي هي الضمان متقاربان لأن كلا منهما نقل دين من ذمة إلى ذمة وقد مر الكلام فيه عن قريب وقال المهلب الكفالة بالقرض الذي هو السلف بالأموال كلها جائزة وحديث الخشبة الملقاة في البحر أصل في الكفالة بالديون من قرض كانت أو بيع
( وقال أبو الزناد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن عمر رضي الله عنه بعثه مصدقا فوقع رجلا على جارية امرأته فأخذ حمزة من الرجل كفيلا حتى قدم على عمر وكان عمر قد جلده مائة جلدة فصدقهم وعذره بالجهالة )
مطابقته للترجمة في قوله فأخذه حمزة من الرجل كفيلا وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان وقد تكرر ذكره ومحمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي حجازي ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وروى له النسائي في اليوم والليلة وأبو داود والطحاويي وأبو حمزة بن عمرو بن عويمر بن الحارث الأعرج الأسلمي يكنى أبا صالح وقيل أبا محمد مات سنة إحدى وستين وله صحبة ورواية
وهذا التعليق وصله الطحاوي فقال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا ابن أبي الزناد قال حدثني أبي عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن عمر رضي الله تعالى عنه بعثه مصدقا على سعد ابن هذيم فأتى حمزة بمال ليصدقه فإذا رجل يقول لامرأته أدي صدقة مال مولاك وإذا المرأة تقول له بل أنت فأد صدقة مال أبيك فسأله حمزة عن أمرها وقولهما فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة وأنه وقع على جارية لها فولدت ولدا فأعتقته امرأته قالوا فهذا المال لابنه من جاريتها فقال له حمزة لأرجمنك بالحجارة فقيل له أصلحك الله إن أمره قد رفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فجلده عمر مائة ولم ير عليه الرجم فأخذ حمزة بالرجل كفيلا حتى يقدم على عمر فيسأله عما ذكر من جلد عمر إياه ولم ير عليه رجما فصدقهم عمر بذلك من قولهم وقال إنما درأ عنه الرجم عذره بالجهالة انتهى
قوله مصدقا بتشديد الدال المكسورة على صيغة اسم الفاعل من التصديق أي أخذ الصدقة عاملا عليها فصدقهم بالتخفيف أي صدق الرجل للقوم واعترف بما وقع منه لكنه اعتذر بأنه لم يكن عالما بحرمة وطىء جارية امرأته أو بأنها جاريتها لأنها التبست واشتبهت بجارية نفسه أو بزوجته أو صدق عمر الكفلاء فيما كانوا يدعونه أنه قد جلده مرة لذلك ويحتمل أن يكون الصدق بمعنى الإكرام كقوله تعالى في مقعد صدق ( القمر 55 ) أي كريم فمعناه فأكرم عمر رضي الله تعالى عنه الكفلاء وعذر الرجل بجهالة الحرمة أو الاشتباه قوله فأخذ حمزة من الرجل كفيلا ليس المراد من الكفالة ههنا الكفالة الفقهية بل المراد التعهد والضبط عن حال الرجل وقال ابن بطال كان ذلك على سبيل الترهيب على المكفول ببدنه والاستيثاق لا أن ذلك لازم للكفيل إذا زال المكفول به واستفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان فإن حمزة بن عمرو صحابي وقد فعله ولم ينكر عليه عمر رضي الله تعالى عنه مع كثرة الصحابة حينئذ وإنما جلد عمر رضي الله تعالى عنه للرجل مائة تعزيرا وكان ذلك بحضرة أصحاب رسول الله وقال ابن التين فيه شاهد لمذهب مالك في مجاوزة الإمام في التعزير قدر الحد ورد عليه بأنه فعل صحابي عارضه مرفوع صحيح فلا حجة فيه
قلت هذا الباب فيه خلاف بين العلماء فمذهب مالك وأبي ثور وأبي يوسف في قول الطحاوي إن التعزير ليس له مقدار محدود ويجوز للإمام أن يبلغ به ما رآه وأن يتجاوز به الحدود وقالت طائفة التعزير مائة جلدة فأقل وقالت طائفة أكثر التعزير مائة جلدة إلا جلدة وقالت طائفة أكثره تسعة وتسعون سوطا فأقل وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف في رواية وقالت طائفة أكثره ثلاثون سوطا وقالت طائفة أكثره

(12/114)


عشرون سوطا وقالت طائفة لا يتجاوز بالتعزير تسعة وهو بعض قول الشافعي وقالت طائفة أكثره عشرة أسواذ فأقل لا يتجاوز به أكثر من ذلك وهو قول الليث بن سعد والشافعي وأصحاب الظاهر وأجابوا عن الحديث المرفوع وهو قوله لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله بأنه في حق من يرتدع بالردع ويؤثر فيه أدنى الزجر كأشراف الناس وأشراف أشرافهم وأما السفلة وأسقاط الناس فلا يؤثر فيهم عشر جلدات ولا عشرون فيعزرهم الإمام بحسب ما يراه وقد ذكر الطحاوي حديث حمزة بن عمرو المذكور في باب الرجل يزني بجارية امرأته فروى في أول الباب حديث سلمة بن المحبق أن رجلا زنى بجارية امرأته فقال النبي إن كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها وإن كانت طاوعة فهي له وعليه مثلها ثم قال فذهب قوم إلى هذا الحديث وقالوا هذا هو الحكم فيمن زنى بجارية امرأته قلت أراد بالقوم الشعبي وعامر بن مطر وقبيصة والحسن ثم قال الطحاويي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل نرى عليه الرجم إن كان محصنا والجلد إن كان غير محصن قلت أراد بالآخرين هؤلاء جماهير الفقهاء من التابعين ومن بعدهم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم ثم أجابوا عن حديث سلمة بن المحبق أنه منسوخ بحديث النعمان بن بشير رواه الطحاوي وأبو داود والترمذي وابن ماجه ولفظ أبي داود أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة فقال لأقضين فيك بقضية رسول الله إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة فوجدوها أحلتها له فجلده مائة قال الطحاوي فثبت بهذا ما رواه سلمة بن المحبق قالوا قد عمل عبد الله بن مسعود بعد رسول الله مثل ما في حديث سلمة فأجاب الطحاوي عن هذا بقوله وخالفه في ذلك حمزة بن عمرو الأسلمي وساق حديثه على ما ذكرناه آنفا وقال أيضا وقد أنكر علي رضي الله تعالى عنه على عبد الله بن مسعود في هذا قضاءه بما قد نسخ فقال حدثنا أحمد بن الحسن قال حدثنا علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين قال ذكر لعلي رضي الله تعالى عنه شأن الرجل الذي أتى ابن مسعود وامرأته وقد وقع على جارية امرأته فلم ير عليه حدا فقال علي لو أتاني صاحب ابن أم عبد لرضخت رأسه بالحجارة لم يدر ابن أم عبد ما حدث بعده فأخبر علي رضي الله تعالى عنه أن ابن مسعود تعلق في ذلك بأمر قد كان ثم نسخ بعده فلم يعلم ابن مسعود بذلك وقد خالف علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله ابن مسعود في الحكم المذكور وذهب إلى قول من خالف عبد الله والحال أن علقمة أعلم أصحاب عبد الله بعبد الله وأجلهم فلو لم يثبت نسخ ما كان ذهب إليه عبد الله لما خالف قوله مع جلالة قدر عبد الله عنده
وقال جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين استتبهم وكفلهم فتابوا وكفلهم عشائرهم
مطابقته للترجمة في قوله وكفلهم ولا خلاف في جواز الكفالة بالنفس جرير هو ابن عبد الله البجلي والأشعث بن قيس الكندي الصحابي وهذا التعليق مختصر من قصة أخرجا البيهقي بطولها من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود فلما سلم قام رجل فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة فسمع مؤذن عبد الله بن نواحة يشهد أن مسيلمة رسول الله فقال عبد الله علي بابن النواحة وأصحابه فجيء بهم فأمر قريظة بن كعب فضرب عنق ابن النواحة ثم استشار الناس في أولئك النفر فأشار إليه عدي بن حاتم بقتلهم فقام جرير والأشعث فقالا بل استتبهم وكفلهم عشائرهم وروى ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم أن عدة المذكورين كانوا مائة وسبعين رجلا ومعنى التكفيل هنا ما ذكرناه في حديطث حمزة بن عمرو الضبط والتعهد حتى لا يرجعوا إلى الارتداد لا أنه كفالة لازمة
وقال حماد إذا تكفل بنفس فمات فلا شيء عليه وقال الحكم يضمن
حماد هو ابن أبي سليمان واسمه مسلم الأشعري أبو إسماعيل الكوفي الفقيه وهو أحد مشايخ الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأكثر الرواية عنه وثقه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما مات سنة عشرين ومائة والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة ومذهبه أن الكفيل بالنفس يضمن الحق الذي على المطلوب وهو أحد قولي الشافعي وقال مالك والليث والأوزاعي إذا تكفل

(12/115)


بنفسه وعليه مال فإنه لم يأت به غرم المال ويرجع به على المطلوب فإن اشترط ضمان نفسه أو وجهه وقال لا أضمن المال فلا شيء عليه من المال
( قال أبو عبد الله وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ائتني بالشهداء أشهدهم فقال كفى بالله شهيدا قال فأتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسلمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر فقال اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال هل كنت بعثت إلي بشيء قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف الدينار راشدا )
مطابقته للترجمة في قوله فسألني كفيلا وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وعلقه عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة ابن شرحبيل بن حسنة القرشي المصري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة ومضى هذا الحديث في كتاب الزكاة في باب ما يستخرج من البحر وعلقه فيه أيضا عن الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج ولكنه مختصر وكذلك ذكره معلقا عن الليث نحوه مختصرا في كتاب البيوع في باب التجارة في البحر وقد ذكرنا هناك أنه أخرجه أيضا في الاستقراض واللقطة والشروط والاستئذان ومر البحث فيه هناك مستقصى ونذكر هنا أيضا أشياء لزيادة التوضيح والبيان وقال بعضهم أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل لم أقف على اسمه لكن رأيت في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي له بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه أن رجلا جاء إلى النجاشي فقال له أسلفني ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل بك قال الله فأعطاه الألف وضرب بها الأجل أي سافر بها في تجارة فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسته الريح فعمل تابوتا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة قال هذا القائل واستفدنا منه أن الذي أقرض هو النجاشي فيجوز أن يكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم انتهى قلت انتهى هذا الكلام في البعد إلى حد السقوط لأن السائل والمسؤل منه كلاهما من بني إسرائيل على ما يصرح به ظاهر الكلام وبين الحبشة وبني إسرائيل بعد عظيم في النسبة وفي الأرض ويبعد أن يكون ذلك الانتساب إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع وهذا يأباه من له نظر تام في تصرفه في وجوه معاني الكلام على أن الحديث المذكور ضعيف لا يعمل به فافهم قوله مركبا أي سفينة قوله يقدم بفتح الدال وهو جملة حالية قوله وصحيفة أي مكتوبا قوله زحج بالزاي والجيم قال الخطابي أي

(12/116)


سوى موضع النقر وأصلحه وهو من تزجيج الحواجب وهو حذف زوائد الشعر وقال عياض ومعناه سمرها بمسامير كالزج أو حشي شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج قوله تسلفت فلانا قال بعضهم كذا وقع هنا والمعروف تعديته بحرف الجر كما وقع في رواية الإسماعيلي استلفت من فلان ( قلت ) تنظيره باستلفت غير موجه لأن تسلفت من باب التفعل واستسلفت من باب الاستفعال وتفعل يأتي للمتعدي بلا حرف الجر كتوسد التراب واستسلفت معناه طلبت منه السلف ولا بد من حرف الجر قوله فرضي بذلك هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فرضي به ورواية الإسماعيلي فرضي بك قوله جهدت بفتح الجيم والهاء قوله حتى ولجت فيه بتخفيف اللام أي حتى دخلت في البحر من الولوج وهو الدخول قوله وهو في ذلك الواو فيه للحال قوله يلتمس أي يطلب قوله ينظر جملة حالية قوله فإذا بالخشبة كلمة إذا للمفاجأة قوله حطبا نصب على أنه مفعول لفعل محذوف تقديره فأخذها لأجل أهله يجعلها حطبا للإيقاد قوله فلما نشرها أي قطعها بالمنشار وفي رواية النسائي فلما كسرها وفي رواية أبي سلمة وغدا رب المال يسأل عن صاحبه كما كان يسأل فيجد الخشبة فيحملها إلى أهله فقال أوقدوا هذه فكسروها فانتثرت الدنانير منها والصحيفة فقرأها وعرف قوله فانصرف بالألف الدينار وهذا على مذهب الكوفيين وراشد أنصب على الحال من فاعل انصرف
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز التحدث عما كان في زمن بني إسرائيل وقد جاء تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج عليكم وفيه جواز التجارة في البحر وجواز ركوبه وفيه جواز أجل القرض احتج به من يرى بذلك ومن منعه يقول القرض إعارة والتأجيل فيها غير لازم لأنها تبرع وأما الذي في الحديث فكان على سبيل المسامحة لا على طريق الإلزام وفيه طلب الشهود في الدين وطلب الكفيل به وفيه فضل التوكل على الله وأن من صح توكله تكفل الله بنصره وعونه قال عز و جل ومن يتوكل على الله فهو حسبه وفيه أن جميع ما يوجد في البحر فهو لواجده ما لم يعلمه ملكا لأحد -
2 -
( باب قول الله تعالى والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ( النساء 33 ) )
أي هذا باب في بيان معنى قول الله تعالى والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن الكفالة التزام بغير عوض تطوعا فتلزم كما لزم استحقاق الميراث بالحلف الذي وجد على وجه التطوع وأول الآية ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا ( النساء 33 ) قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان ولكل جعلنا موالي ( النساء 33 ) أي ورثة وعن ابن عباس في رواية أي عصبة وقال ابن جرير العرب تسمي ابن العم مولى وقال الزجاج المولى كل من يليك وكل من والاك في محبة فهو مولى لك قلت لفظ المولى مشترك يطلق على معان كثيرة يطلق على المنعم والمعتق والمعتق والجار والناصر والصهر والرب والتابع وزاد ابن الباقلاني في ( مناقب الأئمة ) المكان والقرار وأما بمعنى الولي فكثير ولا يعرف في اللغة بمعنى الإمام قوله والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) قال البخاري في التفسير عاقدت هو مولى اليمين وهو الحلف وذكر ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وجماعة آخرين أنهم الحلفاء وقال عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن منصور عن مجاهد في قوله والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) قال كان هذا حلفا في الجاهلية قوله عاقدت ( النساء 33 ) من المعاقدة مفاعلة من عقد الحلف وقرىء عقدت هو حلف الجاهلية كانوا يتوارثون به ونسخ بآية المواريث وفي ( تفسير ) عبد بن حميد من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة العقد خمسة عقدة النكاح وعقدة الشريك لا يخونه ولا يظلمه وعقدة البيع وعقدة العهد قال الله عز و جل أوفوا بالعقود ( المائدة 1 ) وعقدة الحلف قال الله عز و جل والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) وفي ( تفسير ) مقاتل كان الرجل يرغب في الرجل فيحالفه ويعاقده على أن يكون معه وله من ميراثه كبعض ولده فلما نزلت آية المواريث جاء رجل إلى النبي فذكر له ذلك فنزلت والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) الآية يعني أعطوهم الذي سميتم له من المواريث وعن عكرمة والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) الآية كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما

(12/117)


الآخر فنسخ ذلك في الأنفال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ( الأنفال57 ) وفي رواية أحمد أنها نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن رضي الله تعالى عنهما حين أبى الإسلام فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم أمره الله عز و جل أن يورثه نصيبه وقال أبو جعفر النحاس الذي يجب أن يحمل عليه حديث ابن عباس المذكور في الباب أن يكون ولكل جعلنا موالي ( النساء 33 ) ناسخا لما كانوا يفعلونه وأن يكون والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) غير ناسخ ولا منسوخ وقال الحسن وقتادة إنها منسوخة ومثله يروى عن ابن عباس وممن قال إنها محكمة مجاهد وسعيد بن جبير وبه قال أبو حنيفة وقال هذا الحكم باق غير منسوخ وجمع بين الآيتين بأن جعل أولى الأرحام أولى من أولياء المعاقدة فإذا فقد ذوو الأرحام ورث المعاقدون وكانوا أحق به من بيت المال قوله إن الله كان على كل شيء شهيدا ( النساء 33 ) يعني إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات ولا تنشؤا بعد نزول هذه الآية معاقدة
2922 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( إدريس ) عن ( طلحة بن مصرف ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما ولكل جعلنا موالي ( النساء 33 ) قال ورثة والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) قال كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي ( النساء 33 ) نسخت ثم قال والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) إلا النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له
وجه دخول هذا الحديث في الكفالة والحوالة ما قيل إن الكفيل والغريم الذي وقعت الحوالة عليه ينتقل الحق عليه كما ينتقل ههنا حق الوارث عنه إلى الحلف فشبه انتقال الحق على المكلف بانتقاله عنه أو باعتبار أن أحد المتعاقدين كفيل عن الآخر لأنه كان من جملة المعاقدة لأنهم كانوا يذكرون فيها تطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك وأما وجه المطابقة بين الترجمة والحديث فظاهر
ذكر رجاله وهم ستة الأول الصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن عبد الرحمن أبو همام الخاركي مر في باب إذا لم يتم السجود الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة وقد تكرر ذكره الثالث إدريس بن يزيد من الزيادة الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة الرابع طلحة بن مصرف بلفظ اسم الفاعل من التصريف بمعنى التغيير ابن عمرو اليامي من بني يام مر في كتاب البيوع في باب ما يتنزه من الشبهات الخامس سعيد بن جبير السادس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه بصري والبقية كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وطلحة بن مصرف روى عن عبد الله بن أبي أوفى
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن الصلت بن محمد أيضا وفي الفرائض عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا في الفرائض عن هارون بن عبد الله
ذكر معناه قوله قال ورثة أي فسر ابن عباس الموالي بالورثة وكذا فسرها جماعة من التابعين كما ذكرناه عن قريب قوله قال أي ابن عباس كان المهاجرون إلى آخره قوله دون ذوي رحمه أي ذوي أقربائه قوله للأخوة أي لأجل الأخوة التي آخى النبي بمد الهمزة يقال آخاه يؤاخيه مؤاخاة وإخاء بالكسر إذا جعل بينهما أخوة والأخوة مصدر يقال أحوت تاخوا إخوة قوله بينهم أي بين المهاجرين والأنصار قوله فلما نزلت أي الآية التي هي قوله تعالى ولكل جعلنا موالي ( النساء 33 ) نسخت آية الموالي آية المعاقدة قوله إلا النصر مستثنى من الأحكام المقدرة في الآية المنسوخة أي تلك الآية حكم نصيب الإرث لا النصر والرفادة بكسر الراء أي المعاونة والرفادة أيضا شيء كان تتوافد به قريش في الجاهلية يخرج مالا يشترى به للحاج طعام

(12/118)


وزبيب للنبيذ ويجوز أن يكون هذا استثناء منقطعا أي لكن النصر ونحوه باق ثابت قوله وقد ذهب الميراث أي من المتعاقدين قوله ويوصى له على صيغة المعلوم والمجهول والضمير في له يرجع إلى الذي كان يرث الميت بالأخوة وعن ابن المسيب نزلت هذه الآية ولكل جعلنا موالي ( النساء 33 ) في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية ورد الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة وأبى أن يجعل للمدعين ميراث من أدعاهم وتبناهم ولكن جعل لهم نصيبا في الوصية
3922 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قدم علينا عبد الرحمان بن عوف فآخى رسول الله بينه وبين سعد بن الربيع
هذا الحديث قد مضى في أوائل كتاب البيوع فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن حميد عن أنس وهنا أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير أبي إبراهيم الأنصاري المؤدب المديني عن حميد الطويل إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
4922 - حدثنا ( محمد بن الصباح ) قال حدثنا ( إسماعيل بن زكرياء ) قال حدثنا ( عاصم ) قال قلت ل ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أبلغك أن النبي قال لا حلف في الإسلام فقال قد حالف النبي بين قريش والأنصار في داري
لذكر هذا الحديث في هذا الباب وجه ظاهر ومحمد بن الصباح بتشديد الباء الموحدة أبو جعفر الدولابي أصله هروي نزل بغداد وإسماعيل بن زكريا أبو زياد الأسدي الخلقاني الكوفي وعاصم هو ابن سليمان الأحول
والحديث أخرجه البخاري في الاعتصام عن مسدد عن عباد بن عباد وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن الصباح عن حفص ابن غياث وعن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأخرجه أبو داود في الفرائض عن مسدد عن سفيان ابن عيينة قوله أبلغك الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله لا حلف بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وفي آخره فاء وهو العهد يكون بين القوم والمعنى أنهم لا يتعاهدون في الإسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية ويدل عليه ما رواه مسلم من حديث سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن إبيه عن جبير ابن مطعم مرفوعا لا حلف في الأسلام وإنما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة وقال ابن سيده معنى لا حلف في الإسلام أي لا تعاهد على فعل شيء كانوا في الجاهلية يتعاهدون والمحالفة في حديث أنس هي الإخاء قاله ابن التين قال وذلك أن الحلف في الجاهلية هو بمعنى النصرة في الإسلام وقال الطبري في ( التهذيب ) فإن قيل قد قال لا حلف في الإسلام وهو يعارض قول أنس حالف رسول الله بين قريش والأنصار في داري بالمدينة قيل له هذا كان في أول الإسلام آخى بين المهاجرين والأنصار قال والذي قال فيه ما كان من حلف فلن يزيده الإسلام إلا شدة يعني ما لم ينسخه الإسلام ولم يبطله حكم القرآن وهو التعاون على الحق والنصرة والأخذ على يد الظالم
3 -
( باب من تكفل عن ميت دينالله فليس له أن يرجع )
أي هذا باب في بيان من تكفل عن ميت دينا كان عليه فليس له أن يرجع عن الكفالة لأنها لزمته واستقر الحق في ذمته قيل يحتمل أن يريد فليس له أن يرجع في التركة بالقدر الذي تكفل به قلت قد ذكرنا أن فيه اختلاف العلماء فقال ابن أبي ليلى الضمان لازم سواء ترك الميت شيئا أم لا وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه فإن ترك الميت شيئا ضمن بقدر ما ترك وإن ترك وفاء ضمن جميع ما تكفل به ولا رجوع له في التركة لأنه متطوع وقال مالك له الرجوع إذا ادعاه

(12/119)


وبه قال الحسن
أي بعدم الرجوع قال الحسن البصري وهو قول الجمهور من العلماء
5922 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه أن النبي أتي بجنازة ليصلي عليها فقال هل عليه من دين قالوا لا فصلى عليه ثم أتي بجنازة أخرى فقال هل عليه من دين قالوا نعم قال صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة علي دينه يا رسول الله فصلى عليه ( انظر الحديث 9822 )
مطابقته للترجمة في قوله قال أبو قتادة علي دينه والحديث قد مضى بأتم منه في باب إذا أحال دين الميت على رجل جاز قبل هذا الباب ببابين فإنه أخرجه هناك عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيدة عن سلمة إلى آخره وهنا أخرجه عن أبي عاصم وهو الضحاك بن مخلد النبيل قال الكرماني هذا الحديث ثامن ثلاثيات البخاري قلت هذا الحديث قد مر مرة كما ذكرناه الآن فلا يكون هذا ثامنا بل سابعا وذكر هذا الحديث هناك في الحوالة وذكره ههنا في الكفالة لأنهما متحدان عند البعض أو متقاربان ثم إنه اقتصر في هذا الطريق على ذكر جنازتين من الأموات وهنا ذكر ثلاثة وقد ساقه الإسماعيلي هنا أيضا تاما وزاد فيه أنه قال ثلاث كيات وكأنه ذكر ذلك لكونه كان من أهل الصفة فلم يعجبه أن يدخر شيئا
6922 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( عمرو ) وقال سمع ( محمد بن علي ) عن ( جابر ابن عبد الله ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال قال النبي لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى من كان له عند النبي عدة أو دين فليأتنا فأتيته فقلت إن النبي قال لي كذا وكذا فحثى لي حثيه فعددتها فإذا هي خمسمائة وقال خذ مثليها
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كما قام مقام النبي تكفل بما كان عليه من واجب أو تطوع فلما التزم ذلك لزمه أن يوفي جميع ما عليه من دين وعدة وكان يحب الوفاء بالوعد ونفذ أبو بكر ذلك
ذكر رجاله وهم خمسة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني الثاني سفيان بن عيينة الثالث عمرو بن دينار الرابع محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الخامس جابر بن عبد الله
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مدنيان وسفيان وعمرو مكيان وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وعمرو بن دينار روى كثيرا عن جابر وههنا كان بينهما واسطة هو محمد بن علي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الخمس عن علي بن عبد الله أيضا وفي المغازي عن قتيبة وفي الشهادات عن إبراهيم بن موسى وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن يحيى وعن محمد بن حاتم وعن محمد بن المنكدر
ذكر معناه قوله لو قد جاء ومعنى قد ههنا لتحقق المجيء قوله مال البحرين والمراد بالمال مال الجزية والبحرين على لفظ تثنية البحر موضع بين البصرة وعمان وكان العامل عليها من جهة النبي العلاء بن الحضرمي قوله قد

(12/120)


أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا وفي الشهادات فبسط يده ثلاث مرات قوله عدة أي وأصل عدة وعد فلما حذفت الواو عوضت عنها الياء في آخره فوزنه على هذا علة قوله فحثى لي حثية بفتح الحاء المهملةوالحثية ملء الكف وقال ابن قتيبة هي الحفنة وقال ابن فارس هي ملء الكفين والفاء في فحثى عطف على محذوف تقديره خذ هكذا وأشار بيديه وفي الواقع هو تفسير لقوله خذ هكذا قوله وقال خذ مثليها أي قال أبو بكر خذ أيضا مثلي خمسمائة فالجملة ألف وخمسمائة وذلك لأن جابرا لما قال إن النبي قال لي كذا وكذا وكان النبي قال له لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرات حثى له أبو بكر حثية فجاءت خمسمائة ثم قال خذ مثليها ليصير ثلاث مرات تنفيذا لما وعده النبي بقوله هكذا ثلاث مرات وكان ذلك وعدا من النبي وكان من خلقه الوفاء بالعهد ونفذه أبو بكر بعد وفاته
وقال بعضهم وفيه قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو جر ذلك نفعا لنفسه لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه انتهى قلت إنما لم يلتمس شاهدا منه لأنه عدل بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس ( آل عمران 01 ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( البقرة 341 ) فمثل جابر إن لم يكن من خير أمة فمن يكون وأما السنة فقوله من كذب علي متعمدا الحديث ولا يظن ذلك لمسلم فضلا عن صحابي فلو وقعت هذه المسألة اليوم فلا تقبل إلا ببينة وقال هذا القائل أيضا ويحتمل أن يكون أبو بكر رضي الله تعالى عنه علم بذلك فقضى له بعلمه فيستدل به على جواز مثل ذلك للحاكم انتهى
قلت هذا الباب فيه تفصيل وليس على الإطلاق لأن علم القاضي على أنواع
منها ما يعلم به قبل البلوغ وقبل الولاية من الأقوال التي يسمعها والأفعال التي يشاهدها ومنها ما يعلمها بعد البلوغ قبل الولاية ومنها ما يعلمه بعد الولاية ولكن في غير عمله الذي وليه ومنها ما يعلمه بعد الولاية في عمله الذي وليه ففي الفصل الأول لا يقضي بعلمه مطلقا وفي الفصل الثاني خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فعند أبي حنيفة لا يقضي وعندهما يقضي إلا في الحدود والقصاص وعن الشافعي قولان وفي الثاني لا يقضي أيضا وفي الرابع يقضي بلا خلاف وقال ابن التين في الحديث جواز هبة المجهول والآبق والكلب وفي ( حاوي ) الحنابلة وتصح هبة المشاع وإن تعذرت قسمته وفي ( الروضة ) للشافعية تجوز هبة المشاع سواء المنقسم أو غيره وساء وهبه للشريك أو غيره ويجوز هبة الأرض المزروعة مع زرعها ودون زرعها وعكسه انتهى وعندنا لا تجوز الهبة فيما لا يقسم إلا محوزة أي مفرغة عن أملاك الواهب حتى لا تصح هبة الثمر على الشجر والزرع على الأرض بدون الشجر والأرض وكذا العكس وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة
وفيه العدة فجمهور العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد على أن إنجاز العدة مستحب وأوجه الحسن وبعض المالكية وقد استدل بعض الشافعية بهذا الحديث على وجوب الوفاء بالوعد في حق النبي لأنهم زعموا أنه من خصائصه ولا دلالة فيه أصلا لا على الوجوب ولا على الخصوصية
( باب جوار أبي بكر في عهد النبي وعقده )
أي هذا باب في بيان جوار أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بضم الجيم وكسرها والمراد به الزمام والأمان قوله في عهد النبي أي في زمنه قوله وعقده أي عقد أبي بكر رضي الله تعالى عنه
7922 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) قال ( ابن شهاب فأخبرني عروة ابن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين وقال أبو صالح حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني عروة بن

(12/121)


الزبير أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربييي قال ابن الدغنة إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا قد خشينايي أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر إني أرد إليك جوارك وأرضي بجوار الله ورسول الله يومئذ بمكة فقال رسول الله قد أريت دار هجرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي قال أبو بكر هل ترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه وعلف راحلتين كانتا

(12/122)


عنده ورق السمر أربعة أشهر
مطابقته للترجمة من حيث إن المجير ملتزم للمجار أن لا يؤذي من جهة من أجار منه وكان ضمن له أن لا يؤذي وأن تكون العهدة في ذلك عليه وبهذا يحصل الجواب عما قيل كان المناسب أن يذكر هذا في كفالة الأبدان كما ناسب والذين عاقدت أيمانكم ( النساء 33 ) كفالة الأموال
ذكر رجاله وهم تسعة الأول يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي الثاني الليث بن سعد الثالث عقيل بضم العين ابن خالد الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس أبو صالح واختلف في اسمه فقال أبو نعيم والأصيلي والجياني وآخرون إنه سليمان ابن صالح ولقبه سلمويه وقال الإسماعيلي هو أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث وقال الدمياطي هو أبو صالح محبوب بن موسى الفراء قيل المعتمد على الأول لأنه وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري قال قال أبو صالح سلمويه حدثنا عبد الله بن المبارك السابع عبد الله بن المبارك الثامن يونس بن يزيد التاسع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في ستة مواضع وفيه أن شيخه مذكور بنسبته إلى جده وأنه والليث وأبا صالح على قول من يقول إنه كاتب الليث مصريون وعقيل إيلي والزهري وعروة مدنيان وعبد الله بن المبارك وأبو صالح على قول من يقول إنه سلمويه مروزيان وعبد الله على قول من يقول أبو صالح كاتب الليث هو عبد الله بن وهب مصري
وقد مضى صدر هذا الحديث في أبواب المساجد في باب المسجد يكون في الطريق فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الحديث مختصرا
ذكر معناه قوله قال ابن شهاب فأخبرني عروة فيه محذوف وقوله فأخبرني عطف عليه تقديره قال ابن شهاب أخبرني كذا وكذا وعقيب ذلك أخبرني بهذا قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله وقال أبو صالح حدثني عبد الله هذا تعليق سقط من رواية أبي ذر وساق الحديث عن عقيل وحده قوله لم أعقل أبوي أي لم أعرف يعني ما وجدتهما منذ عقلت إلا متدينين بدين الإسلام قوله قط بتشديد الطاء المضمونة للنفي في الماضي تقول ما رأيته قط وقال أبو علي وقد تجزم إذا كانت بمعنى التعليل وتضم وتثقل إذا كانت في معنى الزمن والحين من الدهر تقول لم أر هذا قط وليس عندي إلا هذا فقط قوله وهما يدينان الدين أي يطيعان الله وذلك أن مولدها بعد البعث بسنتين وقيل بخمس وقيل بسبع ولا وجه له لإجماعهم أنها كانت حين هاجر النبي بنت ثمان وأكثر ما قيل أن مقامه بمكة بعد البعث ثلاث عشرة سنة وإنما يصح خمس على قول من يقول أقام ثلاث عشرة سنة وسنتين على قول من يقول أقام عشرا بها وتزوجها وهي بنت ست وقيل سبع وبنى بها وهي بنت تسع ومات عنها وهي بنت ثماني عشر سنة وعاشت بعده ثمان وأربعين سنة قوله فلما ابتلى المسلمون أي بإيذاء المشركين قوله خرج أبو بكر مهاجرا أي حال كونه مهاجرا وقال الأزهري أصل المهاجرة عند العرب خروج البدوي من البادية إلى المدن يقال هاجر البدوي إذا حضر وأقام كأنه ترك الأولى للثانية قوله حتى إذا بلغ برك الغماد بفتح الباء الموحدة على الأكثر ويروى بكسرها وبسكون الراء وبالكاف وفي ( المطالع ) وبكسر الباء وقع للأصيلي والمستملي وأبي محمد الحموي قال وهو موضع بأقاصي هجر والغماد بكسر الغين وضمها كذا ذكره ابن دريد وف ( معجم ) البكري قال أحمد بن يعقوب الهمداني برك الغماد في أقصى اليمن قال أبو محمد برك ونعام موضعان في أطراف اليمن وقال الهجري برك من اليمامة وقيل إن البرك والبريك مصغرا لبني هلال بن عامر قوله ابن الدغنة بفتح الدال المهملة

(12/123)


وكسر الغين المعجمة وفتح النون المخففة على مثال الكلمة ويقال بضم الدال والغين وتشديد النون ويقال بفتح الدال وسكون الغين وفي المطالع عند المروزي الدغنة بفتح الدال وبفتح الغين قال الأصيلي كذا قرأناه وعند القابسي الدغنة بفتح الدال وكسر الغين وتخفيف النون وحكى الجياني فيه الوجهين ويقال ابن الدثنة أيضا وتسكن الثاء أيضا والدغنة اسم أمه ومعناه لغة الغيم الممطر والدثنة الكثيرة اللحم المسترخية وقال ابن إسحاق واسمه ربيعة بن رفيع قوله وهو سيد القارة بالقاف وتخفيف الراء قبيلة موصوفة بجودة الرمي وفي ( المطالع ) القارة بنو الهون بن خزيمة قلت خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر سموا بذلك لأنهم في بعض حربهم لبني بكر صفوا في قارة وقال ابن دريد القارة أكمة سوداء فيها حجارة قوله أن أسيح أي أن أسير يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها وأصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض قوله لا يخرج على بناء الفاعل ولا يخرج على بناء المفعول قوله تكسب المعدوم أي تكسب معاونة الفقير وتحقيقه مر في كتاب الإيمان قوله وتحمل الكل بفتح الكاف وتشديد اللام وهو الثقلأي ثقل العجزة كذا فسره الكرماني وفي ( المغرب ) الكل اليتيم ومن هو عيال وثقل على صاحبه قوله وتقرى الضيف بفتح التاء من قرى يقري من باب ضرب يضرب تقول قريت قرى مثل قليته قلى وقراء أحسنت إليه إذا كسرت القاف قصرت وإذا فتحت مددت وفي ( المطالع ) القرى بالكسر مقصورا ما يهيأ للضيف من طعام ونزل وقال القالي إذا فتحت أوله مددته قوله على نوائب الحق النوائب جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث من نابه ينوبه شيء إذا نزل به واعتراه قوله وأنا لك جار أي مجير وفي ( الصحاح ) الجار الذي أجرته من أن يظلمه ظالم وقال تعالى وإني جار لكم ( الأنفال 84 ) والمعنى هنا أنا مؤمنك ممن أخافك منهم وفي ( المغرب ) أجاره يجيره إجارة إغاثة والهمزة للسلب والجار المجير والمجار قوله فرجع مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكان القياس أن يقال رجع أبو بكر معه عكس المذكور ولكن هذا من إطلاق الرجوع وإرادة لازمه الذي هو المجيء أو هو من قبيل المشاكلة لأن أبا بكر كان راجعا وأطلق الرجوع باعتبار ما كان قبله بمكة قوله فطاف أي ابن الدغنة في أشراف كفار قريش أي ساداتهم وهم جمع شريف وشريف القوم سيدهم وكبيرهم قوله أتخرجون بضم التاء من الإخراج والهمزة للاستفهام على سبيل الأنكار قوله يكسب المعدوم جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله رجلا وما بعده عطف عليها قوله فانفذت بالذال المعجمة أي امضوا جواره ورضوا به وآمنوا أبا بكر أي جعلوه في أمن ضد الخوف قوله مر أمر من يأمر قوله فليعبد قيل الفاء لا معنى لها هنا وقيل تقديره مر أبا بكر ليعبد ربه فليعبد ربه قاله الكرماني قلت هذا الذي ذكره أيضا لا معنى له لأنه لا يفيد زيادة شيء بل تصلح الفاء أن تكون جزاء شرط تقديره مر أبا بكر إذا قبل ما تشترط عليه فليعبد ربه في داره قوله بذلك إشارة إلى ما ذكر من الصلاة والقراءة قوله ولا يستعلن به أي بالمذكور من الصلاة والقراءة والاستعلان الجهر ولكن مرادهم الجهر بدينه وصلاته وقراءته قوله أن يفتن بفتح الياء آخر الحروف من الفتنة يقال فتنته أفتنه فتنا وفتونا ويقال أفتنه وهو قليل والفتنة تستعمل على معان كثيرة وأصلها الامتحان والمراد هنا أن يخرج أبناءهم ونساءهم مما هم فيه من الضلال إلى الدين وقوله أبناءنا منصوب لأنه مفعول لقوله أن يفتن قال ذلك أي قال ابن الدغنة وذلك إشارة إلى ما شرطت أشراف قريش عليه قوله فطفق أبو بكر بكسر الفاء يقال طفق يفعل كذا مثل جعل يفعل كذا وهو من أفعال المقاربة ولكنه من النوع الذي يدل على الشروع فيه ويعمل عمل كان وقال صاحب ( التوضيح ) يقال طفق يفعل كذا مثل ظل قلت ليس كذلك لأن ظل من الأفعال الناقصة وقال صاحب ( الأفعال ) طفق ما نسي طفوقا إذا دام فعله ليلا ونهارا ومنه قوله تعالى فطفق مسحا ( ص 33 ) الآية وفيه نظر ثم بدا لأبي بكر أي ظهر له رأي في أمره بخلاف ما كان يفعله قوله فابتنى مسجدا بفناء داره بكسر الفاء وهو ما امتد من جوانب الدار وهو أول مسجد بني في الإسلام قاله أبو الحسن قال الداودي بهذا يقول مالك وفريق من العلماء إن من كانت لداره طريقا متسعا له أن يرتفق منها بما لا يضر بالطريق قوله وبرز أي ظهر من البروز قوله

(12/124)


فكان يصلي فيه أي في المسجد الذي بناه بفناء داره قوله فيتقصف أي يزدحم حيضا حتى يكسر بعضهم بعضا بالوقوع عليه وأصل القصف الكسر ومنه ريح قاصفة أي شديدة تكسر الشجر قوله بكاء مبالغة باكي من البكاء قوله فأفزع ذلك من الفزع وهو الخوف وذلك في محل الرفع فاعله وهو إشارة إلى ما فعله أبو بكر من قراءة القرآن جهرا وبكائه وقوله أشراف قريش كلام إضافي منصوب لأنه مفعول أفزع قوله وإن جاوز ذلك أي ما شرطنا عليه قوله وإن أبى إلا أن يعلن ذلك أي وإن امتنع إلا أن يجهر بما ذكر من الصلاة وقراءة القرآن قوله ذمنك أي عهدك قوله أن نخفرك بضم النون وسكون الخاء المعجمة وبالفاء من الإخفار بكسر الهمزة وهو نقض العهد يقال خفرته إذا أجرته وحميته وأخفرته إذا نقضت عهده ولم تف به والهمزة فيه للسلب قوله إني أخفرت على بناء المجهول قوله أرضى بجوار الله أي حماه قوله قد أريت على بناء المجهول قوله سبخة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة وهي الأرض تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت شيئا إلا بعض الشجر قوله بين لابتين اللابتان تثنية لابة بالتخفيف وهي أرض فيها حجارة سود كأنها احترقت بالنار وكذلك الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء قوله مهاجرا حال أي طالب الهجرة من مكة قوله على رسلك بكسر الراء على هينتك من غير عجلة يقال إفعل كذا على رسلك أي اتئد وفي ( التوضيح ) الرسل بفتح الراء السير السهل وضبطه في الأصل بكسر الراء وبعض الروايات بفتحها قوله أن يؤذن على بناء المجهول من الإذن قوله بأبي أي مفدى بأبي قوله أنت مبتدأ وخبره بأبي أو أنت تأكيد لفاعل ترجو و بأبي قسم قوله ورق السمر بفتح السين المهملة وضم الميم قال الكرماني شجر الطلح وقال ابن الأثير هو ضرب من شجر الطلح الواحد سمرة وفي ( المغرب ) السمر من شجر العضاه وهو كل شجر يعظم وله شوك وهو على ضربين خالص وغير خالص فالخالص الغرف والطلح والسلم والسدر والسيال والسمر والينبوت والقتاد الأعظم والكهنبل والغرب والعوسج وما ليس بخالص فالشوحط والنبع والشريان والسراء والنشم والعجرم والتالب وواحد العضاه عضاهة وعضهة وعضة بحذف الهاء الأصلية كما في الشفة
ذكر ما يستفاد منه فيه الجواز وكان معروفا بين العرب وكان وجوه العرب يجيرون من لجأ إليهم واستجار بهم وقد أجار أبو طالب رسول الله ولا يكون الجوار إلا لمن ظلم وفيه أنه إذا خشي المؤمن على نفسه من ظالم أنه مباح له وجائز أن يستجير بمن يمنعه ويحميه من الظلم وإن كان يجيره كافرا إن أراد الأخذ بالرخصة وإن أراد الأخذ بالشدة فله ذلك كما رد الصديق الجوار ورضي بجوار الله ورسوله والصديق يومئذ كان من المستضعفين فآثر الصبر على ما ناله من الأذى محتسبا على الله تعالى وإيفاء به فوفاه الله له ما وثق به فيه ولم ينله مكروه حتى أذن له في الهجرة فخرج مع حبيبه ونجاهما الله من كيد أعدائهما حتى بلغ مراده من الله من إظهار النبوة وإعلاء الدين وفيه ما كان للصديق من الفضل والصدق في نصرة رسوله وبذله نفسه وماله في ذلك مما لم يخف مكانه ولا جهل موضعه وفيه أن كل من ينتفع بإقامته لا يخرج من بلده ويمنع منه إن أراده حتى قال محمد بن سلمة إن الفقيه ليس له أن يغزو لأن ثمة من ينوب عنه فيه وليس يوجد من يقوم مقامه في التعليم ويمنع من الخروج أن أراده واحتج بقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة الآية
5 -
( باب الدين )
أي هذا باب في بيان حكم الدين هذا هكذا وقع في رواية الأصيلي وكريمة وليس في رواية أبي ذر وأبي الوقت لا باب ولا ترجمة وسقط الحديث أيضا من رواية المستملي ووقع في رواية النسفي وابن شبويه باب بغير ترجمة وبه جزم الإسماعيلي وذكر ابن بطال هذا الحديث المذكور هنا في آخر باب من تكفل عن ميت بدين وهذا هو اللائق لأن الحديث لا تعلق له بترجمة جوار أبي بكر حتى يكون منها أو يثبت باب بلا ترجمة لأنه حينئذ يكون كالفصل منها وليس كذلك وأما الترجمة بباب الدين فمحلها أن يكون في كتاب الفرض فافهم

(12/125)


8922 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أنه في بيان حكم الدين ورجاله قد تكرر ذكرهم ولا سيما بهذا السند
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم في الفرائض عن عبد الملك بن شعيب وأخرجه الترمذي في الجنائز عن أبي الفضل مكتوم بن العباس
قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة هكذا رواه عقيل وتابعه يونس وابن أخي ابن شهاب وابن أبي ذئب كما أخرجه مسلم وخالفهم معمر فرواه عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أخرجه أبو داود والترمذي قوله المتوفى أي الميت قوله عليه الدين جملة حالية قوله فيسأل أي رسول الله قوله هل ترك لدينه فضلا أي قدرا زائدا على مؤونة تجهيزه وفي رواية الكشميهني قضاء بدل فضلا وكذا هو عند مسلم وأصحاب السنن قوله وفاء أي ما يوفي به دينه قوله وإلا أي وإن لم يترك وفاء قال إلى آخره قوله الفتوح يعني من الغنائم وغير ذلك قوله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم لأنه تكفل بدين من مات من أمته معدما وهو قوله فعلي قضاؤه قوله فترك دينا وفي رواية مسلم عن أبي هريرة فترك دينا أو ضيعة أي عيالا وفي رواية أخرى ضياعا وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا بفتح الضاد فسمى العيال بالمصدر كما يقال من مات وترك فقرا أي فقراء قوله فعلي قضاؤه أي مما أفاء الله تعالى عليه من الغنائم والصدقات قوله فلورثته وفي رواية مسلم فهو لورثته وفي رواية عبد الرحمن بن عمرة فليرثه عصبته
وفيه من الفوائد تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها ولو لم يكن أمر الدين شديدا لما ترك النبي الصلاة على المديون واختلف في أن صلاته على المديون كانت حراما عليه أو جائزة حكى فيه وجهان وقال الثوري الصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن وقال ابن بطال قوله من ترك دينا فعلي ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين وفيه إن الإمام يلزمه أن يفعل هكذا فيمن مات وعليه دين فإن لم يفعله وقع القصاص منه يوم القيامة والإثم عليه في الدنيا إن كان حق الميت في بيت الميت بقي بقدر ما عليه من الدين وإلا فبقسطه
بسم الله الرحمان الرحيم
04 -
( كتاب الوكالة )
أي هذا كتاب في بيان أنواع الوكالة وأحكامها وفي بعض النسخ كتاب في الوكالة ووقعت التسمية عند أبي ذر بعد كتاب الوكالة بفتح الواو وجاء بكسرها وهي التفويض يقال وكلت الأمر إليه وكلا ووكولا إذا فوضته إليه وجعلته نائبا فيه والوكالة هي الحفظ في اللغة ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى والتوكيل تفويض الأمر والتصرف إلى الغير والوكيل القائم بما فوض إليه والله أعلم
1 -
( باب في وكالة الشريك الشريك في القسمة وغيرها )
أي هذا باب في بيان حكم وكالة الشريك في القسمة قوله الشريك في القسمة بدل من الشريك الأول قوله أو غيرها أي الشريك في غير القسمة ولم يقع عند النسفي لفظ باب وإنما الذي عنده كتاب الوكالة ووكالة الشريك بواو العطف

(12/126)


وقد أشرك النبي عليا في هديه ثم أمره بقسمتها
مطابقته للترجمة من حيث إنه أشرك عليا في قسمة الهدي فإن قلت ليس من الباب ما يدل على الشركة في غير القسمة قلت يؤخذ هذا بطريق الإلحاق ثم في الحديث شيئان أحدهما التشريك في الهدي والآخر التشريك في القسمة أما الأول فرواه جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي أمر عليا أن يقيم على إحرامه وأشرك في الهدي وسيأتي موصولا في الشركة والآخر حديث علي أن النبي أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها وقد مضى في كتاب الحج موصولا في باب لا يعطي الجزار من الهدي شيئا فإنه أخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال يعني النبي فقمت على البدن فأمرني فقسمت لحومها ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها
9922 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) عن ( علي ) رضي الله تعالى عنه قال أمرني رسول الله أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها
مطابقته للترجمة من حيث إنه علم أنه أشركه في هديه والحديث مر في الباب الذي ذكرناه الآن الذي أخرجه عن محمد بن كثير وهنا أخرجه عن قبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ابن عقبة العامري الكوفي عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي نجيح إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى والجلال بكسر الجيم جمع جل والبدن بضم الباء الموحدة وسكون الدال وضمها جمع بدنة وقال ابن بطال وكالة الشريك جائزة كما تجوز شركة الوكيل وهو بمنزلة الأجنبي في إن ذلك مباح منه
00 - 3 - 2 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة بن عامر ) رضي الله تعالى عنه أن النبي أعطاه غنما يقسمها على صحابته فبقي عتود فذكره للنبي فقال ضح أنت
مطابقته للترجمة من حيث إنه إنما وكله على قسمة الضحايا وهو شريك للموهوب إليهم فتوكيله على ذلك كتوكيل شركائه الذين قسم بينهم الأضاحي قيل يحتمل أن يكون وهب لكل واحد من المقسوم فيهم ما صار إليه فلا تتجه الشركة وأجيب بأنه سيأتي حديث في الأضاحي من طريق آخر بلفظ أنه قسم بينهم ضحايا فدل على أنه عين تلك الغنم للضحايا فوهب لهم جملتها ثم أمر عقبة بقسمتها فيصح الاستدلال به لما ترجم له
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمرو بفتح العين ابن خالد بن فروخ مات بمصر في سنة تسع وعشرين ومائتين الثاني الليث بن سعد الثالث يزيد من الزيادة ابن أبي حبيب أبو الرجاء الرابع أبو الخير ضد الشر مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الله الخامس عقبة بن عمرو
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وكل الرواة مصريون غير أن شيخه حراني حزرى لكنه سكن مصر ومات فيها كما ذكرنا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الضحاياأيضا عن عمرو بن خالد في الشركة عن قتيبة وأخرجه مسلم في الضحايا عن قتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا فيه عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح
قوله عتود بفتح العين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وفي آخره دال مهملة وهو من أولاد المعز

(12/127)


صغير إذا قوي وفي ( الصحاح ) العتود ما رعى وقوي وأتى عليه حول وقيل إذا قدر على السفاد وجمعه أعتدة وعتان وعدان قوله ضح أنت ويروى ضح به أي بالعتود وهو أمر من ضحى يضحي تضحية
وفيه الأضحية بما يعطى وفيه الاختصار بالأضحية بالجذع من المعز لأن العتود من أولاد المعز وفيه التوكيل بالقسمة
2 -
( باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وكل إلى آخره قوله وفي دار الإسلام أي أو وكل حربيا كائنا في دار الإسلام يعني كان الحربي في دار الإسلام بأمان ووكله مسلم قوله جاز أي التوكيل يدل عليه قوله وكل كما في قوله اعدلوا هو أقرب للتقوى ( المائدة 8 ) أي العدل أقرب
1032 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( يوسف بن الماجشون ) عن ( صالح بن إبراهيم ابن عبد الرحمان بن عوف ) عن أبيه عن جده عبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه قال كاتبت أمية ابن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة فلما ذكرت الرحمان قال لا أعرف الرحمان كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال أمية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه ثم أبوا حتى يتبعونا وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له ابرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه وأصاب أحدهم رجلي بسيفه وكان عبد الرحمان يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه ( الحديث 1032 - طرفه في 1793 )
مطابقته للترجمة من حيث إن ( عبد الرحمن بن عوف ) وهو مسلم في دار الإسلام كاتب إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب بتفويضه إليه لينظر فيما يتعلق به وهو معنى التوكيل لأن الوكيل إنماهو مرصد لمصالح موكله وقضاء حوائجه ورد بهذا ما قاله ابن التين ليس في هذا الحديث وكالة إنما تعاقد أن يجير كل واحد منهما صاغية صاحبه فإن قلت بمجرد هذا يصح توكيل مسلم حربيا في دار الحرب قلت الظاهر أن عبد الرحمن لم يفعل هذا إلا باطلاع النبي فلم ينكر عليه فدل على صحته فإن قلت الترجمة في شيئين والحديث لا يدل إلا على أحدهما وهو توكيل المسلم حربيا وهو في دار الحرب قلت إذا صح هذا فتوكيله إياه في دار الإسلام يكون بطريق الأولى أن يصح وقال ابن المنذر توكيل المسلم حربيا مستأمنا وتوكيل الحربي المستأمن مسلما لا خلاف في جواز ذلك
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو أبو القاسم القرشي العامري الأويسي الثاني يوسف ابن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بفتح الجيم وكسرها الثالث صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي يكنى أبا عمرو الرابع أبوه إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي يكنى أبا إسحاق وقيل أبا محمد توفي سنة ست وتسعين الخامس عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف القرشي أبو محمد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة توفي سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده ولفظ الماجشون هو لقب يعقوب وهو لفظ فارسي ومعناه المورد وفيه أن الرواة

(12/128)


كلهم مدنيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي مختصرا عن عبد العزيز بن عبد الله أيضا
ذكر معناه قوله كاتبت أمية بن خلف يعني كتبت إليه كتابا وفي رواية الإسماعيلي عاهدت أمية بن خلف وكاتبته وأمية بضم الهمزة وفتح الميم المخففة وتشديد الياء آخر الحروف ابن خلف بالخاء واللام المفتوحتين ابن وهب ابن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وقال علماء السير كان أمية بن خلف الجمحي أشد الناس على رسول الله فجاء في يوم بعظم نخر ففته في يده وقال يا محمد تزعم أن ربك هذا ثم نفخه فطار فأنزل الله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم ( يس 87 ) قوله صاغيتي بصاد مهملة وغين معجمة هي المال وقيل الحاشية يقال صاغية الرجل حاشيته وكل من يصغي إليه أي يميل وعن القزاز صاغية الرجل أهله يقال أكرموا فلانا في صاغيته أي في أهله وقال الهروي خالصته وقال الكرماني الصاغية هم القوم الذين يميلون إليه ويأتونه أي أتباعه وحواشيه قلت فعلى هذا تكون الصاغية مشتقة من صغيت إلى فلان أي ملت بسمعي إليه ومنه ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ( الأنعام 311 ) وكل مائل إلى شيء أو معه فقد صغى إليه وأصغى وفي حديث الهرة أنه كان يصغي لها الإناء أي يميله إليها ليسهل عليها الشرب منه وقال ابن الأثير الصاغية خاصية الإنسان والمائلون إليه ذكره في تفسير هذا الحديث وقيل الأشبه أن يكون هذا هو الأليق بتفسير هذا الحديث والله تعالى أعلم وقال ابن التين ورواه الداودي ظاعنتي بالظاء المشالة المعجمة والعين المهملة بعدها نون ثم فسره بأنه الشيء الذي يسفر إليه قال ولم أر هذا لغيره قوله لا أعرف الرحمن قال بعضهم أي لا أعترف بتوحيده قلت هذا الذي فسره لا يقتضيه قوله لا أعرف الرحمن وإنما معناه أنه لما كتب إليه ذكر اسمه بعبد الرحمن فقال ما أعرف الرحمن الذي جعلت نفسك عبدا له ألا ترى أنه قال كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فلذلك كاتبه عبد عمرو وقيل كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه النبي عبد الرحمن وقال صاحب ( التوضيح معناه لا أعبد من تعبده وهذه حمية الجاهلية التي ذكرت حين لم يقرؤا كتابه يوم الحديبية لما كتب بسم الله الرحمن الرحيم قالوا لا نعرف الرحمن أكتب باسمك أللهم قوله ولما كان يوم بدر يعني غزوة يوم بدر وكانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية قاله عروة بن الزبير وقتادة والسدي وأبو جعفر الباقر وقيل غير ذلك ولكن لا خلاف أنها في السنة الثانية من الهجرة وبدر بئر لرجل كان يدعى بدرا قاله الشعبي وقال البلاذري بدر اسم ماء لخالد بن النضر بينه وبين المدينة ثمانية برد قوله لأحرزه بضم الهمزة من الإحراز أي لأحفظه وقال الكرماني لأحوزه من الحيازة أي الجمع وفي بعضها من الحوز أي الضبط والحفظ وفي بعضها من التحويز أي التبعيد قوله حين نام الناس أي حين رقدوا وأراد بذلك اغتنام غفلتهم ليصون دمه قوله فأبصره بلال أي أبصر أمية بلال بن حمامة رضي الله تعالى عنه قوله فقال أي بلال قوله أمية بن خلف بالنصب على الإغراء أي إلزموا أمية وفي رواية أبي ذر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أمية وقال بعضهم خبر مبتدأ مضمر قلت لا يقال لمثل هذا المحذوف مضمر وليس بمصطلح هذا والفرق بين المضمر والمحذوف قائم قوله لا نجوت إن نجى أمية إنما قال ذلك بلال لأن أمية كان يعذب بلالا بمكة عذابا شديدا لأجل إسلامه وكان يخرجه إلى الرمضاء إذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأخذ الصخرة العظيمة فيضعها على صدره ويقول لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد قوله فخرج معه أي فخرج مع بلال فريق من الأنصار وكان قد استصرخ بالأنصار وأغراهم على قتله قوله خلفت لهم ابنه أي ابن أميه واسمه علي قوله لأشغلهم بضم الهمزة من الأشغال يعني يشتغلون بابنه عن أبيه أمية قوله فقتلوه أي قتلوا ابنه وقال عبد الرحمن بن عوف فكنت بين أمية وابنه آخذ بأيديهما فلما رآه بلال صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف فأحاطوا بنا وأنا أذب عنه فضرب رجل ابنه بالسيف فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فقلت أنج نفسك فوالله لا أغني عنك شيئا قوله ثم أبوا من الإباء بمعنى الامتناع ويروى ثم أتوا من الإتيان قوله وكان رجلا ثقيلا أي كان أمية رجلا ضخما قوله فلما أدركونا أي قال

(12/129)


عبد الرحمن لما أدركنا الأنصار وبلال معهم قلت له أي لأمية أبرك أمر من البروك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه منهم قوله فتجللوه بالسيوف بالجيم أي غشوه بها هكذا في رواية الأصيلي وأبي ذر وفي رواية غيرهما بالخاء المعجمة أي أدخلوا أسيافهم خلاله حتى وصلوا إليه وطعنوا بها من تحتي من قولهم خللته بالرمح وأختللته إذا طعنته به ووقع في رواية المستملي فتحلوه بلام واحدة مشددة والذي قتل أمية رجل من الأنصار من بني مازن وقال ابن هشام ويقال قتله معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشتركوا في قتله والذي قتل علي بن أمية عمار بن ياسر قوله وأصاب أحدهم أي أحد الذين باشروا قتل أمية رجلي بسيفه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن قريشا لم يكن لهم أمان يوم بدر ولهذا لم يجز بلال ومن معه من الأنصار أمان عبد الرحمن وقد نسخ هذا بحديث يجير على المسلمين أدناهم وفيه الوفاء بالعهد لأن عبد الرحمن كان صديقا لأمية بمكة فوفي بالعهد الذي كان بينهما وقال عبد الرحمن وكان اسمي عبد عمرو فسميت عبد الرحمن حين أسلمت كما ذكرناه وكان يلقاني بمكة فيقول يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبوك فأقول نعم فيقول إني لا أعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به فسماه عبد الإله فلما كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي بن أمية ومعي أدراع وأنا أحملها فلما رآني قال يا عبد عمرو فلم أجبه ال يا عبد الإله قلت نعم قال هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك قلت نعم فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول ما رأيت كاليوم قط فرآهما بلال فصار أمره ما ذكرنا وكان عبد الرحمن يقول رحم الله بلالا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري وفيه مجازاة المسلم الكافر على البر يكون منه للمسلم والإحسان إليه على جميل فعله والسعي له في تخليصه من القتل وشبهه وفيه أيضا المجازاة على سوء الفعل بمثله والانتقام من الظالم وفيه أن من أصيب حين يتقي عن مشرك أنه لا شيء فيه
قال أبو عبد الله سمع يوسف صالحا وإبراهيم أباه
أبو عبد الله هو البخاري نفسه سمع يوسف إلى آخره ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي يوسف هو ابن الماجشون المذكور في سند الحديث المذكور وصالح هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وفائدة ذكر هذا وإن كان سماعهما علم من الإسناد تحقيق لمعنى السماع حتى لا يظن أنه عنعن بمجرد إمكان السماع كما هو مذهب بعض المحدثين كمسلم وغيره
3 -
( باب الوكالة في الصرف والميزان )
أي هذا باب في بيان حكم الوكالة في الصرف يعني ف بيع النقد بالنقد قوله والميزان أي الوكالة في الميزان أي في الموزون
وقد وكل عمر وابن عمر في الصرف
هذان تعليقان أما تعليق عمر فوصله سعيد بن منصور من طريق موسى بن أنس عن أبيه أن عمر أعطاه آنية مموهة بالذهب فقال له إذهب فبعها فباعها من يهودي بضعف وزنه فقال له عمر أردده فقال له اليهودي أزيدك فقال له عمر لا إلا بوزنه وأما تعليق ابن عمر فوصله سعيد بن منصور أيضا من طريق الحسن بن سعد قال كانت لي عند ابن عمر دراهم فأصبت عنده دنانير فأرسل معي رسولا إلى السوق فقال إذا قامت على سعرها فأعرضها عليه فإن أخذها وإلا فاشتر له حقه ثم إقضه إياه

(12/130)


أمرها إلى النبي أمر بأكلها ولم ينكر على من ذبحها وأما مسألة الوكيل فملحقة بها لأن يد كل من الراعي والوكيل يد أمانة فلا يعملان إلا بما فيه مصلحة ظاهرة فإن قلت الجارية في الحديث كانت ملكا لصاحب الغنم قلت لا يضرنا ذلك لأن الكلام في جواز الذبح الذي تتضمنه الترجمة وليس الكلام في الضمان ولهذا رد على ابن التين في قوله ليس غرض البخاري بحديث الباب الكلام في تحليل الذبيحة أو تحريمها وإنما غرضه إسقاط الضمان عن الراعي والوكيل انتهى والغرض الذي نسبه إلى البخاري لا يدل عليه الحديث
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه الثاني معتمر بن سليمان الثالث عبيد الله بن عمر العمري الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس ابن كعب اختلف فيه ذكر المزي في ( الأطراف ) أنه عبد الله بن كعب حيث قال ومن مسند كعب بن مالك الأنصاري عن النبي ثم قال عبد الله بن كعب ابن مالك عن أبيه كعب بن مالك ثم ذكر هذا الحديث وروى ابن وهب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن ابن كعب عن مالك عن أبيه طرفا من هذا الحديث فهذا يقتضي أنه عبد الرحمن وذكره البخاري في موضع آخر فسماه عبد الرحمن السادس كعب بن مالك الأنصاري هو أحد الثلاثة الذين نزل فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة 811 ) ح
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه لفظ الإنباء بصيغة الجمع ولا فرق بين أنبأنا وأخبرنا عند البعض وقال آخرون يجوز في الإجازات أن يقول أنبأنا ولا يقال أخبرنا وقد مر الكلام فيه في أول كتاب العلم وفيه أن شيخه من أفراده وهو مروزي الأصل النيسابوري الداري والمعتمر بصري والبقية مدنيون وروى الإسماعيلي من رواية ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت عبيد الله عن نافع أنه سمع ابن كعب يخبر عبد الله بن عمر عن أبيه بهذا الحديث ثم قال وقال ابن المبارك عن نافع سمع رجال من الأنصار عن ابن عمر عن رسول الله لم يقل عن أبيه قال وكذلك قال موسى بن عقبة عن نافع وعبيدة بن حميد عن عبيد الله عن نافع سمع أبي بن كعب يخبر عبد الله كانت لنا جارية لم يذكر أباه وقال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر وليس بشيء وهو خطأ والصواب رواية مالك في ( الموطأ ) عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ أن جارية لكعب بهذا والله أعلم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن معتمر وعن صدقة بن فضل وعن موسى بن إسماعيل وعن إسماعيل بن عبد الله عن مالك وأخرجه ابن ماجه في الذبائح عن هناد بن السري
ذكر معناه قوله إنه أي إن الشان قوله غنم الغنم يتناول الشياه والمعز قوله بسلع بفتح السين المهملة وسكون اللام وفي آخره عين مهملة وهو جبل بالمدينة وقيل فوق المدينة وقال ابن سهل بسكون اللام وفتحها وذكر أنه روى بالغين المعجمة قوله أو أرسل شك من الراوي قوله عن ذلك أي عن ذبح الجارية الشاة
ذكر ما يستفاد منه فيه تصديق الراعي والوكيل على ما اؤتمن عليه حتى يظهر عليه دليل الخيانة والكذب وهو قول مالك وجماعة وقال ابن القاسم إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن ويصدق أن جاء بها مذبوحة وقال غيره يضمن حتى يبين ما قال واختلف ابن القاسم وأشهب إذا أنزى على إناث الماشية بغير أمر أربابها فهلكت فقال ابن القاسم لا ضمان عليه لأنه من صلاح المال ونمائه وقال أشهب عليه الضمان وقال ابن التين فيه خمس فوائد جواز ذكاة النساء والإماء والذكاة بالحجر وذكاة ما أشرف على الموت وذكاة غير المالك بغير وكالة وفيه الإرسال بالسؤال والجواب وفي ( التوضيح ) وهو في البخاري على الشك أرسل أو سأل ولا حجة فيما شك فيه قلت ورواية ( الموطأ ) صريحة

(12/132)


بالسؤال وكذا ما روي عن ابن وهب وفيه دليل على إجازة ذبيحة المرأة بغير ضرورة إذا أحسنت الذبح وكذا الصبي إذا طاقه قاله ابن عبد البر وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والثوري والليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور والحسن ابن حي وروي عن ابن عباس وجابر وعطاء وطاووس ومجاهد والنخعي وفيه أن الذبح بالحجر يجوز لكن إذا كان حدا وأفرى الأوداج وأنهر الدم وفيه ما استدل به فقهاء الأمصار أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي والثوري على جواز ما ذبح بغير إذن مالكه وردوا به على من أبى من أكل ذبيحة السارق والغاصب وهم داود وأصحابه ومقدمهم عكرمة وهو قول شاذ وفيه جواز أكل المذبوح الذي أشرف على الموت إذا كان فيه حياة مستقرة وإلا فلا يجوز وفيه جواز الذبح بكل جارح إلا السن والظفر فإنهما مستثنيان
قال عبيد الله فيعجبني أنها أمة وأنها ذبحت
عبيد الله هو ابن عمر العمري راوي الحديث وهو موصول بالإسناد المذكور إليه وفي بعض النسخ فأعجبني
تابعه عبدة عن عبيد الله
أي تابع المعتمر بن سليمان عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكوفي في رواية عن عبيد الله المذكور وذكر البخاري في الذبائح هذه المتابعة موصولة عن صدقة بن الفضل وسيأتي إن شاء الله تعالى
5 -
( باب وكالة الشاهد والغائب جائزة )
أي هذا باب يذكر فيه وكالة الشاهد أي الحاضر ووكالة الغائب جائزة قوله وكالة بالرفع مبتدأ قوله الغائب عطف على الشاهد وقوله جائزة خبر المبتدأ
وكتب عبد الله بن عمرو إلى قهرمانه وهو غائب عنه أن يزكي عن أهله الصغير والكبير
عبد الله قال بعضهم هو ابن عمرو بن العاص وقال الكرماني عبد الله هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ورأيت النسخ فيه مختلفة ففي بعضها عبد الله بن عمرو بالواو وفي بعضها عبد الله بن عمر بلا واو
قوله إلى قهرمانه القهرمان بفتح القاف وسكون الهاء وفتح الراء وتخفيف الميم وفي آخره نون وهو خادم الشخص القائم بقضاء حوائجه وهو لغة فارسية قوله وهو غائب عنه أي والحال أن قهرمانه غائب عن عبد الله قوله أن يزكي أراد به أن يزكي زكاة الفطر عن أهله الصغير والكبير وهذا يدل على شيئين أحدهما جواز توكيل الحاضر الغائب ويجيء الكلام فيه عن قريب والآخر وجوب صدقة الفطر على الرجل عن أهله الصغير والكبير وهذا ظاهر الأثر
وفيه تفصيل وخلاف قد مر في باب صدقة الفطر
5032 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( سلمة ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان لرجل على النبي جمل سن من الإبل فجاءه يتقاضاه فقال أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا له إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفى الله بك قال النبي إن خياركم أحسنكم قضاء
مطابقته للترجمة ظاهرة في وكالة الحاضر في قوله أعطوه وأما وكالة الغائب فقال بعضهم وأما الغائب فيستفاد منه بطريق الأولى قلت ليس فيه شيء يدل على حكم الغائب فضلا عن الأولوية وقال الكرماني الترجمة تستفاد من لفظ أعطوه وهو وإن كان خطابا للحاضرين لكونه بحسب العرف وقرائن الحال شامل لكل واحد من وكلاء رسول الله غيبا وحضورا

(12/133)


ذكر رجاله وهم خمسةأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين الثاني سفيان الثوري الثالث سلمة بن كهيل بضم الكاف وفتح الهاء الرابع أبو سلمة بن عبد الرحمن الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وسفيان وسلمة كوفيون وأبو سلمة مدني وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستقراض عن أبي نعيم أيضا وعن مسدد وعن أبي الوليد ومسدد أيضا وفي الوكالة أيضا عن سليمان بن حرب وفي الهبة عن عبدان وعن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في البيوع عن محمد بن بشار وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن أبي كريب وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن بشار به وعن أبي كريب به مختصرا وعن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور وعن إسحاق بن إبراهيم مختصرا وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن بشار
ذكر معناه قوله سن بكسر السين المهملة وتشديد النون أي ذات سن وهو أحد أسنان الإبل وأسنانها معروفة في كتب اللغة إلى عشر سنين ففي الفصل الأول حوار ثم الفصيل إذا فصل فإذا دخل في السنة الثانية فهو ابن مخاض أو ابنة مخاض فإذا دخل في الثالثة فهو ابن لبون أو بنت لبون فإذا دخل في الرابعة فهو حق أو حقة فإذا دخل في الخامسة فهو جذع أو جذعة فإذا دخل في السادسة فهو ثني أو ثنية فإذا دخل في السابعة فهو رباعي أو رباعية فإذا دخل في الثامنة فهو سديس أو سدس فإذا دخل في التاسعة فهو بازل فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ثم ليس له اسم بعد ذلك ولكن يقال بازل عام وبازل عامين ومخلف عام ومخالف عامين ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين حكاه أبو داود في ( سننه ) عن النضر بن شميل وأبي عبيد والرياشي قوله يتقاضاه يعني يطلب أن يقضيه قوله أوفيتني يقال أوفاه حقه إذا أعطاه وافيا وكان القياس أن يقول أوفاك الله في مقابلته ولكنه زاد الباء في المفعول توكيدا قوله خياركم يحتمل أن يكون مفردا بمعنى المختار وأن يكون جمعا قوله أحسنكم خبر لقوله خياركم والأصل التطابق بين المبتدأ والخبر في الإفراد وغيره ولكنه إذا كان الخيار بمعنى المختار فالمطابقة حاصلة وإلا فأفعل التفضيل المضاف المقصود منه الزيادة يجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له وروى أيضا أحاسنكم وهو جمع أحسن وورد محاسنكم بالميم قال عياض جمع محسن بفتح الميم كمطلع ومطالع والأول أكثر وفي ( المطالع ) ويحتمل أن يكون سماهم بالصفة أي ذو المحاسن قوله قضاء بالنصب على التمييز
ذكر ما يستفاد منه فيه توكيل الحاضر الصحيح على قول عامة الفقهاء وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد إلا أن مالكا قال يجوز ذلك وإن لم يرض خصمه إذا لم يكن الوكيل عدوا للخصم وفي ( التوضيح ) وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة في قوله إنه لا يجوز توكيل الحاضر بالبلد الصحيح البدن إلا برضى خصمه أو عذر مرض أو سفر ثلاثة أيام وهذا الحديث خلاف قوله لأنه أمر أصحابه أن يقضوا عنه السن التي كانت عليه وذلك توكيل منه لهم على ذلك ولم يكن غائبا ولا مريضا ولا مسافرا قلت ليس الحديث بحجة عليه لأنه لا ينفي الجواز ولكن يقول لا يلزم يعني لا يسقط حق الخصم في طلب الحضور والدعوى والجواب بنفسه وهو قول ابن أبي ليلى في الأصح والمرأة كالرجل بكرا كانت أو ثيبا واستحسن بعض أصحابنا أنها توكل إذا كانت غير برزة وفيه جواز الأخذ بالدين ولا يختلف العلماء في جوازه عند الحاجة ولا يتعين طالبه وفيه حجة من قال بجواز قرض الحيوان وهو قول الأوزاعي والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال القاضي أجاز جمهور العلماء استسلاف سائر الأشياء من الحيوان والعروض واستثنيت من ذلك الحيوان لأنه قد يردها بنفسه فحينئذ يكون عارية الفروج وأجاز ذلك بعض أصحابنا بشرط أن يردها غيرها وأجاز استقراض الجواري الطبري والمزني وروي عن داود الأصبهاني وقال أبو عمر قال ابن حبيب وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي يجوز استقراض الحيوان كله إلا الإماء وعند مالك إن استقرض أمة ولم يطأها ردها بعينها

(12/134)


وإن حملت ردها بعد الولادة وقيمة ولدها إن ولد حيا وما نقصتها الولادة وإن ماتت لزمه مثلها فإن لم يوجد مثلها فقيمتها وقال ابن قدامة أما بنو آدم فقال أحمد أكره قرضهم فيحتمل كراهة تنزيه ويصح قرضهم وهو قول ابن جريج والمزني ويحتمل أنه كراهة تحريم فلا يصح قرضهم واختاره القاضي في ( شرح المهذب ) استقراض الحيوان فيه ثلاثة مذاهب مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء جوازه إلا الجارية لمن ملك وطأها فإنه لا يجوز ويجوز إقراضها لمن لا يجوز له وطؤهما كمحرمها وللمرأة والخنثى الثاني مذهب ابن جرير وداود ويجوز قرض الجارية وسائر الحيوان لكل أحد الثالث مذهب أبي حنيفة والكوفيين والثوري والحسن بن صالح وروي عن ابن مسعود وحذيفة وعبد الرحمن بن سمرة منعه وقد مر الجواب عما قالوا من جواز قرض الحيوان في كتاب البيوع في باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة وفيه ما يدل أن المقرض إذا أعطاه المستقرض أفضل مما اقترض جنسا أو كيلا أو وزنا أن ذلك معروف وأنه يطيب له أخذه منه لأنه اثنى فيه على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده قلت هذا عند جماعة العلماء إذا لم يكن بغير شرط منهما في حين السلف وقد أجمع المسلمون نقلا عن النبي أن اشتراط الزيادة في السلف ربا وفيه دليل على أن للإمام أن يستسلف للمساكين على الصدقات ولسائر المسلمين على بيت المال لأنه كالوصي لجميعهم والوكيل معلوم أنه لم يستسلف ذلك لنفسه لأنه قضاه من إبل الصدقة ومعلوم أن الصدقة محرمة عليه لا يحل له أكلها ولا الانتفاع بها فإن قلت فلم أعطى من أموالهم أكثر مما استقرض لهم قلت هذا الحديث دليل على أنه جائز للإمام إذا استقرض للمساكين أن يرد من مالهم أكثر مما أخذ على وجه النظر والصلاح إذا كان على غير شرط فإن قلت إن المستقرض منه غنى والصدقة لا تحل لغني قلت قد يحتمل أن يكون المستقرض منه قد ذهبت إبله بنوع من حوائج الدنيا فكان في وقت صرف ما أخذ منه إليه فقيرا تحل له الزكاة فأعطاه النبي خيرا من بعيره بمقدار حاجته وجمع في ذلك وضع الصدقة في موضعها وحسن القضاء ويحتمل أن يكون غارما أو عاريا ممن يحل له الصدقة من الأغنياء وقيل ويحتمل أنه كان اقترض لنفسه فلما جاءت إبل للصدقة اشترى منها بعيرا ممن استحقه فملكه بثمنه وأوفاه متبرعا بالزيادة من ماله يدل عليه رواية مسلم اشتروا له بعيرا وقيل إن المقترض كان بعض المحتاجين اقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة وهذا يرد قول من قال إنه كان يهودياوقيل يحتمل أنه كان اقترضه لبعض نوائب المسلمين لأنه اقترضه لخاصة نفسه وعبر الراوي عن ذلك مجازا إذ كان هو الآمر وأما قول من قال كان استسلافه ذلك قبل أن تحرم عليه الصدقة ففاسد لأنه لم ويزل محرمة عليه الصدقة قال القرطبي وذلك من خصائصه ومن علامات نبوته في الكتب القديمة بدليل قصة سلمان رضي الله تعالى عنه
6 -
( باب الوكالة في قضاء الديون )
أي هذا باب في بيان حكم الوكالة في قضاء الديون
6032 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سلمة بن كهيل ) قال سمعت ( أبا سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتى النبي يتقاضاه فأغلظ فهم به أصحابه فقال رسول الله دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ثم قال أعطوه سنا مثل سنه قالوا يا رسول الله لا نجد إلا أمثل من سنه فقال أعطوه فإن من خيركم أحسنكم قضاء
مطابقته للترجمة في قوله أعطوه سنا لأن أمره بإعطاء السن وكالة في قضاء دينه وهذا الحديث هو الحديث المذكور في الباب الذي قبله لكنه من وجه آخر وبينهما بعض تفاوت في المتن بالزيادة والنقصان وأخرجه هناك عن أبي نعيم عن سفيان عن سلمة وههنا أخرجه عن سليمان بن حرب وأبي أيوب الواشحي البصري قاضي مكة عن شعبة

(12/135)


ابن الحجاج إلى آخره
قوله يتقاضاه جملة وقعت حالا قوله فأغلظ يحتمل أن يكون المراد من الإغلاظ التشديد في المطالبة من غير كلام يقتضي الكفر أو كان المتقاضي كافرا قوله فهم به أصحابه أي قصدوه ليؤذوه باللسان أو باليد أو غير ذلك قوله دعوه أي أتركوه ولا تتعرضوا له وهذا من غاية حلمه وحسن خلقه قوله فإن لصاحب الحق مقالا يعني صولة الطلب وقوة الحجة لكن على من يمطل أو يسيء المعاملة وأما من أنصف من نفسه فبذل ما عنده واعتذر عما ليس عنده فلا تجوز الاستطالة عليه بحال قوله إلا مثل تقديره لا نجد سنا إلا سنا أمثل أي أفضل من سنه وقال المهلب من آذى السلطان بجفاء وشبهه فإن لأصحابه أن يعاقبوه وينكروا عليه وإن لم يأمرهم السلطان بذلك
7 -
( باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وهب أحد شيئا لوكيل بالتنوين أي لوكيل قوم ويجوز بالإضافة إلى قوم المذكور من قبيل قوله بين ذراعي وجبهة الأسد والتقدير بين ذراعي الأسد وجبهته قوله أو شفيع قوم عطف على ما قبله والتقدير أو وهب شيئا لشفيع قوم قوله جاز جواب الشرط
لقول النبي لوفد هوازن حين سألوه المغانم فقال النبي نصيبيي لكم
هذا تعليل للترجمة بيانه أن وفد هوازن كانوا رسلا أتوا النبي وكانوا وكلاء وشفعاء في رد سبيهم الذي سباه رسول الله وهو المغانم فقبل النبي شفاعتهم فرد إليهم نصيبه من السبي وتوضيح ذلك فيما ذكره محمد بن إسحاق في ( المغازي ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال كنا مع رسول الله بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركهم وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله أمنن علينا من الله عليك فقال رسول الله نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا فقال رسول الله أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله وقالت الأنصار وما كان لنا فهو لرسول الله فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم وكانت قسمة غنائم هوازن قبل دخوله عليه السلام مكة معتمرا من الجعرانة قال إبن اسحاق لما انصرف النبي عن الطائف ونزل الجعرانة فيمن معه من الناس ومعه من هوازن سبي كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن من ثقيف يا رسول الله أدع عليهم فقال أللهم إهد ثقيفا وإيت بهم قال ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والشاة ما لا يدري عدته وقال غيره وكانت عدة الإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ومن الفضة أربعة آلاف أوقية والمقصود أن النبي رد إليهم سبيهم فعند ابن إسحاق قبل القسمة وعند غيره بعدها وكانت غزوة هوازن يوم حنين بعد الفتح في خامس من شوال سنة ثمان وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهوازن في قيس غيلان وفي خزاعة ففي قيس غيلان هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس غيلان وفي خزاعة هوازن بن أسلم بن أقصى وهوازن هذا بطن وفي هوازن قيس غيلان بطون كثيرة وقال ابن دريد هوازن ضرب من الطيور وقال غيره هو جمع هوزن وقيل الهوزون السراب ووزنه فوعل قلت هذا يدل على أن الواو زائدة مثل واو جهوري الصوت أي شديد عال
8032 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال ( وزعم عروة ) أن ( مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة ) قال ( أخبراه ) أن رسول الله قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله

(12/136)


أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وقد كان رسول الله انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤنا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك لرسول الله لهم فقال رسول الله إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاءكم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا
مطابقته للترجمة في قوله فيهإني أردت أن أرد إليهم سبيهم الحديث وقد ذكرنا عن قريب أن وفد هوازن كانوا وكلاء وشفعاء في رد سبيهم فهذا يطابق الترجمة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول سعيد بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهو سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان الثاني الليث بن سعد الثالث عقيل بضم العين ابن خالد الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي قال الواقدي إنه رأى النبي ولم يحفظ عنه شيئا وتوفي النبي وهو ابن ثمان سنين السابع المسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء ابن مخرمة بفتح الميم والراء وسكون الخاء المعجمة بينهما ابن نوفل الزهري سمع النبي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه الإخبار بصيغة التثنية في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في أربعة مواضع الرابع هو قوله زعم لأن زعم ههنا بمعنى قال قال الكرماني والزعم يستعمل في القول المحقق وفيه أن شيخه مذكور بنسبته إلى جده وأنه والليث مصريان وأن عقيلا أيلي والبقية مدنيون وأن مروان من أفراده
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الخمس وفي المغازي عن سعيد بن عفير وفي العتق والهبة عن سعيد بن أبي مريم وفي الهبة والمغازي أيضا عن يحيى بن بكير وفي المغازي أيضا عن إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم وفي الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أحمد بن سعيد وأخرجه النسائي في السير عن هارون بن موسى بقصة العرفاء مختصرة
ذكر معناه قوله وفد هوازن الوفد هم القوم يجتمعون ويريدون البلاد واحدهم وافد وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك تقول وفد يفد فهو وافد وأوفدته فوفد وأوفد على الشيء فهو موفد إذا أشرف وهوازن مر تفسيره عن قريب قوله مسلمين حال قوله أحب الحديث كلام إضافي مبتدأ وخبره هو قوله أصدقة قوله استأنيت بهم أي انتظرت بهم وتربصت يقال أنيت وتأنيت واستأنيت ويقال للمتمكث في الأمر مستأن ويروى فقد كنت استأنيت بكم قوله فلما تبين لهم أي فحين ظهر لهم وقوله أن رسول الله في محل الرفع فاعل تبين قوله حين قفل من الطائف أي حين رجع وذلك أن النبي لما فتح مكة في رمضان لعشر بقين منه سنة ثمان ثم خرج إلى هوازن في خامس شوال لغزوهم وجرى ما جرى وهزم الله تعالى أعداءه ثم سار إلى الطائف حين فرغ من حنين وهي غزوة هوازن يوم حنين ونزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره وقال ابن إسحاق حاصر رسول الله أهل الطائف ثلاثين ليلة ثم انصرف عنهم لتأخر الفتح إلى العام القابل ولما انصرف عن الطائف

(12/137)


نزل على الجعرانة فيمن معه من الناس ولما نزل على الجعرانة انتظر وفد هوازن بضع عشرة ليلة وهو معنى قوله في الحديث انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف ثم جرى ما ذكر في الحديث قوله أن يطيب من الثلاثي من طاب يطيب ومن باب أطاب يطيب ومن باب التفعيل من طيب يطيب قال الكرماني يعني يرد السبي مجانا برضا نفسه وطيب قلبه وفي ( التوضيح ) أراد أن يطيب أنفسهم لأهل هوازن بما أخذ منهم من العيال لرفع الشحناء والعداوة ولا تبقى إحنة الغلبة لهم في انتزاع السبي منهم في قلوبهم فيولد ذلك اختلاف الكلمة قلت المعنى على كونه من الثلاثي أن يطيب نفسه بذلك أي يدفع السبي إلهم فليفعل وهو جواب من المتضمنة معنى الشرط فلذلك حصلت فيه الفاء والفعل هنا لازم وعلى كونه من باب الإفعال أو التفعيل يكون الفعل متعديا والمفعول محذوفا تقديره أن يطيب نفسه بذلك بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء وأن يطيب بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء قوله على حظه أي على نصيبه من السبي قوله ما يفيء الله من أفاء يفيء من باب أفعل يفعل من الفيء وهو ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد وأصل الفيء الرجوع يقال فاء يفيء فيئة وفيوا كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم ومنه قيل للظل الذي بعد الزوال فيء لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق قوله قد طيبنا ذلك لرسول الله أي لأجله ويروى يا رسول الله قوله حتى يرفع إلينا عرفاؤكم العرفاء جمع عريف وهو الذي يعرف أمر القوم وأحوالهم وهو النقيب وهو دون الرئيس وفي ( التلويح ) العريف القيم بأمر القبيلة والمحلة يلي أمرهم ويعرف الأمير حالهم وهو مبالغة في اسم من يعرف الجند ونحوهم فعيل بمعنى فاعل والعرافة عمله وهو النقيب وقيل النقيب فوق العريف وإنما قال حتى يرجع إلينا عرفاؤكم للتقصي عن أصل الشيء في استطابة النفوس ويروى حتى يرفعوا إلينا على لغة أكلوني البراغيث قوله أخبروه أي وأخبر عرفاؤهم النبي أنهم قد طيبوا ذلك وأذنوا رسول الله أن يرد السبي إليهم
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الغنيمة إنما يملكها الغانمون بالقسمة وهو قول الشافعي واستفيد ذلك من انتظاره وفيه دليل أيضا على استرقاق العرب وتملكهم كالعجم إلا أن الأفضل عتقهم للترحم ومراعاتها كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته حين ملك المرتدين وهو على وجه الندب لا على الوجوب وفيه أن العوض إلى أجل مجهول جائز قاله ابن التين قال إذ لا يدري متى يفيء الله عليهم قال وقال بعضهم يمكن أن يقاس عليه من أكره على بيع ماله في حق عليه قال ابن بطال فيه بيع المكره في الحق جائز لأن النبي حكم دبر السبي قال من أحب أن يكون على حظه ولم يجعل لهم الخيار في إمساك السبي أصلا وإنما خيرهم في أن يعوضهم من غنائم أخر ولم يخيرهم في أعيان السبي لأنه قال لهم بعد أن رد أهلهم وإنما خيرهم في إحدى الطائفتين لئلا تجحف بالمسلمين في مغانمهم وفيه أنه يجوز للامام إذا جاءه أهل الحرب مسلمين بعد أن غنم أموالهم وأهليهم أن يرد عليهم إذا رأى في ذلك مصلحة وفيه اتخاذ العرفاء وفيه قبول خبر الواحد وفيه من رأى قبول إقرار الوكيل على موكله لأن العرفاء كانوا كالوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم فلما سمع النبي مقالة العرفاء أنفذ ذلك ولم يسألهم عما قالوه وكان في ذلك تحريم فروج السبايا على من كانت حلت له وإليه ذهب أبو يوسف وقال أبو حنيفة إقرار الوكيل جائز عند الحاكم ولا يجوز عند غيره وقال مالك لا يقبل إقراره ولا إنكاره إلا أن يجعل ذلك إليه موكله وقال الشافعي لا يقبل إقراره عليه والله أعلم
8 -
( باب إذا وكل رجل أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا ولم يعين أي الذي وكل كم يعطي أي الوكيل فأعطى أي الوكيل على ما يتعارفه الناس أي على عرف الناس في هذه الصورة وجزاء إذا محذوف تقديره فهو جائز أو نحوه

(12/138)


9032 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) قال حدثنا ( ابن جريج ) عن ( عطاء بن أبي رباح وغيره يزيد بعضهم على ) بعض ( ولم يبلغه كلهم رجل واحد منهم ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال كنت مع النبي في سفر فكنت على جمل ثفال إنما هو في آخر القوم فمر بي النبي فقال من هذا قلت جابر بن عبد الله قال ما لك قلت إني على جمل ثفال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فأعطيته فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم قال بعنيه فقلت بل هو لك يا رسول الله قال بعنيه قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة فلما دنونا من المدينة أخذت أرتحل قال أين تريد قلت تزوجت امرأة قد خلا منها زوجها قال فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك قلت إن أبي توفي وترك بنات فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها قال فذلك فلما قدمنا المدينة قال يا بلال إقضيه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا قال جابر لا تفارقني زيادة رسول الله فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله
مطابقته للترجمة في قوله يا بلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا فإنه لم يذكر مقدار ما يعطيه عند أمره بالزيادة فاعتمد بلال رضي الله تعالى عنه على العرف في ذلك فزاده قيراطا
ورجال هذا الحديث قد ذكروا غير مرة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشروط وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عنه عن عطاء عن جابر أن النبي قال له قد أخذت جملك بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة لم يزد على هذا وقد ذكر البخاري في كتاب البيوع حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله قال كنت مع النبي في غزاة فأبطأني جملي الحديث مطولا وفيه فأمر بلالا أن يزن لي أوقية فوزن لي بلال فأرجح وقال بعضهم وقد تقدم في الحج شيء من ذلك قلت ليس في الحج شيء من ذلك وإنما الذي تقدم في كتاب البيوع في باب شراء الدواب والحمير وهو الذي ذكرناه الآن
ذكر معناه قوله عن عطاء بن أبي رباح وغيره يزيد بعضهم على بعض ولم يبلغه كلهم رجل واحد منهم عن جابر كذا وقع في أكثر نسخ البخاري وقال بعضهم عن عطاء بن أبي رباح وغيره يزيد بعضهم على بعض لم يبلغه كله رجل منهم ثم قال كذا للأكثر وكذا وقع عند الإسماعيلي أي ليس جميع الحديث عند واحد منهم بعينه وإنما عند بعضهم منه ما ليس عند الآخر انتهى قلت في ( شرح علاء الدين صاحب ( التلويح ) بخطه وضبطه عن عطاء وغيره إلى آخره مثل ما ذكرناه الآن بعينه ثم قال كذا في أكثر نسخ البخاري ثم قال وفي الإسماعيلي لم يبلغه كل رجل منهم عن جابر ثم قال وهذا لفظ حديث حرملة عن ابن وهب أنبأنا ابن جريج وعند أبي نعيم لم يبلغهم كلهم إلا رجل واحد عن جابر وكذا هو عند أبي مسعود الدمشقي في كتاب ( الأطراف ) وتبعه المزي وفيه نظر إذ ذكراه من ( صحيح البخاري ) ثم قال الشيخ علاء الدين المذكور وفي بعض النسخ المقروءة على شيخنا الحافظ أبي محمد التوني على يبلغه ضمة على الياء وفتحة على الباء وشدة على اللام وجزمة على الغين وفي أخرى على الياء فتحة وعلى الباء جزمة ثم قال وقال ابن التين معناه أن بعضهم بينه وبين جابر غيره قال وفي رواية لم يبلغه كلهم وكل واحد منهم عن جابر وفي ( التوضيح ) وبخط الدمياطي لم يبلغه بضم أوله وكسر ثالثه مشددا ثم قال وذكر ابن التين أن في رواية وكل بدل رجل وقال الكرماني بعضهم الضمير فيه راجع إلى الغير وهو في معنى الجمع وفي لم يبلغه إلى الحديث أو إلى الرسول ورجل يدل عن الكل وعن جابر متعلق بعطاء وفي أكثر الروايات لفظة الغير بالجر وأما رفعه

(12/139)


فهو على الابتداء ويزيد خبره ويحتمل أن يكون رجل فاعل فعل مقدر نحو بلغه وعلى التقادير لا يخفى ما في هذا التركيب من التعجرف ولو كان كلمة كلهم ضمير الفرد لكان ظاهرا انتهى قلت التعجرف الذي ذكره من الرواة والتعجرف والعجرفة والعجرفيه بمعنى يقال فلان يتعجرف على فلان إذا كان يركبه بما يكره ولا يهاب شيئا ويقال جمل فيه تعجرف وعجرفة إذا كان فيه خرق وقلة مبالاة لسرعته والصواب هنا التركيب الذي في رواية المكي بن إبراهيم المذكور في سنده قوله وغيره بالجر أي وعن غير عطاء قوله يزيد بعضهم على بعض حال والضمير في بعضهم يرجع إلى لفظ غيره لأن غير عطاء يحتمل أن يكون جمعا قوله ولم يبلغه أيضا حال أي والحال أنهم لم يبلغوا الحديث بل بلغه رجل واحد منهم فلا بد من تقدير عل قبل رجل ليستقيم المعنى وغير هذا الوجه معجرف قوله على ثفال بفتح الثاء المثلثة والفاء الخفيفة وهو البعير البطيء السير الثقيل الحركة والثفال بكسر الثاء جلد أو كساء يوضع تحت الرحى يقع عليه الدقيق وقال ابن التين وصوب كسر الثاء هناك قاله ابن فارس فكان من ذلك المكان أي فكان الجمل من مكان الضرب من أوائل القوم وفي مباديهم ببركة رسول الله حيث تبدل ضعفه بالقوة قوله بل هو لك يا رسول الله أي بغير ثمن قوله قال بل بعنيه أي قال رسول الله بل بعني الجمل بالثمن وذكر كلمة بل للإضراب عن قول جابر إنه لا يأخذه بلا ثمن قوله قال قد أخذته بأربعة دنانير أي قال قد أخذت الجمل بأربعة دنانير فيه ابتداء المشتري بذكر الثمن كذا هو بخط الحافظ الدمياطي وذكره الداودي الشارح بلفظ أربع الدنانير وقال سقطت التاء لما دخلت الألف واللام وذلك جائز فيما دون العشرة واعترض عليه ابن التين بأنه قول مخترع لم يقله أحد غيره قوله ولك ظهره إلى المدينة أي لك أن تركب إلى المدينة وهذا إعارة من رسول الله له وإباحة للانتفاع لا أنه كان شرطا للبيع وقال الداودي إذا كان على قرب مثل تلك المسافة وإن كان روى عنه كراهة ذلك ولا يجوز فيما بعد عنه وقال قوم ذلك جائز وإن بعد وقالت فرقة لا يجوز وإن قرب قوله قد خلا منها أي مات عنها زوجها قوله فهلا جارية انتصاب جارية بفعل مقدر أي هلا تزوجت جارية قوله قد جربت أي اختبرت حوادث الدهر وصارت ذات تجربة تقدر على تعهد إخواتي وتفقد أحوالهن قوله قال فذلك أي قال رسول الله فذلك وهو مبتدأ خبر محذوف أي فذلك مبارك ونحوه قوله إقضه أي اقض دينه وهو ثمن الجمل قوله وزده أي زد على الثمن وهو أمر من زاد يزيد نحو باع يبيع والأمر منه بع بالكسر قوله فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر رضي الله تعالى عنه وهذا من قول عطاء الراوي كذا وقع لفظ جراب بالجيم في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي قراب بالقاف وهو الذي يدخل فيه السيف بغمده قال الداودي القراب خريطة ورد عليه ابن التين بأن الخريطة لا يقال لها قراب وقد زاد مسلم في آخر هذا الحديث فأخذه أهل الشام يوم الحرة
ومما يستفاد من هذاالحديث أن المتعارف بين الناس مثل النص عليه وعن هذا قال ابن بطال والمأمور بالصدقة إذا أعطى ما يتعارفه الناس جاز ونفذ فإن أعطى أكثر مما يتعارفه الناس يتوقف ذلك على رضا صاحب المال فإن أجاز ذلك وإلا رجع عليه بمقدار ذلك والدليل على ذلك أنه لو أمره أن يعطي فلانا قفيزا فأعطاه قفيزين ضمن الزيادة بالإجماع
9 -
( باب وكالة الإمرأة الإمام في النكاح )
أي هذا باب في بيان حكم توكيل المرأة الإمام في عقد النكاح والوكالة يعني التوكيل مصدر مضاف إلى فاعله والإمام بالنصب مفعوله وفي بعض النسخ وكالة المرأة
0132 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إني قد وهبت لك من نفسي فقال رجل زوجنيها قال قد زوجناكها بما معك من القرآن

(12/140)


مطابقته للترجمة من حيث إن المرأة لما قالت لرسول الله قد وهبت لك نفسي كان ذلك كالوكالة على تزويجها من نفسه أو ممن رأى تزويجها منه وقد جاء في كتاب النكاح أنها جعلت أمرها إليه صريحا وهو طريق من طرق حديث الباب وبهذا يجاب عما قاله الداودي أنه ليس في الحديث أنه استأذنها ولا أنها وكلته وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي اسمه سلمة بن دينار الأعرج وسهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد وفي النكاح عن عبد الله بن يوسف أيضا وأخرجه أبو داود في النكاح عن القعنبي وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي وأخرجه النسائي فيه وفي فضائل القرآن عن هارون بن عبد الله
ذكر معناه قوله جاءت امرأة اختلف في اسمها فقيل هي خولة بنت حكيم وقيل هي أم شريك الأزدية وقيل ميمونة ذكر هذه الأقوال أبو القاسم بن بشكوال في كتاب ( المبهمات ) والصحيح أنها خولة أو أم شريك لأنهما وإن كانتا ممن وهبت نفسهما للنبي ولكنه لم يتزوج بهما وأما ميمونة فإنها إحدى زوجاته فلا يصح أن تكون هذه لأن هذه قد زوجها لغيره وقد روى البيهقي من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لم يكن عند النبي امرأة وهبت نفسها له لأنه لم يقبلهن وإن كن حلالا قوله وهبت لك من نفسي ويروى وهبت لك نفسي بدون كلمة من قال النووي قول الفقهاء وهبت من فلان كذا مما ينكر عليهم قلت لا وجه للإنكار لأن من تجيء زائدة في الموجب وهي جائزة عند الأخفش والكوفيين قوله فقال رجل زوجنيها ولفظه في النكاح فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها قوله قد زوجناكها بما معك من القرآن واختلفت الروايات في هذه اللفظة ففي رواية مسلم وأبي داود والترمذي زوجتكها بما معك من القرآن وفي رواية للبخاري ملكتكها وفي رواية له أملكناكها وفي رواية أبي ذر الهروي أمكناكها وفي أكثر روايات ( الموطأ ) أنكحتكها وكذا في رواية للبخاري وفي رواية لمسلم في أكثر نسخه ملكتكها على بناء المجهول وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين لمسلم وقال الدارقطني رواية من روى ملكتكها وهم قال الصواب رواية من روى زوجتكها قال وهم أكثر وأحفظ وقال النووي ويحتمل صحة اللفظين ويكون جرى لفظ التزويج أولا فملكها ثم قال له إذهب فقد ملكتكها بالتزويج السابق قلت هذا هو الوجه وقد ذكرنا أن البخاري أخرج هذا الحديث في التوحيد ولكنه مختصر جدا وأخرجه في كتاب النكاح في باب تزويج المعسر ولفظه جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله جئت أهب لك نفسي قال فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رسول الله رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها قال وهل عندك من شيء قال لا والله يا رسول الله فقال إذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا فقال رسول الله أنظر ولو خاتما من حديد ولكن هذا إزاري قال ماله رادء فلها نصفه فقال رسول الله ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال له ماذا معك من القرآن قال معي سورة كذا وكذا عددها قال تقرؤهن عن ظهر قلبك قال نعم قال إذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن وإنما سقنا هذا ههنا لأنه كالشرح لحديث الباب يوضح ما فيه من الأحكام
ذكر ما يستفاد منه وهو يشتمل على أحكام
الأول فيه جواز هبة المرأة نفسها للنبي وهو من خصائصه لقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ( الأحزاب 05 ) الآية قال ابن القاسم عن مالك لا تحل الهبة لأحد بعد النبي وقال أبو عمر أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يطأ فرجا وهب له وطؤه دون رقبته بغير صداق
الثاني فيه أنه يجوز له استباحة من شاء ممن وهبت نفسها له بغير صداق وهذا أيضا من الخصائص
الثالث استدل به أبو حنيفة والثوري وأبو يوسف ومحمد والحسن بن حي على أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة فإن سمى مهرا لزمه وإن لم يسم فلها مهر المثل قالوا والذي خص به رسول الله تعرى البضع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة وعن الشافعي

(12/141)


لا ينعقد إلا بالتزويج أو الإنكاح وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود وآخرون وقال ابن القاسم إن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن مالك وهو عندي جائز كالبيع وحكاه ابن عبد البر عن أكثر المالكية المتأخرين ثم قال الصحيح أنه لا ينعقد بلفظ الهبة نكاح كما أنه لا ينعقد بلفظ النكاح هبة شيء من الأموال وفي الجواهر أركان النكاح أربعة الصيغة وهي كل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة كالإنكاح والتزويج والتمليك والبيع والهبة وما في معناها قال القاضي أبو الحسن ولفظ الصدقة وفي ( الروضة ) للنووي ولا ينعقد بغير لفظ التزويج والإنكاح وكذا قال في ( حاوي ) الحنابلة
الرابع فيه استحباب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها
الخامس فيه أنه يستحب لمن طلبت إليه حاجته وهو لا يريد أن يقضيها أن لا يخجل الطالب بسرعة المنع بل يسكت سكوتا يفهم السائل ذلك منه أللهم إلا إذا لم يفهم السائل ذلك إلا بصريح المنع فيصح وفي رواية للبخاري من رواية حماد بن زيد عن أبي حازم التصريح بالمنع بقوله فقال مالك ما لي اليوم في النساء حاجة
السادس فيه أن من طلب حاجة يريد بها الخير فسكت عنه لا يرجع من أول وهلة لاحتمال قضائها فيما بعد وفي رواية للطبراني فقامت حتى راقبنا لها من طول القيام الحديث بل لا بأس بتكرار السؤال إذا لم يجب
السابع فيه أنه لا بأس بالخطبة لمن عرضت نفسها على غيره إذا صرح المعروض بالرد أو فهم منه بقرينة الحال
الثامن فيه إنعقاد النكاح بالاستيجاب وإن لم يوجد بعد الإيجاب قبول وقد بوب عليه البخاري باب إذا قال الخاطب للولي زوجني فلانة فقال زوجتكها بكذا وكذا جاز النكاح وإن لم يقل الزوج رضيت أو قبلت وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال الرافعي إن هذا هو النص وظاهر المذهب قال وحكى الإمام وجها أن من الأصحاب من أثبت فيه الخلاف
التاسع أن التعليق في الاستيجاب لا يمنع من صحة العقد وقال شيخنا قد أطلق أصحاب الشافعي تصحيح القول بأن النكاح لا يقبل التعليق قال الرافعي إنه الأصح الذي ذكره الأكثرون وحكوا عن أبي حنيفة صحة النكاح مع التعليق قلت مذهب الإمام أنه إذا علق النكاح بالشرط يبطل الشرط ويصح النكاح كما إذا قال تزوجتك بشرط أن لا يكون لك مهر
العاشر فيه استحباب تعيين الصداق لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لأنها إذا طلقت قبل الدخول وجب لها نصف المسمى بخلاف ما إذا لم يسم المهر فإنه إنما تجب المتعة
الحادي عشر فيه جواز تزويج الولي والحاكم المرأة للمعسر إذا رضيت به
الثاني عشر فيه أنه لا بأس للمعسر المعدم أن يتزوج امرأة إذا كان محتاجا إلى النكاح لأن الظاهر من حال هذا الرجل الذي في الحديث أنه كان محتاجا إليه وإلا لما سأله مع كونه غير واجد إلا إزاره وليس له رداء فإن كان غير محتاج إليه يكره له ذلك
الثالث عشر في قوله إزارك إن أعطيته جلست ولا إزار لك دليل على أن المرأة تستحق جميع الصداق بالعقد قبل الدخول وبه قال الشافعي وأصحابه ونحن نقول لا تستحق إلا النصف وبه قال مالك وعنه كقول الشافعي
الرابع عشر استدل الشافعي بقوله ولو خاتما من حديد على أنه يكتفي بالصداق بأقل ما يتمول به كخاتم الحديد ونحوه وفي ( الروضة ) ليس للصداق حد مقدر بل كل ما جاز أن يكون ثمنا ومثمنا أو أجرة جاز جعله صداقا وبه قال أحمد ومذهب مالك أنه لا يرى فيه عددا معينا بل يجوز بكل ما وقع عليه الاتفاق غير أنه يكون معلوما وعن مالك لا يجوز بأقل من ربع دينار وقال ابن حزم وجائز أن يكون صداقا كل ما له نصف قل أو كثر ولو أنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك وعن إبراهيم النخعي أكره أن يكون المهر مثل أجر البغي ولكن العشرة والعشرون وعنه السنة في النكاح الرطل من الفضة وعن الشعبي أنهم كانوا يكرهون أن يتزوج الرجل على أقل من ثلاث أواقي وعن سعيد بن جبير أنه كان يحب أن يكون الصداق خمسين درهما وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أن يكون الصداق أقل من عشرة دراهم لما روى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن شريك عن داود الزعافري عن الشعبي قال قال علي رضي الله تعالى عنه لا مهر بأقل من عشرة دراهم والظاهر أنه قال ذلك توقيفا لأنه باب لا يوصل إليه بالاجتهاد والقياس فإن قلت قال ابن حزم الرواية عن علي باطلة لأنها عن داود بن يزيد الزعافري الأودي وهو في غاية السقوط ثم هي مرسلة لأن الشعبي لم يسمع من علي حديثا قلت قال ابن عدي لم أر حديثا منكرا جاوز الحد إذ روى عنه ثقة وإن كان ليس بقوي في

(12/142)


الحديث فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة وذكر المزي أن الشعبي سمع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ولئن سلمنا أن روايته مرسلة فقد قال العجلي مرسل الشعبي صحيح ولا يكاد يرسل إلا صحيحا وأما الجواب عن قوله ولو خاتما من جديد فنقول إنه خارج مخرج المبالغة كما قال تصدقوا ولو بظلف محرق وفي لفظ ولو بفرسن شاة وليس الظلف والفرسن مما ينتفع بهما ولا يتصدق بهما ويقال لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدا لأن الصواغ قليل عندهم كذا قاله بعض المالكية لأن أقل الصداق عندهم ربع دينار ويقال لعل التماسه للخاتم لم يكن ليكون كل الصداق بل شيء يعجله لها قبل الدخول
الخامس عشر احتج به الشافعي وأحمد في رواية والظاهرية على أن التزويج على سورة من القرآن مسماة جائز وعليه أن يعلمها وقال الترمذي عقيب الحديث المذكور قد ذهب الشافعي إلى هذا الحديث فقال إن لم يكن شيء يصدقها وتزوجها على سورة من القرآن فالنكاح جائز ويعلمها السورة من القرآن وقال بعض أهل العلم النكاح جائز ويجعل لها صداق مثلها وهو قول أهل الكوفة وأحمد وإسحاق قلت وهو قول الليث بن سعد وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ومالك وأحمد في أصح الروايتين وإسحاق وقال ابن الجووزي في هذا الحديث دليل على أن تعليم القرآن يجوز أن يكون صداقا وهي إحدى الروايتين عن أحمد والأخرى لا يجوز وإنما جاز لذلك الرجل خاصة وأجابوا عن قوله قد زوجناكها بما معك من القرآن أنه إن حمل على ظاهره يكون تزويجها على السورة لا على تعليمها فالسورة من القرآن لا تكون مهرا بالإجماع فحينئذ يكون المعني زوجتكها بسبب ما معك من القرآن وبحرمته وببركته فتكون الباء للسببية كما في قوله تعالى أنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ( البقرة 45 ) وقوله تعالى فكلا أخذنا بذنبه ( العنكبوت 04 ) وهذا لا ينافي تسمية المال فإن قلت جاء في رواية على ما معك من القرآن وفي مسند أسد السنة مع ما معك من القرآن قلت أما على فإنه يجيء للتعليل أيضا كالباء كما في قوله تعالى ولتكبروا الله على ما هداكم ( البقرة 581 ) والمعني لهدايته إياكم ويكون المعني زوجتها لأجل ما معك من القرآن يعني لأجل حرمته وبركته ولا ينافي هذا أيضا تسمية المال وأما مع فإنها للمصاحبة والمعنى زوجتكها لمصاحبتك القرآن فالكل يعود إلى معنى واحد وهو أن التزويج إنما كان على حرمة السورة وبركتها لا أنها صارت مهرا لأن السورة من القرآن لا تكون مهرا بالإجماع كما ذكرنا فإن قلت الأصل في الباء أن تكون للمقابلة في مثل هذا الموضع كما في نحو قولك بعتك ثوبي بدينار قلت لا نسلم أن الأصل في الباء أن تكون للمقابلة بل الأصل فيها أنها موضوعة للإلصاق حتى قيل إنه معنى لا يفارقها ولو كانت للمقابلة ههنا للزم أن تكون تلك المرأة كالموهوبة وذلك لا يجوز إلا للنبي لأن في إحدى روايات البخاري فقد ملكتكها بما معك من القرآن فالتمليك هبة والهبة في النكاح اختص بها النبي لقوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين ( الأحزاب 05 ) فإن قلت معنى قوله زوجتكها بما معك من القرآن بأن تعلمها ما معك من القرآن أو مقدارا منه ويكون ذلك صداقها أي تعليمها إياه والدليل على ذلك ما جاء في رواية لمسلم انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن وجاء في رواية عطاء فعلمها عشرين آية قلت هذا عدول عن ظاهر اللفظ بغير دليل ولئن سلمنا هذا فهذا لا ينافي تسمية المال فيكون قد زوجها منه مع تحريضه على تعليم القرآن ويكون ذلك المهر مسكوتا عنه إما لأنه قد أصدق عنه كما كفر عن الواطىء في رمضان إذ لم يكن عنده شيء وودى المقتول بخيبر إذ لم يخلف أهله كل ذلك رفقا بأمته ورحمة لهم أو يكون أبقى الصداق في ذمته وأنكحها نكاح تفويض حتى يتفق له صداق أو حتى يكسب بما معه من القرآن صداقا فعلى جميع التقدير لم يكن فيه حجة على جواز النكاح بغير صداق من المال
السادس عشر فيه أنه لا بأس بلبس خاتم الحديد وقد اختلفوا فيه فقال بعض الشافعية إنه لا يكره لهذا الحديث ولحديث معيقيب كان خاتم النبي من حديد ملوي عليه فضة رواه أبو داود وذهب آخرون إلى تحريمه وتحريم الخاتم النحاس أيضا لحديث أن رجلا جاء إلى النبي وعليه خاتم من شبه قال مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه رواه أبو داود أيضا
السابع عشر استدل

(12/143)


به البخاري على ولاية الإمام للنكاح فقال باب السلطان ولي لقول النبي زوجناكها بما معك من القرآن
الثامن عشر فيه دلالة على أنه ليس للنساء أن تمتنع من تزويج أحد أراد رسول الله أن يزوجها منه غنيا كان أو فقيرا شريفا كان أو وضيعا صحيحا كان أو ضعيفا وروى ابن مردويه في ( تفسيره ) من حديث ابن عباس أن قوله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ( الأحزاب 63 ) الآية نزلت في زينب لما خطبها رسول الله لزيد بن حارثة فامتنعت وفي إسناده ضعف
التاسع عشر فيه دليل على جواز الخطبة على الخطبة ما لم يتراكنا لا سيما مع ما رأى من زهد النبي فيها
العشرون فيه دليل على جواز النظر للمتزوج وتكراره والتأمل في محاسنها فهم ذلك من قوله فصعد النظر إليها وصوبه وأما النظرة الأولى فمباحة للجميع
الحادي والعشريون فيه دليل على إجازة إنكاح المرأة دون أن يسأل هل هي في عدة أم لا على ظاهر الحال والحكام يبحثون عن ذلك احتياطا قاله الخطابي
الثاني والعشرون قال القاضي فيه جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وهو مذهب كافة العلماء ومنعه أبو حنيفة إلا للضرورة وعلى هذا اختلفوا في أخذ الأجرة على الصلاة وعلى الأذان وسائر أفعال البر فروي عن مالك كراهة جميع ذلك في صلاة الفرض والنفل وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أن مالكا أجازها على الأذان وأجاز الإجازة على جميع ذلك ابن عبد الحكم وهو قول الشافعي وأصحابه ومنع ذلك ابن حبيب في كل شيء وهو قول الأوزاعي وقال لا صلاة له وروي عن مالك إجازته في النافلة وروي عنه إجازته في الفريضة دون النافلة
الثالث والعشرون قال الإمام قال بعض الأئمة فيه دليل على أن الهبة لا تدخل في ملك الموهوب له إلا بالقبول لأن الموهوبة كانت جائزة للنبي وقد وهبت هذه له نفسها فلم تصر زوجته بذلك قاله الشافعي
الرابع والعشرون قال ابن عبد البر فيه دليل على أن الصداق إذا كان جارية ووطئها الزوج حد لأنه وطىء ملك غيره قلت هو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وعند أصحابنا إذا أقر أنه زنى بجارية امرأته حد وإن قال ظننت أنها تحل لي لا يحد
01 -
( باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا مما وكل فيه فأجازه الموكل جاز قوله وإن أقرضه أي وإن أقرض الوكيل شيئا مما وكل فيه جاز يعني إذا أجازه الموكل وقال المهلب مفهوم الترجمة أن الموكل إذا لم يجز ما فعله الوكيل مما لم يأذن له فيه فهو غير جائز
1132 - وقال ( عثمان بن الهيثم أبو عمرو ) حدثنا ( عوف ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله قال إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قال قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما أنه قد

(12/144)


كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله قال دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله يا أبا هريرة ما فعل أسيرك قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما أنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله الله وهاذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو قال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله ما فعل إسيرك البارحة قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال ما هي قلت قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي أما أنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة قال لا قال ذاك شيطان
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا هريرة كان وكيلا لحفظ زكاة رمضان وهو صدقة الفطر وترك شيئا منها حيث سكت حين أخذ منها ذلك الآتي وهو الشيطان فلما أخبر النبي بذلك سكت عنه وهو إجازة منه فإن قلت من أين يستفاد جواز الإقراض إلى أجل مسمى قلت قال الكرماني حيث أمهله إلى الرفع إلى النبي وأوجه منه ما قاله المهلب إن الطعام كان مجموعا للصدقة فلما أخذ السارق وقال له دعني فإني محتاج وتركه فكأنه أسلفه ذلك الطعام إلى أجل وهو وقت قسمته وتفرقته على المساكين لأنهم كانوا يجمعونه قبل الفطر بثلاثة أيام للتفرقة فكأنه أسلفه إلى ذلك الأجل
ذكر رجاله وهم أربعة الأول عثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة وفي آخره ميم وكنيته أبو عمرو المؤذن البصري مات قريبا من سنة عشرين ومائتين وقد مر في آخر الحج الثاني عوف بالفاء الأعرابي وقد مر في الإيمان الثالث محمد بن سيرين الرابع أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه أنه ذكره هكذا معلقا ولم يصرح فيه بالتحديث حتى زعم ابن العربي أنه منقطع وكذا ذكره في فضائل القرآن وفي صفة إبليس وأخرجه النسائي موصولا في اليوم والليلة عن إبراهيم بن يعقوب عن عثمان ابن الهيثم به ووصله الإسماعيلي أيضا من حديث الحسن بن السكن وأبو نعيم من حديث هلال بن بشر عنه والترمذي نحوه من حديث أبي أيوب وقال حسن غريب وصححه قوم وضعفه آخرون وفيه أن عثمان من مشايخه ومن أفراده وقال في كتاب اللباس وفي الإيمان والنذور حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين
ذكر معناه قوله يحفظ زكاة رمضان المراد به صدقة الفطر وقد ذكرناه قوله آت أصله آتي فاعل إعلال قاض قوله يحثو قال الطيبي أي ينثر الطعام في وعائه قلت يقال حثا يحثو وحثى يحثي قال ابن الأعرابي وأعلى اللغتين حثى يحثي وكله بمعنى الغرف وفي رواية أبي المتوكل عن أبي هريرة أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه ولابن الضريس من هذا الوجه فإذا التمر قد أخذ منه ملء كف قوله فأخذته وفي رواية أبي المتوكل زيادة وهي أن أبا هريرة شكا ذلك إلى النبي أولا فقال له إن أردت أن تأخذه فقل سبحان من سخرك لمحمد قال فقلتها فإذا أنا به قائم بين يدي فأخذته قوله والله لأرفعنك أي لأذهبن بك أشكوك إلى رسول الله

(12/145)


ليحكم عليك بقطع اليد يقال رفعه إلى الحاكم إذا أحضره للشكوى قوله وعلي عيال أي نفقة عيال كما في قوله تعالى واسأل القرية ( يوسف 28 ) وقيل علي بمعنى لي وفي رواية أبي المتوكل فقال إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن وفي رواية الإسماعيلي ولا أعود قوله أسيرك قال الداودي قيل له أسير لأنه كان ربطه بسير وهو الحبل وهذا عادة العرب كانوا يربطون الأسير بالقد وقال ابن التين قول الداودي إن السير الحبل من الجلد لم يذكره غيره وإنما السير الجلد فلو كان مأخوذا مما ذكره لكان تصغيره سيير ولم تكن الهمزة فاء وفي ( الصحاح ) شدة بالإسار وهو القد قوله قد كذبك أي في قوله إنه محتاج وسيعود إلى الأخذ قوله فرصدته أي رقبته قوله فجاء هكذا في الموضعين وفي رواية المستملي والكشميهني وفي رواية غيرهما فجعل قوله دعني وفي رواية أبي المتوكل خل عني قوله ينفعك الله بها وفي رواية أبي المتوكل إذ قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن وفي رواية ابن الضريس من هذا الوجه لا يقربك من الجن ذكر ولا أنثى صغير ولا كبير قوله فقلت ما هو هكذا في رواية الكشميهني أي الكلام أو النافع أو الشيء وفي رواية غيره ما هي وهذا ظاهر وفي رواية أبي المتوكل وما هؤلاء الكلمات قوله إذا أويت من الثلاثي يقال أوى إلى منزله إذا أتى إليه وآويت غيري من المزيد قوله آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( البقرة 552 ) حتى تختم الآية وفي رواية النسائي والإسماعيلي الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم ( البقرة 552 ) من أولها حتى تختمها وفي حديث معاذ بن جبل زيادة وهي خاتمة سورة البقرة قوله لن يزال وفي رواية الكشميهني لم يزل ووقع لهم عكس ذلك في فضائل القرآن قوله من الله أي من جهة أمر الله وقدرته أو من بأس الله ونقمته كقوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ( الرعد 11 ) قوله ولا يقربك بفتح الراء وضم الباء الموحدة قوله وكانوا أي الصحابة أحرص الناس على تعلم الخير قيل هذا مدرج من كلام بعض رواته قلت هذا يحتمل والظاهر أنه غير مدرج ولكن فيه التفات لأن مقتضى الكلام أن يقال وكنا أحرص شيء عن الخير قوله وهو كذوب هذا تتميم في غاية الحسن لأنه لما أثبت الصدق له أوهم المدح فاستدركه بصيغة تفيد المبالغة في كذبه وفي حديث معاذ بن جبل صدق الخبيث وهو كذوب وفي رواية أبي المتوكل أو ما علمت أنه كذلك قوله منذ ثلاث هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره مذ ثلاث قوله ذاك شيطان كذا وقع هنا بدون الألف واللام في رواية الجميع أي شيطان من الشياطين ووقع في فضائل القرآن ذاك الشيطان بالألف واللام للعهد الذهني
وقد وقع مثل حديث أبي هريرة لمعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وأبي أسيد الأنصاري وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم
أما حديث معاذ بن جبل فقد رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح بإسناده إلى بريدة قال بلغني أن معاذ بن جبل أخذ الشيطان على عهد رسول الله فأتيته فقلت بلغني أنك أخذت الشيطان على عهد رسول الله قال نعم ضم إلى رسول الله تمر الصدقة فجعلته في غرفة لي فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا فشكوت ذلك إلى رسول الله فقال لي هو عمل الشيطان فارصده قال فرصدته ليلا فلما ذهب هوى من الليل أقبل على صورة الفيل فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب على غير صورته فدنا من التمر فجعل يلتقمه فشددت على ثيابي فتوسطته فقلت أشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله يا عدو الله وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك لأرفعنك إلى رسول الله فيفضحك فعاهدني أن لا يعود فغدوت إلى رسول الله فقال ما فعل أسيرك فقلت عاهدني أن لا يعود قال إنه عائد فارصده فرصدته الليلة الثانة فصنع مثل ذلك وصنعت مثل ذلك وعاهدني أن لا يعود فخليت سبيله ثم غدوت إلى رسول الله لأخبره فإذا مناديه ينادي أين معاذ فقال لي يا معاذ ما فعل أسيرك قال فأخبرته فقال لي إنه عائد فارصده فرصدته الليلة الثالثة فصنع مثل ذلك وصنعت مثل ذلك فقال يا عدو الله عاهدتني مرتين وهذه الثالثة لأرفعنك إلى رسول الله فيفضحك فقال إني شيطان ذو عيال وما أتيتك إلا من نصيبين ولو أصبت شيئا

(12/146)


دونه ما أتيتك ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم فلما نزل عليه آيتان أنفرتانا منها فوقعنا بنصيبين ولا تقرآن في بيت إلا لم يلج فيه الشيطان ثلاثا فإن خليت سبيلي علمتكهما قلت نعم قال آية الكرسي وخاتمة سورة البقرة أمن الرسول إلى آخرها فخليت سبيله ثم غدوت إلى رسول الله لأخبره فإذا مناديه ينادي أين معاذ بن جبل فلما دخلت عليه قال لي ما فعل أسيرك قلت عاهدني أن لا يعود وأخبرته بما قال فقال رسول الله صدق الخبيث وهو كذوب قال فكنت أقرؤهما عليه بعد ذلك فلا أجد فيه نقصانا
وأما حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه فقد رواه أبو يعلى الموصلي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا مبشر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله ابن أبي بن كعب أن أباه أخبره أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص قال فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم قال فسلمت فرد علي السلام قال فقلت أنت جني أم أنسي قال جني قال قلت ناولني يدك قال فناولني فإذا يده يد كلب وشعر كلب فقلت هكذا خلق الجن قال لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني قلت فما حملك على ما صنعت قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك قال فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم قال هذه الآية آية الكرسي ثم غدا إلى رسول الله فأخبره فقال النبي صدق الخبيث ورواه الحاكم في ( مستدركه ) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه ابن حبان في ( صحيحه ) والنسائي وغيرهم
وأما حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه فرواه الترمذي في ( فضائل القرآن ) حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري أنه كانت له سهوة فيها تمر فكانت تجيء فتأخذ منه الغول قال فشكا ذلك إلى النبي فقال إذهب فإذا رأيتها فقل بسم الله أجيبي رسول الله فأخذها فحلفت أن لا تعود فأرسلها فجاء إلى رسول الله فقال ما فعل أسيرك قال حلفت أن لا تعود فقال كذبت وهي معاودة للكذب قال فأخذها مرة أخرى فحلفت أن لا تعود فأرسلها فجاء إلى النبي فقال ما فعل أسيرك قال حلفت أن لا تعود فقال كذبت وهي معاودة للكذب فأخذها فقال ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي فقالت إني ذاكرة لك شيئا آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره فجاء إلى النبي فقال ما فعل أسيرك فأخبره بما قالت قال صدقت وهي كذوب وهذا حديث حسن غريب
وأما حديث أبو سعيد الأنصاري فرواه الطبراني من حديث مالك بن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه عن جده أبي أسيد الساعدي الخزرجي وله بئر في المدينة يقال لها بئر بضاعة قد بصق فيها النبي فهي ينشر بها ويتيمن بها قال فقطع أبو أسيد تمر حائطه فجعلها في غرفة وكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق تمره وتفسده عليه فشكا إلى النبي فقال إذا قال تلك الغول يا أبا أسيد فاستمع عليها فإذا سمعت اقتحامها فقل بسم الله أجيبي رسول الله فقالت الغول يا أبا أسيد اعفني أن تكلفني أن أذهب إلى رسول الله فأعطيك موثقا من الله أن لا أخالفك إلى بيتك ولا أسرق تمرك وأدلك على آية تقرؤها في بيتك فلا تخالف إلى أهلك وتقرؤها على إنائك ولا تكشف غطاءه فأعطاه الموثق الذي رضي به منها فقالت الآية التي أدلك عليها آية الكرسي ثم حكت أستها تضرط فأتى النبي فقص عليه القصة حيث ولت فقال النبي صدقت وهي كذوب
وأما حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فرواه ابن أبي الدنيا وفيه أنه خرج إلى حائطه فسمع جلبة فقال ما هذا قال رجل من الجن أصابتنا السنة فأردت أن أصيب من ثماركم قال له ما الذي يعيذنا منكم قال آية الكرسي
قوله جرن بضمتين جمع جرين بفتح الجيم وكسر الراء وهو موضع تحفيف التمر قوله سهوة بفتح السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو وهي الطاق في الحائط يوضع فيها الشيء وقيل هي الصفة وقيل المخدع بين البيتين وقيل هي شبيه بالرف وقيل بيت صغير كالخزانة الصغيرة قوله الغول بضم الغين المعجمة وهو شيطان يأكل الناس وقيل هو من يتلون من الجن قوله أبو أسيد بضم الهمزة وفتح السين واسمه مالك بن ربيعة قوله ينشر بها من النشرة وهي ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من

(12/147)


الداء أي يكشف ويزال
ذكر ما يستفاد منه فيه أن السارق لا يقطع في مجاعة وأنه يجوز أن يعفى عنه قبل أن يبلغ الإمام وفيه أن الشيطان قد يعلم علما ينتفع به إذا صدق وفيه أن الكذوب قد يصدق مع الندرة وفيه علامات النبوة لقوله ما فعل أسيرك البارحة وفيه تفسير لقوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( الأعراف 72 ) يعني الشياطين إن المراد بذلك ما هم عليه من خلقهم الروحانية فإذا استحضروا في صورة الأجسام المدركة بالعين جازت رؤيتهم كما شخص الشيطان لأبي هريرة في صورة سارق وفيه أن الجن يأكلون الطعام وهو موافق لقوله سألوني الزاد وقال ابن التين وفي شعر العرب أنهم لا يأكلون وفيه ظهور الجن وتكلمهم بكلام الإنس وفيه قبول عذر السارق وفيه وعيد أبي هريرة برفعه إليه وخدعة الشيطان وفيه في الثالثة بلاغ في الإعذار وفيه فضل آية الكرسي وفيه أن للشيطان نصيبا ممن ترك ذكر الله تعالى عند المنام وفيه أن من أقيم في حفظ شيء يسمى وكيلا وفيه أن الجن تسرق وتخدع وفيه جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر وتوكيل البعض لحفظها وتفرقتها وفيه جواز تعلم العلم ممن لم يعمل بعلمه
11 -
( باب إذا باع الوكيل شيئا فاسدا فبيعه مردود )
أي هذا باب يذكر فيه إذا باع الوكيل شيئا من الأشياء التي وكل فيها بيعا فاسدا فبيعه مردود
2132 - حدثنا ( إسحاق ) قال حدثنا ( يحيى بن صالح ) قال حدثنا ( معاوية ) هو ( ابن سلام ) عن ( يحيى ) قال سمعت ( عقبة بن عبد الغافر ) أنه سمع ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال جاء بلال إلى النبي بتمر برني فقال له النبي من أين هذا قال بلال كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي فقال النبي عند ذلك أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره
مطابقته للترجمة تفهم من قوله عين الربا لا تفعل لأن من المعلوم أن بيع الربا مما يجب رده وقال بعضهم ليس فيه تصريح بالرد بل فيه إشعار به ولعله أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه فعند مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد في نحو هذه القصة فقال هذا الربا فردوه انتهى قلت الذي يعلم بالرد من الحديث فوق العلم بتصريح الرد لأن فيه الرد بمرة واحدة والمفهوم من متن الحديث بمرات الأولى قوله أوه أوه بالتكرار والثاني قوله عين الربا والثالثة قوله لا تفعل والرابعة قوله ولكن إلى آخره
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاق اختلف فيه فقال أبو نعيم هو إسحاق بن راهويه وقال أبو علي الجياني إسحاق هذا لم ينسبه أحد من شيوخنا فيما بلغني قال ويشبه أن يكون إسحاق بن منصور فقد روى مسلم عن إسحاق ابن منصور عن يحيى بن صالح هذا الحديث وقال بعضهم وجزم أبو علي الجياني بأنه ابن منصور قلت من أين هذا الجزم من أبي علي الجياني بل قوله يدل على أنه متردد فيه لقوله ويشبه أن يكون إسحاق بن منصور ولا يلزم من إخراج مسلم عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن صالح هذا الحديث أن يكون رواية البخاري أيضا كذلك الثاني يحيى ابن صالح أبو زكريا الوحاظي ووحاظ بطن من حمير الثالث معاوية بن سلام بتشديد اللام أبو سلام الرابع يحيى ابن أبي كثير وقد تكرر ذكره الخامس عقبة بضم العين وسكون القاف ابن عبد الغافر العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين السادس أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه

(12/148)


ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه إن كان ابن راهويه فهو مروزي سكن نيسابور وإن كان ابن منصور فهو أيضا مروزي انتقل بآخرة إلى نيسابور ويحيى بن صالح حمصي ومعاوية بن سلام الحبشي الأسود ويحيى بن أبي كثير يمامي طائي وفيه أن شيخه ذكر غير منسوب
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن إسحاق بن منصور عن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن هشام بن عمار
ذكر معناه قوله برني بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر النون بعدها ياء مشددة وهو ضرب من التمر أصفر مدور وهو أجود التمور قاله صاحب ( المحكم ) قال بعضهم قيل له ذلك لأن كل تمرة تشبه البرنية قلت كلامه يشعر أن الياء فيه للنسبة وليست الياء فيه للنسبة فكأنه موضوع هكذا مثل كرسي ونحوه قوله كان عندنا هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره كان عندي قوله رديء قال بعضهم رديء بالهمزة على وزن عظيم قلت نعم هو مهموز اللام من ردىء الشيء يردأ رداءة فهو رديء أي فاسد وأردأته أي أفسدته ولكن لما كثر استعماله حسن فيه التخفيف بأن قلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها وأدغمت الياء في الياء فصارت ردي بتشديد الياء قوله لنطعم النبي أي لأجل أن نطعم واللام فيه مكسورة والنون مضمومة من الإطعام ولفظ النبي منصوب به هذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره ليطعم بفتح الياء آخر الحروف وفتح العين من طعم يطعم ولفظ النبي مرفوع به قوله عند ذلك أي عند قول بلال قوله أوه مرتين بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء وهي كلمة تقال عند الشكاية والحزن وقال ابن قرقول بالقصر والتشديد وسكون الهاء وكذا رويناه وقيل بمد الهمزة وقال الجوهري وقد يقال بالمد لتطويل الصوت بالشكاية وقيل بسكون الواو وكسر الهاء ومن العرب من يمد الهمزة ويجعل بعدها واوين آووه وكله بمعنى التحزن وقال ابن التين إنما تأوه ليكون أبلغ في الزجر وقاله إما للتألم من هذا الفعل وإما من سوء الفهم قوله عين الربا بالتكرار أيضا أي هذا البيع نفس الربا حقيقة ووقع في مسلم مرة واحدة قوله ولكن إذا أردت أن تشتري أي أن تشتري التمر الجيد قوله فبع التمر أي فبع التمر الرديء ببيع آخر أي ببيع شيء آخر بأن تبيعه بحنطة أو شعير مثلا قوله ثم اشتره أي ثم اشتر التمر الجيد ويروى ثم اشتر به أي بثمن الرديء فعلى هذه الرواية مفعول اشتر محذوف تقديره ثم اشتر الجيد بثمن الرديء ويدل على ما قلناه ما قد روي عن بلال في هذا الخبر انطلق فرده على صاحبه وخذ تمرك وبعه بحنطة أو شعير ثم اشتر به من هذا التمر ثم جئني به رواه الطبري من طريق سعيد بن المسيب عن بلال وفي رواية مسلم ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتره أي إذا أردت أن تشتري التمر الجيد فبع التمر الرديء ببيع آخر ثم اشتر الجيد وبين التركيبين مغايرة ظاهرا ولكن في الحقيقة يرجعان إلى معنى واحد وهو أن لا يشتري الجيد بضعف الرديء بل إذا أراد أن يشتري الجيد يبيع ذلك الردي بشيء ويأخذ ثمنه ثم يشتري به التمر الجيد حتى لا يقع الربا فيه لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إلى قوله فلكم من رؤوس أموالكم ( الأعراف 72 ) قد أمر الله برد عقد الربا ورد رأس المال ولا خلاف أيضا أن من باع بيعا فاسدا أن بيعه مردود
واستفيد من حديث الباب حرمة الربا وعظم أمره وقد تقدم البحث فيه في باب ما إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه وهو في كتاب البيوع
21 -
( باب الوكالة في الوقف ونفقته وأن يطعم صديقا له ويأكل بالمعروف )
أي هذا باب في بيان حكم الوكالة في الوقف قوله ونفقته أي نفقة الوكيل يدل عليه لفظ الوكالة قوله وأن يطعم كلمة أن مصدرية تقديره وإطعام الوكيل صديقه من مال الوقف الذي هو وكيل فيه قوله ويأكل أي الوكيل بالمعروف يعني بما يتعارفه الوكلاء فيه وذلك لأنه حبس نفسه لتصرف موكله والقيام بأمره قياسا على ولي اليتيم قال الله تعالى فيه

(12/149)


ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( النساء 6 ) فهذا مباح عند الحاجة والوقف كذلك وليس هذا مثل من اؤتمن على مال غيره لغير الصدقة فأعطى منه فقيرا بغير إذن ربه فإنه لا يجوز ذلك بالإجماع
3132 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) قال في صدقة عمر رضي الله تعالى عنه ليس على الولي جناح أن يأكل ويؤكل صديقا غير متأثل فكان ابن عمر هو يلي صدقة عمر يهدي للناس من أهل مكة كان ينزل عليهم
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الترجمة تتضمن أربعة أشياء والحديث يشملها وسفيان هو ابن عيينة المكي وعمرو هو ابن دينار المكي
قوله قال في صدقة عمر إلى آخره قال الكرماني رحمه الله صدقة بالتنوين وعمر فاعل هذا على سبيل الإرسال إذ هو لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه وفي بعضها صدقة عمر بالإضافة وفي بعضها عمرو بالواو فالقائل به هو ابن دينار أي قال ابن دينار في الوقف العمري ذلك وقال بعضهم في صدقة عمر أي في روايته لها عن ابن عمر كما جزم بذلك المزي في ( الأطراف ) قلت لم يذكر المزي هذا في الأطراف ) أصلا وإنما قال بعد العلامة بحرف الخاء المعجمة حديث عمرو بن دينار إلى آخره ما ذكره البخاري ثم قال موقوف والصواب المحقق ما قاله الكرماني والتقدير الذي قدره هذا القائل خلاف الأصل ولا ثمة داع يدعوه إلى ذلك وقوله ويوضحه رواية الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر لا يستلزم ما ذكره من التقدير المذكور بالتعسف قوله ليس على الولي أي الذي يتولى أمر الوقف قوله جناح أي إثم قوله أن يأكل أي بأن يأكل منه قوله أو يؤكل بضم الياء وكسر الكاف وهو من الثلاثي المزيد فيه قوله صديقا نصب على أنه مفعول يؤكل قوله له أي للوالي وهو جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله صديقا قوله غير متاثل نصب على الحال من باب التفعل بالتشديد أي غير جامع يقال مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل واثلة الشيء أصله فالمتأثل من يجمع مالا ويجعله ألا قوله مالا منصوب به قوله فكان أي ابن عمر إلى آخره فأشار إليه المزي أنه موقوف وقال بعضهم هو موصول بالإسناد المذكور قلت قد ذكرنا أن الكرماني صرح بأنه مرسل فكيف يكون المعطوف على المرسل موصولا قوله يهدي بضم الياء من الإهداء قوله للناس ويروى لناس بدون الألف واللام قوله كان أي ابن عمر ينزل عليهم أي على الناس وهذه الجملة حال بتقدير قد كما في قوله أوجاؤكم حصرت ( النساء 09 ) أي قد حصرت
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز أكل الولي على الوقف وإيكاله غيره بالمعروف وقد أخذ هذا من قوله تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( النساء 09 ) وهذا في مال اليتيم وفي مال الوقف أهون من ذلك وقال المهلب هذا مباح عند الحاجة وهذا سنة الوقف أن يأكل منه الولي ويؤكل لأن الحبس لهذا حبس وقال ابن التين فيه أن الناس في أوقافهم على شروطهم وأهداه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان على وجهين أحدهما للشرط الذي في الوقف أن يؤكل صديقا له والآخر أنه كان ينزل على الذين يهدى إليهم مكافأة عن طعامهم فكأنه هو أكله وفيه الاستضافة ومكافأة الضيف وسيأتي الكلام في هذا الباب مستقصى في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى
31 -
( باب الوكالة في الحدود )
أي هذا باب في بيان حكم الوكالة في إقامة الحدود
4132 -
5132 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال أخبرنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله ) عن ( زيد بن خالد وأبي هريرة ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها

(12/150)


مطابقته للترجمة في قوله أغد يا أنيس إلى آخره فإن أمره بذلك تفويض له
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وزيد بن خالد يكنى أبا طلحة الجهني الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في ثمانية مواضع في الندور وفي المحاربين وفي الصلح وفي الأحكام وفي الشروط وفي الاعتصام وفي خبر الواحد وفي الشهادات وأخرجه مسلم في الحدود عن قتيبة وعن عمرو الناقد وعن أبي الطاهر وحرملة وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وعن إسحاق بن موسى وعن نصر بن علي وغير واحد كلهم عن سفيان بن عيينة وأخرجه النسائي في القضاء وفي الرجم عن قتيبة وفي القضاء والشروط عن يونس بن عبد الأعلى وعن الحارث بن مسكين وفي الرجم عن محمد بن يحيى وعن محمد بن إسماعيل وعن عبد العزيز بن سلمة وعن محمد بن رافع وأخرجه ابن ماجه في الحدود من أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار ومحمد بن الصباح
ذكر معناه قوله قال واغد يا أنيس طرف من حديث طويل أخرجه في كتاب المحاربين في باب الاعتراف بالزنا حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان قال حفظناه من الزهري قال أخبرني عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد ابن خالد قال كنا عند النبي فقام رجل فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال اقض بيننا بكتاب الله وإيذن لي قال قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ثم سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقال النبي والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره المائة شاة والخادم مردود وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وأغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها الحديث وذكر هنا هذه القطعة لأجل الترجمة المذكورة قوله واغد أمر من غدا يغدو وبالغين المعجمة من الغدو وهو الذهاب وهو عطف على ما تقدم عليه في الحديث قوله يا أنيس تصغير أنس وهو أنيس بن الضحاك الأسلمي ويقال مكبرا ذكر له عمر حديثا وإنما خصه من بين الصحابة قصدا إلى أنه لا يؤمر في القبيلة إلا رجل منهم لنفورهم عن حكم غيرهم وكانت المرأة أسلمية
واختلف العلماء في الوكالة في الحدود والقصاص فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا يجوز قبولها في ذلك ولا يقام الحد والقصاص حتى يحضر المدعي وهو قول الشافعي وقال ابن أبي ليلى وجماعة تقبل الوكالة في ذلك وقالوا لا فرق بين الحدود والقصاص والديون إلا أن يدعي الخصم أن صاحبه قد عفا عنه فتوقف عن النظر فيه حتى يحضر
6132 - حدثنا ( ابن سلام ) قال أخبرنا ( عبد الوهاب الثقفي ) عن ( أيوب ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عقبة بن الحارث ) قال جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان أو ابن النعيمان شاربا فأمر رسول الله من كان في البيت أن يضربوا قال فكنت أنا فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد
مطابقته للترجمة في قوله فأمر من كان في البيت أن يضربوه لأن الإمام إذا لم يتول إقامة الحد بنفسه وولى غيره كان ذلك بمنزلة التوكيل
ورجاله محمد بن سلام قال الكرماني الصحيح البيكندي البخاري وهو من أفراده وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة بضم الميم هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وعقبة بن الحارث بن عامر القرشي النوفلي المكي له صحبة أسلم يوم فتح مكة روى له البخاري ثلاثة أحاديث
قوله بالنعيمان بالتصغير قوله أو بابن النعيمان شك من الراوي ووقع عند الإسماعيلي في رواية جيء بنعمان أو نعيمان فشك هل هو بالتكبير أو التصغير وفي رواية بالنعيمان بغير شك ووقع عند الزبير بن بكار في النسب من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال كان بالمدينة رجل يقال له النعيمان يصيب الشراب فذكر الحديث نحوه وروى ابن منده من حديث مروان بن قيس السلمي من صحابة النبي

(12/151)


أن النبي مر برجل سكران يقال له نعيمان فأمر به فضرب الحديث وهو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الذي شهد بدرا وكان مزاحا وقال ابن عبد البر إنه كان رجلا صالحا وأن الذي حده النبي كان ابنه قوله شاربا حال يعني متصفا بالشرب لأنه حين جيء به لم يكن شاربا حقيقة بل كان سكران والدليل عليه ما جاء في الحدود وهو سكران وزاد عليه فشق عليه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن حد الشرب أخف الحدود وقال الخطابي وفيه أن حد الخمر لا يستأنى فيه الإقامة كحد الحامل لتضع الحمل وفيه إقامة الحدود والضرب بالنعال والجريد وكان ذلك في زمن النبي ثم رتبه عمر رضي الله تعالى عنه ثمانين
41 -
( باب الوكالة في البدن وتعاهدها )
أي هذا باب في بيان حكم الوكالة في أمر البدن التي تهدى وهو بضم الباء الموحدة جمع بدنة قوله وتعاهدها أي وفي بيان تعاهد البدن وهو افتقاد أمرها
7132 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر بن حزم ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان أنها أخبرته ) قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنا فتلت قلائد هدي رسول الله بيدي ثم قلدها رسول الله بيديه ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله شيء أحله الله له حتى نحر الهدي
مطابقته للترجمة في كلا جزأيها ظاهرة أما في الجزء الأول وهو قوله ثم بعث بها مع أبي فإنه فوض أمرها لأبي بكر رضي الله تعالى عنه حين بعث بها وأما في الثاني وهو قوله قلدها بيديه لأنه تعاهد منه في ذلك وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس المدني ابن أخت مالك بن أنس والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب من قلد القلائد بيده فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره بأتم منه وأطول وقد مر الكلام فيه هناك
51 -
( باب إذا قال الرجل لوكيله ضعه حيث أراك الله وقال الوكيل قد سمعت ما قلت )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال الرجل لوكيله الذي وكله ضع الشيء الفلاني حيث أراك الله يعني في أي موضع شئت وقال الوكيل قد سمعت ما قلت لي ووضعه حيث أراد وجواب إذا محذوف يعني جاز هذا الأمر
8132 - حدثني ( يحيى بن يحيى ) قال ( قرأت على مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله فقال يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله

(12/152)


حيث شئت فقال بخ ذلك مال رائح قد سمعت ما قلت فيها وأرى أن تجعلها في الأقربين قال أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
مطابقته للترجمة في قول أبي طلحة للنبي إنها صدقة فضعها يا رسول الله حيث شئت فإنه لم ينكر عليه ذلك وإن كان ما وضعها بنفسه بل أمره أن يضعها في الأقربين ويفهم منه أن الوكالة لا تتم إلا بالقبول ألا ترى أن أبا طلحة قال لرسول الله ضعها يا رسول الله حيث شئت فأشار عليه أن يجعلها في الأقربين بعد أن قال قد سمعت ما قلت فيها وقد مضى الحديث في كتاب الزكاة في باب الزكاة على الأقارب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره نحوه وأخرجه هنا عن يحيى بن يحيى بن بكر بن زياد التميمي الحنظلي شيخ مسلم أيضا مات يوم الأربعاء سلخ صفر سنة ست وعشرين ومائتين وقد مر الكلام فيه هناك
قوله رائج بالجيم من الرواج وقيل بالحاء وقيل بالباء الموحدة
ومما يستفاد منه دخول الشارع حوائط أصحابه وشربه من الماء العذب وفيه رواية الحديث بالمعنى
تابعه إسماعيل عن مالك
يعني تابع يحيى بن يحيى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن أنس وسيأتي موصولا في تفسير آل عمران
وقال روح عن مالك رابح
يعني قال روح بن عبادة في روايته عن مالك رابح بالباء الموحدة من الربح وقد ذكرنا الآن أن فيه ثلاث روايات
61 -
( باب وكالة الأمين في الخزانة ونحوها )
أي هذا باب في بيان حكم وكالة الرجل الأمين في الخزانة ونحوها
9132 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الخازن الأمين الذي ينفق وربما قال الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيب نفسه إلى الذي أمر به أحد المتصدقين
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الخازن الأمين مفوض إليه الإنفاق والإعطاء بحسب أمر الآمر به ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي شيخ مسلم أيضا وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وأبو بردة كذلك بضم الباء الموحدة واسمه عامر وقيل الحارث بن أبي موسى الأشعري واسم أبي موسى عبد الله بن قيس والحديث ذكره البخاري في كتاب الزكاة في باب أجر الخادم بهذا الإسناد والمتن بعينهما ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
بسم الله الرحمان
( كتاب المزارعة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام المزارعة وهي مفاعلة من الزرع والزراعة هي الحرث والفلاحة وتسمى مخابرة ومحاقلة ويسميها أهل العراق القراح وفي المغرب القراح من الأرض كل قطعة على حيالها ليس فيها شجر ولا شائب سبخ وتجمع على أقرحة كمكان وأمكنة وفي الشرع المزارعة عقد على زرع ببعض الخارج وفي رواية المستملي كتاب الحرث وفي بعض النسخ كتاب الحرث والزراعة
1 -
( باب فضل الزرع والغرس إذا اكل منه )
أي هذا باب في بيان فضل الزراعة وغرس الأشجار إذا أكل منه أي من كل واحد من الزرع والغرس وهذا القيد لا بد منه

(12/153)


لحصول الأجر وهذه الترجمة كذا هي في رواية النسفي والكشميهني بعد قوله كتاب المزارعة إلا أنهما أخرا البسملة عن كتاب المزارعة وفي بعض النسخ باب ما جاء في الحرث والمزارعة وفضل الزرع ولم يذكر فيه كتاب المزارعة قيل هو للأصيلي وكريمة
وقوله تعالى أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما ( الواقعة 36 56 )
وقوله بالجر عطف على قوله فضل الزرع وذكر هذه الآية لاشتمالها على الحرث والزرع وأيضا تدل على إباحة الزرع من جهة الامتنان به وفيها وفي الآيات التي قبلها رد وتبكيت على المشركين الذين قالوا نحن موجودون من نطفة حدثت بحرارة كائنة وأنكروا البعث والنشور بأمور ذكرت فيها من جملتها قوله أفرأيتم ما تحرثون أي تثيرون في الأرض وتعملون فيها وتطرحون البذار أأنتم تزرعونه أي تنبتونه وتردونه نباتا ينمي إلى أن يبلغ الغاية قوله تعالى لو نشاء لجعلناه حطاما ( الواقعة 36 56 ) أي هشيما لا ينتفع به ولا تقدرون على منعه وقيل نبتا لا قمح فيه فظللتم تفكهون أي تفجعون وقيل تحزنون وهو من الأضداد تقول العرب تفكهت أي تنعمت وتفكهت أي حزنت وقيل التفكه التكلم فيما لا يعنيك ومنه قيل للمزاح فكاهة وأخذوا من قوله أم نحن الزارعون أن لا يقول أحد زرعت ولكن يقول حرثت وفي ( تفسير النسفي ) عن رسول الله لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت قال أبو هريرة ألم تسمعوا قول الله تعالى أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ( الواقعة 36 56 ) قلت هذا الحديث أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا وفي تفسير عبد ابن حميد عن أبي عبد الرحمن يعني السلمي أنه كره أن يقال زرعت ويقول حرثت
0232 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) ح وحدثني عبد الرحمان بن المبارك قال حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ( الحديث 0232 - طرفه في 2106 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه بطريقين عن شيخين أحدهما عن قتيبة عن أبي عوانة بفتح العين المهملة الوضاح ابن عبد الله اليشكري عن قتادة والآخر عن ( عبد الرحمن بن المبارك ) بن عبد الله العبسي وهو من أفراده ويروي عن ( قتادة )
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي الوليد وأخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى وأخرجه الترمذي في الأحكام عن قتيبة
وقال وفي الباب عن أبي أيوب وأم مبشر وجابر وزيد بن خالد قلت أما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد في ( مسنده ) من رواية الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله أنه قال ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس وأما حديث أم مبشر فأخرجه مسلم في أفراده من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن النبي بنحو حديث عطاء وأبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر ولم يسق لفظه وأما حديث جابر فأخرجه مسلم أيضا في أفراده من رواية عبد الملك بن سليمان العزرمي عن عطاء عن جابر قال قال رسول للهلله ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يزراه أحدا إلا كان له صدقة وأخرجه أيضا من رواية الليث عن أبي الزبير عن جابر أن النبي دخل على أم معبد

(12/154)


أو أم مبشر الأنصارية في نخل لها فقال لها النبي من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر فقالت بل مسلم فقال لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه ( إنس ) ان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة وأخرجه أيضا من رواية زكريا بن إسحاق أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول دخل النبي على أم معبد ولم يشك فذكر نحوه قلت أم مبشر هذه هي امرأة زيد بن حارثة كما ورد في ( الصحيح ) في بعض طرق الحديث وقال أبو عمرو يقال إنها أم بشر بنت البرار بن معرور وقال النووي ويقال إن فيها أيضا أم بشير قال فحصل أنه يقال لها أم مبشر وأم معبد وأم بشير قيل اسمها خليدة بضم الخاء ولم يصح وأما حديث زيد بن خالد
وقال شيخنا في شرح هذا الحديث وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن أبي الدرداء والسائب بن خلاد ومعاذ بن أنس وصحابي لم يسم وأما حديث أبي الدرداء فرواه أحمد في ( مسنده ) عنه أن رجلا مر به وهو يغرس غرسا بدمشق فقال أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله قال لا تعجل علي سمعت رسول الله يقول من غرس غرسا لم يأكل منه آدمي ولا خلق من خلق الله إلا كان له به صدقة وأما حديث السائب بن خلاد فأخرجه أحمد أيضا من رواية خلاد بن السائب عن أبيه قال قال رسول الله من زرع زرعا فأكل منه الطير أو العافية كان له صدقة وأما حديث معاذ بن أنس فأخرجه أحمد أيضا عنه عن رسول الله أنه قال من بنى بيتا في غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجرا جاريا ما انتفع من خلق الرحمن تبارك وتعالى أحد ورواه ابن خزيمة في كتاب التوكل وأما حديث الصحابي الذي لم يسم فرواه أحمد أيضا من رواية فنج بفتح الفاء وتشديد النون وبالجيم قال كنت أعمل في الدينباد وأعالج فيه فقدم يعلى بن أمية أميرا على اليمن وجاء معه رجال من أصحاب النبي فجاءني رجل ممن قدم معه وأنا في الزرع وفي كمه جوز فذكر الحديث وفيه فقال رجل سمعت رسول الله بأذني هاتين يقول من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز و جل قلت وعند يحيى بن آدم حدثنا عبد السلام بن حرب حدثنا إسحاق بن أبي فروة عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي أسيد يرفعه من زرع زرعا أو غرس غرسا فله أجر ما أصابت منه العوافي وذكر علي بن عبد العزيز في ( المنتخب ) بإسناد حسن عن أنس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها
ذكر ما يستفاد منه فيه فضل الغرس والزرع واستدل به بعضهم على أن الزراعة أفضل المكاسب واختلف في أفضل المكاسب فقال النووي أفضلها الزراعة وقيل أفضلها الكسب باليد وهي الصنعة وقيل أفضلها التجارة وأكثر الأحاديث تدل على أفضلية الكسب باليد وروى الحاكم في ( المستدرك ) من حديث أبي بردة قال سئل رسول الله أي الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور وقال هذا حديث صحيح الإسناد وقد يقال هذا أطيب من حيث الحل وذاك أفضل من حيث الانتفاع العام فهو نفع متعد إلى غيره وإذا كان كذلك فينبغي أن يختلف الحال في ذلك باختلاف حاجة الناس فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر كانت الزراعة أفضل للتوسعة على الناس وحيث كانوا محتاجين إلى المتجر لانقطاع الطرق كانت التجارة أفضل وحيث كانوا محتاجين إلى الصنائع أشد كانت الصنعة أفضل وهذا حسن وفيه أن الثواب المترتب على أفعال البر في الآخرة يختص بالمسلم دون الكافر لأن القرب إنما تصح من المسلم فإن تصدق الكافر أو بنى قنطرة للمارة أو شيئا من وجوه البر لم يكن له أجر في الآخرة وورد في حديث آخر أنه يطعم في الدنيابذلك ويجازى به من دفع مكروه عنه ولا يدخر له شيء منه في الآخرة فإن قلت قوله في بعض طرق هذا الحديث ما من عبد وهو يتناول المسلم والكافر قلت يحمل المطلق على المقيد وفيه أن المرأة تدخل في قوله ما من مسلم لأن هذا اللفظ من الجنس الذي إذا كان الخطاب به يدخل فيه المرأة لأنه لم يرد بهذا اللفظ أن المسلمة إذا فعلت هذا الفعل لم يكن لها هذا الثواب بل المسلمة في هذا الفعل في استحقاق الثواب مثل المسلم سواء وفيه حصول الأجر للغارس والزارع وإن لم يقصدا ذلك حتى لو غرس وباعه أو زرع وباعه كان له بذلك صدقة لتوسعته على الناس في أقواتهم كما ورد الأجر للجالب وإن كان يفعله للتجارة والاكتساب فإن قلت في بعض طرق حديث جابر عند مسلم إلا كانت له صدقة إلى يوم القيامة فقوله إلى يوم القيامة هل يريد به أن أجره لا ينقطع إلى يوم القيامة وإن فني الزرع والغراس أو يريد ما بقي من ذلك الزرع والغراس منتفعا به وإن بقي إلى يوم القيامة قلت الظاهر أن المراد الثاني وزاد النووي

(12/155)


أن ما يولد من الغراس والزرع كذلك فقال فيه إن أجر فاعل ذلك مستمر ما دام الغراس والزرع وما يولد منه إلى يوم القيامة وفيه أن الغرس والزرع واتخاذ الصنائع مباح وغير قادح في الزهد وقد فعله كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد ذهلب قوم من المتزهدة إلى أن ذلك مكروه وقادح في الزهد ولعلهم تمسكوا في ذلك بما رواه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا وقال حديث حسن ورواه ابن حبان أيضا في ( صحيحه ) وأجيب بأن هذا النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يفضي بصاحبه إلى الركون إلى الدنيا وأما إذا اتخذها غير مستكثر وقلل منها وكانت له كفافا وعفافا فهي مباحة غير قادحة في الزهد وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي بقوله إلا من أخذه بحقه ووضعه في حقه وفيه الحض على عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده وفيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي والحديث الذي ورد فيه المنع غير قوي وفيه قال الطيبي نكر مسلما فاوقعه في سياق النفي وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حرا أو عبدا مطيعا أو عاصيا يعمل أي عمل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه
وقال لنا مسلم قال حدثنا أبان قال حدثنا أنس عن النبي
كذا وقع قال لنا مسلم في رواية أبي ذر والأصيلي وكريمة وفي رواية النسفي وآخرين وقال ولمسلم بدون لفظ لنا ومسلم هو ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي مولاهم القصاب البصري وهو من أفراده وأبان بن يزيد العطار وقال صاحب ( التلويح ) كذا ذكره عن شيخه مسلم بغير لفظ التحديث حتى قال بعض العلماء إنه معلق وأبى ذلك الحافظ أبو نعيم فزعم أن البخاري روى عنه هذا الحديث وأتى به لتصريح قتادة فيه بسماعه من أنس ليسلم من تدليس قتادة وأخرجه مسلم أيضا عن عبد بن حميد حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله دخل نخلا لأم مبشر امرأة من الأنصار فقال رسول الله من غرس هذا النخل مسلم أو كافر قالوا مسلم بنحوهم يعني بنحو حديث جابر وأنس وأم معبد وقد ذكرناه عن قريب وقيل إن البخاري لا يخرج لأبان إلا استشهادا وأجيب بأنه ذكر هنا إسناده ولم يسق متنه لأن غرضه بيان أنه صرح بالتحديث عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه
2 -
( باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به )
أي هذا باب في بيان ما يحذر إلى آخره وهذه الترجمة بعينها رواية الأصيلي وكريمة قوله أو مجاوزة الحد أي في بيان مجاوزة الحد الذي أمر به وفي رواية ابن شبويه أو يجاوز الحد وفي رواية النسفي وأبي ذر أو جاوز الحد والمراد بالحد الذي شرع سواء كان واجبا أو سنة أو ندبا
1232 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( عبد الله بن سالم الحمصي ) قال حدثنا ( محمدابن زياد الألهاني ) عن ( أبي امامة الباهلي ) قال ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال سمعت النبي يقول لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الذل
مطابقته للترجمة في قوله لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الذل فإذا كان كذلك ينبغي الحذر من عواقب الاشتغال به لأن كل ما كان عاقبته ذلا يحذر عنه ولما ذكر فضل الزرع والغرس في الباب السابق أراد الجمع بينه وبين حديث هذا الباب لأن بينهما منافاة بحسب الظاهر وأشار إلى كيفية الجمع بشيئين أحدهما هو قوله ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع وذلك إذا اشتغل به فضيع بسببه ما أمر به والآخر هو قوله أو مجاوزة الحد وذلك فيما إذا لم يضيع ولكنه جاوز الحد فيه وقال الداودي هذا لمن يقرب من العدو فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية ويتأسد عليه العدو وأما غيرهم فالحرث

(12/156)


محمود لهم وقال عز و جل وأعدوا لهم ما استطعتم ( الأنفال 06 ) الآية ولا يقوم إلا بالزراعة ومن هو بالثغور المتقاربة للعدو لا يشتغل بالحرث فعلى المسلمين أن يمدوهم بما يحتاجون إليه
وعبد الله بن يوسف التنيسي أبو محمد من أفراد البخاري وعبد الله بن سالم أبو يوسف الأشعري مات سنة تسع وسبعين ومائة ومحمد بن زياد الألهاني بفتح الهمزة وسكون اللام نسبة إلى ألهان أخو همدان بن مالك بن زيد هذا في كهلان وألهان أيضا في حمير وهو ألهان بن جشم بن عبد شمس ونسبة محمد بن زياد إلى ألهان هذا قال ابن دريد ألهان من قولهم لهنوا ضيوفهم أي أطعموهم ما يتعلل به قبل الغذاء وكان ألهان جمع لهن واسم ما يأكله الضيف لهنة وليس لعبد الله بن سالم ولمحمد بن زياد في الصحيح غير هذا الحديث وقال بعضهم ورجال الإسناد كلهم شاميون وكلهم حمصيون إلا شيخ البخاري قلت شيخ البخاري أيضا أصله من دمشق
وهذا الحديث من أفراد البخاري
قوله عن أبي أمامة وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) سمعت أبا أمامة قوله ورأى سكة الواو فيه للحال و السكة بكسر السين المهملة وتشديد الكاف هي الحديدة التي يحرث بها قوله إلا أدخله الذال وفي رواية الكشميهني إلا دخله الذل وفي رواية أبي نعيم المذكورة إلا أدخلوا على أنفسهم ذلا لا يخرج إلى يوم القيامة ووجه الذل ما يلزم الزارع من حقوق الأرض فيطالبهم السلطان بذلك وقيل إن المسلمين إذا أقبلوا على الزراعة شغلوا عن العدو وفي ترك الجهاد نوع ذل
وفي الحديث علامة النبوة قال ابن بطال وذلك أنه علم أن من يأتي آخر الزمان يجورون في أخذ الصدقات والعشور ويأخذون في ذلك أكثر مما يجب لهم لأنه ذل لمن أخذ منه بغير الحق انتهى قلت قوة الذل وكثرته في الزراعين في أراضي مصر فإن أصحاب الإقطاعات يتسلطون عليهم ويأخذون منهم فوق ما عليهم بضرب وحبس وتهديد بالغ ويجعلونهم كالعبيد المشترين فلا يتخلصون منهم فإذا مات واحد منهم يقيمون ولده عوضه بالغصب والظلم ويأخذون غالب ما تركه ويحرمون ورثته
قوله قال محمد هو محمد بن الزياد الراوي واسم أبي أمامة الذي روى عنه صدي بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء ابن عجلان بن وهب الباهلي نزل بحمص ومات في قرية يقال لها دقوة على عشرة أميال من حمص سنة إحدى وثمانين وعمره إحدى وتسعون سنة وقد قيل إنه آخر من مات بالشام من الصحابة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وحديث آخر في الأطعمة وآخر في الجهاد من قوله يدخل في حكم المرفوع وفي بعض النسخ قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه وهذا وقع للمستملي وحده
3 -
( باب اقتناء الكلب للحرث )
أي هذا باب في بيان حكم اقتناء الكلب والاقتناء بالقاف من باب الافتعال من اقتنى يقال قناه يقنوه واقتناه إذا اتخذه لنفسه دون البيع ومنه القنية وهي ما اقتنى من شاة أو ناقة أو غيرهما يقال غنم قنوة وقنية ويقال قنوت الغنم وغيرها قنوة وقنوة وقنيت أيضا قنية وقنية إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة قيل أراد البخاري إباحة الحرث بدليل إباحة اقتناء الكلاب المنهي عن اتخاذها لأجل الحرث فإذا رخص من أجل الحرث في الممنوع من اتخاذه كان أقل درجاته أن يكون مباحا قلت هذا استنباط عجيب لأن إباحة الحرث بالنص ولو فرض موضع ليس فيه كلب لا يباح فيه الحرث
2232 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية ( الحديث 2232 - طرفه في4233 )
مطابقته للترجمة في قوله إلا كلب حرث ومعاذ بضم الميم وبذال معجمة ابن فضالة بفتح الفاء أبو زيد البصري وهشام الدستوائي
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن زهير بن حرب حدثني إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من مسك كلبا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو كلب ماشية وروى مسلم أيضا من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هيرة قال قال

(12/157)


يذكر شيئا غيره وهذا التعليق وصله أبو الشيخ من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم بلفظ أيما أهل دار ربطوا كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية نقص من أجرهم كل يوم قيراط
3232 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( يزيد بن خصيفة ) أن ( السائب بن يزيد ) حدثه أنه سمع ( سفيان بن أبي زهير ) رجلا ( من أزدشنوءة ) وكان من أصحاب النبي قال سمعت رسول الله يقول من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص كل يوم من عمله قيراط قلت أنت سمعت هذا من رسول الله قال إي ورب هذا المسجد ( الحديث 3232 - طرفه في 5233 )
مطابقته للترجمة في قوله لا يغني عنه زرعا ويزيد من الزيادة ابن عبد الله بن خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء تصغير خصفة مر في باب رفع الصوت في المساجد والسائب بن يزيد من الزيادة صحابي صغير مشهور وسفيان بن أبي زهير مصغر زهر واسمه القرد بفتح القاف والراء الأزدي الشنائي وهو من السراة يعد في أهل المدينة
وقال بعضهم ورجال الإسناد كلهم مدنيون قلت عبد الله بن يوسف شيخ البخاري تنيسي أصله من دمشق وفي هذا الإسناد رواية صحابي عن صحابي
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر وأخرجه النسائي في الصيد عن علي بن حجر به وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن مالك به
ذكر معناه قوله رجلا بالنصب ويروى بالرفع وجه النصب على تقدير أعني أو أخص ووجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رجل من أزد شنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو وفتح الهمزة قال بعضهم وهي قبيلة مشهورة نسبوا إلى شنوءة واسمه الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد قلت قال ابن هشام وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد فدل على أن اسم شنوءة عبد الله لا الحارث والمرجع فيه إلى ابن هشام وأمثاله لا إلى غيرهم قال الرشاطي وإنما قيل أزد شنوءة لشنآن كان بينهم والشنآن البغض قال يعقوب والنسبه إليه شنئي قال ويقال شنوة بتشديد الواو غير مهموز وينسب إليه الشنوي ويقال أيضا في النسبة إلى شنوءة شنائي ويقال الشنيء بفتح الشين وضم النون وكسر الهمزة ويقال أيضا الشنوئي بفتح الشين وضم النون وسكون الواو وكسر الهمزة فهذه النسبة على أربعة أوجه وقد بسطنا الكلام فيه في ( شرحنا لمعاني الآثار ) قوله لا يغني من الإغناء قوله عنه أي عن الكلب ويروى لا يغنى به أي لا ينفع بسببه أو لا يقيم به قوله ولا ضرعا الضرع اسم لكل ذات ظلف وخف وهذا كناية عن الماشية قوله أنت سمعت هذا للتثبيت في الحديث قوله ورب هذا المسجد قسم للتأكيد
واستدل بالحديث بعض المالكية على طهارة الكلب الجائز اتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة قالوا الإذن في اتخاذه أذن في مكملات مقصوده قلنا وهذا يعارضه حديث الأمر من غسل ما ولغ فيه الكلب سبع مرات فإن قالوا هذا أمر تعبدي فلا يستلزم النجاسة قلنا الخبر عام فبعمومه يدل على أن الغسل لنجاسته ومن فوائده الحث على تكثير الأعمال الصالحة والتحذير من الأعمال التي في ارتكابها نقص الأجر
4 -
( باب استعمال البقر للحراثة )
أي هذا باب في بيان حكم استعمال البقر للحراثة البقر اسم جنس والبقرة تقع على الذكر والأنثى وإنما دخلته الهاء على أنه واحد من جنس والجمع بقرات والباقر جماعة البقر مع رعاتها وفي ( المغرب ) الباقور والبيقور والأبقور البقر وعن قطرب الباقورة البقر وقال ابن الأثير الباقورة البقر بلغة أهل اليمن وفي الصدقة لأهل اليمن في ثلاثين باقورة بقرة وقال الجوهري البقير جماعة البقر

(12/159)


4232 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سعد ) قال سمعت ( أبا سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت لم أخلق لهذا خلقت للحراثة قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم
مطابقته للترجمة في قوله خلقت للحراثة وغندر هو محمد بن جعفر البصري وقد تكرر ذكره وسعد هو إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف وفي بعض النسخ إبراهيم مذكور
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المناقب عن علي عن سفيان وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن عباد عن سفيان بن عيينة به وأخرجه الترمذي في المناقب مقطعا عن محمد ابن بشار به وعن محمود بن غيلان
ذكر معناه قوله بينما قد ذكرنا غير مرة أصله بين زيدت فيه ما ويضاف إلى جملة وجوابه قوله التفتت إليه قوله لهذا أي للركوب يدل عليه قوله راكب قوله آمنت به أي بتكلم البقرة قوله أنا إنما أضمره لصحة العطف على الضمير المتصل على رأي البصريين قوله فقال الذئب من لها أي للشاة قوله يوم السبع قال ابن الجوزي أكثر المحدثين يرونه بضم الباء قال والمعنى على هذا أي إذا أخذها السبع لم يقدر على خلاصها فلا يرعاها حينئذ غيري أي إنك تهرب وأكون أنا قريبا منها أنظر ما يفضل لي منها وقال القرطبي كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المرفوع يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد السباع والطير قال وهذا لم نسمع به ولا بد من وقوعه وقال ابن العربي قراءة الناس بضم الباء وإنما هو بإسكانها والضم تصحيف ويريد بالساكن الباء الإهمال والمعنى من لها يوم يهملها أربابها لعظيم ما هم فيه من الكرب أما بمعنى يحدث من فتنة أو يريد به يوم الصيحة وفي ( التهذيب ) للأزهري عن ابن الأعرابي السبع بسكون الباء هو الموضع الذي يكون فيه المحشر فكأنه قال من لها يوم القيامة وقال ابن قرقول الساكن الباء عيد لهم في الجاهلية كانوا يشتغلون به بلعبهم فيأكل الذئب غنمهم وليس بالسبع الذي يأكل الناس وقيل يوم السبع بسكون الباء أي يوم الجوع وقال ابن قرقول قال بعضهم إنما هو يوم السبع بالياء باثنتين من تحتها أي يوم الضياع يقال أسعت وأضعت بمعنى وقال القاضي الروايه بالضم وإما بالسكون فمن جعلها اسما للموضع الذي عنده المحشر أي من لها يوم القيامة وقد أنكر عليه إذ يوم القيامة لا يكون الذئب راعيها ولا له تعلق بها وقال النووي معناه من لها عند الفتن حين يتركها الناس هملا لا راعي لها نهيبة للسباع فيبقى لها السبع راعيا أي منفردا بها قوله ما هما أي لم يكونها يومئذ حاضرين وإنما قال ذلك رسول الله ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما بقدرة الله تعالى
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه علم من أعلام النبوة وفيه فضل الشيخين رضي الله تعالى عنهما لأنه نزلهما بمنزلة نفسه وهي من أعظم الخصائص وقال ابن المهلب فيه بيان أن كلام البهائم من الخصائص التي خصت بها بنو إسرائيل وهذه الواقعة كانت فيهم وهو الذي فهمه البخاري إذ خرجه في باب ذكر بني إسرائيل قلت لا يلزم من ذكر البخاري هذا في بني إسرائيل اختصاصهم بذلك وقد روى ابن وهب أن أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وجدا ذئبا أخذ ظبيا فاستنقذاه منه فقال لهما طعمة أطعمنيها الله تعالى وروي مثل هذا أيضا أنه جرى لأبي جهل وأصحاب له وعند أبي القاسم عن أنس قال كنت مع النبي في غزوة تبوك فشردت على غنمي فجاء الذئب فأخذ منها شاة فاشتدت الرعاة خلفه فقال الذئب طعمة أطعمنيها الله تنزعونها مني فبهت القوم فقال ما تعجبون ( ح ) وذكر ابن الأثير أن قصة الذئب كانت أيضا في المبعث والذي كلمه الذئب اسمه أهبان بن أوس الأسلمي أبو عقبة سكن الكوفة وقيل أهبان بن عقبة وهو عم سلمة بن الأكوع وكان

(12/160)


من أصحاب الشجرة وعن الكلبي هو أهبان بن الأكوع واسمه سنان بن عياذ بن ربيعة وقال الذهبي أهبان بن أوس الأسلمي يكلم الذئب أبو عقبة كوفي وقيل أن مكلم الذئب أهبان بن عياذ الخزاعي وقال ابن بطال وهذا الحديث حجة على من جعل علة المنع من أكل الخيل والبغال والحمير أنها خلقت للزينة والركوب لقوله عز و جل لتركبوها وزينة وقد خلقت البقر للحراثة كما أنطقها الله عز و جل ولم يمنع ذلك من أكل لحومها لا في بني إسرائيل ولا في الإسلام قلت البقر خلقت للأكل بالنص كما خلقت هذه الثلاثة للركوب بالنص والبقر لم تخلق للركوب فلذلك قالت لراكبها لم أخلق لهذا وقولها خلقت للحراثة ليس بحصر فيها ولما كانت فيها منفعتان الأكل والحراثة ذكرت منفعة الحراثة لكونها أبعد في الذهن من منفعة الأكل ولأن الأكل كان مقررا عند الراكب بخلاف الحراثة بل ربما كان يظن أنها غير متصورة عنده فنبهته عليها دون الأكل
( باب إذا قال اكفني مؤنة النخل أو غيره وتشركني في الثمر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال صاحب النخيل لغيره اكفني مؤنة النخل والمؤنة هي العمل فيه من السقي والقيام عليه بما يتعلق به وتشركني في الثمر أي الثمر الذي يحصل من النخل وهذه صورة المساقاة وهي جائزة قوله أو غيره أي أو غير النخل مثل الكرم يكون له ويقول لغيره اكفني مؤنة هذا الكرم وتشركني في العنب الذي يحصل منه وهذا أيضا جائز وجواب إذا محذوف تقديره ماذا قال اكفني إلى آخره جاز هذا القول قوله النخل رواية الكشميهني وفي رواية غيره النخيل وهو جمع نخل كالعبيد جمع عبد وهو جمع نادر قوله وتشركني قال الكرماني بالرفع والنصب ولم يبين وجههما وجه الرفع على تقديره حذف المبتدأ أي وأنت تشركني والواو فيه للحال ووجه النصب على تقدير كلمة أن بعد الواو أي اكفني مؤنة النخل وأن تشركني في الثمر أي وعلى أن تشركني وقد ذكر الكوفيون أن أن بالفتح وسكون النون يأتي بمعنى الشرط كان بكسر الهمزة
6 - ( حدثنا الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالت الأنصار للنبي اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا فقالوا تكفوننا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا )
مطابقته للترجمة في قوله تكفوننا المؤنة ونشرككم في الثمرة
ورجاله قد ذكروا غير مرة والحكم بفتحتين هو أبو اليمان الحمصي وشعيب ابن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشروط وأخرجه النسائي مثله فيه قوله قالت الأنصار يعني حين قدم النبي المدينة قالوا يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا يعني المهاجرين النخيل وإنما قالوا ذلك لأن الأنصار لما بايعوا النبي ليلة العقبة شرط عليهم النبي مواساة من هاجر إليهم فلما قدم المهاجرون قالت الأنصار أقسم يا رسول الله بيننا وبينهم ويعمل كل واحد سهمه فلم يفعل النبي ذلك وهو معنى قوله قال لا أي قال النبي لا أفعل ذلك يعني القسمة لأنه كره أن يخرج شيء من عقار الأنصار عنهم وقال النبي أيضا أن المهاجرين لا علم لهم بعمل النخل فقالت الأنصار حينئذ تكفوننا المؤنة وقد فسرناها ونشرككم في الثمرة وهو معنى قوله فقالوا أي الأنصار للمهاجرين تكفوننا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا أي المهاجرون والأنصار كلهم قالوا سمعنا وأطعنا يعني امتثلنا أمر النبي فيما أشار إليه وهذه صورة المساقاة ثم ظاهر الحديث يقتضي عملهم على النصف مما يخرج الثمرة لأن الشركة إذا أبهمت ولم يكن فيها حد معلوم كانت نصفين وقال المهلب فيه حجة على جواز المساقاة ورد عليه ابن التين بأن المهاجرين كانوا ملكوا من الأنصار نصيبا من الأرض والمال باشتراط النبي

(12/161)


على الأنصار مواساة المهاجرين ليلة العقبة قال فليس ذلك من المساقاة في شيء ورد عليه بأنه لا يلزم من اشتراط المواساة ثبوت الاشتراك في الأرض إذ لو ثبت ذلك بمجرد ذكر المواساة لم يبق لسؤالهم لذلك ورده معنى -
6 -
( باب قطع الشجر والنخل )
أي هذا باب في بيان حكم قطع الشجر والنخيل ولم يذكر حكمه اكتفاء بما في الحديث وحكمه أنه يجوز إذا كان القطع لمصلحة مثل إنكاء العدو ونحوه وروى الترمذي من حديث سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهما في قول الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ( الحشر 5 ) قال اللينة النخلة وليخزي الفاسقين ( الحشر 5 ) قال استنزلوهم من حصونهم قال وأمروا بقطع النخل فحك في صدورهم قال المسلمون قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا فلنسألن رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر وهل علينا فيما تركنا من وزر فأنزل الله عز و جل ما قطعتم من لينة ( الحشر 5 ) الآية ويأتي عن البخاري الآن من حديث ابن عمر أن رسول الله حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة وقال الترمذي وذهب قوم من أهل العلم إلى هذا الحديث ولم يروا بأسا بقطع الأشجار وتخريب الحصون وكره بعضهم ذلك وهو قول الأوزاعي قال الأوزاعي نهى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يقطع شجرا مثمرا أو يخرب عامرا وعمل بذلك المسلمون بعده وقال الشافعي لا بأس بالتحريق في أرض العدو وقطع الأشجار والثمار وقال أحمد وقد يكون في مواضع لا يجدون منه بدا فأما بالعبث فلا يحرق وقال إسحاق التحريق سنة إذا كان إنكاء فيهم انتهى كلام الترمذي وذكر بعض أهل العلم أنه قطع نخلهم ليغيظهم بذلك ونزل في ذلك وليخزي الفاسقين ( الحشر 5 ) فكان قطع النخل وعقر الشجر خزيا لهم وحكى النووي في ( شرح مسلم ) ما حكاه الترمذي عن الشافعي أنه مذهب الجمهور والأئمة الأربعة وقال ابن بطال ذهب طائفة إلى أنه إذا رجى أن يصير البلد للمسلمين فلا بأس أن يترك ثمارهم فإن قلت روى النسائي من حديث عبد الله بن حبشي قال قال رسول الله من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار وعن عروة مرفوعا نحوه مرسلا قلت كان عروة يقطعه من أرضه ويحمل الحديث على تقدير صحته أنه أراد سدر مكة وقيل سدر المدينة لأنه أنس وظل لمن جاءهما ولهذا كان عروة يقطعه من أرضه لا أنه كان يقطعه من الأماكن التي يستأنس بها ولا يستظل الغريب بها هو وبهيمته
وقال أنس أمر النبي بالنخل فقطع
مطابقته للترجمة ظاهرة ويوضح الحكم الذي لم يذكر فيها وهو طرف من حديث طويل قد ذكره في باب نبش قبور الجاهلية بين أبواب المساجد في كتاب الصلاة
6232 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة ولها يقول حسان
( وهان على سراة بني لؤيحريق بالبويرة مستطير )
مطابقته للترجمة ظاهرة وجويرية بن أسماء وعبد الله هو ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسحاق بن حيان
قوله بني النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وهم قوم من اليهود وقال ابن إسحاق قريظة والنضير والنحام وعمر وبنو الخزرج بن الصريح بن التومان بن السمط بن اليسع بن سعد بن لاوي ابن خير بن النحام بن تخوم بن عازر بن عذر بن هارون بن عمران بن يصهر بن لاوي بن يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم وسلامه وقال ابن إسحاق لم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير بن عمرو بن جحاش

(12/162)


وأبو سعيد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها والنسبة إلى بني النضير النضيري ويقال فيه النضري أيضا قوله وهي البويرة بضم الباء الموحدة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وبالراء موضع معروف من بلد بني النضير قوله ولها أي وللبويرة يقول حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي الأنصاري مات قبل الأربعين في خلافة علي رضي الله تعالى عنه والبيت المذكور من المتواتر ولما أنشده حسان أجابه سفيان بن الحارث بقوله
( أدام الله ذلك من صنيعوحرق في نواحيها السعير )
قوله وهان وفي رواية القابسي هان بلا واو فيكون البيت مخروما قوله على سراة بفتح السين السادات وهو جمع السري على غير قياس قوله بني لؤي بضم اللام وفتح الهمزة مصغر لأي اسم رجل والمراد منهم أكابر قريش قوله مستطير أي منتشر
7 -
( باب )
أي هذا باب فيه ذكر حديث وكذا وقع بغير ترجمة عند الجميع وهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله
7232 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( حنظلة بن قيس الأنصاري ) قال سمع ( رافع بن خديج ) قال كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها مسمى لسيد الأرض قال فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ومما يصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا وأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ
قيل لا وجه لإدخال هذا الحديث في هذا الباب ولعل الناسخ غلط فكتبه في غير موضعه وأجيب بأن له وجها لعل وجهها من حيث إن من اكترى أرضا لمدة فله أن يزرع ويغرس فيها ما شاء فإذا تمت المدة فلصاحب الأرض طلبه بقلعهما فهذا من باب إباحة قطع الشجر قلت هذا المقدار كاف في طلب المطابقة في ذكر متن الحديث هنا
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن مقاتل الثاني عبد الله بن المبارك الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع حنظلة بن قيس الزرقي بضم الزاي وفتح الراء وبالقاف الأنصاري الخامس رافع بن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم ابن رافع الأنصاري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه رازيان ويحيى وحنظلة مدنيان وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه أن شيخه من أفراده وأنه ذكر مجردا عن النسبة وكذلك عبد الله ذكر مجردا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المزارعة عن صدقة عن سفيان بن عيينة وفي الشروط عن مالك بن إسماعيل وأخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عمرو الناقد عن سفيان وعن أبي الربيع وعن أبي موسى وأخرجه أبو داود فيه عن إبراهيم بن موسى الرازي وعن قتيبة عن الليث وعن قتيبة عن مالك وأخرجه النسائي في المزارعة عن مغيرة بن عبد الرحمن وعن عمرو بن علي وعن يحيى بن حبيب وعن محمد بن عبد الله وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة به
ذكر معناه قوله مزدرعا نصب على التمييز والمزدرع مكان الزرع ويجوز أن يكون مصدرا أي كنا أكثر أهل المدينة زرعا والمزدرع أصله المزترع لأنه من باب الافتعال ولكن قلب التاء دالا لأن مخرج التاء لا يوافق الزاي لشدتها قوله نكري الأرض بضم النون من الإكراء قوله مسمى القياس فيه مسماة لأنه حال من الناحية ولكن ذكر باعتبار أن ناحية الشيء بعضه ويجوز أن يكون التذكير باعتبار الزرع ويروى تسمي بلفظ الفعل وهو أيضا حال قوله

(12/163)


لسيد الأرض أي مالكها جعل الأرض كالعبد المملوك وأطلق السيد عليه قوله قال أي رافع بن خديج قوله فمما يصاب ذلك أي فكثيرا ما يصاب ذلك البعض أي يقع له مصيبة ويصير مؤوفا فيتلف ذلك ويسلم باقي الأرض وبالعكس تارة وهو معنى قوله ومما يصاب الأرض ويسلم ذلك أي البعض وفي رواية الكشميهني فمهما في الموضعين ورواية الأكثرين أولى لأن مهما يستعمل لأحد معان ثلاثة أحدها يتضمن معنى الشرط فيما لا يعقل غير الزمان والثاني الزمان والشرط والزمخشري ينكر ذلك والثالث الاستفهام ولا يناسب مهما هنا إلا بالتعسف يعلم ذلك من يتأمل فيه وأما من لا عربية له فلا يفهم من ذلك شيئا وقال الكرماني يحتمل أن يكون مهما بمعنى ربما لأن حروف الجر يقام بعضها مقام البعض سيما ومن التبعضية تناسب رب التقليلية وعلى هذا الاحتمال لا يحتاج أن يقال إن لفظ ذلك من باب وضع المظهر موضع المضمر قوله فنهينا على صيغة المجهول أي نهينا عن هذا الإكراء على هذا الوجه لأنه موجب لحرمان أحد الطرفين فيؤدي إلى الأكل بالباطل قوله والورق بكسر الراء هو الفضة وفي رواية الكشميهني الفضة عوض الورث قوله فلم يكن يومئذ يعني فلم يكن الذهب والفضة يكرى بهما لا أن معناه فليس الذهب والفضة موجودين
ذكر ما يستفاد منه فيه أن إكراء الأرض بجزء منها أي بجزء مما يخرج منها منهي عنه وهو مذهب عطاء ومجاهد ومسروق والشعبي وطاووس والحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وبه قال أبو حنيفة ومالك وزفر واحتجوا في ذلك بحديث رافع ابن خديج المذكور واحتجوا أيضا بما أخرجه الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال قال رسول الله من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكريها بالثلث ولا بالربع ولا بطعام مسمى وأخرجه مسلم أيضا وبما رواه البخاري أيضا عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل إلى آخره وسيأتي بعد عشرة أبواب وبما رواه مسلم من حديث عبد الله بن السائب قال سألت عبد الله ابن مغفل عن المزارعة فقال أخبرني ثابت بن الضحاك أن رسول الله نهى عن المزارعة وبما رواه البخاري ومسلم أيضا من حديث جابر بن عبد الله وسيأتي أيضا هذا بعد أبواب وبما رواه البخاري ومسلم من حديث سالم أن عبد الله ابن عمر قال كنت أعلم في عهد رسول الله أن الأرض تكرى الحديث وسيأتي هذا أيضا بعد أبواب إن شاء الله تعالى
ولما كانت أحاديث هؤلاء الأربعة مختلفة الألفاظ ومتباينة المعاني كثرت فيه مذاهب الناس وأقوال العلماء قال أبو عمر لا يجوز كراء الأرض بشيء من الطعام مأكولا كان أو مشروبا على حال لأن ذلك في معنى بيع الطعام بالطعام نسيئة وكذلك لا يجوز كراء الأرض بشيء مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما ولا مشروبا سوى الخشب والقصب والحطب لأنه في معنى المراقبة هذا هو المحفوظ عن مالك وأصحابه وقال القاضي عياض اختلف الناس في منع كراء الأرض على الإطلاق فقال به طاووس والحسن أخذا بظاهر النهي عن المحاقلة وفسرها الراوي بكراء الأرض فأطلق وقال جمهور العلماء إنما يمنع على التقييد دون الإطلاق واختلفوا في ذلك فعندهما أن كراءها بالجزء لا يجوز من غير خلاف وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال بعض الصحابة وبعض الفقهاء بجوازه تشبيها بالقراض وأما إكراءها بالطعام مضمونا في الذمة فأجازه أبو حنيفة والشافعي وقال ابن حزم وممن أجاز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يخرج منها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عمر وسعد وابن مسعود وخباب وحذيفة ومعاذ رضي الله تعالى عنهم وهو قول عبد الرحمن بن يزيد بن موسى وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر واختلف فيها عن الليث وأجازها أحمد وإسحاق إلا أنهما قالا إن البذر يكون من عند صاحب الأرض وإنما على العامل البقر والآلة والعمل وأجازه بعض أصحاب الحديث ولم يبال ممن جعل البذر منهما
8 -
( باب المزارعة بالشطر ونحوه )
أي هذا باب في بيان حكم المزارعة بالشطر أي بالنصف قال بعضهم راعى المصنف لفظ الشطر لوروده في الحديث

(12/164)


وألحق غيره لتساويهما في المعنى ولولا مراعاة لفظ الحديث لكان قوله المزارعة بالجزء أخصر قلت قد يطلق الشطر ويراد به البعض فاختار لفظ الشطر لمراعاة لفظ الحديث ولكونه يطلق على البعض والبعض هو الجزء فإن قلت فعلى هذا لا حاجة إلى قوله ونحوه قلت إذا أريد بلفظ الشطر البعض يكون المراد بنحوه الجزء فلا يحتاج حينئذ إلى التعسف بالإلحاق فافهم
وقل قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع
قيس بن مسلم الجدلي أبو عمرو الكوفي مر في باب زيادة الإيمان وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن الثوري قال أخبرني قيس بن مسلم عن أبي جعفر به قوله أهل بيت هجرة أراد به المهاجرين قوله والربع الواو فيه بمعنى أو وقال بعضهم الواو عاطفة على الفعل لا على المجرور أي يزرعون على الثلث ويزرعون على الربع قلت لا يقال الحرف يعطف على الفعل وإنما الواو هنا بمعنى أو كما قلنا فإذا خليناها على أصلها يكون فيه حذف تقديره وإلا يزرعون على الربع ونقل ابن التين عن القابسي شيئين أحدهما أنه أنكر رواية قيس بن مسلم عن أبي جعفر وعلل بأن قيسا كوفي وأبا جعفر مدني ولم يروه عن قيس أحد من المدنيين ورد هذا بأن انفراد الثقة الحافظ لا يضر والآخر ذكر أن البخاري ذكر هذه الآثار في هذا الباب ليعلم أنه لم يصح في المزارعة على الجزء حديث مسند ورد عليه بأنه ذهل عن حديث ابن عمر الذي في آخر الباب وهو الذي احتج به من قال بالجواز
وزارع علي وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة بن الزبير وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين
وصل تعليق علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن صليع عنه أنه لم ير بأسا بالمزارعة على النصف ووصل تعليق سعد بن مالك وهو سعد بن أبي وقاص وتعليق عبد الله بن مسعود الطحاوي قال حدثنا فهد حدثنا محمد بن سعد أخبرنا شريك عن إبراهيم بن المهاجر قال سألت موسى بن طلحة عن المزارعة فقال أقطع عثمان عبد الله أرضا وأقطع سعدا أرضا وأقطع خبابا أرضا وأقطع صهيبا أرضا فكل جاري فكانا يزرعان بالثلث والربع انتهى وفيه خباب وصهيب أيضا ووصل تعليق عمر بن عبد العزيز ابن أبي شيبة من طريق خالد الحذاء أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة أن يزارع بالثلث أو الربع ووصل تعليق القاسم بن محمد عبد الرزاق قال سمعت هشاما يحدث أن ابن سيرين أرسله إلى القاسم بن محمد يسأله عن رجل قال لآخر إعمل في حائطي هذا ولك الثلث أو الربع قال لا بأس قال فرجعت إلى ابن سيرين فأخبرته فقال هذا أحسن ما يصنع في الأرض ووصل تعليق عروة بن الزبير بن العوام ابن أبي شيبة قاله بعضهم ولم أجده ووصل تعليق آل أبي بكر وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة بسنده إلى أبي شيبة بسنده إلى أبي جعفر الباقر أنه سئل عن المزارعة بالثلث والربع فقال إن نظرت في آل أبي بكر وآل عمر وجدتهم يفعلون ذلك قلت آل الرجل أهل بيته لأن الآل القبيلة ينسب إليها فيدخل كل من ينسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام الأقرب والأبعد ووصل تعليق محمد بن سيرين بن سعيد بن منصور بإسناده عنه أنه كان لا يرى بأسا أن يجعل الرجل للرجل طائفة من زرعه أو حرثه على أن يكفيه مؤونتها والقيام عليها
وقال عبد الرحمان بن الأسود كنت أشارك عبد الرحمان بن يزيد في الزرع
عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي وعبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي هو أخو الأسود بن يزيد وابن أخي علقمة بن قيس وهو أيضا أدرك جماعة من الصحابة ووصل تعليقه ابن أبي شيبة وزاد فيه واحمله إلى علقمة والأسود فلو رأيا به بأسا لنهياني عنه

(12/165)


وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاؤا بالبذر فلهم كذا
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد أن عمر رضي الله تعالى عنه أجلى أهل نجران واليهود والنصارى واشترى بياض أرضهم وكرومهم فعامل عمر الناس إن هم جاؤا بالبقر والحديد من عندهم فلهم الثلثان ولعمر الثلث وإن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وعاملهم في النخل على أن لهم الخمس وله الباقي وعاملهم في الكرم على أن لهم الثلث وله الثلثين
وقال الحسن لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينفقان جميعا فما خرج فهو بينهما
الحسن هو البصري قال بعضهم أما قول الحسن فوصله سعيد بن منصور نحوه قلت لم أقف على ذلك بعد الكشف
ورأى ذلك الزهري
أي رأى محمد بن مسلم الزهري ما قاله الحسن البصري يعني يذهب إليه فيه وقال بعضهم أما قول الزهري فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة نحوه قلت لم أجده عندهما
وقال الحسن لا بأس أن يجتنى القطن على النصف
أن يجتنى من جنيت الثمرة إذا أخذتها من الشجرة وقال ابن بطال أما اجتناء القطن والعصفر ولقاط الزيتون والحصاد كل ذلك غير معلوم فأجازه جماعة من التابعين وهو قول أحمد بن حنبل قاسوه على القراض لأنه يعمل بالمال على جزء منه معلوم لا يدري مبلغه ومنع من ذلك مالك وأبو حنيفة والشافعي لأنها عندهم إجارة بثمن مجهول لا يعرف
وقال إبراهيم وابن سيرين وعطاء والحكم والزهري وقتادة لا بأس أن يعطي الثوب بالثلث أو الربع ونحوه
إبراهيم هو النخعي وابن سيرين هو محمد بن سيرين وعطاء هو ابن أبي رباح والحكم هو ابن عتيبة والزهري هو محمد بن مسلم وقتادة هو ابن دعامة قالوا لا بأس أن يعطى للنساج الغزل لينسجه ويكون ثلث المنسوج له والباقي لمالك الغزل وأطلق الثوب على الغزل مجازا أما قول إبراهيم فوصله أبو بكر الأثرم من طريق الحكم أنه سأل إبراهيم عن الحواك يعطي الثوب على الثلث والربع فقال لا بأس بذلك وأما قول ابن سيرين فوصله ابن أبي شيبة من طريق ابن عون سألت محمدا هو ابن سيرين عن الرجل يدفع إلى النساج الثوب بالثلث أو بالربع أو بما تراضيا عليه فقال لا أعلم به بأسا وقال بعضهم وأما قول عطاء والحكم فوصلهما ابن أبي شيبة قلت لم أجد ذلك عنده وأما قول الزهري فلم أقف عليه وأما قول قتادة فوصله ابن أبي شيبة بلفظ أنه كان لا يرى بأسا أن يدفع الثوب إلى النساج بالثلث وقال أصحابنا من دفع إلى حائك غزلا لينسجه بالنصف فهذا فاسد فللحائك أجر مثله وفي ( المبسوط ) حكى الحلواني عن أستاذه أبي علي أنه كان يفتي بجواز ذلك في دياره بنسف لأن فيه عرفا ظاهرا وكذا مشايخ بلخ يفتون بجواز ذلك في الثياب للتعامل وكذا قالوا لا يجوز إذا استأجر حمارا يحمل طعاما بقفيز منه لأنه جعل الأجر بعض ما يخرج من عمله فيصير في معنى قفيز الطحان وقد نهى عنه وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري قال نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان وتفسير قفيز الطحان أن يستأجر ثورا ليطحن له حنطة بقفيز من دقيقه وكذا إذا استأجر أن يعصر له سمسما بمن من دهنه أو استأجر امرأة لغزل هذا القطن أو هذا الصوف برطل من الغزل وكذا اجتناء القطن بالنصف ودياس الدخن بالنصف وحصاد الحنطة بالنصف ونحو ذلك وكل ذلك لا يجوز

(12/166)


وقال معمر لا بأس أن تكون الماشية على الثلث أو الربع إلى أجل مسمى
معمر بفتح الميمين ابن راشد قوله أن تكون الماشية ويروى أن يكري الماشية وذلك أن يكري دابة تحمل له طعاما مثلا إلى مدة معينة على أن يكون ذلك بينهما أثلاثا أو أرباعا فإنه لا بأس وعندنا لا يجوز ذلك وعليه أجرة المثل لصاحب الدابة
8232 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال أخبره عن النبي عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير فقسم عمر خيبر فخير أزواج النبي أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق وكانت عائشة اختارت الأرض
مطابقته للترجمة في قوله عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع وعبيد الله هو ابن عمر العمري والحديث من أفراده
قوله أخبره عن النبي ويروى أخبره أن النبي قوله عامل خيبر أي أهل خيبر نحو واسأل القرية ( يوسف 28 ) أي أهل القرية قوله بشطر أي بنصف ما يخرج منها قوله من ثمر بالثاء المثلثة إشارة إلى المساقاة قوله أو زرع إشارة إلى المزارعة قوله فكان يعطي أزواجه مائة وسق الوسق ستون صاعا بصاع النبي وفي كتاب الخراج ضبطه ابن التين الوسق بضم الواو وقال غيره هو بالفتح قوله ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير كذاا هو ثمانون وعشرون في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني ثمانين وعشرين وجه الرفع على تقدير منها ثمانون وسق تمر فيكون ارتفاع ثمانون على الابتداء وخبره مقدما لفظ منها وكذلك الكلام في وعشرون أي ومنها عشرون ووجه النصب على تقدير أعني ثمانين وسق تمر وعشرين وسق شعير وقال بعضهم الرفع على القطع وثمانين على البدل ولا يصح شيء من ذلك يعرف بالتأمل ولفظ وسق في الموضعين منصوب على التمييز وكلاهما بالإضافة قوله فقسم عمر ويروى وقسم بالواو وقال بعضهم وقسم عمر أي خيبر وصرح بذلك أحمد في روايته عن ابن نمير عن عبيد الله بن عمر قلت في كثير من النسخ قلت خيبر موجود فلا يحتاج إلى التفسير إلا في نسخة سقط منها هذا اللفظ قوله أن يقطع بضم الياء من الإقطاع بكسر الهمزة يقال أقطع السلطان فلانا أرض كذا إذا أعطاه وجعله قطيعة له قوله و يمضي لهن أي أو يجري لهن قسمتهن على ما كان في حياة رسول الله كما كان من التمر والشعير
ذكر ما يستفاد منه هذا الحديث عمدة من أجاز المزارعة وقال ابن بطال اختلف العلماء في كراء الأرض بالشرط والثلث والربع فأجاز ذلك علي وابن مسعود وسعد والزبير وأسامة وابن عمر ومعاذ وخباب وهو قول ابن المسيب وطاووس وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري وأبي يوسف ومحمد وأحمد وهؤلاء أجازوا المزارعة والمساقاة وكرهت ذلك طائفة روي عن ابن عباس وابن عمر وعكرمة والنخعي وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والشافعي وأبي ثور قالوا لا تجوز المزارعة وهو كراء الأرض بجزء منها ويجوز عندهم المساقاة ومنعها أبو حنيفة وزفر فقالا لا تجوز المزارعة ولا المساقاة بوجه من الوجوه وقالوا المزارعة منسوخة بالنهي عن كراء الأرض بما يخرج وهي إجارة مجهولة لأنه قد لا تخرج الأرض شيئا وأدعوا أن المساقاة منسوخة بالنهي عن المزابنة وذكر الطحاوي حديث رافع نهى رسول الله عن المزارعة وحديث ابن عمر كنا لا نرى بأسا حتى زعم رافع أن النبي نهى عن المخابرة ومثله نهى عن كراء الأرض وحديث ثابت بن الضحاك أن النبي نهى عن المزارعة وحديث جابر أن رسول الله قال من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يؤاجرها وفي لفظ من لم يدع المخابرة فليؤذن

(12/167)


بحرب من الله عز و جل
وأجاب أبو حنيفة عن حديث الباب بأن معاملة النبي أهل خيبر لم كن بطريق المزارعة والمساقاة بل كانت بطريق الخراج على وجه المن عليهم والصلح لأنه ملكها غنيمة فلو كان أخذ كلها جاز وتركها في أيديهم بشطر ما يخرج منها فضلا وكان ذلك خراج مقاسمة وهو جائز كخراج التوظيف ولا نزاع فيه وإنما النزاع في جواز المزارعة والمعاملة وخراج المقاسمة أن يوظف الإمام في الخارج شيئا مقدرا عشرا أو ثلثا أو ربعا ويترك الأراضي على ملكهم منا عليهم فإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء عليهم وهذا تأويل صحيح فإنه لم ينقل عن أحد من الرواة أنه تصرف في رقابهم أو رقاب أولادهم وقال أبو بكر الرازي في ( شرحه لمختصر الطحاوي ) ومما يدل على أن ما شرط من نصف الثمر والزرع كان على وجه الجزية أنه لم يرو في شيء من الأخبار أنه أخذ منهم الجزية إلى أن مات ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله تعالى عنهما إلى أن أجلاهم ولو لم يكن ذلك لأخذ منهم الجزية حين نزلت آية الجزية والخراج الموظف أن يجعل الإمام في ذمتهم بمقابلة الأرض شيئا من كل جريب يصلح للزراعة صاعا ودرهما فإن قلت روي أن النبي قسم أراضي خيبر على ستة وثلاثين سهما وهذا على أنها ما كانت خراج مقاسمة قلت يجوز أنه قسم خراج الأراضي بأن جعل خراج هذه الأرض لفلان وخراج هذه لفلان فإن قلت روي أن عمر رضي الله تعالى عنه أجلى أهل خيبر ولم يعطهم قيمة الأراضي فدل ذلك على عدم الملك قلت يجوز أنه ما أعطاهم زمان الإجلاء وأعطاهم بعد ذلك
وفيه تخيير عمر رضي الله تعالى عنه أزواج النبي بين أن يقطع لهن من الأرض وبين إجرائهن على ما كن عليه في عهد النبي من غير أن يملكهن لأن الأرض لم تكن موروثة عن سيدنا رسول الله فإذا توفين عادت الأرض والنخل على أصلها وقفا مسبلا وكان عمر يعطيهن ذلك لأنه قال ما تركت بعد نفقة نسائي فهو صدقة وقال ابن التين وقيل إن عمر رضي الله تعالى عنه كان يقطعهن سوى هذه الأوسق اثني عشر ألفا لكل واحدة منهن وما يجري عليهم في سائر السنة
9 -
( باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا لم يشترط رب الأرض سنينا معلومة في عقد المزارعة ولم يذكر جواب إذا الذي هو يجوز أو لا يجوز لكان الاختلاف فيه قال ابن بطال قد اختلف العلماء في المزارعة من غير أجل فكرهها مالك والثوري والشافعي وأبو ثور وقال أبو ثور إذا لم يسم سنين معلومة فهو على سنة واحدة وقال ابن المنذر وحكى عن بعضهم أنه قال أجيز ذلك استحسانا وادعى القياس لقوله نقركم ما شئنا قال فيكون لصاحب النخل والأرض أن يخرج المساقي والمزارع من الأرض متى شاء وفي ذلك دلالة أن المزارعة تخالف الكراء لا يجوز في الكراء أن يقول أخرجك عن أرضي متى شئت ولا خلاف بين أهل العلم أن الكراء في الدور والأرضين لا يجوز إلا وقتا معلوما قلت لصحة المزارعة على قول من يجيزها شروط منها بيان المدة بأن يقال إلى سنة أو سنتين وما أشبهه ولو بين وقتا لا يدرك الزرع فيها تفسد المزارعة وكذا لو بين مدة لا يعيش أحدهما إليها غالبا تفسد أيضا وعن محمد بن سلمة أن المزارعة تصح بلا بيان المدة وتقع على زرع واحد واختاره الفقيه أبو الليث وبه قال أبو ثور وعن أحمد يجوز بلا بيان المدة لأنها عقد جائز غير لازم وعند أكثر الفقهاء لازم
9232 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال عامل النبي ( خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع
هذا الحديث قد مضى في الباب السابق بأتم منه فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع وهنا أخرجه عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وأعاده مختصرا لأجل الترجمة المذكورة والمطابقة بينهما ظاهرة لأنه ليس فيه التعرض إلى بيان المدة

(12/168)


1 -
( باب )
يجوز فيه التنوين على تقدير هذا باب ويجوز تركه على السكون فلا يكون معربا لأن الإعراب لا يكون إلا في المركب ووقع باب كذا بغير ترجمة عند الكل وقد ذكرنا أن بابا كلما وقع كذا فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله
0332 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) قلت ل ( طاووس ) لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي نهى عنه قال أي عمرو إني أعطيهم وأعينهم وإن أعلمهم أخبرني يعني ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي لم ينه عنه ولكن قال أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوما
وجه دخوله في الباب السابق من حيث إن للعامل فيه جزءا معلوما وهنا لو ترك رب الأرض هذا الجزء للعامل كان خيرا له من أن يأخذه منه وفيه جواز أخذ الأجرة لأن الأولوية في الترك لا تنافي الجواز فافهم
ورجاله أربعة قد ذكروا غير مرة وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني وهو من أفراده وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المزارعة عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري وفي الهبة عن محمد بن بشار وأخرجه مسلم في البيوع عن محمد عن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة به وعن ابن أبي عمر عن الثقفي به وعن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن يحيى بن يحيى وعن محمد بن رمح وعن علي بن حجر وأخرجه أبو داود فيه عن محمد ابن كثير عن الثوري به وأخرجه الترمذي في الأحكام عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في المزارعة عن محمد بن عبد الله المخرمي وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد بن رمح وعن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة به وعن أبي بكر بن خلاد الباهلي ومحمد بن إسماعيل
ذكر معناه قوله قال عمرو وفي رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وغيره عن سفيان حدثنا عمرو قوله لو تركت المخابرة جواب لو محذوف تقديره لو تركت المخابرة لكان خيرا أو يكون لو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وفسر الكرماني المخابرة من جهة مأخذ هذا اللفظ فقال المخابرة من الخبير وهو الأكار أو من الخبرة بضم الخاء وهي النصيب أو من خيبر لأن أول هذه المعاملة وقعت فيها انتهى والمخابرة هي العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها وهي المزارعة لكن الفرق بينهما من وجه وهو أن البذر من العامل في المخابرة وفي المزارعة من المالك والدليل على أن المخابرة هي المزارعة رواية الترمذي من حديث عمرو بن دينار بلفظ لو تركت المزارعة يخاطب ابن عباس بذلك قوله فإنهم الفاء فيه للتعليل لأن عمرا يعلل كلامه في خطابه لطاووس بترك المخابرة بقوله فإنهم أي فإن الناس ومراده منهم رافع بن خديج وعمومته والثابت بن الضحاك وجابر بن عبد الله ومن روى منهم قوله يزعمون أي يقولون أن النبي نهى عنه أي عن الزرع على طريق المخابرة قوله قال أي عمرو أي قال طاووس يا عمرو قوله إني أعطيهم من الإعطاء قوله وأعينهم بضم الهمزة وكسر العين المهملة من الإعانة وهذا هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني وأغنيهم بالغين المعجمة الساكنة من الإغناء والأول أوجه وكذا في رواية ابن ماجه وغيره قوله وإن أعلمهم أي وإن أعلم هؤلاء الذين يزعمون أنه نهى عنه قوله أخبرني خبر إن وبين المراد من هذا الأعلم بقوله يعني ابن عباس قوله لم ينه عنه أي عن الزرع على طريق المخابرة ولا معارضة بين هذا وبين قوله نهى عنه لأن النهي كان فيما يشترطون شرطا فاسدا وعدمه فيما لم يكن كذلك وقيل المراد بالإثبات نهي التنزيه وبالنفي نهي التحريم قوله أن يمنح بفتح الهمزة وسكون النون قال بعضهم أن يمنح بفتح الهمزة والحاء على أنها تعليلية وبكسر الهمزة وسكون الحاء على أنها شرطية والأول أشهر انتهى قلت ليس كذلك بل أن بفتح الهمزة مصدرية ولام

(12/169)


الابتداء مقدرة قبلها تقديره لأن يمنح أي لمنح أحدكم أخاه خير لكم والمصدر مضاف إلى أحدكم مبتدأ وخبره هو قوله خير لكم ويؤيد ما ذكرناه أنه وقع في رواية الطحاوي بلام الابتداء ظاهرة فإنه روى هذا الحديث وفيه لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما ووقع في رواية مسلم يمنح أحدكم بدون أن واللام وقد جاء أن بالفتح بمعنى إن بالكسر الشرطية فيحنئذ يكون يمنح مجزوما به وجواب الشرط خير ولكن فيه حذف تقديره هو خير لكم قوله من أن يأخذ أن هنا أيضا مصدرية أي من أخذه عليه والضمير فيه يرجع إلى قوله أخاه قوله خرجا أي أجرة والغرض أنه يجعلها له منحة أي عطية عارية لأنهم كانوا يتنازعون في كراء الأرض حتى أفضى بهم إلى التقاتل وقد بين الطحاوي علة النهي في حديث رافع فقال حدثنا علي بن شيبة قال حدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه قال يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله قد اقتتلا فقال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله لا تكروا المزارع قال الطحاوي فهذا زيد بن ثابت يخبر أن قول النبي لا تكروا المزارع النهي الذي قد سمعه رافع لم يكن من النبي على وجه التحريم وإنما كان لكراهيته وقوع الشر بينهم وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا وقال الطحاوي وقد روي عن ابن عباس من المعنى الذي ذكره زيد بن ثابت من حديث رافع بن خديج شيء ثم روى حديث الباب نحوه
11 -
( باب المزارعة مع اليهود )
أي هذا باب في بيان حكم المزارعة مع اليهود وأراد بهذه الترجمة أنه لا فرق في جواز المزارعة بين المسلمين وأهل الذمة وإنما خصص اليهود بالذكر وإن كان الحكم يشمل أهل الذمة كلهم لأن المشهور في حديث الباب اليهود فإذا جازت المزارعة مع اليهود جازت مع غيرهم من أهل الذمة كذلك
1332 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل وعبد الله هو ابن المبارك وعبيد الله هو ابن عمر العمري والحديث مضى فيما قبل هذا الباب فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
21 -
( باب ما يكره من الشروط في المزارعة )
أي هذا باب في بيان ما يكره إلى آخره
2332 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( ابن عيينة ) عن ( يحيى ) قال سمع ( حنظلة الزرقي ) عن ( رافع ) رضي الله تعالى عنه قال كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه فيقول هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه فنهاهم النبي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فيقول هذه القطعة لي إلى آخره وهذا في الحقيقة شرط يؤدي إلى النزاع وهو ظاهر وابن عيينة هو سفيان بن عيينة ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وحنظلة ابن قيس الزرقي والحديث مضى في الباب المذكور مجردا الملحق بباب قطع الشجر والنخيل وقد مر الكلام فيه مستوفى وإنما أشار بذكر هذا إلى

(12/170)


أن النهي في حديث رافع محمول على ما إذا تضمن العقد شرطا فيه جهالة قوله حقلا نصب على التمييز وهو بفتح الحاء المهملة وسكون القاف أي زرعا وقيل هو الفدان الذي يزرع قوله ذه بكسر الذال المعجمة وبسكون الهاء إشارة إلى القطعة وفيه بيان علة النهي
31 -
( باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وكان في ذلك صلاح لهم )
أي هذا باب يذكر فيه بيان زرع أحد مال قوم بغير إذن منهم قوله وكان الواو فيه للحال قوله في ذلك أي في ذلك الزرع صلاح لهم أي لهؤلاء القوم
3332 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أبو ضمرة ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم قال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني وإني استأخرت ذات يوم فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما ناما فحلبت كما كنت أحلب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما وأكره أن أسقي الصبية والصبية يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله فرأوا السماء وقال الآخر أللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت منها فأبت حتى أتيتها بمائة دينار فبغيت حتى جمعتها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة ففرج وقال الثالث اللهم إني استأجرت أجيرابفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها فجاءني فقال اتق الله فقلت اذهب إلى ذالك البقر ورعاتها فخذ فقال اتق الله ولا تستهزىء بي فقلت إني لا أستهزيء بك فخذ فأخذه فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ففرج الله قال أبو عبد الله وقال ابن عقبة عن نافع فسعيت
مطابقته للترجمة من حيث إن المستأجر عين للأجير أجرة فبعد إعراضه عنه تصرف فيه بما فيه صلاح له فلو كان تصرفه فيه غير جائز لكان معصية ولا يتوسل به إلى الله تعالى فإن قلت التوسل إنما كان برد الحق إلى مستحقه بزيادته النامية لا بتصرفه كما أن الجلوس مع المرأة كان معصية والتوسل لم يكن إلا بترك الزنا قلت لما ترك صاحب الحق القبض ووضع المستأجر يده ثانيا على الفرق كان وضعا مستأنفا على ملك الغير ثم تصرفه فيه إصلاح لا تضييع فاغتفر ذلك ولم يعد تعديا فلم يمنع عن التوسل بذلك مع أن جل قصده خلاصه من المعصية والعمل بالنية ومع هذا لو هلك الفرق لكان ضامنا له لعدم الإذن في زراعته وبهذا يجاب عن قول من قال لا تصح هذه الترجمة إلا أن يكون الزارع متطوعا إذ لا خسارة على صاحب المال لأنه لو هلك كان من الزارع وإنما تصح على سبيل التفضل بالربح وضمان رأس المال وقد مرت هذه القصة في كتاب البيوع

(12/171)


في باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي وقد مر الكلام فيها وأنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن أبي عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وأخرجه هنا عن إبراهيم بن المنذر أبي إسحاق الحزامي المديني وهو من أفراده عن أبي ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وهو أنس بن عياض مر في باب التبرز في البيوت
ولنذكر هنا بعض شيء قوله يمشون حال قوله فأووا بفتح الهمزة بلا مد قوله في جبل صفة غار أي كائن فيه قوله صالحة بالنصب صفة لقوله أعمالا ويروى خالصة قوله يفرجها بضم الراء قوله أللهم إنه أي إن الشأن وفي قول الآخر أللهم إنها أي إن القصة إذا الجملة مؤنث وفي قول الثالث أللهم إني أسند إليه وهذا من باب التفنن الذي فيه يحلو الكلام ويونق قوله والصبية جمع صبي وكذلك الصبوة والواو القياس ولكن الياء أكثر استعمالا قوله فلم آت بالفاء ويروى ولم آت بالواو قوله ناما وفي رواية الكشميهني نائمين قوله يتضاغون بالمعجمتين أي يتصايحون من ضغا يضغو ضغوا وضغاء إذا صاح وضج قوله فأبت علي حتى أتيتها هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فأبت حتى أتيتها بدون لفظة علي قوله فرج أي فرجة أخرى لا كلها قوله بفرق أرز الفرق بفتحتين إناء يأخذ ستة عشر رطلا وذلك ثلاثة أصوع كذا في ( التهذيب ) قال الأزهري والمحدثون على سكون الراء وكلام العرب على التحريك وفي ( الصحاح ) الفرق مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا قال وقد يحرك والجمع فرقان كبطن وبطنان وقال بعضهم الفرق بالسكون أربعة
أرطال وفي ( نوادر ) هشام عن محمد الفرق ستة وثلاثون رطلا قال صاحب ( المغرب ) ولم أجد هذا في أصول اللغة قلت قال في ( المحيط ) الفرق ستون رطلا ولا يلزم من عدم وجدانه هو وأن لا يجد غيره فإن لغة العرب واسعة قوله أرز فيه لغات قد ذكرناها هناك وقد مر في البيوع فرق من ذرة والتوفيق بينهما من جهة أنهما كانا صنفين فالبعض من أرز والبعض من ذرة أو كان أجيران لأحدهما أرز وللآخر ذرة وقال بعضهم لما كانا حبين متقاربين أطلق أحدهما على الآخر قلت هذا أخذه من الكرماني والوجه فيه بعيد ولا يقع مثل هذا الإطلاق من فصيح قوله حتى أتيتها ويروى حتى آتيها قوله فبغيت بالباء الموحدة والغين المعجمة أي طلبت يقال بغى يبغي بغاء إذا طلب قوله قال أعطني حقي ويروى فقال بالفاء قوله وراعيها كذا في رواية الكشميهني بالإفراد وفي رواية غيره ورعاتها بالجمع قوله فقلت إذهب إلى ذلك البقر ويروى قلت إذهب بلا فاء قوله إلى ذلك البقر ويروى إلى تلك البقر فالتذكير باعتبار اللفظ والتأنيث باعتبار معنى الجمعية فيه قوله فقلت إني لا أستهزىء ويروى فقال إني لا أستهزىء قوله قال أبو عبد الله أي البخاري نفسه قوله قال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن نافع فسعيت يعني أن إسماعيل المذكور رواه عن نافع كما رواه عمه موسى بن عقبة إلا أنه خالفه في هذه اللفظة وهي قوله فبغيت بالباء والغين المعجمة فقالها سعيت بالسين والعين المهملتين من السعي وقال الجياني وقع في رواية لأبي ذر وقال إسماعيل عن عقبة وهو وهم والصواب إسماعيل بن عقبة وهو ابن إبراهيم بن عقبة ابن أخي موسى وتعليق إسماعيل وصله البخاري في كتاب الأدب في باب إجابة دعاء من بر والديه
41 -
( باب أوقاف أصحاب النبي وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم )
أي هذا باب في بيان حكم أوقاف النبي وبيان أرض الخراج وبيان مزارعتهم وبيان معاملتهم قال ابن بطال معنى هذه الترجمة أن الصحابة كانوا يزارعون أوقاف النبي بعد وفاته على ما كان عليه يهود خيبر
وقال النبي لعمر تصدق بأصله لا يباع ولكن ينفق ثمره فتصدق به
مطابقته للصدر الأول من الترجمة وهي تظهر من قوله لعمر تصدق بأصله إلى آخره وهذا حكم وقف الصحابي

(12/172)


وكذلك يكون حكم أوقاف بقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهذا التعليق قطعة من حديث أخرجه البخاري في كتاب الوصايا في باب قول الله عز و جل وابتلوا اليتامى ( النساء 6 ) الآية فقال حدثنا هارون حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله تعالى عنه تصدق بمال له على عهد رسول الله وكان يقال له ثمغ وكان نخلا فقال عمر يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر رضي الله تعالى عنه فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يؤكل صديقه غير متمول به قوله تصدق بأصله هذه العبارة كناية عن الوقف ولفظ تصدق أمر قوله ولكن ينفق على صيغة المجهول قوله فتصدق به أي فتصدق عمر به والضمير يرجع إلى المال المذكور في الحديث الذي ذكرناه الآن وهو المال الذي كان يقال له ثمغ وكان نخلا والثمغ بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم وفي آخره غين معجمة وقال ابن الأثير ثمغ وصرمة بن الأكوع مالان معروفان بالمدينة لعمر بن الخطاب فوقفهما وفي ( معجم البكري ) ثمغ موضع تلقاء المدينة كان فيه مال لعمر بن الخطاب فخرج إليه يوما ففاتته صلاة العصر فقال شغلتني ثمغ عن الصلاة أشهدكم أنها صدقة
4332 - حدثنا ( صدقة ) قال أخبرنا عبد الرحمان عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي خيبر
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة بيان ذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه لما فتح السواد لم يقسمها بين أهلها بل وضع على من بهم من أهل الذمة الخراج فزارعهم وعاملهم وبهذا يظهر أيضا دخول هذا الباب في أبواب المزارعة
ورجاله ستة الأول صدقة بن الفضل المروزي وهو من أفراده الثاني ( عبد الرحمن ) بن مهدي البصري الثالث ( مالك ) بن أنس الرابع ( زيد بن أسلم ) أبو أسامة مولى ( عمر ) بن الخطاب العدوي مات سنة ست وثلاثين ومائة الخامس أبوه أسلم مولى عمر بن الخطاب يكنى أبا خالد كان من سبي اليمن وقال الواقدي أبو زيد الحبشي البجاوي من بجاوة كان من سبي عين التمر اشتراه عمر بمكة سنة إحدى عشرة لما بعثه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ليقيم للناس الحج مات قبل مروان بن الحكم وهو صلى عليه وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة السادس عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن سعيد بن أبي مريم ومحمد بن المثنى وفي الجهاد عن صدقة بن الفضل وأخرجه أبو داود في الخراج عن أحمد بن حنبل ولفظ أحمد لئن عشت إلى هذا العام المقبل لا يفتح الناس قرية إلا قسمتها بينكم
قوله ما فتحت على صيغة المجهول قوله قرية مرفوع به ويجوز فتحت على بناء الفاعل وقرية بالنصب مفعوله قوله إلا قسمتها زاد ابن إدريس الثقفي في رواية ما افتتح المسلمون قرية من قرى الكفار إلا قسمتها سهمانا قوله بين أهلها أي الغانمين قوله كما قسم النبي وزاد ابن إدريس في روايته ولكن أردت أن يكون جزية تجري عليهم وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يعلم أن المال يعز وأن الشح يغلب وأن لا ملك بعد كسرى يقيم وتحرز خزائنه فيغنى بها فقراء المسلمين فأشفق أن يبقى آخر الناس لا شيء لهم فرأى أن يحبس الأرض ولا يقسمها كما فعل بأرض السواد نظرا للمسلمين وشفقة على آخرهم بدوام نفعها لهم ودر خيرها عليهم وبهذا قال مالك في أشهر قوليه إن الأرض لا تقسم
51 -
( باب من أحيا أرضا مواتا )
أي هذا باب في بيان حكم من أحيى أرضا مواتا بفتح الميم وتخفيف الواو وهو الأرض الخراب وعن الطحاوي هو

(12/173)


ما ليس بملك لأحد ولا هو من مرافق البلد وكان خارج البلد سواء قرب منه أو بعد في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أرض الموات هي البقعة التي لو وقف رجل على أدناه من العامر ونادى بأعلى صوته لم يسمعه أقرب من في العامر إليه وقال القزاز الموات الأرض التي لم تعمر شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فيصير بذلك ملكه سواء فيما قرب من العمران أم بعد وسواء أذن له الإمام بذلك أم لم يأذن عند الجمهور وعند أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقا وعند مالك فيما قرب وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه وعن قريب يأتي بسط الكلام فيه إن شاء الله تعالى
ورأي ذلك علي في أرض الخراب بالكوفة موات
أي رأى الإحياء علي بن أبي طالب في أرض الخراب بالكوفة هكذا وقع في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي في أرض الموات
وقال عمر من أحيا أرضا ميتة فهي له
هذا التعليق وصله مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله وروى أبو عبيد بن سلام في كتاب الأموال بإسناده عن محمد بن عبد الله الثقفي قال كتب عمر بن الخطاب أن من أحيى مواتا فهو أحق به وعن العباس بن يزيد أن عمر بن الخطاب قال من أحيى أرضا مواتا ليس في يد مسلم ولا معاهد فهي له وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال كان الناس يتحجرون على عهد عمر رضي الله تعالى عنه فقال من أحيى أرضا فهي له قال يحيى كأنه لم يجعلها له بالتحجير حتى يحييها وفي لفظ وذلك أن قوما كانوا يتحجرون أرضا ثم يدعونها ولا يحيونها وعن عمرو بن شعيب قال أقطع رسول الله ناسا من مزينة أو جهينة أرضا فعطلوها فجاء قوم فأحيوها فقال عمر رضي الله تعالى عنه لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر رضي الله تعالى عنه لرددتها ولكن من رسول الله قال وقال عند ذلك من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمر فجاء غيره فعمرها فهي له وفي لفظ حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها قوله ميتة قال شيخنا هو بتشديد الياء وأصله ميوتة اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ولا يقال هنا أرضا ميتة بالتخفيف لأنه لو خففت لحذف التأنيث كما قال الجوهري أنه يستوي فيه المذكر والمؤنث قال الله تعالى لنحيي به بلدة ميتا ( الفرقان 94 ) ولم يقل ميتة
ويروى عن عمر وابن عوف عن النبي
أي يروى عن عمرو بن عوف بن يزيد المزني الصحابي عن النبي مثله
وقال في غير حق مسلم وليس لعرق ظالم فيه حق
أي قال عمرو بن عوف المذكور وأشار به إلى أنه زاده وقال من أحيى أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم فيه حق ووصله الطبراني وابن عدي والبيهقي من رواية كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال قال رسول الله من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق وفي رواية له من أحيى مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له وليس لعرق ظالم حق ورواه أيضا إسحاق بن راهويه قال أخبرنا أبو عامر العقدي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف حدثني أبي أن أباه حدثه أنه سمع النبي يقول من أحيى أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم حق وكثير هذا ضعيف وليس لجده عمرو بن عوف في البخاري غير هذا الحديث وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدي الذي يأتي حديثه في الجزية وغيرها وقال

(12/174)


الكرماني عقيب قوله وقال أي عمرو وفي بعض الروايات عمر أي ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه وابن عوف أي عبد الرحمن ثم قال فإن قلت فذكر عمر يكون تكرارا قلت فيه فوائد الأولى أنه تعليق بصيغة القوة وهذا بصيغة التمريض وهو بدون الزيادة وهذا معها وهو غير مرفوع إلى النبي وهذا مرفوع انتهى قلت عمر هنا بدون الواو يعني عمر بن الخطاب قالوا إنه تصحيف فلما جعلوا عمر بدون الواو جعلوا الواو واو عطف وقالوا وابن عوف وأرادوا به عبد الرحمن بن عوف وذكر الكرماني ما ذكره ثم ذكر فيه فوائد الأولى المذكورة فلا حاجة إليها لأن ما ذكره ليس بصحيح في الأصل ومع هذا هو قال في آخر كلامه والصحيح هو الأول يعني أنه عمرو بالواو وهو ابن عوف المزني لا أنه عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف قوله وليس لعرق ظالم فيه حق روى لعرق بالتنوين وبالإضافة أي من غرس في أرض غيره بدون إذنه فليس له في الإبقاء فيها حق فإن أضيف فالمراد بالظالم الغارس وسمي ظالما لأنه تصرف في ملك الغير بلا استحقاق وإن وصف به فالمغروس سمي به لأنه الظالم أو لأن الظلم وصل به على الإسناد المجازي وقيل معناه لعرق ذي ظلم قال ابن حبيب بلغني عن ربيعة أنه قال العرق الظالم عرقان ظاهر وباطن فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار والظاهر الغرس وعنه العروق أربعة عرقان فوق الأرض وهما الغرس والنبات وعرقان في جوفها المياه والمعادن وفي ( المعرفة ) للبيهقي قال الشافعي جماع العرق الظالم كل ما حفر أو غرس أو بنى ظلما في حق امرىء بغير خروجه منه وفي كتاب ( الخراج ) لابن آدم عن الثوري وسئل عن العرق الظالم فقال هو المنتزى قلت من انتزى على أرضي إذا أخذها وهو من باب الافتعال من النزو بالنون والزاي وهو الوثبة وعند النسائي عن عروة بن الزبير هو الرجل يعمل الأرض الخربة وهي للناس وقد عجزوا عنها فتركوها حتى خربت
ويروى فيه عن جابر عن النبي
أي يروى في هذا الباب عن جابر بن عبد الله عن النبي قال الكرماني وإنما لم يذكر المروي بعينه لأنه ليس بشرطه بل ليس صحيحا عنده ولهذا قال يروى ممرضا قلت نفس الحديث صحيح رواه الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن النبي قال من أحيى أرضا ميتة فهي له ثم قال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي أيضا عن محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم عن الثقفي وعن علي بن مسلم عن عباد بن عباد عن هشام بن عروة ولفظه من أحيى أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة وروى الترمذي أيضا من حديث سعيد بن زيد عن النبي قال من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق ثم قال هذا حديث حسن غريب وأخرجه أبو داود أيضا وروى أبو داود أيضا من حديث سمرة عن النبي قال من أحاط حائطا على أرض فهي له وروى ابن عدي من حديث ابن عباس عن النبي أنه قال من أحيى أرضا ميتة فهو أحق بها وإسناده ضعيف وروى ابن عدي أيضا من حديث أنس عن النبي قال من عمر أرضا خرابا فأكل منها سبع أو طائر أو شيء كان له ذلك صدقة وفي إسناده سلمة بن سليمان الضبي قال ابن عدي منكر الحديث عن الثقات وروى الطبراني في ( الأوسط ) من حديث مروان بن الحكم قال قال رسول الله البلاد بلاد الله والعباد عباد الله ومن أحاط على حائط فهو له وروى الطبراني أيضا فيه من حديث عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق وروى أبو داود من حديث أسمر بن مضرس من رواية عقيلة بنت أسمر عن أبيها قال قال رسول الله من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له

(12/175)


5332 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عبيد الله بن جعفر ) عن محمد بن عبد الرحمان عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي قال من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله بن أبي جعفر واسم أبي جعفر يسار الأموي القرشي المصري و ( محمد بن عبد الرحمن ) أبو الأسود يتيم ( عروة ) بن الزبير وقد تقدما في الغسل ونصف الإسناد الأول مصريون والنصف الثاني مدنيون
وهذا الحديث من أفراده
قوله أعمر بفتح الهمزة من باب الأفعال من الثلاثي المزيد فيه وقال عياض كذا وقع والصواب عمر ثلاثيا قال تعالى وعمروها أكثر مما عمروها ( الروم 9 ) وكذا قال في ( المطالع ) وقال ابن بطال ويحتمل أن يكون أصله من اعتمر أرضا وسقطت التاء من الأصل قلت لا حاجة إلى هذا الكلام مع ما فيه من توهم الغلط لأن صاحب ( العين ) ذكر أعمرت الأرض وقال غيره يقال أعمر الله باب منزلك فالمراد من أعمر أرضا بالإحياء فهو أحق أي أحق به من غيره وإنما حذف هذا الذي قدرناه للعلم به ووقع في رواية أبي ذر من أعمر على بناء المجهول أي من أعمره غيره فالمراد من الغير الإمام وهذا يدل على أن إذن الإمام لا بد منه ووقع في ( جمع الحميدي ) من عمر ثلاثيا وكذا وقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه قوله فهو أحق زاد الإسماعيلي فهو أحق بها أي من غيره واحتج به الشافعي وأبو يوسف ومحمد على أنه لا يحتاج فيه إلى إذن الإمام فيما قرب وفيما بعد وعن مالك فيما قرب لا بد من إذن الإمام وإن كان في فيافي المسلمين والصحارى وحيث لا يتشاح الناس فيه فهي له بغير إذنه وقال أبو حنيفة ليس لأحد أن يحيي مواتا إلا بإذن الإمام فيما بعدت وقربت فإن أحياه بغير إذنه لم يملكه وبه قال مالك في رواية وهو قول مكحول وابن سيرين وابن المسيب والنخعي
واحتج أبو حنيفة بقوله لا حمى إلا لله ولرسوله في ( الصحيحين ) والحمى ما حمي من الأرض فدل أن حكم الأرضين إلى الأئمة لا إلى غيرهم فإن قلت احتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر وما يصاد من طير وحيوان فإنهم اتفقوا على أن ما أخذه أو صاده ملكه سواء قرب أو بعد وسواء أذن الإمام أم لم يأذن قلت هذا قياس بالفارق فإن الإمام لا يجوز له تمليك ماء نهر لأحد ولو ملك رجلا أرضا ملكه ولو احتاج الإمام إلى بيعها في نوائب المسلمين جاز بيعه لها ولا يجوز ذلك في مائهم ولا صيدهم ولا نهرهم وليس للإمام بيعها ولا تمليكها لأحد وإن الإمام فيها كسائر الناس واحتج بعضهم لأبي حنيفة بحديث معاذ يرفعه إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه قلت هذا رواه البيهقي من حديث بقية عن رجل لم يسمه عن مكحول عنه وقال هذا منقطع فيما بين مكحول ومن فوقه وفيه رجل مجهول ولا حجة في مثل هذا الإسناد فإن قلت رواه ابن خزيمة من حديث عمرو بن واقد عن موسى بن يسار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ قلت قال عمرو متروك باتفاق
وأجيب عن أحاديث الباب بأنه يحتمل أن يكون معناها من أحياها على شرائط الإحياء فهي له ومن شرائطه تحظيرها وإذن له في ذلك وتمليكه إياها ويؤيد هذا ما رواه أحمد عن سمرة بن جندب وقد ذكرناه عن قريب وعن الطحاوي عن محمد بن عبيد الله بن سعيد أبي عون الثقفي الأعور الكوفي التابعي قال خرج رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال إن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد من المسلمين وليس بأرض خراج فإن شئت أن تقطعنيها اتخذها قضبا وزيتونا فكتب عمر إلى أبي موسى إن كانت حمى فاقطعها إياه أفلا ترى أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يجعل له أخذها ولا جعل له ملكها إلا بإقطاع خليفة ذلك الرجل إياها ولولا ذلك لكان يقول له وما حاجتك إلى إقطاعي إياك تحميها وتعمرها فتملكها فدل ذلك أن الإحياء عند عمر رضي الله تعالى عنه هو ما أذن الإمام فيه للذي يتولاه ويملكه إياه قال الطحاوي وقد دل على ذلك أيضا ما حدثنا به ابن مرزوق قال حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن محمد قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لنا رقاب الأرض فدل ذلك على أن رقاب الأرضين كلها إلى أئمة المسلمين وأنها لا تخرج من أيديهم إلا بإخراجهم إياها إلى من رأوا على حسن النظر

(12/176)


منهم للمسلمين إلى عمارة بلادهم وصلاحها قال الطحاوي وهذا قول أبي حنيفة وبه نأخذ
قال عروة قضى به عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته
أي قال عروة بن الزبير بن العوام قضى بالحكم المذكور وهو أن من أحيى أرضا ميتة فهي له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في أيام خلافته وقد تقدم في أول الباب عن عمر رضي الله تعالى عنه من أحيى أرضا ميتة فهي له وقد ذكرنا أن مالكا وصله وهذا قوله والذي رواه عروة فعله وفي ( كتاب الخراج ) ليحيى بن آدم من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي قال كتب عمر بن الخطاب من أحيى مواتا من الأرض فهو أحق به وروى من وجه آخر عن عمرو بن شعيب أو غيره أن عمر رضي الله تعالى عنه قال من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له وعنه قال أصحابنا إنه إذا حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره لأن التحجير ليس بإحياء ليتملكها به لأن الإحيار هو العمارة والتحجير للإعلام وذكر في ( المحيط ) أنه يصير ملكا للمحجر وذكر خواهر زادة أن التحجير يفيد ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد والأصل عندنا أن من أحيى مواتا هل يملك رقبتها قال بعضهم لا يملك رقبتها وإنما يملك استغلالها وبه قال الشافعي في قول وعند عامة المشايخ يملك رقبتها وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول وثمرة الخلاف فيمن أحياها ثم تركها فزرعها غيره فعلى قول البعض الثاني أحق بها وعلى قول العامة الأول ينزعها من الثاني كمن أخرب داره أو عطل بستانه وتركه حتى مرت عليه سنون فإنه لا يخرج عن ملكه ولكن إذا حجرها ولم يعمرها ثلاث سنين يأخذها الإمام كما ذكرنا وتعيين الثلاث بأثر عمر رضي الله تعالى عنه ثم عندنا يملكه الذمي بالإحياء كالمسلم وبه قال مالك وأحمد في رواية وقال الشافعي وأحمد في رواية لا يملكه في دار الإسلام وسواء في ذلك الحربي والذمي والمستأمن واستدل الشافعي بحديث أسمر بن مضرس وقد ذكرناه عن قريب واستدل أصحابنا بعموم الأحاديث الواردة في هذا الباب وحكى الرافعي عن الأستاذ أبي طاهر أن الذمي يملك بالإحياء إذا كان بإذن الإمام
61 -
( 177باب )
قد ذكرنا غير مرة أن لفظة باب إذا ذكرت مجردة عن الترجمة تكون بمعنى الفصل من الباب السابق وليس فيه تنوين لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب أللهم إلا إذا قلنا هذا باب فيكون حينئذ منونا مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف
6332 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم بن عبد الله بن عمر ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن النبي أري وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل له إنك ببطحاء مباركة فقال موسى وقد أناخ بنا سالم بالمناخ الذي كان عبد الله ينيخ به يتحرى معرس رسول الله وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين الطريق وسط من ذلك
وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب من حيث إنه أشار به إلى أن ذا الحليفة لا يملك بالإحياء لما فيه من منع الناس النزول فيه وأن الموات يجوز الانتفاع به وأنه غير مملوك لأحد وهذا المقدار كاف في وجه المطابقة وقد تكلم المهلب فيه بما لا يجدي ورد عليه ابن بطال بما لا ينفع وجاء آخر نصر المهلب في ذلك والكل لا يشفي العليل ولا يروي الغليل فلذلك تركناه وقد مضى هذا الحديث في كتاب الحج في باب قول النبي العقيق واد مبارك فإنه رواه هناك عن محمد بن أبي

(12/177)


بكر عن فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة إلى آخره وأخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن جعفر أبي إبراهيم الأنصاري المؤدب المديني عن موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله أرى على بناء المجهول من الماضي من الإراءة والمناخ بضم الميم قوله أسفل بالرفع والنصب والمعرس بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المفتوحة موضع التعريس وهو النزول في آخر الليل
7332 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( شعيب بن إسحاق ) عن ( الأوزاعي ) قال حدثني ( يحيى ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) عن ( عمر ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الليلة أتاني آت من ربي وهو بالعقيق أن صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة ( انظر الحديث 4351 وطرفه )
هذا أيضا مضى في كتاب الحج في الباب الذي ذكرناه فإنه أخرجه هناك عن الحميدي عن الوليد وبشر بن بكر التنيسي قالا حدثنا الأوزاعي إلى آخره نحوه وهنا أخرجه عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن شعيب بن إسحاق الدمشقي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
71 -
( باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال رب الأرض للمزارع أقرك ما أقرك الله أي مدة إقرار الله تعالى إياك قوله ولم يذكر أي والحال أن رب الأرض لم يذكر أجلا معلوما يعني مدة معلومة قوله فهما أي رب الأرض والمزارع على تراضيهما يعني على ما تراضيا عليه
8332 - حدثنا ( أحمد بن المقدام ) قال حدثنا ( فضيل بن سليمان ) قال حدثنا ( موسى ) قال أخبرنا ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله وقال ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال لهم رسول الله نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء
مطابقته للترجمة في قوله نقركم بها على ذلك ما شئنا
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أحمد بن المقدام بكسر الميم ابن سليمان أبو الأشعث العجلي الثاني فضيل مصغر فضل بن سليمان النميري مضى في الصلاة الثالث موسى بن عقبة بن أبي عياش الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر السادس عبد الرزاق بن همام الحميري السابع عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه الإخبار

(12/178)


بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وفضيل ابن سليمان بصريان وأن موسى بن عقبة مدني وأن عبد الرزاق يمامي وأن ابن جريج مكي وأن نافعا مدني وفيه أنه أخرجه موصولا من طريق فضيل ومعلقا من طريق ابن جريج وأنه ساقه على لفظ الرواية المعلقة وأخرج المعلق مسندا في كتاب الخمس فقال حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع وطريق ابن جريج أخرجه مسلم رضي الله تعالى عنه في البيوع عن محمد بن رافع وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن عبد الرزاق به
ذكر معناه قوله أجلى قال الهروي جلا القوم عن مواطنهم وأجلى بمعنى واحد والإسم الجلاء والإجلاء يقال جلاء عن الوطن يجلو جلا وأجلي يجلي إجلاء إذا خرج مفارقا وجلوته أنا وأجليته وكلاهما لازم ومتعد قوله من أرض الحجاز قال الواقدي الحجاز من المدينة إلى تبوك ومن المدينة إلى طريق الكوفة ومن وراء ذلك إلى مشارق أرض البصرة فهو نجد وما بين العراق وبين وجرة وعمرة الطائف نجد وما كان من وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز وإنما سمي حجازا لأنه يحجز بين تهامة ونجد وقال الكرماني الحجاز هو مكة والمدينة واليمن ومخاليفها وعمارتها قلت لم أدر من أين أخذ الكرماني أن اليمن من الحجاز نعم هي من جزيرة العرب قال المديني جزيرة العرب خمسة أقسام تهامة ونجد وحجاز وعروض ويمن ولم يذكر أحد أن اليمن من أرض الحجاز قوله وكان رسول الله إلى آخره موصولا لابن عمر قوله لما ظهر أي غلب قوله لله ولرسوله وللمسلمين كذا في الأصول وكذا عند ابن السكن عن الفربري وفي رواية فضيل بن سليمان التي تأتي وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين ووفق المهلب بين الروايتين بأن رواية ابن جريج محمولة على الحال التي آل إليها الأمر بعد الصلح ورواية فضيل محمولة على الحال التي كانت قبل وذلك أن خيبر فتح بعضها صلحا وبعضها عنوة فالذي فتح عنوة كان جميعه لله ولرسوله وللمسلمين والذي فتح صلحا كان لليهود ثم صار للمسلمين بعقد الصلح قوله ليقرهم أي ليسكنهم قوله أن يكفوا بها أي بأن يكفوا بها وكلمة أن مصدرية تقديره لكفاية عمل نخيلاتها ومزارعها والقيام بتعهدها وعمارتها وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق أن يقرهم بها على أن يكفوا أي على كفايتها قوله على ذلك أي على ما ذكر من كفاية العمل ونصف الثمر لهم قوله فقروا بها بفتح القاف أي سكنوا بها أي بخيبر وضبطه بعضهم بضم القاف وله وجه قوله إلى تيماء وأريحاء تيماء بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالمد من أمهات القرى على البحر من بلاد طيء ومنها يخرج إلى الشام قاله ابن قرقول وفي ( المغرب ) تيماء موضع قريب من المدينة وأريحاء بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف بعدها حاء مهملة وبالمد ويقال لها أريح أيضا وهي قرية بالشام قاله البكري سميت بأريحاء بن لمك بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام
ذكر ما يستفاد منه قال القرطبي تمسك بعض أهل الظاهر على جواز المساقاة إلى أجل مجهول بقوله نقركم بها على ذلك ما شئنا وجمهور الفقهاء على أنها لا تجوز إلا لأجل معلوم قالوا وهذا الكلام كان جوابا لما طلبوا حين أراد إخراجهم منها فقالوا نعمل فيها ولكم النصف ونكفيكم مؤونة العمل فلما فهمت المصلحة أجابهم إلى الإبقاء ووقفه على مشيئته وبعد ذلك عاملهم على المساقاة وقد دل على ذلك قول عمر رضي الله تعالى عنه عامل رسول الله أهل خيبر على شطر ما يخرج منها ففرد العقد بالذكر دون ذكر الصلح وزعم النووي أن المساقاة جازت للنبي خاصة في أول الإسلام يعني بغير أجل معلوم قال وقال أبو ثور إذا أطلقا المساقاة اقتضى ذلك سنة واحدة قال ابن بطال وهو قول محمد بن الحسن قلت ليس هذا قول محمد بن الحسن وهذا غلط وإنما هو قول محمد بن سلمة فإنه قال تجوز المزارعة بلا بيان المدة فكذلك المساقاة تجوز لأنها كالمزارعة وقال صاحب ( الهداية ) وشرط بيان المدة في المساقاة لأنها كالمزارعة وكل واحد منهما كالإجارة فلا يجوز إلا ببيان المدة فإذا لم يبينا لم تجز وبه قال الشافعي وأحمد إلا أنه ينبغي أن يكون أقل المدة ما يمكن إدراك الثمرة فيه وبه قال أحمد
واختلفت أقوال الشافعي في

(12/179)


أكثر مدة الإجارة والمساقاة فقال في موضع سنة وقال في موضع إلى ثلاثين سنة وقال ابن قدامة في ( المغني ) وهذا تحكم وقال في موضع إلى ما شاء وبه قال أحمد وقال أصحابنا في الاستحسان إذا لم يبين المدة يجوز ويقع على أول ثمر يخرج في تلك السنة فإن قلت قد ذكرت الآن إذا لم يبينا المدة لم يجز وهنا نقول يجوز قلت ذاك قياس وهذا استحسان ويقع العقد على أول ثمرة تخرج في تلك السنة لأن لإدراكها وقتا معلوما وإن تأخر أو تقدم فذلك يسير فلا يقع بسببه المنازعة عادة بخلاف الزرع فإنه لا يجوز بلا ذكر المدة قياسا واستحسانا لأن ابتداءه يختلف كثيرا خريفا وصيفا وربيعا فتقع الجهالة في الابتداء والانتهاء بناء عليه ولو لم تخرج الثمرة في المساقاة في أول السنة التي وقع العقد فيها بدون ذكر المدة تبطل المساقاة وفي ( التوضيح ) كل من أجاز المساقاة فإنه أجازها إلى أجل معلوم إلا ما ذكر ابن المنذر عن بعضهم أنه يؤول الحديث على جوازها بغير أجل وأئمة الفتوى على خلافه وأنها لا تجوز إلا بأجل معلوم وقال مالك الأمر عندنا في النخل تساقي السنتين والثلاث والأربع والأقل والأكثر وأجازها أصحابه في عشر سنين فما دونها وقال القرطبي فإن قيل لم ينص ابن عمر ولا غيره على مدة معلومة ممن روى هذه القصة فمن أين لكم اشتراط الأجل فالجواب أن الإجماع قد انعقد على منع الإجارة المجهولة وأما قوله أقركم ما أقره الله لا يوجب فساد عقده ويوجب فساد عقد غيره بعده لأنه كان ينزل عليه الوحي بتقرير الأحكام ونسخها فكان بقاء حكمه موقوفا على تقرير الله تعالى له فإذا شرط ذلك في عقده لم يوجب فساده وليس كذلك صورته من غيره لأن الأحكام قد ثبتت وتقررت
وفيه مساقاته على نصف الثمر تقتضي عموم الثمر ففيه حجة لمن أجازها في الأصول كلها وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والثوري والأوزاعي وأبي يوسف وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وقال الشافعي لا يجوز إلا في النخل والكرم خاصة وجوزها في القديم في سائر الأشجار المثمرة وقال أصحابنا تجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان ولم يجوز الشافعي قولا واحدا في الرطاب وقال داود لا يجوز إلا في النخل خاصة وعن مالك جواز المساقاة في المقاثي والبطيخ والباذنجان وفيه إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه اليهود من الحجاز لأنه لم يكن لهم عهد من النبي على بقائهم في الحجاز دائما بل كان ذلك موقوفا على مشيئته ولما عهد عند موته بإخراجهم من جزيرة العرب وانتهت النوبة إلى عمر رضي الله تعالى عنه أخرجهم إلى تيماء وأريحاء بالشام
81 -
( باب ما كان من أصحاب النبي يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة )
أي هذا باب في بيان ما كان أي وجد ووقع من أصحاب النبي قوله يواسي من المساواة وهي المشاركة في شيء بلا مقابلة مال وهي جملة وقعت حالا من أصحاب النبي
9332 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) عن ( أبي النجاشي ) مولى ( رافع بن خديج ) قال سمعت ( رافع بن خديج بن رافع ) عن ( عمه ظهير ) بن رافع قال ظهير لقد نهانا رسول الله عن أمر كان بنا رافقا قلت ما قال رسول الله فهو حق قال دعاني رسول الله قال ما تصنعون بمحاقلكم قلت نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال لا تفعلوا ازرعوها أو أزرعوها أو أمسكوها قال رافع قلت سمعا وطاعة
مطابقته للترجمة في قوله أو أزرعوها يعني أعطوها لغيركم يزرعها بغير أجرة وهذه هي المواساة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن مقاتل وقد تكرر ذكره الثاني عبد الله بن المبارك الثالث عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الرابع أبو النجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء وتخفيفها واسمه عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج الخامس هو رافع بن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره

(12/180)


جيم ابن رافع الأنصاري السادس ظهير بضم الظاء المعجمة وفتح الهاء مصغر ظهر ابن رافع الأنصاري عم رافع بن خديج
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان والأوزاعي شامي والبقية مدنيون وفيه الأوزاعي عن أبي النجاشي عطاء وروى الأوزاعي أيضا كما في ثاني أحاديث الباب معنى الحديث عن عطاء عن جابر وهو عطاء بن أبي رباح فكان الحديث عنده عن كل منهما بسنده ووقع في رواية ابن ماجه من وجه آخر إلى الأوزاعي حدثني أبو النجاشي وفيه سمعت رافع بن خديج وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن الأوزاعي حدثني أبو النجاشي قال صحبت رافع بن خديج ست سنين
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في البيوع عن إسحاق بن منصور وعن أبي مسهر وأخرجه النسائي في المزارعة عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة به وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن دحيم عن الوليد ابن مسلم عن الأوزاعي به
ذكر معناه قوله لقد نهانا بينه في آخر الحديث بقوله لا تفعلوا فإنه نهى صريحا قوله رافقا أي ذا رفق وانتصابه على أنه خبر كان واسمه الضمير الذي في كان الذي يرجع إلى قوله أمر ويجوز أن يكون إسناد الرفق إلى الأمر بطريق المجاز قوله بمحاقلكم بمزارعكم جمع محقل من الحقل وهو الزرع قوله على الربع بضم الراء وسكون الباء وهي رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين على الربيع بفتح الراء وكسر الباء وهو النهر الصغير أي على الزرع الذي هو عليه وفي رواية المستملي على الربيع بالتصغير قوله وعلى الأوسق جمع وسق وكلمة الواو بمعنى أو أي أو الربيع وكذا الأوسق ويحتمل أن يكون عن مؤاجرة الأرض بالثلث أو الربع مع اشتراط صاحب الأرض أوسقا من الشعير ونحوه قوله ازرعوها بكسر الهمزة أمر من زرع يزرع يعني ازرعوها بأنفسكم قوله أو أزرعوها بفتح الهمزة من الإزراع يعني أزرعوها غيركم يعني أعطوها لغيركم يزرعونها بلا أجرة وكلمة أو للتخيير لا للشك وقيل كلمة أو بمعنى الواو قلت بل هو تخيير من رسول الله بين الأمور الثلاثة أن يزرعوا بأنفسهم أو يجعلوها مزرعة للغير مجانا أو يمسكوها معطلة قوله سمعا وطاعة بالنصب والرفع قاله الكرماني ولم يبين وجهه قلت أما النصب فعلى أنه مصدر لفعل محذوف تقديره أسمع كلامك سمعا وأطيعك طاعة وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي كلامك أو أمرك سمع أي مسموع وفيه مبالغة وكذلك التقدير في طاعة أي أمرك طاعة يعني مطاع أو أنت مطاع فيما تأمره
واحتج بالحديث المذكور قوم وكرهوا إجارة الأرض بجزء مما يخرج عنها وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب ذكر مجردا عقيب باب قطع الشجر النخيل
0432 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) عن ( عطاء ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف فقال النبي من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها فإن لم يفعل فليمسك أرضه ( الحديث 0432 - طرفه في 2362 )
مطابقته للترجمة في قوله أو ليمنحها فإن المنحة هي المواساة وعبيد الله بن موسى أبو محمد العبسي الكوفي والأوزاعي عبد الرحمن وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهبة عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في البيوع عن الحكم بن موسى وأخرجه النسائي في المزارعة عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن دحيم
قوله كانوا أي الصحابة في عصر النبي قوله بالثلث والربع والنصف أي أو الربع أو النصف وكلمة الواو في الموضعين بمعنى أو قوله أو ليمنحها من منح يمنح من باب فتح يفتح إذا أعطى ومنح يمنح من باب ضرب=

ج24.عمدة القارئ

يضرب والاسم المنحة بالكسر وهي العطية والمنيحة منحة اللبن كالناقة أو الشاة تعطيها غيرك يحتلبها ثم يردها عليك واستمنحه طلب منحته وروى مسلم من حديث مطر الوراق عن جابر بلفظ أن النبي قال من كانت له أرض فليزرعها فإن عجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها وبه احتج أيضا من كره إجارة الأرض بالثلث أو الربع ونحوهما
1432 - وقال ( الربيع بن نافع أبو توبة ) حدثنا ( معاوية ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه
مطابقته للترجمة مثل الذي ذكرناه في الحديث السابق الربيع خلاف الخريف ابن نافع ضد الضار وأبو توبة كنيته بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الباء الموحدة الحلبي الحافظ الثقة كان يعد من الأبدال مات سنة إحدى وأربعين ومائتين وكان سكن طرسوس وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الطلاق ومعاوية هو ابن سلام بتشديد اللام مر في الكسوف ويحيى هو ابن أبي كثير
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن حسن الحلواني وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن إبراهيم بن سعيد الجوهري كلاهما عن أبي توبة به
2432 - حدثنا ( قبيصة ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) قال ( ذكرته لطاووس ) فقال ( يزرع ) قال ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي لم ينه عنه ولكن قال أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئا معلوما
قبيصة هو بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ابن عقبة الكوفي وسفيان هو الثوري وعمرو هو ابن دينار
قوله ذكرته أي قال عمرو ذكرت حديث رافع بن خديج المذكور آنفا لطاووس وهو الحديث الذي فيه النهي عن كراء الأرض قوله فقال يزرع أي فقال طاووس يزرع بضم الياء من الإزراع يعني يزرع غيره قوله قال ابن عباس إلى آخره في معرض التعليل من جهة طاووس يعني لأن ابن عباس قال إن النبي لم ينه عنه أي لم ينه عن الزرع يعني لم يحرمه وصرح بذلك الترمذي فقال حدثنا محمود بن غيلان حدثنا الفضل بن موسى الشيباني حدثنا شريك عن شعبة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس أن رسول الله لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال حديث رافع حديث فيه اضطراب يروى هذا الحديث عن رافع بن خديج عن عمومته وروي عنه عن ظهير بن رافع وهو أحد عمومته وقد روي عنه هذا الحديث على روايات مختلفة وقال الخطابي وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما يخرج من الأرض فإنما أراد بذلك أن يتمانحوا أراضيهم وأن يرفق بعضهم بعضا وقد ذكر رافع في رواية أخرى عنه في هذا الباب النوع الذي حرم منها والعلة من أجلها نهى عنها وذلك قوله كان الناس يؤاجرون على عهد النبي الماذيانات وإقبال الجداول وأسباع من الزرع فأعلمك في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا فيها شروطا فاسدة وأن يستثنوا من الزرع ما على السواني والجداول ويكون خاصا لرب الأرض والمزارعة وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة وقد يسلم ما على السواني والجداول ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شيء له وهذا خطر قوله ولكن قال أي ابن عباس قوله أن يمنح أحدكم قد ذكرنا وجه هذا في لفظ باب الذي ذكر مجردا عقيب باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة لأنه روى عن ابن عباس هناك مثل هذا وقد أمعنا الكلام فيه
3432 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى

(12/182)


عنهما كان يكري مزارعه على عهد النبي وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية ( الحديث 3432 - طرفه في 5432 )
4432 - ثم حدث عن ( رافع بن خديج ) أن النبي نهى عن كراء المزارع فذهب ابن عمر إلى رافع فذهبت معه فسأله فقال نهى النبي عن كراء المزارع فقال ابن عمر قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله بما على الأربعاء وبشيء من التبن
مطابقته للترجمة تؤخذ من حيث إن رافع بن خديج لما روى النهي عن كراء المزارع يلزم منه عادة أن أصحاب الأرض إما يزرعون بأنفسهم أو يمنحون بها لمن يزرع من غير بدل فتحصل فيه المواساة وحماد هو ابن زيد وفي بعض النسخ هو مذكور باسم أبيه وأيوب هو السختياني قوله كان يكري بضم الياء من الإكراء قوله أبي بكر وعمر وعثمان أي وفي عهد أبي بكر وعهد عمر وعهد عثمان والمراد أيام خلافتهم فإن قلت لم لم يذكر علي بن أبي طالب قلت لعله لم يزرع في أيامه وهذا أحسن من قول بعضهم وإنما لم يذكر ابن عمر عليا لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه وفي القلب من هذا حزازة قوله وصدرا
قوله من إمارة معاوية بكسر الهمزة قال بعضهم أي خلافته قلت هذا التفسير ليس بشيء وإنما قال في إمارته لأنه كان لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس ومعاوية لم يجتمع عليه الناس ولهذا لم يبايع لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما
قوله ثم حدث على صيغة المجهول أي ثم حدث ابن عمر أي أخبر عن رافع وهكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني وحدث بفتح الحاء على صيغة المعلوم وفي رواية ابن ماجه عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكري أرضه فأتاه إنسان فأخبره عن رافع الحديث قوله فذهبت معه القائل بهذا نافع أي ذهبت مع ابن عمر قوله قد علمت بفتح التاء خطاب لرافع على الأربعاء جمع ربيع وهو النهر الصغير وروى الطحاوي بمثله في معناه فقال حدثنا ربيع الجيزي قال حدثنا حسان بن غالب قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع أن رافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر وهو متكىء على يدي أن عمومته جاؤوا إلى رسول الله ثم رجعوا فقالوا إن رسول الله نهى عن كراء المزارع فقال ابن عمر قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله على أن له ما في ربيع السواقي الذي تفجر منه الماء وطائفة من التبن ولا أدري ما هو انتهى حاصل حديث ابن عمر هذا أنه ينكر على رافع إطلاقه في النهي عن كراء الأراضي ويقول الذي نهاه عنه هو الذي كانوا يدخلون فيه الشرط الفاسد وهو أنهم يشترطون ما على الأربعاء وطائفة من التبن وهو مجهول وقد يسلم هذا ويصيب غيره آفة أو بالعكس فتقع المنازعة فيبقى المزارع أو رب الأرض بلا شيء وأما النهي عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها إذا كان ثلثا أو ربعا أو ما أشبه ذلك فلم يثبت
5432 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سالم ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كنت أعلم في عهد رسول الله أن الأرض تكرى ثم خشي عبد الله أن يكون النبي قد أحدث في ذلك شيئا لم يكن يعلمه فترك كراء الأرض ( انظر الحديث 3432 )
ذكر البخاري هذا الحديث استظهارا لحديث رافع مع علمه بأن الأرض كانت تكرى على عهد النبي ولكنه

(12/183)


خشي أن يكون النبي قد أحدث في ذلك أي حكم بما هو ناسخ لما كان يعلمه من جواز ذلك فترك كراء الأرض
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه موصولا وأوله أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج ينهى عن كراء الأرض فلقيه فقال يا ابن خديج ما هذا قال سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أن رسول الله نهى عن كراء الأرض فقال عبد الله قد كنت أعلم في عهد رسول الله أن الأرض تكرى ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله أحدث في ذلك شيئا لم يكن علمه فترك كراء الأرض وقد احتج بهذا من كره إجارة الأرض بجزء مما يخرج منها وقد مر الكلام فيه مستوفى
91 -
( باب كراء الأرض بالذهب والفضة )
أي هذا باب في بيان حكم كراء الأرض بالذهب والفضة وأشار بهذه الترجمة إلى أن كراء الأرض بالذهب والفضة غير منهي عنه وإنما النهي الذي ورد عن كراء الأرض فيما إذا أكريت بشيء مجهول وهذا هو الذي ذهب إليه الجمهور ودل عليه أيضا حديث الباب وقد مر أن طائفة قليلة لم يجوزوا كراء الأرض مطلقا
وقال ابن عباس إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة هذا التعليق وصله وكيع في ( مصنفه ) عن سفيان عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء بالذهب والفضة قوله إن أمثل أي أفضل وفي ( مصنف ) ابن أبي شيبة حكى جواز ذلك عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وابن جبير وسالم وعروة ومحمد بن مسلم وإبراهيم وأبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين وحكي جواز ذلك عن رافع مرفوعا وفي حديث سعيد بن زيد وأمرنا النبي أن نكريها بالذهب والورق وقال ابن المنذر أجمع الصحابة على جوازه وقال ابن بطال قد ثبت عن رافع مرفوعا أن كراء الأرض بالنقدين جائز وهو خاص يقضي على العام الذي فيه النهي عن كراء الأرض بغير استثناء ذهب ولا فضة والزائد من الأخبار أولى أن يؤخذ به لئلا تتعارض الأخبار فيسقط شيء منها فإن قلت روى الترمذي حدثنا هناد حدثنا أبو بكر ابن عياش عن أبي حصين عن مجاهد عن رافع بن خديج قال نهانا رسول الله عن أمر كان لنا نافعا إذا كانت لأحدنا أرض أن نعطيها ببعض خراجها أو بدراهم وقال إذا كانت لأحدكم أرض فليمنحها أخاه أو ليزرعها قلت أبو بكر بن عياش فيه مقال وقال النسائي هو مرسل وهو كما قال فإن مجاهدا لم يسمعه من رافع سقط بينهما ابن لرافع ابن خديج كما رواه مسلم في ( صحيحه ) من رواية عمرو بن دينار أن مجاهدا قال لطاووس انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج فاسمع منه الحديث عن أبيه ورواه النسائي أيضا من رواية عبد الكريم الجزري عن مجاهد قال أخذت بيد طاووس حتى أدخلته على ابن رافع بن خديج فحدثه عن أبيه قال شيخنا ويحتمل أن الذي سقط بينهما أسيد بن ظهير ابن أخي رافع فقد رواه كذلك أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير عنه ورواه النسائي أيضا من رواية سعيد بن عبد الرحمن عن مجاهد عن أسيد بن أبي رافع
7432 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( حنظلة ابن قيس ) عن ( رافع بن خديج ) قال حدثني ( عماي ) أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي بما ينبت على الأربعاء أو شيء يستثنيه صاحب الأرض فنهى النبي عن ذلك فقلت لرافع فكيف هي بالدينار والدرهم فقال رافع ليس بها بأس بالدينار والدرهم ( الحديث 7432 - طرفه في 3104 )
مطابقته للترجمة في قوله فقال رافع ليس بها إلى آخره
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عمرو بفتح العين ابن خالد بن فروخ الثاني الليث بن سعد الثالث ربيعة بفتح الراء ابن أبي عبد الرحمن واسمه فروخ مولى المنكدر بن عبد الله

(12/184)


ويكنى أبا عثمان وهو الذي يسمى ربيعة الرأي الرابع حنظلة بن قيس الزرقي الأنصاري الخامس رافع بن خديج السادس والسابع عماه فأحدهما ظهير والآخر قال الكلاباذي لم أقف على اسمه وقيل اسمه مظهر بضم الميم وفتح الظاء وتشديد الهاء المكسورة كذا ضبطه عبد الغني وابن ماكولا وقيل اسمه مهير كذا ذكره في ( معجم الصحابة ) للبغوي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه حراني جزري سكن مصر ومات بها سنة تسع وعشرين ومائتين وهو من أفراده وأن الليث مصري والبقية مدنيون وفيه رواية تابعي عن تابعي وهما ربيعة وحنظلة وفيه رواية صحابي عن صحابيين
ذكر معناه قوله على الأربعاء قد مر عن قريب أنه جمع الربيع وهو النهر الصغير قوله يستثنيه صاحب الأرض كاستثناء الثلث أو الربع من المزروع لصاحب الأرض قوله فقلت لرافع القائل هو حنظلة بن قيس قوله كيف هي ويروى فكيف هي بالفاء أي كيف المزارعة يعني كيف حكمها بالدينار والدرهم قوله فقال رافع إلى آخره فقول رافع يحتمل أن يكون باجتهاد منه ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أوعلم أن جواز الكراء بالدينار والدرهم غير داخل في النهي عن كراء الأرض بجزء مما يخرج منها ومما يدل على كون ما قاله مرفوعا ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح من طريق سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض ورجل منح أرضا ورجل أكري أرضا بذهب أو فضة وفيه نظر لأن النسائي قال بعد أن رواه إن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وإن بقيته مدرجة من كلام سعيد بن المسيب
وقال الليث أراه وكان الذي نهي عن ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة
وهو موصول بالإسناد الأول إلى الليث رحمه الله أي قال الليث بن سعد أراه أي أظنه والضمير المنصوب يرجع إلى شيخه ربيعة المذكور في إسناد الحديث ومعنى أظنه أنه لم يجزم برواية شيخه له ووقع في رواية أبي ذر هنا قال أبو عبد الله من ههنا قال أبو الليث أراه وأبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه ووقع في رواية النسفي وابن شبويه ذو الفهم بالإفراد وكذا وقع لم يجزه بالإفراد قوله لما فيه من المخاطرة وهي الإشراف على الهلاك ثم اختلفوا في هذا النقل عن الليث هل هو في نفس الحديث أم مدرج فعند النسفي وابن شبويه مدرج ولهذا سقط هذا عندهما وقال البيضاوي الظاهر من السياق أنه من كلام رافع وقال التوربشتي شارح ( المصابيح ) لم يتبين لي أن هذه الزيادة من قول بعض الرواة أو من قول البخاري وقيل أكثر الطرق في البخاري تبين أنها من كلام الليث والله أعلم بالصواب
( باب )
كذا وقع لفظ باب مجردا عن الترجمة عند جميع الرواة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وهو غير منون لأن التنوين علامة الإعراب والإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب أللهم إلا إذا قلنا تقديره هذا باب فيكون حينئذ معربا على أنه خبر مبتدأ محذوف
8432 - حدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( فليح ) قال حدثنا ( هلال ) ح وحدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( أبو عامر ) قال حدثنا ( فليح ) عن ( هلال بن علي ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية أن رجلا من أهل الجنة

(12/185)


استأذن ربه في الزرع فقال له ألست فيما شئت قال بلى ولكني أحب أن أزرع قال فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال فيقول الله تعالى دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء فقال الأعرابي والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك النبي ( الحديث 8432 - طرفه في 9157 )
وجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب يمكن أن يكون في قوله فإنهم أصحاب زرع مع التنبيه على أن أحاديث النهي عن كراء الأرض إنما هو نهي تنزيه لا نهي تحريم لأن الزرع لو لم يكن من الأمور التي يحرض فيها بالاستمرار عليه لما تمنى الرجل المذكور فيه الزرع في الجنة مع عدم الاحتياج إليه فيها
ذكر رجاله وهم سبعة الأول محمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون وفي آخره نون أيضا وقد تقدم في أول العلم الثاني فليح بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان وقد تقدم في أول العلم الثالث هلال بن علي وهو هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي ويقال هلال بن أسامة الرابع عبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بالمسندي الخامس أبو عامر عبد الملك بن عمرو بن قيس العقدي السادس عطاء بن يسار ضد اليمين تقدم في الإيمان السابع أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ستة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن فليحا وهلالا وعطاء مدنيون وأن عبد الملك بصري وأن شيخه عبد الله بن محمد البخاري وأنه من أفراده وكذلك محمد بن سنان من أفراده وفيه أنه ساق الحديث على لفظ الإسناد الثاني وفي كتاب التوحيد على لفظ محمد بن سنان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن محمد بن سنان وهو من أفراده
ذكر معناه قوله وعنده رجل جملة حالية قوله من أهل البادية وفي رواية من أهل البدو وهما من غير همز لأنه من بدا الرجل يبدو إذا خرج إلى البادية والاسم البداوة بفتح الباء وكسرها هذا هو المشهور وحكى بدأ بالهمز يبدأ وهو قليل قوله أن رجلا بفتح همزة أن لأنه في محل المفعولية قوله استأذن ربه في الزرع أي في مباشرة الزرع يعني سأل الله تعالى أن يزرع قوله ألست فيما شئت وفي رواية محمد بن سنان أولست فيما شئت بزيادة الواو ومعنى هذا استفهام على سبيل التقرير يعني أولست كائنا فيما شئت من التشهيات قال بلى الأمر كذلك ولكن أحب الزرع قوله فبذر يعني ألقي البذر وفيه حذف تقديره فأذن له بالزرع فعند ذلك قام ورمى البذر على أرض الجنة فنبت في الحال واستوى وأدرك حصاده فكان كل حبة مثل الحبل قوله فبادر وفي رواية محمد بن سنان فأسرع فتبادر قوله الطرف منصوب بقوله فبادر و نباته بالرفع فاعله قال ابن قرقول الطرف بفتح الطاء وسكون الراء هو امتداد لحظ الإنسان حيث أدرك وقيل طرف العين أي حركتها أي تحرك أجفانها قوله واستحصاده من الحصد وهو قلع الزرع والمعنى أنه لما بزر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من القلع والحصد والتذرية والجمع إلا قدر لمحة البصر قوله دونك بالنصب على الإغراء أي خذه قوله فإنه أي فإن الشأن لا يشبعك شيء من الإشباع وفي رواية محمد بن سنان لا يسعك بفتح الياء والسين المهملة وضم العين وله معنى صحيح قوله فقال الأعرابي هو ذلك الرجل الذي كان عنده من أهل البادية
ذكر ما يستفاد منه فيه أن في الجنة يوجد كل ما تشتهي الأنفس من أعمال الدنيا ولذاتها قال الله تعالى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ( الزخرف 17 ) وفيه أن من لزم طريقة أو حالة من الخير أو الشر أنه يجوز وصفه بها ولا حرج على واصفه وفيه ما جبل الله نفوس بني آدم عليه من الاستكثار والرغبة في متاع الدنيا إلا أن الله تعالى أغنى أهل الجنة عن نصب الدنيا وتعبها وفيه إشارة إلى فضل القناعة وذم الشره وفيه الإخبار عن الأمر المحقق الآتي بلفظ الماضي فافهم

(12/186)


12 -
( باب ما جاء في الغرس )
أي هذا باب يذكر فيه ما جاء في غرس ما يغرس من أصول النباتات
9432 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( يعقوب ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه أنه قال إنا كنا نفرح بيوم الجمعة كانت لنا عجوز تأخذ من أصول سلق لنا كنا نغرسه في أربعائنا فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير لا أعلم إلا أنه قال ليس فيه شحم ولا ودك فإذا صلينا الجمعة زرناها فقربته إلينا فكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك وما كنا نتغدى ولا نقيل إلا بعد الجمعة
مطابقته للترجمة في قوله كنا نغرسه في أربعائنا وإدخاله هذا الحديث في كتاب المزارعة من حيث إن الغرس والزرع من باب واحد وقد مضى الحديث في آخر الجمعة في باب قول الله عز و جل فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( الجمعة 01 ) فإنه أخرجه هناك مقطعا بطريقين وفيهما اختلاف ببعض زيادة ونقصان الطريق الأول عن سعيد ابن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد والثاني عن عبد الله بن مسلمة عن ابن أبي حازم عن سهل وههنا أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القاري من قارة حي من العرب أصله مدني سكن الاسكندرية عن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج المدني وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله في أربعائنا قد مر عن قريب أن الأربعاء جمع ربيع وهو النهر الصغير ومعناه كنا نغرسه على الأنهار والسلق بكسر السين المهملة والودك بفتحتين دسم اللحم قوله لا أعلم إلا أنه قال ليس فيه شحم ولا ودك من قول يعقوب الراوي
0532 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله على ملء بطني فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون وقال النبي يوما لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئا أبدا فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتى قضى النبي مقالته ثم جمعتها إلى صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئا أبدا إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات إلى قوله الرحيم ( البقرة 951 )
مطابقته للترجمة في قوله وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم فإن المراد من ذلك عملهم في الأراضي

(12/187)


بالزراعة والغرس وقد مضى هذا الحديث في كتاب العلم في باب حفظ العلم أخصر من ذلك فيه تقديم وتأخير فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة وهنا أخرجه عن موسى بن إسماعيل ابن أبي سلمة المنقري البصري المدني يقال له التبوذكي وقد تكرر ذكره عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف أبي إسحاق الزهري القرشي المديني كان على قضاء بغداد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله والله الموعد إما مصدر ميمي وإما اسم زمان أو اسم مكان وعلى كل تقدير لا يصح أن يخبر به عن الله تعالى ولكن لا بد من إضمار تقديره في كونه مصدرا والله هو الواعد وإطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة يعني الواعد في فعله بالخير والشر والوعد يستعمل في الخير والشر يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فإذا أسقط الخير والشر يقال في الخير الوعد والعدة وفي الشر الإيعاد والوعيد وتقديره في كونه اسم زمان و عند الله الموعد يوم القيامة وتقديره في كونه اسم مكان و عند الله الموعد في الحشر وحاصل المعنى على كل تقدير فالله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبا ويحاسب من ظن بي ظن السوء قوله عمل أموالهم أي الزرع والغرس قوله على ملء بطني بكسر الميم قوله وأعي أي أحفظ من وعى يعي وعيا إذا حفظ وفهم وأنا واع والأمر منه ع أي إحفظ قوله ثم يجمعه بالنصب عطفا على قوله لن يبسط وكذا قوله فينسى والمعنى إن البسط المذكور والنسيان لا يجتمعان لأن البسط الذي بعده الجمع المتعقب للنسيان منفي فعند وجود البسط ينعدم النسيان وبالعكس فافهم قوله نمرة بفتح النون وكسر الميم وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب والمراد بسط بعضها لئلا يلزم كشف العورة قوله فوالذي بعثه بالحق أي فحق الله الذي بعث محمدا قوله إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ( البقرة 951 061 ) هذه آيتان في سورة البقرة إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذي تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( البقرة 951 061 ) هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة الصحيحة والهدي النافع للقلوب من بعد ما بينه الله لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله قال ابن عباس نزلت في رؤساء اليهود كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد ومالك بن الضيف وغيرهم كانوا يتمنون أن يكون النبي منهم فلما بعث محمد خافوا أن تذهب مأكلتهم من السفلة فعمدوا إلى صفة النبي فغيروها في كتابهم ثم أخرجوها إليهم فقالوا هذا نعت النبي الذي يبعث في آخر الزمان وهو لا يشبه نعت النبي الذي بمكة فلما تطرق السلفة إلى صفة النبي من التي غيروها جحدوه لأنهم وجدوه مخالفا فقال الله تعالى إن الذين يكتمون ( البقرة 951 061 ) وقال أبو العالية نزلت في أهل الكتاب كتموا صفة محمد ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك ولعنة الله على عباده عبارة عن طرده إياهم وإبعاده ولعنة اللاعنين عبارة عن دعائهم باللعن قوله اللاعنون ( البقرة 951 061 ) جمع لاعن يعني دواب الأرض هكذا قال البراء بن عازب وقال عطاء بن أبي رباح اللاعنون كل دابة والجن والإنس وقال مجاهد إذا أجدبت الأرض قالت البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم لعن الله عصاة بني آدم وقال قتادة وأبو العالية والربيع بن أنس يلعنهم اللاعنون ( البقرة 951 061 ) يعني يلعنهم ملائكة الله والمؤمنون ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه بقوله إلا الذين تابوا ( البقرة 951 061 ) الآية
وفيه دلالة على أن الداعية إلى كفر أو بدعة إذا تاب تاب الله عليه قوله وبينوا أي رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أحوالهم وأعمالهم وبينوا للناس ما كانوا كتموه وقد ورد أن الأمم السالفة لم تكن تقبل التوبة من مثل هؤلاء ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة
24 -
( كتاب المساقاة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام المساقاة ولم يقع لفظ كتاب المساقاة في كثير من النسخ ووقع في بعض النسخ كتاب الشرب ووقع لأبي ذر التسمية ثم قوله في الشرب ثم قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( الأنبياء 03 )

(12/188)


وقوله أفرأيتم الماء الذي تشربون ( الواقعة 86 ) إلى قوله فلولا تشكرون ( الواقعة 86 ) ووقع في بعض النسخ باب في الشرب وقوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( الأنبياء 03 ) وقوله أفرأيتم الماء الذي تشربون ( الواقعة 86 ) إلى قوله فلولا تشكرون ( الواقعة 86 ) ووقع في شرح ابن بطال كتاب المياة خاصة وأثبت النسفي لفظ باب خاصة
أما المساقاة فهي المعاملة بلغة أهل المدنية ومفهومها اللغوي هو الشرعي وهي معاقدة دفع الأشجار والكروم إلى من يقوم بإصلاحهما على أن يكون له سهم معلوم من ثمرها ولأهل المدينة لغات يختصون بها كما قالوا للمساقاة معاملة وللمزارعة مخابرة وللإجارة بيع وللمضاربة مقارضة وللصلاة سجدة فإن قلت المفاعلة تكون بين اثنين وهنا ليس كذلك قلت هذا ليس بلازم وهذا كما في قوله قاتله الله يعني قتله الله وسافر فلان بمعنى سفر أو لأن العقد على السقي صدر من اثنين كما في المزارعة أو من باب التغليب وأما الشرب فبكسر الشين المعجمة النصيب والحظ من الماء يقال كم شرب أرضك وفي المثل آخرها شربا أقلها شربا وأصله في سقي الماء لأن آخر الإبل يرد وقد نزف الحوض وقد سمع الكسائي عن العرب أقلها شربا على الوجوه الثلاثة يعني الفتح والضم والكسر وسمعهم أيضا يقولون أعذب الله شربكم بالكسر أي ماءكم وقيل الشرب أيضا وقت الشرب وقال أبو عبيدة الشرب بالفتح المصدر وبالضم والكسر يقال شرب شربا وشربا وشربا وقريء فشاربون شرب الهيم بالوجوه الثلاثة
وقول الله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( الأنبياء 03 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله كتاب المساقاة أو على قوله في الشرب أو على قوله باب الشرب أو على قوله باب المياه على اختلاف النسخ وفي بعض النسخ قال الله عزوجل وجعلنا من الماء ( الأنبياء 03 ) الآية وقال قتادة كل حي مخلوق من الماء فإن قلت قد رأينا مخلوقا من الماء غير حي قلت ليس في الآية لم يخلق من الماء إلا حي وقيل معناه أن كل حيوان أرضي لا يعيش إلا بالماء وقال الربيع بن أنس من الماء أي من النطفة وقال ابن بطال يدخل فيه الحيوان والجماد لأن الزرع والشجر لها موت إذا جفت ويبست وحياتها خضرتها ونضرتها
وقوله جل ذكره أفرأيتم الماء الذي تشربون أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ( الواقعة 86 )
وقول بالجر عطف على قوله الأول لما أنزل الله تعالى نحن خلقناكم فلولا تصدقون ( الواقعة 85 ) ثم خاطبهم بقوله أفرأيتم ما تمنون إلى قوله ومتاعا للمقوين ( الواقعة 37 ) وكل هذه الخطابات للمشركين الطبيعيين لما قالوا نحن موجودون من نطفة حدثت بحرارة كامنة فرد الله عليهم بهذه الخطابات ومن جملتها قوله أفرأيتم الماء الذي تشربون ( الواقعة 86 ) أي الماء العذب الصالح للشرب أأنتم أنزلتموه من المزن ( الواقعة 86 ) أي السحاب قوله جعلناه ( الواقعة 86 ) أي الماء أجاجا ( الواقعة 86 ) أي ملحا شديد الملوحة زعافا مرا لا يقدرون على شربه قوله فلولا تشكرون ( الواقعة 86 ) أي فهلا تشكرون
الأجاج المر المزن السحاب
هذا تفسير البخاري وهو من كلام أبي عبيدة لأن الأجاج المر وأخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة مثله وقد ذكرنا الآن أنه الشديد الملوحة وقيل شديد المرارة وقيل المالك وقيل الحار حكاه ابن فارس وفي ( المنتهى ) وقد أج يؤج أجوجا قوله المزن بضم الميم وسكون الزاي جمع مزنة وهي السحاب الأبيض وهو تفسير مجاهد وقتادة رضي الله تعالى عنهما ووقع في رواية المستملي وحده منصبا قبل قوله المزن ووقع بعد قوله السحاب فراتا عذبا في رواية المستملي وحده وفسر الثجاج بقوله منصبا وقد فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة هكذا ويقال مطر ثجاج إذا انصب جدا والفرات أعذب العذوبة وهو منتزع من قوله تعالى هذا عذب فرات ( الفرقان 35 وفاطر 21 ) وروى ابن أبي حاتم عن السدي العذب الفرات الحلو ومن عادة البخاري أنه إذا ترجم لباب في شيء يذكر فيه ما يناسبه من الألفاظ التي في القرآن ويفسرها تكثيرا للفوائد

(12/189)


1 -
( باب في الشرب )
أي هذا باب في بيان أحكام الشرب وقد مر تفسير الشرب عن قريب
ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسوما كان أو غير مقسوم
أي في بيان من رأى إلى آخره قال بعضهم أراد البخاري بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك قلت من أين يعلم أنه أراد بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك ويحتمل العكس وأيضا فقوله إن الماء لا يملك ليس على الإطلاق لأن الماء على أقسام قسم منه لا يملك أصلا وكل الناس فيه سواء في الشرب وسقي الدواب وكري النهر منه إلى أرضه وذلك كالأنهار العظام مثل النيل والفرات ونحوهما وقسم منه يملك وهو الماء الذي يدخل في قسمة أحد إذا قسمه الإمام بين قوم فالناس فيه شركاء في الشرب وسقي الدواب دون كري النهر وقسم منه يكون محرزا في الأواني كالجباب والدنان والجرار ونحوها وهذا مملوك لصاحبه بالإحراز وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ حتى لو أتلفه رجل يضمن قيمته ولكن شبهة الشركة فيه باقية بقوله المسلمون شركاء في الثلاث الماء والكلأ والنار رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر ورواه أبو داود عن رجل من الصحابة وأحمد في ( مسنده ) وابن أبي شيبة في ( مصنفه ) والمراد شركة إباحة لا شركة ملك فمن سبق إلى أخذ شيء منه في وعاء أو غيره وأحرزه فهو أحق به وهو ملكه دون سواه لكنه لا يمنع من يخاف على نفسه من العطش أو مركبه فإن منعه يقاتله بلا سلاح بخلاف الماء الثاني فإنه يقاتله فيه بالسلاح
قوله من رأى صدقة الماء إلى آخره لم يبين المراد منه هل هو جائز أم لا وظاهر الكلام يحتمل الجواز وعدمه ولكن فيه تفصيل وهو أن الرجل إذا كان له شرب في الماء وأوصى أن يسقي منه أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة أجيزت من الثلث فإن مات الموصى له بطلت الوصية بمنزلة ما إذا أوصى بخدمة عبده لإنسان فمات الموصى له بطلت الوصية وإذا أوصى ببيع الشرب وهبته أو صدقته فإن ذلك لا يصح للجهالة أو للغرر فإنه على خطر الوجود لأن الماء يجيء وينقطع وكذا لا يصح أن يكون مسمى في النكاح حتى يجب مهر المثل ولا بدل الصلح عن الدعوى ولا يباع الشرب في دين صاحبه بدون أرض بعد موته وكذا في حياته ولو باع الماء المحرز في إناء أو وهبه لشخص أو تصدق به فإنه يجوز ولو كان مشتركا بينه وبين آخر فلا يجوز قبل القسمة فافهم هذه الفوائد التي خلت عنها الشروح
وقال عثمان قال النبي من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين فاشتراها عثمان رضي الله تعالى عنه
أي قال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق سقط من رواية النسفي ووصله الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قالوا نعم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن النبي قال في جيش العسرة من ينفق نفقة متقبلة والناس مجهدون معسرون فجهزت ذلك الجيش قالوا نعم ثم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل قالوا نعم وأشياء عدها ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله تعالى عنه قوله بئر رومة بإضافة بئر إلى رومة بضم الراء وسكون الواو وبالميم ورومة علم على صاحب البئر وهو رومة الغفاري وقال ابن بطال بئر رومة كانت ليهودي وكان

(12/190)


يقفل عليها بقفل ويغيب فيأتي المسلمون ليشربوا منها فلا يجدونه حاضرا فيرجعون بغير ماء فشكا المسلمون ذلك فقال من يشتريها ويمنحها للمسلمين ويكون نصيبه فيها كنصيب أحدهم فله الجنة فاشتراها عثمان وهي بئر معروفة بمدينة النبي عليه الصلاة و السلام اشتراها عثمان بخمسة وثلاثين ألف درهم فوقفها وزعم الكلبي أنه كان قبل أن يشتريها عثمان يشتري منها كل قربة بدرهم قوله فيكون دلوه فيها أي دلو عثمان في البئر المذكور كدلاء كل المسلمين يعني يوقفها ويكون حظه منها كحظ غيره من غير مزية وظاهره أن له الانتفاع إذا شرطه ولا شك أنه إذا جعلها للسقاة إن له الشرب وإن لم يشترط لدخوله في جملتهم
وفيه جواز بيع الآبار وفيه جواز الوقف على نفسه ولو وقف على الفقراء ثم صار فقيرا جاز أخذه منه
1532 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ابن سعد ) رضي الله تعالى عنه قال أتي النبي بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ قال ما كنت لأؤثر بفضلي منك أحدا يا رسول الله فأعطاه إياه
وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب من حيث مشروعية قسمة الماء وأنه يملك إذ لو كان لا يمكن لما جاءت فيه القسمة فإن قلت ليس في الحديث أن القدح كان فيه ماء قلت جاء مفسرا في كتاب الأشربة بأنه كان شرابا والشراب هو الماء أو اللبن المشوب بالماء
ورجاله سعيد بن أبي مريم وهو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم المصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون واسمه محمد بن مضر الليثي المدني نزل عسقلان وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج المدني قال أبو عمرو روى أبو حازم هذا الحديث عن أبيه وقال فيه وعن يساره أبو بكر رضي الله تعالى عنه وذكر أبي بكر فيه عندهم خطأ وإنما هو محفوظ في حديث الزهري عن عمرو بن حرملة عن ابن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله على ميمونة فجاءتنا بإناء فيه لبن فشرب رسول الله وأنا معه وخالد عن يساره فقال لي الشربة لك وإن شئت آثرت خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ثم قال رسول الله من أطعمه الله طعاما فليقل أللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل أللهم بارك لنا فيه وزدنا منه
قوله وعن يمينه غلام هو الفضل بن عباس حكاه ابن بطال وحكى ابن التين أنه أخوه عبد الله قوله بفضلي ويروى بفضل
وفيه فضيلة اليمين على الشمال وقد أمروا بالشرب بها والمعاطاة دون الشمال وفيه أن من استحق شيئا من الأشياء لم يدفع عنه صغيرا كان أو كبيرا إذا كان ممن يجوز إذنه
2532 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أنها حلبت لرسول الله شاة داجن وهو في دار أنس بن مالك وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس فأعطي رسول الله القدح فشرب منه حتى إذا نزع القدح من فيه وعلى يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي فقال عمر وخاف أن يعطيه الأعرابي أعط أبا بكر يا رسول الله عندك فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه ثم قال الأيمن فالأيمن
مطابقته للترجمة في قوله وشيب لبنها بماء والماء يجري فيه القسمة وانه يملك وهذا الاسناد بعينه قد مر غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن ابي حمزة الحمصي والزهري محمد بن مسلم والحديث

(12/191)


أخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى عن معن وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار ستتهم عن مالك عن الزهري عن أنس
قوله شاة داجن الداجن شاة ألفت البيوت وأقامت بها والشاة تذكر وتؤنث فلذلك قال داجن ولم يقل داجنة وقال ابن الأثير الداجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم يقال دجنت تدجن دجونا قوله وشيب على صيغة المجهول أي خلط من شاب يشوب شوبا وأصل الشوب الخلط قوله وعلى يساره إنما قال هنا بعلى وفي يمينه بعن لأن لعل يساره كان موضعا مرتفعا فاعتبر استعلاؤه أو كان الأعرابي بعيدا عن رسول الله قوله وعن يمينه أعرابي قيل إنه خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه حكاه ابن التين واعترض عليه بأنه لا يقال له أعرابي قيل الحامل له على ذلك أنه رأى في حديث ابن عباس الذي مضى ذكره عن قريب وهو أنه قال دخلت أنا وخالد ابن الوليد على ميمونة الحديث فظن أن القصة واحدة وليس كذلك فإن هذه القصة في بيت ميمونة وقصة أنس في داره وبينهما فرق قوله وخاف أن يعطيه جملة حالية والضمير في خاف يرجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه وإنما قال أعط أبا بكر تذكيرا لرسول الله وإعلاما للأعراب بجلالة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكذا وقع أعط أبا بكر لجميع أصحاب الزهري وشذ معمر فيما رواه وهب عنه فقال عبد الرحمن بن عوف بدل عمر أخرجه الإسماعيلي والذي في البخاري هو الصحيح قيل إن معمرا لما حدث بالبصرة حدث من حفظه فوهم في أشياء فكان هذا منها قلت الأوجه أن يقال يحتمل أن يكون محفوظا أن يكون كل من عمر وعبد الرحمن قال ذلك لتوفر دواعي الصحابة على تعظيم أبي بكر وهذا أحسن من أن ينسب معمرا إلى الشذوذ والوهم قال النسائي معمر بن راشد الثقة المأمون وقال العجلي بصري رحل إلى صنعاء وسكن بها وتزوج ورحل إليه سفيان وسمع منه هناك وسمع هو أيضا من سفيان قوله الأيمن فالأيمن بالنصب على تقدير أعط الأيمن وبالرفع على تقدير الأيمن أحق ويدل على ترجيح رواية الرفع قوله في بعض لعلها طرقه الأيمنون الأيمنون قال أنس فهي سنة فهي سنة فهي سنة هكذا في رواية أبي طوالة عن أنس رضي الله تعالى عنهما
ذكر ما يستفاد منه فيه مشروعية تقديم من هو على يمين الشارب في الشرب وإن كان مفضولا بالنسبة إلى من كان على يسار الشارب لفضل جهة اليمين على جهة اليسار وهل هو على جهة الاستحباب أو أنه حق ثابت للجالس على اليمين فقال القاضي عياض إنه سنة قال وهذا مما لا خلاف فيه وكذا قال النووي إنها سنة واضحة وخالف فيه ابن حزم فقال لا بد من مناولة الأيمن كائنا من كان فلا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذن الأيمن قال ومن لم يرد أن يناول أحدا فله ذلك فإن قلت في حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح قال كان رسول الله إذا سقى قال ابدأوا بالكبراء أو قال بالأكابر فكيف الجمع بين أحاديث الباب قلت يحتمل هذا الحديث على ما إذا لم يكن على جهة يمينه بل كان الحاضرون تلقاء وجهه مثلا أو وراءه وقال النووي وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن النسيب في الإمامة في الصلاة وفيه أن غير المشروب مثل الفاكهة واللحم ونحوهما هل حكمه حكم الماء فنقل عن مالك تخصيص ذلك بالشرب وقال ابن عبد البر وغيره لا يصح هذا عن مالك وقال القاضي عياض يشبه أن يكون قول مالك إن السنة وردت في الشرب خاصة وإنما يقدم الأيمن فالأيمن في غيره بالقياس لأن السنة منصوصة فيه وكيف ما كان فالعلماء متفقون على استحباب التيامن في الشرب وأشباهه وفيه جواز شوب اللبن بالماء لنفسه ولأهل بيته ولأضيافه وإنما يمتنع شوبه بالماء إذا أراد بيعه لأنه غش وفيه أن الجلساء شركاء في الهدية وذلك على جهة الأدب والمروءة والفضل والأخوة لا على الوجوب لإجماعهم على أن المطالبة بذلك غير واجبة لأحد فإن قلت روي أنه قال جلساؤكم شركاؤكم في الهدية رويي أنه قال جلساؤكم شركاؤكم في الهدية فإن قلت محمول على ما ذكرنا مع أن إسناده فيه لين وفيه دلالة أن من قدم إليه شيء من الأكل أو الشرب فليس عليه أن يسأل من أين هو وما أصله إذا علم طيب مكسب صاحبه في الأغلب

(12/192)


الأسئلة والأجوبة في أحاديث هذا الباب
الأول ما الحكمة في كون ابن عباس لم يوافق استئذان النبي له في أن يقدم في الشرب من هو أولى منه بذلك وأجيب بأنه لم يأمره بذلك بقوله أترك له حقك ولو أمره لأطاعه فلما لم يقع منه إلا استئذانه له في ذلك فقط لم يفوت نفسه حظه من سؤر النبي
الثاني ما الحكمة في كونه استأذن ابن عباس أن يعطي خالد بن الوليد قبله ولم يستأذن الأعرابي في أن يعطي أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قبله وأجيب بأنه إنما استأذن الغلام دون الأعرابي إدلالا على الغلام وهو ابن عباس ثقة بطيب نفسه بأصل الأستئذان والأشياخ أقاربه وأما الأعرابي فلم يستأذنه مخافة من إيحاشه في استئذانه في صرفه إلى أصحابه وربما سبق إلى قلب ذلك الأعرابي شيء يأنف به لقرب عهده بالجاهلية
الثالث هل من سبق إلى مجلس عالم أو كبير أو إلى موضع من المسجد إو إلى موضع مباح فهو أحق به ممن يجيء بعده أم لا أجيب بأن الحكمة حكم الشرب في أن القاعد على اليمين أحق كائنا من كان فكذلك هنا السابق أحق كائنا من كان ولا يقام أحد من مجلس جلسه
2 -
( باب من قال إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى )
أي هذا باب في بيان قول من قال إلى آخره قوله يروى بفتح الواو من الري وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى
لقول النبي لا يمنع فضل الماء
هذا تعليل للترجمة ووجهه أن منع فضل الماء إنما يتوجه إذا فضل عن حاجة صاحبه فهذا يدل على أنه أحق بمائه عند عدم الفضل والمراد من حاجة صاحبه حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته وهذا في غير الماء المحرز في الإناء فإن المحرز فيه لا يجب بذل فضله إلا للمضطر وهو الصحيح ثم قوله لا يمنع على صيغة المجهول وبالرفع لأنه نفي بمعنى النهي وذكر عياض أنه في رواية أبي ذر بالجزم بلفظ النهي وهذا التعليق وصله البخاري عقيبه كما يجيىء الآن
3532 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ
مطابقته للترجمة من حيث إن منع فضل الماء يدل على أن صاحب الماء أحق به عند عدم الفضل وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه البخاري في ترك الحيل عن إسماعيل وأخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي في إحياء الموات عن محمد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم أربعتهم عن مالك به وأخرجه أبو داود من رواية جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ البخاري وكذلك الترمذي من حديث قتيبة عن الليث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه ابن ماجه من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ لا يمنع أحدكم فضل الماء يمنع به الكلأ وفي لفظ بهذا الإسناد ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار وأخرج ابن ماجه أيضا من رواية حارث عن عمرة عن عائشة قالت قال رسول الله لا يمنع فضل الماء ولا يمنع نفع البئر وأخرج أحمد في ( مسنده ) حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله من منع فضل مائه أو فضل كلائه منعه الله عز و جل فضله وأخرج أبو يعلى في ( مسنده ) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول من منع فضل مائه منعه الله فضله يوم القيامة وروى ابن مردويه في ( تفسيره ) من رواية مكحول عن واثلة بن الأسقع قال قال النبي لا تمنعوا عباد الله فضل الماء ولا كلأ ولا نارا فإن الله جعلها متاعا للموقين وقوة للمستضعفين
ذكر معناه قوله لا يمنع على صيغة المجهول قوله ليمنع به اللام هذه وإن كان النحاة يقولون إنها لام كي

(12/193)


فهي لبيان العاقبة والمآل كما في قوله تعالى فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ( القصص 8 ) قوله الكلأ بفتح الكاف واللام وبالهمزة العشب سواء كان يابسا أو رطبا وفي ( المحكم ) هو اسم للنوع ولا واحد له ومعنى هذا الكلام ما قاله الخطابي هذا في الرجل يحفر البئر في الموات فيملكها بالإحياء وبقرب البئر موات فيه كلأ ترعاه الماشية ولا يكون لهم مقام إذا منعوا الماء فأمر صاحب الماء أن لا يمنع الماشية فضل مائة لئلا يكون مانعا للكلأ قلت توضيح ذلك الذي عليه الجمهور أن يكون حول بئر رجل كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا منه امتنعوا من الرعي هناك وقال ابن بزيزة منع الماء بعد الري من الكبائر ذكره يحيى في ( خراجه )
4532 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب وأبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ ( انظر الحديث 3532 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين ابن خالد الأيلي ويروي عن محمد بن مسلم بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
والحديث أخرجه مسلم من رواية هلال بن أسامة عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ وأخرجه أبو داود من رواية جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ وأخرجه الترمذي من رواية الليث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو رواية أبي داود
واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو التنزيه فقال الطيبي وبنوا ذلك على أن الماء يملك أم لا فالأولى حمله على الكراهة وفي ( التوضيح ) والنهي فيه على التحريم عند مالك والأوزاعي ونقله الخطابي وابن التين عن الشافعي رضي الله تعالى عنه واستحبه بعضهم وحمله على الندب والأصح عندنا أنه يجب بذله للماشية لا للزرع قلت كذلك مذهب الحنفية الاختصاص بالماشية وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع
ولا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق به حتى يروى لأنه نهى عن بيع فضل الماء فأما من لا يفضل له فلا يدخل في هذا النهي لأن صاحب الشيء أولى به وتأويل المنع عند مالك في ( المدونة ) وغيره معناه في آبار الماشية في الصحراء يحفرها المرء وبقربها كلأ مباح فإذا منع الماء اختص بالكلأ فأمر أن لا يمنع فضل الماء لئلا يكون مانعا للكلأ وقال القاضي في ( إشرافه ) في حافر البئر في الموات لا يجوز له منع ما زاد على قدر حاجته لغيره بغير عوض وقال قوم يلزمه بالعوض أما حافرها في ملكه فله منع ما عمل من ذلك ويكون أحق بمائها حتى يروى ويكون للناس ما فضل إلا من مر بهم لشفاههم ودوابهم فإنهم لا يمنعون كما يمنع من سواهم وقال الكوفيون له أن يمنع من دخول أرضه وأخذ مائه لا أن لا يكون لشفاههم ودوابهم ماء فيسقيهم وليس عليه سقي زرعهم وقال الطيبي ناقلا عن القاضي بعلامة ( قض ) اختلفت الروايات في هذا الحديث فروى البخاري لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ معناه من كان له بئر في موات من الأرض لا يمنع ماشية غيره أن ترد فضل مائه الذي زاد على ما احتاج إليه ليمنعها بذلك عن فضل الكلأ فإنه إذا منعهم عن فضل ماء من الأرض لا ماء بها ( ما شيته ) سواه لم يمكن لهم الرعي بها فيصير الكلأ ممنوعا بمنع الماء وروى مسلم لا يباع فضل الماء ليمنع به الكلأ والمعنى لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ أي لا يباع فضل الماء ليصير به البائع له كالبائع للكلأ فإن من أراد الرعي في حوالي مائه إذا منعه من الورود على مائه إلا بعوض اضطر إلى شرائه فيكون بيعه للماء بيعا للكلأ وقال النووي لا يجب على صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره فيما يملكه من

(12/194)


الماء ويجب بذله للماشية وللوجوب شروط أحدها أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا والثاني إن يكون البذل لحاجة الماشية والثالث أن يكون هناك مرعى وأن يكون الماء في مستقره فالماء الموجود في إناء لا يجب بذل فضله على الصحيح ثم عابروا السبيل يبذل لهم ولمواشيهم ولمن أراد الإقامة في الموضع وجهان لأنه لا ضرورة في الإقامة والأصح الوجوب وإذا أوجبنا البذل هل يجوز أن يأخذ عليه أجرا كإطعام المضطر وجهان والصحيح لا لأنه نهى عن بيع فضل الماء
3 -
( باب من حفر بئرا في ملكه لم يضمن )
أي هذا باب في بيان حكم من حفر بئرا في ملكه فإنه لا يضمن لأن له التصرف في ملكه
5532 - حدثنا ( محمود ) قال أخبرنا ( عبيد الله ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جبار وفي الركاز الخمس
مطابقته للترجمة في قوله والبئر جبار يعني هدر لا شيء فيه والمراد من جبار البئر أنه إذا حفرها في موضع يسوغ له حفرها فسقط فيها أحد لا ضمان عليه وقيل معناه أن يستأجر من يحفر له بئرا فانهارت عليه البئر فلا ضمان عليه وقد مر الحديث في كتاب الزكاة في باب في الركاز الخمس فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس ههنا أخرجه عن محمود بن غيلان عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملة واسمه عثمان بن عاصم عن أبي صالح ذكوان الزيات السمان إلى آخره
وعبيد الله بن موسى هو شيخ البخاري أيضا روى عنه بدون واسطة في أول الإيمان وهنا بواسطة محمود
قوله حدثنا محمود أخبرنا عبيد الله وفي بعض النسخ حدثني محمود وأخبرني عبيد الله وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
4 -
( باب الخصومة في البئر والقضاء فيها )
أي هذا باب في بيان الخصومة في البئر وفي بيان القضاء أي الحكم فيها أي في البئر
6532 -
7532 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من حلف على يمين يقتطع بها مال امرىء هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( آل عمران 77 ) الآية فجاء الأشعث فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمان في أنزلت هذه الآية كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فقال لي شهودك قلت ما لي شهود قال فيمينه قلت يا رسول الله إذا يحلف فذكر النبي
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي حكم في البئر المذكورة بطلب البينة من المدعي وبيمين المدعى عليه عند عجز المدعي عن إقامة البينة وعبدان لقب عبد الله المروزي وقد مر غير مرة وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي محمد ابن ميمون السكري وقد مر في باب نفض اليدين في الغسل والأعمش هو سليمان وشقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي الكوفي وعبد الله هو ابن مسعود والأشعث بن قيس أبو محمد الكندي وفد إلى النبي سنة عشر من الهجرة في وفد كندة وكانوا ستين راكبا فأسلموا وكان ممن ارتد بعد موت النبي ثم أسلم وله قصة طويلة

(12/195)


والحديث أخرجه البخاري في الأشخاص وفي الشهادات عن محمد بن سلام وفي الأشخاص أيضا عن بشر بن خالد وفي النذور عن موسى وفي التفسير عن حجاج بن المنهال وفي الشركة عن قتيبة وفي النذور أيضا عن بندار وفي الأحكام عن إسحاق بن نصر وأخرجه مسلم في الأيمان عن أبي بكر وإسحاق وابن نمير ثلاثتهم عن وكيع وعن ابن نمير عن أبيه وعن إسحاق عن جرير بهوأخرجه أبو داود في الإيمان والنذور عن محمد بن عيس وأخرجه الترمذي في البيوع وفي التفسير عن هنا وأخرجه النسائي في القضاء عن هناد وفي التفسير عن الهيثم بن أيوب وعن محمد بن قدامة ولم يذكر حديث عبد الله وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد بن عبد الله وعلي بن محمد وفي بعض الألفاظ اختلاف
ذكر معناه قوله يقتطع بها أي باليمين أي بسببها ومعنى يقتطع يأخذ قطعة بسبب اليمين من مال امرىء قوله هو عليها فاجر أي كاذب وهي جملة إسمية وقعت حالا بلا واو كما في قولك كلمته فوه إلى في قوله لقي الله تعالى يعني يوم القيامة قوله وهو عليه غضبان جملة إسمية وقعت حالا على الأصل قال ابن العربي يعني بالغضب إرادة عقوبة أو عقوبة نفسها إذ يعبر بالغضب عن الوجهين جميعا وإذا لقيه وهو يريد عقابه أو قد عاقبه جاز بعد ذلك أن لا يريد عقابه وأن يدفع عنه تماديه إن كان أنزله به بشرط أن لا يكون متعلق إرادته عذاب واصب وقال شيخنا الظاهر أن المراد بغضب الله معاملته بمعاملة المغضوب عليه من كونه لا ينظر إليه ولا يكلمه كما ثبت في ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة مرفوعا ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم فذكر منهم ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرىء مسلم الحديث وأما كون المراد بالغضب إرادة العقوبة أو العقوبة نفسها فإنه يرده ما رواه الحاكم في ( المستدرك ) من حديث الأشعث بن قيس مرفوعا من حلف على يمين صبرا ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى يوم القيامة وهو مجتمع عليه غضبا عفا الله عنه أو عاقبه وقال هذا حديث صحيح الإسناد فهذا يدل على أنه لم يرد بالغضب إرادة العقوبة أو العقوبة لأنه لو أراد عقوبته لوقعت العقوبة على وفق الإرادة
ذكر اختلاف الألفاظ فيه ففي حديث ابن مسعود والأشعث بن قيس ومعقل بن يسار لقي الله وهو عليه غضبان وفي بعض طرق حديث الأشعث لقي الله وهو أجذم وفي رواية عمران بن حصين والحارث بن برصاء وجابر بن عبد الله فليتبوأ مقعده من النار وفي حديث أبي أمامة وجابر بن عتيك أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وفي حديث أبي سودة إن ذلك يعقم الرحم وفي حديث سعيد بن زيد إنه لا يبارك له فيها وفي حديث ثعلبة بن صد مغيرة نكتة سوداء في قلبه وكذلك في حديث عبد الله بن أنيس فإن قلت ما التوفيق بين هذه الروايات قلت لا منافاة بين شيء من ذلك فقد يجتمع له جميع ذلك كله نعوذ بالله منه وإنما يشكل منه رواية حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فيحمل ذلك على المستحل لذلك أو على تقدير أن ذلك جزاؤه إن جازاه كما في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( النساء 39 ) والله أعلم
ذكر بيان من خرج هذه الأحاديث أما حديث ابن مسعود فقد مضى الآن وأما حديث الأشعث بن قيس ففي حديث ابن مسعود وأخرجه بقية الأئمة وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه النسائي من رواية شعبة عن عياض عن أبي خالد قال رأيت رجلين يختصمان عند معقل بن يسار فقال معقل قال النبي من حلف على يمين ليقتطع بها مال رجل لقي الله وهو عليه غضبان وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا الإسناد وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أبو داود من رواية محمد بن سيرين عن عمران بن حصين قال قال رسول الله من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ وأما حديث الحارث بن برصاء فأخرجه الحاكم من رواية عبيد بن جريج عن الحارث بن برصاء قال سمعت رسول الله يقول من اقتطع مال أخيه المسلم بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ليبلغ شاهدكم غائبكم مرتين أو ثلاثا وقال هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا السياق وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية عبد الله بن نسطاس عن جابر

(12/196)


ابن عبد الله قال قال رسول الله من حلف على منبري هذا على يمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار الحديث وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأما حديث أبي أمامة بن ثعلبة واسمه إياس وقيل ثعلبة والأصح أنه إياس فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة أن رسول الله قال من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وإن كان قضيبا من أراك وأما حديث جابر بن عتيك فأخرجه الحاكم من رواية أبي سفيان بن جابر بن عتيك عن أبيه أنه سمع رسول الله يقول من اقتطع مال امرىء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار قالوا يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال وإن كان سواكا وإن كان سواكا وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأما حديث أبي سودة فأخرجه أحمد من رواية معمر عن شيخ من بني تميم عن أبي سودة قال سمعت رسول الله يقول اليمين الفاجرة التي يقتطع بها الرجل مال المسلم يعقم الرحم وأما حديث سعيد بن زيد فأخرجه أحمد أيضا من رواية الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة أن مروان قال إذهبوا فأصلحوا بين هذين لسعيد بن زيد وروى الحديث وفيه من اقتطع مال امرىء مسلم بيمين فلا بارك الله له فيها وأخرجه الحاكم وصححه وأما حديث ثعلبة بن مغيرة فأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) من رواية عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنه سمع ثعلبة يقول سمعت رسول الله يقول من اقتطع مال امرىء مسلم بيمين كاذبة كانت نكتة سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة وصححه وأما حديث عبد الله بن أنيس فأخرجه الترمذي في التفسير من رواية محمد بن زيد المهاجر عن أبي أمامة الأنصاري عن عبد الله بن أنيس الجهني أن رسول الله قال من أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا جعلها الله نكتة في قلبه يوم القيامة وأخرجه الحاكم وصححه
قلت وفي الباب عن أبي ذر وعبد الله ابن أبي أوفى وأبي قتادة وعبد الرحمن بن شبل ومعاوية بن أبي سفيان ووائل بن حجر وأبي أمامة الباهلي اسمه صدي ابن عجلان وأبو موسى وعدي بن عميرة
أما حديث أبي ذر فأخرجه مسلم والترمذي من رواية خرشة بن قتيبة الحر عن أبي ذر عن النبي قال ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قلت من هم يا رسول الله فقد خابوا وخسروا فقال المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فرواه البخاري في أفراده على ما يأتي وأما حديث أبي قتادة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية معبد بن كعب ابن مالك عن أبي قتادة الأنصاري أنه سمع رسول الله يقول إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق وأما حديث عبد الرحمن بن شبل فرواه أحمد في ( مسنده ) والبيهقي في ( سننه ) من رواية يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل رجل من أصحاب النبي قال سمعت رسول الله يقول إن التجار هم الفجار فقال رجل يا رسول الله ألم يحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون وزاد أحمد ويقولون فيكذبون وأما حديث معاوية فأخرجه الطبراني من رواية يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل أن معاوية قال إذا أتيت فسطاطي فقم في الناس فأخبرهم ما سمعت من رسول الله يقول إن التجار إلى آخر ما ذكرناه الآن هكذا أسنده الطبراني في مسند معاوية وكأن الرواية عنده فيه ما سمعت بالضم وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل من حضر موت ورجل من كندة إلى النبي فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي الحديث وفيه فقال رسول الله لما أدبر أما لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض وأما حديث أبي أمامة الباهلي فأخرجه الأصبهاني في ( الترغيب والترهيب ) من رواية خصيب الجزري عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رسول الله قال إن التاجر إذا كان فيه أربع خصال طاب كسبه إذا اشترى لم يذم وإذا

(12/197)


باع لم يمدح ولم يدلس في البيع ولم يحلف فيما بين ذلك وأما حديث أبي موسى فأخرجه البزار من حديث ثابت بن الحجاج عن أبي بردة عن أبي موسى أن رجلين اختصما إلى رسول الله في أرض أحدهما من حضرموت فقال رسول الله للمدعى عليه أتحلف بالله الذي لا إله إلا هو فقال المدعي يا رسول الله ليس لي إلا يمينه قال نعم قال إذا يذهب بأرضي فقال رسول الله إن حلف كاذبا لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكه وله عذاب أليم قال فتورع الرجل عنها فردها عليه وأما حديث عدي بن عميرة فأخرجه النسائي عنه قال أتى النبي رجلان يختصمان في أرض وفيه فقال رسول الله من حلف على مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان قال فمن تركها قال له الجنة وفي رواية بين امرىء القيس ورجل من حضرموت وفيه فقال امرؤ القيس يا رسول الله فما لمن تركها وهو يعلم أنها حق قال له الجنة
( قوله ما حدثكم أبو عبد الرحمن أي أي شيء حدثكم أبو عبد الرحمن وهو كنية عبد بن مسعود
قوله في بكسر الفاء وتشديد الياء قوله فأنزل الله إن الذين يشترون ( آل عمران 77 ) الآية هذه الآية الكريمة في سورة آل عمران إن الذين يشترون ( آل عمران 77 ) يعني إن الذين يعتاضون عما هداهم الله عليه من اتباع محمد وذكر صفته للناس وبيان أمره عن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة أولئك لا خلاق لهم ( آل عمران 77 ) أي لا نصيب لهم في الآخرة ( آل عمران 77 ) ولا حظ لهم منها ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ( آل عمران 77 ) بعين رحمته ولا يزكيهم ( آل عمران 77 ) أي ولا يطهرهم من الذنوب والأدناس بل يأمر بهم إلى النار ولهم عذاب أليم ( آل عمران 77 ) ثم سبب نزول هذه الآية في الأشعث بن قيس كما ذكره في حديث الباب وذكر البخاري لسبب نزولها وجها آخر عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف لقد إعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزل إن الذين يشترون ( آل عمران 77 ) الآية وذكر الواحدي أن الكلبي قال إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة اقتحموا إلى كعب بن الأشرف لعنه الله فسألهم كيف تعلمون هذا الرجل يعني سيدنا رسول الله في كتابكم قالوا وما تعلمه أنت قال لا قالوا نشهد أنه عبد الله ورسوله فقال كعب لقد حرمكم الله خيرا كثيرا فقالوا رويدا فإنه شبه علينا وليس هو بالنعت الذي نعت لنا ففرح كعب لعنه الله فمارهم وأنفق عليهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال عكرمة نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤوس اليهود كتموا ما عهد الله عز و جل إليهم في التوراة في شأن محمد وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشاء والمأكل التي كانت لهم على أتباعهم قوله كانت لي بئر في أرض زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة تفرد بذكر البئر عن الأعمش قال ولا أعلم فيمن رواه عن الأعمش إلا قال في أرض والأكثرون أولى بالحفظ من أبي حمزة ورد عليه بأن أبا حمزة لم ينفرد به لأن أبا عوانة رواه عن الأعمش في كتاب الأيمان والتفسير عن أبي وائل عن عبد الله وفيه قال الأشعث كانت لي بئر في أرض ابن عم لي وسيجىء إن شاء الله تعالى وكذا رواه أبو نعيم الحافظ من حديث علي بن مسهر عن الأعمش وقال الطرقي رواه عن أبي وائل منصور والأعمش فمنصور لم يرفع قول عبد الله إلى رسول الله والأعمش يقول قال عبد الله قال رسول الله وكذا ذكره الحافظ المزي في ( الأطراف ) وقال الطرقي رواه عبد الملك بن أيمن وجامع بن أبي راشد ومسلم البطين عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا وليس فيه ذكر الأشعث ورواه كردوس التغلبي عن الأشعث ابن قيس الكندي عن النبي وليس فيه ذكر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال المزي ومن مسند الأشعث بن قيس أبي محمد الكندي عن النبي مقرونا بعبد الله بن مسعود وربما جاء الحديث عن أحدهما مفردا قوله ابن عم لي واسمه معدان بن الأسود بن سعد بن معدي كرب الكندي والأشعث بن قيس بن معدي كرب وقيس والأسود أخوان ولقبه الجفشيش على وزن فعليل بفتح الجيم وسكون الفاء وبالشينين المعجمتين أولاهما مكسورة بينهما ياء آخر الحروف ساكنة وقيل بفتح الحاء المهملة وقيل بالخاء المعجمة وبقية الحروف على حالها وقال الكرماني وقيل إسمه جرير وكنيته أبو الخير قلت الأصح هو الذي ذكرناه قوله فقال لي شهودك أي فقال رسول الله وشهودك بالنصب

(12/198)


على تقدير أقم أو أحضر شهودك وكذا يمينه بالنصب أي فاطلب يمينه ويروى بالرفع فيهما والتقدير فالمثبت لدعواك شهودك أو فالحجة القاطعة بينكما يمينه فيكون إرتفاعهما على أنهما خبرا مبتدأين محذوفين قوله إذا يحلف قال الكرماني و يحلف بالنصب لا غير قلت كلمة إذا حرف جواب وجزاء ينصب الفعل المستقبل مثل ما يقال أنا آتيك فيقول إذا أكرمك وإنما قال بالنصب لا غير لأنها تصدرت فيتعين النصب بخلاف ما إذا وقعت بعد الواو والفاء فإنه يجوز فيه الوجهان
ومما يستفاد من الحديث أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إذا أنكر وبه استدل من يقول إنه إذا اعترف المدعي أنه لا بينه له لم يقبل دعواه بعد ذلك ورد بأنه ليس فيه حجة على ذلك لأن الأشعث لم يدع بعد ذلك أن له بينه وفيه أن للحاكم أن يطلب المدعي عليه عند عدم البينة وإن لم يطلبه صاحب الحق لأن النبي أمره بالحلف وفيه إبطال مسألة الظفر لأنه ردده بين البينة واليمين فدل على عدم الأخذ بغير ذلك وأصرح من هذا قوله في حديث وائل بن حجر عند مسلم وقد ذكرناه ليس لك منه إلا ذلك
5 -
( باب إثم من منع ابن السبيل من الماء )
أي هذا باب في بيان إثم من منع ابن السبيل أي المسافر من الماء الفاضل عن حاجته وهذا القيد لا بد منه والدليل عليه قوله في حديث الباب رجل له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل وقال ابن بطال فيه دلالة على أن صاحب البئر أولى من ابن السبيل عند الحاجة فإذا أخذ حاجته لم يجز له منع ابن السبيل
7 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش قال سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه رجل ثم قرأ هذه الآية إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
مطابقته للترجمة في قوله رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل فإنه أحد الثلاثة الذين أخبر النبي بأن الله لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ولو لم يأثم مانع ابن السبيل من الماء الفاضل عنه لما استحق هذا الوعيد وعبد الواحد بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف البصري والأعمش هو سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات السمان قوله ثلاثة أي ثلاثة أشخاص وارتفاعه على أنه مبتدأ وقوله لا ينظر الله إليهم خبره وهذا عبارة عن عدم الإحسان إليهم قال الزمخشري هو كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر مجاز فيما لا يجوز عليه والتنصيص على العدد لا ينافي الزائد فالذي ذكره من الوعيد لا ينحصر في هؤلاء الثلاثة قوله ولا يزكيهم أي يثني عليهم أولا يطهرهم من الذنوب قوله رجل مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره من الثلاثة رجل قوله كان له فضل ماء جملة في محل الرفع لأنها صفة لرجل قوله فمنعه أي فمنع الفاضل من الماء قوله ورجل أي الثاني من الثلاثة رجل بايع إماما المراد هو الإمام الأعظم وهذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بايع إمامه والمراد من المبايعة هنا هو المعاقدة عليه والمعاهدة فكان كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره قوله إلا لدنيا أي إلا لأجل شيء يحصل له من متاع الدنيا وكلمة دنيا غير منون واضمحل منها معنى الوصفية لغلبة الإسمية عليها فلا تحتاج إلى من ونحوه والفاء في قوله فإن أعطاه تفسيرية تفسر مبايعته للإمام للدنيا قوله أقام من قامت السوق إذا نفقت قوله سلعته أي متاعه قوله بعد العصر هذا ليس بقيد وإنما خرج هذا مخرج

(12/199)


الغالب إذ كانت عادتهم الحلف بمثله وذلك لأن الغالب أن مثله كان يقع في آخر النهار حيث أرادوا الانعزال عن السوق والفراغ عن معاملتهم وقيل خصص العصر بالذكر لما فيه من زيادة الجراءة إذ التوحيد هو أساس التنزيهات والعصر هو وقت صعود ملائكة النهار ولهذا يغلظ في إيمان اللعان به وقيل لأن وقت العصر وقت تعظم فيه المعاصي لارتفاع الملائكة بالأعمال إلى الرب تعالى فيعظم أن يرتفعوا بالمعاصي ويكون آخر عمله هو المرفوع فالخواتم هي المرجوة وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة كل وقت قوله لقد أعطيت على صيغة المجهول وقد أكد يمينه الفاجرة بمؤكدات وهي بتوحيد الله تعالى وباللام وكلمة قد التي للتحقيق هنا قوله فصدقه رجل أي المشتري واشتراه بذلك الثمن الذي حلف أنه أعطيه بكذا اعتمادا على حلفه
( ومما يستفاد منه ) ما ذكرنا أن صاحب الماء أولى به عند حاجته وفي التوضيح فإذا كان الماء مما يحل منعه منع إلا بالثمن إلا أن لا يكون معهم وأما المواشي والسقاة التي لا يحل منع مائها فلا يمنعون فإن منعوا قوتلوا وكان هدرا وإن أصيب طالب الماء كانت ديته على صاحب الماء مع العقوبة والسجن كذا قاله الداودي وقال ابن التين أنها على عاقلته إن مات عطشا وإن أصيب أحد من المسافرين أخذ به جميع ما نعى وقتلوا به -
6 -
( باب سكر الأنهار )
أي هذا باب في بيان حكم سكر الأنهار السكر بفتح السين المهملة وسكون الكاف سد الماء وحبسه يقال سكرت النهر إذا سددته وقال صاحب ( العين ) السكر اسم ذلك السد وقال ابن دريد وأصله من سكرت الريح سكن هبوبها وفي ( المغرب ) السكر بالكسر الاسم وقد جاء فيه الفتح على تسميته بالمصدر
حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عبد لله بن الزبير ) رضي الله تعالى عنهما أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عن النبي في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند النبي فقال رسول الله للزبير اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ثم قال إسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله إني لأحسب أن هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء 56 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سرح الماء يمر فأبى عليه أي امتنع عليه ولم يسرح الماء بل سكره والحديث صورته صورة الإرسال ولكنه متصل في المعنى
وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن قتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود في القضايا عن أبي الوليد الطيالسي وأخرجه الترمذي في الأحكام وفي التفسير عن قتيبة وأخرجه النسائي في القضاء وفي التفسير عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجه في السنة وفي الأحكام عن محمد بن رمح به
قوله رجلا من الأنصار خاصم الزبير يعني الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة بالجنة قال شيخنا لم يقع تسمية هذا الرجل في شيء من طرق الحديث فيما وقفت عليه ولعل الزبير وبقية الرواة أرادوا ستره لما وقع منه وحكى الداودي فيما نقله القاضي عياض عنه أن هذا الرجل كان منافقا فإن قلت ذكر فيه أنه من الأنصار قلت قال النووي لا يخالف هذا قوله فيه أنه من الأنصار لأنه يكون من قبيلتهم لا من أنصار المسلمين قلت يعكر على هذا قول البخاري في كتاب الصلح أنه من الأنصار قد شهد بدرا ويدل عليه أيضا قوله في الحديث في رواية الترمذي وغيره فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله ولم يكن غير المسلمين يخاطبونه بقولهم يا رسول الله وإنما كانوا يقولون يا محمد ولكن أجاب الداودي عن هذا الرجل بعد أن جزم أنه كان منافقا بأنه وقع منه ذلك قبل شهوده

(12/200)


بدرا لانتفاء النفاق عمن شهد بدرا وأما قوله من الأنصار فيحمل على المعنى اللغوي يعني ممن كان ينصر النبي لا بمعنى أنه كان من الأنصار المشهورين وقد أجاب التوربشتي عن هذا بقوله قد اجترأ جمع بنسبة هذا الرجل إلى النفاق وهو باطل إذ كونه أنصاريا وصف مدح والسلف احترزوا أن يطلقوا على من اتهم بالنفاق الأنصاري فالأولى أن يقال هذا قول أزله الشيطان فيه عند الغضب ولا يستبدع من البشر الابتلاء بأمثال ذلك قلت هذا اعتراف منه أن الذي خاصم الزبير هو حاطب ولكنه أبطل اتصافه بالنفاق واعتراف منه أنه أنصاري وليس بأنصاري إلا إذا حملنا ذلك على المعنى الذي ذكرناه آنفا
وقد سماه الواحدي في ( أسباب النزول ) وقال إنه حاطب بن أبي بلتعة وكذا سماه محمد بن الحسن النقاش ومكي والمهدوي ورد عليهم بأن حاطبا مهاجري وليس من الأنصار ولكن يحسن حمله على المعنى الذي ذكرناه وقال الواحدي وقيل إنه ثعلبة بن حاطب وقال ابن بشكوال في ( المبهمات ) وقال شيخنا أبو الحسن مغيث مرارا إنه ثابت بن قيس بن شماس قال ولم يأت على ذلك بشاهد ذكره
وذكر أبو بكر بن المقري في ( معجمه ) من رواية الزهري عن عروة أن حميدا رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة الحديث قال أبو موسى المديني هذا حديث صحيح له طرق ولا أعلم في شيء منها ذكر حميد إلا في هذه الطريق وقال حميد بضم الحاء وفي آخره دال مهملة قلت روى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب سمعته من الزهري فلا وربك لا يؤمنون ( النساء 56 ) الآية قال نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء الحديث فهذا إسناده قوي وإن كان مرسلا وإن كان ابن المسيب سمعه من الزبير يكون موصولا فهذا يقوي قول من قال إن الذي خاصم الزبير حاطب بن أبي بلتعة وهو بدري وليس من الأنصار وقال النووي قال العلماء لو صدر مثل هذا الكلام اليوم من إنسان جرت على قائله أحكام المرتدين فيجب قتله بشرطه قالوا وأما ترك النبي لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس ويدفع بالتي هي أحسن ويصبر على أذى المنافقين الذين في قلوبهم مرض
وقال الثعلبي فلما خرجا يعني الزبير وحاطبا مرا على المقداد فقال لمن كان القضاء يا أبا بلتعة فقال قضى لابن عمته ولوى شدقه فطن له يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم وأيم الله لقد أذنبنا مرة في حياة موسى عليه الصلاة و السلام فدعانا موسى إلى التوبة منه فقال اقتلوا أنفسكم فقتلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في ربنا حتى رضي عنا قلت هذا موضع تأمل
قوله في شراج الحرة الشراج بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء وفي آخره جيم قيل هو واحد وقيل هو جمع شرج مثل رهن ورهان وبحر وبحار وفي ( المنتهى ) لأبي المعاني الشرج مسيل الماء من الحزن إلى السهل والجمع شراج وشروج وشرج وقيل الشرج جمع شراج والشراج جمع شرج وفي ( المحكم ) ويجمع على أشراج وفي رواية للبخاري شريج الحرة وإنما أضيف إلى الحرة لكونها فيها وقال الداودي الشراج نهر عند الحرة بالمدينة وهذا غريب وليس بالمدينة نهر والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء من الأرض الصلبة الغليظة التي أفنيتها كلها حجارة سود نخرة كأنها مطرت والجمع حرات وحرار وفي ( مثلث ) ابن سيده ويجمع أيضا على حرون وبالمدينة حرتان حرة واقم وحرة لبلى زاد ابن عديس في ( المثنى والمثلث ) وحرة الحوض من المدينة والعقيق وحرة قبا في قبلة المدينة وزاد ياقوت وحرة الوبرة بالتحريك وأوله واو بعدها باء موحدة على أميال من المدينة وحرة النار قرب المدينة قوله التي يسقون بها وفي رواية شعيب كانا يسقيان به كلاهما قوله سرح الماء أمر من التسريح أي أرسله وسيبه ومنه سرحوا الماء في الخندق قوله يمر جملة وقعت حالا من الماء وقال بعضهم وضبط الكرماني فأمره بكسر الميم وتشديد الراء على أنه فعل أمر من الإمرار قال وهو محتمل قلت لم أر ذلك في شرح الكرماني فإن كانت النسخ مختلفة فلا يبعد قوله فأبى عليه أي امتنع الزبير على الذي خاصمه من إرسال الماء وإنما قال الأنصاري ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فحبسه لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره فالتمس منه الأنصاري تعجيل ذلك فأبى عليه قوله إسق يا زبير بكسر الهمزة من سقى يسقي من باب ضرب يضرب وحكى ابن التين بفتح الهمزة

(12/201)


من الثلاثي المزيد فيه من أسقى يسقي إسقاء وقال بعضهم حكى ابن التين بهمزة قطع من الرباعي قلت هذا ليس بمصطلح فلا يقال رباعي إلا لكلمة أصول حروفها أربعة أحرف وسقى ثلاثي مجرد فلما زيد فيه الألف صار ثلاثيا مزيدا فيه قوله إن كان ابن عمتك بفتح همزة أن وأصله لأن كان فحذف اللام ومثل هذا كثير والتقدير حكمت له بالتقديم لأجل أنه ابن عمتك وكانت أم الزبير صفية بنت عبد المطلب وهي عمة النبي وقال ابن مالك يجوز فيه الفتح والكسر لأنها واقعة بعد كلام تام معلل بمضمون ما صدر بها فإذا كسرت قدر قبلها ألفا وإذا فتحت قدر اللام قبلها وقد ثبت الوجهان في قوله تعالى ندعوه إنه هو البر الرحيم ( الطور 82 ) بالفتح قرأ نافع والكسائي والباقون بالكسر وقال بعضهم وحكى الكرماني إن كان بكسر الهمزة على أنها شرطية والجواب محذوف قال ولا أعرف هذه الرواية نعم وقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق فقال إعدل يا رسول الله وإن كان ابن عمتك والظاهر أن هذه بالكسر انتهى قلت لم يذكر الكرماني هذا في شرحه وإن ذكره فله وجه موجه يدل عليه رواية عبد الرحمن بن إسحاق لأن إن فيها بالكسر جزما فلا يحتاج إلا أن يقال والظاهر أن هذه بالكسر وأيضا عدم معرفته بهذه الرواية لا يستلزم العدم مطلقا فافهم قوله فتلون وجه رسول الله أي تغير وهذا كناية عن الغضب وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق حتى عرفنا أن قد ساءه ما قال قوله ثم احبس الماء ليس المراد منه أمسك الماء بل أمسك نفسك عن السقي حتى يرجع إلى الجدر أي حتى يصير إليه والجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وهو جر الجدار الذي هو الحائل بين المشارب وهو الحواجز التي تحبس الماء وقال أبو موسى المديني ورواه بعضهم حتى يبلغ الجدر بضم الجيم والدال جمع جدار وقال ابن التين ضبط في أكثر الروايات بفتح الدال وفي بعضها بالسكون وهو الذي في اللغة وهو أصل الحائط وقال القرطبي لم يقع في الرواية إلا بالسكون والمعنى أن يصل الماء إلى أصول النخل قال ويروى بكسر الجيم وهو الجدار والمراد به جدران الشربات وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل والشربات بفتح الشين المعجمة والراء وبالباء الموحدة جمع شربة بالفتحات قال ابن الأثير هي حوض يكون في أصل النخلة وحولها يملأ بماء لتشربه وحكى الخطابي الجذر بسكون الذال المعجمة وهو جذر الحساب والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب قوله فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء 56 ) وزاد شعيب في روايته ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( النساء 56 ) قوله هذه الآية إشارة إلى قوله فلا وربك ( النساء 56 ) قوله في ذلك أي فيما ذكر من أمره مع خصمه وقال بعضهم الزبير كان لا يجزم بذلك قلت قوله والله يقتضي الجزم ويرد معنى الظن في قوله لأحسب لأنه يجوز أن يكون معناه لأعد هذه الآية أنها نزلت في ذلك ولا سيما قال الزبير في رواية ابن جريج التي تأتي عن قريب والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك فانظر كيف أكد كلامه بالقسم وبأن وبالجملة الإسمية وكيف لا يكون الجزم بهذه المؤكدات مع أن هذا القائل قال لكن وقع في رواية أم سلمة عند الطبري والطبراني الجزم بذلك وأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه
قلت رواه الواحدي أيضا في ( أسباب النزول ) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار رضي الله تعالى عنهم عن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه عن أم سلمة أن الزبير بن العوام خاصم رجلا فقضى رسول الله للزبير وقال الرجل إنما قضى له لأنه ابن عمته فأنزل الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون ( النساء 56 ) الآية وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا الفضل بن دكين حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سلمة رجل من آل أبي سلمة قال خاصم الزبير رجلا إلى النبي فقضى للزبير فقال الرجل إنما قضى له لأنه ابن عمته فنزلت فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء 56 ) الآية
وهنا سبب آخر غريب جدا قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة عليه أخبرنا ابن وهب أخبرني عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود قال اختصم رجلان إلى رسول الله فقضى بينهما فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر بن الخطاب فقال رسول الله إنطلقا إليه قال الرجل يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله على هذا فقال ردنا إلى عمر فردنا إليك فقال أكذلك فقال نعم فقال عمر رضي الله تعالى عنه مكانكما حتى أخرج

(12/202)


إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر فارا إلى رسول الله فقال يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي ولولا أني أعجزته لقتلني فقال رسول الله ما كنت أظن أن يجترىء عمر على قتل رجل مؤمن فأنزل الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون ( النساء 56 ) الآية فهدر دم ذلك الرجل وبرىء عمر من قتله فكره الله أن يسن ذلك بعد فقال ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم إلى قوله وأشد تثبيتا ( النساء 66 ) وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به قال ابن كثير وهو أثر غريب ومرسل وابن لهيعة ضعيف
طريق أخرى قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في ( تفسيره ) حدثنا شعيب بن شعيب حدثنا أبو المغيرة حدثنا عتبة بن ضمرة حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي فقضى للمحق على المبطل فقال المقضي عليه لا أرضى فقال صاحبه فما تريد قال أن نذهب إلى أبي بكر الصديق وقد ذهبا إليه فقال الذي قضي له قد اختصمنا إلى النبي فقضي لي فقال أبو بكر فأنتما على ما قضى به النبي فأبى صاحبه أن يرضى قال فاتيا عمر بن الخطاب فأتياه فقال المقضي له قد اختصمنا إلى النبي فقضى لي عليه فأبى أن يرضى ثم أتينا أبا بكر فقال أنتما على ما قضى به النبي فأبى أن يرضى فسأله عمر فقال كذلك فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله فأنزل الله فلا وربك لا يؤمنون ( النساء 56 ) إلى آخر الآية
قوله فلا وربك ( النساء 56 ) أي ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال لا يؤمنون وقيل هي متصلة بقصة اليهودي قوله فيما شجر بينهم ( النساء 56 ) أي اختلف واختلط من أمرهم والتبس عليهم حكمه ومنه الشجر لاختلاف أغصانه قوله حرجا ( النساء 56 ) أي شكا وضيقا قوله ويسلموا تسليما ( النساء 56 ) أي فيما أمرتهم به ولا يعارضوه ودلت الآية على أن من لم يرض بحكم الرسول فهو غير مؤمن
ذكر ما يستفاد منه فيه أن ماء الأودية التي لم تستنبط بعمل فيها مباح ومن سبق إليه فهو أحق به وفيه أن أهل الشرب الأعلى يقدم على من هو أسفل منه ويحبس الأول الماء حتى يبلغ إلى جدار حائطه ثم يرسل الماء إلى من هو أسفل منه فيسقي كذلك ويحبس الماء كذلك ثم يرسله إلى من هو أسفل منه وهكذا وفي حديث الباب إحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قضى في سبل المهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل والمهزور بالزاي ثم بالراء وادي بني قريظة قاله ابن الأثير وفي حديث عبادة بن الصامت الذي أخرجه ابن ماجه عنه قال إن رسول الله قضى في شرب النخل من السيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء فيه إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى أسفل الذي يليه وكذلك حتى تنقضي الحواشط وفي حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي الذي أخرجه ابن ماجه أيضا عنه قال قضى رسول الله في سيل مهزور الأعلى قبل الأسفل فيسقي الأعلى إلى الكعبين ثم يرسل إلى من هو أسفل منه وقال الرافعي لا مخالفة بين التقديرين لأن الماء إذا بلغ الكعب بلغ أصل الجدار وقال ابن شهاب فقدرت الأنصار والناس قول النبي إسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر كان ذلك إلى الكعبين على ما يجيء إن شاء الله تعالى وقال أبو الحسن الماوردي ليس التقدير بالبلوغ إلى الكعبين على عموم الأزمان والبلدان لأنه يدور بالحاجة والحاجة تختلف باختلاف الأرض وباختلاف ما فيها من زرع وشجر وبوقت الزراعة ووقت السقي وحمل بعض الفقهاء المتأخرين قول الفقهاء في أنه يسقي الأول أرضه ثم يرسله إلى الثاني ثم يرسله إلى الثالث أن المراد بالأول من تقدم إحياؤه وبالثاني الذي أحيى بعد الأول وهكذا قاله صاحب المهمات وحمل كلام الرافعي عليه قال وليس المراد الأقرب إلى أصل النهر فالأقرب لا بالسبق فلذلك اعتبرناه انتهى قلت هذا ليس بشيء وليس مراد الرافعي وغيره من الفقهاء بالأول الذي هو أقرب إلى أصل الماء لأنا إذا اعتبرنا هذا يضيع حق الأول وذلك لأن الماء إذا نزل من علو فلم يسق الأول حتى نزل الماء إلى الأسفل وسقى به الأسفل وبعد ذلك كيف يعود الماء إلى الأول

(12/203)


ولا سيما إذا كان الماء قليلا وانقطع بعد سقي الثاني وقد صرح النووي في ( شرح مسلم ) بأن المراد بالأول الذي يلي الماء إلا لمحيي الأول فقال عند ذكر حديث الزبير فلصاحب الأرض الأولى التي تلي الماء المباح أن يحبس الماء ويسقي أرضه إلى هذا الحد ثم يرسله إلى جاره الذي وراءه فإن قلت ما المراد بقوله ثم أرسل الماء إلى جارك فهل هو ما فضل عن الماء الذي حبسه أو إرسال جميع الماء المحبوس أو غيره بعد أن يصل في أرضه إلى الكعبين قلت قال شيخنا الصحيح الذي ذكره أصحاب الشافعي الأول وهو قول مطرف وابن الماجشون من المالكية واختاره ابن وهب وقد كان ابن القاسم يقول إذا انتهى الماء في الحائط إلى مقدار الكعبين من القائم أرسله كله إلى من تحته ولا يحبس منه شيئا في حائطه قال ابن وهب وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي في ذلك وهما أعلم بذلك لأن المدينة دارهما وبها كانت القضية وفيها جرى العمل بالحديث وفيه حجة على ما حكي عن أبي حنيفة من أن الأعلى لا يقدم على الأسفل وإنما يسقون بقدر حصصهم قاله بعض الشافعية قلت هذا وجه حكاه الرافعي عن الداركي وليس مراد أبي حنيفة من قوله إن الأعلى لا يقدم على الأسفل أنه يختص بالماء ويحرم الأسفل بل كلهم سواء في الاستحقاق غير أن الأول يسقي ثم الثاني ثم الثالث وهلم جرا والانتفاع في حق كل واحد بقدر أرضه وقدر حاجته فيكون بالحصص وفي ( المغني ) لابن قدامة ولو كان نهيرا صغيرا وسيل فتشاح أهل الأرضين الشاربة عنه فإنه يبدأ بالأعلى ويسقي حتى يبلغ الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه كذلك إلى انتهاء الأراضي فإن لم يفضل عن الأول شيء أو الثاني أو الثالث لا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول فقهاء المدينة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا والأصل فيه حديث الزبير رضي الله تعالى عنه وقال القرطبي في حديث الباب إن الأولى بالماء الجاري الأول فالأول حتى يستوفي حاجته وهذا ما لم يكن أصله ملكا للأسفل مختصا به فإن كان ملكه فليس للأعلى أن يشرب منه شيئا وإن كان يمر عليه وفيه الاكتفاء للخصوم بما يفهم عنهم مقصودهم أن لا يكلفوا النص على الدعاوي ولا تحرير المدعى فيه ولا حصره بجميع صفاته وفيه إرشاد الحاكم إلى الإصلاح وقال ابن التين مذهب الجمهور أن القاضي يشير بالصلح إذا رآه مصلحة ومنع ذلك مالك وعن الشافعي في ذلك خلاف والصحيح جوازه وفيه أن للحاكم أن يستوعي لكل واحد من المتخاصمين حقه إذا لم ير قبولا منهما للصلح ولا رضى بما أشار به كما فعل وفيه توبيخ من جفا على الإمام والحاكم ومعاقبته لأنه عاقبه بما قال بأن استوعى للزبير حقه ووبخه الله تعالى في كتابه بأن نفى عنهم الإيمان حتى يرضوا بالحكم فقال فلا وربك لا يؤمنون ( النساء 56 ) الآية وقيل وقعت عقوبته في ماله وقد كانت تقع العقوبات في الأموال كأمره بشق الزقاق وكسر الجرار عند تحريم الخمر تغليظا للتحريم وفيه أنه حكم على الأنصاري في حال غضبه مع نهيه أن يحكم الحكم وهو غضبان لأنه يفارق غيره من البشر إذ العصمة قائمة في حقه في حال الرضا والسخط أن لا يقول إلا حقا وفيه دليل أن للإمام أن يعفو عن التعزير كما له أن يقيمه
قال محمد بن العباس قال أبو عبد الله ليس أحد يذكر عروة عن عبد الله إلا الليث فقط
هكذا وقع في رواية أبي ذر عن الحموي وحده عن الفربري ولم يقع هذا في رواية غيره ومحمد بن العباس السلمي الأصبهاني وهو من أقران البخاري وتأخر بعده مات سنة ست وستين ومائتين وأبو عبد الله هو البخاري نفسه يعني هو الذي صرح بتفرد الليث بذكر عبد الله بن الزبير في إسناده وفيه نظر لأن ابن وهب روى عن الليث ويونس جميعا عن ابن شهاب أن عروة حدثه عن أخيه عبد الله بن الزبير بن العوام أخرجه النسائي وذكر الحميدي في ( جمعه ) أن الشيخين أخرجاه من طريق عروة عن أخيه عبد الله عن أبيه وفيه نظر أيضا لأنه بهذا السياق في رواية يونس المذكور ولم يخرجها من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي كما ذكرنا والله أعلم ومنه المن علينا
7 -
( باب شرب الأعلى قبل الأسفل )
أي هذا باب في بيان حكم شرب الأعلى قبل الأسفل وفي رواية الحموي والكشميهني قبل السفلي قال بعضهم والأول

(12/204)


أولى قلت لا أولوية هنا لأن معنى السفلي قبل صاحب الأرض السفلى ويجوز أن يقال في موضع الأعلى العليا على تقدير شرب صاحب الأرض العليا فتذكير الأعلى والأسفل باعتبار الصاحب وتأنيثهما باعتبار الأرض بالتقدير المذكور
1632 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) قال خاصم الزبير رجل من الأنصار فقال النبي يا زبير أسق ثم أرسل فقال الأنصاري أنه ابن عمتك فقال عليه السلام اسق يا زبير ثم يبلغ الماء الجدر ثم أمسك فقال الزبير فأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء 56 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقال النبي يا زبير أسق ثم أرسل فإنه يعلم منه أن الزبير هو الأعلى لأن إرسال الماء لا يكون إلا من الأعلى إلى الأسفل وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر بفتحتين هو ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب
قوله ثم أرسل كذا في رواية الأكثرين بغير ذكر مفعوله وفي رواية الكشميهني ثم أرسل الماء قوله ثم يبلغ الماء الجدر هكذا هو في رواية كريمة والأصيلي وفي رواية غيرهما أسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر وسقط من رواية أبي ذر ذكر الماء وفي رواية للبخاري في الأشربة من وجه آخر عن معمر ثم أرسل الماء إلى جارك ومعاني بقية الألفاظ والحكم تقدمت في الباب السابق
8 -
( باب شرب الأعلى إلى الكعبين )
أي هذا باب في بيان شرب الأعلى إلى الكعبين وأشار بهذه الترجمة إلى بيان مقدار الماء للأعلى
10 - ( حدثنا محمد قال أخبرنا مخلد قال أخبرني ابن جريج قال حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج من الحرة يسقي بها النخل فقال رسول الله اسق يا زبير فأمره بالمعروف ثم أرسل إلى جارك فقال الأنصاري إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ثم قال اسق ثم احبس حتى يرجع الماء إلى الجدر واستوعي له حقه فقال الزبير والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم قال لي ابن شهاب فقدرت الأنصار والناس قول النبي اسق ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر وكان ذلك إلى الكعبين )
مطابقته للترجمة في قوله وكان ذلك إلى الكعبين يعني رجوع الماء إلى الجدر وصوله إلى الكعبين وقد مر الكلام فيه مستقصى في الباب الذي قبل الباب الذي قبله ومحمد هو ابن سلام وفي رواية أبي الوقت صرح به ومخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام وفي آخره دال مهملة هو ابن يزيد وقد مر في الجمعة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي قوله فأمره بالمعروف قال الخطابي معناه أمره بالعادة المعروفة التي جرت بينهم في مقدار الشرب وهي جملة معترضة بين قوله اسق يا زبير وبين قوله ثم أرسل قوله واستوعي له أي استوفي للزبير حقه واستوعب وهو من الوعاء كأنه جمعه له في وعائه وأبعد من قال أمره ثانيا أن يستوفي أكثر من حقه عقوبة للأنصاري حكاه ابن الصباغ والأشبه أنه أمره أن يستوفي حقه ويستقصي فيه تغليظا على الأنصاري وقال الخطابي هذه الزيادة تشبه أن تكون من كلام الزهري وكانت عادته أن يصل بالحديث من كلامه ما يظهر له من معنى الشرح والبيان قيل الأصل في الحديث أن يكون حكمه كله واحدا حتى يرد ما يبين ذلك ولا يثبت الإدراج بالاحتمال قوله قال ابن شهاب هو الزهري الراوي عن عروة وهذا إلى آخره من كلام ابن شهاب حكى عنه ابن جريج الراوي عنه قوله والناس من باب عطف العام على الخاص أو معهود غير الأنصار قوله

(12/205)


وكان ذلك أي قوله اسق ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر قوله إلى الكعبين أي يقدر إلى الكعبين يعني يكون مقدار الماء الذي يرجع إلى الجدر يبلغ الكعبين وقد ذكرنا أحاديث في الباب الذي قبل الباب الذي قبله فيما يتعلق بهذا الحكم وقال ابن التين الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر قال وأما الزرع فإلى الشراك وقال الطبري الأراضي مختلفة فيمسك لكل أرض ما يكفيها لأن الذي في قصة الزبير واقعة عين وقيل معنى قوله إلى الجدر أي إلى الكعبين قلت إن كان مراده الإشارة إلى هذا التقدير فله وجه ما وإلا فلا يصح تفسير الجدر بالكعبين
( الجدر هو الأصل )
هذا تفسير لفظ الجدر المذكور في الحديث من عند البخاري وقد مر الكلام فيه وهذا هنا وقع في رواية المستملي وحده -
9 -
( باب فضل سقي الماء )
أي هذا باب في بيان فضل سقي الماء لكل من له حاجة إلى ذلك
3632 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ( ثم أمسكه بغيه ) ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا قال في كل كبد رطبة أجر
مطابقته للترجمة ظاهرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وقد مر في كتاب الصلاة وأبو صالح ذكوان الزيات ورجال هذا الإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المظالم عن القعنبي وفي الأدب عن إسماعيل وأخرجه مسلم في الحيوان عن قتيبة وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي أربعتهم عن مالك
ذكر معناه قوله بينا قد ذكرنا غير مرة أن أصله بين فأشبعت فتحة النون فصار بينا ويضاف إلى جملة وهي هنا قوله رجل يمشي قوله فاشتد عليه الفاء فيه وقعت هنا موقع إذا تقديره بينا رجل يمشي إذا اشتد عليه العطش وهو جواب بينا ووقع في رواية المظالم بينما وكلاهما سواء في الحكم وفي رواية الدارقطني في الموطآت من طريق روح عن مالك يمشي بفلاة وله من طريق ابن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة وليس في رواية مسلم هذه الفاء وقد ذكرنا فيما مضى أن الأفصح أن يقع جواب بينا وبينما بلا كلمة إذ وإذا ولكن وقوعه بهما كثير قوله العطش كذا في رواية الأكثرين وكذا في رواية في ( الموطأ ) ووقع في رواية المستملي العطاش وهو داء يصيب الإنسان فيشرب فلا يروى وقال ابن التين والصواب العطش قال وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث منه داء فيكون العطاش إسما للداء كالزكام قوله فإذا هو كلمة إذا للمفاجأة قوله يأكل الثرى بالثاء المثلثة مقصور يكتب بالياء وهو التراب الندي قوله يلهث جملة وقعت حالا من الكلب قال ابن قرقول لهث الكلب بفتح الهاء وكسرها إذا أخرج لسانه من العطش أو الحر واللهاث بضم اللام العطش وكذلك الطائر ولهث الرجل إذا أعيى ويقال معناه يبحث بيديه ورجليه في الأرض وفي ( المنتهى ) هو ارتفاع النفس يلهث لهثا ولهاثا ولهث بالكسر يلهث لهثا ولهاثا مثل سمع سماعا إذا عطش قوله بلغ هذا مثل الذي بلغ بي أي بلغ هذا الكلب مثل الذي

(12/206)


بنصب اللام على أنه صفة لمصدر محذوف أي بلغ هذا مبلغا مثل الذي بلغ بي وضبطه الحافظ الدمياطي بخطه بضم مثل قال بعضهم ولا يخفى توجيهه قلت كأنه لم يقف على توجيهه وهو أن يكون لفظ هذا مفعول بلغ وقوله مثل الذي بلغ بي فاعله فارتفاعه حينئذ على الفاعلية قوله فملأ خفه فيه محذوف قبله تقديره فنزل في البئر فملأ خفه وفي رواية ابن حبان فنزع أحد خفيه قوله ثم أمسكه بفيه أي بفمه وإنما أمسك خفه بفمه لأنه كان يعالج بيديه ليصعد من البئر فدل هذا أن الصعود منها كان عسرا قوله ثم رقي بفتح الراء وكسر القاف على مثال صعد وزنا ومعنى يقال رقيت في السلم بالكسر إذا صعدت وذكره ابن التين بفتح القاف على مثال مضى وأنكره وقال عياض في ( المشارق ) هي لغة طيىء يفتحون العين فيما كان من الأفعال معتل اللام والأول أفصح وأشهر قوله فسقى الكلب وفي رواية عبد الله بن دينار عن أبي صالح حتى أرواه من الإرواء من الري وقد مضت هذه الرواية في كتاب الوضوء في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان فإنه أخرجه هناك عنه إسحاق عن عبد الصمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له حتى أدخله الجنة قوله فشكر الله له أي أثنى عليه أو قبل عمله فغفر له فالفاء فيه للسببية أي بسبب قبول عمله غفر له كما في قولك إن يسلم فهو في الجنة أي بسبب إسلامه هو في الجنة ويجوز أن تكون الفاء تفسيرية تفسير قوله فشكر الله له لأن غفرانه له هو نفس الشكر كما في قوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ( البقرة 45 ) على قول من فسر التوبة بالقتل وقال القرطبي معنى قوله فشكر الله له أي أظهر ما جازاه به عند ملائكته وقال بعضهم هو من عطف الخاص على العام قلت لا يصح هذا هنا لأن شكر الله لهذا الرجل عبارة عن مغفرته إياه كما ذكرناه قوله قالوا أي الصحابة من جملتهم سراقة بن مالك ابن جعشم روى حديثه ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال سألت النبي عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطتها لإبلي فهل لي من أجر إن سقيتها فقال نعم في كل ذات كبد حرى أجر قوله وإن لنا هو معطوف على شيء محذوف تقديره الأمر كما ذكرت وإن لنا في البهائم أجرا أي في سقيها أو في الإحسان إليها قوله في كل كبد يجوز فيه ثلاثة أوجه فتح الكاف وكسر الباء وفتح الكاف وسكون الباء للتخفيف كما قالوا في الفخذ فخذ وكسر الكاف وسكون الباء وقال أبو حاتم الكبد يذكر ويؤنث ولهذا قال رطبة والجمع أكباد وأكبد وكبود وقال الداودي يعني كبد كل حي من ذوات الأنفس والمراد بالرطبة رطوبة الحياة أو هو كناية عن الحياة قوله أجر مرفوع على الابتداء وخبره مقدما قوله في كل كبد تقديره أجر حاصل أو كائن في إرواء كل ذي كبد حي وأبعد الكرماني في سؤاله هنا حيث يقول الكبد ليست ظرفا للأجر فما معنى كلمة الظرفية ثم قال تقديره الأجر ثابت في إرواء أو في رعاية كل حي وجه الإبعاد أن كل من شم شيئا من علم العربية يعرف أن الجار والمجرور لا بد أن يتعلق بشيء إما ظاهرا أو مقدرا فإذا لم يصلح المذكور أن يتعلق به يقدر لفظ كائن أو حاصل أو نحوهما فلا حاجة إلى السؤال والجواب ثم قال أو الكلمة للسببية يعني كلمة في للسببية كما في قوله في النفس المؤمنة مائة إبل أي بسبب قتل النفس المؤمنة ومع هذا المتعلق محذوف أي بسبب قتل النفس المؤمنة الواجب مائة إبل وكذلك التقدير هنا بسبب إرواء كل كبد أجر حاصل وقال الداودي هذا عام في جميع الحيوانات وقال أبو عبد الملك هذا الحديث كان في بني إسرائيل وأما الإسلام فقد أمر بقتل الكلاب فيه وأما قوله في كل كبد فمخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره وكذا قال النووي إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه ويلتحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه قلت القلب الذي فيه الشفقة والرحمة يجنح إلى قول الداودي وفي القلب من قول أبي عبد الملك حزازة ويتوجه الرد على كلامه من وجوه الأول قوله كان في بني إسرائيل لا دليل عليه فما المانع أن أحدا من هذه الأمة قد فعل هذا وكوشف للنبي بذلك وأخبره بذلك حثا لأمته على فعل ذلك وصدور هذا الفعل من أحد من أمته يجوز أن يكون في زمنه ويجوز أن يكون بعده بأن يفعل أحد

(12/207)


هذا وأعلم النبي بذلك أنه سيكون كذا وأخبره بذلك في صورة الكائن لأن الذي يخبره عن المستقبل كالواقع لأنه مخبر صادق وكل ما يخبره من المغيبات الآتية كائن لا محالة والثاني قوله وأما الإسلام فقد أمر بقتل الكلاب لا يقوم به دليل على مدعاه لأن أمره بقتل الكلاب في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بإباحة الانتفاع بها للصيد وللماشية والزرع ولا شك أن الإباحة بعد التحريم نسخ لذلك التحريم ورفع لحكمه والثالث دعوى الخصوص تحكم ولا دليل عليه لأن تخصيص العام بلا دليل إلغاء لحكمه الذي تناوله فلا يجوز والعجب من النووي أيضا أنه ادعى عموم الحديث المذكور للحيوان المحترم وهو أيضا لا دليل عليه وأصل الحديث مبني على إظهار الشفقة لمخلوقات الله تعالى من الحيوانات وإظهار الشفقة لا ينافي إباحة قتل المؤذي من الحيوانات ويفعل في هذا ما قاله ابن التيمي لا يمتنع إجراؤه على عمومه يعني فيسقي ثم يقتل لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهينا عن المثلة فعلى قول مدعي الخصوص الكافر الحربي والمرتد الذي استمر على ارتداده إذا قدما للقتل وكان العطش قد غلب عليهما ينبغي أن يأثم من يسقيهما لأنهما غير محترمين في ذلك الوقت ولا يميل قلب شفوق فيه رحمة إلى منع السقي عنهما يسقيان ثم يقتلان
ذكر ما يستفاد منه قال بعضهم فيه جواز السفر منفردا وبغير زاد قلت قد ورد النهي عن سفر الرجل وحده والحديث لا يدل على أن رجلا كان مسافرا لأنه قال بينا رجل يمشي فيجوز أن يكون ماشيا في أطراف مدينة أو عمارة أو كان ماشيا في موضع في مدينته وكان خاليا من السكان فإن قلت قد مضى في أوائل الباب أن في رواية الدارقطني يمشي بفلاة وفي رواية أخرى يمشي بطريق مكة قلت لا يلزم من ذلك أن يكون الرجل المذكور مسافرا ولئن سلمنا أنه كان مسافرا لكن يحتمل أنه كان معه قوم فانقطع منهم في الفلاة لضرورة عرضت له فجرى له ما جرى فلا يفهم منه جواز السفر وحده فافهم وأما السفر بغير زاد فإن كان في علمه أنه يحصل له الزاد في طريقه فلا بأس وإن كان يتحقق عدمه فلا يجوز له بغير الزاد وفيه الحث على الإحسان إلى الناس لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي بني آدم أعظم أجرا وفيه أن سقي الماء من أعظم القربات قال بعض التابعين من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء فإذا غفرت ذنوب الذي سقى كلبا فما ظنكم بمن سقى مؤمنا موحدا وأحياه بذلك وقال ابن التين وروي عنه مرفوعا أنه دخل على رجل في السياق فقال له ماذا ترى فقال أرى ملكين يتأخران وأسودين يدنوان وأري الشر ينمى والخير يضمحل فأعني منك بدعوة يا نبي الله فقال أللهم أشكر له اليسير واعف عنه الكثير ثم قال له ماذا ترى فقال أرى ملكين يدنوان والأسودين يتأخران وأرى الخير ينمي والشر يضمحل قال فما وجدت أفضل عملك قال سقي الماء وفي حديث سئل أي الصدقة أفضل قال سقي الماء وفيه ما احتج به على جواز الصدقة على المشركين لعموم قوله أجر وفيه أن المجازاة على الخير والشر قد يكون يوم القيامة من جنس الأعمال كما قال من قتل نفسه بحديدة عذب بها في نار جهنم وقال بعضهم ينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق قلت هذا قيد لا يعتبر به بل تجوز الصدقة على الكافر سواء يوجد هناك مسلم أو لا وقال بعضهم أيضا وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق قلت إنما يكون أحق فيما إذا قسم بينهما يخاف على المسلم من الهلاك إو إذا أخذ جزءا للبهيمة يخاف على المسلم فأما إذا لم يوجد واحد منهما ينبغي أن لا تحرم البهيمة أيضا لأنها ذات كبد رطبة
تابعه حماد بن سلمة والربيع بن مسلم عن محمد بن زياد
4632 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) حدثنا ( نافع بن عمر ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى صلاة الكسوف فقال دنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قال ما شأن هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعا ( انظر الحديث 547 )

(12/208)


مطابقته للترجمة من حيث إن هذه المرأة لما حبست هذه الهرة إلى أن ماتت بالجوع والعطش فاستحقت هذا العذاب فلو كانت سقتها لم تعذب ومن هنا يعلم فضل سقي الماء وهو المطابق للترجمة
وهذا الحديث بعين هذا الإسناد قد مر في كتاب الصلاة في باب ما يقرأ بعد التكبير ولكن بأطول منه
وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم المصري ونافع بن عمر بن عبد الله الجمحي من أهل مكة وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير بن عبد الله الأحول المكي القاضي على عهد ابن الزبير وقد مر الكلام فيه هناك
قوله دنت أي قربت قوله أي ربي يعني يا ربي قوله وأنا معهم فيه تعجب وتعجيب واستبعاد من قربه من أهل جهنم فكأنه قال كيف قربوا مني وبيني وبينهم غاية المنافاة المقتضية لبعد المشرقين قوله فإذا امرأة كلمة إذا للمفاجأة قوله حسبت من كلام أسماء قوله أنه قال أي أن النبي قال قوله تخدشها أي تكدحها وأصل الخدش قشر الجلد بعود أو نحوه من خدش يخدش خدشا من باب ضرب يضرب
5632 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار قال فقال والله أعلم لا أنت أطعمتيها ولا سقيتيها حين حبستيها ولا أنت أرسلتيها فأكلت من خشاش الأرض مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق والحديث أخرجه مسلم في الأدب وفي الحيوان عن هارون بن عبد الله وعبد الله ابن جعفر البرمكي
قوله في هرة أي في شأن هرة أو بسبب هرة قوله فدخلت فيها أي بسببها قوله قال فقال أي قال النبي فقال الله تعالى أو مالك خازن النار قوله والله أعلم جملة معترضة بين قوله فقال وبين لا أنت إلى آخره قوله أطعمتها يروي أطعميتها مع أخواتها آلة بإشباع كسراتها ياء قوله فأكلت ويروى فتأكل قوله من خشاش الأرض بكسر الخاء المعجمة وخفة الشين الأولى الحشرات وقد تفتح الخاء وقال النووي وقد تضم أيضا وقال أبو عبيدة الخشاش بالكسر إلا الطير الصغير فإنه بالفتح وفي ( الغريب ) للمصنف الخشاش شرار الطير
قال القرطبي وظاهر الحديث يدل على تملك الهرة لأنه أضافها للمرأة باللام التي هي ظاهرة في الملك وفيه أن النار مخلوقة وفيه أن بعض الناس معذب اليوم في جهنم وفيه في تعذيبها بسبب الهرة دلالة على أن فعلها كبيرة لأنها أصرت عليه
01 -
( باب من رأى أن صاحب الحوض أو القربة أحق بمائه )
أي هذا باب في بيان حكم من رأى إلى آخره والحكم فيه أن من كان له حوض فيه ماؤه أو معه قربة فيها ماء فهو أحق بذلك الماء من غيره لأنه ملكه وتحت يده وله التصرف فيه بالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك ولا يجوز لغيره أن يأخذ منه شيئا إلا بإذنه إلا المضطر في الشرب كما مر تفصيله فيما مضى
6632 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه قال أتي رسول الله بقدح فشرب وعن يمينه غلام هو أحدث القوم والأشياخ عن يساره قال يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ فقال ما كنت لاوثر بنصيبي منك أحدا يا رسول الله فأعطاه إياه
قيل لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة لأنه ليس في الحديث إلا أن الأيمن أحق بالقدح من غير وأجيب بأن

(12/209)


مراد البخاري أن الأيمن إذا استحق ما في القدح بمجرد جلوسه واختص به فكيف لا يختص صاحب اليد والمتسبب في تحصيله قلت فيه نظر لأن الفرق ظاهر بين الاستحقاقين فاستحقاق الأيمن غير لازم حتى إذا منع ليس له الطلب الشرعي بخلاف استحقاق صاحب اليد وهذا ظاهر وقال الكرماني وجه تعلقه أي تعلق الحديث بالترجمة قياس ما في القربة والحوض على ما في القدح وتصرف بعضهم فيه بقوله ومناسبته للترجمة ظاهرة إلحاقا للحوض والقربة بالقدح فكأن صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربا وسقيا انتهى قلت أما قياس الكرماني فقياس بالفارق وقد ذكرناه وأما قول بعضهم إلحاقا للحوض والقربة بالقدح فإن كان مراده بالقياس عليه فغير صحيح لما ذكرنا وإن كان مراده من الإلحاق أن صاحب القدح مثل صاحب القربة في الحكم فليس كذلك على ما لا يخفى وقوله فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربا وسقيا لا يخلو أن يقرأ قوله فكان بكاف التشبيه دخلت على أن بفتح الهمزة أو كان بلفظ الماضي من الأفعال الناقصة وأيا ما كان ففساده ظاهر يعرف بالتأمل فإذا كان الأمر كذلك فلا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة إلا بالجر الثقيل بأن يقال صاحب الحوض مثل صاحب القدح في مجرد الاستحقاق مع قطع النظر عن اللزوم وعدمه والحديث مضى قبل هذه بثمانية أبواب في باب في الشرب فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد وهنا أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل وقد مر الكلام فيه هناك
15 - ( حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي قال والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض )
مطابقته للترجمة في قوله عن حوضي فإنه يدل على أنه أحق بحوضه وبما فيه والترجمة أن صاحب الحوض أحق به وغندر بضم الغين وسكون النون مر غير مرة وهو لقبه واسمه محمد بن جعفر البصري ربيب شعبة ومحمد بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف القرشي الجمحي أبو الحارث المدني مر في باب غسل الأعقاب ولا يشتبه عليك بمحمد بن زياد الألهاني وإن كان كل منهما تابعيا والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وفي التلويح لما أعاد البخاري هذا الحديث في الحوض ذكره معلقا من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة وهذا الحديث مما كاد أن يبلغ مبلغ القطع والتواتر على رأي جماعة من العلماء يجب الإيمان به فيما حكاه غير واحد ورواه عن النبي جماعة كثيرة من الصحابة منهم في الصحيح ابن عمر وابن مسعود وجابر بن سمرة وجندب بن عبد الله وزيد بن أرقم وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك وحذيفة وعند أبي القاسم اللالكائي ثوبان وأبو بردة وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وبريدة وعن القاضي أبي الفضل وعقبة بن عامر وحارثة بن وهب والمستورد وأبو برزة وأبو أمامة وعبد الله بن زيد وسهل بن سعد وسويد بن جبلة وأبو بكر الصديق والفاروق والبراء وعائشة وأختها أسماء وأبو بكرة وخولة بن قيس وأبو ذر والصنابحي في آخرين
( ذكر معناه ) قوله لأذودن أي لأطردن من ذاد يذود ذيادا أي دفعه وطرده ويروى فليذادن رجال أي يطردون وفي المطالع كذا رواه أكثر الرواة عن مالك في الموطأ ورواه يحيى ومطرف وابن نافع فلا يذادن ورواه ابن وضاح على الرواية الأولى وكلاهما صحيح المعنى والنافية أفصح وأعرف ومعناه فلا تفعلوا فعلا يوجب ذلك كما قال لا ألفين أحدكم على رقبته بعير أي لا تفعلوا ما يوجب ذلك قوله كما تذاد الغريبة من الإبلأي كما تطرد الناقة الغريبة من الإبل عن الحوض إذا أرادت الشرب مع إبله وعادة الراعي إذا ساق الإبل إلى الحوض لتشرب أن يطرد الناقة الغريبة إذا رآها بينهم واختلف في هؤلاء الرجال فقيل هم المنافقون حكاه ابن التين وقال ابن الجوزي هم المبتدعون وقال القرطبي هم الذين لا سيما لهم من غير هذه الأمة وذكر قبيصة في صحيح البخاري أنهم هم المرتدون الذين بدلوا وقال ابن

(12/210)


بطال فإن قيل كيف يأتون غرا والمرتد لا غرة له فالجواب أن النبي قال تأتي كل أمة فيها منافقوها وقد قال الله تعالى يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم فصح أن المؤمنين يحشرون وفيهم المنافقون الذين كانوا معهم في الدنيا حتى يضرب بينهم بسور والمنافق لا غرة له ولا تحجيل لكن المؤمنون سموا غرا بالجملة وإن كان المنافق في خلالهم وقال ابن الجوزي فإن قيل كيف خفي حالهم على سيدنا رسول الله وقد قال تعرض علي أعمال أمتي فالجواب أنه إنما تعرض أعمال الموحدين لا المنافقين والكافرين
16 - ( حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب وكثير بن كثير يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا وأقبل جرهم فقالوا أتأذنين أن ننزل عندك قالت نعم ولا حق لكم في الماء قالوا نعم )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قولها لجرهم ولا حق لكم في الماء لأنها أحق من غيرها وقال الخطابي فيه أن من أنبط ماء في فلاة من الأرض ملكه ولا يشاركه غيره فيه إلا برضاه إلا أنه لا يمنع فضله إذا استغنى عنه وإنما شرطت هاجر عليهم أن لا يتملكوه قوله وعبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي وهو من أفراده وأيوب هو السختياني وكثير بن كثير ضد القليل في اللفظين ابن المطلب السهمي وهو عطف على أيوب قيل يلزم أن يكون كل منهما مزيدا أو مزيدا عليه أجيب نعم باعتبارين والحديث أخرجه البخاري أيضا مطولا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفيه أيضا عن أبي عامر وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن المبارك عن أبي عامر العقدي وعثمان بن عمر كلاهما عن إبراهيم بن نافع قوله أم إسماعيل هي هاجر وكان إبراهيم سار إلى مصر لما وقع القحط بالشام للميرة ومعه سارة ولوط عليهما الصلاة والسلام وكان بها أول الفراعنة سنان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح وقيل غير ذلك وكانت سارة من أجمل النساء وجرى ما جرى بينه وبين إبراهيم بسبب سارة على ما ذكره أهل السير فآخر الأمر نجى الله سارة من هذا الفرعون فأخدمها هاجر واختلف فيها فقال مقاتل كانت من ولد هود وقال الضحاك كانت بنت ملك مصر وكان ساكنا بمنف فغلبه ملك آخر فقتله وسبى ابنته فاسترقها ووهبها لسارة ثم وهبتها سارة لإبراهيم فواقعها فولدت إسماعيل ثم حمل إبراهيم إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة وذلك لأمر يطول ذكره ومكة إذ ذاك عضاه وسلم وسمر فأنزلهما في موضع الحجر وكان مع هاجر شنة ماء وقد نفد فعطشت وعطش الصبي فنزل جبريل وجاء بهما إلى موضع زمزم فضرب بعقبه ففارت عين فلذلك يقال لزمزم ركضة جبريل فلما نبع الماء أخذت هاجر شنتها وجعلت تستقي فيها تدخره وهي تفور قال يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا فشربت وقال لها جبريل لا تخافي الظمأ على أهل هذه البلدة فإنها عين ستشرب منها ضيفان الله وإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه فكان كذلك حتى مرت رفقة من جرهم تريد الشام مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا على الجبل فقالوا إن هذا الطائر ليدور على الماء وعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأشرفوا فإذا هم بالماء فقالوا لهاجر إن شئت كنا معك وانسناك والماء ماؤك فأذنت لهم فنزلوا هناك فهم أول سكان مكة فكانوا هناك حتى شب إسماعيل وماتت هاجر فتزوج إسماعيل امرأة منهم يقال لها الجداء ابنة سعد العملاقي وأخذ لسانهم فتعرب بهم وحكايته طويلة ليس هذا موضع بسطها
ثم اعلم أن جرهم صنفان الأولى كانوا على عهد عاد فبادوا ودرست أخبارهم وهم من العرب البائدة وجرهم الثانية من ولد جرهم بن قطحان وكان جرهم أخا يعرب بن قحطان فملك يعرب اليمن وملك أخوه جرهم الحجاز وقال الرشاطي

(12/211)


جرهم وابن عمه قطورا هما كانا أهل مكة وكانا قد ظعنا من اليمن فأقبلا سيارة وعلى جرهم مضاض بن عمر وعلى قطورا السميدع رجل منهم فنزلا مكة وجرهم بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام قوله لو تركت زمزم بأن لا تغرف منها إلى القربة ولا تشح بها لكانت عينا معينا بفتح الميم أي جاريا قوله أو قال شك من الراوي قوله أتأذنين خطاب لهاجر بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أن ننزل بنون المتكلم مع الغير ويروى أن أنزل باعتبار قول كل واحد منهم قال الكرماني ( فإن قلت ) نعم مقررة لما سبق وههنا النفي سابق ( قلت ) يستعمل في العرف مقام بلى ولهذا يثبت به الإقرار حيث يقال أليس لي عليك ألف فقال نعم ( قلت ) التحقيق فيه أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي وأن نعم تأتي بعد نفي وإيجاب فلا يحتاج أن يقال يستعمل في العرف مقام بلى -
9632 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( إبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل ماء فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل مالم تعمل يداك
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ورجل منع فضل ماء لأنه استحق العقاب في الفضل فدل هذا أنه أحق بالأصل الذي في حوضه أو في قربته وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وأبو صالح هو ذكوان السمان والحديث مضى قبل هذا الباب بأربعة أبواب في باب إثم من منع ابن السبيل من الماء فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولكن بينهما بعض اختلاف في المتن بزيادة ونقصان يعلم بالنظر فإن فيه هناك الرجل المبايع للإمام هو ثالث الثلاثة ولا منافاة بينهما إذا لم يحصر على هذه الثلاثة ولا على تلك الثلاثة
قوله أكثر مما أعطى على صيغة المجهول ويروى على صيغة المعلوم أي أكثر مما أعطى فلان الذي يستامه قوله وهو كاذب جملة حالية قوله اليوم أمنعك فضلي أي إنك إذا كنت تمنع فضل الماء الذي ليس بعملك وإنما هو رزق ساقه الله إليك أمنعك اليوم فضلي مجازاة لما فعلت وقيل قوله اليوم أمنعك إلى آخره إشارة إلى قوله تعالى أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ( الواقعة 96 ) وحكى ابن التين عن أبي عبد الملك أنه قال هذا يخفي معناه ولعله يريد أن البئر ليست من حفره وإنما هو في منعه غاصب ظالم وهذا لا يرد فيما حازه وعمله ويحتمل أن يكون هو حفرها ومنعها من صاحب الشفة أي العطشان ويكون معنى ما لم تعمل يداك أي لم تنبع الماء ولا أخرجته قلت تقييد هذا بالبئر لا معنى له لأن قوله ورجل منع فضل ماء أعم من أن يكون ذلك الفضل في البئر أو في الحوض أو في القربة ونحو ذلك
وقال علي حدثنا سفيان غير مرة عن عمرو قال سمع أبا صالح يبلغ به النبي
أي قال علي بن عبد الله المعروف بابن المديني حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع أبا صالح ذكوان يبلغ به أي يرفع الحديث إلى النبي وأشار بهذا إلى أن سفيان كان يرسل هذا الحديث كثيرا ولكنه صحح الموصول لأنه سمعه من الحفاظ موصولا ووصله أيضا عمرو الناقد وأخرجه مسلم عنه عن سفيان عن عمرو عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أراه مرفوعا والله أعلم
11 -
( باب لا حمى إلا لله ولرسوله )
أي هذا باب في بيان حكم قول النبي لا حمى إلا لله ولرسوله وعقد هذه الترجمة بلفظ حديث الباب من غير زيادة عليه والحمى بكسر الحاء وفتح الميم بلا تنوين مقصور وفي ( المغرب ) الحمى موضع الكلأ يحمى من الناس

(12/212)


ولا يرعى ولا يقرب وفي ( الصحاح ) حميته حماية أي دفعت عنه وهذا شيء حمى على فعل أي محظور لا يقرب قلت دل هذا أن لفظ حمى اسم غير مصدر وهو على وزن فعل بكسر الفاء بمعنى مفعول أي محمي محظور هذا معناه اللغوي ومعناه الاصطلاحي ما يحمي الإمام من الموات لمواش يعينها ويمنع سائر الناس من الرعي فيها وقال ابن الأثير قيل كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضا في حيه استعوى كلبا فحمى مدى عواء الكلب لا يشرك فيه غيره وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه فنهى النبي عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله ورسوله إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله وإبل الزكاة وغيرها كما حمى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه النقيع بالنون لنعم الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله قيل فيه نظر من حيث إن الملوك والأشراف كانوا يحمون بما شاؤا فلم يحك أحد أنهم كانوا يحمون بالكلب إلا ما نقل عن وائل بن ربيعة التغلبي فغلبت عليه اسم كليب لأنه حمى الحمى بعواء كلب كان يقطع يديه ويدعه وسط مكان يريده فأي موضع بلغ عواؤه لا يقربه أحد وبسببه كانت حرب البسوس المشهورة وقال ابن بطال أصل الحمى المنع يعني لا مانع لما لا مالك له من الناس من أرض أو كلأ إلا الله ورسوله قال وذكر ابن وهب أن النقيع الذي حماه سيدنا رسول الله قدره ميل في ثمانية أميال والنقيع بالنون المفتوحة والقاف المكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره عين مهملة على عشرين فرسخا من المدينة وقيل على عشرين ميلا ومساحته بريد في بريد قال ياقوت وهو غير نقيع الخضمات الذي كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حماه وعكس ذلك أبو عبيد البكري وزعم الخطابي أن من الناس من يقوله بالباء الموحدة وهو تصحيف والأصل في النقيع أنه كل موضع يستنقع فيه الماء وزعم ابن الجوزي أن بعضهم ذهب إلى أنهما واحد والأول أصح
0732 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن الصعب بن جثامة قال إن رسول الله قال لا حمى إلا لله ولرسوله ( الحديث 0732 - طرفه في 3103 )
الحديث عين الترجمة فلا مطابقة أقوى من هذا ورجاله سبعة كلهم قد ذكروا ويونس بن يزيد الأيلي والصعب ضد السهل ابن جثامة بفتح الميم وتشديد الثاء المثلثة الليثي مر في جزاء الصيد ورواية الليث عن يونس من الأقران لأن الليث قد سمع من شيخه ابن شهاب أيضا وفي هذا الإسناد تابعيان ابن شهاب وعبيد الله وصحابيان عبد الله بن عباس والصعب بن جثامة
وهذا الحديث من أفراده ووقع في ( الإلمام ) للشيخ تقي الذين القشيري أنه من المتفق عليه وهو وهم بل ربما يكون من الناسخ وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن علي بن عبد الله عن سفيان وأخرجه أبو داود في الخراج عن ابن السرح عن ابن وهب عن يونس به وأخرجه النسائي في الحمى وفي السير عن أبي كريب عن ابن إدريس عن مالك عن ابن شهاب
قوله لا حمى إلا لله ولرسوله أي لا حمى لأحد يخص نفسه يرعى فيه ماشيته دون سائر الناس وإنما هو لله ولرسوله ولمن ورد ذلك عنه من الخلفاء بعده إذا احتاج إلى ذلك لمصلحة المسلمين كما فعل الصديق والفاروق وعثمان لما احتاجوا إلى ذلك وعاب رجل من العرب عمر رضي الله تعالى عنه فقال بلاد الله حميت لمال الله وأنكر أيضا على عثمان أنه زاد في الحمى وليس لأحد أن ينكر ذلك لأنه قد تقدم إليه ولخلفائه الاقتداء به والاهتداء وإنما يحمى الإمام ما ليس بملك لأحد مثل بطون الأودية والجبال والموات وإن كان ينتفع المسلمون بتلك المواضع فمنافعهم في حماية الإمام أكثر وقال ابن التين معنى الحديث لا حمى إلا على ما أذن الله لرسوله أن يحميه لا ما كان يحميه العرب في الجاهلية قيل الأرجح عند الشافعية أن الحمى مختص بالخليفة ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم وقال بعضهم استدل به الطحاوي لمذهبه في اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات وتعقب بالفرق بينهما فإن الحمى أخص من الإحياء انتهى قلت حصر الحمى لله ولرسوله يدل على أن حكم الأراضي إلى الإمام والموات من الأراضي ودعوى أخصية الحمى من الإحياء

(12/213)


ممنوعة لأن كلا منهما لا يكون إلا فيما لا مالك له فيستويان في هذا المعنى
وقال أبو عبد الله بلغنا أن النبي حمى النقيع وأن عمر حمى السرف والربذة
وقع للأكثرين من الرواة هكذا وقال بلغنا أن النبي بدون لفظ أبو عبد الله ولم يقع قال أبو عبد الله إلا في رواية أبي ذر وقال ابن التين وقع في بعض روايات البخاري وقال أبو عبد الله وبلغنا فجعله من قول البخاري وقال بعضهم فظن بعض الشراح أنه من كلام البخاري المصنف وليس كذلك قلت إن كان مراده من بعض الشراح ابن التين فليس كذلك لان ابن التين لم يقل إنه من كلام البخاري وإنما هو ناقل وليس بقائل والضمير المرفوع في قوله فجعله يرجع إلى ناقل هذه الرواية من أبي ذر وليس يرجع إلى ابن التين ولم يدر نسبة الظن إلى أي شارح من شراح البخاري والحاصل أن رواية الأكثرين هي الصحيحة وأن الضمير في قوله وقال بلغنا يرجع إلى الزهري وأنه من البلاغ المنسوب إليه وذكر أبو داود أن القائل وبلغنا إلى آخره ابن شهاب هو الزهري رحمه الله وروى في ( سننه ) من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب فذكر الموصول والمرسل جميعا أما الموصول فرواه عن سعيد بن منصور قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله حمى النقيع وقال لا حمى إلا لله وأما المرسل فهو قال ابن شهاب وبلغني أن رسول الله حمى النقيع قوله النقيع بالنون وقد مر تفسيره عن قريب قوله وأن عمر رضي الله تعالى عنه حمى الشرف والربذة عطف على قوله بلغنا أن النبي وهو أيضا من بلاغ الزهري و الشرف بفتح الشين المعجمة والراء وفي آخره فاء وهو المشهور وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح السين المهملة وكسر الراء والصواب الأول لأن الشرف بالمعجمة من عمل المدينة وبالمهملة وكسر الراء من عمل مكة ولا تدخله الألف واللام بينها وبين مكة ستة أميال وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل اثني عشر والربذة بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة المفتوحات قرية قريبة من ذات عرق بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وقد مر تفسيره فيما مضى أيضا وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله تعالى عنه حمى الربذة لنعم الصدقة
21 -
( باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار )
أي هذا باب في بيان حال شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار مقصوده الإشارة إلى أن ماء الأنهار الجارية غير مختص لأحد وقام الإجماع على جواز الشرب منها دون استئذان أحد لأن الله تعالى خلقها للناس وللبهائم ولا مالك لها غير الله فإذا أخذ أحد منها شيئا في وعائه صار ملكه فيتصرف فيه بالبيع والهبة والصدقة ونحوها فقال أبو حنيفة ومالك لا بأس ببيع الماء بالماء متفاضلا وإلى أجل وقال محمد هو مما يكال أو يوزن وقد صح أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فعلى هذا لا يجوز عنده فيه التفاضل ولا النسيئة لوجود علة الربا وهي الكيل والوزن وبه قال الشافعي لأن العلة الطعم
1732 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك بن أنس ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنه انقطع طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي

(12/214)


كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر وسئل رسول الله عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( الزلزلة 7 8 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولو أنها مرت بنهر فشربت منه وتوضيحه أن ماء النهر لو كان مختصا لأحد لاحتيج إلى إذنه وحيث أطلقه الشارع يدل على أنه غير مختص بأحد ولا في ملك أحد وقال بعضهم والمقصود منه أي من هذا الحديث قوله فيه ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي فإنه يشعر بأن من شأن البهائم طلب الماء ولو لم يرد ذلك صاحبها فإذا أجر على ذلك من غير قصد فيؤجر بقصده من باب الأولى انتهى قلت غرض هذا القائل من هذا الكلام بيان المطابقة بين الترجمة والحديث المذكور ولكن بمعزل من ذلك وبعد عظيم لأن عقد الترجمة في بيان أن ماء الأنهار لا يختص بأحد يشرب منها الناس والدواب وليست بمعقودة في حصول الأجر بقصد صاحب الدابة وبغيره قصد إذا شربت منه
ورجاله قد تكرر ذكرهم وأبو صالح ذكوان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد وفي علامات النبوة عن القعنبي وفي التفسير وفي الاعتصام عن إسماعيل كلاهما عن مالك عنه به وفي التفسير أيضا عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن مالك بقصة الحمر وأخرجه مسلم في الزكاة عن سويد بن سعيد وعن يونس عن ابن وهب وأخرجه النسائي في الخيل عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك بقصة الخيل
ذكر معناه قوله أجر أي ثواب قوله ستر أي ساتر لفقره ولحاله قوله وزر أي إثم وثقل قوله ربطها في سبيل الله أي أعدها للجهاد وأصله من ربط الشيء ومنه المرابط وهو الرجل الذي يحبس نفسه في الثغور والرباط هو المكان الذي يرابط فيه المجاهد ويعد الأهبة لذلك وقيل من ربط صاحبه عن المعاصي وعقله كمن ربط وعقل قوله فأطال بها في مرج أي شدها في طوله الطول بكسر الطاء وفتح الواو وفي آخره لام وكذلك الطيل بالياء موضع الواو وهو حبل طويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى ولا يذهب لوجهه وقيل هو الحبل تشد به ويمسك صاحبه بطرفه ويرسلها ترعى وقال ابن وهب هو الرسن والمرج الأرض الواسعة قال أبو المعاني يجمع الكلأ الكثير والماء تمرج فيها الدواب حيث شاءت والجمع مروج قوله طيلها بكسر الطاء وقد مر الآن وأنكر يعقوب الياء وقال لا يقال إلا بالواو وعن الأخفش هما سواء وزعم الخضراوي أن بعضهم أجاز فيه طوال كما تقول العامة وأنكر ذلك الزبيدي وقال لا أعرفه صحيحا وفي ( الجامع ) ومنهم من يشدد فيقول طول ومنه قول الراجز
( تعرضت لي في مكان حلي
تعرض المهرة في الطول )
وقال الجوهري لم يسمع في الطول الذي هو الحبل إلا بكسر الأول وفتح الثاني وشدده الراجز ضرورة وقد يفعلون مثل ذلك للتكثير ويزيدون في الحرف من بعض حروفه وفي ( المطالع ) وعند الجرجاني في طولها في موضع من البخاري وكذا في مسلم قوله فاستنت أي أفلتت ومرحت والاستنان قال في ( التلويح ) الاستنان تفعل من السنن وتبعه على ذلك صاحب ( التوضيح ) قلت هذا غلط بل هو افتعال والسنن القصد وقيل معنى استنت لجت في عدوها إقبالا وإدبارا وقيل الاستنان يختص بالجري إلى فوق وقيل هو النشاط والمرح وفي ( البارع ) هو كالرقص وقيل استنت رعت وقيل الجري بغير فارس قوله شرفا بفتح الشين المعجمة والراء ما أشرف من الأرض وارتفع وقيل الشرف والشرفان

(12/215)


الشوط والشوطان سمي به لأن العادي به يشرف على ما يتوجه إليه قوله آثارها الآثار جمع أثر وأثر كل شيء بقيته والظاهر أن المراد به أثر خطواتها في الأرض بحافرها قوله بنهر بسكون الهاء وفتحها لغتان فصيحتان ذكرهما ثعلب وقال الهروي الفتح أفصح وقال ابن خالويه الأصل فيه التسكين وإنما جاز فتحه لأن فيه حرفا من حروف الحلق قال وحروف الحلق إذا وقعت آخر الكلام فتح وسطها وإذا وقعت وسطا فتحت نفسها وقيل لأنه حرف استعلاء ففتح لاستعلائه وفي ( الموعب ) نهر ونهور مثل جمع وجموع وقال أبو حاتم نهر وأنهار مثل جبل وأجبال قوله ولم يرد أن يسقيها من باب التنبيه لأنه إذا كان يحصل له هذه الحسنات من غير أن يقصد سقيها فإذا قصدها فأولى بأضعاف الحسنات قال القرطبي لا يريد أن يسقيها أي يمنعها من شرب يضرها إذا احتبست للشرب لفوته ما يأمله أو إدراك ما يخافه أو لأنه كره أن يشرب من ماء غيره بغير إذنه قوله تغنيا نصب على التعليل أي استغناء عن الناس بطلب نتاجها الغنى والعفة قوله وتعففا عطف عليه أي لأجل ذلك تعففه عن سؤالهم بما يعمله عليها ويكتسبه على ظهورها ويتردد عليها إلى متاجره أو مزارعه ونحو ذلك فتكون سترا له عن الفاقة قوله ثم لم ينس حق الله في رقابها فيؤدي زكاة تجارتها قوله ولا ظهورها أي لا يحمل عليها ما لا تطيقه وقيل أن يغيث بها الملهوف ومن تجب معونته وقيل لا ينسى حق الله في ظهورها فيركب عليها في سبيل الله واستدل به أبو حنيفة على وجوب الزكاة في الخيل السائمة وقد مر في كتاب الزكاة قوله فخرا نصب على التعليل أي لأجل التفاخر قوله ورياء عطف عليه أي لأجل الرياء ليقال إنه يربي خيل كذا وكذا قوله ونواء عطف على ما قبله أيضا أي ولأجل النواء بكسر النون وبالمد وهي المعاداة وهي أن ينوي إليك وتنوي إليه أي ينهض وقال الداودي بفتح النون والقصر وقال كذا روي والمعروف الأول وقال ابن قرقول القصر وفتح النون وهم وعند الإسماعيلي قال ابن أبي الحجاج عن أبي المصعب بواء بالباء الموحدة قوله عن الحمر بضم الحاء والميم جمع حمار قوله الفاذة بالذال المعجمة أي المنفردة القليلة النظير في معناها وقال الخطابي سئل عن صدقة الحمر وأشار إلى الآية بأنها جامعة لاشتمال اسم الخير على أنواع الطاعات وجعلها فاذة لخلوها عن بيان ما تحتها من تفصيل أنواعها وجمعت على انفرادها حكم الحسنات والسيئات المتناولة لكل خير ومعروف ومعناه أن من أحسن إليها أو أساء رآه في الآخرة وقيل إنما قيل إنها فاذة إذ ليس مثلها آية أخرى في قلة الألفاظ وكثرة المعاني لأنها جامعة بين أحكام كل الخيرات والشرور وكيفية دلالة الآية على الجواب هي أن سؤالهم أن الحمار له حكم الفرس أم لا فأجاب بأنه إن كان لخير فلا بد أن يجزى جزاءه ويحصل له الأجر وإلا فبالعكس وإنما لم يسأل عن البغال لقلتها عندهم أو لأنها بمنزلة الحمار
ذكر ما يستفاد منه فيه حجة من يحتج أن النبي لم يكن مجتهدا وإنما كان يحكم بالوحي ورد بأنه لم يظهر له أو لم يفسر الله تعالى من أحكامها وأحوالها ما قاله في الخيل وغيرها وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم وهو تنبيه للأمة على الاستنباط والقياس وكيف يفهم معنى التنزيل لأنه نبه بما لم يذكر الله في كتابه وهي الحمر لما ذكر من عمل مثقال ذرة خيرا يره إذ كان معناهما واحدا وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا تحصيل له وفيه الحث على اقتناء الخيل إذا ربطها في سبيل الله ألا ترى أن أرواثها كانت حسنات يوم القيامة وفيه أن الرياء مذموم وأنه وزر ولا ينفعه العمل المشوب به يوم القيامة
2732 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( زيد ) مولى ( المنبعث ) عن ( يزيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال فضالة الغنم قال هي لك أو لاخيك أو للذئب قال فضالة الإبل قال مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها

(12/216)


مطابقته للترجمة في قوله ترد الماء بيان ذلك أن النبي منع عن التقاط الإبل لأنه لا يخاف عليها من العطش والجوع فترد ماء من المياه وتشرب لا يمنعها أحد لأن الله خلقه للناس وللبهائم وليس له مالك غير الله تعالى وإسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله ابن أخت مالك بن أنس وربيعة بفتح الراء هو المشهور بربيعة الرأي ويزيد من الزيادة
ورجال الإسناد كلهم مدنيون وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما ربيعة ويزيد
والحديث مضى في كتاب العلم في باب الغضب في الموعظة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن أبي عامر عن سليمان بن بلال عن ربيعة عن يزيد عن زيد بن خالد وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى والعفاض بكسر العين المهملة وبالفاء هو الظرف الذي فيه النفقة والوكاء الخيط الذي يربط به والسقاء القربة والحذاء بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ما وطىء عليه البعير من خفه وأصله من حذاء النعال فقيل لخف الجمل حذاء من ذلك وكذا يقال لحافر الخيل
31 -
( باب بيع الحطب والكلإ )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الحطب والكلإ بفتح الكاف واللام وفي آخره همزة وهو العشب سواء كان رطبا أو يابسا وقد مر تفسيره غير مرة وجه إدخال هذا الباب في كتاب الشرب من حيث اشتراك الماء والحطب والكلأ في جواز الإنتفاع بها لأنها من المباحات فلا يختص بها أحد دون أحد فمن سبقت يده إلى شيء من ذلك فقد ملكه وقال ابن بطال إباحة الاحتطاب في المباحات والاختلاء من نبات الأرض متفق عليه حتى يقع ذلك في أرض مملوكة فترتفع الإباحة
3732 - حدثنا ( معلى بن أسد ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( الزبير بن العوام ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لأن يأخذ أحدكم أحبلا فياخذ حزمة من حطب فيبيع فيكف الله به وجهه خير من أن يسأل الناس أعطي أم منع ( انظر الحديث 1741 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فيأخذ حزمة من حطب فيبيع ووهيب مصغر وهب بن خالد البصري وهشام بن عروة بن الزبير ابن العوام والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الاستعفاف في المسألة فإنه أخرجه هناك عن موسى عن وهب عن هشام عن أبيه عن الزبير إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك قوله وجهه أي ماء وجهه أي عرضه قوله أعطي أم منع كلاهما على بناء المجهول
4732 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي عبيد ) مولى ( عبد الرحمان بن عوف ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه
هذا الحديث مضى أيضا في كتاب الزكاة في الباب المذكور فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وأبو عبيد مصغر العبد وقد مر
5732 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( ابن شهاب ) عن ( علي بن حسين بن علي ) عن أبيه ( حسين بن علي بن أبي طالب ) رضي الله تعالى ( عنهم ) أنه قال أصبت شارفا مع رسول الله في مغنم يوم بدر قال وأعطاني رسول الله شارفا أخرى فأنختهما يوما عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا لابيعه ومعي صائغ من بني قينقاع فأستعين به على وليمة فاطمة وحمزة

(12/217)


ابن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه يشرب في ذلك البيت ومعه قينة فقالت ألا يا حمز للشرف النواء فثار إليهما حمزة بالسيف فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما قلت لابن شهاب ومن السنام قال قد جب أسنمتهما فذهب بها قال ابن شهاب قال علي رضي الله تعالى عنه فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت نبي الله وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر فخرج ومعه زيد فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة بصره وقال هل أنتم إلا عبيد لآبائي فرجع رسول الله يقهقر حتى خرج عنهم وذلك قبل تحريم الخمر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا لأبيعه فإنه يدل على ما ترجم به من جواز الاحتطاب وقلع الإذخر وبيعه من نوع الاحتطاب وبيع الحطب
وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام هو ابن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أحمد بن صالح وفيه وفي البيوع وفي اللباس وفي الخمس عن عبدان وأخرجه مسلم وأبو داود ومضى بعض الحديث في كتاب البيوع في باب ما قيل في الصواغ ومر تفسير ما ذكر هناك ولنذكر ما بقي وإن كان لا يخلو عن تكرار لأن كل ما تكرر تقرر
قوله شارفا بالشين المعجمة وبالفاء وهي المسنة من النوق قوله يوم بدر كانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة قوله ومعي صائغ ويروى ومعي رجل صائغ كذا هو في الأصول من الصوغ وفي ( التوضيح ) وعند أبي ذر طالع باللام أي دال على الطريق وفي ( المطالع ) ومعي طالع كذا لأكثرهم فسروه بالدليل يعني الطليعة ووقع للمستملي وابن السكن صايغ وهو المعروف في غير هذا الموضع من هذا الكتاب ومسلم وغيره وقال الكرماني وصائغ بالمهملة وبالهمزة بعد الألف وبالمعجمة و طابع بالموحدة و طالع باللام أي من يدله عليه ويساعده وقد يقال أيضا إنه اسم الرجل قوله من بني قينقاع بفتح القاف وكسر النون وفتحها وضمها ذكر معناه قوله قينة بفتح القاف الأمة وههنا المراد بها المغينة قوله ألا يا حمز للشرف النواء وهذه إشارة إلى ما في قصيدة مطلعها
( ألا يا حمز للشرف النواء
وهن معقلات بالفناء )
( ضع السكين في اللبات منها
وضرجهن حمزة بالدماء )
( وعجل من أطايبها لشرب
قديرا من طبيخ أو شواء )
قوله الا كلمة تنبيه قوله يا حمز مرخم قوله للشرف بضمتين جمع شارف هي المسنة من النوق وقد مر الآن وقال الداودي الشرف القوم المجتمعون على الشراب قوله النواء بكسر النون صفة للشرف وهو جمع ناوية وهي السمينة وفي ( المطالع ) النواء السمان و الني بكسر النون وفتحها وتشديد الياء الشحم ويقال بالفتح الفعل وبالكسر الاسم ويقال نوت الناقة إذا سمنت فهي ناوية والجمع نواء ووقع عند الأصيلي في موضع وعند القابسي أيضا النوى بكسر النون وبالقصر وحكى الخطابي أن عوام الرواة يقولون النوى بفتح النون والقصر وفسره محمد بن جرير الطبري فقال النوى جمع نواة يريد الحاجة وقال الخطابي هذا وهم وتصحيف ثم فسر النوى بما تقدم وفسره الداودي بالحبا والكرامة وهذا أبعد قوله وهن أي الشرف المذكورة معقلات أي مشدودات بالعقال وهو الحبل الذي يعقل به البعير أي يشد ويربط حتى لا يذهب وإنما شدد معقلات للتكثير قوله بالفناء بكسر الفاء وهو المكان المتسع أمام الدار قوله في اللبات جمع لبة وهي المنحر قوله وضرجهن أمر من التضريج بالضاد المعجمة وبالجيم التدمية قوله حمزة أي يا حمزة فحذف منه حرف النداء قوله من أطايبها جمع أطيب العرب تقول أطايب الجزور السنام والكبد قوله لشرب بفتح الشين وسكون

(12/218)


الراء وهو الجماعة يشربون الخمر قوله قديرا نصب على أنه مفعول لقوله وعجل والقدير المطبوخ في القدر قوله فثار إليهما أي إلى الشارفين وثار من ثار يثور إذا قام بنهضة قوله فجب بالجيم والباء الموحدة المشددة أي قطع قوله أسنمتها الأسنمة جمع سنام ولكن المراد إثنان وهذا من قبيل قوله تعالى فقد صغت قلوبكما ( التحريم 4 ) والمراد قلبا كما قوله وبقر بالباء الموحدة والقاف أي شق خواصراهما والمراد خصراهما والخاصرة الشاكلة قوله ثم أخذ من أكبادهما الأكباد جمع كبد وإنما أخذ من أكبادهما وأخذ السنامين لأنا قد ذكرنا الآن أن العرب تقول أطايب الجزور السنام والكبد قوله قلت لإبن شهاب القائل هو ابن جريج الراوي وهو من قوله هذا إلى قوله قال علي ليس من الحديث وهو مدرج وقوله قال علي هو ابن أبي طالب لا علي بن الحسين المذكور فيه وذكره ابن شهاب تعليقا قوله أفظعني أي خوفني قال ابن فارس أفظع الأمر وفظع اشتد وهو مفظع وفظين ومادته فاء وظاء معجمة وعين مهملة قوله وعنده زيد بن حارثة أي عند النبي وزيد بن حارثة بن شراحيل القضاعي الكلبي حب رسول الله ومولاه أصابه سباء فاشتري لخديجة رضي الله تعالى عنها فوهبته لرسول الله وهو صبي فأعتقه وتبناه قال ابن عمر ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم ( الأحزاب 5 ) وآخى رسول الله بينه وبين حمزة قتل بمؤتة رضي الله تعالى عنه ودخول علي رضي الله تعالى عنه على رسول الله وزيد بن حارثة عنده فيه خصوصية به وكانوا يلجأون إليهم في نوائبهم قوله فتغيظ عليه أي أظهر الغيظ عليه قوله إلا عبيد لآبائي أراد به التفاخر عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب ومن فوقه وقال الداودي يعني أن عبد الله أبا النبي وأبا طالب عمه كانا كالعبدين لعبد المطلب في الخضوع لحرمته وجواز تصرفه في مالهما وعبد المطلب جد النبي والجد كالسيد قوله يقهقر في محل النصب على الحال ومعناه رجع إلى ورائه قوله وذلك قبل تحريم الخمر أي المذكور من هذه القضية كان قبل تحريم الخمر لأن حمزة رضي الله تعالى عنه استشهد يوم أحد وكان يوم أحد في السنة الثالثة من الهجرة يوم السبت منتصف شوال وتحريم الخمر بعده فلذلك عذره النبي فيما قال وفعل ولم يؤاخذه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن للغانم قد يعطى من الغنيمة بوجهين من الخمس ومن الأربعة أخماس قاله التيمي وفيه أن مالك الناقة له الانتفاع بها بالحمل عليها وفيه جواز الاحتشاش وفيه سنة الوليمة وفيه إناخة الناقة على باب غيره إذا لم يتضرر به وفيه تبسط المرء في مال قريبه إذا كان يعلم أنه يحلله منه وفيه قبول خبر الواحد لأن عليا رضي الله تعالى عنه عمل على قول من أخبر بفعل حمزة حين استعدى عليه وفيه جواز الاجتماع على شرب الشراب المباح وفيه جواز الغناء بالقول والمباح من القول وإنشاد الشعر وفيه إباحة السماع من الأمة وفيه جواز النحر بالسيف وفيه جواز التخيير فيما يأكله كاختيار الكبد وذلك ليس بإسراف وفيه أن من دل إنسانا على مال لقريبه ليس ظالما وفيه حل ذبيحة من ذبح ناقة غيره بغير إذنه وفيه جواز تسمية الإثنين باسم الجماعة وفيه جواز الاستعداء على الخصم للسلطان وفيه أن للإنسان أن يستخدم غيره في أموره لأنه دعا زيدا وذهب به معه وفيه سنة الاستئذان في الدخول واستئذان الواحد كاف عنه وعن الجماعة وفيه أن السكران يلام إذا كان يعقل اللوم وفيه أن الإمام يلقى الخصم في كمال الهيئة لأنه أخذ رداءه حين ذهب إلى حمزة وفيه جواز إطلاق الكلام على التشبيه كما قال حمزة هل أنتم إلا عبيد آبائي أي كعبيد آبائي وفيه إشارة إلى شرف عبد المطلب وفيه علة تحريم الخمر من أجل ما جنى حمزة على الشارع من هجر القول وفيه أن للإمام أن يمضي إلى أهل بيت إذا بلغه أنهم على منكر فيغيره وفيه أن تضمين الجنايات من ذوي الأرحام العادم فيها أن يهدر من أجل القرابة كما هدر علي رضي الله تعالى عنه قيمة الناقتين مع تأكيد الحاجة إليهما وإلى ما كان يستقبله من الإنفاق في وليمة عرسه وفيه أن السكران إذا طلق أو افترى لا شيء عليه وعورض أن الشارع وعليا تركا حقوقهما وأيضا فالخمر كانت حلالا إذ ذاك بخلاف الآن فيلزم بذلك

(12/219)


لأنه أدخله على نفسه هكذا ذكروا هذه الأشياء وفي هذا الزمان لا يمشي بعض ذلك بل يقف عليه من له اعتناء بالفقه والله أعلم
41 -
( باب القطائع )
أي هذا باب في بيان حكم القطائع وهو جمع قطيعة من أقطعه الإمام أرضا يتملكه ويستبد به وينفرد والإقطاع يكون تمليكا وغير تمليك وإقطاع الإمام تسويفه من مال الله تعالى لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل في إقطاع الأرض وهو أن يخرج منها شيئا يحوزه إما أن يملكه إياه فيعمره أو يجل له غلته مدة قلت في صورة التمليك يملك الذي أقطع له وهو الذي يسمى المقطع له رقبة الأرض فيصير ملكا له يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم وفي صورة جعل الغلة له لا يملك إلا منفعة الأرض دون رقبتها فعلى هذا يجوز للجندي الذي يقطع له أن يؤجر ما أقطع له لأنه يملك منافعها وأن لم يملك رقبته وله نظائر في الفقه منها أنه إذا وقعت المصالحة على خدمة عبد سنة كان للمصالح أن يؤجره ومعلوم أنه لا يملك رقبته وإنما يملك منفعته ومنها أن المستؤجر يملك إجارة ما استأجره وإن كان لا يملك منه إلا المنفعة ومنها أن الوقف بأن غلته لفلان صحيح وله أن يؤجره في الصحيح ذكره في ( المحيط ) ومنها أن أم الوليد يجوز لسيدها أن يؤجرها مع أنه لا يملك منها سوى منفعتها فإذا جازت له الإجارة تجوز لها المزارعة أيضا لأن القرى والأراضي في الممالك الإسلامية لا يمكن أن ينتفع بها إلا بالكراء والزراعة ومباشرة أعمال الفلاحة من السقي والحصاد والدياس والتذرية وغير ذلك من الأمور التي يتوقف عليها الاستغلال وذلك لا يحصل إلا بالمزارعة عليها أو بإيجارها لمن يقوم بهذه الأعمال فإن الجند لا يقدرون على القيام بذلك بأنفسهم إذ لو أمروا بذلك لصاروا أكرة وتعطل المعنى المطلوب منهم وهو القيام بما أعدوا له من مصالح المسلمين وهي قتال أعداء الإسلام وردع المفسدين وقمع الخارجين وصون الأموال والأنفس من السراق واللصوص وقطاع الطريق وحفظ مراصد الطرقات ومواطن المرابطات فمتى اشتغل الجند بذلك تفوت تلك المصالح كما قال أصحابنا في رزق القاضي إنه إذا كان فقيرا فالأفضل له بل الواجب عليه الأخذ لأنه متى اشتغل بالكسب أقعد عن إقامته فرض القضاء فإذا كان الأمر كذلك يجوز لهم الانتفاع بالذي يقطع لهم بالإجارة أو المزارعة فبأيهما تمكن الجندي فعل أما المزارعة فعلى قول الصاحبين فإنها في معنى الإجارة فليزارع الجند على قولهما بالشروط التي ذكرناها كما هي محررة في كتب الفقه والله أعلم
6732 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( يحيى بن سعيد ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه قال أراد النبي أن يقطع من البحرين فقالت الأنصار حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي تقطع لنا قال سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني
مطابقته للترجمة ظاهرة يعلم ذلك من قوله أن يقطع من البحرين وحماد هو ابن زيد وفي بعض النسخ ذكر منسوبا ويحيى ابن سعيد هو الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجزية عن أحمد بن يونس وفي فضل الأنصار عن عبد الله بن محمد
ذكر معناه قوله أن يقطع من البحرين يعني أراد أن يقطع من البحرين للأنصار وفي رواية البيهقي دعا الأنصار ليقطع لهم البحرين وفي حديث الإسماعيلي ليقطع لهم البحرين أو طائفة منها وكان الشك فيه من حماد قلت الظاهر أنه أراد أن يقطع لهم قطعة منها لأن كلمة من في قوله من البحرين تقتضي التبعيض ولا ينافي أن تكون للبيان أيضا ولكل من الصورتين وجه والدليل على ذلك ما سيأتي في الجزية من طريق زهير عن يحيى بلفظ دعى الأنصار ليكتب لهم بالبحرين لأن الظاهر أن معناه ليكتب لهم طائفة بالبحرين ويحتمل أن يكتب لهم البحرين كلها ويؤيد هذا ما رواه في مناقب الأنصار من رواية سفيان عن يحيى إلى أن يقطع لهم البحرين وقال الخطابي يحتمل أن يكون أراد العامر من البحرين لكن في حقه من الخمس لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها وقال ابن قرقول والذي في هذا الحديث ليس منها فإن البحرين كانت صلحا فلم

(12/220)


يكن لهم في أرضها شيء وإنما هم أهل جزية وإنما معناه عند علمائنا إقطاع مال من جزيتهم يأخذونه يقال منه أقطع بالألف وأصله من القطع كأنه قطعه له من جملة المال وقد جاء في حديث بلال بن الحارث أخرجه أحمد من رواية كثير بن عبد الله عن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ومن حديث عكرمة عن ابن عباس عن النبي أنه أقطعه معادن القبلية والقبلية بفتح الباء الموحدة نسبة إلى قبل بفتح القاف والباء وهي ناحية من سواحل البحر بينهما وبين المدينة خمسة أيام وقيل هي من ناحية الفرع وهو موضع بين نخلة والمدينة هذا هو المحفوظ وفي كتاب ( الأمكنة ) معادن القلبية بكسر القاف وبعدها لام مفتوحة ثم باء و البحرين على صيغة التثنية للبحر وهي من ناحية نجد على شطر بحر فارس وهي ديار القرامطة ولها قرى كثيرة وهي كثيرة التمور قوله حتى تقطع غاية لفعل مقدر أي لا تقطع لنا حتى تقطع لإخواننا المهاجرين قوله مثل الذي تقطع لنا وزاد في رواية البيهقي فلم يكن ذلك عنده يعني بسبب قلة الفتوح يومئذ وقال ابن بطال معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه كان أقطع المهاجرين أرض بني النضير قوله أثرة بفتح الهمزة والثاء المثلثة ويروى بضم الهمزة وإسكان الثاء وقال ابن قرقول وبالوجهين قيده الجياني والوجهان صحيحان قال ويقال أيضا أثرة بكسر الهمزة وسكون الثاء قال الأزهري وهو الاستيثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم غيركم وعن أبي علي القالي الأثرة الشدة وفي الكتاب ( الواعي ) عن ثعلب الأثرة بالضم خاصة الحدب والحال غير المرضية وعن غيره التفضيل في العطاء وجمع الأثرة أثر وروى الإسماعيلي ستلقون بعدي أثرة للأنصار ورواها البخاري عن أسيد بن حضير في مناقب الأنصار وعن عبد الله بن زيد بن عاصم في غزوة الطائف وعن أنس بن مالك بزيادة أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض وقالوا هذا يدل على أن الخلافة لا تكون فيهم ألا ترى أنه جعلهم تحت الصبر إلى يوم القيامة والصبر لا يكون إلا من مغلوب محكوم عليه
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز إقطاع الإمام من الأراضي التي تحت يده لمن شاء من الناس ممن يراه أهلا لذلك قال الخطابي وذهب أهل العلم إلى أن أهل العامر من الأرض للحاضر النفع والأصول من الشجر كالنخل وغيرها وأما المياه التي في العيون والمعادن الظاهرة كالملح والقير والنفط ونحوها لا يجوز إقطاعها وذلك أن الناس كلهم شركاء في الملح والماء وما في معناهما مما يستحقه الأخذ له بالسبق إليه فليس لأحد أن يحتجرها لنفسه أو يحتظر منافعها على أحذ من شركائه المسلمين وأما المعادن التي لا يتوصل إلى نيلها ونفعها إلا بكدوح واعتمال واستخراج لما في بطونها فإن ذلك لا يوجب الملك البات ومن اقتطع شيئا منها كان له ما دام يعمل فيه فإذا قطع العمل عاد إلى أصله فكان للإمام إقطاعه غيره وفيه من أعلام نبوته حيث ما أخبره بقوله سترون بعدي أثرة
51 -
( باب كتابة القطائع )
أي هذا باب في بيان كتابة القطائع لمن أقطع الإمام أرضا من الأراضي ليكون وثيقة بيده حتى لا ينازعه أحد

(12/221)


61 -
( باب حلب الإبل على الماء )
أي هذا باب في بيان حقية حلب الإبل على الماء الحلب بفتح اللام يقال حلبت الناقة والشاة أحلبها حلبا بفتح اللام وقال الجوهري الحلب بالتحريك اللبن المحلب والحلب أيضا مصدر قوله على الماء قال بعضهم أي عند الماء قلت لم يذكر أحد من أهل اللغة والعربية أن على تجىء بمعنى عند بل على ههنا بمعنى الاستعلاء بمعنى على ما يقرب منه كما في قوله تعالى أو أجد على النار هدى ( طه 01 ) معناه على ما يقرب من النار وهنا معناه حلب الإبل على ما يقرب من الماء يعني على مكان قريب من الماء الذي تورد إليه للسقي
8732 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( محمد بن فليح ) قال حدثني أبي عن ( هلال بن علي ) عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من حق الإبل أن تحلب على الماء
ورجاله ستة إبراهيم بن المنذر بن عبد الله أبو إسحاق الحزامي المديني وهو من أفراده ومحمد بن فليح بضم الفاء وبالحاء المهملة مر في أول العلم وأبوه فليح بن سليمان أبو يحيى الخزاعي وكان اسمه عبد الملك فغلب عليه لقبه فليح وهلال بن علي هو هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي هلال الفهري المديني و ( عبد الرحمن بن أبي عمرة ) بفتح العين المهملة الأنصاري الثقة المشهور
قوله من حق الإبل أراد به الحق المعهود المتعارف بين العرب من التصدق باللبن على المياه إذ كانت طوائف الضعفاء والمساكين ترصد يوم ورود الإبل على المياه لتنال من رسلها وتشرب من لبنها وهذا حق حلبها على الماء لا أنه فرض لازم عليهم وقد تأول بعض السلف في قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده ( الأنعام 141 ) هو أنه يعطي المساكين عند الجذاذ والحصاد ما تيسر من غير الزكاة وهذا مهذب ابن عمر وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وجمهور الفقهاء على أن المراد بالآية الزكاة المفروضة وهذا تأويل ابن عباس وغيره وهذا كما نهى عن جذاذ النخل بالليل لأجل حضور المساكين بالنهار وأجازه مالك ليلا قوله أن تحلب على صيغة المجهول و تحلب بالحاء المهملة في جميع الروايات وعن الداودي أنه روى بالجيم وقال أراد أنها تجلب أي تساق إلى موضع سقيها ورد عليه بأنه لو كان كذلك لقال أن تجلب إلى الماء لا على الماء والمقصود من حلبها على الماء حصول النفع لمن يحضر من المساكين هناك ولأن ذلك ينفع الإبل أيضا قوله على الماء قد ذكرنا وجهه وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) من طريق المعافى بن سليمان عن فليح يوم وردها والله أعلم بحقيقة الحال
71 -
( باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل )
أي هذا باب في بيان أمر الرجل الذي يكون له ممر أي حق المرور أو يكون له حق شرب بكسر الشين وهو النصيب من الماء قوله في حائط يتعلق بقوله ممر والحائط هو البستان قوله أو في نخل يتعلق بقوله شرب وذلك بطريق اللف والنشر وحكم هذا يعلم من أحاديث الباب فإنه أورد فيه خمسة أحاديث كلها قد مضى قيل وجه دخول هذه الترجمة في الفقه التنبيه على إمكان اجتماع الحقوق في العين الواحدة بأن يكون لشخص ملك وللآخر الانتفاع فيه مثلا لرجل ثمرة في حائط رجل فله حق الدخول فيه لأخذ ثمرته أو لرجل أرض ولآخر فيها حق الشرب فله أخذ الشرب منها بالدخول فيها ويأتي بيان ذلك كله في أحاديث الباب
قال النبي من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع
هذا الحديث مضى موصولا في كتاب البيوع في باب من باع نخلا قد أبرت من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومطابقته للترجمة في قوله فثمرتها للبائع لأن الثمرة التي بيعت بعد التأبير لما كانت للبائع لم يكن

(12/222)


له وصول إليها إلا بالدخول في الحائط فإذا كان كذلك يكون له حق الممر ومعنى التأبير الإصلاح والإلقاح وقد مضى هناك مستوفى
فللبائع الممر والسقي حتى يرفع وكذلك رب العرية
قوله فللبائع إلى آخره من كلام البخاري استنبطه من أحاديث الباب وفيه أيضا لما في الترجمة من الإبهام ولا يظن أحد أن قوله فللبائع إلى آخره من الحديث ومن ظن هذا فقد أخطأ والفاء في قوله فللبائع تفسيرية ويروى وللبايع بالواو قوله الممر أي حق لأخذ الثمرة والسقي أي وسقى النخيل لأنه ملكه قوله حتى ترفع كلمة حتى للغاية أي إلى أن ترفع الثمرة أي تقطع وذلك لأن الشارع لما جعل الثمرة بعد التأبير للبائع كان له أن يدخل في الحائط لسقيها وتعهدها حتى تقطع الثمرة وليس لمشتري أصول النخيل أن يمنعه من الدخول والتطرق إليها قوله ترفع على صيغة المجهول ويجوز أن يكون على صيغة المعلوم على معنى حتى يرفع البائع ثمرته قوله وكذلك رب العرية أي كالحكم المذكور حكم صاحب العرية وهي النخلة التي يعير صاحبها ثمرتها لرجل محتاج عامها ذلك وقد مر تفسيرها مستوفى في كتاب البيوع وصاحب العرية لا يمنع أن يدخل في حائط المعرى لتعهد عريته بالإصلاح والسقي ولا خلاف في هذا بين الفقهاء وأما من له طريق مملوكة في أرض غيره فقال مالك ليس له أن يدخل في طريقه بماشيته وغنمه لأنه يفسد زرع صاحبه وقال الكوفيون والشافعي ليس لصاحب الأرض أن يزرع في موضع الطريق وقال الكرماني رب العرية صاحب النخلة الذي باع ثمرتها له الممر والسقي ويحتمل أن يراد به صاحب ثمرتها قلت إذا باع لا يسمى عرية وإنما العرية هي التي ذكرناها الآن وعكس الكرماني في هذا فإنه جعل المعنى المقصود محتملا والذي هو محتمل جعله أصلا يفهم بالتأمل
9732 - أخبرنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإبهام الذي فيها بيان ذلك أن الذي اشترى نخلا بعد التأبير تكون ثمرتها للبائع ثم ليس للمشتري أن يمنع البائع من الدخول في النخل لأن له حقا لا يصل إليه إلا بالدخول وهو سقي النخل وإصلاحها قوله إلا أن يشترط المبتاع أي المشتري بأن تكون الثمرة له فحينئذ لا يبقى للبائع حق أصلا والكلام مع الحديث قد مضى في كتاب البيوع مفصلا في باب من باع نخلا قد أبرت
وعن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر في العبد
قال الكرماني ولفظ عن مالك إما تعليق من البخاري وإما عطف على حدثنا الليث أي روى عمر الحديث في شأن العبد أو قال عمر في العبد إن ماله لبائعه أو أراد لفظ في العبد بعد إلا أن يشترط المبتاع وقال بعضهم وعن مالك هو معطوف على قوله حدثنا الليث فهو موصول والتقدير وحدثنا عبد الله بن يوسف عن مالك وزعم بعض الشراح أنه معلق وليس كذلك وقد وصله أبو داود من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في النخل مرفوعا وعن نافع عن ابن عمر في العبد قلت إن أراد هذا القائل بقوله وزعم بعض الشراح أنه معلق أنه الكرماني والكرماني لم يزعم أنه معلق بل تردد فيه على ما ذكرنا ولئن سلمنا أنه زعم فزعمه بحسب الظاهر صحيح لأن التقدير الذي قدره هذا القائل خلاف الظاهر ويؤكد زعمه بعد التسليم قول هذا القائل وقد وصله أبو داود إلى آخره والكرماني لم ينف أصل الوصل في نفس الحديث بل زعم بحسب الظاهر أن البخاري لم يوصله ووصل أبي داود هذا لا يستلزم وصل البخاري ولئن سلمنا أنه موصول من جهة البخاري فماذا يدل عليه ههنا فهذا المقام مقام نظر وتأمل وليس مقام المجازفة وقال صاحب ( التوضيح ) قال الداودي في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في الثمرة إن ما رواه عن عمرو هو وهم من نافع والصحيح ما رواه ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن

(12/223)


رسول الله في العبد والثمرة واعترض ابن التين فقال لا أدري من أين أدخل الداودي الوهم على نافع وما المانع منه أن يكون عمر قال ما تقدم من قوله
0832 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) عن ( زيد بن ثابت ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قال رخص النبي أن تباع العرايا بخرصها تمرا
مطابقته للترجمة من حيث إن المعرى ليس له أن يمنع المعري من دخوله في الحائط لتعهد العرية والحديث قد مضى في باب تفسير العرايا في كتاب البيوع فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت وأخرجه هنا عن محمد بن يوسف أبي أحمد البخاري البيكندي عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلى آخره
1832 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( ابن جريج ) عن ( عطاء ) سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما نهاى النبي عن المخابرة والمحاقلة وعن المزابنة وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها وأن لا تباع إلأ بالدينار والدرهم إلا العرايا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إلا العرايا وقد ذكرنا الآن أن المعرى ليس له أن يمنع المعري عن الدخول في الحائط لتعهد العرية والحديث قد مضى في باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة ولكن ليس فيه ذكر المخابرة والمحاقلة والمزابنة وأخرجه هناك عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر وهنا أخرجه عن عبد الله بن محمد بن عبد الله البخاري المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج المكي عن عطاء بن أبي رباح المكي وتفسير المخابرة قد مضى في كتاب المزارعة وتفسير المحاقلة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه وتفسير المزابنة في حديث ابن عمر وابن عباس في باب بيع المزابنة وتفسير بقية الحديث في باب بيع التمر على رؤوس النخل
2832 - حدثنا ( يحيى بن قزعة ) أخبرنا ( مالك ) عن ( داود بن حصين ) عن ( أبي سفيان ) مولاى ( أبي أحمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال رخص النبي في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك داود في ذالك ( انظر الحديث 0912 )
مطابقته للترجمة في قوله في بيع العرايا وقد ذكرنا وجه ذلك في الحديث السابق والحديث قد مضى في باب بيع التمر على رؤوس النخل فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن عبد الوهاب عن مالك إلى آخره وداود بن حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وهنا أخرجه عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي وقد مر الكلام فيما يتعلق به في الباب المذكور
4832 - حدثنا ( زكرياء بن يحيى ) الله أخبرنا ( أبو أسامة ) قال أخبرني ( الوليد بن كثير ) قال أخبرني ( بشير بن يسار ) مولى ( بني حارثة ) أن ( رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة ) حدثاه أن رسول الله نهاى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه أذن لهم ( انظر الحديث 1912 )
مطابقته للترجمة في قوله إلا أصحاب العرايا وقد ذكرنا وجهه فيما سبق والحديث سبق أيضا في باب بيع الثمر على رؤوس النخل فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان قال قال يحيى بن سعيد سمعت بشيرا قال سمعت سهل ابن أبي حثمة إلى آخره وهنا أخرجه عن زكرياء بن يحيى الطائي الكوفي عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن الوليد بن كثير

(12/224)


ضد القليل عن بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن يسار بفتح الياء آخر الحروف وبالسين المهملة إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قال أبو عبد الله وقال ابن إسحااق حدثني بشير مثله
هكذا وقع في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت قال وقال ابن إسحاق وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب ( المغازي ) وبشير هو المذكور آنفا وعلى رواية الأصيلي وهو معلق
34 -
( كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس )
أي هذا كتاب في بيان حكم الاستقراض وهو طلب القرض قوله والحجر وهو لغة المنع وشرعا منع عن التصرف وأسبابه كثيرة محلها الفروع قوله والتفليس من فلسه الحاكم تفليسا يعني يحكم بأنه يصير إلى أن يقال ليس معه فلس ويقال المفلس من تزيد ديونه على موجوده سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير وقيل سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلا في الشيء التافه لأنهم لا يتعاملون به في الأشياء الخطيرة وهذه الترجمة هكذا في رواية أبي ذر ولكن بلا بسملة في أولها وعند غيره البسملة في أولها وفي رواية النسفي باب بدل كتاب ولكن عطف الترجمة التي تليه عليه بغير باب
1 -
( باب من اشتراي بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته )
أي هذا باب في بيان حكم من اشترى بالدين والحال أنه ليس عنده ثمن الذي اشتراه قوله أو ليس أي الثمن بحضرته وقت الشراء وهذا أخص من الأول لأن الأول يحتمل أن لا يكون الثمن عنده أصلا لا بحضرته ولا في منزله والثاني لا يستلزم نفي الثمن إلا بحضرته فقط وجواب من محذوف تقديره فهو جائز وقد أجمعوا على أن الشراء بالدين جائز لقوله تعالى إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ( البقرة 282 ) فإن قلت روى أبو داود والحاكم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا لا أشتري ما ليس عندي ثمنه فإن قلت هذا الحديث ضعفوه واختلف في وصله وإرساله ويحتمل أن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى ضعف هذا الحديث المذكور
5832 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( جرير ) عن ( المغيرة ) عن ( الشعبي ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال غزوت مع النبي قال كيف تراى بعيرك أتبيعنيه قلت نعم فبعته إياه فلما قدم المدينة غدوت إليه بالبعير فأعطاني ثمنه
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه اشترى جمل جابر ولم يكن الثمن حاضرا ولم يعطه إلا بالمدينة ومحمد هو ابن سلام وقال الغساني وما وقع في بعض النسخ محمد بن يوسف فليس بشيء قلت قد وقع في رواية أبي ذر محمد بن يوسف البيكندي وجرير هو ابن عبد الحميد والمغيرة هو ابن مقسم بكسر الميم والشعبي هو عامر والكل قد ذكروا غير مرة وهذا الحديث أخرجه هنا مختصرا وقد أخرجه في البيوع في باب شراء الدواب مطولا ومضى الكلام فيه مستوفى قوله أتبيعنيه بنون الوقاية ويروى أتبيعه
6832 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الأعمش ) قال ( تذاكرنا عند إبراهيم الرهن في السلم ) فقال حدثني ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي اشترى

(12/225)


طعاما من يهودي إلاى أجل ورهنه درعا من حديد
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه الشراء بالدين وعبد الواحد هو ابن زياد البصري والأعمش هو سليمان وإبراهيم هو النخعي والحديث مضى في كتاب البيوع في باب شراء الطعام إلى أجل واليهودي اسمه أبو الشحم والمراد من السلم السلف لا السلم المصطلح وقد مر الكلام فيه هناك والله أعلم بحقيقة الحال
2 -
( باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها )
أي هذا باب في بيان حال من أخذ شيئا من أموال الناس بطريق القرض أو بوجه من وجوه المعاملات حال كونه يريد أداء هذه الأموال أو حال كونه يريد إتلافها يعني قصده مجرد الأخذ ولا ينظر إلى الأداء وجواب من محذوف حذفه اكتفاء بما في نفس الحديث لكن تقديره من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه يعني يسر له ما يؤديه من فضله لحسن نيته ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها على صاحبها أتلفه الله يعني يذهبه من يده فلا ينتفع به لسوء نيته ويبقى عليه الدين ويعاقب به يوم القيامة وروى الحاكم مصححا من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تدان فقيل لها ما لك والدين وليس عندك قضاء قالت إني سمعت رسول الله يقول ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عز و جل عون فأنا ألتمس ذلك العون وعن أبي أمامة يرفعه من تداين وفي نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ومن تداين بدين وليس في نفسه وفاؤه ثم مات اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة وعن محمد بن جحش صحيح الإسناد أن النبي قال سبحان الله ما أنزل الله من التشديد فسئل عن ذلك التشديد قال الدين والذي نفس محمد بيده لو قتل رجل في سبيل الله ثم عاش وعليه دين ما دخل الجنة وعن ثوبان على شرطهما مرفوعا من مات وهو بريء من ثلاث الكبر والغلول والدين دخل الجنة
7832 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) عن ( ثور بن زيد ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها سبكت منه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بضم الهمزة ونسبته إليه الثاني سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي الثالث ثور بفتح الثاء المثلثة ابن زيد أخي عمرو الديلي بكسر الدال وهو غير ثور بن يزيد بلفظ الفعل فإنه شامي كلاعي الرابع أبو الغيث بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة مولى أبي عبد الله بن المطيع الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع ورواته كلهم مدنيون وفيه أن شيخه من أفراده
والحديث أخرجه ابن ماجه في الأحكام عن يعقوب بن حميد عن عبد العزيز بن محمد عن ثور ببعضه من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله
ذكر معناه قوله أداءها قال الكرماني أي ردها إلى المقرض قلت تخصيص المقرض ليس بشيء بل معناه أدى أموال الناس التي أخذها سواء كانت تلك الأموال من جهة القرض أو من جهة معاملة من وجوه المعاملات قوله أدى الله عنه وفي رواية الكشميهني أداها الله عنه وروى ابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا قوله أتلفه الله أي في معاشه أو في نفسه وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة وقد ذكرنا معناه آنفا بغير هذا الوجه
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الثواب قد يكون من جنس الحسنة وأن العقوبة قد تكون من جنس الذنب لأنه

(12/226)


قد جعل مكان أداء الإنسان أداء الله عنه ومكان إتلافه إتلاف الله له وفيه الحض على ترك إستئكال أموال الناس والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة لأن الأعمال بالنيات وفيه الترغيب في تحسين النية لأن الأعمال بالنيات وفيه أن من اشترى شيئا بدين وتصرف فيه وأظهر أنه قادر على الوفاء ثم تبين الأمر بخلافه أن البيع لا يرد بل ينتظر به حلول الأجل لاقتصاره على الدعاء ولم يلزمه برد البيع قيل وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء وروى ابن ماجه والحاكم من رواية محمد بن علي عن عبد الله بن جعفر أنه كان يستدين فسئل فقال سمعت رسول الله يقول إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه وإسناده حسن وقال الداودي وفيه أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق وإن فعل رد قلت الحديث لا يدل عليه بوجه من وجوه الدلالات
3 -
( باب أداء الديون )
أي هذا باب في بيان وجوب أداء الديون قوله الديون بلفظ الجمع هو في رواية أبي ذر وفي رواية غيره باب أداء الدين بالإفراد
وقال الله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلاى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ( النساء 85 )
ساق الأصيلي وغيره الآية كلها وأبو ذر اقتصر على قوله إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء 85 ) واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة وأكثرهم على أنها نزلت في شأن عثمان بن طلحة الحجبي العبدري سادن الكعبة حين أخذ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه مفتاح الكعبة يوم الفتح ذكره إبن سعد وغيره وقال محمد بن كعب وزيد ابن أسلم وشهر بن حوشب إنها نزلت في الإمراء يعني الحكام بين الناس وفي الحديث إن الله تعالى مع الحاكم ما لم يجر فإذا جاء وكله الله إلى نفسه وقيل نزلت في السلطان يعظ النساء وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء 85 ) قال يدخل فيه وعظ السلطان النساء يوم العيد وقال شريح رحمه الله لأحد الخصمين أعط حقه فإن الله تعالى قال إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء 85 ) قال شريح وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ( البقرة 082 ) إنما هذا في الربا خاصة وربط المديان إلى سارية ومذهب الفقهاء إن الآية عامة في الربا وغيره وقال ابن عباس الآية عامة قالوا هذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز و جل على عباده من الصلوات والزكوات والكفارات والنذور والصيام وغير ذلك فهو مؤتمن عليه ولا يطلع عليه العباد ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغيرها مما يأتمنون فيه بعضهم على بعض فأمر الله تعالى بأدائها فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله قال لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتض للشاة الجماء من القرناء ثم إن البخاري أدخل الدين في الأمانة لثبوت الأمر بأدائه لأن الأمانة فسرت في الآية بالأوامر والنواهي فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق قوله أن تحكموا بالعدل ( النساء 85 ) أي بأن تحكموا بالعدل قوله إن الله نعما يعظكم به ( النساء 85 ) قال الزمخشري نعما يعظكم به إما أن تكون منصوبة موصوفة بيعظكم به وإما أن تكون مرفوعة موصولة كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به أو نعم الشيء الذي يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم ما يعظكم به ذاك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم وقرىء نعما بفتح النون قوله إن الله كان سميعا بصيرا ( النساء 85 ) هما من أوصاف الذات والسمع إدراك المسموعات حال وحدوثها وقيل إنهما في حقه تعالى صفتان تكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما ولا يحتاج فيهما إلى آلة لأن صفاته مخالفة لصفات المخلوقين بالذات فافهم

(12/227)


8832 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو شهاب ) عن ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب ) عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي فلما أبصر يعني أحدا قال ما أحب أنه تحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث إلا دينارا أرصده لدين ثم قل إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هاكذا وهاكذا وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم وقال مكانك وتقدم غير بعيد فسمعت صوتا فأردت أن آتيه ثم ذكرت قوله مكانك حتى آتيك فلما جاء قلت يا رسول الله الذي سمعت أو قال الصوت الذي سمعت قال وهل سمعت قلت نعم قال أتاني جبريل عليه السلام فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن فعل كذا وكذا قال نعم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ما يدل على الاهتمام بأداء الدين وهو قوله إلا دينارا أرصده لدين وفيه ما يدل على شدة أمر الدين والمديون إذا نوى أداءه يرزقه الله تعالى ما يؤديه منه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن يوسن هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله أبو عبد الله التميمي اليربوعي الثاني أبو شهاب واسمه عبد ربه الحناط بالحاء المهملة والنون المشهور بالأصغر الثالث سليمان الأعمش الرابع زيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الجهني الخامس أبو ذر واسمه جندب بن جنادة في الأشهر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه مذكور باسم جده وأنه والأعمش وزيد بن وهب كوفيون وأن أبا شهاب مدائني وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه راو مذكور بكنيته وآخر بلقبه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن عمر بن حفص وفي الرفاق عن حسن بن الربيع وفيه عن قتيبة وفي بدء الخلق عن محمد بن بشار وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وعن يحيى بن يحيى ومحمد بن عبد الله وأبي بكر وأبي كريب وأخرجه الترمذي في الإيمان عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عبدة بن عبد الرحيم وعن بشر بن خالد وعن يعقوب بن إبراهيم وعن الحسين بن منصور وعن عمران بن بطال وعن أبي قدامة عن معاذ بن هشام
ذكر معناه قوله إنه أي أن أحدا قوله تحول بفتح التاء المثناء من فوق على وزن تفعل في رواية أبي ذر هكذا وفي رواية غيره بضم التاء آخر الحروف على صيغة المجهول من باب التفعيل ومعنى تحول صار فيستدعي إسما مرفوعا وخبرا منصوبا فالإسم هو الضمير في تحول الذي يرجع إلى أحدا والخبر هو قوله ذهبا قوله يمكث فعل وفاعله هو قوله دينار أي دينار واحد وهو جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله ذهبا قوله منه أي من الذهب قوله فوق ثلاث أي فوق ثلاث ليال وهي ظرف والعامل فيه يمكث قوله إلا دينارا مستثنى مما قبله قوله أرصده جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله دينارا وأرصده بضم الهمزة من الإرصاد يقال أرصدته أي هيأته وأعددته وحكى ابن التين أنه روى أرصده بفتح الهمزة من قولك رصدته أي رقبته وقال ابن قرقول قوله إلا دينارا أرصده أي أعده بضم الهمزة وفتحها ثلاثي ورباعي يقال أرصدته ورصدته أرصده بالخير والشر أعددته له وقيل رصدته ترقبته وأرصدته أعددته قال الله تعالى وأرصادا لمن حارب الله ( التوبة 701 ) وقال تعالى شهابا رصدا ( الجن 9 ) ومنه من يرصد لي عير قريش والرصد الطلب قوله إن الأكثرين هم الأقلون أي أن الأكثرين مالا هو الأقلون ثوابا قوله إلا من قال بالمال هكذا وهكذا معناه إلا من صرف المال على الناس يمينا وشمالا وأماما وقال هنا ليس من القول بمعنى الكلام بل معناه صرف أو فرق أو أعطى ونحو

(12/228)


ذلك لأن العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول قال بيده أي أخذه وقال برجله أي مشى وقال الشاعر
( وقالت له العينان سمعا وطاعة )
أي أومأت وقال بالماء على يده أي قلب وقال بثوبه أي رفعه وكل ذلك على المجاز والاتساع كما روى في حديث السهو قال ما يقول ذو اليدين قالوا صدق روي أنهم أومأوا برؤوسهم أي نعم ولم يتكلموا ويقال قال بمعنى أقبل وبمعنى مال واستراح وضرب وغلب وغير ذلك قوله وأشار أبو شهاب هو عبد ربه الراوي المذكور في سند الحديث قوله وقليل ماهم جملة إسمية لأن قوله هم مبتدأ وقوله قليل مقدما خبره وكلمة ما زائدة أو صفة قوله مكانك بالنصب أي إلزم مكانك قوله الذي سمعت خبر مبتدأ محذوف تقديره ما هو الذي سمعت قوله أو قال شك من الراوي أي ما هو الصوت الذي سمعت قوله هل سمعت استفهام على سبيل الاستخبار قوله وإن فعل كذا وكذا أي وإن زنى وسرق ونحوهما والرواية التي في الرقاق تفسر هذا وهي قوله وإن زنى وسرق ووقع في رواية المستملي ومن فعل كذا وكذا عوض وإن الشرطية
ومما يستفاد من الحديث الاهتمام بأمر الدين وتهيئته لأدائه وصرف المال إلى وجوه القربان عند القدرة عليه والخوف من استغراق الدين لأن المديون إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف والاحتراز من المطل عند القدرة لأنه في معنى الخيانة في الأمانة وقد جاء في خيانة الأمانة من الوعيد ما رواه إسماعيل بن إسحاق من حديث ذاذان عن عبد الله بن مسعود قال إن القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الدين والأمانة قال وأعظم ذلك الأمانة تكون عند الرجل فيخونها فيقال له يوم القيامة أد أمانتك فيقول من أين وقد ذهبت الدنيا فيقال نحن نريكها فيمثل له في قعر جهنم فيقال له إنزل فأخرجها فينزل فيحملها على عنقه حتى إذا كاد زلت فهوت وهوى في إثرها أبدا وفيه ما يدل على فضل أمة محمد
9832 - حدثنا ( أحمد بن شبيب بن سعيد ) حدثنا أبي عن ( يونس ) قال ( ابن شهاب ) حدثني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) قال قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال رسول الله لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين
وجه مطابقته للترجمة مثل الوجه المذكور في الحديث السابق وأحمد بن شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى الحبطي البصري وهو من أفراده وأبوه سعيد بن الحبطي بفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم وهو الحارث بن عمرو ويونس هو ابن يزيد الأيلي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق قوله ذهبا نصب على التمييز ونظيره قوله تعالى ولو جئنا بمثله مددا ( الكهف 901 ) وقال ابن مالك وقوع التمييز بعد مثل قليل قوله ما يسرني جواب لو وقال ابن مالك الأصل في وقوع جواب لو أن يكون ماضيا مثبتا وهنا وقع مضارعا منفيا بما فكأنه أوقع المضارع موضع الماشي أو كأن الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب لو وفيه ضمير وهو اسمه وقوله ويسرني خبره قوله أن لا يمر في محل الرفع لأنه فاعل ما يسرني قوله علي بتشديد الياء لأن كلمة علي دخلت على ياء المتكلم قوله ثلاث أي ثلاث ليال وارتفاعه على أنه فاعل يمر قوله وعندي الواو فيه للحال قوله منه أي من الذهب قوله شيء مرفوع على أنه مبتدأ مقدما خبره هو قوله منه قوله إلا شيء ارتفاع شيء على أنه بدل من شيء الأول قوله أرصده في محل الرفع لأنها صفة لشيء ووقع للأصيلي وكريمة ما يسرني أن لا يمكث وعندي منه شيء وكلمة لا زائدة قاله بعضهم قلت إذا كانت كلمة ما في ما يسرني نافية فنعم وأما إذا كانت موصولة فلا
رواه صالح وعقيل عن الزهري
أي روى صالح بن كيسان وعقيل بضم العين ابن خالد كلاهما عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة في معنى حديث أبي ذر

(12/229)


4 -
( باب استقراض الإبل )
أي هذا باب في بيان جواز استقراض الإبل وهذه الترجمة على ما ذهب إليه من جواز استقراض الحيوان وهو مذهب الأوزاعي والليث بن سعد أيضا وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال الثوري والحسن ابن صالح وأبو حنيفة وأصحابه لا يجوز استقراض الحيوان واحتج المجوزون بحديث الباب وقد مر الكلام فيه في الوكالة
0932 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) أخبرنا ( سلمة بن كهيل ) قال سمعت ( أبا سلمة ببيتنا ) يحدث عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رجلا تقاضى رسول الله فأغلظ له فهم أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه وقالوا لا نجد إلا أفضل من سنه قال اشتروه فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه دفع الحيوان عوض الحيوان فإن قلت ظاهر الحديث لا يدل على أن النبي افترض من الرجل سنا ولم يبين في هذا بصورة القرض صريحا حتى يقال إنه يدل على جواز استقراض الحيوان ولهذا جاء في رواية مسلم في هذا الحديث قال أبو هريرة كان لرجل على رسول الله حق فأغلظ له الحديث والحق أعم من القرض وكذلك في رواية الطحاوي في هذا الحديث كان لرجل على النبي دين فتقاضاه الحديث والدين يشمل القرض وغيره قلت صرح في رواية الترمذي فيه فقال أبو هريرة استقرض رسول الله سنا فأعطاه سنا خيرا من سنه وجاء في رواية لمسلم من حديث أبي رافع أن رسول الله استسلف من رجل بكرا الحديث وفي رواية النسائي عن أبي هريرة قال كان لرجل على النبي سن من الإبل الحديث والأحاديث يفسر بعضها بعضا فدل أن رسول الله اقترض بعيرا ثم أعطى عوضه بعيرا أحسن منه فدل على جواز الاستقراض في الحيوان وقد أجاب المانعون من استقراض الحيوان بما ذكرناه فيما مضى في وكالة الشاهد والغائب جائزة ذكره في الوكالة فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن سفيان عن سلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رجل الحديث وهنا أخرجه عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة بن الحجاج إلى آخره ومضى الكلام فيه مستوفى هناك
قوله بينا يحدث قد ذكرنا غير مرة أن بينا وبينما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة يضافان إلى جملة ورأيت في نسخة صحيحة مقروءة سمعت أبا سلمة بمنى يحدث وعلى هامشها سمعت أبا سلمة ببيتنا يحدث ولم ألتزم صحة هذين والله أعلم قوله تقاضى أي طلب قضاء الدين من رسول الله قوله فأغلظ له يحتمل إغلاظه في طلب حقه وتشدده فيه لا في كلام مؤذ يسمعه إياه فإن ذلك كفر ممن فعله مع النبي وقد يكون القائل بهذا غير مسلم من اليهود كما جاء مفسرا منهم في غير هذا الحديث لكن جاء في رواية عبد الرزاق أنه كان أعرابيا فكأنه جرى على عادته من جفائه وغلظه في الطلب قوله فهم به أصحابه أي عزموا أن يوقعوا به فعلا قوله دعوه أي اتركوه وهو أمر من يدع قوله اشتروا له بعيرا وفي رواية عبد الرزاق التمسوا له مثل سن بعيره قوله من سنه السن هي المعروفة ثم سمى بها صاحبها فإن قلت في حديث مسلم عن أبي رافع أن رسول الله استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء انتهى فكيف الجمع بين الروايتين قلت أمر بالشراء أولا ثم قدمت إبل الصدقة فأعطاه منها أو أمره بالشراء من إبل الصدقة ممن استحق منها شيئا ويؤيده رواية ابن خزيمة استسلف من رجل بكرا فقال إذا جاءت إبل الصدقة قضيناك قوله فإن خيركم أي أخيركم فالخير والشر يستعملان للتفضيل على لفظهما بمعنى الأخير والأشر والله أعلم

(12/230)


5 -
( باب حسن التقاضي )
أي هذا باب في بيان استحباب حسن التقاضي أي حسن المطالبة
1932 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الملك ) عن ( ربعي ) عن ( حذيفة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول مات رجل فقيل له قال كنت أبايع الناس فأتجوز عن الموسر وأخفف عن المعسر فغفر له
مطابقته للترجمة في قوله كنت أبايع الناس إلى آخره فإنه يتضمن حسن التقاضي ومسلم هو ابن إبراهيم الأزدي البصري القصاب وعبد الملك هو ابن عمير القرشي الكوفي وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن جراش مر في باب إثم من كذب على النبي والحديث قد مضى في كتاب البيوع في باب من أنظر معسرا فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن منصور أن ربعي بن حراش حدثه إلى آخره قوله فقيل له قال فيه حذف تقديره فقيل له ما كنت تصنع قال كنت ووقع هنا في رواية المستملي فقيل له ما كنت تقول
قال أبو مسعود سمعته من النبي
أبو مسعود البدري اسمه عقبة بن عمرو قوله سمعته أي سمعت هذا الحديث من النبي قيل هذا موصول بالإسناد المذكور ولكن صورته صورة التعليق وأخرجه مسلم قال حدثنا علي بن حجر وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لابن حجر قال حدثنا جرير عن المغيرة عن نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش قال اجتمع حذيفة وأبو مسعود قال حذيفة لقي رجل ربه فقال ما عملت قال ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلا ذا مال قال فكنت أطالب به الناس فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور قال تجاوزوا عن عبدي قال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله يقول
6 -
( باب هل يعطى أكبر من سنه )
أي هذا باب يذكر فيه هل يعطي المستقرض للمقرض أكبر من السن الذي اقترضه وجواب هل محذوف تقديره نعم يعطي
2932 - حدثنا ( مسدد ) عن ( يحيى ) الله عن ( سفيان ) قال حدثني ( سلمة بن كهيل ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتى النبي يتقاضاه بعيرا فقال رسول الله أعطوه فقالوا ما نجد إلا سنا من سنه فقال الرجل أوفيتني أوفاك الله فقال رسول الله أعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وقد مضى الحديث في الباب الذي قبل هذا بباب قوله أوفيتني أي أعطيت حقي وافيا كاملا والفرق بين أوفاك الله وأوفى بك الله أن الأول الإكمال والثاني بمعنى ضد الغدر يقال وفى بعهده وأوفى
7 -
( باب حسن القضاء )
أي هذا باب في بيان استحباب حسن القضاء أي قضاء الدين أي أدائه

(12/231)


3932 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( سلمة ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان لرجل على النبي سن من الإبل فجاءه يتقاضاه فقال النبي أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا له إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني وفى الله بك قال النبي إن خياركم أحسنكم قضاء
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة قوله فوقها أي أغلى منها ثمنا من حيث الحسن والسن قوله إن خياركم وفي رواية أبي الوليد التي مضت فإن خيركم أحسنكم قضاء وفي رواية تأتي في الهبة فإن من خيركم وفي رواية ابن المبارك أفضلكم أحسنكم قضاء
4932 - حدثنا ( خلاد ) قال حدثنا ( مسعر ) قال حدثنا ( محارب بن دثار ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال أتيت النبي وهو في المسجد قال مسعر أراه قال ضحى فقال صل ركعتين وكان لي عليه دين فقضاني وزادني
مطابقته للترجمة في قوله فقضاني وزادني لأن القضاء مع زيادة هو حسن القضاء وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي وهو من أفراد البخاري وفي بعض النسخ مذكور بأبيه ومسعر بكسر الميم ابن كدام ومحارب بضم الميم وكسر الراء ابن دثار بكسر الدال وبالثاء المثلثة مر في الصلاة إذا قدم من سفر والحديث بعينه وبعين الإسناد المذكور قد مضى في كتاب الصلاة في باب الصلاة إذا قدم من سفر ومضى الكلام فيه هناك مستقصى
8 -
( باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قضى المديون دون حق صاحب الدين أو حلله فهو جائز وقال ابن بطال وقع في الترجمة في النسخ كلها بكلمة أو والصواب الواو لأنه لا يجوز أن يقضي دون حقه وتسقط مطالبته بالباقي إلا أن يحلل منه ولا خلاف فيه أنه لو حلله من جميع الدين وأبرأه منه جاز ذلك فكذلك إذا حلله من بعضه
5932 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( ابن كعب بن مالك ) أن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتيت النبي فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي حائطي وقال سنغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها
مطابقته للترجمة في قوله فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي بيان ذلك أن تمر حائط جابر كان أقل من دين أبيه فسألهم أن يقضي دون حقهم ويحللوا أباه فلما أبوا أتى النبي في صبيحة غد ذلك اليوم وشاهد النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجده جابر وقضى دينهم وبقي من ذلك الثمر شيء ببركة النبي
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبدان وهو عبد الله بن عثمان وعبدان لقبه الثاني عبد الله بن المبارك الثالث يونس بن يزيد الأيلي الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس ابن كعب بن مالك واختلف فيه فذكر أبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي في ( الأطراف ) والطرقي أنه عبد الرحمن وتبعهم

(12/232)


الحميدي في ذلك وذكر الحافظ المزي أنه عبد الله وقال صاحب ( التلويح ) ولم يستدل على ذلك وتبعه صاحب ( التوضيح ) في ذلك قلت بل استدل بأن وهبا روى الحديث عن يونس بسند الباب فسماه عبد الله وكذلك في رواية الإسماعيلي السادس جابر بن عبد الله
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضعين وفي موضع بصيغة الإفراد وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مروزيان وأن يونس أيلي وابن كعب مدني وفيه رواية التابعي عن التابعي
قوله فاشتد الغرماء يعني في الطلب قوله ويحللوا أبي يعني يجعلونه في حل ويبرؤنه عن الدين قوله فأبوا أي امتنعوا عن أخذ ثمر الحائط لأنه كان أقل من الدين قوله فجددتها من الجداد بالمهملتين وهو صرام النخل وهو قطع تمرتها يقال جد التمرة يجدها جدا قوله من ثمرها أي من ثمر النخل
وفيه من الفوائد تأخير الغريم إلى الغد ونحوه بالعذر كما أخر جابر غرماءه رجاء بركة النبي لأنه كان وعده أن يمشي معه فحقق الله رجاءه وظهرت بركته وثبت ما هو من أعلام نبوته وفيه مشي الإمام في حوائج الناس لأجل استشفاعه في الديون
9 -
( باب إذا قاص أو جازفه في الدين تمرا بتمر أو غيره )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قاص بتشديد الصاد من المقاصصة وهي أن يقاص كل واحد من الإثنين أو أكثر صاحبه فيما هم فيه من الأمر الذي بينهم وههنا المقاصصة في الدين قوله أو جازفه من المجازفة وهي الحدس بلا كيل ولا وزن قوله في الدين يرجع إلى كل واحد من قوله قاص وقوله أو جازفه والضمير في قاص يرجع إلى المديون بدلالة القرينة عليه وكذلك الضمير المرفوع في جازفه يرجع إليه وأما الضمير المنصوب فيرجع إلى صاحب الدين قوله تمرا بتمر أو غيره أي سواء كانت المقاصصة أو المجازفة تمرا بتمر أو غير التمر نحو قمح بقمح أو شعير بشعير ونحو ذلك وجواب إذا محذوف تقديره فهو جائز
6932 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس ) عن ( هشام ) عن ( وهب بن كيسان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أنه أخبره أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستتنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله ليشفع له إليه فجاء رسول الله وكلم اليهودي لياخذ ثمر نخله بالذي له فأبى فدخل رسول الله النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جد له فأوف له الذي له فجده بعدما رجع رسول الله فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا فجاء جابر رسول الله ليخبره بالذي كان فوجده يصلي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال أخبر ذلك ابن الخطاب فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال له عمر لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ليباركن فيها
قال المهلب لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر من غريمه تمرا مجازفة بدين لما فيه من الجهل والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازف في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي انتهى قلت غرضه من ذلك إظهار عدم صحة هذه الترجمة وأجيب عن هذا بأن مقصود البخاري أن الوفاء يجوز فيه ما لا يجوز في المعاوضات فإن معاوضة الرطب بالتمر لا يجوز إلا في العرايا وقد جوزه في الوفاء المحض
وأنس هو ابن عياض يكنى أبا ضمرة من أهل المدينة وهشام هو ابن عروة بن الزبير ووهب بن كيسان أبو نعيم مولى عبد الله بن الزبير بن العوام المدني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصلح عن بندار

(12/233)


وأخرجه أبو داود في الوصايا عن أبي كريب وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى وأخرجه ابن ماجه في ( الأحكام ) عن عبد الرحمن بن إبراهيم
ذكر معناه قوله وسقا الوسق بفتح الواو ستون صاعا قوله فأبى أن ينظره أي امتنع عن إنظاهر وكلمة أن مصدرية قوله ثمر نخله يروى بالمثلثثة وبالمثناة قاله الكرماني قوله جد له بضم الجيم أمر من جد يجد وقد مر عن قريب قوله سبعة عشر ويروى تسعة عشر قوله بالذي كان أي من البركة والفضل على الدين قوله ابن الخطاب أي عمر رضي الله تعالى عنه وفائدة الإخبار له زيادة الإيمان لأنه كان معجزة إذ لم يكن يفي أولا وزاد آخرا وتخصيصه عمر بذلك لأنه كان معتنيا بقضية جابر مهتما بها أو كان حاضرا في أول القضية داخلا فيها قوله ليباركن بصيغة المجهول مؤكدا بالنون الثقيلة قوله فيها أي في الثمر وهو جمع ثمرة
01 -
( باب من استعاذ من الدين )
أي هذا باب في بيان من استعاذ بالله من ارتكاب الدين وفي بعض النسخ باب الاستعاذة من الدين
7932 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) ح وحدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أخبرته أن رسول الله كان يدعو في الصلاة ويقول اللهم إني أعوذ بك من الماثم والمغرم فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم قال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن المغرم هو الدين وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأخوه عبد الحميد أبو بكر وسليمان هو ابن بلال وابن شهاب هو الزهري والرجال كلهم مدنيون والحديث مضى بأتم منه في كتاب الصلاة في باب الدعاء قبل السلام فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عروة إلى آخره قوله من المأثم مصدر ميمي بمعنى الإثم وكذلك المغرم بمعنى الغرامة وهي لزوم الأداء وأما الغريم فهو الذي عليه الدين قوله ووعد يعني بالوافاء غدا أو بعد غد مثلا والوعد وإن كان نوعا من التحديث ولكن التحديث يختص بالماضي والوعد بالمستقبل
قال ابن بطال فيه وجوب قطع الذرائع لأنه إنما استعاذ من الدين لأن ذريعة إلى الكذب والخلف في الوعد مع ما فيه من الذلة وما لصاحب الدين عليه من المقال
11 -
( باب الصلاة على من ترك دينا )
أي هذا باب في بيان حكم الصلاة على الميت الذي ترك دينا وأشار بهذه الترجمة إلى أن الدين لا يخل بالدين وأن الاستعاذة منه ليست لذاته بل لما أرتب عليه من غوائله وأنه صار يصلي على من مات وعليه دين بعد أن كان لا يصلي عليه وعقدة هذه الترجمة لبيان ذلك على ما نبينه الآن
8932 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا الحديث روي عن أبي هريرة من وجوه في آخر كتاب الوكالة في باب الدين رواه أبو سلمة عنه وفي الفرائض رواه أبو سلمة أيضا عنه وفي سورة الأحزاب رواه عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه وفي هذا الباب رواه أيضا عبد الرحمن عنه على ما يجيء عن قريب وهنا أيضا رواه أبو حازم عنه وهنا أخرجه عن أبي الوليد هشام

(12/234)


ابن عبد الملك الطيالسي عن شعبة عن عدي عن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمان الأشجعي وأخرجه مسلم أيضا في الفرائض عن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن نافع وعن زهير بن حرب وأخرجه أبو داود في الخراج عن حفص بن عمر كلهم عن شعبة وفيه من جملة الألفاظ من ترك دينا فعلي قال ابن بطال هذا ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين قلت وذلك لأنه كان لا يصلي عليه قبل فتح الفتوحات فلما فتح الله منها ما فتح صار يصلي عليه فصار فعله هذا ناسخا لفعله الأول كما قاله ابن بطال وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى ذلك فحصلت المطابقة بين الترجمة وحديث الباب من هذه الحيثية
قوله كلا بفتح الكاف وتشديد اللام قال ابن الأثير الكل الثقل من كل ما يتكلف والكل العيال قلت الذين من كل ما يتكلف قوله إلينا معناه يرجع أمر الكل إلينا فإن كان على الميت دين فعليه وفاؤه كما نص عليه بقوله من ترك دينا فعلي وإن لم يكن عليه دين وترك شيئا فلورثته إن كانوا وإلا فالأمر إليه وكذلك إذا ترك عيالا ولم يترك شيئا لأن أمور المسلمين كلها يرجع إليه في كل حال
9932 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( أبو عامر ) قال حدثنا ( فليح ) عن ( هلال بن علي ) عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرؤوا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( لأحزاب 6 ) فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه
مطابقته للترجمة من الحيثية المذكورة في الحديث السابق ورجاله ق ذكروا على نسق واحد في باب كراء الأرض بالذهب والفضة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح عن هلال بن علي لكن فيه عن هلال بن عطاء بن يسار وهنا عن هلال عن ( عبد الرحمن بن أبي عمرة ) وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي وأبو عامر عبد الملك بن عمرو وفليح ابن سليمان والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إبراهيم بن المنذر إلى آخره
ذكر معناه قوله ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة يعني أحق وأولى بالمؤمنين في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة من أنفسهم ولهذا أطلق ولم يعين فيجب عليهم امتثال أوامره والاجتناب عن نواهيه قوله اقرؤوا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( الأحزاب 6 ) في معرض الاحتجاج لما قاله تنبيها لهم على أن هذا الذي قاله وحي غير متلو طابقة وحي متلو وتكلم المفسرون في قوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( الأحزاب 6 ) وروي عن ابن عباس وعطاء يعني إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي أولى بهم من طاعة أنفسهم وعن مقاتل يعني طاعة النبي أولى من طاعة بعضكم لبعض وقيل إنه أولى بهم في إمضاء الأحكام وإقامة الحدود عليهم لما فيه من مصلحة الخلق والبعد عن الفساد وقيل لأن النبي يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم وأنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم وقيل لأن أنفسهم تحرسهم من نار الدنيا والنبي يحرسهم من نار العقبى وقال ابن التين عن الداودي قوله اقرؤا إن شئتم أحسبه من كلام ( إبي هريرة ) وليس كما ظن فقد روى جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم قوله فليرثه عصبته العصبة عند أهل الفرائض اسم لمن يرث جميع المال إذا انفرد والفاضل بعد فرض ذوي السهام وقيل العصبة قرابة الرجل لأبيه سموا بذلك من قولهم عصب القوم بفلان أي أحاطوا به وهم كل من يلتقي مع الميت في أب أو جد ويكونون معلومين وأما المرأة فلا تسمى عصبة على الإطلاق قال أبو المعاني الواحد عاصب قياس غير مسموع وكذا قاله الأزهري قوله من كانوا كلمة من موصولة وإنما ذكرها ليتناول أنواع العصبة فإن العصبة له أنواع ثلاثة لأنه إن لم يتوقف على وجود غيره فهو عصبة بنفسه وإن توقف فإن كان توقفه على وجود ذكر أو أنثى فالأول عصبة بغيره والثاني عصبة مع غيره على ما عرف في موضعه فإن قلت من أين العموم قلت العموم من كلمة من لأن ألفاظ الموصولات عامات وقال الكرماني ويحتمل أن تكون من شرطية ولم يبين وجه ذلك قوله أو ضياعا بفتح الضاد المعجمة

(12/235)


مصدر ضاع يضيع وقال ابن الجوزي معناه من ترك شيئا ضائعا كالأطفال ونحوهم فليأتني ذلك الضائع فأنا مولاه أي وليه ورواه بعضهم ضياعا بكسر الضاد وهو جمع ضائع كما يقال جائع وجياع قال والأول أصح وقال الخطابي الضياع في الأصل مصدر ثم جعل إسما لكل ما هو بصدد أن يضيع من ولد أو عيال
21 -
( باب مطل الغني ظلم )
أي هذا باب يذكر فيه مطل الغني ظلم فلفظ باب منوه غير مضاف ومطل الغني كلام إضافي وظلم خبره وأصل المطل من مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا ضربتها ومددتها لتطول وكل ممدود ممطول ومنه اشتقاق المطل بالدين وهو الليان به يقال مطله وماطله بحقه
00 - 4 - 2 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الأعلى ) عن ( معمر ) عن ( همام بن منبه أخي وهب بن منبه ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله مطل الغني ظلم
نفس الترجمة هو لفظ الحديث بعينه وهو جزء من حديث أخرجه في الحوالة في باب إذا حال على مليء حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا سفيان عن ابن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي قال مطل الغني ظلم ومن اتبع على مليء فليتبع وقد مر الكلام فيه هناك وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى البصري ومعمر هو ابن راشد
31 -
( باب لصاحب الحق مقال )
أي هذا باب يذكر فيه لصاحب الحق مقال يعني إذا طلب وكرر قوله فيه لا يلام
ويذكر عن النبي لي الواجد يحل عقوبته وعرضه قال سفيان عرضه يقول مطلتني وعقوبته الحبس
ذكر الحديث المعلق ثم ذكر عن سفيان تفسيره ومطابقته للترجمة تؤخذ من قوله عرضه لأن سفيان فسر العرض بقوله مطلني حقي وهو مقال على ما لا يخفى أما المعلق فوصله أبو داود وابن ماجه من رواية محمد بن ميمون بن مسيكة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال النبي لي الواجد يحل عرضه وعقوبته والشريد بفتح الشين المعجمة هو ابن سويد الثقفي قيل إنه من حضرموت فحالف ثقيفا شهد الحديبية رضي الله تعالى عنه قوله لي الواجد اللي بفتح اللام وتشديد الياء المطل يقال لواه غريمه بدينه يلويه ليا وأصله لويا أدغمت الواو في الياء والواجد هو القادر على قضاء دينه قوله يحل بضم الياء من الإحلال وأما تفسير سفيان فوصله البيهقي من طريق الفريابي وهو من شيوخ البخاري عن سفيان بلفظ عرضه أن يقول مطلني حقي وعقوبته أن يسجن وقال إسحاق فسر سفيان عرضه أذاه بلسانه وعن وكيع عرضه شكايته واستدل به على مشروعية حبس المديون إذا كان قادرا على الوفاء تأديبا له لأنه ظالم حينئذ والظلم محرم وإن قل وإن ثبت إعساره وجب إنظاره وحرم حبسه واختلف في ثابت العسرة وأطلق من السجن هل يلازمه غريمه فقال مالك والشافعي لا حتى يثبت له مال آخر وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا يمنع الحاكم الغرماء من لزومه
1042 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) عن ( سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أتى النبي رجل يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا
مطابقته للترجمة في قوله فإن لصاحب الحق مقالا ويحيى هو ابن سعيد القطان والحديث مر في باب استقراض الإبل بأتم منه فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة إلى آخره وعن مسدد عن يحيى عن سفيان عن سلمة إلى آخره في باب حسن

(12/236)


التقاضي وعن أبي نعيم عن سفيان عن سلمة إلى آخره في باب حسن القضاء
41 -
( باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وجد شخص مالا عند مفلس وهو الذي حكم الحاكم بإفلاسه قوله في البيع يتعلق بقوله وجد صورته أن يبيع رجل متاعا لرجل ثم أفلس الرجل الذي اشتراه ووجد البائع متاعه الذي باعه عنده فهو أحق به من غيره من الغرماء وفيه خلاف نذكره عن قريب قوله والقرض صورته أن يقرض لرجل مما يصح فيه القرض ثم أفلس المستقرض فوجد المقرض ما أقرضه عنده فهو أحق به من غيره وفيه الخلاف أيضا قوله والوديعة صورته أن يودع رجل عند رجل وديعة ثم أفلس المودع فالمودع بكسر الدال أحق به من غيره بلا خلاف وقيل إدخال البخاري القرض والوديعة مع الدين إما لأن الحديث مطلق وإما أنه وارد في البيع والحكم في القرض والوديعة أولى أما الوديعة فملك ربها لم ينتقل وأما القرض فانتقال ملكه عنه معروف وهو أضعف من تمليك المعاوضة فإذا أبطل التفليس ملك المعاوضة القوي بشرطه فالضعيف أولى قلت قوله والحكم في القرض والوديعة أولى غير مسلم في القرض لأنه انتقل من ملك المقرض ودخل في ملك المستقرض فكيف يكون المقرض أولى من غيره وليس له فيه ملك واعترف هذا القائل أيضا أن القرض انتقل من ملك المقرض قوله فهو أحق به جواب إذا التي تضمنت معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في جوابها والضمير في به يرجع إلى قوله ماله يعني أحق به من غيره من غرماء المفلس
وقال الحسن إذا أفلعس وتبين لم يجز عتقه ولا بيعه ولا شراؤه
الحسن هو البصري قوله إذا أفلس أي رجل أو شخص فالقرينة تدل عليه قوله وتبين أي ظهر إفلاسه عند الحاكم فلا يجوز عتقه إلى آخره وقيد به لأنه ما لم يتبين إفلاسه عند الحاكم يجوز تصرفه في الأشياء كلها وأما عند التبين ففيه خلاف فعند إبراهيم النخعي بيع المحجور وابتياعه جائز وعند أكثر العلماء لا يجوز إلا إذا وقع منه البيع لوفاء الدين وعند البعض يوقف وبه قال الشافعي في قول واختلفوا في إقراره فالجمهور على قبوله
وقال سعيد بن المسيب قضاى عثمان من اقتضى من حقه قبل أن يفلس فهو له ومن عرف متاعه بعينه فهو أحق به
عثمان هو ابن عفان قوله من اقتضى من حقه معناه أن من كان له حق عند أحد فأخذه قبل أن يفلسه الحاكم فهو له لا يتعرض إليه أحد من غرمائه خاصة بل كل من أثبت عليه حقا يطالبه بخلاف ما إذا عرف أحد متاعه بعينه أنه عنده فإنه أحق به من غيره من سائر الغرماء وبه أخذ الشافعي ومالك وأحمد على ما يجيء بيانه وهذا التعليق وصله أبو عبيد في كتاب الأموال عن إسماعيل بن جعفر قال حدثنا محمد بن أبي حرملة عن سعيد بن المسيب قال أفلس مولى لأم حبيبة فاختصم فيه إلى عثمان رضي الله تعالى عنه فقضى أن من كان اقتضى من حقه شيئا قبل أن يتبين إفلاسه فهو له ومن عرف متاعه بعينه فهو له
2042 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( زهير ) قال حدثنا ( يحيى ابن سعيد ) قال أخبرني ( أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ) أن ( عمر بن عبد العزيز ) أخبره أن ( أبا بكر بن عبد الرحمان ابن الحرث بن هشام ) قال أخبره أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله أو قال سمعت رسول الله يقول من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره
مطابقته للترجمة لا تطابق إلا بقوله في البيع لأن أحاديث هذا الباب تدل على أن حديث الباب وارد في البيع منهم

(12/237)


ما رواه مسلم من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن حديث أبي هريرة عن النبي في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع لم يعرفه أنه لصاحبه الذي باعه ومنها ما رواه ابن خزيمة وابن حبان من رواية يحيى بن سعيد بإسناد حديث الباب بلفظ إذا ابتاع الرجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء ومنها ما رواه ابن حبان من طريق هشام بن يحيى المخزومي عن أبي هريرة بلفظ إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته والباقي مثله ومنها ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلا أيما رجل باع سلعة فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به قيل يلتحق به القرض والوديعة قلت قد ردينا هذا عن قريب بما فيه الكفاية
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الثاني زهير مصغر الزهر بن معاوية الجعفي مر في الوضوء الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي مر في الوحي الخامس عمر بن عبد العزيز بن مروان الخليفة العادل القرشي الأموي السادس أبو بكر ابن عبد الرحمن الذي يقال له راهب قريش لكثرة صلاته السابع أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه السماع في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه مذكور بنسبته إلى جده وأنه وزهيرا كوفيان والبقية مدنيون وفيه أربعة من التابعين يحيى وثلاثة بعده وفيه أن يحيى ومن بعده كلهم ولوا القضاء على المدينة وفيه أن يحيى وأبا بكر بن محمد وعمر بن عبد العزيز من طبقة واحدة وفيه شك أحد الرواة بين قوله قال رسول الله وقوله سمعت رسول الله قال بعضهم أظنه من زهير قلت الظن لا يجدي شيئا لأن الاحتمال في غيره قائم
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في البيوع عن أحمد بن يونس به وعن يحيى بن يحيى وعن قتيبة ومحمد بن رمح وعن أبي الربيع الزهراني ويحيى بن حبيب وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن المثنى وعن ابن أبي عمر وعن ابن أبي حسين وأخرجه أبو داود فيه عن النفيلي وعن محمد بن عوف وعن القعنبي عن مالك وعن سليمان بن داود وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وعن عبد الرحمن بن خالد وإبراهيم بن الحسن وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر بن أبي شيبة به وعن محمد بن رمح به وعن هشام بن عمار
ذكر حكم هذا الحديث في الاحتجاج به احتج به عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وطاووس والشعبي والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود فإنهم ذهبوا إلى ظاهر هذا الحديث وقالوا إذا أفلس الرجل وعنده متاع قد اشتراه وهو قائم بعينه فإن صاحبه أحق به من غيره من الغرماء وقال أبو عمر أجمع فقهاء الحجاز وأهل الأثر على القول بجملته أي بجملة الحديث المذكور وإن اختلفوا في أشياء من فروعه ثم قال واختلف مالك والشافعي في المفلس يأبى غرماؤه دفع السلعة إلى صاحبها وقد وجدها بعينها ويريدون دفع الثمن إليه من قبل أنفسهم كما لهم في قبض السلعة من الفضل فقال مالك لهم ذلك وليس لصاحبها أخذها إذا دفع إليه الغرماء الثمن وقال الشافعي ليس للغرماء في هذا مقال قال وإذا لم يكن للمفلس ولا لورثته أخذ السلعة فالغرماء أبعد من ذلك وإنما الخيار لصاحب السلعة إن شاء أخذها وإن شاء تركها وضرب مع الغرماء لأنه جعل صاحبها أحق بها منها وبه قال أبو ثور وأحمد وجماعة واختلف مالك والشافعي أيضا إذا اقتضى صاحب السلعة من ثمنها شيئا فقال ابن وهب وغيره عن مالك إن أحب صاحب السلعة أن يرد ما قبض من لثمن ويقبض سلعته كان ذلك له وقال الشافعي لو كانت السلعة عبدا فأخذ نصف ثمنه ثم أفلس الغريم كان له نصف العبد لأنه بعينه ويبيع النصف الثاني الذي بقي للغرماء ولا يرد شيئا مما أخذ لأنه مستوف لما أخذ وبه قال أحمد واختلف مالك والشافعي في المفلس يموت قبل الحكم عليه وقبل توقيفه فقال مالك ليس حكم المفلس كحكم الميت وبائع السلعة إذا وجدها

(12/238)


بعينها أسوة للغرماء في الموت بخلاف التفليس وبه قال أحمد وفي ( التوضيح ) مقتضى الحديث رجوعه أي رجوع صاحب السلعة ولو قبض بعض الثمن لإطلاق الحديث وهو الجديد من قول الشافعي رضي الله تعالى عنه وخالف في القديم فقال يضارب بباقي الثمن فقط واستدلت الشافعية بقوله من أدرك ماله بعينه على أن شرط استحقاق صاحب المال دون غيره أن يجد ماله بعينه لم يتغير ولم يتبدل وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في صفة من صفاتها فهو أسوة الغرماء
وبسط بعض الشافعية الكلام هنا وجعله على وجوه الأول لا بد في الحديث من اضمار ولم يكن البائع قبض ثمنها لأنه إذا قبضه فلا رجوع له فيه إجماعا الثاني خصص مالك والشافعي في قول قديم له رجوعه في العين بما إذا لم يكن قبض من ثمنها شيئا فإن قبض بعضه صار في بقيته أسوة الغرماء وقد قلنا آنفا إن الشافعي لم يفرق في الجديد بين قبض بعض الثمن وبين عدم قبضه لعموم الحديث الثالث استدل الشافعي وأحمد برواية عمر بن خلدة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من أفلس أو مكات فوجد رجل متاعه الحديث رواه أبو داود وغيره على التسوية بين حالتي الإفلاس حيا وميتا أن لصاحب السلعة الرجوع وفرق مالك بينهما وقال هو في حالة الموت أسوة الغرماء الرابع استدل بقوله أدرك ماله بعينه على أنها إذا هلكت أو أخرجها عن ملكه ببيع أو هبة أو عتق أو نحوه أنه لا يرجع فيها لأنها ليست على يد المشتري الخامس استدل به على أن التصرف الذي لا يزيل الملك لا يبطل حق الرجوع للبائع كالتدبير واستيلاد أم الولد وهو كذلك بالنسبة إلى المدبر عند من يجوز بيعه وهو الصحيح وأما بالنسبة إلى أم الولد فليس له الرجوع فيها على الصواب قال شيخنا وأما ما وقع في فتاوى النووي من أنه يرجع فهو غلط وقد عبر هو في ( تصحيح التنبيه ) بأن الصواب أنه لا يرجع السادس ما المراد بالمفلس المذكور في الحديث وفي قول الفقهاء قال الرافعي نقلا عن الأئمة إن المفلس من عليه ديون لا تفي بماله واعترض عليه بأمرين أحدهما أنه لا بد من تقييد ذلك بضرب الحاكم الحجر عليه فإن من هذه حاله ولم يضرب عليه الحجر يصح بيعه وشراؤه بلا خلاف والثاني أنه تتقيد الديون بديون العباد أما ديون الله تعالى كالزكاة ونحوها فإنه لا يضرب عليه الحجر بعجز ماله عنها إذا كان ماله يفي بديون العباد كما جزم به الرافعي في كتاب ( الإيمان ) السابع قوله ماله بعينه وفي رواية الترمذي وغيره فوجد الرجل سلعته عنده بعينها دليل على أنه لا يختص ذلك بالبيع بل لو أقرضه دراهم ثم أفلس فوجد الرجل الدراهم بعينها فهو أحق بها من بقية الغرماء لأن السلعة لغة المتاع قاله الجوهري وفي بعض طرقه في ( الصحيح ) أيضا فوجد الرجل متاعه أو ماله الثامن لو أجره شيئا بمنجل وتفلس المستأجر قبل فيض الأجرة أنه يفسخ الإجارة ويرجع بالعين المستأجرة وقد صرح به الرافعي قال ابن دقيق العيد وإدراجه تحت لفظ الحديث متوقف على المنافع هل يطلق عليها إسم المتاع والمال قال وإطلاق المال عليها أقوى قلت يطلق عليها اسم المتاع لغة قال الجوهري المتاع السلعة والمتاع المنفعة التاسع يدخل تحت ظاهر الحديث ما التزم في ذمته نقل متاع من مكان إلى مكان ثم أفلس والأجرة بيده قائمة فإنه يثبت حق الفسخ والرجوع إلى الأجرة قاله ابن دقيق العيد العاشر فيه حجة لأحد الوجهين أن المفلس المضروب عليه الحجر يحل الديون المؤجلة عليه والصحيح أنه لا يحل الحادي عشر قد يستدل به لأصح الوجهين أن الغرماء إذا قدموا صاحب العين القائمة بثمنها لم يسقط حقه من الرجوع في العين الثاني عشر قد يستدل به على أن لصاحب العين الاستبداد في الرجوع في عينه وهو أحد الوجهين وقيل ليس ذلك إلا بالحاكم الثالث عشر قد يستدل به لأصح الوجهين أنه لو امتنع المشتري من تسليم الثمن أو هرب أو امتنع الوارث من تسليم الثمن وحجر الحاكم عليه أنه لصاحب العين الرجوع إلى حقه لقوله أيما امرىء أفلس فهذا مفهوم شرط وصفة فيقتضي أنه لا رجوع في حق غير المفلس الرابع عشر استدل به لأصح الوجهين أنه إذا باعه عبدين فتلف أحدهما رجع في الباقي بحصته وقيل يرجع فيه بكل الثمن الخامس عشر استدل به لأحد الوجهين أنه إذا وجد رب السلعة سلعته عند المفلس بعد أن خرجت ثم عادت إليه بغير عوض أنه يرجع كالميراث والهبة وهو الذي صححه الرافعي في ( الشرح الصغير ) وصحح النووي من زياداته في ( الروضة ) عدم الرجوع لأنه تلقاه من مالك آخر غير

(12/239)


صاحب العين السادس عشر استدل به على رجوع البائع وإن كان للمفلس ضامن بالثمن وقد فرق صاحب ( التتمة ) بين أن يضمن بإذن المشتري أو لا فإن ضمن بإذنه فليس له الفسخ وإن ضمن بغير إذنه فوجهان السابع عشر استدل به من ذهب إلى أن البائع يرجع فيه وإن كان المبيع شخصا مشفوعا ولم يعلم الشفيع حتى حجر على المشتري وهو وجه والصحيح أنه يأخذه الشفيع ويكون الثمن بين الغرماء وقيل يأخذه الشفيع ويخص البائع بالثمن جمعا بين الحقين الثامن عشر فيه أنه يرجع وإن وجده معيبا التاسع عشر فيه أنه لا يرجع بالزوائد المنفصلة لأنها ليست متاعه العشرون استدل به على أن البائع له الرجوع وإن كان المشتري قد بنى وغرس فيها وفيه خلاف وتفصيل معروف في كتب الفقه انتهى
قلت ذهب إبراهيم النخعي والحسن البصري والشعبي في رواية ووكيع بن الجراح وعبد الله بن شبرمة قاضي الكوفة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر إلى أن بائع السلعة أسوة للغرماء وصح عن عمر بن عبد العزيز أن من اقتضى من ثمن سلعته شيئا ثم أفلس فهو والغرماء فيه سواء وهو قول الزهري وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه نحو ما ذهب إليه هؤلاء وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال هو فيها أسوة الغرماء إذا وجدها بعينه وبهذا يرد على ابن المنذر في قوله ولا نعلم لعثمان في هذا مخالفا من الصحابة وقول عثمان مر عن قريب في أوائل الباب وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال هو والغرماء فيه شرعا سواء وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن الشعبي وسأله رجل أنه وجد ماله بعينه فقال ليست لك دون الغرماء
وأجاب الطحاوي عن حديث الباب أن المذكور فيه من أدرك ماله بعينه والمبيع ليس هو عين ماله وإنما هو عين مال قد كان له وإنما ماله بعينه يقع على المغصوب والعواري والودائع وما أشبه ذلك فذلك ماله بعينه فهو أحق به من سائر الغرماء وفي ذلك جاء هذا الحديث عن رسول الله والذي يدل عليه ما روي عن رسول الله في حديث سمرة رضي الله تعالى عنه فإنه حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن سعيد بن زيد بن عقبة عن أبيه عن سمرة بن جندب أن رسول الله قال من سرق له متاع أو ضاع له متاع فوجده عند رجل بعينه فهو أحق بعينه ويرجع المشتري على البائع بالثمن وأخرجه الطبراني أيضا فهذا يبين أن المراد من حديث أبي هريرة أنه على الودائع والعواري والمغصوب ونحوها وأن صاحب المتاع أحق به إذا وجده في يد رجل بعينه وليس للغرماء فيه نصيب لأنه باق على ملكه لأن يد الغاصب يد التعدي والظلم وكذلك السارق فخلاف ما إذا باعه وسلمه إلى المشتري فإنه يخرج عن ملكه وإن لم يقبض الثمن
قلت حديث سمرة هذا فيه الحجاج بن أرطأة والنخعي فيه مقال قلت ما للحجاج وقد روى عنه مثل الإمام أبي حنيفة والثوري وشعبة وابن المبارك وقال العجلي كان فقيها وقال أحد مفتي الكوفة وكان جائز الحديث وقال أبو زرعة صدوق مدلس وقال ابن حبان صدوق يكتب حديثه وقال الخطيب أحد العلماء بالحديث والحفاظ ل وفي ( الميزان ) أحد الأعلام وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير وسعيد بن زيد وثقه ابن حبان وأبوه زيد بن عقبة وثقه العجلي والنسائي
فإن وقد تكلم جماعة ممن يلوح منهم لوائح التعصب بما فيه ترك مراعاة حسن الأدب فقال القرطبي في ( المفهم ) تعسف بعض الحنفية في تأويل هذا الحديث بتأويلات لا تقوم على أساس وقال النووي وتأولوه بتأويلات ضعيفة مردودة وقال ابن بطال قال الحنفية البائع أسوة للغرماء ودفعوا حديث التفليس بالقياس وقالوا السلعة مال المشتري وثمنها في ذمته والجواب أنه لا مدخل للقياس إلا إذا عدمت السنة أما مع وجودها فهي حجة على من خالفها فإن قال الكوفيون نؤوله بأنه محمول على المودع والمقرض دون البائع قلنا هذا فاسد لأنه جعل لصاحب المتاع الرجوع إذا وجده بعينه والمودع أحق بعينه سواء كان على صفته أو قد تغير عنها فلم يجز حمل الخبر عليه ووجب حمله على البائع لأنه إنما يرجع بعينه إذا وجده بصفته لم يتغير فإذا تغير فإنه لا يرجع
وقال الكرماني وقال بعضهم هذا التأويل غير صحيح إذ لا خلاف أن صاحب الوديعة أحق بها سواء وجدها عند مفلس أو غيره وقد شرط الإفلاس في الحديث وقال صاحب ( التوضيح ) وحمل أبو حنيفة الحديث على الغصب والوديعة لأنه لم يذكر البيع فيه وأول الحديث بتأويلات ضعيفة مردودة وتعلق بشيء يروى عن علي وابن

(12/240)


مسعود وليس بثابت عنهما وتركوا الحديث بالقياس بأن يده قد زالت كيد الراهن
وقال بعض الشافعية في الحديث المذكور حجة على أبي حنيفة حيث قال هو أسوة الغرماء وأجابوا عن الحديث بأجوبة
أحدها أنهم قالوا هذا الحديث مخالف للأصول الثابتة فإن المبتاع قد ملك السلعة وصارت في ضمانة فلا يجوز أن ينقض عليه ملكه قالوا والحديث إذا خالف القياس يشترط فيه فقه الراوي وأبو هريرة ليس كذلك والثاني أن المراد الغصوب والعواري والودائع والبيوع الفاسدة ونحوها والثالث أنه محمول على البيع قبل القبض
وهذه الأجوبة فاسدة أما الأول فإن كل حديث أصل برأسه فلا يجوز أن يعترض عليه بسائر الأصول المخالفة له وقد ينقض ملك المالك في غير موضع كالشفعة والطلاق قبل الدخول بعد أن ملكت الصداق وتقديم صاحب الرهن على الغرماء واختلاف المتبايعني وتعجيز المكاتب وغير ذلك وقد أخذت الحنفية بحديث القهقهة في الصلاة مع كونه مخالفا للأصول وضعفه أيضا وأما الثاني فيبطله قوله أيما امرىء أفلس فإن المغصوب منه ومن ذكر معه أحق بمتاعه من المفلس وغيره وأما الثالث فيبطله ووجد الرجل سلعته عنده وهي قبل القبض ليست عند المفلس ولا يقال وجدها صاحبها وأدركها وهي عنده
قلت هؤلاء كلهم صدروا عن مكرع واحد أما القرطبي والنووي فإنهما ادعيا بأن تأويل الحنفية ضعيف مردود ولم يبينا وجه ذلك وأما ابن بطال فإنه قال الحنفية دفغوا حديث المفلس بالقياس ولا مدخل للقياس إلا إذا عدمت السنة وليس كما قال لأنهم ما دفعوا الحديث بالقياس بل عملوا بهما أما عملهم بالحديث فظاهر قطعا لأنه قال من أدرك ماله بعينه وإدراك المال بعينه لا يتصور إلا فيما قالوا نحو الغصوب والعواري والودائع ونحو ذلك لأن ماله في هذه الأشياء محقق ولم يخرج عن ملكه بوجه من الوجوه فلا يشاركه فيه أحد وأما عملهم بالقياس فظاهر قطعا أيضا لأن المبيع خرج عن ملك البائع ودخل في ملك المشتري فإن لم يكن الثمن مقبوضا فكيف يجوز تخصيص البائع به ومنع تشريك غيره من أصحاب الحقوق التي هي متعلقة بذمة المشتري فهذا لا يقبله النقل والقاس على أنه نقل عن إمامه مالك بن أنس أن القياس مقدم على خبر الواحد حيث يقول إن القياس حجة بإجماع الصحابة وفي اتصال خبر الواحد بالنبي احتمال وكان القياس الثابت بالإجماع اقوى ونحن نقول اجماع الصحابة على التقديم خبر الواحد على القياس وخبر الواحد حجة بالإجماع والشبهة بالقياس في الأصل وفي الخبر في الاتصال فيرجع الخبر عليه ودعواه بأن تأويل الكوفيين فاسد لأنه جعل لصاحب المتاع إذا وجده بعينه فاسدة لأنا لا نكرر جعله لصاحب المتاع إذا وجده بعينه فكل من كان صاحب المتاع فله الرجوع والبائع هنا خرج عن كونه صاحب المتاع لأن المتاع خرج من ملكه وتبدل الصفة هنا كتبدل الذات فصار المبيع غير ماله وقد كان عين ماله أولا
فإن قلت أنت ذكرت عقيب ذكر الحديث أن أحاديث الباب تدل على أن حديث الباب وارد في البيع ثم ذكرت عن مسلم وغيره ما يدل على ذلك قلت إنما ذكرت ذلك لأجل بيان ترجمة البخاري حيث قال باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع إلى آخره وذلك أن مذهبه مثل مذهب من يجعل البائع أسوة الغرماء فذكرت ما ذكرت لأجل بيان ذلك ولأجل المطابقة بين الترجمة والحديث
وأما حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث فإنه مضطرب لأن مالكا رواه في ( موطئه ) عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن النبي مرسلا وقال أبو داود هو أصح ممن رواه عن مالك مسندا وقال الدارقطني ولا يثبت هذا عن الزهري مسندا وإنما هو مرسل وقال أبو عمر كذا هو مرسل في جميع ( الموطآت ) التي رأينا وكذلك رواه جماعة الرواة عن مالك فيما علمنا مرسلا إلا عبد الرزاق فإنه رواه عن مالك عن الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة فأسنده وقد اختلف في ذلك عن عبد الرزاق قلت المرسل حجة عندكم قلت نعم ولكن المسند أقوى لأن عدالة الراوي شرط قبول الحديث وهي معلومة في المسند بالتصريح وفي المرسل مشكوكة أو معلومة بالدلالة والصريح أقوى من الدلالة والعجب من هؤلاء أنهم لا يرون المرسل حجة ثم يعملون به في مواضع وأما قول صاحب ( التوضيح ) تعلق أبو حنيفة بشيء يروى عن علي وابن مسعود وليس بثابت عنهما ليس كذلك لأنا قد ذكرنا فيما مضى أن قتادة روى عن خلاس بن عمرو عن علي رضي الله تعالى عنه أنه أسوة الغرماء إذا وجدها بعينه وصححه ابن حزم وأما نقلهم عن الحنفية بأنهم قالوا

(12/241)


والحديث إذا خالف القياس يشترط فقه الراوي وأبو هريرة ليس كذلك فهذا تشنيع منهم عليهم لأن الشيخ أبا الحسن الكرخي قال ليس فقه الراوي شرطا لتقديم خبره على القياس بل يقبل خبر كل عدل فقيها كان أو غيره إذا لم يكن معارضا بدليل أقوى منه وتبعه على ذلك جماعة من المشايخ وقال صدر الإسلام وإليه مال أكثر العلماء والذي ذكروه هو مذهب عيسى بن أبان وبعض المتأخرين مع أن أحدا منهم لم يذكر أبا هريرة بما نسبه إليه من قلة الفقه وكيف لم يكن فقيها وكان يفتي في زمن الصحابة ولم تكن الفتوى في زمانهم إلا للفقهاء وقد دعا له النبي بالحفظ فاستجاب الله دعاءه فيه حتى انتشر في العالم ذكره
وأما قولهم كل حديث أصل برأسه فسلمنا ذلك إذا كان كل واحد متعلقا بأصل غير الأصل الذي يتعلق به الآخر وأما إذا كان حديثان أو أكثر ومخرجهما واحد فلا يفرق حينئذ بينهما وأما قولهم وقد ينقض ملك المالك كالشفعة إلى آخره غير صحيح لأن مشتري الدار لا يثبت له الملك مع وجود الشفيع ولو قبضها فملكه على شرف السقوط ولا يتم له الملك إلا بترك الشفيع شفعته والمرأة لا تملك الصداق قبل الدخول ملكا تاما وهو أيضا على شرف السقوط ولهذا لو قبضت صداقها وطلقها زوجها يرجع عليها بنصف الصدق والملك في الصورتين غير تام فكيف يقال وقد ينقض ملك المالك وأما الرهن فإن يد المرتهن يد استيفاء لا يد ملك ولهذا ليس له أن يتصرف فيه تصرف الملاك وأما عند اختلاف المتبايعين فلا يثبت الملك لأحدهما إلا بعد الاتفاق على الإتمام أو على الفسخ وأما المكاتب فإنه عبد ولو بقي عليه درهم فمتى يملك نفسه حتى يقال ينقض ملكه عند العجز وأما قولهم وقد أخذت الحنفية بحديث القهقهة في الصلاة مع كونه مخالفا للأصول وضعفه أيضا فإنما أخذوا به لكون راويه معروفا بالعدالة والمعروف بالعدالة يقبل قوله وإن لم يكن معروفا بالفقه سواء وافق خبره القياس أو خالفه وأما تضعيفهم خبر القهقهة فغير صحيح لأنه رواه جماعة من الصحابة الفقهاء كأبي موسى الأشعري وجابر وعمران وسلمة بن زيد رضي الله تعالى عنهم وقد اتقنا الكلام فيه في ( شرحنا للهداية )
51 -
( باب من أخر الغري إلاى الغد أو نحوه ولم ير ذالك مطلا )
أي هذا باب في بيان حكم من أخر من الحكام غريم شخص أي أخر طلب حقه من غريمه إلى الغد قوله أو نحوه مثلا إلى يومين أو ثلاثة ونحو ذلك قوله ولم ير ذلك أي تأخيره إلى الغد ونحوه مطلا أي تسويفا بالحق وهذه الترجمة ساقطة في رواية النسفي وحديثها كذلك ولذلك لم يشرحها أكثر الشراح
وقال جابر اشتد الغرماء في حقوقهم في دين أبي فسألهم النبي أن يقبلوا ثمر حائطي فأبوا فلم يعطهم الحائط ولم يكسره لهم وقال سأغدو عليك غدا فغدا علينا حين أصبح فدعا في ثمرها بالبركة فقضيتهم
مطابقته للترجمة في قوله سأغدو عليك غدا وهذا التعليق قد أخرجه موصولا فيما مضى عن قريب في باب إذا قضى دون حقه أو حلله وفي الباب الذي يليه أيضا وفيه زيادة وهي قوله ولم يكسره لهم وذكرها في كتاب الهبة ومعناه
61 -
( باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه )
أي هذا باب في بيان حكم من باع من الحكام مال المفلس أو المعدم بكسر الدال وهو الفقير قوله ( فقسمه ) أي قسم مال المفلس بين غرمائه قوله أو أعطاه أي أو أعطى مال المعدم له بعد أن باعه لينفق على نفسه وفيه اللف والنشر قاله الكرماني ووجهه ما ذكرته
3042 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( حسين المعلم ) حدثنا ( عطاء بن أبي رباح

(12/242)


) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال أعتق رجل غلاما له عن دبر فقال النبي من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله فأخذ ثمنه فدفعه إليه
الترجمة جزآن أحدهما بيع مال المفلس وقسمته بين الغرماء والثاني بيع مال المعدم ودفعه إليه لينفقه على نفسه فلا مطابقة بينهما وبين حديث الباب بحسب الظاهر كما قاله ابن بطال بكلام حاصله نفي المطابقة وأجيب بأنه يحتمل أن يكون باعه عليه لكونه مديانا ومال المديان إما أن يقسمه الإمام بنفسه أو يسلمه إلى المديان ليقسمه فلهذا ترجم على التقديرين مع أن أحد الأمرين يخرج من الآخر لأنه إذا باعه عليه لحق نفسه فلأن يبيعه عليه لحق الغرماء أولى وقال بعضهم والذي يظهر لي أن في الترجمة لفا ونشرا و أو في الموضعين للتنويع ويخرج أحدهما من الآخر قلت أما قول المجيب الأول بأنه يحتمل أن يكون باعه عليه لكونه مديانا فليس بطائل أن يقال بالاحتمال بل هو في نفس الأمر إنما باعه لكونه مديانا كما ثبت ذلك في بعض طرق حديث جابر أنه كان عليه دين أخرجه النسائي وقال أخبرنا أبو داود قال حدثنا محاضر قال حدثنا الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله بثمانمائة درهم فأعطاه فقال إقض دينك وأما قول بعضهم والذي يظهر لي أن في الترجمة لفا ونشرا فليس له وجه أن ينسب ذلك إلى نفسه لأنه مسبوق به فإن الكرماني قال والكلام يحتمل اللف والنشر كما ذكرناه عن قريب وقوله أيضا ويخرج أحدهما من الآخر مسبوق به أيضا ومع هذا فيه نظر
والتوجيه الحسن في ذكر المطابقة بين الترجمة والحديث أن يقال إن حديث جابر المذكور له طرق منها هذا الذي أخرجه النسائي ففيه أن الرجل كان مديونا وباع النبي الغلام الذي دبره فدفعه إليه وقال له إقض دينك كما في حديثه وهذا يطابق الجزء الأول للترجمة غاية ما في الباب اقتصر في حديث الباب على قوله فدفعه إليه وفي حديث النسائي فأعطاه فقال إقض دينك فإن قلت ليس في الترجمة أن المديون هو الذي قسمه فلا مطابقة قلت لما أمره بقضاء دينه من ثمن العبد فكأنه هو الذي تولى قسمته بين غرمائه لأن التدبير حق من الحقوق فلما أبطله الشارع هنا احتاج إلى الحكم به وكان من ضرورة الحكم به أمره بقسمته بين الغرماء لأن البيع لم يكن إلا لأجلهم ومن طرق حديث جابر ما رواه النسائي أيضا وقال حدثنا هلال بن العلاء قال حدثنا أبي قال حدثني عبد الله بن عبد الكريم عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رجلا أعتق غلاما له من دبر فاحتاج مولاه فأمره ببيعه فباعه بثمانمائة درهم فقال له رسول الله أنفقه على عيالك فإنما الصدقة عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول وفي رواية للنسائي ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك الحديث وهذا يطابق الجزء الثاني للترجمة على الوجه الذي ذكرناه وحديث الباب مضى مختصرا في البيوع في باب بيع المدبر فإنه أخرجه هناك عن ابن نمير عن وكيع عن إسماعيل عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال باع النبي المدبر
قوله عن دبر معناه قال لعبده أنت حر بعد موتى أو دبرتك واسم المدبر بفتح الباء يعقوب واسم مولاه أبو مذكور والثمن ثمانمائة درهم وقد مر الكلام فيه هناك ونعيم بضم النون وفتح العين المهملة ابن عبد الله النحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة القرشي العدوي سمي النحام لأنه قال دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم والنحمة السعلة أسلم قديما بمكة ثم هاجر عام الحديبية وشهد ما بعدها من المشاهد قتل يوم اليرموك سنة خمس عشرة من الهجرة رضي الله تعالى عنه
71 -
( باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع )
أي هذا باب ذكر فيه إذا أقرض الرجل رجلا دراهم أو دنانير أو شيئا مما يصح فيه القرض إلى أجل مسمى أي إلى مدة معينة قوله أو أجله أي أو أجل الثمن في عقد البيع أو أجل العقد فيه يعني باعه إلى أجل مسمى ولا يقال فيه إضمار قبل الذكر لأن القرينة تدل عليه وهي قوله في البيع وهاتان مسألتان وجوابهما محذوف تقديره فهو جائز أو يجوز أو نحو ذلك أما المسألة

(12/243)


الأولى ففيها خلاف فقال ابن بطال اختلف العلماء في تأخير الدين في القرض إلى أجل فقال أبو حنيفة وأصحابه سواء كان القرض إلى أجل أو غير أجل له أن يأخذه متى أحب وكذلك العارية وغيرها لأنه عندهم من باب العدة والهبة غير مقبوضة وهو قول الحارث العكلي وأصحابه وإبراهيم النخعي وقال ابن أبي شيبة وبه نأخذ وقال مالك وأصحابه إذا أقرضه إلى أجل ثم أراد أخذه قبل الأجل لم يكن له ذلك أما المسألة الثانية فليس فيها خلاف بين العلماء لجواز الآجال في البيع لأنه من باب المعاوضات فلا يأخذه قبل محله وفي ( التوضيح ) وقال الشافعي إذا أخر الدين الحال فله أن يرجع فيه متى شاء وسواء كان ذلك من قرض أو غيره
قال ابن عمر في القرض إلى أجل لا بأس به وإن أعطي أفضل من دراهمه ما لم يشترط
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن وكيع حدثنا حماد بن سلمة قال سمعت شيخا يقال له المغيرة قلت لابن عمر إني أسلف جيراني إلى العطاء فيقضوني أجود من دراهمي قال لا بأس ما لم تشترط قال وكيع وحدثنا هشام الدستوائي عن القاسم ابن أبي بزرة عن عطاء بن يعقوب قال استسلف مني ابن عمر ألف درهم فقضاني دراهم أجود من دراهمي وقال ما كان فيها من فضل فهو نائل مني إليك أتقبله قلت نعم
وقال عطاء وعمرو بن دينار هو إلاى أجله في القرض
عطاء هو ابن أبي رباح ووصل هذا التعليق عبد الرزاق عن ابن جريج عنهما وقال ابن التين قول عطاء وعمر وبه يقول أبو حنيفة ومالك قلت ليس هذا مذهب أبي حنيفة ومذهبه كل دين يصح تأجيله إلا القرض فإن تأجيله لا يصح
4042 - وقال ( الليث ) حدثني ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عبد الرحمان بن هرمز ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه فدفعها إليه إلاى أجل مسمى الحديث
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو قطعة من حديث مطول الذي يذكر فيه قضية الرجل الذي أسلف ألف دينار في أيام بني إسرائيل وقد مر في الكفالة ومر الكلام فيه هناك وذكره في هذا الباب في معرض الاحتجاج على جواز التأجيل في القرض وهذا مبني على أن شريعة من قبلنا تلزمنا أم لا
81 -
( باب الشفاعة في وضع الدين )
أي هذا باب في بيان الشفاعة في وضع الدين أي حط شيء من أصل الدين وكذا فسره ابن الأثير في قوله من أنظر معسرا أو وضع له وليس المراد من الوضع إسقاطه بالكلية
5042 - حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن عامر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال أصيب عبد الله وترك عيالا ودينا فطلبت إلاى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا من دينه فأبوا فأتيت النبي فاستشفعت به عليهم فأبوا فقال صنف تمرك كل شيء منه على حدته عذق ابن زيد على حدة واللين على حدة والعجوة على حدة ثم أحضرهم حتى آتيك ففعلت ثم جاء فقعد عليه وقال لكل رجل حتى استوفاى وبقي التمر كما هو كأنه لم يمس وغزوت مع النبي على ناضح لنا فأزحف الجمل فتخلف علي فوكزه النبي من خلفه قال بعنيه ولك ظهره إلاى المدينة فلما دنونا استأذنت فقلت يا رسول الله إني حديث عهد بعرس قال فما

(12/244)


تزوجت بكرا أم ثيبا أصيب عبد الله وترك جواري صغارا فتزوجت ثيبا تعلمهن وتؤدبهن ثم قال ائت أهلك فقدمت فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني فأخبرته بإعياء الجمل وبالذي كان من النبي ووكزه إياه فلما قدم النبي غدوت إليه بالجمل فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهمي مع القوم
مطابقته للترجمة في قوله فاستشفعت به عليهم والحديث مضى في كتاب البيوع في باب الكيل على البائع والمعطي فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن جرير عن مغيرة عن الشعبي عن جابر وهنا أخرجه عن ( موسى ) بن إسماعيل المنقري التبوذكي عن أبي عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري عن ( مغيرة ) بن مقسم عن ( عامر ) الشعبي عن ( جابر ) بن عبد الله وقد مر الكلام فيه هناك ولنتكلم فيما لم يذكر هناك
قوله عبد الله هو أبو جابر استشهد يوم أحد وهو معنى قوله أصيب وقال الذهبي عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الخزرجي السلمي أبو جابر نقيب بدري قتل في أحد قوله وترك عيالا بكسر العين جمع عيل بتشديد الياء كجياد جمع جيد من عال عياله مانهم وأنفق عليهم وقد مضى أنه ترك سبع بنات أو تسعا قوله فطلبت إلى أصحاب الدين أي أنهيت طلبي إليهم وفي الأصل الطلب يستعمل بدون صلة فما قصد المبالغة استعمله بحرف الغاية قوله صنف أمر من التصنيف وهو أن يجعل الشيء أصنافا ويميز بعضها عن بعض قوله على حدة أي كل واحد على حياله والهاء عوض من الواو قوله عذق ابن زيد هو نوع من التمر جيد و العذق بفتح العين وكسرها وسكون الذال المعجمة وقيل بالفتح النخلة قلت وفي ( التوضيح ) بخط الدمياطي عذق زيد قوله واللين بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف نوع من التمر وقيل التمر الرديء وهو جمع لينة وهي النخلة قاله ابن عباس أو النخل كله ما خلا البرني وقال الكرماني اللين اللوان التمر ما خلا العجوة وأما العجوة فهي من أجود تمور المدينة ويقال أهل المدينة يسمون العجوة ألوانا وقيل اللين الدقل وأصله لون قلبت الواء ياء لانكسار ما قبلها قوله وقال لكل رجل أي أعطى لكل رجل من أصحاب الديون حتى استوفى حقه وقد مر أن قال يستعمل لمعان كثيرة فكل معنى بحسب ما يليق به قوله كما هو كلمة ما موصولة مبتدأ وخبره محذوف أو زائدة أي كمثله وفي رواية بقي منه بقية وفي أخرى بقي منه أوسق وفي رواية بقي منه سبعة عشر وسقا قوله لم يمس على صيغة المجهول قوله على ناضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة وهو الجمل الذي يسقى عليه النخل قوله فأزحف الجمل أي كل وأعيى ومادته زاي وحاء مهملة وفاء يقال أزحفه المسير إذا أعياه وأصله أن البعير إذا تعب يجر رسنه وكأنه كنى بقوله أزحف على بناء الفاعل عن جره الرسن عن الإعياء وقال ابن التين صوابه فزحف ثلاثي إلا أنه ضبط بضم الهمزة وكسر الحاء في أكثر النسخ وفي بعضها بفتحها والأول أبين قوله فوكزه بالزاي أي ضربه بالعصا كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي والحموي وركزه بالراء موضع الواو أي ركز فيه العصي والمراد به المبالغة في ضربه بها قوله ولك ظهره إلى المدينة أراد به ركوبه عليه إلى المدينة قوله فلامني من اللوم وكان لومه إما لكونه محتاجا إليه وإما لكونه باعه النبي ولم يهبه منه قوله وسهمي بالنصب أي وأعطاني أيضا سهمي من الغنيمة ويروى فسهمني بلفظ فعل الماضي وفيه فوائد كثيرة ذكرناها هناك
91 -
( باب ما ينهى عن إضاعة المال وقول الله تعالى والله لا يحب الفساد وإن الله لا يصلح عمل المفسدين وقال في قوله تعالى أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( هود 78 ) وقال تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) والحجر في ذلك وما ينهى عن الخداع )

(12/245)


أي هذا باب في بيان النهي عن إضاعة المال وكلمة ما مصدرية وإضاعة المال صرفه في غير وجهه وقيل إنفاقه في غير طاعة الله تعالى والإسراف والتبذير
قوله وقول الله بالجر عطف على ما قبله قوله والله لا يحب الفساد كذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية النسفي إن الله لا يحب الفساد والأول هو الذي وقع في التلاوة والثاني سهو من الناسخ والفساد خلاف الصلاح قوله ولا يصلح عمل المفسدين كذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية ابن شبويه والنسفي لا يحب بدل لا يصلح وأصل التلاوة أن الله لا يصلح عمل المفسدين وغير هذا سهو من الكاتب وقيل يحتمل أنه لم يقصد التلاوة قلت فيه بعد لا يخفى قوله أصلواتك ( هود 78 ) في سورة هود وأولها قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك ( هود 78 ) إلى قوله إنك لأنت الحليم الرشيد ( هود 78 ) كان شعيب عليه الصلاة و السلام كثير الصلوات وكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا فقصدوا بقولهم أصلواتك تأمرك السخرية والهزء وإسناد الأمر إلى الصلاة على طريق المجاز قوله أن نترك ( هود 78 ) أي بأن نترك أي بترك ما يعبد آباؤنا قوله أو أن نفعل ( هود 78 ) أي أتأمرنا صلواتك بأن نفعل في أموالنا ما تشاء أنت وهو ما كان يأمرهم من ترك التطفيف والبخس وقال زيد بن أسلم كان مما ينهاهم شعيب عليه الصلاة و السلام عنه وعذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم وكانوا يقرضون من أطراف الصحاح لتفضل لهم القراضة وكانوا يتعاملون بالصحاح عددا وبالمكسور وزنا ويبخسون قوله إنك لأنت الحليم الرشيد ( هود 78 ) قول منهم على سبيل الاستهزاء ونسبتهم إياه إلى غاية السفه ووجه ذكر هذه الآية في هذه الترجمة في قوله أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء لأن تصرفهم في الدراهم والدنانير على الوجه الذي ذكرناه إضاعة للمال وكان شعيب عليه الصلاة و السلام ينهاهم عن ذلك فلما لم يتركوا هذه الفعلة عذبهم الله تعالى قوله وقال أي وقال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) هذه الآية في النساء وتمامها التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ( النساء 5 ) ووجه ذكر هذه الآية هنا أيضا هو أن إيتاء الأموال للسفهاء إضاعتها وقال الضحاك عن ابن عباس المراد بالسفهاء النساء والصبيان وقال سعيد بن جبير هم اليتامى وقال قتادة وعكرمة ومجاهد هم النساء وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها وقال ابن أبي حاتم ذكر عن مسلم بن إبراهيم حدثنا حرب بن شريح عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) قال الخدم وهم شياطين الأنس قوله قياما أي تقوم بها معايشكم من التجارات وغيرها قوله وارزقوهم فيها واكسوهم ( النساء 5 ) وعن ابن عباس لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ولكن أمسك مالك وأصلحه وأنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤونتهم ورزقهم وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل أعطى ماله سفيها وقد قال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) ورجل كان له دين على رجل فلم يشهد عليه وقال مجاهد وقولوا لهم قولا معروفا ( النساء 5 ) يعني في البر والصلة قوله والحجر في ذلك بالجر عطف على قوله إضاعة المال أي الحجر في ذلك أي في السفه وقال ابن كثير في ( تفسيره ) ويؤخذ الحجر على السفهاء من هذه الآية أعني قوله ولا تؤتوا السفهاء ( النساء 5 ) وهم أقسام فتارة يكون الحجر على الصغير فإنه مسلوب العبارة وتارة يكون الحجر للجنون وتارة يكون لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين وتارة يكون الحجر للفلس وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه انتهى والسفيه هو الذي يضيع ماله ويفسده بسوء تدبيره والحجر في اللغة المنع وفي الشرع المنع من التصرف في المال وقال أصحابنا السفه هو العمل بخلاف موجب الشرع واتباع الهوى ومن عادة السفيه التبذير والإسراف في النفقة والتصرف لا لغرض أو لغرض لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا مثل دفع المال إلى المغني واللعاب وشراء الحمام الطيارة بثمن غال والغبن في التجارات من غير محمدة وأبو حنيفة لا يرى الحجر بسبب السفه وبه قال زفر وهو مذهب إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وقال أبو يوسف ومحمد ومالك

(12/246)


والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور يحجر على السفيه روي ذلك عن علي وابن عباس وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم واحتج أبو حنيفة بحديث ابن عمر الذي يأتي الآن إذا بايعت فقل لا خلابة فإنه وقف على أنه كان يغبن في البيوع فلم يمنعه من التصرف ولا حجر عليه وحجة الآخرين الآية المذكورة وهي قوله ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) الآية قوله وما ينهى عن الخداع عطف على ما قبله وتقديره أي باب في بيان كذا وكذا وفي بيان ما ينهى عن الخداع أي في البيوع
7042 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الله بن دينار ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رجل للنبي إني أخدع في البيوع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة فكان الرجل يقوله
مطابقته للترجمة من حيث إن الرجل كان يغبن في البيوع وهو من إضاعة المال والحديث قد مر في البيوع في باب ما يكره من الخداع في البيع فإنه أخرجه هناك عن عبيد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار إلى آخره وأخرجه هنا عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك والخلابة بكسر الخاء المعجمة الخداع
8042 - حدثنا ( عثمان ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( الشعبي ) عن ( وراد ) مولى ( المغيرة بن شعبة ) عن ( المغيرة بن شعبة ) قال قال النبي إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال
مطابقته للترجمة في قوله وإضاعة المال ورجاله ذكروا غير مرة وعثمان هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر والشعبي هو عامر بن شراحيل
وهؤلاء كلهم كوفيون لكن سكن جرير الري وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم منصور والشعبي ووراد
والحديث مر في كتاب الزكاة في باب قول الله تعالى لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة 372 ) بأخصر منه فإنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن إسماعيل بن أمية عن خالد الحذاء عن الشعبي إلى آخره قوله عقوق الأمهات أصل العقوق القطع كأن العاق لأمه يقطع ما بينهما من الحقوق وإنما خص الأمهات بالذكر وإن كان عقوق الآباء أيضا حراما لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء وللتنبيه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك ولأن ذكر أحدهما يدل على أن الآخر مثله بالضرورة ولكن تعيين الأم لما ذكرنا قوله ووأد البنات الوأد مصدر وأدت الوائدة ابنتها تئدها إذا دفنتها حية وقال ابن التين بإسكان الهمزة وضبط ابن فارس بفتحها وقال أبو عبيد كان أحدهم في الجاهلية إذا جاءته البنت يدفنها حية حين تولد ويقولون القبر صهر ونعم الصهر وكانوا يفعلونه غيرة وأنفة وبعضهم يفعله تخفيفا للمؤونة قوله ومنع أي وحرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه قوله وهات أي وحرم عليكم طلب ما ليس لكم أخذه وقيل نهى عن منع الواجب من ماله وأقواله وأفعاله وأخلاقه من الحقوق اللازمة فيها ونهى عن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق وتكليفه إياهم بالقيام بما لا يجب عليهم فكأنه ينتصف ولا ينصف وهذا من أسمج الخلال وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل ما معنى منع وهات قال أن تمنع ما عندك فلا تتصدق ولا تعطي فتمد يدك فتأخذ من الناس وقال ابن التين وضبط منع بغير ألف وصوابه منعا بالألف لأنه مفعول حرم قلت صرح الكرماني بقوله منعا بالألف حيث قال فإن قلت كيف صح عطفه أي عطف هات على منعا ثم أجاب بقوله تقديره هات وهات إذ هو باعتبار لازم معناه وهو الأخذ انتهى قلت لأن معنى هات أعطني ومن لازم العطاء الأخذ تقول هات يا رجل بكسر التاء وللإثنين هاتيا مثل إيتيا وللجمع هاتوا وللمرأة هاتي بالياء وللمرأتين هاتيا

(12/247)


وللنساء هاتين مثل عاطين قوله قيل وقال إما فعلان وإما مصدران فإذا كانا فعلين يكون قيل مجهول قال الذي هو ماض والمعنى على هذا نهي عن فضول ما يتحدث به المجالسون من قولهم قيل كذا وقال كذا وبناؤهما على كونهما فعلين محكيين متضمنين للضمير والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خلوين من الضمير ومنه قولهم الدنيا قال وقيل وإدخال حرف التعريف عليهما لذلك في قولهم لا تعرف القال من القيل وإذا كانا مصدرين يكون معناه نهى عن قيل وقول يقال قلت قولا وقالا وقيلا وأصل قالا قولا قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأصل قيلا قولا قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها وقيل هذا النهي إنما يصح في قول لا يصح ولا يعلم حقيقته فأما من حكى ما صح ويعرف حقيقته وأسنده إلى ثقة صادق فلا وجه للنهي عنه ولا ذم وقيل هذا الكلام يتضمن بعمومه النميمة والغيبة فإن تبليغ الكلام من أقبح الخصال والإصغاء إليه أقبح وأفحش قوله وكثرة السؤال فيه وجوه أحدها السؤال عن أمور الناس وكثرة البحث عنها والثاني مسألة الناس من أموالهم وقال التوربشتي ولا أدري حمله على هذا فإن ذلك مكروه وإن لم يبلغ حد الكثرة والثالث كثرة السؤال في العلم للإمتحان وإظهار المراء والرابع كثرة سؤال النبي قال تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( المائدة 101 ) وقال ابن بطال وكثرة السؤال إما في العلميات وإما في الأموال قوله وإضاعة المال قد مر تفسيره في أول الباب وقال الطيبي التقسيم الحاصر فيه الحاوي لجميع الأقسام أن تقول إن الذي يصرف إليه المال إما أن يكون واجبا كالنفقة والزكاة ونحوها وهذا لا ضياع فيه وهكذا إن كان مندوبا إليه وإما أن يكون حراما أو مكروها وهذا قليله وكثيره إضاعة وسرف وإما أن يكون مباحاولا إشكال إلا في هذا القسم إذ كثير من الأموال يعده بعض الناس من المباحات وعند التحقيق ليس كذلك كتشييد الأبنية وتزيينها والإسراف في النفقة والتوسع في لبس الثياب والأطعمة الشهية اللذيذة وأنت تعلم أن القسوة وغلظة الطبع تتولد من لبس الرقاق وأكل الشهيات ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب حتى يضيع فيهلك وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤ والسيف يكسران وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات وإيتاء المال صاحبه وهو سفيه حقيق بالحجر
02 -
( باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه )
أي هذا باب يذكر فيه العبد إلى آخره وأصل راع راعي فاعل إعلال قاض قوله ولا يعمل أي العبد في مال سيده إلا بإذنه إلا فيما كان من المعروف المعتاد أن يعفى عنه مثل الصدقة بالكسرة فلا يحتاج فيه إلي إذنه
9042 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله يقول كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته قال فسمعت هاؤلاء من رسول الله وأحسب النبي قال والرجل في مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
مطابقته للترجمة في قوله والخادم في مال سيده راع لأن المراد من الخادم هنا هو العبد وإن كان أعم منه وجاء في النكاح والعبد راع على مال سيده ورجاله بهذا النسق مرت مرارا وأبو اليمان هو الحكم بن نافع الحمصي وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني
والحديث قد مر في كتاب الجمعة في باب الجمعة في القرى والمدن فإنه أخرجه هناك عن بشر بن محمد عن عبد الله عن يونس عن الزهري عن سالم بن عمر إلى آخره قوله والخادم في مال سيده راع كذا هو للأكثرين وفي رواية أبي ذر والخادم في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته
بسم الله الرحمن الرحيم

(12/248)


44 -
( كتاب الخصومات )
1 -
( باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي )
أي هذا كتاب في بيان الخصومات وهو جمع خصومة وهي إسم قال الجوهري خاصمه مخاصمة وخصاما والإسم الخصومة والخصم معروف يستوي فيه الجمع والمؤنث لأنه في الأصل مصدر ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول خصمان وخصوم والخصيم أيضا الخصم والجمع خصما والخصم بكسر الصاد شديد الخصومة ووقع للأكثرين ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود ووقع لبعضهم واليهودي بالإفراد وفي رواية أبي ذر ما يذكر في الخصومات والملازمة والأشخاص وفي بعض النسخ باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي قال ابن التين يقال شخص بفتح الخاء من بلد إلى بلد أي ذهب والمصدر شخوصا وأشخصه غيره وشخص التاجر خرج من منزله وشخص بكسر الخاء رجع ذكره ابن سيده
0142 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) قال ( عبد الملك بن ميسرة ) أخبرني قال سمعت ( النزال ) قال سمعت ( عبد الله ) يقول سمعت رجلا قرأ آية قال سمعت من النبي خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله فقال كلاكما محسن قال شعبة أظنه قال لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا
مطابقته للترجمة في قوله لا تختلفوا إلى آخره لأن الاختلاف الذي يورث الهلاك هو أشد الخصومة وأشار بعضهم إلى أن الترجمة في قوله فأخذت بيده فأتيت به رسول الله فقال إنه المناسب للترجمة قلت الذي قلته هو الأنسب لأن فيما ذكره احتمال الخصومة والذي ذكرته فيه الخصومة المحققة على ما لا يخفى
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي الثاني شعبة بن الحجاج الثالث عبد الملك بن ميسرة الهلالي يقال له الزراد بالزاي وتشديد الراء الرابع النزال بفتح النون وتشديد الزاي ابن سبرة بفتح السين وسكون الباء الموحدة الهلالي الخامس عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه تقديم الراوي على الصيغة وهو جائز عند المحدثين وفيه السماع في أربعة مواضع وفيه أن شيخه بصري وشعبة واسطي وعبد الملك كوفي والنزال صحابي فيما ذكره أبو عمر فإنه ذكره في جملة الصحابة وغيره ذكره في التابعين الكبار فعلى قول أبي عمر فيه رواية الصحابي عن الصحابي وعلى قول غيره فيه رواية التابعي عن التابعي لأن عبد الملك من التابعين وفيه أن النزال ليس له في البخاري إلا هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود وآخر في الأشربة عن علي رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل وفي فضال القرآن عن سفيان بن حرب وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله قرأ آية وفي ( صحيح ابن حبان ) عن عبد الله أقرأني رسول الله سورة الرحمن فخرجت إلى المسجد عشية فجلست إلى رهط فقلت لرجل اقرأ علي فإذا هو يقرأ أحرفا لا أقرؤها فقلت من أقرأك قال أقرأني رسول الله فانطلقنا حتى وقفنا على رسول الله فقلت اختلفنا في قراءتنا فإذا وجه رسول الله فيه تغيير ووجد في نفسه حين ذكرت الاختلاف وقال إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف فأمر عليا رضي الله تعالى عنه فقال إن رسول الله يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حرفا لا يقرأ صاحبه انتهى فهذا يدل على أن كلا منهما ما خرج عن قراءة السبعة فلذلك قال رسول الله كلاكما محسن أي في القراءة وإفراد الخبر باعتبار لفظ كلا وأما أصل السبعة فما رواه ابن حبان في ( صحيحه ) من

(12/249)


حديث أبي بن كعب قال قرأ رجل آية وقرأتها على غير قراءته فقلت من أقرأك هذه قال رسول الله فانطلقت فقلت يا رسول الله أقرأتني آية كذا وكذا قال نعم فقال الرجل له أقرأتني آية كذا وكذا قال نعم إن جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام أتياني فجلس جبريل عن يميني وميكائيل عليه الصلاة و السلام عن يساري فقال جبريل يا محمد إقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده فقلت زدني فقال إقرأ على حرفين فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف وقال كل كاف شاف وفي لفظ أنزل علي القرآن على سبعة أحرف وعند الترمذي قال النبي يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمية منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف قوله قال شعبة هو بالأسناد المذكور قوله أظنه قال أي قال النبي لا تختلفوا أي لا تختلفوا في القرآن والاختلاف فيه كفر إذا نفى إنزاله إذا كان يقرأ خلاف ذلك ولا يخير بين القراءتين لأنهما كلاهما كلامه قديم غير مخلوق وإنما التفضيل في الثواب وفي ( معجم ) أبي القاسم البغوي حدثنا عبد الله بن مطيع حدثنا إسماعيل بن جعفر عن يزيد بن خصيفة عن مسلم بن معبد عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة أن رسول الله قال إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر ورواه أيضا أبو عبيد بن سلام في كتاب ( القراآت ) تأليفه عن إسماعيل بن جعفر2 - ( حدثنا يحيى بن قزعة قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال استب رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود قال المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فدعا النبي المسلم فسأله عن ذلك فأخبره فقال النبي لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله )
مطابقته للترجمة في قوله استب رجلان فإن الاستباب عن اثنين لا يكون إلا بالخصومة ورجاله قد ذكروا غيرة مرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد وفي الرقاق عن يحيى بن قزعة وعبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وأبي بكر بن أبي النضر وأخرجه أبو داود في السنة عن حجاج بن أبي يعقوب ومحمد بن يحيى بن فارس وأخرجه النسائي في النعوت وفي التفسير عن محمد بن عبد الرحيم
( ذكر معناه ) قوله عن أبي سلمة وعن عبد الرحمن الأعرج يعني الزهري يروي عنهما جميعا وهما يرويان جميعا عن أبي هريرة ويروي عن ابن شهاب والأعرج قوله استب رجلان من السب وهو الشتم من سبه يسبه سبا وسبابا قوله رجل أي أحدهما رجل من المسلمين قيل هو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ووقع في جامع سفيان عن عمرو بن دينار أن الرجل الذي لطم اليهودي هو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قوله ورجل من اليهود أي والآخر رجل من اليهود ذكر في تفسير ابن إسحاق أن اليهودي اسمه فنحاص وفيه نزل قوله تعالى لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء قوله والذي اصطفى محمدا أي والله الذي اختار محمدا على العالمين وأصل اصطفى اصتفى لأنه من الصفوة فلما نقل صفا إلى باب الافتعال فقيل اصتفى قلبت تاؤه طاء لأن الصاد من المجهورة والتاء من المهموسة فلا يعتدلان قوله لا تخيروني أي لا تفضلوني على موسى ( فإن قلت ) نبينا محمد أفضل الأنبياء والمرسلين وقال أنا سيد ولد آدم ولا فخر فما وجه قوله لا تخيروني أي تفضلوني قلت الجواب عنه من أوجه الأول أنه قبل أن يعلم أنه أفضلهم فلما علم قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر الثاني أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم فإنه كفر الثالث أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة كما في الحديث من لطم المسلم اليهودي

(12/250)


الرابع أنه قال تواضعا ونفيا للكبر والعجب الخامس أنه نهى عن التفضيل في نفس النبوة لا في ذوات الأنبياء عليهم السلام وعموم رسالتهم وزيادة خصائصهم وقد قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال ابن التين معنى لا تخيروا بين الأنبياء يعني من غير علم وإلا فقد قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وأغرب ابن قتيبة فأجاب بأنه سيد ولد آدم يوم القيامة لأنه الشافع يومئذ وله لواء الحمد والحوض قوله يصعقون يعني يخرون صراعا بصوت يسمعونه يوجب فيهم ذلك من صعق يصعق من باب علم يعلم وقال ابن الأثير الصعق أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه وربما مات منه ثم استعمل في الموت كثيرا والصعقة المرة الواحدة منه وقال النووي الصعق والصعقة الهلاك والموت يقال منه صعق الإنسان بفتح الصاد وضمها وأنكر بعضهم الضم منهم القزاز فإنه قال لا يقال صعق ولا هو مصعوق وقال الطبري بإسناده عن ابن عباس فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ترابا وخر موسى صعقا قال مغشيا عليه وفي رواية فلم يزل صعقا ما شاء الله وقال ابن الجوزي وهو بالموت أشبه وفي تفسير الطبري عن قتادة وابن جريج وخر موسى صعقا قالا ميتا وفي التهذيب للأزهري قوله تعالى فلما أفاق دليل الغشي لأنه يقال للمغشي عليه وللذي ذهب عقله قد أفاق وفي الميت بعث ونشر قوله فأكون أول من يفيق وفي لفظ أول من تنشق عنه الأرض قيل هو مشكل لأن الأحاديث دالة على أن موسى قد توفي وأنه زاره في قبره وجه الإشكال أن نفخة الصعق إنما يموت بها من كان حيا في هذه الدار فأما من مات فيستحيل أن يموت ثانيا وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث وموسى قد مات فلا يصح أن يموت مرة أخرى ولا يصح أن يكون مستثنى من نفخة الصعق لأن المستثنين أحياء لم يموتوا ولا يموتون ولا يصح استثناؤهم من الموتى وقال بعضهم يحتمل أن يكون المراد بهذه الصعقة صعقة فزع بعد الموت حين تنشق السموات والأرض وقال النووي يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من الأنبياء وهو باطل وقال القاضي يحتمل أن يكون المراد بهذه الصعقة صعقة فزع بعد الموت حين تنشق السموات والأرض وقال النووي يحتمل أنه قال هذا قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره وأن نبينا أول من تنشق عنه الأرض فيكون موسى عليه الصلاة و السلام من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ( فإن قلت ) إذا جعلت له تلك عوضا من الصعقة فيكون حيا حالة الصعق وحينئذ لم يصعق ( قلت ) الموت ليس بعدم إنما هو انتقال من دار إلى دار فإذا كان هذا للشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى مع أنه صح عنه أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن النبي قد اجتمع بهم ليلة الإسراء ببيت المقدس والسماء خصوصا بموسى عليه الصلاة و السلام فتحصل من جملة هذا القطع بأنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإنهم موجودون أحياء لا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله تعالى بكرامته وإذا تقرر أنهم أحياء فهم فيما بين السموات والأرض فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله فأما صعق غير الأنبياء فموت وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشي فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حي ومن غشي عليه أفاق فإذا تحقق هذا علم أن نبينا أول من يفيق وأول من يخرج من قبره قبل الناس كلهم الأنبياء وغيرهم إلا موسى عليه الصلاة و السلام فإنه حصل له فيه تردد هل بعث قبله أو بقي على الحالة التي كان عليها وعلى أي الحالتين كان فهي فضيلة عظيمة لموسى عليه الصلاة و السلام ليست لغيره ( قلت ) لقائل أن يقول أن سيدنا محمدا لما يرفع بصره حين الإفاقة يكون إلى جهة من جهات العرش ثم ينظر ثانيا إلى جهة أخرى منه فيجد موسى وبه يلتئم قوله أنا أول من تنشق عنه الأرض قوله فإذا موسى باطش كلمة إذا للمفاجأة ومعنى باطش متعلق به بقوة والبطش الأخذ القوي الشديد قوله فلا أدري إلى آخره ( فإن قلت ) يأتي في حديث أبي سعيد عقيب هذا فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقته الأولى فما الجمع بين هذه الثلاثة ( قلت ) المعنى لا أدري أي هذه الثلاثة كانت من الإفاقة أو الاستثناء أو المحاسبة والمستثنى قد يكون نفس من له الصعقة في الدنيا قوله ممن استثنى الله يعني في قوله تعالى فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله أن لا يصعق وهم جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل وزاد كعب حملة العرش وروى

(12/251)


أنس مرفوعا ثم تموت الثلاثة الأول ثم ملك الموت بعدهم وملك الموت يقبضهم ثم يميته الله وروى أنس مرفوعا آخرهم موتا جبريل عليه الصلاة و السلام وقال سعيد بن المسيب ( إلا من شاء الله ) الشهداء متقلدون بالسيوف حول العرش -
2142 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال بينما رسول الله جالس جاء يهودي فقال يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك فقال من قال رجل من الأنصار قال ادعوه فقال أضربته قال سمعته بالسوق يحلف والذي اصطفى موسى على البشر قلت أي خبيث على محمد فأخذتني غضبة ضربت وجهه فقال النبي لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقة الأولى
مطابقته للترجمة في قوله أدعوه فإن المراد به إشخاصه بين يدي النبي عليه السلام
ذكر رجاله وهم خمسة الأول موسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي الثاني وهيب مصغر وهب بن خالد أبو بكر الثالث عمرو بن يحيى الأنصاري الرابع أبوه يحيى بن عمارة بن أبي حسن الخامس أبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه وشيخ شيخه بصريان وعمرا وأباه مدنيان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير وفي الديات وفي أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التوحيد عن محمد بن يوسف وفي الديات عن أبي نعيم عن سفيان به مختصرا وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن عمرو الناقد وأخرجه أبو داود في السنة عن موسى به مختصرا لا تخيروا بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ذكر معناه قوله بينما مر الكلام فيه غير مرة قوله رسول الله مبتدأ وخبره قوله جالس وقوله جاء يهودي جواب بينما قوله فقال من يعني من ضربك قوله قال رجل أي قال اليهودي ضربني رجل من الأنصار قوله قال ادعوه أي قال النبي أدعوا أي اطلبوا هذا الرجل قوله فقال أضربته فيه حذف تقديره أي فحضر الرجل فقال له النبي هل ضربت الرجل قوله على البشر كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني على النبيين قوله أي خبيث أي قلت يا خبيث على محمد أي اصطفى موسى على محمد والاستفهام فيه على سبيل الإنكار قوله فإذا أنا بموسى كلمة إذا للمفاجأة والباء في بموسى للإلصاق المجازي معناه فإذا أنا بمكان يقرب من موسى أي من رؤيته قوله آخذ على وزن فاعل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو آخذ ومن جهة العربية يجوز أن يكون منصوبا على الحال قوله بقائمه القائمة في اللغة واحدة قوائم الدابة والمراد ههنا ما هو كالعمود للعرش
وقال ابن بطال فيه أن لا قصاص بين المسلم والذمي لأنه لم يأمر بقصاص اللطمة
3142 - حدثنا ( موسى ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين قيل من فعل هذا بك أفلان أفلان حتى سمي اليهودي فأومت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر به النبي فرض رأسه بين حجرين
مطابقته للترجمة من حيث إنه يشتمل على خصومة بين يهودي وجارية من الأنصار وموسى هو ابن إسماعيل المذكور

(12/252)


وهمام على وزن فعال بالتشديد ابن يحيى بن دينار البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن حسان بن أبي عباد وفي الديات عن حجاج بن منهال وعن إسحاق عن ابن حبان وأخرجه مسلم في الحدود عن هدبة بن خالد وأخرجه أبو داود في الديات عن علي بن محمد عن محمد بن كثير وأخرجه الترمذي فيه والنسائي في القود جميعا عن علي بن حجر وأخرجه ابن ماجه في الديات عن علي بن محمد عن وكيع
ذكر معناه قوله رض بتشديد الضاد المعجمة أي دق يقال رضضت الشيء رضا فهو رضيض ومرضوض وقال ابن الأثير الرض الدق الجريش قوله رأس جارية كانت هذه الجارية من الأنصار كما صرح به في رواية أبي داود واختلفت ألفاظ هذا الحديث فههنا رض رأس جارية بين حجرين وفي رواية للبخاري على ما سيأتي أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فقتلها بين حجرين وفي رواية للطحاوي عدا يهودي في عهد رسول الله على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها وفي رواية لمسلم فرضخ رأسها بين حجرين وفي رواية لأبي داود أن يهوديا قتل جارية من الأنصار على حلى لها ثم ألقاها في قليب رضخ رأسها بالحجارة فأخذ فأتي به النبي فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات وفي رواية الترمذي خرجت جارية عليها أوضاح فأخذها يهودي فرضخ رأسها وأخذ ما عليها من حلي قال فأدركت وبها رمق فأتي بها النبي فقال من قتلك الحديث قلت الاختلاف في الألفاظ لا في المعاني فإن الرضخ والرض والرجم كله عبارة ههنا عن الضرب بالحجارة والأوضاح جمع وضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة وهو نوع من الحلي يعمل من الفضة سميت بها لبياضها والرضخ بالضاد والخاء المعجمتين وهو الدق والكسر هنا ويجيء بمعنى الشدخ أيضا وبمعنى العطية قوله أفلان أفلان الهمزة فيهما للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله فأومت كذا ذكره ابن التين ثم قال صوابه فأومأت وثلاثيه ومأ وفي ( المطالع ) يقال منه ومأ وأومأ وفي ( الصحاح ) أومأت إليه أشرت ولا تقل أوميت وومأت إليه إماء ووماء لغة وهذا معتل الفاء مهموز اللام
ذكر ما يستفاد منه احتج به عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر وجماعة من الظاهرية على أن القاتل يقتل بما قتل به وقال ابن حزم قال مالك إن قتله بحجر أو بعصا أو بالنار أو بالتفريق قتل بمثل ذلك يكرر عليه أبدا حتى يموت وقال الشافعي إن ضربه بحجر أو بعصا حتى مات ضرب بحجر أو بعصا أبدا حتى يموت فإن حبسه بلا طعام ولا شراب حتى مات حبس مثل المدة حتى يموت فإن لم يمت قتل بالسيف وهكذا إن غرقه وهكذا إن ألقاه من مهواة عالية فإن قطع يديه ورجليه فمات قطعت يدا القاتل ورجلاه فإن مات وإلا قتل بالسيف وقال أبو محمد إن لم يمت ترك كما هو حتى يموت لا يطعم ولا يسقى وكذلك إن قتله جوعا أو عطشا عطش أو جوع حتى يموت ولا تراعى المدة أصلا وقال ابن شبرمة إن غمسه في الماء حتى مات غمس حتى يموت وقال عامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله لا يقتل القاتل في جميع الصور إلا بالسيف واحتجوا في ذلك بما رواه أبو داود الطيالسي عن قيس عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان ابن بشير عن النبي قال لا قود إلا بحديدة ورواه الطحاوي حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن أبي عازب عن النعمان قال قال رسول الله لا قود إلا بالسيف وأخرجه الدارقطني حدثنا محمد بن سليمان النعماني حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الجرجرائي حدثنا موسى بن داود عن مبارك عن الحسن قال قال رسول الله لا قود إلا بالسيف قيل للحسن عمن قال سمعت النعمان بن بشير يذكر ذلك وقيل عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا رواه الوليد بن صالح عنه وأخرجه ابن أبي شيبة مرسلا حدثنا عيسى بن يونس عن أشعث وعمرو بن عبيد عن الحسن قال قال رسول الله لا قود إلا بالسيف وجه الاستدلال به أن معناه لا قصاص حاصل إلا بالسيف وقد علم أن النكرة في موضع النفي تعم ويكون المعنى لا فرد من أفراد القود إلا وهو مستوفى بالسيف وقيل النفي والاستثناء وهو طريق من طرق القصر وتحقيق القصر فيه أنه لما قيل لا قود توجه النفي إلى ذات القود فانتفى القود المنكر الشامل لكل واحد من أفراد القود ولما قيل إلا بالسيف جاء القصر وفيه

(12/253)


إثبات ذلك القود المنفي بالسيف وإنما قلنا توجه النفي إلى ذات القود لأن القود معنى من المعاني وليس له قيام إلا بالذات والذات لا يتوجه إليه النفي ولهذا نقول المنفي في قولنا إنما زيد قائم هو اتصاف زيد بالقيام لا ذات زيد لأن أنفس الذوات أي الأجسام يمتنع نفيها كا بين ذلك في الطبيعيات
فإن قلت قال البيهقي هذا حديث لم يثبت له إسناد وجابر الجعفي مطعون فيه قلت الجعفي وإن طعن فيه فقد قال وكيع مهما تشككتم فيه فلا تشكوا في أن جابرا ثقة وقال شعبة صدوق في الحديث وقال الثوري لشعبة لئن تكلمت في جابر لتكلمت فيك وقال الذهبي في ( الكاشف ) إن ابن حبان أخرج له في ( صحيحه ) وقد تابع الثوري أيضا قيس بن الربيع كما ذكرنا في رواية الطيالسي وقال عفان كان قيس ثقة وثقه الثوري وشعبة وقال أبو داود الطيالسي هو ثقة حسن الحديث ثم إنا ولئن سلمنا ما قاله البيهقي فقد وجدنا شاهدا لحديث النعمان المذكور وهو ما رواه ابن ماجه حدثنا إبراهيم بن المستمر حدثنا الحر بن مالك العنبري حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة قال قال النبي لا قود إلا بالسيف وسنده جيد وابن المستمر صدوق كذا قال النسائي والحر قال ابن أبي حاتم في كتابه سألت أبي عنه فقال صدوق والمبارك وإن تكلم فيه فقد أخرج له البخاري في المبايعات في باب قول النبي يخوف الله عباده بالكسوف وأخرج له ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( مستدركه ) ووثقه وقال عفان كان ثقة ووثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه وروي أيضا نحوه عن أبي هريرة أخرجه البيهقي من ( سننه ) من حديث ابن مصفى حدثنا بقية حدثنا سليمان عن الزهري عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا قود إلا بالسيف ثم قال البيهقي ورواه بقية بن الوليد عن أبي معاذ هو سليمان بن أرقم عن الزهري هكذا وعن أبي معاذ عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله قال لا فود إلا بسلاح ورواه معلى بن هلال عن أبي أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لا قود إلا بحديدة وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري أخرجه الدارقطني عن عبد الصمد بن علي عن الفضل بن عباس عن يحيى بن غيلان عن عبد الله بن بزيع عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان عن جابر عن أبي عازب عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال القود بالسيف والخطأ على العاقلة وهذا الحديث كما رأيت قد روي عن النعمان بن بشير وأبي بكرة وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم ولا شك أن بعضها يشهد لبعض وأقل أحواله أن يكون حسنا فإذا كان حسن صح الاحتجاج به
وأجابوا عن حديث الباب بأنه رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله تعالى إذا كان إنما قتل على مال قد بين ذلك في الحديث الذي فيه الأوضاح كما يجب دم قاطع الطريق لله تعالى فكأن له أن يقتله كيف شاء بسيف أو بغيره وأيضا روي في هذا الحديث فيما رواه مسلم وأبو داود أنه أمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات وقد مر عن قريب فدل ذلك أن قتل القاتل لا يتعين أن يكون بما قتل به وجواب آخر أن ذلك كان حين كانت المثلة مباحة كما فعل بالعرنيين ثم نسخت بعد ذلك ونهى عنها
وفيه إيماء تلك الجارية واختلف العلماء في إشارة المريض فذهب الليث ومالك والشافعي إلى أنه إذا ثبتت إشارته على ما يعرف من حضره جازت وصيته وقال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري إذا سئل المريض عن الشيء فأومأ برأسه أو بيده فليس بشيء حتى يتكلم قال أبو حنيفة وإنما تجوز إشارة الأخرس أو من لحقته سكتة لا يتكلم وأما من اعتقل لسانه ولم يوم به ذلك فلا تجوز إشارته وقال صاحب ( التوضيح ) قلت الحديث حجة عليه قلت لو أدرك ما ذكرناه آنفا لما اجترأ بإبراز هذا الكلام فلا يكثر مثل هذا على قاصر الفهم وفائت الإدراك والنبي لم يكتف بإشارة الجارية في قتل اليهودي وإنما قتله باعترافه وقال الإسماعيلي من أطاق الإبانة عن نفسه لم تكن إشارته فيما له أو عليه واقعة موقع الكلام لكن تقع موقع الدلالة على ما يراد لا فيما يؤدي إلى الحكم على إنسان بإشارة غيره ولو كان كذلك لقبلت شهادة الشاهدين بالإشارة والإيماء وقال بعض الشافعية في هذا الحديث حجة على أبي حنيفة حيث لم يوجب القصاص فيمن قتل بمثقل عمدا وإنما يجب عنده دية مغلظة والحديث حجة عليه وخالفه غيره من الأئمة مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء والجواب عن هذا أن عادة ذلك اليهودي كانت قتل الصغار بذلك الطريق فكان ساعيا في الأرض بالفساد فقتل سياسة واعترضوا بأنه لو قتل

(12/254)


لسعيه في الأرض بالفساد لما قتل مماثله برض رأسه بين الحجرين ورد بأن قتله مماثلة كان قبل تحريم المثلة فلما حرمت نسخت فكان القتل بعد ذلك بالسيف وفيه بيان أن الرجل يقتل بالمرأة وهو مجمع عليه عند من يعتد بإجماعه وفيه خلاف شاذ وفيه قتل الكافر بالمسلم والله أعلم
2 -
( باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام )
أي هذا باب في بيان حكم من رد أمر السفيه وهو ضد الرشيد وهو الذي يصلح دينه ودنياه والسفيه هو الذي يعمل بخلاف موجب الشرع ويتبع هواه ويتصرف لا لغرض أو لغرض لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا مثل دفع المال إلى المغني واللعاب وشراء الحمام الطيارة بثمن غال وغير ذلك قوله والضعيف العقل أعم من السفيه قوله وإن لم يكن وأصل بما قبله يعني حجر الإمام عليه أو لم يحجر فإن بعضهم يرد تصرف السفيه مطلقا وهو قول ابن القاسم أيضا وعند أصبغ لا يرد عليه إلا إذا ظهر سفهه وقال غيرهما من المالكية لا يرد مطلقا إلا ما تصرف فيه بعد الحجر وبه قالت الشافعية وعند أبي حنيفة لا يحجر بسبب سفه ولا يرد تصرفه مطلقا وعند أبي يوسف ومحمد يحجر عليه في تصرفات لا تصح مع الهزل كالبيع والهبة والإجارة والصدقة ولا يحجر عليه في غيرها كالطلاق ونحوه وقال الشافعي يحجر عليه في الكل ولا يحجر عليه أيضا عند أبي حنيفة بسبب غفلة وهو عاقل غير مفسد ولا يقصده ولكنه لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة وعندهما يحجر عليه كالسفيه
ويذكر عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي رد على المتصدق قبل النهي ثم نهاه
هذا التعليق ذكره البخاري في كتاب البيوع في باب بيع المزايدة موصولا عن جاب بن عبد الله أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج الحديث ورواه النسائي موصولا أيضا ولفظه أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك النبي فقال له ألك مال غيره قال لا قال رسول الله من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله فدفعها إليه ثم قال إبدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول بين يديك وعن يمينك وشمالك فإن قلت الذي ذكره البخاري في الباب المذكور صحيح فكيف ذكر هنا بصيغة التمريض قلت هذا المقدار الذي ذكره هنا ليس على شرطه فلذلك ذكره بصيغة التمريض ومن عادته غالبا أنه لا يجزم إلا ما كان على شرطه فإن قلت ما المطابقة بين هذا المعلق والترجمة قلت هي أنه إنما رد على المتصدق المذكور صدقته مع احتياجه إليها لأجل ضعف عقله لأنه ليس من مقتضى العقل أن يكون الشخص محتاجا فيتصدق على غيره فلذلك أمر في الحديث المذكور أن يتصدق على نفسه أولا ثم إن فضل من ذلك شيء فيتصدق به على أهله فإن فضل شيء فيتصدق به على قرابته فإن فضل شيء يتصدق به على من شاء من غير هؤلاء قوله رد على المتصدق أي رد على المتصدق المذكور في حديث جابر صدقته مع احتياجه إليها قوله ثم نهاه أي عن مثل هذه الصدقة بعد ذلك
وقال مالك إذا كان لرجل على رجل مال وله عبد لا شيء له غيره فأعتقه لم يجز عتقه
هكذا ذكره مالك في ( موطئه ) أخرجه عنه عبد الله بن وهب واستنبط مالك ذلك عن قضية المدبر الذي باعه النبي على صاحبه واختلف العلماء في السفيه قبل الحكم هل ترد عقوده فاختار البخاري ردها واستدل بحديث المدبر وذكر قول مالك في رد عتق المديان قبل الحجر إذا أحاط الدين بماله ويلزم مالكا رد أفعال سفيه الحال لأن الحجر في السفيه والمديان مطرد
ومن باع على الضعيف ونحوه فدفع ثمنه إليه وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه فإن أفسد

(12/255)


بعد منعه لأن النبي نهى عن إضاعة المال وقال للذي يخدع في البيع إذا بايعت فقل لا خلابة ولم يأخذ النبي ماله
هكذا وقع قوله ومن باع إلى آخره بالعطف على ما قبله في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر باب من باع على الضعيف إلى آخره وذكر لفظ باب ليس له فائدة أصلا قوله على الضعيف أي ضعيف العقل والألف واللام فيه للعهد وهو المذكور في الترجمة قوله ونحوه هو السفيه قوله فدفع ويروى ودفع بالواو وهذا حاصل ما فعله النبي في بيع المدبر المذكور لأنه لما باعه دفع ثمنه إليه ونبهه على طريق الرشد وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه وما كان سفهه حينئذ في ذلك إلا ناشئا عن الغفلة وعدم البصيرة بمواقع المصالح ولهذا سلم إليه الثمن ولو كان منعه لأجل سفهه حقيقة لم يكن يسلم إليه الثمن قوله فإن أفسد بعد بضم الدال لأنه مبني على الضم وإضافته منوية أي وإن أفسد هذا الضعيف الحال بعد ذلك منعه أي حجر عليه من التصرف قوله لأن النبي إلى آخره تعليل لما ذكره من منعه بعد ذلك والنهي عن إضاعة المال قد مر عن قريب في باب إضاعة المال قوله وقال للذي أي وقال النبي للرجل الذي كان يخدع في البيع إلى آخره قد مر في باب ما يكره من الخداع في البيع قوله ولم يأخذ النبي ماله أي مال الرجل الذي باع النبي غلامه إنما لم يأخذ لأنه لم يظهر عنده سفهه حقيقة إذ لو ظهر لمنعه من أخذ الثمن وقد مر
5142 - حدثنا ( عاصم بن علي ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( محمد بن المنكدر ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه أن رجلا أعتق عبدا له ليس له مال غيره فرده النبي فابتاعه منه نعيم بن النحام
قد مر هذا في كتاب البيوع في باب بيع المزايدة أخرجه هناك عن بشر بن محمد عن عبد الله عن حسين المكتب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر إلى آخره وأخرجه هنا عن عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي وهو من أفراد البخاري عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وقد مر غير مرة
4 -
( باب كلام الخصوم بعضهم في بعض )
أي هذا باب في بيان كلام الخصوم بعضهم مع بعض فيما لا يوجب شيئا من الحد والتعزير وأراد بهذا أن كلام بعض الخصوم مع بعض من غير إفحاش لا يوجب شيئا لأن الكلام لا بد منه ولكن لا يتكلم بعضهم لبعض بكلام يجب فيه الحد أو التعزير

(12/256)


7142 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( أبو معاوية ) عن ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان قال فقال الأشعث في والله كان ذالك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلاى النبي فقال لي رسول الله ألك بينة قلت لا قال فقال لليهودي احلف قال قلت يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلاى آخر الآية
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا يحلف ويذهب بمالي فإنه نسب اليهودي إلى الحلف الكاذبولم يجب عليه شيء لأنه أخبر بما كان يعلمه منه ومثل هذا الكلام مباح فيمن عرف فسقه كما عرف فسق اليهودي الذي خاصم الأشعث وقلة مراقبته لله تعالى وأماالقول بذلك في رجل صالح أو من لا يعرف له فسق فيجب أن ينكر عليه ويؤخذ له بالحق ولا يبيح له النيل من عرضه وقد مضى هذا الحديث في كتاب المساقاة في باب الخصومة في البئر والقضاء فيها فيها فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله إلى آخره وههنا أخرجه عن محمد هو ابن سلام كذا ذكره أبو نعيم وخلف عن أبي معاوية محمد بن خازم بالمعجمتين الضريرعن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي عن عبد الله ابن مسعود وقد مر الكلام فيه هناك
قوله وهو فيها فاجر جملة إسمية وقعت حالا وفاجر أي كاذب وإطلاق الغضب على الله تعالى على المعنى الغائي منه وهي إرادة إيصال الشر لأن معناه غليان دم القلب لإرادة الانتقام وهو على الله تعالى محال
8142 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عثمان بن عمر ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( عبد الله بن كعب بن مالك ) عن ( كعب ) رضي الله تعالى عنه أنه تقاضاى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى يا كعب قال لبيك يا رسول الله قال ضع عن دينك هاذا فأومأ إليه أي الشطر قال لقد فعلت يا رسول الله قال قم فاقضه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فارتفعت أصواتهما لأن رفع الأصوات يدل على كلام كثير وقع بينهما وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب التقاضي والملازمة في المسجد فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد إلى آخره بعين هذا الإسناد وعين هذا المتن وفائدة التكرار على هذا الوجه لأجل هذه الترجمة
9 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله أقرأنيها وكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله فقلت أني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها فقال لي أرسله ثم قال له اقرأ فقرأ قال هكذا نزلت

(12/257)


ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا نزلت إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤا منه ما تيسر )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم لببته بردائه فإن تلبيبه يدل على كلام كثير وقع بينهما يقال لببت الرجل بالتشديد تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند صدره في الخصومة ثم جررته وهذا أقوى من مجرد القول لأن فيه امتدادا باليد زيادة على القول وكان جواز هذا الفعل بحسب ما أدى عليه اجتهاده
( ذكر رجاله ) وهم ستة عبد الله بن يوسف التنيسي وهو من أفراده ومالك بن أنس ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وعروة بن الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عبد القاري بالقاف والراء الخفيفة وتشديد الياء نسبة إلى بني قارة بن الديش بن محلم بن غالب بن ربيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة والمشهور أنه تابعي وقد يقال أنه صحابي توفي بالمدينة سنة ثمانين وله ثمان وسبعون سنة وهشام بن حكيم بفتح الحاء ابن حزام بكسر الحاء وتخفيف الزاي القرشي الصحابي ابن الصحابي أسلم يوم الفتح وكان من فضلاء الصحابة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وروى البخاري هذا الحديث في فضائل القرآن من حديث عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به قال الدارقطني رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معمر عن ابن شهاب عن عروة بن المسور عن عمر ورواه مالك بإسقاط المسور وكلها صحاح عن الزهري ورواه يحيى بن بكير عن مالك فقال عن هشام ووهم والصحيح ابن شهاب
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري في فضائل القرآن عن سعيد بن عفير وفي التوحيد عن يحيى بن بكير عن ليث عن عقيل وفي استتابة المرتدين وقال الليث حدثني يونس وفي فضائل القرآن أيضا عن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن حرملة عن ابن وهب وعن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وأخرجه الترمذي في القراءة عن الحسن بن علي الخلال وأخرجه النسائي في الصلاة عن يونس بن عبد الأعلى وعن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وفي فضائل القرآن أيضا عنهما
( ذكر معناه ) قوله وكدت أن أعجل عليه يعني في الإنكار عليه والتعرض له قوله حتى انصرف أي من القراءة قوله ثم لبيته بالتشديد من التلبيب وقد مر تفسيره الآن قوله فقال لي أرسله أي فقال لي رسول الله أرسله أي هشام بن حكيم وكان ممسوكا معه قوله هكذا أنزلت قال ذلك عمر رضي الله تعالى عنه في قراءة الاثنين كليهما ولم يبين أحد كيفية الخلاف الذي وقع بينهما قوله على سبعة أحرف اختلفوا في معنى هذا على عشرة أقوال الأول قال الخليل هي القراآت السبعة وهي الأسماء والأفعال المؤلفة من الحروف التي تنتظم منها الكلمة فيقرأ على سبعة أوجه كقوله نرتع ونلعب قرىء على سبعة أوجه ( فإن قلت ) كيف يجوز إطلاق العدد على نزول الآية وهي إذا نزلت مرة حصلت كما هي إلا أن ترفع ثم تنزل بحرف آخر ( قلت ) أجابوا عنه بأن جبريل عليه الصلاة و السلام كان يدارس رسول الله القرآن في كل رمضان ويعارضه إياه فنزل في كل عرض بحرف ولهذا قال أقرأني جبريل عليه الصلاة و السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف واختلف الأصوليون هل يقرأ اليوم على سبعة أحرف فمنعه الطبري وغيره وقال إنما يجوز بحرف واحد اليوم وهو حرف زيذ ونحى إليه القاضي أبو بكر وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري أجمع المسلمون على أنه لا يجوز حظر ما وسعه الله تعالى من القراآت بالأحرف التي أنزلها الله تعالى ولا يسوغ للأمة أن تمنع ما يطلقه الله تعالى بل هي موجودة في قراءتنا وهي مفرقة في القرآن غير معلومة بأعيانها فيجوز على هذا وبه قال القاضي أن يقرأ بكل ما نقله أهل التواتر من غير تمييز حرف من حرف فيحفظ حرف ناقع بحرف الكسائي وحمزة ولا حرج في ذلك لأن الله تعالى أنزلها تيسيرا على عبده ورفقا وقال الخطابي الأشبه فيه ما قيل أن القرآن أنزل مرخصا للقارىء بأن يقرأ

(12/258)


بسبعة أحرف على ما تيسر وذلك إنما هو فيما اتفق فيه المعنى أو تقارب وهذا قبل إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فأما الآن فلا يسعهم أن يقرأه على خلاف أجمعوا عليه القول الثاني قال أبو العباس أحمد بن يحيى سبعة أحرف هي سبع لغات فصيحة من لغات العرب قريش ونزار وغير ذلك الثالث السبعة كلها لمضر لا لغيرها وهي مفرقة في القرآن غير مجتمعة في الكلمة الواحدة الرابع أنه يصح في الكلمة الواحدة الخامس السبعة في صورة التلاوة كالإدغام وغيره السادس السبعة هي سبعة أنحاء زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال السابع سبعة أحرف هي الإعراب لأنه يقع في آخر الكلمة وذكر عن مالك أن المراد به إبدال خواتيم الآي فيجعل مكان غفور رحيم سميع بصير ما لم يبدل آية رحمة بعذاب أو عكسه الثامن المراد من سبعة أحرف الحروف والأسماء والأفعال المؤلفة من الحروف التي ينتظم منها كلمة فيقرأ على سبعة أحرف نحو عبد الطاغوت ونرتع ونلعب قرىء على سبعة أوجه التاسع هي سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة نحو أقبل وتعال وهلم وعن مالك إجازة القرآن بما ذكر عن عمر رضي الله تعالى عنه فامضوا إلى ذكر الله قيل أراد به أنه لا بأس بقراءته على المنبر كما فعل عمر ليبين أن المراد به الجري العاشر أن المراد بالسبعة الإمالة والفتح والترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل والإدغام والإظهار وقال بعض المتأخرين تدبرت وجوه الاختلاف في القراآت فوجدتها سبعة منها ما تتغير حركته ويبقى معناه وصورته مثل هن أطهر لكم وأظهر ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته مثل ربنا باعد وبعد ومنها ما يتغير معناه بالحروف ولا يختلف بالإعراب ولا تتغير صورته نحو ننشرها وننشزها ومنها ما تتغير صورته دون معناه كالعهن المنفوش قرأ سعيد بن جبير كالصوف ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل طلح منضود قرأ علي رضي الله تعالى عنه وطلع ومنها التقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق قرأ أبو بكر وطلحة رضي الله تعالى عنهما وجاءت سكرة الحق بالموت ومنها الزيادة والنقصان مثل تسع وتسعون نعجة أنثى في قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وقال القاضي عياض قيل السبعة توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر وقال الأكثرون هو حصر العدد في السبعة قيل هي في صورة التلاوة وكيفية النطق من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق ومد وإمالة ليقرأ كل بما يوافق لغته ويسهل على لسانه أي كما لا يكلف القرشي الهمز واليمني تركه والأسدي فتح حرف المضارعة وقال ابن أبي صفرة هذه السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث وهو الذي جمع عليه عثمان رضي الله تعالى عنه
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه انقياد هشام لعلمه أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يرد إلا خيرا وفيه ما كان عليه عمر رضي الله تعالى عنه من الصلابة وكان هشام من أصلب الناس بعده وكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا كره شيئا يقول لا يكون هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم وفيه مشروعية القراءة بما تيسر عليه دون أن يتكلف وهو معنى قول النبي في آخر الحديث فاقرؤا ما تيسر منه أي ما تيسر لكم من القرآن وحفظه -
5 -
( باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة )
أي هذا باب في بيان جواز إخراج أهل المعاصي إلى آخره قوله بعد المعرفة أي بعد العرفان بأحوالهم وهذا على سبيل التأديب لهم والزجر عن ارتكاب ما لم يجزه الشرع
وقد أخرج عمر رضي الله تعالى عنه أخت أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين ناحت
أي أخرج عمر بن الخطاب أخت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهي أم فروة وهذا التعليق وصله ابن سعد في ( الطبقات الكبير ) أنبأنا عثمان بن عمر أنبأنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال لما توفي أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أقامت عائشة عليه النوح فبلغ عمر فنهاهن فأبين أن ينتهين فقال لهشام بن الوليد أخرج إلى ابنة أبي قحافة يعني أم فروة فعلاها بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك وقال صاحب ( التلويح ) هذا

(12/259)


منقطع فيما بين سعيد وعمر فينظر في جزم البخاري ووصله إسحاق بن راهويه في مسنده من وجه آخر عن الزهري وفيه فجعل يخرجهن امرأة امرأة وهو يضربهن بالدرة
6 -
( باب دعوى الوصي للميت )
أي هذا باب في بيان حكم دعوى الوضي للميت أي لأجله في الحقوق منها الاستلحاق في النسب وحديث الباب فيه
1242 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنهما أن عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه اختصما إلاى النبي في ابن أمة زمعة فقال سعد يا رسول الله أوصاني أخي إذا قدمت أن أنظر ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابني وقال عبد بن زمعة أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى النبي شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أوصاني أخي فلينظر فيه والحديث مضى في أوائل كتاب البيوع في باب تفسير المشبهات فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة إلى آخره وهنا أخرجه عن عبد الله بن محمد البخاري المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره
قوله ان عبد بن زمعة لفظ عبد خلاف الحر هو ابن لزمعة بفتح الزاي والميم والعين المهملة ابن قيس العامري الصحابي قوله اختصما كانت خصومتهما عام الفتح قوله أوصاني أخي أخوه هو عتبة بن أبي وقاص اختلفوا في إسلامه وهو الذي شج رسول الله وكسر رباعيته يوم أحد قوله إذا قدمت أي مكة قوله أن أنظر ابن أمة زمعة هذا الابن المختصم فيه اسمه عبد الرحمن صحابي قوله شبها بينا بعتبة هو عتبة بن أبي وقاص وقد حكم هنا بأن الولد للفراش ولم يحكم فيه بالشبه وهو حجة قوية للحنفية في منع الحكم بالقائف وإنما قال لسودة بنت زمعة وهي زوج النبي احتجبي منه أي من ابن أمة زمعة تورعا للمشابهة الظاهرة بين ابن أمة زمعة وعتبة والله أعلم
7 -
( باب التوثق ممن تخشى معرته )
أي هذا باب في بيان مشروعية التوثق ممن يخشى معرته بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الراء وهي الفساد والعبث وقال ابن الأثير المعرة الأمر القبيح المكروه والأذى وهي مفعلة من

(12/260)


العر وفي ( المغرب ) المعرة المساءة والأذى مفعلة من العر وهو الحرب أو من عره إذا لطخه بالعرة وهي السرقين والتوثق الإحكام يقال عقد وثيق أي محكم ووثق به وثاقة أي ايتمنه وأوثقه ووثقه بالتشديد أي أحكمه وشده بالوثاق أي بالقيد وهو بفتح الواو والكسر فيه لغة ثم التوثق تارة يكون بالقيد وتارة يكون بالحبس على ما يجيء إن شاء الله تعالى
وقيد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عكرمة على تعليم القرآن والسنن والفرائض
عكرمة هو مولى عبد الله بن عباس أصله من البربر من أهل الغرب كان لحصين بن أبي الحر العنبري فوهبه لعبد الله ابن عباس حين جاء واليا على البصرة لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه روى عن جماعة من الصحابة وأكثر عن مولاه وروى عنه إبراهيم النخعي ومات قبله والأعمش وقتادة والإمام أبو حنيفة وآخرون كثيرون وعن عبد الرحمن ابن حسان سمعت عكرمة يقول طلبت العلم أربعين سنة وكنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار وعن الشعبي ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة مات بالمدينة سنة خمس ومائة وهو ابن ثمانين سنة والتعليق المذكور وصله ابن سعد عن أحمد ابن عبد الله بن يونس وعارم بن الفضل قالا حدثنا حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء عن عكرمة قال كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل يعلمني القرآن ويعلمني السنة والكبل بفتح الكاف وسكون الباء الموحدة وفي آخره لام وهو القيد
2242 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول بعث النبي خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله قال ما عندك يا ثمامة قال عندي يا محمد خير فذكر الحديث قال أطلقوا ثمامة
أي مطابقته للترجمة في قوله فربطوه في سارية وذلك كان للتوثق خوفا من معرته والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة إلى آخره وأخرجه أيضا هناك في باب دخول المشرك المسجد بهذا الإسناد عن قتيبة عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد هو المقبري
قوله خيلا أي ركبانا قوله قبل نجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة نجد ومقابلها قوله ثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميمين و أثال بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة وبلام مصروفا قوله اليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميمين مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف قوله فذكر الحديث أي بتمامه وطوله وسيأتي في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى قوله أطلقوا أمر من الإطلاق
وفيه الأمر بالتوثق بالقيدوبالحبس أيضا وقد روي أن عليا رضي الله تعالى عنه كان يحبس في الدين وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال كان شريح إذا قضى على رجل أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم فإن أعطي حقه وإلا أمر به إلى السجن وقال طاووس إذا لم يقر الرجل بالحكم حبس وروى معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله حبس رجلا في تهمة وحديث ثمامة أصل في هذا الباب والله أعلم بالصواب
8 -
( باب الربط والحبس في الحرم )
أي هذا باب في بيان مشروعية ربط الغريم وحبسه في الحرم وفيه رد على طاووس حيث كره السجن بمكة فروى ابن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن طاووس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة قلت هذا نظر مليح ولكن العمل على خلافه

(12/261)


واشتراى نافع بن عبد الحرث دارا للسجن بمكة من صفوان بن أمية على أن عمر إن رضي فالبيع بيعه وإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة
نافع بن عبد الحارث الخزاعي من فضلاء الصحابة استعمله عمر رضي الله تعالى عنه على مكة وكان من جملة عمال عمر رضي الله تعالى عنه وصفوان بن أمية الجمحي المكي الصحابي وهذا التعليق وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طرق عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ به وليس لنافع بن عبد الحارث ولا لصفوان في البخاري سوى هذا الموضع
ذكر معناه قوله للسجن بفتح السين مصدر من سجن يسجن من باب نصر ينصر سجنا بالفتح والسجن بالكسر واحد السجون قوله على أن عمر كلمة على دخلت على أن الشرطية نظرا إلى المعنى كأنه قال على هذا الشرط فاعترض بأن البيع بمثل هذا الشرط فاسد وأجيب بأنه لم يكن داخلا في نفس العقد بل هو وعد أو هو مما يقتضيه العقد أو كان بيعا بشرط الخيار لعمر رضي الله تعالى عنه أو إنه كان وكيلا لعمر وللوكيل أن يأخذ لنفسه إذا رده الموكل بالعيب ونحوه وقال المهلب اشتراها نافع من صفوان للسجن وشرط عليه إن رضي عمر بالابتياع فهي لعمر وإن لم يرض فلك بالثمن المذكور لنافع بأربع مائة وهذا بيع جائز قوله وإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة أي وإن لم يرض عمر بالابتياع المذكور يكون لصفوان أربعمائة في مقابلة الانتفاع بتلك الدار إلى أن يعود الجواب من عمر رضي الله تعالى عنه ولا يظن أن هذه الأربعمائة هي الثمن لأن الثمن كان أربعة آلاف فإن قلت هذه الأربعة آلاف دراهم أو دنانير قلت يحتمل كلا منهما ولكن الظاهر أنه دراهم وكانت من بيت مال المسلمين وبعيد أن عمر رضي الله تعالى عنه يشتري دارا للسجن بأربعة آلاف دينار لشدة احترازه على بيت المال
وسجن ابن الزبير بمكة
أي سجن عبد الله بن الزبير بمكة أيام ولايته عليها ومفعول سجن محذوف تقديره سجن المديون ونحوه وحذف للعلم به وهذا التعليق ذكره ابن سعد من طريق ضعيف عن محمد بن عمر حدثنا ربيعة بن عثمان وغيره عن سعد بن محمد بن جبير والحسين ابن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده فذكره
3242 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( سعيد بن أبي سعيد ) قال سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد
مضى هذا الحديث في الباب السابق بأتم منه فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن الليث وههنا ( عن عبد الله بن يوسف عن الليث ومطابقته للترجمة في قوله فربطوه بسارية من سواري المسجد أي مسجد المدينة قال المهلب السنة في مثل قضية ثمامة أن يقتل أو يستعبد أو يفادى به أو يمن عليه فحبسه النبي حتى يرى الوجوه أصلح للمسلمين في أمره
بسم الله الرحمان الرحيم
9 -
( باب الملازمة )
أي هذا باب في بيان مشروعية ملازمة الدائن مديونه وفي بعض النسخ باب في الملازمة ووقع في رواية الأصيلي وكريمة قبل قوله باب الملازمة بسم الله الرحمن الرحيم باب الملازمة وسقطت في رواية الباقين

(12/262)


4242 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( جعفر بن ربيعة ) وقال ( غيره ) حدثني ( الليث ) قال حدثني ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عبد الرحمان بن هرمز ) عن ( عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ) عن ( كعب بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي دين فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما فمر بهما النبي فقال يا كعب وأشار بيده كأنه يقول النصف فأخذ نصف ما عليه وترك نصفا
مطابقته للترجمة في قوله فلزمه أي فلزم كعب بن مالك عبد الله بن أبي حدرد ولم ينكر عليه النبي حين وقف عليهما وأمر كعبا يحط النصف وقد مر هذا الحديث في باب التقاضي والملازمة في المسجد
قوله وقال غيره أي غير يحيى قال حدثني الليث قال حدثني جعفر بن ربيعة والفرق بين الطريقين أن الأول روى بعن والثاني بلفظ حدثني جعفر بن ربيعة
وفيه جواز ملازمة الغريم لأنه لم ينكر على كعب ملازمته لغريمه كما ذكرنا واختلفوا في ملازمته المعدم هل يلازمه بعد ثبوت الإعدام وانطلاقه من الحبس فعند أبي حنيفة له أن يلازمه ويأخذ فضل كسبه ويقاسمه أصحاب الديون إن كان عليه لجماعة وعند أبي يوسف ومحمد يحال بينه وبين غرمائه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا
01 -
( باب التقاضي )
أي هذا باب في بيان تقاضي الدين أي مطالبته
54 -
( كتاب في اللقطة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام اللقطة هكذا وقع للمستملي والنسفي كتاب في اللقطة وكذا وقع في رواية ابن التين وابن بطال وتبعهما على ذلك صاحب ( التلويح ) وفي رواية الباقين بسم الله الرحمن الرحيم باب إذا أخبر رب اللقطة بالعلامة دفع إليه على ما يجيء واللقطة بضم اللام وفتح القاف اسم للمال الملتقط قال بعض شراح كتب الحنفية إن هذا اسم الفاعل للمبالغة وبسكون القاف اسم مفعول كالضحكة ومعنى المبالغة فيه لزيادة معنى اختص به وهو أن كل من رآها يميل إلى رفعها فكأنها تأمره بالرفع لأنها حاملة إليه فأسند إليها مجازا فجعلت كأنها هي التي رفعت نفسها ونظيره قولهم ناقة حلوب

(12/263)


ودابة ركوب وهو اسم فاعل سميت بذلك لأن من رآها يرغب في الحلب والركوب فنزلت كأنها أحلبت نفسها وأركبت نفسها قلت فيه تعسف وليس كذلك بل اللقطة سواء كان بفتح القاف أو سكونها اسم موضوع على هذه الصيغة للمال الملتقط وليس هذا مثل الضحكة ولا مثل ناقة حلوف ودابة ركوب لأن هذه صفات تدل على الحدوث والتجدد غير أن الأول للمبالغة في وصف الفاعل أو المفعول والثاني والثالث بمعنى المفعول للمبالغة وقال ابن سيده اللقطة واللقطة واللقاطة ما التقط وفي ( الجامع ) اللقطة ما التقطه الإنسان فاحتاج إلى تعريفه وفي ( التلويح ) وقيل اللقطة هو الرجل الذي يلتقط واسم الموجود لقطة وعن الأصمعي وابن الأعرابي والفراء بفتح القاف اسم المال وعن الخليل هي بالفتح اسم الملتقط كسائر ما جاء على هذا الوزن يكون اسم الفاعل كهمزة ولمزة وبسكون القاف اسم المال الملقوط قال الأزهري هذا قياس اللغة ولكن كلام العرب في اللغة على غير القياس فإن الرواة أجمعوا على أن اللقطة يعني بالفتح اسم للشيء الملتقط والالتقاط العثور على الشيء من غير قصد وطلب وفي ( أدب الكتاب ) تسكين القاف من لحن العامة ورد عليه بما ذكرنا عن الخليل وقال النووي ويقال لها أيضا لقاطة بالضم ولقط بفتح القاف واللام بلا هاء
1 -
( باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أخبر إلى آخره وأخبر على صيغة المعلوم قوله رب اللقطة بالرفع لأنه فاعل أخبر قوله دفع على صيغة المعلوم أيضا أي دفع الملتقط اللقطة إلى ربها وفي بعض النسخ إذا أخبره بالضمير المنصوب أي إذا أخبر الملتقط رب اللقطة بالعلامة دفع إليه
6242 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) وحدثني ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سلمة ) سمعت ( سويد بن غفلة ) قال ل ( قيت أبي بن كعب ) رضي الله تعالى عنه فقال أخذت صرة مائة دينار فأتيت النبي فقال عرفها حولا فعرفتها حولها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثا فقال احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا ( الحديث 6242 - طرفه في 7342 )
ليس في هذا الحديث ما يشعر صريحا على الترجمة أللهم إلا إذا قيل وقع في بعض طرق هذا الحديث ما يشعر على الترجمة فكأنه أشار إلى ذلك وهو في رواية مسلم فإنه روى هذا الحديث مطولا بطرق متعددة وفي بعضها قال فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه فإن قلت قال أبو داود هذه زيادة زادها حماد بن سلمة وهي غير محفوظة قلت ليس كذلك بل هي محفوظة صحيحة فإن سفيان وزيد بن أبي أنيسة وافقا حماد بن سلمة في هذه الزيادة في رواية مسلم وكذلك سفيان في رواية الترمذي حيث قال حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا يزيد بن هارون وعبد الله بن نمير عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة الحديث وفيه وقال إحص عدتها ووعاءها ووكاءها فإن جاء طالبها فأخبرك بعدتها ووعائها ووكائها فادفعها إليه وإلا فاستمتع بها
ذكر رجاله وهم سبعة لأنه أخرجه من طريقين الأول عن آدم بن أبي إياس عن شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل بضم الكاف عن سويد بضم السين المهملة ابن غفلة بالغين المعجمة والفاء واللام مفتوحات الجعفي الكوفي أدرك الجاهلية ثم أسلم ولم يهاجر مات سنة ثمانين وله مائة وعشرون سنة وقيل إنه صحابي والأول أصح وروى عنه أنه قال أنا لدة رسول الله ولدت عام الفيل قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله وقد روي عنه أنه صلى مع النبي والأول أثبت الطريق الثاني عن محمد بن بشار عن غندر

(12/264)


وهو محمد بن جعفر عن شعبة إلى آخره وهذا أنزل ولم يسق المتن إلا على النازل وأخرجه البخاري أيضا عن عبدان واسمه عبد الله بن عثمان وعن سليمان بن حرب فرقهما وأخرجه مسلم في اللقطة أيضا عن أبي بكر بن نافع وبندار كلاهما عن غندر به وعن عبد الرحمن بن بشر وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن محمد بن حاتم وعن عبد الرحمن بن بشر وأخرجه أبو داود في عن محمد بن كثير عن شعبة به وعن مسدد بن مسرهد وعن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به وأخرجه الترمذي في الأحكام عن الحسن بن علي الخلال وقد ذكرناه الآن وأخرجه النسائي في اللقطة عن محمد بن قدامة وعن محمد بن عبد الأعلى وعن عمرو بن علي الفلاس وعن عمرو بن يزيد وعن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع
ذكر من أخرجه وغيره من أحاديث هذا الباب ولما روى الترمذي هذا الحديث قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو والجارود بن المعلى وعياض بن حماد وجرير بن عبد الله قلت وفي الباب عن عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن الشخير ويعلى بن مرة وسويد بن أبي عقبة وزيد بن خالد وعائشة ورجل من الصحابة والمقداد
أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود من رواية ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله أنه سئل عن التمر المعلق الحديث وفيه سئل عن اللقطة فقال ما كان فيها في طريق الميتاء والقرية الجامعة فعرفها سنة فإن جاء طالبها فادفعها إليه فإن لم يأت فهي لك وما كان في الخراب ففيها وفي الركاز الخمس ورواه النسائي أيضا قوله الميتاء بكسر الميم الطريق المسلوك على وزن مفعال من الإتيان والميم زائدة وبابه الهمزة وأما حديث الجارود بن معلى فأخرجه النسائي عنه قال أتينا النبي ونحن على إبل عجاف فقلنا إنا نمر بموض قد سماه فنجد إبلا فنركبها قال ضالة المسلم حرق النار وله حديث آخر رواه أحمد وفيه فإن وجدت ربها فادفعها إليه وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء وأما حديث عياض بن حماد فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه قال قال رسول الله من وجد لقطة فليشهد ذوا عدل ولا يكتم ولا يغب فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهو مال الله وأما حديث جرير بن عبد الله فرواه أبو داود عنه ولفظه لا يؤوي الضالة إلا ضال ورواه النسائي وابن ماجه أيضا
وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فرواه أبو داود عنه ولفظه عرفها سنة وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه أبو داود أيضا مطولا فينظر في موضعه وأما حديث سهل بن سعد فرواه أبو داود أيضا مطولا ينظر في موضعه وأما حديث أبي هريرة فرواه الطبراني عنه أن رسول الله قال لا تحل اللقطة من التقط شيئا فليعرفه فإن جاء صاحبها فليردها إليه فإن لم يأت فليتصدق بها فإن جاء فليخيره بين الأجر وبين الذي له ولأبي هريرة حديث آخر رواه البزار وأما حديث جابر فرواه أبو داود عنه قال رخص لنا رسول الله في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به وأما حديث عبد الله بن الشخير فرواه ابن ماجه عنه قال قال رسول الله ضالة المسلم حرق النار وأما حديث يعلى بن مرة فرواه أحمد في ( مسنده ) عنه قال قال رسول الله من التقط لقطة يسيرة درهما أو حبلا أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام وإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام وأما حديث سويد فرواه ابن قانع في معجمة عنه قال سألت رسول الله عن اللقطة فقال عرفا سنة فإن جاء صاجبها فأدها إليه وإلا فأوثق صرارها ووكاءها فإن جاء صاحبها فأدها إليه وإلا فشأنك بها وسماه ابن قانع سويد بن عقبة الجهني وقال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) سويد أبو عقبة الأنصاري وقال حديثه في اللقطة صحيح وأما حديث زيد بن خالد فرواه الأئمة الستة على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى وأما حديث عائشة فرواه سعيد بن منصور عنها أنها كانت ترخص للمسافر أن يلتقط السوط والعصا والإداوة والنعلين والمزود والظاهر أنه محمول على السماع وعن أم سلمة مثله وأما الحديث عن رجل من الصحابة فرواه النسائي عنه عن النبي أنه سئل عن الضالة فقال أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها ثلاثة أيام على باب المسجد فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها وأما حديث المقداد فرواه ابن ماجه عنه أنه دخل خربة

(12/265)


فخرج جرذ ومعه دينار ثم آخر حتى أخرج سبعة عشر دينارا فأخبر النبي خبرها فقال لا صدقة فيها بارك الله لك فيها
ذكر معناه قوله أخذت هكذا رواية الأكثرين وفي رواية المستملي أصبت وفي رواية الكشميهني وجدت قوله مائة دينار نصب على أنه بدل من صرة ويجوز الرفع على تقدير فيها مائة دينار قوله فعرفها بالتشديد أمر من التعريف وهو أن ينادي في الموضع الذي لقاها فيه وفي الأسواق والشوارع والمساجد ويقول من ضاع له شيء فليطلبه عندي قوله فعرفتها أيضا بالتشديد من التعريف و حولا نصب على الظرف قوله من يعرفها بالتخفيف من عرف يعرف معرفة وعرفانا قوله ثم أتيته ثلاثا أي ثلاث مرات المعنى أنه أتى ثلاث مرات وليس معناه أنه أتى بعد المرتين الأوليين ثلاث مرات وإن كان ظاهر الكلام يقتضي ذلك لأن ثم إذا تخلفت عن معنى التشريك في الحكم والترتيب والمهلة تكون زائدة فلا تكون عاطفة ألبتة قاله الأخفش والكوفيون وحملوا على ذلك قوله تعالى حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ( التوبة 811 ) ويوضح ما ذكرنا رواية مسلم فقال أي أبي بن كعب إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله فقال عرفها حولا قال فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فلم أجد من يعرفها فقال احفظ عددها الحديث وقد اختلفت الروايات في هذا ففي رواية عرفها ثلاثا وفي أخرى أو حولا واحدا وفي أخرى في سنة أو في ثلاث سنين وفي أخرى عامين أو ثلاثة وروى مسلم عن جماعة هذا الحديث ثم قال وفي حديثهم جميعا ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وقال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى بظاهره من أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا رواية جاءت عن عمر رضي الله تعالى عنه وقد روى عن عمر أنها تعرف سنة مثل قول الجماعة وفي الحاوي عن شواذ من الفقهاء أنها تعرف ثلاثة أحوال وقال ابن المنذر عن عمر رضي الله تعالى عنه يعرفها ثلاثة أشهر قال وروينا عنه ثلاثة أيام ثم يعرفها سنة وزعم ابن الجوزي أن رواية الثلاثة أحوال إما أن يكون غلطا من بعض الرواة وإما أن يكون المعرف عرفها تعريفا غير جيد كما قال للمسيء صلاته إرجع فصل فإنك لم تصل وذكر ابن حزم عن عمر بن الخطاب يعرف اللقطة ثلاثة أشهر وفي رواية أربعة أشهر وعن الثوري الدرهم يعرف أربعة أيام وقال صاحب ( الهداية ) إن كانت أقل من عشرة دراهم يعرفها أربعة وإن كانت عشرة فصاعدا عرفها حولا وهذه رواية عن أبي حنيفة وقدر محمد الحول من غير تفصيل بين القليل والكثير وهو ظاهر المذهب وفي ( التوضيح ) كذا قاله أبو إسحاق في تنبيهه والمذهب الفرق فالكثير يعرف سنة والقليل يعرف مدة يغلب على الظن قلة أسف صاحبه عليه وممن روى عنه تعريف سنة علي وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي وإليه ذهب مالك والكوفيون والشافعي وأحمد ونقل الخطابي إجماع العلماء فيه وقال ابن الجوزي ابتداء الحول من يوم التعريف لا من الأخذ قوله إحفظ وعاءها بكسر الواو وقد يضم وبالمد وقرأ الحسن بالضم في قوله وعاء أخيه وقرأ سعيد بن جبير إعاء أخيه بقلب الواو همزة مكسورة والوعاء ما يجعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خرق أو خشب أو غير ذلك ويقال الوعاء هو الذي يكون فيه النفقة وقال ابن القاسم هو الخرقة قوله ووكاءها بكسر الواو وبالمد وهو الذي يشد به رأس الكيس أو الصرة أو غيرها ويقال أوكيته إيكاء فهو موك بلا همز وزاد في حديث زيد بن خالد العفاص كما يجيء عن قريب قوله فإن جاء صاحبها شرط جزاؤه محذوف نحو فارددها إليه قوله وإلا أي وإن لم يجيء صاحبها فاستمتع بها استدل به قوم وبقوله فشأنك بها في حديث سويد الذي مضى على أن بعد السنة يملك الملتقط اللقطة وهذا خرق لإجماع أئمة الفتوى في أنه يردها بعد الحول أيضا إذا جاء صاحبها لأنها وديعة عنده ولقوله فأدها إليه قوله فلقيته بعد بمكة القائل بقوله لقيته شعبة والضمير المنصوب فيه يرجع إلى سلمة بن كهيل قوله بعد بضم الدال أي بعد ذلك قوله بمكة حال من الضمير المنصوب أي حال كون سلمة بمكة يعني كان ملاقاة شعبة بسلمة

(12/266)


في مكة وقد أوضح ذلك مسلم في روايته حيث قال قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وكذلك صرح بذلك أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) يقال في آخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا وقال الكرماني قوله فلقيته أي قال سويد لقيت أبي بن كعب بعد ذلك بمكة قلت تبع في ذلك ابن بطال حيث قال الذي شك فيه هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة ولكن يرد هذا ما ذكرناه عن مسلم والطيالسي قوله فقال لا أدري أي قال سلمة بن كهيل وهو الشاك فيه وعلى قول ابن بطال الشاك هو أبي بن كعب والسائل منه هو سويد بن غفلة كما ذكرناه
ذكر ما يستفاد منه فيه التعريف بثلاثة أحوال ولكن الشك فيه يوجب سقوط المشكوك وهو الثلاثة وقال ابن بطال لم يقل أحد من أئمة الفتوى بظاهره بأن اللقطة تعرف ثلاثة أحوال وقد بسطنا الكلام فيه عن قريب وفيه الأمر بحفظ ثلاثة أشياء وهي الوعاء والعدد والوكاء وإنما أمر بحفظ هذه الأشياء لوجوه من المصالح منها أن العادة جارية بإلقاء الوعاء والوكاء إذا فرغ من النفقة وأمره بمعرفته وحفظه لذلك ومنها أنه إذا أمره بحفظ هذين فحفظ ما فيهما أولى ومنها أن يتميز عن ماله فلا يختلط به ومنها أن صاحبها إذا جاء بغتة فربما غلب على ظنه صدقه فيجوز له الدفع إليه ومنها أنه إذا حفظ ذلك وعرفه أمكه التعريف لها والإشهاد عليه وأمره بحفظ هذه الأوصاف الثلاثة هو على قول من يقول بمعرفة الأوصاف يدفع إليه بغير بينة وقال ابن القاسم لا بد من ذكر جميعها ولم يعتبر أصبغ العدد وقول ابن القاسم أوضح فإذا أتى بجميع الأوصاف هل يحلف مع ذلك أو لا قولان النفي لابن القاسم وتحليفه لأشهب ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد وداود وهو قول البخاري وبوب عليه بالباب المذكور وبه قال الليث بن سعد أيضا وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يجب الدفع إلا بالبينة وتأولوا الحديث على جواز الدفع بالوصف إذا صدقه على ذلك ولم يقم البينة واستدل الشافعي على ذلك بقوله في الحديث الآخر البينة على المدعي وهذا مدع وقال الشافعي ولو وصفها عشرة أنفس لا يجوز أن يقسم بينهم ونحن نعلم أن كلهم كاذبون إلا واحدا منهم غير معين فيجوز أن يكون صادقا ويجوز أن يكون كاذبا وأنهم عرفوا الوصف من الملتقط ومن الذي ضاعت منه وقال شيخنا زين هذا معنى كلامه وظاهر الحديث يدل لما قال مالك والليث وأحمد والله أعلم ولو أخبر طالب اللقطة بصفاتها المذكورة فصدقه الملتقط ودفعها إليه ثم جاء طالب آخر لها وأقام البينة على أنها ملكه فقد اتفقوا على أنها تنتزع ممن أخذها أولا بالوصف وتدفع للثاني لأن البينة أقوى من الوصف فإن كان قد أتلفها ضمنها
واختلفوا هل لمقيم البينة أن يضمن الملتقط فقال الشافعي له تضمينه لأنه دفعه لغير مالكه وقالت المالكية لا يضمن لأنه فعل ما أمره به الشارع وقال ابن القاسم يقسم بينهما كما يحكم في نفسين ادعا شيئا وأقاما بينة وقال أصحابنا الحنفية وإن دفعها بذكر العلامة ثم جاء آخر وأقام البينة بأنه له فإن كانت قائمة أخذها منه وإن كانت هالكة يضمن أيهما شاء ويرجع الملتقط على الآخذ إن ضمن ولا يرجع الأخذ على أحد وللملتقط أن يأخذ منه كفيلا عند الدفع وقيل يخير وإن دفعها إليه بتصديقه ثم أقام آخر بينة أنها له فإن كانت قائمة أخذها منه وإن كانت هالكه فإن كان دفع إليه بغير قضاء فله أن يضمن إيهما شاء فإن ضمن القابض فلا يرجع به على أحد وإن ضمن الملتقط فله أن يرجع به على القابض وللملتقظ أن يأخذ به كفيلا وإن كان دفعها إليه بقضاء ضمن القابض ولا يضمن الملتقط لأنه مقهور وإن أقام الحاضر بينة أنها له فقضى بالدفع إليه ثم حضر آخر وأقام بينة أنها له لم يضمن
وفيه الاستمتاع باللقطة إذا لم يجيء صاحبها واحتج بظاهره جماعة وقالوا يجوز للغني والفقير إذا عرفها حولا أن يستمتع بها وقد أخذها علي بن أبي طالب وهو يجوز له أخذ النفل دون الفرض وأبي بن كعب وهو من مياسير الصحابة وقال أبو حنيفة إن كان غنيا لم يجز له الانتفاع بها ويجوز إن كان فقيرا ولا يتصدق بها على غني ويتصدق بها على فقير أجنبيا كان أو قريبا منه وكذا له أن يتصدق بها على أبويه وزوجته وولده إذا كانوا فقراء فإن قلت ظاهر الحديث حجة عليكم لأنه قال لأبي فاستمتع بها قال فاستمتعت قلت هذا حكاية حال فلا تعم ويجوز أنه عرف فقره أو كانت عليه ديون ولئن سلمنا أنه كان غنيا فقال له استمتع بها وذلك جائز عندنا من الإمام على سبيل العرض ويحتمل

(12/267)


أنه عرف أنه في مال حربي كافر ثم لو ضاعت اللقطة قبل الحول فهل يضمن أو لا فقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إن كان حين أخذها أشهد عليه ليردها لم يضمن وإلا ضمن لحديث عياض بن حماد وقد ذكرناه وعن أبي يوسف لا يشترط الإشهاد كما لو أخذها بإذن المالك وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإن لم يشهد عليه عند الإلتقاط وادعى أنه أخذها ليردها وادعى صاحبها أنه أخذها لنفسه فالقول لصاحبها ويضمن الملتقط قيمتها عندهما وقال أبو يوسف القول قول الملتقط فلا يضمن وإذا لم يمكنه الإشهاد بأن لم يجد أحدا وقت الالتقاط أو خاف من الظلمة عليها فلا يضمن بالاتفاق
واختلف في ضياعها بعد الحول من غير تفريط فالجمهور على عدم الضمان ونقل ابن التين عن الشافعية أنه إذا نوى تملكها ثم ضاعت ضمنها وعند البعض لا ضمان ثم عند الشافعية لا يحتاج في إنفاقها على نفسه إلى اختيار التمليك بل إذا انقضت السنة دخلت في ملكه يدل عليه ما في رواية النسائي فإن لم يأت فهي لك قال شيخنا هذا وجه لأصحاب الشافعي والصحيح عندهم أنه لا بد من اختيار التملك قبل الإنفاق وهو الذي صححه النووي فقال لا بد من اختيار التمليك لفظا
وفيه وجه آخر أنه لا يملكها إلا بالتصرف بالبيع ونحوه ونقل ابن التين عن جميع فقهاء الأمصار أنه ليس له أن يتملكها قبل السنة ونقل عن داود أنه يأكلها ثم يضمنها وفيه دلالة على إبطال قول من يدعي علم الغيب بكهانة أو سحر لأنه لو كان يعلم شيء من الغيب بذلك لما ذكر رسول الله لصاحب اللقطة معرفة الأوصاف التي ذكرها فيه
2 -
( باب ضالة الإبل )
أي هذا باب في بيان حكم التقاط ضالة الإبل هل يجوز التقاطها أم لا واكتفى بما في الحديث عن الجزم بالجواب والمراد بالضالة هنا الإبل والبقر مما يحمي نفسه ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء وقيل هي الضائعة في كل ما يقتنى من الحيوان وغيره يقال ضل الشيء إذا ضاع وضل عن الطريق إذا حار والضالة في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة ويقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع ويجمع على ضوال
7242 - حدثنا ( عمرو بن عباس ) قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن ربيعة قال حدثني يزيد مولاى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه قال جاء أعرابي النبي فسأله عما يلتقطه فقال عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها قال يا رسول الله فضالة الغنم قال لك أو لأخيك أو للذئب قال ضالة الإبل فتمعر وجه النبي فقال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر
مطابقته للترجمة في قوله ضالة الإبل وقد مضى الحديث في كتاب العلم في باب الغضب في الموعظة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن أبي عامر عن سليمان بن بلال المديني عن ربيعة بن ( عبد الرحمن ) إلى آخره وههنا أخرجه عن عمرو بن عباس بالباء الموحدة والسين المهملة عن عبد الرحمن بن مهدي بن حسان عن ( سفيان ) الثوري عن ( ربيعة ) بن أبي عبد الرحمن المعروف بالرأي بسكون الهمزة عن ( يزيد ) من الزيادة مولى ( المنبعث ) وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى
قوله جاء أعرابي وفي رواية مالك عن ربيعة جاء رجل وفي رواية سليمان بن بلال المديني عن ربيعة سأله رجل عن اللقطة وقد مضى هذا في كتاب العلم وفي رواية الترمذي سئل عن اللقطة وفي رواية مسلم جاء رجل يسأله عن اللقطة وفي رواية أخرى له أن رجلا سأل رسول الله عن اللقطة وفي رواية له أتى رجل رسول الله وأنا معه فسأله عن اللقطة وفي رواية أخرى مثل رواية الترمذي وكذا في رواية للبخاري وفي رواية له جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن اللقطة وفي رواية حديث هذا الباب جاء أعرابي وزعم ابن بشكوال أن هذا

(12/268)


السائل عن اللقطة هو بلال رضي الله تعالى عنه وعزاه لأبي داود ورد عليه بعضهم بأنه ليس في نسخ أبي داود شيء من ذلك وفيه بعد أيضا لأنه لا يوصف بأنه أعرابي قلت ابن بشكوال لم يصرح بأن الأعرابي الذي سأل هو بلال رضي الله تعالى عنه وإنما قال السائل المذكور في رواية سليمان بن بلال وهو قوله سأله رجل وفي رواية الترمذي سئل النبي هو بلال ولفظ السائل أعم من الأعرابي وغيره وبلال وغيره وابن بشكوال أوضح السائل بأنه بلال رضي الله تعالى عنه فإنه كلام ليس فيه غبار وليس فيه بعد ولو صرح بقوله الأعرابي هو بلال لكان ورد عليه ما قاله وأما عزو ابن بشكوال ذلك إلى أبي داود فليس بصحيح لأن أبا داود روى هذا الحديث بطرق كثيرة وليس فيه ما عزاه ابن بشكوال إليه وإنما لفظه أن رجلا سأل رسول الله وفي رواية أن رسول الله سئل عن اللقطة وليس لبلال ذكر أصلا فافهم ثم قال هذا القائل ثم ظفرت بتسمية السائل وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والماوردي والطبراني كلهم من طريق محمد بن معن الغفاري عن ربيعة عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه قال سألت رسول الله عن اللقطة فقال عرفها سنة ثم أوثق وعاءها الحديث قال وهو أولى ما فسر به هذا المبهم لكونه من رهط ( زيد بن خالد الجهني ) انتهى قلت حديث سويد بن عقبة الذي يرويه عنه ابنه عقبة غير حديث زيد بن خالد فكيف يفسر المبهم الذي في حديث زيد بن خالد بحديث سويد ولا يلزم من كون سويد من رهط زيد أن يكون حديثهما واحدا بحسب الصورة وإن كانا في المعنى من باب واحد وأيضا هو استبعد كلام ابن بشكوال في إطلاق الأعرابي على بلال وكيف لا يستبعد هنا إطلاق الأعرابي على سويد بن عقبة ولا يلزم من سؤال سويد رسول الله عن اللقطة أن يكون هو الأعرابي الذي في حديث زيد بن خالد قوله فسأله عما يلتقطه أي عن الشيء الذي يلتقطه ووقع في أكثر الروايات أنه سأل عن اللقطة ووقع في رواية لمسلم سئل رسول الله عن اللقطة الذهب أو الورق وهذا ليس بقيد وإنما هو كالمثال وحكم غير الذهب والفضة كحكمهما ووقع في رواية لأبي داود وسئل عن النفقة قوله عرفها بالتشديد أمر من التعريف قوله ثم احفظ عفاصها بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبالصاد هو الوعاء الذي يكون فيه النفقة سواء كان من جلد أو خرقة أو حرير أو غيرها واشتقاقه من العفص وهو الثني والعطف لأن الوعاء يثنى علي ما فيه ووقع في ( زوائد المسند ) لعبد الله بن أحمد من طريق الأعمش عن سلمة في حديث أبي أو خرقتها بدل عفاصها ووقع في حديث أبي أيضا احفظ وعاءها وعددها ووكاءها وفي حديث زيد بن خالد إحفظ عفاصها ووكاءها فأسقط ذكر العدد وزاد ذكر العفاص وقد اختلف في العفاص فذهب أبو عبيد إلى أنه ما يربط فيه النفقة وقال الخطابي أصله الجلد الذي يلبس رأس القارورة وقال الجمهور وهو الوعاء قال شيخنا قول الخطابي هو الأولى فإنه جمع في حديث زيد بين الوعاء والعفاص فدل على أنه غيره قلت الذي ذكره شيخنا هو في رواية الترمذي وفي رواية البخاري ذكر العفاص والوكاء والذي يقول العفاص هو الوعاء هو الأولى ولم يجمع في حديث زيد إلا العفاص والوكاء لأن الأصل حفظ العفاص الذي هو الوعاء فإن قلت في رواية الترمذي ثم إعرف وعاءها ووكاءها وعفاصها فعلى ما ذكرت يكون ذكر الوعاء أو ذكر العفاص تكرارا قلت قد ذكرت أن العفاص فيه اختلاف فعلى قول من فسر العفاص بالجلد الذي يلبس رأس القارورة لا يكون تكرارا فإن قلت ذكر العدد في حديث أبي ولم يذكره في حديث زيد قلت قد جاء ذكر العدد في حديث زيد أيضا في رواية لمسلم أو الظاهر أن تركه هنا بسهو من الراوي والله أعلم قوله فإن جاء أحد يخبرك بها جواب الشرط محذوف تقديره فإن جاء أحد يخبرك باللقطة وأوصافها فأدها إليه وفي رواية محمد بن يوسف عن سفيان كما سيأتي فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها قوله وإلا فاستنفقها أي وإن لم يأت أحد بعد التعريف حولا فاستنفقها من الاستنفاق وهو استفعال وباب الاستفعال للطلب لكن الطلب على قسمين صريح وتقديري وههنا لا يتأتى الصريح فيكون للطلب التقديري كما في قولك استخرجت الوتد من الحائط فإن قلت في رواية مالك كما يجيء بعد باب اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة وفي رواية أبي داود من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث بلفظ عرفها حولا فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا أعرف وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك فرواية مالك تقتضي سبق المعرفة على التعريف ورواية

(12/269)


أبي داود بالعكس قلت قال النووي الجمع بينهما بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى معرفة وافية محققة ليعلم قدرها وصفتها لاحتمال أن يجيء صاحبها فيقع الاختلاف في ذلك فإذا عرفها الملتقط وقت التملك يكون القول قوله لأنه أمين واللقطة وديعة عنده وقال بعضهم يحتمل أن يكون ثم في الروايتين بمعنى الواو فلا يقتضي ترتيبا فلا يقتضي تخالفا يحتاج الى الجمع قلت خروج ثم عن معنى التشريك في الحكم والمهلة والترتيب إنما يمشي على قول الكوفيين فتكون حينئذ زائدة وذلك إنما يكون في موضع لا يخل بالمعنى وههنا لا وجه لما قاله ولئن سلمنا أنه يكون بمعنى الواو و الواو أيضا تقتضي الترتيب على قول البعض فلا يتم الجواب بما قاله فإن قلت هذا العرفان واجب أم سنة قلت قيل واجب لظاهر الأمر وقيل مستحب وقيل يجب عند الالتقاط ويستحب بعده قوله فضالة الغنم أي ما حكم ضالة الغنم قوله قال لك أو لأخيك أو الذئب كلمة أو فيه للتقسيم والتنويع والمعنى إن ضالة الغنم لك إن أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها قوله أو لأخيك يعني إن أخذتها وعرفتها وجاء صاحبها فهي له وأراد به الأخ في الدين وهو صاحب الغنم قوله أو للذئب يعني إن تركتها ولم يتفق آخذ غيرك فهي طعمة للذئب غالبا لأنها لا تحمي نفسها وذكر الذئب مثال وليس بقيد والمراد جنس ما يأكل الشاة ويفترسها من السباع ووقع في رواية اسماعيل بن جعفر عن ربيعة كما سيأتي بعد أبواب فقال خذها فإنما هي لك إلى آخره وهو صريح بالأمر بالأخذ وفيه رد على أحمد في إحدى روايتيه أنه يترك التقاط الشاة وبه تمسك مالك في أنه يأخذها ويملكها بالأخذ ولو جاء صاحبها لأنه صار حكمه حكم الذئب فلا غرامة ورد عليه بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وإنما يأكلها الملتقط بالضمان وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط فإنه يأخذها لأنها باقية على ملكه قوله قال ضالة الإبل أي ما حكم ضالة الإبل قوله فتمعر وجه النبي أي تغير وجهه من الغضب ومادة تمعر ميم وعين مهملة وراء وأصله في الشجر إذا قل ماؤه فصال قليل النضرة عديم الإشراق ويقال للوادي المجدب أمعر وقال بعضهم ولو روى بالغين المعجمة لكان له وجه أي صار بلون المغرة وهي حمرة شديدة إلى كمودة ويقويه قوله في رواية إسماعيل بن جعفر فغضب حتى احمرت وجنتاه أو وجهه قلت إذا لم تثبت فيه الرواية فلا يحتاج إلى هذا التعسف قوله ما لك يعني ليس لك هذا ويدل عليه رواية سليمان بن بلال عن ربيعة التي سبقت في كتاب العلم فذرها حتى يلقاها ربها قوله معها حذاؤها بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودا أي خفها قوله وسقاؤها السقاء بالكسر في الأصل ظرف الماء من الجلد والمراد به هنا جوفها وذلك لأنها إذا شربت يوما تصبر أياما على العطش وقيل المراد به عنقها لأنها تتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط وما يتعلق به الحكم قد مضى في كتاب العلم ولنذكر شيئا نزرا
اختلف العلماء في ضالة الإبل هل تؤخذ على قولين أحدهما لا يأخذها ولا يعرفها قاله مالك والأوزاعي والشافعي لنهيه عن ضالة الإبل الثاني أخذها وتعريفها أفضل قاله الكوفيون لأن تركها سبب لضياعها وفيه قول ثالث إن وجدها في القرى عرفها وفي الصحراء لا يعرفها وقالت الشافعية الأصح أنه إن وجدها بمفازة فللقاضي التقاطها للحفظ وكذا لغيره ويحرم التقاطها للتملك وإن وجدها بقرية فيجوز التملك وقال ابن المنذر وممن رأى ضالة البقر كضالة الإبل طاووس والأوزاعي والشافعي وبعض أصحاب مالك وقال مالك والشافعي في ضالة البقر إن وجدت في موضع يخاف عليها فهي في منزلة الشاة وإلا فكالبعير وقيل إن كانت لها قرون تمنع بها فكالبعير وإلا فكالشاة حكاه ابن التين وقال القرطبي عندنا في البقر والغنم قولان ورأى مالك إلحاقها بالغنم ورأى ابن القاسم إلحاقها بالإبل إذا كانت بموضع لا يخاف عليها من السباع وكان هذا تفصيل أحوال لا اختلاف أقوال ومثلها جاء في الإبل إلحاقا بها
واختلف في التقاط الخيل والبغال والحمر فظاهر قول ابن القاسم الجواز ومنعه أشهب وابن كنانة وقال ابن حبيب والخيل والبغال والعبيد كل ما يستقل بنفسه ويذهب هو داخل في الضالة وقال ابن الجوزي الخيل والإبل والبقر والبغال والحمير والشاة والظباء لا يجوز عندنا التقاطها إلا أن يأخذها الإمام للحفظ وفي ( التوضيح ) إذا عرف المال وشبهه وانقضى الحول أو قبله وجاء صاحبه أخذه بزيادته المتصلة وكذا المنفصلة إن حدثت قبل التملك وإن حدثت بعده رجع فيها دون الزيادة

(12/270)


3 -
( باب ضالة الغنم )
أي هذا باب في بيان حكم التقاط ضالة الغنم وإنما أفرد هذا الباب بترجمة وإن كان مذكورا في الباب السابق لزيادة فيه إشارة إلى أن حكم هذا الباب غير حكم ذاك الباب
8242 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثنا ( سليمان ) عن ( يحيى ) الله عن ( يزيد ) مولاى ( المنبعث ) أنه سمع ( زيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنه يقول سئل النبي عن اللقطة فزعم أنه قال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة يقول يزيد إن لم تعترف استنفق بها صاحبها وكانت وديعة عنده قال يحياى فهاذا الذي لا أدري أفي حديث رسول الله هو أم شيء من عنده ثم قال كيف تراى في ضالة الغنم قال النبي خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب قال يزيد وهي تعرف أيضا ثم قال كيف تراى في ضالة الإبل قال فقال دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها
مطابقته للترجمة في قوله كيف ترى في ضالة الغنم وهذا الحديث مضى في الباب السابق فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عباس عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ربيعة عن يزيد إلى آخره وهنا أخرجه عن إسماعيل ابن عبد الله هو ابن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يزيد إلى آخره
قوله فزعم أي قال فالزعم يستعمل مقام القول المحقق كثيرا والزاعم هو زيد بن خالد قوله أنه قال أي أن رسول الله قال أعرف من المعرفة قوله يقول يزيد يعني قال يحيى بن سعيد الأنصاري يقول يزيد وهذه الجملة مقول قول يحيى فافهم وهو موصول بالإسناد المذكور قوله إن لم تعرف بلفظ المجهول من التعريف ويروى إن لم تعرف من المعرفة على صيغة المجهول أيضا قوله صاحبها أي ملتقطها قوله قال يحيى أي يحيى بن سعيد الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور والحاصل أن يحيى بن سعيد شك هل قوله وكانت وديعة عنده من رسول الله أم لا وهو الذي أشار إليه بقوله فهذا الذي لا أدري أي لا أعلم أفي حديث رسول الله الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله هو يرجع إلى قوله وكانت وديعة عنده قوله أم شيء من عنده أي أو هو شيء قاله من عنده وقد جزم يحيى بن سعيد بذلك أنه من رسول الله ولم يشك فيه وهو فيما رواه مسلم عن القعنبي والإسماعيلي من طريق يحيى ابن حسان كلاهما عن سليمان بن بلال عن يحيى فقال فيه فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك وقد أشار البخاري إلى رفعها على ما يجيء بعد أبواب لأنه ترجم بقوله إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه لأنها وديعة عنده قوله قال يزيد وهي تعرف أيضا أي قال يزيد مولى المنبعث الراوي المذكور وهو موصول بالإسناد المذكور وقوله تعرف بتشديد الراء من التعريف على صيغة المجهول قوله حتى يجدها ربها أي صاحبها
فيه دليل على جواز أن يقال لمالك السلعة رب السلعة والأحاديث متظاهرة بذلك إلا أنه قد نهى عن ذلك في العبد والأمة في الحديث الصحيح فقال لا يقل أحدكم ربي وقد اختلف العلماء في ذلك فكرهه بعضهم مطلقا وأجازه بعضهم مطلقا وفرق قوم في ذلك بين من له روح ومالا روح له فكره أن يقال رب الحيوان ولم يكره ذلك في الأمتعة والصواب تقييد الكراهة أو التحريم بجنس المملوك من الآدميين فأما غير الآدمي فقد ورد في عدة أحاديث فقال ههنا حتى يجدها ربها وقال في الإبل حتى يلقاها ربها

(12/271)


4 -
( باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها )
أي هذا باب يذكر فيه إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد التعريف بسنة فهي أي اللقطة لمن وجدها وهو بعمومه يتناول الواجد الغني والفقير وهذا خلاف مذهب الجمهور فإن عندهم إذا كانت العين موجودة يجب الرد وإن كانت استهلكت يجب البدل ولم يخالفهم في ذلك إلا الكرابيسي من أصحاب الشافعي وداود الظاهري ووافقهما البخاري في ذلك واحتجوا في ذلك بقوله في حديث الباب فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها وهذا تفويض إلى اختياره واحتجوا أيضا بما رواه سعيد بن منصور في حديث زيد بن خالد عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك ومن حجة الجمهور قوله في حديث الباب السابق وكانت وديعة عنده وقوله في رواية بشر بن سعيد بن زيد بن خالد فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه فإن ظاهر قوله فإن جاء صاحبها إلى آخره بعد قوله كلها يقتضي وجوب ردها بعد أكلها فيحمل على رد البدل وقال ابن بطال إذا جاء صاحب اللقطة بعد الحول لزم ملتقطها أن يردها إليه وعلى هذا إجماع أئمة الفتوى وزعم بعض من نسب نفسه إلى العلم أنها لا تؤدى إليه بعد الحول استدلالا بقوله فشأنك بها قال فهذا يدل على ملكها قال وهذا القول يؤدي إلى تناقض السنن إذ قال فأدها إليه قلت قوله فأدها إليه دليل على أنه إذا استنفقها أو تلفت عنده بعد التملك أنه يضمنها لصاحبها إذا جاء ويدل عليه أيضا قوله في رواية بشر بن سعيد عن زيد ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها أمره بأدائها بعد الهلاك إذا كان قد يملكها أما إذا أتلفت عنده بغير تفريط منه فإنه لا يضمنها لصاحبها إذا جاء لأن يده عليها يد أمانة فصارت كالوديعة
9242 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( يزيد ) مولاى ( المنبعث ) عن ( زيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال فضالة الغنم قال هي لك أو لأخيك أو للذئب قال فضالة الإبل قال مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها
مطابقته للترجمة في قوله فشأنك بها بنصب النون أي إلزم شأنك ملتبسا بها وقال الطيبي قيل إنه منصوب على المصدر يقال شأنت شأنه معها الخ أي قصدت قصده وأشأن شأنك أي إعمل ما تحسنه وقال الكرماني قوله فشأنك بالنصب وبالرفع فقال في النصب أي إلزم شأنك ولم يبين الرفع ووجهه أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف تقديره فشأنك مباح أو جائز أو نحو ذلك والشأن الخطب والأمر والحال قوله مالك ولها أي مالك وأخذها والحال أنها مستقلة بأسباب تعيشها فيكون قوله معها سقاؤها على تقدير الحال وبقية الكلام قد مرت
5 -
( باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وجد شخص خشبة في البحر أو وجد سوطا في موضع أو وجد شيئا ونحو ذلك مثل عصا وحبل وما أشبههما وجواب إذا محذوف تقديره ماذا يصنع به هل يأخذه أو يتركه فإذا أخذه هل يتملكه أو سبيله سبيل اللقطة ففيه اختلاف العلماء فروى ابن عبد الحكم عن مالك إذا ألقى البحر خشبة فتركها أفضل وقال ابن شعبان فيها قول آخر إن وجدها يأخذها فإن جاء ربها غرم له قيمتها ورخصت طائفة في أخذ اللقطة اليسيرة والانتفاع بها وترك تعريفها وممن روي عنه عمر وعلي وابن عمر وعائشة وهو قول عطاء والنخعي وطاووس وقال ابن المنذر روينا عن عائشة رضي الله تعالى عنها في اللقطة لا بأس بما دون الدرهم أن يستمتع به وعن جابر كانوا يرخصون في السوط والحبل ونحوه أن ينتفع به وقال عطاء لا بأس للمسافر إذا وجد السوط والسقاء والنعلين أن ينتفع بها استدل من

(12/272)


يبيح ذلك بحديث الخشبة لأن النبي أخبر أنه أخذها حطبا لأهله ولم يأخذها ليعرفها ولم يقل أنه فعل ما لا ينبغي
وفي ( الهداية ) وإن كانت اللقطة مما يعلم أن صاحبها لا يتطلبها كالنواة وقشور الرمان فإلقاؤه إباحة أخذه فيجوز الانتفاع به من غير تعريف ولكنه يبقى على ملك مالكه لأن التمليك من المجهول لا يصح وقال ابن رشد الأصل في ذلك ما روي أنه مر بتمرة في الطريق فقال لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها ولم يذكر فيها تعريفا وهذا مثل العصا والسوط وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك فإن كان يسيرا إلا أن له قدرا ومنفعة فلا خلاف في تعريفه سنة وقيل أياما وإن كان مما لا يبقي في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف فإن هذا يأكله الملتقط فقيرا كان أو غنيا وهل يضمن فيه روايتان والأشهر أن لا ضمان عليه وإن كان مما يسرع إليه الفساد في الحاضرة فقيل لا ضمان عليه وقيل عليه الضمان وقيل بالفرق أن يتصدق به أو يأكله أعني إنه يضمن في الأكل ولا يضمن في الصدقة وفي ( الواقعات ) المختار في القشود والنواة يملكها وفي الصيد لا يملكه وإن جمع سنبلا بعد الحصاد فهو له لإجماع الناس على ذلك وإن سلخ شاة ميتة فهو له ولصاحبها أن يأخذها منه وكذلك الحكم في صوفها
0342 - وقال ( الليث ) حدثني ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عبد الرحمان بن هرمز ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل وساق الحديث فخرج ينطر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا هو بالخشبة فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة
مطابقته للترجمة في قوله فإذا هو بالخشبة فأخذها وقيل ليس في الباب ذكر السوط وأجيب بأنه استنبطه بطريق الإلحاق وقيل كأنه فاته عنه وقال بعضهم أشار بالسوط إلى أثر يأتي بعد أبواب في حديث أبي بن كعب أو أشار إلى ما أخرجه أبو داود من حديث جابر قال رخص لنا رسول الله في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به انتهى قلت لو أشار بالسوط إلى أثر يأتي إلى آخره على ما قاله هذا القائل كان الأصوب أن يذكر السوط هناك وذكره هنا وإشارته إلى هناك فيه ما فيه وقوله أو أشار إلى ما أخرجه أبو داود إلى آخره ليس بشيء لأنه كثيرا ما يذكر ترجمة مشتملة على شيئين أو أكثر ولا يذكر لبعضها حديثا أو أثرا فيجاب عنه بأنه ذكره على أن يجد شيئا صحيحا فيذكره ولكن لم يجده فسكت عنه وهذا الحديث الذي ذكره أبو داود ضعيف واختلف في رفعه ووقفه فكيف يرضى بالإشارة إليه وقد مضى الحديث بتمامه في الكفالة وقد ذكره هنا أيضا تعليقا عن الليث وقد مضى الكلام فيه مستوفى قوله وجد المال أي الذي بعثه المستقرض إليه والصحيفة التي كتبها المستقرض إليه يذكر فيها بعث مال القراض
6 -
( باب إذا وجد تمرة في الطريق )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وجد شخص تمرة في الطريق وجواب إذا محذوف تقديره يجوز له أخذها وأكلها وذكر التمرة ليس بقيد وكذا كل ما كان نحوها من المحقرات
1342 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( طلحة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال مر النبي بتمرة في الطريق قال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها ( انظر الحديث 5502 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله الفريابي قاله أبو نعيم وغيره ومنصور هو ابن المعتمر وطلحة هو ابن مصرف على وزن اسم فاعل من التصريف
والحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع في باب ما يتنزه من الشبهات عن قبيصة عن سفيان عن منصور عن طلحة عن أنس إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
وفيه جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات لأنه ذكر أنه لم يتمنع من أكلها إلا تورعا لخشيته أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه لا لكونها مرمية في الطريق وفيه حرمة الصدقة على الرسول والاحتراز عن الشبهة وقيل هذا أشد ما روي في الشبهات وفيه إباحة الشيء التافه بدون التعريف وأنه خارج عن حكم اللقطة لأن صاحبه لا يطلبه ولا يتشاح فيه وقد

(12/273)


روى عبد الرزاق أن عليا رضي الله تعالى عنه التقط حبا أو حبة من رمان فأكلها وعن ابن عمر أنه وجد تمرة فأخذها فأكل نصفها ثم لقيه مسكين فأعطاه النصف الآخر وفيه إسقاط الغرم عن أكل الطعام الملتقط وقيل يضمنه وإن أكله محتاجا إليه ذكره ابن الجلاب
2342 - وقال يحياى حدثنا سفيان قال حدثني منصور وقال زائدة عن منصور عن طلحة قال حدثنا أنس وحدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إني لأنقلب إلاى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها
( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( سفيان ) هو الثوري
وهذا التعليق وصله مسدد في مسنده عن يحيى وأخرجه الطحاوي من طريق مسدد
قوله وقال زائدة أي ابن قدامة وهذا التعليق وصله مسلم فقال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة عن زائدة عن ( منصور ) عن ( طلحة ) بن مصرف قال حدثنا ( أنس ) بن مالك أن رسول الله مر بتمرة في الطريق فقال لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها قوله ( عبد الله ) هو ابن المبارك و ( معمر ) بفتح الميمين هو ابن راشد وهمام بتشديد الميم على وزن فعال ابن منبه بن كامل اليماني الأبناوي وهذا الحديث مضى في كتاب البيوع في باب ما يتنزه من الشبهات معلقا وقد مر الكلام فيه هناك قوله فألقيها بضم الهمزة من الإلقاء وهو الرمي وقال الكرماني فألقيها بالرفع لا غير يعني لا يجوز نصب الياء فيه لأنه معطوف على قوله فارفعها فإذا نصب ربما يظن أنه عطف على قوله أن تكون فيفسد المعنى
7 -
( باب كيف تعرف لقطة أهل مكة )
أي هذا باب يذكر فيه كيف تعرف بالتشديد من التعريف على صيغة المجهول وهذه الترجمة تبين إثبات لقطة الحرم وفيه رد على من يقول لا يلتقط لقطة أهل الحرم واستدلوا في ذلك بما رواه مسلم بإسناده عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله نهى عن لقطة الحاج وأجابت العامة عن ذلك بأن المراد التقاطها للتملك لا للحفظ وقد أوضح هذا حديث الباب وقيل لم يبين أن كيفية لقطة الحرم مثل كيفية لقطة غيره في التعريف والتمليك أم هي مقتصرة على الحفظ فيه قلت بل هي مقتصرة على الحفظ فقط يدل عليه حديث الباب واكتفى بما في الحديث عن تصريح ذلك في الترجمة
وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال لا يلتقط لقطتها إلا من عرفها
هذا قطعة من حديث وصلها البخاري في الحج في باب لا يحل القتال قوله لا يلتقط لقطتها أي لقطة أهل مكة إلا من عرفها يعني للحفظ لصاحبها
وقال خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي لا تلتقط لقطتها إلا لمعرف
خالد هو الحذاء وهذا أيضا قطعة وصلها البخاري في أوائل البيوع في باب ما قيل في الصواغ وقد مر الكلام فيه هناك

(12/274)


3342 - وقال ( أحمد بن سعد ) قال حدثنا ( روح ) قال حدثنا ( زكرياء ) قال حدثنا ( عمرو بن دينار ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال لا يعضد عضاهما ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ولا يختلاى خلاها فقال عباس يا رسول الله إلا الإذخر فقال إلا الإذخر
اختلف في أحمد بن سعيد هذا فقال محمد بن طاهر المقدسي هو ابو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطيوقال أبو نعيم هو أحمد بن سعيد الدارمي وروح هو ابن عبادة وزكرياء هو ابن إسحاق المكي ووصل هذا التعليق الإسماعيلي من طريق العباس ابن عبد العظيم وأبو نعيم من طريق خلف بن سالم كلاهما عن روح بن عبادة
قوله لا يعضد بالجزم أي لا يقطع وقال الكرماني بالجزم والرفع قلت الجزم على أنه نهي والرفع على أنه نفي والعضاه شجر أم غيلان وكل شجر له شوك عظيم الواحدة عضة بالتاء وأصلها عضهة وقيل واحدته عضاهة وعضهت العضاه إذا قطعتها قوله إلا لمنشد وهو المعرف يقال أنشدته أي عرفته وقال ابن بطال قيل معنى المنشد من سمع ناشده يقول من أصاب كذا فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفعها لكي يردها وقال النضر بن شميل المنشد الطالب وهو صاحبها وقال أبو عبيد لا يجوز في العربية أن يقال للطالب المنشد إنما هو المعرف والطالب الناشد وقيل إنما لا يتملك لقطتها لإمكان إيصالها إلى ربها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للغريب فيقصد في كل عام من أقطار الأرض إليها فيسهل التوصل إليها قوله ولا يختلى خلاها الخلا مقصورا النبات الرطب الرقيق ما دام رطبا واختلاؤه قطعه واختلت الأرض كثر خلاها فإذا يبس فهو حشيش والإذخر بكسر الهمزة حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب وهمزتها زائدة قاله ابن الأثير واختلف العلماء في لقطة مكة فقالت طائفة حكمها كحكم سائر البلدان وقال ابن المنذر وروينا هذا القول عن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وقالت طائفة لا تحل ألبتة وليس لواجدها إلا إنشادها وهو قول الشافعي وابن مهدي وأبي عبيد بن سلام
4342 - حدثنا يحياى بن موسى قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحياى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان قال حدثني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين فإنها لا تحل لأحد كان قبلي وإنها أحلت لي ساعة من نهار وإنها لا تحل لأحد بعدي فلا ينفر صيدها ولا يختلاى شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفداى وإما أن يقيد فقال العباس إلا الإذخر فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا فقال رسول الله إلا الإذخر فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال اكتبوا لي يا رسول الله فقال رسول الله اكتبوا لأبي شاه قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله قال هاذه الخطبة التي سمعها من رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد
ذكر رجاله وهم ستة الأول ( يحيى بن موسى ) ابن عبد ربه أبو زكرياء السختياني البلخي يقال له خت الثاني ( الوليد بن مسلم ) بلفظ الفاعل من الإسلام

(12/275)


الثالث عبد الرحمن بن عمرو ( الأوزاعي ) الرابع ( يحيى بن أبي كثير ) واسم أبي كثير صالح الخامس ( أبو سلمة بن عبد الرحمن ) بن عوف السادس ( أبو هريرة )
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وهذا من الغرائب أن كل واحد من الرواة صرح بالتحديث وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن الوليد والأوزاعي شاميان ويحيى يمامي وأبو سلمة مدني وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه ثلاثة من المدلسين على نسق واحد
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج عن زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد كلاهما عن الوليد بن مسلم به وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم به إلا أنه لم يذكر قصة أبي شاه وفي العلم عن مؤمل بن الفضل عن الوليد بن مسلم به مختصرا وعن علي بن سهل الرملي عن الوليد بن مسلم وفي الديات عن العباس ابن الوليد بن يزيد عن أبيه عن الأوزاعي ببعضه وأخرجه الترمذي في الديات عن محمود بن غيلان ويحيى بن موسى كلاهما عن الوليد بن مسلم ببعضه وفي العلم بهذا الإسناد وأخرجه النسائي في العلم عن العباس بن الوليد بن يزيد عن أبيه وعن محمد بن عبد الرحمن وعن أحمد بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في الديات عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم عن الوليد بن مسلم ببعضه من قتل له قتيل إلى قوله يفدى
ذكر معناه قوله لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس ظاهره أن الخطبة وقعت عقيب الفتح وليس كذلك بل وقعت بعد الفتح عقيب قتل رجل من خزاعة رجلا من بني ليث والدليل على ذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث عن أبي هريرة من وجه آخر في العلم في باب كتابة العلم عن أبي نعيم عن شيبان عن يحيى عن سلمة عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه فأخبر بذلك النبي فركب راحلته فخطب فقال إن الله قد حبس عن مكة الفيل أو القتل الحديث قوله القتل في رواية الأكثرين بالقاف وبالتاء المثناة من فوق وفي رواية الكشميهني بالفاء وبالياء آخر الحروف والمراد به الفيل الذي أخبر الله في كتابه في سورة ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( الفيل 1 ) قوله ولا تحل لأحد كان قبلي كلمة لا بمعنى لم أي لم تحل قوله ولا ينفر على صيغة المجهول من التنفير يقال ( نفر ينفر نفورا ونفارا إذا فر وذهب قوله ولا تحل على بناء المعلوم والساقطة هي اللقطة قوله إلا لمنشد أي لمعرف يعني لا تحل لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها فقط لا لمن أراد أن يتملكها قوله من قتل له قتيل قد مر أنه إنما قال هذا لما أخبر أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم أي بسبب قتيل منهم قوله فهو بخير النظرين أي بخير الأمرين يعني القصاص والدية فأيهما اختار كان له إما أن يفدى على صيغة المجهول أي يعطى له الفدية أي الدية وفي رواية للبخاري وغيره إما أن يودى له من وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته وإما أن يقيد أي يقتص من القود وهو القصاص وفي رواية وأما أن يقاد له قوله فقام أبو شاه بالهاء لا غير قال النووي وقد جاء في بعض الروايات بالتاء وكذا عن ابن دحية وفي ( المطالع ) وأبو شاه مصروفا ضبطه بعضهم وقرأته أنا معرفة ونكرة قلت معنى قوله مصروفا أنه بالتنوين ومعنى شاه بالفارسية ملك ويجمع على شاهان وقد ورد النهي عن القول بشاهان شاه يعني ملك الملوك ويقدم المضاف إليه على المضاف في اللغة الفارسية
ذكر ما يستفاد منه وهذا الحديث مشتمل على أحكام منها أحكام تتعلق بحرم مكة وقد مر أبحاثه في كتاب الحج ومنها ما يتعلق باللقطة وقد مر أبحاثها في كتاب اللقطة ومنها ما يتعلق بكتاب أبي شاه وقد مر في كتاب العلم ومنها ما يتعلق بالقصاص والدية وهو قوله ومن قتل له قتيل وقد اختلفوا فيه وهو أن من قتل له قتيل عمدا فوليه بالخيار بين أنم يعفو ويأخذ الدية أو يقتص رضي بذلك القاتل أو لم يرض وهو مذهب سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ومجاهد والشعبي والأوزاعي وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال ابن حزم صح هذا عن ابن عباس وروي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهم

(12/276)


واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور وقال إبراهيم النخعي وعبد الله بن ذكوان وسفيان الثوري وعبد الله بن شبرمة والحسن ابن حيي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله ليس لولي المقتول أن يأخذ الدية إلا برضى القاتل وليس له إلا القود أو العفو واحتج هؤلاء بما رواه البخاري عن أنس أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت سنها فعرضوا عليهم الأرش فأبوا فطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي فأمرهم بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال يا رسول الله أتكسر سن الربيع والذي بعثك بالحق لا تكسر سنها فقال يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم فقال رسول الله إن من عباد الله لو أقسم على الله لأبره فثبت بهذا الحديث أن الذي يجب بكتاب الله وسنة رسول الله في العمد هو القصاص لأنه لو كان للمجني عليه الخيار بين القصاص وبين أخذ الدية إذا لخيره رسول الله ولما حكم لها بالقصاص بعينه فأذا كان كذلك وجب أن يحمل قوله فهو بخير النظرين إما أن يفدى وأما أن يقيد على أخذ الدية برضى القاتل حتى تتفق معاني الآثار ويؤيد ما رواه البخاري أيضا عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى ( البقرة 871 ) الآية وقوله فمن عفى له من أخيه شيء ( البقرة 871 ) فالعفو أن يقبل الدية في العمد قوله ذلك تخفيف من ربكم ( البقرة 871 ) يعني مما كتب على من كان قبلكم أو نقول التخيير من الشرع تجويز الفعلين وبيان المشروعية فيهما ونفي الحرج عنهما كقوله في الربويات إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم معناه تجويز البيع مفاضلة ومماثلة بمعنى نفي الحرج عنهما وليس فيه أن يستقل به دون رضى المشتري فكذا هنا جواز القصاص وجواز أخذ الدية وليس فيه استقلال يستغني به عن رضى القاتل فإن قلت قد أخبر الله تعالى في الآية المذكورة أن للولي العفو واتباع القاتل بإحسان فيأخذ الدية من القاتل وإن لم يكن اشترط ذلك في عفوه قلت العفو في اللغة البذل خذ العفو ( الأعراف 991 ) أي ما سهل فإذا المعنى فمن بذل له شيء من الدية فليقبل والإبذال لا يجب إلا برضى من يجب له ورضى من يجب عليه
8 -
( باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن )
أي هذا باب يذكر فيه لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن صاحبها والماشية تقع على الإبل والبقر والغنم ولكنه في الغنم أكثر قاله ابن الأثير قوله بغير إذن بالتنوين ويروى بغير إذنه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه مسلم في القضاء وأبو داود في الجهاد جميعا بالإسناد الذي رواه البخاري
( ذكر معناه ) قوله عن نافع في موطأ محمد بن الحسن أخبرنا نافع وفي رواية أبي قطن في الموطآت للدارقطني قلت لمالك أحدثك نافع قوله أن رسول الله وفي رواية يزيد بن الهاد عن مالك عند الدارقطني أيضا أنه سمع رسول الله يقول قوله لا يحلبن بضم اللام وبالنون الثقيلة كذا في البخاري وأكثر الموطآت وفي رواية ابن الهاد لا يحتلبن من الاحتلاب من باب الافتعال قوله ماشية امرىء وفي رواية ابن الهاد وجماعة من رواة الموطأ ماشية رجل وفي بعض شروح الموطأ بلفظ ماشية أخيه وكل واحد منهما ليس بقيد لأنه لا اختصاص له بالرجال ولا بالمسلمين لأنهم سواء في هذا الحكم قيل فرق بين المسلم والذمي فلا يحتاج إلى الإذن في الذمي لأن الصحابة شرطوا على أهل الذمة من الضيافة للمسلمين وصح ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه وذكر ابن وهب عن مالك في المسافر ينزل بالذمي قال لا يأخذ منه شيئا إلا بإذنه قيل له فالضيافة التي جعلت عليهم قال كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها وأما

(12/277)


الآن فلا وقال بعضهم نسخ الإذن وحملوه على أنه كان قبل فرض الزكاة قالوا وكانت الضيافة واجبة حينئذ ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة وذكر الطحاوي كذلك أيضا قوله مشربته بضم الراء وفتحها هي الموضع المصون لما يخزن كالغرفة وقال الكرماني هي الغرفة المرتفعة عن الأرض وفيها خزانة المتاع انتهى والمشربة بفتح الراء خاصة مكان الشرب والمشربة بكسر الراء إناء الشرب قوله خزانته بكسر الخاء المعجمة الموضع أو الوعاء الذي يخزن فيه الشيء مما يراد حفظه وفي رواية أيوب عند أحمد فيكسر بابها قوله فينتقل بالنون والقاف من الانتقال وهو التحويل من مكان إلى مكان وهكذا هو في أكثر الموطآت عن مالك وحكى ابن عبد البر عن بعضهم فينتثل بنون ثم تاء مثناة من فوق ثم ثاء مثلثة من الانتثال من النثل وهو النثر مرة واحدة بسرعة ويقال نثل ما في كنانته إذا صبها ونثرها وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة ومسلم من رواية أيوب وموسى بن عقبة وغيرهما عن نافع ورواه عن الليث عن نافع بالقاف وهو عند ابن ماجه من هذا الوجه بالمثلثة وقوله تؤتى وقوله فتكسر وقوله فينتقل كلها على بناء المجهول قوله تخزن بضم الزاي على بناء الفاعل وضروع مواشيهم كلام إضافي مرفوع لأنه فاعل تخزن وقوله أطعماتهم بالنصب مفعوله وهي جمع أطعمة والأطعمة جمع طعام والمراد به هنا اللبن والضروع جمع ضرع وهو لكل ذات خف وظلف كالثدي للمرأة وفي رواية الكشميهني تحرز ضروع مواشيهم بضم التاء وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي والمعنى أنه شبه اللبن في الضرع بالطعام المخزون المحفوظ في الخزانة في أنه لا يحل أخذه بغير إذن ولا فرق بين اللبن وغيره
( ذكر ما يستفاد منه ) قال أبو عمر يحمل هذا الحديث على ما لا تطيب به النفس لقوله لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه وقال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس في تناوله ولا فرق بين اللبن والتمر وغيرهما في ذلك وقال القرطبي ذهب الجمهور إلى أنه لا يحل شيء من لبن الماشية ولا من التمر إلا إذا علم طيب نفس صاحبه وذهب بعضهم إلى أن ذلك يحل وإن لم يعلم حال صاحبه لأن ذلك حق جعله الشارع له يؤيده ما رواه أبو داود من حديث الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنه أن النبي قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب ويشرب وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب ويشرب ولا يحمل ورواه الترمذي أيضا وقال حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة واستدلوا أيضا بحديث أبي سعيد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح من رواية أبي نضرة عنه قال قال رسول الله إذا أتيت على راع فناده ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط بستان فناده ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد وبما رواه الترمذي أيضا من حديث يحيى بن سليم عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي سئل عن التمر المعلق فقال من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي سئل عن التمر المعلق إلى آخره نحوه والخبنة بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها نون قال الجوهري هو ما تحمله في حضنك وقال ابن الأثير الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في طرف ثوبه يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئا في خبنة ثوبه أو سراويله والمراد من التمر المعلق هو التمر على النخل قبل أن يقطع وليس المراد ما كانوا يعلقونه في المسجد من الأقناء في أيام التمرة فإن ذلك مسبل مأذون فيه واستدلوا أيضا بقضية الهجرة وشرب أبي بكر والنبي من غنم الراعي وقال جمهور العلماء وفقهاء الأمصار منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم لا يجوز لأحد أن يأكل من بستان أحد ولا يشرب من لبن غنمه إلا بإذن صاحبه اللهم إلا إذا كان مضطرا فحينئذ يجوز له ذلك قدر دفع الحاجة والجواب عن الأحاديث

(12/278)


المذكورة من وجوه الأول أن التمسك بالقاعدة المعلومة أولى قاله القرطبي والثاني أن حديث النهي أصح والثالث أن ذلك محمول على ما إذا علم طيب نفوس أرباب الأموال بالعادة أو بغيرها والرابع أن ذلك محمول على أوقات الضرورات كما كان في أول الإسلام وأجاب الطحاوي بأن هذه الأحاديث كانت في حال وجوب الضيافة حين أمر رسول الله بها وأوجبها للمسافرين على من حلوا به فلما نسخ وجوب ذلك وارتفع حكمه ارتفع أيضا حكم الأحاديث المذكورة وقال القرطبي وشرب أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين الهجرة من غنم الراعي وإعطائه للشارع كان إدلالا على صاحب الغنم لمعرفته إياه وأنه كان يعلم أنه أذن للراعي أن يسقي من مر به أو أنه كان عرفه أنه أباح بذلك أو أنه مال حربي لا أمان له وقال ابن أبي صفرة حديث الهجرة في زمن المكارمة وهذا في زمن التشاح لما علم من تغير الأحوال بعده وقال الداودي إنما شرب الشارع والصديق لأنهما ابنا سبيل ولهما شرب ذلك إذا احتاجا وفي الحديث استعمال القياس لتشبيه النبي اللبن في الضرع بالطعام المخزون وهذا هو قياس الأشياء على نظائرها وأشباهها وفيه إباحة خزن الطعام واحتكاره خلافا لغلاة المتزهدة حيث يقولون لا يجوز الادخار مطلقا وفيه أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به من حلف لا يتناول طعاما إلا أن يكون له نية تخرج اللبن وقال ابن عمر فيه ما يدل على أن من حلب من ضرع شاة أو بقرة أو ناقة بعد أن يكون في حرزها ما يبلغ قيمته ما يجب فيه القطع إن عليه القطع إلا على قول من لا يرى القطع في الأطعمة الرطبة من الفواكه وفيه بيع الشاة اللبون بالطعام لقوله فإنما يخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فجعل اللبن طعاما وقد اختلف الفقهاء في بيع الشاة اللبون باللبن وسائر الطعام نقدا أو إلى أجل فذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا بأس ببيع الشاة اللبون باللبن يدا بيد ما لم يكن في ضرعها لبن فإن كان في ضرعها لبن لم يجز يدا بيد باللبن من أجل المزابنة فإن كانت الشاة غير لبون جاز في ذلك الأجل وغير الأجل وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بيع الشاة اللبون بالطعام إلى أجل ولا يجوز عند الشافعي بيع شاة في ضرعها لبن بشيء من اللبن يدا بيد ولا إلى أجل وفيه ذكر الحكم بعلته وإعادته بعد ذكر العلة تأكيدا وتقريرا وفيه أن القياس لا يشترط في صحته مساواة الفرع للأصل بكل اعتبار بل ربما كانت للأصل مزية لا يضر سقوطها في الفرع إذا تشاركا في أصل الصفة لأن الضرع لا يساوي الخزانة في الخزن لما أن الصر لا يساوي القفل فيه ومع ذلك فقد ألحق الشارع الضرع المصرور بالحكم بالخزانة المقفلة في تحريم تناول كل منهما بغير إذن صاحبه وفيه ضرب الأمثال للتقريب للإفهام وتمثيل ما يخفى بما هو واضح منه -
9 -
( باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه لأنها وديعة عنده )
أي هذا باب يذكر فيه إذا جاء صاحب اللقطة إلى آخره قوله بعد سنة أي بعد مضي سنة التعريف قوله لأنها أي لأن اللقطة وديعة عند الملتقط فيجب ردها إلى صاحبها
6342 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( يزيد ) مولاى ( المنبعث ) عن ( زيد بن خالد الجهني ) رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل رسول الله عن اللقطة قال عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه قالوا يا رسول الله فضالة الغنم قال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب قال يا رسول الله فضالة الإبل قال فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه إو احمر وجهه ثم قال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها
مطابقته للترجمة في قوله فإن جاء ربها فأدها إليه فإن قلت ليس في الحديث لفظ لأنها وديعة عنده قلت أجيب بجوابين أحدهما أنه ذكر هذه اللفظة في باب ضالة الغنم قبل هذا الباب بخمسة أبواب ولكنه ذكره بالشك هناك

(12/279)


وذكره هنا مترجما بالمعنى لأن قوله أدها إليه بعد الاستنفاق يدل على وجوب الرد وعلى أنه لا يملكها فيكون كالوديعة عنده والجواب الآخر أنه أسقط هذا اللفظ من حيث اللفظ وذكره ضمنا من حيث المعنى لأن قوله فإن جاء صاحبها فأدها إليه يدل على بقاء ملك صاحبها خلافا لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان والجوابان متقاربان وقد مر الكلام فيه مستقصى ثم إنه يستدل من قوله لأنها وديعة عنده على أنها إذا تلفت من غير تقصير منه فإنه لا ضمان عليه ويدل على هذا اختياره كما هو قول جماعة من السلف فإن قلت كيف يتصور الأداء بعد الأستنفاق قلت بدلها يقوم مقامها وكيفية ذلك مع ما قالوا فيه قد مضت محررة قوله حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه شك من الراوي والوجنتان تثنية وجنة وهي ما ارتفع من الخدين وفيها أربع لغات بالواو وبالهمزة وبالفتح فيهما وبالكسر أيضا والله أعلم
01 -
( باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق )
أي هذا باب يذكر فيه هل يأخذ الملتقط اللقطة ولا يدعها حال كونها تضيع بتركه إياها قوله حتى لا يأخذها كذا هو بحرف لا بعد حتى في رواية الأكثرين وفي رواية ابن شبويه حتى يأخذها بدون حرف لا وقال بعضهم وأظن الواو سقطت من قبل حتى والمعنى لا يدعها تضيع ولا يدعها يأخذها من لا يستحق قلت لا يحتاج إلى هذا الظن ولا إلى تقدير الواو لأن المعنى صحيح والتقدير لا يتركها ضائعة ينتهي إلى أخذها من لا يستحق وكلمة هل هنا ليست على معنى الاستفهام بل هي بمعنى قد للتحقيق والمعنى باب يذكر فيه قد يأخذ اللقطة إلى آخره ولهذا لا يحتاج إلى جواب وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره أخذ اللقطة روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وهو قول عطاء بن أبي رباح وروى ابن القاسم عن مالك أنه كره أخذها والآبق فإن أخذ ذلك وضاعت وأبق من غير تضييعه لم يضمن وكره أحمد أخذها أيضا ومن حجتهم في ذلك ما رواه الطحاوي حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبي مسلم الجذمي عن الجارود قال قال رسول الله ضالة المسلم حرق النار وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن أبي داود عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن يزيد بن عبد الله عن أبي مسلم الجذمي عن الجارود نحوه وأخرجه الطبراني أيضا قلت سليمان بن حرب شيخ البخاري وأيوب هو السختياني وأبو مسلم الجذمي بفتح الجيم والذال المعجمة نسبة إلى جذيمة عبد القيس لا يعرف اسمه والجارود هو ابن المعلى العبدي واسمه بشر والجارود لقب به لأنه أغار في الجاهلية على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم وفد على رسول الله سنة عشر في وفد عبد القيس فأسلم وكان نصرانيا ففرح النبي بإسلامه وأكرمه وقربه والضالة هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره يقال ضل الصبي إذا ضاع وضل عن الطريق إذا حار وقد مر الكلام فيه مرة قوله حرق الناربفتحتين وقد تسكن الراء وحرق النار لهيبها والمعنى أن ضالة المسلم إذا أخذها إنسان ليتملكها إدته إلى النار وهذا تشبيه بليغ وحرف التشبيه محذوف لأجل المبالغة وهو من تشبيه المحسوس بالمحسوس وقال الحسن البصري والنخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي في قول وأحمد في رواية وأبو يوسف ومحمد لا يحرم أخذ الضوال وعن الشافعي في قول وأحمد في رواية ندب تركها وعن الشافعي في قول يجب رفعها وقال ابن حزم قال أبو حنيفة ومالك كلا الأمرين مباح والأفضل أخذها وقال الشافعي مرة أخذها أفضل ومرة قال الورع تركها وأجاب الطحاوي عن الحديث المذكور أنه أراد أخذها لغير التعريف وقد بين ذلك ما روي عن الجارود أيضا أنه قال قد كنا أتينا إلى رسول الله ونحن على إبل عجاف فقلنا يا رسول الله إنا قد نمر بالحرف فنجد إبلا فنركبها فقال إن ضالة المسلم حرق النار وكان سؤالهم النبي عن أخذها لأن يركبوها لا لأن يعرفوها فأجابهم بأن قال ضالة المسلم حرق النار أي إن ضالة المسلم حكمها أن تحفظ على صاحبها حتى تؤدى إلى صاحبها لا لأن ينتفع بها لركوب ولا لغير ذلك فبان بذلك معنى الحديث

(12/280)


7342 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سلمة بن كهيل ) قال سمعت ( سويد بن غفلة ) قال كنت مع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان في غزاة فوجدت سوطا فقال لي ألقه قلت لا ولاكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به فلما رجعنا حججنا فمررت بالمدينة فسألت أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه فقال وجدت صرة على عهد النبي فيها مائة دينار فأتيت بها النبي فقال عرفها حولا فعرفتها حولا ثم أتيت فقال عرفها حولا فعرفتها حولا ثم أتيته قال عرفها حولا فعرفتها حولا ثم أتيته الرابعة فقال اعرف عدتها ووكاءها ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها
مطابقته للترجمة من حيث إن أمره إياه بالتعريف يدل على أن أخذ اللقطة مشروع لئلا تضيع إذا تركها وتقع في يد غير مستحقها والحديث مضى في أول كتاب اللقطة ولكنه أخرجه ههنا من طريق آخر مع زيادة فيه
ورجاله قد ذكروا مع ترجمة سويد بن غفلة هناك وسلمان بن ربيعة الباهلي يقال له صحبة ويقال له سلمان الخيل لخبرته بها وكان أميرا على بعض المغازي في فتوح العراق سنة ثلاثين في عهد عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما وهو أول من تولى قضاء الكوفة واستشهد في خلافته في فتوح العراق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وزيد بن صوحان بضم الصاد المهملة وسكون الواو بعدها حاء مهملة وبعد الألف نون العبدي تابعي كبير مخضرم أيضا وزعم ابن الكلبي أن له صحبة وروى أبو يعلى من حديث علي رضي الله تعالى عنه مرفوعا من سره أن ينظر إلى من سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان وكان قدوم زيد في عهد عمر رضي الله تعالى عنه وشهد الفتوح وروى ابن منده من حديث بريدة قال ساق النبي ليلة فقال زيد زيد الخير فسئل عن ذلك فقال رجل سبقه يده إلى الجنة فقطعت يد زيد بن صوحان في بعض الفتوح وقتل مع علي رضي الله تعالى عنه يوم الجمل
قوله في غزاة زاد أحمد من طريق سفيان عن سلمة حتى إذا كنا بالعذيب بضم العين المهملة وفتح الدال المعجمة وفي آخره باء موحدة مصغر عذب وهو موضع قاله بعض الشراح وسكت قلت عذيب واد بظاهر الكوفة وقال إبراهيم بن محمد في ( شرحه لشعر أبي الطيب ) عند قوله
( تذكرت ما بين العذيب وبارق )
العذيب ماء لبني تميم وكذلك بارق قال الرشاطي والبكري ديار بني تميم باليمامة وعذيبة تأنيث الذي قبله موضع في طريق مكة بين الجار وينبع قوله ألقه أمر من الإلقاء وهو الرمي قوله قلت لا أي لا ألقيه قوله الرابعة هي رابعة باعتبار مجيئه إلى النبي وثالثة باعتبار التعريف وقال الكرماني فإن قلت تقدم أول اللقطة أنها الثالثة قلت التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد انتهى والأصوب ما قلناه قوله عدتها أي عددها وقال الكرماني هذا يدل على تأخير المعرفة عن التعريف يعني قوله أعرف عدتها والروايات السابقة بالعكس قلت مضى الجواب عن هذا عن قريب وهو أنه مأمور بمعرفتين يعرف أولا ليعلم صدق وصفها ويعرف ثانيا معرفة زائدة على الأولى من قدرها وجودتها على سبيل التحقيق ليردها على صاحبها بلا تفاوت
حدثنا عبدان قال أخبرني أبي عن شعبة عن سلمة بهاذا قال فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري أثلاثة أحوال أو حولا واحدا
عبدان اسمه عبد الله وعبدان لقب عليه وأبو عثمان بن جبلة بالجيم والباء الموحدة المفتوحتين الأزدي البصري وسلمة هو ابن كهيل
قوله بهذا أي بالحديث المذكور قوله قال فلقيته أي قال سويد بن غفلة فلقيت أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه بمكة فقال لا أدري أي لا أعلم إلى آخره ورواه مسلم فقال حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة وحدثني أبو بكر بن نافع واللفظ له حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت سويد بن غفلة

(12/281)


قال خرجت أنا وزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة غازين فوجدت سوطا فأخذته فقالا لي دعه فقلت لا ولكني أعرف به فإن جاء صاحبه وإلا استمتعت به قال فأبيت عليهما فلما رجعنا من غزاتنا قضي لي أني حججت فأتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه فأخبرته بشأن السوط وبقولهما فقال إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله فأتيت بها رسول الله فقال عرفها حولا قال فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فلم أجد من يعرفها فقال إحفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيته بعد ذلك بمكة فقال لا أدري بثلاثة أحوال أو حول واحد انتهى وإنما سقت حديث مسلم هذا بطوله لأنه كالشرح لرواية البخاري هذه
11 -
( باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلاى السلطان )
أي هذا باب في بيان حكم من عرف بالتشديد من التعريف قوله ولم يدفعها من الدفع في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني ولم يرفعها بالراء موضع الدال وحاصل هذه الترجمة أن الملتقط لا يجب عليه أن يدفع اللقطة إلى السلطان سواء كانت قليلة أو كثيرة لأن السنة وردت بأن واجد اللقطة هو الذي يعرفها دون غيره لقوله عرفها إلا إذا كان الملتقط غير أمين فإن السلطان يأخذها منه ويدفعها إلى أمين ليعرفها على ما نذكره عن قريب وأشار بها أيضا إلى رد قول من يفرق بين القليل والكثير حيث يقولون إن كان قليلا يعرفه وإن كان كثيرا يرفعه إلى بيت المال والجمهور على خلافه وممن ذهب إلى ذلك الأوزاعي وفرق بعضهم بين اللقطة والضوال وفرق بعض المالكية وبعض الشافعية بين المؤتمن وغيره فالزموا المؤتمن بالتعريف وأمروا بدفعها إلى السلطان في غير المؤتمن ليعطيها لمؤتمن يعرفها
8342 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( ربيعة ) عن ( يزيد ) مولاى ( المنبعث ) عن ( زيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنه أن أعرابيا سأل النبي عن اللقطة قال عرفها سنة فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها وإلا فاستنفق بها وسأله عن ضالة الإبل فتمعر وجهه وقال مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر دعها حتى يجدها ربها وسأله عن ضالة الغنم فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب
مطابقته للترجمة من حيث إنه لا يجب على الملتقط دفعها إلى السلطان بل هو يعرفها وهو حاصل معنى قوله من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان والحديث مضى مكررا مع شرحه
21 -
( باب )
أي هذا باب وهو كالفصل لما قبله وهكذا وقع بغير ترجمة وليس هو بموجود في رواية أبي ذر
9342 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( النضر ) قال أخبرنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) قال أخبرني ( البراء ) عن ( أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما وحدثنا عبد الله بن رجاء قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء عن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قال انطلقت فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه فقلت لمن أنت قال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن فقال نعم فقلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب كثبة من لبن وقد جعلت

(12/282)


لرسول الله إداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فانتهيت إلى النبي فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت
وجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب الذي كالفصل من الباب المترجم الذي قبله من حيث إن الباب المترجم مشتمل على حكم من أحكام اللقطة وهذا أيضافيه شيء يشبه حاله حال اللقطة وهو الشرب من لبن غنم لها راع واحد في الصحراء وهو في حكم الضائع في هذه الحالة فصار كالسوط أو الحبل أو نحوهما الذي يباح التقاطه وقال الكرماني فإن قلت ما التلفيق بينه وبين ما تقدم آنفا من حديث لا يحلبن أحد ماشية أحد قلت كان ههنا إذن عادي أو كان صاحبه صديق الصديق أو كان كافرا حربيا أو كان حالهما حال اضطرار أو من جهة النبي أولى بالمؤمنين انتهى قلت لا تطلب المطابقة إلا بين حديث الباب والباب الذي ترجم عليه وههنا الباب الذي فيه هذا الحديث مجرد من الترجمة وهو داخل في الباب الذي قبله وهو باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان والذي ذكره الكرماني ليس له مناسبة ههنا أصلا وإنما يستقيم ما ذكره بين هذا الحديث وبين باب لا يحتلب ماشية أحد إلا بإذن وبينهما ثلاثة أبواب والأصل بيان المطابقة بين كل باب وحديثه
ثم إن البخاري أخرج هذا الحديث من طريقين الأول عن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه عن النضر بسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر شمل عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب الثاني عن عبد الله بن رجاء بن المثنى الفداني البصري أبي عمرو عن إسرائيل إلى آخره والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن محمد بن يوسف وفي الهجرة عن محمد بن بشار وفي الأشربة عن محمود عن النضر وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن زهير بن حرب وعن إسحاق بن إبراهيم وعن سلمة بن شبيب وفي الأشربة عن أبي موسى
قوله فإذا أنا كلمة إذا للمفاجأة قوله انطلقت أي حين كان مع رسول الله قاصدين الهجرة إلى المدينة قوله يسوق غنمه جملة حالية قوله هل في غنمك من لبن بفتح الباء الموحدة في رواية الأكثرين وحكى عياض رواية ضم اللام وسكون الباء أي شاة ذات لبن كذا قاله بعضهم وليس كذلك وإنما اللبن بضم اللام وسكون الباء جمع لبنة وكذلك لبن بكسر اللام وعن يونس يقال كم لبن غنمك ولبن غنمك أي ذوات الدر منها قوله فأمرته أي بالاعتقال وهو الإمساك يقال اعتقلت الشاة إذا وضعت رجلها بين فخذيك أو ساقيك لتحلبها قوله كثبة بضم الكاف وسكون الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وهو قدر حلبة وقيل القليل منه وقيل القدح من اللبن قوله إداوة وهي الركوة
وفي الحديث من الفوائد استصحاب الاداوة في السفر وخدمة التابع للمتبوع وفيه من التأدب والتنظيف ما صنعه أبو بكر رضي الله تعالى عنه من نفض يد الراعي ونفض الضرع وقال ابن بطال سألت بعض شيوخي عن وجه استجازة الصديق لشرب اللبن من ذلك الراعي فقال لي يحتمل أن يكون الشارع قد كان أذن له في الحرب وكانت أموال المشركين له حلالا فعرضته على المهلب فقال لي ليس هذا بشيء لأن الحرب والجهاد إنما فرض بالمدينة وكذلك المغانم إنما نزل تحليلها يوم بدر بنص القرآن وإنما شرباه بالمعنى المتعارف عندهم في ذلك الزمن من المكارمات وربما استفهم به الصديق الراعي من أنه حالب أو غير حالب ولو كان بمعنى الغنيمة ما استفهمه ويحلب على ما أراد الراعي أو كره والله أعلم
بسم الله الرحمان الرحيم
64 -
( كتاب المظالم والغضب )
أي هذا كتاب في بيان تحريم المظالم وتحريم الغصب والمظالم جمع مظلمة مصدر ميمي من ظلم يظلم ظلما وأصله الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي وقيل التصرف في ملك الغير بغير إذنه والمظلمة أيضا اسم ما أخذ منك بغير حق وفي المغرب المظلمة الظلم واسم للمأخوذ في قولهم عند فلان مظلمتي وظلامتي أي حقي الذي أخذ مني ظلما والغصب أخذ مال الغير ظلما وعدوانا يقال غصبه يغصبه غصبا فهو غاصب وذاك مغصوب وقيل الغصب

(12/283)


الاستيلاء على مال الغير ظلما وقيل أخذ حق الغير بغير حق وهذه الترجمة هكذا هي في رواية المستملي وفي رواية غيره سقط لفظ كتاب هكذا في المظالم والغصب وفي رواية النسفي كتاب الغصب باب في المظالم
وقول الله تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم رافعي رؤوسهم المقنع والمقمح واحد ( إبراهيم 412 24 و34 )
وقول الله بالجر عطف على ما قبله ووقع في رواية أبي ذر من قوله ولا تحسبن الله غافلا ( ابراهيم 412 24 و34 ) إلى قوله عزيز ذو انتقام ( ابراهيم 64 ) وهي ست آيات في أواخر سورة إبراهيم عليه الصلاة و السلام وفي رواية غيره ولا تحسبن الله غافلا ( ابراهيم 412 24 و34 ) وساق الآية فقط قوله ولا تحسبن الله غافلا ( ابراهيم 412 24 و34 ) إن كان الخطاب للرسول فمعناه التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسبه غافلا كما في قوله تعالى ولا تكونن من المشركين ( الأنعام 41 يونس 501 القصص 78 ) وإن كان الخطاب لغيره ممن يجوز أنه يحسبه غافلا لجهله بصفاته فلا يحتاج إلى تقدير شيء وقال الزمخشري ويجوز أن يراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير قوله إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( ابراهيم 412 24 و34 ) أي أبصارهم لا تقر في أماكنهم من هول ما ترى قوله مهطعين ( ابراهيم 412 24 و34 ) يعني مسرعين إلى الداعي وقيل الإهطاع أن تقبل ببصرك على المرئي وتديم النظر إليه لا تطرف قوله مقنعي رؤوسهم ( ابراهيم 412 24 و34 ) أي رافعي رؤسهم كذا فسره مجاهد ولا يرتد إليهم طرفهم ( ابراهيم 412 24 و34 ) أي لا يطرفون ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك الأجفان وأفئدتهم هواء ( ابراهيم 412 24 و34 ) أي خلاء وهو الذي لم تشغله الأجرام أي لا فوة في قلوبهم ولا جراءة ويقال للأحمق أيضا قلبه هواء وعن ابن جريج هواء أي صفر من الخير خالية عنه قوله المقنع والمقمح واحد كذا ذكره أبو عبيدة أي هذه الكلمة بالنون والعين وبالميم والحاء معناهما واحد وهو رفع الرأس وحكى ثعلب أن لفظة اقنع مشترك بين معنيين يقال أقنع إذا رفع رأسه واقنع إذا يطأطئه ويحتمل الوجهين هنا أن يرفع رأسه ينظر ثم يطاطئه ذلا وخضوعا
وقال مجاهد مهطعين أي مديمي النظر ويقال مسرعين لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ( ابراهيم 412 24 و34 ) يعني جوفا لا عقول لهم
تفسير مجاهد أخرجه الفريابي عنه وقد ذكرنا معنى لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ( ابراهيم 412 24 و34 ) قوله جوفا بضم الجيم جمع أجوف قوله يعني لا عقول لهم كذا فسره أبو عبيدة في ( المجاز ) وقيل معنى وأفئدتهم هواء ( ابراهيم 412 24 و34 ) نزعت أفئدتهم من أجوافهم
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونو أقسمتم من قبل مالكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ( ابراهيم 64 )
قد ذكرنا أن في رواية أبي ذر سيق من قوله ولا تحسبن الله غافلا ( ابراهيم 412 24 و34 ) إلى قوله عزيز ذو انتقام ( ابراهيم 64 ) ست آيات وفي رواية غيره آية واحدة فقط وهي الآية الأولى قوله وانذر الناس الخطاب للرسول أمره بإنذار الناس وتخويفهم قوله يوم يأتيهم العذاب ( ابراهيم 64 ) وهو يوم القيامة وهو مفعول ثان لأنذر قوله أخرنا إلى أجل قريب ( ابراهيم 64 ) يعني ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إل أجل وحد من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك قوله أو لم تكونوا أقسمتم ( ابراهيم 64 ) أي يقال لهم أو لم تكونوا حلفتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء حتى كفرتم بالبعث وسكنتم في مساكن الذين ظلموا من قبلكم وتبين لكم ( ابراهيم 64 ) ظهر لكم ما فعلنا بهم من أنواع الزوال بموتهم وخراب مساكنهم والانتقام منهم بعضها بالمشاهدة

(12/284)


وبعضها بالإخبار وضربنا لكم الأمثال ( ابراهيم 64 ) أي صفات ما فعلوا بالأمثال المضروبة لكل ظالم قوله وقد مكروا مكرهم ( ابراهيم 64 ) يعني بالنبي حين هموا بقتله وعند الله مكرهم ( ابراهيم 64 ) أي عالم به لا يخفى عليه فيجازيهم قوله وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( ابراهيم 64 ) يعني وإن كان مكرهم ليبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال فإن الله ينصر دينه والمراد بالجبال هنا الاسلام وقيل جبال الأرض مبالغة والأول استعارة ثم طمن قلب النبي بقوله ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ( ابراهيم 64 ) أي منيع ذو انتقام ( ابراهيم 64 ) من الكفار
1 -
( باب قصاص المظالم )
أي هذا باب في بيان قصاص المظالم يوم القيامة والقصاص اسم بمعنى المقاصة وهو مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح وهي مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة ويقال أقصه الحاكم يقصه إذا مكنه من أخذ القصاص
0442 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال أخبرنا ( معاذ بن هشام ) قال حدثني أبي عن ( قتادة ) عن ( أبي المتوكل الناجي ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا ( الحديث 0442 - طرفه في 5356 )
مطابقته للترجمة في قوله فيقاصون مظالم كانت بينهم وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه ومعاذ بن هشام البصري سكن ناحية اليمن يكنى أبا عبد الله وأبوه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ودستواء من ناحية الأهواز كان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها مات سنة ثلاث وخمسين ومائة وأبو المتوكل علي بن دؤاد بضم الدال المهملة الأولى الناجي بالنون وبالجيم وأبو سعيد الخدري سعيد بن مالك
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن الصلت بن محمد عن يزيد بن زريع وقد ترجم هناك في باب القصاص يوم القيامة
قوله إذا خلص المؤمنون بفتح اللام أي إذا سلموا ونجوا من النار والمراد بعض المؤمنين قوله حبسوا على صيغة المجهول أي عرفوا قوله بقنطرة قال ابن التين القنطرة كل شيء ينصب على عين أو واد وقال الهروي سمي البناء قنطرة لتكاثف بعض البناء على بعض وسماها القرطبي الصراط الثاني والأول لأهل المحشر كلهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو يلتقطه عنق من النار فإذا خلص من الأكبر ولا يخلص منه إلا المؤمنون حبسوا على صراط خاص بهم ولا يرجع إلى النار من هذا أحد وهو معنى قوله إذا خلص المؤمنون من النار أي من الصراط المضروب على النار وقال مقاتل إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فإذا هذبوا قال لهم رضوان سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ( الزمر 37 ) قوله بين الجنة والنار أي بقنظرة كائنة بين الجنة والصراط الذي على متن النار ولهذا سمي بالصراط الثاني وبهذا يرد على بعضهم في قوله بقنطرة الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة ويحتمل أن يكون من غيره بين الصراط والجنة انتهى قلت سبحان الله ما هذا التصرف بالتعسف فإن الحديث مصرح بأن تلك القنطرة بين الجنة والنار وهو يقول إنها طرف الصراط وطرف الصراط من الصراط وقوله بيه يدل على أنها قنطرة مستقلة غير متصلة بالصراط وهذا هو المعنى قطعا وجعل هذا القائل هذا المعنى بالاحتمال وما غر هذا القائل إلا حكاية ابن التين عن الداودي أن القنطرة هنا يحتمل أن تكون طرف الصراط والكرماني أيضا تصرف هنا قريبا من كلام الداودي حيث قال قوله قنطرة فإن قلت هذا يشعر بأن في القيامة جسرين هذا والآخر على متن جهنم المشهور بالصراط قلت لا محذور فيه ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فلا بد من تأويله أن هذه القنطرة من تتمة الصراط وذنابته ونحو ذلك انتهى قلت سبحان الله فلا حاجة إلى هذا السؤال بقوله يشعر إلى آخره لأنه ينادي بأعلى صوته أن

(12/285)


القنطرة المذكورة غير الصراط ولا من تتمته كما ذكرنا وقوله ولئن ثبت ولم يثبت ذلك فلا حاجة إلى التأويل الذي ذكره قوله فيتقاصون بتشديد الصاد المهملة من القصاص يعني يتبع بعضهم بعضا فيما وقع بينهم من المظالم التي كانت بينهم في الدنيا في كل نوع من المظالم المتعلقة بالأبدان والأموال وقال ابن بطال المقاصة في هذا الحديث هي لقوم دون قوم هم قوم لا تستغرق مظالمهم جميع حسناتهم لأنها لو استغرقت جميع حسناتهم لكانوا ممن وجب لهم العذاب ولما جاز أن يقال فيهم خلصوا من النار فمعنى الحديث والله أعلم على الخصوص لمن لم يكن لهم تبعات يسيرة إذ المقاصة أصلها في كلام العرب مقاصصة وهي مفاعلة ولا يكون أبدا إلا بين اثنين كالمشاتمة والمقاتلة فكان لكل واحد منهم على أخيه مظلمة وعليه له مظلمة ولم يكن في شيء منها ما يستحق عليه النار فيتقاصون بالحسنات والسيئات فمن كانت مظلمته أكثر من مظلمة أخيه أخذ من حسناته فيدخلون الجنة ويقتطعون فيها المنازل على قدر ما بقي لكل واحد منهم من الحسنات فلهذا يتقاصصون بعد خلاصهم من النار لأن أحدا لا يدخل الجنة ولأحد عليه تباعة وقال المهلب هذه المقاصة إنما تكون في المظالم في الأبدان من اللطمة وشبهها مما يمكن فيه أداء القصاص بحضور بدنه فيقال للمظلوم إن شئت أن تنتصف وإن شئت أن تعفو وقال غيره لا قصاص في الآخرة في العرض والمال وغيره إلا بالحسنات والسيئات قيل فيه نظر لأن أبا الفضل ذكر في كتاب ( الترغيب والترهيب ) بسند صالح عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إذا فرغ الله من القضاء أقبل على البهائم حتى إنه ليجعل للجماء التي نطحتها القرناء قرنين فتنطح بهما الأخرى ويقال معنى يتقاصون يتتاركون لأنه ليس موضع مقاصة ولا محاسبة لكن يلقي الله عز و جل في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض أو يعوض الله بعضهم من بعض قوله حتى إذا نقوا بضم النون وتشديد القاف من التنقية وهو إفراد الجيد من الرديء ووقع للمستملي هنا حتى إذا تقصوا بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الصاد المهملة أي أكملوا التقاص قوله وهذبوا على صيغة المجهول من التهذيب وهو التلخيص من الآثام بمقاصصة بعضهم ببعض ويشهد لهذا الحديث قوله في حديث جابر رضي الله تعالى عنه الآتي ذكره في التوحيد لا يحل لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد قبله مظلمة
فإن قلت ذكر الدارقطني حديثا فيه أن الجنة بعد الصراط وهذا يعارض حديث القنطرة قلت لا لأن المراد بعد الصراط الثاني هو القنطرة كما ذكرنا فإن قلت صح عن النبي أنه قال أصحاب الحشر محبوسون بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم وهذا يعارض حديث الباب قلت لا لأن معناهما مختلف لاختلاف أحوال الناس لأن من المؤمنين من لا يحبسون بل إذا خرجوا بثوا على أنهار الجنة قوله لأحدهم اللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة وأحدهم مرفوع بالابتداء فخبره قوله أدل بمنزله الذي كان في الدنيا قال المهلب انما كان أدل لأنهم عرفوا مساكنهم بتعريضها عليهم بالغداة والعشي فإن قلت يعارض هذا ما روي عن عبد الله ابن سلام أن الملائكة تدلهم على طريق الجنة قلت لا تعارض فإن هذا يكون ممن لم يحبس على القنطرة ولم يدخل النار أو يخرج منها فيطرح على باب الجنة وقد يحتمل أن يكون ذلك في الجميع فإذا وصلت بهم الملائكة كان كل أحد عرف بمنزله وهو معنى قوله تعالى ويدخلهم الجنة عرفها لهم ( محمد 6 ) وقال أكثر أهل التفسير إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم فهم أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا وقيل إن هذا التعريف إلى المنازل بدليل وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه وحديث الباب يرده فلينظر
وقال يونس بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة قال حدثنا أبو المتوكل
يونس بن محمد هو أبو محمد المؤدب البغدادي وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي يكنى أبا معاوية سكن الكوفة وأصله بصري وكان مؤدبا لبني داود بن علي مات ببغداد سنة أربع وستين ومائة وأبو المتوكل الناجي قد مر عن قريب وهذا تعليق وصله ابن منده في ( كتاب الإيمان ) وأراد البخاري به بيان سماع قتادة لهذا الحديث من أبي المتوكل بطريق التحديث وفي ( التلويح ) رواه أيضا أبو نعيم الحافظ عن أبي علي محمد بن أحمد قال حدثنا إسحاق بن الحسين بن ميمون بن محمد المروزي حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أبو المتوكل فذكره قيل أبو نعيم رواه عن إسحاق بن الحسين بن محمد

(12/286)


2 -
( باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين ( هود 81 ) )
أي هذا باب في قول الله تعالى حكاية عن الملائكة أو الرسل أنهم يقولون يوم القيامة ألا لعنة الله على الظالمين ( هود 81 ) وهذا آخر آية في سورة هود وأول الآية هو قوله تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ( هود 81 ) الأشهاد هم الرسل وقيل الملائكة وقيل النبيون وقيل أمة محمد يشهدون على الناس ويقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ( هود 81 ) أي زعموا أن له شريكا وولدا ألا لعنة الله على الظالمين ( هود 81 ) أي المشركين والأشهاد جمع شاهد مثل ناصر وأنصار وصاحب وأصحاب ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف ويوضح ذلك حديث الباب وهو الحديث الذي رواه صفوان بن محرز عن ابن عمر وفيه فينادي على رؤوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ( هود 81 )
1442 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( همام ) قال أخبرني ( قتادة ) عن ( صفوان ابن محرز المازني ) قال بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما آخذ بيده إذ عرض رجل فقال كيف سمعت رسول الله في النجواى فقال سمعت رسول الله يقول إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ( هود 81 )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وهمام هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري وصفوان بن محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي المازني البصري مات سنة أربع وتسعين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن مسدد وفي الأدب وفي التوحيد عن مسدد أيضا وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وعن أبي موسى وعن بندار وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن أبي عبيد الله وفي الرقائق عن سويد بن نصر وأخرجه ابن ماجه في السنة عن حميد بن مسعدة
ذكر معناه قوله بينما ويروى بينا قوله آخذ بيده أي بيد ابن عمر وآخذ على وزن فاعل مرفوع على أنه بدل من أمشي وقد ذكر في موضعه أنه يبدل كل من الاسم والفعل والجملة من مثله وقوله أمشي في محل الرفع لأنه خبر لمبتدأ وهو قوله أنا وسمي الفعل المضارع مضارعا أي مشابها لاسم الفاعل في الحركات والسكنات وغير ذلك فإذا كان كذلك يجوز أن يبدل اسم الفاعل من المضارع ويجوز نصب آخذ على الحال من جهة العربية قوله إذ عرض جواب بينما قوله في النجوى أي الذي يقع بين الله تعالى وبين عبده المؤمن يوم القيامة وهو فضل من الله تعالى حيث يذكر المعاصي للعبد سرا قوله يدني بضم الياء من الإدناء وهو التقريب الرتبي لا المكاني قوله فيضع عليه كنفه بفتح النون والفاء قال الكرماني الكنف الجانب والساتر والعون يقال كنفت الرجل أي صنته وحطته وأعنته انتهى وقال الطيبي كنفه حفظه وستره من أهل الموقف وصونه عن الخزي والتفضيح مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه فيحفظه وقال الكرماني وفي بعضها أي وفي بعض الروايات كتفه بالفوقانية قلت هذه الرواية وقعت من أبي ذر عن الكشميهني قال عياض وهو تصحيف قبيح قوله الأشهاد جمع شاهد وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله على الظالمين المراد بالظلم هنا الكفر والنفاق وليس كل ظلم يدخل في معنى الآية ويستحق اللعنة لأنه لا يكون عقوبة الكفر عند الله كعقوبة صغائر الذنوب واللعن الإبعاد والطرد وهذا الحديث يبين أن قوله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( التكاثر 8 ) إن السؤال عن

(12/287)


النعيم الحلال إنما هو سؤال تقرير وتوقيف له على نعمه التي أنعم بها عليه ألا يرى أن الله تعالى يوقفه على ذنوبه التي عصاه فيها ثم يغفرها له وإذا كان كذلك فسؤاله عباده عن النعيم الحلال أولى أن يكون سؤال تقرير لا سؤال حساب وانتقام
وفيه حجة لأهل السنة أن أهل الذنوب من المؤمنين لا يكفرون بالمعاصي كما زعمت الخوارج وفيه حجة أيضا على المعتزلة في مغفرة الذنوب إلا الكبائر
3 -
( باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه )
أي هذا باب يذكر فيه لا يظلم المسلم المسلم الأول مرفوع على الفاعلية والثاني منصوب على المفعولية قوله ولا يسلمه بضم الياء يقال أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه ويقال معنى لا يسلمه لا يتركه مع من يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه
2442 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أن ( سالما ) أخبره أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ( الحديث 2442 - طرفه في 1596 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين ابن خالد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن يحيى وأخرجه مسلم وأبو داود جميعا والترمذي في الحدود وأخرجه النسائي في الرجم
وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه الترمذي من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وعن عقبة بن عامر أخرجه أبو داود والنسائي من رواية أبي الهيثم عنه عن النبي قال من رأى عورة فسترها كان كمن أحيى موؤدة زاد الحاكم في ( المستدرك ) من قبرها وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وعن ابن عباس أخرجه ابن ماجه من حديث عكرمة عنه عن النبي قال من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة وعن كعب بن عجرة أخرجه الطبراني من حديث محمد بن كعب القرظي عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة ومن ستر على مؤمن عورة ستر الله عليه عورته يوم القيامة ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربته وعن مسلمة ابن مخلد أخرجه أحمد في ( مسنده ) من حديث أبي أيوب عنه أن النبي قال من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة الحديث وإسناده صحيح وعن أبي سعيد أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنه قال قال رسول الله لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه إلا أدخله الله الجنة وعن جابر بن عبد الله أخرجه الطبراني أيضا في ( الأوسط ) من حديث محمد بن المنكدر عنه قال قال رسول الله من ستر على أخيه عورة فكأنما أحيا موؤدة وضعفه ابن عدي وعن نبيط بن شريط أخرجه الطبراني في ( الصغير ) عن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط عن أبيه عن جده عن أبيه نبيط قال قال رسول الله من ستر عورة حرمة مؤمنة ستره الله من النار وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في ( كتاب الثواب ) من رواية محمد بن إسحاق العكاشي عن عمرو بن وثاب عن قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من ستر مؤمنا فكأنما يستر الله عز و جل والعكاشي ضعيف

(12/288)


ذكر معناه قوله المسلم أخو المسلم يعني أخوه في الإسلام وكل شيئين يكون بينهما اتفاق تطلق عليهما اسم الأخوة وقوله المسلم تناول الحر والعبد والبالغ والمميز قوله ولا يظلمه نفي بمعنى الأمر وهو من باب التأكيد لأن ظلم المسلم للمسلم حرام قوله ولا يسلمه قد فسرناه الآن وزاد الطبراني في روايته عن سالم ولا يسلمه في مصيبته وقال ابن التين لا يظلمه فرض ولا يسلمه مستحب وظاهر كلام الداودي أنه كظلمه قال وفيه تفصيل الوجوب إذا فجئه عدو وشبه ذلك والاستحباب فيما كان من إعانة في شيء من الدنيا وقال ابن بطال نصر المظلوم فرض كفاية وتتعين فرضيته على السلطان قلت الوجوب والاستحباب بحسب اختلاف الأحوال والستر على المسلم لا يمنع الإنكار عليه خفية وهذا في غير المجاهر وأما المجاهر فخارج عن هذا ولا غيبة له لقوله أترعون عن ذكر الفاجر متى يعرفه الناس أذكروه بما فيه يحذره الناس رواه صاحب ( التلويح ) بإسناده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وقال صاحب ( التوضيح ) هو ضعيف وجد بهز هو معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري وعن يحيى بن معين بهز بن حكيم عن أبيه عن جده إسناده صحيح إذا كان دونه ثقة وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول بهز شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به وقال النسائي ثقة وقال أبو داود هو حجة عندي استشهد به البخاري في ( الصحيح ) وروى له في ( الأدب ) وروى له الأربعة قوله كربة بضم الكاف وهو الغم الذي يأخذ النفس وكذلك الكرب على وزن الضرب تقول منه كربه الغم إذا اشتد عليه قوله من كربات جمع كربة ويروى من كرب بضم الكاف وفتح الراء وابن التين اقتصر على الأول وقال ضبط بضم الراء ويجوز فتحها وإسكانها قوله ومن ستر مسلما أي رآه على قبيح فلم يظهره للناس وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه خفية
وفي الحديث حض على التعاون وحسن المعاشرة والإلفة والستر على المؤمن وترك التسمع به والإشهار لذنوبه وفيه أن المجازاة قد تكون في الآخرة من جنس الطاعة في الدنيا وهذا الحديث يحتوي على كثير من آداب المسلمين وقال الكرماني الستر إنما هو في معصية وقعت وانقضت أما فيما تلبس الشخص فيجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها وأما ما يتعلق بجرح الرواة والشهود فلا يحل الستر عليهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة
4 -
( باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما )
أي هذا باب يذكر فيه إعانة أخيه سواء كان ظالما أو مظلوما
3442 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس وحميد الطويل ) سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما
4442 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( معتمر ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هاذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه ( انظر الحديث 3442 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله أخاك ظالما أو مظلوما فإن قلت الحديث أنصر أخاك قلت النصرة تستلزم الإعانة فيكفي هذا المقدار في وجه المطابقة وقيل أشار بلفظ الإعانة إلى ما روي عن جابر مرفوعا أعن أخاك ظالما أو مظلوما أخرجه أبو نعيم في ( مستخرجه ) من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بهذا اللفظ وروى هذا الحديث من طريقين الأول عن عثمان مختصرا والحديث من أفراده وهشيم مصغر هشم ابن بشير مصغر بشر الواسطي وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك الأنصاري قوله سمع الضمير فيه يرجع إلى حميد ويروى سمعا بالتثنية والضمير فيه يرجع إلى حميد وعبيد الله الطريق الثاني عن مسدد عن معتمر بلفظ الفاعل من الاعتمار ابن سليمان البصري عن حميد الطويل وفي هذا من الزيادة وهي قوله قالوا يا رسول الله إلى آخره وهي رواية أبي الوقت وفي رواية للبخاري في الإكراه

(12/289)


وقال رجل وفي رواية قال يا رسول الله بالإفراد ورواية قال رجل يوضح أن فاعل قال مضمر فيه يرجع إلى الرجل قوله هذا إشارة إلى ما في ذهنهم من الرجل الذي ينصرونه ومظلوما نصب على الحال من الضمير المنصوب في ننصره وكذلك مظلوما نصب على الحال قوله تأخذ فوق يديه أي تمنعه عن الظلم وكلمة فوق مقحمة أو ذكرت إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة وفي رواية الإسماعيلي من حديث حميد عن أنس قال تكفه عن الظلم فذاك نصره إياه وفي رواية مسلم من حديث جابر إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصرة وقوله تأخذ يدل على أن القائل واحد ولو كان جمعا لقال تأخذون وقال ابن بطال النصر عند العرب الإعانة وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه وهو من وجيز البلاغة وقال البيهقي معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسا ومعنى فلو رأى إنسانا يريد أن يجب نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسده طلبه للزنا مثلا منعه من ذلك وكان ذلك نصرا له واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم وفي ( التلويح ) ذكر المفضل بن سلمة الضبي في كتابه ( الفاخر ) أن أول من قال أنصر أخاك ظالما أو مظلوما جندب ابن العنبر بن عمرو بن تميم بقوله لسعد بن زيد مناة لما أسر
( يا أيها المرء الكريم المكسوم
أنصر أخاك ظالما أو مظلوم )
وأنشد التاريخي للأسلع بن عبد الله
( إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم
على القوم لم أنصر أخي حين يظلم )
فأرادوا بذلك ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي
5 -
( باب نصر المظلوم )
أي هذا باب في بيان وجوب نصر المظلوم )
5442 - حدثنا ( سعيد بن الربيع ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( الأشعث بن سليم ) قال سمعت ( معاوية بن سويد ) قال سمعت ( البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما قال أمرنا النبي بسبع ونهانا عن سبع فذكر عيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ورد السلام ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإبرار المقسم
مطابقته للترجمة في قوله ونصر المظلوم وهو أحد السبعة المذكورة
ورجاله خمسة قد ذكروا وسعيد بن الربيع بفتح الراء البصري بياع الثياب الهروية مر في جزاء الصيد والأشعث بن سليم بضم السين المهملة الكوفي المكنى بأبي الشعثاء مر في التيمن في الوضوء ومعاوية بن سويد بضم السين المهملة مر مع الحديث في أول الجنائز
والحديث مر في باب الأمر باتباع الجنائز مع اشتماله على السبعة المنهي عنها بالسند المذكور إلا شيخه فإنه هناك أبو الوليد عن شعبة إلى آخره
قوله وإبرار المقسم ويروي وإبرار القسم قال العلماء نصر المظلوم فرض واجب على المؤمنين على الكفاية فمن قام به سقط عن الباقين ويتعين فرض ذلك على السلطان ثم على من له قدرة على نصرته إذا لم يكن هناك من ينصره غيره من سلطان وشبهه وعيادة المريض سنة مرعية واتباع الجنائز من فروض الكفاية وتشميت العاطس سنة وقيل فرض كفاية حكاه ابن بطال وبه قال ابن سراقة من الشافعية وقيل واجب كرد السلام وإجابة الداعي سنة إلا أنه في الوليمة قيل فرض عين وقيل فرض كفاية وقال ابن بطال هو في الوليمة آكد وإبرار المقسم مندوب إليه إذا أقسم عليه في مباح يستطيع فعله فإن أقسم على ما لا يجوز أو يشق على صاحبه لم يندب إلى الوفاء به
6442 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه عن النبي قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ( انظر الحديث 184 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث فإن المؤمن إذا شد المؤمن فقد نصره وأبو اسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة يروي عن جده أبي بردة بضم الباء واسم أبي بردة الحادث وقيل عامر وقيل اسمه كنيته وهو ابن ( أبي موسى ) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
وفي هذا السند رواية الراوي عن جده ورواية الراوي

(12/290)


عن أبيه فالأول بريد والثاني أبو بردة
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره وقد مر الكلام فيه هناك ورواه هناك عن خلاد بن يحيى عن سفيان عن بريد إلى آخره
قوله بعضه في رواية الكشميهني يشد بعضهم بصيغة الجمع والله أعلم بحقيقة الحال
6 -
( باب الإنتصار من الظالم )
أي هذا باب في بيان الانتصار أي الانتقام
لقوله جل ذكره لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما ( النساء 841 )
هذا تعليل لجواز الانتصار من الظالم وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ( النساء 841 ) يقول لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله إلا من ظلم ( النساء 841 ) وإن صبر فهو خير له وقال عبد الرزاق أخبرنا المثنى بن الصباح عن مجاهد في قوله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ( النساء 841 ) قال ضاف رجل رجلا فلم يؤد إليه حق ضيافته فلما خرج أخبر الناس فقال ضفت فلانا فلم يؤد إلي حق ضيافتي قال فذلك الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم حين لم يؤد إليه الآخر حق ضيافته وقال عبد الكريم بن مالك الجزري في هذه الآية هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه لقوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ( الشورى 14 ) وروى أبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال المستبان ما قالا فعلى البادىء منهما ما لم يعتد المظلوم
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( الشورى 93 )
البغي الظلم أي الذين إذا أصابهم بغي المشركين في الدين انتصروا عليهم بالسيف أو إذ بغى عليهم باغ كره أن يستذلوا لئلا يجترىء عليهم الفساق فإذا قدروا عفوا وروى الطبري من طريق السدي في قوله والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( الشورى 93 ) قال يعني فمن بغى عليهم من غير أن يعتدوا وروى النسائي وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخلت على زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي فأبت فقال لي سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها فرأيت وجهه يتهلل
قال إبراهيم كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا
إبراهيم هو النخعي قوله كانوا أي السلف قوله أن يستذلوا على صيغة المجهول وهو من الذلك وهذا التعليق ذكره عبد بن حميد في ( تفسيره ) عن قبيصة عنه وفي رواية قال منصور سألت إبراهيم عن قوله والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( الشورى 93 ) قال كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترىء الفساق عليهم
7 -
( باب عفو المظلوم )
أي هذا باب في بيان حسن عفو المظلوم عمن ظلمه
لقوله تعالاى إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ( النساء 941 )
هذا تعليل لحسن عفو المظلوم قوله إن تبدوا ( النساء 941 ) أي تظهروا خيرا ( النساء 941 ) بدلا من السوء أو تخفوه ( النساء 941 ) أي أو أخفيتموه أو عفوتم عمن أساء إليكم فإن ذلك مما يقربكم إلى الله تعالى ويجزل ثوابكم لديه فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم ولهذا قال فإن الله كان عفوا قديرا ( النساء 941 ) ولهذا ورد في الأثر أن حملة العرش يسبحون الله تعالى فيقول بعضهم سبحانك على حلمك بعد علمك ويقول بعضهم سبحانك على عفوك بعد قدرتك وفي ( الصحيح ) ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه الله وروى أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي قال

(12/291)


لأبي بكر رضي الله تعالى عنه ما من عبد ظلم مظلمة فعفا عنها إلا أعز الله بها نصره وأخرج الطبري عن السدي في قوله أو تعفوا عن سوء ( النساء 941 ) أي عمن ظلم
وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ( الشورى 04 )
أي وقوله تعالى وجزاء سيئة ( الشورى 04 ) وقوله وجزاء سيئة ( الشورى 04 ) إلى قوله من سبيل ( الشورى 04 ) آيات متناسقة من سورة حم عسق وروى ابن أبي حاتم عن السدي في قوله وجزاء سية سيئة مثلها ( الشورى 04 ) قال إذا شتمك شتمته بمثلها من غير أن تعتدي وعن الحسن رخص له إذا سبه أحد أن يسبه ويقال يريد بقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى 04 ) القصاص في الجراح المتماثلة وإذا قال أخزاه الله أو لعنه الله قابله بمثله وسميت الثانية سيئة لازدواج الكلام ليعلم أنه جزاء على الأولى
ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذالك لمن عزم الأمور وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل ( الشورى 14 - 44 )
اللام في ولمن انتصر للتأكيد أي انتقم قوله بعد ظلمه من إضافة المصدر إلى المفعول قوله فأولئك إشارة إلى معنى من دون لفظه ما عليهم من سبيل للمعاقب والمعنى أخذ حقه بعد أن ظلم فأولئك ما عليهم من سبيل إلى لومه وقيل ما عليهم من إثم إنما السبيل باللوم والإثم على الذين يظلمون الناس يبتدرون الناس بالظلم ويبغون في الأرض يتكبرون فيها ويقتلون ويفسدون عليهم بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم أي مؤلم ولمن صبر على الظلم والأذى ولم ينتصر وفوض أمره إلى الله إن ذلك الصبر والمغفرة منه لمن عزم الأمور أي من الأمور التي ندب إليها والعزم الإقدام على الأمر بعد الروية والفكر قوله ومن يضلل الله أي ومن يخلق الله تعالى فيه الضلالة فما له من ولي من بعده وليس له من ناصر يتولاه من بعد إضلاله إياه قوله وترى الظالمين أي الكافرين لما رأوا العذاب أي لما يرون فجاء بلفظ الماضي تحقيقا يقولون هل إلى مرد من سبيل أي هل إلى رجعة إلى الدنيا من حيلة فنؤمن بك وذكر هذه الآيات الكريمة لأنها تتضمن عفو المظلوم وصفحه واستحقاقه الأجر الجميل والثواب الجزيل
8 -
( باب الظلم ظلمات يوم القيامة )
أي هذا باب يذكر فيه الظلم ظلمات وهو جمع ظلمة وهو خلاف النور وضم اللام فيه لغة ويجوز في الظلمات ضم اللام وفتحها وسكونها ويقال أظلم الليل والظلام أول الليل والظلماء الظلمة وربما وصف بها يقال ليلة ظلماء أي مظلمة وظلم الليل بالكسر وأظلم بمعنى وعن الفراء أظلم القوم دخلوا في الظلام قال الله تعالى فإذا هم مظلمون ( يس 73 ) قوله يوم القيامة نصب على الظرف
7442 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( عبد العزيز الماجشون ) أخبرنا ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال الظلم ظلمات يوم القيامة
الترجمة هي عين الحديث وأحمد هو ابن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي وعبد العزيز بن عبد الله ابن أبي سلمة الماجشون واسم أبي سلمة دينار مات ببغداد سنة أربع وستين ومائة والماجشون بضم الجيم وفتحها وكسرها وهذا لقب يعقوب بن أبي سلمة وسمي بذلك ولده وأهل بيته ولهذا يروى هنا عبد العزيز بن الماجشون وليس بلقب خاص لعبد العزيز وسمي بذلك لأن وجنتيه كانتا حمراوان وهو بالفارسية وقد مر عبد العزيز في العلم ومر الكلام في معنى الماجشون
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن محمد بن حاتم وأخرجه الترمذي في البر عن عباس

(12/292)


العنبري وقال هذا حديث حسن غريب ورواه أحمد من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر وزاد في أوله يا أيها الناس اتقوا الظلم وفي رواية وإياكم والظلم وأخرجه مسلم أيضا من حديث جابر بلفظ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح الحديث
وقال ابن الجوزي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ مال الغير بغير حق ومبارزة الآمر بالعدل بالمخالفة وهذه أدهى لأنه لا يكاد يقع الظلم إلا للضعيف الذي لا ناصر له غير الله وإنما ينشأ من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدي لنظر في العواقب وقال المهلب الذي يدل عليه القرآن أنها ظلمات على البصر حتى لا يهتدي سبيلا قال الله تعالى في المؤمنين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ( الحديد 21 ) وقال في المنافقين انظرونا نقتبس من نوركم ( الحديد 31 ) فأثاب الله المؤمن بلزوم نور الإيمان لهم ولذذهم بالنظر إليه وقوى به أبصارهم وعاقب الكفار والمنافقين بأن أظلم عليهم ومنعهم لذة النظر إليه وقال القزاز الظلم هنا الشرك أي هو عليهم ظلام وعمى ومن هذا زعم بعض اللغويين أن اشتقاق الظلم من الظلام كأن فاعله في ظلام عن الحق والذي عليه الأكثرون أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه كما ذكرناه عن قريب
9 -
( باب الإتقاء والحذر من دعوة المظلوم )
أي هذا باب في بيان الاتقاء أي الاجتناب والخوف والحذر من دعوة المظلوم لأنها لا ترد
8442 - حدثنا يحياى بن موسى قال حدثنا وكيع قال حدثنا زكرياء بن إسحاق المكي عن يحياى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي بعث معاذا إلاى اليمن فقال اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب
مطابقته للترجمة في قوله اتق دعوة المظلوم والحديث مضى في أواخر كتاب الزكاة في باب أخذ الصدقة من الأغنياء فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن زكرياء بن إسحاق إلى آخره وأخرجه هنا عن ( يحيى بن موسى ) ابن عبد ربه أبي زكرياء السختياني الحداني البلخي الذي يقال له خت عن ( وكيع ) بن الجراح عن زكرياء إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى قوله فإنها أي فإن دعوة المظلوم ويروى فإنه أي فإن الشأن ليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب ومعنى عدم الحجاب أنها مجابة وقد جاء في حديث آخر مفسرا دعوة المظلوم مجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة مرفوعا
01 -
( باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته )
أي هذا باب في بيان من كانت له مظلمة أي المأخوذ بغير حق عند الرجل ويروى عند رجل قوله هل يبين مظلمته أي هل يحتاج إلى بيان تلك المظلمة حتى يصح التحليل وفيه خلاف فلذلك لم يذكر جواب هل
9442 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) قال حدثنا ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ( الحديث 9442 - طرفه في 4356 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث فإنه أعم من أن يبين قدر ما يتحلل به أو لا يبين وهذا يقوي قول من قال بصحة الإبراء المجهول ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه والحديث من أفراده
ذكر معناه قوله من كانت له قال بعضهم اللام فيه بمعنى على أي من كانت عليه مظلمة لأخيه قلت

(12/293)


لا يحتاج إلى ذلك بل اللام هنا بمعنى عند كقولهم كتبته لخمس خلون والدليل عليه ما رواه البخاري عن مالك عن المقبري في الرقاق بلفظ من كانت عنده مظلمة لأخيه والأحاديث يفسر بعضها بعضا قوله مظلمة قال ابن مالك مظلمة بفتح اللام وكسرها والكسر أشهر وقد روي بالضم أيضا وفي ( التوضيح ) قال القزاز بضم اللام وكسرها وفي ( أدب الكاتب ) لابن قتيبة بفتح اللام ونقل ابن التين عن ابن قتيبة فتح اللام وكسرها قال وضبط عن ( الصحاح ) ضمها وهو خطأ قوله من عرضه بكسر العين وعرض الرجل موضع المدح والذم منه سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص أو يثلب وقال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير قوله أو شيء أي من الأشياء وهو من عطف العام على الخاص فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها وفي رواية الترمذي من عرض أو مال قوله فليتحلله قال الخطابي معناه يستوهبه ويقطع دعواه عنه لأن ما حرم الله من الغيبة لا يمكن تحليله وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال اجعلني في حل فقد اغتبتك فقال إني لا أحل ما حرم الله تعالى ولكن ما كان من قبلنا فأنت في حل ويقال معنى فليتحلله إذا سأله أن يجعله في حل يقال تحللته واستحللته قوله اليوم نصب على الظرف أراد به في الدنيا قوله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم يعني يوم القيامة قوله إن كان له عمل صالح إلى آخره معنى أخذ الحسنات والسيئات أن يجعل ثوابها لصاحب المظلمة ويجعل على الظالم عقوبة سيئاته قال الكرماني فإن قلت ما التوفيق بينه وبين قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام 461 والإسراء 51 وفاطر 81 والزمر 7 ) قلت لا تعارض بينهما لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه لأنه لما توجهت عليه حقوق للغرماء دفعت إليهم حسناته ولما لم يبق منها بقية قوبل على حسب ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده فأخذوها من سيئاته فعوقب بها انتهى قلت فيه ما فيه يعلم بالتأمل
ذكر ما يستفاد منه قام الإجماع على أنه إذا بين مظلمته عليه فأبراه فهو نافذ واختلفوا فيمن بينهما ملابسة أو معاملة ثم حلل بعضهما بعضا من كل ما جرى بينهما من ذل فقال قوم إن ذلك براءة له في الدنيا والآخرة وإن لم يبين مقداره وقال آخرون إنما تصح البراءة إذا بين له وعرف ماله عنده أو قارب ذلك بما لا مشاحة في ذكره وهذا الحديث حجة لهذا لأن قوله أخذت منه بقدر مظلمته يدل أنه يجب أن يكون معلوم القدر مشارا إليه وكان ابن المسيب لا يحلل أحدا وكان ابن يسار يحلل من العرض والمال وقال مالك أما المال فنعم وأما من العرض فإنما السبيل على الذين يظلمون الناس ( الشورى 24 ) وقال الداودي أحسب مالكا أراد إن أصاب من عرض رجل لم يجز لوارثه أن يحلله وقال ابن التين وأراه خلافا لقول مالك لأنه قال إن مات ولا وفاء عنده فالأفضل أن يحلله وأما من ظلم أو اغتاب فلا وذكر الآية وكان بعضهم يحلل من عرضه ويتأول الحسنة بعشر أمثالها وكان القاسم يحلل من ظلمه وقال الخطابي إذا اغتاب رجل رجلا فإن كان بلغ القول منه ذلك فلا بد أن يستحل وإن لم يبلغه استغفر الله ولا يخبره وأما التحلل في المال فإنما يصح ذلك في أمر معلوم وقال بعض أهل العلم إنما يصح ذلك في المنافع التي هي أعراض مثل أن يكون قد غصبه دارا فسكنها أو دابة فركبها أو ثوبا فلبسه أو يكون أعيانا فتلفت فإذا تحلل منها صح التحلل فإن كانت الدار قائمة والدراهم في يده حاصلة لم يصح التحلل منها إلا أن يهب أعيانها منه فتكون هبة مستأنفة
قال أبو عبد الله قال اسماعيل بن أبي أويس إنما سمي المقبري لأنه كان نزل ناحية المقابر
أبو عبد الله هو البخاري وإسماعيل بن أبي أويس من شيوخه واسم أبي أويس عبد الله الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس قوله إنما سمى أي سعيد المذكور في سند الحديث المقبري لنزوله ناحية المقابر بالمدينة النبوية وقوله قال أبو عبد الله إلى آخره إنما يثبت في رواية الكشميهني وحده
قال أبو عبد الله وسعيد المقبري هو مولاى بني ليث وهو سعيد بن أبي سعيد واسم ابي سعيد كيسان
هذا أيضا في رواية الكشميهني وحده وأبو عبد الله هو البخاري وكان اسم أبي سعيد كيسان كان مكاتبا لامرأة من أهل المدينة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وكيسان روى عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي سعيد

(12/294)


الخدري وروى عنه ابنه سعيد وآخرون وقال محمد بن عمر كان ثقة كثير الحديث توفي سنة مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز وقال الحربي جعله عمر رضي الله تعالى عنه على حفر القبور فسمي المقبري وأما ابنه سعيد فروى عن أبي هريرة وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر ومعاوية بن أبي سفيان وأبي سعيد الخدري وعائشة وأم سلمة وآخرين وقال علي بن المديني ومحمد بن سعد وأبو زرعة والنسائي وآخرون ثقة وكذا قال ابن خراش وزاد جليل أثبت الناس فيه الليث وقال محمد بن سعد مات سنة ثلاث وعشرين ومائة بالمدينة روى له الجماعة وآخرون
11 -
( باب إذا حلله من ظلمه فلا رجوع فيه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا حلل المظلوم من ظلمه فلا رجوع فيه إن كان معلوما عند من يشترطه أو مجهول عند من يجيزه على الخلاف الذي ذكرناه في الباب السابق
0542 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها في هاذه الآية وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( النساء 821 ) قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فقالت أجعلك من شأني في حل فنزلت هاذه الآية في ذالك
قال الداودي ليست الترجمة مطابقة للحديث لأن هذا فيما يأتي وليس بظلم وقال الكرماني فإن قلت كيف دل يعني الحديث على الترجمة قلت الخلع عقد لازم لا رجوع فيه وكذا لو كان التحليل بطريق الصلح أو الهبة أو الإبراد ورد عليه بعضهم بقوله قال الكرماني كذا فوهم ومورد الحديث والآية إنما هو في حق من يسقط حقها من القسمة وليس من الخلع في شيء انتهى قلت نعم قوله الخلع عقد لازم لا رجوع فيه ليس بشيء لأنه ما في الترجمة ولا في الحديث شيى يدل على الخلع ولكن قوله وكذا إلى آخره له وجه لأن الترجمة في تحليل من ظلمه ولا رجوع فيه والحديث أيضا فيه التحليل على ما لا يخفى ولكن يعكر عليه بشيء وذلك لأن التحليل إسقاط الحق من المظلمة الفائتة ومضمون الآية إسقاط الحق المستقبل حتى لا يكون عدم الوفاء به مظلمة لسقوطه ولكن وجه هذا بأن يقال بأن البخاري تأنق في الاستدلال فكأنه قال إذا نفذ الإسقاط في الحق المتوقع فنفوذه في الحق المتحقق أولى وأجدر وهذا هو وجه المطابقة بين الترجمة والحديث
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن مقاتل الثاني عبد الله بن المبارك الثالث هشام بن عروة الرابع عروة بن الزبير بن العوام الخامس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ومن لطائف إسناده أن فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وأن فيه العنعنة في موضعين وأن شيخه وشيخ شيخه مروزيان وأن هشاما وأباه عروة مدنيان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد عن عبد الله أيضا ولكنه في التفسير نسبهما وههنا لم ينسبهما كما ترى
ذكر معناه قوله في هذه الآية أشار به إلى قوله تعالى وإن امرأة خافت ( النساء 821 ) الآية قوله قالت أي عائشة قوله الرجل عنده المرأة إلى آخره مقول القول والرجل مرفوع بالابتداء وخبره قوله يريد أن يفارقها وقوله عنده المرأة ليس بمستكثر منها جملتان حاليتان والجمل بعد المعرفة تقع حالا وبعد النكرة صفة ومعنى قوله ليس بمستكثر منها ليس بطالب كثرة الصحبة منها ويريد مفارقتها إما لكبرها أو لدمامتها أو لسوء خلقها أو لكثرة شرها أو غير ذلك قوله فقالت أي تلك المرأة أجعلك من شأني أي من أجل شأني في حل من مواجب الزوجية وحقوقها قوله فنزلت هذه الآية أي قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها ( النساء 821 ) الآية قوله في ذلك أي في أمر هذه المرأة قوله وإن امرأة خافت ( النساء 821 ) أي وإن خافت امرأة من بعلها أي من زوجها نشوزا والنشوز منه أن يسيء عشرتها ويمنعها النفقة قوله أو إعراضا ( النساء 821 ) الإعراض منه كراهته إياها وإرادته مفارقتها فإذا كان كذلك فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما

(12/295)


صلحا ( النساء 821 ) وهو أن يقبل منها ما تسقطه من حقها من نفقة أو كسوة أو مبيت عندها أو غير ذلك من حقوقها عليه فلا جناح عليها في بذلها له ذلك ولا عليه في قبوله منها ولهذا قال فلا جناج عليهما أن يصالحا بينهما صلحا ( النساء 821 ) ثم قال والصلح خير ( النساء 821 ) أي من الفراق ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة وعزم رسول الله على فراقها صالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها فقبل رسول الله منها وأبقاها على ذلك فقال أبو داود الطيالسي حدثنا سليمان ابن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله فقالت يا رسول الله لا تطلقني وأجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت هذه الآية وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( النساء 821 ) الآية قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي وقال حسن غريب وقال سعيد بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال انزلت في سودة وأشباهها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( النساء 821 ) وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ففرقت أن يفارقها رسول الله وضنت بمكانها منه وعرفت من حب رسول الله عائشة ومنزلتها منه فوهبت يومها من رسول الله لعائشة فقبل النبي وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول ( معجمه ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي بزة قال بعث النبي إلى سودة بت زمعة بطلاقها فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة فلما رأته قالت له أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه لما راجعتني فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال أبعث مع نسائك يوم القيامة فراجعها قالت فإني قد جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله وقال ابن كثير وهذا غريب مرسل وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن شعبة عن ابن سيرين قال جاء رجل إلى عمر رضي الله تعالى عنه فسأله عن آية فكره ذلك وضربه بالدرة فسأله آخر عن هذه الآية وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( النساء 821 ) فقال عن مثل هذا فسلوا ثم قال هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها فتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عروة قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فسأله عن قول الله عز و جل وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ( النساء 821 ) قال علي يكون الرجل عنده المرأة فسوا عيناه عنها من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو قذرها فتكره فراقه فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له وإن جعلت له من أيامها فلا حرج وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة وحماد بن سلمة وأبي الأحوص ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل أربعتهم عن سماك به وكذا فسره ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطية العوفي ومكحول والحكم بن عتيبة والحسن وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة ولا أعلم في ذلك خلافا في أن المراد بهذه الآية هذا والله أعلم وذكر أبو عبد الله محمد بن علي بن خضر ابن عسكر في كتابه ( ذيل التعريف والإعلام ) أنها نزلت بسبب أبي السنابل بن بعكك وامرأته وفي تفسير مقاتل نزلت في خويلة بنت محمد بن مسلمة حين أراد زوجها رافع بن خديج طلاقها وفي كتاب عبد الرزاق خولة وفي ( غرر التبيان ) زوجها سعد بن الربيع وفي ( تفسير الثعلبي ) هي عمرة بنت محمد بن مسلمة
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز هبة بعض الزوجات يومها لبعضهن وقال المنذري لا يكون ذلك إلا برضى الزوج والتسوية بينهن كان غير واجب عليه وإنما كان يفعله تفضلا منه وعن الداودي إذا رضيت بترك القسم والإنفاق عليها ثم سألته العدل فلها ذلك وقال أصحابنا الحنفية ولواحدة منهن أن ترجع إن وهبت قسمها للأخرى لأنها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط كالمعير يرجع في العارية متى شاء

(12/296)


21 -
( باب إذا أذن له أو حلله ولم يبين كم هو )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أذن رجل له أي لرجل آخر في استيفاء حقه قوله أو حلله أي أو حلل رجل رجلا آخر وهذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره أو أحله له قوله ولم يبين كم هو أي مقدار المأذون أو المحلل ولم يذكر جواب إذا الذي هو جواب المسألة لأن فيه تفصيلا لأنا إذا قلنا حديث هذا الباب مثل حديث أبي هريرة في باب من كانت له مظلمة فحللها هل يبين مظلمته يكون فيه الخلاف المذكور هناك ولكن حديث أبي هريرة مشتمل على الأمور الواجبة وحديث الباب مشتمل على المكارمة وقلة التشاح ولا يضر في هذا عدم معرفة المقدار لأن الغلام فيه لو حلل من نصيبه الأشياخ وأذن في إعطائه لهم لكان ما حلل منه غير معلوم لأنه لا يعرف مقدار ما كانوا يشربون ولا مقدار ما كان يشرب هو ولا شك أن سبيل ما يوضع للناس للأكل والشرب سبيله المكارمة وقلة المشاححة فعلى هذا يقدر الجواب هنا جائز أو يجوز
1542 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي حازم بن دينار ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا قال فتله رسول الله في يده
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأنه لو أذن الغلام لرسول الله بدفع الشراب الذي شرب منه رسول الله إلى الأشياح الذين كانوا على يساره لكان تحليل الغلام غير معلوم وكذلك مقدار شربهم وشربه وكان دل ذلك على جوازه بلا خلاف من غير بيان مقداره ولكنه مقيد بمثل هذا الباب كما ذكرنا لا في الأبواب التي تتعلق بالواجبات ويجري الخلاف فيها من ذلك ما اختلف العلماء في هبة المشاع فقال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور تجوز ويتأتى فيها القبض كما يجوز فيها البيع وسواء كان المشاع مما يقسم كالدور والأرض أو مما لا يقسم كالعبد والثياب والجواهر وسواء مما كان يقبض بالتخلية أو مما يقبض بالتحويل وقال أبو حنيفة إن كان المشاع مما يقسم لم تجز هبة شيء منه مشاعا وإن كان مما لا يقسم تجوز هبته
والحديث قد مضى في أوائل كتاب الشرب فإنه أخرجه هناك عن سعيد ابن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه وقد مضى الكلام فيه هناك وأخرجه ههنا عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي سلمة بن دينار الأعرج وهنا فيه زيادة وهو قوله فتله رسول الله في يده فتلة بالتاء المثناة من فوق وتشديد اللام ومعناه دفعه إليه بقوة وعنف قاله الخطابي وقال غيره وضعه في يده وأنكر غيره هذه واستدل بقوله تعالى وتله للجبين ( الصافات 301 ) أي صرعه لكن برفق لا بعنف وقال ابن التين من قال الغلام ابن عباس يؤخذ منه أن الصبي يسمى غلاما ومن قال إنه الفضل أخذ منه أن البالغ يسمى غلاما
31 -
( باب إثم من ظلم شيئا من الأرض )
أي هذا باب في بيان حكم من ظلم شيئا من الأرض يعني استولى عليه وفيه إشارة إلى أن الغصب يتحقق في العقار وأنه ليس بمخصوص بما يحول وينقل وفيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى ولم يذكر جواب من اكتفاء بما في الحديث
25 - ( حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني طلحة بن عبد الله أن

(12/297)


عبد الرحمن بن عمرو بن سهل قال أخبره أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله شيئا في الترجمة يتناول قدر شبر وما فوقه وما دونه وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري محمد بن مسلم بن شهاب وطلحة بن عبد الله بن عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري المدني وقد ينسب إلى جده وقد نسبه المزي الأنصاري أيضا وليس له في البخاري إلا هذا الحديث فقط وفي هذا السند ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم الزهري وطلحة وعبد الرحمن رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قديما وكان مجاب الدعوة وقد أسقط بعض أصحاب الزهري في روايتهم عنه هذا الحديث عبد الرحمن بن عمرو بن سهل وجعلوه من رواية طلحة عن سعيد بن زيد نفسه وفي مسندي أحمد وأبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق ابن إسحق حدثني الزهري عن طلحة بن عبد الله قال أتتني أروى بنت أويس في نفر من قريش فيهم عبد الرحمن بن سهل فقالت إن سعيدا انتقص من أرضي إلى أرضه ما ليس له وقد أحببت أن تأتوه فتكلموه قال فركبنا إليه وهو بأرضه بالعقيق فذكر الحديث وقال الكرماني روي أن مروان أرسل إلى سعيد ناسا يكلمونه في شأن أروى بنت أويس وكانت شكته إلى مروان في أرض فقال سعيد تروني ظلمتها وقد سمعت رسول الله يقول الحديث فترك سعيد لها ما ادعت وقال اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها وتجعل قبرها في بئر قالوا فوالله ما ماتت حتى ذهب بصرها فجعلت تمشي في دارها فوقعت في بئرها قوله طوقه على بناء المجهول قال الخطابي له وجهان أحدهما أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر فيكون كالطوق في عنقه والآخر أن يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين كما في الحديث الآخر الذي بعده وقال النووي وأما التطويق فقالوا يحتمل أن معناه أن يحمل منه من سبع أرضين ويكلف إطاقته ذلك أو يجعل له كالطوق في عنقه ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه أو يطوق اثم ذلك ويلزم كلزوم الطوق بعنقه وقال ابن الجوزي هو من تطويق التكليف لا من التقليد قال وليس ذلك بممتنع فإنه صح عن رسول الله أنه قال لا ألفين أحدكم تأتي على رقبته بعير أو شاة وأما الخسف أن يخسف به الأرض بعد موته أو في حشره وفي تهذيب الطبري بيان لهذا التطويق قال حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حسن بن علي حدثنا زائدة عن الربيع عن أيمن حدثني يعلى بن مرة سمعت رسول الله يقول أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس وفي رواية الشعبي عن أيمن عنه من سرق شبرا من أرض أو غلة جاء يحتمله يوم القيامة على عنقه إلى سبع أرضين وفي رواية كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر وفي التوضيح والصواب أيمن عن يعلى ووهم ابن منده وأبو نعيم في ظنهما أن لأيمن صحبة ( قلت ) وكذا قال الذهبي في تجريد الصحابة أنهما وهما في ذلك
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه دليل أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهاها وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا سواء أضر ذلك بأرضه أو لا قاله الخطابي وقال ابن الجوزي لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها وقال القرطبي وقد اختلف فيما إذا حفر أرضه فوجد فيها معدنا أو شبهه فقيل هو له وقيل بل للمسلمين وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بجاره وكذلك له أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد واستدل الداودي على أن السبع الأرضين بعضها على بعض لم يفتق بعضها من بعض قال لأنه لو فتقت لم يطوق منها ما ينتفع به غيره وقيل بين كل أرض وأرض خمس مائة عام مثل ما بين كل سماء وسماء وفيه تهديد عظيم للغصاب وفيه دليل على أن الأرضين سبع كما قال تعالى ومن الأرض مثلهن وقال الكرماني وفيه غصب الأرض خلافا للحنفية قلت رمى الكرماني كلامه جزافا من غير وقوف على كيفية مذهب الحنفية فإن مذهبهم فيه خلاف فعند أبي حنيفة وأبي يوسف الغصب لا يتحقق إلا فيما ينقل ويحول لأن إزالة اليد بالنقل ولا نقل في العقار فإذا غصب عقارا فهلك في يده لا يضمن وقال محمد يضمن وهو قول أبي

(12/298)


يوسف الأول وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد لأن الغصب عندهم يتحقق في العقار والخلاف في الغصب لا في الإتلاف وبعض مشايخنا قالوا يتحقق الغصب في العقار أيضا عند أبي حنيفة وأبي يوسف لكن لا على وجه يوجب الضمان والأكثرون على أنه لا يتحقق في العقار أصلا والاستدلال بحديث الباب على ما ذهبوا إليه غير مستقيم لأنه جعل جزاء غصب الأرض التطوق يوم القيامة ولو كان الضمان واجبا لبينه لأن الضمان من أحكام الدنيا فالحاجة إليه أمس والمذكور جميع جزائه فمن زاد عليه كان نسخا وذا لا يجوز بالقياس وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقق الغصب الموجب للضمان كما أنه أطلق لفظ البيع على الحر بقوله من باع حرا ولا يدل ذلك على البيع الموجب للحكم على أنه جاء في الصحيحين بلفظ أخذ فقال من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين فعلم أن المراد من الغصب الأخذ ظلما لا غصبا موجبا للضمان فإن قلت قوله على اليد ما أخذت حتى ترد يدل على ذلك بإطلاقه والتقييد بالمنقول خلافه قلت هذا مجاز لأن الأخذ حقيقة لا يتصور في العقار لأن حد الأخذ أن يصير المأخوذ تبعا ليده فافهم
26 - ( حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا حسين عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني محمد بن إبراهيم أن أبا سلمة قال حدثه أنه كانت بينه وبين أناس خصومة فذكر لعائشة رضي الله عنها فقالت له يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن النبي قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث الماضي ورجاله سبعة الأول أبو معمر عبد الله بن عمرو بن الحجاج المقعد البصري الثاني عبد الوارث بن سعيد الثالث حسين المعلم الرابع يحيى بن أبي كثير الطائي اليماني الخامس محمد بن إبراهيم التيمي السادس أبو سلمة بن عبد الرحمن السابع أم المؤمنين عائشة والحديث أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن علي عن إسماعيل بن أمية وأخرجه مسلم في البيوع عن أحمد بن إبراهيم الدورقي وعن إسحق بن منصور قوله بين أناس خصومة وفي رواية مسلم من طريق حرب بن شداد عن يحيى بلفظ وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض وهذا يفسر أن الخصومة كانت في أرض وأنها كانت بينه وبين قومه وعلم منه أن المراد من قوله أناس هم قومه ولكن ما علمت أسماؤهم قوله فذكر لعائشة فيه حذف المفعول وسيأتي في بدء الخلق من وجه آخر بلفظ فدخل على عائشة فذكر لها ذلك قوله قيد شبر بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف أي قدر شبر قوله أرضين بفتح الراء وجاء إسكانها أيضا -
4542 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( عبد الله بن المبارك ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال النبي من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ( الحديث 4542 - طرفه في 6913 )
مطابقته للترجمة في قوله من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه لأن الأخذ بغير الحق ظلم ورجاله كلهم ذكروا غير مرة وسالم هو ابن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن بشر بن محمد عن ابن المبارك
قوله شيئا يتناول قليلا وكثيرا قوله خسف به أي بذلك الشيء الذي أخذه من الأرض بغير حق وقد ذكرنا أنه يخسف به بعد موته أو في حشره ولكن بعد أن ينقل جميع ما أخذه إلى سبع أرضين ويجعل كله في عنقه طوقا ثم يخسف به وروى الطبري وابن حبان من حديث يعلى بن مرة مرفوعا الحديث مضى في الباب الذي قبله وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن من حديث أبي مالك الأشعري أعظم الغلول يوم القيامة ذراع أرض يسرقه الرجل فيطوقه من سبع أرضين

(12/299)


قال الفربري قال أبو جعفر بن أبي حاتم
أبو جعفر هو محمد بن أبي حاتم البخاري وراق البخاري وقد ذكر عنه الفربري في هذا الكتاب فوائد كثيرة عن البخاري وغيره وثبتت هذه الفائدة في رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة وسقطت لغيره فافهم
قال أبو عبد الله هذا الحديث ليس بخراسان في كتاب ابن المبارك أملاه عليهم بالبصرة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله هذا الحديث أشار به إلى حديث الباب قوله ليس بخراسان في كتاب ابن المبارك أراد أن عبد الله بن المبارك صنف كتبه بخراسان وحدث بها هناك وحملها عنه أهلها إلا هذا الحديث فإنه أملاه عليهم بالبصرة قوله في كتاب ويروى في كتب قوله أملاه كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية المستملي والسرخسي أملى عليهم بحذف المفعول وهو الضمير المنصوب قيل لا يلزم من كونه ليس في كتبه التي حدث بها في خراسان أن لا يكون حدث به بخراسان فإن نعيم بن حماد المروزي ممن حمل عنه بخراسان وقد حدث عنه بهذا الحديث وأخرجه أبو عوانة في ( صحيحه ) من طريقه ويحتمل أن يكون نعيم أيضا إنما سمعه من ابن المبارك بالبصرة وهو من غرائب الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

(12/300)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الثالث عشر
عمده القارى 13
( باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أذن إنسان لإنسان آخر قوله شيئا أي في شيء فلما حذف حرف الجر تعدى الفعل فنصب كما في قوله تعالى واختار موسى قومه سبعين رجلا ( الأعراف 551 ) أي من قومه قوله جاز جواب إذا
5542 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( جبلة ) كنا بالمدينة في بعض أهل العراق فأصابتنا سنة فكان ابن الزبير يرزقنا التمر فكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يمر بنا فيقول إن رسول الله نهاى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه
مطابقته للترجمة في قوله إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه وجبلة بالجيم والباء الموحدة واللام المفتوحات ابن سحيم بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة الشيباني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن آدم وفي الشركة عن أبي الوليد وأخرجه مسلم في الأطعمة عن محمد بن المثنى وعن عبيد الله بن معاذ وعن بندار وعن زهير بن حرب ومحمد بن المثنى أيضا وأخرجه أبو داود فيه عن واصل بن عبد الأعلى وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في الوليمة عن علي بن خشرم وعن محمد بن عبد الأعلى وعن عبد الحميد بن محمد وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن بندار وروى أحمد من حديث الحسن عن سعد مولى أبي بكر قال قدمت بين يدي النبي تمرا فجعلوا يقرنون فقال رسول الله لا تقرنوا ورواه ابن ماجه أيضا عن سعد مولى أبي بكر ولفظه وكان يخدم النبي ويعجبه خدمته أن النبي نهى عن الإقران يعني في التمر وروى البزار في ( مسنده ) من حديث الشعبي عن أبي هريرة قال قسم رسول الله تمرا بين أصحابه فكان بعضهم يقرن فنهى رسول الله أن يقرن إلا بإذن صاحبه ورواه الحاكم في ( المستدرك ) بلفظ كنت في الصفة فبعث إلينا النبي تمر عجوة فسكبت بيننا فكنا نقرن الثنتين من الجوع فكنا إذا قرن أحدنا لأصحابه إني قد قرنت فأقرنوا وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث أبي طلحة أن رسول الله نهى عن الإقران
ذكر معناه قوله في بعض أهل العراق وعند الترمذي في بعث أهل العراق قوله سنة أي غلاء وجدب قوله فكان ابن الزبير أي عبد الله بن الزبير بن العوام قوله نهى عن الإقران بكسر الهمزة من الثلاثي المزيد فيه قال ابن التين كذا وقع في البخاري رباعيا والمعروف خلافه والذي في اللغة ثلاثي وقال القرطبي كذا لجميع رواة مسلم الإقران

(13/2)


وليست معروفة والصواب القران ثلاثي وقال الفراء لا يقال أقرن وقال غيره إنما يقال أقرن على الشيء إذا قوي عليه وأطاقه ومنه قوله تعالى وما كنا له مقرنين ( الزخرف 35 ) أي مطيقين وفي ( الصحاح ) أقرن الدم العرق واستقرن أي كثر فيحتمل أن يكون الإقران في هذا الحديث على ذلك ويكون معناه النهي عن الإكثار من أكل التمر إذا كان مع غيره ويرجع معناه إلى القران المذكور في الرواية الأخرى ونقل المنذري عن أبي محمد المعافري أنه يقال قرن بين الشيئين وأقرن إذا جمع بينهما قوله ألا أن يستأذن الرجل منكم أخاه قال الخطيب هذا من قول ابن عمر وليس من قول النبي بين ذلك آدم بن أبي إياس وشبابة بن سوار عن شعبة وقال عاصم بن علي أرى الإذن من قول ابن عمر قيل يرد على هذا ما أخرجه البخاري بعد من حديث جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول نهى رسول الله أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه قلت إحتمال الإدراج باق فيه أيضا فليتأمل
ذكر ما يستفاد منه فيه النهي عن الإقران قال أبو موسى المديني في كتابه ( المغيث ) للنهي عن القران وجهان الأول ذهبت عائشة وجابر رضي الله تعالى عنهما إلى أنه قبيح وفيه شره وهلع وهو يزري بصاحبه الثاني كان التمر من جهة ابن الزبير وكان ملكهم فيه سواء فيصير الذي يقرن أكثر أكلا من غيره فأما إذا كان التمر ملكا له فله أن يأكل كما شاء كما روي أن سالما كان يأكل التمر كفا كفا وقيل إذا كان الطعام بحيث يكون شبعا للجميع كان مباحا له لو أكله وجاز له أن يأكل كما شاء وقال القرطبي وحمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم مطلقا قال وهو منهم ذهول عن مساق الحديث ومعناه وحمله جمهور الفقهاء على حالة المشاركة بدليل مساق الحديث وقال النووي واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب والصواب التفصيل كما سبق
واختلف العلماء فيما يملك من الطعام حين وضعه فإن قلنا إنهم يملكونه بوضعه بين أيديهم فيحرم أن يأكل أحد أكثر من الآخر وإن قلنا إنما يملك كل واحد منهم ما رفع إلى فيه فهو سوء أدب وشره ودناءة ويكون مكروها وقال ابن التين وحمله بعضهم على ما إذا استوت أثمانهم فيه مثل أن يتخارجوا في ثمنه أو يهبه لهم رجل أو يوصى لهم به وأما إن أطعمهم هو فروى ابن نافع عن مالك لا بأس به وفي رواية ابن وهب ليس بجميل أن يأكل تمرتين أو ثلاثا في لقمة دونهم فإن قلت روى البزار والطبراني في ( الأوسط ) من رواية يزيد بن زريع عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله كنت نهيتكم عن الإقران في التمر فإن الله قد وسع عليكم فأقرنوا قلت هذا الحديث رواه ابن شاهين أيضا في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) ثم قال الحديث الذي فيه النهي عن الإقران صحيح الإسناد والذي فيه الإباحة ليس بذاك القوي لأن في سنده اضطرابا وإن صح فيحمل على أنه ناسخ للنهي وقال الحازمي وذكر الحديثين إسناد الأول أصح وأشهر من الثاني غير أن الخطب في هذا الباب يسير لأنه ليس من باب العبادات والتكاليف وإنما هو من قبيل المصالح الدنياوية فيكفي في ذلك الحديث الثاني ثم يشيده إجماع الامة على خلاف ذلك وقيل إن النبي إنما نهى عن ذلك حيث كان العيش زهيدا والقوت متعذرا مراعاة لجانب الفقراء والضعفاء والمساكين وحثا على الإيثار والمواساة ورغبة في تعاطي أسباب المعدلة حالة الاجتماع والاشتراك فلما وسع الله الخير وعم العيش الغني والفقير قال فشأنكم إذا
6542 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( أبي مسعود ) أن رجلا من الأنصار يقال له أبو شعيب كان له غلام لحام فقال له أبو شعيب اصنع لي طعام خمسة لعلي أدعو النبي خامس خمسة وأبصر في وجه النبي الجوع فدعاه فتبعهم رجل لم يدع فقال النبي إن هاذا قد اتبعنا أتأذن له قال نعم
مطابقته للترجمة في قوله أتأذن له قال نعم فإن معنى الترجمة يشمل ذلك وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي

(13/3)


وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو مسعود عقبة بن عمرو
والحديث مضى في كتاب البيوع في باب ما قيل في اللحام والجزار فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش إلى آخره ومر الكلام فيه هناك
قوله وأبصر جملة ماضية وقعت حالا قوله قد اتبعنا كذا هو في رواية أبي الحسن وفي رواية أبي ذر تبعنا وقال الداودي معنى اتبعنا سار معنا وتبعهم لحقهم وقال ابن فارس تبعت فلانا إذا تلوته واتبعته إذا لحقته وبنحوه ذكره الجوهري تبعت القوم إذا تلوتهم واتبعتهم إذا سرت معهم وقال الأخفش تبع وأتبع سواء وقال ابن التين والصواب أن يقرأ اتبعنا بتشديد التاء على باب افتعل من تبع فمعناه مثل معنى تبع وضبط الداودي هنا لظنه أن الهمزة همزة قطع فقال معنى اتبعنا سار معنا وتبعهم أي اتبعهم
51 -
( باب قول الله تعالاى وهو ألد الخصام ( البقرة 402 ) )
أي هذا باب ما جاء في الحديث ما يوافق لفظ القرآن ومعناه في قوله تعالى وهو ألد الخصام ( البقرة 402 ) وتمام هذا هو قوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ( البقرة 402 ) وقال السدي هذه الآية وثلاث آيات بعدها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي جاء إلى رسول الله وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك وعن ابن عباس أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم فأنزل الله ذم المنافقين ومدح خبيبا وأصحابه وقيل بل ذلك عام في المنافقين كلهم وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير واحد وهو الصحيح وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن القرظي عن نوف وهو البكالي وكان ممن يقرأ الكتب قال إني لا أجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل قوم يحتالون الدنيا بالدين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون لباس مسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب فعلي يجرأون وفي يفترون حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران قال القرطبي تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون قوله ويشهد الله على ما في قلبه أي يظهر للناس الإسلام ويبارز الله تعالى بما في قلبه من الكفر والنفاق هذا ما روي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس وقيل معناه إنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم أن الذي في قلبه موافق للسانه وهذا المعنى صحيح قوله وهو ألد الخصام ( البقرة 402 ) الألد في اللغة هو الأعوج وتنذر به قوما لدا ( مريم 79 ) أي عوجا وهكذا المنافق في حال خصومته يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه بل يفتري ويفجر ويقال الألد هو شديد الجدال والإضافة فيه بمعنى في كقولهم ثبت الغدر أو جعل الخصام ألد على المبالغة وفي ( الجامع ) واللدد مصدر الألد ورجل ألد إذا اشتد في الخصومة والأنثى لداء واللدد الجدال أخذ من لديد الوادي أي جانبه كأنه إذا منع من جانب جاء من جانب آخر وفي تفسير عبد الرحمن عن ابن عباس ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك وعن الحسن كاذب القول وعن مجاهد ظالم لا يستقيم وعن قتادة شديد القسوة في معصية الله جدل بالباطل وقال ابن سيده لددت لددا صرت ألد ولددته ألده إذا خصمته وقيل مأخوذ من اللديدين وهما صفحتا العنق والمعنى من أي جانب أخذ في الخصومة قوي والخصام جمع الخصم كصعب وصعاب قاله الزجاج وقيل هو مصدر خاصمته
7542 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي قال إن أبغض الرجال إلاى الله الألعد الخصم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله المكي الأحول كان قاضيا لعبد الله بن الزبير
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن مسدد وفي التفسير عن قبيصة وأخرجه مسلم في القدر عن أبي بكر بن

(13/4)


أبي شيبة وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه وفي القضاء عن إسحاق بن إبراهيم
قوله الخصم بفتح الخاء وكسر الصاد المولع بالخصومة الماهر فيها قال الله تعالى بل هم قوم خصمون ( الزخرف 85 ) وقال الكرماني فإن قلت الأبغض هو الكافر قلت اللام للعهد عن الأخنس بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح النون وبالمهملة ابن شريق بفتح الشين المعجمة وكسر الراء الذي نزل فيه الآية وهو منافق أو هو تغليظ في الزجر أو المراد الألد في الباطل المستحل له
61 -
( باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه )
أي هذا باب في بيان إثم من خاصم في أمر باطل والحال أنه يعمله أي يعلم أنه باطل
8542 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( زينب ) أم ( سلمة أخبرته ) أن ( أمها سلمة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أخبرتها عن رسول الله أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أبلغ من بعض فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإنما هي قطعة من النار
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الثاني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثالث صالح بن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس زينب بنت أم سلمة وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وكان اسمها برة فسماها رسول الله زينب سمعت النبي عند البخاري السابع أمها أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن التابعي وهم صالح على قول من قال رأى عبد الله بن عمر والزهري وعروة وفيه رواية الصحابية عن الصحابية رضي الله تعالى عنهم
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أبي اليمان وفي الشهادات والأحكام أيضا عن القعنبي عن مالك وفي ترك الحيل عن محمد بن كثير وأخرجه مسلم في القضاء عن يحيى بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن عمرو الناقد وعن حرملة بن يحيى وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الأحكام مختصرا عن هارون بن إسحاق ولم يذكره المزي في ( الأطراف ) فكأنه غفل عنه
ذكر معناه قوله إنما أنا بشر أي لا أعلم الغيب وبواطن الأمور كما هو مقتضى حال البشرية وأنه إنما يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ولو شاء الله لأطلعه على باطن الأمور حتى يحكم باليقين لكن أمر الله أمته بالإقتداء به فأجرى أحكامه على الظاهر لتطيب نفوسهم للانقياد قوله أبلغ من بعض أي أفصح ببيان حجته وقال الزجاج بلغ الرجل يبلغ بلاغة وهو بليغ إذا كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه وقال غيره البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ وقيل الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار وذكر ابن رشيق في ( العمدة ) ومن خطه فيما قيل البلاغة قليل يفهم وكثير لا يسأم وقال آخر إجاعة اللفظ وإشباع المعنى وقال آخر البليغ أسهلهم لفظا وأحسنهم بديهة وقال خلف

(13/5)


الأحمر البلاغة لمحة دالة وقال الخليل البلاغة كلمة تكشف عن البغية وقيل الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطأ وقيل البلاغة معرفة الوصل والفصل وقيل أن يدل أول الكلام على آخره وآخره على أوله وفي حديث أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار واللحن بالتحريك قال الخطابي الفطنة وقد لحن بالكسر يلحن لحنا بسكون الحاء الخطأ في الإعراب قوله فأحسب بالنصب عطف على قوله أن يكون أبلغ وأدخل أن تشبيها للعل بعسى قوله فمن قضيت أي حكمت له بحق مسلم إنما ذكر مسلما تغليبا أو اهتماما بحاله أو نظرا إلى لفظ بعضكم فإنه خطاب للمؤمنين قوله قطعة من النار أي هو حرام مآله النار قوله فليأخذها أمر تهديد لا تخيير كقوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( الكهف 92 ) وكقوله اعملوا ما شئتم ( فصلت 04 ) ح
ذكر ما يستفاد منه فيه دلالة على الحكم بالظاهر تشريفا للأمة وهو كقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله وقوله في حديث المتلاعنين لولا الإيمان لكان لي ولها شأن وقال القرطبي وقد روي في هذا إنما أحكم بما أسمع وإنما للحصر فكأنه قال لا أحكم إلا بما أسمع وقد اختلف في هذا فقال مالك في المشهور عنه أن الحاكم لا يحكم بعلمه في شيء وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد والشعبي وروى عن شريح وذهبت طائفة إلى أنه يقضي بعلمه في كل شيء من الأموال والحدود وبه قال أبو ثور وهو أحد قولي الشافعي وذهبت طائفة إلى التفريق فمنهم من قال يقضي بعلمه بما سمعه في مجلس قضائه خاصة لا قبله ولا في غيره إذا لم يحضر مجلسه بينة في الأموال بعلمه خاصة وهو قول الأوزاعي وجماعة من أصحاب مالك وحكوه عنه أيضا ومنهم من قال يحكم بما سمعه في مجلس قضائه وفي غيره لا قبل قضائه ولا في غير مصره في الأموال خاصة سواء سمع ذلك في مجلس قضائه أو في غيره لا قبل ولايته أو بعدها وبه قال أبو يوسف ومحمد وهو أحد قولي الشافعي قال وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يقضي بعلمه في الأموال والقذف خاصة ولم يشترط مجلس القضاء واتفقوا على أنه يحكم بعلمه في الجرح والتعديل لأن ذلك ضروري في حقه وقال المهلب دل الحديث على أن القوي على البيان البليغ في تأدية الحجة يبلغ بالباطل ما يقضي له على خصمه وليس ذلك مما يحل له ما حرم الله عليه وهو معنى قوله تعالى وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس ( البقرة 881 ) وفيه دلالة أن البينة مسموعة بعد اليمين وهو الذي فهمه البخاري وبوب له بعد باب من أقام البينة بعد اليمين وفيه دلالة على حكمه بالاجتهاد قال عياض وهو قول المحققين قاله الخطابي وفيه دليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبا وأن إثم الخطأ مرفوع عنه إذا اجتهد وفيه العمل بالظن قال فأحسب أنه صدق وهو أمر لم يختلف فيه في حق الحاكم وقال الطحاوي ذهب قوم إلى أن كل ما يقضي به الحاكم من تمليك مال وإزالة ملك أو إثبات نكاح أو طلاق أو ما أشبه ذلك على ما حكم وإن كان في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهدان وعلى خلاف ما حكم بشهادتهما على الحكم الظاهر لم يكن قضاء القاضي موجبا شيئا من تمليك ولا تحليل ولا تحريم وممن قال ذلك أبو يوسف وخالفهم آخرون فقالوا ما كان ذلك من تمليك مال فهو على حكم الباطن وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجرحة فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم فإنه ينفذ ظاهرا وباطنا وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
71 -
( باب إذا خاصم فجر )
أي هذا باب يذكر فيه إثم من إذا خاصم فجر من الفجور وهو الكذب والفسوق والعصيان وأصل الفجر الشق والفتح يقال فجر الماء إذا شقه ومنه فجر الصبح وكأن الفاجر يفتح معصية ويتسع فيها
9542 - حدثنا ( بشر بن خالد ) قال أخبرنا ( محمد ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله بن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال أربع من كن فيه كان

(13/6)


منافقا أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر
( انظر الحديث 43 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وإذا خاصم فجر وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبو محمد العسكري شيخ مسلم أيضا ومحمد هو ابن جعفر وصرح به في بعض النسخ وسليمان هو الأعمش والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب علامات المنافق فإنه أخرجه هناك عن قبيصة بن عقبة عن سفيان عن الأعمش إلى آخره ومر الكلام فيه وذكر هناك موضع إذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وذلك لأن المتروك في الموضعين داخل تحت المذكور منهما
81 -
( باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه )
أي هذا باب في بيان حكم قصاص المظلوم الذي أخذ منه المال إذا وجد يعني إذا ظهر بمال الذي ظلمه وجواب إذا محذوف تقديره هل يأخذ منه بقدر حقه يعني يأخذ واكتفى بذكر أثر ابن سيرين عن ذكر الجواب واستمرت عادته على هذا الوجه وهي مسألة الظفر وفيها خلاف وتفصيل فقال ابن بطال اختلف العلماء في الذي يجحد وديعة غيره ثم إن المودع يجد له مالا هل يأخذه عوضا من حقه فروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يفعل وروى عنه أن له أن يأخذ حقه إذا وجده من ماله إذا لم يكن فيه شيء من الزيادة وهو قول الشافعي وقال النووي من له حق على رجل وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه من غير إذنه وهذا مذهبنا ومنع من ذلك أبو حنيفة ومالك وقال ابن بطال وروى ابن وهب عن مالك أنه إذا كان على الجاحد للمال دين فليس له أن يأخذ إلا مقدار ما يكون فيه أسوة الغرماء وعن أبي حنيفة يأخذ من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة ومن المكيل المكيل ومن الموزون الموزون ولا يأخذ غير ذلك وقال زفر له أن يأخذ العرض بالقيمة انتهى قلت مذهبنا أنه إذا بخس حقه فله أن يأخذه وإلا فلا
وقال ابن سيرين يقاصه وقرأ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( النحل 621 )
أي قال محمد بن سيرين إذا وجد مال ظالمه يقاصه بالتشديد وأصله يقاصصه أراد يأخذ مثل ماله وهذا التعليق وصله عبد الله بن حميد في تفسيره من طريق خالد الحذاء عنه بلفظ أن أخذ أحد منك شيئا فخذ مثله قوله وقرأ إشارة إلى أنه احتج فيما ذهب إليه بقوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( النحل 621 ) يعني لا يزيد ولا ينقص
0642 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا فقال لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف
مطابقته للترجمة من حيث إذن النبي لهند بالأخذ من مال زوجها قال ابن بطال فهذا يدل على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لو يوفه أو جحده قدر حقه وإسناد هذا الحديث على هذا النسق بعينه قد مر غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وهند بنت عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن ربيعة أم معاوية أسلمت يوم الفتح وماتت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وزوجها أبو سفيان اسمه صخر بن حرب بن أمية والد معاوية
قوله مسيك بفتح الميم وتخفيف السين على وزن فعيل بفتح الفاء ويروى بكسر الميم وتشديد السين على وزن فعيل بالكسر والتشديد وهو صيغة مبالغة كسكين وخمير معناه بخيل شديد المسك بما في يديه وقال عياض في رواية كثير من أهل الإتقان بالفتح والتخفيف وقيده بعضهم بالوجهين وقال ابن الأثير في كتب الحديث الفتح والتخفيف والمشهور عند المحدثين الكسر والتشديد قوله حرج أي إثم قوله أن تطعميهم كلمة أن مصدرية تقديره لا حرج عليك بإطعامك إياهم بالمعروف أي بقدر ما يتعارف أن يأكل العيال وهذا الحديث يشتمل على أحكام وهي النفقة للأولاد وأنها مقدرة بالكفاية لا بالإمداد

(13/7)


وجواز سماع كلام الأجنبية وذكر الإنسان بما يكره عند الحاجة وأن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها وجواز خروج المرأة من بيتها لقضاء حاجتها وقد استدل به من يرى بجواز الحكم على الغائب قلت هذا استدلال فاسد من وجهين أحدهما أنه كان فتوى لا حكما والآخر أن أبا سفيان كان حاضرا في البلد
1642 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة ابن عامر ) رضي الله تعالى عنه قال قلنا للنبي إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فيه فقال لنا إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف
( الحديث 1642 - طرفه في 7316 )
مطابقته للترجمة تؤخذ بالتكلف من قوله فخذوا منهم حق الضيف فإنه أثبت فيه حقا للضيف ولصاحب الحق أخذ حقه ممن يتعين في جهته وفيه معنى قصاص المظلوم
ورجاله قد ذكروا غير مرة ويزيد من الزيادة هو ابن أبي حبيب وأبو الخير ضد الشر واسمه مرثد بالثاء المثلثة ابن عبد الله اليزني وهؤلاء كلهم مصريون ما خلا شيخه فإنه تنيسي ولكن أصله من دمشق وعد من المصريين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي عن قتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن قتيبة وأخرجه الترمذي في السير عن قتيبة وقال حسن وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن محمد بن رمح
ذكر معناه قوله لا يقرونا بفتح الياء وسكون القاف وإسقاط نون الجمع كذا هو في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية غيرهما لا يقروننا على الأصل لأن نون جمع المذكر لا يسقط إلا في مواضع معروفة وأصله من قريب الضيف قرى مثل قليته قلى وقراء إذا أحسنت إليه فإذا كسرت القاف قصرت وإذا فتحتها مددت وقال الكرماني لا يقروننا بالتشديد والتخفيف أي لا يضيفونا قوله فخذوا منهم وفي رواية الكشميني فخذوا منه أي من مالهم وفي رواية الترمذي عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله إنا نمر بقوم فلا هم يضيفونا ولا هم يؤدون ما لنا عليهم من الحق ولا نحن نأخذ منهم فقال رسول الله إن أبوا إلا أن تأخذوا منهم كرها فخذوا ثم قال وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان يأمر بنحو هذا
ذكر ما يستفاد منه فيه أن ظاهر الحديث وجوب قرى الضيف وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذت منه كرها وإليه ذهب الليث مطلقا وخصه أحمد بأهل البوادي دون القرى ومما استدل به على ذلك ما رواه أبو داود من حديث أبي كريمة قال قال رسول الله ليلة الضيف حق على كل مسلم فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين فإن شاء اقتضى وإن شاء ترك وأبو كريمة هو المقدام بن معدي كرب وصرح به الطحاوي في روايته عنه وروى الطحاوي أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي قال أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذه بقدر قراه ولا حرج عليه وقال الجمهور الضيافة سنة وليست بواجبة وقد كانت واجبة فنسخ وجوبها قاله الطحاوي واستدل على ذلك بحديث المقداد ابن الأسود قال جئت أنا وصاحب لي حتى كادت تذهب أسماعنا وأبصارنا من الجوع فجعلنا نتعرض للناس فلم يضفنا أحد وفي رواية مسلم فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله فليس أحد منهم يقبلنا فأتينا النبي فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز فقال النبي احتلبوا هذا اللبن بيننا الحديث بطوله قال الطحاوي أفلا يرى أصحاب رسول الله لم يضيفوهم وقد بلغت بهم الحاجة ثم لم يعنفهم رسول الله على ذلك فدل على نسخ ما كان أوجب على الناس من الضيافة ثم روى من حديث عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أنه سمع النبي يقول لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا ولا جادا وإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه وأخرجه أبو داود والترمذي أيضا وقيل الحديث محمول على المضطرين ثم اختلفوا هل يلزم المضطر العوض أو لا فقيل يلزم وقيل لا وقيل كان هذا في أول الإسلام فكانت المواساة واجبة فلما فتحت الفتوح نسخ ذلك ويدل عليه قوله في حديث أبي شريح عند مسلم في حق

(13/8)


الضيف وجائزته يوم وليلة والجائزة تفضل لا واجبة وقيل هذا كان مخصوصا بالعمال المبعوثين لقبض الصدقات من جهة الإمام فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم الذي يتولونه لأنه لا قيام لهم إلا بذلك حكاه الخطابي قال وكان هذا في ذلك الزمان إذ لم يكن للمسلمين بيت مال فأما اليوم فأرزاق العمال من بيت المال قال وإلى نحو هذا ذهب أبو يوسف في الضيافة على أهل نجران خاصة وقيل كان هذا خاصا بأهل الذمة وقد شرط عمر رضي الله تعالى عنه حين ضرب الجزية على نصارى الشام ضيافة من نزل بهم وقال ابن التين نسخه قوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( البقرة 881 ) قال وقيل كان ذلك في أهل العمود والمواطن التي لا أسواق فيها
91 -
( باب ما جاء في السقائف )
أي هذا باب في بيان ما جاء في السقائف وهو جمع سقيفة على وزن فعيلة بمعنى مفعولة وهي المكان المظلل كالساباط والحوانيت بجانب الدار وكان مراده من وضع هذه الترجمة الإشارة إلى أن الجلوس في الأمكنة العامة جائز وأن اتخاذ صاحب الدار ساباطا أو مستظلا جائز إذا لم يضر المارة وقال ابن التين لما كان لأهل المواضع أن يرتفقوا بسقائفهم وأفنيتهم جاز الجلوس فيها وقال ابن بطال السقائف والحواني قد علم الناس لم وضعت ومن اتخذ فيها مجلسا فذلك مباح له إذا التزم ما في ذلك من غض البصر ورد السلام وهداية الضال وجميع شروطه
وجلس النبي وأصحابه في سقيفة بني ساعدة
هذا قطعة من حديث طويل رواه البخاري من طريق سهل بن سعد في الأشربة على ما يأتي إن شاء الله تعالى وسقيفة بني ساعدة كانوا يجتمعون فيها وكانت مشتركة بينهم وجلس النبي معهم فيها وفيها وقعت المبايعة بخلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وبنو ساعدة في الأنصار في الخزرج وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج قال ابن دريد ساعدة اسم من أسماء الأسد
2642 - حدثنا يحياى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثني مالك ح وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره عن عمر رضي الله تعالى عنهم قال حين توفى الله نبيه إن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فقلت لأبي بكر انطلق بنا فجئناهم في سقيفة بني ساعدة
مطابقته للترجمة ظاهرة قيل ليس لإدخال هذا الباب في كتاب المظالم وجه قلت قال الكرماني الغرض بيان أن الجلوس في السقيفة التي للعامة ليس ظلما وفيه ما فيه و ( يحيى بن سليمان ) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر وهو من أفراده و ( ابن وهب ) هو عبد الله بن وهب المصري و ( يونس ) هو ابن يزيد الأيلي و ( ابن شهاب ) هو الزهري
قوله وأخبرني أي قال ابن وهب ويونس أيضا أخبرني به وهذا تحويل من إسناد إلى إسناد آخر وكان ابن وهب حريصا على التفرقة بين التحديث والإخبار مراعاة للاصطلاح ويقال إنه أول من اصطلح على ذلك بمصر والحديث مختصر من قصة بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وسيأتي في الهجرة وفي كتاب الحدود بطوله إن شاء الله تعالى
02 -
( باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره )
أي هذا باب يذكر فيه لا يمنع جار إلى آخره قوله خشبة بالإفراد والتنوين في رواية أبي ذر وفي رواية غيره خشبا بصيغة الجمع ورأيت صاحب ( التلويح ) قد ضبط بيده خشبا بضم الخاء وسكون الشين قلت تجمع الخشبة على خشب بفتحتين وخشب بضم الخاء وسكون الشين وخشب بضمتين وخشبان وروى الطحاوي عن جماعة من المشايخ أنهم رووه في الحديث بالإفراد وأنكر ذلك عبد الغني بن سعيد فقال الناس كلهم يقولون بالجمع إلا الطحاوي

(13/9)


قلت إنكار عبد الغني ليس بموجه لأن الطحاوي ما انفرد به وإنما رواه عن المشايخ فكيف يقول الناس كلهم وقال أبو عمر قد روي اللفظان يعني الإفراد والجمع في ( الموطأ ) والإفراد أحسن لأن أمره أخف في مسامحة الجار بخلاف الجمع لأنه أشق عليه بالنسبة إلى الواحد
3642 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم
مطابقته للترجمة من حيث إنهما سواء ورجاله قد ذكروا غير مرة والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى وعن زهير بن حرب وعن أبي الطاهر وحرملة بن يحيى وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في القضاء عن مسدد ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وأخرجه الترمذي في الأحكام عن سعيد بن عبد الرحمن وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار ومحمد بن الصباح
ذكر معناه قوله عن مالك عن ابن شهاب كذا في ( الموطأ ) وقال خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد بدل ابن شهاب وقال بشر بن عمر عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بدل الأعرج ووافقه هشام بن يوسف عن مالك ومعمر عن الزهري ورواه الدارقطني في ( الغرائب ) وقال المحفوظ عن مالك الأول وقال في ( العلل ) رواه هشام الدستوائي عن معمر عن الزهري عن سعيد ب المسيب بدل الأعرج وكذا قال عقيل عن الزهري وقال ابن أبي حفصة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بدل الأعرج والمحفوظ عن الزهري عن الأعرج وبذلك جزم ابن عبد البر أيضا ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون عند الزهري عن الجميع قوله لا يمنع بالجزم على أن كلمة لا ناهية وفي رواية أبي ذر بالرفع على أن لا نافية خبر بمعنى النهي وفي رواية أحمد لا يمنعن بزيادة نون التأكيد وفي رواية ابن ماجه لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره قوله أن يغرز أي بأن يغرز وكلمة أن مصدرية أي بغرز خشبة في جدار جاره قوله ثم يقول أبو هريرة وفي رواية أبي داود عن ابن عيينة عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه فنكسوا فقال أبو هريرة ما لي أراكم قد أعرضتم لألقينها بين أكتافكم وفي رواية أحمد فلما حدثهم أبو هريرة بذلك طأطأوا رؤوسهم قوله عنها أي عن هذه المقالة أو عن هذه السنة قوله لأرمين بها وفي رواية لأرمينها وفي رواية أبي داود لألقينها كما مرت الآن قوله بين أكتافكم قال ابن عبد البر رويناه في ( الموطأ ) بالتاء المثناة وبالنون يعني بالوجهين بأكتافكم جمع كتف بالتاء وبأكنافكم بالنون جمع كنف وهو الجانب قال الخطابي معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين وأراد بذلك المبالغة ووقع ذلك من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة لمروان ووقع في رواية عند ابن عبد البر من وجه آخر لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم
ذكر ما يستفاد منه اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال قوم معناه الندب إلى بر الجار وليس على الوجوب وبه قال أبو حنيفة ومالك وروى ابن عبد الحكم عن مالك قال ليس يقضي على رجل أن يغرز خشبة في جدار جاره وإنما نرى أن ذلك كان من رسول الله على الوصاءة بالجار قال وأكثر علماء السلف أن ذلك على الندب وحملوه على معنى قوله إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها وقد مر في حديث أبي داود إذا استأذن أحدكم أخاه وقيد بعضهم الوجوب بالاستئذان وقال قوم هو واجب إذا لم يكن في ذلك مضرة على صاحب الجدار وبه قال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور وجماعة من أصحاب الحديث وهو مذهب عمر بن الخطاب وروى الشافعي عن مالك بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن

(13/10)


يسوق خليجا له فيمر به في أرض محمد بن مسلمة فامتنع فكلمه عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك فأبى فقال والله ليمرن به ولو على بطنك فحمل عمر الأمر على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه وقال بعضهم وقد قوى الشافعي في القديم القول بالوجوب بأن عمر رضي الله تعالى عنه قضى به ولم يخالفه أحد من أهل عصره وكان اتفاقا منهم على ذلك انتهى قلت هذا مجرد دعوى يحتاج إلى إقامة دليل وعن الشافعي في الجديد قولان أشهرهما اشتراط إذن المالك فإن امتنع لم يجبر وهو قول أصحابنا وحملوا الأمر فيما جاء من الحديث على الندب والنهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه وهو كقوله ما زال جبريل عليه الصلاة و السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه وكقوله ما آمن من بات شبعان وجاره طاو وقيل إن الهاء في جداره يرجع إلى الغارز لأن الجدار إذا كان بين اثنين وهو لأحدهما فأراد صاحبه أن يضع عليه الجذوع ويبني ربما منعه جاره لئلا يشرف عليه فأخبر الشارع أنه لا يمنعه ذلك وقال ابن التين عورض هذا بأنه إحداث قول ثالث في معنى الخبر وذلك ممنوع عند أكثر الأصوليين ولا يسلم له والله أعلم
12 -
( باب صب الخمر في الطريق )
أي هذا باب في بيان صب الخمر في طريق الناس هل ينبغي ذلك أم لا فقيل لا يمنع من ذلك لأنه للإعلان برفضها وليشتهر تركها وذلك أنه أرجح في المصلحة من التأذي بصبها في الطريق وإليه أشار المهلب وقيل يمنع من ذلك فقال ابن التين هذا الذي في الحديث كان في أول الإسلام قبل أن ترتب الأشياء وتنظف فأما الآن فلا ينبغي صب النجاسات في الطرق خوفا أن يؤذي المسلمين وقد منع سحنون أن يصب الماء من بئر وقعت فيه فأرة في الطريق قوله في الطريق ويروى في الطرق
4642 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى ) قال أخبرنا ( عفان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) قال حدثنا ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة وكان خمرهم يومئذ الفضيخ فأمر رسول الله مناديا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال فقال لي أبو طلحة اخرج فأهرقها فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة فقال بعض القوم قد قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل اللهليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( المائدة 39 )
مطابقته للترجمة في قوله فهرقتها فجرت في سكك المدينة ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى هو المعروف بصاعقة وهو من أفراده وعفان هو ابن مسلم الصفار وروى عنه البخاري في الجنائز بدون الواسطة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي النعمان عن حماد وفي الأشربة عن إسماعيل بن عبد الله وأخرجه مسلم في الأشربة عن أبي الربيع الزهراني عنه به وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن حرب عنه نحوه
ذكر معناه قوله كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة وأبو طلحة زوج أم أنس واسمه زيد بن سهل الأنصاري شهد العقبة وبدرا وأحدا وسائر المشاهد كلها مع رسول الله وهو أحد النقباء وعاش بعد رسول الله أربعين سنة ومات بالشام قاله أبو زرعة الدمشقي وعن أنس أنه غزا البحر فمات فيه فما وجدوا جزيرة فدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام ولم يتغير وفي القوم كان أبو عبيدة وأبي بن كعب على ما يأتي في رواية البخاري في الأشربة وفي رواية لمسلم إني لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب رسول الله وفي رواية له إني لقائم على الحي على عمومتي أسقيهم وفي رواية له كنت أسقي أبا طلحة وأبا دجانة ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار وفي رواية له إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء من مزادة قوله وكان خمرهم يومئذ الفضيخ أصل الخمر من المخامرة وهي المخالطة

(13/11)


سميت بها لمخالطتها العقل ومن التخمير وهو التغطية سميت بها لتغطيتها العقل يذكر ويؤنث وجزم ابن التين بالتأنيث وقال ابن سيده هي ما أسكر من عصير العنب والأعرف فيها التأنيث وقد يذكر والجمع خمور وقال ابن المسيب فيما حكا النحاس في ( ناسخه ) سميت بذلك لأنها صعد صفوها ورسب كدرها وقال ابن الأعرابي لأنها تركت فاختمرت واختمارها تغير ريحها وجعلها أبو حنيفة الدينوري من الحبوب وأظنه تسمحا منه لأن حقيقة الخمر إنما هي للعنب دون سائر الأشياء وعند أبي حنيفة الإمام الخمر هي النيء من ماء العنب إذا غلا واشتد ولها عدة أسماء نحو المائتين ذكرناها في ( شرحنا لمعاني الآثار ) والفضيخ بفاء مفتوحة وضاد وخاء معجمتين شراب يتخذ من البسر من غير أن تمسه النار وقال ابن سيده هو شراب يتخذ من البسر المفضوخ يعني المشدوخ وفي ( مجمع الغرائب ) ويروى عن ابن عمر أنه قال ليس بالفضيخ ولكنه الفضوخ وقال أبو حنيفة عن الأعراب هو ما اعتصر من العنب اعتصارا فهو الفضيخ وكذلك فضيخ البسر وقال الداودي يهشم البسر ويجعل معه الماء وقاله الليث أيضا قوله فأمر رسول الله مناديا ينادي وفي رواية فأتاهم آت يعني أن الآتي أخبرهم بالنداء والنداء عن الأمر يتنزل في العمل به منزلة سماع قوله فأهرقها الهاء فيه زائدة وأصله أراقها من الإراقة وهي الإسالة والصب ويقال أراق وهراق قوله في سكك المدينة أي في طرقها جمع سكة بالكسر قوله فأنزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا ( المائدة 39 ) الآية وقال الإمام أحمد حدثنا الأسود بن عامر أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لما حرمت الخمر قال أناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( المائدة 39 ) قال ولما حولت القبلة قال أناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم ( البقرة 341 ) وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال لما نزل تحريم الخمر قالوا كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم فنزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( المائدة 39 ) الآية ورواه الترمذي عن بندار عن غندر عن شعبة نحوه وقال حسن صحيح
ذكر ما يستفاد منه فيه تحريم الخمر وذكر ابن سعد وغيره أن تحريم الخمر كان في السنة الثانية بعد غزوة أحد وفيه قبول خبر الواحد وفيه حرمة إمساكها ونقل النووي اتفاق الجمهور عليه وفيه قول من قال قتل قوم وهي في بطونهم صدر عن غلبة خوف وشفقة أو عن غفلة عن المعنى لأن الخمر كانت مباحة أولا ومن فعل ما أبيح له لم يكن له ولا عليه شيء لأن المباح مستوى الطرفين بالنسبة إلى الشرع وفيه فجرت في سكك المدينة واستدل به ابن حزم على طهارة الخمر لأن الصحابة كان أكثرهم يمشي حافيا فما يصيب قدمه لا ينجس به قلت هذه جراءة عظيمة لأن القرآن أخبر بنجاستها
22 -
( باب أفنية الدور والجلوس فيها على الصعدات )
أي هذا باب في بيان حكم الجلوس في أفنية الدور والأفنية جمع فناء بكسر الفاء وبالنون والمد وهو ما امتد من جوانب الدار وفي ( المغرب ) وهو سعة أمام البيوت وقال ابن ولاد الفناء حريم الدار قوله والجلوس على الصعدات أي وبيان حكم الجلوس على الصعدات وهي بضمتين الطرقات وهو جمع صعيد مثل طريق يجمع على طرقات وقيل الصعدات جمع صعد بضمتين والصعد جمع صعيد فيكون الصعدات جمع الجمع كطرق فإنه جمع طريق ويجمع على طرقات وقال ابن الأثير وقيل هي جمع صعدة كظلمة وهي فناء باب الدار وممر الناس بين يديه
وقالت عائشة فابتنى أبو بكر مسجدا بفناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه والنبي يومئذ بمكة
ذكر هذا التعليق دليلا على جواز التصرف من صاحب الدار في فناء داره وهو أيضا يوضح الحكم الذي أبهمه في الترجمة ووصله في كتاب الصلاة في باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر للناس فيه عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي قالت الحديث وفيه ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا

(13/12)


بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فتقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه الحديث وأخرجه أيضا في الهجرة بهذا الإسناد بعينه مطولا
وفيه ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فتتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون وينظرون إليه ويروى فينقذف عليه ومر هذا أيضا في الكفالة في باب جوار أبي بكر رضي الله تعالى عنه في عهد النبي وفيه فيتقصف عليه نساء المشركين ومعناه يزدحمون عليه وأصله من القصف وهو الكسر والدفع الشديد لفرط الزحام وهذا كما رأيت هنا أربع روايات الأولى فتقف عليه نساء المشركين مر في باب المسجد على الطريق والثانية هنا فيتقصف والثالثة في الهجرة فيتقذف بالذال المعجمة بدل الصاد من القذف وهو الرمي بقوة والمعنى يرمون أنفسهم عليه ويتزاحمون والرابعة فينقذف من القذف أيضا ولكن الفرق بينهما أن يتقذف على وزن يتفعل من باب التفعل وينقذف على وزن ينفعل من باب الانفعال وقال ابن الأثير وفي حديث الهجرة فيتقذف عليه نساء المشركين وفي رواية فينقذف والمعروف فيتقصف قلت وقد قيل رواية أخرى وهي يتصفف من الصف أي يصطفون عليه ويقفون صفا صفا قوله يعجبون جملة حالية وكذلك قوله والنبي يومئذ بمكة
5642 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( أبو عمر حفص بن ميسرة ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء ابن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها قالوا ما حق الطريق قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر
( الحديث 5642 - طرفه في 9226 )
مطابقته للترجمة في قوله إياكم والجلوس على الطرقات فإن قلت الترجمة على الصعدات قلت الصعدات هي الطرقات كما ذكرنا ولا فرق بينهما في المعنى وعند أبي داود بلفظ الطرقات ورجاله قد ذكروا
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم فيه وفي اللباس عن سويد بن سعيد عن يحيى بن يحيى وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي عن الدراوردي به
قوله إياكم والجلوس بالنصب على التحذير أي اتقوا الجلوس واتركوه على الطرقات قوله ما لنا بد أي ما لنا غنى عنه قوله هي أي الطرقات قوله فإذا أبيتم من الإباء فإذا امتنعتم عن الجلوس إلا في المجالس وهذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فإذا أتيتم إلى المجالس من الإتيان وبكلمة إلى التي للغاية قوله قال غض البصر أي قال النبي حق الطريق غض البصر وأراد به السلامة من التعرض للفتنة لمن يمء من النساء وغيرهم قوله وكف الأذى بالرفع عطف على ما قبله وأراد به السلامة من التعرض إلى أحد بالقول والفعل مما ليس فيهما من الخير قوله ورد السلام يعني على الذي يسلم عليه من المارين قوله وأمر بمعروف وهو كل أمر جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات والمنكر ضد المعروف وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه وزاد عند أبي داود وإرشاد السبيل وتشميت العاطس إذا حمد ومن حديث عمر رضي الله تعالى عنه عند الطبراني وإغاثة الملهوف زيادة على ما ذكر قالوا نهيه عن الجلوس في الطرقات لئلا يضعف الجالس على الشروط التي ذكرها وقال القرطبي فهم العلماء أن هذا المنع ليس على جهة التحريم وإنما هو من باب سد الذرائع والإرشاد إلى الصلح قال وفي رواية وحسن الكلام من رد الجواب قال يريد أن من جلس على الطريق فقد تعرض لكلام الناس فليحسن لهم كلامه ويصلح شأنه وروى هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال المجالس حلق الشيطان إن يروا حقا لا يقومون به وإن يروا باطلا فلا يدفعونه وقال عامر كان الناس يجلسون في مساجدهم فلما قتل عثمان رضي الله تعالى عنه خرجوا إلى الطريق يسألون عن الإخبار وقال طلحة

(13/13)


ابن عبيد الله مجلس الرجل ببابه مرؤة وقال ابن أبي خالد رأيت الشعبي جالسا في الطريق
وفيه الدلالة على الندب إلى لزوم المنازل التي يسلم لازمها من رؤية ما تكره رؤيته وسماع ما لا يحل له سماعه وما يجب عليه إنكاره ومن إغاثة مستغيث تلزمه إغاثته وذلك أنه إنما أذن في الجلوس بالأفنية والطرق بعد نهيه عنه إذا كان من يقوم بالمعاني التي ذكرها وإذا كان كذلك فالأسواق التي تجمع المعاني التي أمر الشارع الجالس بالطرق باجتنابها مع الأمور التي هي أوجب منها وألزم من ترك الكذب والحلف بالباطل وتحسين السلع بما ليس فيها وغش المسلمين وغير ذلك من المعاني التي لا يطيق الكلام بما يلزمه منها إلا من عصمه الله أحق وأولى بترك الجلوس منها في الأفنية والطرق
32 -
( باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها )
أي هذا باب في بيان حكم الآبار التي حفرت على الطريق إذا لم يتأذ بها وهو على صيغة المجهول يعني إذا لم يحصل منها أذى لأحد من المارين والحكم لم يفهم من الترجمة ظاهرا لكن من حديث الباب يفهم الحكم وهو الجواز لأن فيه منفعة للخلق والبهائم غير أنه مقيد بشرط أن لا يكون في حفرها أذى لأحد والآبار جمع بئر كالأجمال جمع حمل وهو جمع القلة والكثرة بئار وذكرت في شرحي أن البئر يجمع في القلة على أبؤر وآبار بهمزة بعد الباء ومن العرب من يقلب الهمزة ألفا فيقول آبار فإذا كثرت فهي البئار وقد بأرت بئرا وقال أبو زيد بأرت أبأر بأرا
6642 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هاذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا فقال في كل ذات كبد رطبة أجر
مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل على ذكر بئر في طريق ولم يحصل منه إلا منفعة لآدمي وحيوان وقد مر الحديث في كتاب الشرب في باب فضل سقي الماء فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بعينه غير شيخه فإنه رواه هناك عن عبد الله بن ييوسف عن مالك وهنا أخرجه عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك ومر الكلام فيه مستوفى وقال المهلب هذا يدل على أن حفر الآبار بحيث يجوز للحافر حفرها من أرض مباحة أو مملوكة له جائز ولم يمنع ذلك لما فيه من البركة وتلافي العطشان ولذلك لم يكن ضامنا لأنه قد يجوز مع الانتفاع بها إن يستضربها بساقط بليل أو تقع فيها ماشية لكنه لما كان ذلك نادرا وكانت المنفعة أكثر فغلب عليه حال الانتفاع على حال الاستضرار فكان جبارا لا دية لمن هلك فيها
42 -
( باب إماطة الأذى )
أي هذا باب في بيان أجر إماطة الأذى أي إزالته عن المسلمين قال أبو عبيد عن الكسائي مطت عنه الأذى وأمطته نحيته وكذلك مطت غيري وأمطيته وأنكر الأصمعي ذلك وقال مطت أنا وأمطت غيري ومادته ميم وياء وطاء
وقال همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي يميط الأذاى عن الطريق صدقة

(13/14)


همام على وزن فعال بالتشديد هو ابن منبه أخو وهب بن منبه وهذا التعليق وصله البخاري في الجهاد في باب من أخذ بالركاب بلفظ وتميط الأذى عن الطريق صدقة قوله تميط تقديره أن تميط وإن مصدرية أي إماطتك الأذى عن الطريق صدقة كما تقدر كذا في قولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي أن تسمع أي سماعك وقيل هذا من قول أبي هريرة وقال ابن بطال هذا القول ليس من أبي هريرة لأن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما تؤخذ توقيفا من النبي قال وقد أسند مالك معناه من حديث أبي هريرة عن رسول الله أنه قال بينما رجل يمشي إذا وجد غصن شوك على الطريق فأخرجه فشكر الله له فغفر له يأتي هذا الحديث عن قريب إن شاء الله تعالى فإن قلت كيف تكون إماطة الأذى عن الطريق صدقة قلت معنى الصدقة إيصال النفع إلى المتصدق عليه والذي أماط الأذى عن الطريق قد تصدق عليه بالسلامة فكان له أجر الصدقة
52 -
( باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها )
أي هذا باب في بيان جواز استعمال الغرفة بضم الغين المعجمة وسكون الراء وفتح الفاء قال الجوهري الغرفة العلية والجمع غرفات وغرفات وغرفات وغرف قوله والعلية بكسر العين المهملة وضمها وكسر اللام المشددة وبالياء آخر الحروف المشددة وهي الغرفة على تفسير الجوهري لأنه فسر الغرفة بالعلية في باب الغرف ثم فسر العلية بالغرفة في باب علا ثم قال والجمع العلالي وقال وهي فعيلة مثل مزيفة وأصلها عليوة فأبدلت الواو ياء وأدغمت وهي من علوات وقال بعضهم هي العلية بالكسر على فعيلة وبعضهم يجعلها من المضاعف ووزنها فعلية قال وليس في الكلام فعلية انتهى كلامه واعترض عليه في قوله وبعضهم يجعلها من المضاعف ووزنها فعلية بأنه لا يصح لأن العلية من ( ع ل و ) وليست من ( ع ل ل ) وقوله ليس في الكلام فعلية سهو لأنه قد ذكر مزيفة وإذا كان كذلك يكون عطف العلية على الغرفة عطفا تفسيريا قوله المشرفة بضم الميم وسكون الشين المعجمة من الإشراف على الشيء وهو الاطلاع عليه قوله في السطوح أي سواء كانت العلية المشرفة على مكان أو غير المشرفة كائنة على سطح أو منفردة قائمة مرتفعة من غير أن تكون على سطح فيفهم من كلامه أنها على أربعة أقسام الأول علية مشرفة على مكان على سطح الثاني مشرفة على مكان على غير سطح الثالث غير مشرفة على مكان على سطح الرابع غير مشرفة على مكان على غير سطح وقال ابن بطال الغرفة على السطوح مباحة ما لم يطلع منها على حرمة أحد قلت الذي ذكره هي العلية على السطح غير المشرفة فيفهم منه أنها إذا كانت مشرفة على مكان فهي غير مباحة وكذلك إذا كانت على غير سطح وكانت مشرفة ولم أر أحدا من شراح البخاري حقق هذا الموضع
7642 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله تعالى عنهما قال أشرف النبي على أطم من آطام المدينة ثم قال هل ترون ما أراى إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر
مطابقته للترجمة في قوله أشرف النبي على أطم من آطام المدينة لأن الأطم بضمتين بناء مرتفع قاله ابن الأثير وهو كالعلية المشرفة لأنها أيضا بناء مرتفع غير أنه تارة تبنى على غير سطح وقال غيره الأطم بضم الهمزة والطاء وسكونها والجمع آطام وهي حصون لأهل المدينة والواحدة أطمة مثل أكمة وقيل الأطم حصن مبني بالحجارة وعبد الله بن محمد بن عبد الله الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وابن عيينة بضم العين وفتح الياء آخر الحروف الأولى وسكون الثانية وبالنون المفتوحة هو سفيان بن عيينة وقد مضى هذا الحديث في أواخر كتاب الحج في باب آطام المدينة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان إلى آخره ومر الكلام فيه هناك قوله مواقع منصوب بدل عما أرى وهذا إخبار بكثرة الفتن في المدينة وقد وقع كما أخبر النبي

(13/15)


8642 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ) عن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله تعالى عنه عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله لهما إن تتوبا إلاى الله فقد صغت قلوبكمافحججت معه فعدل وعدلت معه بالإداوة فتبرز حتى جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرآتان من أزواج النبي اللتان قال لهما إن تتوبا إلاى الله فقال واعجبي لك يا ابن عباس عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي فينزل هو يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته من خبر ذالك اليوم من الأمر وغيره وإذا نزل فعل مثله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني فقلت خابت من فعل منهن بعظيم ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة فقلت أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله اليوم حتى الليل فقالت نعم فقلت خابت وخسرت أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين لا تستكثري على رسول الله ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه واسأليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله يريد عائشة وكنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال لغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال أنا نائم هو ففزعت فخرجت إليه وقال حدث أمر عظيم قلت ما هو أجاءت غسان قال لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله نساءه قال قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هاذا يوشك أن يكون فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي قلت ما يبكيك أو لم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله قالت لا أدري هو ذا في المشربة فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر فدخل فكلم النبي ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فذكر مثله فلما

(13/16)


وليت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال أذن لك رسول الله فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكيء على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم طلقت نساءك فرفع بصره إلي فقال لا ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره فتبسم النبي ثم قلت لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرنك إن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي يريد عائشة فتبسم أخرى فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال أوفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لي فاعتزل النبي من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال النبي الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسع وعشرون قالت عائشة فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال إن الله قال يا أيها النبي قل لأزواجك إلى قوله عظيما ( الأحزاب 82 92 ) قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة
مطابقته للترجمة في قوله فدخل مشربة له لأن المشربة هي الغرفة قاله ابن الأثير وغيره وقد ذكرها في الترجمة باسمها الآخر وهي الغرفة وهي بفتح الميم وضم الراء وفتحها والمشربة بفتح الميم وفتح الراء الموضع الذي يشرب منه كالمشرعة والمشربة بكسر الميم آلة الشرب
وعقيل بضم العين وعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن وتكبير الأب وأبو ثور بالثاء المثلثة المفتوحة وقال الحافظ الدمياطي قال الخطيب في ( تكملته ) لا أعلم أحدا روى عن عبيد الله هذا إلا الزهري ولا أعلمه حدث عن غير ابن عباس قلت خرج أبو داود وابن ماجه حديث محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس في طواف النبي عام الفتح على البعير وقد مضى بعض هذا الحديث في كتاب العلم في باب التناوب في العلم عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وذكرنا هناك تعدد موضعه ومن أخرجه غيره
ذكر معناه قوله فعدل أي عن الطريق قوله بالأداواة بكسر الهمزة وهي إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها ويجمع على أداوي قوله فتبرز أصله خرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة قوله واعجبي لك بالألف في آخره ويروى واعجبا بالتنوين نحو يا رجلا كأنه يندب على التعجب وهو إما تعجب من جهله بذلك وهو كان مشهورا بينهم بعلم التفسير وإما من حرصه على سؤاله عما ما لا يتنبه له إلا الحريص على العلم من تفسير ما لا حكم فيه من القرآن

(13/17)


وقال ابن مالك وا في واعجبا اسم فعل إذا نون عجبا بمعنى اعجب ومثله وي وجيء بعده بقوله عجبا توكيدا وإذا لم ينون فالأصل فيه واعجبي فأبدلت الياء ألفا وفيه شاهد على استعمال وا في غير الندبة كما هو رأي المبرد وقال في ( الكشاف ) قاله تعجبا كأنه كره ما سأله عنه قوله عائشة وحفصة أي المرأتان اللتان قال الله تعالى إن تتوبا إلى الله ( التحريم 4 ) الآية هما عائشة وحفصة قوله يسوقه جملة حالية قوله وجار لي من الأنصار جار مرفوع لأنه عطف على الضمير الذي في كنت على مذهب الكوفيين وفي روايته في باب التناوب في كتاب العلم كنت أنا وجار لي هذا على مذهب البصريين لأن عندهم لا يصح العطف بدون إظهار أنا حتى لا يلزم عطف الاسم على الفعل والكوفيون لا يشترطون ذلك وكلمة من في من الأنصار بيانية والمراد من هذا الجار هو عتبان بن مالك بن عمرو العجلاني الأنصاري الخزرجي قوله في بني أمية بن زيد في محل الجر على الوصفية أي الكائنين في بني أمية بن زيد أو المستقرين قوله وهي راجعة إلى أمكنة بني أمية قوله من عوالي المدينة وهي القرى بقرب المدينة وقال ابن الأثير العوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة والنسبة إليها علوي على غير قياس وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية قوله فينزل يوما الفاء فيه تفسيرية تفسر التناوب المذكور قوله من الأمر أي الوحي إذ اللام للمعهود عندهم أو الأوامر الشرعية قوله وغيره أي وغير الأمر من أخبار الدنيا قوله معشر قريش أي جمع قريش قوله فطفق نساؤنا بكسر الفاء وفتحا ومعنى طفق في الفعل أخذ فيه وهو من أفعال المقاربة قال الله تعالى وطفقا يخصفان عليهن من ورق الجنة ( الأعراف 22 وطه 121 ) أي أخذا في ذلك قوله فراجعتني أي ردت علي الجواب قوله حتى الليل أي إلى الليل قوله بعظيم أي بأمر عظيم قوله ثم جمعت علي ثيابي أي لبستها قوله أي حفصة أي يا حفصة قوله ما بدا لك أي ما كان لك من الضرورات قوله إن كانت جارتك أي بأن كانت فإن مصدرية أي ولا يغرنك كون جارتك أضوأ منك أي أزهر وأحسن ويروى أوضأ من الوضاءة أي من أجمل وأنظفحدثنا والمراد من الجار الضرة والمراد بها عائشة رضي الله تعالى عنها وفسر ذلك بقوله يريد عائشة قوله غسان على وزن فعال بالتشديد اسم ماء من جهة الشام نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه منهم بنو جفنة رهط الملوك ويقال هو اسم قبيلة قوله تنعل بضم التاء المثناة من فوق وسكون النون من إنعال الدواب وأصله تنعل الدواب النعال لأنه يتعدى إلى المفعولين فحذف أحدهما وإنما قلنا ذلك لأن النعال لا تنعل ويروى تنعل البغال جمع بغل بالباء الموحدة والغين المعجمة قوله عشاء نصب على الظرفية أي في عشاء قوله فضرب بابي فيه حذف وهو عطف عليه أي فسمع اعتزال الرسول عن زوجاته فرجع إلى العوالي فجاء إلى بابي فضرب والفاء فيه تسمى بالفاء الفصيحة لأنها تفصح عن المقدر قوله أنائم هو الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ففزعت أي فخفت القائل هو عمر الفاء فيه للتعليل أي لأجل الضرب الشديد فزعت قوله يوشك أن يكون أي يقرب كونه وهو من أفعال المقاربة يقال أوشك يوشك إيشاكا فهو موشك وقد وشك وشكا ووشاكة قوله مشربة له قد ذكرنا أن المشربة هي الغرفة الصغيرة وكذا قال ابن فارس وقال ابن قتيبة هي كالصفة بين يدي الغرفة وقال الداودي هي الغرفة الصغيرة وقال ابن بطال المشربة الخزانة التي يكون فيها طعامه وشرابه وقيل لها مشربة فيما أرى لأنهم كانوا يخزنون فيها شرابهم كما قيل للمكان الذي تطلع عليه الشمس ويشرق فيه صاحبه مشرقة قوله لغلام له أسود قيل اسمه رباح بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة وبالحاء المهملة قوله منصرفا نصب على الحال قوله فإذا الغلام كلمة إذا للمفاجأة قوله على رمال حصير بالإضافة وقال الكرماني الرمال بضم الراء وخفة الميم المرمول أي المنسوج قال أبو عبيد رملت وأرملت أي نسجت وقال الخطابي رمال الحصير ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب المنسوج وقال ابن الأثير الرمال ما رمل أي نسج يقال رمل الحصير وأرمله فهو مرمول ومرمل ورملته شدد للتكثير ويقال الرمال جمع رمل بمعنى مرمول كخلق الله بمعنى مخلوق والمراد أنه كأن السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير قوله متكىء خبر مبتدأ محذوف أي هو

(13/18)


متكىء قوله على وسادة بكسر الواو وهي المخدة قوله من أدم بفتحتين وهو اسم لجمع أديم وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدباغ قوله طلقت نساءك همزة الاستفهام فيه مقدرة أي أطلقت قوله أستأنس أي أتبصر هل يعود رسول الله إلى الرضى أو هل أقول قولا أطيب به وقته وأزيل منه غضبه قوله غير أهبة بالفتحات جمع إهاب على غير القياس والإهاب الجلد الذي لم يدبغ والقياس أن يجمع الإهاب على أهب بضمتين قوله فليوسع هذه الفاء عطف على محذوف لأنه لا يصلح أن يكون جوابا للأمر لأن مقتضى الظاهر أن يقال أدع الله أن يوسع وتقدير الكلام هكذا وقوله فليوسع عطف عليه للتأكيد قوله أفي شك يعني هل أنت في شك والمشكوك هو المذكور بعده وهو تعجيل الطيبات قوله استغفر لي طلب الاستغفار إنما كان عن جراءته على مثل هذا الكلام في حضرة رسول الله وعن استعظامه التجملات الدنياوية قوله فاعتزل النبي ابتداء كلام من عمر رضي الله تعالى عنه بعد فراغه من كلامه الأول فلذلك عطفه بالفاء قوله من أجل ذلك الحديث أي اعتزاله إنما كان من أجل إفشاء ذلك الحديث وهو ما روي أن رسول الله خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها النبي أكتمي علي وقد حرمت مارية على نفسي ففشت حفصة إلى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبي أنه لا يقربهن شهرا وهو معنى قوله ما إنا بداخل عليهم شهرا قوله من شدة موجدته أي من شدة غضبه والموجدة مصدر ميمي من وجد يجد وجدا وموجدة قوله حين عاتبه الله تعالى ويروى حتى عاتبه الله وهذه هي الأظهر وعاتبه الله تعالى بقوله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ( التحريم 1 ) قوله لتسع وعشرين ليلة باللام في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بتسع بالباء الموحدة قوله الشهر تسع وعشرون أي الشهر الذي آليت به تسع وعشرون وأشار به إلى أنه كان ناقصا يوما قوله وكان ذلك تسع وعشرون ويروى تسعا وعشرين وجه الرواية الأولى أن كان فيها تامة فلا يحتاج إلى خبر وتسع بالرفع يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي وجد ذلك الشهر وهو تسع وعشرون ويجوز أن يكون بدلا من الشهر وفي الرواية الثانية أن كان ناقصة وتسعا وعشرين خبرها قوله فأنزلت آية التخيير وهي قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا إلى قوله أجرا عظيما ( الأحزاب 82 ) ح
اختلف العلماء هل خيرهن في الطلاق أو بين الدنيا والآخرة وهل اختيارها صريح أو كناية وهل هو فرقة أم لا وهل هو بالمجلس أو بالعرف وقال القرطبي اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي أزواجه على قولين الأول خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترن البقاء الثاني خيرهن بين الدنيا فيفارقهن وبين الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهن في الطلاق ذكره الحسن وقتادة ومن الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فيما رواه أحمد بن حنبل عنه أنه قال لم يخير النبي نساءه إلا بين الدنيا والآخرة وقالت عائشة خيرهن بين الطلاق والمقام معه وبه قال مجاهد والشعبي ومقاتل
واختلفوا في سببه فقيل لأن الله خيره بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة على الدنيا فلما اختار ذلك أمر الله بتخيير نسائه ليكن على مثل حاله وقيل لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهرا وقيل لأنهن اجتمعن يوما فقلن نريد ما يريد النساء من الحلي حتى قال بعضهن لو كنا عند غير النبي إذن لكان لنا شأن وثياب وحلي وقيل لأن الله تعالى صان خلوة نبيه فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فلما أجبن إلى ذلك أمسكهن وقيل لأن كل واحدة طلبت منه شيئا وكان غير مستطيع فطلبت أم سلمة معلما وميمونة حلة يمانية وزينب ثوبا مخططا وهو البرد اليماني وأم حبيبة ثوبا سحوليا وحفصة ثوبا من ثياب مصر وجويرية معجرا وسودة قطيفة خيبرية إلا عائشة فلم تطلب منه شيئا وكانت تحته تسع نسوة خمس من قريش عائشة وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي الحارث الهلالية وأربع من غير قريش صفية بنت حيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية قوله يا أيها النبي قل لأزواجك ( الأحزاب 82 ) قال المفسرون كان أزواج النبي سألنه شيئا من عرض الدنيا وآذينه بزيادة النفقة والغيرة فغم ذلك رسول الله فهجرهن وآلى أن لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه في الصلاة فقالوا ما شأنه قال عمر رضي الله تعالى عنه إن شئتم لأعلمن لكم ما شأنه فأتى النبي فجرى منه ما ذكر

(13/19)


في حديث الباب وذكروا أيضا أن عمر رضي الله تعالى عنه تتبع نساء النبي فجعل يكلمهن لكل واحدة بكلام فقالت أم سلمة يا ابن الخطاب أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله وبين نسائه من يسأل المرأة إلا زوجها فأنزل الله تعالى هذه الآية بالتخيير فبدأ رسول الله بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤى الفرح في وجه رسول الله وتتابعتها بقية النسوة واخترن اختيارها وقال قتادة فلما اخترن الله ورسوله شكر لهن على ذلك وقصره عليهن فقال لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ( الأحزاب 25 ) قوله فتعالين ( الأحزاب 82 ) أصل تعال أن يقول من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطىء ثم كثر حتى استقر استعماله في الأمكنة كلها ومعنى تعالين أقبلن ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن قوله وأسرحكن ( الأحزاب 82 ) يعني الطلاق سراحا جميلا ( الأحزاب 82 ) من غير إضرار طلاقا بالسنة وقرىء بالرفع على الاستئناف قوله والدار الآخرة ( الأحزاب 82 ) يعني الجنة قوله منكن ( الأحزاب 82 ) يعني اللاتي آثرن الآخرة أجرا عظيما ( الأحزاب 82 ) وهو الجنة
ذكر ما يستفاد منه فيه أن المحدث قد يأتي بالحديث على وجهه ولا يختصر لأنه قد كان يكتفي حين سأله ابن عباس عن المرأتين بما كان يخبره منه أنهما عائشة وحفصة وفيه موعظة الرجل ابنته وإصلاح خلقها لزوجها وفيه الحزن والبكاء لأمور رسول الله وما يكرهه والاهتمام بما يهمه وفيه الاستئذان والحجابة للناس كلهم كان مع المستأذن عيال أو لم يكن وفيه الانصارف بغير صرف من المستأذن عليه ومن هذا الحديث قال بعض العلماء إن السكوت يحكم به كما حكم عمر رضي الله تعالى عنه بسكوت رسول الله عن صرفه إياه وفيه التكرير بالاستئذان وفيه أن للسلطان أن يأذن أو يسكت أو يصرف وفيه تقلله من الدنيا وصبره على مضض ذلك وكانت له عنه مندوحة وفيه أنه يسأل السلطان عن فعله إذا كان ذلك مما يهم أهل طاعته وفيه قوله لعمر رضي الله تعالى عنه لا ردا لما أخبر به الأنصاري من طلاق نسائه ولم يخبر عمر بما أخبر به الأنصاري رضي الله تعالى عنه ولا شكاه لعلمه أنه لم يقصد الإخبار بخلاف القصة وإنما هو وهم جرى عليه وفيه الجلوس بين يدي السلطان وإن لم يأمر به إذات استؤنس منه إلى انبساط خلق وفيه أن أحدا لا يجوز أن يسخط حاله ولا ما قسم الله له ولا سابق قضائه لأنه يخاف عليه ضعف يقينه وفيه أن التقلل من الدنيا لرفع طيباته إلى دار البقاء خير حال ممن يعجلها في الدنيا الفانية والعجل لها أقرب إلى السفه وفيه الاستغفار من السخط وقلة الرضى وفيه سؤال من الشارع الاستغفار ولذلك يجب أن يسأل أهل الفضل والخير الدعاء والاستغفار وفيه أن المرأة تعاقب على إفشاء سر زوجها وعلى التحيل عليه بالأذى بالتوبيخ لها بالقول كما وبخ الله تعالى أزواج نبيه على تظاهرهما وإفشاء سره وعاتبهن بالإيلاء والاعتزال والهجران كما قال تعالى واهجروهن في المضاجع ( النساء 43 ) وفيه أن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما وفيه أن المرأة الرشيدة لا بأس أن تشاور أبويها أو ذوي الرأي من أهلها في أمر نفسها التي هي أحق بها من وليها وهي في المال أولى بالمشاورة لا على أن المشاورة لازمة لها إذا كانت رشيدة كعائشة رضي الله تعالى عنها وفيه دليل لجواز ذكر العمل الصالح وهي في قول عبد الله بن عباس فحججت معه أي مع عمر وفيه الاستعانة في الوضوء إذ هو الظاهر من قوله فتوضأ وقال ابن التين ويحتمل الاستنجاء وذلك أن يصب الماء في يده اليمنى ثم يرسله حيث شاء وفيه رد الخطاب إلى الجمع بعد الإفراد وذلك في قوله أفتأمن أي إحداكن ثم قال فتهلكن على رواية تهلكن بضم الكاف وبالنون المشددة قاله الداودي وفيه أن ضحكه التبسم إكراما لمن يضحك إليه وقال جرير ما رآني رسول الله منذ أسلمت إلا تبسم وفيه التخيير وقد استعمل السلف الاختيار بعده فعند الشافعي أن المرأة إذا اختارت نفسها فواحدة وهو قول عائشة وعمر بن عبد العزيز وذكر علي أنها إذا اختارت نفسها فثلاث وقال طاووس نفس الاختيار لا يكون طلاقا حتى يوقعه وقال الداودي إن واحدة من نسائه اختارت نفسها فبقيت إلى زمن عمر رضي الله تعالى عنه وكانت تأتي بالحطب بالمدينة فتبيعه وأنها أرادت النكاح فمنعها عمر فقالت إن كنت من أمهات المؤمنين اضرب علي الحجاب فقال لها ولا كرامة وقيل إنها رعت

(13/20)


غنما والذي في ( الصحاح ) أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة
وقال الإمام الرازي الجصاص الحنفي اختلف السلف فيمن خير امرأته فقال علي إن اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنه وإن اختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال زيد بن ثابت في أمرك بيدك إن اختارت نفسها فواحدة رجعية وقال أبو حنيفة وصاحباه وزفر في الخيار بائنة اختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة إذا أراد الزوج الطلاق ولا يكون ثلاثا وإن نوى وقال ابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي إن اختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها فواحدة وقال مالك في الخيار إنه ثلاث إذا اختارت نفسها وإن طلقت نفسها بواحدة لم يقع شيء وقال النووي مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارت لم يكن ذلك طلاقا ولا يقع به فرقة وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا وحكاه الخطابي وغيره عن مذهب مالك قال القاضي لا يصح هذا عن مالك
وفيه جواز اليمين شهرا أن لا يدخل على امرأته ولا يكون بذلك موليا لأنه ليس من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء ولا له حكمة وأصل الإيلاء في اللغة الحلف على الشيء يقال منه آلى يولي إيلاء وتآلى تآليا وايتلى إيتلاء وصار في عرف الفقهاء مختصا بالحلف عن الامتناع عن وطء الزوجه ولا خلاف في هذا إلا ما حكي عن ابن سيرين أنه قال الإيلاء الشرعي محمول على ما يتعلق بالزوجة من ترك جماع أو كلام أو انفاق وسيجيء مزيد الكلام في مسائل الإيلاء المصطلح عليه في بابه إن شاء الله تعالى وفيه جواز دق الباب وضربه وفيه جواز دخول الآباء على البنات بغير إذن أزواجهن والتفتيش عن الأحوال سيما عما يتعلق بالمزاوجة وفيه السؤال قائما وفيه التناوب في العلم والاشتغال به وفيه الحرص على طلب العلم وفيه قبول خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة وفيه أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان يخبر بعضهم بعضا بما يسمع من النبي ويقولون قال رسول الله ويجعلون ذلك كالمسند إذ ليس في الصحابة من يكذب ولا غير ثقة وفيه أن شدة الوطأة على النساء غير واجبة لأن النبي سار بسيرة الأنصار فيهن وفيه فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
9642 - حدثنا ( ابن سلام ) قال حدثنا ( الفزاري ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال آلى رسول الله من نسائه شهرا وكانت انفكت قدمه فجلس في علية له فجاء عمر فقال أطلقت نساءك قال لا ولاكني آليت منهن شهرا فمكث تسعا وعشرين ثم نزل فدخل على نسائه
مطابقته للترجمة في قوله فجلس في علية له وابن سلام هو محمد بن سلام والفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء هو مروان بن معاوية مر في الصلاة قوله آلى أي حلف ولا يريد به الإيلاء الفقهي قوله انفكت أي انفرجت والفك انفراج المنكب أو القدم عن مفصله قوله فجاء عمر رضي الله تعالى عنه يعني إلى عليته وفي الحديث الذي قبله قال عمر فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام له أسود الحديث
62 -
( باب من عقل بعيره على البلاط أو باب المسجد )
أي هذا باب في بيان من عقل بعيره يعني شد بعيره بالعقال على البلاطد بفتح الباء الموحدة وهو حجارة مفروشة عند باب المسجد قوله وباب المسجد أي أو على باب المسجد
0742 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( أبو عقيل ) قال حدثنا ( أبو المتوكل الناجي ) قال أتيت جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال دخل النبي المسجد فدخلت إليه وعقلت الجمل في ناحية البلاط فقلت هذا جملك فخرج فجعل يطيف بالجمل قال الثمن والجمل لك

(13/21)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وعقلت الجمل في ناحية البلاط قيل هنا نظر من وجهين أحدهما أن المذكور في الترجمة على البلاط والمذكور في الحديث في ناحية البلاط وناحية الشيء غيره والآخر أن في الترجمة أو باب المسجد وليس في الحديث ذلك قلت يمكن الجواب عن الأول بأن يكون المراد بناحية البلاط طرفها وكان عقل الجمل بطرفها ولا يتأتى إلا بالطرف وعن الثاني بأنه ألحق باب المسجد بما قبله في الحكم قياسا عليه وقيل أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه قلت هذا لا بأس به إن ثبت ما ادعاه من ذلك ومع هذا فالموضع كله موضع تأمل
ومسلم هو ابن إبراهيم وأبو عقيل بالفتح هو بشير ضد النذير ابن عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف الدورقي وأبو المتوكل هو علي الناجي بالنون والجيم وياء النسبة
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن عقبة بن مكرم
قوله فقلت أي قال جابر فقلت يا رسول الله هذا جملك وهو الجمل الذي اشتراه منه في السفر وقد مرت قصته في كتاب البيوع في باب شراء الدواب والحمير قوله فخرج أي النبي من المسجد قوله فجعل يطيف بالجمل أي يلم به ويقاربه قوله قال الثمن أي قال النبي ثمن الجمل والجمل لك يعني كلاهما لك وهذا يدل على غاية كرم النبي وأن جابرا عنده بمنزلة
ذكر ما يستفاد منه قال ابن بطال فيه أن رحاب المسجد مناخ للبعير وفيه جواز إدخال الأمتعة في المسجد قياسا على البعير وفيه حجة لمالك والكوفيين في طهارة أبوال الإبل وأرواثها وفيه رد على الشافعي فيما قال بنجاستها قال ابن بطال وهذا خلاف منه لدليل الحديث ولو كانت نجسة كما زعم ما كان لجابر إدخال البعير في المسجد وحين رآه الشارع لم ينكر عليه ولو كانت نجسة لأمره بإخراجها من المسجد خشية ما يكون فيه من الروث والبول إذ لا يؤمن من حدوث ذلك منها انتهى قلت أجاب الكرماني عن ذلك بقوله أقول لا دليل على دخول البعير في المسجد ولا على حدوث البول والروث فيه على تقدير الحدوث فقد يغسل المسجد وينظف منه فلا حجة لهم ولا رد عليه أي على الشافعي قلت هذا ليس بشيء من الجواب لأن جابرا صرح بأنه عقل جمله في ناحية بلاط المسجد وهو رحاب المسجد وللرحاب حكم المسجد وقوله ولا على حدوث البول والروث فيه لم يقل به الراد وإنما قال لا يؤمن حدوثه فلو كان بوله وروثه نجسا لمنعه من ذلك وقوله وعلى تقدير الحدوث إلى آخره جواب بطريق التسلم فليس بجواب لأنه لا يجوز السكوت عن ذلك مع العلم بنجاسته اكتفاء بالغسل والتنظيف وأجاب صاحب ( التوضيح ) عن ذلك بقوله ومذهبه جواز إدخاله فيه ولا يرد عليه ما ذكره فسلم من التعسف المذكور
72 -
( باب الوقوف والبول عند سباطة القوم )
أي هذا باب في بيان جواز الوقوف والبول عند سباطة قوم والسباطة بالضم الكناسة وقيل المزبلة ومعناهما متقارب لأن الكناسة الزبل الذي يكنس
1742 - حدثني ( سليمان بن حرب ) عن ( شعبة ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( حذيفة ) رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيت رسول الله أو قال لقد أتى النبي سباطة قوم فبال قائما
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي وقد مر الحديث في كتاب الوضوء في باب البول قائما وفي الباب الذي يليه فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة وعن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
82 -
( باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به )
أي هذا باب في بيان ثواب من أخذ الغصن أي غصن كان من أي شجر كان مما يشوش على المارين في الطريق قوله وما يؤذي أي وفي ثواب من أخذ ما يؤذي الناس وهذا أعم من الأول لأنه يشمل الغصن والحجر ونحوهما مما يحصل

(13/22)


منه الأذى للناس عند المرور عليه قوله فرمى به يعني رفعه من الطريق ورمى به في غير الطريق وفي رواية الكشميهني باب من أخر الغصن من التأخير وهو إزاحته عن الطريق
2742 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه فشكر الله له فغفر له
( انظر الحديث 256 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن يوسف وفي بعض النسخ ذكر صريحا وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن المغيرة هشام وأبو صالح ذكوان الزيات والرواة كلهم مدنيون ما خلال شيخه
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى عن مالك به وأخرجه الترمذي في البر عن قتيبة به وفي روايته فأخره موضع فأخذه ثم قال وفي الباب عن أبي برزة وابن عباس وأبي ذر قلت أما حديث أبي برزة فأخرجه ابن ماجه عنه قال قلت يا رسول الله دلني على عمل أنتفع به قال أعزل الأذى من طريق المسلمين وأما حديث ابن عباس فأخرجه
وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن عبد البر من حديث مالك ب يزيد عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا إماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق صدقة قلت وفي الباب عن أبي سعيد أخرجه ابن زنجويه من حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعا غفر الله لرجل أماط عن الطريق غصن شوك ما تقدم من ذنبه وما تأخر وعن أبي بريدة أخرجه أبو داود عنه سمعت رسول الله يقول في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلا فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة قالوا ومن يطيق ذلك قال النخاعة في المسجد يدفنها والشيء ينحيه عن الطريق وعن أنس أخرجه ابن أبي شيبة من حديث قتادة عنه قال كانت شجرة على طريق الناس فكانت تؤذيهم فعزلها رجل عن طريقهم قال النبي رأيته يتقلب في ظلها في الجنة واعلم أن الشخص يؤجر على إماطة الأذى وكل ما يؤذي الناس في الطريق وفيه دلالة على أن طرح الشوك في الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق وكل ما يؤذي الناس يخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة ولا شك أن نزع الأذى عن الطريق من أعمال البر وأن أعمال البر تكفر السيئات وتوجب الغفران ولا ينبغي للعاقل أن يحقر شيئا من أعمال البر أما ما كان من شجر فقطعه وألقاه وأما ما كان موضوعا فأماطه والأصل في هذا كله قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( الزلزلة 7 ) وإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان
92 -
( باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء وهي الرحبة تكون بين الطريق ثم يريد أهلها البنيان فترك منها الطريق سبعة أذرع )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اختلف الناس في الطريق الميتاء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق ممدودة وهي على وزن مفعال أصله من الإتيان والميم زائدة ويروى مقصورة على وزن مفعل وقد فسره البخاري بقوله وهي الرحبة إلى آخره أي الواسعة تكون بين الطريق وقيل الرحبة الساحة وقال أبو عمرو الشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس بها وقيل الطريق العامرة وقيل الفناء بكسر الفاء وروى ابن عدي من حديث عباد بن منصور عن أيوب السختياني عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قضى رسول الله في الطريق الميتاء التي يؤتى من كل مكان الحديث وقد فسر الطريق الميتاء بقوله التي يؤتى من كل مكان قوله ثم يريد أهلها أشار بهذا إلى أن أصحاب الطريق الميتاء إذا أرادوا أن يبنوا فيها يتركوا منها الطريق للمارين مقدار سبعة أذرع على ما نذكره في معنى

(13/23)


الحديث وقال صاحب ( التلويح ) هذه الترجمة لفظ حديث رواه عبادة بن الصامت عند عبد الله بن أحمد فيما زاده مطولا عن أبي كامل الجحدري حدثنا الفضل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عنه
3742 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( الزبير بن خريت ) عن ( عكرمة ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قضى النبي إذا تشاجروا في الطريق الميتاء بسبعة أذرع
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير بفتح الجيم وكسر الراء ابن حازم بالزاي والزبير بن الخريت هذا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين في التفسير وآخر في الدعوات والزبير بضم الزاي وفتح الباء الموحدة ابن خريت بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق ومعناه في الأصل الماهر الحاذق
ذكر معناه قوله إذا تشاجروا أي إذا تخاصموا يعني أصحاب الطريق الميتاء قوله في الطريق زاد المستملي في روايته في الطريق الميتاء وليست هذه الزيادة محفوظة في حديث أبي هريرة فإن قلت لم ذكر في الترجمة بقوله في الطريق الميتاء قلت أشار به إلى أن هذه الزيادة وردة في حديث ابن عباس أخرجه عبد الرزاق عنه عن النبي إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع قوله بسبعة أذرع يتعلق بقوله قضى والمراد بالذراع ذراع البنيان المتعارف وقيل بما يتعارفه أهل كل بلد من الذرعان وقال الطحاوي رحمه الله لم نجد لهذا الحديث معنى أولى أن يحمل من أن الطريق المبتدأة إذا اختلف مبتدئوها في المقدار الذي يوقفون لها من المواضع التي يحاولون اتخاذها منها كالقوم يفتتحون مدينة من مدائن العدو فيريد الإمام قسمتها ويريد به مع ذلك أن يجعل فيها طرقا لكل من يسلكها بين الناس إلى ما سواها من البلدان ولا يجدها مما كان المفتتحة عليهم أحكموا ذلك فيها فيجعل كل طريق منها سبعة أذرع ومثل ذلك الأرض الموات يقطعها الإمام رجلا ويجعل عليه إحياءها ووضع طريقها منها لاجتياز الناس فيه منها إلى ما سواها فيكون ذلك الطريق سبعة أذرع وقال المهلب هذا الحكم في الأفنية إذا أراد أهلها البنيان أن يجعل سبعة أذرع حتى لا يضر بالمارة ولمدخل الأحمال ومخرجها وقال الطبري هو على الوجوب عند العلماء للقضاء به ومخرجه عندهم على الخصوص ومعناه أن كل طريق يجعل كذلك وما يبقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به ولا مضرة عليه وكل طريق يؤخذ لها سبعة أذرع ويبقى لبعض الشركاء من نصيبه بعد ذلك وما لا ينتفع به فغير داخل في معنى الحديث وقيل هذا الحديث في أمهات الطريق وما يكثر الاختلاف فيه والمشي عليه وأما ما ينتاب من الطرق فيجوز في أفنيتها ما اتفقوا عليه وإن كان أقل من سبعة أذرع وقال ابن الجوزي يكون ذلك في الطريق الواسع من الشوارع الذي يقعد في حافية الباعة وإن كان أقل من سبعة أذرع منعوا لئلا يضيق بأهله
03 -
( باب النهبى بغير إذن صاحبه )
أي هذا باب في بيان حكم النهبى بضم النون على وزن فعلى من النهب وهو أخذ الشيء من أحد عيانا قهرا وقال الخطابي النهبى اسم مبني من النهب كالعمرى من العمر قوله بغير إذن صاحبه أي صاحب المنهوب بقرينة قوله النهبى فلا يكون إضمارا قبل الذكر ومفهوم هذا أنه إذا أذن بالنهب جاز
وقال عبادة بايعنا النبي أن لا ننتهب
عبادة هو ابن الصامت رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق قطعة من حديث أخرجه في مواضع منها قد مر في كتاب

(13/24)


الإيمان في باب حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرنا أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة ابن الصامت وكان شهد بدرا الحديث وليس فيه ذكر الانتهاب وإنما ذكره في رواية الصنابحي في باب وفود الأنصار ولفظه بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله ولا ننتهب الحديث وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب الإيمان
4742 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عدي بن ثابت ) قال سمعت ( عبد الله بن يزيد الأنصاري ) وهو جده أبو أمه قال نهى النبي عن النهبى والمثلة
( الحديث 4742 - طرفه في 6155 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن معنى الترجمة باب النهي بغير إذن صاحبه لا يجوز لأن نهب مال الغير حرام قوله عبد الله بن يزيد بالياء في أوله من الزيادة وهو هكذا في رواية الأكثرين ووقع في رواية الكشميهني وحده عبد الله ابن زيد بدون الياء في أوله وهو غير صحيح قوله وهو يعني عبد الله بن يزيد قوله جده يعني جد عدي بن ثابت لأمه واسم أمه فاطمة وتكنى أم عدي وعبد الله بن يزيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن خطمة واسمه عبد الله ابن جشم بن مالك بن الأوس الأنصاري أبو موسى الخطمي مضى ذكره في الاستسقاء وليس له عن النبي في البخاري غير هذا الحديث وله فيه عن الصحابة غير هذا وقد اختلف في سماعه من النبي لأن مصعب بن الزبير قال ليس له صحبة وقال أبو داود له رؤية وقال أبو حاتم روى عن النبي وكان صغيرا على عهده فإن صحت روايته فذاك وهذا الحديث من أفراد البخاري قوله والمثلة بضم الميم وسكون الثاء المثلثة ويجوز فتح الميم وضم الثاء ويجمع على مثلات وهي العقوبة في الأعضاء كجدع الأنف والأذن وفقء العين ونحوها وقال ابن بطال الانتهاب المحرم هو ما كانت العرب عليه من الغارات وعليه وقعت البيعة في حديث عبادة وقال ابن المنذر النهبة المحرمة أن ينهب مال الرجل بغير أذنه وهو له كاره وأما المكروه فهو ما أذن صاحبه للجماعة وأباحه لهم وغرضهم تساويهم فيه أو تقاربهم فيغلب القوي على الضعيف وقال الخطابي معلوم أن أموال المسلمين محرمة فيؤول هذا في الجماعة يغزون فإذا غنموا انتهبوا وأخذ كل واحد ما وقع بيده مستأثرا به من غير قسمة وقد يكون ذلك في الشيء تشاع الهبة فيه فينتهبون على قدر قوتهم وكذلك الطعام يقدم إليهم فلكل واحد أن يأكل مما يليه بالمعروف ولا ينتهب ولا يستلب من عند غيره وكذلك كره من كره أخذ النثار في عقود الأملاك ونحوه وقال الحسن والنخعي وقتادة معنى الحديث النهبة المحرمة وهي أن يينتهب مال الرجل بغير إذنه
واختلف العلماء فيما ينثر على رؤوس الصبيان وفي الأعراس فتكون فيها النهبة فكرهه مالك والشافعي وأجازه الكوفيون وإنما كره لأنه قد يأخذ منه من لا يحب صاحب الشيء أخذه ويجب أخذ غيره وما حكي عن الحسن بأنه كان لا يرى بأسا بالنهب في العرسات والولائم وكذلك الشعبي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه فليس من النهبة المحرمة وكذا حديث عبد الله بن قرط عن النبي أنه قال في البدن التي نحرها من شاء اقتطع قال الشافعي صار ملكا للفقراء لأنه خلى بينه وبينهم فإن قلت روى عن عون بن عمارة وعصمة بن سليمان عن لمازة بن المغيرة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه أن النبي كان في أملاك فجاءت الجواري معهن الأطباق عليها اللوز والسكر فأمسك القوم أيديهم فقال ألا تنتهبون قالوا إنك كنت نهيتنا عن النهبة قال تلك نهبة العساكر فأما العرسان فلا قال فرأيت رسول الله يجاذبهم ويجاذبونه قلت قال البيهقي عون وعصمة لا يحتج بحديثهما ولمازة مجهول وابن معدان عن معاذ منقطع قلت خالد بن معدان روى عن جماعة من الصحابة ولكنه لم يسمع من معاذ بن جبل وقال الشافعي فإن أخذ آخذ لا تجرح شهادته أن كثيرا يزعم أن هذا مباح لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه وأما أنا فأكرهه لمن أخذه وكان أبو مسعود الأنصاري يكرهه وكذلك إبراهيم وعطاء وعكرمة ومالك وذكر ابن قدامة أنه يجب القطع على المنتهب قبل القسمة وحكى عن داود أنه يرى القطع على من أخذ مال الغير سواء أخذه من حرز أو من غير حرز

(13/25)


5742 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثنا ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن
مطابقته للترجمة في قوله ولا ينتهب نهبة إلى آخره قيل لا مطابقة هنا لأن الترجمة مقيدة بغير الإذن والحديث مطلق وأجيب بأن الحديث أيضا مقيد بعدم الإذن وذلك لأن رفع البصر إليه لا يكون عادة إلا عند عدم الإذن وهذا هو فائدة ذكر الرفع وهذا الجواب من الكرماني أخذه بعضهم ولم ينسبه إليه وأيضا قال الكرماني فإن قلت النهب لا يتصور إلا بغير إذن صاحبه فما فائدة التقييد به في الترجمة قلت المراد الإذن الإجمالي حتى يخرج منه انتهاب مشاع الهبة ونحوه من الموائد
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في الحدود عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن ( أبي بكر بن عبد الرحمن ) إلى آخره وأخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الملك بن شعيب عن الليث عن أبيه عن جده بإسناده نحوه وأخرجه النسائي في الأشربة وفي الرجم عن عيسى بن حماد عن الليث به وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن عيسى بن حماد عن الليث إلى آخره نحوه وفي الباب عن أبي داود من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال قال رسول الله من انتهب نهبة فليس منا وعند ابن حبان من حديث الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله قال مثله وعند الترمذي عن أنس قال رسول الله من انتهب نهبة فليس منا وقال حديث حسن صحيح وعند أحمد عن زيد بن خالد قال نهى رسول الله عن النهبة وعند ابن حبان عن ثعلبة عن الحكم قال انتهينا غنما للعدو فنصبنا قدورنا فمر النبي بالقدور فأمر بها فأكفئت ثم قال إن النهبة لا تحل وروى ابن أبي شيبة من حديث عاصم بن كليب عن أبيه أخبرني رجل من الصحابة قال كنا مع النبي في غزاة فأصابتنا مجاعة وأصبنا غنما فانتهبناها قبل أن يقسم فينا فأتانا النبي متوكئا على قوس فأكفأ قدورنا بقوسه وقال ليست النهبة بأحل من الميتة قوله لا يزني الزاني حين يزني أي لا يزني الشخص الذي يزني قوله حين يزني نصب على الظرف قوله وهو مؤمن جملة إسمية وقعت حالا قيل معناه والحال أنه مستكمل شرائع الإيمان وقيل يزول منه الثناء بالإيمان لا نفس الإيمان وقيل يزول إيمانه إذا استمر على ذلك الفعل وقيل إذا فعله مستحلا يزول عنه الإيمان فيكفر وقال ابن التين قال البخاري ينزع منه نور الإيمان قوله ولا يشرب فاعله محذوف قال ابن مالك فيه حذف الفاعل أي لا يشرب الشارب وروي لا يشرب الخمر بكسر الباء على معنى النهي يعني إذا كان مؤمنا فلا يفعل قوله ولا يسرق الكلام فيه مثل الكلام في لا يزني قوله إليه أي إلى المنتهب يدل عليه قوله ولا ينتهب قوله فيها أي في النهبة قوله أبصارهم بالنصب لأنه مفعول يرفع الناس قوله حين ينتهبها نصب على الظرف أي وقت انتهابها قوله وهو مؤمن جملة حالية وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن أبي أوفى يرفعه ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المسلمون إليها رؤوسهم وهو مؤمن وروى مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال لا يزني الزاني الحديث وفيه قال ابن شهاب فأخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبي هريرة ثم يقول وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ثم روى من حديث عقيل بن خالد قال قال ابن شهاب وأخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال إن رسول الله قال لا يزني الزاني واقتصر الحديث يذكر مع ذكر النهبة ولم يقل ذات شرف ثم قال وقال ابن هشام حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله بمثل حديث أبي بكر هذا إلا النهبة قوله وكان أبو هريرة يلحق بضم الياء من الإلحاق قوله معهن أي مع قوله لا يزني وقوله

(13/26)


ولا يشرب وقوله ولا يسرق قوله ولا ينتهب في محل المفعولية لقوله ويلحق على سبيل الحكاية وقال النووي ظاهر هذا أنه من كلام أبي هريرة موقوف عليه ولكن جاء في رواية أخرى تدل على أنه من كلام النبي وجمع الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بما يؤول إليه ملخص كلامه أن معنى قول أبي هريرة يلحق معهن ولا ينتهب إلى آخره يعني يلحقها رواية عن رسول الله لا من عند نفسه واختصاص أبي بكر بهذا لكونه بلغه أن غيره لا يرويها قوله ذات شرف في الأصول المشهورة المتداولة بالشين المعجمة المفتوحة ومعناه ذات قدر عظيم وقيل ذات استشراف ليستشرف الناس لها ناظرين إليها رافعين أبصارهم وقال القاضي عياض ورواه إبراهيم الجويني بالسين المهملة وقال الشيخ أبو عمرو وكذا قيده بعضهم في كتاب مسلم وقال معناه أيضا ذات قدر عظيم فإن قلت يعارض هذا الحديث حديث أبي ذر من قال لا إلاه إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق والأحاديث التي نظائره مع قوله تعالى أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( آل عمران 611 ) مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك قلت هذا الذي دعاهم إلى أن قالوا هذه الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء يراد نفي كماله كما يقال لا علم إلا بما نفع ولا مال إلا الإبل ولا عيش إلا عيش الآخرة ثم إن مثل هذا التأويل ظاهر شائع في اللغة يستعمل كثيرا وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما ذكر من الحديث والآية وتأوله بعض العلماء على من فعل ذلك مستحلا مع علمه بورود الشرع بتحريمه
وعن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي مثله إلا النهبة
سعيد هو ابن المسيب وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف وأشار بهذا إلى أن سعيدا وأبا سلمة رويا هذا الحديث المذكور مثل ما ذكر إلا النهبة يعني لم يذكرا حكم الانتهاب بل ذكر الزنا والسرقة والشرب فقط وقد ذكرنا آنفا عن مسلم أنه أخرج في حديثه وقال ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله بمثل حديث أبي بكر هذا إلا النهبة وذكر مسلم أيضا من طريق الأوزاعي أن الزهري روى عن ابن المسيب وابي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي الحديث وفيه وذكر النهبة ولم يقل ذات شرف
قال الفربري وجدت بخط أبي جعفر قال أبو عبد الله تفسيره أن ينزع منه يريد الإيمان
الفربري هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الراوي عن البخاري وأبو جعفر هو ابن أبي حاتم وراق البخاري وأبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله تفسيره أي تفسير قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن أن ينزع منه نور الإيمان والإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ونوره الأعمال الصالحة والاجتناب عن المعاصي فإذا زنى أو شرب الخمر أو سرق يذهب نوره ويبقى صاحبه في الظلمة والإشارة فيه إلى أنه لا يخرج عن الإيمان قيل إن في هذا الحديث تنبيها على جميع أنواع المعاصي والتحذير منها فنبه بالزنا على جميع الشهوات وبالخمر على جميع ما يصد عن الله تعالى ويوجب الغفلة عن حقوقه وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام وبالنهبة على الاستخفاف بعباد الله تعالى وترك توقيرهم والحياء منهم وجمع الدنيا من غير وجهها والله تعالى أعلم
13 -
( باب كسر الصليب وقتل الخنزير )
أي هذا باب في بيان الإخبار عن النبي أنه أخبر عن كسر عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام عند نزوله صلبان النصاري وأوثان المشركين وقتل خنازير الكل وليس المراد من هذه الترجمة الإشارة إلى جواز كسر صليب النصارى وقتل خنازير أهل الذمة فإنا أمرنا بتركهم وما يدينون وأما كسر صليب أهل الحرب وقتل خنازيرهم فهو جائز ولا شيء على فاعله والصليب هو المربع المشهور للنصارى من الخشب يزعمون أن عيسى عليه الصلاة و السلام صلب على خشبة

(13/27)


على تلك الصورة وقد كذبهم الله تعالى في كتابه الكريم بقوله وما قتلوه وما صلبوه ( النساء 751 ) الآية وكان أصله من خشب وربما يعملونه من ذهب وفضة ونحاس ونحوها
6742 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) قال سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الإسناد بعينه مر مرارا وسفيان هو ابن عيينة والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الأعلى بن حماد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله الساعة أي يوم القيامة قوله ابن مريم هو عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام قوله حكما بفتحتين بمعنى الحاكم قوله مقسطا أي عادلا في حكمه وهو من الإقساط بكسر الهمزة وهو العدل يقال أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار وظلم فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكى إليه فأشكاه أي أزال شكواه قوله فيكسر الصليب إشعار بأن النصارى كانوا على الباطل في تعظيمه قوله ويضع الجزية أي يتركها فلا يقبلها بل يأمرهم بالإسلام فإن قلت هذا يخالف حكم الشرع فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها فلا يجوز بعد ذلك إكراهه على الإسلام ولا قتله قلت هذا الحكم الذي كان بيننا ينتهي بنزول عيسى عليه الصلاة و السلام فإن قلت هذا يدل على أن عيسى عليه الصلاة و السلام ينسخ الحكم الذي كان في شرعنا والحال أنه تابع لشرع نبينا قلت ليس هو بناسخ بل نبينا هو الذي بين بالنسخ وأن عيسى عليه الصلاة و السلام يفعل ذلك بأمر نبينا وأما ترك الجزية فإنها كانت تؤخذ في زماننا لحاجتنا إلى المال وأما في زمن عيسى عليه الصلاة و السلام فيكثر المال وتفتح الكنوز حتى لا يلتقي أحد من يقبل منه فلذلك يترك الجزية قوله ويفيض بالفاء والضاد المعجمة من فاض الماء والدمع وغيرهما يفيض فيضا إذا كثر وقيل السبب في فيضان المال نزول البركات وظهور الخيرات وقلة الرغبات لقصر الآمال لعلمهم بقرب يوم القيامة
23 -
( باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق فإن كسر صنما أو صليبا أو طنبورا أو ما لا ينتفع بخشبه )
أي هذا باب يذكر فيه هل تكسر الدنان التي فيها الخمر والدنان بكسر الدال جمع الدن بفتح الدال وتشديد النون قال الكرماني وهو الخب قلت هذا تفسير الشيء بما هو أخفى منه وقال الجوهري والخب الخابية فارسي معرب قلت هو في اللغة الفارسية خم بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم فعرب وقيل حب بضم الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وفي دستور اللغة في باب الحاء المضمومة الحب خم ودستي قوله التي فيها الخمر جملة في محل الرفع لأنها صفة الدنان وجواب هل محذوف وإنما لم يذكره لأن فيه خلافا وتفصيلا بيانه أن قوله هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أعم من أن يكون لمسلم أو لذمي أو لحربي فإن كان الدن لمسلم ففيه الخلاف فعند أبي يوسف وأحمد في رواية لا يضمن ويستدل لهما في ذلك بما رواه الترمذي حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت ليثا يحدث عن يحيى بن عباد عن أنس عن أبي طلحة أنه قال يا نبي الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري قال أهرق الخمر وكسر الدنان ثم قال الترمذي وقال الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عنده وهذا أصح من حديث الليث وقال محمد بن الحسن يضمن وبه قال أحمد في رواية لأن الإراقة بدون الكسر ممكنة وأجيب عن الحديث بأنه ضعيف ضعفه ابن العربي وقال لا يصح لا من حديث أبي طلحة ولا من حديث أنس أيضا لتفرد السدي به وفيه الليث بن أبي سليم

(13/28)


وفيه مقال وقال شيخنا ما قاله ابن العربي مردود فالسدي هو الكبير واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن وثقه يحيى بن سعيد القطان وأحمد والنسائي وابن عدي واحتج به مسلم قلت قول الترمذي هذا أصح من حديث الليث يدل على أن حديث الليث أيضا صحيح ولكن حديث السدي أصح والظاهر أنه لم يصرح بصحته لأجل الليث واسم أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري وقال جمهور العلماء منهم الشافعي إن الأمر بكسر الدنان محمول على الندب وقيل لأنها لا تعود تصلح لغيره لغلبة رائحة الخمر وطعمها والظاهر أنه أراد بذلك الزجر قال شيخنا رحمه الله تعالى يحتمل أنهم لو سألوه أن يبقوها ويغسلوها لرخص لهم وإن كان الدن لذمي فعندنا يضمن بلا خلاف بين أصحابنا لأنه مال متقوم في حقهم وعند الشافعي وأحمد لا يضمن لأنه غير متقوم في حق المسلم فكذا في حق الذمي وإن كان الدن لحربي فلا يضمن بلا خلاف إلا إذا كان مستأمنا
قوله أو تخرق بالخاء المعجمة على صيغة المجهول عطف على قوله هل تكسر الدنان والزقاق بكسر الزاي جمع زق جمع الكثرة وجمع القلة أزقاق وفيه أيضا الخلاف المذكور فإن كان شق زق الخمر لمسلم يضمن عند محمد وأحمد في رواية وعند أبي يوسف لا يضمن لأنه من جملة الأمر بالمعروف وقال مالك زق الخمر لا يطهره الماء لأن الخمر غاص في داخله وقال غيره يطهره ويبنى على هذا الضمان وعدمه والفتوى على قول أبي يوسف خصوصا في هذا الزمان وقد روى أحمد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال أخذ النبي شفرة وخرج إلى السوق وبها زقاق خمر جلبت من الشام فشق بها ما كان من تلك الزقاق قوله فإن كسر صنما وفي بعض النسخ وإن كسر بالواو وفي بعضها وإذا كسر وعلى تقدير جواب الشرط محذوف تقديره هل يجوز ذلك أم لا أو هل يضمن أم لا وإنما لم يصرح بذكر الجواب لمكان الخلاف فيه أيضا فقال أصحابنا إذا أتلف على نصراني صليبا فإنه يضمن قيمته صليبا يعني حال كونه صليبا لا حال كونه صالحا لغيره لأن النصراني مقر على ذلك فصار كالخمر التي هم مقرون عليها وقال أحمد لا يضمن وقال الشافعي إن كان بعد الكسر يصلح لنفع مباح لا يضمن وإلا لزمه ما بين قيمته قبل الكسر وقيمته بعده لأنه أتلف ما له قيمة وقال ابن الأثير الصنم ما يتخذ إلها من دون الله وقيل ما كان له جسم أو صورة وإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن وقال في باب الواو الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب ويعبد والصنم الصورة بلا جثة ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين وقد يطلق الوثن على غير الصورة قوله أو طنبور بضم الطاء وقد يفتح والضم أشهر وهو آلة مشهورة من آلات الملاهي وهو فارسي معرب قوله أو ما لا ينتفع بخشبه قال الكرماني يعني أو كسر شيئا لا يجوز الانتفاع بخشبه قبل الكسر كآلات الملاهي المتخذة من الخشب فهو تعميم بعد تخصيص ويحتمل أن يكون أو بمعنى إلى أن يعني فإن كسر طنبورا إلى حد لا ينتفع بخشبه ولا ينتفع بعد الكسر أو عطف على مقدر وهو كسرا ينتفع بخشبه أي كسر كسرا ينتفع بخشبه ولا ينتفع بعد الكسر انتهى وقال بعضهم ولا يخفى تكلف هذا الأخير وبعد الذي قبله انتهى
قلت الكرماني جعل لكلمة أو هنا ثلاث معان منها أن يكون للعطف على ما قبله فيكون من باب عطف العام على الخاص ومنها أن يكون بمعنى إلى أن كما في قولك لألزمنك أو تقضيني حقي وينتصب المضارع بعدها وهو كثير في كلام العرب ولا بعد فيه ومنها أن يكون معطوفا على شيء مقدر وهذا أيضا باب واسع فلا تكلف فيه وإنما يكون التكلف في موضع يؤتى بالكلام بالجر الثقيل
والكلام في هذا الفصل أيضا على الخلاف والتفصيل فقال أصحابنا من كسر لمسلم طنبورا أو بربطا أو طبلا أو مزمارا أو دفا فهو ضامن وبيع هذه الأشياء جائز عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد لا يضمن ولا يجوز بيعها وقال أصحاب الشافعي عنه بالتفصيل إن كان بعد الكسر يصلح لنفع مباح يضمن وإلا فلا وعن بعض أصحابنا الاختلاف في الدف والطبل الذي يضرب للهو وأما طبل الغزاة والدف الذي يباح ضربه في العرس فيضمن بالاتفاق وفي ( الذخيرة ) للحنفية قال أبو الليث ضرب الدف في العرس مختلف فيه فقيل يكره وقيل ) لا وأما الدف الذي يضرب في زماننا مع الصنجات والجلاجلات فمكروه بلا خلاف

(13/29)


وأتي شريح في طنبور كسر فلم يقض فيه بشيء
شريح هو ابن الحارث الكندي أدرك النبي ولم يلقه استقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة وأقره علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأقام على القضاء بها ستين سنة وقضى بالبصرة سنة ومات سنة ثمان وسبعين وكان له عشرون ومائة سنة قوله وأتى شريح في طنبور يعني أتى إليه اثنان أدعى أحدهما على الآخر أنه كسر طنبوره فلم يقض فيه بشيء أي لم يحكم فيه بغرامة وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي حصين بفتح الحاء بلفظ أن رجلا كسر طنبور رجل فرفعه إلى شريح فلم يضمنه شيئا وذكره وكيع بن الجراح عن سفيان عن أبي حصين بفتح الحاء أن رجلا كسر طنبور رجل فحاجه إلى شريح فلم يضمنه شيئا وهذا يوضح أن جواب الترجمة عدم الضمان وقال ابن التين قضى شريح في الطنبور الصحيح يكسر بأن يدفع لمالكه فينتفع به وقال المهلب وما كسر من آلات الباطل وكان فيها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة على وجه الاجتهاد كما أحرق عمر رضي الله تعالى عنه دار
على بيع الخمر وقد هم الشارع بتحريق دور من يتخلف عن صلاة الجماعة وهذا أصل في العقوبة في المال إذا رأى ذلك قيل هذا كان في الصدر الأول ثم نسخ
7742 - حدثنا ( أبو عاصم الضحاك بن مخلد ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه أن النبي رأى نيرانا توقد يوم خيبر قال على ما توقد هاذه النيران قالوا على الحمر الإنسية قال اكسروها وأهرقوها قالوا ألا نهريقها ونغسلها قال اغسلوا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله اكسروها أي القدور يدل عليه السياق فلا يكون إضمارا قبل الذكر وكسر القدور هنا في الحكم مثل كسر الدنان التي فيها الخمر ورجاله ثلاثة قد ذكروا غير مرة وهو من تاسع ثلاثيات البخاري وأخرجه البخاري أيضا في المغازي عن القعنبي وفي الأدب عن قتيبة وفي الذبائح عن مكي بن إبراهيم وفي الدعوات عن مسدد عن يحيى وأخرجه مسلم في المغازي وفي الذبائح عن قتيبة ومحمد بن عباد وفي الذبائح عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في الذبائح عن يعقوب بن حميد
ذكر معناه قوله يوم خيبر يعني في غزوة خيبر وكانت سنة سبع ومن خيبر إلى المدينة أربع مراحل قوله اكسروها أي القدور وقد مر الآن الكلام فيه قوله على الحمر الأنسية الحمر بضمتين جمع حمار وأراد بها الأنسية الحمر الأهلية قوله وأهريقوها بسكون الهمزة وجاز حذف الهمزة أو الهاء والياء ونهريقها بفتح الحاء وسكونها وبسكون الهاء وحذف الياء قال الجوهري هرق الماء يهريقه بفتح الهاء هراقة أي صبه وفي لغة أخرى أهرق الماء يهرقه إهراقا وفيه لغة أخرى إهراق يهريق إهراقا قالوا قوله ألا نهرقها بكلمة ألا التي للاستفهام عن النفي ويروى لا نهريقها بالنفي لا يقال إن فيه مخالفة لأمر رسول الله لأنهم فهموا بالقرائن أن الأمر ليس للإيجاب قوله قال اغسلواها أي قال في جوابهم لا نهرقها ونغسلها إغسلوها إنما رجع عن أمره بالشيئين وهما الأمر بالكسر والأمر بالإهراق إلى قوله اغسلوها وهو مجرد الأمر بالغسل لأنه يحتمل أن اجتهاده قد تغير أو أوحى إليه بذلك واليوم لا يجوز فيه الكسر لأن الحكم بالغسل نسخ التخيير كما أنه نسخ الجزم بالكسر
ذكر ما يستفاد منه فيه دليل على نجاسة لحم الحمر الأهلية لأن فيه الأمر بإراقته وهذا أبلغ في التحريم وقد كانت لحوم الحمر تؤكل قبل ذلك واختلف العلماء الذين ذهبوا إلى إباحة لحوم الحمر الأهلية في معنى النهي الوارد عن النبي عن أكلها لأي علة كان هذا النهي فقال نافع وعبد الملك بن جريج وعبد الرحمن بن أبي ليلى وبعض المالكية علة النهي لأجل الإبقاء على الظهر ليس على وجه التحريم واحتجوا في ذلك بما روي عن ابن عباس أنه قال ما

(13/30)


نهى رسول الله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية إلا من أجل أنها ظهر رواه الطحاوي بإسناد صحيح عن ابن عباس من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ورواه ابن أبي شيبة موقوفا على عبد الرحمن ولم يذكر ابن عباس وفي الصحيحين عن ابن عباس قال لا أدري أنهى عنه رسول الله من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن يذهب حمولتهم أو حرمه في يوم خيبر وهذا يبين أن ابن عباس علم بالنهي لكنه حمله على التنزيه توفيقا بين الآية وعمومها وبين أحاديث النهي وقال سعيد بن جبير وبعض المالكية إنما منعت الصحابة يوم خيبر من أكل لحوم الحمر الأهلية لأنها كانت جوالة تأكل القذرات فكان نهيه لهذه العلة لا لأجل التحريم وقال آخرون علة النهي كانت لاحتياجهم إليها واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي من حديث عبد الله بن عمر نهى رسول الله عن أكل الحمار الأهلي يوم خيبر وكانوا قد احتاجوا إليها وقال آخرون علة النهي أنها أقيتت قبل القسمة فمنع النبي من أكلها قبل أن تقسم وقال أبو عمر بن عبد البر وفي إذن رسول الله في أكل الخيل وإباحته لذلك يوم خيبر دليل على أن نهيه عن أكل لحوم الحمر يومئذ عبادة لغير علة لأنه معلوم أن الخيل أرفع من الحمير وأن الخوف على الخيل وعلى قيامها فوق الخوف على الحمير وأن الحاجة في الغزو وغيره إلى الخيل أعظم وبهذا يتبين أن أكل لحوم الحمر لم يكن لحاجة وضرورة إلى الظهر والحمل وإنما كانت عبادة وشريعة والذين ذهبوا إلى إباحة أكل لحوم الحمر الأهلية وهم عاصم بن عمر بن قتادة وعبيد بن الحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى وبعض المالكية احتجوا بحديث غالب بن أبجر قال يا رسول الله إنه لم يبق من مالي شيء استطيع أن أطعم منه أهلي غير حمر لي أو حمرات لي قال فأطعم أهلك من سمين مالك وإنما قذرت لكم جوال القرية رواه الطحاوي وأبو داود وأبو يعلى والطبراني وأجيب عنه بأن هذا الحديث مختلف في إسناده ففي طريق عن ابن معقل عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر عبد الله بن عمرو بن لويم بضم اللام وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم والآخر غالب بن أبجر وقال مسعر أري غالبا الذي سأل النبي وفي طريق عبد الرحمن بن معقل وفي طريق عبد الله بن معقل وفي طريق عبد الرحمن بن بشر وفي طريق عبد الله بن بشر عوض عبد الرحمن وهذا اختلاف شديد فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة التي وردت بتحريم لحوم الأهلية وقال ابن حزم هذا الحديث بطرقه باطل لأنها كلها من طريق عبد الرحمن ابن بشر وهو مجهول والآخر من طريق عبد الله بن عمرو بن لويم وهو مجهول أو من طريق شريك وهو ضعيف ثم عن ابن الحسن ولا يدري من هو أو من طريق سلمى بنت النضر الخضرية ولا يدري من هي وقال البيهقي هذا حديث معلول ثم طول في بيانه
قال أبو عبد الله كان ابن أبي أويس يقول الحمر الأنسية بنصب الألف والنون
أبو عبد الله هو البخاري نفسه يحكي عن شيخه إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس فإنه كان يقول الحمر الأنسية نسبة إلى الأنس بالفتح ضد الوحشة وقال ابن الأثير والمشهور فيها كسر الهمزة منسوبة إلى الأنس وهم بنو آدم الواحد أنسي وفي كتاب أبي موسى ما يدل على أن الهمزة مضمومة فإنه قال هي التي تألف البيوت والأنس ضد الوحشة والمشهور في ضد الوحشة الأنس بالضم وقد جاء فيه بالكسر قليلا قال ورواه بعضهم بفتح الهمزة والنون وليس بشيء قال ابن الأثير إن أراد أن الفتح غير معروف في الرواية فيجوز وإن أراد أنه ليس بمعروف في اللغة فلا فإنه مصدر أنست به أنسا وأنسة وقال بعضهم وتعبيره عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب جائز عند المتقدمين وإن كان الاصطلاح أخيرا قد استقر على خلافه فلا تبادر إلى إنكاره انتهى قلت هذا ليس بمصطلح عند النحاة المتقدمين والمتأخرين إنهم يعبرون عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب فمن أدعى خلاف ذلك فعليه البيان فالهمزة ذات حركة والألف مادة هوائية فلا تقبل الحركة والفتح من ألقاب البناء والنصب من ألقاب الإعراب وهذا مما لا يخفى على أحد

(13/31)


8742 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن ( أبي معمر ) عن ( عبد الله بن مسعود ) رضي الله تعالى عنه قال دخل النبي مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول جاء الحق وزهق الباطل الآية ( الإسراء 18 )
مطابقته للترجمة في قوله فجعل يطعنها بعود أي يطعن النصب وهي التي نصبت للعبادة من دون الله وهو داخل في الترجمة في قوله فإن كسر صنما أو صليبا
ورجاله علي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وابن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم هو عبد الله بن يسار ضد اليمين ومجاهد بن جبر وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن صدقة بن الفضل وفي التفسير عن الحميدي وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ومحمد بن يحيى الثلاثة عن ابن عيينة به وعن حسن الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد فرقهما كلاهما عن ابن عيينة
ذكر معناه قوله دخل النبي يعني في غزوة الفتح وكانت في رمضان سنة ثمان قوله وحول الكعبة الواو فيه للحال قوله نصبا وقال ابن التين ضبط في رواية أبي الحسن بضم النون والصاد فيكون على هذا جمع نصاب وهو صنم أو حجر ينصب وليس ببين كونه جمعا لأنه لا يأتي بعد ستين إلا مفردا تقول عندي ستون ثوبا ونحو ذلك ولا تقول أثوابا قال وقد قيل نصب ونصب بمعنى واحد فعلى هذا يكون جمعا لا مفردا وقال ابن الأثير النصب بضم الصاد وسكونها حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنما ويعبدونه والجمع أنصاب وقيل هو حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم ويروى صنما موضع نصبا قوله فجعل يطعنها جعل من أفعال المقاربة وهي ثلاثة أنواع وهو من النوع الذي وضع على الشروع فيه أي في الخبر وهو كثير ويطعنها بضم العين على المشهور ويجوز فتحها قال الجوهري طعنه بالرمح وطعن في السن يطعن بالضم طعنا وطعن فيه بالقول يطعن أيضا وطعن في المفازة يطعن ويطعن أيضا ذهب قوله في يده في محل الجر لأنه صفة لعود قوله وجعل مثل جعل الأول قوله وزهق أي هلك ومات يقال زهقت نفسه تزهق زهوقا بالضم خرجت قال الجوهري وزهق الباطل ( الإسراء 18 ) أي اضمحل والزهوق بالفتح
وروى البيهقي من حديث ابن عمر أن رسول الله لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما فأشار إلى كل صنم بعصا وقال جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ( الإسراء 18 ) وكان لا يشير إلى صنم إلا سقط من غير أن يمسه بعصاه وروى أحمد من حديث جابر قال كان في الكعبة صور فأمر رسول الله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يمحوها فبل عمر ثوبا ومحاها به فدخلها وما فيها شيء انتهى وطعنه الأصنام علامة أنها لا تدفع عن نفسها فكيف تكون آلهة
ذكر ما يستفاد منه قال الطبري في حديث ابن مسعود جواز كسر آلات الباطل وما لا يصلح إلا في المعصية حتى تزول هيئتها وينتفع برضاضها وقال ابن بطال آلات اللهو كالطنابير والعيدان والصلبان والأنصاب تكسر حتى تغير عن هيئتها إلى خلافها ويقال وكل ما لا معنى لها إلا التلهي بها عن ذكر الله تعالى والشغل بها عما يحبه الله إلى ما يسخطه يجب أن يغير عن هيئته المكروهة إلى خلافها من الهيئات التي يزول معها المعنى المكروه وذلك أنه كسر الأصنام والجوهر الذي فيها ولا شك أنه يصلح إذا غير عن الهيئة المكروهة وينتفع به بعد الكسر وقد روي عن جماعة من السلف كسر آلات الملاهي وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري معهن الدفوف فيخرقونها وقال ابن المنذر في معنى الأصنام القبور المتخذة من المدر والخشب وشبههما وكل ما يتخذه

(13/32)


الناس فيما لا منفعة فيه إلا للتلهي المنهي عنه فلا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص إذا غيرت مما هي عليه وصارت نقرا أو قطعا فيجوز بيعها والشراء بها
9742 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( عبد الرحمان ابن القاسم ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها كانت اتخذعت على سهوة لها سترا فيه تماثيل فهتكه النبي فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فهتكه أي فهتك الستر أي شقه وهذا يدخل في قوله فإن كسر صنما لأن التماثيل التي هي الصور كانت تعبد كما كان الصنم يعبد
وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب والقاسم هو محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
والحديث من أفراده ووجه إدخال هذا الحديث في المظالم هو أن هتك الستر الذي فيه التماثيل من إزالة الظلم لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وكذلك اتخاذ التماثيل والصور وضع الشيء في غير موضعه فافهم
ذكر معناه قوله سهوة بفتح السين المهملة وسكون الهاء وهي الصفة التي تكون بين يدي البيوت وقيل هي بيت صغير منحدر في الأرض وقيل هي الرف أو الطاق الذي يوضع فيه الشيء وقيل هي الطاق في وسط البيت وقيل هي بيت صغير سمكه مرتفع عن الأرض يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيه المتاع قوله تماثيل جمع تمثال وهو ما يصنع ويصور مشبها بخلق الله تعالى من ذوات الروح وفي ( المغرب ) الصورة عام ويشهد له ما ذكر في الأصل أنه صلى وعليه ثوب وفيه تماثيل كره له قال وإذا قطع رأسها فليست بتمثال ثم ذكر حديث الباب وقال من ظن أن الصورة المنهي عنها ما له شخص دون ما كان منسوجا أو منقوشا في ثوب أو جدار فهذا الحديث يكذب ظنه وقوله لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير كأنه شك من الراوي وأما قولهم ويكره التصاوير والتماثيل فالعطف للبيان قوله فهتكه أي شقه وقد ذكرناه وفي حواشي ( المغرب ) هتك الستر تخريقه قوله نمرقتين تثنية نمرقة بضم النون والراء وكسرها وضم النون وفتح الراء وهي وسادة صغيرة وقد تطلق على الطنفسة كذا فسره الكرماني وقوله فكانتا في البيت يجلس عليهما ينافي ذلك تفسيره بالوسادة
33 -
( باب من قاتل دون ماله )
أي هذا باب في بيان حكم من قاتل دون ماله قال الكرماني أي عند ماله وقال القرطبي دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت ويستعمل للسببية على المجاز ووجهه أن الذي يقاتل على ماله إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه وفي ( الصحاح ) دون نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية ويكون ظرفا وجواب محذوف تقديره من قاتل دون ماله فماذا حكمه ويجوز إن يكون تقديره من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد ولم يذكره اكتفاء بما في حديث الباب على عادته في مثل ذلك
0842 - حدثنا ( عبد الله بن يزيد ) قال حدثنا ( سعيد ) هو ( ابن أبي أيوب ) قال حدثني ( أبو الأسود ) عن ( عكرمة ) عن ( عبد الله بن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي يقول من قتل دون ماله فهو شهيد
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن المقاتلة لا تستلزم القتل والشهادة مرتبة على القتل قلت قد ذكرت الآن أن تقدير الترجمة من قاتل دون ماله فقتل فماذا حكمه فالجواب إنه شهيد واقتصر في الحديث على لفظ قتل لأنه يستلزم المقاتلة وبهذا تتضح المطابقة وقيل أيضا ما وجه إدخال هذا الحديث في هذه الأبواب وأجيب بأنه يدل أن للإنسان أن يدفع من قصد ماله ظلما فإذا قتل صار شهيدا وهذا النوع داخل في المظالم لأن فيه دفع الظلم فافهم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن يزيد من الزيادة القرشي العدوي أبو عبد الرحمن المقري القصير مولى آل عمر بن الخطاب

(13/33)


رضي الله تعالى عنه الثاني سعيد بن أبي أيوب واسمه مقلاص الخزاعي مولاهم أبو يحيى وقد مر في التهجد الثالث أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة مر في الغسل الرابع عكرمة مولى ابن عباس الخامس عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه سكن مكة وأصله من ناحية البصرة وقيل من ناحية الأهواز وأن سعيد ابن أبي أيوب مصري وأن أبا الأسود وعكرمة مدنيان وفيه عن عكرمة عن عبد الله وفي رواية الطبراني عن أبي الأسود أن عكرمة أخبره وليس لعكرمة عن عبد الله بن عمرو في البخاري غير هذا الحديث الواحد
ذكر الاختلاف في متن هذا الحديث روى البخاري هذا الحديث عن المقري فقال فهو شهيد ودحيم وابن أبي عمر وعبد العزيز بن سلام كلهم رووه عن المقري فقالوا فله الجنة وكلهم قالوا مظلوما ولم يقله البخاري والأشبه أن يكون نقله من حفظه أو سمعه من المقريء من حفظه فجاء في الحديث على ما جرى به اللفظ في هذا الباب ومن جاء به على غير ما اعتيد من اللفظ فيه فهو بالحفظ أولى ولا سيما فيهم مثل دحيم وكذلك ما زادوه من قوله مظلوما فإن المعنى لا يجوز إلا أن يكون كذلك ورواه أبو نعيم في ( مستخرجه ) عن محمد بن أحمد عن بشر بن موسى عن عبد الله بن يزيد المقري بلفظ من قتل دون ماله مظلوما وروى مسلم هذا الحديث وفيه قصة من حديث سليمان الأحول أن ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه خالد فقال عبد الله بن عمرو أما علمت أن رسول الله قال من قتل دون ماله فهو شهيد قوله تيسروا أي تأهبوا وتهيأوا وأخرجه النسائي بإسناد البخاري أخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الله وهو ابن يزيد المقري قال حدثنا سعيد قال حدثني أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عكرمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة وله في رواية من طريق آخر عن عكرمة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله من قتل دون ماله فهو شهيد وهذا متنه قبل متن حديث البخاري وإسناده مختلف وله في رواية أخرى من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة أنه سمع عبد الله بن عمرو يحدث عن النبي قال من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد وقال أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن الحسن عن محمد بن إبراهيم بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله من قتل دون ماله فهو شهيد قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب الذي قبله وأخرجه الترمذي من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال من قتل دون ماله فهو شهيد
ثم قال وفي الباب عن علي وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وجابر ثم روى عن عبد بن حميد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبيد الله بن عوف عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله يقول من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ثم قال هذا حسن صحيح رواه أبو داود من رواية أبي داود الطيالسي وسليمان بن داود الهاشمي والنسائي من رواية سفيان وابن إسحاق وإبن ماجه من رواية سفيان فقط كلاهما عن الزهري بذكر المال فقط وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه أحمد في ( مسنده ) من حديث زيد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده قال قال رسول الله من قتل دون ماله فهو شهيد قال شيخنا أورده أحمد هكذا في مسند علي وهو يدل على أن المراد بقوله عن جده علي بن حسين فعلى هذا يكون منقطعا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه من حديث الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد وأما حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فأخرجه ابن ماجه من حديث ميمون بن مهران عن ابن عمر من أتي عند ماله فقاتل فقوتل فهو شهيد وله

(13/34)


طريق آخر رواه أبو يعلى الموصلي في ( المعجم ) من رواية أبي قلابة عنه قال قال رسول الله من قتل دون ماله فهو شهيد وأما حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فأخرجه
وأما حديث جابر فأخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) من رواية محمد بن المنكدر عنه قال قال رسول الله من قتل دون ماله فهو شهيد
قلت وفي الباب أيضا عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبريدة بن الحصيب وسويد بن مقرن وأنس بن مالك وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن كريز وفهر بن مطرف ومخارق بن سليم وأما حديث سعد فأخرجه البزار في ( مسنده ) من حديث عبيدة بنت نائل عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال سمعت رسول الله يقول من قتل دون ماله فهو شهيد وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) وابن عدي في ( الكامل ) من رواية أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله من قتل دون مظلمة فهو شهيد ورواه البزار من رواية أبي وائل عنه ولفظه من قتل دون ماله فهو شهيد وأما حديث بريدة فأخرجه النسائي من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله من قتل دون ماله فهو شهيد وأما حديث سويد بن مقرن فأخرجه النسائي أيضا من رواية سوادة بن أبي الجعد عن أبي جعفر قال كنت جالسا عند سويد بن مقرن فقال قال رسول الله من قتل دون مظلمته فهو شهيد وأما حديث أنس رضي الله تعالى عنه فأخرجه البزار في ( مسنده ) والطبراني في ( الأوسط ) وابن عدي في ( الكامل ) من رواية عبد العزيز بن صهيب عنه عن النبي قال المقتول دون ماله شهيد وأما حديث عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر فأخرجهما الطبراني في ( الأوسط ) من رواية حنظلة بن قيس عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن كريز أن رسول الله قال من قتل أو قال مات دون ماله فهو شهيد وأما حديث نهير بن مطرف فأخرجه البزار في ( مسنده ) من حديث عبد العزيز بن المطلب عن أخيه عن أبيه فهيد بن مطرف أن رجلا سأل النبي فقال يا رسول الله أرأيت إن عدا علي عاد قال تأمره وتنهاه قال فإن أبى تأمر بقتاله قال نعم فإن قتلك فأنت في الجنة وإن قتلته فهو في النار وأما حديث مخارق بن سليم فأخرجه النسائي من حديث قابوس بن مخارق عن أبيه قال جاء رجل إلى النبي فقال الرجل يأتيني فيريد مالي قال ذكره بالله قال فإن لم يذكر قال فاستعن عليه بمن حولك من المسلمين قال فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين قال فاستعن عليه بالسلطان قال فإن نأى السلطان عني قال قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز قتل القاصد لأخد المال بغير حق سواء كان المال قليلا أو كثيرا لعموم الحديث وهذا قول جماهير العلماء وقال بعض أصحاب مالك لا يجوز قتله إذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء والصواب ما قاله الجماهير وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف وقال النووي وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة وفيه أن القاصد إذا قتل لا دية له ولا قصاص وفيه أن الدافع إذا قتل يكون شهيدا وقال الترمذي وقد رخص بعض أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله وقال ابن المبارك يقاتل ولو درهمين وقال المهلب وكذلك في كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين فهو كمن قاتل دون نفسه وماله فلا دية عليه ولا تبعة ومن أخذ في ذلك بالرخصة وأسلم المال والأهل والنفس فأمره إلى الله تعالى والله يعذره ويأجره ومن أخذ في ذلك بالشدة وقتل كانت له الشهادة وقال ابن المنذر وروينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم أموالهم وقد أخذ ابن عمر لصا في داره فأصلت عليه السيف قال سالم فلولا أنا لضربه به وقال النخعي إذا خفت أن يبدأك اللص فابدأه وقال الحسن إذا طرق اللص بالسلاح فاقتله وسئل مالك عن القوم يكونون في السفر فتلقاهم اللصوص قال يقاتلونهم ولو على دانق وقال عبد الملك

(13/35)


إن قدر أن يمتنع من اللصوص فلا يعطهم شيئا وقال أحمد إذا كان اللص مقبلا وأما موليا فلا وعن إسحاق مثله وقال أبو حنيفة في رجل دخل على رجل ليلا للسرقة ثم خرج بالسرقة من الدار فاتبعه الرجل فقتله لا شيء عليه وقال الشافعي من أريد ماله في مصر أو في صحراء أو أريد حريمه فالاختيار له أن يكلمه أو يستغيث فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله فإن أبى أن يمتنع من قتله من أراد قتله فله أن يدفعه عن نفسه وعن ماله وليس له عمد قتله فإذا لم يمتنع فقاتله فقتله لا عقل فيه ولا قود ولا كفارة
43 -
( باب إذا كسر قصعة أو شيئا لغيره )
أي هذا باب يذكر فيه إذا كسر شخص قصعة بفتح القاف وسكون الصاد وهي إناء من عود وقال ابن سيده وهي صحفة تشبع عشرة وهي واحدة القصاع والقصع قوله أو شيئا من باب عطف العام على الخاص أي أو كسر شيئا وجواب إذا محذوف تقديره هل يضمن المثل أو القيمة هكذا قدره بعضهم وفيه نظر لأن القصعة ونحوها ليست من المثليات أصلا ولكن يمشي ما قاله في قوله أو شيئا لأنه أعم من أن يكون من المثليات أو من ذوات القيم قلت في الحديث أنه دفع قصعة صحيحة عوض القصعة التي كسرتها عائشة على ما يجيء قلت لم يكن ذلك من النبي على سبيل الحكم على الخصم وكان دفعه القصعة عوض المكسورة تطييبا لقلب صاحبتها فلا يدل ذلك على أن القصعة ونحوها من المثليات
1842 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة
( الحديث 1842 - طرفه في 5225 )
مطابقته للترجمة في قوله فكسرت القصعة ويحيى بن سعيد القطان قوله كان عند بعض نسائه وروى الترمذي من رواية سفيان الثوري عن حميد عن أنس قال أهدت بعض أزواج النبي إلى النبي طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبي طعام بطعام وإناء بإناء ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد عن ابن أبي عدي ويزيد بن هارون عن حميد به وقال أظنها عائشة وقال الطيبي إنما أبهمت عائشة تفخيما لشأنها قيل إنه مما لا يخفى ولا يلتبس إنها هي لأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي في بيتها ورد بأن هذا مجرد دعوى يحتاج إلى البيان وقال شيخنا لم يقع في رواية أحد من البخاري والترمذي وابن ماجه تسمية زوج النبي التي أهدت له الطعام وقد ذكر ابن حزم من طريق الليث عن جرير بن حازم عن حميد عن أنس أن التي أهدته إليه زينب بنت جحش أهدت إلى رسول الله وهو في بيت عائشة ويومها جفنة من حيس فقامت عائشة فأخذت القصعة فضربت بها فكسرتها فقام رسول الله إلى قصعة لها فدفعها إلى رسول زينب فقال هذه مكان صحفتها وروى أبو داود والنسائي من رواية جسرة بنت دجاجة عن عائشة قالت ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله طعاما فبعثت به فأخذني أفكل يعني رعدة فكسرت الإناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت قال إناء مثل إناء وطعام مثل طعام قال الخطابي في إسناده مقال وقال الشيخ يحتمل أنهما واقعتان وقعت لعائشة مرة مع زينب ومرة مع صفية فلا مانع من ذلك فإن كان ذلك واقعة واحدة رجعنا إلى الترجيح وحديث أنس أصح وفي بعض طرقه زينب والله أعلم وذكر أبو محمد المنذري في الحواشي أن مرسلة القصعة أم سلمة رضي الله تعالى عنها وروى النسائي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي المتوكل عن أم سلمة أنها أتت بطعام في صحفة إلى النبي وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت الصحفة الحديث وفي ( الأوسط ) للطبراني من طريق عبيد الله العمري

(13/36)


عن ثابت عن أنس أنهم كانوا عند رسول الله في بيت عائشة إذ أتى بصحفة خبز ولحم من بيت أم سلمة فوضعنا أيدينا وعائشة تصنع طعاما عجلة فلما فرغنا جاءت به ورفعت صحفة أم سلمة فكسرتها وروى ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق رجل من بني سواءة غير مسمى عن عائشة قالت كان رسول الله مع أصحابه فصنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فسبقتني فقلت للجارية إنطلقي فأكفئي قصعتها فألقتها فانكسرت وانتثر الطعام فجمعه على النطع فأكلوا ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال خذوا ظرفا مكان ظرفكم والظاهر أنها قصة أخرى لأن في هذه القصة أن الجارية هي التي كسرت وفي الذي تقدم أن عائشة نفسها هي التي كسرتها قوله فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين قد تقدم من الأحاديث أن التي أرسلت دائرة بين عائشة وزينب بنت جحش وصفية وأم سلمة رضي الله تعالى عنهن فإن كانت القصة متعددة فلا كلام فيها وإلا فالعمل بالترجيح كما ذكرنا قوله مع خادم يطلق الخادم على الذكر والأنثى وهنا المراد الأنثى بدليل تأنيث الضمير في قوله فضربت بيدها فكسرت القصعة وذكر هنا القصعة وفي غيره ذكر الجفنة والصحفة كما مر قوله فيها طعام قد ذكر في حديث زينب أنه حيس بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت وفي حديث الطبراني خبز ولحم قوله فضمها أي ضم القصعة التي انكسرت رسول الله قوله وقال كلوا أي قال لأصحابه الذين كانوا معه قوله وحبس الرسول أي أوقف الخادم الذي هو رسول إحدى أمهات المؤمنين قوله والقصعة أي حبس القصعة المكسورة أيضا عنده قوله حتى فرغوا أي حتى فرغت الصحابة الذين كانوا معه من الأكل قوله فدفع أي أمر بإحضار قصعة صحيحة من عند التي هو في بيتها فدفعها إلى الرسول وحبس القصعة المكسورة عنده ورأيت في بعض المواضع في أثناء مطالعتي أن النبي أخذ القصعة المكسورة وكانت قطعا فاستوت صحيحة في كفه المبارك كما كانت أولا
ذكر ما يستفاد منه قال ابن التين احتج بهذا الحديث من قال يقضي في العروض بالأمثال وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ورواية عن مالك وفي رواية أخرى كل ما صنع الآدميون غرم مثله كالثوب وبناء الحائط ونحو ذلك ولك ما كان من صنع الله عز و جل مثل العبد والدابة ففيه القيمة والمشهور من مذهبه أن كل ما كان ليس بمكيل ولا موزون ففيه القيمة وما كان مكيلا أو موزونا فيقضى بمثله يوم استهلاكه وقال ابن الجوزي فإن قيل الصحفة من ذوات القيم فكيف غرمها فالجواب من وجهين أحدهما أن الظاهر ما يحويه بيته أنه ملكه فنقل من ملكه إلى ملكه لا على وجه الغرامة بالقيمة الثاني أن أخذ القصعة من بيت الكاسرة عقوبة والعقوبة بالأموال مشروعة ولما استدل ابن حزم بحديث القصعة قال هذا قضاء بالمثل لا بالدراهم قال وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وابن مسعود أنهما قضيا فيمن استهلك فصلانا بفصلان مثلها وشبهه داود بجزاء الصيد في العبد العبد وفي العصفور العصفور وفي ( التوضيح ) واختلف العلماء فيمن استهلك عروضا أو حيوانا فذهب الكوفيون والشافعي وجماعة إلى أن عليه مثل ما استهلك قالوا ولا يقضي بالقيمة إلا عند عدم المثل وذهب مالك إلى أن من استهلك شيئا من العروض أو الحيوان فعليه قيمته يوم استهلاكه والقيمة أعدل في ذلك ثم قال واتفق مالك والكوفيون والشافعي وأبو ثور فيمن استهلك ذهبا أو ورقا أو طعاما مكيلا أو موزونا أن عليه مثل ما استهلك في صفته ووزنه وكيله قلت مذهب أبي حنيفة أن كل ما كان مثليا إذا استهلكه شخص يجب عليه مثله وإن كان من ذوات القيم يجب عليه قيمته والمثلي كالمكيل مثل الحنطة والشعير والموزون كالدراهم والدنانير ولكن بشرط أن لا يكون الموزون مما يضر بالتبعيض يعني غير المصوغ منه فهو يلحق بذوات القيم وغير المثلي كالعدديات المتفاوتة كالبطيخ والرمان والسفرجل والثياب والدواب والعددي المتقارب كالجوز والبيض والفلوس كالمكيل والجواب عن حديث الباب ما قاله ابن الجوزي المذكور آنفا وقد ذكرنا في أول الباب ما يكفي عن الجواب عن الحديث وفيه بسط عذر المرأة في حالة الغيرة لأنه لم ينقل أنه عاتب عائشة على ذلك فإنما قال غارت أمكم ويقال إنما لم يؤدبها ولو بالكلام لأنه فهم أن المهدية كانت

(13/37)


أرادت بإرسالها ذلك إلى بيت عائشة أذاها والمظاهرة عليها فلما كسرتها لم يزد على أن قال غارت أمكم وجمع الطعام بيده وقال قصعة بقصعة وأما طعام بطعام لأنه كان يعلم بإتلافه قبول له أو في حكمه وقال القاضي أبو بكر ولم يغرم الطعام لأنه كان مهدي فإتلافه قبوله له أو في حكم القبول قيل فيه نظر لأن الطعام لم يتلف فإنه دعى بقصعة فوضعه فيها وقال كلوا غارت أمكم وأجيب بأن هذا الطعام إن كان هدية فيستدعى أن يكون ملكا للمهدي فلا غرامة وإن كان ملكا للنبي باعتبار أن ما كان في بيوت أزواجه فهو ملك له فلا يتصور فيه الغرامةوقال ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثنا حميد قال حدثنا أنس عن النبي
ابن أبي مريم اسمه سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم وهو أحد شيوخ البخاري وأراد بهذا الكلام بيان التصريح بتحديث أنس لحميد
53 -
( باب إذا هدم حائطا فليبن مثله )
أي هذا باب يذكر فيه إذا هدم شخص حائط شخص فليبن مثله وهذا بعينه مذهب أبي حنيفة والشافعي وأبي ثور فإنهم قالوا إذا هدم رجل حائطا لآخر فإنه يبني له مثله فإن تعذرت المماثلة رجع إلى القيمة وفي فتاوى الظهيرية ذكر الإمام محمد بن الفضل إذا هدم رجل حائط إنسان إن كان من خشب ضمن القيمة وإن كان من طين وكان عتيقا قديما فكذلك وإن كان حديثا جديدا أمر بإعادته
2842 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( جرير ) هو ( بن حازم ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي فجاءته أمه فدعته فأبى أن يجيبها فقال أجيبها أو أصلي ثم أتته فقالت أللهم لا تمته حتى تريه المومسات وكان جريج في صومعته فقالت امرأة لأفتنن جريجا فتعرضت له فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت هو من جريج فأتوه وكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين
مطابقته للترجمة في قوله نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين لأنه كان من طين ولم يرض إلا أن يكون مثله
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم السلام مطولا وأخرجه مسلم في الأدب عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون عن جرير بن حازم
قوله جريج بضم الجيم الأولى الراهب قوله يصلي خبر كان قوله أو أصلي كلمة أو هنا للتخيير قوله لا تمته بضم التاء من الإماتة قوله حتى تريه بضم التاء من الإراءة قوله المومسات أي الزواني وهو جمع مومسة وهي الفاجرة ويجمع على مياميس أيضا وموامس وأصحاب الحديث يقولون مياميس ولا يصح إلا على إشباع الكسرة لتصير ياء كمطفل ومطافل ومطافيل وقال ابن الأثير ومنه حديث أبي وائل أكثر تبع الدجال أولاد المياميس وفي رواية أولاد الموامس وقد اختلف في أصل هذه اللفظة فبعضهم يجعله من الهمزة وبعضهم يجعله من الواو وكل منهما تكلف له اشتقاقا فيه وقال الجوهري المومسة الفاجرة ولم يذكر شيئا غير ذلك وفي المطالع المياميس والمومسات المجاهرات بالفجور الواحدة مومسة وبالياء المفتوحة رويناه عن جميعهم وكذلك ذكره أصحاب العربية في

(13/38)


الواو والميم والسين ورواه ابن الوليد عن ابن السماك المآميس بالهمز فإن صح الهمز فهو من ماس الرجل إذا لم يلتفت إلى موعظة ومأس ما بين يدي القوم أفسد وهذا بمعنى المجاهرة والاستهتار ويكون وزنه على هذا فعاليل قوله في صومعته
قوله فكلمته أي في ترغيبه في مباشرتها قوله فولدت فيه حذف كثير تقديره فأمكنته من نفسها يعني زنى بها فحبلت ثم ولدت غلاما فقالت أي المرأة هو أي الغلام من جريج قوله ثم أتى الغلام بالنصب أي الطفل الذي في المهد قبل زمان تكلمه قوله قال لا أي قال جريج لا تبنوها إلا من طين وقال ابن مالك فيه شاهد على حذف المجزوم بلا كما قدرناه
ذكر ما يستفاد منه فيه الاحتجاج بأن شرع من قبلنا شرع لنا وقال الكرماني واحتج البخاري به على الترجمة بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه نظر لأن شرعنا أوجب المثل في المثليات والحائط متقوم لا مثلي انتهى قلت شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقص الله علينا بالإنكار وقد قلنا إن الحائط إذا كان من خشب يكون من ذوات القيم وإن كان من الطين والحجر يبنى بأن يعاد مثله وفيه أن الطفل يدعى غلاما وفيه أنه أحد من تكلم في المهد وقال الضحاك تكلم في المهد ستة شاهد يوسف عليه الصلاة و السلام وابن ماشطة فرعون وعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وصاحب جريج وصاحب الأخدود وفيه المطالبة كما طالبت بنو إسرائيل جريجا بما ادعته المرأة عليه وأصل هذه المطالبة أن أهل تلك البلدة كانوا يعظمون أمر الزنا فظهر أمر تلك المرأة في البلد فلما وضعت حملها أخبر الملك أن امرأة قد ولدت من الزنا فدعاها فقال لها من أين لك هذا الولد قالت من جريج الراهب قد واقعني فبعث الملك أعوانه إليه وهو في الصلاة فنادوه فلم يجبهم حتى جاؤا إليه بالمرو والمساحي وهدموا صومعته وجعلوا في عنقه حبلا وجاؤا به إلى الملك فقال له الملك إنك قد جعلت نفسك عابدا ثم تهتك حريم الناس وتتعاطى ما لا يحل له قال أي شيء فعلت قال إنك زنيت بامرأة كذا فقال لم أفعل فلم يصدقوه وحلف على ذلك فلم يصدقوه فقال فردوني إلى أمي فردوه إليها فقال لها يا أماه إنك دعوت الله علي فاستجاب الله دعاءك فادعى الله أن يكشف عني بدعائك فقالت أللهم إن كان جريج إنما أخذته بدعوتي فاكشف عنه فرجع جريج إلى الملك فقال أين هذه المرأة وأين هذا الصبي فجاؤا بهما فسألوهما فقالت المرأة بلى هذا الذي فعل بي فوضع جريج يديه على رأس الصبي وقال بحق الذي خلقك أن تخبرني من أبوك فتكلم الصبي بإذن الله تعالى وقال إن أبي فلان الراعي فلما سمعت المرأة بذلك اعترفت وقالت كنت كاذبة وإنما فعل بي فلان الراعي وفي رواية أخرى أن المرأة كانت حاملا لم تضع بعد فقال لها أين أصبتك قالت تحت شجرة وكانت الشجرة بجنب صومعته قال جريج أخرجوا إلى تلك الشجرة ثم قال يا شجرة أسألك بالذي خلقكك أن تخبريني من زنى بهذه المرأة فقال كل غصن منها راعي الغنم ثم طعن بإصبعه في بطنها وقال يا غلام من أبوك فنادى من بطنها أبي راعي الغنم فعند ذلك اعتذر الملك إلى جريج وقال إئذن لي أن أبني صومعتك بالذهب قال لا قال فبالفضة قال لا ولكن بالطين كما كان فبنوه بالطين كما كان هكذا ساق هذه القصة الإمام أبو الليث السمرقندي في كتاب ( تنبيه الغافلين ) وذكر أبو الليث عن يزيد بن حوشب الفهري عن أبيه قال سمعت رسول الله يقول لو كان جريج الراهب فقيها لعلم أن إجابة أمه أفضل من عبادة ربه وفيه إثبات الكرامة للأولياء وقال ابن بطال يمكن أن يكون جريج نبيا لأن النبوة كانت ممكنة في بني إسرائيل غير ممتنعة عليهم ولا نبي بعد نبينا محمد فليس يجري من الآيات بعده ما يكون خرقا للعادة ولا قلب العين وإنما يكون كرامة لأوليائه مثل دعز مجابة ورؤيا صالحة وبركة ظاهرة وفضل بين وتوفيق من الله تعالى إلى الإبراء مما اتهم به الصالحون وامتحن به المتقون وفيه أن دعاء الأم أو الأب على ولده إذا كان بنية خالصة قد يجاب وإن كان في حال الضجر وفيه أيضا خلاص الولد من بلية باتلي بها ببركة دعاء والديه وفيه دليل أن الوضوء كان لغير هذه الأمة أيضا إلا أن هذه الأمة قد خصت بالغرة والتحجيل خلافا لمن خصها بأصل الوضوء
بسم الله الرحمان الرحيم

(13/39)


74 -
( كتاب الشركة )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الشركة هكذا وقع في رواية النسفي وابن شبويه ووقع في رواية الأكثرين باب الشركة ووقع في رواية أبي ذر في الشركة بدون لفظ كتاب ولا لفظ باب والشركة بفتح الشين وكسر الراء وكسر الشين وإسكان الراء وفتح الشين وإسكان الراء وفيه لغة رابعة شرك بغير تاء التأنيث قال تعالى وما لهم فيها من شرك ( سبأ 22 ) أي من نصيب وجمع الشركة شرك بفتح الراء وكسر الشين يقال شركته في الأمر أشركه شركة والاسم الشرك وهو النصيب قال من أعتق شركا له أي نصيبا وشريك الرجل ومشاركه سواء وهي في اللغة الاختلاط على الشيوع أو على المجاورة كما قال تعالى وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي ( ص 42 ) وفي الشرع ثبوت الحق لاثنين فصاعدا في الشيء الواحد كيف كان
ثم هي تارة تحصل بالخلط وتارة بالشيوع الحكمي كالإرث وقال أصحابنا الشركة في الشرع عبارة عن العقد على الاشتراك واختلاط النصيبين وهي على نوعين شركة الملك وهي أن يملك إثنان عينا أو إرثا أو شراء أو هبة أو ملكا بالاستيلاء أو اختلط مالهما بغير صنع أو خلطاه خلطا بحيث يعسر التمييز أو يتعذر فكل هذا شركة ملك وكل واحد منهما أجنبي في قسط صاحبه والنوع الثاني شركة العقد وهي أن يقول أحدهما شاركتك في كذا ويقبل الآخر وهي على أربعة أنواع مفاوضة وعنان وتقبل وشركة وجوه وبيانها في الفروع
1 -
( باب الشركة في الطعام والنهد والعروض وكيف قسمة ما يكال ويوزن مجازفة أو قبضة قبضة لما لم ير المسلمون في النهد بأسا أن يأكل هذا بعضا وهذا بعضا وكذلك مجازفة الذهب والفضة والقران في التمر )
أي هذا باب في بيان حكم الشركة في الطعام وقد عقد لهذا باب مفردا مستقلا يأتي بعد أبواب إن شاء الله تعالى قوله والنهد بفتح النون وكسرها وسكون الهاء وبدال مهملة قال الأزهري في ( التهذيب ) النهد إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة يقال تناهدوا وقد ناهد بعضهم بعضا وفي ( المحكم ) النهد العون وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم وقد تناهدوا أي تخارجوا يكون ذلك في الطعام والشراب وقيل النهد إخراج الرفقاء النفقة في السفر وخلطها ويسمى بالمخارجة وذلك جائز في جنس واحد وفي الأجناس وإن تفاوتوا في الأكل وليس هذا من الربا في شيء وإنما هو من باب الإباحة وقال ثعلب هو النهد بالكسر قال والعرب تقول هات نهدك مكسورة النون وحكى عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قال أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحس لأخلاقكم وأطيب لنفوسكن وفي ( المطالع ) أن القابسي فسره بطعام الصلح بين القبائل وعن قتادة ما أفلس المتلازمان يعني المتناهدان وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي في كتاب ( النهد ) عن المدائني وابن الكلبي وغيرهما أن أول من وضع النهد الحضين بن المنذر الرقاشي قلت الحضين بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون ابن المنذر بن الحارث بن وعلة بن مجالد بن يثربي بن ريان بن الحارث بن مالك بن شيبان بن ذهل أحد بني رقاش شاعر فارسي يكنى أبا ساسان روى عن عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما وروى عنه الحسن البصري وعبد الله بن الداناج وعلي بن سويد وابنه يحيى بن حضين وكان أسيرا عند بني أمية فقتله أبو مسلم الخراساني قوله والعروض بضم العين جمع عرض بسكون الراء وهو المتاع ويقابل النقد وأراد به الشركة في العروض وفيه خلاف فقال أصحابنا لا يصح شركة مفاوضة ولا شركة عنان إلا بالنقدين وهما الدراهم والدنانير والتبر وقال مالك يجوز في العروض إذا اتحد الجنس وعند بعض الشافعية يجوز إذا كان عرضا مثليا وقال محمد يصح أيضا بالفلوس الرائجة لأنها برواجها يأحذ حكم النقدين وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يصح لأن رواجها عارض قوله وكيف قسمة ما يكال أي وفي بيان قسمة ما يدخل تحت الكيل والوزن هل يجوز مجازفة أو يجوز قبضة قبضة يعني متساوية وقيل المراد بها مجازفة الذهب بالفضة والعكس لجواز

(13/40)


التفاضل فيه وكذا كل ما جاز بالتفاضل مما يكال أو يوزن من المطعومات ونحوها هذا إذا كانت المجازفة في القسمة وقلنا القسمة بيع وقال ابن بطال قسمة الذهب بالذهب مجازفة والفضة بالفضة مما لا يجوز بالإجماع وأما قسمة الذهب مع الفضة مجازفة فكرهه مالك وأجازه الكوفيون والشافعي وآخرون وكذلك لا يجوز قسمة البر مجازفة وكل ما حرم فيه التفاضل قوله لما لم ير المسلمون اللام فيه مكسورة والميم مخففة هذا تعليل لعدم جواز قسمة الذهب بالذهب والفضة بالفضة مجازفة أي لأجل عدم رؤية المسلمين بالنهد بأسا جوزوا مجازفة الذهب بالفضة لاختلاف الجنس بخلاف مجازفة الذهب بالذهب والفضة بالفضة لجريان الربا فيه فكما أن مبني النهد على الإباحة وإن حصل التفاوت في الأكل فكذل مجازفة الذهب بالفضة وإن كان فيه التفاوت بخلاف الذهب بالذهب والفضة بالفضة لما ذكرنا قوله أن يأكل هذا بعضا تقديره بأن يأكل وأشار به إلى أنهم كما جوزوا النهد الذي فيه التفاوت فكذلك جوزوا مجازفة الذهب والفضة مع التفاوت لما ذكرنا قوله والقران في التمر بالجر ويروى والإقران عطف على قوله أن يأكل هذا بعضا أي بأن يأكل هذا تمرتين تمرتيين وهذا تمرة تمرة
وقد مر الكلام فيه مستوفى في حديث ابن عمر في كتاب المظالم في باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز
3842 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( وهب بن كيسان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أنه قال بعث رسول الله بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة ابن الجراح وهم ثلاثمائة وأنا فيهم فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذالك الجيش فجمع ذالك كله فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا إلاى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه ذالك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك ذلك كله ولما كان يفرق عليهم كل يوم قليلا قليلا صار في معنى النهد واعترض بأنه ليس فيه ذكر المجازفة لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البدل وأجيب بأن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه فتناولوه مجازفة كما جرت العادة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وفي الجهاد عن صدقة بن الفضل وأخرجه مسلم في الصيد عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد ابن عبدة به وعن محمد بن حاتم عن ابن مهدي عن مالك به وعن أبي كريب عن أبي أسامة وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد بن السري وأخرجه النسائي في الصيد وفي السير عن محمد بن آدم وعن الحارث ب مسكين وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله بعث رسول الله بعثا كان هذا البعث في رجب سنة ثمان للهجرة والبعث بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة وهو بمعنى المبعوث من باب تسمية المفعول بالمصدر قوله قبل الساحل بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة الساحل والساحل شاطىء البحر قوله فأمر بتشديد الميم من التأمير أي جعل أبا عبيدة أميرا عليهم واسم أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بفتح الجيم وتشديد الراء وبالحاء المهملة الفهري القرشي أمين الأمة أحد العشرة المبشرة شهد المشاهد كلها وثبت مع رسول الله يوم أحد ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله من حلق المنفر بفيه فوقعت ثنيتاه مات سنة ثماني عشرة في طاعون عمواس وقبره بغور نيسان عند قرية تسمى عمتا وصلى عليه معاذ بن جبل

(13/41)


وكان سنه يوم مات ثمانيا وخمسين سنة قوله وهم أي البعث الذي هو الجيش ثلاثمائة أنفس قوله فني الزاد قال الكرماني إذا فني فكيف أمر بجمع الأزواد فأجاب بأنه إما أن يريد به فناء زاده خاصة أو يريد بالفناء القلة قلت يجوز أن يقال معنى فنى أشرف على الفناء قوله فكان مزودي تمر المزود بكسر الميم ما يجعل فيه الزاد كالجراب وفي رواية مسلم بعثنا رسول الله وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة قوله لقد وجدنا فقدها حين فنيت أي وجدنا فقدها مؤثرا شاقا علينا ولقد حزنا لفقدها قوله ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت كلمة إذا للمفاجأة والحوت يقع على الواحد والجمع وقال صاحب ( المنتهى ) والجمع حيتان وهي العظام منها وقال ابن سيدة الحوت السمك اسم جنس وقيل هو ما عظم منه والجمع أحوات وفي كتاب الفراء جمعه أحوته وأحوات في القليل فإذا كثرت فهي الحيتان قوله مثل الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء مفرد الظراب وهي الروابي الصغار وقال ابن الأثير الظراب الجبال الصغار واحدها ظرب بوزن كتف وقد يجمع في القلة على أظراب قوله ثماني عشرة ليلة كذا هو في نسخة الأصيلي وروي ثمانية عشر ليلة وقال ابن التين الصواب هو الأول وروي فأكلنا منه شهرا وروي نصف شهر وقال عياض يعني أكلوا منه نصف شهر طريا وبقية ذلك قديدا وقال النووي من قال شهرا هو الأصل ومعه زيادة علم ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قدم المثبت والمشهور عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له فلا يلزم منه نفي الزيادة وفي رواية مسلم فأقمنا عليها شهرا ولقد رأيتنا تغترق من وقب عينه قلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه وتزودنا من لحمه وشائق فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله فذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيى فتطعمونا قال فأرسلنا إلى رسول الله منه فأكله قوله بضلعين ضبط بكسر الضاد وفتح اللام وقال في ( أدب الكاتب ) ضلع وضلع وقال الهروي هما لغتان والضلع مؤنثة والوقب بفتح الواو وسكون القاف وبالباء الموحدة هو النقرة التي يكون فيها العين قوله الفدر بكسر الفاء وفتح الدال المهملة وفي آخره راء جمع فدرة وهي القطعة من اللحم والوشائق بالشين المعجمة جمع وشيقة وهي اللحم القديد وقيل الوشيقة أن يؤخذ اللحم فيغلى قليلا ولا ينضج فيحمل في الأسفار وفي لفظ للبخاري نرصد عيرا لقريش فأقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي ذلك الجيش بجيش الخبط فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا وفي مسلم قال أبو عبيدة يعني بالعنبر ميتة ثم قال لا بل نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله عز و جل وقد اضطررتم فكلوا
ذكر ما يستفاد منه قال القرطبي جمع أبي عبيدة الأزواد وقسمتها بالسوية إما إن يكون حكما حكم به لما شاهد من الضرورة وخوفه من تلف من لم يبق معه زاد فظهر له أنه وجب على من معه أن يواسي من ليس له زاد أو يكون عن رضا منهم وقد فعل مثل ذلك غير مرة سيدنا رسول الله ولذلك قال بعض العلماء هو سنة وقال ابن بطال إستدل بعض العلماء بهذا الحديث بأنه لا يقطع سارق في مجاعة لأن المواساة واجبة للمحتاجين وخصه أبو عمر بسرقة المأكل وفيه أن للإمام أن يواسي بين الناس في الأقوات في الحضر بثمن وغيره كما فعل ذلك في السفر وفيه قوة إيمان هؤلاء البعث إذ لو ضعف والعياذ بالله لما خرجوا وهم ثلاثمائة وليس معهم سوى جراب تمر أو مزودي تمر كما في الحديث المذكور قال عياض ويحتمل أن يكون زودهم الجراب زائدا عما كان معهم من الزاد من أموالهم ويحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير هذا الجراب وكان معهم غيره من الزاد وقيل يحتمل أن الجراب الذي زودهم الشارع كان على سبيل البركة فلذا كانوا يأخذونه تمرة تمرة وفيه فضل أبي عبيدة ولهذا سماه الشارع أمين هذه الأمة وفيه النظر في القوم والتدبير فيه وفضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ما كان فيهم من البؤس وقد استجابوا لله وللرسول من بعدما أصابهم القرح وفيه رضاهم بالقضاء وطاعتهم للأمير وفيه جواز الشركة في الطعام خلط الأزواد في السفر إذا كان ذلك أرفق بهم

(13/42)


4842 - حدثنا ( بشر بن مرحوم ) قال حدثنا ( حاتم بن إسماعيل ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) رضي الله تعالى عنه قال خفت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النبي في نحر إبلهم فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال ما بقاؤكم بعد إبلكم فدخل علي النبي فقال يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم فقال رسول الله ناد في الناس فيأتون بفضل أزوادهم فبسط لذالك نطع وجعلوه علي النطع فقام رسول الله فدعا وبرك عليه ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثاى الناس حتى فرغوا ثم قال رسول الله أشهد أن لا إلاه إلا الله وأني رسول الله
( الحديث 4842 - طرفه في 2892 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فيأتون بفضل أزوادهم ومن قوله فدعا وبرك عليه فإن فيه جمع أزوادهم وهو في معنى النهد ودعا النبي فيها بالبركة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن مرحوم هو بشر بن عبيس بن مرحوم بن عبد العزيز العطار الثاني حاتم بن إسماعيل أبو إسماعيل الثالث يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع مات بالمدينة سنة ست أو سبع وأربعين ومائة الرابع سلمة بن الأكوع واسمه سنان بن عبد الله الأسلمي وكنيته أبو مسلم وقيل أبو عامر وقيل أبو إياس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه بصري وأن حاتما كوفي سكن المدينة وأن يزيد مدني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن بشر بن مرحوم أيضا وهو من أفراده وقال الإسماعيلي أخبرني محمد بن العباس حدثنا أحمد بن يونس حدثنا النضر ابن محمد حدثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه بمعنى هذا الحديث قال وقال أحمد بن حنبل عكرمة عن إياس صحيح أو محفوظ أو كلاما نحو هذا وقال صاحب ( التلويح ) يريد الإسماعيلي بنحوه ما رويناه من عند الطبراني حدثنا أبو حذيفة حدثنا محمد بن الحسن بن كيسان حدثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال غزونا مع رسول الله هوازن فأصابنا جهد شديد حتى هممنا بنحر بعض ظهرنا وفيه فتطاولت له يعني للأزواد أنظر كم هو فإذا هو كربض الشاة قال فحشونا جربنا ثم دعا رسول الله بنطفة من ماء في أداة فأمر بها فصبت في قدح فجعلنا نتطهر به حتى تطهرنا جميعا قوله كربض الشاة بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة وهو موضع الغنم الذي تربض فيه أي تمكث فيه من ربض في المكان يربض إذا لصق به وأقام ملازما له قوله جربنا بضم الجيم وسكون الراء جمع جراب قوله بنطفة من ماء النطفة يقال للماء الكثير والقليل وهو بالقليل أخص
قوله خفت أزواد القوم أي قلت وفي رواية المستملي أزودة القوم قوله وأملقوا أي افتقروا يقال أملق إذا افتقر قوله نطع فيه أربع لغات قوله وبرك بتشديد الراء أي دعا بالبركة عليه قوله بأوعيتهم جمع وعاء قوله فأحتثى الناس بسكون الحاء المهملة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ثاء مثبتة من الاحتثاء من حثا يحثو حثوا وحثى يحثي حثيا إذا حفن حفنة قوله ثم قال رسول الله إلى آخره إنما قال ذلك لأن هذا كان معجزة له وفي رواية البيهقي في ( دلائله ) من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه وفيه فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤه وبقي مثله فضحك حتى بدت نواجده وقال أشهد أن لا إلاه إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله عبد مأمن بهما إلا حجب من النار
5842 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثنا ( أبو النجاشي ) قال سمعت

(13/43)


( رافع بن خديج ) رضي الله تعالى عنه قال كنا نصلي مع النبي فننحر جزورا فيقسم عشر قسم فنأكل لحما نضيحا قبل أن تغرب الشمس
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فيقسم عشر قسم فإن فيه جمع الأنصباء مما يوزن مجازفة ومحمد بن يوسف هو الفريابي قاله الحافظ أبو نعيم والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمر وأبو النجاشي بفتح النون والجيم المخففة وبالشين المعجمة وتشديد الياء وتخفيفها واسمه عطاء بن صهيب ورافع بالفاء ابن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم
والحديث مضى من هذا الوجه في كتاب مواقيت الصلاة في باب وقت المغرب والمتن غير المتن
قوله عشر قسم بكسر القاف وفتح السين جمع قسمة قوله لحما نضيجا بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وفي آخره جيم أي مستويا وقال ابن الأثير النضيج المطبوخ فعيل بمعنى مفعول
وفيه قسمة اللحم من غير ميزان لأنه من باب المعروف وهو موضوع للأكل وقال ابن التين فيه الحجة على من زعم أن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه وقال الكرماني إن وقت العصر عند مصير الظل مثليه ليسع هذا المقدار قلت هذا مخالف لما قاله ابن التين على ما لا يخفى
6842 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( حماد بن أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى قال قال النبي إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم ولا يخفى على المتأمل ذلك وهذا الإسناد بعينه مضى في باب فضل من علم
وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة يروي عن جده أبي بردة واسمه الحارث وقيل عامر وقيل اسمه كنيته يروي عن أبيه ( أبي موسى ) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى الأشعري وأبي كريب وأخرجه النسائي في السير عن موسى بن هارون
قوله إن الأشعريين جمع أشعري بتشديد الياء نسبة إلى الإشعر قبيلة من اليمن ويروى إن الأشعرين بدون ياء النسبة وتقول العرب جاءك الأشعرون بحذف الياء قوله إذا أرملوا أي إذا فني زادهم من الإرمال بكسر الهمزة وهو فناء الزاد وإعواز الطعام وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة كما في قوله تعالى ذا متربة ( البلد 61 ) قوله فهم مني أي متصلون بي وكلمة من هذه تسمى اتصالية نحو لا أنا من الدد ولا الدد مني وقال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى وقيل المراد فعلوا فعلي في المواساة
وفيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه وفيه استحباب خلط الزاد في السفر والحضر أيضا وليس المراد بالقسمة هنا القسمة المعروفة عند الفقهاء وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضا بموجوده وفيه فضيلة الإيثار والمواساة وقال بعضهم وفيه جواز هبة المجهول قلت ليس شيء في الحديث يدل على هذا وليس فيه إلا مواساة بعضهم بعضا والإباحة وهذا لا يسمى هبة لأن الهبة تمليك المال والتمليك غير الإباحة وأيضا الهبة لا تكون إلا بالإيجاب والقبول لقيام العقد بهما ولا بد فيها من القبض عند جمهور العلماء من التابعين وغيرهم ولا يجوز فيما يقسم إلا محوزة مقسومة كما عرف في موضعها
2 -
( باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية في الصدقة )
أي هذا باب في بيان ما كان من خليطين أي مخالطين وهما الشريكان إذا كان من أحدهما تصرف من إنفاق مال الشركة أكثر مما أنفق صاحبه فإنهما يتراجعان عند الربح بقدر ما أنفق كل واحد منهما فمن أنفق قليلا يرجع على من أنفق أكثر منه لأنه لما أمر الخليطين في الغنم بالتراجع بينهما

(13/44)


بالسوية وهما شريكان دل على أن كل شريك في معناهما قوله في الصدقة قيد بها لورود الحديث في الصدقة لأن التراجع لا يصح بين الشريكين في الرقاب
7842 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن المثنى ) قال حدثني أبي قال حدثني ( ثمامة بن عبد الله بن أنس ) أن ( أنسا ) حدثه أن ( أبا بكر الصديق ) رضي الله تعالى عنه كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله قال وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وما كان من خليطين إلى آخره وهذا الإسناد كله بالتحديث وهو غريب والحديث بعين هذه الترجمة وعين هؤلاء الرواة مضى في كتاب الزكاة في باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية
3 -
( باب قسمة الغنم )
أي هذا باب في بيان قسمة الغنم بالعدل وفي بعض النسخ باب قسم الغنم
8842 - حدثنا ( علي بن الحكم الأنصاري ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( سعيد بن مسروق ) عن ( عبابة بن رفاعة بن رافع بن خديج ) عن جده قال كنا مع النبي بذي الحليفة فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما قال وكان النبي في أخريات القوم فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور فأمر النبي بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير فطلبوه فأعياهم وكان في القوم خيل يسيرة فأهواى رجل منهم بسهم فحبسه الله ثم قال إن لهاذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هاكذا فقال جدي إنا نرجو أو نخاف العدو غدا وليست معنا مدى أفنذبح بالقصب قال ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر فسأحدثكم عن ذالك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة
مطابقته للترجمة في قوله ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير
ذكر رجاله وهم خمسة الأول علي بن الحكم بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف الأنصاري الثاني أبو عوانة بفتح العين المهملة وبعد الألف نون واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الثالث سعيد بن مسروق بن عدي الثوري والد سفيان الثوري الرابع عباية بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف مفتوحة ابن رفاعة بن رافع بن خديج الخامس رافع بن خديج بن رافع بن عدي الأوسي الأنصاري الحارثي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وهو مروزي من قرية تدعى غزا وأن أبا عوانة واسطي وأن سعيد بن مسروق كوفي وأن عباية مدني وفيه رواية عباية عن جده وقال الدارقطني ورواه أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن أبيه عن جده وتابعه عبد الوارث بن سعيد عن ليث بن أبي سليم ومبارك بن سعيد بن مسروق فقالا عن عباية عن أبيه عن جده وسيجيء في الذبائح رواية البخاري أيضا عن عباية بن رفاعة عن أبيه عن جده قلت رافع بن خديج روى عنه ابنه رفاعة بن رافع وابن ابنه عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج على خلاف فيه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الشركة عن محمد بن وكيع وفي الجهاد والذبائح عن موسى بن إسماعيل وفي الذبائح أيضا عن مسدد وعن عمرو بن علي وعن عبدان وعن محمد بن سلام بالقصة الثانية والثالثة

(13/45)


وعن قبيصة ببعض القصة الثالثة وأخرجه مسلم في الأضاحي عن إسحاق بن إبراهيم وعن القاسم بن زكرياء وعن محمد بن المثنى وعن محمد بن الوليد وعن ابن أبي عمر وأخرجه أبو داود في الذبائح عن مسدد به وأخرجه الترمذي في الصيد عن هناد عن بندار بالقصة الثالثة وعن محمود بن غيلان بالقصة الأولى والثانية وأعاده في السير عن هناد وأخرجه النسائي في الحج عن محمود بن غيلان بهما وعن هناد بهما وفي الصيد عن أحمد بن سليمان وفي الذبائح عن هناد بالقصة الثالثة وعن محمد بن منصور بالقصة الثالثة وعن عمرو بن علي بالقصة الثانية والثالثة وعن إسماعيل بن مسعود بهما وفي الأضاحي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم ببعض القصة الثانية وأخرجه ابن ماجه في الأضاحي عن أبي كريب بالقصة الأولى وفي الذبائح عن محمد بن عبد الله بن نمير مقطعا في موضعين
ذكر معناه قوله بذي الحليفة قال صاحب ( التلويح ) رحمه الله وذو الحليفة هذه ليست الميقات إنما هي التي من تهامة عند ذات عرق ذكره ياقوت وغيره قلت في رواية مسلم هكذا عن رافع بن خديج قال كنا مع رسول الله بذي الحليفة من تهامة وذكر القابسي أنها المهل التي بقرب المدينة وقاله أيضا النووي وفيه نظر من حيث أن في الحديث ردا لقولهما وقال ابن التين وكانت سنة ثمان من الهجرة في قضية حنين قوله في أخريات القوم أي في أواخرهم وأعقابهم وهي جمع أخرى وكان يفعل ذلك رفقا لمن معه ولحمل المنقطع قوله فعجلوا بكسر الجيم قوله فأكفئت أي قلبت وأميلت وأريق ما فيها وهو من الإكفاء قال ثعلب كفأت القدر إذا كببته وكذلك قاله الكسائي وأبو علي القالي وابن القوطية في آخرين فعلى هذا إنما يقال فكفئت وأكفئت إنما قال على قول ابن السكيت في ( الإصلاح ) لأنه نقل عن ابن الأعرابي وأبي عبيد وآخرين يقال أكفئت وقال ابن التين صوابه كفئت بغير ألف من كفأت الإناء مهموزا واختلف في إمالة الإناء فيقال فيها كفأت وأكفأت وكذلك اختلف في أكفأت الشيء لوجهه
وقد اختلف في سبب أمره بإكفاء القدور فقيل إنهم انتهبوها مالكين لها من غير غنيمة ولا على وجه الحاجة إلى أكلها يشهد له قوله في رواية فانتهبناها قلت ولا على وجه الحاجة إلى أكلها فيه نظر لأنه ذكر في باب النهبة فأصابتنا مجاعة فهو بيان لوجه الحاجة وقيل إنما كان لتركهم الشارع في أخريات القوم واستعجالهم ولم يخافوا من مكيدة الغدر فحرمهم الشارع ما استعجلوه عقوبة لهم بنقيضي قصدهم كما منع القاتل من الميراث قاله القرطبي ويؤيده رواية أبي داود وتقدم سرعان الناس فتعجلوا فأصابوا الغنائم ورسول الله في آخر الناس وقال النووي إنما أمرهم بذلك لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز الأكل فيه من مال الغنيمة المشتركة فإن الأكل منها قبل القسم إنما يباح في دار الحرب والمأمور به من الإراقة إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه لأنه مال الغانمين ولأنه نهى عن إضاعة المال فإن قلت لم ينقل أنهم حملوه إلى الغنيمة قلت ولا نقل أيضا أنهم أحرقوه ولا أتلفوه فوجب تأويله على وفق القواعد الشرعية بخلاف لحم الحمر الأهلية يوم خيبر لأنها صارت نجسة
قوله فعدل هذا محمول على أنه كان يحسب قيمتها يومئذ ولا يخالف قاعدة الأضحية من إقامة بعير مقام سبع شياه لأن هذا هو الغالب في قيمة الشاة والإبل المعتدلة قوله فند بفتح النون وتشديد الدال المهملة أي نفر وذهب على وجهه شاردا يقال ند يند ندا وندودا قوله فأعياهم أي أعجزهم يقال أعيى إذا أعجز وعيى بأمره إذا لم يهتد لوجهه وأعياني هو قوله يسيرة أي قليلة قوله فأهوى أي قصد قال الأصمعي أهويت بالشيء إذا أومأت إليه قوله أوابد جمع آبدة بالمد وكسر الباء الموحدة المخففة يقال منه أبدت تأبد بضم الباء وتأبد بكسرها وهي التي نفرت من الإنس وتوحشت وقال القزاز مأخوذة من الأبد وهي الدهر لطول مقامها وقال أبو عبيد أخذت من تأبدت الدار تأبدا وأبدت تأبد أبودا إذا خلا منها أهلها قوله منها أي من الأوابد قوله فاصنعوا به هكذا أي إرموه بالسهم قوله قال جدي إنا نرجو أو نخاف قال الكرماني نرجو بمعنى نخاف ولفظ أو نخاف شك من الراوي وقال ابن التين هما سواء قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه ( الكهف 11 ) أي يخافه وقوله جدي هو جد عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج وعباية الذي هو أحد الرواة يحكي عن جده رافع بن خديج أنه قال نرجو أو قال إنا نخاف والرجاء هنا بمعنى الخوف قوله مدي بضم الميم جمع مدية وهي السكين قوله أفنذبح بالقصب وفي رواية لمسلم فنذكي بالليط بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالطاء المهملة هي قطع القصب قاله القرطبي وقال النووي قشوره الواحد ليطة وفي ( سنن أبي داود ) أنذكي بالمروة فإن قلت ما معنى هذا السؤال عند لقاء العدو قلت لأنهم كانوا عازمين على قتال العدو وصانوا سيوفهم وأسنتهم وغيرها عن استعمالها لأن ذلك يفسد الآلة ولم يكن لهم سكاكين صغار معدة للذبح قوله ما أنهر الدم أي ما أسال وأجرى الدم وكلمة ما شرطية وموصولة والحكمة في اشتراط الإنهار التنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها ويقال معنى أنهر الدم أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وعند الخشني ما انهز بالزاي من النهز وهو الدفع وهو غريب قوله فكلوه الفاء جواب الشرط أو لتضمنه معناه قوله ليس السن والظفر كلمة ليس بمعنى إلا وإعراب ما بعده النصب وقال صاحب ( التلويح ) هما منصوبان على الاستثناء بليس وفيه ما فيه قوله فسأحدثكم أي سأبين لكم العلة في ذلك وليست السين هنا للاستقبال بل للاستمرار كما في قوله تعالى ستجدون آخرين ( النساء 19 ) وزعم الزمخشري أن السين إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة قوله أما السن فعظم قال التيمي العظم غالبا لا يقطع إنما يجرح ويدمي فتزهق النفس من غير أن يتيقن وقوع الذكاة فلهذا نهى عنه وقال النووي لا يجوز بالعظم لأنه يتنجس بالدم وهو زاد إخواننا من الجن ولهذا نهى عن الاستنجاء به وقال البيضاوي هو قياس حذف عنه فقدمه الثانية لظهورها عندهم وهي أن كل عظم لا يحل الذبح به قوله وأما الظفر فمدى الحبشة المعنى فيه أن لا يتشبه بهم لأنهم كفار وهو شعار لهم وفي الحديث من تشبه بقوم فهو منهم رواه أبو داود وقال الخطابي ظاهره يوهم أن مدى الحبشة لا تقع بها الذكاة ولا خلاف أن مسلما لو ذكى بمدية حبشي كافر جاز فمعنى الكلام أن أهل الحبشة يدمون مذابح الشاة بأظفارهم حتى تزهق النفس خنقا وتعذيبا ويحلونها محل الذكاة فلذلك ضرب المثل به
ذكر ما يستفاد منه وهو على أنواع
الأول عدم جواز الأكل من الغنيمة قبل القسمة عند الانتهاء إلى دار الإسلام
الثاني فيه جواز قسم الغنم والبقر والإبل بغير تقويم وبه قال مالك والكوفيون وأبو ثور إذا كان ذلك على التراضي وقال الشافعي لا يجوز قسم شيء من الحيوان بغير تقويم قال إنما كان ذلك على طريق القيمة ألا ترى أنه عدل عشرة من الغنم ببعير وهذا معنى التقويم وقال القرطبي وهذه الغنيمة لم يكن فيها غير الإبل والغنم ولو كان فيها غير ذلك لقوم جميعا وقسمه على القيمة
الثالث فيه أن ما ند من الحيوان الإنسي لم يقدر عليه جاز أن يذكي بما يذكى به الصيد وبه قال أبو حنيفة والشافعي وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وطاووس وعطاء والشعبي والأسود بن يزيد والنخعي والحكم وحماد والثوري وأحمد والمزني وداود وقال النووي والجمهور ذهبوا إلى حديث أبي العشراء عن أبيه قال قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في اللبة والحلق قال لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك قلت حديث أبي العشراء رواه الأربعة فأبو داود عن أحمد بن يونس عن حماد بن سلمة عن أبي العشراء والترمذي عن أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن حماد بن سلمة وقال الترمذي بعد أن رواه قال أحمد بن منيع قال يزيد هذا في الضرورة وقال أيضا هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث واختلفوا في اسم أبي العشراء فقال بعضهم اسمه أسامة بن قهطم ويقال يسار بن برز ويقال ابن بلز ويقال اسمه عطارد وقال أبو علي المديني المشهور أن اسمه أسامة بن مالك بن قطهم فنسب إلى جده وقهطم بكسر القاف وسكون الهاء والطاء المهملة وقال ابن الصلاح فيما نقله من خط البيهقي وغيره بكسر القاف وقيل قحطم بالحاء المهملة وقال مالك وربيعة والليث لا يؤكل إلا بذكاة الإنسي بالنحر أو الذبح استصحابا لمشروعية أصل ذكاته لأنه وإن كان قد لحق بالوحش في الامتناع = التالي هو ج25.وج26.بمشيئة الله البارئ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...