ج35.وج36.عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني
7
- ( باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( المائدة67 )
أي هذا باب في قوله تعالى يا أيها الرسول الآية ذكر الواحدي من حديث الحسن بن محمد
قال حدثنا علي بن عباس عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد قال نزلت هذه
الآية يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي
الله تعالى عنه وقال مقاتل قوله بلغ ما أنزل إليك وذلك أن النبي دعا اليهود إلى
الإسلام فأكثر الدعاء فجعلوا يستهزؤن به ويقولون أتريد يا محمد أن نتخذك حنانا كما
اتخذت النصارى عيسى عليه الصلاة و السلام حنانا فلما رأى رسول الله ذلك سكت عنهم
فحرض الله تعالى نبيه على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن
الدعاء وقال الزمخشري نزلت هذه الآية بعد أحد وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا
رسول الله لما بعثني الله عز و جل برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من
يكذبني وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى فنزلت وقيل نزلت في عيينة بن حصين وفقراء
أهل الصفة وقيل في الجهاد وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضا بعض المؤمنين فكان
النبي يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم له فنزلت
وقيل بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش وهو مذكور في البخاري وقيل بلغ
ما أنزل إليك أي في أمر نسائك وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين معناه بلغ ما
أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية
أخذ بيد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه وقيل بلغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين
فلما نزلت هذه الآية خطب في حجة الوداع ثم قال اللهم هل بلغت وعند الجوزي بلغ ما
أنزل إليك من الرجم والقصاص
4612 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إسماعيل ) عن ( الشعبي ) عن (
مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه
فقد كذب والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي صرح به أبو نعيم وسفيان هو
الثوري وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجلي الكوفي والشعبي هو عامر ومسروق هو ابن
الأجدع والحديث أخرجه البخاري مطولا ومختصرا وأخرجه في التوحيد مقطعا وأخرجه مسلم
في الإيمان عن ابن نمير وغيره وأخرجه الترمذي في التفسير عن أحمد بن منيع وعن ابن
أبي عمرو وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى مطولا وفيه الزيادة وأخرجه عن
آخرين أيضا
8 -
( باب قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( البقرة225 )
أي هذا باب في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وليس لفظ باب إلا في
رواية أبي ذر واللغو في اليمين هو قولك لا والله ويلي والله وقيل معنى اللغو الإثم
والمعنى لا يؤاخذكم الله بالإثم في الحلف إذا كفرتم وقال ابن جبير هو الرجل يحلف
على المعصية وقال إبراهيم هو أن ينسى وقال زيد بن أسلم هو قول الرجل أعمى الله
بصري إن لم أفعل كذا وكذا ونحوه وقال ابن عباس هو أن يحرم ما أحل الله له فليس
عليه كفارة وقال طاوس والقاضي إسماعيل هو أن يحلف وهو غضبان وعند الشافعي هو سبق
اللسان من غير قصد وقال أبو الوليد بن رشيد ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها اليمين
على شيء يظن الرجل أنه على يقين منه فيخرج الشيء على خلاف ما حلف عليه وقال
الشافعي لغو اليمين ما لم تنعقد النية عليه مثل ما جرت به العادة من قول الرجل في
أثناء المخاطبة لا والله وبلى والله من غير أن يعتقد لزومه انتهى يقال لغا في
القول يلغو ويلغى لغوا ولغى لغا ولغاة اخطأ وكلمة لاغية فاحشة ولغا يلغو لغوا تكلم
وقال الجوهري لغا يلغو لغوا أي قال باطلا يقال لغوت باليمين ونباح الكلب لغو أيضا
ولغى بالكسر يلغى لغى مثله واللغي الصوت مثل الوغي ويقال أيضا لغى به يلغى لغا أي
لهج به واللغة
(18/206)
أصلها لغى ولغو والهاء عوض وجمعها
ولغات وفي ( تفسير الجوزي ) لما نزلت لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( المائدة87
) قالوا يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا يعني حلفهم على ما اتفقوا عليه فنزلت لا
يؤاخذكم الله الآية قال الثعلبي قال ابن عباس اتفاقهم كان على الصوم نهارا والقيام
ليلا وقال مقاتل كانوا عشرة حلفوا على ذلك أبو بكر وعمر وعلي والمقداد وعثمان بن
مظعون وأبو ذر وسلمان وابن مسعود وعمار وحذيفة وزاد بعضهم سالما مولى أبي حذيفة
وقدامة وزاد أبو أحمد إسحاق بن إبراهيم البستي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
تعالى عنهم
4613 - حدثنا ( علي بن سلمة ) حدثنا ( مالك بن سعير ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن (
عائشة ) رضي الله عنها أنزلت هاذه الآية لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم (
البقرة225 ) في قول الرجل لا والله وبلى والله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن سلمة هو الذي يقال له اللبقي بكسر اللام وتخفيف
الباء الموحدة وبالقاف النيسابوري من صغار مشايخ البخاري ولم يقع له ذكر عند
البخاري إلا في هذا الموضع وآخر في الشفعة وآخر في الدعوات وهكذا في الأصول علي بن
سلمة وبه صرح أبو مسعود وغيره وبه صرح أبو ذر عن المستملي حدثنا علي بن سلمة وروي
عن الكشميهني والحموي حدثنا علي بن عبد الله قيل إنه خطأ وفي رواية النسفي حدثنا
علي ولم ينسبه وقال الكلاباذي هو غير منسوب ومالك بن سعير بضم السين المهملة وفتح
العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء التيمي الكوفي ضعفه أبو داود وقال
أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني صدوق وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في
الدعوات واسم جده الحسن بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم وسين مهملة وهشام هو ابن
عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير والحديث من أفراده وأخرجه أبو داود مرفوعا وصححه
ابن حبان
4614 - حدثنا ( أحمد بن أبي رجاء ) حدثنا ( النضر ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن
( عائشة ) رضي الله عنها أن أباها كان لا يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين
قال أبو بكر لا أرى يمينا أري غيرها خيرا منها إلا قبلت رخصة الله وفعلت الذي هو
خير
هذا أيضا عن عائشة نفسها وقال الداودي هذا الحديث تفسير للحديث الأول وقال ابن
التين الحق أن الحديث الأول في تفسير لغو اليمين والثاني في تفسير عقد اليمين
وأخرجه عن أحمد بن أبي رجاء بالجيم ضد الخوف واسمه عبد الله بن أيوب أبي الوليد
الحنفي الهروي عن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل المازني عن هشام
بن عروة عن أبيه عن عائشة عن أبيها أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأخرجه ابن
حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول
الله إذا حلف على يمين لم يحنث إلى آخره قيل المحفوظ ما وقع في ( الصحيح ) أن ذلك
فعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه
9 -
( باب قوله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( المائدة87 )
أي هذا في قوله تعالى لا تحرموا وليس لغير أبي ذر باب قوله وإنما المروي عن غيره
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم بدون لفظ باب قوله وروى ابن أبي حاتم من طريق علي
بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب
النبي قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان
فبلغ ذلك النبي فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا نعم فقال النبي لكني أصوم وأفطر
وأصلي وأنام وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني وروى
ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك
(18/207)
4615 - حدثنا ( عمرو بن عون ) حدثنا (
خالد ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال كنا
نغزوا مع النبي وليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن
نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم
( المائدة87 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن عون بن أوس السلمي الواسطي نزل البصرة وخالد هو
ابن عبد الله الطحان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وعبد الله هو
ابن مسعود
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن محمد بن المثني وعن قتيبة وأخرجه مسلم في
النكاح عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره وأخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن
إبراهيم وغيره
قوله ألا نختصي من خصاه إذا نزع خصيته يخصيه خصاء قوله فنهانا عن ذلك يعني عن
الاختصاء وفيه تحريم الاختصاء لما فيه من تغيير خلق الله تعالى ولما فيه من قطع
النسل وتعذيب الحيوان قوله بالثوب ليس بقيد أي بالثوب وغيره مما يتراضيان به قوله
ثم قرأ أي عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وقال النوري فيه إشارة إلى أن عبد
الله كان يعتقد إباحة المتعة كقول ابن عباس وأنه لم يبلغهما نسخها وقال القاضي
عياض روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم في رواية ابن مسعود وابن
عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني رضي الله تعالى عنهم وليس في
أحاديثهم أنها كانت في الحضر وإنما كانت في أسفارهم في الغزو وعند ضرورتهم وعدم
النساء مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل وقد ذكر في حديث ابن عمر أنها كانت
رخصة في أول الإسلام إن اضطروا إليها كالميتة ونحوها وعن ابن عباس نحوه وقال
المازري ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة
أنه نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وتعلقوا
بالأحاديث المنسوخة فلا دلالة لهم فيها وتعلقوا بقوله تعالى فما استمتعتم به منهن
فأتوهن أجورهن ( النساء24 ) وفي قراءة ابن مسعود فما استمتعتم به منهن إلى أجل
وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآنا ولا خبرا
10 -
( باب قوله إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ( المائدة90
)
أي هذا باب في قوله تعالى إنما الخمر الآية لم يقع لفظ باب إلا في رواية أبي ذر
وفي هذه الآية الكريمة نهى الله عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار
وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبس بن مرحوم عن حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
علي رضي الله تعالى عنه أنه قال الشطرنج من القمار وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد
بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان أن الليث وعطاء ومجاهدا وطاوس قالوا كل
شيء من القمار فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز وروى عن راشد بن سعد وحمزة بن
حبيب مثله قالا حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان وقال ابن كثير في
( تفسيره ) وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر أنه شر من النرد ونص على تحريمه
مالك وأبو حنيفة وأحمد وكرهه الشافعي قلت إذا كان الشطرنج شرا من النرد فانظر ما
قال رسول الله في النرد رواه مالك في ( الموطأ ) وأحمد في ( مسنده ) وأبو داود
وابن ماجه في ( سننيهما عن ) أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول
الله من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال
قال رسول الله من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده بلحم خنزير ودمه
وقال ابن عباس الأزلام القداح يستقسمون بها في الأمور
هذا التعليق رواه أبو بكر بن المنذر عن علان بن المغيرة حدثنا أبو صالح حدثنا
معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ورواه أبو محمد بن أبي حاتم بسند صحيح نحوه
قال وروى عن الحسن ومجاهد وإبراهيم وعطاء ومقاتل نحو ذلك قوله
(18/208)
الأزلام جمع زلم بفتح الزاي واللام
وجاء فيه ضم الزاي قوله القداح جمع قدح بكسر القاف وسكون الدال وهو السهم الذي
كانوا يستقسمون به أو الذي يرمى به عن القوس يقال للسهم أول ما يقطع قطع ثم ينحت
ويبرى فيسمى بريا ثم يقوم فيسمى قدحا ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهما قوله يستقسمون
بها من الاستسقام وهو طلب القسم الذي قسم له وقدر مما لم يقدر وهو استفعال منه
وكانوا إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا أو نحو ذلك من المهمات ضرب بالأزلام وهي
القداح وكان على بعضها مكتوب أمرني ربي وعلى الآخر نهاني ربي وعلى الآخر غفل فإن
خرج أمرني ربي مضى لشأنه وإن خرج نهاني أمسك وإن خرج الغفل عادا أحالها وضرب بها
أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النهي قلت الغفل بضم الغين المعجمة وسكون الفاء وقال
ابن الأثير هو الذي لا يرجى خيره ولا شره والمراد هنا الخالي عن شيء وذكر ابن
إسحاق أن أعظم أصنام قريش كان هبل وكان في جوف الكعبة وكانت الأزلام عنده يتحاكمون
فيما أشكل عليهم فيما خرج منها رجعوا إليه
والنصب أنصاب يذبحون عليها
هذا أيضا من قول ابن عباس وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قوله والنصب
بضم النون والصاد وسكونها مفرد جمعه أنصاب وقال ابن الأثير النصب حجر كانوا
ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم ويقال الأنصاب أيضا جمع نصب بفتح النون وسكون
الصاد وهي الأصنام
وقال غيره الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام
أي قال غير ابن عباس الزلم بفتحتين هو القدح الذي لا ريش له وقد مر الكلام فيه عن
قريب قوله وأحد الأزلام أي الزلم مفرد وجمعه أزلام وفي الحقيقة لا فرق بين هذا
القول وبين قول ابن عباس الذي مضى غير أن ابن عباس لم يذكر في كلامه مفرد الأزلام
وفي القول ذكر المفرد ثم الجمع
والاستسقام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره
أشار به إلى تفسير قول ابن عباس يستقسمون بها في الأمور وهو مشتق من الاستقسام وهو
أن يجيل القداح فإن طلع القدح الذي عليه النهي انتهى وترك وإن طلع الذي عليه الأمر
ائتمر وفعل وقد مر بيانه عن قريب
يجيل يدير
أشار به إلى أن معنى قوله يجيل يدير من الإجالة بالجيم وهي الإدارة وهذا ما ثبت
إلا في رواية أبي ذر
وقد أعلموا القداح أعلاما بضروب يستسقمون بها
أي الجاهلية أعلموا القداح لضروب أي لأنواع من الأمور يطلبون بذلك بيان قسمهم من
الأمر أو النهي
وفعلت منه قسمت والقسوم المصدر
أشار به إلى أن من أراد أن يخبر عن نفسه من لفظ الاستسقام يقول قسمت بضم التاء
وأشار بقوله والقسوم المصدر إلى أن مصدر قسمت الذي هو إخبار عن نفسه من الثلاثي
المجرد يأتي قسوما على وزن فعولا وقد جاء لفظ القسوم في قول الشاعرة
ولم أقسم فتحبسني القسوم
ولكن الاحتجاج بهذا على أن لفظ القسوم مصدر فيه نظر لأنه يحتمل أن يكون جمع قسم
بكسر القاف
138 - ( حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر ابن
عبد العزيز قال حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزل تحريم الخمر وإن
(18/209)
في المدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها
شراب العنب )
مطابقته للترجمة ظاهرة واسحق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه ومحمد بن بشر بكسر
الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي الكوفي وعبد
العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي المدني وقال الحميدي
ليس له في الصحيح عن نافع إلا هذا الحديث والحديث من أفراده قوله لخمسة أشربة وهي
شراب التمر والعسل والحنطة والشعير والذرة فإن قلت روى أحمد من رواية المختار بن
فلفل قال سألت أنسا عن الأوعية الحديث وفيه الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة
والشعير والذرة وفي رواية أبي يعلى الموصلي وحرمت الخمر وهي من العنب والتمر
والعسل والحنطة والشعير والذرة وفي رواية أبي هريرة عن النبي الخمر من هاتين
الشجرتين النخلة والعنب رواه مسلم قلت لا تعارض بين هذه الأحاديث لأن كل واحد من
الرواة روى ما حفظه من الأصناف وأيضا أن مفهوم العدد ليس بحجة على الصحيح وعليه
الجمهور فإن قلت حديث أبي هريرة يدل على الحصر قلت لا نسلم ذلك لأن الحصر إنما
يكون إذا كان المبتدأ والخبر معرفتين كقولك الله ربنا ونحوه -
4617 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا ( ابن علية ) حدثنا ( عبد العزيز بن صهيب
) قال قال ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي
تسمونه الفضيخ فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجل فقال وهل بلغكم الخبر
فقالوا وما ذاك قال حرمت الخمر قالوا أهرق هاذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها
ولا راجعوها خبر الرجل
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله حرمت الخمر ويعقوب بن إبراهيم الدورق وهو شيخ مسلم
أيضا وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن
يحيى بن أيوب
قوله غير فضيخكم الفضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وفي آخره خاء معجمة وهو
شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار واشتقاقه من الفضخ وهو الكسر وقال
إبراهيم الحربي الفضيخ أن يكسر اليسر ويصب عليه الماء ويترك حتى يغلي وقال أبو عبيد
هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار فإن كان تمرا فهو خليط قوله أبا طلحة هو
زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس قوله وفلانا وفلانا وفي رواية مسلم من حديث عبد
العزيز بن صهيب إني لقائم أسقيهاأبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب رسول الله في
بيتنا إذ جاء رجل الحديث وفي رواية له من حديث قتادة عن أنس قال كنت أسقي أبا
دجانة ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار وفي رواية أخرى له من حديث سليمان التيمي
حدثنا أنس بن مالك قال إني لقائم على الحي على عمومتي أسقيهم من قضيخ لهم وأنا
أصغرهم سنا لحديث وفي رواية أخرى عن قتادة عن أنس قال إني لأسقي أبا طلحة وأبا
دجانة وسهيل بن بيضاء من مزادة الحديث وسيأتي في كتاب الأشرية من حديث أنس قال كنت
أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ الحديث قوله إذ جاء رجل كلمة إذا
انظر فيه معنى المفاجأة والرجل لم يسم قوله أهرق أمر من إهراق وقيل الصواب أرق لأن
الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما ورد عليه بأن أهل اللغة أثبتته كذلك قوله
القلال بالكسر جمع قلة وهي الجرة التي يقلها القوي من الرجال والكوز اللطيف الذي
تقله اليد ولا يثقل عليها وفي الحديث جواز العمل بخبر الواحد وفيه أن الخمر كانت
مباحة قبل التحريم
4618 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( ابن عيينة ) عن ( عمرو ) عن ( جابر ) قال
صبح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم جميعا شهداء وذلك قبل تحريمها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وذلك قبل تحريمها وابن عيينة هو سفيان وعمرو هو ابن
دينار والحديث مضى في
(18/210)
الجهاد في باب فضل قول الله تعالى ولا
تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ( آل عمران169 ) الآية فإنه أخرجه هناك عن علي بن
عبد الله عن سفيان عن عمرو عن جابر إلى آخره ومر الكلام فيه هناك ومر في المغازي
أيضا عن عبد الله بن محمد
والحديث أخرجه البزار في ( مسنده ) حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو بن
دينار سمع جابر بن عبد الله يقول اصطبح ناس الخمر من أصحاب رسول الله ثم قتلوا
شهداء يوم أحد فقالت اليهود فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم فأنزل الله
تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( المائدة93 ) ثم قال
وهذا إسناد صحيح وهو كما قال ولكن في سياقه غرابة وهذا الحديث يدل على أن تحريم
الخمر كان بعد غزوة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة
4619 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ) أخبرنا ( عيسى وابن إدريس ) عن ( أبي
حيان ) عن ( الشعبي ) عن ( ابن عمر ) قال سمعت ( عمر ) رضي الله عنه على منبر
النبي يقول أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر
والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه وعيسى هو ابن يونس بن أبي
إسحاق السبيعي وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي وأبو حيان بفتح
الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف يحيى بن سعيد التيمي والشعبي هو عامر بن
شراحيل
والحديث أخرجه أيضا في الاعتصام عن إسحاق أيضا وفي الأشربة أيضا عن أحمد بن أبي
رجاء وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود في
الأشربة عن أحمد بن حنبل وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه
وفي الوليمة عن يعقوب بن إبراهيم وعن آخرين وهذا الحديث موقوف على عمر رضي الله
تعالى عنه ورواه النسائي من رواية زكريا بن أبي زائدة ومحمد بن قيس كلاهما عن
الشعبي ومن رواية أبي حصين عن الشعبي عن ابن عمرة ولم يذكر عمر
قوله والخمر ما خمرالعقل أي ستره وغطاه وسار عليه كالخمار وهو بعمومه يتناول كل ما
أزال العقل سواء كان متخذا من العنب والزبيب والحبوب بأنواعها أو نباتا كجوز الهند
والحشيش ولبن الخشخاش وكل ذلك إذا أسكر حرم ولا تعارض بين حديث عمر هذا وبين حديث
ابنه عبد الله المذكور في أول الباب لما ذكرنا من الجواب عنه هناك
11 -
( باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى قوله والله يحب
المحسنين ( المائدة93 )
أي هذا باب في قوله عز و جل ليس على الذين آمنوا الآية هذا المقدار المذكور رواية
أبي ذر وفي رواية غيره باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
إلى قوله والله يحب المحسنين ليس في بعض النسخ لفظ باب وقال أحمد بن حنبل حدثنا
أسود بن عامر أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لما حرمت الخمر قال
أناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله عز و جل ليس على
الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا قال ولما حولت القبلة قال أناس يا
رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله
ليضيع إيمانكم ( البقرة113 ) قوله جناح أي إثم قوله إذا ما اتقوا يعني المعاصي
والشرك قوله وآمنوا قيل بالله ورسوله وقيل بتحريم الخمر قوله وعملوا الصالحات يعني
أقاموا على الفرائض قوله ثم اتقوا هذه الثانية المراد بها اجتنبوا العود إلى الخمر
بعد التحريم وقيل ظلم العباد وقيل ثم اتقوا الشبهات وقيل جميع المحارم قوله
وأحسنوا أي العمل
4620 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) حدثنا ( ثابت ) عن ( أنس )
رضي الله عنه أن
(18/211)
الخمر التي أهريقت الفضيخ وزادني محمد
عن أبي النعمان قال كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا
فنادى فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت قال فخرجت فقلت هذا مناد ينادي ألا
إن الخمر قد حرمت فقال لي اذهب فأهرقها قال فجرت في سكك المدينة قال وكانت خمرهم
يومئذ الفضيخ فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم قال فأنزل الله ليس على الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم والحديث مضى
في المظالم في باب صب الخمر في الطريق فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الرحمن عن
عفان عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس
قوله الفضيخ بالرفع لأنه خبر إن قوله وزادني محمد أي قال البخاري أي زادني محمد
فيه وهو محمد بن سلام البيكندي ولم يقع لفظ البيكندي إلا في رواية أبي ذر وهو يعلم
أن المراد بمحمد المذكور مجردا عن النسبة هو البيكندي ولم يقف الكرماني على هذا فقال
محمد قال الغساني هو محمد بن يحيى الذهلي وكذا لم يقف عليه بعض من كتب على مواضع
من البخاري ممن عاصرناه فقال القائل وزادني هو الفربري ومحمد هو البخاري وهو ذهول
جدا وحاصل الكلام أن البخاري سمع هذا الحديث من أبي النعمان مختصرا ومن محمد بن
سلام عن أبي النعمان مطولا قوله فأمر أي النبي قوله فجرت أي سالت وليس في هذا
الحديث تعيين وقت التحريم وقد روى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان
يهدي لرسول الله كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براوية فقال أشعرت أنها
قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وانتفع بثمنها فنهاه انتهى وكان إسلام تميم بعد
الفتح
12 -
( باب قوله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( المائدة101 )
أي هذا باب في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء هذا هكذا في رواية أبي ذر وليس في
رواية غيره لفظ باب قوله وإنما هو لا تسألوا إلى آخره قوله لا تسألوا الآية تأديب
من الله تعالى عباده المؤمنين ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في
السؤال والنقيب عنها لأنها إن ظهرت تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها كما
جاء في الحديث أن رسول الله قال لا يبلغني أحد عن أحد شيئا آني أحب أن أخرج إليكم
وأنا سليم الصدر
4621 - حدثنا ( منذر بن الوليد بن عبد الرحمان الجارودي ) حدثنا ( أبي حديثا شعبة
) عن ( موسى بن أنس ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال خطب رسول الله خطبة ما سمعت
مثلها قط قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فغطى أصحاب رسول
الله وجوههم لهم حنين فقال رجل من أبى قال فلان فنزلت هاذه الآية لا تسألوا عن
أشياء إن تبد لكم تسؤكم
مطابقته للترجمة ظاهرة ومنذر على وزن اسم الفاعل من الإنذار ابن الوليد بن عبد
الرحمن بن أبي حبيب ابن علباء بن حبيب بن الجارود العبدي البصري الجارودي نسبة إلى
جده الأعلى وهو ثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في كفارت الأيمان
وأبوه ماله ذكر إلا في هذا الموضع وموسى بن أنس هو ابن أنس بن مالك يروي عن أبيه
هذا الحديث
وأخرجه البخاري أيضا في الرقاق وفي الاعتصام عن محمد بن عبد الرحيم وأخرجه مسلم في
فضائل النبي عن محمد بن معمر وغيره وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن معمر
وأخرجه النسائي في الرقاق عن محمود بن غيلان مختصرا
قوله لهم حنين بالحاء المهملة في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بالخاء
المعجمة
(18/212)
قال النووي في معظم النسخ ولمعظم
الرواة يعني بالمعجمة قال القرطبي وهو المشهور وهو خروج الصوت من الأنف بغنة وفي (
التوضيح ) وعند العذري بحاء مهملة وممن ذكرها القاضي وصاحب ( التحرير ) وذكر
القزاز أنه قد يكون الحنين والخنين واحدا إلا أن الذي بالمهملة من الصدر وبالمعجمة
من الأنف وقال ابن سيده الحنين من بكاء النساء دون الانتحاب وقيل هو تردد البكاء
حتى يصير في الصوت غنة وقيل هو رفع الصوت بالبكاء وقيل هو صوت يخرج من الأنف حتى
يخن والخنين أيضا الضحك إذا أظهره الإنسان فخرج خافيا وقال في الحاء المهملة
الحنين الشديد من البكاء والطرب وقيل هو صوت الطرب كان ذلك عن حزن أو فرح وقال
الخطابي الحنين بكاء دون الانتحاب قلت وأصله من حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها
وإن لم يكن لها صوت عند ذلك وقال ابن فارس وقد يكون حنينها صوتها ويدل عليه ما جاء
في الحديث من حنين الجذع قوله فقال رجل من أبي قال بعضهم تقدم في العلم أنه عبد
الله بن حذافة قلت فيه نظر لا يخفى لأن الذي في العلم من رواية شعيب عن الزهري عن
أنس وهذا من رواية شعبة عن موسى بن أنس عن أنس فمن أين التعيين على أن في رواية
العسكري نزلت في قيس بن حذافة وفي رواية خارجة بن حذافة وكل هؤلاء صحابة
رواه النضر وروح بن عبادة عن شعبة
أي روى هذا الحديث النضر بن شميل وروح بن عبادة عن شعبة بإسناده أما رواية النضر
فوصلها مسلم قال حدثنا محمود ابن غيلان ومحمد بن قدامة السلمي ويحيى بن محمد
اللؤلؤي وألفاظهم متقاربة قال محمود حدثنا النضر بن شميل وقال الآخران أخبرنا
النضر أخبرنا شعبة حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال بلغ رسول الله عن أصحابه
شيء فخطب فقال عرضت علي الجنة والنار الحديث وفي آخره فنزلت هذه الآية يا أيها
الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( المائدة101 ) وأما رواية روح
بن عبادة فوصلها البخاري في كتاب الاعتصام ورواها مسلم أيضا وقال حدثنا محمد ابن
معمر بن ربعي القيسي حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة قال رجل يا رسول الله من أبي
قال أبوك فلان فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية بتمامها
(18/213)
13 -
( باب ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ( المائدة103 )
أي هذا باب في قوله تعالى ما جعل الله إلى آخره قوله ما جعل الله أي ما أوجبها ولا
أمر بها ولم يرد حقيقة الجعل لأن الكل خلقه وتدبيره ولكن المراد بيان ابتداعهم
فيما صنعوه من ذلك والآن يأتي تفسير هذه الأشياء المذكورة
وإذ قال الله يقول قال الله وإذ هاهنا صلة
أشار به إلى قوله تعالى وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم ( المائدة110 ) وأن لفظ
قال الذي هو ماض بمعنى يقول المضارع لأن الله تعالى إنما يقول هذا القول يوم
القيامة وإن كلمة إذ صلة أي زائدة وقال الكرماني لأن للماضي وهاهنا المراد به
المستقبل قلت اختلف المفسرون هنا فقال قتادة هذا خطاب الله تعالى لعبده ورسوله
عيسى ابن مريم عليهما السلام يوم القيامة توبيخا وتقريعا للنصارى وقال السدي هذا
الخطاب والجواب في الدنيا وقال ابن جرير هذا هو الصواب وكان ذلك حين رفعه إلى
السماء الدنيا واحتج في ذلك بشيئين أحدهما أن لفظ الكلام لفظ الماضي والثاني قوله
إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم قلت فعلى هذا لا يتوجه
ما قاله من أن قال بمعنى يقول ولا أن كلمة إذ صلة على أنه لا يقال إن في كلام الله
عز و جل شيئا زائدا ولئن سلمنا وقوع ذلك يوم القيامة فلا يلزم من ذلك ذكره بلفظ
المضارع لأن كل ما ذكر الله من وقوع شيء في المستقبل فهو كالواقع جزما لأنه محقق
الوقوع فكأنه قد وقع وأخبر بالماضي ونظائر هذا في القرآن كثيرة وقال بعضهم قوله
وإذ قال الله يقول قال الله وإذ هاهنا صلة كذا ثبت هذا وما بعده هنا وليس بخاص به
وهو على قدمناه من ترتيب بعض الرواة انتهى قلت كيف رضي أكثر الرواة بهذا الترتيب
الذي ما رتبه المؤلف والحال أنه نقح مؤلفه كما ينبغي وقرىء عليه مرارا عديدة
والقرائن تدل على أن هذا وأمثاله من وضع المؤلف وغيره ممن هو دونه لا يستجرىء أن
يزيد شيئا في نفس ما وضعه هو ولا سيما إذا كان ذلك بغير مناسبة أو بتعسف فيه
المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقة بائنة والمعنى ميد بها صاحبها من خير
يقال مادني يميدني
أشار به إلى بيان لفظ مائدة في قوله تعالى إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل
يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ( المائدة112 ) فقوله المائدة أصلها
مفعولة ليس على طريق أهل الفن في هذا الباب لأن أصل كل كلمة حروفها وليس المراد
هنا بيان الحروف الأصول وإنما المراد أن لفظ المائدة وإن كان على لفظ فاعلة فهو
بمعنى مفعولة يعني مميودة لأن ماد أصله ميد قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما
قبلها والمفعول منها للمؤنث مميودة ولكن تنقل حركة الياء إلى ما قبلها فتحذف الواو
فتبقى مميدة فيفعل في إعلال هذا كما يفعل في إعلال مبيعة لأن أصلها مبيوعة فأعل
بما ذكرنا ولا يستعمل إلا هكذا على أن في بعض اللغات استعمل على الأصل حيث قالوا
تفاحة مطيوبة على الأصل ثم إن تمثيل البخاري بقوله كعيشة راضية صحيح لأن لفظ راضية
وإن كان وزنها فاعلة في الظاهر ولكنها بمعنى المرضية لامتناع وصف العيشة بكونها
راضية وإنما الرضا وصف صاحبها وتمثيله بقوله وتطليقة بائنة غير صحيح لأن لفظ بائنة
هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد حيث لا يبقى للمطلق
بالطلاق البائن رجوع إلى المرأة إلا بعقد جديد برضاها بخلاف حكم الطلاق الغير
البائن كما علم في موضعه قوله والمعنى إلى آخره إشارة إلى بيان معنى المائدة من
حيث اللغة وإلى بيان اشتقاقها أما معناها فميد بها صاحبها يعني امتير بها لأن معنى
ماده يميده لغة في ماره يميره من الميرة وأما اشتقاقها فمن ماد يميد من باب فعل
يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل وهو اجوف يائي كباع يبيع وقال
الجوهري الممتار مفعتل من الميرة ومنه المائدة وهو خوان عليه طعام فإذا لم يكن
عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان
وقال ابن عباس متوفيك مميتك
(18/214)
أشار به إلى قوله تعالى إذا قال الله
يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ( آل عمران55 ) ولكن هذا في سورة آل عمران وكان
المناسب أن يذكر هناك وقال بعضهم كأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة فكتبها فيها
وقال الكرماني ذكر هذه الكلمة هاهنا وإن كانت من سورة آل عمران لمناسبة قوله تعالى
فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ( المائدة117 ) وكلاهما من قصة عيسى عليه
الصلاة و السلام قلت هذا بعيد لا يخفى بعده والذي قاله بعضهم أبعد منه فليتأمل ثم
إن تعليق ابن عباس هذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
4623 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح بن كيسان )
عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا
يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة خصوصا على هذا النسق
وهذا أخرجه مسلم في صفة أهل النار عن عمرو الناقد وغيره وأخرجه النسائي في التفسير
عن محمد بن عبد الله المرفوع منه دون الموقوف
قوله البحيرة على وزن فعيلة مفعولة واشتقاقها من بحر إذا شق وقيل هذا من الاتساع
في الشيء قوله درها بفتح الدال المهملة وتشديد الراء وهو اللبن قوله للطواغيت أي
لأجل الطواغيت وهي الأصنام وقال ابن الأثير كانوا إذا ولدت إبلهم سبعا بحروا أذنها
أي شقوها وقالوا اللهم إن عاش ففتى وإن مات فذكى فإذا مات أكلوه وسموه البحيرة
وقيل البحيرة هي بنت السائبة وقال أبو عبيدة جعلها قوم من الشاء خاصة إذا ولدت
خمسة أبطن بحروا أذنها أي شقوها وتركت ولا يمسها أحد وقال آخرون بل البحيرة الناقة
كذلك يخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل وقال علي بن أبي طلحة البحيرة هي الناقة
إذا انتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس فإن كان ذكرا ذبحوه وأكله الرجال دون النساء
وإن كان أنثى جذعوا أذنها فقالوا هذه بحيرة وعن السدي مثله قوله فلا يحلبها أحد من
الناس أطلق نفي الحلب وكلام أتى عبيدة يدل على أن المنفي هو الشرب الخاص قال أبو
عبيدة كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال وما
ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها قوله والسائبة على
وزن فاعلة بمعنى مسيبة وهي المخلاة تذهب حيث شاءت وكانوا يسيبونها لآلهتهم فلا
يحمل عليها شيء وقال أبو عبيدة كانت السائبة من جميع الأنعام وتكون من النذور
للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد قال وقيل السائبة لا
تكون إلا من الإبل كان الرجل ينذر إن برىء من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرا
وقال محمد بن إسحاق السائبة هي الناقة إذا ولدت عشرة إناث من الولد ليس بينهن ذكر
سيبت فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يجلب لبها إلا لضيف
قال وقال أبو هريرة قال رسول الله رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار
كان أول من سيب السوائب
أي قال سعيد بن المسيب قال أبو هريرة قال رسول الله إلى آخره هذا حديث مرفوع أورده
في أثناء الموقوف قوله عمرو بن عامر قال الكرماني تقدم في باب إذا انفلتت الدابة
في الصلاة ورأيت فيها عمرو بن لحي بضم اللام وفتح المهملة وهو الذي سيب السوائب ثم
قال لعل عامر اسم ولحي لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجد قلت ذكر في ( التوضيح )
إنما هو عمرو بن لحي ولحي اسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء
وقيل لحي بن قمعة ابن الياس بن مضر نبه عليه الدمياطي وفي ( تفسير ابن كثير ) وعمر
وهذا هو ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم وكان أول من
غير دين إبراهيم الخليل عليه السلام فأدخل الأصنام إلى الحجاز ودعا الرعاع من
الناس إلى عبادتها والتقرب بها وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها
قوله قصبه بضم القاف واحدة الأقصاب
(18/215)
والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول
نتاج الإبل ثم تثنى بعد بأثنى وكانوا يسيبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى
ليس بينهما ذكر
هذا أيضا من تفسير سعيد بن المسيب الموقوف وليس بمتصل بالمرفوع قوله الوصيلة من
الوصل بالغير في اللغة والتي في الآية التي فسرها ابن المسيب بقوله الناقة البكر
تبكر أي تبتدىء وكل من بكر إلى الشيء فقد بادر إليه قوله بأنثى يتعلق بقوله تبكر
قوله ثم تثنى من التثنية أي تأتي في المرة الثانية بعد الأنثى الأولى بأنثى أخرى
والضمير في يسيبونها يرجع إلى الوصيلة قوله إن وصلت أي من أجل أن وصلت إحداهما أي
إحدى الأنثيين بالأنثى الأخرى والحال أن ليس بينهما ذكر وقال الكرماني إن وصلت
بفتح الهمزة وكسرها قلت الأظهر أن يكون بالفتح على ما لا يخفى وقال ابن الأثير
الوصيلة الشاة إذا ولدت ستة أبطن أنثيين أنثيين وولدت في السابعة ذكرا وأنثى قالوا
وصلت أخاها فأحلوا لبنها للرجال وحرموه على النساء وقيل إن كان السابع ذكرا ذبح
وأكل منه الرجال والنساء وإن كان أنثى تركت في الغنم إن كان ذكر أو أنث قالوا وصلت
أخاها ولم تذبح وكان لبنها حراما على النساء وقال ابن اسحاق الوصيلة الشاة تنتج
عشر أناث متتابعات في خمسة أبطن فيدعونها الوصيلة وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون
الإناث وتفسير ابن المسيب رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه وكذا روى عن مالك
رضي الله تعالى عنه
والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من
الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي
هذا أيضا من تفسير ابن المسيب قوله يضرب أي ينزو يقال ضرب الحمل الناقة يضربها إذا
نزا عليها وأضرب فلان ناقته إذا أنزى الفحل عليها وضراب الفحل نزوه على الناقة
والضراب المعدود هو أن ينتج من صلبه بطن بعد بطن إلى أن يصير عشرة أبطن فحينئذ
يقولون قد حمى ظهره قوله ودعوه أي تركوه لأجل الطواغيت وهي الأصنام قوله وسموه
الحامي لأنه حمى ظهره فلذلك يقال له حام مع أنه في الأصل محمي وهذا التفسير منقول
عن ابن مسعود وابن عباس وقيل الحام هو الفحل يولد لولده فيقولون حمى ظهره فلا
يجزون وبره ولا يمنعونه ماء ولا مرعى وقيل هو الذي ينتج له سبع إناث متواليات قاله
ابن دريد وقيل هو الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى ويقال فيه قد حمى ظهره
وقال لي أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت سعيدا قال يخبره بهاذا قال وقال
أبو هريرة سمعت النبي نحوه
قوله وقال لي أبو اليمان رواية أبي ذر وفي رواية غيره قال أبو اليمان بغير لفظة لي
وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف الحكم بن نافع يروي عن شعيب بن أبي حمزة الحمصي
عن محمد بن مسلم الزهري وقد تكرر هذا الإسناد على هذا النمط قوله يخبره بضم الياء
آخر الحروف وسكون الخاء المعجمة وكسر الباء الموحدة من الفعل المضارع من الإخبار
والضمير المرفوع فيه يرجع إلى سعيد بن المسيب والمنصوب يرجع إلى الزهري وفي رواية
أبي ذر عن الحموي والمستملي بحيرة بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون
الياء آخر الحروف وبالراء وكأنه أشار به إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية
إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري قوله قال وقال أبو هريرة أي قال سعيد
بن المسيب قال أبو هريرة سمعت النبي قوله نحوه أي نحو ما رواه في الرواية الماضية
وهو قوله البحيرة التي يمنع درها للطواغيت وقد تقدم في مناقب قريش قال حدثنا أبو
اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت
(18/216)
ابن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها
إلى آخره ثم قال وقال أبو هريرة عن النبي رأيت عمرو بن عامر الخزاعي إلى آخره
ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي
أي روى الحديث المذكور يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي عن محمد بن مسلم
بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب وقال الحاكم أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله
بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت عن الزهري كذا حكاه الحافظ المزي في ( الأطراف
) وسكت ولم ينبه عليه وفيما قال الحاكم نظر لأن الإمام أحمد وابن جرير روياه من
حديث الليث ابن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه والله أعلم
4624 - ح ( دثني محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني ) حدثنا ( حسان بن
إبراهيم ) حدثنا ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها
قالت قال رسول الله رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ورأيت عمرا يجر قصبه وهو أول من سيب
السوائب
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وهو أول من سبب السوائب ومحمد بن أبي يعقوب واسمه
إسحاق أبو عبد الله الكرماني قال البخاري كتبت عنه بالبصرة قدم علينا وقال مات سنة
أربع وأربعين ومائتين وقال النووي الكرماني بفتح الكاف وقال الكرماني الشارح أقول
بكسرها وهي بلدتنا وأهل مكة أعرف بشعابها وحسان إما من الحسن أو من الحس وهو
كرماني أيضا تقدما في أوائل البيع ويونس بن يزيد الأيلي والحديث من أفراده
قوله يحطم من الحطم وهو الكسر قوله عمرا هو عمرو بن عامر الخزاعي قوله قصبه واحد
الأقصاب وهي الأمعاء
14 -
( باب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على
كل شيء شهيدا ( المائدة117 )
أي هذا باب في قوله تعالى وكنت عليهم شهيدا الآية هذه والآيات التي قبلها من قوله
وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس ( المائدة116 ) إلى آخر السورة مما
يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليهما السلام قائلا له يوم القيامة
بحضرة من اتخذه وأمه إلاهين من دون الله تهديدا للنصارى وتوبيخا وتقريعا على رؤوس
الأشهاد وهكذا قال قتادة وغيره )
4625 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) أخبرنا ( المغيرة بن النعمان ) قال
سمعت ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال خطب رسول الله فقال يا
أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال كما بدأنا أول خلق نعيده
وعدا علينا إنا كنا فاعلين ( الأنبياء104 ) إلى آخر الآية ثم قال ألا وإن أول
الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات
الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد
الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال إن
هاؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي والحديث قد مضى في
مناقب إبراهيم عليه السلام وأخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان عن المغيرة بن
النعمان عن سعيد بن جبير عن النبي إلى آخره
قوله غرلا بضم الغين المعجمة جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت منه غرلته وهي ما
يقطعه
(18/217)
الختان من ذكر الصبي قوله ذات الشمال
جهة النار قوله أصيحابي مصغر الأصحاب كذا في رواية الأكثرين بالتصغير يدل على
تقليل عددهم ولم يرد به خواص أصحابه الذين لزموه وعرفوا بصحبته أولئك صانهم الله
وعصمهم من التبديل والذي وقع من تأخير بعض الحقوق إنما كان من جفاة الأعراف وكذلك
الذي ارتد ما كان إلا منهم ممن لا بصيرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة
المشهورين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قوله العبد الصالح هو عيسى ابن مريم عليهما
السلام
15 -
( باب قوله إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( المائدة118
)
(
أي هذا باب في قوله عز و جل أن تعذبهم الآية هذا حكاية عن كلام عيسى عليه السلام
ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره عز و جل والمعنى إن تعذب هؤلاء فذلك
بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم
وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك
15 -
( باب قوله إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (
المائدة118 )
(
أي هذا باب في قوله عز و جل أن تعذبهم الآية هذا حكاية عن كلام عيسى عليه السلام
ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره عز و جل والمعنى إن تعذب هؤلاء فذلك
بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم
وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك
4626 - حدثنا ( محمد بن كثير ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( المغيرة بن النعمان ) قال
حدثني ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) عن النبي قال إنكم محشورون وإن ناسا يؤخذ
بهم ذات الشمال فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله
العزيز الحكيم
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري والحديث أخرجه أيضا في الرقاق عن بندار عن
غندر وفي أحاديث الأنبياء عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي موسى
وبندار وغيرهما وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي موسى وغيره وأخرجه النسائي في
الجنائز عن محمد بن غيلان وغيره وفي التفسير عن سليمان بن عبد الله قوله محشورون
يعني مجموعون يوم القيامة قوله وأن ناسا ويروى وأن رجالا
6 -
( سورة الأنعام )
أي هذا في تفسير سورة الأنعام ذكر ابن المنذر بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة
الأنعام بمكة شرفها الله ليلا جملة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح وذكر
نحوه عن أبي جحيفة وعن مجاهد نزل معها خمسمائة ملك يزفونها ويحفونها وفي تفسير أبي
محمد بن إسحاق بن إبراهيم البستي خمسمائة ألف ملك وروي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء
والكلبي نزلت الأنعام بمكة إلا ثلاث آيات فإنها نزلت بالمدينة وهي من قوله تعالى
قل تعالوا إلى قوله تتقون ( الأنعام151 153 ) وفي أخرى عن الكلبي هي مكية إلا قوله
ما أنزل الله على بشر ( الأنعام91 ) الآيتين وقال قتادة هما قوله تعالى وما قدروا
الله حق قدره الآية الأخرى وهو الذي أنشأ جنات معروشات ( الأنعام141 ) وذكر ابن
العربي أن قوله تعالى قل لا أجد ( المائدة145 ) نزلت بمكة يوم عرفة وقال السخاوي
نزلت بعد الحجر وقبل الصافات وفي ( كتاب الفضائل ) لأبي القاسم محمد بن عبد الواحد
الغافقي قال قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه سور الأنعام تدعى في ملكوت
الله وفي رواية تدعى في التوراة المرضية سمعت سيدنا رسول الله يقول من قرأها فقد
انتهى وفي الكتاب ( الفائق في اللفظ الرائق ) لأبي القاسم عبد المحسن القيسي قال
من قرأ سورة الأنعام جملة ولم يقطعها بكلام غفر له ما أسلف من عمل لأنها نزلت جملة
ومعها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والأرض بهم ترتج وهي
مائة وخمس وستون آية وثلاث آلاف واثنتان وخمسون كلمة واثنا عشر ألف حرف وأربعمائة
واثنان وعشرون حرفا
(18/218)
للقرآن فما معنى هذا التتبع والطلب
لشيء إنما هو ليحفظه ويعلمه أجيب أنه كان يتتبع وجوهه وقراءاته ويسأل عنهما غيره
ليحيط بالأحرف السبعة التي نزل بها الكتاب العزيز ويعلم القراءات التي هي غير
قراءته قوله أجمعه حال من الأحوال المقدرة المنتظرة قوله من الرقاع بكسر الراء جمع
رقعة يكون من ورق ومن جلد ونحوهما قوله والأكتاف جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل
كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه قوله والعسب بضم العين والسين المهملتين جميع عسيب وهو
جريد النخل العريض منه وكانوا يكشطون خوصها ويتخذونها عصا وكانوا يكتبون في طرفها
العريض وقال ابن فارس عسيب النخل كالقضبان لغيره وذكر في التفسير اللخاف بالخاء
المعجمة وهي حجارة بيض رقاق واحدها لخفة وقال الأصمعي فيها عرض ودقة وقيل الخزف
قوله مع خزيمة الأنصاري وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الخطمي ذو الشهادتين
شهد صفين مع علي رضي الله عنه وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين قوله لم أجدهما مع أحد
غير خزيمة فإن قيل كيف ألحق هاتين الآيتين بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر قيل له
معناه لم أجدهما مكتوبتين عند غيره أو المراد لم أجدهما محفوظتين ووجهه أن المقصود
من التواتر إفادة اليقين والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد أيضا اليقين وكان
ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر في مثله بمحضر الصحابة
أن يقول إلا حقا وصدقا قلت إن خزيمة أذكرهم ما نسوه ولهذا قال زيد وجدتهما مع
خزيمة يعني مكتوبتين ولم يقل عرفني أنهما من القرآن مع تصريح زيد بأنه سمعهما من
النبي أو نقول ثبت أن خزيمة شهادته بشهادتين فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا قوله
لقد جاءكم إلى آخر بيان الآيتين
تابعه عثمان بن عمر والليث عن يونس عن ابن شهاب
أي تابع شعيبا في روايته عن الزهري عثمان بن عمر بن فارس البصري العبدي والليث بن
سعيد البصري كلاهما عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وروى
متابعة عثمان أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمد ابن يحيى عن عثمان بن
عمر عن يونس عن الزهري فذكره وأما متابعة الليث عن يونس فرواها البخاري في فضائل
القرآن وفي التوحيد
وقال الليث حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة الأنصاري
أشار بهذا إلى أن الليث رحمه الله له فيه شيخ آخر عن ابن شهاب وأنه رواه عنه
بإسناده المذكور ولكنه خالف في قوله مع خزيمة الأنصاري فقال أبي خزيمة ورواية
الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة ) من طريق أبي صالح كاتب
الليث عنه به وقال أبو الفرج قوله أبو خزيمة وهم ورد عليه بصحة الطريق إليه
ولاحتمال أن يكونا سمعاها كلاهما قلت أبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن
ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة
عثمان وهو أخو مسعود بن أوس وقال أبو عمر قال ابن شهاب عن عبيدا السباق عن زيد بن
ثابت وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري
وقال موسى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب مع أبي خزيمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أي قال موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال مع أبي خزيمة وهذا
التعليق وصله البخاري في فضائل القرآن وفي ( التلويح ) هذا التعليق رواه البخاري
مسندا في كتاب الأحكام في ( صحيحه )
وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه
أي تابع موسى في روايته عن إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه إبراهيم
ووصل هذه المتابعة في أبي خزيمة أبو بكر بن أبي داود في كتاب ( المصاحف ) من طريقه
بسم الله الرحمن الرحيم
ثبت البسملة في رواية أبي ذر ليس إلا
قال ابن عباس ثم لم تكن فتنتهم معذرتهم
أشار به إلى بيان تفسير قوله عز و جل ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذي أشروا أين
شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا
مشركين ( المائدة22 ) وفسرها ابن عباس بقوله معذرتهم ووصل هذا التعليق ابن أبي
حاتم عن أبيه حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء
الخراساني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال معمر عن قتادة فتنتهم مقالتهم
وعن الضحاك عن ابن عباس أي حجتهم
معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك
لم يقع هذا في رواية أبي ذر وأشار به إلى قوله تعالى وهو الذي أنشأ جنات معروشات
وغير معروشات ( الأنعام14 ) وفسر معروشات بقوله ما يعرش من الكرم وغير ذلك ووصله
ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى وهو الذي أنشأ
جنات معروشات قال ما يعرش من الكروم وغير معروشات ما لا يعرش وفي التفسير وقال علي
ابن أبي طلحة عن ابن عباس المعروشات ما عرش الناس وغير معروشات ما خرج في البر
والجبال من الثمرات وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معروشات مسموكات وقيل معروشات
ما يقوم على العراش وفي ( المغرب ) العرش السقف في قوله وكان عرش المسجد من جريد
النخل أي من أفنانه وأغصانه وعريش الكرم ما يهيأ ليرتفع عليه والجمع عراش
حمولة ما يحمل عليها
أشار بهذا إلى قوله تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشا ( الأنعام142 ) وفسر الحمولة
بقوله ما يحمل عليها وعن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله
حمولة ما حمل من الإبل وفرشا قال الصغار من الإبل رواه الحاكم وقال صحيح ولم يخرجاه
وقال ابن عباس الحمولة هي الكبار والفرش الصغار من الإبل وكذا قال مجاهد وقال علي
بن أبي طلحة عن ابن عباس الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه
والفرش الغنم واختاره ابن جرير قال وأحسبه إنما سمى فرشا لدنوه من الأرض وقال
الربيع بن أنس والحسن والضحاك وقتادة الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم وقال
السدي أما الحمولة فالإبل وأما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم وما حمل عليه فهو
حمولة وقال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم الحمولة تركبون والفرش ما تأكلون وتحلبون
الشاة لا تحمل ويؤكل لحمها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا
وللبسنا لشبهنا
أشار به إلى قوله تعالىوللبسنا عليهم ما يلبسون ( الأنعام9 ) وفسر للبسنا بقوله
لشبهنا ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وللبسنا
عليهم ما يلبسون بقوله لشبهنا عليهم وأصله من اللبس بفتح اللام وهو الخلط تقول لبس
يلبس من باب ضرب يضرب لبسا بالفتح ولبس الثوب يلبس من باب علم يعلم لبسا بالضم
وينأون يتباعدون
أشار به إلى قوله تعالى وهم ينهون عنه وينأون وفسر ينأون بقوله يتباعدون وكذا رواه
ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس والمعنى أن كفار مكة ينهون
الناس عن اتباع الحق ويتباعدون عنه وقال علي بن أبي طلحة ينهون الناس عن محمد
ويتباعدون أن يؤمنوا
(18/219)
تبسل تفضح أبسلوا افضحوا
أشار به إلى قوله تعالى وذكر أن تبسل نفس بما كسبت وفسر لفظ تبسل بقوله تفضح وكذا
رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال الضحاك عن ابن عباس
ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي إن تبسل أن تفضح وقال قتادة تحبس وقال أبي زيد تؤاخذ
وقال الكلبي تجزي وفي التفسير قوله تعالى وذكر به ( الأنعام70 ) أي ذكر الناس
بالقرآن وحذرهم نعمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة أن تبسل نفس بما كسبت أي لئلا
تبسل قوله أبسلوا إشارة إلى قوله تعالى أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا أي أفضحوا
بسبب كسبهم ويروى فضحوا من الثلاثي على صيغة المجهول
باسطو أيديهم البسط الضرب
أشار به إلى قوله تعالى والملائكة باسطو أيديهم ( الأنعام93 ) وقبله ولو ترى إذ
الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم وجواب لو محذوف
تقديره لرأيت عجيبا قوله باسطو أيديهم أي بالضرب وقيل بالعذاب وقيل بقبض الأرواح
من الأجساد ويكون هذا وقت الموت وقيل يوم القيامة وقيل في النار وقال الزمخشري
باسطو أيديهم يبسطون إليهم أيديهم يقولون أخرجوا أرواحكم إلينا من أجسادكم وهذا
عبارة عن العنف والإلحاح في الإزهاق قوله البسط الضرب تفسير البسط بالضرب غير موجه
لأن المعنى البسط بالضرب يعني الملائكة يبسطون أيديهم بالضرب كما ذكرنا
استكثرتم أضللتم كثيرا
أشار به إلى قوله تعالى يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ( الأنعام128 ) وفسره
بقوله أضللتم كثيرا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قد استكثرتم من الإنس بمعنى
أضللتم منهم كثيرا وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة وعجبي من شراح هذا الكتاب كيف
أهملوا تحقيق هذا الموضع وأمثاله فمنهم من قال هنا قوله استكثرتم أضللتم كثيرا
ووصله ابن أبي حاتم كذلك ومنهم من قال هو كما قال ومنهم من لم يذكره أصلا فإذا وصل
قارىء البخاري إلى هذا الموضع ووقف على قوله استكثرتم أضللتم ولم يكن القرآن في
حفظه حتى يقف عليه ولم يعلم أوله ولا آخره تحير في ذلك فإذا رجع إلى شرح من شروح
هؤلاء يزداد تحيرا وشرح البخاري لا يظهر بقوة الحفظ في الحديث أو بعلوا السند أو
بكثرة النقل ولايخرج من حقه إلا من له يد في الفنون ولا سيما في اللغة العربية
والمعاني والبيان والأصول مع تتبع معاني ألفاظه كلمة كلمة وبيان المراد منه
والتأمل فيه والغوص في تيار تحقيقاته والبروز منه بمكنونات تدقيقاته
ذرأ من الحرث جعلوا لله من ثمراتهم وما لهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا
أشار به إلى قوله عز و جل وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا وفسر قوله
ذرأ من الحرث بقوله جعلوا لله إلى آخره وهكذا رواه بن المنذر بسنده عن ابن عباس
وكذلك رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وزاد فإن سقط من ثمره ما جعلوا لله في نصيب
الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله لفظوه
أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني هل تشتمل إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون
بعضا وتحلون بعضا
هذا وقع لغير أبي ذر ولم أنظر نسخة إلا وهذه التفاسير فيها بعضها متقدم وبعضها
متأخر وبعضها غير موجود وفي النسخة التي اعتمادي عليها وقع هنا وأشار به إلى قوله
تعالى قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ( الأنعام144 )
ثم فسره قوله يعني هل تشتمل يعني الأرحام إلا على ذكر أو أنثى وكان المشركون
يحرمون أجناسا من النعم بعضها على الرجال والنساء وبعضها على النساء دون الرجال
فاحتج الله عليهم قوله قال آلذاكرين من حرم أم الأنثيين الآية
(18/22)
الذي حرمتم بأمر معلوم من جهة الله يدل
عليه أم فعلتم ذلك كذبا على الله تعالى وقال الفراء جاءكم التحريم فيما حرمتم من
السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من قبل الذكرين أم الأنثيين فإن قالوا من قبل
الذكر لزم تحريم كل ذكر أم من قبل الأنثى فكذلك وإن قالوا من قبل ما اشتمل عليه
الرحم لزم تحريم الجميع لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى
أكنة واحدها كنان
هذا ثبت لأبي ذر عن المستملي وهو متقدم في بعض النسخ وأشار به إلى قوله تعالى أكنة
أن يفقهوه ( الأنعام25 ) وقبله ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن
يفقهوه وفي آذانهم وقرأ الآية ثم قال واحدها أي أحد أكنة كنان على وزن فعال مثل
أعنة جمع عنان وأسنة جمع سنان وفي التفسير أكنة أي أغطية لئلا يفهموا القرآن
وجعلنا في آذانهم وقرأ أي صمما من السماع النافع لهم
مسفوحا مهراقا
أشار به إلى قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون
ميتة أو دما مسفوحا ( الأنعام145 وفسر مسفوحا بقوله مهراقا أي مصبوبا وقال العوفي
عن ابن عباس أو دما مسفوحا يعني مهراقا
صدف أعرض
أشار به إلى قوله فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ( الأنعام157 ) الآية
وفسر صدف بقوله أعرض وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة صدف عنها أعرض عنها أي عن آيات
الله تعالى وقال السدي أي صدف عن اتباع آيات الله أي صرف الناس وصدهم عن ذلك وقال
بعضهم قوله صدف أعرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى ثم هم يصدقون ( الأنعام46 ) أي
يعرضون قلت البخاري لم يذكر إلا لفظ صدف وإن كان معنى يصدقون كذلك فلا بلاد من
رعاية المناسبة
أبلسوا أوبسوا وأبسلوا أسلموا
أشار بقوله أبلسوا أوبسوا إلى أن معنى قوله تعالى فإذا هم مبلسون ( الأنعام44 ) من
ذلك قال أبو عبيدة فيه المبلس الحزين النادم وقال الفراء المبلس المنقطع رجاؤه
قوله أوبسوا على صيغة المجهول كذا وقع في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أيسوا
على صيغة المعلوم من أيس إذا انقطع رجاؤه قوله أبسلوا بتقديم السين على اللام
وفسره بقوله أسلموا أي إلى الهلاك وأشار به إلى قوله تعالى أولئك الذين أبسلو بما
كسبوا ( الأنعام70 ) وقد مر هذا عن قريب بغير هذا التفسير
سرمدا دائما
لا مناسبة لذكر هذا هاهنا لأنه لم يقع هذا إلا في سورة القصص في قوله تعالى قل
أرأيتم أن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة ( القصص71 ) سرمدا أي دائما
وقال الكرماني ذكره هنا لمناسبة فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا قلت لم يذكر وجه
أكثر هذه الألفاظ المذكورة ولا تعرض إلى تفسيرها وإنما ذكر هذا مع بيان مناسبة
بعيدة على ما لا يخفى
استهوته أضلته
أشار به إلى قوله تعالى كالذي استهوته الشياطين ( الأنعام71 ) وفسره بقوله أضلته
وكذا فسره قتادة
تمترون تشكون
أشار به إلى قوله تعالى ثم أنتم تمترون ( الأنعام20 ) وفسره بقوله تشكون وكذا فسره
السدي
وقر صمم
أشار به إلى قوله تعالى وفي آذانهم وقر وفسره بقوله صمم هذا بفتح الواو عند
الجمهور وقرأ طلحة بن مصرف بكسر الواو
(18/221)
0
وأما الوقر الحمل
أي وأما الوقر بكسر الواو فمعناه الحمل ذكره متصلا بما قبله لبيان الفرق بين مفتوح
الواو وبين مكسورها
فإنه أساطير واحدها أسطورة وإسطارة وهي الترهات
أشار به إلى قوله تعالى إلا أساطير الأولين وذكر أن الأساطير واحدها أسطورة بضم
الهمزة وأسطارة أيضا بكسر الهمزة ثم فسرها بقوله وهي الترهات بضم التاء المثناة من
فوق وتشديد الراء وهي الأباطيل قال أبو زيد هي جمع ترهة وقال ابن الأثير وهي في
الأصل الطرق الصغار المتشعبة عن الطريق الأعظم وهي كناية عن الأباطيل وقال الأصمعي
الترهات الطرق الصغار وهي فارسية معربة ثم استعيرت في الأباطيل فقيل الترهات
السباسب والترهات الصحاصح وهي من أسماء الباطل وربما جاءت مضافة وقال الجوهري وناس
يقولون ترة والجمع ترارية
البأساء من البأس ويكون من البؤس
أشار به إلى قوله تعالى فأخذناهم بالبأساء وأشار إلى أنه يجوز أن يكون من البأس هو
الشدة ويجوز أن يكون من البؤس بالضم وهو الضر وقيل هو الفقر وسوء الحال وقال
الداودي البأس القتال
جهرة معاينة
أشار به إلى قوله تعالى قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة وهم يشعرون هل
يهلك إلا القوم الظالمون ( الأنعام47 ) البغتة الفجأة والجهرة المعاينة وكذا فسره
أبو عبيدة
الصور جماعة صورة كقوله صورة وسور
أشار به إلى قوله تعالى يوم ينفخ في الصدور ( الأنعام33 ) وذكر أن الصور جمع صورة كما
أن السور جمع سورة واختلف المفسرون في قوله يوم ينفخ في الصور فقال بعضهم المراد
بالصور هنا جمع سورة أي يوم ينفخ فيها ضحى قال ابن جرير كما يقال سور لسور البلد
وهو جمع سورة والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام
وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان التميمي عن أسلم العجلي عن بشر بن
سعاف عن عبد الله بن عمرو قال قال أعرابي يا رسول الله ما الصور قال قرن ينفخ فيه
انتهى وهو واحد لا اسم جمع
ملكوت ملك مثل رهبوت خبر من رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم
أشار به إلى قوله تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وفسر ملكوت بقوله
ملك وقال الجوهري الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة ويقال الواو والتاء فيها
زائدتان وقال المفسرون ملكوت كل شيء معناه ملك كل شيء أي هو مالك كل شيء والمتصرف
فيه على حسب مشيئته ومقتضى إرادته وقيل الملكوت الملك ما بلغ الألفاظ وقيل الملكوت
عالم الغيب كما أن الملك عالم الشهادة قوله مثل رهبوت خير من رحموت أشار به إلى أن
وزن ملكوت مثل وزن رهبوت ورحموت وهذا مثل يقال رهبوت خير من رحموت أي رهبة خير من
رحمة وفي رواية أبي ذر هكذا ملكوت وملك رهبوت رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم
وفيه تعسف وفي رواية الأكثرين الذي ذكر أولا هو الصواب
جن أظلم
أشار به إلى قوله تعالى فلما جن عليه الليل ( الأنعام76 ) وفسره بقوله أظلم وعن
أبي عبيدة أي غطى عليه وأظلم وهذا في قصة إبراهيم عليه السلام
تعالى علا
أشار به إلى قوله تعالى سبحانه وتعالى عما يصفون وفسر تعالى بقوله علا ورقع في (
مستخرج ) أبي نعيم تعالى الله علا الله
(18/222)
وكذا في رواية النسفي وفي التفسير
سبحان الله أي تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه الجهلة الضالون من الأنداد والنظراء
والشركاء
وإن تعدل تقسط لا يقبل منها في ذلك اليوم
هذا وقع في رواية أبي ذر وحده وأشار به إلى قوله تعالى وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ
منها ( الأنعام70 ) وفسر تعدل بقوله تقسط بضم التاء من الإقساط وهو العدل والضمير
في وإن تعدل يرجع إلى النفس الكافرة المذكورة فيما قبله وفسر أبو عبيدة العدل
بالتوبة قوله لا يقبل منها في ذلك اليوم يعني يوم القيامة لأن التوبة إنما كانت
تنفع في حال الحياة قبل الموت كما قال تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن
يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو اقتدى به ( آل عمران91 ) الآية
يقال على الله حسبانه أي حسابه ويقال حسبانا مرامي ورجوما للشياطين
أشار به إلى قوله تعالى والشمس والقمر حسبانا ( الأنعام96 ) وقال هو جمع حساب وفي
التفسير والشمس والقمر حسبانا أي يجريان بحساب مقنن مقدر لا يتغير ولا يضطرب قوله
على الله حسبانه أشار به إلى أن حسبانا كما يجيء جمع حساب يجيء أيضا بمعنى حساب
مثل شهبان وشهاب وكذا فسره بقوله أي حسابه قوله ويقال حسبانا مرامي ورجوما
للشياطين مضى الكلام فيه في كتاب بدء الخلق في باب صفة الشمس والقمر
مستقر في الصلب ومستودع في الرحم
أشار به إلى قوله تعالى وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ( الأنعام98
) وقد فسر قوله مستقر بقوله مستقر في الصلب وقوله مستودع بقوله مستودع في الرحم
وكذا روي عن ابن مسعود وطائفة وعن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي وقيس بن أبي
حازم ومجاهد وعطاء والنخعي والضحاك وقتادة والسدي وعطاء الخراساني مستقر في
الأرحام مستودع في الأصلاب وعن ابن مسعود أيضا فمستقر في الدنيا ومستودع حيث يموت
وعن الحسن والمستقر الذي قد مات فاستقر به عمله وعن ابن مسعود أيضا مستودع في
الدار الآخرة وعن الطبراني في حديثه المستقر الرحم والمستودع الأرض وقرأ أبو عمرو
وابن كثير فمستقر بكسر القاف والباقون بفتحها وقرأ الجميع مستودع بفتح الدال إلا رواية
عن أبي عمرو فبكسرها
القنوا العذق والإثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان مثل صنو وصنوان
أشار به إلى قوله تعالى ومن النخل من طلعها قنوان دانية ( الأنعام99 ) قوله الغدق
بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف وهو العرجون بما فيه من
الشماريخ ويجمع على عذاق والعذق بالفتح النخلة قوله والاثنان قنوان يعني تثنية
القنو قنوان وكذلك جمع القنو قنوان فيستوي فيه التثنية والجمع في اللفظ ويقع الفرق
بينهما بأن نون التثنية مكسورة ونون الجمع تجري عليه أنواع الإعراب تقول في
التثنية هذان قنوان بالكسر وأخذت قنوين في النصب وضربت بقنوين في الجر فألف
التثنية تنقلب ياء فيهما وتقول في الجمع هذه قنوان بالرفع لأنه لا يتغير في حالة
الرفع وأخذت قنوانا بالنصب وضربت بقنوان بالجر ولا يتغير فيه الألف أصلا والإعراب
يجري على النون وكذا يقع الفرق في حالة الإضافة فإن نون التثنية تحذف في الإضافة
دون نون الجمع قوله مثل صنوان يعني أن تثنية صنو وجمعه كذلك على لفظ واحد والفرق
بما ذكرنا وهو بكسر الصاد المهملة وسكون النون وهو المثل وأصله أن تطلع نخلتان من
عرق واحد وقرأ الجمهور قنوان بكسر أوله وقرأ الأعمش والأعرج بضمها وهي رواية عن
أبي عمرو وهي لغة قيس
1 -
( باب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( الأنعام59 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو أي وفي علم الله
مفاتح ما لا يعلم من الأمور والمفاتح جمع
(18/223)
مفتح بكسر الميم لأن اسم للآلة التي
يفتح بها واسم الآلة مفعل ومفعال ومفعلة كلها بكسر الميم وقرىء ( مفاتيح الغيب )
جمع مفتاح وقيل المفاتح هنا جمع مفتح بفتح الميم أي مكان الفتح وقيل هو مصدر ميمي
على معنى وعنده فتح الغيب وقال الزمخشري جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن
المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المتوثق منها بالإغلاق والأقفال ومن علم
مفاتحها وكيف تفتح توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى علم المغيبات وحده لا
يتوصل إليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن يعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في
المخازن وذكر ابن أبي حاتم عن السدي ( وعنده مفاتح الغيب ) قال خزائن الغيب وقال
مقاتل عنده خزائن غيب العذاب متى ينزله بكم وقال الجوزي مفاتح الغيب هو ما غاب عن
بني آدم من الرزق والمطر والثواب وقيل مفاتح الغيب السعادة والشقاوة وقيل الغيب
عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال وقال الثعلبي مفاتح الغيب خزائن الأرض وقيل هو ما
لم يكن بعد أنه يكون لم لا يكون وما يكون وكيف يكون
4627 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب
) عن ( سالم بن عبد الله ) عن أبيه أن رسول الله قال مفاتح الغيب خمس إن الله عنده
علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري
نفس أي أرض تموت إن الله عليم خبير
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز هو ابن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي
العامري الأوسي والمديني من أفراد البخاري يروي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه
عبد الله بن عمر بن الخطاب
والحديث أخرجه النسائي في النعوت عن عبيد الله بن فضالة ومر في الاستسقاء من حديث
عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم ومر الكلام فيه هناك
2 -
( باب قوله قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ( الأنعام65 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى قل هو القادر الآية أي قل يا محمد الله القادر على بعث
العذاب عليكم من فوقكم كالحجارة التي أرسلت على قوم لوط وكالماء المنهمر الذي نزل
لإغراق قوم نوح عليه الصلاة و السلام وكالحجارة التي أرسلت على أصحاب الفيل ومن
تحت أرجلكم كالخسف بقارون وإغراق آل فرعون وقيل من فوقكم من أكابركم وسلاطينكم ومن
تحت أرجلكم من سفلتكم وعبيدكم وقيل من فوقكم حبس المطر ومن تحت أرجلكم منع النبات
يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا
أشار به إلى قوله تعالى أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض وفسر يلبسكم بقوله
يخلطكم ونبه على أن مادته من مادة الالتباس لأن ثلاثيه من لبس يلبس من باب علم
يعلم
شيعا فرقا
أشار به إلى قوله أو يلبسكم شيعا وفسر الشيع بالفرق جمع فرقة وفي التفسير قوله
تعالى أو يلبسكم شيعا أي ليجعلكم ملتبسين شيعا فرقا متخالفين وقال الوالي عن ابن
عباس يعني الأهواء وكذا قال مجاهد وغير واحد وقد ورد في الحديث المروي من طرق عن
رسول الله أنه قال ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة
4628 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو بن دينار ) عن (
جابر ) رضي الله عنه قال لما نزلت هاذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم
عذابا من فوقكم قال رسول الله
(18/224)
أعوذ بوجهك قال أو من تحت أرجلكم قال
أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال رسول الله هاذا أهون أو هاذا
أيسر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو النعمان بضم النون اسمه محمد بن الفضل الملقب بعارم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن قتيبة وأخرجه النسائي في التفسير عن
قتيبة وغيره
قوله أعوذ بوجهك أي بذاتك قوله ويذيق بعضكم بأس بعض قال ابن عباس وغير واحد يعني
يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل قوله هذا أهون لأن الفتن من المخلوقين وعذابهم
أهون من عذاب الله وبالفتن ابتليت هذه الأمة قوله أو هذا أيسر شك من الراوي ووقع
في ( الاعتصام ) هاتان أهون أو أيسر أي خصلة الإلباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض
3 -
( باب ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )
أي هذا باب في قوله تعالى ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قبله الذين آمنوا ولم يلبسوا
إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ( الأنعام82 ) أريد به الشرك
4629 - ح ( دثني محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان )
عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال لما نزلت ولم
يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحابه وأينا لم يظلم فنزلت إن الشرك لظلم عظيم
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي عدي هو محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري وسليمان
هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن يزيد وعبد الله هو ابن مسعود والحديث
قد مضى في كتاب الإيمان في باب ظلم دون ظلم فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة
قوله قال أصحابه أي أصحاب النبي
4 -
( باب قوله ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ( الأنعام86 )
أي هذا باب في قوله تعالى ويونس إلى آخره قال الله تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب
إلى أن قال وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا الآية قوله ويونس عطف على قوله وإسماعيل
واليسع وهما معطوفان على ما قبله من قوله وزكريا ويحيى وهذا معطوف على قوله ومن
ذريته داود وسليمان والضمير في ذريته يرجع إلى نوح عليه السلام لأنه أقرب
المذكورين وهو اختيار ابن جرير ولا إشكال عليه في عوده إلى إبراهيم في قوله ووهبنا
له إسحاق أي وهبنا لإبراهيم إسحاق ولدا لصلبه ويعقوب ولدا لإسحاق فإن قلت يشكل على
ذلك لوط فإنه ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه هاران قلت دخل في الذرية هاران
تغليبا كما في قوله تعالى قالوا أنعبد إلاهك وإلاه آبائك إبراهيم الآية فإسماعيل
عليه السلام عم يعقوب عليه السلام ودخل في آبائه تغليبا
4630 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن مهدي ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن
( أبي العالية ) قال حدثني ( ابن عم نبيكم ) يعني ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن
النبي قال ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن مهدي هو عبد الرحمن وأبو العالية ضد السافلة اسمه رفيع
بضم الراء وفتح الفاء ابن مهران الرياحي والحديث قد مضى في كتاب الأنبياء في باب
قوله عز و جل وإن يونس لمن المرسلين ( الأنعام139 ) فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر
عن شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس ومضى الكلام فيه هناك
(18/225)
4631 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس )
حدثنا ( شعبة ) أخبرنا ( سعد بن إبراهيم ) قال سمعت ( حميد ابن عبد الرحمان بن عوف
) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من
يونس بن متى
مضى هذا الحديث أيضا في كتاب الأنبياء في الباب المذكور فإنه أخرجه هناك عن أبي
الوليد عن شعبة إلى آخره
5 -
( باب قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ( الأنعام90 )
أي هذا باب في قوله تعالى أولئك الذين هدى الله الآية قوله أولئك أي الأنبياء
المذكورون قيل هذه الآية هم أهل الهداية لا غيرهم قوله اقتده أي اقتد يا محمد بهدي
هؤلاء واتبع والهدي هنا السنة وقال الزمخشري اقتد بطريقتهم في التوحيد والأصول دون
الفروع وفيه دلالة على أن شريعة من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ أجمع القراء على
إثبات الهاء في الوقف وأما في الوصل فقرأ حمزة والكسائي اقتد بحذف الهاء والباقون
بإثباتها ساكنة وابن عامر من بينهم كسرها وروى هشام عنه مدها وقصرها
4632 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني
( سليمان الأحول ) أن ( مجاهدا ) أخبره أنه ( سأل ابن عباس ) أفي ص سجدة فقال نعم
ثم تلا ووهبنا له إسحاق ويعقوب إلى قوله فبهداهم اقتده ثم قال هو منهم
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي
يعرف بالصغير وهشام هو ابن يوسف الصنعاني اليماني وابن جريج عبد الملك بن عبد
العزيز بن جريج والحديث من أفراده
قوله أفي ص أي في سورة ( ص سجدة ) والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله
هو منهم أي داود عليه السلام من الأنبياء المذكورين في قوله ووهبنا له إسحاق
والنبي أمر أن يقتدى بداود في سجدة ( ص ) لأنه سجدها وسجدها النبي أيضا وقال ابن
عباس وكان داود ممن أمر نبيكم عليه الصلاة و السلام أن يقتدى به فسجدها فسجد رسول
الله
زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس
فقال نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم
أي زاد على الرواية الماضية يزيد بن هارون الواسطي ومحمد بن عبيد الطنافسي الكوفي
وسهل بن يوسف الأنماطي ثلاثتهم عن العوام بتشديد الواو ابن حوشب بفتح الحاء
المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبالياء الموحدة أما طريق يزيد فوصله
الإسماعيلي وأما طريق محمد بن عبيد فوصله البخاري في تفسير ( ص ) قال حدثني محمد
بن عبد الله الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهدا الحديث وأما طريق سهل بن يوسف
فوصله البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء في باب ( واذكر عبدنا داود الأيدي ) فإنه
أخرجه هناك عن سهل بن يوسف عن العوام إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
6 -
( باب قوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم
شحومهما ( الأنعام346 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى وعلى الذين هادوا الآية وزاد أبو ذر في روايته إلى قوله
إنا لصادقون قوله وعلى الذين هادوا أي حرمنا على اليهود كل ذي ظفر وقال ابن جرير
هو البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام
(18/226)
والأوز والبط وقال سعيد بن جبير هو
الذي ليس بمنفرج الأصابع وفي رواية عنه كل شيء مفرق الأصابع ومنه الديك وقال قتادة
كان يقال البعير وأشياء من الطير والحيتان وقيل ذوات الظلف كالإبل وما ليس بذي
أصابع كالأوز والبط وهو اختيار الزجاج وقال ابن دريد ذو الظفر الإبل فقط وقال
القتبي هو كل ذي مخلب من الطير وحافر من الدواب قال ويسمى الحافر ظفرا على
الاستعارة وقال الثعلبي قرأ الحسن ظفر بكسر الظاء وسكون الفاء وقرأ أبو السماك
بكسر الظاء والفاء وهي لغة قوله شحومهما جمع شحم والشحوم المحرمة الثروب قيل هو
الذي لم يختلط بعظم ولا لحم وقيل شحوم الكلي
وقال ابن عباس كل ذي ظفر البعير والنعامة
هذا التعليق وصله ابنن جريج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروى من طريق آخر
ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله
الحوايا المبعر
أشار به إلى قوله تعالى أو الحوايا أو ما اختلط بعظم وهو تفسير ابن عباس أيضا
والمبعر هو المعا وفي رواية أبي الوقت المباعر جمع مبعر ووصله ابن جرير من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الحوايا هو المبعر وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة مثله وقال سعيد بن جبير الحوايا المباعر أخرجه ابن جرير وقال الجوهري
الحوايا الأمعاء وقال ابن جرير وهو جمع واحدها حاوية وحوية وهي ما حوى واجتمع
واستدار من البطن وهي بنات اللبن وهي المباعر وتسمى المرابض وفيها الأمعاء
وقال غيره هادوا صاروا يهودا وأما قوله عدنا تبنا هائد تائب
أي قال غير ابن عباس في معنى قوله تعالى وعلى الذين هادوا ( الأنعام146 ) صاروا
يهودا قوله هدنا أشار به إلى قوله تعالى وفي الآخرة إنا هدنا إليك ( الأعراف156 )
في سورة الأعراف وفي التفسير أي تبنا ورجعنا إليك قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن
جبير وأبو العالية والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد وهو من هاد يهود هودا تاب ورجع
إلى الحق فهو هائد ويجمع على هود يقال قوم هود مثل حائل وحول وقال أبو عبيد التهود
التوبة والعمل الصالح
(18/227)
7 -
( باب قوله ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( الأنعام151 )
أي هذا باب في قوله تعالى ولا تقربوا الفواحش الآية اختلف المفسرون في هذه الآية
فعن ابن عباس والحسن والسدي أنهم قالوا كانوا يستقبحون فعل الزنى علانية ويفعلونه
سرا فنهاهم الله عز و جل عنهما وقيل ما ظهر الخمر وما بطن الزنا قاله الضحاك وقال
الماوردي الظاهر فعل الجوارح والباطن اعتقاد القلب وقيل هي عامة في الفواحش ما
أعلن منها ما ظهر وما بطن فعل سرا وقيل ما ظهر ما بينهم وبين الخلق وما بطن ما
بينهم وبين الله تعالى وقيل ما ظهر العناق والقبلة وما بطن النية
4634 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد
الله ) رضي الله عنه قال لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما
بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه قلت سمعته من عبد الله قال نعم
قلت ورفعه قال نعم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو هو ابن مرة المرادي الكوفي الأعمى وأبو وائل شقيق بن
سلمة وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن محمد بن المثنى ومحمد بن يسار وأخرجه الترمذي في
الدعوات عن محمد بن يسار وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن بشار ومحمد بن
المثنى
قوله أغير أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية وقال النحاس هو
أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم
والغيور ضد الديوث والقندع بضم الدال وفتحها الديوث وفي ( الموعب ) لابن التياني
رجل غيران من قوم غيارى وغيارى بفتح الغين وضمها وقال ابن سيده غار الرجل غيرة
وغيرا وغارا وغيارا وحكى البكري عن أبي جعفر البصري غيرة بكسر الغين والمغيار
الشديد الغيرة وفلان لا يتغير على أهله أي لا يغار وقال الزمخشري أغار الرجل
امرأته إذا حملها على الغيرة يقال رجل غيور وامرأة غيور هذا كله في حق الآدميين
وأما في حق الله فقد جاء مفسرا في الحديث وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرم
الله عليه أي إن غيرته منعه وتحريمه ولما حرم الله الفواحش وتواعد عليها وصفه
بالغيرة وقال من غيرته أن حرم الفواحش قوله ولذلك أي ولأجل غيرته قوله ولا شيء أحب
إليه المدح يجوز في أحب الرفع والنصب وهو أفعل التفضيل بمعنى المفعول وقوله المدح
بالرفع فاعله وهو كقولهم ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد وحب الله
المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه
ليثيب على ذلك فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع
قدرنا في قومنا فظهر من غلط العامة قولهم إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن
فافهم قوله قلت سمعته القائل هو عمرو بن مرة يقول لأبي وائل هل سمعت هذا الحديث من
عبد الله بن مسعود ورفعه إلى النبي قال أبو وائل نعم سمعته منه ورفعه
8 -
( باب وكيل حفيظ ومحيط به )
أشار به إلى قوله تعالى وهو على كل شيء وكيل ( الأنعام102 ) وفسر لفظ وكيل بقوله
حفيظ ومحيط به وكذا فسره أبو عبيدة وفي بعض الشروح قوله وكيل يريد لست عليكم بوكيل
( الأنعام66 ) ونزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال وأما قوله تعالى تتخذوا من دوني
وكيلا ( الإسراء2 ) فقيل يكون شريكا أي تكون أموركم إليه وقيل كفيل وقبيل كاف قلت
جاء وما أنت عليهم بوكيل أي بوكيل على أرزاقهم وأمورهم وما عليك إلا البلاغ كما في
قوله لست عليهم بمسيطر ( الغاشية22 ) وقال فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب
قبلا جمع قبيل والمعنى أنه ضروب للعذاب كل ضرب منها قبيل
(18/228)
قبلا أشار به إلى قوله تعالى وحشرنا
عليهم كل شيء قبلا ثم قال قبلا جمع قبيل وفي التفسير قبلا جمع قبيلة يعني فوجا
فوجا وصنفا صنفا وقال الأخفش أي قبيلا قبيلا والقبيل في غير هذا الموضع بمعنى الكفيل
وبمعنى العريف وبمعنى الجماعة يكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى مثل الروم والزنج
والعرب والجمع قبل بضمتين قوله والمعنى أشار به إلى أن معنى قبيل ضروب يعني أنواعا
للعذاب كل ضرب أي كل نوع من تلك الضروب قبيل أي نوع وقرأ بعضهم قبلا بكسر القاف
وفتح الباء من المقابلة والمعاينة وقرأ آخرون قبلا بضمهما بمعنى عيانا قاله علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة وعبد الرحمن ابن أبي زيد بن أسلم وقال مجاهد
قبلا أفواجا قبيلا قبيلا
زخرف القول كل شيء حسنته ووشيته وهو باطل فهو زخرف
أشار به إلى قوله تعالى يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول ثم فسر زخرف القول بقوله كل
شيء إلى آخره فقوله كل شيء مبتدأ وحسنته صفة لشيء ووشيته عطف عليه من التوشية وهو
التزيين وروى زينته قوله وهو باطل جملة إسمية وقعت حالا قوله فهو زخرف خبر المبتدأ
ودخلت الفاء فيه لتضمن المبتدأ معنى الشرط وأصل الزخرف التزيين والتحسين ومنه سمى
الذهب زخرفا وقال ابن جرير قال مجاهد في تفسير هذه الآية إن كفار الجن شياطين
يوحون إلى شياطين الإنس زخرف القول غرورا وعن ابي ذران رسول الله قال يا أبا ذر هل
تعوذت بالله من شر شياطين الانس قال قلت يا رسول الله هل للإنس من شياطين قال نعم
رواه ابن جرير بإسناده إلى أبي ذر
وحرث حجر حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور والحجر كل بناء بنيته ويقال للأنثى من
الخيل حجر ويقال للعقل حجر وحجى وأما الحجر فموضع ثمود وما حجرت عليه من الأرض فهو
حجر ومنه سمي حطيم كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول وأما حجر اليمامة فهو
منزل
هذا مكرر بلا فائدة جديدة لأنه ذكره في قصة ثمود في باب قول الله تعالى وإلى ثمود
أخاهم صالحا ( الأعراف73 ) كذب أصحاب الحجر ( الحجر80 ) الحجر موضع ثمود وأما حرث
حجر حرام إلى آخره مثل ما ذكره هنا ولهذا لم يذكره أبو ذر والنسفي هنا وهذا أولى
9 -
( باب قوله تعالى يوم لا ينفع نفسا إيمانها ( الأنعام158 )
أي هذا باب في قوله تعالى يوم لا ينفع نفسا إيمانها وقبله يوم يأتي بعض آيات ربك
لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية معناه إذا أنشأ الكافر إيمانا
يومئذ لا يقبل منه وأما من كان مؤمنا قبل ذلك فإن كان مصلحا في عمله فهو بخير عظيم
وإن كان مخلطا فاحدث توبة لم تقبل توبته
01 -
( باب هلم شهداءكم لغة أهل الحجاز هلم للواحد والاثنين والجميع )
أشار به إلى قوله تعالى قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ( الأنعام150
) الآية أي قل يا محمد أحضروا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا أي هذا الذي
حرمتموه وكذبتم واقتربتم على الله فيه قوله هلم في محل الرفع على الابتداء بتقدير
لفظ هلم وقوله لغة أهل الحجاز خبره قوله هلم للواحد يعني لفظ هلم يصلح للواحد
وللاثنين وللجماعة هذا عند أهل الحجاز وأهل نجد يقولون للواحد هلم وللمرأة هلمي
وللاثنين هلما وللجماعة الذكور هلموا وللنساء هلممن وعلى اللغة الأولى يكون أسما
للفعل وبني لوقوعه موقع الأمر المبني وعلى اللغة الثانية يكون فعلا
4635 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( عمارة ) حدثنا (
أبو زرعة )
(18/229)
حدثنا ( أبو هريرة ) رضي الله عنه قال
قال رسول الله لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من
عليها فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى بن إسماعيل البصري التبوذكي وعبد الواحد بن زياد
وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم بن القعقاع الضبي الكوفي وأبو زرعة هرم بن
عمر والبجلي الكوفي
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وغيره وأخرجه أبو داود في الملاحم عن
أحمد بن شعيب وأخرجه النسائي في الوصايا عن أحمد بن حرب وأخرجه ابن ماجه في الفتن
عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله حتى تطلع الشمس من مغربها وعلامة طلوع الشمس من
مغربها ما رواه ابن مردويه بإسناده عن حذيفة بن اليمان قال سألت النبي فقلت يا
رسول الله ما آية طلوع الشمس من مغربها فقال النبي تطول تلك الليلة حتى تكون قدر
ليلتين فينتبه الذين كانوا يصلون فيها فيعملون كما كانوا يصلون قبلها ثم يرقدون ثم
يقومون فيصلون ثم يرقدون ثم يقومون فيظل عليهم جنونه حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع
الناس ولا يصبحون فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مستقرها إذ طلعت من مغربها فإذا
رآها الناس آمنوا فلا ينفعهم إيمانهم وفي مسلم ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال
ودابة الأرض قوله آمن من عليها أي على الأرض والسياق يدل عليه
4636 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن (
أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من
مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذالك حين لا ينفع نفسا إيمانها ثم قرأ
الآية
هذا طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه عن إسحاق ذكر أبو مسعود الدمشقي وأبو نعيم
الحافظان أنه ابن منصور الكوسج أبو يعقوب المروزي وفي نسخة من كتاب خلف الواسطي
رواه يعني البخاري عن إسحاق بن نصر يعني السعدي قلت إسحاق هذا هو ابن إبراهيم بن
نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد يروي عن عبد
الرزاق بن همام الصنعاني اليماني عن معمر بن راشد عن همام بتشديد الميم ابن منبه
الأنباري الصنعاني
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن رافع واختلف في أول الآيات ففي مسلم عن
ابن عمران أول الآيات خروجا طلوع الشمس وخروج الدابة وأيهما كانت قبل صاحبتها
فالأخرى على إثرها قريبا منها وروى نعيم بن حماد من حديث إسحاق بن أبي فروة عن
يزيد بن أبي غياث سمع أبا هريرة مرفوعا خمس لا يدري أيتهن أول الآيات وأيتهن جاءت
لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال ويأجوج
ومأجوج والدخان والدابة وقيل خروج الدجال ويرجحه قوله إن الدجال خارج فيكم لا
محالة فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى
عليه السلام ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم فإذا قبض عيسى
عليه السلام ومن معه من المؤمنين يبقى الناس حيارى سكارى فيرجع أكثرهم إلى الكفر
والضلالة ويستولى أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام فعند ذلك تطلع الشمس من
مغربها وعند ذلك يرفع الكتاب العزيز ثم يأتي الحبش إلى الكعبة المشرفة فيهدمونها
ثم تخرج الدابة ثم الدخان ثم الريح ثم الرياح تلقي الكفار في البحر ثم النار التي
تسوق الناس إلى المحشر ثم الهدة قلت الهدة صوت يقع من السماء وقيل الخسف وروى ابن
خالويه في ( أماليه ) من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حميد الحميري عن ابن عمر
مرفوعا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة ورواه نعيم
(18/230)
ابن حماد في كتابه عن وكيع عن إسماعيل
موقوفا وذكر نحوه ابن عباس مرفوعا فيما ذكره ابن النقيب وروى نعيم بن حماد من حديث
حماد بن سلمة بن زيد عن العريان بن الهيثم سمع عبد الله بن عمر قال لا تقوم الساعة
حتى تعبد العرب ما كان يعبد آباؤها عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى وبعد الدجال ومن
حديث ابن لهيعة إلى ابن عمر أن الشمس والقمر يجتمعان في السماء في منزله واحدة
بالعشي فيكون النهار سرمدا عشرين سنة وعن وهب طلوع الشمس الآية العاشرة وهي آخر
الآيات ثم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وعن ابن لهيعة إلى عبد الله مرفوعا لا يلبثون
بعد يأجوج ومأجوج إلا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها فيقول من لا خلاق له ما
نبالي إذا رد الله عليها ضوءها من حيث ما طلعت من مشرقها أو مغربها الحديث وفي
آخره ويخر إبليس ساجدا ويقول لأعوانه هذه الشمس قد طلعت من مغربها وهو الوقت
المعلوم ولا عمل بعد اليوم ويصير الشياطين ظاهرين في الأرض حتى يقول الرجل هذا
قريني الذي كان يغويني الحمد لله الذي أخزاه وأراحني منه فلا يزال إبليس عليه
اللعنة ساجدا باكيا حتى تخرج دابة الأرض فتقتله فإن قلت ما الحكمة في عدم نفع
الإيمان عند طلوع الشمس من مغربها قلت لوقوع الفزع في قلوبهم بما يخمد به كل شهوة
من شهوات النفس وفتور كل قوة من قوى البدن فيصيرون في حالة من حضره الموت لانقطاع
الدواعي إلى أنواع المعاصي فمن تاب في مثل هذه الحالة كمن تاب عند الغرغرة ففي ذلك
الوقت كأنهم شاهدوا مقاعدهم من النار أو الجنة فلم ينفعهم إيمانهم لأنا مكلفون
بالإيمان بالغيب فلا ينفع الإيمان عند المشاهدة فإن قلت ما الحكم في طلوعها من
المغرب قلت الحكمة فيه إبطال قول الملاحدة والمنجمين لما قال إبراهيم عليه السلام
لنمرود إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ( البقرة258 ) حيث أنكروا
ذلك وادعوا أنه لا يقع ولا يتصور
7 -
( سورة الأعراف )
أي هذا بيان تفسير بعض سورة الأعراف وقال أبو العباس في كتابه في ( مقامات التنزيل
) هي مكية وفيها اختلاف وذكر الكلبي أن فيها خمس عشر آية مدنيات من قوله إن الذين
اتخذوا العجل ( الأعراف152 ) إلى قوله واتبعوا النور الذي أنزل معه ومن قوله
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( الأعراف157 ) إلى قوله ودرسوا ما فيه
قال ولم يبلغنا هذا عن غير الكلبي وفيها آية أخرى وإذا قرىء القرآن الآية ذكر
جماعة أنها نزلت في الخطبة يوم الجمعة والجمعة إنما كانت بالمدينة وهي مائتان وست
آيات كوفي ومكي ومائتان وخمس بصري وشامي وأربعة عشر ألفا وثلاثمائة وعشرة أحرف
وثلاث آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
لم توجد البسملة إلا في رواية أبي ذر
قال ابن عباس ورياشا المال
ليس في كثير من النسخ لفظ باب وأشار بقوله ورياشا إلى ما في قوله تعالى قد أنزل
عليكم لباسا يواري سوآتكم ورياشا ( الأعراف26 ) قرأ الجمهور وريشا وقرأ الحسن وذر
بن حبيش وعاصم فيما روي عنه وابن عباس ومجاهد وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء
ورياشا وهي قراءة النبي وقال أبو حاتم رواها عنه عثمان ثم إن البخاري فسره بالمال
رواه هكذا أبو محمد عن محمد بن إدريس حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية حدثنا علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس وقال ابن الأعرابي الريش الأكل والرياش المال المستفاد وقال
ابن درير الريش الجمال وقيل هو اللباس حكى أبو عمرو أن العرب تقول كساني فلان ريشة
أي كسوة وقال قطرب الريش والرياش واحد مثل حل وحلال وحرم وحرام وقال الثعلبي يجوز
أن يكون مصدرا من قول القائل راشه الله يريشه رياشا والرياش في كلام العرب الأثاث
وما ظهر من المتاع والثياب والفرش وغيرها وعن ابن عباس الرياش اللباس والعيش
والنعيم وقال الأخفش هو الخصب والمعاش وقال القتبي الريش والرياش ما ظهر من اللباس
(18/231)
إنه لا يحب المعتدين في الدعاء
أشار به إلى قوله تعالى أدعوا ربكم تضرعا وخفية أنه لا يحب المعتدين ( الأنعام55 )
هكذا في رواية الأكثرين ( إنه لا يحب المعتدين في الدعاء ) وفي رواية أبي ذر عن
الكشميهني والحموي في الدعاء وفي غيره وقال الطبري حدثنا القاسم حدثنا الحسين
حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنه
لا يحب المعتدين في الدعاء ولا في غيره والاعتداء في الدعاء بزيادة السؤال فوق
الحاجة ويطلب ما يستحيل حصوله شرعا ويطلب معصية وبالاعتناء بالأدعية التي لم تؤثر
خصوصا إذا كان بالسجع المتكلف وبرفع الصوت والنداء والصياح لقوله تعالى ادعوا ربكم
تضرعا وخفية وأمرنا بأن ندعو بالتضرع والاستكانة والخفية ألا ترى أن الله تعالى
ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال إذ نادى ربه نداء خفيا ( مريم3 ) وفي ( التلويح )
إنه لا يحب المعتدين إلى قوله قال غيره يشبه والله أعلم أنه من قول ابن عباس وقد
ذكره من غير عطف لذلك
عفوا كثروا وكثرت أموالهم
أشار به إلى قوله تعالى ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا ( الأعراف95 ) الآية
وفسر لفظ عفوا الذي هو صيغة جمع بقوله كثروا من عفا الشيء إذا كثر وقوله كثرت
أموالهم إنما وقع في رواية غير أبي ذر وفي التفسير قوله حتى عفوا أي كثروا وكثرت
أموالهم وأولادهم
الفتاح القاضي افتح بيننا اقض بيننا
لفظ الفتاح لم يقع في هذه السورة وإنما هو في سورة سبأ قيل كأنه ذكره هنا توطئة
لتفسير قوله في هذه السورة ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( الأعراف89 ) انتهى
وفسر الفتاح بقوله القاضي وكذا قال أبو عبيدة إن الفتاح القاضي وقال الفراء وأهل
عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح وقال الثعلبي وذكر غيره أنه لغة مراد وروى ابن
جرير من طرق عن قتادة عن ابن عباس قال ما كنت أدري ما معنى قوله افتح بيننا حتى
سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها انطلق أفاتحك ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
افتح بيننا أي اقض بيننا
نتقنا رفعنا
أشار به إلى قوله تعالى وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله ( الأعراف171 ) وفسر
نتقنا بقوله رفعنا وكذا فسره وكذا فسره ابن عباس قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قوله وإذ نتقنا الجبل رفعناه
انبجست انفجرت
أشار به إلى قوله تعالى أن أضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا (
الأعراف160 ) ثم فسر انبجست بقوله انفجرت وكذا جاء في سورة البقرة حيث قال فقلنا
اضرب بعضاك الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا أي انشقت وكان ذلك الحجر من الطور
يحمل مع موسى عليه السلام فإذا نزلوا في موضع ضربه موسى بعصاه فيخرج منه الماء في
اثنتي عشرة عينا لكل سبط عين
متبر خسران
أشار به إلى قوله تعالى إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون وفسر متبر
بقوله خسران واشتقاقه من التبار وهو الهلاك وهو من التتبير يقال تبره تتبيرا أي
كسره وأهلكه
آسي أحزن تأس تحزن
ذكر هنا لفظتين الأولى قوله آسي وهو في سورة الأعراف أشار به إلى قوله تعالى فكيف
آسي على قوم كافرين ( الأعراف93 ) وفسره بقوله احزن وهو حكاية عن قول شعيب عليه
السلام حيث قال بعد هلاك قومه فكيف آسي أي فكيف أحزن على القوم الذين هلكوا على
الكفر واللفظة الثانية قوله تأسى وهو في سورة المائدة وقد ذكرت هناك وإنما ذكر
هاهنا أيضا استطرادا
(18/232)
وقال غيره ما منعك أن لا تسجد (
الأعراف12 ) يقال ما منعك أن تسجد
أي قال غير ابن عباس في تفسير قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ثم أشار
بقوله يقال ما منعك أن تسجد ونبه بهذا على أن كلمة لا صلة قال الزمخشري لا في أن
لا تسجد صلة بدليل قوله ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( ص75 ) ثم قال فائدة
زيادتها توكيد معنى الفعل الذي يدخل عليه وتحقيقه كأنه قيل ما منعك أن تحقق السجود
وتلزمه نفسك إذا أمرتك وذكر ابن جرير عن بعض الكوفيين أن المنع هاهنا بمعنى القول
والتقدير من قال لك لا تسجد قلت يجوز أن تكون كلمة أن مصدرية وكلمة لا على أصلها
ويكون فيه حذف والتقدير ما منعك وحملك على أن لا تسجد أي على عدم السجود
يخصفان أخذا الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض
أشار به إلى قوله تعالى وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( الأعراف22 ) وفسر (
يخصفان ) بقوله أخذا الخصاف وهو بكسر الخاء جمع خصفة وهي الجلة التي يكنز فيها
التمر قوله وطفقا من أفعال المقاربة أي جعلا أي آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام
يخصفان عليهما من ورق الجنة قيل ورق التين يعني يجعلان ورقة فوق ورقة على عوراتهما
ليستترا بها كما يخصف النعل بأن تجعل طرفة على طرقة وتوثق بالسبور وقرأ الحسن
يخصفان بكسر الخاء وتشديد الصاد وأصله يختصفان وقرأ الزهري يخصفان من أخصف أي
يخصفان أنفسهما وقرىء يخصفان من خصف بالتشديد
سوآتهما كناية عن فرجيهما
أشار به إلى قوله تعالى فلماذا قاالشجرة بدت لهما سوآتهما وقال قوله سوآتهما كناية
عن فرجيهما أي فرجي آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام وفي التفسير سقط عنهما اللباس
وظهرت لهما عوراتهما وكانا لا يريان من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وعن وهب كان
لباسهما فورا يحول بينهما وبين النظر وقال الجوهري السوأة العورة وفي قول البخاري
كناية نظر لا يخفى
ومتاع إلى حين إلى يوم القيامة والحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصي عددها
أشار به إلى قوله تعالى ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( الأعراف24 ) ونبه على
أن المراد من الحين هنا هو إلى يوم القيامة وفي بعض النسخ ومتاع إلى حين هو هاهنا
إلى يوم القيامة ثم أشار بقوله والحين عند العرب إلى الحين يستعمل لأعداد كثيرة
وأدناه ساعة وقال ابن الأثير الحين الوقت وفي ( المغرب ) الحين كالوقت لأنه بهم
يقع على القليل والكثير وقد مضى الكلام فيه في بدء الخلق
قبيله جيله الذي هو منهم
أشار به إلى قوله تعالى أنه يراكم هو وقبيله ( الأعراف27 ) والضمير في إنه يرجع
إلى الشيطان وفسر القبيل بالجيل بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وقال ابن
الأثير الصنف من الناس الترك جيل والصين جيل والمراد هنا جيل الشيطان يعني قبيله
ويؤيده في المعنى ما رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قبيله
قال الجن والشياطين وقيل قبيله خيله ورجله قال الله تعالى بخيلك ورجلك ( الإسراء64
) وقيل ذريته قال تعالى أفتتخذونه وذريته ( الكهف50 ) وقيل أصحابه وقيل ولده ونسله
قال الأزهري القبيل جماعة ليسوا من أب واحد وجمعه قبل فإذا كانوا من أب واحد فهم
قبيلة
اداركوا اجتمعوا
أشار به إلى قوله تعالى كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا داركوا فيها جميعا وفسر
لفظ أداركوا بقوله اجتمعوا وقال مقاتل كلما دخل أهل ملة النار لعنوا أهل ملتهم
فيلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس والمراد بالأخت أخوة الدين
والملة لا أخوة النسب قوله حتى إذا أداركوا فيها أي حتى إذا اتداركوا فيها
وتلاحقوا به واجتمعوا
(18/233)
فيها أي في النار قلت أصل اداركوا
اتداركوا فقلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال وقرأ الأعمش حتى إذا تداركوا روي
عن أبي عمرو بن العلاء كذلك
مشاق الإنسان والدابة كلهم يسمى سموما واحدها سم وهي عيناه ومنخراه وفمه واذناه
ودبره وإحليله
أشار به إلى تفسير لفظ سم في قوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط ( الأعراف40 ) قوله مشاق الإنسان وفي بعض النسخ مسام الإنسان وكلاهما بمعنى
واحد وهي سموم الإنسان جمع سم وهي عيناه إلى آخر ما ذكر قال الجوهري السم الثقب
ومنه سم الخياط ومسام الجسد ثقبه وفي ( المغرب ) المسام المنافذ من عبارات الأطباء
وفي السم ثلاث لغات فتح السين وهي قراءة الأكثرين وضمها وبه قرأ ابن مسعود وقتادة
وكسرها وبه قرأ بو عمران الجوني والخياط ما يخاط به ويقال مخيط أيضا وبه قرأ ابن
مسعود وأبو رزين
غواش ما غشوا به
أشار به إلى قوله تعالى لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ( الأعراف41 ) وفسر لفظ
غواش بقوله ما غشوا به أي ما غطوا به وهو جمع غاشية وهي كل ما يغشاك أي يسترك من
اللحف وقيل من اللباس والمراد بذلك أن النار من فوقهم ومن تحتهم بالمهاد وعماد
فوقهم بالغواشي وروى ابن جرير من طريق محمد بن كعب قال المهاد الفرش وقال ومن فوقهم
غواش اللحف
نشرا متفرقة
أشار به إلى قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا ( الأعراف57 ) وفسر نشرا بقوله
متفرقة وفن التفسير النشر جمع نشور وهي الريح الطيبة الهبوب تهب من كل ناحية وجانب
وقيل النشور بمعنى المنشور كالركوب بمعنى المركوب وقال ابن الأنباري النشر
المنتشرة الواسعة الهبوب أرسلها الله منشورة بعد انطوائها
نكدا قليلا
أشار به إلى قوله تعالى والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ( الأعراف58 ) وفسر قوله نكدا
بقوله قليلا وفسره أبو عبيدة بقوله قليلا عسرا في شدة وروى ابن أبي حاتم من طريق
السدي قال النكد الشيء القليل الذي لا ينفع
يغنوا يعيشوا
أشار به إلى قوله تعالى الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ( الأعراف92 ) وفسر
يغنوا بقوله يعيشوا وترك ذكر الجازم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كأن لم
يغنوا فيها أي كأن لم يعيشوا أو كأن لم ينعموا ومادته من غنى أي عاش وغنى به عنه
غنية وغنيت المرأة بزوجها غنيانا وغني بالمكان أقام والغناء بالفتح النفع وبالكسر
من السماع والغنى مقصورا اليسار
حقيق حق
أشار به إلى قوله تعالى وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن
لا أقول على الله إلا الحق ( الأعراف104 وفسر قوله حقيق بقوله حق أي جدير بذلك حري
به
استرهبوهم من الرهبة
أشار به إلى قوله تعالى فلما القوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم ( الأعراف146 )
وقال استرهبوهم من الرهبة أي الخوف والمعنى أن سحرة فرعون سحروا أعين الناس أي
خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج واسترهبوا الناس بذلك وخوفوهم
وخاف موسى عليه السلام أيضا من ذلك وقال الله عز و جل لا تخف إنك أنت الأعلى والق
ما في يمينك تلقف ما صنعوا ( طه68 69 ) القصة بتمامها في التفسير
(18/234)
أشار به إلى قوله تعالى فإذا هي تلقف
ما يأفكون وفسر لفظ تلقف بلفظ تلقم أي تأكل ما يأفكون أي ما يلقونه ويوهمون أنه حق
وهو باطل
طائرهم حظهم
أشار به إلى قوله تعالى إلا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (
الأعراف117 ) وفسر طائر هم بقوله حظهم وكذا قال أبو عبيدة طائرهم حظهم ونصيبهم
طوفان من السيل ويقال للموت الكثير الطوفان
أشار به إلى قوله تعالى فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل وفسر الطوفان بأنه
من السيل واختلفوا في معناه فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية الطوفان
كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار وبه قال الضحاك وعن ابن عباس في
رواية كثرة الموت وهو معنى قوله ويقال للموت الكثير الطوفان وبه قال عطاء وقال
مجاهد الطوفان الماء والطاعون على كل حال وعن ابن عباس في رواية أخرى هو أمر من
الله طاف بهم ثم قرأ فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون ( القلم19 ) وقال الأخفش
الطوفان واحده طوفانة وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان قلت هو اسم للمصدر فاقهم
القمل الحمنان يشبه صغار الحلم
أشار به إلى تفسير القمل المذكور في الآية التي مضت الآن وفسره بقوله الحمنان بضم
الحاء وسكون الميم قوله يشبه صغار الحلم بفتح الحاء المهملة واللام وقال أبو عبيدة
القمل عند العرب ضرب من القردان واحدها حمنانة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
القمل السوس الذي يخرج من الحنطة وعنه أنه الدباء وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة
له وبه قال مجاهد وقتادة وعن الحسن وسعيد بن جبير القمل دواب سود صغار وقال عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم القمل البراغيث وقال ابن جرير القمل جمع قلمة وهي دابة تشبه
القمل تأكل الإبل والحلم جمع حلمة والحلمة تتقفي من ظهرها فيخرج منها القمقامة وهي
أصغر مما رأيته مما يمشي ويتعلق بالإبل فإذا امتلأ سقط على الأرض وقد عظم ثم يضمر
حتى يذهب دمه فيكون قرادا فيتعلق بالإبل ثانية فيكون حمنة قال أبو العالية أرسل الله
تعالى الحمنان على دوابهم فأكلنها حتى لم يقدروا على المسير وقرأ الحسن القمل بفتح
القاف وسكون الميم وفي ( المحكم ) القمل صغار الذر والدباء وفي ( الجامع ) هو شيء
أصغر من الظفر له جناح أحمر وأكدر قال أبو يوسف هو شيء يقع في الزرع ليس بجراد
فيأكل السنبلة وهي غضة قبل أن تخرج فيطول الزرع ولا سنبل فيه وقال أبو حنيفة هو
شيء يشبه الحلم وهو لا يأكل أكل الجراد ولكن يمص الحب إذا وقع فيه الدقيق وهو رطب
وتذهب قوته وخيره وهو خبيث الرائحة
رقم2 كتاب ج81 من ص235
عروش وعريش بناء
قال صاحب ( التلويح ) قول البخاري عروش وعريش بناء وجدناه مرويا عن ابن عباس قال
الطبري حدثنا المثنى حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه وما كانوا يعرشون ( الأعراف 137 ) أي يبنون وقال مجاهد يبنون البيوت
والمساكن وقال بعضهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى وما كانوا يعرشون أي يبنون انتهى
قلت أما قول صاحب ( التلويح ) قول البخاري إلى آخره فلا وجه له أصلا لأن قول ابن
عباس في تفسير قوله وما كانوا يعرشون يبنون فكيف يطابق تفسير عروش وعريش وكذا قول
بعضهم مثله وأما تفسير البخاري العروش والعريش بالبناء فليس كذلك لأن العروش جمع
عرش والعرش سرير الملك وسقف البيت والعرش مصدر قال الجوهري عرش يعرش عرشا أي بنى
بناء من خشب والعريش ما يستظل به قاله الجوهري وقال أيضا العرش الكرم والعريش شبه
الهودج العريش وخيمة من خشب وتمام الجمع عرش مثل قليب وقلب ومنه قيل لبيوت مكة
العرش لأنها عيدان تنصب وتظلل عليها وهذا الذي ذكره
(18/235)
مخالف لقاعدته في تفسير بعض الألفاظ في
بعض السور وفي بعض المواضع وكان ينبغي أني يقول يعرشون يبنون إشارة لما وقع في
الآية من قوله ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ( الأعراف 137 )
سقط كل من ندم فقد سقط في يده
أشار به إلى قوله تعالى ولما سقط في أيديهم ( الأعراف 149 ) وفسر قوله سقط بقوله
كل من ندم فقد سقط في يده وقال الجوهري وسقط في يديه أي ندم قال الله تعالى ولما
سقط في أيديهم قال الأخفش وقرأ بعضهم سقط كأنه أضمر الندم وجوز أسقط في يديه وقال
أبو عمر ولا يقال أسقط بالألف على ما لم يسم فاعله وهذه في قصة قوم موسى الذين
اتخذوا من حليهم عجلا وأخبر الله تعالى عنهم ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد
ضلوا الآية أراد أنهم ندموا على ما فعلوا ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا
ربنا الآية
الأسباط قبائل بني إسرائيل
أشار به إلى قوله تعالى وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ( الأعراف 160 ) وفسر
الأسباط بأنهم قبائل بني إسرائيل وكذا فسره أبو عبيدة وزاد واحدهم سبط تقول من أي
سبط أنت أي من أي قبيلة وجنس ويقال الأسباط في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل
عليه السلام واشتقاقه من السبط وهو التتابع من السبط بالتحريك وهو الشجر الملتف
وقيل للحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما سبطا رسول الله لانتشار ذريتهما ثم قيل
لكل ابن بنت سبط
يعدون في السبت يتعدون ثم يتجاوزون تعدى تجاوز
أشار به إلى قوله تعالى واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في
السبت ( الأعراف 163 ) وفسر يعدون بقوله يتعدون ثم يتجاوزن وقال الزمخشري إذ يعدون
إذ يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم يوم السبت وقد نهوا عنه وقرىء يعدون بمعنى
يعتدون وإذ يعدون من الإعداد وكانوا يعدون آلات الصيد يوم السبت وهم مأمورون بأن
لا يشتغلوا فيه بغير العبادة قوله تعدى تجاوز نبه به على أن معنى هذه الكلمة
التجاوز فإذا تجاوز أحد أمرا من الأمور المحدودة يقال له تعدى
شرعا شوارع
أشار به إلى قوله عز و جل إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا وذكر أن شرعا جمع
شوارع وشوارع جمع شارع وهو الظاهر على وجه الماء وروى الضحاك عن ابن عباس شرعا أي
ظاهرة على الماء وقال العوفي عنه شرعا على كل مكان
بئيس شديد
أشار به إلى قوله تعالى وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس ( الأعراف 165 ) وفسره
بقوله شديد وعن مجاهد معناه أليم وعن قتادة موجع وفي بئيس قراءات كثيرة والقراءة
المشهورة بفتح أوله وكسر الهمزة
أخلد إلى الأرض أقعد وتقاعس
أشار به إلى قوله تعالى ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ( الأعراف 176 ) وفسر
قوله أخلد بقوله أقعد من الإقعاد وهو أن يلازم القعود إلى الأرض وهو كناية عن شدة
ميله إلى الدنيا وقد فسر أبو عبيدة قوله أخلد إلى الأرض بقوله لزمها وأصل الإخلاد
للزوم ويقال معناه مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهراتها وأقبل على لذاتها ونعيمها
وغرته ما غرت غيره قوله وتقاعس أي تأخر وأبطأ والضمير في قوله ولكنه يرجع إلى
بلعام بن باعورا من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة ولكنه اتبع هواه فانسلخ من
الإيمان واتبعه الشيطان وقصته مشهورة وقيل المراد به أمية بن أبي الصلت أدرك زمن
النبي ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين وقد جاء في بعض الأحاديث أنه آمن بلسانه
ولم يؤمن بقلبه وله أشعار ربانية وحكم
(18/236)
وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره
للإسلام
سنستدرجهم أي نأتيهم من مأمنهم كقوله تعالى فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أشار به
إلى قوله تعالى والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( الأعراف 182 )
وفسر قوله سنستدرجهم بقوله نأتيهم من ما منهم أي من موضع أمنهم وأصل الاستدراج
التقريب منزلة من الدرج لأن الصاعد يترقى درجة درجة قوله كقوله تعالى فأتاهم الله
من حيث لم يحتسبوا ( الحشر 2 ) وجه التشبيه فيه هو أخذ الله إياهم بغتة كما قال في
آية أخرى حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ( الأنعام 44 )
من جنة من جنون
أشار به إلى قوله تعالى أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ( الأعراف 184 ) ثم قال
من جنون وكانوا يقولون محمد شاعر أو مجنون والمراد بالصاحب هو محمد عليه الصلاة و
السلام
فمرت به فاستمر بها الحمل فأتمته
لم يقع هذا في رواية أبي ذر وتقدم هذا في أول كتاب الأنبياء وأشار به إلى قوله
تعالى فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ( الأعراف 189 ) وفسر قوله فمرت به
بقوله فاستمر بها الحمل فأتمته والضمير في قوله فمرت يرجع إلى حواء عليها السلام
لأن قبل هذا قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها الآية وأراد
بالنفس الواحدة آدم عليه السلام وأراد بقوله زوجها حواء عليها السلام وفي التفسير
اختلفوا في معنى قوله فمرت فقال مجاهد استمرت بحمله وكذا روي عن الحسن والنخعي
والسدي وقال ميمون بن مهران عن أبيه استخفته وقال قتادة استبان حملها وقال العوفي
عن ابن عباس استمرت به فشكت أحبلت أم لا
ينزغنك يستخفنك
أشار به إلى قوله تعالى وأما ينزغنك من الشيطان نزغ ( الأعراف 200 ) الآية وفسر
ينزغنك بقوله يستخفنك وكذا فسره أبو عبيدة وقال ابن جرير في معنى هذا وأما يغضبنك
من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته فاستعذ بالله أي
فاستجر بالله
طيف ملم به لمم ويقال طائف وهو واحد
أشار به إلى قوله تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان وفسر قوله طيف
بقوله ملم به لمم وقال أبو عبيدة طيف أي لمم واللمم يطلق على ضرب من الجنون وعلى
صغار الذنوب وفي التفسير منهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع
ونحوه ومنهم من فسره بالهم بالذنب ومنهم من فسره بإصابة الذنب قوله ويقال طائف
أشار به إلى أن طيفا وطائفا واحد في المعنى وهما قراءتان مشهورتان
يمدونهم يزينون
أشار به إلى قوله تعالى وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( الأعراف 202 )
وفسر يمدونهم بقوله يزينون وقال أبو عبيدة أي يزينون لهم الغي والكفر
وخيفة خوفا وخفية من الإخفاء
أشار بقوله خيفة إلى قوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ( الأعراف 205 )
وفسر قوله خيفة بقوله خوفا وكذا فسره أبو عبيدة ويقال اذكر ربك في نفسك تضرعا
وخيفة أي رغبة ورهبة وأشار بقوله وخيفة إلى قوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة
وأي سرا قوله من الإخفاء أراد به أن الخفية مأخوذة من الإخفاء وفيه تأمل لأن
القاعدة أن المزيد فيه يكون مشتقا من الثلاثي دون العكس ولكن يمكن أن يوجه كلامه
باعتبار انتظام اشتقاق الصيغتين في معنى واحد
(18/237)
والآصال واحدها أصيل ما بين العصر إلى
المغرب كقولك بكرة وأصيلا
أشار به إلى قوله تعالى ودون الجهر من القول بالغدو والآصال وذكر أن واحد الآصال
أصيل كذا قاله أبو عبيدة وقال ابن فارس الأصيل بعد العشاء وجمعه أصل وجمع أصل وجمع
أصل آصال فيكون الأصائل جمع الجمع وقال الأصال لعله أن يكون جمع أصيلة قوله كقولك
بكرة وأصيلا أشار به إلى أن الأصيل واحد الآصال
1 -
( باب قوله عز و جل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( الأعراف 33 )
أي هذا باب في قول الله عز و جل قل إنما الآية وليس في بعض النسخ لفظ باب واختلف
في المراد بالفواحش فمنهم من حملها على العموم فعن قتادة المراد سر الفواحش
وعلانيتها ومنهم من حملها على نوع خاص فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانوا في
الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في
السر والعلانية وعن سعيد بن جبير ومجاهد ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا
4637 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) عن ( أبي وائل
) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال قلت أنت سمعت هاذا من عبد الله قال نعم ورفعه
قال لا أحد أغير من الله فلذالك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه
المدحة من الله فلذالك مدح نفسه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود والحديث مضى
عن قريب في باب لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( الأنعام 151 ) فإنه أخرجه
هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله قال قلت القائل هو
عمرو بن مرة والمخاطب أبو وائل قوله ورفعه أي رفع الحديث إلى النبي
2 -
( باب ولما جاء موسى لمياقتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولاكن
انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى
صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ( الأعراف 143 )
أي هذا باب في قوله عز و جل ولما جاء موسى لميقاتنا إلى آخره قوله الآية أي الآية
بتمامها وقد ساق في بعض النسخ بتمامها قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر
مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال
سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قوله لميقاتنا قال الثعلبي الميقات مفعال من
الوقت كالميعاد والميلاد انقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قلت أصله
موقات لأنه من الوقت وإنما انقلبت ياء لأن الياء أخت الكسرة قوله وكلمة ربه حتى
سمع صرير الأقلام وكان على طور سيناء ولما ادناه ربه وناجاه اشتاق إلى رؤيته وقال
رب أرني أنظر إليك فقال الله عز و جل لن تراني يعني ليس لبشر أن يطيق النظر إلي في
الدنيا من نظر إلي في الدنيا مات قال موسى إلهي قد سمعت كلامك فاشتقت إلى النظر
إليك فأرني أنظر إليك فلأن أنظر إليك ثم أموت أحب إلى من أن أعيش فلا أراك قال
الله تعالى أنظر إلى الجبل وهو أعظم جبل بمدين يقال له زبير فإن استقر أي ثبت
بمكانه فسوف تراني بحلى ربه قال ابن عباس تجليه ظهور نوره وقال كعب الأحبار وعبد
الله بن سلام ما تجلى من عظمة الله إلا مثل سم الخياط وقال السدي قدر الخنصر وروى
أحمد في ( مسنده ) عن أنس رضي الله عنه عن النبي في قوله فلما تجلى ربه للجبل قال
هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر الحديث ورواه الترمذي أيضا وقال
(18/238)
حديث حسن صحيح غريب وعن سهل بن سعد أن
الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدرهم فجعل الجبل كأقواله جعله دكا
قال ابن عباس ترابا وقال سفيان الثوري ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو
يذهب معه وعن أبي بكر الهذلي دكا انقعر فدخل تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة
وقال ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي مالك عن النبي قال لما تجلى الله للجبل طارت
لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة بالمدينة أحد وورقان ورضوى
وبمكة حراء وثبير وثور قال ابن كثير هذا حديث غريب بل منكر وقال عطية العوفي دكا
صار رملا هائلا واختلف القراء في دكا فقرأ أهل المدينة والبصرة بالقصر والتنوين
وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد القاسم بن سلام وقرأ أهل الكوفة بالمد أي جعله مثل
الأرض وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا قوله وخر موسى صعقا أي خر مغشيا عليه يوم
الخميس وكان يوم عرفة وأعطي التوراة يوم الجمعة وهو يوم النحر وفي ( التلويح ) وصعق
موسى موته نظيرها قوله في سورة النساء فأخذتهم الصاعقة ( النساء 153 ) يعني الموت
وفي الزمر فصعق من في السموات يعني مات وفي تفسير ابن كثير والمعروف أن الصعق هو
الغشي ههنا كما فسره ابن عباس وغيره لا كما فسره قتادة بالموت وإن كان ذلك صحيحا
في اللغة قوله فلما أفاقأي من الغشي قال محمد بن جعفر شغله الجبل حين تجلى ولولا
ذلك لمات صعقا بلا إفاقة قوله قال سبحانكتنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد في
الدنيا إلا مات قوله تبت إليك يعني عن سؤال الرؤية في الدنيا وقيل تبت إليك من
الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها وقيل من اعتقاد جواز الرؤية في الدنيا وقيل
المراد بالتوبة هنا الرجوع إلى الله تعالى لا على ذنب سبق وقيل إنما قال ذلك على
جهة التسبيح وهو عادة المؤمنين عند ظهور الآيات الدالة على عظم قدرته قوله وأنا
أول المؤمنين أي بأنك لا ترى في الدنيا قال مجاهد وأنا أول المؤمنين من بني
إسرائيل واختاره ابن جرير وعن ابن عباس وأنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد وكذا
قال أبو العالية وتعلقت نفاة رواة الرؤية بهذه الآية فقال الزمخشري لن لتأكيد
النفي الذي تعطيه لا وذلك أن لا تنفي المستقبل تقول لا أفعل غدا فإن أكدت نفيها
قلت لن أفعل غدا وقال ابن كثير وقد أشكل حرف لن ههنا على كثير لأنها موضوعة للنفي
للتأبيد فاستدلت به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة وأجيب بأن الأحاديث
قد تواترت عن رسول الله بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة وقيل إنها لنفي
التأبيد في الدنيا جمعا بين هذه وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الآخرة وقيل
إن لن لا توجب التأبيد لكن توجب التوقيت كقوله عز و جل ولن يتمنوه أبدا ( البقرة
95 ) يعني الموت وقال علي بن مهدي لو كان سؤال موسى عليه السلام مستحيلا لما أقدم
عليه مع كمال معرفته بالله عز و جل وقال المتكلمون من أهل السنة لما علق الله
الرؤية باستقرار الجبل دل على جواز الرؤية لأن استقراره غير مستحيل ألا ترى أن
دخول الكفار الجنة لما كان مستحيلا علقه بشيء مستحيل فقال لا يدخلون الجنة حتى يلج
الجمل في سم الخياط ( الأعراف 40 ) أي في خرق الإبرة
قال ابن عباس أرني أعطني
هذا التعليق وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله رب أرني
أنظر إليك ( الأعراف 143 ) قال أعطني
4638 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن يحيى المازني ) عن
أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه قال جاء رجل من اليهود إلى النبي قد لطم
وجهه وقال يا محمد إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم في وجهي قال ادعوه فدعوه قال
لم لطمت وجهه قال يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول والذي اصطفى موسى على
البشر فقلت وعلى محمد فقال وعلى محمد فأخذتني غضبة فلطمته قال لا تخيروني من بين
الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ
بقائمة من قوائم العرش
(18/239)
فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة
الطور
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أم جوزي بصعقة الطور والحديث قد مضى في باب الأشخاص
فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه ومضى الكلام فيه هناك
قوله لا تخيروني أي لا تفضلوني بحيث يلزم نقص أو غضاضة على غيره أو يؤدي إلى
الخصومة أو قاله تواضعا وقيل قال ذلك قبل أن يعلم تفضيله على الكل وقد روى الحافظ
أبو بكر بن أبي الدنيا أن الذي لطم اليهودي في هذه القصة هو أبو بكر الصديق رضي
الله عنه وما ذكره البخاري هو الأصح قوله فإن الناس يصعقون يوم القيامة الظاهر أن
هذا الصعق يكون يوم القيامة حين يأتي الرب عز و جل لفصل القضاء ويتجلى فيصعقون
حينئذ أي يغشى عليهم وليس المراد من الصعق الموت قوله أم جوزى كذا في رواية أبي ذر
عن الحموي والمستملي وفي رواية الأكثرين جزى والأول هو المشهور في غير هذا الموضع
المن والسلوى
أي هذا في ذكر المن والسلوى وليس في الحديث ذكر السلوى وإنما ذكره رعاية للفظ
القرآن وفي بعض النسخ وأنزلنا عليهم المن والسلوى ( البقرة 57 ) قال الله تعالى
وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى ( الأعراف 160 ) وقد مر تفسير ذلك
في سورة البقرة
3 -
( باب قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له له ملك السماوات والأرض
لا إلاه إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله
وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ( الأعراف 158 )
أي هذا باب في قول الله عز و جل قل يا أيها الناس قوله الآية أي الآية بتمامها وهو
قوله لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله
وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون وفي بعض النسخ جميع هذه مذكور قوله قل يا أيها الناس
يقول الله لنبيه ورسوله محمد قل يا محمد يا أيها الناس وهذا خطاب للأحمر والأسود
والعربي والعجمي إني رسول الله إليكم جميعا أي جميعكم قوله الذي له ملك السموات
والأرض صفة الله في قوله إني رسول الله أي الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه
الذي بيده الملك والإحياء والإماتة قوله فآمنوا بالله لما أخبرهم بأنه رسول الله
أمرهم بالإيمان به وباتباع رسوله النبي الأمي الذي
(18/240)
وعدتم به وبشرتم به في الكتب القديمة
فإنه منعوت بذلك في كتبهم قوله واتبعوه أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره لعلكم تهتدون
إلى الصراط المستقيم
4640 - حدثنا ( عبد الله ) حدثنا ( سليمان بن عبد الرحمان وموسى بن هارون ) قالا
حدثنا ( الوليد بن مسلم ) حدثنا ( عبد الله بن العلاء بن زبر ) قال حدثني ( بسر بن
عبيد الله ) قال حدثني ( أبو إدريس الخولاني ) قال سمعت ( أبا الدرداء ) يقول كانت
بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا فاتبعه أبو بكر
يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله
فقال أبو الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله أما صاحبكم هاذا فقد غامر قال وندم عمر
على ما كان منه فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي وقص على رسول الله الخبر قال أبو
الدرداء وغضب رسول الله وجعل أبو بكر يقول والله يا رسول الله لانا كنت أظلم فقال
رسول الله هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي إني قلت يا أيها الناس
إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت
مطابقته للترجمة في قوله يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( الأعراف 158 )
وعبد الله وقع كذا غير منسوب في رواية الأكثرين ووقع عند ابن السكن عن الفربري عن
البخاري حدثني عبد الله بن حماد وبذلك جزم الكلاباذي وطائفة وهو عبد الله بن حماد
بن الطفيل أبو عبد الرحمن الآملي بالمد وضم الميم الخفيفة آمل جيحون قال الأصيلي
هو من تلامذة البخاري وكان يورق بين يديه وقيل شارك البخاري في كثير من شيوخه وكان
من الحفاظ قال المنذري ذكر ابن يونس أنه مات يوم الأربعاء لتسع خلون من المحرم سنة
ثلاث وعشرين ومائتين وقيل مات بآمل حين خرج من سمرقند وسليمان بن عبد الرحمن ابن
إبنة شرحبيل بن أيوب الدمشقي روى عنه البخاري في مواضع مات سنة ثلاثين ومائتين
وموسى بن هارون البني بضم الباء الموحدة وتشديد النون من أفراد البخاري والوليد بن
مسلم الدمشقي أبو العباس مات سنة خمس وتسعين ومائة وعبد الله بن العلاء بن زبر
بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة وبالراء الربعي بفتح الباء الموحدة وبالعين
المهملة وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبالراء ابن عبيد الله
الحضرمي الشامي وأبو إدريس عائذ الله إسم فاعل من العوذ بالعين المهملة والذال
المعجمة الخولاني بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون وأبو الدرداء عويمر
الأنصاري وهؤلاء الخمسة كلهم شاميون
والحديث مضى في باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه فإنه أخرجه هناك عن هشام بن عمار
عن صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله إلى آخره ومضى الكلام فيه
هناك
قوله غامر بالغين المعجمة من باب المفاعلة أي سبق بالخير أو وقع في أمر أو زاحم
وخاصم والمغامر الذي يرمي نفسه في الأمور المهلكة وقيل هو من الغمر بالكسر وهو
الحقد الذي حاقد غيره قوله تاركو لي صاحبي بحذف النون من تاركون لأنه مضاف إلى
قوله صاحبي لكن وقع الجار والمجرور أعني قوله لي فاصلا بين المضاف والمضاف إليه
وذلك جائز وقد وقع في كلام العرب كثيرا ويروى تاركون بالنون على الأصل
قال أبو عبد الله غامر سبق بالخير
هذا ليس بموجود في بعض النسخ وأبو عبد الله هو البخاري نفسه فسر قوله غامر بقوله
سبق بالخير وقد ذكرناه الآن
(18/241)
4 -
( باب قوله وقولو حطة )
أي هذا باب في قوله تعالى وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ( الأعراف 161 ) وليس لفظ
باب مذكورا في بعض النسخ
4641 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه
) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله عنه يقول قال رسول الله قيل لبني إسرائيل ادخلوا
الباب سجدا وقولوا حطة تغفر لكم خطاياكم فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا
حبة في شعرة ( انظر الحديث 3402 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن إبراهيم الحنظلي بن راهويه ومعمر بفتح
الميمين ابن راشد وهمام بتشديد الميم الأولى ابن منبه على وزن اسم الفاعل من
التنبيه والحديث مضى في أوائل تفسير سورة البقرة فإنه أخرجه هناك عن محمد عن عبد
الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله فبدلوا أي غيروا قوله في شعرة بفتحتين في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني
في شعيرة بكسر العين وسكون الياء آخر الحروف
5 -
( باب خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( الأعراف 199 )
أي هذا باب في قوله تعالى خذ العفو وقد أمر الله نبيه بثلاثة أشياء الأخذ بالعفو
والأمر بالعرف والإعراض عن الجاهلين وروي الطبري عن مجاهد خذ العفو من أخلاق الناس
وأعمالهم من غير تجسيس عليهم وقال ابن الزبير ما أنزل الله تعالى هذه الآية إلا في
أخلاق الناس وعن ابن عباس والضحاك والسدي خذ العفو من أموال المسلمين وهو الفضل
وقال ابن جرير أمر بذلك قبل نزول الزكاة وقال ابن الجوزي صدقة كانت تؤخذ قبل
الزكاة ثم نسخت بها وقيل هذا أمر من الله تعالى لنبيه بالعفو عن المشركين وترك
الغلظة عليهم وذلك قبل فرض القتال وتفسير العرف يأتي الآن قوله وأغرض عن الجاهلين
أي عن أبي جهل وأصحابه وقال ابن زيد نسختها آية السيف وقيل ليست بمنسوخة إنما أمر
باحتمال من ظلم
العرف المعروف
أراد أن العرف المأمور به في الآية الكريمة هو المعروف ووصله عبد الرزاق من طريق
همام بن عروة عن أبيه وكذا أخرجه الطبري من طريق السدي وقتادة وفي المعروف صلة
الرحم وإعطاء من حرم والعفو عمن ظلم وقال ابن الجوزي العرف والمعروف ما عرف من
طاعة الله عز و جل و قال الثعلبي العرف والمعروف والعارفة كل خصلة حميدة وقال عطاء
الأمر بالعرف بلا إله إلا الله
164 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن
أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر
ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا
الأمير فاستأذن لي عليه قال سأستأذن لك عليه قال ابن عباس فاستأذن الحر لعيينة
فأذن له عمر فلما دخل عليه قال هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم
بيننا بالعدل فغضب
(18/242)
عمر حتى هم به فقال له الحر يا أمير
المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين وإن
هذا من الجاهلين والله ما جاوزنا عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وهذا الإسناد على هذا النمط قد
سبق كثيرا والحديث من أفراده وأخرجه أيضا في الاعتصام عن إسماعيل بن أبي أويس قوله
مشاورته بلفظ المصدر عطفا على مجالس وبلفظ المفعول والفاعل عطفا على أصحاب قوله
كهولا بضم الكاف جمع كهل وهو الذي وخطه الشيب قاله ابن فارس وقال المبرد هو ابن
ثلاث وثلاثين سنة قوله أو شبانا بضم الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع شاب
هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني شبابا بفتح الشين وبالباءين الموحدتين
أولاهما مخففة قوله هي بكسر الهاء وسكون الياء كلمة التهديد ويقال هو ضمير وثمة
محذوف أي هي داهية أو القصة هذه ويروى هيه بهاء أخرى في آخره ويروى إيه من أسماء
الأفعال تقول للرجل إذا استزدته هن حديث أو عمل إيه بكسر الهمزة وسكون الياء وكسر
الهاء قوله ما تعطينا الجزل بفتح الجيم وسكون الزاي أي ما تعطينا العطاء الكثير
وأصل الجزل ما عظم من الحطب ثم استعير منه أجزل له في العطاء أي أكثره قوله ما
جاوزها أي ما جاوز الآية المذكورة يعني لم يتعد عن العمل بها قوله وكان أي عمر
وقافا مبالغة في واقف ومعناه أنه إذا سمع كتاب الله يقف عنده ولا يتجاوز عن حكمه -
4643 - حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( وكيع ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عبد الله بن
الزبير خذ العفو وأمر بالعرف ) قال ( ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله خذ العفو وأمر بالعرف ويحيى شيخ البخاري مختلف فيه
فقال أبو علي بن السكن هو يحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكريا السختياني البلخي
يقال له خت وقال المستملي هو يحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي
رحمه الله وهشام هو ابن عروة يروى عن أبيه عروة وعروة يروي عن أخيه عبد الله بن
الزبير وهذا موقوف
قوله خذ العفو يعني هذه الآية ما أنزلها الله إلا في أخلاق الناس وقوله قال معترض
بين الجملتين والضمير المنصوب مقدر في ما أنزل كما قدرناه ورواه محمد بن جرير عن
ابن وكيع عن أبيه بلفظ ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس والأخلاق جمع
خلق بالضم وهو ملكة تصدر بها الأفعال بلا روية وقال جعفر الصادق ليس في القرآن آية
أجمع لمكارم الأخلاق منها ولعل ذلك لأن المعاملة إما مع نفسه أو مع غيره والغير
إما عالم أو جاهل أو لأن أمهات الأخلاق ثلاث لأن القوى الإنسانية ثلاث العقلية
والشهوية والغضبية ولكل قوة فضيلة هي وسطها للعقلية الحكمة وبها الأمر بالمعروف
وللشهوية العفة ومنها أخذ العفو وللغضبية الشجاعة ومنها الإعراض عن الجهال
( وقال عبد الله بن براد حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن
الزبير قال أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أو كما قال )
هذا تعليق أخرجه عن عبد الله بن براد وفي التوضيح لم يرو عنه غير هذا التعليق
ولعله أخذه عنه مذاكرة وأكثر عنه مسلم مات سنة أربع وثلاثين ومائتين بالكوفة وبراد
بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وهو اسم جده وهو عبد الله بن عامر بن براد بن
يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وأبو أسامة حماد بن أسامة وقد تكرر ذكره قيل
اختلف في هذا عن هشام فمنهم من وصله منهم الإسماعيلي رواه من حديث الطفاوي عن هشام
ومنهم من وقفه منهم معمر وابن أبي الزناد وحماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه
من قوله موقوفا
(18/243)
8 -
( سورة الأنفال )
أي هذا بعض تفسير سورة الأنفال وهي مدنية إلا خمس آيات مكية وهي قوله إن شر الدواب
عند الله ( الأنفال 22 و55 ) إلى آخر الآيتين وقوله وإذ يمكر بك الذين كفروا إلى
قوله بعذاب أليم ( الأنفال 33 ) وفيها آية أخرى اختلف فيها وهي قوله وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( الأنفال 30 ) وقال الحصار
في كتابه الناسخ والمنسوخ مدنية باتفاق وحكى القرطبي عن ابن عباس مدنية إلا سبع
آيات من قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا إلى آخر سبع آيات وقال مقاتل مدنية وفيها من
المكي وإذ يمكر بك الذين كفروا إلى آخر الآية وقال السخاوي نزلت قبل آل عمران وبعد
البقرة وآياتها أربعون وست آيات وكلماتها ألف كلمة وستمائة كلمة وإحدى وثلاثون
كلمة وحروفها خمسة آلاف ومائتان وأربعة وتسعون حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر
1 -
( باب قوله يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات
بينكم ( الأنفال 1 )
أي هذا باب في قوله تعالى يسألونك عن الأنفال إلى آخره وليس في كثير من النسخ لفظ
باب قوله يسألونك يعني يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم
بدر لمن هي فقيل هي لله ورسوله وقيل هي أنفال السرايا وقيل هي ما شد من المشركين
إلى المسلمين من عبد أو دابة وما أشبه ذلك وقيل هي ما أخذ مما يسقط من المتاع بعد
ما تقسم الغنائم فهو نفل لله ورسوله وقيل النفل الخمس الذي جعله الله تعالى لأهل
الخمس وقال النحاس في هذه الآية أقوال فأكثرهم على أنها منسوخة بقوله تعالى
واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ( الأنفال 41 ) وقال بعضهم هي محكمة
وللأئمة أن يعملوا بها فينفلوا من شاؤوا إذا كان ذلك صلاح المسلمين وفي تفسيره مكي
أكثر الناس على أنها محكمة وممن قاله أيضا ابن عباس قوله فاتقوا الله الآية أي
خافوا من الله بترك مخالفة رسوله قوله وأصلحوا ذات بينكم أي أحوال بينكم حتى تكون
أحوال ألفة ومحبة والبين الوصل كقوله لقد تقطع بينكم
قال ابن عباس الأنفال المغانم
هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الأنفال
المغانم كانت لرسول الله خالصة ليس لأحد فيها شيء
قال قتادة ريحكم الحرب
أشار إلى قوله تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ( الأنفال 8 ) وفسر قتادة
الريح بالحرب وروى هذا التعليق عبد الرزاق في ( تفسيره ) عن معمر عنه وفي التفسير
وتذهب ريحكم أي قوتكم وحدتكم وما كنتم من الاقبال
يقال نافلة عطية
إنما ذكر هذا استطرادا لأن في معنى الأنفال التي هي المغانم معنى العطية قال
الجوهري النفل والنافلة عطية التطوع من حيث لا تجب ومنه نافلة الصلاة وقال أبو
عبيدة في قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة ( الإسراء 79 ) أي غنيمة
4645 - ح ( دثني محمد بن عبد الرحيم ) حدثنا ( سعيد بن سليمان ) أخبرنا ( هشيم )
أخبرنا ( أبو بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) قال قلت ل ( ابن عباس ) رضي الله عنهما
سورة الأنفال قال نزلت في بدر
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة وسعيد بن
سليمان البغدادي المشهور بسعدويه وهشيم مصغر الهشم بن بشير الو اسطي وأبو بشر بكسر
الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه
(18/244)
إياس الواسطي
قوله سورة الأنفال أي ما سبب نزول سورة الأنفال قوله قال نزلت في بدر أي قال ابن
عباس نزلت سورة الأنفال في قضية بدر وهذا أحد الأقوال وهو ما رواه أحمد بإسناده عن
سعد بن أبي وقاص قال لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت
سيفه وكان يسمى ذا الكثيفة فأتيت به نبي الله فقال إذهب فاطرحه في القبض قال فرجعت
وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي قال فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت
سورة الأنفال فقال لي رسول الله إذهب فخذ سيفك قلت الكثيفة بضم الكاف وفتح الثاء
المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء والقبض بفتحتين بمعنى المقبوض وهو ما جمع
من الغنيمة قبل أن يقسم وقيل إنها نزلت هذه الآية لأن بعض الصحابة سأل النبي من
المغنم شيئا قبل قسمته فلم يعطه إياه إذ كان شركا بين الجيش وقال مقاتل نزلت في
أبي اليسر إذ قال النبي أعطنا ما وعدتنا من الغنيمة وكان قتل رجلين وأسر رجلين
العباس بن عبد المطلب وآخر يقال له سعد بن معاذ وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد إنهم
سألوا رسول الله عن الخمس بعد الأربعة أخماس فنزلت يسألونك ( الأنفال 1 )
الشوكة الحد
أشار به إلى قوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم ( الأنفال 7 ) وفسر الشوكة بقوله الحد وفي التفسير أي تحبون أن
الطائفة التي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لكم وهي العير وهذه اللفظة أعني
قوله الشوكة الحد لم تثبت لأبي ذر
مردفين فوجا بعد فوج ردفني وأردفني جاء بعدي
أشار به إلى قوله تعالى إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ( الأنفال 9 ) وفسر
مردفين بقوله فوجا بعد فوج وعن ابن عباس مردفين متتابعين وعنه المردفون المدد وعنه
وراء كل ملك ملك وعنه بعضهم على إثر بعض وكذا قال الضحاك وقتادة وقال ابن جرير
حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران
عن الزمعي عن أبي الحويرث عن محمد ابن جبير عن علي رضي الله عنه قال نزل جبريل
عليه السلام وفي ألف من الملائكة عن ميمنة النبي وفيها أبو بكر رضي الله عنه ونزل
ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي وأنا في الميسرة وقال ابن
كثير وهذا يقتضي لو صح إسناده أن الألف مردوفه بمثلها ولهذا قرأ بعضهم مردفين بفتح
الدال قوله ردفني وأردفني أشار بهذا إلى أن ردف بكسر الدال وأردف بمعنى واحد قال
الطبري العرب تقول أردفته وردفته بمعنى وقال الجوهري ردفه بالكسر أي تبعه والردف
المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب وأردفته أنا إذا أركبته معك وذلك الموضع الذي
يركبه رداف فكل شيء تبع شيئا فهو ردفه والترادف التتابع
ذوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم
أشار به إلى قوله تعالى ذلكم فذوقوه وإن للكافرين عذاب النار ( الأنفال 14 ) وفسر
ذوقوا بقوله باشروا وجربوا وهذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام
في المعاني كما في قوله تعالى فذاقوا وبال أمرهم ( الحشر 15 والتغابن 5 ) ولهذا
قيد بقوله وليس هذا من ذوق الفم والضمير المنصوب في فذوقوه يرجع إلى العقاب
المذكور قبله وهو قوله فإن الله شديد العقاب ( البقرة 211 والأنفال 13 )
فيركمه يجمعه
أشار به إلى قوله ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه (
الأنفال 37 ) وفسر يركمه بقوله يجمعه وكذا فسره أبو عبيدة فقال يجمعه بعضه فوق بعض
وكذا رواه ابن أبي حاتم عن يزيد القراطيسي عن إصبغ عن ابن زيد والركم جمع الشيء
بعضه على بعض كما قال في السحاب ثم يجعله ركاما أي متراكبا والمعنى ليميز الله
الفريق الخبيث من الكفار من الفريق
(18/245)
الطيب من المؤمنين فيجعل الفريق الخبيث
بعضه على بعض فيركمه جميعا حتى يتراكبوا فيجعله في جهنم والضمير المنصوب في فيركمه
يرجع إلى الفريق الخبيث
شرد فرق
أشار به إلى قوله تعالى فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون (
الأنفال 57 ) وفسر لفظ شرد بقوله فرق وكذا فسره أبو عبيدة وقال الزجاج تفعل بهم
فعلا من القتل والتفريق قال وهو بذال معجمة ومهملة لغتان وفي التفسير أي نكل بهم
كذا فسره ابن عيينة وقال ابن عباس والحسن والضحاك والسدي وعطاء الخراساني معناه
غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم
وإن جنحوا طلبوا
أشار به إلى قوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لهاوتوكل على الله ( الأنفال 61 )
وفسر جنحوا بقوله طلبوا وقال أبو عبيدة أي إن رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصلح وفي
التفسير أي وإن مالوا إلى المسالمة والمهادنة فاجنح لها أي مل إليها واقبل منهم
ذلك
يثخن يغلب
أشار به إلى قوله تعالى وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ( الأنفال
67 ) وفسر قوله يثخن بقوله يغلب وكذا فسره أبو عبيدة وروى ابن أبي حاتم عن منجاب
بن الحارث عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس بلفظ يظهر على الأرض
وقال مجاهد مكاء إدخال أصابعهم في أفواههم وتصدية الصفير
أشار به إلى قوله تعالى وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب
بما كنتم تكفرون ( الأنفال 35 ) وفسر المكاء بقوله إدخال أصابهم في أفواههم قاله
عبد الله بن عمرو ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو رجاء العطاردي ومحمد
بن كعب القرظي وحجر بن عنبس ونبيط بن شريط وقتادة بن زيد بن أسلم المكاء الصفير
وزاد مجاهد وكانوا يدخلون أصابعهم في أفواههم والتصدية فسرها البخاري بقوله الصفير
وكذا فسرها مجاهد رواه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه وفسره أبو عبيدة
بالتصفيق حيث قال التصدية صفق الأكف وقال ابن جرير بإسناده عن ابن عمر المكاء
الصفير والتصدية التصفيق وقال ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس في هذه الآية
كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق
ليثبتوك ليحبسوك
أشار به إلى قوله عز و جل وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك (
الأنفال 30 ) الآية وفسر قوله ليثبتوك بقوله ليحبسوك وبه فسر عطاء وابن زيد وقال
السدي الإثبات هو الحبس والوثاق وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ليثبتوك ليقيدوك
وقاله سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول لما ائتمروا
بالنبي ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب هل تدري ما ائتمر بك قال
يريدون أن يسجروني أو يقتلوني أو يخرجوني قال من خبرك بهذا قال ربي قال نعم الرب
ربك استوص به خيرا قال أنا أستوصي به بل هو يستوصي بي ورواه ابن جرير أيضا بإسناده
إلى عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة نحوه وقال ابن كثير ذكر أبي طالب هنا
غريب جدا بل منكر لأن هذه الآية مدنية ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا
الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء وكان
ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترؤوا عليه بسبب موت
عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه واعلم أن هذه الألفاظ وقعت في
كثير من النسخ مختلفة بحسب تقديم بعضها على بعض وتأخير بعضها عن بعض
(18/246)
إن شر الدواب عند الله الصم البكم
الذين لا يعقلون
هذا يعم جميع من أشرك بالله عز و جل من حيث الظاهر وإن كان سبب نزوله خاصا على ما
روي عن مجاهد أن المراد بهؤلاء نفر من بني عبد الدار من قريش وقال محمد بن إسحاق
هم المنافقون وأخبر الله تعالى عنهم أن هذا الضرب من بني آدم سيء الخلق والخليفة
فقال إن شر الدواب الصم أي عن سماع الحق إليكم عن فهمه ولهذا قال لا يعقلون فهؤلاء
شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله تعالى فيما خلقها له وهؤلاء خلقوا
للعبادة فكفروا ولهذا شبههم بالأنعام في قوله أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا (
الأعراف 179 )
4646 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( ورقاء ) عن ( ابن نجيح ) عن ( مجاهد ) عن (
ابن عباس ) إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون قال هم نفر من بني
عبد الدار
2 -
( باب يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن
الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ( الأنفال 24 )
استجيبوا بمعنى اجيبوا لله تعالى يقال استجبت له وأجبته والاستجابة هنا بمعنى
الإجابة قوله إذا دعاكم أي إذا طلبكم قوله الآية أي الآية بتمامها وهي قوله واعلموا
أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنكم إليه تحشرون وفي بعض النسخ ذكر من قوله يا
أيها الذين آمنوا إلى قوله تحشرون قوله يحول بين المرء وقلبه قال ابن عباس يحول
بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الإيمان رواه الحاكم في ( مستدركه )
موقوفا وقال صحيح ولم يخرجاه ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح لضعف
إسناده والموقوف أصح وعن مجاهد يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل وقال السدي
يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه
استجيبوا أجيبوا لما يحييكم يصلحكم
قد مر الآن أن استجيبو بمعنى أجيبوا وكذا قال أبو عبيدة قوله لما يحييكم فسره
بقوله يصلحكم وكذا فسره أبو عبيدة وقال مجاهد لما يحييكم للحق وقال قتادة هو هذا
القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة وقال السدي لما يحييكم في الإسلام بعد موتهم
بالكفر وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن عروة بن الزبير إذا
دعاكم لما يحييكم أي للحرب التي أعزكم بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم
من عدوكم بعد القهر منهم لكم
4647 - ح ( دثني إسحاق ) أخبرنا ( روح ) حدثنا ( شعبة ) عن خبيب بن عبد الرحمان
سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال كنت أصلي فمر بي
رسول الله فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال ما منعك أن تأتى ألم يقل الله يا
أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ثم قال لأعلمنك أعظم سورة في
القرآن قبل أن أخرج فذهب رسول الله ليخرج فذكرت له
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق كذا وقع في غالب النسخ غير منسوب وفي نسخة مروية عن
طريق أبي ذر إسحاق ابن إبراهيم هو ابن راهويه وذكر أبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي
أنه إسحاق بن منصور وكذا نص عليه الحافظ
(18/247)
المزي في ( الأطراف ) وروح بفتح الراء
ابن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح
الباء الموحدة الأولى وسكون الياء آخر الحروف الخزرجي وأبو سعيد اسمه حارث أو رافع
أو أوس بن المعلى بلفظ إسم المفعول من التعلية بالمهملة الأنصاري
والحديث مضى في تفسير سورة الفاتحة فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن شعبة إلى
آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله أعظم سورة أي في الثواب على قراءتها وذلك لما يجمع هذه السورة من الثناء
والدعاء والسؤال قوله قبل أن أخرج أي من المسجد وبه صرح في الحديث الذي مضى في
تفسير الفاتحة قوله فذكرت له أي لرسول الله وهو قوله لأعلمنك أعظم سورة في القرآن
وفي الذي مضى في تفسير الفاتحة قلت له ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في
القرآن قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته
وقال معاذ حدثنا شعبة عن خبيب سمع حفصا سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب النبي بهاذا
وقال هي الحمد لله رب العالمين السبع المثاني
هذا تعليق رواه معاذ بن معاذ العنبري بسكون النون وفتح الباء الموحدة عن شعبة بن
الحجاج عن ( خبيب بن عبد الرحمن ) المذكور في الحديث الماضي عن ( حفص بن عاصم ) بن
عمر بن الخطاب ( أبي سعيد بن المعلى ) ووصله الحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله
بن معاذ عن أبيه عن شعبة إلى آخره وفائدة إيراد هذا التعليق ما وقع فيه من تصريح
سماع حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى قوله رجلا بدل من أبي سعيد قوله بهذا أي
بهذا الحديث المذكور قوله وقال أي النبي هي أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب
العالمين السبع المثاني بدل قوله رب العالمين أو عطف بيان وهي سبع آيات وسميت
بالمثاني لأنها تئني في الصلاة والمثاني من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة تتكرر
في الصلاة أو من الثناء لاشتمالها على الثناء على الله تعالى
3 -
( باب وإذ قالوا اللهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
أو ائتنا بعذاب أليم ( الأنفال 32 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وإذ قالوا اللهم الآية وليس في بعض النسخ ذكر لفظ باب
وفي رواية أبي ذر وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر الآية قوله
وإذ قالوا أي ذكر حين قالوا ما قالوا والقائلون هم كفار قريش مثل النضر بن الحارث
وأبي جهل وإضرابهما من الكفرة الجهلة وذلك من كثرة جهلهم وعتوهم وعنادهم وشدة
تكذيبهم قوله هذا هو الحق أرادوا به القرآن وقيل أرادو به نبوة النبي قوله فأمطر
علينا حجارة من السماء إنما قالوا هذا القول لشبهة تمكنت في قلوبهم ولو عرفوا
بطلانها ما قالوا مثل هذا القول مع علمهم بأن الله قادر على ذلك فطلبوا إمطار
الحجارة إعلاما بأنهم على غاية الثقة في أن أمره ليس بحق وإذا لم يكن حقا لم يصبهم
هذا البلاء الذي طلبوه
قال ابن عيينة ما سمى الله تعالى مطرا في القرآن إلا عذابا وتسميه العرب الغيث وهو
قوله تعالى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ( الشورى 28 )
أي قال سفيان بن عيينة إلى آخره وهكذا هو في تفسيره رواه سعيد بن عبد الرحمن
المخزومي عنه قوله إلا عذابا فيه نظر لأن المطر جاء في القرآن بمعنى الغيث في قوله
تعالى إن كان بكم أذى من مطر ( النساء 102 ) فالمراد به هنا المطر قطعا ومعنى
التأذي به البلل الحاصل منه والوحل وغير ذلك قوله وتسميه العرب إلى آخره من كلام
ابن عيينة وقال الجوهري المطر واحد الأمطار ومطرت السماء تمطر مطرا وأمطرها الله
وقد مطرنا وناس يقولون مطرت السماء وأمطرت بمعنى وقال أبو عبيدة إذا كان من العذاب
فهو أمطرت وإن كان من الرحمة فهو ومطرت
(18/248)
4648 - ح ( دثني أحمد ) حدثنا ( عبيد
الله بن معاذ ) حدثنا أبي حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الحميد ) هو ( ابن كرديد صاحب
الزيادي ) سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال أبو جهل اللهم إن كان هاذا هو
الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله
وهم يصدون عن المسجد الحرام ( الأنفال 3334 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد هذا ذكر كذا غير منسوب في جميع الروايات وقد جزم
الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبد الله أنه ابن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري
وقال الحافظ المزي أيضا هو أحمد بن النضر أخو محمد وهما من نيسابور قلت الآن يأتي
في عقيب الحديث المذكور رواية البخاري عن محمد بن النضر هذا وهما من تلامذة
البخاري وإن شاركوه في بعض شيوخه وليس لهما في البخاري إلا هذا الموضع وعبيد الله
بن معاذ يروي عن أبيه معاذ بن معاذ بن حسان أبو عمر العنبري التميمي البصري وعبد
الحميد بن دينار والبصري وقال عمرو بن علي هو عبد الحميد بن واصل وهو تابعي صغير
وقد وقع في نسختنا عبد الحميد بن كرديد بضم الكاف وكسرها وسكون الراء وكسر الدال
المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال أخرى ولم أر أحدا ذكره ولا التزم أنا
بصحته والزيادي بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف نسبة إلى زياد بن أبي سفيان
والحديث أخرجه مسلم في ذكر المنافقين والكفار عن عبيد الله نفسه عن أبيه عن شعبة
والبخاري أنزل درجة منه
قوله قال أبو جهل اسمه عمرو بن هشام المخزومي وظاهر الكلام أن القائل بقوله اللهم
إلى آخره هو أبو جهل وروى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل بهذا هو النضر بن
الحارث وكذا قاله مجاهد وعطاء والسدي ولا منافاة في ذلك لاحتمال أن يكون الاثنان
قد قالاه وقال بعضهم نسبته إلى أبي جهل أولى قلت لا دليل على دعوى الأولوية بل
لقائل أن يقول نسبته إلى النضر بن الحارث أولى ويؤيده أنه كان ذهب إلى بلاد فارس
وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار لما وجد رسول الله قد بعثه الله وهو يتلو
على الناس القرآن فكان إذا قام رسول الله من مجلس جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار
أولئك ثم يقول أينا أحسن قصصا أنا أو محمد ولهذا لما أمكن الله منه يوم بدر ووقع
في الأسارى أمر رسول الله أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ففعل ذلك وكان الذي أسره المقداد
بن الأسود رضي الله تعالى عنه قوله إن كان هذا هو الحق اختلف أهل العربية في وجه
دخول هو في الكلام فقال بعض البصريين هو صلة في الكلام للتوكيد والحق منصوب لأنه
خبر كان وقال بعضهم الحق مرفوع لأنه خبر هو وقال الزمخشري وقرأ الأعمش هو الحق
بالرفع على أن هو مبتدأ غير فصل وهو في القراءة الأولى فصل قوله فنزلت وما كان
الله ليعذبهم الآية إنما قال فنزلت بالفاء لأنها نزلت عقيب قولهم إن كان هذا هو
الحق وذلك أنهم لما قالوا ذلك ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم فأنزل الله
تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
هذه الآية ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم وقال ابن عباس
كان فيهم أمانان النبي والاستغفار فذهب النبي وبقي الاستغفار قوله ليعذبهم أي لأن
يعذبهم قوله وأنت فيهم الواو وفيه للحال وكذا الواو في وهم يستغفرون قوله وما لهم
أن لا يعذبهم الله الآية قال ابن جرير بإسناده إلى أن ابن أبزى قال كان النبي بمكة
فأنزل الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم قال فخرج النبي إلى المدينة
فأنزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قال وكان أولئك البقية من المسلمين
الذين بقوافيها مستضعفين يعني بمكة ولما خرجوا أنزل الله وما لهم أن لا يعذبهم
الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس
وما كان الله معذبهم
(18/249)
وهم يستغفرون ثم استثنى أهل الشرك فقال
وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ( الأنفال33 ) أي وكيف لا
يعذبهم الله أي الذين بمكة وهم يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة عنده
والطواف ولهذا قال وما كانوا أولياءه ( الأنفال34 ) أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام
وإنما أهله النبي وأصحابه قوله إن أولياؤه إلا المتقون أي إلا الذين اتقوا قال
عروة والسدي ومحمد بن إسحاق هم النبي وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وقال مجاهد
المتقون من كانوا وحيث كانوا
4 -
( باب قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (
الأنفال33 )
أي هذا باب في قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم الآية وذكر هذا الباب مع ذكر هذا
الحديث ترجمة ليس لها زيادة فائدة لأن الآية بعينها مذكورة فيما قبلها وكذلك
الحديث بعينه مذكور بالإسناد المذكور بعينه غير أن شيخه هناك أحمد بن النضر وشيخه
هنا أخوه محمد بن النضر وإنما وضع الباب للترجمة وذكر الحديث بعينه ليعلم أنه روى
هذا الحديث عن شيخين وهما أخوان وبدون هذا كان يعلم ما قصده وقال الحاكم بلغني أن
البخاري كان ينزل عليهما أو يكثر السكون عندهما إذا قدم نيسابور
4649 - حدثنا ( محمد بن النضر ) حدثنا ( عبيد الله بن معاذ ) حدثنا أبي حدثنا (
شعبة ) عن ( عبد الحميد صاحب الزيادي ) سمع ( أنس بن مالك ) قال قال أبو جهل اللهم
إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم
فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم
أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام الآية
مر الكلام فيه عن قريب
5 -
( باب وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( الأنفال39 )
أي هذا باب في قوله تعالى وقاتلوهم الآية ولم يثبت لفظ باب ألا في رواية أبي ذر
وقد أمر الله المؤمنين بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة وقال الضحاك عن ابن عباس حتى
لا يكون شرك وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي
ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وقال محمد بن إسحاق بلغني عن الزهري عن عروة بن
الزبير وغيره من علمائنا حتى لا يفتن مسلم عن دينه قوله ويكون الدين كله لله أي
يخلص التوحيد لله وقال الحسن وقتادة وابن جريج أن يقول لا إلاه إلا الله وقال محمد
بن إسحاق يكون التوحيد خالصا لله ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد وقال عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم لا يكون مع دينكم كفر
4650 - حدثنا ( الحسن بن عبد العزيز ) حدثنا ( عبد الله بن يحيى ) حدثنا ( حيوة )
عن ( بكر بن عمرو ) عن ( بكير ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن
رجلا جاءه فقال يا أبا عبد الرحمان ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا إلى آخر الآية فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه فقال
يا ابن أخي أغتر بهاذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أغتر بهاذه الآية التي يقول
الله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا إلى آخرها قال فإن الله يقول وقاتلوهم حتى لا
تكون فتنة قال ابن عمر قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه
(18/250)
وسلم إذ كان الإسلام قليلا فكان الرجل
يفتن في دينه إما يقتلوه وإما يوثقوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة فلما رأى أنه
لا يوافقه فيما يريد قال فا قولك في علي وعثمان قال ابن عمر ما قولي في علي وعثمان
أما عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن يعفو عنه وأما علي فابن عم رسول الله
وختنه وأشار بيده وهاذه ابنته أو بيته حيث ترون
مطابقته للترجمة في قوله فإن الله يقول وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( الأنفال39 )
والحسن بن عبد العزيز الجروي بفتح الجيم وسكون الراء وبالواو وقد مر في الجنائز
وعبد الله بن يحيى المعافري بفتح الميم والعين المهملة وكسر الفاء وبالراء
البرالسي يكنى أبا يحيى صدوق أدركه البخاري ولكن روى عنه هنا بالواسطة وفي تفسير
سورة الفتح فقط وحيوة بن شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وفي آخره حاء مهملة
وقد أمعن الكرماني في ضبطه فقال شريح مصغر الشرح بالمعجمة والراء وبالمهملة وبكر
بفتح الباء الموحدة ابن عمرو المعافري من أهل مصر وبكير بضم الباء الموحدة مصغر
بكر ابن عبد الله الأشج والحديث مر بوجه آخر في تفسير سورة البقرة في باب وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ومضى الكلام فيه هنالك
قوله أن رجلا هو حبان صاحب الدثنية قاله سعيد بن منصور وقال أبو بكر النجار هو
الهيثم بن حنش وعن أحمد بن يونس هو شخص يقال له حكيم وقيل نافع بن الأزرق قوله أن
لا تقاتل كلمة لا زائدة كما في قوله ما منعك أن لا تسجد ( الأعراف12 ) وكان لم
يقاتل أصلا في الحروب التي جرت بين المسلمين لا في صفين ولا في وقعة الجمل ولا في
محاصرة ابن الزبير وغيرها قوله اغتر من الاغترار بالمعجمة والراء المكررة أي تأويل
هذه الآية أحب إلي من تأويل الآية الأخرى التي فيها تغليظ شديد وتهديد عظيم
والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته وكان ابن عمر يرى
ترك القتال فيما يتعلق بالملك والظاهر أن السائل كان هذا من الخوارج فإنهم كانوا
يتولون الشيخين ويخطؤن عثمان وعليا فرد عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من
النبي والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار يوم أحد وغاب عن بدر وعن بيعة
الرضوان قوله إذ كان أي حين كان قوله يفتن في دينه على صيغة المجهول قوله يقتلوه
حذف النون منه بلا جازم ولا ناصب وهي لغة وكذلك يوثقوه وقال صاحب ( التوضيح ) إما
يقتلونه وإما يوثقونه هذا هو الصواب ورواية يقتلوه ويوثقوه غير صواب لأن إما هنا
عاطفة مكررة وإنما تجزم إذا كانت شرطا قلت لا تسلم أنه غير صواب بل هو صواب كما
ذكرناه لأنه لغة لبعض العرب وهي فصيحة وكون إما تتضمن معنى الشرط ليس بمجمع عليه
قوله وهذه ابنته أو بيته بالشك في رواية الأكثرين وكذا قال الكشميهني بالشك ولكن
قال أو أبيته بصيغة جمع القلة في البيت وهو شاذ وهذه أنث باعتبار البقعة قوله ترون
أي بين حجر النبي وبين قربه مكانا ومكانة
4651 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( بيان ) أن ( وبرة ) حدثه
قال حدثني ( سعيد بن جبير ) قال خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال رجل كيف ترى في
قتال الفتنة فقال وهل تدري ما الفتنة كان محمد يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم
فتنة وليس كقتالكم على الملك
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو مختصر منه ويحتمل أن يكونا واقعتين وأحمد بن
يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وقد نسب إلى جده وزهير هو ابن
معاوية وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون ابن بشر بكسر
الباء الموحدة وسكون الشين ووبرة بفتح الواو
(18/251)
وسكون الباء الموحدة وفتحها وبالراء
ابن عبد الرحمن المسلمي بضم الميم وسكون السين المهملة وباللام الحارث من مذحج
6 -
( باب يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا
مأتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون (
الأنفال6 )
أي هذا باب في قوله تعالى يا أيها النبي الآية ولم يذكر لفظ باب عند أحد من الرواة
وسياق الآية إلى ( يفقهون ) غير أبي ذر وعنده يا أيها النبي حرض المؤمنين على
القتال الآية قوله حرض المؤمنين من التحريض وهو الحث على الشيء قوله وإن يكن منكم
مائة أي صابرة محتسبة تثبت عند لقاء العسكر قوله قوم لا يفقهون أي إن المشركين
يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب
4652 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( ابن عباس )
رضي الله عنهما لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا
يفر واحد من عشرة فقال سفيان غير مرة أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت الآن خفف
الله عنكم ( الأنفال66 ) الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين وزاد سفيان مرة نزلت
حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون قال سفيان وقال ابن شبرمة وأرى
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
وعمرو هو ابن دينار والحديث من أفراده
قوله فكتب عليهم أي فرض عليهم والآية وإن كانت بلفظ الخبر ولكن المراد منه الأمر
فلذلك دخلها النسخ لأنه لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين فهو
على هذا تخفيف لا نسخ وقال القاضي أبو بكر بن الطيب أن الحكم إذا نسخ بعضه أو بعض
أوصافه أو غير عدده فجائز أن يقال إنه نسخ لأنه حينئذ ليس بالأول بل هو غيره وقال
قوم إنه كان يوم بدر قال ابن العربيوهو خطأ وقد نص مقاتل على أنه كان بعد بدر
والآية معلقة بأنهم كانوا يفقهون ما يقاتلون به وهو الثواب والكفار لا يفقهونه
وقيل أنهم كانوا في أول الإسلام قليلا فلما كثروا خفف ثم هذا في حقنا وأما سيدنا
رسول الله فيجب عليه مصابرة العدو الكثير لأنه موعود بالنصر كامل القوة قوله وقال
سفيان غير مرة أراد به أن سفيان كان يرويه بالمعنى فتارة يقول باللفظ الذي وقع في
القرآن محافظة على التلاوة وهو الأكثر وتارة يرويه بالمعنى وهو أن لا يفر واحد من
عشرة ويحتمل أن يكون سمعه باللفظين ويكون التأويل من غيره قوله ثم نزلت أي الآية
التي هي قوله الآن خفف الله عنكم قوله وزاد سفيان أشار به إلى أنه حدث مرة
بالزيادة ومرة بدونها قوله وقال ابن شبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة
وضم الراء واسمه عبد الله التابعي قاضي الكوفة وعالمها مات سنة أربع وأربعين ومائة
وقال صاحب ( التلويح ) هذا التعليق رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد
المقري عن سفيان قال قال ابن شبرمة فذكره ومعناه أن لا يفر من اثنين إذا كانا على
منكر وله أن يفر إذا كان الذي على المنكر أكثر منهما قيل وهم من زعم أنه معلق قال
في رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيم في ( المستخرج ) قال سفيان فذكرته
لابن شبرمة فذكر مثله قوله مثل هذا أي مثل الحكم المذكور في الجهاد ووجه الجامع
بينهما أعلاه كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل
7 -
( باب الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ( الأنفال66 ) الآية )
(18/252)
أي هذا باب في قوله تعالى الآن خفف
الله عنكم الآية وهذا المقدار هو في رواية أبي ذر وعند غيره إلى قوله والله مع
الصابرين ( الأنفال46 ) قوله الآن اسم للوقت الذي أنت فيه وهو ظرف غير منكر وقع
معرفة ولم يدخل الألف واللام عليه للتعريف لأنه ليس له ما يشركه قوله ضعفا بفتح الضاد
وقرىء بضمها وقرأ أبو جعفر ضعفاء جمع ضعيف والضعف في العدد في قول أكثر العلماء
وقيل في القوة والجلد
4653 - حدثنا ( يحيى بن عبد الله السلمي ) أخبرنا ( عبد الله بن المبارك ) أخبرنا
( جرير بن حازم ) قال أخبرني ( الزبير بن خريث ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي
الله عنهما قال لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( الأنفال66 ) شق
ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف فقال الآن
خفف الله عنكم وعلم إن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين قال فلما
خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن عبد الله السلمي بضم السين المهملة وفتح اللام
ويقال له خاقان البلخي وجرير بفتح الجيم ابن حازم بالحاء المهملة والزاي والزبير
بضم الزاي ابن الحريث بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون الياء آخر الحروف
وبالتاء المثناة من فوق البصري من صغار التابعين والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد
عن أبي توبة الربيع بن نافع قوله من الصبر ووقع في رواية وهب بن جرير عن أبيه عند
الإسماعيلي نقص من النصر وهذا القول من ابن عباس توقيف في الظاهر ويحتمل أن يكون قاله
بطريق الاستقراء والله أعلم
9 -
( سورة براءة )
أي هذه سورة براءة يعني في بيان بعض تفسيرها وسيأتي معنى براءة عن قريب إن شاء
الله تعالى وقال أبو الحسن بن الحصار هي مدنية باتفاق وقال مقاتل إلا آيتين من
آخرها لقد جاءكم ( التوبة128 ) إلى آخرها نزلت بمكة وقيل فيها اختلاف في أربع عشرة
آية وهي عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفا وألفان وأربعمائة وسبع وتسعون
كلمة ومائة وثلاثون آية مدني وبصري وشامي ومكي ومائة وعشرون وتسع كوفي ولها ثلاثة
عشر اسما اثنان مشهوران ( براءة ) و ( التوبة ) و ( سورة العذاب ) و ( والمقشقشة )
لأنها تقشقش عن النفاق أي تبرىء وقيل من تقشقش المريض إذا برأ ( والبحوث ) لأنها
تبحث عن سرائر المنافقين و ( الفاضحة ) لأنها فضحت المنافقين و ( المبعثرة ) لأنها
بعثرت أخبار الناس وكشفت عن سرائرهم و ( المثيرة ) لأنها أثارت مخازي المنافقين و
( الحافرة ) لأنها حفرت عن قلوبهم و ( المشردة ) لأنها تشرد بالمنافقين و (
المخزية ) لأنها تخزي المنافقين و ( المنكلة ) لأنها تتكلم و ( المدمدمة ) لأنها
تدمدم عليهم واختلف في سبب سقوط البسملة من أولها فقيل لأن فيها نقض العهد والعرب
في الجاهلية كانوا إذا نقض العهد الذي كان بينهم وبين قوم لم يكتبوا فيه البسملة
ولما نزلت براء بنقض العهد قرأها عليهم علي رضي الله تعالى عنه ولم يبسمل جريا على
عادتهم وقيل لأن عثمان رضي الله تعالى عنه قال كانت الأنفال من أوائل ما نزل
وبراءة من آخره وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض النبي ولم يبين لنا أنها منها فظننت
أنها منها فمن ثمة قرنت بينهما ولم أكتب بينهما البسملة رواه الحاكم وصححه وقيل
لما سقط البسملة معه روي عن عثمان أيضا وقاله مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم
وقال ابن عجلان بلغني أن براءة كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها فلذلك لم تكتب
البسملة وقيل لما كتب المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة فقال بعضهم براءة
والأنفال سورة واحدة وقال بعضهم هما سورتان فترك بينهما فرجة لقول من لم يقل إنهما
سورة واحدة وبه قال خارجة وأبو عصمة وآخرون وقيل روى الحاكم في ( مستدركه ) عن ابن
عباس قال سألت عليا رضي الله تعالى عنه عن ذلك فقال لأن البسملة أمان وبراءة
(18/253)
نزلت بالسيف ليس فيها أمان قال القشيري
والصحيح أن البسملة لم تكتب فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها وروى
الثعلبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن سيدنا رسول الله قال ما نزل علي القرآن
إلا آية آية وحرفا حرفا خلا براءة وقل هو الله أحد فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون
ألفا من الملائكة
مرصد طريق
أشار به إلى قوله تعالى واقعدوا لهم كل مرصد ( التوبة5 ) أي على كل طريق ويجمع على
مراصد وهي الطرق قوله لهم أي للكفار المشركين ولم تقع هذه اللفظة إلا في بعض النسخ
( باب وليجة كل شيء أدخلته في شيء )
لم يثبت لفظ باب في كثير من النسخ ولا ثبت لفظ وليجة في رواية أبي ذر ولا الذي
قبله وأشار به إلى قوله تعالى ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين
وليجة والله خبير بما تعلمون ( التوبة16 ) وفسر وليجة بقوله كل شيء أدخلته في شيء
وروى كذلك عن الربيع قال ابن أبي حاتم حدثنا كثير بن شهاب القزويني حدثنا محمد
يعني ابن سعيد حدثنا أبو جعفر عنه وفي التفسير وليجة أي بطانة ودخيلة يعني الذين
جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة أي بطالة بل هم في
الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله
الشقة السفر
أشار به إلى قوله عز و جل لو كان عرضا قريبا وسفرا فاسدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم
الشقة ( براءة42 ) وفسر الشقة بالسفر وروي كذلك عن ابن عباس قال ابن أبي حاتم
حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عنه وفي
التفسير لو كان عرضا قريبا أي الغنيمة قريبة وسقرا قاصدا لاتبعوك أي لكانوا معك
لذلك ولكن بعدت عليهم الشقة أي المسافة إلى الشام
الخبال الفساد والخبال الموت
أشار به إلى قوله تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( التوبة47 ) وفسر الخبال
بالفساد وكذا فسره أبو عبيدة والخبال في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان
والعقول من خبله يخبله خبلا بسكون الباء وبفتحها الجنون قوله والخبال الموت كذا
وقع في جمع الروايات قيل الصواب الموتة بضم الميم وبالهاء في آخره وقال الجوهري
الموتة بالضم جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله
كالنائم والسكران
ولا تفتني لا توبخني
أشار به إلى قوله تعالى ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ( التوبة47 ) وفسر قوله
لا توبخني من التوبيخ بالباء الموحدة والخاء المعجمة وفي وراية المستملي والجرجاني
لا توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف وفي رواية ابن السكن لا تؤتمني
بالتاء المثلثة الثقيلة وسكون الميم من الإثم قال عياض وهو الصواب وكذا وقع في
كلام أبي عبيدة والآية نزلت في جد ابن قيس المنافق قال له هل لك في جلاد بني
الأصفر يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء فقال ائذن لي في القعود عنك ولا تفتني
بذكر النساء فقد علم قومي أني مغرم بهن وأني أخشى أن لا أصبر عنهن وقال ابن عباس
اعتل جد ابن قيس بقوله ولا تفتني ولم يكن له علة إلا النفاق قال تعالى إلا في
الفتنة سقطوا يعني إلا في الإثم سقطوا
كرها وكرها
أشار به إلى قوله تعالى قل اتفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم وأشار بأن فيه لغتين
فتح الكاف وضمها فبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي وقرأ
الباقون بالفتح والمعنى قل يا محمد انفقوا طائعين أو مكرهين
(18/254)
لن يتقبل منكم أنكم كنتم قوما فاسقين
وبين الله سبب ذلك بقوله وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم ( التوبة54 ) الآية
مدخلا يدخلون فيه
أشار به إلى قوله تعالى لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا والمعنى لو يجدون حصنا
يتحصنون به وحرزا يحترزون به أو مغارات وهي الكهوف في الجبال أو مدخلا وهو السرب
في الأرض وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يحلفون بالله أنهم لمنكم يمينا مؤكدة وما
هم منكم في نفس الأمر إنما يخالطونكم كرها لا محبة
يجمحون يسرعون
أشار به إلى قوله تعالى لولوا إليه وهم يجمحون وفسره بقوله يسرعون وهو آخر الآية
المذكورة الآن يعني في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم
لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام
والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض
أشار به إلى قوله تعالى وأصحاب مدين والمؤتفكات اتتهم رسلهم بالبينات ( براءة70 )
وفسر المؤتفكات بقوله ائتفكت انقلبت بها الأرض وهم قوم لوط وفي التفسير والمؤتفكات
قرى قوم لوط عليه السلام وكانوا يسكنون في مدن وأمها سدوم وأهلكهم الله عن آخرهم
بتكذيبهم نبي الله لوطا عليه السلام وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من
العالمين وأصله من أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه عن الشيء وقلبه وأفك فهو مأفوك
والآفكة العذاب الذي أرسله الله على قوم لوط فقلب بها ديارهم والبلدة مؤتفكة وتجمع
على مؤتفكات
أهوى ألقاه في هوة
هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم ذكرها هنا البخاري
استطرادا لقوله والمؤتفكة أهوى والهوة بضم الهاء وتشديد الواو وهو المكان العميق
عدن خلد عدنت بأرض أي أقمت ومنه معدن ويقال في معدن صدق في منبت صدق
أشار به إلى قوله تعالى جنات عدن ( التوبة72 ) وفسر قوله عدن بقوله خلد بضم الخاء
وسكون اللام وهو دوام البقاء يقال خلد الرجل يخلد خلودا من باب نصر ينصر قوله عدنت
بأرض أي أقمت بها لأنها من العدن وهو الإقامة يقال عدن بالمكان يعدن عدنا من باب
نصر ينصر إذا لزمه ولم يبرح به قوله ومنه معدن أي ومن عدن اشتقاق معدن وهو الموضع
الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك قوله ويقال في معدن
صدق يعني يقال فلان في معدن صدق إذا كان مستمرا عليه ولا يبرح عنه كأنه صار معدنا
للصدق قوله في منبت صدق بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة اسم لموضع
النبات ويقال لمكان يستقر فيه النبت هذا منبت صدق وقالوا في تفسير قوله تعالى في
مقعد صدق ( القمر55 ) أي مكان مرضي والصدق هنا كناية عن استمرار الرضا فيه
الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في العابرين ويجوز أن يكون النساء
من الخالفة
أشار بقوله الخوالف إلى قوله تعالى رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على
قلوبهم فهم لا يعلمون ( التوبة87 ) هذه الآية وما قبلها في قضية غزوة تبوك وذلك
أنهم لما أمروا بغزوة تبوك تخلفت جماعة منهم من بين الله عذرهم بقوله ليس على
الضعفاء ولا على المرضى إلى قوله ألا يجدوا ما ينفقون ( التوبة91 ) ونفى الله
تعالى عنهم الملامة ثم رد الله على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء وأنبهم
بقوله رضوا بأن يكونوا مع الخوالف أي مع النساء الخوالف في الرجال طبع الله على
قلوبهم فهم لا يعلمون قوله الخالف الذي خلفني فقعد بعدي إشارة إلى تفسير الخالف
وهو الذي يقعد بعد الشخص في رحله ويجمع على خالفين كما في قوله تعالى فاقعدوا مع
الخالفين ( التوبة83 ) قال ابن عباس أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة ولا يجمع
الخالف على الخالفين لأن جمع النساء
(18/255)
لا يكون بالياء والنون فإن قلت روي عن
قتادة في قوله تعالى فاقعدوا مع الخالفين قال أي النساء قلت رد عليه ابن جرير بما
ذكرنا ورجح عليه قول ابن عباس وكان الكرماني أخذ قول قتادة فقال قوله الخوالف جمع
الخالف أي مع المتخلفين ثم قال ويجوز أن يكون المراد جمع النساء فيكون جمع خالفة
وهذا هو الظاهر لأن فواعل جمع فاعلة ولم يوجد في كلامهم إلا لفظان فوارس وهوالك
قلت جاء سابق وسوابق وناكس ونواكس وداجن ودواجن ومن الأسماء عازب وعوازب وكاهل
وكواهل وحاجة وحوائج وعائش وعوائش للدخان والحاصل أن المراد من الخوالف النساء
المتخلفات وقيل أخساه الناس قوله ومنه يخلفه في الغابرين أي ومن هذا لفظ يخلفه في
الغابرين هذا دعاء لمن مات له ميت اللهم اخلفه في الغابرين أي في الباقين من عقبه
وفي مسلم من حديث أم سلمة اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في
عقبه في الغابرين وقال النووي في شرحه أي الباقين كقوله تعالى إلا امرأته كانت من
الغابرين ( الأعراف83 ) قلت لفظ غبر يستعمل في الماضي والمستقبل فهو من الأضداد
والفرق في المعنى بالقرينة قوله ويجوز أن يكون النساء من الخالفة إنما يجوز ذلك
إذا كان يجمع مع الخالفة على خوالف وأما على ما يفهم من صدر كلامه أن الخالف يجمع
على خوالف فلا يجوز على ما نبهنا عليه من قريب وإنما الخالف يجمع على الخالفين
بالياء والنون فافهم
وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك
فيه نظر من وجهين أحدهما أن المفهوم من صدر كلامه أن خوالف جمع خالف وهنا ذكره
بالشك أنه إذا كان خوالف جمع المذكر فإنه لم يوجد إلى آخره والآخر في ادعائه أن
لفظ فاعل لا يجمع على فواعل إلا في لفظين أحدهما فارس فإنه يجمع على فوارس والآخر
هالك فإنه يجمع على هوالك وقد ذكرنا ألفاظا غيرهما أنها على وزن فاعل قد جمعت على
فواعل ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع كما هو حقه وقد حررناه فلله الحمد
الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل
أشار به إلى قوله تعالى وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون وذكر أن واحدة
الخيرات خيرة ثم فسر الخيرات بالفواضل وفي التفسير أولئك لهم الخيرات أي في الدار
الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى
مرجؤون مؤخرون
لم يثبت هذا في رواية أبي ذر وأشار به إلى قوله تعالى وآخرون مرجؤون لأمر الله إما
يعذبهم وإما يتوب عليهم ( التوبة106 ) وفسر مرجؤون بقوله مؤخرون أي يؤخرون لأمر
الله ليقضي الله فيهم ما هو قاض ومرجؤون من أرجأت الأمر وأرجيته بهمز وبغيره
وكلاهما بمعنى التأخير ومنه المرجئة وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر
مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة أي آخره عنهم والمرجئة بهمز ولا تهمز
فالنسبة من الأول مرجىء ومن الثاني مرجي والمراد من قوله تعالى وآخرون مرجؤون
الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية
قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والخفض وطيب الثمار
والظلال لا شكا ونفاقا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وآخرون
الشفاشفي وهو حده
أشار به إلى قوله تعالى أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ( التوبة109 ) فسر الشفا
بقوله شفير ثم قال وهو حده أي طرفه وفي رواية الكشميهني وهو حرفه
والجرف ما تجرف من السيول والأودية هار هائر
أشار به إلى قوله تعالى شفا جرف هار ( التوبة109 ) ثم فسره الجرف بقوله ما تجرف من
السيول وهو الذي ينحفر
(18/256)
بالماء فيبقى واهيا وفسر قوله هار
بقوله هائر يقال تهورت البئر إذا انهدمت وانهار مثله وفيه إشارة أيضا إلى أن لفظ
هار مقلوب من هائر ومعلول إعلال قاض وقيل لا حاجة إليه بل أصله هور وألفه ليست
بألف فاعل وإنما هي عينه وهو بمعنى ساقط
لأواه شفقا وفرقا
أشار به إلى قوله تعالى إن إبراهيم لأواه حليم ( التوبة114 ) والأواه المتأوه
المتضرع وهو على وزن فعال بالتشديد وقال سفيان وغير واحد عن عاصم بن بهدلة عن زر
بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال الأواه الدعاء وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن
المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال الأواه المتضرع الدعاء وعن مجاهد وأبي ميسرة
عمرو بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة أنه الرحيم أي لعباد الله وعن عكرمة عن ابن
عباس قال الأواه الموقن بلسان الحبشة وكذا قال الضحاك وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد
عن ابن عباس الأواه المؤمن التواب وقال سعيد بن جبير والشعبي الأواه المسبح وقال
شفي ابن مانع عن أبي أيوب الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وروى ابن جرير
بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس أن النبي دفن ميتا فقال رحمك الله إن كنت لأواها
يعني تلاء للقرآن قوله شفقا أي لأجل الشفقة ولأجل الفرق وهو الخوف وهذا كان في
إبراهيم عليه السلام لأنه كان حليما عمن ظلمه وخائفا من عظمة الله تعالى ومن كثرة
حلمه وشدته أنه استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم
لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ( مريم46 )
وقال الشاعر
( إذا ما قمت أرحلها بليلتأوه آهة الرجل الحزين )
كأنه يحتج بهذا البيت على أن لفظ أواه على وزن فعال من التأوه وقال الجوهري أوه
الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه والاسم منه الآهة بالمد ثم قال قال المثقب
العبدي إذا ما قمت إلى آخره ويروى أهة تشديد الهاء من قولهم أه أي توجع قلت فلذلك
قال أكثر الرواة آهة بالمد والتخفيف وروى الأصيلي أهة بلا مد وتشديد الهاء وقد نسب
الجوهري البيت المذكور إلى المثقب العبدي بتشديد القاف المفتوحة وزعم بعضهم بكسر
القاف والأول أشهر وسمي المثقب بقوله
( أرين محاسنا وكنن أخرى
وثقبن الوصاوص للعيون )
قوله كنن أي سترن والوصاوص جمع وصواص وهو البرقع الصغير وهكذا فسره الجوهري ثم
أنشد هذا البيت واسم المثقب جحاش عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن زهر بن
منبه بن بكرة بن لكز بن أفصى بن عبد القيس قال المرزباني وقيل اسمه شاس بن عائذ بن
محصن وقال أبو عبيدة وأبو هفان اسمه شاس ابن نهار والبيت المذكور من قصيدة من
المتواتر وهي طويلة وأولها قوله
( أفاطم قبل بينك متعبني
ومنعك ما سألت كأن تبيني )
( فلا تعدي مواعد كاذبات
تمر بها رياح الصيف دوني )
( فإني لو تخالفني شمالي
لما اتبعتها أبدا يميني )
( إذا لقطعتها ولقلت بيني
لذلك اجتوى من يجتويني )
إلى أن قال
( فسل الهم عنك بذات لوث
عذافرة كمطرقة القيون )
( إذا ما قمت أرحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين )
( تقول إذا درأت لها وضيني
أهذا دينه أبدا وديني )
( أكل الدهر حل وارتحال
فما يبقى علي ولا يقيني )
ومن حكمها
( فإما أن تكون أخي بصدق
فأعرف منك غثي من سميني )
( وإلا فاطرحني واتخذني
عدوا أتقيك وتتقيني )
(18/257)
فما أدري إذا يممت أرضا
أريد الخير أيهما يليني
آلخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني
قوله أفاطم بفتح الميم وضمها منادى مرخم قوله بينك أي قبل قطعك قوله اجتوى من
الجوى وهو المرض وداء البطن إذا تطاول قوله ذات لوث بضم اللام يقال ناقة لوثة أي
كثيرة اللحم والشحم قوله عذافرة بضم العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة وكسر الفاء
وفتح الراء يقال ناقة عذافرة أي عظيمة وقال الجوهري يقال جمل عذافر وهو العظيم
الشديد قوله كمطرقة القيون وهو جمع قين وهو الحداد قوله أرحلها من رحلت الناقة
أرحلها رحلا إذا شددت الرحل على ظهرها والرحل أصغر من القتب قوله وضيني بفتح الواو
وكسر الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون وهو الهودج بمنزلة البطان
للقتب قوله حل أي حلول الحل والحلول والمحل مصادر من حل بالمكان والمعنى أكل
الزمان موضع الحلول وموضع الارتحال قوله لا يقيني أي لا يحفظني من وقى يقي وقاية
قوله بصدق ويروي بحق قوله فاعرف بالنصب أي فإن أعرف قوله غثى بالغين المعجمة
وتشديد الثاء المثلثة من غث اللحم إذا كان مهزولا والمعنى أعرف منك ما يفسد مما
يصلح
9 -
( سورة براءة )
أي هذه سورة براءة يعني في بيان بعض تفسيرها وسيأتي معنى براءة عن قريب إن شاء
الله تعالى وقال أبو الحسن بن الحصار هي مدنية باتفاق وقال مقاتل إلا آيتين من
آخرها لقد جاءكم ( التوبة128 ) إلى آخرها نزلت بمكة وقيل فيها اختلاف في أربع عشرة
آية وهي عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفا وألفان وأربعمائة وسبع وتسعون
كلمة ومائة وثلاثون آية مدني وبصري وشامي ومكي ومائة وعشرون وتسع كوفي ولها ثلاثة
عشر اسما اثنان مشهوران ( براءة ) و ( التوبة ) و ( سورة العذاب ) و ( والمقشقشة )
لأنها تقشقش عن النفاق أي تبرىء وقيل من تقشقش المريض إذا برأ ( والبحوث ) لأنها
تبحث عن سرائر المنافقين و ( الفاضحة ) لأنها فضحت المنافقين و ( المبعثرة ) لأنها
بعثرت أخبار الناس وكشفت عن سرائرهم و ( المثيرة ) لأنها أثارت مخازي المنافقين و
( الحافرة ) لأنها حفرت عن قلوبهم و ( المشردة ) لأنها تشرد بالمنافقين و (
المخزية ) لأنها تخزي المنافقين و ( المنكلة ) لأنها تتكلم و ( المدمدمة ) لأنها
تدمدم عليهم واختلف في سبب سقوط البسملة من أولها فقيل لأن فيها نقض العهد والعرب
في الجاهلية كانوا إذا نقض العهد الذي كان بينهم وبين قوم لم يكتبوا فيه البسملة
ولما نزلت براء بنقض العهد قرأها عليهم علي رضي الله تعالى عنه ولم يبسمل جريا على
عادتهم وقيل لأن عثمان رضي الله تعالى عنه قال كانت الأنفال من أوائل ما نزل
وبراءة من آخره وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض النبي ولم يبين لنا أنها منها فظننت
أنها منها فمن ثمة قرنت بينهما ولم أكتب بينهما البسملة رواه الحاكم وصححه وقيل
لما سقط البسملة معه روي عن عثمان أيضا وقاله مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم
وقال ابن عجلان بلغني أن براءة كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها فلذلك لم تكتب
البسملة وقيل لما كتب المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة فقال بعضهم براءة
والأنفال سورة واحدة وقال بعضهم هما سورتان فترك بينهما فرجة لقول من لم يقل إنهما
سورة واحدة وبه قال خارجة وأبو عصمة وآخرون وقيل روى الحاكم في ( مستدركه ) عن ابن
عباس قال سألت عليا رضي الله تعالى عنه عن ذلك فقال لأن البسملة أمان وبراءة نزلت
بالسيف ليس فيها أمان قال القشيري والصحيح أن البسملة لم تكتب فيها لأن جبريل عليه
السلام ما نزل بها فيها وروى الثعلبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن سيدنا رسول
الله قال ما نزل علي القرآن إلا آية آية وحرفا حرفا خلا براءة وقل هو الله أحد
فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألفا من الملائكة
مرصد طريق
أشار به إلى قوله تعالى واقعدوا لهم كل مرصد ( التوبة5 ) أي على كل طريق ويجمع على
مراصد وهي الطرق قوله لهم أي للكفار المشركين ولم تقع هذه اللفظة إلا في بعض النسخ
( باب وليجة كل شيء أدخلته في شيء )
لم يثبت لفظ باب في كثير من النسخ ولا ثبت لفظ وليجة في رواية أبي ذر ولا الذي
قبله وأشار به إلى قوله تعالى ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين
وليجة والله خبير بما تعلمون ( التوبة16 ) وفسر وليجة بقوله كل شيء أدخلته في شيء
وروى كذلك عن الربيع قال ابن أبي حاتم حدثنا كثير بن شهاب القزويني حدثنا محمد
يعني ابن سعيد حدثنا أبو جعفر عنه وفي التفسير وليجة أي بطانة ودخيلة يعني الذين
جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة أي بطالة بل هم
في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله
الشقة السفر
أشار به إلى قوله عز و جل لو كان عرضا قريبا وسفرا فاسدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم
الشقة ( براءة42 ) وفسر الشقة بالسفر وروي كذلك عن ابن عباس قال ابن أبي حاتم
حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عنه وفي
التفسير لو كان عرضا قريبا أي الغنيمة قريبة وسقرا قاصدا لاتبعوك أي لكانوا معك
لذلك ولكن بعدت عليهم الشقة أي المسافة إلى الشام
الخبال الفساد والخبال الموت
أشار به إلى قوله تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( التوبة47 ) وفسر
الخبال بالفساد وكذا فسره أبو عبيدة والخبال في الأصل الفساد ويكون في الأفعال
والأبدان والعقول من خبله يخبله خبلا بسكون الباء وبفتحها الجنون قوله والخبال
الموت كذا وقع في جمع الروايات قيل الصواب الموتة بضم الميم وبالهاء في آخره وقال
الجوهري الموتة بالضم جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال
عقله كالنائم والسكران
ولا تفتني لا توبخني
أشار به إلى قوله تعالى ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ( التوبة47 ) وفسر قوله
لا توبخني من التوبيخ بالباء الموحدة والخاء المعجمة وفي وراية المستملي والجرجاني
لا توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف وفي رواية ابن السكن لا تؤتمني
بالتاء المثلثة الثقيلة وسكون الميم من الإثم قال عياض وهو الصواب وكذا وقع في
كلام أبي عبيدة والآية نزلت في جد ابن قيس المنافق قال له هل لك في جلاد بني
الأصفر يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء فقال ائذن لي في القعود عنك ولا تفتني
بذكر النساء فقد علم قومي أني مغرم بهن وأني أخشى أن لا أصبر عنهن وقال ابن عباس
اعتل جد ابن قيس بقوله ولا تفتني ولم يكن له علة إلا النفاق قال تعالى إلا في
الفتنة سقطوا يعني إلا في الإثم سقطوا
كرها وكرها
أشار به إلى قوله تعالى قل اتفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم وأشار بأن فيه لغتين
فتح الكاف وضمها فبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي وقرأ
الباقون بالفتح والمعنى قل يا محمد انفقوا طائعين أو مكرهين لن يتقبل منكم أنكم
كنتم قوما فاسقين وبين الله سبب ذلك بقوله وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم (
التوبة54 ) الآية
مدخلا يدخلون فيه
أشار به إلى قوله تعالى لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا والمعنى لو يجدون حصنا
يتحصنون به وحرزا يحترزون به أو مغارات وهي الكهوف في الجبال أو مدخلا وهو السرب
في الأرض وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يحلفون بالله أنهم لمنكم يمينا مؤكدة وما
هم منكم في نفس الأمر إنما يخالطونكم كرها لا محبة
يجمحون يسرعون
أشار به إلى قوله تعالى لولوا إليه وهم يجمحون وفسره بقوله يسرعون وهو آخر الآية
المذكورة الآن يعني في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم
لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام
والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض
أشار به إلى قوله تعالى وأصحاب مدين والمؤتفكات اتتهم رسلهم بالبينات ( براءة70 )
وفسر المؤتفكات بقوله ائتفكت انقلبت بها الأرض وهم قوم لوط وفي التفسير والمؤتفكات
قرى قوم لوط عليه السلام وكانوا يسكنون في مدن وأمها سدوم وأهلكهم الله عن آخرهم
بتكذيبهم نبي الله لوطا عليه السلام وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من
العالمين وأصله من أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه عن الشيء وقلبه وأفك فهو مأفوك
والآفكة العذاب الذي أرسله الله على قوم لوط فقلب بها ديارهم والبلدة مؤتفكة وتجمع
على مؤتفكات
أهوى ألقاه في هوة
هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم ذكرها هنا البخاري
استطرادا لقوله والمؤتفكة أهوى والهوة بضم الهاء وتشديد الواو وهو المكان العميق
عدن خلد عدنت بأرض أي أقمت ومنه معدن ويقال في معدن صدق في منبت صدق
أشار به إلى قوله تعالى جنات عدن ( التوبة72 ) وفسر قوله عدن بقوله خلد بضم الخاء
وسكون اللام وهو دوام البقاء يقال خلد الرجل يخلد خلودا من باب نصر ينصر قوله عدنت
بأرض أي أقمت بها لأنها من العدن وهو الإقامة يقال عدن بالمكان يعدن عدنا من باب
نصر ينصر إذا لزمه ولم يبرح به قوله ومنه معدن أي ومن عدن اشتقاق معدن وهو الموضع
الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك قوله ويقال في معدن صدق
يعني يقال فلان في معدن صدق إذا كان مستمرا عليه ولا يبرح عنه كأنه صار معدنا
للصدق قوله في منبت صدق بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة اسم لموضع
النبات ويقال لمكان يستقر فيه النبت هذا منبت صدق وقالوا في تفسير قوله تعالى في
مقعد صدق ( القمر55 ) أي مكان مرضي والصدق هنا كناية عن استمرار الرضا فيه
الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في العابرين ويجوز أن يكون النساء
من الخالفة
أشار بقوله الخوالف إلى قوله تعالى رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على
قلوبهم فهم لا يعلمون ( التوبة87 ) هذه الآية وما قبلها في قضية غزوة تبوك وذلك
أنهم لما أمروا بغزوة تبوك تخلفت جماعة منهم من بين الله عذرهم بقوله ليس على
الضعفاء ولا على المرضى إلى قوله ألا يجدوا ما ينفقون ( التوبة91 ) ونفى الله
تعالى عنهم الملامة ثم رد الله على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء وأنبهم
بقوله رضوا بأن يكونوا مع الخوالف أي مع النساء الخوالف في الرجال طبع الله على
قلوبهم فهم لا يعلمون قوله الخالف الذي خلفني فقعد بعدي إشارة إلى تفسير الخالف
وهو الذي يقعد بعد الشخص في رحله ويجمع على خالفين كما في قوله تعالى فاقعدوا مع
الخالفين ( التوبة83 ) قال ابن عباس أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة ولا يجمع
الخالف على الخالفين لأن جمع النساء لا يكون بالياء والنون فإن قلت روي عن قتادة
في قوله تعالى فاقعدوا مع الخالفين قال أي النساء قلت رد عليه ابن جرير بما ذكرنا
ورجح عليه قول ابن عباس وكان الكرماني أخذ قول قتادة فقال قوله الخوالف جمع الخالف
أي مع المتخلفين ثم قال ويجوز أن يكون المراد جمع النساء فيكون جمع خالفة وهذا هو
الظاهر لأن فواعل جمع فاعلة ولم يوجد في كلامهم إلا لفظان فوارس وهوالك قلت جاء
سابق وسوابق وناكس ونواكس وداجن ودواجن ومن الأسماء عازب وعوازب وكاهل وكواهل
وحاجة وحوائج وعائش وعوائش للدخان والحاصل أن المراد من الخوالف النساء المتخلفات
وقيل أخساه الناس قوله ومنه يخلفه في الغابرين أي ومن هذا لفظ يخلفه في الغابرين
هذا دعاء لمن مات له ميت اللهم اخلفه في الغابرين أي في الباقين من عقبه وفي مسلم
من حديث أم سلمة اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في
الغابرين وقال النووي في شرحه أي الباقين كقوله تعالى إلا امرأته كانت من الغابرين
( الأعراف83 ) قلت لفظ غبر يستعمل في الماضي والمستقبل فهو من الأضداد والفرق في
المعنى بالقرينة قوله ويجوز أن يكون النساء من الخالفة إنما يجوز ذلك إذا كان يجمع
مع الخالفة على خوالف وأما على ما يفهم من صدر كلامه أن الخالف يجمع على خوالف فلا
يجوز على ما نبهنا عليه من قريب وإنما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنون
فافهم
وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك
وهوالك
فيه نظر من وجهين أحدهما أن المفهوم من صدر كلامه أن خوالف جمع خالف وهنا ذكره
بالشك أنه إذا كان خوالف جمع المذكر فإنه لم يوجد إلى آخره والآخر في ادعائه أن
لفظ فاعل لا يجمع على فواعل إلا في لفظين أحدهما فارس فإنه يجمع على فوارس والآخر
هالك فإنه يجمع على هوالك وقد ذكرنا ألفاظا غيرهما أنها على وزن فاعل قد جمعت على
فواعل ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع كما هو حقه وقد حررناه فلله الحمد
الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل
أشار به إلى قوله تعالى وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون وذكر أن واحدة
الخيرات خيرة ثم فسر الخيرات بالفواضل وفي التفسير أولئك لهم الخيرات أي في الدار
الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى
مرجؤون مؤخرون
لم يثبت هذا في رواية أبي ذر وأشار به إلى قوله تعالى وآخرون مرجؤون لأمر الله إما
يعذبهم وإما يتوب عليهم ( التوبة106 ) وفسر مرجؤون بقوله مؤخرون أي يؤخرون لأمر
الله ليقضي الله فيهم ما هو قاض ومرجؤون من أرجأت الأمر وأرجيته بهمز وبغيره
وكلاهما بمعنى التأخير ومنه المرجئة وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر
مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة أي آخره عنهم والمرجئة بهمز ولا
تهمز فالنسبة من الأول مرجىء ومن الثاني مرجي والمراد من قوله تعالى وآخرون مرجؤون
الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية
قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والخفض وطيب الثمار
والظلال لا شكا ونفاقا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وآخرون
الشفاشفي وهو حده
أشار به إلى قوله تعالى أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ( التوبة109 ) فسر الشفا
بقوله شفير ثم قال وهو حده أي طرفه وفي رواية الكشميهني وهو حرفه
والجرف ما تجرف من السيول والأودية هار هائر
أشار به إلى قوله تعالى شفا جرف هار ( التوبة109 ) ثم فسره الجرف بقوله ما تجرف من
السيول وهو الذي ينحفر بالماء فيبقى واهيا وفسر قوله هار بقوله هائر يقال تهورت
البئر إذا انهدمت وانهار مثله وفيه إشارة أيضا إلى أن لفظ هار مقلوب من هائر
ومعلول إعلال قاض وقيل لا حاجة إليه بل أصله هور وألفه ليست بألف فاعل وإنما هي
عينه وهو بمعنى ساقط
لأواه شفقا وفرقا
أشار به إلى قوله تعالى إن إبراهيم لأواه حليم ( التوبة114 ) والأواه المتأوه
المتضرع وهو على وزن فعال بالتشديد وقال سفيان وغير واحد عن عاصم بن بهدلة عن زر
بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال الأواه الدعاء وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن
المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال الأواه المتضرع الدعاء وعن مجاهد وأبي ميسرة
عمرو بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة أنه الرحيم أي لعباد الله وعن عكرمة عن ابن
عباس قال الأواه الموقن بلسان الحبشة وكذا قال الضحاك وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد
عن ابن عباس الأواه المؤمن التواب وقال سعيد بن جبير والشعبي الأواه المسبح وقال
شفي ابن مانع عن أبي أيوب الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وروى ابن جرير
بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس أن النبي دفن ميتا فقال رحمك الله إن كنت لأواها
يعني تلاء للقرآن قوله شفقا أي لأجل الشفقة ولأجل الفرق وهو الخوف وهذا كان في
إبراهيم عليه السلام لأنه كان حليما عمن ظلمه وخائفا من عظمة الله تعالى ومن كثرة
حلمه وشدته أنه استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله أراغب أنت عن آلهتي يا
إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ( مريم46 )
وقال الشاعر
( إذا ما قمت أرحلها بليلتأوه آهة الرجل الحزين )
كأنه يحتج بهذا البيت على أن لفظ أواه على وزن فعال من التأوه وقال الجوهري أوه
الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه والاسم منه الآهة بالمد ثم قال قال المثقب
العبدي إذا ما قمت إلى آخره ويروى أهة تشديد الهاء من قولهم أه أي توجع قلت فلذلك
قال أكثر الرواة آهة بالمد والتخفيف وروى الأصيلي أهة بلا مد وتشديد الهاء وقد نسب
الجوهري البيت المذكور إلى المثقب العبدي بتشديد القاف المفتوحة وزعم بعضهم بكسر
القاف والأول أشهر وسمي المثقب بقوله
( أرين محاسنا وكنن أخرى
وثقبن الوصاوص للعيون )
قوله كنن أي سترن والوصاوص جمع وصواص وهو البرقع الصغير وهكذا فسره الجوهري ثم
أنشد هذا البيت واسم المثقب جحاش عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن زهر بن
منبه بن بكرة بن لكز بن أفصى بن عبد القيس قال المرزباني وقيل اسمه شاس بن عائذ بن
محصن وقال أبو عبيدة وأبو هفان اسمه شاس ابن نهار والبيت المذكور من قصيدة من
المتواتر وهي طويلة وأولها قوله
( أفاطم قبل بينك متعبني
ومنعك ما سألت كأن تبيني )
( فلا تعدي مواعد كاذبات
تمر بها رياح الصيف دوني )
( فإني لو تخالفني شمالي
لما اتبعتها أبدا يميني )
( إذا لقطعتها ولقلت بيني
لذلك اجتوى من يجتويني )
إلى أن قال
( فسل الهم عنك بذات لوث
عذافرة كمطرقة القيون )
( إذا ما قمت أرحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين )
( تقول إذا درأت لها وضيني
أهذا دينه أبدا وديني )
( أكل الدهر حل وارتحال
فما يبقى علي ولا يقيني )
ومن حكمها
( فإما أن تكون أخي بصدق
فأعرف منك غثي من سميني )
( وإلا فاطرحني واتخذني
عدوا أتقيك وتتقيني )
( فما أدري إذا يممت أرضا
أريد الخير أيهما يليني )
( آلخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني )
قوله أفاطم بفتح الميم وضمها منادى مرخم قوله بينك أي قبل قطعك قوله اجتوى من
الجوى وهو المرض وداء البطن إذا تطاول قوله ذات لوث بضم اللام يقال ناقة لوثة أي
كثيرة اللحم والشحم قوله عذافرة بضم العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة وكسر
الفاء وفتح الراء يقال ناقة عذافرة أي عظيمة وقال الجوهري يقال جمل عذافر وهو
العظيم الشديد قوله كمطرقة القيون وهو جمع قين وهو الحداد قوله أرحلها من رحلت
الناقة أرحلها رحلا إذا شددت الرحل على ظهرها والرحل أصغر من القتب قوله وضيني بفتح
الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون وهو الهودج بمنزلة
البطان للقتب قوله حل أي حلول الحل والحلول والمحل مصادر من حل بالمكان والمعنى
أكل الزمان موضع الحلول وموضع الارتحال قوله لا يقيني أي لا يحفظني من وقى يقي
وقاية قوله بصدق ويروي بحق قوله فاعرف بالنصب أي فإن أعرف قوله غثى بالغين المعجمة
وتشديد الثاء المثلثة من غث اللحم إذا كان مهزولا والمعنى أعرف منك ما يفسد مما
يصلح
1 -
( باب قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( التوبة3 )
أي هذا باب في قوله عز و جل براءة من الله الآية قال الإمام أبو الليث السمرقندي
رحمه الله أي تبرؤ من الله ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين من ذلك العهد
ويقال هذه الآية براءة ويقال هذه السورة براءة وقال ابن عباس البراءة نقض العهد
إلى الذين عاهدتم من المشركين لأنهم نقضوا عهودهم قبل الأجل فأمر الله نبيه بأن من
كان عهده إلى أربعة أشهر أن يقره إلى أن تنقضي أربعة أشهر وقال الثعلبي ابتداء هذا
الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر وقال الزهري هي شوال وذو
القعدة وذو الحجة والمحرم لأن هذه الآية نزلت في شوال وقال مقاتل نزلت في ثلاثة
أحياء من العرب خزاعة وبني مدلج وبني جزيمة كان سيدنا رسول الله عاهدهم بالحديبية
لسنتين فجعل الله أجلهم أربعة أشهر ولم يعاهد النبي بعد هذه الآية أحدا من الناس
وقال النحاس قول من قال لم يعاهد النبي بعد هذه الآية غير صحيح والصحيح أنه قد
عاهد بعد هذه الآية جماعة منهم أهل نجران قال الواقدي عاهدهم وكتب لهم سنة عشر قبل
وفاته بيسير
أذان إعلام
أشار به إلى قوله تعالى وأذان من الله ورسوله وفسره بقوله إعلام وهذا ظاهر
وقال ابن عباس أذن يصدق
أشار به إلى قوله تعالى ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ( التوبة461 )
الآية أي ومن المنافقين قوم يؤذون النبي بالكلام فيه ويقولون هو أذن يعني من قال
له شيء صدقه من قال فينا بحديث صدقه وإذا جئنا وحلفنا له صدقنا روى معناه عن ابن
عباس ومجاهد وقتادة وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول
في قوله ويقولون هو أذن يعني هو يسمع من كل أحد
تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير والزكاة الطاعة والإخلاص
أشار به إلى قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( التوبة103 ) أي
خذ يا محمد وقال المفسرون لما تاب الله على أبي لبابة وأصحابه قالوا يا رسول الله
هذه أموالنا تصدق بها وطهرنا واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا
فنزلت هذه الآية وفي الصدقة قولان أحدهما التطوع والآخر الزكاة وقال الزمخشري
تطهرهم صفة لصدقة وقرىء يطهرهم من أطهرهم بمعنى طهرهم وتطهرهم بالجزم جوابا للأمر
والتاء في تطهرهم للخطاب أو لغيبة المؤنث والتزكية
(18/258)
مبالغة في التطهير وزيادة فيه أو بمعنى
الإنماء والبركة قوله ونحوها كثيرون وفي بعض النسخ ونحو هذا كثير وهذه أحسن وكأنه
أشار بهذا إلى أن اللفظين المختلفين في المادة ومتفقين في المعنى كثير في لغات
العرب وذلك لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة ولهذا قال الزمخشري والتزكية
مبالغة في التطهير وهذا يشير إلى أن معنى التزكية التطهير ولكن فيه زيادة وتجيء
التزكية أيضا بمعنى النماء والبركة والمدح وكل ذلك قد استعمل في القرآن وعجبي من
الشراح كيف أهملوا تحرير مثل هذا ونظائره قوله والزكاة الطاعة يعني تأتي بمعنى الطاعة
وبمعنى الإخلاص وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما في قوله تطهرهم وتزكيهم بها قال الزكاة طاعة الله والإخلاص
لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إلاه إلا الله
أشار به إلى قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ( فصلت 7 ) ولكن هذه
الآية من سورة فصلت ذكرها هنا استطرادا وفسرها بقوله لا يشهدون أن لا إلاه إلا
الله وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه فسرها هكذا
يضاهون يشبهون
أشار به إلى قوله تعالى ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل (
التوبة30 ) وفسر يضاهون بقوله يشبهون وكذا فسره ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي
طلحة وهو من المضاهاة وقال أبو عبيدة هي التشبيه وهذا إخبار من الله تعالى عن قول
اليهود عزيرا ابن الله والنصارى المسيح ابن الله فأكذبهم بقوله ذلك قولهم بأفواههم
يعني لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم يضاهون أي يشابهون قول الذين
كفروا من قبلهم من الأمم ضلوا كما ضل هؤلاء قاتلهم الله قال ابن عباس لعنهم الله
4654 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء )
رضي الله عنه يقول آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( النساء176 )
وآخر سورة نزلت براءة
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبو إسحاق
عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء بن عازب
والحديث مضى في آخر سورة النساء فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن أبي
إسحاق سمعت البراء قال آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك ومضى الكلام
فيه هناك وقد تقدم في تفسير سورة البقرة عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا
وقيل واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة281 ) بعدها وقال الداودي لم
يختلفوا في أن أول براءة نزلت سنة تسع لما حج أبو بكر الصديق بالناس وأنزلت اليوم
أكملت لكم دينكم ( المائدة3 ) عام حجة الوداع فكيف تكون براءة آخر سورة أنزلت ولعل
البراء أراد بعض سورة براءة قلت المراد الآخرية المخصوصة لأن الأولية والآخرية من
الأمور النسبية والمراد بالسورة بعضها أو معظمها ولا شك أن غالبها نزل في غزوة
تبوك وهي آخر غزوات النبي وقال بعضهم ويجمع بين حديثي البراء وابن عباس بأنهما لم
ينقلاه وإنما ذكراه عن اجتهاد قلت لا محل للاجتهاد في مثل ذلك على ما لا يخفى على
المتأمل
2 -
( باب قوله فسيحوا في الأرضي أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله
مخزى الكافرين ( التوبة2 )
أي هذا باب في قوله عز و جل فسيحوا في الأرض الآية وقد مر الكلام في أربعة أشهر عن
قريب قوله غير معجزي الله أي غير سابقي الله بأعمالكم قوله وأن الله أي واعلموا أن
الله مخزي الكافرين أي مذلهم ويقال معذب الكافرين في الدنيا بالقتل وفي الآخرة
بالنار
(18/259)
سيحوا سيروا
أي معنى قوله سيحوا سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين أحدا بحرب ولا
سلب ولا قتل ولا أسر يقال ساح فلان في الأرض يسيح سيحا وسياحة وسيوحا
4655 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن
شهاب ) وأخبرني حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله عنه قال بعثني أبو بكر
في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا
يطوف بالبيت عريان قال حميد ابن عبد الرحمان ثم أردف رسول الله بعلي بن أبي طالب
وأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة
وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان
مطابقته للترجمة من حيث أن هذه الترجمة من تتمة الآية التي هي أول السورة أعني
قوله تعالى براءة من الله ورسوله وفيه أيضا لفظ براءة
وسعيد بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري وروى
له مسلم أيضا وعقيل بضم العين المهلمة وفتح القاف ابن خالد الأيلي يروي عن محمد بن
مسلم بن شهاب الزهري
والحديث مضى في الصلاة في باب ما يستر من العورة فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن
إبراهيم عن يعقوب إلى آخره ومضى في كتاب الحج أيضا في باب لا يطوف بالبيت عريان
فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس قال ابن شهاب حدثني ( حميد بن
عبد الرحمن ) أن أبا هريرة أخبره إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله وأخبرني حميد وفي كتاب الحج وحدثني حميد بن عبد الرحمن وإنما قال بواو العطف
أشعارا بأنه أخبره أيضا بغير ذلك فهو عطف على مقدر قال الكرماني ولم يعين المقدر
قلت الظاهر أن المقدر هكذا عن ابن شهاب حدثني وأخبرني حميد وتظهر الفائدة فيه على
قول من يقول بالفرق بين حدثنا وبين أخبرنا قوله أن ( أبا هريرة ) قال بعثني وفي
كتاب الحج أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر بعثه قوله في تلك الحجة وهي الحجة التي
كان فيها أبو بكر أميرا على الحاج وهي في السنة التاسعة قوله في مؤذنين جمع مؤذن
من الإيذان وهو الإعلام بالشيء قال ابن الأثير يقال آذن يؤذن إيذانا وأذن يؤذن
تأذينا والمشدد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة قوله قال حميد متصل بالإسناد
الأول قوله ثم أردف رسول الله بعلي بن أبي طالب أي أرسله بعد أبي بكر رضي الله
تعالى عنه وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد عن سماك عن أنس بن مالك رضي الله
تعالى عنه عن رسول الله بعث ببراءة مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه فلما بلغ ذا
الحليفة قال لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع علي رضي الله تعالى
عنه ورواه الترمذي أيضا في التفسير وقال حسن غريب وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل
بإسناده عن علي رضي الله تعالى عنه لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي أبا بكر
فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال أدرك أبا بكر فحيث ما لقيته فخد
الكتاب منه فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع
أبو بكر إلى النبي فقال يا رسول الله أنزل في شيء فقالا لا ولكن جبريل عليه الصلاة
و السلام جاءني وقال لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك قال ابن كثير هذا إسناد فيه
ضعف وليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره وإنما رجع بعد قضائه المناسك التي أمره
عليها رسول الله كما جاء مبينا في الرواية الأخرى وقال عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في قوله براءة من الله ورسوله قال لما كان
النبي زمن حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر رضي الله تعالى عنه على تلك
الحجة قال معمر قال الزهري وكان أبو هريرة يحدث أن أبا بكر أمر أبا هريرة أن يؤذن
ببراءة في حجة أبي بكر بمكة قال أبو هريرة ثم اتبعنا النبي
(18/260)
عليا وأمره أن يؤذن ببراءة وأبو بكر
رضي الله تعالى عنه كما هو على الموسم أو قال على هيئته قال ابن كثير وهذا السياق
فيه غرابة من جهة أن أمير الحج سنة عمرة الجعرانة إنما كان عتاب بن أسيد وأما أبو
بكر فإنما كان أميرا سنة تسع قوله قال أبو هريرة فأذن معنا علي كذا في رواية
الأكثرين وفي رواية الكشميهني وحده قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأذن معنا قيل
هذا غلط فاحش مخالف لرواية الجميع وإنما هو كلام أبي هريرة قطعا فهو الذي كان يؤذن
بذلك وقال عياض أن أكثر رواة الفربري وافقوا الكشميهني قال وهو غلط
3 -
( باب قوله وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من
المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله
وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم
يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ( التوبة3 4
)
أي هذا باب في قوله عز و جل وأذان من الله إلى آخره قوله وأذان من الله أي إعلام
من الله ورسوله وإنذار إلى الناس وارتفاع أذان عطفا على براة وقال الزمخشري
وارتفاعه كارتفاع براءة على الوجهين قوله إلى الناس أي لجميعهم قوله يوم الحج
الأكبر وهو اليوم الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا وقال عبد الرزاق
عن معمر عن أبي إسحاق سألت أبام جحيفة عن يوم الحج الأكبر قال يوم عرفة وروى عبد
الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عطاء قال يوم الحج الأكبر يوم عرفة وهكذا روي عن ابن
عباس وعبد الله بن الزبير ومجاهد وعكرمة وطاووس أنهم قالوا يوم عرفة هو يوم الحج
الأكبر وقد ورد في ذلك حديث مرسل رواه ابن جريج أخبرت عن محمد بن قيس بن مخرمة أن
رسول الله خطب يوم عرفة فقال هذا يوم الحج الأكبر وقال هشيم عن إسماعيل بن أبي
خالد عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وروي عن علي من
وجوه أخر كذلك وقال عبد الرزاق حدثنا سفيان وشعبة عن عبد الملك بن عمير عن عبد
الله بن أبي أوفى أنه قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وكذا روي عن المغيرة ابن شعبة
أنه خطب يوم الأضحى على بعير فقال هذا يوم الأضحى وهذا يوم النحر وهذا يوم الحج
الأكبر وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الحج الأكبر يوم النحر وكذا
روي عن ابن أبي جحيفة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبي جعفر الباقر
والزهري وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا يوم الحج الأكبر يوم النحر وروى
ابن جرير بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال وقف رسول الله يوم النحر عند الجمرات في
حجة الوداع وقال هذا يوم الحج الأكبر وكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث
أبي جابر واسمه محمد بن عبد الملك به وعن سعيد بن المسيب أنه قال يوم الحج الأكبر
اليوم الثاني من يوم النحر رواه ابن أبي حاتم وقال مجاهد أيضا يوم الحج الأكبر
أيام الحج كلها وكذا قال أبو عبيد وقال سهل السراج سئل الحسن البصري عن يوم الحج
الأكبر فقال ما لكم وللحج الأكبر ذاك عام حج فيه أبو بكر رضي الله عنه الذي
استخلفه رسول الله فحج بالناس رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع
حدثنا أبو أسامة عن ابن عوف سألت محمدا يعني ابن سيرين عن يوم الحج الأكبر قال كان
يوما وافق فيه حج رسول الله وحج أهل الوبر قوله أن الله بريء من المشركين أي ليعلم
الناس بعضهم بعضا ( أن الله ) وقرىء ( إن الله ) بالكسر لأن الإيذان في معنى القول
قوله ورسوله فيه قراءتان الرفع وهي القراءة المشهورة ومعناه ورسوله أيضا برىء من
المشركين والنصب ومعناه وأن رسول الله بريء من المشركين وهي قراءة شاذة وقال
الزمخشري ورسوله عطف على المنوي في بريء أي بريء هو أو على محل إن المكسورة واسمها
وقرىء بالنصب عطفا على إسم إن أو لأن الواو بمعنى مع أي برىء معه منهم وبالجر على
الجوار وقيل على القسم كقولك لعمرك قوله فإن تبتم أي من الغدر والكفر فهو خير لكم
وإن توليتم عن التوبة أو ثبتم على التولي والإعراض عن الإسلام والوفاء فاعلموا
أنكم غير سابقين الله ولا فائتين أخذه وعقابه قوله إلا الذين استثناء من برىء وقيل
(18/261)
منقطع أي أن الله بريء منهم ولكن الذين
عاهدتم فثبتوا على العهد فكفوا عنهم بقية المدة قوله ثم لم ينقصوكم شيئا أي من
شروط العهد وقرىء بالضاد المعجمة قوله ولم يظاهرواأي ولم يعاونوا عليكم أحدا قوله
إلى مدتهم أي إلى انقضاء مدتهم قوله إن الله يحب المتقين أي الموفين بعهدهم
آذنهم أعلمهم
أي معنى آذنهم أعلمهم والمراد به مطلق الإعلام لأنه من الإيذان وقد ذكرناه
4656 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( عقيل ) قال ( ابن شهاب
فأخبرني حميد ابن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) قال ( بعثني أبو بكر ) رضي الله
عنه في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام
مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد ثم أردف النبي بعلي بن أبي طالب فأمره أن
يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة وأن لا يحج
بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور قبل هذا الباب قوله أن لا يحج ويروى ألا
بفتح الهمزة وإدغام النون في اللام قوله بعد العام أي بعد الزمان الذي وقع فيه
الإعلام بذلك قوله ولا يطوف بالنصب عطفا على أن لا يحج قوله قال حميد هو ابن عبد
الرحمن بن عوف المذكور فيه واستشكل الطحاوي في قوله أن أبا هريرة قال بعثني أبو
بكر رضي الله عنه وذلك أن النبي بعث أبا بكر ثم أردفه عليا رضي الله عنه فأمره أن
يؤذن فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ثم أجاب بقوله إن أبا هريرة قال كنت مع علي حين
بعثه النبي ببراءة إلى أهل مكة فكنت أنادي معه بذلك حتى يصهل صوتي وكان ينادي بأمر
أبي بكر بما يلقنه علي بما أمر بتبليغه قوله أن يؤذن ببراءة يجوز فيه الرفع
بالتنوين على سبيل الحكاية والجر بالباء ويجوز أن يكون علامة الجر فتحة قوله قال
أبا هريرة موصول بالإسناد المذكور قوله ببراءة ليس المراد منها السورة كلها وعن
محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا بعث رسول الله أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع
وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين آية أو أربعين من براءة الحديث قوله وأن لا يحج إلى
آخره استشكل فيه الكرماني بأن عليا رضي الله عنه كان مأمورا بأن يؤذن ببراءة فكيف
يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك ثم أجاب بأنه أذن ببراءة ومن جملة ما اشتملت عليه
أن لا يحج بعد العام مشرك من قوله تعالى فيها إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد
الحرام بعد عامهم هذا ( التوبة 28 ) ويحتمل أن يكون أمر أن يؤذن ببراءة وبما أمر
أبو بكر أن يؤذن به أيضا انتهى قلت فإنه الجواب عن زيادة قوله ولا يطوف بالبيت
عريان وعن شيء آخر رواه الشعبي حدثني محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي
رضي الله عنه حين بعثه النبي ينادي فكان إذا صهل ناديت قلت بأي شيء كنتم تنادون
قال بأربع لا يطوف بالكعبة عريان ومن كان له عهد من رسول الله فعهده إلى مدته ولا
يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يحج بعد عامنا مشرك ورواه ابن جرير عن الشعبي به من
غير وجه
4 -
( باب إلا الذين عاهدتم من المشركين ( التوبة 4 )
قد مر تفسيره عن قريب وليس في بعض النسخ ذكر هذه
4657 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح ) عن (
ابن شهاب ) أن حميد بن عبد الرحمان أخبره أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر رضي الله
عنه بعثه في الحجة التي أمره رسول الله عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس
(18/262)
أن لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف
بالبيت عريان فكان حميد يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور أخرجه عن إسحاق بن منصور كذا جزم به
الحافظ المزي عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه ابراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان التابعي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن ( حميد
بن عبد الرحمن ) وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد قوله فكان حميد يقول إلى
آخره قد مر الكلام فيه عن قريب قوله من أجل حديث أبي هريرة لأنه نادى بإذن أبي بكر
رضي الله عنه يوم النحر
5 -
( باب فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ( التوبة 12 )
وفي بعض النسخ باب فقاتلوا وأول الآية وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في
دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون قوله وإن نكثوا أي وإن
نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة قوله إيمانهم أي عهودهم وعن
الحسن البصري بكسر الهمزة وهي قراءة شاذة قوله وطعنوا في دينكم أي عابوه وانتقصوه
قوله فقاتلوا أئمة الكفر قال قتادة وغيره أئمة الكفر كأبي جهل وعتبة وشيبة وأمية
بن خلف وعدد رجالا والصحيح أن الآية عامة لهم ولغيرهم وعن حذيفة رضي الله عنه ما
قوتل أهل هذه الآية بعد وروي عن علي بن أبي طالب مثله وعن ابن عباس نزلت في أبي
سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش
الذين نقضوا العهد وهم الذين هموا بإخراج الرسول وقال مجاهدهم أهل فارس والروم
4658 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( زيد بن
وهب ) قال كنا عند حذيفة فقال ما بقي من أصحاب هاذه الآية إلا ثلاثة ولا من
المنافقين إلا أربعة فقال أعرابي إنكم أصحاب محمد تخبرونا فلا ندري فما بال هاؤلاء
الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا قال أولئك الفساق أجل لم يبق منهم إلا أربعة
أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده
مطابقته للترجمة في قوله ما بقي من أصحاب هذه الآية لأن إيراد البخاري هذا الحديث
بهذه الترجمة يدل على أن المراد بهذه الآية هو قوله فقاتلوا أئمة الكفر الآية ولكن
الإسماعيلي اعترض بما رواه من حديث سفيان عن إسماعيل عن زيد سمعت حذيفة يقول ما
بقي من المنافقين من أهل هذه الآية لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( الممتحنة 1 )
إلا أربعة أنفس ثم قال الإسماعيلي فإذا كان ما ذكر في خبر سفيان فحق هذا أن يخرج
في سورة الممتحنة وأما ذكر المنافقين في القرآن ففي كثير من سورة البقرة وآل عمران
وغيرهما فلم أتى بهذا الحديث في ذكرهم قلت هذا النسائي وابن مردويه وافقا البخاري
على إخراجهما من طريق إسماعيل عند آية براءة وليس عندهما تعيين الآية كما أخرجها
البخاري أيضا مبهمة
ويحيى هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد
قوله أصحاب بالنصب على أنه منادى حذف منه حرف النداء قوله تخبرونا خبر إن ويروى
تخبروننا على الأصل لأن النون لا تحذف إلا بناصب أو جازم ولكن قد ذكرنا أنه لغة
بعض العرب وهي لغة فصيحة وتخبرونا بالتشديد والتخفيف قوله إلا ثلاثة سمى منهم في
رواية أبي بشر عن مجاهد أبو سفيان بن حرب وفي رواية معمر عن قتادة أبو جهل بن هشام
وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو ورد هذا بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر
وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهم أحياء فيصح في أن أبا سفيان
وسهيل بن عمرو وقد أسلما جميعا قوله إلا أربعة لم يوقف على أسمائهم
(18/263)
قوله يبقرون بالباء الموحدة والقاف من
البقر وهو الشق قال الخطابي أي ينقبون قال والبقر أكثر ما يكون في الشجر والخشب
وقال ابن الجوزي معناه يفتحون يقال بقرت الشيء إذا فتحته ويقال ينقرون بالنون بدل
الباء قوله أعلاقنا بفتح الهمزة جمع علق بكسر العين المهملة وهو الشيء النفيس سمي
بذلك لتعلق القلب به والمعنى يسرقون نفائس أموالنا وقال الخطابي كل شيء له قيمة أو
له في نفسه قدر فهو علق وبخط الدمياطي بالغين المعجمة مضبوطة وحكاه ابن التين أيضا
ثم قال لا أعلم له وجها قلت له وجه لأن الأغلاق بالغين المعجمة جمع غلق بفتح الغين
واللام وفي ( المغرب ) الغلق بالتحريك والمغلاق هو ما يغلق ويفتح بالمفتاح والغلق
أيضا الباب فيكون المعنى يسرقون الأغلاق أي مفاتيح الأغلاق ويفتحون الأبواب
ويأخذون ما فيه من الأشياء أو يكون المعنى يسرقون الأبواب وتكون السرقة كناية عن
قلعها وأخذها ليتمكنوا من الدخول فيها قوله أولئك الفساق أي الذين يبقرون ويسرقون
وقال الكرماني لا الكفار ولا المنافقون قوله أجل معناه نعم قوله أحدهم أي أحد
الأربعة ولم يدر اسمه قوله لما وجد برده يعني لذهاب شهوته وفساد معدته فلا يفرق
بين الأشياء وقال التيمي يعني عاقبه الله في الدنيا ببلاء لا يجد معه ذوق الماء
ولا طعم برودته انتهى وحاصل معنى هذا الحديث أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان
صاحب سر رسول الله في شأن المنافقين وكان يعرفهم ولا يعرفهم غيره بعد رسول الله من
البشر وكان النبي أسر إليه بأسماء عدة من المنافقين وأهل الكفر الذين نزلت فيهم
الآية ولم يسر إليه بأسماء جميعهم
6 -
( باب قوله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب
أليم ( التوبة 34 )
أي هذا باب في قوله عز و جل ( والذين ) الآية وليس في بعض النسخ ذكر لفظ باب وهذه
الآية نزلت في عامة أهل الكتاب والمسلمين وقيل بل خاصة بأهل الكتاب وقيل بل هو
كلام مستأنف في حق من لا يزكي من هذه الأمة قاله ابن عباس والسدي وعامة المفسرين
وقرأ يحيى بن يعمر بضم النون والزاي والعامة بكسر النون وأما الكنز فقال مالك عن
عبد الله ابن دينار عن ابن عمر أنه قال الكنز هو المال الذي لا تؤدي منه الزكاة
وهو المستحق عليه الوعيد قوله ولا ينفقونها الضمير يرجع إلى الذهب والفضة من جهة
المعنى لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة وقيل إلى الكنوز وقيل إلى الأموال
قوله فبشرهم بعذاب أليم جعل الوعيد لهم بالعذاب موضع البشرى بالنعيم
4659 - حدثنا ( الحكم بن نافع ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) أن ( عبد
الرحمان الأعرج ) حدثه أنه قال حدثني ( أبو هريرة ) رضي الله عنه أنه سمع رسول
الله يقول يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله شجاعا أقرع وأخرجه هنا مختصرا وقد مضى في كتاب
الزكاة في باب إثم مانع الزكاة بغير هذا الإسناد عن أبي هريرة بأتم منه وأخرج
بالإسناد المذكور هنا بعينه عن أبي هريرة بعين المتن المذكور وأبو الزناد بكسر
الزاي وبالنون الخفيفة عبد الله بن ذكوان وعبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج والشجاع
الحية فإذا كان الشجاع أقرع يكون أقوى سما
4660 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( حصين ) عن ( زيد بن وهب ) قال
مررت على أبى ذر بالربذة فقلت ما أنزلك بهاذه الأرض قال كنا بالشأم فقرأت والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم قال معاوية ما
هاذه فينا ما هاذه إلا في أهل الكتاب قال قلت إنها لفينا وفيهم
(18/264)
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير هو ابن
عبد الحميد وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي
وزيد بن وهب الهمداني الكوفي خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق مات سنة ست
وسبعين وأبو ذر اسمه جندب بضم الجيم
والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب ما أدى زكاته فليس بكنز فإنه أخرجه هناك بأتم
منه ومضى الكلام فيه هناك
قوله بالربذة بالراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة المفتوحات قرية قريبة
من المدينة وكان سبب إقامته هناك أنه لما كان بالشام وقعت بينه وبين معاوية مناظرة
في تفسير هذه الآية فتضجر خاطره فارتحل إلى المدينة ثم تضجر منها فارتحل إلى
الربذة
7 -
( باب قوله عز و جل يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
هاذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ( التوبة 35 )
أي هذا باب في قوله عزل وجل يوم يحمى عليها الآية وليس في كثير من النسخ لفظ باب
ومضى تفسير هذه الآية في كتاب الزكاة في باب إثم مانع الزكاة
4661 - وقال ( أحمد بن شبيب بن سعيد ) حدثنا أبي عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن (
خالد بن أسلم ) قال خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال هاذا قبل أن تنزل الزكاة فلما
أنزلت جعلها طهرا للأموال ( انظر الحديث 1404 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هذا قبل أن تنزل الزكاة وأحمد بن شبيب بفتح الشين
المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى من أفراد البخاري يروي عن أبيه شبيب بن سعيد
أبي عبد الرحمن البصري ويونس بن يزيد الأيلي وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وخالد
بن أسلم على وزن أفعل التفضيل أخو زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب وهو من أفراد
البخاري والحديث مضى بهذا السند بعينه في كتاب الزكاة في باب ما أدى زكاته فليس
بكنز بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
8 -
( باب قوله إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات
والأرض منها أربعة حرم ( التوبة 36 )
أي هذا باب في قوله عز و جل إن عدة الشهور إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب
ذالك الدين القيم القيم هو القائم
أي هذا هو الشرع المستقيم من امتثال أمر الله عز و جل فيما جعل من الأشهر الحرم
والحذو بها على ماسبق في كتاب الله تعالى وقال الزمخشري ذلك الدين القيم يعني أن
تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قوله
القيم على وزن فعل بتشديد العين مبالغة في معنى القائم وفي بعض التفاسير ذلك الدين
القيم أي الحساب المستقيم الصحيح والعدد المستوي قاله الجمهور
فلا تظلموا فيهن أنفسكم
أي في الأربعة الأشهر وقيل في الإثني عشر بالقتال ثم نسخ وقيل بارتكاب الآثام
182 - ( حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن ابن
أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله
السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة
(18/265)
وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين
جمادى وشعبان )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وأيوب هو
السختياني ومحمد هو ابن سيرين وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن يروي عن أبيه أبي بكرة
نفيع بن الحارث والحديث مضى في أوائل بدء الخلق فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى
عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين إلى آخره قوله إن الزمان المراد به السنة
قد استدار المراد بالاستدارة انتقال الزمان إلى هيئته الأولى وذلك أن العرب كانوا
يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء ليقاتلوا فيه ويفعلون ذلك سنة بعد سنة فينتقل
المحرم من شهر إلى شهر حتى يجعلوه في جميع شهور السنة قوله كهيئته أي على الوضع
الذي كان قبل النسيء لا زائدا في العدد ولا مغيرا كل شهر عن موضعه قوله متواليات
أي متتابعات قوله ورجب مضر إنما أضيف رجب إلى مضر التي هي القبيلة لأنهم كانوا
يعظمونه ولم يغيروه عن مكانه ورجب من الترجيب وهو التعظيم ويجمع على أرجاب ورجاب
ورجبات وقوله بين جمادى وشعبان تأكيد والمراد بجمادى جمادى الآخرة وقد يذكر ويؤنث
فيقال جمادى الأول والأولى وجمادى الآخر والآخرة ويجمع على جمادات كحبارى وحباريات
وسمي بذلك لجمود الماء فيه قلت كأنه حين وضع أولا اتفق جمود الماء فيه وإلا
فالشهور تدور -
9 -
( باب قوله ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا (
التوبة 40 ) أي ناصرنا )
أي هذا باب في قوله تعالى ثاني اثنين إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب وقيل
ثاني اثنين إلا تنصروه فقد نصره الله إذا خرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في
الغار الآية قوله إلا تنصروه أي إلا تنصروا رسوله محمدا فإن الله ناصره ومؤيده
وكافيه وحافظه كما تولى نصره إذ أخرجه الذين كفروا أي حين أخرجه مشركو مكة وذلك
عام الهجرة حين هموا بقتله أو حبسه أو نفيه قوله ثاني اثنين أي أحد الإثنين كقولك
ثالث ثلاثة وهما رسول الله وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وانتصابه على الحال وقرىء
ثاني اثنين بالسكون قوله إذ هما بدل من قوله إذ أخرجه الذين كفروا والغار ثقب في
أعلى ثور وهو جبل مشهور بالمفجر من خلف مكة من طريق اليمن وهو المعروف بثور أطحل
وقال الزمخشري وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة قوله إذ يقول بدل ثان قوله
لصاحبه هو أبو بكر رضي الله عنه قوله أي ناصرنا هذا تفسير قوله معنا
السكينة فعيلة من السكون
أشار به إلى قوله فأنزل الله سكينته عليه وأيده الآية ثم أشار إلى أن وزن السكينة
فعيلة وأنه مشتق من السكون وفي التفسير فأنزل الله سكينته عليه أي تأييده ونصره
عليه أي على رسوله في أشهر القولين وقيل على أبي بكر رضي الله عنه وروي عن ابن
عباس وغيره قالوا لأن الرسول لم تزل معه سكينة وهذا لا ينافي تجديد سكينة خاصة
بتلك الحال ولهذا قال أيده بجنود لم تروها أي الملائكة
4663 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( حبان ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( ثابت )
حدثنا ( أنس ) قال حدثني ( أبو بكر ) رضي الله عنه قال كنت مع النبي في الغار
فرأيت آثار المشركين قلت يار سول الله لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا قال ما ظنك
بإثنين الله ثالثهما ( انظر الحديث 3653 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالسندي
وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال الباهلي وهمام بتشديد
الميم الأولى ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة
وثابت بن أسلم البناني ولم يأت إسناد إلى هنا مثل هذا الإسناد فإن رواته كلهم
بالتحديث الصرف والحديث مضى في مناقب أبي بكر رضي الله عنه فإنه أخرجه هناك عن
محمد بن سنان عن همام إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
(18/266)
4664 - حدثنا ( عبد الله بن محمد )
حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( ابن عباس ) رضي
الله عنهما أنه قال حين وقع بينه وبين ابن الزبير قلت أبوه الزبير وأمه أسماء وخالته
عائشة وجده أبو بكر وجدته صفية فقلت لسفيان إسناده فقال حدثنا فشغله إنسان ولم يقل
ابن جريج
عبد الله بن محمد هذا هو المذكور فيما قبله فإنه أخرج عنه في هذا الباب ثلاثة
أحاديث متواليات كما تراه ويمكن أن يكون وجه المطابقة في هذا الحديث للترجمة وفي
الحديث الذي بعده من حيث كونهم من رواية عبد الله بن محمد ويكتفي بهذا المقدار على
أن في هذا الحديث ذكر أسماء وعائشة في معرض فضيلتهما المستلزمة لفضل أبي بكر رضي
الله تعالى عنه وفي الترجمة الإشعار بفضل أبي بكر
وابن عيينة هو سفيان وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وابن أبي مليكة
هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة وقد تكرر ذكرهم
قوله حين وقع بينه وبين ابن الزبير أي حين وقع بين ابن عباس وبين عبد الله بن
الزبير رضي الله تعالى عنهم وذلك بسبب البيعة وملخص ذلك أن معاوية لما مات امتنع
ابن الزبير من البيعة ليزيد بن معاوية وأصر على ذلك ولما بلغه خبر موت يزيد بن
معاوية دعا ابن الزبير إلى نفسه فبويع بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز ومصر وعراق
وخراسان وكثير من أهل الشام ثم جرت أمور حتى آلت الخلافة إلى عبد الملك وذلك كله
في سنة أربع وستين وكان محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية وعبد الله
بن عباس مقيمين بمكة منذ قتل الحسين رضي الله تعالى عنه فدعاهما ابن الزبير إلى
البيعة له فامتنعا وقالا لا نبايع حتى يجتمع الناس على خليفة وتبعهما على ذلك
جماعة فشدد عليهم ابن الزبير وحصرهم فبلغ الخبر المختار بن أبي عبيد وكان قد غلب على
الكوفة وكان فر منه من كان من قبل ابن الزبير فجهز إليهم جيشا فأخرجوهما
واستأذنوهما في قتال ابن الزبير فامتنعا وخرجا إلى الطائف فأقاما بها حتى مات ابن
عباس في سنة ثمان وستين ورحل ابن الحنفية بعده إلى جهة رضوى جبل ينبع فأقام هناك
ثم أراد دخول الشام فتوجه إلى نحو أيلة فمات في آخر سنة ثلاثة أو أول سنة أربع
وسبعين وذلك عقيل قتل ابن الزبير على الصحيح قوله قلت أبوه الزبير القائل هو ابن
أبي مليكة يعدد بهذا إلى آخره شرف ابن الزبير وفضله واستحقاقه الخلافة مثل الذي
ينكر على ابن عباس على امتناعه من البيعة له يقول أبوه عبد الله هو الزبير بن
العوام أحد العشرة المبشرة بالجنة وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وخالته عائشة
لأنها أخت أسماء وجدته صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير قوله فقلت لسفيان القائل
هو عبد الله بن محمد شيخ البخاري قوله إسناده أي اذكر إسناده ويجوز بالرفع على تقدير
ما هو إسناده قوله فقال حدثنا أي قال سفيان حدثنا فشغله إنسان بكلام أو نحوه ولم
يقل حدثنا ابن جريج وقال الكرماني قد ذكر الإسناد أولا فما معنى السؤال عنة ثم
أجاب عن كيفية العنعنة بأنها بالواسطة وبدونها قلت فلذلك أخرج البخاري الحديث من
وجهين آخرين على ما يجيء الآن لأجل الاستظهار
4665 - ح ( دثني عبد الله بن محمد ) قال حدثني ( يحيى بن معين ) حدثنا ( حجاج )
قال ( ابن جريج ) قال ( ابن أبي مليكة ) وكان بينهما شيء فغدوت على ابن عباس فقلت
أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله فقال معاذ الله إن الله كتب ابن الزبير
وبني أمية محلين وإني والله لا أحله أبدا قال قال الناس بايع لابن الزبير فقلت
وأين بهذا الأمر عنه أما أبوه فحواري النبي يريد الزبير وأما جده فصاحب الغار يريد
أبا بكر وأما أمه فذات النطاق يريد أسماء وأما خالته فأم المؤمنين يريد عائشة وأما
عمته فزوج النبي يريد خديجة
(18/267)
وأما عمة النبي فجدته يريد صفية ثم
عفيف في الإسلام قارىء للقرآن والله إن وصلوني وصلوني من قريب وإن ربوني ربوني
أكفاء كرام فآثر التويتات والأسامات والحميدات يريد أبطنا من بني أسد بني تويت
وبني أسامة وبني حميد إن ابن أبي العاص برز يمشي القدمية يعني عبد الملك بن مروان
وأنه لوى ذنبه يعني ابن الزبير
هذا الحديث الثالث من الأحاديث الثلاثة التي أخرجها عن عبد الله بن محمد المذكور
وهو يرويه عن يحيى بن معين بضم الميم ابن عون أبي زكريا البغدادي عن حجاج بن محمد
المصيصي إلى آخره
قوله وكان بينهما أي بين ابن عباس وابن الزبير ولكن لم يجر ذكرهما فأعاد الضمير
إليهما اختصارا قوله شيء يعني مما يصدر بين المتخاصمين وقيل الذي وقع بينه وبين
ابن الزبير كان في بعض قراءة القرآن قوله فغدوت من الغدو وهو الذهاب قوله فقلت
أتريد الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار يخاطب به ابن أبي مليكة ابن عباس
قوله فتحل بالنصب من الإحلال قوله حرم الله بالنصب على المفعولية ويروى فتحل ما
حرم الله أي من القتال في الحرم قوله فقال معاذ الله أي فقال ابن عباس العوذ بالله
على إحلال الحرم قوله إن الله كتب ابن الزبير أي قدر ابن الزبير وبني أمية محلين
بكسر اللام أرادتهم كانوا محلين يعني مبيحين القتال في الحرم وكان ابن الزبير يسمى
المحل قوله وإني والله لا أحله من كلام ابن عباس أي لا أحل الحرم أبدا وهذا مذهب
ابن عباس أنه لا يقاتل في الحرم وإن قوتل فيه قوله قال قال الناس القائل هو ابن
عباس وناقل ذلك عنه هو ابن أبي مليكة والمراد بالناس من كان من جهة ابن الزبير
قوله بايع أمر من المبايعة قوله فقلت قائله ابن عباس قوله وأين بهذا الأمر عنه
أراد بالأمر الخلافة يعني ليست بعيدة عنه لما له من الشرف من قوله أما أبوه إلى
آخره أي أما أبو عبد الله وهو الزبير بن العوام فحواري النبي وقد مضى في مناقب
الزبير عن جابر قال قال النبي إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير بن العوام
والحواري الناصر الخالص قوله يريد الزبير أي يريد ابن عباس بقوله فحواري النبي
الزبير بن العوام قوله وأمه أي وأم عبد الله بن الزبير قوله فذات النطاق وسميت أمه
بذات النطاق لأنها شقت نطاقها السفرة رسول الله وسقائه عند الهجرة قوله يريد أسماء
يعني يريد ابن عباس بقوله ذات النطاق أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
قوله وأما خالته أي خالة عبد الله فهي أم المؤمنين عائشة أخت أسماء قوله وأما عمته
فهي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد وهي أخت العوام بن خويلد وأطلق عليها عمته
تجوزا لأنها عمة أبيه على ما لا يخفى قوله وأما عمة النبي فجدته أي جدة عبد الله
بن الزبير وهي صفية بنت عبد المطلب قوله ثم عفيف أي ثم هو يعني عبد الله عفيف
وانتقل من بيان نسبه الشريف إلى بيان صفاته الذاتية الحميدة بكلمة ثم التي هي
للتعقيب وأراد بالعفة في الإسلام النزاهة عن الأشياء التي تشين الرجل والعفة أيضا
الكف عن الحرم والسؤال من الناس قوله والله إن وصلوني إلى آخره من كلام ابن عباس
أيضا فيه عتب على ابن الزبير وشكر بني أمية وأراد بقوله إن وصلوني بني أمية من صلة
الرحم وفسره بقوله وصلوني من قريب أي من أجل القرابة وذلك أن ابن عباس هو عبد الله
بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف قوله وإن
ربوني بفتح الراء وتشديد الباء الموحدة المضمومة من التربية قوله ربوني أكفاء من
قبيل أكلوني البراغيث وأصله ربني أكفاء وكذا وقع في رواية الكشميهني على الأصل
وارتفاع أكفاء بقوله ربوني أو ربي على الروايتين والأكفاء جمع كفء من الكفاءة في
النكاح وهو في الأصل بمعنى النظير والمساوي قوله كرام جمع كريم وهو الجامع لأنواع
الخير والشرف والفضائل وروى ابن مخنف الأنصاري بإسناده أن ابن عباس لما حضرته
الوفاة بالطائف جمع بنيه فقال يا بني إن ابن الزبير لما خرج بمكة شددت أزره ودعوت
(18/268)
الناس إلى بيعته وتركت بني عمنا من بني
أمية الذين إن قتلونا قتلونا أكفاء وأن ربونا ربونا كراما فلما أصاب ما أصاب جفاني
قوله فآثر التويتات أي اختار التويتات والأسامات والحميدات علي ورضي بهم وأخذهم
وفي رواية ابن قتيبة فشددت على عضده فآثر علي فلم أرض بالهوان وآثر بالمد ووقع في
رواية الكشميهني فأين بسكون الياء آخر الحروف وبالنون وهو تصحيف والتويتات بضم
التاء المثناة من فوق وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة من فوق
أخرى جمع تويت وهو ابن الحارث بن عبد العزى بن قصي والأسامات جمع أسامة نسبة إلى
بني أسامة بن أسد ابن عبد العزى والحميدات نسبة إلى بني حميد بن زهير بن الحارث بن
أسد بن عبد العزى فهؤلاء الثلاثة من بني عبد العزى قوله يريد أبطنا يعني ابن عباس
من هذه الثلاثة أبطنا جمع بطن وهو ما دون القبيلة وفوق الفخذ ويجمع على بطون أيضا
قوله من بني أسد بن تويت قال عياض وصوابه يريد أبطنا من بني أسد بن تويت وكذا وقع
في ( مستخرج ) أبي نعيم قوله وبني أسامة أي ومن بني أسامة قوله وبني حميد أي ومن
بني حميد وذكر ابن عباس هؤلاء الثلاثة على سبيل التحقير والتقليل فلذلك جمعهم بجمع
القلة حيث قال أبطنا قوله أن ابن أبي العاص برز أي ظهر وهو عبد الملك بن مروان بن
الحكم بن أبي العاص نسبة إلى جد أبيه قوله يمشي القدمية بفتح القاف وفتح الدال
وضمها وسكونها وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف قال عبيد يعني يمشي التبختر
ضربه مثلا لركوبه معالي الأمور وسعى فيها وعمل بها وقال ابن قتيبة القدمية هي
التقدمة وقال ابن الأثير الذي عند البخاري القدمية معناه تقدمه في الشرف والفضل
والذي جاء في كتب الغريب والتقدمية واليقدمية بالتاء والياء يعني التقدم وعند
الأزهري بالياء أخت الواو وعند الجوهري بالتاء المثناة من فوق وقيل إن اليقدمية
بالياء أخت الواو وهو التقدم بالهمة وفي ( المطالع ) رواه بعض اليقدمية بفتح الدال
وضمها والضم صح عن شيخنا أبي الحسن قوله وأنه أي وأن ابن الزبير قوله لوى ذنبه أي
ثناه وصرفه يقال لوى فلان ذنبه ورأسه وعطفه إذا ثناه وصرفه ويروى بالتشديد
للمبالغة وهو مثل لترك المكارم والزوغان عن المعروف وإيلاء الجميل وقيل هو كناية
عن التأخر والتخلف ويقال هو كناية عن الجبن وإيثار الدعة وقال الداودي المعنى أنه
وقف فلم يتقدم ولم يتأخر ولا وضع الأشياء فأدنى الكاشح وأقصى الناصح وقال ابن
التين معنى لوى ذنبه لم يتم له ما أراده وكان الأمر كما ذكر والآن عبد الملك لم
يزل في تقدم من أمره إلى أن استنقذ العراق من ابن الزبير وقتل أخاه مصعبا ثم جهر
العساكر إلى ابن الزبير فكان من الأمر ما وقع وكان ولم يزل ابن الزبير في تأخر إلى
أن قتل
4666 - حدثنا ( محمد بن عبيد بن ميمون ) حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عمر بن سعيد
) قال أخبرني ( ابن أبي مليكة ) دخلنا على ابن عباس فقال ألا تعجبون لابن الزبير
قام في أمره هذا فقلت لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر ولهما كانا
أولى بكل خير منه وقلت ابن عمة النبي وابن الزبير وابن أبي بكر وابن أخي خديجة
وابن أخت عائشة فإذا هو يتعلى عني ولا يريد ذلك فقلت ما كنت أظن أني أعرض هذا من
نفسي فيدعه وما أراه يريد خيرا و إن كان لا بد لأن يربني بنو عمي أحب إلي من أن ير
بني غيرهم
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن عبيد بن ميمون المديني ويقال له
محمد بن أبي عباد عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي عن عمر بن سعيد بن
أبي حسين النوفلي القرشي المكي عن عبد الله بن أبي مليكة إلى آخره
قوله قام في أمره أي في الخلافة قوله لأحاسبن نفسي أي لأناقشنها له أي لابن الزبير
وقيل لأطالبن نفسي بمراعاته وحفظ حقه ولأنافسن في معونته ولاستقصين عليها في النصح
له والذب عنه قوله ما حاسبتها
(18/269)
كلمة ما للنفي أي ما حاسبت نفسي لأبي
بكر ولا لعمر قوله ولهما كان أولى بكل خير اللام فيه لام الابتداء والواو فيه يصلح
أن يكون للحال وهما يرجع إلى أبي بكر وعمر قوله منه أي من ابن الزبير قوله وقلت
ابن عمة النبي تجوز وإنما هي عمة أبي النبي وهي صفية بنت عبد المطلب وكذلك قوله
وابن أبي بكر تجوز لأنه ابن بنت أبي بكر وكذلك قوله وابن أخي خديجة تجوز لأنه ابن
ابن أخيها العوام قوله فإذا هو أي ابن الزبير يتعلى عني أي يترفع منتحيا عني قوله
ولا يريد ذلك أي لا يريد أن أكون من خاصته قوله ما كنت أظن أني أعرض هذا أي أظهر
وأبذل هذا من نفسي وأرضى به فيدعه أي فإن يدعه أي يتركه ولا يرضى هو بذلك قوله وما
أراه يريد خيرا أي وما أظنه يريد خيرا يعني في الرغبة عني قوله وإن كان لابد أي
وإن كان هذا الذي صدر منه لا فراق له منه لأن يربني بنو عمي أي بنو أمية ويريني من
التربية ومعناه يكون بنو أمية أمراء علي وقائمين بأمري قوله أحب إلي خبر إن قوله
غيرهم أي غير بني عمي وهم الأمويون وقال الحافظ إسماعيل في كتاب ( التخيير ) يعني
بقوله لأن يربني بنو عمي إلى آخره لأن أكون في طاعة بني أمية وهم أقرب إلى قرابة
من بني أسد أحب إلي
10 -
( باب قوله والمؤلفة قلوبهم ( التوبة60 )
أي هذا باب في قوله تعالى والمؤلفة قلوبهم وليس في بعض النسخ لفظ باب وقبله إنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ( التوبة60
) الآية وهذه الآية في بيان قسمة الصدقات ويبين الله عز و جل حكمها وتولى قسمتها
بنفسه ومصرفها ثمانية أصناف وسقطت المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى أعز الإسلام
وأغنى عنهم وكان يعطي لهم لتتألف قلوبهم أو ليدفع ضررهم عن المسلمين وهل تعطى
المؤلفة على الإسلام بعد النبي فيه خلاف فروي عن عمر والشعبي وجماعة أنهم لا يعطون
بعده وقال آخرون بل يعطون لأنه قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هوازن وهذا أمر قد
يحتاج إليه فيصير إليهم واختلف في الوقت الذي تألفهم فيه فقيل قبل إسلامهم وقيل
بعد واختلف متى قطع ذلك عنهم فقيل في خلافة الصديق وقيل في خلافة الفاروق وكان
المؤلفة قلوبهم نحو الخمسين منهم أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حرام وعباس بن
مرداس
قال مجاهد يتألفهم بالعطية
هذا وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
4667 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن أبيه عن ( ابن أبي نعم ) عن (
أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال بعث إلى النبي بشيء فقسمه بين أربعة وقال
أتألفهم فقال رجل ما عدلت فقال يخرج من ضئضيء هاذا قوم يمرقون من الدين
مطابقته للترجمة ظاهرة وكثير ضد القليل وسفيان هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن
مسروق وهو يروي عن عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وسكون العين المهملة ومضى هذا
الحديث بهذا الإسناد في كتاب الأنبياء في قصة هود بأتم منه وأخرجه هنا مختصرا
قوله بين أربعة وهم الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وزيد بن مهلهل وعلقمة ابن علاثة
بالثاء المثلثة النجديون قوله فقال رجل هو ذو الخويصرة مصغر الخاصرة بالخاء
المعجمة والصاد المهملة قوله فقال أي رسول الله قوله من ضئضيء بكسر الضادين
المعجمتين وسكون الهمزة وبالياء آخر الحروف وهو الأصل والمراد به النسل قوله
يمرقون أي يخرجون
11 -
( باب قوله الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ( التوبة79 )
أي هذا باب في قوله عز و جل قوله الذي يلمزون الآية هذه الآية في صفات المنافقين
لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في
(18/270)
جميع الأحوال حتى ولا المتصدقون لا
يسلمون منهم إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراء وإن جاء بشيء يسير قالوا إن
الله لغني عن صدقة هذا قوله المطوعين أصله المتطوعين فأبدلت التاء طاء وأدغمت
الطاء في الطاء
يلمزون يعيبون
أراد أن معنى اللمز العيب وليس هذا في رواية أبي ذر
وجهدهم وجهدهم طاقتهم
أشار به إلى قوله تعالى والذين لا يجدون إلا جهدهم وفسر الجهد بالطاقة وهو بضم
الجيم وبالفتح المشقة وعن الشعبي بالعكس وقيل هما لغتان
4669 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال قلت ل ( أبي أسامة أحدثكم زائدة ) عن ( سليمان
) عن ( شقيق ) عن ( أبي مسعود الأنصاري ) قال كان رسول الله يأمر بالصدقة فيحتال
أحدنا
(18/271)
حتى يجيء بالمد وإن لأحدهم اليوم مائة
ألف كأنه يعرض بنفسه
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه لأنه مطابق لمعنى الحديث السابق والمطابق للمطابق
للشيء مطابق لذلك الشيء وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وأبو إسامة حماد بن
أسامة وزائدة من الزيادة ابن قدامة أبو الصلت الكوفي وسليمان هو الأعمش وشقيق هو
ابن سلمة أبو وائل والحديث مضى في أوائل الزكاة
قوله أحدثكم الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله فيحتال أي يجتهد ويسمى
قوله مائة ألف بالنصب على أنها اسم إن والخبر قوله لأحدهم مقدما واليوم نصب على
الظرف ومائة ألف يحتمل الدراهم ويحتمل الدنانير ويحتمل الأمداد من القمح أو التمر
أو نحوهما قوله كأنه يعرض بنفسه من كلام شقيق الراوي وقد صرح به إسحاق في مسنده
وقال في آخره قال شقيق كأنه يعرض بنفسه قلت كأن أبا مسعود عرض بنفسه لما صار من
أصحاب الأموال الكثيرة
12 -
( باب قوله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله
لهم ( التوبة80 )
أي هذا باب في قوله تعالى استغفر لهم إلى آخر ما ذكره في رواية أبي ذر وعند غيره
مختصرا خبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن هؤلاء المنافقين اللمازين ليسوا
أهلا للاستغفار وأنه لو استغفرلهم ولو سبعين مرة فإن الله لا يغفر لهم وذكر
السبعين بالنص عليه لحسم مادة الاستغفار لهم لأن العرب في أساليب كلامهم تذكر
السبعين في مبالغة كلامهم ولا يراد بها التحديد ولا أن كون ما زالد عليها بخلافها
4670 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع )
عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال لما توفي عبد الله بن رجاء ابنه عبد الله
بن عبد الله إلى رسول الله فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن
يصلي عليه فقام رسول الله ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال يا رسول الله
أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه فقال رسول الله إنما خيرني الله فقال استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم سبعين مرة ( التوبة84 ) وسأزيده على السبعين قال إنه منافق
قال فصلى عليه رسول الله فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على
قبره
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد بضم العين وفتح الباء الموحدة واسمه في الأصل عبد
الله يكنى أبا محمد الكوفي وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله بن عمر العمري
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب الكفن في القميص أخرجه مسلم في التوبة عن أبي
بكر بن أبي شيبة
قوله لما توفي عبدالله يعني ابن أبي ابن سلول ووقع في أكثر النسخ اسم أبيه أبي
وقال الواقدي إنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة تسع وكانت مدة
مرضه عشرين يوما وابتداؤها من ليال بقيت من شوال وكذا ذكره الحاكم في ( الإكليل )
وقالوا وكان قد تخلف هو ومن معه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت لو خرجوا فيكم ما زادوكم
إلا خبالا ( التوبة47 ) قيل هذا يدفع قول ابن التين إن هذه القصة كانت في أول
الإسلام قبل تقرير الأحكام قوله فأعطاه أي أعطى النبي قميصه عبد الله قال الكرماني
لم أعطي قميصه المنافق ثم أجاب بقوله أعطى لابنه وما أعطى لأجل أبيه عبد الله بن
أبي وقيل كان ذلك مكافأة له على ما أعطى يوم بدر قميصا للعباس لئلا يكون للمنافق
منة عليهم قوله ثم سأله أن يصلي عليه إنما سأله بناء على أنه
(18/272)
حمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام ولدفع
العار عنه وعن عشيرته فأظهر الرغبة في صلاة النبي ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب
ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك قوله فقام رسول الله ليصلي عليه
قوله أتصلي عليه الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله وقد الواو وفيه للحال
قوله نهاك ربك أن تصلي عليه قال الكرماني أين نهاه ونزول قوله ولا تصل على أحد
منهم ( التوبة84 ) بعد ذلك فأجاب بقوله لعل عمر استفاد النهي من قوله تعالى ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( التوبة113 ) أو من قوله أن تستغفر لهم
فإنه إذا لم يكن للاستغفار فائدة المغفرة يكون عبثا فيكون منهيا عنه وقال القرطبي
لعل ذلك وقع في خاطر عمر رضي الله تعالى عنه فيكون من قبيل الإلهام قوله إنما
خيرني الله أي بين الاستغفار وتركه قوله وسأزيد حمل رسول الله عدد السبعين على
حقيقته وحمله عمر رضي الله تعالى عنه على المبالغة وقال الخطابي فيه حجة لمن أرى
الحكم بالمفهوم لأنه جعل السبعين بمنزلة الشرط فإذا جاوز هذا العدد كان الحكم
بخلافه وكان رأي عمر التصلب في الدين والشدة على المنافقين وقصد عليه الصلاة و
السلام الشفقة على من تعلق بطرف من الدين والتألف لابنه ولقومه فاستعمل أحسن
الأمرين وأفضلهما قوله إنه منافق إنما جزم بذلك جريا على ما كان اطلع عليه من
أحواله ولم يأخذ النبي بقوله و إجراء له على ظاهر حكم الإسلام وذهب بعض أهل الحديث
إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي بصلاة النبي وهذا ليس بصحيح لمخالفته الأحاديث
الصحيحة المصرحة بما ينافي في ذلك وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه
القصة قال فأنزل الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره قال
فذكر لنا النبي قال وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من
قومه قوله فأنزل الله تعالى إلى آخره زاد مسدد في حديثه عن يحيى القطان عن عبيد
الله بن عمر في آخره فترك الصلاة عليهم وفي حديث ابن عباس فصلى عليه ثم انصرف فلم
يمكث إلا يسيرا حتى نزلت وزاد ابن إسحاق في ( المغازي ) في حديث الباب فما صلى
رسول الله على منافق بعده حتى قبضه الله تعالى
4671 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) وقال ( غيره ) حدثني (
الليث ) حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) عن
( ابن عباس ) عن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه أنه قال لما مات عبد الله بن أبي
ابن سلول دعي له رسول الله ليصلي عليه فلما قام رسول الله وثبت إليه فقلت يا رسول
الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا قال أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله
وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على
السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا
حتى نزلت الآيتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا إلى قوله وهم فاسقون قال
فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله والله ورسوله أعلم
أخرج الحديث المذكور من وجه آخر عن ابن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنه ومضى
الحديث في الجنائز وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير أيضا وأخرجه النسائي أيضا
في الجنائز
قوله وقال غيره الغير هو عبد الله بن صالح كاتب الليث قوله سلول بفتح السين
المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها الأم اسم أم عبد الله وهي خزاعية وعبد الله
من الخزرج أحد قبيلة الأنصار قوله ابن سلول بالرفع لأنه صفة عبد الله لا صفة أبي
قوله فتبسم رسول الله كان ذلك تعجبا من صلابة عمر رضي الله تعالى عنه وبغضه
للمنافقين قيل لم يكن يتبسم عند شهود الجنائز
(18/273)
وأجيب بأنه كان على وجه الغلبة قوله
يغفر له بجزم الراء لأنه جواب الشرط وفي رواية الكشميهني فغفر له بالفاء على صيغة
الماضي قوله بعد بضم الدال لأنه قطع عن الإضافة فبنى على الضم قوله من جرأتي بضم
الجيم أي من إقدامي عليه والله ورسوله أعلم قيل الظاهر أنه من عمر رضي الله تعالى
عنه ويحتمل أن يكون من قول ابن عباس
13 -
( باب قوله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ( التوبة84 )
أي هذا باب في قوله تعالى ولا تصل إلى آخره وظاهر الآية أنها نزلت في جميع
المنافقين لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم قال الواقدي أخبرنا معمر
عن الزهري قال قال حذيفة رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله إني مسر إليك سرا
فلا تذكره لأحد إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال
فلذلك كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى
مشى معه وإلا لم يصل عليه ومن طريق آخر عن جبير ابن مطعم إنهم اثنا عشر رجلا
4672 - ح ( دثني إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن (
نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أنه قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه
عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي
عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر
لهم قال إنما خيرني الله أو أخبرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن
تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( التوبة80 ) فقال سأزيد على سبعين قال
فصلى عليه رسول الله وصلينا معه ثم أنزل الله عليه ولا تصل على أحد منهم مات أبدا
ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون
هذا وجه آخر في الحديث المذكور عن ابن عمر في الباب الذي قبله قوله إنما خيرني
الله أخبرني كذا وقع بالشك والأول من التخيير والثاني من الإخبار ووقع في أكثر
الروايات خيرني يعني بين الاستغفار وتركه وكذا وقع بغير شك عند الإسماعيلي أخرجه
من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي ضمرة وهو أنس بن عياض بلفظ إنما خيرني الله من
التخيير فحسب وقد استشكل فهم التخيير من الآية حتى إن جماعة من الأكابر طعنوا في
صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه منهم القاضي أبو بكر فإنه قال لا يجوز أن يقبل هذا
ولا يصح أن رسول الله قاله ومنهم أبو بكر الباقلاني فإنه قال في ( التقريب ) هذا
الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها ومنهم إمام الحرمين قال في ( مختصره )
هذا الحديث غير مخرج في الصحيح وقال في ( البرهان ) لا يصححه أهل الحديث ومنهم
الغزالي قال في ( المستصفى ) الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح ومنهم الداودي قال هذا
الحديث غير محفوظ وأجيب بأنهم ظنوا أن قوله ذلك بأنهم كفروا الآية نزل مع قوله
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ولم يكن نزوله إلا متراخيا عن صدر الآية فحينئذ يرتفع
الإشكال وقد قال الزمخشري ما فيه رفع للإشكال المذكور وملخص سؤاله أنه قد تلا قوله
ذلك بأنهم كفروا قوله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فبين الصارف عن المغفرة لهم
وملخص جوابه أنه مثل قول إبراهيم عليه السلام ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( إبراهيم36
) وذلك أنه تخيل بما قال إظهار الغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه وقد رد كلام
الزمخشري هذا من لا يدانيه ولا يجاريه في مثل هذا الباب فإنه قال لا يجوز نسبة ما
قاله إلى الرسول لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب
المغفرة لهم مستحيل وهذا لا يقع من النبي ورد عليه بأن النهي عن الاستغفار لمن مات
مشركا
(18/274)
لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات
مظهرا للإسلام قوله سأزيد على السبعين لاستمالة قلوب عشيرته لا أنه أراد أنه إذا
زاد على السبعين يغفر له ويؤيد هذا تردده في الحديث الآخر حيث قال لو أعلم أني إن
زدت على السبعين يغفر له لزدت وقيل لما قال سأزيد نزلت سواء عليهم استغفرت لهم (
المنافقون6 ) الآية فتركه
14 -
( باب قوله سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم
رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ( التوبة95 )
أي هذا باب في قوله عز و جل سيحلفون بالله الآية وسقط في رواية الأصيلي لفظ لكم
والصواب إثباتها وأخبر الله عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة يعتذرون
ويحلفون بالله لتعرضوا عنهم فلا تؤنبوهم فأعرضوا عنهم احتقارا لهم إنهم رجس أي
جبناء نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم في آخره جهنم جزاء بما كانوا يكسبون من
الآثام والخطايا
4673 - حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد
الرحمان بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن كعب بن مالك ) قال سمعت كعب بن مالك حين
تخلف عن تبوك والله ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني أعظم من صدقي رسول الله
أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين أنزل الوحي سيحلفون بالله لكم إذا
انقلبتم إليهم إلى قوله الفاسقين
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي المصري والحديث مضى
مطولا في غزوة تبوك بهذا الإسناد ومضى الكلام فيه هناك
قوله ما أنعم الله علي من نعمة كذا في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي وحده على
عبد نعمة والأول هو الصواب قوله أن لا أكون قال عياض كذا وقع في نسخ البخاري ومسلم
والمعنى أن أكون كذبته ولا زائدة كما قال الله تعالى ما منعك أن لا تسجد أي أن
تسجد قوله أن لا أكون مستقبل وكذبته ماض وبينهما منافاة ظاهرا ولكن المستقبل في
معنى الاستمرار المتناول للماضي فلا منافاة بينهما قوله إلى الفاسقين تفسير قوله
إليهم
باب قوله يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم إلى قوله الفاسقين ( التوبة96 )
أي هذا باب في قوله تعالى يحلفون لكم إلى آخره هكذا ثبت هذا الباب لأبي ذر وحده
بغير حديث وليس بمذكور أصلا في رواية الباقين نزلت هذه في المنافقين يحلفون لكم
لأجل أن ترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم بحلفانهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين
أي الخارجين عن طاعته وطاعة رسول الله
15 -
( باب قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب
عليهم إن الله غفور رحيم ( التوبة102 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وآخرون الآية وسيقت الآية كلها في رواية الأكثرين وفي
رواية أبي ذر وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية ولما أخبر الله تعالى عن حال المنافقين
المتخلفين عن الغزاة رغبة عنها وتكذيبا شرع في بيان حال الذين تأخروا عن الجهاد
كسلا وميلا إلى الراحة مع إيمانهم وتصديقهم بالحق فقال وآخرون اعترفوا بذنوبهم أي
أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم ولهم أعمال أخر صالحة خلطوا هذه بتلك
فهؤلاء تحت عفو الله وغفرانه فهذه الآية وإن كانت نزلت في إناس معينين إلا أنها
عامة في كل المذنبين الخطائين المخلطين المتلوثين وقال مجاهد عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما نزلت في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن غزوة تبوك فقال بعضهم
أبو لبابة وخمسة معه وقيل وسبعة معه وقيل وتسعة معه )
(18/275)
4674 - حدثنا ( مؤمل ) هو ( ابن هشام )
حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) حدثنا ( عوف ) حدثنا ( أبو رجاء ) حدثنا ( سمرة بن
جندب ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لنا أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا
إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء
وشطر كأقبح ما أنت راء قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذالك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا
إلينا قد ذهب ذالك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قالا لي هاذه جنة عدن وهذا
منزلك قالا أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملا
صالحا وآخر صيتا تجاوز الله عنهم
مطابقته للترجمة في قوله فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ومؤمل بضم الميم وفتح
الهمزة وكسر الميم وفتحها وإسماعيل ابن إبراهيم هو إسماعيل بن علية وعوف هو
الأعرابي وأبو رجاء ضد اليأس عمران العطاردي والحديث أخرجه البخاري مقطعا في
الصلاة وفي الجنائز وفي البيوع وفي الجهاد في بدء الخلق وفي صلاة الليل وفي الأدب
وفي الصلاة وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير وفي التعبير عن مؤمل بن هشام وقد
ذكرنا في المواضع الماضية ما فيه الكفاية
قوله آتيان أي ملكان قوله فابتعثاني أي من النوم قوله شطر أي نصف قوله أما القوم
قسيمه هو قوله هذا منزلك قوله الذين ويروى الذي بالإفراد ويؤول بما يؤول به قوله
وخضتم كالذي خاضوا ( التوبة69 ) قوله كانوا شطر منهم حسن القياس كان شطر منهم حسنا
ولكن كان تامة وشطر مبتدأ وحسن خبره والجملة حال بدون الواو وهو فصيح كما في قوله
تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو
16 -
( باب قوله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( البقرة36 )
أي هذا باب في قوله تعالى ما كان للنبي إلى آخره قال قتادة في هذه الآية ذكر لنا
أن رجالا من أصحاب النبي قالوا يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل
الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا تستغفر لهم فقال النبي بلى والله إني
لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن
يستغفروا حتى بلغ الجحيم وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية أن رسول الله أراد
أن يستغفر لأمه فنهاه الله عن ذلك فقال إن إبراهيم خليل الله استغفر لأبيه فأنزل
الله وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ( التوبة114 ) وقال
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية
فلما أنزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى
يموتوا ثم أنزل الله وما كان استغفار إبراهيم لأبيه الآية
4675 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه
النبي وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب
أترغب عن ملة عبد المطلب فقال النبي لأستغفرن لك ما لم انه عنك فنزلت ما كان للنبي
والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم
أصحاب الجحيم
(18/276)
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا
الحديث في كتاب الجنائز في باب إذا قال المشرك عند الموت لا إلاه إلا الله فإنه
أخرجه هناك عن إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن
المسيب عن أبيه إلى آخره بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك عن سعيد بن المسيب عن أبيه
المسيب بفتح الباء وكسرها وقال النووي لم يرو عن المسيب إلا ابنه وفيه رد على
الحاكم أبي عبد الله فيما قاله إن البخاري لم يخرج عن أحد ممن لم يرو عنه إلا واحد
ولعله أراد من غير الصحابة وأبو طالب اسمه عبد مناف وأبو جهل عمرو بن هشام
المخزومي وعبد الله بن أبي أمية المخزومي أسلم عام الفتح قوله أي عم يعني يا عمي
حذفت ياء الإضافة للتخفيف قوله أحاج جواب للأمر وقال القرطبي وقد سمعت أن الله
أحيى عمه أبا طالب فآمن من به وروى السهيلي في ( الروض ) بسنده أن الله أحيى أم النبي
وأباه فآمنا به
17 -
( باب قوله لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة
العسرة من بعد ما كان تزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم (
التوبة117 )
أي هذا باب في قوله لقد تاب الآية وفي رواية أبي ذر هكذا ساق إلى قوله اتبعوه
الآية قال الزمخشري في قوله تاب الله على النبي كقوله وليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر ( الفتح2 ) فاستغفر لذنبك ( غافر255 ) وهو بعث للمؤمنين على التوبة
وأنه ما من مؤمن إلا وهو يحتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرين
والأنصار وقيل تاب الله عن إذنه للمنافقين في التخلف عنه وقيل معنى التوبة على
النبي أنه مفتاح كلام لأنه لما كان سبب توبة التائبين ذكر معهم كقوله فإن لله خمسة
وللرسول ( محمد19 ) قوله في ساعة العسرة أي الشدة وضيق الحال قال جابر عسرة الظهر
وعسرة الزاد وعسرة المال وقال مجاهد وغيره نزلت هذه الآية في غزو تبوك وذلك أنهم
خرجوا إليها في شدة الحر في سنة مجدية وعسر من الزاد والماء وقال قتادة ذكر لنا أن
رجلين كانا يشقان التمر بينهما وكان النفر يتناولون الثمرة بينهم يمصها هذا ثم
يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم قوله من
بعدما كاد تزيغ أي تميل قلوب فريق منهم عن الحق ونشك في دين رسول الله بالذي نالهم
من المشقة والشدة قوله ثم تاب عليهم أي رزقهم الله الإنابة إليه والرجوع إلى
الثبات على دينه إنه أي إن الله ( بهم رؤوف رحيم )
4676 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) قال حدثني ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) قال (
أحمد ) وحدثنا ( عنبسة ) حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني عبد الرحمان
بن كعب قال أخبرني عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن
مالك في حديثه وعلى الثلاثة الذين خلفوا قال في آخر حديثه إن من توبتي أن أنخلع من
مالي صدقة إلى الله ورسوله فقال النبي أمسك بعض مالك فهو خير لك
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم تاب عليهم وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري روى عن
عبد الله بن وهب المصري وعن عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء
الموحدة وبالسين المهملة ابن خالد بن أخي يونس بن يزيد الأيلي يروي عن عمه يونس عن
محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن ( عبد الرحمن بن كعب ) بن مالك الأنصاري عن أبيه
عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري سمع أبا كعب بن مالك الأنصاري وهذا طرف من حديث
طويل في قصة كعب بن مالك مضى في كتاب المغازي وهذا القدر الذي اختصر عليه في كتاب
الوصايا قوله وكان قائد كعب أي كان عبد الله قائد أبيه من بين أبنائه حين عمي كعب
وأبناؤه ثلاثة عبد الله وعبد الرحمن وعبيد الله وكلهم رووا عن أبيهم كعب بن مالك
(18/277)
18 -
( باب وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم
أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب
الرحيم ( التوبة118 )
لم يذكر هنا لفط باب والآية المذكورة بتمامها في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر
إلى قوله ( بما رحبت ) الآية قوله وعلى الثلاثة أي وتاب الله على الثلاثة وهم كعب
بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية قوله خلفوا أي عن الغزو وقرىء خلفوا بفتح
الخاء واللام المخففة أي خلفوا المغازين بالمدينة وفسدوا من الخالفة وخلوف الفم
وقرأ جعفر الصادق خالفوا وقرأ الأعمش وعلى الثلاثة المخلفين قوله بما رحبت أي
برحبها أي بسعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقرون فيها
قلقا وجزعا مما هم فيه قوله أنفسهم أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور قوله وظنوا أي
علموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى الله بالاستغفار قوله ثم تاب عليهم أي ثم
رجع عليهم بالقبول والرحمة كرة بعد أخرى ليتوبوا أي ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا
وليتوبوا أيضا في المستقبل إن حصلت منهم خطيئة
4677 - ح ( دثني محمد ) حدثنا ( أحمد بن أبي شعيب ) حدثنا ( موسى بن أعين ) حدثنا
( إسحاق ابن راشد ) أن ( الزهري ) حدثه قال أخبرني ( عبد الرحمان بن عبد الله بن
كعب بن مالك ) عن أبيه قال سمعت أبي كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم
أنه لم يتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها قط غير غزوتين غزوة العسرة وغزوة بدر قال
فأجمعت صدق رسول الله لله ضحى وكان قلما يقدم من سفر سافره إلا ضحى وكان يبدأ
بالمسجد فيركع ركعتين ونهى النبي عن كلامي وكلام صاحبي ولم ينه عن كلام أحد من
المتخلفين غيرنا فاجتنب الناس كلامنا فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر وما من شيء أهم
إلي من أن أموت فلا يصلي علي النبي أو يموت رسول الله فأكون من الناس بتلك المنزلة
فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الآخر
من الليل ورسول الله عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري فقال
رسول الله يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل إليه فأبشره قال إذا يحطمكم
الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة حتى إذا صلى رسول الله صلاة الفجر آذن بتوبة
الله علينا وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر وكنا أيها الثلاثة
الذين خلفوا عن الأمر الذي قبل من هاؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة
فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله من المتخلفين واعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر
به أحد قال الله سبحانه يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم
قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ( التوبة94 ) الآية
(18/278)
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد شيخ
البخاري مختلف فيه فقال الحاكم هو محمد بن النضر النيسابوري وقد مر في تفسير سورة
الأنفال وقال مرة هو محمد بن إبراهيم البوشنجي وقال أبو علي الغساني هو محمد بن
يحيى الذهلي وأحمد ابن أبي شعيب هو أحمد بن عبد الله بن مسلم وأبو شعيب كنية مسلم
لا كنية عبد الله وكنية أحمد أبو الحسن وقد وقع في رواية أبي علي بن السكن حدثني
أحمد بن أبي شعيب بلا ذكر محمد والأول هو قول الأكثرين وإن كان أحمد بن أبي شعيب
من مشايخه وهو ثقة باتفاق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وموسى بن أعين بفتح
الهمزة والياء آخر الحروف وسكون العين المهملة بينهما الجزري بالجيم والزاي والراء
وقد مر في الصوم وإسحاق بن راشد الجزري أيضا والزهري محمد بن مسلم
وهذا الحديث قطعة من قصة كعب بن مالك وقد تقدمت بكمالها في المغازي في غزوة تبوك
قوله تيب بكسر التاء المثناة وسكون الياء آخر الحروف مجهول تاب توبة قوله غزوة
العسرة ضد اليسرة وهي غزوة تبوك قوله فأجمعت أي عزمت قوله صاحبي وهما مرارة بن
الربيع وهلال بن أمية قوله أهم من أهمني الأمر إذا أقلقك وأحزنك قوله ولا يصلي على
صيغة المجهول وفي وراية الكشميهني ولا يسلم وحكى عياض أنه وقع لبعض الرواة فلا
يكلمني أحد منهم ولا يسلمني واستبعده لأن المعروف أن السلام إنما يتعدى بحرف الجر
وقد وجهه بعضهم بأن يكون اتباعا أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأنت مسلم مني قلت
هذا توجيه لا طائل تحته قوله ورسول الله عند أم سلمة الواو فيه للحال وأم سلمة هند
قوله معنية بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وبالياء آخر الحروف المشددة
من الاعتناء وهذه رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني معينة بضم الميم وكسر العين
وسكون الياء وفتح النون من الإعانة وليست بمشتقة من العون كما قاله بعضهم قوله إذا
يحطمكم من الخطم وهو الدوس وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني إذا يخطفكم
بالحاء المعجمة وبالفاء من الخطف وهو مجاز عن الازدحام قوله آذز أي اعلم قوله
كذبوا بتخفيف الذال ورسول الله بالنصب لأن كذب يتعدى بدون الصلة قوله يعتذرون
إليكم يعني المنافقين إذا رجعوا إلى المدينة يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قوله
لن نؤمن لكم أي لن نصدقكم قوله قد نبأنا الله أي قد أخبرنا الله من سرائركم وما
تخفى صدوركم وسيرى الله عملكم ورسوله فيما بعد أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه
وتردون بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم فيخبركم بما كنتم تعلمون في
السر والعلانية ويجزيكم عليها
19 -
( باب قوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( التوبة 119 )
أي هذا باب في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا الآية وهذه الآية عقيب قوله وعلى
الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة 118 ) الآية ولما جرى على هؤلاء الثلاثة من الضيق
والكرب وهجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة فصبروا على ذلك واستكانوا لأمر
الله فرج الله عنهم بسبب صدقهم جميع ذلك وتاب عليهم وكان عاقبة صدقهم وتقواهم نجاة
لهم وخيرا وأعقب ذلك بقوله يا أيها الذين آمنوا الآية قوله اتقوا الله أي خافوه
قوله وكونوا مع الصادقين يعني إلزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك
ويجعل لكم فرجا من أموركم ومخرجا
4678 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن (
عبد الرحمان ابن عبد الله بن كعب بن مالك ) أن ( عبد لله بن كعب بن مالك ) وكان
قائد كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك فوالله ما أعلم
أحدا أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذالك لرسول الله
إلى يومي هاذا كذبا وأنزل الله عز و جل على رسوله لقد تاب الله على النبي
والمهاجرين إلى
(18/279)
قوله وكونوا مع الصادقين
مطابقته للترجمة تؤخذ من حيث إن الله فرج عن كعب وتاب عليه بحسن صدقه كما في متن
الحديث وأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر المؤمنين بالتقوى والصدق ورجال إسناده قد
ذكروا عن قريب وفيما قبله غير مرة والحديث قطعة من حديث كعب الطويل وتكلمنا فيه
فيما مضى
20 -
( باب قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف
رحيم ( التوبة 128 )
أي هذا باب في قوله عز و جل لقد جاءكم الآية كذا ثبت إلى آخر الآية في رواية
الأكثرين وفي رواية أبي ذر إلى قوله ما عنتم وقد من الله تعالى بهذه الآية على
المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم كما قال إبراهيم
عليه الصلاة و السلام ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ( البقرة 129 ) وقرى من أنفسكم
من النفاسة أي من أشرفكم وأفضلكم وقيل هي قراءة رسول الله وفاطمة وعائشة رضي الله
عنهما قوله عزيز عليه ما عنتم أي يعز عليه ما يشق عليكم ولهذا جاء في الحديث بعثت
بالحنفية السمحة وعنتم من العنت وهو المشقة وقال ابن الأنباري أصله التشديد وقال
الضحاك الإثم وقال ابن أبي عروبة الضلال وقيل الهلاك وحاصل المعنى يعز عليه أن
تدخلوا النار وجمعت هذه الآية ست صفات لسيدنا رسول الله الرسالة والنفاسة والعزة
وحرصه على إيصال الخيرات إلى أمته في الدنيا والآخرة والرأفة والرحمة قال الحسين
بن الفضل لم يجمع الله لنبي من الأنبياء إسمين من أسمائه إلا لسيدنا رسول الله حيث
قال بالمؤمنين رؤوف رحيم وقال عز و جل إن الله بالناس لرؤوف رحيم ( البقرة 143
والحج 65 )
من الرأفة
يعني رؤوف من الرأفة وهي الحنو والعطف وهي أشد الرحمة ولم يثبت هذا في رواية أبي
ذر
4679 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( ابن
السباق ) أن ( زيد ابن ثابت الأنصاري ) رضي الله عنه وكان ممن يكتب الوحي قال أرسل
إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل
قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب
كثير من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأري أن تجمع القرآن قال أبو بكر قلت لعمر كيف
أفعل شيئا لم يفعله رسول الله فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى
شرح الله لذالك صدري ورأيت الذي رأي عمر قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالس لا يتكلم
فقال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله الله فتتبع
القرآن فاجمعه فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من
جمع القرآن قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي فقال أبو بكر هو والله خير فلم أزل
أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر فقمت فتتبعت القرآن
أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع
خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
(18/280)
عليه ما عنتم حريص عليكم ( التوبة 128
) إلى آخرها وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند
عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما
مطابقته للترجمة في قوله لقد جاءكم رسول إلى آخر الآيتين وأبو اليمان الحكم بن
نافع وابن السباق بفتح السين المهملة وتشديد الباء الموحدة وهو عبيد حجازي
والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن بندار وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن
الهيثم بن أيوب
قوله مقتل أهل اليمامة أي أيام مقاتلة الصحابة رضي الله عنهم مسيلمة الكذاب الذي
ادعى النبوة وكان مقتلهم سنة إحدى عشرة من الهجرة واليمامة بفتح الياء آخر الحروف
وتخفيف الميم مدينة باليمن وسميت باسم المصلوبة على بابها وهي التي كانت تبصر من
مسيرة ثلاثة أيام وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها واسمها عنزة وقال البكري كان إسم
اليمامة في الجاهلية جو بفتح الجيم وتشديد الواو حتى سماها الملك الحميري لما قتل
المرأة التي تسمى اليمامة باسمها وقال الملك الحميري
( وقلنا فسموا اليمامة باسمها
وسرنا وقلنا لا نريد الإقامة )
وزعم عياض أنها تسمى أيضا العروض بفتح العين المهملة وقال البكري العروض إسم لمكة
والمدينة معروف قوله قد استحر أي اشتد وكثر على وزن استفعل من الحر وذلك أن
المكروه يضاف إلى الحر والمحبوب يضاف إلى البرد ومنه المثل تولى حارها من تولى
قارها وقتل بها من المسلمين ألف ومائة وقيل ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن
قوله في المواطن أي المواضع التي سيغزو فيها المسلمون ويقتل ناس من القراء فيذهب
كثير من القرآن قوله كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله قال ابن الجوزي هذا كلام من
يؤثر الاتباع ويخشى الابتداع وإنما لم يجمعه رسول الله لأنه كان بمعرض أن ينسخ منه
أو يزاد فيه فلو جمعه لكتب وكان الذي عنده نقصان ينكر على من عنده الزيادة فلما
أمن هذا الأمر بموته جمعه أبو بكر رضي الله عنه ولم يصنع عثمان في القرآن شيئا
وإنما أخذ الصحف التي وضعها عند حفصة رضي الله عنها وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن
الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وأبي بن كعب في إثني عشر رجلا
من قريش والأنصار فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار لأن حذيفة أخبره بالاختلاف
في ذلك فلما توفيت حفصة أخذ مروان بن الحكم تلك الصحف فغسلها وقال أخشى أن يخالف
بعض القرآن بعضا وفي لفظ أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان وإنما فعل عثمان
هذا ولم يفعله الصديق رضي الله عنه لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه
ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من
تلك القراءات وقد جاء ذلك مصرحا به في قول عثمان لهؤلاء الكتاب فجمع أبو بكر غير
جمع عثمان فإن قيل فما قصد عثمان بإحضار الصحف وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه
قيل الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب ولئلا يرى
إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره فالصحف شاهدة بجميع ما كتبوه قوله هو
والله خير يحتمل أن يكون لفظ خير أفعل التفضيل فإن قلت كيف ترك رسول الله ما هو
خير قلت هذا خير في هذا الزمان وكان تركه خيرا في زمانه لعدم تمام النزول واحتمال
النسخ كما أشرنا إليه عن قريب قوله إنك رجل شاب يخاطب به أبو بكر زيد بن ثابت رضي
الله عنهما وإنما قال شاب لأن عمره كان إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله المدينة
وخطاب أبي بكر إياه بذلك في خلافته فإذا اعتبرت هذا يكون عمره حئنذ ما دون خمس
وعشرين سنة وهي أيام الشباب قوله لا تتهمك دل على عدم اتهامه به قوله كنت تكتب
الوحي لرسول الله وكتابته الوحي تدل على أمانته الغاية وكيف وكان من فضلاء الصحابة
ومن أصحاب الفتوى قوله فتتبع أمر والقرآن منصوب قوله فوالله لو كلفني من كلام زيد
يحلف بالله أن أبا بكر لو كلفه كذا وكذا قوله ما كان أثقل جواب لو قوله فتتبعت
القرآن قيل إن زيدا كان جامعا
(18/281)
للقرآن فما معنى هذا التتبع والطلب
لشيء إنما هو ليحفظه ويعلمه أجيب أنه كان يتتبع وجوهه وقراءاته ويسأل عنهما غيره
ليحيط بالأحرف السبعة التي نزل بها الكتاب العزيز ويعلم القراءات التي هي غير
قراءته قوله أجمعه حال من الأحوال المقدرة المنتظرة قوله من الرقاع بكسر الراء جمع
رقعة يكون من ورق ومن جلد ونحوهما قوله والأكتاف جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل
كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه قوله والعسب بضم العين والسين المهملتين جميع عسيب وهو
جريد النخل العريض منه وكانوا يكشطون خوصها ويتخذونها عصا وكانوا يكتبون في طرفها
العريض وقال ابن فارس عسيب النخل كالقضبان لغيره وذكر في التفسير اللخاف بالخاء
المعجمة وهي حجارة بيض رقاق واحدها لخفة وقال الأصمعي فيها عرض ودقة وقيل الخزف
قوله مع خزيمة الأنصاري وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الخطمي ذو الشهادتين
شهد صفين مع علي رضي الله عنه وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين قوله لم أجدهما مع أحد
غير خزيمة فإن قيل كيف ألحق هاتين الآيتين بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر قيل له
معناه لم أجدهما مكتوبتين عند غيره أو المراد لم أجدهما محفوظتين ووجهه أن المقصود
من التواتر إفادة اليقين والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد أيضا اليقين وكان
ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر في مثله بمحضر الصحابة
أن يقول إلا حقا وصدقا قلت إن خزيمة أذكرهم ما نسوه ولهذا قال زيد وجدتهما مع
خزيمة يعني مكتوبتين ولم يقل عرفني أنهما من القرآن مع تصريح زيد بأنه سمعهما من
النبي أو نقول ثبت أن خزيمة شهادته بشهادتين فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا قوله
لقد جاءكم إلى آخر بيان الآيتين
تابعه عثمان بن عمر والليث عن يونس عن ابن شهاب
أي تابع شعيبا في روايته عن الزهري عثمان بن عمر بن فارس البصري العبدي والليث بن
سعيد البصري كلاهما عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وروى متابعة
عثمان أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمد ابن يحيى عن عثمان بن عمر عن
يونس عن الزهري فذكره وأما متابعة الليث عن يونس فرواها البخاري في فضائل القرآن
وفي التوحيد
وقال الليث حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة الأنصاري
أشار بهذا إلى أن الليث رحمه الله له فيه شيخ آخر عن ابن شهاب وأنه رواه عنه
بإسناده المذكور ولكنه خالف في قوله مع خزيمة الأنصاري فقال أبي خزيمة ورواية
الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة ) من طريق أبي صالح كاتب
الليث عنه به وقال أبو الفرج قوله أبو خزيمة وهم ورد عليه بصحة الطريق إليه
ولاحتمال أن يكونا سمعاها كلاهما قلت أبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن
ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة
عثمان وهو أخو مسعود بن أوس وقال أبو عمر قال ابن شهاب عن عبيدا السباق عن زيد بن
ثابت وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري
وقال موسى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب مع أبي خزيمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أي قال موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال مع أبي خزيمة وهذا
التعليق وصله البخاري في فضائل القرآن وفي ( التلويح ) هذا التعليق رواه البخاري
مسندا في كتاب الأحكام في ( صحيحه )
وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه
أي تابع موسى في روايته عن إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه إبراهيم
ووصل هذه المتابعة في أبي خزيمة أبو بكر بن أبي داود في كتاب ( المصاحف ) من طريقه
(18/282)
وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم وقال مع
خزيمة أو مع أبي خزيمة
أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني يروي عن إبراهيم بن سعد وشك في روايته حيث قال
مع خزيمة أو مع أبي خزيمة وكذا رواه البخاري في الأحكام بالشك والحاصل هنا أن
أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا فقال بعضهم مع أبي خزيمة وقال بعضهم مع خزيمة وشك
بعضهم وعن موسى بن إسماعيل أن آية التوبة مع أبي خزيمة وآية الأحزاب مع خزيمة
ابتدأ بالبسملة تبركا عند شروعه في تفسير سورة يونس عليه السلام
سورة يونس
أي هذا شروع في تفسير بعض ما في سورة يونس وفي رواية أبي ذر البسملة بعد قوله سورة
يونس قال أبو العباس في ( مقامات التنزيل ) هي مكية وفيها آية ذكر الكلبي أنها
مدنية لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ( يونس 64 ) وما بلغنا أن فيها
مدنيا غير هذه الآية وفي ( تفسير ابن النقيب ) عن الكلبي مكية إلا قوله ومنهم من يؤمن
به ومنهم من لا يؤمن به ( يونس 40 ) فإنها نزلت بالمدينة وقال مقاتل كلها مكية غير
آيتين فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك
الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من
الخاسرين ( يونس 94 - 95 ) هاتان الآيتان مدنيتان وفي رواية ابن مردويه عن ابن
عباس فيها روايتان ( الأولى ) وهي المشهورة عنه هي مكية ( الثانية ) مدنية وهي
مائة وتسع آيات وسبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفا وألف وثمانمائة واثنتان
وثلاثون كلمة
1 -
( باب وقال ابن عباس فاختلط فنبت بالماء من كل لون )
في بعض النسخ باب وقال ابن عباس وأشار به إلى قوله إنما مثل الحيوة الدنيا كما
أنزلنا من السماء فاختلط به نبات الأرض ( يونس 24 ) وهذا التعليق وصله ابن جرير من
طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله إنما مثل الحياة الدنيا كما أنزلناه من
السماء فاختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة والشعير وسائر حبوب
الأرض وأسنده أيضا ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة عنه
وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني ( يونس 68 )
هذه الآية التي هي الترجمة لم تذكر في رواية أبي ذر وثبتت لغيره خالية عن الحديث
قوله وقالوا أي أهل مكة اتخذ الله ولدا فقالوا الملائكة بنات الله وقالت اليهود
عزير ابن الله وقالت النصارى المسيخ ابن الله قوله سبحانه تنزيه له عن اتخاذ الولد
وتعجب به من كلمتهم الحمقاء قوله هو الغني عن الصاحبة والولد
وقال زيد بن أسلم أن لهم قدم صدق محمد وقال مجاهد خير
زيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب وقد فسر قدم صدق في قوله تعالى وبشر
الذين آمنوا أن لهم قدم صدق ( يونس 2 ) بأنه محمد ووصل هذا التعليق أبو جعفر بن
جرير من طريق ابن عيينة عنه وعن ابن عباس منزل صدق وقيل القدم العمل الصالح وعن
الربيع بن أنس ثواب صدق وعن السدي قدم يقدمون عليه عند ربهم قوله وقال مجاهد خير
يعني قدم صدق هو خير أسنده أبو محمد البستي من حديث ابن أبي نجيح عنه ثم روى عنه
أيضا صلاتهم وتسبيحهم وصومهم ورجح ابن جرير قول مجاهد لقول العرب لفلان قدم صدق في
كذا إذا قدم فيه خيرا وقدم شر في كذا إذا قدم فيه شرا وذكر عياض أنه وقع في رواية
أبي ذر وقال مجاهد بن جبر وهو خطأ قلت جبر بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة اسم
والد
(18/283)
مجاهد ووجه كونه خطأ أنه لو كان ابن
جبر لخلا الكلام عن ذكر القول المنسوب إلى مجاهد في تفسير القدم ويرد بهذا أيضا ما
ذكره ابن التين أنها وقعت كذلك في نسخة أبي الحسن القابسي
يقال تلك آيات يعني هاذه أعلام القرآن
أشار به إلى قوله تعالى آلر تلك إيات الكتاب الحكيم ( يونس 1 ) وأراد أن تلك هنا
بمعنى هذه على أن معنى تلك آيات الكتاب هذه أعلام القرآن وعلم من هذه أن إسم
الإشارة للغائب قد يستعمل للحاضر لنكتة يعرفها من له يد في العربية وقال الزمخشري
تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب السورة والحكيم ذو الحكمة
لاشتماله عليها ونطقه بها
ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( يونس 22 ) المعنى بكم
أي مثل المذكور وهو قوله تلك آيات يعني هذه أعلام القرآن قوله حتى إذا كنتم في
الفلك وجرين بهم وجه المماثلة بينهما هو أن تلك بمعنى هذه فكذلك قوله بهم بمعنى
بكم حيث صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة كما أن في الأول صرف إسم الإشارة عن
الغائب إلى الحاضر والنكتة في الثاني للمبالغة كأنه يذكر حالهم لغيرهم ولم أر أحدا
من الشراح خرج من حق هذا الموضع بل منهم من لم يذكره أصلا كما أن أبا ذر لم يذكره
في روايته
دعواهم دعاؤهم
أشار به إلى قوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم ( يونس 10 ) وفسر الدعوى بالدعاء
قوله سبحانك اللهم تفسير دعواهم وكذا فسره أبو عبيدة
أحيط بهم دنوا من الهلكة أحاطت به خطيئته
أشار به إلى قوله تعالى وظنوا أنهم أحيط بهم ( البقرة 81 ) وفسره بقوله دنوا من
الهلكة أي قربوا من الهلاك وكذا فسره أبو عبيدة يقال فلان قد أحيط به أي أنه لهالك
قوله دنوا يجوز أن يكون بضم الدال والنون على صيغة المجهول وأصله دنيوا انقلت ضمة
الياء إلى النون فحذفت لالتقاء الساكنين فصار على وزن فعوا قوله أحاطت به خطيئته
أشار به إلى قوله تعالى بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ( الكهف 42 ) يعني
استولت عليه خطيئته كما يحيط العدو وقيل معناه سدت عليه خطيئته مسالك النجاة وقيل
معناه أهلكته كما في قوله تعالى وأحيط بثمره ( يونس 90 ) وقرأ أهل المدينة خطيئاته
بالجمع
فاتبعهم واتبعهم واحد
أشار به إلى قوله تعالى وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده وأشار
بهذا إلى أن اتبعهم بكسر الهمزة وتشديد التاء من الاتباع بتشديد التاء وأن أتبعهم
بفتح الهمزة وسكون التاء من الإتباع بسكون التاء واحد في المعنى والوصل والقطع قال
الزمخشري معناه لحقهم وقيل بالتشديد في الأمر اقتدى به وأتبعه بالهمزة تلاه وقال
الأصمعي الأول أدركه ولحقه والثاني اتبع أثره وأدركه وكذا قاله أبو زيد وبالثاني
قرأ الحسن
عدوا من العدوان
أشار به إلى قوله فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا وفسره بقوله عدوانا وكذا فسره
أبو عبيدة وبغيا وعدوا منصوبان على المصدرية أو على الحال أو على التعليل أي لأجل
البغي والعدوان وقرأ الحسن عدوا بضم العين وتشديد يد الواو
وقال مجاهد يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير قول الإنسان لولده وماله إذا
غضب اللهم لا تبارك فيه والعنه لقضي إليهم أجلهم لأهلك من دعي عليه ولأماته
(18/284)
أشار به إلى قوله تعالى ولو يعجل الله
للناس الشر استعجالهم بالخير ( يونس 11 ) نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث حيث
قال أللهم إن كان هذا هو الحق والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته والاستعجال طلب
العجلة والمعنى لو يعجل الله للناس الشر إذا دعوه على أنفسهم عند الغضب وعلى
أهليهم وأموالهم كما يعجل لهم الخير لهلكوا قوله وقال مجاهد تعليق وصله ابن أبي
حاتم عن حجاج بن حمزة حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكره قوله
يعجل الله في محل الرفع على الابتداء بتقدير محذوف فيه وهو إخباره تعالى بقوله ولو
يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير قوله قول الإنسان خبر المبتدأ المقدر قوله
لقضى إليهم أجلهم جواب لو قال الزمخشري معناه لأميتوا وأهلكوا وهو معنى قوله لأهلك
من دعى عليه وأماته أي لأهلك الله من دعى عليه ويجوز فيه صيغة المعلوم والمجهول
قوله ولأماته عطف على قوله لأهلكه واللام فيهما للابتداء
للذين أحسنوا الحسنى مثلها حسنى وزيادة ورضوان
أشار به إلى قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ( يونس 26
) الآية والذي ذكره قول مجاهد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه وكذا روي
عن ابن عباس قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحارث أخبرنا بشر عن
أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قوله للذين أحسنوا الحسنى قال الزمخشري أي المثوبة
وقال غيره الحسنى قول لا إله إلا الله قوله مثلها حسنى أي مثل تلك الحسنى حسنى
أخرى مثلها تفضلا وكرما كما في قوله تعالى ويزيدهم من فضله ( النساء 173 ) وفسر
الزيادة بقوله مغفرة ورضوان ( فاطر 30 الشورى 26 ) وعن الحسن أن الزيادة التضعيف
وعن علي الزيادة غرفة من لؤلؤ واحدة لها أربعة أبواب أخرجه الطبري
وقال غيره النظر إلى وجهه
هذا لم يثبت إلا لأبي ذر وأبي الوقت خاصة وقال بعضهم المراد بالغير فيما أظن قتادة
وقال صاحب ( التشريح ) يعني غير مجاهد قلت الأصوب هذا المذكور فيما قبله قول مجاهد
فيكون هذا قول غيره والذي اعتمد عليه بعضهم فيما قاله على ما أخرج الطبري من طريق
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال الحسنى هي جنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن
وذالا يدل على ما اعتمده على ما لا يخفى
الكبرياء الملك
أشار بهذا إلى قوله وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين ( يونس78 )
وتفسير الكبرياء بالملك قول مجاهد قال محمد حدثنا حجاج حدثنا شبابة عن ورقاء عن
ابن أبي نجيح عنه وفي رواية عنه الكبرياء في الأرض العظيمة وأول الآية ( قالوا
أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء ) أي قال فرعون وقومه
لموسى عليه السلام أجئتنا لتلفتنا أي لتصرفنا عما وجدنا عليه آبائنا يعنون عبادة
الأصنام وتكون لكما الخطاب لموسى وهارون قوله في الأرض أي في أرض مصر قوله بمؤمنين
أي بمصدقين لكما فيما جئتما به
2 -
( باب جاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه
الغرق قال آمنت أنه لا إلاه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (
يونس90 )
أي هذا باب في قوله تعالى وجاوزنا الآية وليس عند أكثر الرواة لفظ باب وكلهم ساقوا
هذه الآية إلى قوله من المسلمين قوله وجاوزنا أي قطعنا بهم البحر وقرىء وجوزنا
والبحر هو القلزم بضم القاف وهو بين مصر ومكة وحكى ابن السمعاني بفتح القاف وكنيته
أبو خالد وفي ( المشترك ) القلزم بليدة بساحل بحر اليمن من جهة مصر ومن أعمال مصر
ينسب البحر إليها فيقال بحر القلزم وبالقرب منها غرق فرعون واسم فرعون هذا الوليد
بن مصعب بن الريان أبو مرة وقال الثعلبي
(18/285)
أبو العباس من بني عمليق بن لاوذ بن
أرم بن سام بن نوح عليه السلام وذكر عبد الرحمن عن عمه أبي زرعة حدثنا عمرو بن
حماد حدثنا أسباط عن السدي قال خرج موسى عليه السلام في ستمائة ألف وعشرين ألف
مقاتل لا يعدون فيهم ابن عشر سنين لصغره ولا ابن ستين لكبره قوله فاتبعهم يعني
فلحقهم يقال تبعته حتى اتبعته وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وستمائة
ألف وفيهم مائة ألف حصان أدهم ليس فيها أنثي وقال ابن مردويه بإسناده عن ابن عباس
مرفوعا كان مع فرعون سبعون قائدا مع كل قائد سبعون ألفا قوله بغيا وعدوا منصوبان
على الحال قوله حتى إذا أدركه الغرق أي حتى إذا أدرك فرعون الغرق وكان يوم عاشوراء
قوله قال آمنت إلى آخره كرر الإيمان ثلاث مرات حرصا على القبول فلم ينفعه ذلك لأنه
كان في حالة الاضطرار ولو كان قالها مرة واحدة في حالة الاختيار لقبل ذلك منه
ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض وهو النشز المكان المرتفع
أشار به إلى قوله تعالى فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وفسر ننجيك بقوله
نلقيك إلى آخره وأشار بهذا إلى أن ننجيك مشتق من النجوة لا من النجاة التي بمعنى
السلامة وفسر النجوة بقوله هو النشز بفتح النون والشين المعجمة وبالزاي وهو المكان
المرتفع وقال الزمخشري ننجيك بالتشديد والتخفيف معناه نبعدك مما وقع فيه قومك من
قعر البحر وقيل نلقيك بنجوة من الأرض وقرىء ننجيك بالحاء المهملة معناه نلقيك
بناحية مما تلي البحر وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب البحر انتهى وسبب ذلك أن موسى
عليه السلام وأصحابه لما خرجوا من البحر قالوا من بقي في المدائن من قوم فرعون ما
غرق فرعون وإنما هو وأصحابه يصيدون في جزائر البحر فأوحى الله تعالى إلى البحر أن
لفظ فرعون عريانا فألقاه على نجوة من الأرض على ساحل البحر قال مقاتل قال بنو
إسرائيل إن القبط لم يفرقوا فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه فنظروا فرعون
على الماء فمن ذلك اليوم إلى يوم القيامة تطفو الغرقى على الماء فذلك قوله تعالى
ولتكون لمن خلفك آية يعني لمن بعدك إلى يوم القيامة وقال الثعلبي قالت بنو إسرائيل
لما أخبرهم موسى بهلاك القبط ما مات فرعون ولا يموت أبدا فأمر الله تعالى البحر
فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا
يقبل البحر ميتا أبدا فإن قيل فقد ذكر أن نوحا عليه السلام لما أرسل الغراب لينظر
له الأرض رأى جيف الغرقى فلهى بها عن حاجة نوح عليه السلام فالجواب أن الماء كان
قد نصب فلهذا رأى الجيف وهنا إنما هو مع وجود الماء واستقراره قوله ببدنك أي بجسدك
قاله مجاهد وقيل المراد بالبدن الدرع الذي كان عليه وقيل كانت له درع من ذهب يعرف
بها وقرأ أبو حنيفة بأبدانك قال الزمخشري يعني ببدنك كله وافيا بأجزائه أو يراد
بدروعك كأنه كان مظاهر بينها
11 -
( سورة هود )
أي هذا باب في تفسير بعض سورة هود قال أبو العباس في ( المقامات ) فيها آية مدنية
وقال بعضهم آيتان قال السدي
(18/286)
قال ابن عباس سورة هود مكية غير قوله
أقم الصلاة طرفي النهار ( هود114 ) الآية وقال القرطبي عن ابن عباس هي مكية مطلقا
وبه قال الحسن وعكرمة ومجاهد وجابر بن زيد وقتادة وعنه هي مكية إلا آية واحدة وهي
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( هود12 ) رواه عنه علي بن أبي طلحة وقال مقاتل مكية
إلا آيتين أقم الصلاة الآية وأولئك يؤمنون به ( هود17 ) نزلت في ابن سلام وأصحابه
وهي سبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفا وألف وتسعمائة وخمس عشرة كلمة ومائة
وثلاث وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا لأبي ذر
قال ابن عباس عصيب شديد
أشار به إلى قوله تعالى وهذا يوم عصيب ( هود77 ) وفسره بقوله شديد ووصله ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله هذا يوم عصيب شديد القائل
بهذا لوط عليه السلام حين جاءته الملائكة في صورة غلمان جرد بهم منزله وحسب أنهم
أناس فخاف عليهم من قومه ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها فقال
هذا يوم عصيب أي شديد علي وقصته مشهورة
لا جرم بلى
أشار به إلى قوله تعالى لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( هود22 ) وفسره بقوله
بل قال بعضهم وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله لا
جرم إن الله يعلم قال أي بلى أن الله يعلم قلت الذي ذكره البخاري في هذه السورة
أعني سورة هود الذي نقله ليس في سورة هود وإنما هو في سورة النحل وكان المناسب أن
يذكر ما في سورة هود لأنه في صدد تفسير سورة هود وإن كان المعنى في الموضعين سواء
والعم أن الفراء قال لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة فجرت على
ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا فلذلك يجاب عنه بالام كما
يجاب بها عن القسم ألا تراهم يقولون لا جرم لآتينك ويقال جرم فعل عند البصريين
واسم عند الكوفيين فإذا كان اسما يكون بمعنى حقا ومعنى الآية حقا إنهم في الآخرة
هم الأخسرون وعلى قول البصريين لا رد لقول الكفار وجرم معناه عندهم كسب أي كسب
كفرهم الخسارة في الآخرة
وقال غيره وحاق نزل يحيق ينزل
أي قال غير ابن عباس معنى حاق في قوله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( هود8 ) نزل
بهم وأصابهم قاله أبو عبيدة وإنما ذكر يحيق إشارة إلى أنه من فعل يفعل بفتح العين
في الماضي وكسرها في المضارع
يؤس فعول من يئست
أشار به إلى قوله تعالى ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس
كفور ( هود9 ) وأشار به إلى أن وزنه فعول من صيغ المبالغة وأنه مشتق من يئست من
اليأس وهو انقاطع الرجاء وفي قوله من يئست تساهل لأنه مشتق من اليأس كما تقتضيه
القواعد الصرفية
وقال مجاهد تبتئس تحزن
أشار به إلى أن مجاهدا فسر قوله تبتئس تحزن في قوله تعالى فلا نبتئس بما كانوا
يفعلون ( هود36 ) والخطاب لنوح عليه السلام ووصل هذا الطبري من طريق ابن أبي نجيح
عن مجاهد
يثنون صدروهم شك وامتراء في الحق ليستخفوا منه من الله إن استطاعوا
أشار به إلى قوله تعالى إلا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ( هود5 ) الآية وهو
تفسير مجاهد أيضا فأنه قال يثنون صدورهم شكا وامتراءا في الحق قوله يثنون صدورهم
من الثني ويعبر به عن الشك في الحق والإعراض عنه قال الزمخشري
(18/287)
يزورون عن الحق وينحرفون عنه لأن من
أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن أزور عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه
ويقال هذه نزلت في الأخنس بن شريق وكان حلو الكلام المنظر يلقي النبي بما يحب
وينطوي له على ما يكره وقيل نزلت في بعض المنافقين وقيل في بعض المشركين كان النبي
عليه السلام إذا مر عليه يثني صدره ويطأطىء رأسه كيلا يراه فأخبر الله تعالى نبيه
عليه الصلاة و السلام بما ينطوي عليه صدورهم ويثنون يكتمون ما فيها من العداوة
قوله ليستخفوا منه أي من الله وقيل من الرسول وهو من القرآن وقوله إن استطاعوا ليس
من القرآن والتفاسير المذكورة إلى هنا وقعت في رواية أبي ذر وعند غيره وقعت مؤخرة
والله أعلم ويأتي الكلام فيه عن قريب مستقصى
وقال أبو ميسرة الأواه الرحيم بالحبشية
لم يقع هذا هنا في رواية أبي ذر وقد تقدم في ترجمة إبراهيم عليه السلام في أحاديث
الأنبياء عليهم السلام وأبو ميسرة ضد الميمنة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني
التابعي الكوفي روى عنه مثل الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وأشار بقوله الأواه إلى
قوله إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( هود75 )
وقال ابن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا
أي قال عبد الله بن عباس في تفسير قوله تعالى هم أراذلنا بادي الرأي الآية وفسر
قوله بادي الرأي بقوله ما ظهر لنا وهذا التعليق رواه أبو محمد عن العباس بن الوليد
بن مزيد أخبرني محمد بن شعيب أخبرني عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس
وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة
أشار به إلى قوله تعالى واستوت على الجودي ( هود44 ) أي استوت سفينة نوح عليه
الصلاة و السلام على الجودي وهو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ وتطاولت وتواضع
الجودي لله عز و جل فلم يغرق فأرسيت عليه السفينة وقيل إن الجودي جبل بالموصل وقيل
بآمدوهما من الجزيرة وقال أكرم الله عز و جل ثلاثة جبال بثلاثة أنبياء عليهم
الصلاة والسلام حراء بمحمد والجودي بنوح عليه الصلاة و السلام والطور بموسى عليه
الصلاة و السلام
وقال الحسن إنك لأنت الحليم يستهزئون به
أي قال الحسن البصري في قوله تعالى إنك لأنت الحليم الرشيد ( هود87 ) في قصة شعيب
عليه الصلاة و السلام قال إنما قال قومه ذلك استهزاء به وهذا التعليق رواه أبو
محمد عن المنذر بن شاذان عن زكريا بن عدي عن أبي مليح عن الحسن
وقال ابن عباس أقلعي أمسكي
أشار به إلى قوله تعالى وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي ( هود40 ) رواه أبو
محمد عن أبيه عن أبي صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
وفار التنور نبع الماء عصيب شديد لا جرم بلى
أشار به إلى قوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ( هود40 ) وهذا أيضا رواه
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله فار من الفور وهو الغليان والفوارة ما يفور من
القدر وقال ابن دريد التنور اسم فارسي معرب لا تعرف له العرب اسما غيره فلذلك جاء
في التنزيل لأنهم خوطبوا بما عرفوه واختلفوا في موضعه فقال مجاهد كان ذلك في ناحية
الكوفة وقال اتخذ نوح عليه الصلاة السلام السفينة في جوف مسجد الكوفة وكان التنور
على يمين الداخل مما يلي كشدة وبه قال
(18/288)
علي وزر بن حبيش وقال مقاتل كان تنور
آدم عليه الصلاة و السلام وإنما كان بالشام بموضع يقال له عين وردة وعن عكرمة كان
التنور بالهند
وقال عكرمة وجه الأرض
أي قال عكرمة مولى ابن عباس التنور اسم لوجه الأرض وذكروا فيه ستة أقوال أحدها هذا
والثاني اسم لأعلى وجه الأرض والثالث تنوير الصبح من قولهم نور الصبح تنويرا
والرابع طلوع الشمس والخامس هو الموضع الذي اجتمع فيه ماء السفينة فإذا فار منه
الماء كان ذلك علامة لنوح عليه الصلاة و السلام لركوب السفينة والسادس ما ذكره
البخاري
1 -
( باب ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه إلا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون
وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ( هود5 )
وفي بعض النسخ باب إلا إنهم يثنون وقد ذكرنا عن قريب أنه من الثني وما قالوا فيه
4681 - حدثنا ( الحسن بن محمد بن صباح ) حدثنا ( حجاج ) قال قال ( ابن جريج )
أخبرني ( محمد بن عباد بن جعفر ) أنه سمع ابن عباس يقرأ ألا إنهم يثنوني صدورهم
قال سألته عنها فقل أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا
نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذالك فيهم
مطابقته للترجمة ظاهرة والحسن بن محمد بن صباح تشديد الباء الموحدة أبو علي
الزعفراني مات يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة ستين ومائتين وحجاج هو ابن
محمد الأعور ترمذي سكن المصيصة وابن جريح هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
ومحمد بن عباد بتشديد الباء الموحدة ابن جعفر المخزومي
قوله ألا إنهم كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها قوله يثنوني بفتح الياء آخر
الحروف وسكون الثاء المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون الأخيرة هو مضارع
على وزن يفعوعل وماضيه أئتوني علي وزن افعوعل من الثني على طريق المبالغة كما تقول
أحلولي للمبالغة من الحلاوة وقال بعضهم هذا بناء مبالغة كاعشوشب قلت كان ينبغي أن
يقول كيعشوشب فأحد الشيئين والواو زائدتان لأنه من عشب وقرىء بالتاء المثناة في
أوله موضع الياء آخر الحروف وعلى الوجهين لفظ صدورهم مرفوع به والقراءة المشهورة
يثنون بلفظ الجمع المذكر المضارع والضمير فيه راجع إلى المنافقين وصدورهم منصوب به
وقرىء لتئتوني بزيادة اللام في أوله وتثنون أصله تثنوين من الثن بكسر الثاء
المثلثة وتشديد النون وهو ماهش وضعف من الكلام يريد مطاوعة صدورهم للتمني كما يثنى
النبات من هشه وأراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم قرىء تثنثن من اثنان على وزن افعال
منه ولكنه همز كما قيل أبيأضت من ابياضت وقرىء يثنوي على وزن يرعوي قوله كانوا
يستحيون من الحياء ويروى يستخفون من الاستخفاء وقال ابن عباس كانوا يستحيون أن
يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء قوله أن يتخلوا أي
أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة وحكى ابن التين بفتح الحاء المهملة ثم حكى عن
الشيخ أبي الحسن القابسي أنه أحسن أي يرقدون على حلاوة قفاهم قوله فيفضوا من أفضى
الرجل إلى امرأته إذا باشرها وفي رواية أبي أسامة كانوا لا يأتون النساء ولا
الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء فنزل ذلك أي قوله
عز و جل ألا إنهم يثنون الآية
4682 - ح ( دثني إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( ابن جريج ) وأخبرني (
محمد بن عباد بن
(18/289)
جعفر ) أن ابن عباس قرأ ألا إنهم
تثنوني صدورهم قلت يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم قال كان الرجل يجامع امرأته
فيستحي أو يتخلى فيستحي فنزلت ألا إنهم يثنون صدورهم
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إبراهيم بن موسى الفراء أبي إسحاق الرازي
المعروف بالصغير عن هشام بن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها عن عبد الملك بن عبد
العزيز بن جريج
قوله وأخبرني ويروى عن ابن جريج قال وأخبرني فكأن هذه العبارة تدل على أن ابن جريج
روى هذا عن غير محمد بن عباد وفي رواية الطبري عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن
ابن عباس قوله تثنوني على وزن تفعوعل كما ذكرناه عن قريب وصدورهم مرفوع به قلت
قائله محمد بن جعفر وأبو العباس كنية عبد الله بن عباس
203 - ( حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال قرأ ابن عباس ألا إنهم يثنون
صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم وقال غيره عن ابن عباس يستغشون يغطون
رؤسهم )
هذا طريق آخر أخرجه عن عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي عن سفيان بن عيينة عن
عمرو بن دينار قوله يثنون بفتح الياء وسكون الثاء المثلثة وضم النون وهي القراءة
المشهورة ولفظ صدورهم منصوب به قوله ليستخفوا منه قد مر تفسيره عن قريب قوله وقال
غيره أي غير عمرو بن دينار روى عن ابن عباس
( سيء بهم ساء ظنه بقومه وضاق بهم بأضيافه )
أشار به إلى قوله تعالى ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا والذي فسره
البخاري مروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أخرجه الطبري والضمير في بهم يرجع
إلى قوم لوط وفي الذي ضاق بهم يرجع إلى الأضياف وهم الملائكة الذين أتوا لوطا في
صورة غلمان جرد فلما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه وضاق
صدره وعظم المكروه عليه قوله وضاق بهم ذرعا قال الزجاج يقال ضاق زيد بأمره ذرعا
إذا لم يجد من المكروه الذي أصابه مخلصا
( بقطع من الليل بسواد )
أشار به إلى قوله تعالى فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد الآية وفسر
القطع بسواد وهو مروي هكذا عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي
طلحة عنه وقال أبو عبيدة معناه ببعض من الليل وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
بطائفة من الليل
( وقال مجاهد أنيب أرجع )
أشار به إلى قوله تعالى وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وفسر أنيب من
الإنابة بقوله أرجع وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ولم
تقع نسبة هذا إلى مجاهد في رواية أبي ذر وربما يوهم ذلك أنه عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما وليس كذلك وهنا تفسير ألفاظ وقعت في بعض النسخ قبل باب وكان عرضه على
الماء
( سجيل الشديد الكبير سجيل وسجين واللام والنون أختان وقال تميم بن مقبل
ورجلة يضربون البيض ضاحية
ضربا تواصى به الأبطال سجينا
أشار به إلى قوله تعالى وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود وفسره بقوله الشديد
الكبير بالباء وبالثاء المثلثة أيضا وقال أبو عبيدة هو الشديد من الحجارة الصلب
واعترض ابن التين بأنه لو كان معنى السجيل الشديد الكبير لما دخلت
(18/290)
عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا
يقال حجارة من شديد ( قلت ) يمكن أن يكون فيه حذف تقديره وأرسلنا عليهم حجارة
كائنة من شديد كبير يعني من حجر قوي شديد صلب قوله سجيل وسجين أراد به أنهما لغتان
باللام والنون بمعنى واحد قوله واللام والنون أختان إشارة إلى أنهما من حروف
الزوائد وأن كلا منهما يقلب عن الآخر واستشهد على ذلك بقول تميم بن مقبل بن حبيب
بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري العجلاني شاعر مخضرم
أدرك الجاهلية والإسلام وكان أعرابيا جافيا أحد الغور من الشعراء المجيدين والبيت
المذكور من جملة قصيدته التي ذكر فيها ليلى زوج أبيه وكان خلف عليها فلا فرق
الإسلام بينهما قال
طاف الخيال بنا ركبا يمانيا
ودون ليلى عواد لو تعدينا
منهن معروف آيات الكتاب وإن
نعتل تكذب ليلى بما تمنينا
إلى أن قال
وعاقد التاج أوسام له شرف
من سوقة الناس عادته عوادينا
فإن فينا صبوحا إن أريت به
ركبا بهيا وآلاف تمانينا
ورجلة يضربون البيض ضاحية
ضربا تواصى به الأبطال سجينا
وهي من البسيط والاستشهاد في قوله سجينا لأنه بمعنى شديدا كثيرا قوله ورجلة قال
الكرماني الرجلة بمعنى الرجالة ضد الفرسان ( قلت ) هو بفتح الراء وسكون الجيم وليس
بمعنى الرجالة بل بمعنى الرجل بدون التاء وفي الأصل الرجل جمع راجل خلاف الفارس
مثل صحب جمع صاحب والظاهر أنه بضم الراء والتقدير وذوي رجلة أي رجولية ويقال راجل
جيد الرجلة بالضم يعني كامل في الرجولية وقال الكرماني وهو بالجر وقيل بالنصب
معطوفا على ما قبله وهو قوله فإن فينا صبوحا ( قلت ) ولم يبين وجه الجر والظاهر أن
الواو فيه واو رب أي رب ذوي رجلة وحكى ابن التين بالحاء المهملة ولم يبين وجهه فإن
صح ذلك فوجهه أن يقال تقديره وذوي رحلة بالضم أي قوة وشدة يقال ناقة ذات رحلة أي
ذات شدة وقوة على السير وحكى هذا عن أبي عمرو قوله البيض بكسر الباء جمع أبيض وهو
السيف ويجوز بفتح الباء جمع بيضة الحديد قوله ضاحية أي في وقت الضحوة أو ظاهرة
قوله تواصى أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين ويروى تواصت بالتاء في آخره قوله
الأبطال جمع بطل وهو الشجاع قوله سجينا بكسر السين المهملة وتشديد الجيم وقال
الحسن بن المظفر النيسابوري كأنه هو فعيل من السجن يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه
وقال المؤرخ سجيل وسجين أي دائم ورواه ابن الأعرابي سخينا بالخاء المعجمة أي سخينا
حارا يعني الضرب وقال ابن قتيبة السجيل بالفارسية سنك كل أي حجارة وطين ( قلت )
سنك بفتح السين المهملة وسكون النون وبالكاف الصماء وهو الحجر بالفارسية وكل بكسر
الكاف الصماء وسكون اللام الطين فلما عرب كسرت السين لأن العرب إذا استعملت لفظا
أعجميا يتصرفون فيه بتغيير الحركات وقلب بعض الحروف ببعض وذكروا أقوالا في لفظ
سجيل المذكور في الآية الكريمة وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ففي التلويح واختلف في
لفظ سجيل فقيل هو دخيل وقيل هو عربي وقيل هو الحجارة كالمدر وقيل حجارة من سجيل
طبخت بنار جهنم مكتوب عليها أسماء القوم وقال الحسن أصله طين شوى وقال الضحاك يعني
الآجر وقال ابن زيد طبخ حتى صار كالآجر وقيل اسم للسماء الدنيا وقال عكرمة سجيل
بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض منه نزلت الحجارة وقيل هي جبال في السماء
وهي التي أشار الله عز و جل إليها بقوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد وقال
الثعلبي قيل هو فعيل من قول العرب أسجلته إذا أرسلته فكأنها مرسلة عليهم وقيل هو
من سجلت له سجلا إذا أعطيته كأنهم أعطوا ذلك البلاء والعذاب وقال القزاز سجيل عال
( استعمركم جعلكم عمارا أعمرته الدار فهي عمرى جعلتها له )
أشار إلى قوله تعالى هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه الآية وفسره
بقوله جعلكم عمارا وهكذا
(18/291)
روى عن مجاهد قوله أعمرته الدار إلى
آخره مر في كتاب الهبة قوله جعلتها له أي هبة وهذا لم يثبت إلا في رواية أبي ذر
( نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد )
أشار به إلى قوله تعالى فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة الآية
أي فلما رأى أيدي الملائكة لا تصل إلى عجل حنيذ الذي قدمه إليهم حين جاء خاف
فقالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وأشار بأن معنى نكرهم الثلاثي المجرد
وأنكرهم الثلاثي المزيد فيه واستنكرهم من باب الاستفعال كلها بمعنى واحد من
الإنكار وقال الجوهري نكرت الرجل بالكسر نكرا ونكورا وأنكرته كله بمعنى
( حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد )
أشار به إلى قوله عز و جل رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد أي أن
الله هو الذي يستحق الحمد والمجد والمجد الشرف يقال رجل ماجد إذا كان سخيا واسع
العطاء قوله كأنه فعيل ليس هذا محل الشك حتى قال كأنه فعيل أي كان وزنه فعيل بل هو
على وزن فعيل من صيغة ماجد وحميد بمعنى محمود قوله من حمد أي أخذ حميد من حمد على
صيغة المجهول وقال الطيبي المجيد مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم من قولهم
مجدت الماشية إذا صادفت روضة انفا وأمجدها الراعي وقيل المجيد بمعنى العظيم الرفيع
القدر
( إجرامي هو مصدر من أجرمت وبعضهم يقول جرمت )
أشار به إلى قوله عز و جل قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا برىء مما تجرمون قال
الزمخشري وإجرامي بلفظ المصدر والجمع كقوله والله يعلم إسرارهم وينصر الجمع أن
فسروه بآثامي والمعنى إن صح وثبت أني افتريته فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي ويقال
الإجرام اكتساب السيئة يقال أجرم فهو مجرم قوله وبعضهم يقول جرمت يعني من صيغة
الثلاثي المجرد وهو قول أبي عبيدة وجرمت بمعنى كسبت
( الفلك والفلك واحد وهي السفينة والسفن )
أشار به إلى قوله تعالى واصنع الفلك بأعيننا وأشار بأن الفلك يطلق على الواحد وعلى
الجمع بلفظ واحد فلذلك قال وهي السفينة والسفن أي الفلك إذا أطلق على الواحد يكون
المعنى السفينة وإذا أطلق على الجمع يكون المعنى السفن التي هي جمع سفينة والفاء
فيهما مضمومة فضمة المفرد مثل ضمة قفل وضمة الجمع مثل ضمة أسد جمع أسد
( مجراها مدفعها وهو مصدر أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مرساها من رست هي ومجراها من جرت
هي ومجريها ومرسيها من فعل بها )
أشار به إلى قوله تعالى وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وفسر مجراها بضم
الميم الذي هو قراءة الجمهور بقوله مدفعها وأراد به مسيرها وعن ابن عباس مجراها
حيث تجري ومرساها حيث ترسي قوله وهو مصدر أجريت أراد به المصدر الميمي والمصدر على
بابه من أجريت إجراء قوله وأرسيت حبست أي معنى أرسيت حبست قوله ويقرأ مرساها يعني
بفتح الميم وهي قراءة الكوفيين حمزة والكسائي وحفص عن عاصم قوله من رست أي أن
مرساها بفتح الميم مأخوذ من رست أي السفينة إذا ركدت واستقرت وكذلك مجراها بفتح
الميم من جرت هي أي من جرت تجري جريا قوله ومجريها ومرسيها يعني تقرأ بضم الميم
فيهما وهي قراءة يحيى بن وثاب والمعنى الله مجريها ومرسيها ( فالأول ) من الإجراء
( والثاني ) من الإرساء قوله من فعل بها بصيغة المعلوم والمجهول يرجع إلى
القراءتين ففي قراءة بفتح الميم بصيغة المعلوم وفي قراءة بلفظ الفاعل بصيغة
المجهول
(18/292)
( الراسيات ثابتات )
ذكر هذا استطرادا لذكر مرساها لأنه ليس في سورة هود وقال أبو عبيدة في قوله تعالى
وقدور راسيات أي ثابتات عظام
( عنيد وعنود وعاند واحد هو تأكيد التجبر )
أشار به إلى قوله تعالى واتبعوا كل جبار عنيد وأشار بأن هذه الألفاظ الثلاثة
معناها واحد وهو تأكيد التجبر وقال ابن قتيبة معنى عنيد المعارض المخالف
( ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين واحد
الأشهاد شاهد مثل صاحب وأصحاب )
أشار به إلى قوله تعالى ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا الآية وأشار إلى أن
الأشهاد جمع واحده شاهد مثل أصحاب واحده صاحب وقال زيد بن أسلم الأشهاد أربعة
الأنبياء والملائكة عليهم السلام والمؤمنون والأجناد وقال الضحاك الأنبياء والرسل
عليهم السلام وعن مجاهد الملائكة وعن قتادة الخلائق رواه ابن أبي حاتم -
2 -
( باب قوله وكان عرشه على الماء ( هود 7 )
أي هذا باب في قوله تعالى وكان عرشه على الماء أي كان عرشه على الماء قبل أن يخلق
السموات والأرض وقيل لابن عباس على أي شيء كان الماء قال على متن الريح وفي وقوف
العرش على الماء والماء على غير تراب أعظم الاعتبار لأهل الأفكار وقال كعب خلق
الله ياقوتة حمراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء
على متنها ثم وضع العرش على الماء
204 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله قال قال الله عز و جل أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملآى
لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض
فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد
بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث أخرجه
في التوحيد أيضا وأخرجه النسائي في التفسير ببعضه قوله أنفق عليك مجزوم لأنه جواب
الأمر وفيه مشاكلة لأن إنفاق الله تعالى لا ينقص من خزائنه شيئا قوله يد الله ملأى
كناية عن خزائنه التي لا تنفد بالعطاء قوله لا يغيضها بالغين والضاد المعجمتين أي
لا ينقصها وهو لازم ومتعد يقال غاض الماء يغيض وغضته أنا أغيضه وغاض الماء إذا غار
قوله سحاء أي دائمة الصب والهطل بالعطاء يقال سح يسح فهو ساح والمؤنث سحاء وهي
فعلاء لا أفعل لها كهطلاء وروى سحا بالتنوين على المصدر فكأنها لشدة امتلائها تفيض
أبدا قوله الليل والنهار منصوبان على الظرفية قوله أرأيتم أي أخبروني قوله ما أنفق
أي الذي أنفق من يوم خلق السماء والأرض قوله فإنه أي فإن الذي أنفق قوله لم يغض أي
لم ينقص ما في يده وحكم هذا حكم المتشابهات تأويلا قوله الميزان أي العدل قال
الخطابي الميزان هنا مثل وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق قوله يخفض ويرفع أي يوسع
الرزق على من يشاء ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى وأئمة
السنة على وجوب الإيمان بهذا وأشباهه من غير تفسير بل يجري على ظاهره ولا يقال كيف
(18/293)
( اعتراك افتعلك من عروته أي أصبته
ومنه يعروه واعتراني )
أشار به إلى قوله تعالى أن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ولم يثبت هذا هنا إلا
في رواية الكشميهني وحده قوله اعتراك افتعلك أراد به أنه من باب الافتعال ولكن
قوله اعتراك افتعلك بكاف الخطاب ليس باصطلاح أحد من أهل العلوم الآلية وقال بعضهم
وإنما يقال اعتراك افتعلت بتاء مثناة من فوق وهو كذلك عند أبي عبيدة قلت كذا وقع
في بعض النسخ والصواب أن يقال اعترى افتعل فلا يحتاج إلى ذكر كاف الخطاب في الوزن
قوله من عروته إشارة إلى أن أصله من عرا يعرو عروا وفي الصحاح عروت الرجل أعروه
عروا إذا ألممت به وأتيته طالبا فهو معرو وفلان تعروه الأضياف وتعتريه أي تغشاه
قوله ومنه يعروه واعتراني أي ومن هذا الأصل قولهم فلان يعروه أي يصيبه وقال
الجوهري أعراني هذا الأمر واعتراني تغشاني وفيه معنى الإصابة
( آخذ بناصيتها أي في ملكه وسلطانه )
أشار به إلى قوله تعالى ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم
وتفسيره بقوله أي في ملكه وسلطانه تفسير بالمعنى الغائي لأن من أخذ بناصيته يكون
تحت قهر الآخذ وحكمه وهذا التفسير بمفسره لم يثبت إلا في رواية الكشميهني وحده
( وإلى مدين أخاهم شعيبا )
أي أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم أي من أنفسهم قوله شعيبا بدل من أخاهم الذي هو منصوب
بأرسلنا المقدر وشعيب منصرف لأنه علم عربي وليس فيه علة أخرى وفي صحيح ابن حبان
أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر وكان لسانه العربية أرسله الله
إلى مدين بعد إبراهيم عليه الصلاة و السلام وفي اسم أبيه أقوال والمشهور شعيب بن
بويب بن مدين بن إبراهيم ومدين لا ينصرف للعلمية والعجمة ثم صار اسما للقبيلة ثم
أن مدين لما بنى بلدة قريبة من أرض معان من أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز
سماها باسمه مدين قوله إلى مدين أي إلى أهل مدين لأن مدين اسم بلد فلا يمكن
الإرسال إليه ولا يكون الإرسال إلا إلى أهله فلذلك قدر المضاف مثل واسأل القرية أي
اسأل أهل القرية لأن السؤال عن القرية لا يتصور وكذلك قوله واسأل العير تقديره
واسأل أصحاب العير بكسر العين الإبل بأحمالها من عار يعير إذا سار وقيل هي قافلة
الحمير فكثرت حتى سمى بها كل قافلة
( وراءكم ظهريا يقول لم تلتفتوا إليه ويقال إذا لم يقض الرجل حاجته ظهرت بحاجتي
وجعلتني ظهريا والظهري ههنا أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به )
أشار به إلى قوله تعالى واتخذتموه وراءكم ظهريا وهذا أيضا لم يثبت إلا للكشميهني
وحده وفسره بقوله لم تلتفتوا إليه وهو تفسير بالمعنى الغائي لأن معنى قوله
واتخذتموه وراءكم ظهريا جعلتموه وراء ظهوركم وجعل الشيء وراء الظهر كناية عن عدم
الالتفات إليه والظهري منسوب إلى الظهر وكسرة الظاء من تغييرات النسب قوله ويقال
إذا لم يقض الرجل حاجته أي حاجة فلان مثلا يقال له ظهرت بها كأنه استخف بها وجعلها
بظهره أي كأنه أزالها ولم يلتفت إليها وجعلها ظهريا أي خلف ظهره قوله والظهري ههنا
إلى آخره أن أراد بقوله ههنا تفسير الظهري الذي في القرآن فلا يصح ذلك لأن تفسير
الظهري هو الذي ذكره أولا وقال الزمخشري معنى قوله تعالى واتخذتموه وراءكم ظهريا
نسيتموه وجعلتموه كالشيء منبوذا وراء الظهر لا يعبأ به وعن ابن عباس رصي الله
تعالى عنهما يريد ألقيتموه خلف ظهوركم وامتنعتم من قتلي مخافة قومي والله أكبر
وأعز من جميع خلقه وقوله والظهري ههنا إلى آخره غير المعنى الذي ذكره المفسرون في
الآية الكريمة نعم جاء الظهري أيضا بهذا المعنى وقد قال الجوهري الظهري بالكسر
العدة للحاجة إن احتيج إليه وهذا يؤكد المعنى الذي قاله
(18/294)
ومنه يقال بعير ظهير بين الظهارة إذا
كان قويا وناقة ظهيرة قاله الأصمعي قوله يستظهر به أي يستعين به أي بالظهري ويقال
فلان ظهرني على فلان وأنا ظهرتك على هذا الأمر أي عونك
( أراذلنا سقاطنا )
أشار به إلى قوله تعالى وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وفسر
أراذلنا بقوله سقاطنا بضم السين المهملة وتشديد القاف جمع سقط بفتحتين وهو الردي
الدني الخسيس وسقاطنا أي أخساؤنا والأراذل جمع أرذل وهو الردي من كل شيء وقيل جمع
أرذل بضم الذال وهو جمع رذل مثل كلب وأكلب وأكالب والآية في قصة نوح عليه الصلاة و
السلام -
4 -
( باب قوله ويقول الأشهاد هاؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين
( هود 18 )
4685 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد وهشام ) قالا حدثنا (
قتادة ) عن ( صفوان بن محرز ) قال بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال يا أبا عبد
الرحمان أو قال يا ابن عمر هل سمعت النبي في النجوى فقال سمعت النبي يقول يدني
المؤمن من ربه وقال هشام يدنوا المؤمن حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه تعرف ذنب
كذا يقول أعرف يقول رب أعرف مرتين فيقول سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم
تطوي صحيفة حسناته وأما الآخرون أو الكفار فينادي على رؤوس الأشهاد هاؤلاء الذين
كذبوا على ربهم وقال شيبان عن قتادة حدثنا صفوان
مطابقته للترجمة ظاهرة ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع وسعيد هو ابن عروبة
وهشام ابن عبد الله الدستوائي وصفوان بن محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر
الراء وبالزاي المازني
والحديث مضى في كتاب المظالم في باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين
ومضى الكلام فهي هناك
قوله في النجوى أي المناجاة التي بين الله تعالى وبين المؤمنين وإنما أطلق النجوى
لمخاطبة الكفار على رؤوس الأشهاد قوله يدني المؤمن على صيغة المجهول من الدنو وهو
القرب قوله كنفه بفتح النون وهو الجانب والناحية وهذا تمثيل لجعله تحت ظل رحمته
يوم القيامة وقال ابن الأثير حتى يضع عليه كنفه أي يستره وقيل يرحمه ويلطف به
والكنف والدنو كلاهما مجازان لاستحالة حقيقتهما على الله تعالى والحديث من
المتشابهات قوله ثم تطوى ويروى ثم يعطى قوله وأما الآخرون بالمد وفتح الخاء وكسرها
ويروى بالقصر والكسر فهم المدبرون المتأخرون عن الخير قوله أو الكفار شك من الراوي
قوله وقال شيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي وقد أخرج البخاري هذا الحديث أيضا في
كتاب التوحيد عن مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن صفوان إلى آخره ثم قال وقال آدم
حدثنا شيبان حدثنا قتادة حدثنا صفوان عن ابن عمر سمعت النبي ووصله ابن مردويه من
طريق شيبان
5 -
( باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ( هود 102 )
أي هذا باب في قوله تعالى وكذلك الآية وليس في بعض النسخ لفظ باب قوله وكذلك أي
ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب قوله إذا أخذ القرى أي أهلها وقرى إذا أخذ قوله
وهي ظالمة حال من القرى قوله إن أخذه أي أخذ الله أليم أي وجيع شديد وهذا تحذير من
وخامة الذنب لكل أهل قرية
(18/295)
الرفد المرفود العون المعين رفدته
أعنته
أشار به إلى قوله تعالى وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ( هود
99 ) وفسر الرفد المرفود بقوله العون المعين أي بئس العون المعان كذا فسره
الزمخشري وكذا وقع في بعض النسخ والمشهور بلفظ المعين على لفظ إسم الفاعل ووجهه أن
يقال الفاعل بمعنى المفعول أو يقال معناه بذي عون قوله رفدته أعنته أشار به إلى أن
معنى الرفد العون يقال رفدت فلانا أي أعنته وقال مجاهد رفدوا يوم القيامة بلعنة
أخرى
تركنوا تميلوا
أشار به إلى قوله عز و جل ولا تركنوا إلى الذين ظلموا معناه ولا تميلوا وعن ابن
عباس لا تركنوا إلى الذين ظلموا في المحبة ولين الكلام والعودة وعن مجاهد لا
تدهنوا الظلمة وعن ابن العالية لا ترضوا بأعمالهم وكذا رواه عبد بن حميد من طريق
الربيع بن أنس
فلولا كان فهلا كان
أشار به إلى قوله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم ( هود 116 ) ثم قال معناه
فهلا كان وهكذا فسره الزمخشري ثم قال وحكوا عن الخليل كل لولا في القرآن فمعناها
هلا إلا التي في الصافات وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات لولا أن تداركه نعمة
من ربه لنبذ بالعراء ( القلم 49 ) ولولا رجال مؤمنون ( الفتح 251 ) ولولا أن
ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ( الإسراء 74 ) وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في
قوله فلولا قال في حرف ابن مسعود فهلا وكلمة هلا للتحضيض
أترفوا هلكوا
أشار به إلى قوله واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ( هود 116 ) وفسر
أترفوا بقوله أهلكوا على صيغة المجهول ومعنى الإتراف التنعيم فلعله أراد به أنهم
أهلكوا بسبب هذا الإتراف الذي أطغاهم
وقال ابن عباس زفير وشهيق صوت شديد وصوت ضعيف
أشار به إلى قوله تعالى لهم فيها زفير وشهيق ( هود 106 ) أي اللذين شقوا في النار
زفير وشهيق وقال ابن عباس الزفير صوت شديد والشهيق صوت ضعيف وفي التفسير الزفير
والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين وحكي عن أهل اللغة أن الزفير بمنزلة ابتداء
صوت الحمار بالنهيق والشهيق بمنزلة آخر صوته وقال بعضهم الزفير زفير الحمار
والشهيق شهيق البغال وقيل الزفير ضد الشهيق لأن الشهيق رد النفس والزفير إخراج
النفس وأصل الزفير الحمل على الظهر والشهيق من قولهم جبل شاهق وقال أبو العالية
الزفير في الحلق والشهيق في الصدر
4686 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( أبو معاوية ) حدثنا ( بريد بن أبي بردة )
عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الله ليملي
للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة
إن أخذه أليم شديد ( هود 102 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير
وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة
واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة
وحذف البخاري عبد الله تخفيفا ونسبه إلى جده لروايته عنه وفي رواية أبي ذر أبا
بريد بن أبي بردة عن أبيه والصواب ما ذكره هنا
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن محمد بن عبد الله بن نمير وأخرجه في التفسير عن
أبي كريب وأخرجه النسائي فيه عن أبي بكر بن علي وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن ابن
نمير
قوله ليملي أي ليمهل من الإملاء وهو
(18/296)
الامهال وفي رواية الترمذي ليمهل
واللام فيه للتأكيد ولم يفلته بضم الياء أي لم يخلصه أبدا بوجه لكثرة مظالمه حتى
الشرك أو لم يخلصه مدة طويلة إن كان مؤمنا وقال صاحب ( التوضيح ) لم يفلته من أفلت
رباعي أي لم يؤخره قلت لا يسمى هذا رباعيا في الاصطلاح وإنما هو ثلاثي مزيد فيه
6 -
( باب قوله وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذالك
ذكري للذاكرين ( هود 114 )
أي هذا باب في قوله تعالى وأقم الصلاة الآية خطاب للرسول عليه السلام والمراد من
طرفي النهار الفجر والمغرب وقيل الظهر والعصر وقيل الفجر والظهر وانتصابهما على
الظرفية والمعنى أتم ركوعها وسجودها وخصص الصلاة بالذكر لأنها تالية الإيمان
وإليها يفزع من النوائب وسبب نزول الآية ما في حديث الباب على ما يأتي عن قريب
قوله وزلفا من الليل عطف على الصلاة أي أقم زلفا من الليل أي ساعات من الليل وهي
الساعات القريبة من آخر النهار من أزلفه إذا قربه وأزلف إليه وصلاة الزلف المغرب
والعشاء قاله مالك وقرىء زلفا بضمتين وزلفا بسكون اللام وزلفى بوزن قربى قوله إن
الحسنات الصلوات الخمس وقيل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
وقال عطاء هن الباقيات الصالحات والمراد بالسيئات الصغائر من الذنوب قوله ذلك أي
إن المذكور من الصلوات وقيل القرآن وقيل جميع المذكور من الاستقامة والنهي عن
الطغيان وترك الميل إلى الظالمين والقيام بالصلوات ومعنى الذكرى التوبة وقيل العظة
وخصصها بالذاكرين لأنهم هم المنتفعون
وزلفا ساعات بعد ساعات ومنه سميت المزدلفة الزلف منزلة بعد منزلة وأما زلفى فمصدر
من القربى ازدلفوا اجتمعوا أزلفنا جمعنا
فسر قوله وزلفا من الليل بقوله ساعات بعد ساعات وهو جمع زلفة كظلم جمع ظلمة قوله
ومنه سميت المزدلفة أي من معنى الزلف سميت المزدلفة لمجيء الناس إليها في ساعات من
الليل وقيل لازدلافهم إليها أي لاقترابهم إلى الله وحصول المنزلة لهم عنده فيها
وقيل لاجتماع الناس بها وقيل لأنها منازل قوله الزلف منزلة بعد منزلة أشار به إلى
أن الزلف يأتي بمعنى المنازل قال أبو عبيدة زلف الليل ساعات واحدتها زلفة أي ساعة
ومنزلة وقربة قوله وأما زلفى فمصدر بمعنى الزلفة مثل القربى فإنه مصدر بمعنى
القربة قال الله تعالى وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( ص 25 و40 ) وقال الجوهري
الزلفة والزلفى القربة والمنزلة قوله ازدلفوا اجتمعوا شاربه إلى أن الازدلاف يأتي
بمعنى الاجتماع ويأتي أيضا بمعنى التقدم يقال قوم ازدلفوا إلى الحرب أي تقدموا
إليها قوله ازلفنا جمعنا يعني معنى أزلفنا جمعنا قال الله تعالى وأزلفنا ثم
الآخرين ( الشعراء 64 ) أي جمعنا
4687 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يزيد ) هو ( ابن زريع ) حدثنا ( سليمان التيمي ) عن
( أبي عثمان ) عن ( ابن مسعود ) رضي الله عنه أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى
رسول الله فذكر ذالك له فأنزلت عليه وأقم الصلاة طرقي النهار وزلفا من الليل إن
الحسنات يذهبن السيئات ذالك ذكرى للذاكرين قال الرجل ألي هاذه قال لمن عمل بها من
أمتي ( انظر الحديث 526 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون وبالدال المهملة
والحديث مضى في الصلاة في المواقيت في باب الصلاة كفارة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة
عن يزيد بن زريع إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله أن رجلا اسه كعب بن عمرو ويكنى بأبي اليسر بفتح الياء آخر الحروف والسين
المهملة والحديث أخرجه ابن أبي خيثمة لكن قال إن رجلا من الأنصار يقال له معتب
وقيل اسمه بنهان التمار وقيل عمرو بن غزية وقيل عامر بن قيس
(18/297)
وقيل عباد بن عمرو بن داود بن غنم بن
كعب الأنصاري السلمي وأمه نسيبة بنت الأزهر بن مري بن كعب بن غنم شهد بدرا بعد
العقبة فهو عقبى بدري شهد بدرا وهو ابن عشرين سنة وهو الذي أسر العباس بن عبد
المطلب يوم بدر وكان رجلا قصيرا دحداحة ذا بطن والعباس رجل طويل ضخم فقال له رسول
الله لقد أعانك عليه ملك كريم وهو الذي انتزع راية المشركين وكانت بيد أبي عزيز بن
عمير يوم بدر وشهد صفين مع علي تعالى رضي الله عنه يعد في أهل المدينة وكانت وفاته
سنة خمس وخمسين وحديث نبهان التمار أخرجه الثعلبي وغيره من طريق مقاتل عن الضحاك
عن ابن عباس أن نبهان التمار أتته امرأة حسناء جميلة تبتاع منه تمرا فضرب على
عجيزتها ثم ندم فأتى النبي فقال إياك أن تكون امرأة غاز في سبيل الله فذهب يبكي
ويصوم ويقوم فأنزل الله والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا والله ( آل
عمران 135 ) فأخبره فحمد الله وقال يا رسول الله هذه توبتي قبلت فكيف لي بأن يتقبل
شكري فنزلت أقم الصلاة طرفي النهار ( هود 114 ) الآية قيل إن ثبت هذا حمل على
واقعة أخرى لما بين السياقين من المغايرة قلت قال الذهبي في ( تجريد الصحابة )
نبهان التمار أبو مقبل له ذكر في رواية مقاتل عن الضحاك ولسنا بيقين وحديث عمرو بن
غزية أخرجه ابن منده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله أقم الصلاة
طرفي النهار قال نزلت في عمرو بن غزية وكان يبيع التمر فأتته امرأة تبتاع تمرا
فأعجبته الحديث قال أبو عمر عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن
عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني شهد العقبة ثم شهد بدرا وهو والد
الحجاج بن عمرو واختلف في صحبة الحجاج قوله ألي هذه يعني أهذه الآية مختصة بي بأن
صلاتي مذهبة لمعصيتي أو عامة لكل الأمة والهمزة في ألي مفتوحة لأنها للاستفهام
وقوله هذه مبتدأ أو خبره مقدما قوله ألي وفي رواية أحمد والطبراني من حديث ابن
عباس فقال يا رسول الله ألي خاصة أم للناس عامة فضرب عمر رضي الله عنه صدره وقال
لا ولا نعمة عين بل للناس عامة فقال صدق عمر وهذا يوضح أن السائل في الحديث هو
صاحب القصة فإن قلت في حديث أبي اليسر فقال إنسان يا رسول الله أله وحده أم للناس
كافة وفي رواية الدارقطني مثله من حديث معاذ نفسه قلت يحمل ذلك على تعدد السائلين
12 -
( سورة يوسف عليه السلام )
أي هذا في بيان بعض تفسير سورة يوسف عليه السلام قال أبو العباس في ( مقامات
التنزيل ) سورة يوسف مكية كلها وما بلغنا فيها اختلاف وفي ( تفسير ابن النقيب ) عن
ابن عباس وقتادة نزلت بمكة إلا أربع آيات فإنهن نزلن بالمدينة ثلاث آيات من أولها
والرابعة لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ( يوسف 7 ) وسبب نزولها سؤال
اليهود عن أمر يعقوب ويوسف عليه السلام وهي مائة وإحدى عشر آية وألف وسبعمائة وست
وسبعون كلمة وسبعة آلاف ومائة وست وستون حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر
باب
أي هذا باب في كذا وكذا ولم يثبت لفظ باب في معظم النسخ
وقال فضيل عن حصين عن مجاهد متكأ الأترج قال فضيل الأترج بالحبشية متكا وقال ابن
عيينة عن رجل عن مجاهد متكا كل شيء قطع بالسكين
فضيل مصغر فضل وهو ابن عياض بن موسى أبو علي ولد بسمرقند نشأ بأبيورد وكتب الحديث
بكوفة وتحول إلى مكة وأقام بها إلى أن مات في سنة سبع وثمانين ومائة وقبره بمكة
يزار وحصين بضم الحاء المهملة ابن عبد الرحمن السلمي قوله
(18/298)
متكأ بضم الميم وتشديد التاء وفتح
الكاف وبالهمزة المنونة وفسره مجاهد بأنه الأترج بضم الهمزة وسكون التاء وضم الراء
وتشديد الجيم وروى هذا التعليق ابن المنذر عن يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد
حدثنا يحي بن سعيد عن فضيل بن عياض عن حصين به وقال الزمخشري متكأ ما يتكأ عليه من
نمارق وقيل متكأ مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث كعادة
المترفين ولهذا نهى أن يأكل الرجل متكئا وعن مجاهد متكأ طعاما يحز حزا كأن المعنى
يعتمد بالسكين لأن القاطع يتكىء على المقطوع بالسكين ويقال في الأترج الاترنج
بالنون الساكنة بعد الراء ويدغم النون في الجيم أيضا وكانت زليخا أهدت ليوسف أترجة
على ناقة وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في ( سننه ) أنها شقت بنصفين وحملا
كالعدلين على جمل قوله قال فضيل الأترج بالحبشية متكأ أي بلسان الحبشة أو باللغة
الحبشية قوله متكا بضم الميم وسكون التاء وبتنوين الكاف وهذا التعليق رواه أبو
محمد عن أبيه عن إسماعيل بن عثمان حدثنا يحيى بن يمان عنه وقرأ متكا بضم الميم
وتشديد التاء وتنوين الكاف بغير همزة وعن الحسن متكأ بالمد كأنه مفتعال وذلك
لإشباع فتحة الكاف لقوله بمنتزاح بمعنى منتزح قوله وقال ابن عيينة وهو سفيان بن
عيينة عن رجل هو مجهول عن مجاهد متكأ بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف وهو كل
شيء قطع بالسكين وقيل من متك الشيء بمعنى بتكه إذا قطعه وقرأ الأعرج متكأ على وزن
مفعل من تكأ يتكأ إذا اتكا
وقال قتادة لذو علم عامل بما علم
أشار به إلى قوله تعالى وإنه لذو علم لما علمناه ( يوسف 68 ) الآية وفسر قتادة
قوله لذو علم بقوله عامل بما علم ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو معمر عن
إسماعيل بن إبراهيم القطيعي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي عروبة عن قتادة والضمير
في أنه يرجع إلى يعقوب عليه السلام وهذا لا يتضح إلا إذا وقف الشخص على القضية من
قوله تعالى وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد ( يوسف 67 ) إلى قوله ولكن أكثر
الناس لا يعلمون ( يوسف 72 )
وقال ابن جبير صواع مكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم
أي قال سعيد بن جبير في قوله تعالى قالوا انفقد صواع الملك الآية وهذا التعليق
رواه أبو محمد عن أبيه حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير
ورواه ابن منده في ( غرائب شعبة ) وابن مردويه من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن
أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله صواع الملك قال كان كهيئة المكوك من
فضة يشربون فيه وقد كان للعباس مثله في الجاهلية وقال زيد بن زيد كان كأسا من ذهب
وقال ابن إسحاق كان من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف عليه السلام مكيالا لا يكال
بغيرها وكان يشرب فيها وعن ابن عباس كان قدحا من زبرجد والمكوك بفتح الميم وتشديد
الكاف المضمومة وسكون الواو وفي آخره كاف أخرى وهو مكيال معروف لأهل العراق فيه
ثلاث كيلجات وقال ابن الأثير المكوك إسم للمكيال ويختلف في مقداره باختلاف اصطلاح
الناس عليه في البلاد وفي حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله كان يتوضأ بالمكوك
المد وقيل الصاع ويجمع على مكاكي على إبدال الياء من الكاف الأخيرة وقرأ الجمهور
صواع وعن أبي هريرة أنه قرأ أصاع الملك وعن أبي رجاء صوع بسكون الواو وعن يحيى بن
يعمر مثله لكن بغين معجمة حكاها الطبري
وقال ابن عباس تفندون تجهلون
أشار به إلى قوله تعالى إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ( يوسف 94 ) وفسره بقوله
تجهلون وقال أبو عبيدة معناه لولا أن تسفهوني وقال مجاهد لولا أن تقولوا ذهب عقلك
ووجد ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام وتفندون من الفند بفتح النون وهو الهرم
(18/299)
وقال غيره غيابة الحب كل شيء غيب عنك
شيئا فهو غيابة
أشار به إلى قوله تعالى والقوه في غيابة الحب يلتقطه بعض السيارة ( يوسف10 ) ظاهر
الكلام أن قوله وقال غيره غير ابن عباس لأنه عطف عليه وقال بعضهم ليس من كلام ابن
عباس وإنما هو كلام أبي عبيدة قلت لا مانع أن يكون قول أبي عبيدة من قول ابن عباس
قوله كل شيء مبتدأ وقوله غيب عنك في محل الجر لأنه صفة لشيء وشيأ مفعول غيب قوله
فهو غيابة جملة إسمية وقعت خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل الفاء
في خبره قوله غيابة الجب قال الثعلبي أي قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره وقال قتادة
أسفله وأصله من الغيبوبة
والجب الركية التي لم تطو
أي الجب المذكور في قوله غيابة الجب هو البئر التي لم تطو وكذلك القليب قال
الجوهري القليب البئر قبل أن تطوى وسميت جبا من أجل أنها قطعت قطعا ولم يحدث فيها
غير القطع من الطي وما أشبهه
بمؤمن لنا بمصدق
أشار به إلى قوله تعالى حكاية عن قول إخوة يوسف وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله
الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( يوسف17 ) والمعنى وما أنت بمصدق في
كلامنا وفي التفسير وما أنت بمصدق لنا لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا وهذا قميصه ملطخ
بالدم
يقال بلغ أشده قبل أن يأخذ في النقصان وقالوا بلغ أشده وبلغوا أشدهم وقال بعضهم
واحدها شد
أشار به إلى قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وفسر قوله أشده بقوله قبل
أن يأخذ في النقصان وأراد به عز منتهى شبابه وقوته وشدته واختلف فيه فذكر ابن
المنذر عن الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم ومالك أنه الحلم وعن سعيد ابن جبير ثمانية
عشرة سنة وقيل عشرون وقيل خمس وعشرون وقيل ثلاثون وقيل ثلاث وثلاثون قاله مجاهد
وقيل أربعون وقيل سبع عشرة سنة وقيل خمس وثلاثون سنة وقيل ثمانية وأربعون سنة وعن
ابن عباس ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة وقيل ستون سنة وقال ابن التين الأظهر
أنه أربعون لقوله تعالى ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وذلك أن النبي لا
يتنبى إلا بعد أربعين سنة قال بعضهم وتعقب بأن عيسى عليه الصلاة و السلام ويحيى
أيضا تنبأ لدون الأربعين لقوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا ( مريم12 ) قلت له أن
يقول هما مخصوصان بذلك من دون سائر الأنبياء عليهم السلام قوله يقال بلغ أشده
وبلغوا أشدهم أشار بهذا إلى أنه يضاف إلى المفرد والجمع بلفظ واحد قوله وقال بعضهم
واحدها أي واحد الأشد وهو قول سيبويه والكسائي وزعم أبو عبيدة أنه ليس له واحد من
لفظه
والمتكأ ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام وأبطل الذي قال الأترج وليس في
كلام العرب الأترج فلما احتج عليهم بأنه المتكأ من نمارق فروا إلى شر منه فقالوا
إنما هو المتك ساكنة التاء وإنما المتك طرف البظر ومن ذالك قيل لها متكاء وابن
المتكاء فإن كان ثم أترج فإنه بعد المتكإ
لما ذكر فيما مضى عن قريب عن مجاهد أن المتكأ الأترج أنكر ذلك فقال المتكأ ما
اتكأت عليه لأجل شرب شراب أو لأجل حديث أو لأجل طعام قوله وأبطل قول الذي قال
المتكأ الأترج ثم ادعى أنه ليس في كلام العرب الأترج يعني ليس في كلام العرب تفسير
المتكأ بالأترج وفيه نظر حتى قال صاحب ( التوضيح ) هذه الدعوى من الأعاجيب فقد قال
في ( المحكم ) المتكأ الأترج وعن الأخفش كذلك وفي ( الجامع ) المتكأ الأترج
وأنشدوا
(18/300)
فنشرب الإثم بالصواع جهارا
ونرى المتك بيننا مستعارا
وأبو حنيفة الدينوري زعم أن المتكا بالضم الأترج والذي بفتح الميم السوسن وبنحوه
ذكره أبو علي القالي وابن فارس في ( المجمل ) وغيرهما قوله فلما احتج عليهم بصيغة
المجهول يان المتكأ من نمارق إلى آخره ظاهر قوله وإنما المتك بعني بالضم طرف البظر
بفتح الباء الموحدة وسكون الظاء المعجمة وفي آخره راء وهو ما تبقيه الخاتنة بعد
الختان من المرأة قوله ومن ذلك أي ومن هذا اللفظ قيل لها أي للمرأة متكاء بفتح
الميم وسكون التاء وبالمد وهي التي لم تختن ويقال لها البظراء أيضا ويعير الرجل
بذلك فيقال له ابن المتكاء قوله فإن كان ثم أترج بفتح الفاء المثلثة وتشديد الميم
أي فإن كان هناك أترج فإنه كان بعد المتكاء وقال بعضهم إنما قال البخاري ما قاله
من ذلك تبعا لأبي عبيدة فإنه قال زعم قوم أنه الأترج وهذا أبطل باطل في الأرض ولكن
عسى أن يكون مع المتكاه أترج يأكلونه قلت كأنه لم يفحص عن ذلك كما ينبغي وقلد أبا
عبيدة والأفة من التقليد وكيف يصح ما قاله من ذلك وقد روى عبد بن حميد من طريق عوف
الأعرابي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنه كان يقرؤها متكاء مخففة ويقول هو
الأترج وأيضا قد روى مثله عمن ذكرناهم الآن
شغفها يقال بلغ إلى شغافها وهو غلاف قلبها وأما شعفها فمن المشعوف
أشار به إلى قوله تعالى امرأة العزيز تراود فناها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها
في ضلال مبين ( يوسف30 ) قوله قد شغفها أي قد شغف يوسف زليخا يعني بلغ حبه إلى
شغافها بكسر الشين المعجمة في ضبط المحدثين وعند أهل اللغة بالفتح وهو غلاف قلبها
وقيل الشغاف حبة القلب وقيل هو علقة سوداء في صميمه قوله وأما شعفها يعني بالعين
المهملة فمن المشعوف يقال فلان مشعوف بفلان إذا بلغ به الحب أقصى المذاهب ويقال
فلان شعفه الحب أي أحرق قلبه
أصب أميل
أشار به إلى قوله عز و جل حكاية عن قول يوسف عليه السلام وإلا تصرف عني كيدهن أصب
إليهن وأكن من الجاهلين ( يوسف33 ) وفسر أصب بقوله أميل يقال صبا إلى اللهو يصبو
صبوا إذا مال إليه ومنه سمي الصبي لأنه يميل إلى كل شيء
أضغاث أحلام ما لا تأويل له
أشار به إلى قوله تعالى قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين (
يوسف44 ) والأضغاث جمع ضغث وهو ملء اليد من حشيش وفسر قوله أضغاث أحلام بقوله ما
لا تأويل له لأنه من الأخلاط والرؤيا الكاذبة التي لا أصل لها وقوله أضغاث أحلام
في محل الرفع على الابتداء قوله ما لا تأويل له خبره وكلمة ما موصولة
والضغث ملء اليد من حشيش وما أشبهه ومنه وخذ بيدك ضغثا لا من قوله أضغاث أحلام
واحدها ضغث
أشار بقوله والضغث إلى شيئين أحدهما أن الضغث واحد الأضغاث والآخر أن تفسيره بملء
اليد من حشيش وما أشبهه وأراد أن الضغث الذي هو ملء الكف من أنواع الحشيش هو
المراد من قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ( ص44 ) وذلك في قصة أيوب عليه
السلام وليس المراد هنا هذا المعنى ولكن المراد من الأضغاث هنا هو الذي واحده ضغث
الذي هو بمعنى ما لا تأويل له وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى
أضغاث أحلام ما حاصله أن الضغث في قوله وخذ بيدك ضغثا بمعنى ملء الكف من الحشيش لا
بمعنى ما لا تأويل له وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أضغاث أحلام
قال أخلاط أحلام وروى أبو يعلى بإسناده عن ابن عباس في قوله أضغاث أحلام قال هي
الأحلام الكاذبة
(18/301)
نمير من الميرة
أشار به إلى قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ( يوسف6 ) الميرة بكسر
الميم الطعام والمعنى نجلب إلى أهلنا الطعام يقال مار أهله يميرهم إذا أتاهم بطعام
ونزداد كيل بعير ما يحمل بعير
أي نزداد على أحمالنا حمل بعير يكال له ما حمل بعيره وروى الفريابي من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد كيل بعير أي كيل حمار وذكر الثعلبي أنه لغة يقال للحمار بعير
ويؤيد ذلك أن إخوة يوسف كانوا من أرض كتمان وليس بها إبل
آوي إليه ضم إليه
أشار به إلى قوله تعالى ولما دخلوا على يوسف آوي إليه أخاه ( يوسف69 ) الآية أي
فلما دخلت إخوة يوسف عليه ضم يوسف إلى نفسه أخاه بنيامين من آوى يؤوى إيواء
السقاية مكيال
أشار به إلى قوله تعالى فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ( يوسف70 )
وفسر السقاية وله مكيال وهو الإناء الذي كان يوسف يشرب به فجعله ميكالا لئلا
يكتالوا بغيره فيظلموا ويقال السقاية هي الصواع كان الملك يسقي بها ثم جعلت صاعا
يكال به وقد مر الكلام فيه عن قريب
تفتأ لا تزال
أشار به إلى قوله تالله تفتأ تذكر يوسف ( يوسف85 ) أي لا تفتأ فحذف حرف النفي
والمعنى أن أخوة يوسف قالوا ليعقوب أبيهم والله لا تزال تذكر يوسف ولا تفتر من حبه
حتى تكون حرضا الآية يقال ما فتئت أذكر ذلك وما فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا وقال
أبو زيد ما افتأت أذكره وما فتئت أذكره أي ما زلت أذكره لا يتكلم به إلا مع الجحد
وقوله تالله تفتأ تذكر يوسف أي ما تفتأ قلت الصواب لا تفتأ
حرضا محرضا يذيبك الهم
أشار به إلى قوله تعالى حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين وذكر أن حرضا بمعنى
محرض على صيغة اسم المفعول وفسره بقوله يذيبك الهم من الإذابة وقيل معناه تكون
دنفا وقيل قريبا من الموت وقال الفراء الحرض هو الفاسد في جسمه وعقله ويستوي فيه
الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر وضع موضع الألم ومن العرب من
يؤنث مع المؤنث وقرأ أنس بضم الحاء وعن قتادة حرضا هرما وعن الضحاك باليا ذا بلاء
وعن الربيع ابن أنس يابس الجلد على العظم وعن الحسن كالشيء المدقوق المكسور وعن
القتبي ساقطا قوله أو تكون من الهالكين أي الميتين
تحسسوا تحبروا
أشار به إلى قوله تعالى يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( يوسف87 ) الآية
وفسر تحسسوا بقوله تخبروا أي اطلبوا الخبر وتحسسوا تفعلوا من الحس يعني تتبعوا وعن
ابن عباس التمسوا وسئل ابن عباس عن الفرق بين التحسس بالحاء المهملة والتجسس
بالجيم فقال لا يعدو أحدهما عن الآخر إلا أن التحسس في الخير والتجسس في الشر وقيل
بالحاء لنفسه وبالجيم لغيره ومنه الجاسوس
مزجاة قليلة
أشار به إلى قوله تعالى وجئنا ببضاعة مزجاة وفسرها بقوله قليلة وقيل ردية وقيل
فاسدة وعن قتادة يسيرة وكانت البضاعة من صوف ونحوه وقيل دراهم لا تزوج وروي عن
عكرمة وابن عباس كانت دراهم زيوفا لا تنفق إلا بوضيعة وعن
(18/302)
ابن عباس أيضا خلق الغرارة والحبل ورثة
المتاع
غاشية من عذاب الله عامة مجللة
أشار به إلى قوله تعالى أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة
بغتة وهم لا يشعرون ( يوسف107 ) وفسر غاشية بقوله عمامة أي نقمة عامة قوله مجللة
بالجيم من جلل الشيء تجليلا أي عمه وهو صفة غاشية لأن ابن عباس فسر الغاشية بقوله
مجللة ويرد بهذا قول بعضهم أن مجللة تأكيد عامة وقال قتادة غاشية وقيعة وقال الضحاك
الصواعق والقوارع
( باب )
أي هذا باب وليس في معظم النسخ لفظ باب
استيأسوا يئسوا لا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء
لم يثبت هذا ألا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وأشار بقوله استيأسوا إلى قوله
تعالى فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ( يوسف80 ) وفسره بقوله يئسوا أي فلما أيس
أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه خلصوا نجيا أي خلا بعضهم ببعض يتناجون
ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم والآن يأتي مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى قوله لا
تيأسوا من روح الله أشار به إلى قوله تعالى ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من
روح الله إلا القوم الكافرون ( يوسف87 ) ومعنى من روح الله من رحمته قال قتادة
والضحاك من فضل الله وقال ابن زيد من فرج الله وهذا حكاية عن كلام يعقوب عليه
السلام لأولاده قوله معناه الرجاء أي معنى عدم اليأس الرجاء أو معنى التركيب
الرجاء أو لا روح به حقيقة
خصلوا نجيا اعتزلوا نجيا والجسم أنجية يتناجون الواحد نجي والاثنان والجميع نجي
وأنجية
أشار به إلى قوله تعالى فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ولم يثبت هذا إلا لأبي ذر عن
المستملي والكشميهني وقوله خلصوا جواب لما وفسر خلصوا بقوله اعتزلوا ووقع في رواية
المستملي اعترفوا والأول هو الصواب والنجي هو الذي يناجي ويستوي فيه الواحد
والاثنان والجمع المذكر والمؤنث لأنه مصدر في الأصل جعل نعتا كالعدل والزور
ونحوهما وجاء جمعه أنجية وقد نبه عليه بقوله وأنجبة وانتصاب نجيا على الحال أي حال
كونهم متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم
12 -
( سورة يوسف عليه السلام )
أي هذا في بيان بعض تفسير سورة يوسف عليه السلام قال أبو العباس في ( مقامات
التنزيل ) سورة يوسف مكية كلها وما بلغنا فيها اختلاف وفي ( تفسير ابن النقيب ) عن
ابن عباس وقتادة نزلت بمكة إلا أربع آيات فإنهن نزلن بالمدينة ثلاث آيات من أولها
والرابعة لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ( يوسف 7 ) وسبب نزولها سؤال
اليهود عن أمر يعقوب ويوسف عليه السلام وهي مائة وإحدى عشر آية وألف وسبعمائة وست
وسبعون كلمة وسبعة آلاف ومائة وست وستون حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر
باب
أي هذا باب في كذا وكذا ولم يثبت لفظ باب في معظم النسخ
وقال فضيل عن حصين عن مجاهد متكأ الأترج قال فضيل الأترج بالحبشية متكا وقال ابن
عيينة عن رجل عن مجاهد متكا كل شيء قطع بالسكين
فضيل مصغر فضل وهو ابن عياض بن موسى أبو علي ولد بسمرقند نشأ بأبيورد وكتب الحديث
بكوفة وتحول إلى مكة وأقام بها إلى أن مات في سنة سبع وثمانين ومائة وقبره بمكة
يزار وحصين بضم الحاء المهملة ابن عبد الرحمن السلمي قوله متكأ بضم الميم وتشديد
التاء وفتح الكاف وبالهمزة المنونة وفسره مجاهد بأنه الأترج بضم الهمزة وسكون
التاء وضم الراء وتشديد الجيم وروى هذا التعليق ابن المنذر عن يحيى بن محمد بن
يحيى حدثنا مسدد حدثنا يحي بن سعيد عن فضيل بن عياض عن حصين به وقال الزمخشري متكأ
ما يتكأ عليه من نمارق وقيل متكأ مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب
والحديث كعادة المترفين ولهذا نهى أن يأكل الرجل متكئا وعن مجاهد متكأ طعاما يحز
حزا كأن المعنى يعتمد بالسكين لأن القاطع يتكىء على المقطوع بالسكين ويقال في
الأترج الاترنج بالنون الساكنة بعد الراء ويدغم النون في الجيم أيضا وكانت زليخا
أهدت ليوسف أترجة على ناقة وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في ( سننه ) أنها
شقت بنصفين وحملا كالعدلين على جمل قوله قال فضيل الأترج بالحبشية متكأ أي بلسان
الحبشة أو باللغة الحبشية قوله متكا بضم الميم وسكون التاء وبتنوين الكاف وهذا
التعليق رواه أبو محمد عن أبيه عن إسماعيل بن عثمان حدثنا يحيى بن يمان عنه وقرأ
متكا بضم الميم وتشديد التاء وتنوين الكاف بغير همزة وعن الحسن متكأ بالمد كأنه
مفتعال وذلك لإشباع فتحة الكاف لقوله بمنتزاح بمعنى منتزح قوله وقال ابن عيينة وهو
سفيان بن عيينة عن رجل هو مجهول عن مجاهد متكأ بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف
وهو كل شيء قطع بالسكين وقيل من متك الشيء بمعنى بتكه إذا قطعه وقرأ الأعرج متكأ
على وزن مفعل من تكأ يتكأ إذا اتكا
وقال قتادة لذو علم عامل بما علم
أشار به إلى قوله تعالى وإنه لذو علم لما علمناه ( يوسف 68 ) الآية وفسر قتادة
قوله لذو علم بقوله عامل بما علم ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو معمر عن
إسماعيل بن إبراهيم القطيعي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي عروبة عن قتادة والضمير
في أنه يرجع إلى يعقوب عليه السلام وهذا لا يتضح إلا إذا وقف الشخص على القضية من
قوله تعالى وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد ( يوسف 67 ) إلى قوله ولكن أكثر
الناس لا يعلمون ( يوسف 72 )
وقال ابن جبير صواع مكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم
أي قال سعيد بن جبير في قوله تعالى قالوا انفقد صواع الملك الآية وهذا التعليق
رواه أبو محمد عن أبيه حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير
ورواه ابن منده في ( غرائب شعبة ) وابن مردويه من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن
أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله صواع الملك قال كان كهيئة المكوك من
فضة يشربون فيه وقد كان للعباس مثله في الجاهلية وقال زيد بن زيد كان كأسا من ذهب
وقال ابن إسحاق كان من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف عليه السلام مكيالا لا يكال
بغيرها وكان يشرب فيها وعن ابن عباس كان قدحا من زبرجد والمكوك بفتح الميم وتشديد
الكاف المضمومة وسكون الواو وفي آخره كاف أخرى وهو مكيال معروف لأهل العراق فيه
ثلاث كيلجات وقال ابن الأثير المكوك إسم للمكيال ويختلف في مقداره باختلاف اصطلاح
الناس عليه في البلاد وفي حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله كان يتوضأ بالمكوك
المد وقيل الصاع ويجمع على مكاكي على إبدال الياء من الكاف الأخيرة وقرأ الجمهور
صواع وعن أبي هريرة أنه قرأ أصاع الملك وعن أبي رجاء صوع بسكون الواو وعن يحيى بن
يعمر مثله لكن بغين معجمة حكاها الطبري
وقال ابن عباس تفندون تجهلون
أشار به إلى قوله تعالى إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ( يوسف 94 ) وفسره بقوله
تجهلون وقال أبو عبيدة معناه لولا أن تسفهوني وقال مجاهد لولا أن تقولوا ذهب عقلك
ووجد ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام وتفندون من الفند بفتح النون وهو الهرم
وقال غيره غيابة الحب كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة
أشار به إلى قوله تعالى والقوه في غيابة الحب يلتقطه بعض السيارة ( يوسف10 ) ظاهر
الكلام أن قوله وقال غيره غير ابن عباس لأنه عطف عليه وقال بعضهم ليس من كلام ابن
عباس وإنما هو كلام أبي عبيدة قلت لا مانع أن يكون قول أبي عبيدة من قول ابن عباس
قوله كل شيء مبتدأ وقوله غيب عنك في محل الجر لأنه صفة لشيء وشيأ مفعول غيب قوله
فهو غيابة جملة إسمية وقعت خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل الفاء
في خبره قوله غيابة الجب قال الثعلبي أي قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره وقال قتادة
أسفله وأصله من الغيبوبة
والجب الركية التي لم تطو
أي الجب المذكور في قوله غيابة الجب هو البئر التي لم تطو وكذلك القليب قال
الجوهري القليب البئر قبل أن تطوى وسميت جبا من أجل أنها قطعت قطعا ولم يحدث فيها
غير القطع من الطي وما أشبهه
بمؤمن لنا بمصدق
أشار به إلى قوله تعالى حكاية عن قول إخوة يوسف وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله
الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( يوسف17 ) والمعنى وما أنت بمصدق في
كلامنا وفي التفسير وما أنت بمصدق لنا لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا وهذا قميصه ملطخ
بالدم
يقال بلغ أشده قبل أن يأخذ في النقصان وقالوا بلغ أشده وبلغوا أشدهم وقال بعضهم
واحدها شد
أشار به إلى قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وفسر قوله أشده بقوله قبل
أن يأخذ في النقصان وأراد به عز منتهى شبابه وقوته وشدته واختلف فيه فذكر ابن
المنذر عن الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم ومالك أنه الحلم وعن سعيد ابن جبير ثمانية
عشرة سنة وقيل عشرون وقيل خمس وعشرون وقيل ثلاثون وقيل ثلاث وثلاثون قاله مجاهد
وقيل أربعون وقيل سبع عشرة سنة وقيل خمس وثلاثون سنة وقيل ثمانية وأربعون سنة وعن
ابن عباس ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة وقيل ستون سنة وقال ابن التين الأظهر
أنه أربعون لقوله تعالى ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وذلك أن النبي لا
يتنبى إلا بعد أربعين سنة قال بعضهم وتعقب بأن عيسى عليه الصلاة و السلام ويحيى
أيضا تنبأ لدون الأربعين لقوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا ( مريم12 ) قلت له أن
يقول هما مخصوصان بذلك من دون سائر الأنبياء عليهم السلام قوله يقال بلغ أشده
وبلغوا أشدهم أشار بهذا إلى أنه يضاف إلى المفرد والجمع بلفظ واحد قوله وقال بعضهم
واحدها أي واحد الأشد وهو قول سيبويه والكسائي وزعم أبو عبيدة أنه ليس له واحد من
لفظه
والمتكأ ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام وأبطل الذي قال الأترج وليس في
كلام العرب الأترج فلما احتج عليهم بأنه المتكأ من نمارق فروا إلى شر منه فقالوا
إنما هو المتك ساكنة التاء وإنما المتك طرف البظر ومن ذالك قيل لها متكاء وابن
المتكاء فإن كان ثم أترج فإنه بعد المتكإ
لما ذكر فيما مضى عن قريب عن مجاهد أن المتكأ الأترج أنكر ذلك فقال المتكأ ما
اتكأت عليه لأجل شرب شراب أو لأجل حديث أو لأجل طعام قوله وأبطل قول الذي قال
المتكأ الأترج ثم ادعى أنه ليس في كلام العرب الأترج يعني ليس في كلام العرب تفسير
المتكأ بالأترج وفيه نظر حتى قال صاحب ( التوضيح ) هذه الدعوى من الأعاجيب فقد قال
في ( المحكم ) المتكأ الأترج وعن الأخفش كذلك وفي ( الجامع ) المتكأ الأترج
وأنشدوا
( فنشرب الإثم بالصواع جهارا
ونرى المتك بيننا مستعارا )
وأبو حنيفة الدينوري زعم أن المتكا بالضم الأترج والذي بفتح الميم السوسن وبنحوه
ذكره أبو علي القالي وابن فارس في ( المجمل ) وغيرهما قوله فلما احتج عليهم بصيغة
المجهول يان المتكأ من نمارق إلى آخره ظاهر قوله وإنما المتك بعني بالضم طرف البظر
بفتح الباء الموحدة وسكون الظاء المعجمة وفي آخره راء وهو ما تبقيه الخاتنة بعد
الختان من المرأة قوله ومن ذلك أي ومن هذا اللفظ قيل لها أي للمرأة متكاء بفتح
الميم وسكون التاء وبالمد وهي التي لم تختن ويقال لها البظراء أيضا ويعير الرجل
بذلك فيقال له ابن المتكاء قوله فإن كان ثم أترج بفتح الفاء المثلثة وتشديد الميم
أي فإن كان هناك أترج فإنه كان بعد المتكاء وقال بعضهم إنما قال البخاري ما قاله
من ذلك تبعا لأبي عبيدة فإنه قال زعم قوم أنه الأترج وهذا أبطل باطل في الأرض ولكن
عسى أن يكون مع المتكاه أترج يأكلونه قلت كأنه لم يفحص عن ذلك كما ينبغي وقلد أبا
عبيدة والأفة من التقليد وكيف يصح ما قاله من ذلك وقد روى عبد بن حميد من طريق عوف
الأعرابي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنه كان يقرؤها متكاء مخففة ويقول هو
الأترج وأيضا قد روى مثله عمن ذكرناهم الآن
شغفها يقال بلغ إلى شغافها وهو غلاف قلبها وأما شعفها فمن المشعوف
أشار به إلى قوله تعالى امرأة العزيز تراود فناها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها
في ضلال مبين ( يوسف30 ) قوله قد شغفها أي قد شغف يوسف زليخا يعني بلغ حبه إلى
شغافها بكسر الشين المعجمة في ضبط المحدثين وعند أهل اللغة بالفتح وهو غلاف قلبها
وقيل الشغاف حبة القلب وقيل هو علقة سوداء في صميمه قوله وأما شعفها يعني بالعين
المهملة فمن المشعوف يقال فلان مشعوف بفلان إذا بلغ به الحب أقصى المذاهب ويقال
فلان شعفه الحب أي أحرق قلبه
أصب أميل
أشار به إلى قوله عز و جل حكاية عن قول يوسف عليه السلام وإلا تصرف عني كيدهن أصب
إليهن وأكن من الجاهلين ( يوسف33 ) وفسر أصب بقوله أميل يقال صبا إلى اللهو يصبو
صبوا إذا مال إليه ومنه سمي الصبي لأنه يميل إلى كل شيء
أضغاث أحلام ما لا تأويل له
أشار به إلى قوله تعالى قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين (
يوسف44 ) والأضغاث جمع ضغث وهو ملء اليد من حشيش وفسر قوله أضغاث أحلام بقوله ما
لا تأويل له لأنه من الأخلاط والرؤيا الكاذبة التي لا أصل لها وقوله أضغاث أحلام
في محل الرفع على الابتداء قوله ما لا تأويل له خبره وكلمة ما موصولة
والضغث ملء اليد من حشيش وما أشبهه ومنه وخذ بيدك ضغثا لا من قوله أضغاث أحلام
واحدها ضغث
أشار بقوله والضغث إلى شيئين أحدهما أن الضغث واحد الأضغاث والآخر أن تفسيره بملء
اليد من حشيش وما أشبهه وأراد أن الضغث الذي هو ملء الكف من أنواع الحشيش هو
المراد من قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ( ص44 ) وذلك في قصة أيوب عليه
السلام وليس المراد هنا هذا المعنى ولكن المراد من الأضغاث هنا هو الذي واحده ضغث
الذي هو بمعنى ما لا تأويل له وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى
أضغاث أحلام ما حاصله أن الضغث في قوله وخذ بيدك ضغثا بمعنى ملء الكف من الحشيش لا
بمعنى ما لا تأويل له وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أضغاث أحلام
قال أخلاط أحلام وروى أبو يعلى بإسناده عن ابن عباس في قوله أضغاث أحلام قال هي
الأحلام الكاذبة
نمير من الميرة
أشار به إلى قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ( يوسف6 ) الميرة بكسر
الميم الطعام والمعنى نجلب إلى أهلنا الطعام يقال مار أهله يميرهم إذا أتاهم بطعام
ونزداد كيل بعير ما يحمل بعير
أي نزداد على أحمالنا حمل بعير يكال له ما حمل بعيره وروى الفريابي من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد كيل بعير أي كيل حمار وذكر الثعلبي أنه لغة يقال للحمار بعير
ويؤيد ذلك أن إخوة يوسف كانوا من أرض كتمان وليس بها إبل
آوي إليه ضم إليه
أشار به إلى قوله تعالى ولما دخلوا على يوسف آوي إليه أخاه ( يوسف69 ) الآية أي
فلما دخلت إخوة يوسف عليه ضم يوسف إلى نفسه أخاه بنيامين من آوى يؤوى إيواء
السقاية مكيال
أشار به إلى قوله تعالى فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ( يوسف70 )
وفسر السقاية وله مكيال وهو الإناء الذي كان يوسف يشرب به فجعله ميكالا لئلا
يكتالوا بغيره فيظلموا ويقال السقاية هي الصواع كان الملك يسقي بها ثم جعلت صاعا يكال
به وقد مر الكلام فيه عن قريب
تفتأ لا تزال
أشار به إلى قوله تالله تفتأ تذكر يوسف ( يوسف85 ) أي لا تفتأ فحذف حرف النفي
والمعنى أن أخوة يوسف قالوا ليعقوب أبيهم والله لا تزال تذكر يوسف ولا تفتر من حبه
حتى تكون حرضا الآية يقال ما فتئت أذكر ذلك وما فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا وقال
أبو زيد ما افتأت أذكره وما فتئت أذكره أي ما زلت أذكره لا يتكلم به إلا مع الجحد
وقوله تالله تفتأ تذكر يوسف أي ما تفتأ قلت الصواب لا تفتأ
حرضا محرضا يذيبك الهم
أشار به إلى قوله تعالى حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين وذكر أن حرضا بمعنى
محرض على صيغة اسم المفعول وفسره بقوله يذيبك الهم من الإذابة وقيل معناه تكون
دنفا وقيل قريبا من الموت وقال الفراء الحرض هو الفاسد في جسمه وعقله ويستوي فيه
الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر وضع موضع الألم ومن العرب من
يؤنث مع المؤنث وقرأ أنس بضم الحاء وعن قتادة حرضا هرما وعن الضحاك باليا ذا بلاء
وعن الربيع ابن أنس يابس الجلد على العظم وعن الحسن كالشيء المدقوق المكسور وعن
القتبي ساقطا قوله أو تكون من الهالكين أي الميتين
تحسسوا تحبروا
أشار به إلى قوله تعالى يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( يوسف87 ) الآية
وفسر تحسسوا بقوله تخبروا أي اطلبوا الخبر وتحسسوا تفعلوا من الحس يعني تتبعوا وعن
ابن عباس التمسوا وسئل ابن عباس عن الفرق بين التحسس بالحاء المهملة والتجسس
بالجيم فقال لا يعدو أحدهما عن الآخر إلا أن التحسس في الخير والتجسس في الشر وقيل
بالحاء لنفسه وبالجيم لغيره ومنه الجاسوس
مزجاة قليلة
أشار به إلى قوله تعالى وجئنا ببضاعة مزجاة وفسرها بقوله قليلة وقيل ردية وقيل
فاسدة وعن قتادة يسيرة وكانت البضاعة من صوف ونحوه وقيل دراهم لا تزوج وروي عن
عكرمة وابن عباس كانت دراهم زيوفا لا تنفق إلا بوضيعة وعن ابن عباس أيضا خلق
الغرارة والحبل ورثة المتاع
غاشية من عذاب الله عامة مجللة
أشار به إلى قوله تعالى أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة
بغتة وهم لا يشعرون ( يوسف107 ) وفسر غاشية بقوله عمامة أي نقمة عامة قوله مجللة
بالجيم من جلل الشيء تجليلا أي عمه وهو صفة غاشية لأن ابن عباس فسر الغاشية بقوله
مجللة ويرد بهذا قول بعضهم أن مجللة تأكيد عامة وقال قتادة غاشية وقيعة وقال
الضحاك الصواعق والقوارع
( باب )
أي هذا باب وليس في معظم النسخ لفظ باب
استيأسوا يئسوا لا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء
لم يثبت هذا ألا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وأشار بقوله استيأسوا إلى قوله
تعالى فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ( يوسف80 ) وفسره بقوله يئسوا أي فلما أيس
أخوة يوسف من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه خلصوا نجيا أي خلا بعضهم ببعض يتناجون
ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم والآن يأتي مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى قوله لا
تيأسوا من روح الله أشار به إلى قوله تعالى ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من
روح الله إلا القوم الكافرون ( يوسف87 ) ومعنى من روح الله من رحمته قال قتادة
والضحاك من فضل الله وقال ابن زيد من فرج الله وهذا حكاية عن كلام يعقوب عليه
السلام لأولاده قوله معناه الرجاء أي معنى عدم اليأس الرجاء أو معنى التركيب
الرجاء أو لا روح به حقيقة
خصلوا نجيا اعتزلوا نجيا والجسم أنجية يتناجون الواحد نجي والاثنان والجميع نجي
وأنجية
أشار به إلى قوله تعالى فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ولم يثبت هذا إلا لأبي ذر عن
المستملي والكشميهني وقوله خلصوا جواب لما وفسر خلصوا بقوله اعتزلوا ووقع في رواية
المستملي اعترفوا والأول هو الصواب والنجي هو الذي يناجي ويستوي فيه الواحد
والاثنان والجمع المذكر والمؤنث لأنه مصدر في الأصل جعل نعتا كالعدل والزور
ونحوهما وجاء جمعه أنجية وقد نبه عليه بقوله وأنجبة وانتصاب نجيا على الحال أي حال
كونهم متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم
1 -
( باب قوله ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم
وإسحاق ( يوسف6 )
أي هذا باب في قوله تعالى ويتم نعمته عليك الآية وليس في بعض النسخ لفظ باب قوله
ويتم نعمته أي ويتم الله نعمته عليك والخطاب ليوسف عليه السلام وإتمام النعمة
بالنبوة وقيل بإعلاء الكلمة وقيل بأن أحوج إليك إخوتك قوله وعلى آل يعقوب هم ولده
وقيل هو وامرأته وأولاده الأحد عشر وإتمام النعمة الجمع بين نعمة الدنيا وهي الملك
ونعمة الآخرة قوله كما أتمها أي النعمة فنعمته على إبراهيم أن أنجاه من النار وعلى
إسحاق أن أنجاه من الذبح
4688 - ح ( دثني عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الصمد ) عن ( عبد الرحمان بن عبد
الله بن دينار ) عن أبيه عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال
الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
مطابقته للترجمة من حيث أن المذكور فيهما هؤلاء الأنبياء الأربعة عليهم السلام
قوله حدثني ويروى حدثنا بنون
(18/303)
الجمع ووقع في أطراف خلف قال عبد الله
بن محمد وبالتحديث أكثر وعبد الله بن محمد هو الجعفي البخاري المعروف بالمسندي
وعبد الصمد بن عبد الوارث والحدث مضى في كتاب الأنبياء في باب قوله الله عز و جل
لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ( يوسف7 )
2 -
( باب قوله لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ( يوسف7 )
أي هذا باب في قوله عز و جل لقد كان في يوسف الآية وهذا مكرر لأن هذه الترجمة
بعينها مع الحديث الذي لها قد مضيا في كتاب الأنبياء وفي حال الإسناد وبعض المتن
تغاير على ما يأتي
4689 - ح ( دثني محمد ) أخبرنا ( عبدة ) عن ( عبيد الله ) عن ( سعيد بن أبي سعيد )
عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال سئل رسول الله أي الناس أكرم قال أكرمهم عند
الله أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله
ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني
قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا
مطابقته للترجمة تؤخذ مع بعض التعسف من حيث أن في الآية سؤالا عن يوسف الذي هو
أكرم الناس من حيث النسب وفي الحديث أخبر عن صفته تلك وإنما قلنا إنه أكرم الناس
من حيث النسب لأنه نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي ولم يتفق هذا لأحد غيره ومحمد هو
ابن سلام وعبدة ضد الحرة ابن سليمان وعبيد الله هو المعروف بالعمري وسعيد بن أبي
سعيد المقبري واسم أبيه كيسان قوله عن معادن العرب أي أصولهم التي يلبسون إليها
ويتفاخرون بها وشبهوا بالمعادن لما فيه من الاستعدادات المتفاوتة قوله فقهوا بضم
القاف وكسرها
تابعه أبو أسامة عن عبيد الله
يعني تابع عبدة أبو أسامة حماد بن أسامة عن عبيد الله العمري وقد وصل البخاري هذه
المتابعة في كتاب الأنبياء عليهم السلام
3 -
( باب قوله قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ( يوسف18 83 )
أي هذا باب في قول الله عز و جل بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان
على ما تصفون إنما قال هذا يعقوب لبنيه لما جاؤوا إليه بقميص يوسف ملطخ بالدم قوله
سولت يأتي معناه الآن قوله فصبر جميل أي فصبري صبر جميل وهو الصبر الذي لا جزع فيه
ولا شكوى
سولت زينت
أشار بأن معنى سولت في الآية المذكورة زينت روى هذا عن قتادة ورواه أبو محمد عن
علي بن الحسن حدثنا أبو الجماهر أخبرنا سعيد بن بشير عنه
4690 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن
( ابن شهاب ) قال وحدثنا ( الحجاج ) حدثنا ( عبد الله بن عمر النميري ) حدثنا (
يونس بن يزيد الأيلي ) قال سمعت ( الزهري ) سمعت ( عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب
وعلقمة بن وقاص ) وعبيد الله بن عبد الله عن حديث ( عائشة ) زوج النبي حين قال لها
أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله كل حدثني طائفة من الحديث قال النبي إن كنت بريئة
فسيبرئك الله
(18/304)
وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله
وتوبي إليه قلت إني والله لا أجد مثلا إلا أبا يوسف فصبر جميل والله المستعان على
ما تصفون وأنزل الله إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات
مطابقته للترجمة في قوله فصبر جميل ( يوسف18 83 ) الآية وعبد العزيز بن عبد الله
بن يحيى الأويسي المدني وصالح هو ابن كيسان والحجاج هو ابن منهال والحديث قد مضى
مطولا في باب الإفك عقيب باب غزوة أنمار ومضى الكلام فيه مستوفي قوله والميت أي
قصدت إليه ونزلت به
4691 - حدثنا ( موسى ) الله حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( حصين ) عن ( أبي وائل ) قال
حدثني ( مسروق بن الأجدع ) قال ( حدثتني ) أم ( رومان وهي ) أم ( عائشة ) قالت
بينا أنا وعائشة أخذتها الحمى فقال النبي لعل في حديث تحدث قالت نعم وقعدت عائشة
قالت مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه والله المستعان على ما تصفون
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى هو ابن إسماعيل المنقري التبوذكي وأبو عوانة الوضاح
اليشكري وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي وأبو وائل
شقيق بن سلمة والحديث مضى بأتم منه في باب الإفك ومضى الكلام فيه
قوله حدثتني أم رومان وهذا صريح في سماع مسروق عنها والأكثرون على خلافه قوله لعل
في حديث أي لعل الذي حصل لعائشة من أجل حديث تحدث به في حقها
4 -
( باب قوله وراودته التي هو بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك ( يوسف 22 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وراودته الآية وليس في بعض النسخ لفظ باب قوله وراودته
أي راودت امرأة العزيز زليخا يوسف يعني طلبت منه أن يواقعها قوله الأبواب وكانوا
سبعة والآن يأتي الكلام في لفظ هيت لك
وقال عكرمة هيت لك بالحورانية هلم وقال ابن جبير تعاله
أي قال عكرمة مولى ابن عباس معنى هيت لك باللغة الحورانية هلم وهو بفتح الحاء
المهملة وسكون الواو وبالراء وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وقال الكرماني هو
بلد بالشام وقال البكري حوران على وزن فعلان أرض بالشام وقال الرشاطي حوران جبل
بالشام وقال ابن الأنباري هي مدينة حوران وقال علي بن حرب هي مدينة بصرى وقال أبو
محمد حوران من أعمال دمشق ومدينتها بصرى وتعليق عكرمة أخرجه عبد بن حميد عن أبي
معمر عن سفيان عن ابن أبي عروبة عنه ومعنى هلم أقبل وادن وقال الكسائي هذه لغة أهل
حوران وقعت إلى الحجاز ومعناها تعال وقال الحسن هي لغة سريانية وقال مجاهد هي لغة
عربية تدعوه إلى نفسها وهي كلمة حث وإقبال على الشيء وأصلها من الجلبة والصياح
تقول العرب هيت لفلان إذا دعاه وصاح به وقيل تقول هل لك رغبة في حسني وجمالي قال
أبو عبيدة العرب لا تثني هيت ولا تجمع ولا تؤنث وإنها بصورة واحدة في كل حال وإنما
تتميز بما قبلها وبما بعدها
واختلف القراء فيها فقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنه بكسر الهاء وضم التاء مهموزا
يعني تهيأت لك وبه قرأ السلمي وأبو وائل وقتادة وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن عامر
وعبد الله بن أبي إسحاق بفتح الهاء وكسر التاء وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الهاء وضم
التاء وفي ( تفسير ابن مردوية ) وبه قرأ ابن مسعود وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم
التاء وقال النحاس بفتح التاء والهاء هو الصحيح في قراءة ابن عباس وابن جبير
والحسن ومجاهد وعكرمة وبها قرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي
قوله وقال ابن جبير أي قال سعيد بن جبير
(18/305)
عنى هيت تعاله وهذا وصله الطبري وأبو
الشيخ من طريقه والهاء في تعاله للسكت ولفظ تعال أمر
4692 - حدثني ( أحمد بن سعيد ) حدثنا ( بشر بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان )
عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله بن مسعود ) قال هيت لك قال وإنما نقرؤها كما
علمناها
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن سعيد بن صخر أبو جعفر الدارمي المروزي وهو شيخ
مسلم أيضا وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة الأزدي البصري وسليمان هو
الأعمش وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الحروف عن هناد عن أبي معاوية وعن أبي معمر عن عبد
الوارث عن شيبان وهذا موقوف ولكن قوله وإنما نقرؤها كلما علمناها يدل على أنه
مرفوع وقال النحاس وبعضهم يقول عن عبد الله عن النبي وعلمناها على صيغة المجهول
وقال ابن الجوزي قرأ الأكثرون كما قرأ عبد الله يعني بفتح الهاء والتاء
مثواه مقامه
أشار به إلى قوله تعالى الذي اشتراه من مصر لامرأته كرمي مثواه ( يوسف 25 ) الآية
وثبت هذا لأبي ذر وحده واسم الذي اشترى يوسف قطفير بكسر القاف وقيل بهمزة بدل
القاف وامرأته هي زليخا وقيل راعيل وفسر مثواه بقوله مقامه وقيل منزله وقال قتادة
وابن جريج منزلته
وألفيا وجد ألفوا باءهم ألفينا
أشار به إلى قوله تعالى واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب (
يوسف 25 ) ومعنى ألفيا وجدا وكذا معنى ألفوا وألفينا قوله واستبقا الباب يعني يوسف
وزليخا يعني تبادرا إلى الباب أما يوسف ففارا من ركوب الفاحشة وأما زليخا فطالبة
ليوسف ليقضي حاجتها فأدركته فتعلقت بقميصه من خلفه فقدت أي خرقت وشقت من دبر يعني
من خلف لا من قدام فلما خرجا ألفيا سيدها أي وجداز وجها قطفير عند الباب جالسا مع
ابن عم له وبقية القصة مشهورة
وعن ابن مسعود بل عجبت ويسخرون
هذا في سورة الصافات وهو قوله إنا خلقناهم من طين لازب بل عجبت ويسخرون ( الصافات
11 - 12 ) ولا مناسبة لذكره ههنا وأجاب الكرماني بقوله إنه لبيان أن ابن مسعود كما
يقرأ هيت مضموم والتاء يقرأ قوله عجبت بضم التاء قوله وعن ابن مسعود معطوف على
الاسناد الذي قبله ووصله الحاكم في ( المستدرك ) من طريق جرير عن الأعمش بهذا قوله
بل عجبت فيه قراءتان ( إحداهما ) عن حمزة والكسائي وخلف بضم التاء ( والأخرى ) عن
الباقين بفتح التاء فالمعنى على الأولى بلغ من أعظم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت
منها فكيف بعبادي هؤلاء بجهلهم وعنادهم يشخرون من آياتي وقيل عجبت من أن ينكروا
البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يصف الله بالقدرة عليه قيل العجب من الله
تعالى محال لأنه روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء وأجيب بأن مجرد العجب لمعنى
الاستعظام وقيل يتخيل العجب ويفرض والمعنى على الثانية أنه خطاب للنبي ومعناه يا
محمد بل عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك
3693 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( مسلم ) عن ( مسروق )
عن ( عبد الله ) رضي الله عنه أن قريشا لما أبطؤا عن النبي بالإسلام قال اللهم
اكفنيهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام حتى جعل الرجل
ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينا مثل الدخان قال الله فارتقب يوم تأتي السماء
بدخان مبين قال الله إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم العذاب يوم
القيامة وقد مضى الدخان ومضت البطشة
(18/306)
مطابقته للترجمة من حيث إن في نفس
الحديث فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد
هلكوا فادع الله لهم الحديث وقد مضى في كتاب الاستسقاء في باب دعاء النبي اجعلها
سنين كسني يوسف فدعا لهم بكشف العذاب ففيه أنه عفا عن قومه كما أن يوسف عليه
السلام عفا عن زليخا
والحميدي عبد الله وسفيان بن عيينة والأعمش سليمان ومسلم بن صبيح بضم الصاد
المهملة وفتح الباء الموحدة وكنيته أبو الضحى
قوله سفيان عن الأعمش وفي مسند الحميدي عن سفيان أخبرني الأعمش أو أخبرت عنه كذا
بالشك وكذا في رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) من طريقه وفي رواية الإسماعيلي عن
سفيان قال سمعت من الأعمش أو أخبرت عنه ( فإن قلت ) هذا الشك أما يقدح في صحة
الحديث ( قلت ) لأنه مضى في الاستسقاء من طريق أخرى عن الأعمش من غير رواية ابن
عيينة فتكون هذه معدودة في المتابعات قوله حصت بالمهملتين أي أذهبت يقال سنة حصاء
أي جرداء لا خير فيها والبطشة يوم بدر وقد استقصينا الكلام فيه كتاب الاستسقاء
5 -
( باب قوله فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن
أيديهن إن بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ( يوسف 50
- 51 )
(
أي هذا باب في قوله تعالى فلما جاء الرسول إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب
والترجمة بطولها عند غير أبي ذر وعنده إلى قوله ربك قوله فلما جاءه الرسول أي فلما
جاء يوسف رسول الملك وقال أجب الملك فأبى أن يخرج معه حتى يظهر عذره وبراءته عند
الملك ويعرف صحة أمره من قبل النسوة اللاتي قطعن أيديهن وقصته مشهورة قوله إن ربي
بكيدهن عليم أي إن الله تعالى عالم بكيد النساء وقيل إن سيدي الملك قطفير عالم بما
فتنتني به المرأة قوله ما خطبكن فيه حذف تقديره فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف
برسالته فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز فقال لهن ( ما خطبكن
) أي ما شأنكن وأمركن ( إذراودتن يوسف ) فأجبنه بقلن ( حاش لله ) أي معاذ الله (
ما علمنا عليه من سوء ) أي من فاحشة وبقية القصة مشهورة
وحاش وحاشى تنزيه واستثناء
إعلم إن حاش على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن تكون فعلا متعديا متصرفا تقول حاشيته
بمعنى استثنيته ( والثاني ) أن تكون للتنزيه نحو حاش لله وهي عند المبرد وابن جنى
والكوفيين فعل لتصرفهم فيها بالحذف والصحيح أنها اسم مرادف للتنزيه بدليل قراءة
بعضهم حاشا لله بالتنوين كما يقال براءة لله من كذا وزعم بعضهم أنها اسم فعل
ومعناها أتبرأ أو تبرأت ( الثالث ) أن تكون للاستثناء فذهب سيبويه وأكثر البصريين
إلى أنها حرف دائما بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى وذهب الجرمي والمازني والمبرد
والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمرو الشيباني إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا
جارا وقليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنها معنى إلا وقال أبو عبيدة الشين في حاش في
قوله حاش لله مفتوحة بغير ياء وبعضهم يدخلها في آخرها كقول الشاعر
حاشى أبي ثوبان إن به ضمنا
ومعناها التنزيه والاستثناء عن الشر تقول حاشيته أي استثنيته وقد قرأ الجمهور بحذف
الألف بعد الشين وأبو عمرو بإثباتها في الأصل وفي حذف الألف بعد الحاء لغة وقرأ
بها الأعمش قوله تنزيه من نزه ينزه تنزيها بالزاي كذا هو في وراية الأكثرين وفي
رواية حكاها عياض تبرية من التبرى بمعنى البراءة بالباء الموحدة والراء المهملة
حصحص وضح
أشار به إلى قوله الآن حصحص الحق ( يوسف 51 ) الآية وفشر حصحص بقوله وضح وقيل ذهب
الباطل والكذب فانقطع وتبين الحق وظهر والأصل فيه حص فقيل حصحص كما يقال في كف
كفكف وفي رد ردد وأصل الحص استئصال الشيء يقال حص شعره إذا استأصله جزا
5 -
( باب قوله فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن
أيديهن إن بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ( يوسف 50
- 51 )
(
أي هذا باب في قوله تعالى فلما جاء الرسول إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب
والترجمة بطولها عند غير أبي ذر وعنده إلى قوله ربك قوله فلما جاءه الرسول أي فلما
جاء يوسف رسول الملك وقال أجب الملك فأبى أن يخرج معه حتى يظهر عذره وبراءته عند
الملك ويعرف صحة أمره من قبل النسوة اللاتي قطعن أيديهن وقصته مشهورة قوله إن ربي
بكيدهن عليم أي إن الله تعالى عالم بكيد النساء وقيل إن سيدي الملك قطفير عالم بما
فتنتني به المرأة قوله ما خطبكن فيه حذف تقديره فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف
برسالته فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز فقال لهن ( ما خطبكن
) أي ما شأنكن وأمركن ( إذراودتن يوسف ) فأجبنه بقلن ( حاش لله ) أي معاذ الله (
ما علمنا عليه من سوء ) أي من فاحشة وبقية القصة مشهورة
وحاش وحاشى تنزيه واستثناء
إعلم إن حاش على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن تكون فعلا متعديا متصرفا تقول حاشيته
بمعنى استثنيته ( والثاني ) أن تكون للتنزيه نحو حاش لله وهي عند المبرد وابن جنى
والكوفيين فعل لتصرفهم فيها بالحذف والصحيح أنها اسم مرادف للتنزيه بدليل قراءة
بعضهم حاشا لله بالتنوين كما يقال براءة لله من كذا وزعم بعضهم أنها اسم فعل
ومعناها أتبرأ أو تبرأت ( الثالث ) أن تكون للاستثناء فذهب سيبويه وأكثر البصريين
إلى أنها حرف دائما بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى وذهب الجرمي والمازني والمبرد
والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمرو الشيباني إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا
جارا وقليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنها معنى إلا وقال أبو عبيدة الشين في حاش في
قوله حاش لله مفتوحة بغير ياء وبعضهم يدخلها في آخرها كقول الشاعر
حاشى أبي ثوبان إن به ضمنا
ومعناها التنزيه والاستثناء عن الشر تقول حاشيته أي استثنيته وقد قرأ الجمهور بحذف
الألف بعد الشين وأبو عمرو بإثباتها في الأصل وفي حذف الألف بعد الحاء لغة وقرأ
بها الأعمش قوله تنزيه من نزه ينزه تنزيها بالزاي كذا هو في وراية الأكثرين وفي
رواية حكاها عياض تبرية من التبرى بمعنى البراءة بالباء الموحدة والراء المهملة
حصحص وضح
أشار به إلى قوله الآن حصحص الحق ( يوسف 51 ) الآية وفشر حصحص بقوله وضح وقيل ذهب
الباطل والكذب فانقطع وتبين الحق وظهر والأصل فيه حص فقيل حصحص كما يقال في كف
كفكف وفي رد ردد وأصل الحص استئصال الشيء يقال حص شعره إذا استأصله جزا
(18/307)
4694 - حدثنا ( سعيد بن تليد ) حدثنا
عبد الرحمان بن القاسم عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن يونس بن يزيد عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث
يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له أولم تؤمن قال بلى ولاكن ليطمئن
قلبي
يمكن أن يأخذ وجه المطابقة بين الترجمة والحديث من قوله ولو لبثت في السجن ما لبث
يوسف لأجبت الداعي على ما لا يخفي على المتأمل الفطن
وسعيد بن تليد بفتح التار المثناة من فوق وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف
وبالدال المهملة وهو سعيد بن عيسى بن تليد المصري مر في كتاب بدء الخلق و ( عبد
الرحمن بن القاسم ) العتقي بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها
قاف المصري الفقيه صاحب الإمام مالك وراوي المدونة من علمه وليس له في البخاري إلا
هذا الموضع
وهذا الإسناد من أوله إلى قوله عن ابن شهاب مصريون ومن ابن شهاب إلى آخره مدنيون
وفيه رواية الأقران لأن ( عمرو بن الحارث ) المصري الفقيه المشهور من أقران ( يونس
بن يزيد )
قوله يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد قد مر في باب ولوطا إذ قال لقومه (
الأعراف 80 ) فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج
والحديث من قوله ولو ثبت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي قد مر في باب قول الله
تعالى لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ( يوسف 7 ) فإنه أخرجه هناك عن عبد
الله بن محمد بن أسماء إلى آخره وقوله ونحن أحق من إبراهيم إلى آخره قد مر في سورة
البقرة في باب إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى ( البقرة 260 ) فإنه أخرجه
هناك عن أحمد بن صالح وقد مر الكلام في الكل مستقصى
6 -
( باب قوله حتى إذا استيأس الرسل ( يوسف 110 )
أي هذا باب في قوله حتى إذا استيأس الرسلوظنوا أنهم قد كذبوا ( يوسف 110 ) الآية
وليس في بعض النسخ لفظ باب واستيأس على وزن استفعل من اليأس وهو ضد الرجاء ومعناه
حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم رسلهم في وعد
العذاب وقيل حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل
كذبوهم وقال عطاء والحسن وقتادة ظنوا أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ومعنى التخفيف ظن
الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم بإهلاك أعدائهم وقرأ
مجاهد كذبوا بفتح الكاف وتخفيف الذال وكسره وقال ابن عرفة الكذب الانصراف عن الحق
فالمعنى كذبوا تكذيبا لا تصديق بعده
4695 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن
( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت له
وهو يسألها عن قول الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل قال قلت أكذبوا أم كذبوا قالت
عائشة كذبوا قلت فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت أجل لعمري لقد
استيقنوا بذلك فقلت لها وظنوا أنهم قد كذبوا قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذالك
بربها قلت فما هاذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم
البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن
أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله
(18/308)
مطابقته للترجمة ظاهرة وصالح هو ابن
كيسان والحديث قد مر في قصة يوسف في آخر باب قوله تعالى لقد كان في يوسف وإخوته
آيات للسائلين ( يوسف 7 ) ومر الكلام فيه قوله وهو يسألها الواو وفيه للحال أي
وعروة يسأل عائشة قوله أكذبوا أو كذبوا يعني مثقلة أم مخففة قوله قالت عائشة كذبوا
يعني بالتثقيل قوله ذلك أي الكذب في حق الله تعالى قوله أتباع الرسل وهم المؤمنون
فالمظنون تكذيب المؤمنين لهم والمتيقن تكذيب الكفار قوله معاذ الله تعوذت من ظن
الرسل أنهم مكذبون من عند الله بل ظنهم ذلك من قبل المصدقين لهم المؤمنين بهم
4696 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة )
فقلت لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله
هذا طريق آخر في الحديث أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن
محمد بن مسلم الزهري أورده مختصرا وقد سافه أبو نعيم في ( مستخرجه ) بتمامه ولفظه
عن عروة أنه سأل عائشة فذكر نحو حديث صالح بن كيسان
13 -
( سورة الرعد )
أي هذا في بيان تفسير بعض سورة الرعد قيل إنها مكية وقيل المدينة وقيل فيها مكي
ومدني وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة أحرف وثمانمائة وخمس وخمسون كلمة وثلاث
وأربعون آية
بسم الله الرحمان الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر وحده
وقال ابن عباس كباسط كفيه مثل المشرك الذي عبد مع الله إلها غيره كمثل العطشان
الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر ( الرعد 14 )
أشار به إلى قوله تعالى والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسد كفيه
إلى الماء ليبلغ فاه الآية قوله والذين أي المشركون الذين يدعون الأصنام من دون
الله يريدون منها دفعا أو رفعا لا يستجيبون لهم بشيء ممن ذلك قوله كباسط كفيه أي
إلا كباسط كفيه وقال ابن عباس فيه مثل المشرك الذي عبده مع الله إلها آخر إلى آخره
ووصله أبو محمد عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ولا
يقدر بالراء في رواية ألا كثرين وروي فلا يقدم بالميم وهو تصحيف وإن كان له وجه من
حيث المعنى
وقال غيره سخر ذلل
أشار به إلى قوله تعالى وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ( الرعد 2 ) وفسره
بقوله ذلل يعني ذللهما لمنافع الخلق ومصالح العباد كل يجري أي كل واحد إلى وقت
معلوم وهو فناء الدنيا وقيام الساعة
متجاورات متدانيات
أشار به إلى قوله تعالى وفي الأرض قطع متجاورات ( الرعد 4 ) وفسر متجاورات بقوله
متدانيات وقيل متقاربات يقرب بعضها من بعض بالجوار ويختلف بالتفاضل فمنها عذبة
ومنها مالحة ومنها طيبة تنبت منها سبخة لا تنبت
وقال مجاهد متجاورات طيبها عذبها وخبيثها السباخ
روي هذا التعليق أبو بكر بن المنذر عن موسى عن أبي بكر عن شبابة عن ورقاء عن ابن
أبي نجيح عن مجاهد
(18/309)
المثلات واحدها مثلة وهي الأشباه
والأمثال
أشار به إلى قوله تعالى وقد خلت من قبلهم المثلات ( الرعد 6 ) أي وقد مضت من قبلهم
من الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها بالعقوبات والمثلات واحدها مثلة بفتح الميم
وضم الثاء مثل صدقة وصدقات وفسر المثلات بقوله وهي الأشباه والأمثال وروي الطبري
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله المثلات قال الأمثال ومن طريق معمر عن
قتادة قال المثلات العقوبات ومن طريق زيد بن أسلم قال المثلات ما مثل الله به من
الأمم من العذاب وسكن يحيى بن وثاب الثاء في قراءته وضم الميم وقرأ طلحة بن مصرف
بفتح الميم وسكون الثاء وقرأ الأعمش بفتحهما وفي رواية عن أبي بكر ابن عياش ضمهما
وبه قرأ عيسى بن عمر
بمقدار بقدر
أشار به إلى قوله تعالى وكل شيء عنده بمقدار ( الرعد 8 ) وفسره بقوله بقدر
والمقدار على وزن مفعال معناه بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه وعن ابن عباس مقدار كل
شيء مما يكون قبل أن يكون وكلما هو كائن إلى يوم القيامة
معقبات ملائكة حفظة تعقب الأولى منها الأخرى ومنه قيل العقيب يقال عقبت في إثره
أشار به إلى قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله (
الرعد 11 ) وفي رواية أبي ذر يقال معقبات فسرها بقوله ملائكة حفظة يتعاقبون بالليل
والنهار فإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل والتعقيب العود بع البدء
قوله له المعقبات أي لله تعالى معقبات وعن ابن عباس له معقبات يعني لمحمد من
الرحمن حرس من بين يديه ومن خلفه يحفظونه يعني من شر الإنس والجن ومن شر طوارق
الليل والنهار وقيل الضمير في له يرجع إلى الإنسان والمعقبات جمع معقبة والمعقبة
جمع معقب فالمعقبات جمع الجمع كما قيل ابناوات سعد ورجالات بكر قاله الثعلبي وقيل
المعقبات الخدم والحرس حول السلطان وقيل ما يتعقب من أوامر الله وقضاياه قوله
يحفظونه أي يحفظون المستخفي بالليل والسارب بالنهار قوله من أمر الله أي يحفظونه
بأمر الله من أمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه وعن ابن عباس يحفظونه من أمر الله
ما لم يجيء القدر قوله ومنه قيل العقيب أي ومن أصل معقبات يقال العقيب وهو الذي
يأتي في عقب الشيء وفي بعض النسخ ومنه العقب بلا ياء بمعناه وعقب الرجل نسله قوله
يقال عقب في إثره بتشديد القاف في ضبط الدمياطي بخطه وقال ابن التين هو بفتح القاف
وتخفيفها قال وضبطه بعضهم بتشديدها وفي بعض النسخ بكسرها ولا وجه له إلا أن يكون
لغة
المحال العقوبة
أشار به إلى قوله تعالى وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ( الرعد 13 ) وفسره
بقوله العقوبة وعن علي رضي الله تعالى عنه شديد الأخذ وعن مجاهد شديد القوة وعن
الحسن شديد المماحلة والمماكرة والمغالبة وعن مجاهد في رواية شديد انتقام
كباسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء
أشار به إلى قوله تعالى لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه
وما هو بالغه ( الرعد 14 ) قوله لا يستجيبون يعني الذين يشركون ويدعون الأصنام من
دون الله لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه أي إلا كما ينفع باسط كفيه إلى
الماء من العطش ليقبضه حتى يؤديه إلى فمه فلا يتم له ذلك ولا يجمعه وعن علي رضي
الله تعالى عنه يعني كالرجل العطشان الجالس على شفير الماء ويمد يديه إلى البئر
فلا يبلغ قعرها فلا يبلغ إلى الماء والماء لا ينزو ولا يرتفع إلى يده كذلك لا
ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله عز و جل والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه طلب
ما لا يجده مثلا بالقابض على الماء لأن القابض على الماء لا يحصل شيء في يده
رابيا من ربا يربو
أشار به إلى قوله عز و جل أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل
زبدا رابيا ( الرعد 17 ) وأشار بقوله رابيا إلى أن
(18/310)
اشتقاق رابيا من ربا يربو من باب فعل
يفعل أي انتفخ قاله أبو عبيدة وفي التفسير رابيا عاليا مرتفعا فوق الماء
أو متاع زبد والمتاع ما تمتعت به
أشار به إلى قوله تعالى ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله (
الرعد 17 ) وفسر بقوله والمتاع ما تمتعت به قوله ابتغاء حلية أي لأجل ابتغاء أي
طلب حلية أي زينة أو متاع وأردبه جواهر الأرض من الذهب والفضة والحديد والصفر
والنحاس والرصاص يذاب فتتخذ منه الأشياء مما ينتفع به من الحلي والأواني وغيرهما
قوله زبد مثله أي له زبد إذا أذيب مثل الحق والزبد الذي لا يبقى ولا ينتفع به مثل
الباطل
جفاء أجفأت القدر إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز
الحق من الباطل
أشار به إلى قوله تعالى فأما الزبد فيذهب جفاء وفشر الجفاء بقوله أجفأت القدر إلى
آخره وقال أبو عمرو بن العلاء يقال أجفأت القدر وذلك إذا غلت وانصب زبدها فإذا
سكنت لم يبق منه شيء ونقل الطبري عن بعض أهل اللغة أن معنى قوله فيذهب جفاء تنشفه
الأرض يقال جفأ الوادي وأجفأ بمعنى نشف قوله فكذلك يميز الحق من الباطل في الحقيقة
إشارة إلى قوله تعالى في أثناء الآيات المذكورة كذلك يضرب الله الحق والباطل وأوضح
ذلك بقوله فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ومعنى قول
البخاري فكذلك أي فكما ميز الله الزبد الذي يبقى من الذي لا يبقى ولا ينتفع به ميز
الحق الذي يبقى ويستمر من الباطل الذي لا أصل له ولا يبقى
المهاد الفراش
أشار به إلى قوله تعالى ومأواهم جهنم وبئس المهاد ( الرعد 18 ) وفسره بقوله الفراش
ولم يثبت هذا إلا في غير رواية أبي ذر
يدرؤن يدفعون درأته عني دفعته
أشار به إلى قوله تعالى ويدرؤن بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبي الدار ( الرعد 22 )
وفسر قوله يدرؤن بقوله يدفعون يقال درأت فلانا إذا دفعته من الدار موهو الدفع
سلام عليكم أي يقولون سلام عليكم
أشار به إلى قوله تعالى سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ( الرعد 24 ) وقد
رهنا محذوفا وهو يقولون وفي التفسير تدخل الملائكة على أهل الجنة فيسلمون عليهم
بما صبروا على الفقر في الدنيا وقيل على الجهاد وقيل على ملازمة الطاعة ومفارقة
المعصية وقيل على تركهم الشهوات
وإليه متاب توبتي
أشار به إلى قوله تعالى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ( الرعد 30 ) وفي
التفسير وإليه رجوعي والمتاب مصدر ميمي يقال تاب الله توبة ومتابا والتوبه الرجوع
من الذنب
أفلم ييأس فلم يتبين
أشار به إلى قوله تعالى أفلم ييأس الذين آمنوا إن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا (
الرعد 31 ) وفسر أفلم ييأس بقوله فلم يتبين وعن ابن عباس أفلم يعلم قال الكلبي
ييأس يعلم في لغة النخع وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والطبري عن القاسم بن معن أنه
كان يقول إنها لغة هوزان تقول يئست كذا أي علمته
قارعة داهية
أشار به إلى قوله تعالى ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( الرعد 31 )
أي داهية مهلكة قاله أبو عبيدة
(18/311)
فأمليت أطلت من الملي والملاوة ومنه
مليا ويقال للواسع الطويل من الأرض ملأ من الأرض
أشار به إلى قوله تعالى فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ( الرعد 32 )
وفسر أمليت بقوله أطلت كذا فسره أبو عبيدة قوله من الملى بفتح الميم وكسر اللام
وتشديد الياء بغير همزة قال الجوهري الملى الهوى من الدهر يقال أقام مليا من الدهر
قال تعالى واهجرني مليا ( مريم 46 ) أي طويلا ومضى ملى من النهار أي ساعة طويلة
والملاوة بكسر الميم يقال أقمت عنده ملاوة من الدهر أي حينا وبرهة وكذلك ملوة من
الدهر بتثليث الميم والملا مقصورا الواسع من الأرض وقال الجوهري الملا مقصورا
الصحراء والملوان الليل والنهار
أشق أشد من المشقة
أشار به إلى قوله تعالى ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق ( الرعد 34 )
وأراد بقوله أشد أن لفظ أشق أفعل تفضيل من شق يشق
صنوان النخلتان أو أكثر في أصل واحد وغير صنوان وحدها بماء واحد كصالح بني آدم
وخبيثهم أبوهم واحد
أشار به إلى قوله صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ( الرعد 4 ) الآية وفسر قوله
صنوان بقوله النخلتان أو أكثر في أصل واحد وكذا قال ابن عباس الصنوان ما كان من
نخلتين أو ثلاثا أو أكثر أصلهن واحد وهو جمع صنو ويجمع في القلة على أصناو ولا فرق
بينهما في التثنية والجمع إلا في الإعراب وذلك أن النون في التثنية مكسورة أبدا
غير منونة وفي الجمع منونة تجري بجريان الإعراب والقراء كلهم على كسر الصاد إلا
أبا عبد الرحمن السلمي فإنه يضمها قوله وغير صنوان وحدها أي وغير صنوان المتفرق
الذي لا يجمعه أصل واحد قوله بماء واحد أي يسقى بماء واحد وفي رواية الفريابي عن
مجاهد مثل ما قاله البخاري لكن قال يسقي بماء واحد قال بماء السماء قوله كصالح بني
آدم إلى آخره شبه الصنوان الذي أصله واحد والصنوان المتفرق الذي لا يجمعه أصل واحد
بصالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد وقال الحسن هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني
آدم فقلب يرق فيخشع ويخضع وقلب يسهو ويلهو والكل من أصل واحد وكذلك صنوان وغير
صنوان منها ما يخرج الطيب ومنها ما يخرج غير الطيب وأصله واحد والكل يسقي بماء
واحد
السحاب الثقال الذي فيه الماء كباسط كفيه يدعو الماء
أشار به إلى قوله يريكم البرق خوفا وطعما وينشىء السحاب الثقال ( الرعد 12 ) أي
يسير السحاب وهو جمع سحابة والثقال صفة السحاب أي الثقال بالمطر
سالت أودية بقدرها تملأ بطن واد
أشار به إلى قوله عز و جل أنزل من السماء فسالت أودية بقدرها ( الرعد 17 ) يعني
أنزل الله من السماء ماء يعني المطر فسالت من ذلك الماء بقدرها الكبير بقدره
والصغير بقدره والأودية جمع واد وهو كل مفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر قيل
والقدر مبلغ الشيء والمعنى بقدرها من الماء وإن اتسع كثر قوله بطن واد هكذا في
رواية الأكثرين وفي رواية الأصلي تملأ كل واحد بحسبه وفي التفاسير المذكورة اختلاف
كثير بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان
1 -
( باب قوله الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ( الرعد 8 ) غيض نقص )
أي هذا باب في قوله الله ( يعلم ) الآية وفي بعض النسخ لفظ باب قوله ( وما تغيض )
أي وما تنقص بالسقط الناقص وما تزداد بالولد التام وعن الضحاك غيضها أن تأتي
بالولد ما دون التسعة وعن الحسن غيضها السقط وقيل أن تغيض من الستة أشهر ثلاثة
أيام وقيل تغيض بإراقة الدم في الحمل حتى يتضال الولد ويزداد إذا أمسكت الدم فيعظم
الولد وقيل تغيض بمن ولدته
(18/312)
من قبل وتزداد بمن تلده من بعد وقال
القرطبي في هذه الآية دليل على أن الحامل تحيض وهو واحد قولي الشافعي وقال عطاء
والشعبي في آخرين لا تحيض وهو قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه
4697 - حدثنا حدثني ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( معن ) قال حدثني ( مالك ) عن (
عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال مفاتيح الغيب
خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا
الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم
متى تقوم الساعة إلا الله
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعن بفتح وسكون العين المهملة وبالنون ابن عيسى القزاز
بالقاف وتشديد الزاي الأولى وقال ابن مسعود تفرد به إبراهيم وهذا هو عزيز وقال
الدارقطني رواه ابن أبي ظبية عن مالك عن عبد الله عن ابن عمر موقوفا
ومر الحديث في كتاب الاستسقاء في باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله فإنه أخرجه
هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عبد الله بن دينار
قوله مفاتيح الغيب أما استعارة مكنية أو مصرحة والتخصيص بهذه الخمسة مع أن التي لا
يعلمها إلا الله كثيرة إما لأنهم كانوا يعتقدون أنهم يعرفونها أو لأنهم سألوه عنها
مع أن مفهوم العدد لا احتجاج به فافهم
بعون الله تعالى وحسن توفقيه قد تم الجزء الثامن عشر ويليه إن شاء
الله تعالى الجزء التاسع عشر وأوله سورة إبراهيم
(18/313)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء التاسع عشر
41 -
( سورة إبراهيم عليه السلام )
أي هذا في تفسير بعض سورة إبراهيم عليه السلام
بسم الله الرحمان الرحيم
لم تثبت البسملة إلا لأبي ذر وحده قال أبو العباس فيها آية واحدة مدنية وهي قوله
تعالى ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( إبراهيم 82 ) وعن الكلبي هي مدنية
نزلت فيمن قتل ببدر وعن ابن المنذر عن قتادة نزلت بالمدينة من سورة إبراهيم ألم تر
إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا الآيتين وسائرها مكي وقال الثعلبي مكية وهي ثلاثة
آلاف وأربعمائة وأربعة وثلاثون حرفا وثمانمائة وإحدى وثلاثون كلمة وإثنتان وخمسون
آية
قال ابن عباس هاد داع
أشار به إلى قوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ولكن هذا في سورة الرعد
والظاهر أن ذكر هذا هنا من بعض النساخ وفسر لفظ هاد بقوله داع وروى هذا التعليق
الحنظلي عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي عن ابن عباس
وقال مجاهد صديد قيح ودم
أشار به إلى قوله من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ( إبراهيم 61 ) لم يذكر هذا في
رواية أبي ذر وروى هذا التعليق ابن المنذر عن موسى عن أبي بكر عن شبابة عن ورقاء
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعن قتادة هو ما يخرج من جلد الكافر ولحمه وعن محمد بن
كعب والربيع بن أنس هو غسال أهل النار وذلك ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر
وقال ابن عيينة اذكروا نعمة الله عليكم أيادي الله عندكم وأيامه
أي قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم
إذ أنجاكم من آل فرعون ( إبراهيم 6 ) الآية وفسر نعمة الله بقوله أيادي الله
والأيادي جمع الأيدي وهو جمع اليد بمعنى النعمة وهذا التعليق وصله الطبري من طريق
الحميدي عنه
وقال مجاهد من كل ما سألتموه رغبتم إليه فيه
أي قال مجاهد في قوله تعالى وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه (
إبراهيم 33 و43 ) أن معناه وأعطاكم من كل ما رغبتم
(19/2)
إليه فيه وقال بعض المفسرين معناه
وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه وعن الضحاك أعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا
سألتموها على النفي على قراءة من كل بالتنوين صدق الله تعالى كم من شيء أعطانا
الله وما سألناه إياه ولا خطر لنا على بال وعن الحسن رحمه الله من كل الذي سألتموه
أي من كل ما سألتم
يبغونها عوجا يلتمسون لها عوجا
أشار به إلى قوله تعالى ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ( إبراهيم 3 ) الآية
هذا وقع هنا في رواية الأكثرين وهو الصواب لأنه من تفسير مجاهد أيضا وفسر قوله
يبغونها بقوله يلتمسون لها وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال يلتمسون لها الزيغ والعوج بالفتح فيما كان مائلا منتصبا كالحائط والعود
وبالكسر في الأرض والدين وشبههما قاله ابن السكيت وابن فارس
وإذ تأذن ربكم أعلمكم آذنكم
أشار به إلى قوله تعالى وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ( إبراهيم 7 ) وفسر تأذن
بقوله أعلمكم قوله آذنكم كذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر أعلمكم ربكم ونقل
بعضهم عن أبي عبيدة أنه قال كلمة ذر زائدة قلت ليس كذلك بل معناه اذكروا حين تأذن
ربكم ومعنى تأذن ربكم إذن ربكم قال الزمخشري ونظير تأذن وآذن توعد وأوعد تفضل
وأفضل ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل وإذ تأذن ربكم إيذانا
بليغا تنتفي عنده الشكوك وقال بعضهم إذ تأذن من الإيذان قلت ليس كذلك بل هو من
التأذين
ردوا أيديهم في أفواههم هاذا مثل كفوا عما أمروا به
أشار به إلى قوله تعالى جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم ( إبراهيم
9 ) وقال ابن مسعود عضوا على أيديهم غيظا عليهم قوله هذا مثل قال الكرماني هذا
بحسب المقصود مثل كفوا عما أمرو به قال ويروى مثل بالمفتوحتين انتهى ولم يوضح ما
قاله حتى يشبع الناظر فيه أقول مثل كفوا بكسر الميم وسكون التاء يعني معنى ردوا
أيديهم في أفواههم مثل معنى كفوا عما أمروا به وهو على صيغة المجهول وأما المعنى
على رواية هذا مثل بفتحتين فعلى طريق المثل أي مثل ما جاء به الأنبياء من النصائح
والمواعظ وأنهم ردوها أبلغ رد فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما
أرسلتم به أراد إن هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره ويقال أو وضعوا أيديهم على
أفواههم يقولون للأنبياء أطبقوا أيديكم أفواهكم واسكتوا أو ردوها في أفواه
الأنبياء يشيرون لهم إلى السكوت أو وضعوها على أفواههم ولا يذرونهم يتكلمون
مقامي حيث يقيمه الله بين يديه
أشار به إلى قوله تعالى ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ( إبراهيم 41 ) وفسر قوله
مقامي بقوله حيث يقيمه بين يديه وهكذا روي عن ابن عباس وغيره وفي التفسير مقامي
موقفي وهو موقف الحساب لأنه موقف الله تعالى الذي يقف فيه عباده يوم القيامة وقيل
خاف قيامي عليه وحفظي لأعماله
من ورائه قدامه جهنم
أشار به إلى قوله تعالى ومن ورائه عذاب غليظ ( إبراهيم 71 ) وفسر الوراء بالقدام
وفسره الزمخشري بقوله بمن بين يديه ونقل قطرب وغيره أنه من الأضداد وأنكره إبراهيم
بن عرفة وقال لا يقع وراء بمعنى أمام إلا في زمان أو مكان وقال الأزهري معناه ما
توارى عنه واستتر
لكم تبعا واحدها تابع مثل غيب وغائب
(19/3)
أشار به إلى قوله تعالى إنا كنا لكم
تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ( إبراهيم 12 ) التبع جمع تابع كخدم
جمع خادم ومثله البخاري بقوله مثل غيب بفتحتين جمع غائب وقيل معناه إنا كنا لكم
ذوي تبع
بمصرخكم استصرخني استغاثني يستصرخه من الصراخ
أشار به إلى قوله فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي (
إبراهيم 22 ) وهذا لم يثبت إلا في رواية أبي ذر قوله ما أنا بمصرخكم أي ما أنا
بمغيثكم قال أبو عبيدة وقال الزمخشري ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي لا ينجي
بعضنا بعضا من عذاب الله ولا يغيثه والإصراخ الإغاثة وقرىء بمصرخي بكسر الياء وهي
ضعيفة قلت القراءة الصحيحة فتح الياء وهو الأصل وقرأ حمزة بكسر الياء وقال الزجاج
هي عند جميع النحويين ضعيفة لا وجه لها إلا وجه ضعيف وهو ما أجازه الفراء من الكسر
على الأصل لالتقاء الساكنين
قوله استصرخني وقيل استصرخني فلان أي استغاثني فأصرخته أي أغثته قوله يستصرخه
معناه يصيح به فلذا قال من الصراخ بالخاء المعجمة وهو الصوت
ولا خلال مصدر خاللته خلالا ويجوز أيضا جمع خلة وخلال
أشار به إلى قوله تعالى يوم لا بيع فيه ولا خلال ( إبراهيم 13 ) وذكر في لفظ خلال
وجهان أحدهما أنه مصدر خاللته خلال والمعنى ولا مخاللة خليل وثانيهما إنه جمع خلة
مثل ظلة وظلال وهذا الوجه قاله أبو علي الفارسي وجمهور أهل اللغة على الأول والخلة
بضم الخاء الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه ومنه الخليل
وهو الصديق
اجتثت استؤصلت
أشار به إلى قوله تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتئت من فوق الأرض ما لها من
قرار ( إبراهيم 62 ) وفسر هذه اللفظة بقوله استؤصلت وهو على صيغة المجهول من الاستئصال
وهو القلع من أصله
1 -
( باب قوله كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين (
إبراهيم4252 )
هذا باب في قوله تعالى كشجرة طيبة وليس في أكثر النسخ لفظ باب وفي رواية أبي ذر
إلى قوله ( ثابت ) وفي رواية غيره إلى ( حين ) الكلام أولا في وجه التشبيه بين
الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة وبيانه موقوف على تفسير الكلمة الطيبة والشجرة
الطيبة فالكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله نقل ذلك عن ابن عباس وهو قول
الجمهور والشجرة الطيبة فيها أقوال فقيل كل شجرة طيبة مثمرة وقيل النخلة وقيل
الجنة وقيل شجرة في الجنة وقيل المؤمن وقيل قريش وقيل جوز الهند وأما بيان وجه
التشبيه على القول الأول فهو من حيث الحسن والزهارة والطيب والمنافع الحاصلة في كل
واحدة من كلمة الشهادة والشجرة الطيبة المثمرة وأما على القول الثاني وهو الذي
عليه الجمهور فهو من حيث كثرة الخير في العاجل والآجل وحسن المنظر والشكل الموجود
في كل واحد من كلمة الشهادة والنخلة فإن كثرة الخير في العاجل والآجل مستمرة في
صاحب كلمة الشهادة وكذلك حسن المنظر والشكل وفي النخلة كذلك فإنها كثيرة الخير
وطيبة الثمرة من حين تطلع يؤكل منها حتى تيبس فإذا يبست يتخذ منها منافع كثيرة من
خشبها وأغصانها وورقها ونواها وقيل وجه التشبيه أن رأسها إذا قطع ماتت بخلاف باقي
الشجر وقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح وقيل إنها فضلة طينة آدم عليه الصلاة و السلام
على ما روي وقيل في علو فروعها كارتفاع عمل المؤمن وقيل لأنها شديدة الثبوت كثبوت
الإيمان في قلب المؤمن وأما على القول الثالث إنها شجرة في الجنة رواه أبو ظبيان
عن ابن عباس فهو من حيث الدوام والثبوت على ما لا يخفى وأما على القول الرابع فهو
من حيث ارتفاع عمل المؤمن الصالح في كل وقت ووجود ثمرة النخلة في كل حين وأما على
القول الخامس فهو من حيث ارتفاع القدر في كل واحد من قريش والنخلة أما قريش فلا شك
أن قدرهم مرتفع على سائر قبائل العرب وأما النخلة فكذلك على سائر الأشجار من
الوجوه التي ذكرناها وأما على القول السادس الذي هو جوز الهند
(19/4)
فهو من حيث إنه لا يتعطل من ثمره على
ما رواه ابن مردويه من حديث فروة بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله
تؤتى أكلها كل حين ( إبراهيم 52 ) قال هي شجر جوز الهند لا يتعطل من ثمره وتحمل في
كل شهر وروي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أيضا قال السهيلي ولا يصح وكذلك
المؤمن الذي هو صاحب كلمة الشهادة لا يتعطل من عمله الصالح قوله أصلها ثابت أي في
الأرض وفرعها في السماء يعني في العلو فإذا كان أصلها ثابتا أمن الانقطاع لأن
الطيب إذا كان في معرض الانقراض حصل بسبب فنائه وزواله الحزن فإذا علم أنه باق عظم
الفرح بوجدانه وإذا كان فرعها في السماء دل على كمالها من وجهين الأول ارتفاع
أغصانها وقوتها وتصعدها يدل على ثبوت أصلها ورسوخ عروقها الثاني إذا كانت مرتفعة
كانت بعيدة عن عفونات الأرض فكانت ثمرتها نقية طاهرة من جميع الشوائب قوله تؤتى أي
تعطي أكلها أي ثمرها كل حين اختلفوا فيه فقال مجاهد وعكرمة وابن زيد كل سنة وعن
ابن عباس الحين حينان حين يعرف ويدرك وحين لا يعرف فالأول قوله ولتعلمن نبأه بعد
حين والثاني قوله تؤتى أكلها كل حين ( ص 88 ) فهو ما بين العام إلى العام المقبل
وقال سعيد بن جبير وقتادة الحين كل ستة أشهر ما بين صرامها إلى حملها وقال الربيع
بن أنس كل حين كل غدوة وعشية كذلك يصعد عمل المؤمن أول النهار وآخره وهي رواية عن
ابن عباس أيضا وقال الضحاك الحين ساعة ليلا ونهارا صيفا وشتاء يؤكل في جميع
الأوقات كذلك المؤمن لا يخلو من الخير في الأوقات كلها فإن قلت قد بينت وجه
التشبيه بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة فما الحكمة بالتمثيل بالشجرة قلت لأن
الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل قائم وفرع عال فكذلك الإيمان
لا يقوم ولا يثمر إلا بثلاثة أشياء تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالأبدان
8964 - حدثني ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع )
عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال كنا عند رسول الله فقال أخبروني بشجرة تشبه أو
كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا تؤتي أكلها كل حين قال ابن عمر فوقع في
نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما لم يقولوا
شيئا قال رسول الله هي النخلة فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه والله لقد كان وقع في
نفسي أنها النخلة فقال ما منعك أن تكلم قال لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول
شيئا قال عمر لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا
مطابقته للترجمة من حيث إن الشجرة الطيبة هي النخلة على قول الجمهور وأبو أسامة حماد
بن أسامة وعبيد الله ابن عمر العمري
والحديث قد مر في كتاب العلم في أربعة مواضع ومر الكلام فيه هناك
قوله تشبه أو كالرجل المسلم شك من أحد الرواة ومعناه تشبه الرجل المسلم أو قال
كالرجل المسلم قوله ولا يتحات من باب التفاعل أي لا يتناثر قوله ولا ولا ولا ثلاث
مرات أشار بها إلى ثلاث صفات أخر للنخلة ولم يذكرها الراوي واكتفى بذكر كلمة لا
ثلاث مرات وقوله تؤتى أكلها كل حين صفة خامسة لها وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله
النخلة بالرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف أي هي النخلة قوله إن تكلم بنصب الميم لأن
أصله أن تتكلم فحذفت إحدى التاءين تخفيفا قوله من كذا وكذا أي من حمر النعم كما في
الرواية الأخرى
2 -
( باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( إبراهيم 72 )
أي هذا باب في قوله عز و جل يثبت الله أي يحقق الله إيمانهم وأعمالهم ( بالقول
الثابت ) وهو شهادة لا إله إلا الله قوله في الحياة الدنيا يعني في القبر عند
السؤال ( وفي الآخرة ) إذا بعث
(19/5)
9964 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا (
شعبة ) قال أخبرني ( علقمة بن مرثد ) قال سمعت ( سعد بن عبيدة ) عن ( البراء بن
عازب ) أن رسول الله قال المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إلاه إلا الله وأن
محمدا رسول الله فذالك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا
وفي الآخرة ( إبراهيم 72 )
( انظر الحديث 9631 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي وعلقمة بن مرثد
بفتح الميم وسكون الراء وبالثاء المثلثة الحضرمي الكوفي مر في الجنائز وسعد بن
عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة السلمي مر في الوضوء وقد مر الحديث في كتاب
الجنائز في باب ما جاء في عذاب القبر وقد مر الكلام فيه هناك
3 -
( باب قوله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( إبراهيم 82 )
)
أي هذا باب في قوله عز و جل لم تر إلى الذين الآية قوله بدلوا أي غيروا نعمة الله
عز و جل عليهم في محمد حيث بعثه الله تعالى منهم وفيهم فكفروا به وكذبوه وأحلوا أي
وأنزلوا قومهم ممن تابعهم على كفرهم دار البوار أي الهلاك ثم بين ذلك بقوله جهنم
يصلونها وبئس القرار ( إبراهيم 92 )
ألم تعلم كقوله ألم تر كيف ألم تر إلى الذين خرجوا
فسر قوله ألم تر بقوله ألم تعلم وهكذا فسره أبو عبيدة وقال الكرماني هو بمعنى ألم
تعلم إذ الرؤية بمعنى الإبصار غير حاصلة إما لتعذرها وإما لتعسرها عادة قلت هذه
الكلمة تقال عند التعجب من الشيء وعند تنبيه المخاطب كقوله تعالى ألم تر إلى الذين
خرجوا من ديارهم ( البقرة 342 ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( آل
عمران 32 النساء7 و44 ) والبوار الهلاك والفعل منه بار يبور من باب قال يقول قوله
قوما بورا هالكين أشار به إلى قوله تعالى دار البوار والبوار الهلاك والفعل منه
بار يبور نت باب قال يقول قوما بورا هالكين أن يكون بورا مصدرا وصف به الجمع وأن
يكون جمع بائر
00 - 7 - 4 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) وعن ( عطاء )
سمع ( ابن عباس ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا
( انظر الحديث 7793 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
وعمرو هو ابن دينار وقد تقدم في غزوة بدر
51 -
( سورة الحجر )
أي هذا في بيان تفسير بعض سورة الحجر وقال الطبري هي مكية بإجماع المفسرين ويرد
عليه بقول الكلبي أن فيها آية مدنية وقال السخاوي نزلت بعد يوسف وقبل الأنعام وهي
ألفان وسبعمائة وستون حرفا وستمائة وأربع وخمسون كلمة وتسع وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر عن المستملي وله عن غيره بدون لفظ تفسير
وقال مجاهد صراط علي مستقيم الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه
أي قال مجاهد في قوله تعالى قال هذا صراط على مستقيم ( الحجر 14 ) معناه الحق يرجع
إلى الله وعليه طريقه لا يعرج على شيء وهذا التعليق رواه ابن أبي حاتم عن حجاج بن
حمزة عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
(19/6)
وعن الأخفش معناه على الدلالة على صراط
مستقيم وعن الكسائي هذا على الوعيد والتهديد كقولك للرجل تخاصمه وتهدده طريقك علي
وإنهما لبإمام مبين الإمام كل ما ائتممت واهتديت به إلى الطريق
أشار إلى قوله تعالى فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ( الحجر 97 ) سقط هذا والذي
قبله لأبي ذر إلا عن المستملي قوله وإنهما يعني مدينة قوم لوط عليه السلام ومدينة
أصحاب الأيكة لبإمام مبين يعني بطريق واضح مستبين وسمى الطريق إماما لأنه يؤتم به
وقال ابن عباس لعمرك لعيشك
أشار به إلى قوله تعالى لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( الحجر 27 ) وفسر لعمرك
بقوله لعيشك رواه ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس وفي ( تفسير الثعلبي ) لعمرك يا محمد يعني حياتك أنهم أي إن قوم
لوط عليه السلام لفي سكرتهم أي ضلالتهم وحيرتهم يعمهون أي يترددون وعن مجاهد وعن
قتادة يلعبون
قوم منكرون أنكرهم لوط
أشار به إلى قوله تعالى فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون ( الحجر
1626 ) لم يثبت هذا ولا الذي قبله في رواية أبي ذر والمراد بالمرسلين الملائكة
الذين جاؤوا أولا إلى إبراهيم عليه السلام وبشروه بغلام يرزقه الله إياه على كبره
ولما سألهم إبراهيم بقوله فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم
مجرمين ( الحجر 7585 ) أرادوا بهم قوم لوط ثم لما جاؤوا لوطا أنكرهم فقال إنكم قوم
منكرون ( الحجر 26 ) يعني لا أعرفكم وهو معنى قوله أنكرهم لوط يعني ما عرفهم وقصته
مشهورة
وقال غيره كتاب معلوم أجل
أي قال غير ابن عباس في تفسير قوله تعالى وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم
( الحجر 4 ) أي أجل وفي التفسير أجل موقت قد كتبناه لهم لا نعذبهم ولا نهلكم حتى
يبلغوه وهكذا وقع في رواية أبي ذر كما ذكره البخاري
لو ما تأتينا هلا تأتينا
أشار به إلى قوله عز و جل لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ( الحجر 7 )
وفسر قوله لو ما تأتينا بقوله هلا تأتينا والحاصل أن لو هنا للتحضيض قال الزمخشري
لو ركبت مع ماو لا لمعنيين معنى امتناع الشيء لوجود غيره ومعنى التحضيض وأما هل
فلم تركب إلا مع لا وحدها للتحضيض والمعنى هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك
ويعضدونك على إنذارك
شيع أمم وللأولياء أيضا شيع
أشار به إلى قوله عز و جل ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ( الحجر 01 ) وفسر
قوله شيع بقوله أمم وقال أبو عبيدة في شيع الأولين أي في أمم الأولين واحدها شيعة
وقال الثعلبي فيه إضمار تقديره ولقد أرسلنا من قبلك رسلا في شيع الأولين وقال
الحسن فرق الأولين والشيعة الفرقة والطائفة من الناس قوله وللأولياء أيضا شيع أي
لهم شيع وقال الطبري ويقال ولأولياء الرجل أيضا شيعة
وقال ابن عباس يهرعون مسرعين
هذا ليس من هذه السورة وإنما هو من سورة هود وأشار به إلى قوله تعالى وجاءه قومه
يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ( هود 87 ) وفسر ابن عباس قوله تعالى
يهرعون بقوله مسرعين وقد وصل هذا التعليق ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قوله وجاءه قومه أي جاء لوطا قومه وقد ذكرنا قصته في ( تاريخنا الكبير )
(19/7)
للمتوسمين للناظرين
أشار به إلى قوله تعالى إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( الحجر57 ) وفسر المتوسمين
بقوله للناظرين ويقال للمتفرسين المتأملين وقال الزمخشري حقيقة المتوسمين النظار
المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء وقال قتادة معناه للمعتبرين وقال
مقاتل للمتفكرين
سكرت غشيت
أشار به إلى قوله تعالى إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ( الحجر51 ) وفسر
سكرت بقوله غشيت وكذا فسره أبو عبيدة وقال أبو عمرو وهو مأخوذ من السكر في الشراب
وعن ابن عباس سكرت أخذت وعن الحسن سكرت وعن الكلبي أغشيت وأغميت وقيل حبست ومنعت
من النظر
بروجا منازل للشمس والقمر
أشار به إلى قوله تعالى ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ( الحجر 61 )
وفسر بروجا بقوله منازل للشمس والقمر وقال الثعلبي بروجا أي قصورا ومنازل وهي
كواكب تنزلها الشمس والقمر وزحل والمشتري والمريخ وعطارد والزهرة والكواكب السيارة
وأسماؤها الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس
والجدي والدلو والحوت وقال مجاهد أراد بالبروج النجوم
لواقح ملاقح ملقحة
أشار به إلى قوله تعالى وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ( الحجر22 )
وفسر اللواقح بقوله ملاقح ثم أشار بأنه جمع ملقحة وتفسير اللواقح بالملاقح نادر
وإنما يقال رياح لواقح ولا يقال ملاقح قال الجوهري وهو من النوادر ويقال ألقح
الفحل الناقة وألقح الريح السحاب وقال ابن مسعود في هذه الآية يرسل الله تعالى
الريح فتحمل الماء فتمر بالسحاب فتدر كما تدر الملقحة ثم تمطر وقال الفراء أراد
بقوله لواقح ذات لقح كقول العرب رجل لابن ورامخ وتامر
حمأ جماعة حمأة وهو الطين المتغير والمسنون المصبوب
أشار به إلى قوله تعالى لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون ( الحجر 33
) وذكر أن حمأ جمع حمأ ثم فسرها بالطين المتغير وفسر المسنون بقوله المصبوب وهكذا
فسره أبو عبيدة وعن ابن عباس المسنون التراب المبتل المنتن وأصله من قول العرب
سننت الحجر على الحجر إذا صللته به وما يخرج من بين الحجرين يقال له السنين
والسنانة ومنه المسن قوله من صلصال وهو الطين اليابس إذا نقرته سمعت له صلصلة أي
صوتا من يبسه قبل أن تمسه النار فإذا مسته النار فهو فخار وعن مجاهد هو الطين
المنتن واختاره الكسائي من صل اللحم وأصل إذا أنتن
توجل تخف
أشار به إلى قوله تعالى قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ( الحجر35 ) وفسر توجل
بقوله تخف وأصله لا توجل وتفسيره لا تخف واشتقاقه من الوجل وهو الخوف قوله قالوا
أي قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام لا توجل إنما قالوا ذلك حين دخلوا على
إبراهيم قال إبراهيم عليه السلام إنا منكم وجلون أي خائفون ثم يشروه بغلام أتاه
إياه على كبره وكبر امرأته وأراد بالغلام إسحاق قوله عليم أي عليم بالدين وقيل
بالحكمة وهذا الذي ذكره البخاري لم يثبت في رواية أبي ذر
دابر آخر
أشار به إلى قوله تعالى وقضينا إليه ذلك الأمران دابر هؤلاء مقطوع مصبحين (
الحجر66 ) وفسر دابر بقوله آخر وهذا أيضا لم يثبت في رواية أبي ذر قوله وقضينا
إليه أي أوحينا إلى لوط عليه السلام بأن دابر هؤلاء أي قومه مقطوع أي مستأصل قوله
مصبحين أي حال كونهم في الصبح
الصيحة الهلكة
(19/8)
أشار به إلى قوله تعالى فأخذتهم الصيحة
مشرقين ( الحجر37 ) وفسر الصيحة بالهلكة وهكذا فسرها أبو عبيدة قوله مشرقين أي حين
أشرقت الشمس عليهم وهم قوم لوط عليه السلام
1 -
( باب إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ( الحجر81 )
أي هذا باب في قوله تعالى إلا من استرق السمع وليس في بعض النسخ باب وأوله وحفظنا
من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع الآية قوله وحفظناها أي السماء بالشهب من كل
شيطان رجيم أي مرجوم مبعد قوله إلا من استرق السمع استثناء منقطع أي لكن من استرق
السمع وعن ابن عباس إنهم كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى عليه السلام
منعوا من ثلاث سموات فلما ولد نبينا محمد منعوا من السموات أجمع فما منهم من أحد
يريد استراق السمع إلا رمى بشهاب مبين أي بنار بين والشهاب في اللغة النار الساطعة
1074 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( عكرمة ) عن (
أبي هريرة ) رضي الله عنه يبلغ به النبي قال إذا قضي الله الأمر في السماء ضربت
الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان قال علي وقال غيره صفوان
ينفذهم ذالك فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو
العلي الكبير فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هاكذا واحد فوق آخر ووصف سفيان
بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض فربما أدرك الشهاب المستمع
قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى
الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض وربما قال سفيان حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى
على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا
وكذا فوجدناه حقا للكلمة التي سمعت من السماء
( مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
وعمرو هو ابن دينار وعكرمة هو مولى ابن عباس
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن الحميدي في التفسير وفي التوحيد أيضا عن علي بن عبد
الله وأخرجه أبو داود في الحروف عن أحمد بن عبدة وأخرجه الترمذي في التفسير عن
محمد بن يحيى وأخرجه ابن ماجه في التفسير عن يعقوب بن حميد بن كاسب وقال الدارقطني
رواه علي بن حرب عن سفيان فوقفه ورواه أيضا عن إسحاق بن عبد الواحد عن ابن عيينة
عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي هريرة قال هذا غلط في ذكره ابن عباس بأن
جماعة رووه عن سفيان فقالوا عن عكرمة حدثنا أبو هريرة
قوله يبلغ به النبي ولم يقل صريحا سمعت رسول الله لاحتمال الواسطة أو شيء من كيفية
البلاغ قوله إذا قضى الله أي إذا حكم الله عز و جل بأمر من الأمور والقضاء فصل
الأمر سواء كان بقول أو فعل وهذا بمعنى التقدير ويجيء بمعنى الخلق كما في قوله
عليه السلام لما قضى الله أي لما خلقه قوله ضربت الملائكة أي ملائكة السماء
بأجنحتها قوله خضعانا بضم الخاء مصدر من خضع نحو غفر غفرانا ويقال خضع يخضع خضوعا
وخضعانا وهو الانقياد والطاعة ويروى بكسر الخاء كالوحدان ويجوز أن يكون جمع خاضع
وقال الكرماني أي خاضعين وقال شيخ شيخنا الطيبي إذا كان خضعانا جمعا كان حالا وإذا
كان مصدرا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا لما في ضرب الأجنحة من معنى الخضوع أو مفعولا
له وذلك لأن الطائر إذ استشعر خوفا أرخى جناحيه مرتعدا قوله لقوله أي لقول الله عز
و جل قوله كالسلسلة على الصفوان تشبيه القول المسموع بالسلسلة على الصفوان كما شبه
في بدء الوحي بقوله كصلصلة الجرس وهو صوت الملك بالوحي والصفوان الحجر الأملس وقال
الخطابي الصلصلة
(19/9)
صوت الحديد إذا تحرك وتداخل وكأن
الرواية وقعت له هنا بالصاد أو أراد أن التشبيه في الموضعين بمعنى واحد قوله قال
علي هو علي بن عبد الله شيخه قوله وقال غيره أي غير سفيان الراوي المذكور ينفذهم
ذلك وهذه اللفظة هي زيادة غير سفيان أي ينفذ الله إلى الملائكة ذلك القول وروي
ينفذ ذلك أي ينفذ الله ذلك الأمر والصفوان تلك السلسلة أي صوتها وفي تفسير ابن
مردويه من حديث ابن مسعود رفعه إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة أي
كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة وقرأ حتى إذا فزع (
سبإ32 ) الآية وأصل الحديث عند أبي داود قوله فإذا فزع أي فإذا أزيل الخوف عن
قلوبهم وزوال الفزع هنا بعد سماعهم القول كالفصم عن رسول الله بعد سماع الوحي قوله
ماذا قال ربكم أي قالت الملائكة أي شيء قال ربكم قوله قالوا القائلون هم المجيبون
وهم الملائكة المقربون كجبريل وميكائيل وغيرهما على ما رواه أبو داود من حديث ابن
مسعود قال إذا تكلم الله عز و جل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على
الصفوان فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام فإذا جاء جبريل فزع
عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربكم فيقول الحق فيقولون الحق الحق قوله الذي
قال أي الذي قالوا الحق لأجل ما قال الله عز و جل والمعنى أنهم عبروا عن قول الله
وما قضاه وقدره بلفظ الحق قوله الحق منصوب على أنه صفة مصدر محذوف تقديره قال الله
القول الحق ويحتمل الرفع على تقدير قال المجيبون قوله الحق هكذا قدر الزمخشري في
سورة سبأ في قوله تعالى ماذا أنزل ربكم قالوا الحق ( سبإ32 ) بالرفع والقول يجوز
أن يراد به كلمة كن وإن يراد بالحق ما يقابل الباطل ويجوز أن يراد به القول
المسطور في اللوح المحفوظ فالحق بمعنى الثابت في اللوح المحفوظ قوله فيسمعها أي
يسمع تلك الكلمة وهي القول الذي قال الله عز و جل ومسترقو السمع فاعله وأصله
مسترقون للسمع فلما أضيف حذفت النون وفي رواية أبي ذر فيسمعها مسترق السمع
بالإفراد قوله ومسترقو السمع مبتدأ وخبره هو قوله هكذا ثم فسره بقوله هكذا واحد
فوق آخر ووصف سفيان إلى قوله فوق بعض من الوصف وهو بيان كيفية المستمعين بركوب
بعضهم على بعض وقال الكرماني وصف بتشديد الفاء ويروى ووصف قوله بيده ويروى بكفه أي
بين ركوب بعضهم فوق بعض بأصابعه قوله بعضها فوق بعض توضيح أو بدل وفيه معنى
التشبيه أي مسترقو السمع بعضهم راكب بعضهم مردفين ركوب أصابعي هذه بعضها فوق بعض
قوله ووصف سفيان إلى آخره كلام معترض بين الكلامين قوله فربما أدرك الشهاب المستمع
قد مر أن الشهاب هو النار وقيل هو كواكب تضيء قال الله تعالى إنا زينا السماء
الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد ( الصافات6 ) وسمى شهابا لبريقه
وشبهه بالنار وقيل الشهاب شعلة نار واختلفوا في أنه يقتل أم لا فعن ابن عباس أنه
يجرح ويحرق ولا يقتل وقال الحسن وغيره يقتل قوله إلى الذي هو أسفل منه بدل عن قوله
إلى الذي يليه قوله وربما قال سفيان حتى ينتهي إلى الأرض أيضا معترض قوله فتلقى أي
الكلمة التي يسترقها المستمع قوله على فم الساحر أي المنجم وفي الحديث المنجم ساحر
وفي رواية سورة سبأ على لسان الساحر أو الكاهن وفي رواية سعيد بن منصور عن سفيان
على الساحر أو الكاهن قوله فيكذب معها أي فيكذب الساحر مع تلك الكلمة الملقاة على
فمه قوله فيصدق على صيغة المجهول أي فيصدق الساحر في كذباته قوله فيقولون أي
السامعون منه ألم يخبرنا الساحر يوم كذا وكذا وهو بضم الياء من الإخبار قوله كذا
كناية عن الخرافات التي يذكرها الساحر قوله فوجدناه الضمير المنصوب فيه يرجع إلى
ما أخبر به الساحر قوله للكلمة التي أي لأجل الكلمة التي سمعت من السماء جعلوا كل
أخباره حقا
حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عمرو ) عن ( عكرمة ) عن ( أبي
هريرة ) إذا قضى الله الأمر وزاد والكاهن
هذا بعينه هو الإسناد الماضي ولكنه موقوف في معنى المرفوع وزاد علي فيه لفظ الكاهن
على الساحر
(19/10)
وحدثنا ( سفيان ) فقال قال ( عمرو )
سمعت ( عكرمة ) حدثنا ( أبو هريرة ) قال إذا قضى الله الأمر وقال على فم الساحر
قلت لسفيان أأنت سمعت عمرا قال سمعت عكرمة قال سمعت أبا هريرة قال نعم قلت لسفيان
إن إنسانا روى عنك عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة ويرفعه أنه قرأ فرغ قال سفيان
هاكذا قرأ عمرو فلا أدري سمعه هكذا أم لا قال سفيان وهي قراءتنا
أي قال علي بن عبد الله وحدثنا سفيان أيضا الخ وهذا السند فيه التصريح بالتحديث
وبالسماع قوله قلت لسفيان القائل هو علي بن عبد الله قوله ويرفعه أي ويرفع أبو
هريرة الحديث إلى النبي قوله قرأ فرغ بضم الفاء وتشديد الراء مكسورة وبالغين
المعجمة قال سفيان هو ابن عيينة وهكذا قرأ عمرو بن دينار وهذه القراءة رويت أيضا
عن الحسن وقتادة ومجاهد والقراءة المشهورة بالزاي والعين المهملة وقرأ ابن عامر
بفتح الفاء والراء وبالغين المعجمة من قولهم فرغ الزاد إذا لم يبق منه شيء وقال
الكرماني كيف جازت القراءة إذا لم تكن مسموعة قلت لعل مذهبه جواز القراءة بدون
السماع إذا كان المعنى صحيحا
2 -
( باب قوله ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ( الحجر08 )
أي هذا باب في قوله عز و جل ولقد كذب أصحاب الحجر أي الوادي وهي مدينة ثمود قوم
صالح وهي فيما بين المدينة والشام وقال الثعلبي أراد بالمرسلين صالحا وحده وقال
الزمخشري لأن من كذب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا أو أراد صالحا ومن معه من
المؤمنين كما قيل الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه قلت التنظير فيه نظر لأن من كان
مع صالح من المؤمنين لم يكونوا رسلا وإنما كانوا أمته
2074 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( معن ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد
الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال لأصحاب
الحجر لا تدخلوا على هاؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا
تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعن هو أبو عيسى بن يحيى القزاز المدني
والحديث قد مر في كتاب الصلاة في باب الصلاة في مواضع الخسف فإنه أخرجه هناك عن
إسماعيل بن عبد الله عن مالك الخ وهذا أعلى بدرجة لأن بينه وبين مالك هناك واحد
وههنا إثنان
قوله لأصحاب الحجر أي لأصحاب رسول الله الذين قدموا الحجر قوله هؤلاء القوم أي على
منازلهم قوله باكين من البكاء وذكر ابن التين عن الشيخ أبي الحسن بائين بهمزة بدل
الكاف ثم قال ولا وجه لذلك قوله أن يصيبكم أي أن لا يصيبكم أو كراهة أن يصيبكم
3 -
( باب قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ( الحجر78 )
أي هذا باب في قوله عز و جل ولقد آتيناك سبعا من المثاني أي فاتحة الكتاب وهو قول
عمر وعلي وابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة والربيع والكلبي ويروى ذلك مرفوعا كما
يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى وسميت بذلك لأن أهل السماء يصلون بها كما يصلي أهل
الأرض وقيل لأن حروفها وكلماتها مثناة مثل الرحمن الرحيم إياك وإياك والصراط
والصراط وعليهم وعليهم وغير وغير في قراءة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقال
الحسين بن المفضل لأنها نزلت مرتين مع كل مرة منها سبعون ألف ملك مرة بمكة من
أوائل ما أنزل من القرآن ومرة بالمدينة والسبب فيه أن سبع قوافل وافت من بصرى
وأذرعات ليهود من بني قريظة والنضير في يوم واحد وفيها أنواع من البرد وأفانين
الطيب والجواهر وأمتعة
(19/11)
البحر فقال المسلمون لو كانت هذه
الأموال لنا لتقوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله تعالى فأنزل الله هذه الآية ولقد
آتيناك سبعا ( الحجر78 ) أي سبع آيات خير لك من هذه السبع القوافل ودليل هذا قوله
عز و جل في عقبها لا تمدن عينيك ( الحجر88 ) الآية وقيل لأنها مصدرة بالحمد والحمد
أول كلمة تكلم بها آدم عليه السلام حين عطس وهي آخر كلام أهل الجنة من ذريته قال
الله تعالى وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( يونس01 ) وقال قوم إن السبع
المثاني هي السبع الطوال وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف
والأنفال والتوبة معا وهما سورة واحدة ولهذا لم تكتب بينهما بسملة وهو قول ابن عمر
وابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وعن ابن عباس إنما سميت الطوال مثاني لأن الفرائض
والحدود والأمثال والخبر والعبر ثبتت فيها وعن طاووس وابن مالك القرآن كله مثاني
لأن الأنباء والقصص ثبتت فيه فعلى هذا القول المراد بالسبع سبعة أسباع القرآن
ويكون فيه إضمار تقديره وهو القرآن العظيم قيل الواو فيه مقحمة مجازه ولقد آتيناك
سبعا من المثاني والقرآن العظيم وقيل دخلت الواو لاختلاف اللفظين وعلى القول الأول
يكون العطف في قوله والقرآن العظيم من عطف العام على الخاص
3074 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( خبيب بن عبد
الرحمان ) عن ( حفص بن عاصم ) عن ( أبي سعيد بن المعلى ) قال مر بي النبي وأنا
أصلي فداعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيت فقال ما منعك أن تأتي فقلت كنت أصلي فقال
ألم يقل الله يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ثم قال ألا أعلمك أعظم
سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي ليخرج من المسجد فذكرته فقال
الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة
وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر وقد تكرر ذكره وخبيب بضم
الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى أبو
الحارث الأنصاري المدني وحفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وأبو سعيد
بن المعلى من التعلية بلفظ اسم المفعول واسمه الحارث أو رافع أو أوس الأنصاري
والحديث قد مر في أول التفسير في باب ما جاء في فاتحة الكتاب فإنه أخرجه هناك عن
مسدد عن يحيى عن شعبة الخ وقد مر الكلام فهي هناك
4074 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) حدثنا ( سعيد المقبري ) عن ( أبي
هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن
العظيم
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس وابن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة باسم
الحيوان المشهور واسمه محمد ابن عبد الرحمن العامري المدني وسعيد هو ابن أبي سعيد
المقبري واسم أبي سعيد كيسان
والحديث أخرجه أبو داود في الصلاة عن أحمد بن أبي شعيب الحراني وأخرجه الترمذي في
التفسير عن عبد بن حميد
قوله أم القرآن كلام إضافي مبتدأ قوله هي السبع المثاني جملة من المبتدأ والخبر
خبره والسبع المثاني هي الفاتحة وإنما سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي
في القرآن من الثناء على الله تعالى ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعد والوعيد
أو لما فيها من الأصول الثلاثة المبدأ والمعاش والمعاد وفيه الرد على ابن سيرين في
قوله لا تقولوا أم القرآن إنما هي فاتحة الكتاب وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ وقوله
القرآن العظيم عطف على أم القرآن وليس بعطف على السبع المثاني لعدم صحة العطف على
ما لا يخفى وهو مبتدأ وخبره محذوف تقديره والقرآن العظيم ما عداها هكذا ذكره بعضهم
وليس بصحيح قوله والقرآن العظيم هو الذي أعطيتموه
(19/12)
4 -
( باب الذين جعلوا القرآن عضين ( الحجر19 )
أي هذا باب في قوله عز و جل الذين جعلوا القرآن عضين وليس في بعض النسخ لفظ باب
وقبله وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن
عضين ( الحجر9819 ) قوله وقل أي قل يا محمد إني أنا النذير المبين عذابا كما
أنزلنا على المقتسمين فحذف المفعول فهو المشبه ودل عليه المشبه به كما تقول أرتيك
القمر في الحسن أي رجلا كالقمر وقيل الكاف زائدة أي أنذرتكم ما أنزلنا بالمقتسمين
وقيل متعلق بقوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( الحجر78 ) كما أنزلنا على
المقتسمين ( الحجر09 ) والآن يجيء تفسير المقتسمين قوله الذين جعلوا القرآن صفة
للمقتسمين قوله عضين أي أعضاء متفرقة من عضيت الشيء أي فرقته وقيل هو جمع عضة
وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء أي جزأها أجزاء وقيل أصلها عضهة
فحذفت الهاء الأصلية كما حذفت من الشفة وأصلها شفهة ومن الشاة وأصلها شاهة وبعد
الحذف جمع على عضين مثل ما جمع برة على برين وكرة على كرين وقلة على قلين وروى
الطبري من طريق قتادة قال عضين عضوه وبهتوه ومن طريق عكرمة قال العضة السحر بلسان
قريش يقال للساحرة العاضهة
المقتسمين الذين حلفوا
إنما سموا بذلك لأنهم كانوا يستهزئون بالقرآن فيقول بعضهم السورة منه لي ويقول
الآخر السورة منه لي وقال مجاهد فرقوا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر بعضها آخرون
وقيل هم قوم اقتسموا القرآن فقال بعضهم سحر وقال آخرون شعر وقال آخرون أساطير
الأولين وقال آخرون كذب وسمر وقال مقاتل كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن
المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقار مكة وطرقها وقعدوا على أبوابها وأنقابها فإذا
جاء الحاج قال فريق منهم لا تغتروا بالخارج منا مدعي النبوة فإنه مجنون وقالت
طائفة على طريق آخر إنه كاهن وقالت طائفة إنه عراف وقالت طائفة إنه شاعر والوليد
قاعد على باب المسجد نصبوه كاهنا فإذا سئل عن رسول الله قال صدق أولئك يعني
المقتسمين وأهلكهم الله عز و جل يوم بدر وقبله بآفات
ومنه لا أقسم أي أقسم وتقرأ لأقسم
أي ومن معنى المقتسمين لا أقسم وأشار بذلك إلى أن معنى المقتسمين من القسم فلذلك
قال المقتسمين الذين حلفوا وليس الأمر كما ذكره بل هو من الاقتسام لا من القسم فلا
يصح جعل لا أقسم منه قوله أي أقسم أي معنى لا أقسم أقسم لأن كلمة لا مقحمة وقال
أبو عبيدة في قوله تعالى لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة1 ) مجازها أقسم بيوم
القيامة وقيل كلمة لا على بابها والمعنى لا أقسم بكذا وكذا بل بكذا وقيل معناه ليس
الأمر كما زعمتم قوله وتقرأ على صيغة المجهول والقارىء بها ابن كثير لأقسم بفتح
اللام بغير مدو هو لام التأكيد وقيل لام القسم
قاسمهما حلف لهما ولم يحلفا له
أشار بهذا إلى أن باب المفاعلة هنا ليس على أصله وإنما هو على معنى فعل لا
للمشاركة وهذا في قوله تعالى وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( الأعراف12 ) أي
قاسم إبليس آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام ومعناه حلف لهما أنه من الناصحين لهما
في قوله ما نهاكما عن هذه الشجرة ( الأعراف02 ) الآية قوله ولم يحلفا له أي لم
يحلف آدم وحواء لإبليس وبهذا أشار إلى عدم المشاركة في قوله وقاسمهما كما ذكرناه
وقال مجاهد تقاسموا تحالفوا
أي قال مجاهد في معنى قوله تعالى تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ( النمل94 ) أي
تحالفوا وكذا أخرجه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه ومراده من ذكر هذا والذي
قبله تقوية ما ذهب إليه من أن لفظ المقتسمين من القسم لا من القسمة وهو خلاف ما
ذكره الجمهور من المفسرين
(19/13)
5074 - حدثني ( يعقوب بن إبراهيم )
حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( أبو بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله
عنهما الذين جعلوا القرآن عضين قال هم أهل الكتاب جزوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا
ببعضه
( انظر الحديث 5493 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويعقوب بن إبراهيم الدورقي وهو شيخ مسلم أيضا وهثيم مصغر
الهشيم ابن بشير بضم الباء الموحدة الواسطي وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون
الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري والحديث من أفراده قوله
جزؤه من التجزئة وهي التفرقة
6074 - حدثني عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله
عنهما كما أنزلنا على المقتسمين قال آمنوا ببعض وكفروا ببعض اليهود والنصارى
( انظر الحديث 5493 وطرفه ) ( عبيد الله بن موسى ) بن بازام أبو محمد العبسي
الكوفي و ( الأعمش ) هو سليمان وأبو ظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء
الموحدة وبالياء آخر الحروف وبالنون واسمه حصين مصغر الحصن بالمهملتين ابن جندب
المذحجي وليس له في البخاري عن ( ابن عباس ) إلا هذا الحديث وهو من أفراده قوله
آمنوا ببعض وكفروا ببعض تفسير المقتسمين قوله اليهود أي هم اليهود والنصارى وفسر
هذا قوله في الرواية السابقة هم أهل الكتاب
5 -
( باب قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ( الحجر 99 )
أي هذا باب في قوله عز و جل واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قالوا لما نزلت هذه الآية
قال النبي ما أوحي إلى أن أجمع المال وأكون من المتاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح
بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
قال سالم اليقين الموت
سالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وهذا التعليق رواه إسحاق بن
إبراهيم البستي عن بندار أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرنا سفيان عن طارق بن عبد الرحمن
عن سالم وقال بعضهم إطلاق اليقين على الموت مجاز لأن الموت لا يشك فيه وفيه نظر لا
يخفى
61 -
( سورة النحل )
أي هذا في تفسير بعض سورة النحل روى همام عن قتادة أنها مدنية وروى سعيد عنه أولها
مكي إلى قوله عز و جل الذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا ( النحل14 ) ومن هنا
إلى آخرها مدني وقال السدي مكية إلا آيتين وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به (
النحل621 ) وقال سفيان إنها مكية وقال القرطبي قال ابن عباس هي مكية إلا ثلاث آيات
نزلت بعد قتل حمزة رضي الله عنه ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ( النحل59 )
الآيات وفي رواية هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بين مكة والمدينة منصرف رسول الله من
أحد وقال السخاوي نزلت بعد الكهف وقبل سورة نوح عليه السلام وهي سبعة آلاف
وسبعمائة وسبعة أحرف وألفان وثمانمائة وإحدى وأربعون كلمة ومائة وثماني وعشرون آية
بسم الله الرحمان الرحيم
لم تثبت البسملة إلا في رواية أبي ذر
روح القدس جبريل عليه السلام نزل به الروح الأمين
أشار به إلى قوله تعالى قل نزله روح القدس من ربك بالحق ( النحل201 ) الآية وفسر
روح القدس بقوله جبريل عليه السلام وكذا رواه ابن أبي حاتم بإسناد رجاله ثقات عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكذا روى الطبري من طريق
(19/14)
محمد بن كعب القرظي قال روح القدس
جبريل عليه السلام وأضيف الروح إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود وزيد
الخير والمراد الروح القدس وقال ابن الأثير لأنه خلق من طهارة والروح في الحقيقة
ما يقوم به الجسد وتكون به الحياة وقد أطلق على القرآن والوحي والرحمة وعلى جبريل عليه
السلام قوله نزل به الروح الأمين ذكره استشهادا لصحة هذا التأويل فإن المراد به
جبريل عليه السلام اتفاقا وكأنه أشار به إلى رد ما رواه الضحاك عن ابن عباس قال
روح القدس الاسم الذي كان عيسى عليه السلام يحيي به الموتى رواه ابن أبي حاتم
بإسناد ضعيف قوله قوله الأمين وصف جبريل عليه السلام لأنه كان أمينا فيما استودع
من الرسالة إلى الرسل عليهم السلام
في ضيق يقال أمر ضيق وضيق مثل هين ولين ولين وميت وميت ( النحل721 )
أشار بقوله في ضيق إلى قوله تعالى ولا تك في ضيق مما يمكرون وأشار بقوله بقال أمر
ضيق إلا أن فيه لغتين التشديد والتخفيف كما ذكرها في الأمثلة المذكورة وقرأ ابن
كثير هنا وفي النمل بكسر الضاد والباقون بفتحها وقال الفراء الضيق بالتشديد ما
يكون في الذي يتسع مثل الدار والثوب معنى الآية لا يضيق صدرك من مكرهم وقال وقال
ابن عباس في تقلبهم اختلافهم
أي قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى أو يأخذهم في تقلبهم في اختلافهم فما هم
بمعجزين بسابقي الله تعالى وروى ذلك الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه ورواه
محمد بن جرير عن المثنى وعلي بن داود حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي
طلحة عنه وقال الثعلبي معناه يأخذهم العذاب في تصرفهم في الأسفار بالليل والنهار
وقال مجاهد تميد تكفأ
أي قال مجاهد في تفسير تميد في قوله تعالى وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم (
النحل51 ) الآية تكفأ بالكاف وتشديد الفاء وبالهمزة وقيل بضم أوله وسكون الكاف
ومعى تكفأ تقلب وروى هذا التعليق أبو محمد حدثنا حجاج حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن
أبي نجيح عنه
مفرطون منسيون
أشار به إلى قوله عز و جل أن لهم النار وإنهم مفرطون ( النحل26 ) وفسر مفرطون
بقوله منسيون وكذا رواه الطبري عن محمد بن عمرو عن أبي عاصم حدثنا عيسى عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد وروى من طريق سعيد بن جبير قال مفرطون أي متركون في النار منسيون
فيها وقرأ الجمهور بتخفيف الراء وفتحها وقرأها نافع بكسرها وهو من الإفراط وقرأها
أبو جعفر بن القعقاع بكسر الراء المشددة أي مقصرون في أداء الواجب مبالغون في
الإساءة
وقال غيره فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( النحل89 ) هاذا مقدم ومؤخر وذلك أن
الاستعاذة قبل القراءة ومعناها الإعتصام بالله
أي قال غير مجاهد في قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله إن فيه التقديم
والتأخير وذلك أن الاستعاذة تكون قبل القراءة والتقدير فإذا أردت أن تقرأ القرآن
فاستعذ بالله هذا على قول الجمهور حتى قال صاحب ( التوضيح ) هذا إجماع إلا ما روي
عن أبي هريرة وداود ومالك أنهم قالوا إن الاستعاذة بعد القراءة أخذا بظاهر القرآن
وقد أبعد بعضهم هذا في موضعين الأول في قوله المراد بالغير أبو عبيدة فإن هذا
كلامه بعينه وهذا فيه خبط والثاني في قوله والتقدير فإذا أخذت في القراءة فاستعذ
وقيل هو على أصله لكن فيه إضمار أي إذا أردت القراءة وهذا يكاد أن يكون أقوى خبطا
من الأول على ما لا يخفى على من يتأمل فيه قوله ومعناها أي معنى الاستعاذة
الاعتصام بالله
قصد السبيل البيان
(19/15)
أشار به إلى قوله تعالى وعلى الله قصد
السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ( النحل9 ) وفسر القصد بالبيان وكذا روى
عن ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه قيل قصد السبيل بيان طريق
الحكم لكم والقصد الطريق المستقيم وقيل بيان الشرائع والفرائض وعن ابن المبارك قصد
السبيل السنة قوله ومنها أي ومن السبيل والتأنيث باعتبار أن لفظ السبيل واحد
ومعناها الجمع قوله جائر أي معوج عن الاستقامة
الدفء ما استدفأت به
أشار به إلى قوله تعالى والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ( النحل5
) وفسر الدفء بقوله ما استدفأت به يعني من الأكسية والأبنية قال الجوهري الدفء
السخونة تقول منه دفىء الرجل دفاء مثل كره كراهة وكذلك دفىء دفأ مثل ظمىء ظمأ
والاسم الدفء وهو الشيء الذي يدفيك والجمع الأدفاء وفسر الجوهري الدفء في الآية
المذكورة بقوله النفع بنتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها قال الله تعالى لكم
فيها دفء
تريحون بالعشي وتسرحون بالغداة
أشار به إلى قوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ( النحل6 ) وفسر
تريحون بالعشي وتسرحون بالغداة وفي التفسير أي تردونها إلى مراجها وهي حيث تأوى
إليه وحين تسرحون ترسلونها بالغداة إلى مراعيها وقال قتادة وأحسن ما يكون إذا راحت
عظاما ضروعها طوالا أسنمتها
بشق يعني المشقة
أشار به إلى قوله تعالى وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس (
النحل7 ) وفسر الشق بالمشقة وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
إلا بشق الأنفس أي بمشقة الأنفس وقراءة الجمهور بكسر الشين وقرأها أبو جعفر بن
القعقاع بفتحها قال أبو عبيدة هما بمعنى وقال الفراء معناهما مختلف بالكسر المشقة
وبالفتح من الشق في الشيء كالشق في الجبل
على تخوف تنقص
أشار به إلى قوله تعالى على تخوف ( النحل74 ) وفسره بقوله تنقص وكذا روي عن مجاهد
رواه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن
عباس على تخوف قال على تنقص من أعمالكم وقيل هو تفعل من الخوف
الأنعام لعبرة وهي تؤنث وتذكر وكذلك النعم للأنعام جماعة النعم
أشار به إلى قوله تعالى وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه ( النحل66 )
قوله لعبرة أي لعظة قوله نسقيكم قرىء بفتح النون وضمها قيل هما لغتان وقال الكسائي
تقول العرب أسقيته لبنا إذا جعلته له سقيا دائما فإذا أرادوا أنهم أعطوه شربة
قالوا سقيناه قوله مما في بطونه ولم يقل بطونها لأن الأنعام والنعم واحد ولفظ
النعم مذكر قاله الفراء فباعتبار ذلك ذكر الضمير قوله وهي أي الأنعام تؤنث وتذكر
قوله وكذلك النعم أي يذكر ويؤنث وقد ذكرنا الآن عن الفراء أن النعم مذكر ويجمع على
أنعام وهي الإبل والبقر والغنم
سرابيل قمص تقيكم الحر وأما سرابيل تقيكم بأسكم فإنها الدروع
أشار به إلى قوله تعالى وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم وفسر
سرابيل الأول بالقمص بضم القاف والميم جمع قميص من قطن وكتان وصوف والسرابيل
الثاني بالدروع قوله تقيكم الحر أي تحفظكم من الحر ومن البرد أيضا وهذا من باب
الاكتفاء قوله بأسكم أراد به شدة الطعن والضرب والرمي
( دخلا بينكم كل شيء لم يصح فهو دخل )
(19/16)
أشار به إلى قوله تعالى تتخذون أيمانكم
دخلا بينكم ( النحل 29 ) وفسر الدخل بقوله كل شيء لم يصح فهو دخل وكذا فسره أبو
عبيدة وكذلك الدغل وهو الغش والخيانة
وقال ابن عباس حفدة من ولد الرجل
أشار به إلى قوله تعالى وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفد ( النحل27 ) وذكر أن الحفدة
من ولد الرجل هم ولده وولد وولده وهذا التعليق رواه الطبري من طريق سعيد بن جبير
عن ابن عباس في قوله بنين وحفدة قال الولد وولد الولد
السكر ما حرم من ثمرها والرزق الحسن ما أحل
أشار به إلى قوله تعالى ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا (
النحل76 ) الآية وبين السكر بقوله ما حرم من ثمرها أي من ثمر النخيل والأعناب
ويروى من ثمرتها ويروى ما حرم الله من ثمرها وبين الرزق الحسن المذكور في الآية
بقوله والرزق الحسن ما أحل أي الذي جعل حلالا ويروى ما أحل الله وقال الثعلبي قال
قوم السكر الخمر والرزق الحسن الدبس والتمر والزبيب قالوا وهذا قبل تحريم الخمر
وإلى هذا ذهب ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وإبراهيم والحسن ومجاهد وابن أبي
ليلى والكلبي وفي رواية عن ابن عباس قال السكر ما حرم من ثمرتيهما والرزق الحسن ما
أحل من ثمرتيهما وقال قتادة أما السكر فخمور هذه الأعاجم وأما الرزق الحسن فهو ما
تنتبذون وما تخللون وتأكلون قال ونزلت هذه الآية وما حرمت الخمر يومئذ وإنما نزل
تحريمها بعد في سورة المائدة وقال الثعلبي السكر ما شربت والرزق الحسن ما أكلت وعن
ابن عباس الحبشة يسمون الخمر سكرا
وقال ابن عيينة عن صدقة أنكاثا هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته
أي قال سفيان بن عيينة عن صدقة قال الكرماني صدقة هذا هو ابن الفضل المروزي ورد
عليه بأن صدقة بن الفضل المروزي شيخ البخاري يروى عن سفيان بن عيينة وههنا يروي
سفيان عن صدقة والدليل على عدم صحة قوله إن صدقة هذا روى عن السدي وصدقة بن الفضل
المروزي ما أدرك السدي ولا أصحاب السدي وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي عمر
العدني والطبري من طريق الحميدي كلاهما عن ابن عيينة عن صدقة عن السدي قال كانت
بمكة امرأة تسمى خرقاء فذكر مثل ما ذكره البخاري والظاهر أن صدقة هذا هو أبو
الهذيل روى عن السدى قوله وروى عنه ابن عيينة كذا ذكره البخاري في ( تاريخه ) قوله
أنكاثا أشار به إلى قوله ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ( النحل29
) قال الزمخشري أي لا تكونوا في نقض الإيمان كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن
أحكمته وأبرمته فجعلته أنكاثا جمع نكث وهو ما ينكث قتله وقال ابن الأثير النكث نقض
العهد والاسم النكث بالكسر وهو الخيط الخلق من صوف أو شعر أو وبرسمي به لأنه ينقض
ثم يعاد فتله قوله هي خرقاء الضمير يرجع إلى تلك المرأة التي تسمى خرقاء وذكرا
أنكاثا يدل عليه فلا يكون داخلا في الإضمار قبل الذكر وكانت إذا أحكمت غزلها نقضته
فلذلك قيل خرقاء أي حمقاء وفي ( غرر التبيان ) أنها كانت تغزل هي وجواريها من
الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن جميعا فهذا كان دأبها والمعنى
أنها كانت لا تكف عن الغزل ولا تبقي ما غزلت وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة
قال هو مثل ضربه الله تعالى لمن ينكث عهده وقال مقاتل في تفسيره هذه المرأة قرشية
اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة وتلقب جعرانة لحمقها وذكر
السهيلي أنها بنت سعد بن زيد مناة بن تيم بن مرة وقال الثعلبي كانت اتخذت مغزلا
بقدر ذراع وسنارة مثل الإصبع وفلكة عظيمة على قدرهما تغزل الغزل من الصوف والوبر
والشعر وتأمر جواريها بذلك وكن يغزلن إلى نصف النهار ثم تأمرهن بنقض جميع ذلك فهذا
كان دأبها
وقال ابن مسعود الأمة معلم الخير
أشار به إلى قوله تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ( النحل021 ) وقال عبد الله
بن مسعود في تفسير الأمة بأنه معلم الخير وكذا رواه
(19/17)
الحاكم من حديث مسروق عن عبد الله وقال
صحيح على شرط الشيخين وعن مجاهد كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار وعن قتادة ليس من
أهل دين إلا ويتولونه ويرضونه وعن شهر بن حوشب لا تخلو الأرض إلا وفيها أربعة عشر
يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها إلا زمان إبراهيم عليه الصلاة و السلام
فإنه كان وحده انتهى والأمة لها معان أخر في القرآن من الناس والجماعة والدين
والحين والواحد الذي يقوم مقام جماعة
والقانت المطيع
هذا من تتمة كلام ابن مسعود فإنه فسر القانت في قوله إن إبراهيم كان أمة قانتا (
النحل021 ) بالمطيع وكذكل أخرجه ابن مردويه في تفسيره
أكنانا واحدها كن مثل حمل وأحمال
أشار به إلى قوله تعالى وجعل لكم من الجبال أكنانا وفسر قتادة أكنانا بقوله غيرانا
من الجبال يسكن فيها وقال البخاري واحد الأكنان كن بكسر الكاف مثل حمل بكسر الحاء
المهملة واحد الأحمال والكن كل شيء وقى شيئا وستره وفي بعض النسخ وقع هذا عقيب
قوله جماعة النعم
1 -
( باب قوله ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( النحل07 )
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر من رذل الرجل يرذل رذالة ورذولة قال الجوهري الرذل
الدون الخسيس ورذل كل شيء رديه وكذلك الأرذل من كل شيء وأرذل العمر اردؤه وأوضعه
وقال السدي أرذله الخرف وقال قتادة تسعون سنة وعن علي خمس وسبعون سنة وعن مقاتل
الهرم وعن ابن عباس معناه يرد إلى أسفل العمر وعن عكرمة من قرأ القرآن لم يرد إلى
أرذل العمر وروى ابن مردويه في تفسيره من حديث أنس رضي الله عنه مائة سنة
7074 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور ) عن
( شعيب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله كان يدعو أعوذ بك من البخل
والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات
مطابقته للترجمة في قوله وأرذل العمر وشعيب هو ابن الحبحاب بالحاءين المهملتين
والباءين الموحدتين مر في كتاب الجمعة والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن أبي بكر
بن نافع
قوله من البخل يعني في حقوق المال واستعاذ من البخل كما استعاذ أيضا من فتنة الغنا
وهو إنفاقه في المعاصي أو إنفاقه في إسراف أو في باطل قوله والكسل هو عدم انبعاث
النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع إمكانه قوله وأرذل العمر آخره في آخر العمر في حال
الكبر والعجز والخرف وجه الاستعاذة منه أن المطلوب من العمر التفكر في آلاء الله
ونعمائه من خلق الموجودات فيقوموا بواجب الشكر بالقلب والجوارح والخرف الفاقد لهما
فهو كالشيء الردي الذي لا ينتفع به فينبغي أن يستعاذ منه قوله وعذاب القبر لأن فيه
الأهوال والشدائد قوله وفتنة الدجال إذ لم تكن فتنة في الأرض منذ خلق الله ذرية
آدم أعظم منها قوله وفتنة المحيا هو مفعل من الحياة والممات مفعل من الموت قال
الشيخ أبو النجيب السهروردي قدس الله روحه يريد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال
الصبر والرضا والوقوع في الآفات والأصرار على الفساد وترك متابعة طريق الهدى وفتنة
الممات سؤال منكر ونكير مع الحيرة والخوف
71 -
( سورة بني إسرائيل )
أي هذا في تفسير بعض سورة بني إسرائيل قال قتادة هي مكية إلا ثمان آيات نزلن
بالمدينة وهي من قوله وإن كادوا ليفتنونك ( الإسراء37 ) إلى آخرهن وسجدتها مدنية
وفي تفسير ابن مردويه من غير طريق عن ابن عباس هي مكية وقال السخاوي نزلت بعد
القصص وقبل سورة يونس عليه السلام وهي ستة آلاف وأربع مائة وستون حرفا وألف
وخمسمائة وثلاث وثلاثون كلمة
(19/18)
ومائة وإحدى عشرة آية
بسم الله الرحمان الرحيم
لم تثبت البسملة إلا لأبي ذر
8074 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت عبد الرحمان بن
يزيد قال سمعت ابن مسعود رضي الله عنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم إنهن من
العتاق الأول وهن من تلادي
( أي هذا باب وليس في كثير من النسخ لفظ باب وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
و ( عبد الرحمن بن يزيد ) النخعي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن آدم وأخرجه في التفسير أيضا عن
بندار عن غندر
قوله من العتاق بكسر العين المهملة وتخفيف التاء المثناة من فوق جمع عتق والعرب
تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا يريد تفضيل هذه السورة لما يتضمن مفتتح كل
منها بأمر غريب وقع في العالم خارقا للعادة وهو الإسراء وقصة أصحاب الكهف وقصة
مريم ونحوها قوله الأول بضم الهمزة وفتح الواو المخففة والأولية إما باعتبار حفظها
أو باعتبار نزولها لأنها مكية قوله من تلادي بكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف
اللام وهو ما كان قديما يقال ماله طارف ولا تالد أي لا حديث ولا قديم وأراد بقوله
من تلادي أي من محفوظاتي القديمة
قال ابن عباس فسينغضون يهزون وقال غيره تغضت سنك أي تحركت
أشار به إلى قوله تعالى قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ( الإسراء15 )
الآية قال ابن عباس في تفسير قوله فسينغضون أي يهزون أي يحركون وكذا رواه الطبري
من طريق علي بن أبي طلحة عنه وروى من طريق العوفي عنه قال يحركون رؤوسهم استهزاء
قوله وقال غيره أي قال غير ابن عباس منهم أبو عبيدة فإنه قال يقال قد نغضت سنة أي
تحركت وارتفعت من أصلها ومعنى الآية أن النبي أمر أن يقول للمشركين الذين يقولون
من بعيدنا قل الذي فطركم أي خلقكم أول مرة قادر على أن يعيدكم فإذا سمعوا ينغضون
إليه رؤوسهم متعجبين مستهزئين
وقضينا إلى بني إسرائيل ( الإسراء4 ) أخبرناهم أنهم سيفسدون والقضاء على وجوه وقضى
ربك أمر ربك ومنه الحكم إن ربك يقضي بينهم ومنه الخلق فقضاهن سبع سماوات
أشار به إلى قوله تعالى وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض الآية
وفسر قوله وقضينا إلى بني إسرائيل بقوله أخبرناهم وكذا فسره أبو عبيدة ويقال معناه
أعلمناهم إعلاما قاطعا قوله والقضاء على وجوه أشار بهذا إلى أن لفظ القضاء يأتي
لمعان كثيرة وذكر منها ثلاثة الأول أن القضاء بمعنى الأمر كما في قوله تعالى وقضى
ربك ( الإسراء32 ) أي أمر الثاني أنه بمعنى الحكم في قوله تعالى إن ربك يقضي بينهم
( النمل97 يونس39 ) أي يحكم الثالث أنه بمعنى الخلق كما في قوله فقضاهن سبع سموات
( فصلت21 ) أي خلقهن وفي بعض النسخ بعد سبع سموات خلقهن
وذكر بعضهم فيه معاني جملتها ثمانية عشر وجها منها الثلاثة التي ذكرت والرابع
الفراغ كما في قوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم ( البقرة002 ) أي إذا فرغتم منها
والخامس الكتابة كما في قوله فإذا قضى أمرا ( غافر86 ) أي كتب والسادس الأجل كما
في قوله تعالى فمنهم من قضى نحبه ( الأحزاب32 ) والسابع الفصل كما في قوله لقضي
الأمر بيني وبينكم ( الأنعام85 ) والثامن المضي كما في قوله ليقضي الله أمرا كان
مفعولا ( الأنفال24 و44 ) والتاسع الهلاك كما في قوله لقضي إليهم أجلهم ( يونس11 )
والعاشر الوجوب كما في قوله تعالى لما قضي الأمر ( إبراهيم22 ) والحادي عشر
الإبرام كما في قوله تعالى إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ( يوسف86 ) والثاني عشر
الوصية كما في قوله وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ( الإسراء32 ) والثالث عشر
الموت كما في قوله تعالى فوكزه موسى فقضى عليه ( القصص51 ) والرابع عشر النزول كما
في قوله تعالى فلما قضينا عليه الموت ( سبإ41 ) والخامس عشر الفعل كما في قوله
تعالى كلا لما يقض ما أمره
(19/19)
( عبس32 ) يعني حقا لم يفعل ما أمره
والسادس عشر العهد كما في قوله تعالى إذ قضينا إلى موسى الأمر ( القصص44 ) والسابع
عشر الدفع كما في قولهم قضى دينه أي دفع ما لغريمه عليه بالأداء والثامن عشر الختم
والإتمام كما في قوله تعالى ثم قضى أجلا ( الأنعام2 ) وقال الأزهري قضى في اللغة
على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه
نفيرا من ينفر معه
أشار به إلى قوله تعالى وجعلناكم أكثر نفيرا
أشار به إلى قوله تعالى وجعلناكم أكثر نفيرا ( الإسراء6 ) قال أبو عبيدة معناه
الذين ينفرون معه وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله وجعلناكم أكثر نفيرا
أي عددا وقال الثعلبي أصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته ودليله قول مجاهد
أكثر رجلا والنفير والنافر واحد كالقدير والقادر
ميسورا لينا
أشار به إلى قوله تعالى فقل لهم قولا ميسورا ( الإسراء82 ) وفسره بقوله لينا وكذا
فسره أبو عبيدة وروى الطبري من طريق إبراهيم النخعي أي لينا تعدهم ومن طريق عكرمة
عدهم عدة حسنة وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال يقول نعم وكرامة وليس عندنا
اليوم ومن طريق الحسن يقول سيكون إن شاء الله
وليتبروا يدمروا ما علوا
أشار به إلى قوله تعالى وليتبروا ما علوا تتبيرا ( الإسراء7 ) وفسر قوله وليتبروا
بقوله يدمروا من التدمير وهو الإهلاك من الدمار وهو الهلاك قوله ما علوا أي ما
غلبوا عليه من بلادكم والجملة في محل النصب لأنها مفعول ليتبروا وقال الزجاج كل
شيء كسرته وفتنته فقد دمرته والمعنى وليخربوا ما غلبوا عليه
حصيرا محبسا محصرا
أشار به إلى قوله تعالى وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( الإسراء8 ) وفسر حصيرا بقوله
محبسا وكذا روى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله محصرا بفتح
الميم وسكون الحاء وكسر الصاد وهو إسم موضع الحصر وكذا فسر أبو عبيدة قوله حصيرا
وقال صاحب ( التوضيح ) محصرا بفتح الصاد لأنه من حصر يحصر قلت هذا إذا كان مفتوح
الميم لأنه يكون إسم موضع من حصر يحصر من باب نصر ينصر وأما مضموم الميم ومفتوح
الصاد فهو من أحصر بالألف في أوله
حق وجب
أشار به إلى قوله تعالى فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ( الإسراء61 ) وفسر قوله
فحق بقوله وجب وكذا فسره ابن عباس وفي التفسير أي وجب عليها العذاب والضمير يرجع
إلى القرية المذكورة قبله
خطئا إثما وهو إسم من خطئت والخطأ مفتوح مصدره من الإثم خطئت بمعنى أخطأت
أشار به إلى قوله تعالى إن قتلهم كان خطأ كبيرا ( الإسراء13 ) وفسر خطأ بقوله إثما
وكذا فسره أبو عبيدة قوله وهو أي الخطأ إسم من خطيت والذي قاله أهل اللغة أن خطأ
بالكسر مصدر فقال الجوهري نقول من خطأ يخطأ خطأ وخطأة على فعلة قوله والخطأ مفتوح
مصدر هذا أيضا عكس ما قاله أهل اللغة فإن الخطأ بالفتح إسم هو نقيض الصواب وقال
الزمخشري قرىء خطىء خطأ كمأثم إثما وخطأ وهو ضد الصواب إسم من أخطاء وخطاء بالكسر
والمد وخطاء بالمد والفتح وخطأ بالفتح والسكون وعن الحسن بالفتح وحذف الهمزة وروى
عن أبي رجاء بكسر الخاء غير مهموز انتهى وهذا أيضا ينادي بأن الخطأ بالكسر والسكون
مصدر والخطأ بفتحتين إسم قوله من الإثم حطئت فيه تقديم وتأخير أي خطئت الذي أخذ
معناه من الإثم بمعنى أخطأت وهذا أيضا خلاف ما قاله أهل اللغة لأن معنى خطىء أثم
وتعمد الذنب وأخطأ إذا لم يتعمده ولكن قال الجوهري قال أبو عبيدة خطىء وأخطأ لغتان
بمعنى واحد وأنشد لامرىء القيس
( يا لهف هند إذ خطئن كاهلا )
أي أخطأن والذي قاله يساعد البخاري فيما قاله
تخرق تقطع
(19/20)
وفي بعض النسخ لن تخرق لن تقطع وهو
الصواب أشار به إلى قوله تعالى ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ
الجبال طولا ( الإسراء73 ) وفسر قوله لن تخرق بقوله لن تقطع قوله مرحا أي بطرا
وكبرا وفخرا وخيلاء قال الثعلبي هو تفسير المشي لا نعته فلذلك أخرجه عن المصدر
وقال الزمخشري مرحا حال أي ذا مرح وقرىء مرحا بكسر الراء وفضل الأخفش المصدر على
إسم الفاعل لما فيه من التأكيد قوله إنك لن تخرق الأرض قال الثعلبي أي تقطعها
بكبرك حتى تبلغ آخرها يقال فلان أخرق للأرض من فلان إذا كان أكثر أسفارا قوله ولن
تبلغ الجبال طولا أي لن تساويها وتحاذيها بكبرك
وإذ هم نجوى مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى يتناجون
أشار به إلى قوله تعالى إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ( الإسراء74 ) الآية قوله إذ
يستمعون إليك نصب بقوله أعلم أي إعلم وقت استماعهم بما به يستمعون قوله وإذ هم
نجوى أي وبما يتناجون به إذ هم ذو نجوى يعني يتناجون في أمرك بعضهم يقول هو مجنون
وبعضهم يقول كاهن وبعضهم يقول ساحر وبعضهم يقول شاعر قوله مصدر من ناجيت الأظهر
أنه إسم غير مصدر وقال الجوهري قوله تعالى وإذ هم نجوى فجعلهم هم النجوى وإنما
النجوى فعلهم كما تقول قوم رضا وإنما الرضا فعلهم انتهى وقيل يجوز أن يكون نجوى
جمع نجي كقتلى جمع قتيل
رفاتا حطاما
أشار به إلى قوله تعالى وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( الإسراء94 ) بقوله حطاما
وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد هكذا قوله حطاما أي عظاما محطمة
واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجل الرجالة واحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر
أشار به إلى قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك
الآية وتفسيرها هذا بعين تفسير أبي عبيدة هنا وفي التفسير هذا أمر تهديد قوله منهم
أي من ذرية آدم عليه الصلاة و السلام قوله بصوتك أي بدعائك إلى معصية الله تعالى
قاله ابن عباس وقتادة وكل داع إلى معصية الله تعالى فهو من جند إبليس وعن مجاهد
بصوتك بالغناء والمزامير قوله واجلب أي إجمع وصح وقال مجاهد إستعن عليهم بخيلك أي
ركبان جندك قوله ورجلك أي مشاتهم وعن جماعة من المفسرين كل راكب وماش في معاصي
الله تعالى
حاصبا الريح العاصف والحاصب أيضا ما ترمي به الريح ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم
وهو حصبها ويقال حصب في الأرض ذهب والحصب مشتق من الحصباء والحجارة
أشار به إلى قوله تعالى أويرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا ( الإسراء86 )
وفسر الحاصب بالريح العاصف وفي التفسير حاصبا حجارة تمطر من السماء عليكم كما أمطر
على قوم لوط وقال أبو عبيدة والقتبي الحاصبا الريح التي ترمي بالحصباء وهي الحصى
الصغار وهو معنى قوله والحاصب أيضا ما ترمي به الريح وقال الجوهري الحاصب الريح
الشديدة التي تثير الحصباء قوله ومنه أي ومن معنى لفظ الحاصب حصب جهنم وكل شيء
ألقيته في النار فقد حصبتها به قوله وهو حصبها أي الشيء الذي يرمي فيها هو حصبها
ويروى وهم حصبها أي القوم الذين يرمون فيها حصبها قوله ويقال حصب في الأرض ذهب كذا
قاله الجوهري أيضا قوله والحصب مشتق من الحصباء لم يرد بالاشتقاق الاشتقاق المصطلح
به أعني الاشتقاق الصغير لعدم صدقه عليه على ما لا يخفى وفسر الحصباء بالحجارة وهو
من تفسير الخاص بالعام وقال أهل اللغة الحصباء الحصى
تارة مرة وجماعته تيرة وتارات
(19/21)
أشار به إلى قوله تعالى أم أمنتم أن
يعيدكم فيه تارة أخرى ( الإسراء96 ) وفسر تارة بقوله مرة وكذا فسره أبو عبيدة
ويجمع على تيرة بكسر التاء وفتح اليا آخر الحروف وعلى تارات وقال ابن التين الأحسن
سكون الياء آخر الحروف وفتح الراء كما يقال في جمع قاعة قيعة
لأحتنكن لأستأصلنهم يقال احتنك فلان ما عند فلان من علم استقصاه ( الإسراء26 )
أشار به إلى قوله تعالى لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا وفسر
الاحتناك بالاستئصال وقيل معناه لأستولين عليهم بالإغواء والإضلال وأصله من احتنك
الجراد الزرع وهو أن تأكله وتستأصله باحتناكها وتفسده هذا هو الأصل ثم يسمى
الاستيلاء على الشيء وأخذ كله احتناكا وعن مجاهد معنى لأحتنكن لأحتوين
طائره حظه
أشار به إلى قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ( الإسراء31 ) الآية وفسر
طائره بقوله حظه وكذا فسره أبو عبيدة والقتبي وقالا أراد بالطائر حظه من الخير
والشر من قولهم طار بهم فلان بكذا وإنما خص عنقه دون سائر أعضائه لأن العنق موضع
السمات وموضع القلادة وغير ذلك مما يزين أو يشين فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء
الأشياء اللازمة إلى الأعناق فيقولون هذا الشيء لك في عنقي حتى أخرج منه وعن ابن
عباس طائره عمله وعن الكلبي ومقاتل خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب عليه وعن الحسن
يمنه وشومه وعن مجاهد رزقه
قال ابن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة
هذا التعليق رواه أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي عن ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن
عمرو عن عكرمة عن ابن عباس وأما لفظ السلطان في هذه السورة في موضعين أحدهما قوله
فقد جعلنا لوليه سلطانا ( الإسراء33 ) والآخر قوله واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا
( الإسراء08 )
ولي من الذل لم يحالف أحدا
أشار به إلى قوله تعالى ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا قوله لم يحالف بالحاء
المهملة أي لم يوال أحدا لأجل مذلة به ليدفعها بموالاته وعن مجاهد لم يحتج في
الانتصار إلى أحد والله سبحانه أعلم
3 -
( باب قوله سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ( الإسراء1 )
أي هذا باب في قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده الآية وسبحان علم للتسبيح والمعنى
سبح الله تعالى وأسرى وسرى لغتان وليلا نصب على الظرف وإنما ذكر ليلا بالتنكير وإن
كان الإسراء لا يكون إلا بالليل إشارة إلى تقليل مدة الإسراء
230 - ( حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا يونس ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا
عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال ابن المسيب قال أبو هريرة رضي الله عنه أتي رسول
الله ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن قال جبريل
الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن عبدان هو عبد الله بن عثمان
المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب محمد
بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب والآخر عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصري عن
عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن
خالد عن يونس إلى آخره والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن عبدان وأخرجه
مسلم في الأشربة عن زهير بن حرب
(19/22)
وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر
قوله بإيلياء بكسر الهمزة واللام وإسكان التحتانية الأولى ممدودا هو بيت المقدس
على الأشهر قوله للفطرة أي للإسلام الذي هو مقتضى الطبيعة السليمة التي فطر الله
الناس عليها فإن قلت قد مر في حديث المعراج أنه ثلاثة أقداح والثالث فيه عسل قلت
لا منافاة بينهما -
0174 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن
شهاب ) قال ( أبو سلمة ) سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما قال سمعت النبي
يقول لما كذبني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته
وأنا أنظر إليه زاد يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه لما كذبني
قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس نحوه
( انظر الحديث 6883 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري والحديث أخرجه البخاري
أيضا عن يحيى بن بكير عن الليث وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وأخرجه الترمذي
والنسائي جميعا في التفسير عن قتيبة به
قوله لما كذبني قريش هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين لما كذبتني
بالتأنيث قوله في الحجر بكسر الحاء المهملة وهو تحت ميزاب الكعبة قوله فجلى الله
بالجيم أي كشف الله تعالى قوله فطفقت من أفعال المقاربة بمعنى شرعت وأخذت أخبرهم
من الإخبار قوله عن آياته أي علاماته والذي سأل النبي أن يصف لهم بيت المقدس هو
المطعم بن عدي فوصف لهم فمن مصفق ومن واضع يده على رأسه متعجبا وكان في القوم من
سافر إلى بيت المقدس ورأى المسجد فقيل له هل تستطيع أن تنعت لنا بيت المقدس فقال
فذهبت أنعت لهم فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت فجيء بالمسجد حتى وضع قال
فنعته وأنا أنظر إليه فقال القوام أما النعت فقد أصاب قوله زاد يعقوب بن إبراهيم
هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري قال حدثنا ابن أخي ابن
شهاب وهو محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري عن عمه محمد بن مسلم الزهري
وهذه الزيادة رواها الذهلي في ( الزهريات ) عن يعقوب بهذا الإسناد
قاصفا ريح تقصف كل شيء
أشار به إلى قوله تعالى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم ( الإسراء96 ) الآية
وفسر القاصف بقوله ريح أي القاصف ريح تقصف كل شيء أي تكسره بشدة وهكذا روي عن ابن
عباس رضي الله عنهما والله تعالى أعلم
4 -
( باب قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم ( الإسراء07 )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى ولقد كرمنا وليست في بعض النسخ هذه الترجمة قوله
ولقد كرمنا بني آدم أي بالعقل قاله ابن عباس وعن الضحاك بالنطق والتمييز وعن عطاء
بتعديل القامة وامتدادها وعن يمان بحسن الصورة وعن محمد ابن جرير بتسليطهم على
غيرهم من الخلق وتسخير سائر الخلق لهم وعن ابن عباس كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم
يأكل بيده
كرمنا وأكرمنا واحد
قال بعضهم أي في الأصل وإلا فبالتشديد أبلغ قلت إذا كان مراده بالأصل الوضع فليس
كذلك لأن لكل منهما بابا في الأصل موضوعا وإن كان مراده بالأصل الاستعمال فليس
كذلك لأن كرمنا بالتشديد من باب التفعيل وأكرمنا من باب الأفعال بل المراد أنها
واحد في التعدي غير أن في كرمنا بالتشديد من المبالغة ما ليس في أكرمنا فافهم
ضعف الحياة عذاب الحياة وضعف الممات عذاب الممات
(19/23)
أشار به إلى قوله تعالى إذا لأذقناك
ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( الإسراء57 ) قال أبو عبيدة
التقدير ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يريد عذاب الدنيا والآخرة أي ضعف ما
يعذب به غيره وهذا تخويف لأمته عليه الصلاة و السلام لئلا يركن أحد من المسلمين
إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه وذلك لأن النبي كان معصوما وقال
ابن الجوزي هذا وما شابهه محال في حقه عليه الصلاة و السلام
خلافك وخلفك سواء
أشار به إلى قوله تعالى وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( الإسراء67 ) وكذا قال
أبو عبيدة قال وهما لغتان بمعنى وقرىء بهما فالجمهور قرؤوا خلفك إلا قليلا وابن
عامر خلافك ومعناه إلا قليلا بعدك
ونأى تباعد
أشار به إلى قوله تعالى وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ( الإسراء38 )
وفسر قوله نأى بقوله تباعد قال المفسرون أي تباعد منا بنفسه وعن عطاء تعظم وتكبر
ويقال نأى من الأضداد
شاكلته ناحيته وهي من شكلته
أشار به إلى قوله تعالى قل كل يعمل على شاكلته ( الإسراء48 ) وفسرها بقوله ناحيته
وكذا رواه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وعن مجاهد على حدته وعن
الحسن وقتادة على نيته وعن أبي زيد على دينه وعن مقاتل على جبلته وعن الفراء على
طريقته التي جبل عليها وعن أبي عبيدة والقتبي على خليقته وطبيعته وهي من شكلته أي
الشاكلة مشتقة من شكلته إذا قيدته ويروى من شكلته بالفتح بمعنى المثل وبالكسر
بمعنى الدن
صرفنا وجهنا
أشار به إلى قوله تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن ( الإسراء98 ) وفسره بقوله
وجهنا وكذا فسره أبو عبيدة ويقال أي وبينا من الأمثال وغيرها مما يوجب الاعتبار به
قبيلا معاينة ومقابلة وقيل القابلة لأنها مقابلتها تقبل ولدها
أشار به إلى قوله تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( الإسراء291 ) وفسره بقوله
معاينة ومقابلة قوله وقيل القابلة أراد أنه قيل للمرأة التي تتلقى الولد عند
الولادة قابلة لأنها مقابلتها أي مقابلة المرأة التي تولدها قوله تقبل ولدها أي
تتلقاه عند الولادة يقال قبلت القابلة المرأة تقبلها قبالة بالكسر أي تلقته عند
الولادة وقال ابن التين ضبطه بعضهم بتقبل ولدها بضم الموحدة وليس ببين قلت تقبل
بالفتح هو البين لأنه من باب علم يعلم وقد يظن أن تقبل ولدها من التقبيل وليس بظاهر
خشية الإنفاق أنفق الرجل أملق ونفق الشيء ذهب
أشار به إلى قوله تعالى إذا لامستكم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا ( الإسراء001
) وفسر الإنفاق الإملاق وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال خشية الإنفاق أي خشية
أن تنفقوا فتفتقروا قوله ونفق الشيء ذهب بفتح الفاء وقيل بكسرها وكذا فسره أبو
عبيدة وأشار به أيضا إلى الفرق بين الثلاثي والمزيد من حيث المعنى وفي هذه السورة
أيضا قوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( الإسراء13 ) الإملاق الفقر وقد خبط
بعضهم هنا خباطا لا ينجلي وقد طويت ذكره
قتورا مقترا
أشار به إلى قوله تعالى وكان الإنسان قتورا ( الإسراء001 ) وقال إن قتورا الذي على
وزن فعول بمعنى مقترا على وزن إسم الفاعل من الإقتار ومعناه بخيلا ممسكا يقال قتر
يقتر قترا وأقتر إقتارا إذا قصر في الإنفاق
للأذقان مجمع اللحيين والواحد ذقن
(19/24)
أشار به إلى قوله تعالى يخرون للأذقان
سجدا ( الإسراء701 ) وقال الأذقان مجمع اللحيين بفتح اللام وقيل بكسرها أيضا تثنية
لحي وهو العظم الذي عليه الأسنان قوله والواحد ذقن بفتح الذال المعجمة والقاف
واللام فيه بمعنى على والمعنى يسجدون على أذقانهم وقال ابن عباس الوجوه يريد
يسجدون بوجوههم وجباههم وأذقانهم
وقال مجاهد موفورا وافرا
أشار به إلى قوله تعالى إن جهنم جزاؤكم جزاءا موفورا ( الإسراء36 ) وفسر مجاهد
موفورا بقوله وافرا وكذا روى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه والحاصل أن المفعول
هنا بمعنى الفاعل عكس عيشة راضية ( الحاقة12 والقارعة7 )
تبيعا ثائرا
أشار به إلى قوله تعالى ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ( الإسراء96 ) وفسر تبيعا
بقوله ثائرا أي طالبا للثأر ومنتقما ويقال لكل طالب بثأر تبيع وتابع وهذا أيضا
تفسير مجاهد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه
وقال ابن عباس نصيرا
أي ابن عباس فسر تبيعا بقوله نصيرا وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي
طلحة عنه
خبت طفئت
أشار به إلى قوله تعالى كلما خبت زدناهم سعيرا ( الإسراء79 ) وفسر خبت بقوله طفئت
يقال خبت النار تخبو خبوا إذا سكن لهبها وأصل خبت خبيت قلبت الياء ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصار خبت على وزن فعت
وقال ابن عباس لا تبذر لا تنفق في الباطل
أي قال ابن عباس في قوله تعالى ولا تبذر تبذيرا ( الإسراء62 ) أي لا تنفق في
الباطل وكذا رواه الطبري من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس ويقال التبذير إنفاق
المال فيما لا ينبغي والإسراف هو الصرف فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي
ابتغاء رحمة رزق
أشار به إلى قوله تعالى وأما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ( الإسراء82 ) وفسر
الرحمة بالرزق وكذا رواه الطبري من طريق عطاء عن ابن عباس
مثبورا ملعونا
أشار به إلى قوله تعالى لأظنك يا فرعون مثبورا ( الإسراء201 ) وفسره بقوله ملعونا
وكذا رواه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال أبو عبيدة المعروف في
الثبور الهلاك والملعون هالك وعن العوفي معناه مغلوبا وعن مجاهد هالكا وعن قتادة
مهلكا وعن عطية مغيرا مبدلا وعن ابن زيد بن أسلم مخبولا لا عقل له
لا تقف لا تقل
أشار به إلى قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء63 ) وفسر لا تقف بقوله
لا تقل أي في شيء بما لا تعلم وعن قتادة لا تقل رأيت ولم تره وسمعت ولم تسمعه
وعلمت ولم تعلمه وهذه رواية عن ابن عباس وعن مجاهد ولا ترم أحدا بما ليس لك به علم
وهي رواية أيضا عن ابن عباس وقال القتبي هو مأخوذ من القفا كأنه يقفو الأمور أي
يكون في قفائها يتعقبها ويتتبعها ويتعرفها يقال قفوت أثره على وزن دعوت والنهي في
لا تقف مثل لا تدع وبهذا استدل أبو حنيفة على ترك العمل بالقائف وما ورد من ذلك من
أخبار الآحاد فلا يعارض النص
فجاسوا تيمموا
أشار به إلى قوله تعالى فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ( الإسراء5 ) وفسر
جاسوا بقوله تيمموا أي قصدوا وسط الدار وجاسوا من الجوس وهو طلب الشيء باستقصاء
وقال ابن عرفة معناه عانوا وأفسدوا
يزجي الفلك يجري الفلك
(19/25)
أشار به إلى قوله تعالى ربكم الذي يزجى
لكم الفلك في البحر ( الإسراء66 ) وفسر يزجي من الإزجاء الزاي بقوله يجري من
الإجراء بالراء المهملة ويقال معناه يسوق الفلك ويسيره حالا بعد حال ويقال أزجيت
الإبل سقتها والريح تزجي السحاب والبقرة تزجي ولدها وروى الطبري من طريق سعيد عن
قتادة يزجي الفلك أي يسيرها في البحر والله أعلم
( باب قوله وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ( الإسراء61 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وإذا أردنا أن نهلك قرية الآية أي إذا أردنا إهلاك
قرية أمرنا بفتح الميم من أمر ضد نهى وهي قراءة الجمهور وفيه حذف تقديره أمرنا
مترفيها بالطاعة ففسقوا أي فخرجوا عن الطاعة فحق عليها القول أي فوجب عليهم العذاب
فدمرنا تدميرا أي فخربنا تخريبا وأهلكنا من فيها إهلاكا وفسر بعضهم أمرنا بكثرنا
وقال الزمخشري وقرىء ( آمرنا ) من أمر يعني بكسر الميم وأمره غيره وأمرنا بمعنى
أمرنا أو من أمر إمارة وأمره الله أي جعلناهم أمراء وسلطناهم قوله مترفيها جمع
مترف وهو المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا
1174 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) أخبرنا ( منصور ) عن ( أبي وائل
) عن ( عبد الله ) قال كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية أمر بنو فلان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أمر فإنه بفتح الميم وكسرها كما جاءت القراءات
المذكورة في الآية المذكورة مبنية على الاختلاف في معنى أمر الذي هو الماضي
والاختلاف في بابه
وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة ومنصور هو ابن
المعتمر وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
قوله للحي أي للقبيلة قوله أمر بكسر الميم بمعنى كثر وجاء بفتح الميم أيضا وهما
لغتان جاءتا بمعنى كثر وفيه رد على ابن التين حيث أنكر الفتح في معنى كثر وقال
بعضهم وضبط الكرماني أحدهما بضم الهمزة وهو غلط منه قلت لم يصرح الكرماني بذلك بل
نسبه إلى الحميدي وفيه المناقشة
حدثنا الحميدي حدثنا سفيان وقال أمر
أشار بذلك إلى أن سفيان بن عيينة روى عنه الحميدي أمر بفتح الميم وروى عنه علي بن
عبد الله أمر بكسر الميم وهما لغتان كما ذكرنا في معنى كثر والحميدي عبد الله بن
الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده حميد وقد مر غير مرة والله سبحانه وتعالى
أعلم
5 -
( باب ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ( الإسراء3 )
أي هذا باب في قوله عز و جل ذرية من حملنا مع نوح إلى آخره قال المفسرون يعني يا
ذرية من حملنا وقال الزمخشري وقرىء ذرية بالرفع بدلا من واو تتخذوا وقرأ زيد بن
ثابت رضي الله عنه ذرية بكسر الذال وروى عنه أنه فسرها بولد الولد قوله إنه كان
عبدا شكورا قال المفسرون كان نوح عليه الصلاة و السلام إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما
أو شرب شرابا قال الحمد لله فسمى عبدا شكورا وعن عمران بن سليم إنما سمي نوح عليه
الصلاة و السلام عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل طعاما قال الحمد لله الذي أطعمني ولو
شاء أجاعني وإذا شرب شرابا قال الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني وإذا اكتسى
قال الحمدلله الذي كساني ولو شاء أعراني وإذا احتذى قال الحمد لله الذي حذاني ولو
شاء أحفاني وإذا قضى حاجته قال الحمد لله الذي أخرج عني أذاء في عافية ولو شاء
حبسه
2174 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( أبو حيان التيمي )
عن ( أبي زرعة ابن عمرو بن جرير ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال أتي رسول
الله بلحم
(19/26)
فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي عز و جل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في الحديث نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتون محمدا فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز و جل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن أبواب
(19/27)
الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذالك
من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين
مكة وحمير أو كما بين مكة وبصرى
( انظر الحديث 0433 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله عبدا شكورا ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن
المبارك المروزي وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف واسمه يحيى
بن سعيد بن حيان التيمي تيم الرباب الكوفي وأبو زرعة هو هرم بن عمرو بن جرير بن عبد
الله البجلي الكوفي
والحديث مضى مختصرا في أحاديث الأنبياء عليهم السلام عن إسحاق بن نصر عن محمد بن
عبيد عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة ومضى الكلام فيه هناك ولنتكلم فيما لم
يذكر
قوله فنهس من النهس وهو أخذ اللحم بأطراف الأسنان والنهش بالمعجمة الأخذ بجميعها
قوله مم ذلك ويروى مم ذاك قوله يسمعهم من الإسماع قوله وينفذهم بضم الياء أي يحيط
بهم بصر الناظر لا يخفى عليه شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب قوله ولن يغضب ويروى
ولا يغضب قوله وإنه نهاني ويروي وإنه قد نهاني قوله نفسي نفسي نفسي ثلاث مرات قوله
فذكرهن أبو حيان أي فذكر الثلاث الكذبات أبو حيان الراوي المذكور وهي قوله إني
سقيم وبل فعله كبيرهم وإنها أختي في حق سارة انتهى قوله لم أومر على صيغة المجهول
قوله يشفع على صيغة المجهول من التشفع وهو قبول الشفاعة قوله ادخل أمر من الإدخال
قوله وحمير بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف هو باليمن وبصرى
بضم الباء مدينة بالشام
6 -
( باب قوله وآتينا داود زبورا ( النساء361 والإسراء55 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وآتينا داود زبورا قال الربيع بن أنس الزبور هذا ثناء
على الله ودعاء وتسبيح وقال قتادة كنا نتحدث أنه دعاء علمه الله داود وتحميد
وتمجيد لله ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود
3174 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن (
أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال خفف على داود القراءة فكان يأمر بدابته
لتسرج فكان يقرأ قبل أن يفرغ يعني القرآن
( انظر الحديث 3702 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله القراءة لأن معناه قراءة الزبور وهذه رواية أبي ذر وفي
رواية غيره القرآن قال الكرماني المراد منه التوراة والزبور وكل شيء جمعته فقد
قرأته وسمي القرآن قرآنا لأنه جمع الأمر والنهي وغيرهما انتهى قلت قوله لأنه جمع
الأمر والنهي لا يتأتى في الزبور لأنه كان قصصا وأمثالا ومواعظ ولم يكن الأمر
والنهي إلا في التوراة
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى وآتينا داود زبورا يأتم منه
قوله خفف على صيغة المجهول من التخفيف قوله لتسرج أي لأن تسرج من الإسراج وهو شد
الدابة بالسرج قوله قبل أن يفرغ أي من الإسراج وفيه أن الله تعالى يطوي الزمان لمن
شاء من عباده كما يطوي المكان
7 -
( باب قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا (
الإسراء65 )
أي هذا باب في قوله عز و جل قل ادعوا الذين الآية كذا سيق في رواية الأكثرين وفي
رواية أبي ذر قل ادعوا الذين زعمتم من دونه الآية قوله زعمتم من دونه أي زعمتم
أنها آلهة من دون الله قوله فلا يملكون كشف الضر عنكم قيل هو ما أصابهم من القحط
سبع سنين قوله ولا تحويلا أي ولا يملكون تحويلا عليكم إلى غيركم
4174 - حدثني ( عمرو بن علي ) حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( سفيان ) حدثني ( سليمان ) عن
( إبراهيم ) عن ( أبي معمر ) عن ( عبد الله ) إلى ربهم الوسيلة ( الإسراء75 ) قال
كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم
(19/28)
الجن وتمسك هاؤلاء بدينهم زاد الأشجعي
عن سفيان عن الأعمش قل ادعو الذين زعمتم ( الإسراء65 )
( انظر الحديث 4174 - طرفه في 5174 )
مطابقته للترجمة في زيادة الأشجعي وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري
الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وإبراهيم
النخعي وأبو معمر هو عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي وعبد الله هو ابن مسعود رضي
الله عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا هنا عن بشر بن خالد وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن بشر
بن خالد به وعن غيره وأخرجه النسائي في التفسير عن عمرو بن علي به وعن غيره
قوله إلى ربهم الوسيلة ( الإسراء75 ) فيه حذف تقديره عن عبد الله قال أولئك الذين
يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال كان ناس من الإنس إلى آخره وهكذا في رواية مسلم
غير أن في قوله كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن واستمسك
الإنس بعبادتهم فنزلت أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة انتهى والمراد
بالوسيلة القربة وقال الكرماني الناس هم الإنس ضد الجن قال تعالى شياطين الإنس
والجن ( الأنعام211 ) فكيف قال ناسا من الإنس وناسا من الجن قلت المراد من لفظ ناس
طائفة والناس قد يكون من الإنس والجن قلت في كلامه الأول نظر والوجه كلامه الثاني
وكذا قال الجوهري والناس قد يكون الإنس ومن الجن وأصله أناس فخفف انتهى قوله وتمسك
هؤلاء بدينهم أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن والجن لا
يرضون بذلك لكونهم أسلموا وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة قوله زاد
الأشجعي هو عبيد الله بن عبيد الرحمن بالتصغير فيهما الكوفي مات سنة اثنتين
وثمانين ومائة أراد أنه زاد في روايته عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش وروى ابن
مردويه هذه الزيادة عن محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا عبد
الجبار بن العلا عن يحيى حدثنا سفيان فذكره بزيادة قوله فأسلم الجن من غير أن يعلم
الإنسيون فنزلت أولئك الذين يدعون انتهى قلت حاصل الكلام أن طريق يحيى عن سفيان
ابن عبد الله لما قرأ إلى ربه الوسيلة قال كان ناس وطريق الأشجعي عن سفيان أنه زاد
في القراءة وقرأ ادعو الذين زعمتم أيضا إلى آخر الآيتين ثم قال كان ناس
8 -
( باب أولائك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى أولئك الذين يدعون الآية قوله يدعون مفعوله محذوف تقديره
أولئك الذين يدعونهم آلهة يبتغون إلى ربهم الوسيلة أي الزلفة والقربة أيهم أقرب
وعن ابن عباس ومجاهد وأكثر العلماء هم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر
والنجوم
5174 - حدثنا ( بشحر بن خالد ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان )
عن ( إبراهيم ) عن ( أبي معمر ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه في هاذه الآية الذين
يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال ناس من الجن يعبدون فأسلموا
( انظر الحديث 4174 )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور قبله أورده مختصرا عن بشر بن خالد إلى آخره قوله
يعبدون بضم الياء على صيغة المجهول والله أعلم
9 -
( باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( الإسراء06 )
أي هذا باب في قوله عز و جل وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الآية وهو ما أري ليلة
الإسراء من العجائب والآيات قال ابن الأنباري الرؤية يقل استعمالها في المنام
والرؤيا يكثر استعمالها في المنام ويجوز استعمال كل واحد منهما في المعنيين قوله
إلا فتنة أي إلا بلاء للناس حيث اتخذوه سخريا
6174 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( عكرمة ) عن (
ابن عباس ) رضي
(19/29)
الله عنه وما جعلنا الرؤيا التي أريناك
إلا فتنة للناس ( الإسراء06 ) قال هي رؤيا عين أريها رسول الله ليلة أسري به
والشجرة الملعونة شجرة الزقوم
( انظر الحديث 8883 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو
هو ابن دينار
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في القدر وفي البعث عن الحميدي وأخرجه الترمذي في
التفسير عن محمد بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور
قوله هي رؤيا عين وزاد سعيد بن منصور عن سفيان في آخر الحديث وليست رؤيا منام قوله
أريها بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة قوله والشجرة الملعونة بالنصب عطف على
الرؤيا تقديره وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة
للناس وكانت فتنتهم في الرؤيا أن جماعة ارتدا وقالوا كيف يسرى به إلى بيت القدس في
ليلة واحدة وقيل رأى رسول الله بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساء ذلك فما
استجمع ضاحكا حتى مات فأنزل الله تعالى وما جعلنا الرؤيا الآية وكانت فتنتهم في
الشجرة الملعونة أن أبا جهل عليه اللعنة قال لما نزلت هذه الآية ليس من كذب ابن
أبي كبشة أنه يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه تنبت فيها شجرة وأنتم تعلمون
أن النار تحرق الشجرة وروى ابن مردويه عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد
الرحمن بن عوف أن عائشة رضي الله عنها قالت لمروان أشهد أني سمعت رسول الله يقول
لك ولأبيك ولجدك إنكم الشجرة الملعونة في القرآن وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد
الله بن عمرو أن الشجرة الملعونة في القرآن الحكم بن أبي العاص وولده قوله شجرة
الزقوم ( الصافات26 ) على وزن فعول من الزقم وهو اللقم الشديد والشرب المفرط وقال أبو
موسى المديني هي شجرة غبراء مرة قبيحة الرؤوس وقال ثعلب الزقوم كل طعام يقتل
والزقمة الطاعون وفي ( غرر التبيان ) هي شجرة الكشوت تلتوي على الشجر فتجففه وقيل
هي الشيطان وقيل أبو جهل وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما لما ذكر الله عز و
جل الزقوم في القرآن قال أبو جهل هل تدرون ما الزقوم هو التمر بالزبد أما والله
لئن أمكننا الله منها لتزقمناها تزقما فنزلت والشجرة الملعونة ( الإسراء06 ) في
القرآن وعن مقاتل قال عبد الله بن الزبعري إن الزقوم بلسان البربر الزبد فقال أبو
جهل يا جارية ائتنا تمرا وزبدا وقال لقريش تزقموا من هذا الزقوم وقال ابن سيده لما
نزلت آية الزقوم لم يعرفه قريش فقال أبو جهل إن هذا ليس ينبت ببلادنا فما منكم من
يعرفه فقال رجل قدم عليهم من إفريقية إن الزقوم بلغة أهل إفريقية الزبد بالتمر فإن
قلت فأين ذكرت في القرآن لعنها قلت قد لعن آكلها والعرب تقول لكل طعام مكروه ملعون
ووصف الله تعالى شجرة الزقوم في سورة الصافات فقال أنها شجرة تخرج في أصل الجحيم (
الصافات46 ) الآيات أي خلقت من النار وعذب بها
01 -
( باب قوله إن قرآن الفجر كان مشهودا ( الإسراء87 )
أي هذا باب في قوله عز و جل إن قرآن الفجر أي صلاة الفجر سميت الصلاة قرآنا لأنها
لا تجوز إلا بقرآن وقيل يعني قراءة الفجر أي ما يقرأ به في صلاة الفجر قوله كان
مشهودا أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو آخر
ديوان الليل وأول ديوان النهار وروى ابن مردويه بسند لا بأس به عن أبي الدرداء رضي
الله عنه قرأ رسول الله أن قرآن الفجر كان مشهودا قال يشهده الله وملائكة الليل
والنهار وفي لفظ في ثلاث ساعات يبقين من الليل يفتح الله الذكر الذي لم يره أحد
غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم في الساعة الثانية ينزل إلى عدن فيقول طوبى لمن دخلك
ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر فاغفر له هل من
داع فأجيبه حتى يصلي الفجر وذلك قوله وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا يقول
يشهده الله وملائكته وملائكة الليل وملائكة النهار
قال مجاهد صلاة الفجر
(19/30)
أي قرآن الفجر صلاة الفجر وهذا التعليق
رواه ابن المنذر عن موسى حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد
7174 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( أبي سلمة وابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال
فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة
النهار في صلاة الصبح يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر
كان مشهودا ( الإسراء87 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي والحديث قد مضى في
كتاب الصلاة في باب فضل صلاة الفجر في الجماعة فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن
شعيب عن الزهري إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك والله سبحانه وتعالى أعلم
11 -
( باب قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( الإسراء97 )
أي هذا باب في قوله عز و جل عسى أن يبعثك الآية اعلم أن كلمة عيسى ولعل من الله
واجبتان لأنه ليس من صفات الله الغرور والمقام المحمود هو المقام الذي يشفع فيه
لأمته يحمده فيه الأولون والآخرون وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قرأ
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال يدنيني فيقعدني معه على العرش وقال ابن نجويه
يجلسني معه على السرير وذكرهما الثعلبي في تفسيره
8174 - حدثني ( إسماعيل بن أبان ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( آدم بن علي ) قال
سمعت ( ابن عمر ) رضي الله عنهما يقول إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة
تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي فذالك يوم يبعثه الله
المقام المحمود
( انظر الحديث 5741 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالنون
منصرفا وغير منصرف أبو إسحاق الوراق الأزدي الكوفي توفي بالكوفة سنة ست عشرة
ومائتين وأبو الأحوص هو سلام بن سليم وآدم بن علي العجلي البكري وهو من أفراده
وليس له في البخاري إلا هذا الحديث
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن العباس بن عبد الله
قوله جثا قال الكرماني جثا بضم الجيم وفتح المثلثة مقصورا أي جماعات واحدها جثوة
وكل شيء جمعته من تراب نحوه فهو جثوة قلت قال ابن الجوزي عن ابن الخشاب جثى
بالتشديد والضم جمع جاث كغاز وغزى وجثى مخففة جمع جثوة ولا معنى له ههنا وقال ابن
الأثير ويروى جثى بتشديد الثاء جمع جاث أي جلس على ركبتيه وفي ( المغيث ) يجوز
أيضا فتح الجيم وكسرها كالعصى والعصي قوله الشفاعة إلى النبي زاد في الرواية المتعلقة
في الزكاة فيشفع ليقضي بين الخلق
9174 - حدثنا ( علي بن عياش ) حدثنا ( شعيب بن أبي حمزة ) عن ( محمد بن المنكدر )
عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال من قال حين يسمع النداء
اللهم رب هاذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه
مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة
( انظر الحديث 416 )
مطابقته للترجمة في قوله مقاما محمودا وعلي بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف
الألهاني الحمصي وشعيب بن أبي
(19/31)
حمزة الحمصي وابن المنكدر والحديث مضى
في كتاب الصلاة في باب الدعاء عند النداء بعين هذا الإسناد والمتن ومضى الكلام فيه
هناك
رواه حمزة بن عبد الله عن أبيه عن النبي
أي روى الحديث المذكور حمزة بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي وهذا
المعلق رواه الإسماعيلي عن أبي معاوية الرازي حدثنا أبو زرعة الرازي حدثنا يحيى بن
بكير حدثنا الليث عن عبد الله بن أبي جعفر قال سمعت حمزة بن عبد الله قال سمعت أبي
فذكره والله أعلم
21 -
( باب وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ( الإسراء18 )
أي هذا باب في قوله تعالى وقل جاء الحق وزهق الباطل الآية أي قل يا محمد جاء الحق أي
الإسلام وزهق الباطل أي الشرك وقيل الحق دين الرحمن والباطل الأوثان وعن ابن جريج
الحق الجهاد والباطل القتال قوله زهوقا أي ذاهبا ويأتي الكلام فيه الآن
يزهق يهلك
أشار به إلى أن معنى قوله زهوقا أي هالكا قال أبو عبيدة في قوله تعالى وتزهق
أنفسهم وهم كارهون ( التوبة58 ) أي تخرج وتهلك ويقال زهق ما عندك أي ذهب كله وزهق
السهم إذا جاوز الغرض وقال أبو محمد الرازي أخبرنا الطبراني فيما كتب إلى أخبرنا
عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة زهق الباطل هلك فإن قلت كيف قلتم زهق بمعنى هلك
والباطل موجود معمول به عند أهله قلت المراد ببطلانه وهلكته وضوح عينه فيكون هالكا
عند المتدبر الناظر
0274 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن (
أبي معمر ) عن ( عبد الله بن مسعود ) رضي الله عنه قال دخل النبي مكة وحول البيت
ستون وثلاث مائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن
الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد
( انظر الحديث 8742 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحميدي عبد الله بن الزبير نسبته إلى أحد أجداده حميد
وابن أبي نجيح هو عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين وفي بعض النسخ حدثنا ابن
أبي نجيح وأبو معمر بفتح الميمين واسمه عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي وفي هذا
الإسناد لطيفة وهي أن ثلاثة من الرواة فيه إسم كل منهم عبد الله وكلهم ذكروا بغير
اسمه وعبد الله الرابع هو ابن مسعود
والحديث مضى في غزوة الفتح فإنه أخرجه هناك عن صدقة بن الفضل عن سفيان بن عيينة
إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله دخل النبي مكة أراد به عام الفتح وحول البيت الواو فيه للحال قوله نصب بضمتين
وهي الأصنام قال الكرماني وقال صاحب ( التوضيح ) نصب بالرفع صفة لقوله ستون وثلاث
مائة وقال بعضهم كذا وقع للأكثر نصب بغير ألف والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان
مرفوعا لكان صفة والواحد لا يقع صفة للجمع قلت أخذ هذا من كلام ابن التين والحق
هنا أن النصب واحد الأنصاب وقال الجوهري النصب ما نصب فعبد من دون الله وكذلك
النصب بالضم واحد الأنصاب وفي دعوى الأوجهية نظر لأنه إنما يتجه إذا جاءت الرواية
بالنصب على التمييز وليست الرواية إلا بالرفع فحينئذ الوجه فيه أن يقال إن النصب
ما نصب أعم من أن يكون واحدا أو جمعا وأيضا هو في الأصل مصدر نصبت الشيء إذا أقمته
فيتناول عموم الشيء قوله يطعنها بضم العين قوله بعود في يده أي بعود كائن في يده قوله
ويقول عطف على يطعن ويجوز أن يكون الواو للحال وفي كسر الأصنام دلالة على كسر ما
في معناها من العيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله عز و
جل وقال ابن المنذر وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من المدرو الخشب وشبههما
(19/32)
ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي
تكون من ذهب أو فضة أو خشب أو حديد أو رصاص إذا غيرت وصارت قطعا وقال المهلب ما
كسر من آلات الباطل وكان فيها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة ألا يرى أن
الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال وقد هم بحرق دور من تخلف
عن صلاة الجماعة والله سبحانه وتعالى أعلم
31 -
( باب ويسألونك عن الروح )
أي هذا باب في قوله عز و جل ويسألونك عن الروح ( الإسراء58 ) قال الزمخشري الأكثر
على أن الذي سألوه عنه هو حقيقة الروح فأخبر أنه من أمر الله أي مما استأثر بعلمه
وعن أبي بريدة مضى وما يعلم الروح وعن ابن عباس قالت اليهود للنبي أخبرنا عن الروح
وكيف يعذب وإنما هي من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يحر إليهم جوابا فجاءه
جبريل عليه الصلاة و السلام بهذه الآية وقال الأشعري هو النفس الداخل من الخارج
قال وقيل هو جسم لطيف يشارك الأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة وقال بعضهم لا
يعلمها إلا الله تعالى وقال الجمهور هي معلومة وقيل هي الدم وقيل هي نور من نور
الله وحياة من حياته وقيل هي أمر من أمر الله عز و جل أخفى حقيقتها وعلمها على
الخلق وقيل هي روحانية خلقت من الملكوت فإذا صفت رجعت إلى الملكوت وقيل الروح
روحان روح اللاهوتية وروح الناسوتية وقيل الروح نورية وروحانية وملكوتية إذا كانت
صافية وقيل الروح لاهوتية والنفس أرضية طينية نارية وقيل الروح استنشاق الهواء
وقالت عامة المعتزلة إنها عرض وأغرب ابن الراوندي فقال إنها جسم لطيف يسكن البدن
وقال الواقدي المختار أنه جسم لطيف توجد به الحياة وقيل الأرواح على صور الخلق لها
أيد وأرجل وسمع وبصر
ثم أعلم أن أرواح الخلق كلها مخلوقة وهو مذهب أهل السنة والجماعة والأثر واختلفوا
هل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت فقالت طائفة لا تموت ولا تبلى وقال بعضهم
تموت ولا تبلى وتبلى الأبدان وقيل الأرواح تعذب كما تعذب الأجسام وقال بعضهم تعذب
الأرواح والأبدان جميعا وكذلك تنعم وقال بعضهم الأرواح تبعث يوم القيامة لأنها من
حكم السماء ولا تبعث الأبدان لأنها من الأرض خلقت وهذا مخالف للكتاب والأثر وأقوال
الصحابة والتابعين وقال بعضهم نبعث الأرواح يوم القيامة وينشىء الله عز و جل لها
أجساما من الجنة وهذا أيضا مخالف لما ذكرنا واختلفوا أيضا في الروح والنفس فقال
أهل الأثر الروح غير النفس وقوام النفس بالروح والنفس تريد الدنيا والروح تدعو إلى
الآخرة وتؤثرها وقد جعل الهوى تبعا للنفس والشيطان مع النفس والهوى والملك مع
العقل والروح وقيل الأرواح تتناسخ وتنتقل من جسم إلى جسم وهذا فاسد وهو شر
الأقاويل وقال الثعلبي اختلفوا في تفسير الروح المسؤول عنه في الآية ما هو فقال
الحسن وقتادة هو جبريل عليه الصلاة و السلام وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو
ملك من الملائكة له سبعون ألف رأس في كل رأس سبعون ألف وجه لكل وجه منها سبعون ألف
فم في كل فم سبعون ألف لسان لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك
اللغات كلها يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة وعن ابن عباس
رضي الله عنهما الروح ضرب من الملائكة خلق الله صورهم على صور بني آدم لهم أيد
وأرجل ورؤوس وكذا روي عن مجاهد وأبي صالح والأعمش وذكر أبو إسحاق الثعلبي عن عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفا عليه قال الروح ملك عظيم أعظم من السموات
والأرض والجبال والملائكة وهو في السماء الرابعة يسبح كل يوم إثني عشر ألف تسبيحة
يخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفا واحدا وحده الملائكة بأسرهم يجيئون
صفا وقيل المراد به بنو آدم قال ابن عباس والحسن وقتادة وعن ابن عباس هو الذي ينزل
ليلة القدر زعيم الملائكة وبيده لواء طوله ألف عام فيغرزه على ظهر الكعبة ولو أذن
الله له أن يلتقم السموات والأرض لفعل
وعن سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح ومن عظمته لو أراد أن يبلع
السموات السبع والأرضين السبع ومن فيهما لقمة واحدة لفعل صورة خلقه على صورة
الملائكة وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين فيقوم يوم القيامة عن يمين العرش
والملائكة معه في صفة وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى اليوم عند الحجب السبعين وهو
ممن يشفع لأهل التوحيد ولولا أن
(19/33)
بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السموات من نوره وقال قوم هو المركب في الخلق الذي بفقده فناؤهم وهم وبوجوده بقاؤهم وقال بعضهم أراد ب