حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

السبت، 1 أكتوبر 2022

ج3.وج4.كتاب:النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير

 

 ج3.وج4.كتاب:النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير

ج3.كتاب:النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير

--
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله بن حبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي " .
ورواه البخاري أيضاً ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري من حديث مالك، كلاهما عن حبيب بن عبد الرحمن به، والله تعالى أعلم.
طريق أخرى عن أبي هريرةقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثنا هلال، عن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم. فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة أخرى، حتى إذا عرفتهم، خرج رجل بيني وبينهم، فقال: هلم قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " انفرد به.
طريق أخرى عن أبي هريرةقال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثني الربيع يعني ابن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإِبل " .
وحدثنيه عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، أنه سمع أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
طريق أخرى عن أبي هريرةقال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد وابن أبي عمر جميعاً، عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر، حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن، هو أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه، قالوا: يا رسول الله: أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم. لكم سيماء ليست لأحد من الأمم، تردون عليَّ غراً محجلين من أثر الوضوء " .
هذا لفظه أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
طريق أخرى عن أبي هريرةروى الحافظ الضياء أيضاً: من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن هلال، حدثنا إبراهيم ابن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أنا هلكت فأنا فرطكم على الحوض، قيل يا رسول الله وما الحوض؟ قال: عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن، وهو أحلى من العسل والسكر، آنيته مثل نجوم السماء، من ورد على شرب، ومن شرب منه لم يظمأ أبداً، وإياكم أن يرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، فيحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: بعداً أو سحقاً لمن بدل " .
ثم قال الحافظ الضياء: لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث.
قلت: بل قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر عقداً فأتى بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه " . الحديث بتمامه، وهو غريب جداً.
طريق أخرى عن أبي هريرةقال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الخيطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يرد عليَّ يوم القيامة رهط. من أصحابي، فيجفلون من الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تعلم بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى " .
قال: قال شعيب، عن الزهري، كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجفلون وقال عقيل: فيجلون. وقال الزبيري: عن أبي هريرة، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا كله تعليق ولم أر أحد أسنده بشيء من هذا الوجه، عن أبي هريرة إلا أن البخاري قال بعد

هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: " إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم ا لقهقرى " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم امام مسجد بني قشير، عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبى هريرة قال: " كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم، ويلقى الرجل الرجل فيقول: واعطشاه " .
رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهماقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع، عن ابن عمر، حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني على الحوض، حتى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب: مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم " .
فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.
ورواه مسلم: عن داود بن عمر، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء مثله.
رواية أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي اللّه عنهما
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر فقالت: " هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم " .
رواه البيهقي، ورواه البخاري، عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل واستشهد برواية مطرف.
وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن أبي أسلم، عن ابن خيثم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني أصحابه يقول: " إني على الحوض انتظر من يرد عليَّ منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب، مني، ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم " . تفرد به مسلم، والله تعالى الموفق للصواب.
رواية أم المؤمنين أم سلمة رضي اللّه عنها
قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر وهو ابن الحارث، أن بكيراً حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن نافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كنت يوماً، والجارية تمشطني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيها الناس: فقلت للجارية: استأخري عني، فقالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني فرط لكم على الحوض، فأنا انتظر من يرد عليَّ منكم، لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذاب البعير الضال، فأقول: فيم هذا فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقاً " .
ثم رواه مسلم، والنسائي، من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع عنها، فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم، من شراب الجنة، من نهر الكوثر، الذي هو أشهد بياضاً من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحاً من المسك وهو في غاية الإشباع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وأنه ينبت في حال من المسك، ورضراض من اللؤلؤ، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء، لا إله إلا هو، ولا معبود سواه.
ذكر أن لكل نبي حوضاً وأن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم عظمها وأجلها وأكثرها وراداً
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال: حدثنا محمد ابن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن لي حوضاً ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضاً من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر ومنهم من يأتيه الرجلان، والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: لقد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة " .

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عطية بن سعيد العوني، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه والله أعلم بالصواب.
أولياء الله يردون حياض أنبياء الله عليه الصلاة والسلام حديث آخرقال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا الحسن بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن أبي عثمان، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: " إي والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة، وتقدم ما رواه الترمذي وغيره من حديث شعبة بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سميرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. " إن لكل نبي حوضاً، يتباهون أيهم أكثر وارده، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم وارده " .
ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد رواه أشعث بن عبد الملك عن الحسن مرسلاً وهو أصح.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن حراش، حدثنا حزم بن أبي حزم، سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضاً، وهو قائم على حوضه، بيده عصا يدعو من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعاً، والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً " .
وذكر تمام الحديث، وهذا مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان، وغيره، وقد أفتى شيخنا المزي بصحته من هذه الطرق.
فصل
الحوض المورود قبل الصراط الممدود وما أفهم عكس ذلك ضعيف أو مردود أو مؤول
إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده قلت: إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط، لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم إنهم لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم، فإن كان هؤلاء كفاراً فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وإن كانوا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لاسيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " أعرفكم غراً محجلين من آثار الوضوء " .
"
ثم من جاوز لا يكون إلا ناجياً مسلماً فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط، فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة قال: " أنا فاعل قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت: فإن لم ألقك؟ قال: فاطلبني عند المنبر، قال: فإن لم ألقك؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يوم القيامة " ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر وابن ماجه في تفسيره من حديث عبد الصمد كلاهما عن حرب بن ميمون بن أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الغلاس وقوفاً بينه وبين حرب بن ميمون بن أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضاً صاحب الأدعية وضعفاً هذا، وأما البخاري فجعلهما واحداً، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: هذا أكذب الخلق وأنكر الدارقطني على البخاري ومسلم جعلهما هذين حديثاً واحداً وقال: شيخنا المزي جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد، وهو الصحيح.
قلت: وقد حررت هذا في التكميل بما فيه كفاية، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمقصود أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضاً، وهذا لا أعلم به قائلاً، اللهم إلا أن يكون ذلك حوضاً ثانياً لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصلوإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط، فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي للفصل أو بعد ذلك هذا مما يحتمل كلاًّ من الأمرين؟ ولم أر في ذلك شيئاً فاصلاً، فالله أعلم أي ذلك يكون.
صحيح العلماء أن الحوض قبل الميزان

وقال العلامة أبو عبد الله القرطبي في التذكرة أيضاً، واختلف في كون الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل، قال القرطبي: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشاً من قبورهم كما تقدم، فيقدم على الميزان والصراط، قال أبوحامد الغزالي في كتاب علم كشف الآخرة، حكى بعض السلف من أهل التصنيف: أن الحوض يورد عبد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم القهقرى عنه، ثم قال: وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط، لأن الصراط من جاز عليه سلم، كما سيأتي، قلت: وهذا التوجيه قد أسلفناه ولله الحمد.
اختلاف تحديد الرسول عليه السلام لحجم الحوض طولاً وعرضاً لاختلاف المخاطبين فحدد لكل بالأمكنة التي يعرف
قال القرطبي: وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح، وتارة بما بين الكعبة إلى كذا وتارة بغير ذلك اضطراباً، قال: وليس الأمر كذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام حدث أصحابه مرات متعددة، فخاطب في كل مرة القوم بما يعرفون من الأماكن، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر، قال: ولا يخطر في بالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، وهي أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط، تطهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء، قال: ورد في الحديث: أن على كل جانب منه واحداً من الخلفاء الأربعة، فعلى الركن الأول أبو بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عثمان، وعلى الرابع علي، رضي الله عنهم، قلت: وقد رويناه في الغيلانيات، ولا يصح إسناده، لضعف بعض رجاله.
فصلمجيء الرب سُبْحَانه وَتَعَالى يَومَ الْقِيَامَة لفصل القَضَاءَ
ذكر في حديث الصوم المتقدم: أنه إذا ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع عند الله ليفصل بين عباده بعدما يسأل في ذلك آدم فمن بعده، فكل يقول لست بصاحب ذاكم، حتى ينتهي الأمر إليه صلوات الله وسلامه عليه، فيشفع عند ربه، وتنزل الملائكة تنزيلاً، فينزل أهل السماء الدنيا، وهم قدر هل الأرض من الجن والإِنس، فيحيطون بهم دائرة، ثم تنشق السماء الثانية وتنزل ملائكتها، وهم قدر أهل الأرض، فيحيطون بهم دائرة، ثم كذلك السماء الثالثة والرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فكل سماء تحيط بمن قبلهم دائرة، ثم تنزل الملائكة الكروبيون، وحملة العرش المقربون، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم، يقولون سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى، رب الملائكة والروح، سبحان ربنا الأعلى، يميت الخلائق ولا يموت.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال: حدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عوف، عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي، حدثنا شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس، قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا، وجمع الخلائق في صعيد واحد، جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قبضت هذه السماء الدنيا عن أهلها نشوراً على وجه الأرض، ولأهل هذه السماء وحدهم أكبر من جميع أهل الأرض، جنهم وإنسهم، بالضعف، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم يقولون: أفيكم ر بنا فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا، ليس فينا، وهو آت، ثم يقبض السموات سماء سماء، كلما قبضت سماء كانت أكثر من أهل السماء التي تحتها، ومن جميع أهل الأرض، بالضعف، جنهم وإِنسهم، كلما مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهلها يقولون مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تقبض السماء السابعة، ولأهلها وحدهم أكبر من أهل ست سموات، ومن أهل الأرض بالضعف ويجيء الله تعالى فيهم والأمم صفوف فينادي مناد: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت " تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمعاً وَمِمَّا رزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " .

فيقومون، فيسرحون إِلى الجنة، ثم ينادي ثانية ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت " لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَام الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقلَّبُ فِيهِ الْقلوبُ وَالأبْصَارُ " .
فيقومون، فيسرحون إِلى الجنة فإِذا أخذ هؤلاء، خرج عنق من النار فأشرف على الخلائق، له عينان بصيرتان ولسان فصيح فيقول: إني وكلت بثلاثة وكلت بكل جبار عنيد، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيحبس بهم في جهنم ثم يخرج الثانية فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس في جهنم، ثم يخرج الثالثة فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ هؤلاء، وهؤلاء نشرت الصحف، ووضعت الموازين، وعيت الخلائق للحساب، وقد قال الله تعالى: " كًلاّ إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكَّاً دكّاً وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وجيءَ يَوْمَئذ بِجِهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى " .
وقال تعالى: " هلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أنْ يَأتِيَهُمُ اللَّهُ في ظلَل مِنَ الْغَمَام وَالمَلاَئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرجَعُ الأمُورُ " .
وقال تعالى: " وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَبِيِّينَ وَالشُّهَداء وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلِّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ تَشَقق السَّمَاءُ بِالْغَمَام ونُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنْزِيلاً الْمُلْكُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ لِلرَّحْمن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً " .
وقال في حديث الصور: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه يعني بذلك كرسي فصل القضاء، وليس هذا بالكرسي المذكور في الحديث المروي في صحيح ابن حبان.
"
ما السموات السبع، والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن، وما الكرسي، إِلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وما الكرسي في العرش إلا كتلك الحلقة بتلك الفلاة، والعرش لا يقدر قدره إِلا الله عز وجل " .
وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث كما في الصحيحين: " سبعة يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله " الحديث بتمامه.
وثبت في صحيح البخاري من حديث الزهري، عن أبي سلمة، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة، فإن يصعقون وأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشاً بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " ؟.
فقوله: أم جُوزي بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة، سببه تجلي الرب تعالى لعباده لفصل القضاء فيصعق الناس من العظمة والجلال، كما صعق موسى يوم الطور، حين سأل الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، وخر موسى صعقاَ فموسى عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إذا صعق الناس، إما أن يكون جوزي بتلك الصعقة الأولى فما صعق عند هذا التجلي، وإما أن يكون صعق أخف من غيره، فأفاق قبل الناس كلهم، والله أعلم.
وقد ورد في بعض الأحاديث: " أن المؤمنين يرون الله عز وجل في عرصات القيامة " .
كما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري من بشر بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال: " إنكم سترون ربكمِ يوم القيامة كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته " وفي رواية للبخاري: " إنكم سترون ربكم عياناَ " .
وجاء أنهم يسجدون له تعالى، كما قال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس الجمالي، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون له طويلاً، ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدتكم فداكم من النار " .
له شواهد من وجوه أخر كما سيأتي.
وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش، عن

أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حتى إن أحدكم ليلتفت فيكشف عن ساق، فيقعون سجوداً، وترجع أصلاب المنافقين حتى تكون عظماً، كأنها صياصي البقر " ثم قال: لا تعلم من حدث به عن الأعمش إلا أبا عوانة قلت: وسيأتي له شاهد من وجه آخر، وذكر في حديث الصور: " أن الله ينادي العباد يوم القيامة فيقول: إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم لي يومكم هذا، أرى أعمالكم، وأسمع أقوالكم فأنصتوا إليَّ فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه " .
وروى الإِمام أحمد: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، أنه اشترى راحلة فسار إلى عبد الله بن أنيس شهراً، ليسمع منه حديثاً بلغه عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة، غرلاً، بهماً قال، قلنا: وما بهما قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت، يسمعه من بعد، كما يسمعه من قُرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق إلا قضيته له منه، حتى اللطمة، قال: قلنا: وكيف وإننا إنما نأتي الله بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات " .
وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي الطويل: " يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إِلا نفسه " .
وقد قال الله تعالى: " إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَاب الآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْموعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوم مَشْهود وَمَا نُؤخرُهُ إلا لأجَل مَعدود يَوْمَ يأتِ لاَ تَكًلّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بإذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِي وَسَعِيدً " .
ثم ذكر ما أعده للأشقياء وما وعد به السعداء، وقال تعالى: " رب السَّموات والأرْض وَمَا بَيْنَهما الرَحْمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً " يَوْمَ يَقُومُ الروحُ والمَلاَئِكَةُ صَفّا لاَ يَتَكًلّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقَالَ صَواباً " .
وثبت في الصحيح: ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، وقد عقد البخاري رحمه الله باباً في ذلك، في كتاب التوحيد في صحيحه.
الجزء الثانيكلام الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأَنبياء
ولا يتكلم يومئذ إِلا الرسل، وقد عقد البخاري رحمه الله باباً في ذلك فقال في باب التوحيد من صحيحه في باب
كلام الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم.
ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه وسيأتي، وحديث: " ما منكم من أحد إِلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان " .
وسيأتي حديث ابن عمر في النجوى أيضاً، ونحن نورد في هذه الترجمة أحاديث أخر مناسبة له أيضاً، وبالله المستعان وقد قال تعالى: " يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُل فيَقُولُ مَاذَا أجِبْتُمْ قَالوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عًلاّمُ الْغُيُوبِ " .
وقال تعالى: " فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أرْسِلَ إِلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْم وَمَا كنَّا غَائِبِينَ والْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقًّ فَمَنْ ثَقلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولَئِكَ الَّذِينَ خَسِروا أنْفسَهُمْ بِمَا كَانُوا بآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " .
وقال تعالى: " فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " .
شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم يوم القيامة

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا رشدين بن سعد، أخبرنا ابن أرقم المغافري، عن جبلان بن أبي جبلة، بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جمع الله عباده يوم القيامة، كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم قد بلغت، فيخلي عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي. فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فيقول الله عز وجل لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم، فيخلي عن جبريل، ويقال للرسل: ما فعلتم فعهدي فيقولون: بلغنا أممنا، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغكم الرسل عهدي فيقولون: بلغناهم فمنهم المكذب ومنهم المصدق، وإن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك، فيقول: من يشهد لكم فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقول الله تعالى لهم: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليهم فيقولون: نعم يا ربنا شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب: كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولاً، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنهمْ أمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " .
قال ابن أرقم: فبلغني أنه يشهد أمة أحمد إلا من كان في قلبه إحنة.
كلامه سبحَانه وتَعالى مَع آدم عَلَيه الصَّلاة والسَّلام يَوم القيامة
أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسودقال الإِمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يدعى يوم القيامة آدم، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: ربِّ لبيك وسعديك، فيقول له ربنا: أخرج نصيب جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب وكم؟ فيقول: من كل مائة تسعة وتسعين، فقلنا: يا رسول الله أرأيت إذا أخذ من كل مائة تسعة وتسعين فماذا يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " .
أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه الصلاة والسلامورواه البخاري، عن إسماعيل بن عبد الله، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد الديلمي، عن سالم أبي الغيث مولى بن معطيع، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يدعى يوم القيامة آدم فتراه ذريته فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك فيقول، أخرج بعث جهنم من ذريتك " . وذكر تمامه مثل ما تقدم.
رجاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون أتباعه نصف أهل الجنة:وقال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك يا رب وما بعت النار فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. قال: فيومئذ يشيب المولود " . وقد قال تعالى: " وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا همْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ " .
قال: فيقولون أين ذلك الواحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومآجوج ومنكم واحد قال: فقال الناس الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " ، قال: فكبر الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض " .

ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش به، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، وأخرجاه من طرق آخر عن الأعمش به، وفي صحيح البخاري، عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيد فقال: " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر " .
كَلام الرب سُبْحَانَه وتَعَالى مَع نوح عَليه الصَّلاة والسَّلام وَسؤاله إِيَّاه عَن الْبَلاغ كَمَا قالَ تَعَالى: " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسألًنّ الْمُرْسَلِينَ "
قال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، قال: فيقال لنوح من يشهد لك فيقول: محمد وأمته " : وذلك قوله: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنهمْ أمَّة وَسَطاً لِتَكونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس " .
قال: والوسط العدل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم، وقال: وهكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن الأعمش، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد رواه الإِمام أحمد بلفظ أعم من هذا فقال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجيء النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد فيقال له: هل بلغ هذا قومه. فيقول: نعم، ثم تدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال لهم: هل بلغ هذا أمته فيقولون: نعم، فيقال لهم: ومن أعلمكم فيقولون جاءنا محمد نبياً، وأخبرنا أن الرسل قد بلغوا. قال: فذلك قوله: " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً.
قال: يقول عدلاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً " .
وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي كريب، وأحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية.
شهادة أمة محمد عليه الصلاة والسلام على جميع الأمم يوم القيامة دليل عدالة هذه الأمة وشرفها
قلت: شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الأمم يوم القيامة برهان على عدالة هذه الأمة وشرفها، ومضمون هذا، أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولاً عند سائر الأمم، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على اللّه سبحانه وتعالى " .
تشريف إِبْرَاهيم عَليهِ الصَّلاة والسَّلام يَوْم الْقِيَامة عَلَى رؤوس الأَشْهَاد
قال اللهّ تعالى: " وآتَيْناهُ في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّه في الآخِرَةِ لَمِنَ الصَالِحِين " .
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: " إِنكم تُحْشَرون حُفاةً عراةً " . ثم تلا قوله تعالى: " كَمَا بَدَأْنَا أوَّلَ خَلْق نعِيده " .
وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: كما قال العبد الصالح: " وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمت فِيهِمْ " إِلى قوله: " إِنَّكَ أنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم " .
قال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم. ذكر موسى عليه الصلاة والسلام وذكر شرفه وجلالته يوم القيامة وكثرة أتباعه وانتشار أمته.
ذكر عيسَى عَليه الصَّلاة والسَّلام وكَلام الرَّب عَزَّ وَجَلّ مَعه يَوم القيامة

قال اللّه تعالى: " وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قًلْتَ لِلنَّاس اتَّخِذُوني وأمِّيَ إِلهَيْن مِنْ دونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكونُ لِي أَنْ أَفولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتًهُ فَقَدْ عَلِمْتَة تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عًلام الْغيُوبِ مَا قًلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَن اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُّمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهيداً مَا دُمْتَ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوفَّيْتَنِي كنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأَنْتَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهمْ فإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ العَظِيمُ " .
وهذا السؤال من الله تعالى لعيسى ابن مريم، مع علمه تعالى أنه لم يقل شيئاً من ذلك، إنما هو على سبيل التقريع والتوبيخ لمن اعتقد فيه ذلك من ضلال النصارى وجهلة أهل الكتاب، فبرأ إلى الله تعالى من هذه المقالة، كما تتبرأ الملائكة ممن اعتقد فيهم شيئاً من الإِلهية حيث يقول الله تعالى: " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاءِ إِياكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قالوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَليُّنَا مِنْ دونهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبدونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤمِنُونَ " .
وقال تعالى: " وَيَوْم يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدونَ مَنْ دونِ اللَّهِ فَيَقولُ أَ أَنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالوا سبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دونكَ مِنْ أَوْليَآءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهمْ حَتى نَسُوا الذّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً فَقَدْ كًذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمن يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكَاءُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنهمْ وَقَالَ شُرَكَاؤهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى باللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكمْ إِنْ كًنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُوُا كُلَّ نَفْس مَا أَسْلَفَتْ وَردوا إِلى اللّه مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانوا يَفْتَرُونَ " .
مقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند الله يوم القيامة لا يدانيه مقام
فلا يساويه بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطهذا بها كل الخلائق من العالمين، من الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وقد تقدم ما ورد في المقام المحمود من الأحاديث والآثار، وأنه أول من يسجد بين يدي الله يوم القيامة، وأول من يشفع فيشفع، وأول من يكسى بعد الخليل، يكسى الخليل ريطتين. بيضاوين، ويكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلتين خضراوين، ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد صلى الله عليه وسلم عن يمين العرش فيقول: " يا رب إن هذا - ويشير إلى جبريل - أخبرني عنك أنك أرسلته إلي، فيقول الله عز وجل صدق جبريل " .
وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب وجابر الجعفي، عن مجاهد أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش، وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروزي جزءاً كبيراً، وحكاه هو وغيره وغير واحد من السلف وأهل الحديث كأحمد وإسحاق بن راهويه وخلق وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف، وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في صيدة له.

قلت: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة بمفرده، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا شريح بن يونس، أخبرنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، حتى لا يكون للإِنسان إلا موضع قدميه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب: إن هذا أخبرني أنك أرسلته إِليَّ، فيقول الله: صدق، ثم أشفع، فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض " فهو المقام المحمود.
ذكر في كلام الرب تَعالى مَعَ العُلماء في فصْل القضَاءِ
إكرام اللّه عز وجل للعلماء يوم القيامة القضاء
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا إبراهيم الطالقاني، حدثنا المبارك، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى للعلماء إذا جلس على كرسيه لفصل القضاء إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم ولا أبالي " .
أَوّلْ كَلامه عًزّ وجَل للمؤمنين
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن رجاء، عن خالد بن أبي عمران، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة، وبأول ما تقولون له؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: فإِن اللّه تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي. فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: وما حملكم على ذلك؟ فيقولون: عفوك ورحمتك ورضوانك، فيقول: " فإِني قد أوجبت لكم رحمتي " .
فصللا خلاق في الآخرة لمن يخون أَمانة اللّه وعهده
قال الله تعالى: " إِن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاَ قَلِيلاً أولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ في الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزكِّيهِمْ وَلَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنَاَ قَلِيلاً أولئِكَ مَا يَأكُلُونَ في بطُويهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّفهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ولهمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ أولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهدَى وَالْعَذَابَ بالْمَغْفِرَةِ فَمَا أصْبَرهمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في الْكِتَابِ لَفِي شِقَاق بَعِيدٍ " .
والمراد من هذا أَنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاماً ونظراً يرحمهم به، كما أَنهم عن ربهم يومئذ محجوبون بقوله تعالى: " كلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَومَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ يَحْشرهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْس وَقَالَ أَوْليَاؤهُمْ مِنَ الإِنْس رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضنَا بِبَعْض وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء الله إِنَّ رَبَّكَ حَكِيم عَلِيمٌ " .
وقال تعالى: " هَذَا يَوْمُ الْفَصْل جَمَعْناكمْ وَالأَوَّلينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمكًذّبينَ " . وقال تعالى: " يَوْمَ يَبْعَثًهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ " .

وقال تعالى: " يَوْمَ يُنَادِيهمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كنْتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهم الْقَوْلُ رَبَّنَا هؤلاَءِ الَّذِين أغوَيْنَا أغوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأنا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ وَقيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأوُا الْعَذَابَ لَوْ أنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدونَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقولُ مَاذَا أَجَبْتُم الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلونَ " .
وقال بعد هذا: " وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقول أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أمَّة شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ للَّهِ وَضَلَّ عَنهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " .
والآيات في هذا كثير جداً.
وثبت في الصحيحين كما سيأتي من طريق خيثمة، عن عدي بن حاتم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فيلقى الرجل فيقول له: ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإِبل، أذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فاليوم أنساك كما نسيتني " . فهذا فيه صراحة عظيمة في تكلم اللّه تعالى ومخاطبته لعبده الكافر.
وأما العصاةففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين كما سيأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدني اللّه العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ثم يقرره بذنوبه فيقول: عملت في يوم كذا كذا وكذا؟ وفي يوم كذا كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى " : " إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم " .
فصلإِبراز النيران والجنان ونصب الميزان ومحاسبة الديان
قال تعالى: " إذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الجنَّةُ أزْلفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أحْضَرَتْ " .
وقال تعالى: " يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَل امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ " وَأزْلفَتَ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بقَلْبٍ مُنِيب ادْخُلُوهَا بِسَلاَم ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلدَيْنَا مَزِيد " .
وقال تعالى: " وَنَضَعُ الْمَوَازِين الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَم نَفْسن شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حًبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبينَ " .
وقال تعالى: " إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤتِ مِن لَّدُنْهُ أجْراً عَظِيماً فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلى هؤلاَءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً " .
وقال تعالى فيما أخبر به عن لقمان أنه قال: " يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةِ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّموات أوْ في الأرْض يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " .
والآثار في هذا كثيرة جداً، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل.
ذكر إِبْداء عَين مِن النَّار عَلَى المحْشَر فتَطّلع عَلَى النَّاس
قال الله تعالى: " وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وأنَّى لَهُ الذِّكْرَى " .
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن العلاء بن خالد الكاهل، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " .
وكذا ر واه الترمذي مرفوعاً، ورواه من وجه آخر هو ابن جرير موقوفاً.
يخرج عنق من النار يتكلم؟ يقذف في جهنم الجبارين والمشركين والقائلين بغير حق
وقال الإِمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا شيبة، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري

رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يخرج عنق من النار يتكلم، فيقول: وكلت بثلاثة، بكل جبار، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم " .
تفرّد به من هذا الوجه، وسيأتي في باب الميزان عن خالد، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها نحوه.
وقال الله تعالى: " إِذَا رَأتْهُم مِن مَكَانِ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفيراً وَإِذَا ألْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضيقاً مُقرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَ تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثبوراً كَثِيراً " .
قال الشعبي: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله، واتخذ معه إلهاً آخر، وفي الحديث: " من كذب علي، أو ادعى إلى غير أبيه، أو أنتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً بعيداً " قالوا يا رسول الله: وهل لها من عينين؟ قال: " أما سمعتم بقول الله إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً " . رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول الرحمن: ما لكِ؟ فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب: ما كان هذا ظني بك، فيقول الله: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: ارسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة الى البعير، وتزفر زفرة لا تبقي أحداً إلا أخفته، وإسناده صحيح.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن المنصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير قال: إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى معها ملك ولا نبي إلا خرّ ترعد فرائصه، حتّى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك إلا نفسي اليوم.
وقال في حديث الصور: ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ثم يقول: " ألمْ أعْهَدْ إِلَيْكًمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّه لَكُمْ عدُوٌّ مُبِينٌ أَنِ اعْبدُوني هذا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمُ وَلَقَدْ أضلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيراً أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " .
فيمر الله بين الخلائق، وتجثو الأمم، وذلك قوله: " وَتَرَى كلَّ أمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنّا نَستَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ " .
ذكر الميزانقال الله تعالى: " وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْس شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " .
وقال تعالى: " فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولَئِكَ الَّذِينَ خَسروا أَنْفُسَهُمْ في جَهًنّمَ خَالدُونَ " .
وقال تعالى: " والْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينهُ فَأولئِكَ همُ الْمُفْلِحُونَ ومَنْ خفَّتْ مَوَازِينه فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسِروا أنْفسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " .
وقال تعالى: " فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُه فَهُوَ في عِيشَةٍ رَاضِيَةَ وأَمَّا مَنْ خفَّتْ مَوَازِينهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدرَاكَ مَاهِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ " .
وقال تعالى: " قُلْ هَلْ نُنَبئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أولئِكَ الَّذِينَ كَفَروا بِآياتِ ربِّهِمْ وَلقَائِهِ فَحَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً " .
وزن الأعمال بعد القضاء والحساب

قال أبو عبد الله القرطبي: قال العلماء: إِذا انقضى الحساب، كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإِن المحاسبة لنفس الأعمال، والوزن لإِظهار مقاديرها، فيكون الجزاء بحسبهما، قال: وقوله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
بَيَان كَون الميزان له كًفّتان حسيتان
وبيان أن " بسم اللّه الرحمن الرحيم " لا يثقل عليها شيء
قال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، حدثني عبد الرحمن الجيلي واسمه عبد الله بن يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله له: أتنكرمن هذا شيئاً؟ ظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب: فيقول الملك: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقول: أخبروه، فيقول: يا رب: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، قال: فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة، ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم " .
وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا، من حديث الليث، ورواه الترمذي وابن لهيعة كلاهما عن عامر بن يحيى به، وقال الترمذي: حسن غريب.
سياق آخر لهذا الحديث: هل يوزن العامل يوم القيامة مع عمله؟
قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان قال: فيبعث به إلى النار قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن تبارك وتعالى يقول: لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله الا الله " فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان " .
وهذا السياق فيه غرابة، وفيه فائدة جليلة، وهو أن العامل يوزن مع عمله.
شهادة ألا إله الا الله وأن محمداً رسول الله ترجح بالذنوب في الميزان يوم القيامة
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد بن البراء المقري، حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رفعه قال: " يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان، فيخرج له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، فيها ذنوبه وخطاياه، فتوضع في كفة، ثم يخرج له قرطاس مثل الأنملة فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فتوضع في كفة أخرى، فترجح بخطاياه " .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدّثنا حجاج، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: لما حضر أبا بكر الموت أرسل إلى عمر فقال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً.
الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامةوقال أحمد: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دنيا، عن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن " .
وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها كما فى صحيح مسلم من طريق أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطهور شطر الإِيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " .

فقوله والحمد لله تملأ الميزان، فيه دلالة على أن العمل نفسه وإن كان عرضاً قد قام بالفاعل، يحيله الله يوم القيامة فيجعله ذاتاً يوضع في الميزان، كما ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي الدنيا. حدثنا أبوخيثمة ومحمد بن سليمان وغيرهما قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن " .
وكذا رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو به ورواه أحمد عن غندر ويحيى بن سعيد، عن شعبة عن القاسم، عن أبي مرة، عن عطاء الكيخاراني، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن " .
وقد رواه أحمد أيضاً من حديث الحسن بن مسلم، عن عطاء، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة به، والترمذي من حديث مطرف، عن عطاء بن نافع الكيخاراني به، وقال أحمد. حدثنا عفان، حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان؟ لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح، يتوفى فيحتسبه والده " .
وقال: " بخ بخ لخمس: من لقي الله مستيقناً بهن دخل الجنة، يؤمن بالله، وباليوم الآخر، وبالجنة، وبالنار، وبالبعث بعد الموت، وبالحساب " . انفرد به أحمد.
وكما ثبت في الحديث الآخر: " تأتي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيابتان، من طير يحاجان عن صاحبهما " .
والمراد من ذلك أن ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك.
الأمر الثاني يوضع الصحيفة التي كتب فيها كما تقدم في حديث البطاقة والله أعلم، وقد جاء أن العامل يوزن كما قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرني المغيرة، حدثني أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة " .
وقال: " اقرأوا إن شئتم: " فَلاَ نقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزناً " .
قال البخاري: وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله، وقد أسند مسلم ما علقه البخاري، عن أبي بكر محمد بن إسحاق، عن يحيى بن بكير، فذكره.
وقد روى وجه آخر عن أبي هريرة فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن صالح مولى التومة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم، فيوزن بحبة، فلا يزنها " .
قال: ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن ابن الصلت، عن أبي الزناد، عن صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ البخاري سواء.
وقد قال البزار: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا هشام بن حسان، عن واصل، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة ما، فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أبا بريدة هذا ممن قال الله فيهم: فلا نقيم له يوم القيامة وزناً " . ثم قال: تفرّد به عن عمارة، وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.
قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد وحسن بن موسى، حدثنا حماد، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه كان دقيق السباقين فجعلت الريح تلقيه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من رقة ساقيه. قال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحُد " ، تفرّد به أحمد وإسناده جيد قوي.
فقد جاءت الروايات بهذه الصفات، وفي رواية الإِمام أحمد بن حنبل من طريق ابن لهيعة في حديث البطاقة، أنه يوزن مع عمله في الكتاب، وهذه الرواية تجمع الأقوال كلها بتقدير صحتها، والله تعالى أعلم.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل قال: قال الحسن: قالت عائشة يا رسول الله: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة. قال: " أما في مواطن ثلاث فلا: الكتاب، والميزان، والصراط " .

فقوله الكتاب يحتمل أن يكون حين يوضع كتاب الأعمال ليشهد على الأمم بأعمالها، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحف حين تطاير، والناس بين من أخذ بيمينه، وأخذ بشماله.
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المعري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عائشة بكت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك يا عائشة؟ قالت: ذكرت أهل النار فبكيت، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة؟ قال: أما في ثلاثة فلا يذكر أحد أحداً، حيث يوضع الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف، وحيث يقول هاؤم اقرءوا كتابيه، حيث تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم " .
قال يونس أشك الحسن قال: خافيته كلاليب وحسك، ويحبس الله به من يشاء من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو؟ ثم قال البيهقي: أنبأنا الروزباري، أنبأنا ابن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا يعقوب، عن إبراهيم وحميد بن مسعدة، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت، وذكر الحديت بنحوه إلا أنه قال: " وعند الكتاب، حين يقال: هاؤم اقروا كتابيه: حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه؟ أم في شماله من وراء ظهره؟ وعند الصراط، إذا وضع بين ظهراني جهنم " ، قال يعقوب عن يونس: وهذا لفظ حديثه.
طريق أخرى عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهماقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: أيا عائشة: أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأما عند تطاير الكتب فإِما أن يعطى بيمينه، أو يعطى بشماله فلا، ثم حين يخرج عنق من النار، فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر، وكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، وكلت برجل جبار عنيد، قال: فينطوي عليهم، ويرمى بهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، عليه كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم، رب سلم فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه " .
وتقدم من رواية حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، أنه قال: أتشفع لي يا رسول الله؟ قال: " أنا فاعل: قال: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الحوض. قال: فإن لم ألقك؟ قال: فعند الميزان قال: فإني لا أخطىء هذه المواطن يوم القيامة " . رواه أحمد والترمذي.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني، حدثنا أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا داود بن المحمر، حدثنا صالح المزي، عن جعفر بن زيد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفت موازينه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً " ، ثم قال: إسناده ضعيف.
وقد روى الحافظان البزار وابن أبي الدنيا، عن إسماعيل بن أبي الحارث وداود بن المحمر: حدثنا صالح المزي، عن علي بن ثابت البناني، وجعفر بن زيد، زاد البزار ومنصور بن زاذان، عن أنس بن مالك يرفعه بنحوه، وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا مالك بن مغول، عن عبيد الله بن أبي الغرار قال: عند الميزان ملك، إذا وزن العبد نادى: ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يوسف بن صهيب

حدثنا موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة، قال: صاحب الميزان يوم القيامة جبريل، يرد بعضهم على بعض، ولا ذهب يومئذ ولا فضة قال: فيؤخذ من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات المظلوم، فردت على الظالم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن العباس بن محمد، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا أبو الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤتى بالميزان، فإن ثقلت موازيني فأنا كريم، لكني وإن خفت فأنا لئيم.
قال أبو الأحوص: أتدري من أي شيء نجا؟ إذا ثقل ميزان عبد، نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون ألا إن فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإذا خف ميزانه نودي: ألا إن فلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقا، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أيوب بن محمد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن معمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب في حديث الإِيمان، قال يا محمد ما الإِيمان؟ قال: " الإِيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالجنة، والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فإذا فعلت هذا فأنت مؤمن قال: نعم. أو قال: قال صدقت " .
وقال شعبة: عن الأعمش، عن سمرة بن عطية، عن أبي الأخوص، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: " للناس عند الميزان تجادل وزحام " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان المدني، عن سلمان الفارسي قال: يوضع الميزان وله كفتان، لو وضع في إحداهما السموات والأرض وما فيهما لوسعتهما، فتقول الملائكة: يا ربنا من يوزن بهذا؟ فيقول: من شئت من خلقي فيقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أبو حنيفة، عن حماد بن إبراهيم في قوله تعالى: " وَنَضَغ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ " .
قال: يجاء بعمل رجل فيوضع في كفة ميزانه، ويجاء بشيء مثل الغمامة أو مثل السحاب كثرة فيوضع في كفة أخرى في ميزانه، فترجح فيقال: أتدري ما هذا؟ هذا العلم الذي تعلمته، وعلمته الناس، فعلموه، وعملوا به بعدك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك؟ عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدثه ذاك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم تلا: قول الله تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون " .
ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة خردل أو يرجح.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا السهمي، حدثنا عمار بن شيبة، عن سعيد بن أنس، عن الحسن، قال: يعتذر الله يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير يقول: " يا آدم: لولا أني لعنت الكاذبين، وأبغض الكذب والحلف، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي وعصى أمري لأملأن جهنم منهم أجمعين، ويا آدم: اعلم أني لم أعذب بالنار أحداً من ذريتك ولم أدخل النار أحداً إلا من قد سبق في علمي أنه لو رددته إِلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه، ولن يرجع، ويا آدم: أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، فقم عند الميزان، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة، حتى يعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم " .

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبى عبد الرحمن، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق، نورهم كنور الشمس، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق، نورهم كنور القمر ليلة البدر، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى فيقول: " هذا لك مني يا محمد، وهذا لك مني يا محمد، ثم يوضع الميزان ويؤخذ في الحساب " .
فصل
أقوال العلماء في تفسير الميزان الذي يكون يوم القيامةنقل القرطبي عن بعضهم أن الميزان له كفتان عظيمتان، لو وضعت السموات والأرض في واحدة لوسعتهما، فأما كفة الحسنات فنور، وأما الأخرى فظلمة، وهو منصوب بين يدي العرش، وعن يمينه الجنة، وكفة النور من ناحيتها، وعن يساره جهنم، وكفة الظلمة من ناحيتها، قال: وقد أنكرت المعتزلة الميزان وقالوا: الأعمال عراض لا جرم لها فكيف توزن؟ قال: وقد روي عن ابن عباس: أن الله يخلق الأعراض أجساماً فتوزن قال: والصحيح أنه توزن كتب الأعمال. قلت: وقد تقدم ما يدل على الأول وعلى الثاني وعلى أن العامل نفسه يوزن. قال القرطبي: وقد روى مجاهد، والضحاك، والأعمش، أن الميزان هاهنا العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل كما يقال: هذا الكلام في وزن هذا، قلت: لعل هؤلاء إنما فسروا هذا عند قوله: " وَالسَّمَاءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ألاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وأقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِروا الْمِيزَانَ " .
فالميزان في قوله: ووضع الميزان، أي العدل، أمر الله عباده أن يتعاملوا به فيما بينهم، فأما الميزان المذكور في زنة القيمة، فقد تواترت بذكره الأحاديث كما رأيت، وهو ظاهر القرآن.
فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه، وهذا إنما يكون للشيء المحسوس.
ليس الميزان لكل فرد من أفراد الناس يوم القيامةقال القرطبي: فالميزان حق، وليس هو في حق كل أحد بدليل قوله تعالى: " يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والأقْدَام " .
وقوله صلى الله عليه وسلم فيقول الله: " يا محمد: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سواه " .
قلت: وقد تواترت الأحاديث في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لكن يلزم من هذا أن لا توزن أعمالهم، وفي هذا نظر والله أعلم، وقد توزن أعمال السعداء ون كانت راجحة، لإِظهار شرفهم على رؤوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وأما الكفار فتوزن أعمالهم وإن لم تكن لهم حسنات تنفعهم، يقابل بها كفرهم، لإِظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق، وقد جاء في الحديث: " أن الله لا يظلم أحداً حسنة " أما الكافر فيطعمه بحسناته في الدنيا، حتى يوافي الله وليس له حسنة يجزى بها، وقد اختار القرطبي في التذكرة أن الكافر قد يوافي بصدقة وصلة رحم فيخفف بها عنه من العذاب، واستشهد بقضية أبي طالب حين جعل في ضحضاح من نار، يغلي منه دماغه، وفي هذا نظر، وقد يكون هذا خاصاً به خلصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب نصرته له، وقد استدل القرطبي على ذلك بقوله تعالى: " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " .
قلت: وقصارى هذه الآية العموم فيخص من ذلك الكافرون، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن جدعان، وذكر أنه كان يقري الضيف، ويصل الرحم، ويعتق، فهل ينفعه ذلك؟ قال: لا، إنه لم يقل يوماً من الدهر لا إله إلا الله، وقال تعالى: " وَقدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً " .
وقال: " حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئَاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّه سَرِيعُ الحِسَابِ " .
وقال: " مَثَلُ الَّذِينَ كَفَزوا بِرَبهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْم عَاصِفٍ " .

وقال تعالى: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةِ يَحْسَبُة الظمآنُ ماءً حتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنده فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ واللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ " .
فصلقال القرطبي وغيره: من ثقلت حسناته على سيئاته ولو بزوانة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أثقل ولو بزوانة دخل النار، إلا أن يغفر اللّه، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.
وروي مثل هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قلت: يشهد لذلك قوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً " .
لكن ما أعلم: من ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات، هل يدخل الجنة ويرتفع في درجاتها بجميع حسناته. ويكون قد أحبطت السيئات التي قابلتها؟ أو يدخلها مما يبقي له من الحسنات الراجحة على السيئات وتكون الحسنات قد أسقطت ما وراءها من السيئات؟
ذكر العَرض عَلَى الله عَزّ وجَلّ وتطاير الصُّحف ومُحَاسَبة الرّب تَعالى عِبَاده
قال الله تعالى: " وَيَوْمَ نسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادرْ مِنْهمْ أحَداً وَعُرِضُوا عَلَى رَبك صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكمْ أَوَلَ مَرَّة بَلْ زَعَمْتُمْ أَنْ لَنْ نَجْعَلَ لَكمْ مَوْعِداً وَوُضِعَ الكِتَاب فَتَرَى المُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لاَ يُغادرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أحْصَاهَا وَوَجَدوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَداً " .
وقال تعالى: " قُلْ إِنَّ الأوَّلينَ والآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْم مَعْلُوم " .
وقال تعالى: " وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ ربِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " .
وقال تعالى: " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أوَّلَ مًرّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثمَّ نَقولُ لِلّذِينَ أشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلَنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكمْ لَغافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْس مَا أسْلَفَتْ وَردوا إلى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَق وَضل عَنْهُمْ. مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " .
وقال تعالى: " وَيَوْمَ يَحْشُرهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنْس وَقَالَ أَوْليَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْس رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْض وَبَلَغْنَا أجَلَنَا الَّذي أجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالوا شَهِدْنَا عَلَى أنْفسِنَا وَغَرَّتْهُم الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ذلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرَى بِظُلْم وَأَهْلُها غَافِلُونَ وَلكُلِّ درَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِل عَمّا يَعْمَلُونَ " .
والآيات في هذا كثيرة جداً، وسيأتي في كل موطن ما يتعلق به من آيات القرآن.
وتقدم في صحيح البخاري، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده " .
وعن عائشة وأم سلمة، وغيرهما نحو ما تقدم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا عقبة الأصم، عن الحسن. قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعرض الناس ثلاث عرضات، فعرضتان جدال ومعاذير، وعرضة تطاير الصحف، فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حساباً يسيراً، ودخل الجنة، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار " .
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا علي بن علي بن رفاعة، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تطير الصحف إلى الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله " .
وكذا رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، والعجب أن الترمذي روى هذا الحديث عن أبي كريب، عن وكيع، عن علي بن علي، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ثم قال الترمذي: ولا يصح هذا من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة قال: وقد رواه بعضهم عن علي بن علي، عن الحسن بن أبي موسى. عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: الحسن قد روى له البخاري، عن أبي هريرة، وقد وقع في مسند أحمد التصريح بسماعه منه والله أعلم، وقد يكون الحديث عنده عن أبي موسى، وأبي هريرة، والله أعلم، وأما الحافظ البيهقي فرواه من طريق مروان الأصفر، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، من قوله مثله سواء، وقد روى ابن أبي الدنيا، عن ابن المبارك أنه أنشد في ذلك شعراً:
وطارت الصحف في الأيدي منشرة ... فيها السرائر والأبصار تطلع
فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليل ولا تدري بما يقعُ
أفي الجنان ونور لا انقطاع له ... أم الجحيم فلا يبقى ولا يدع
تهوى بساكنها طوراً وترفعهم ... إذا رَجَوْا مخرجاً من عمقها قمعوا
طال البكاء فلم يرحم تضرعهم ... فيها ولا رقة تغني ولا جزع
لينفع العلم قبل الموت عامله ... قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: " يا أيُهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أوتيَ كِتَابَهُ بِيَمينهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وأَمَّا مَنْ أؤتيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً " .
من نوقش الحساب هلكقال البخاري في صحيحه: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حاتم بن أبي صفرة، حدثنا عبد الله بن أبي مليكة، حدثني القاسم بن محمد، حدثتني عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلاّ هلك " فقلت يا رسول الله. أليس قد قال الله تعالى: " فَأَمَّا مَنْ أؤتيَ كِتَابَة بِيَمينهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبَ حِسَاباً يَسِيراً " ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إِلا عذب " .
يعني أنه تعالى إذا ناقش في حسابه عبيده عذبهم، وهو غير ظالم لهم، ولكنه تعالى يعفو، ويغفر، ويستر في الدنيا والآخرة، كما سيأتي في حديث ابن عمر: " يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم " .
فصلقال الله تعالى: " وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ في جَنَّاتِ النَّعِيم " .
الآيات: فإذا نصب كرسي فصل القضاء إنماز الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال، وبقي المؤمنون عن يمين العرش، ومنهم من يكون بين يديه، قال الله تعالى: " وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ " .
وقال تعالى: " ثُمَّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكًوا مَكَانَكمْ أَنْتُمْ وَشرَكَاءكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ " .

وقال تعالى: " وَتَرَى كُلَّ أمَّةٍ جَاثِيَةً كلُّ أمَّةٍ تدعَى إِلى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ " .
وقال تعالى: " وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مشفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادر صغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً " .
فالخلق قيام لرب العالمين، بين يديه، والعرق غمر أكثرهم، وبلغ منهم كل مبلغ، والناس فيه بحسب الأعمال كما تقدم في الأحاديث، خاضعين، صامتين، لا يتكلم أحد إِلا بإِذنه تعالى، ولا يتكلم يومئذ إِلا الرسل، والأنبياء حول أممهم، وكتاب الأعمال قد اشتمل على أعمال الأولين والآخرين، موضوع لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ذلك ما كانت تعمل الخلائق، وتكتبه عليهم الحفظة في قديم الدهر وحديثه، قال اللّه تعالى: " يُنَبؤاْ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ " .
وقال تعالى: " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنخْرجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشوراً اقْرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " .
قال البصري: لقد أنصفك يا ابن آدم من جعلك حسيب نفسك، والميزان منصوب لوزن أعمال الخير والشر فيه كما تقدم، والصراط قد مد على متن جهنم، والملائكة محدقون ببني آدم والجن، وقد برزت الجحيم، وأزلفت دار النعيم، وتجلى الرب تعالى لفصل القضاء بين عباده، وأشرقت الأرض بنور ربها، وقرئت الصحف، وشهدت على بني آدم الملائكة بما فعلوا، والأرض بما وقع على ظهرها، فمن اعترف منهم وإِلاّ ختم على فيهِ، ونطقت جوارحه بما عمل بها في أوقات عمله من ليل أو نهار قال اللّه تعالى: " يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ ربَّكَ أَوْحَى لَهَا " .
وقال تعالى: " حَتى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهًمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقَالُوا لِجُلُودهمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُو خَلَقَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللَّهَ لاَ يَعلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِربكُمْ أرْدَاكُمْ فَأصْبَحْتُمُ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَستَعتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ المُعتَبِينَ " .
وقال تعالى: " يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمُ ألْسِنَتُهُمْ وَأيْدِيهِمْ وَأرْجًلهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوفِّيهمُ اللَّهُ دينَهُمُ الْحًقّ وَيَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ ذوَ الْحَقُّ المُبِينُ " .
وقال تعالى: " اليَوْمُ نَخْتِمُ عَلَى أفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسبونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْينهِمْ فَاسْتَبْقُوا الصِّرَاطَ فَأنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعون " .
وقال تعالى: " وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلحَيِّ القَيُّوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مؤمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً " .
أي لا ينقص من حسناته شيء، وهو الهضم، ولا يحمل عليه شيء من عمل غيره، وهو الظلم.
فصلفأول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات غير الإنس والجن وهما الثقلان، والدليل على حشر بقية الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى: " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أمَمٌ أمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثمَّ إِلَى رَبهِمْ يُحْشَرُونَ " .
وقال تعالى: " وَإِذَا الوُحْوشُ حُشِرَتْ " .
وقال عبد الله ابن الإِمام أحمد: حدثنا عباس بن محمد، وأبو يحيى البزار قالا: حدثنا حجاج بن

نصر، حدثنا شعبة، عن العوام بن مزاح بن قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، عن شعبة، سمعت العلاء يحدث، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجماء، من الشاة القرناء بنطحها " .
هذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " يقتص للخلق بعضهم من بعض، حتى للجماء من القرناء، وحتى للذرة من الذرة " . تفرّد به أحمد.
وقال عبد الله بن أحمد: وحدث هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ليث، عن عبد الرحمن بن مروان، عن الهذيل بن شرحبيل، عن أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً، وشاتان تعتلفان فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: مايضحكك يا رسول الله؟ فقال: عجبت لها؟ والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا محمد جعفر، حدثنا شعبة، عن سليمان هو الأعمش، عن منذر بن يعلى الثوري، عن أشياخ لهم، عن معاوية، حدثنا الأعمش، عن منذر بن يعلى عن أشياخه، عن أبي ذر: فذكر ما معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال: " يا أبا ذر: هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا. قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما " .
وإسناده جيد حسن، قال الطرطبي: ورواه عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. قال القرطبي: ورواه الليث بن سليم، عن إبراهيم بن مروان، عن الهذيل، عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاتين تنتطحان فقال: " ليقضين الله يوم القيامة لهذه الجماء من هذه القرناء " .
قال: وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، أن أبا سالم الحساني حدثه: أن ثابت بن ظريف استأذن على أبي ذر، فسمعه رافعاً صوته يقول: أما والله لولا يوم الخصومة لسؤتك، فدخلت، فقلت: ما شأنك يا أبا ذر؟ وما عليك أن يضربها؟ فقال: أما والذي نفسي بيده أو قال: والذي نفس محمد بيده، لتسألن الشاة فيما نطحت صاحبتها، وليسألن الجماد فيما. نكب إصبع الرجل.
وقال أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية، أخبرنا أبوحيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يارسول الله أغثني: فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك " .
وأخرجاه من حديث أبي حيان، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي به، وتقدم في حديث أبي هر يرة: " ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها " . وذكر تمام الحديث في البقر والغنم. فهذه الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها..
وقد تقدم في حديث الصور: " فيقضي الله بين خلقه، إِلا الثقلين الإِنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، حتى إذا فرغ من ذلك، فلم يبق لواحدة عند أخرى حق، قال الله لها: كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً " .

وقد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، أخبرنا جعفر بن سليمان، سمعت أبا عمران الجوني يقول، إن البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله صنفاً إلى الجنة، وصنفاً إلى النار، نادت: الحمد لله يا بني آدم الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم، فلا جنة مرجوة، ولا عقاب يخاف.
وذكر القرطبي عن أبي القاسم القشيري في شرح الأسماء الحسنى عند قوله المقسط الجامع قال: وفي خبر: أن الوحوش والبهائم تحشر يوم القيامة، فتسجد لله سجدة، فتقول الملائكة: ليس هذا يوم سجود، هذا يوم الثواب والعقاب، فتقول للبهائم أن الله لم يحشركم لثواب ولا لعقاب وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم، وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود تراباً ثم يحثى بها في وجوه فجرة بني آدم قال وذلك قوله: " وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ " .
فصل
أول ما يقضي فيه يوم القيامة الدماءقال في حديث الصور: ثم يقضي الله بين العباد، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء، وهذا هو الواقع يوم القيامة، وهو أنه بعد أن يفرغ الله من الفصل بين البهائم، يشرع في القضاء بين العباد كما قال الله تعالى: " وَلكُل أمَّةٍ رَسُول فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُّضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " . ويكون أول الأمم.
أمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم حساباً يوم القيامة
ثم يقضي بين هذه الأمة، لشرف نبيها، كما أنهم أول من يجوز على الصراط، وأول من يدخل الجنة، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " وفي رواية: " المقضي لهم قبل الخلائق " .
وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو سلمة، حدثنا عمار بن سلمة، عن سعيد بن أياس الحريري، عن أبي نصرة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون " والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكر أول ما يقضي بين الناس فيه يوم القيامة، ومن يناقش الحساب، ومن يسامح فيه
قد تقدم في الحديث: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء " .
وفي رواية يحيى بن عقيل، عن أبي هريرة: " حتى للذرة من الذرة " والمراد بالذرة هاهنا النملة، والله أعلم.
وإذا كان هذا حكم الحيوانات التي ليست مكلفة، فتخليص الحقوق من الآدميين، وإنصاف بعضهم من بعض، أولى وأحرى.
وقد ثبت في الصحيحن، ومسند أحمد، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث سليمان بن مهران، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء " .
وقد تقدم في حديث الصور " أن المقتول يأتي يوم القيامة تشخب أوداجه دماء، وفي بعض الأحاديث ورأسه في يده فيتعلق بالقاتل حتى ولو كان قتله في سبيل الله فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى: لم قتلت هذا؟ فيقول: يا رب قتلته لتكون العزة لك، فيقول الله: صدقت. ويقول المقتول ظلماً: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله تعالى: لم قتلته. فيقول: لتكون العزة لي، وفي رواية لفلان فيقول الله: تعست، ثم يقتص منه لكل من قتله ظلماً، ثم يبقى في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء رحمه.
وهذا دليل على أن القاتل لا يتعين عذابه في نار جهنم، كما ينقل عن ابن عباس وغيره من السلف، حتى نقل بعضهم: إن القاتل لا توبة له، وهذا إِذا حمل على أن القتل من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة صحيح، وإن حمل على أنه لا بد من عقابه فليس بلازم، بدليل حديث الذي قتل تسعة وتسعين، ثم أكمل المائة، ثم سأل عالماً من بني إسرائيل: هل له من توبة. فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ إيت بلد كذا وكذا فإِنه يعبد الله فيها، فلما توجه نحوها، وتوسط بينها وبين التي خرج منها، أدركه الموت فمات، فتوفته ملائكة الرحمة الحديث بطوله.

وفي سورة الفرقان نص على قبول توبة القاتل، قال تعالى: " وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ له الْعَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إلا مَنْ تَابَ " .
الآية والتي بعدها، وموضع تقرير هذا في كتاب الأحكام وبالله المستعان وقال الأعمش: عن شهر ابن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء قال: يجيء المقتول يوم القيامة، فيجلس على الجادة، فإذا مر به القاتل قام إليه، فأخذ بتلابيبه فقال: يا رب: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: أمرني فلان، فيؤخذ الأمر والقاتل فيلقيان في النار.
قال في حديث الصور: ثم يقضي الله بين خلقه حتى لا يبقى مظلمة لأحد عند أحد حتى أنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء.
وقد قال الله تعالى: " وَمَنْ يَغللْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " .
من ظلم قطعة أرض طوق بها من سبع أرضين يوم القيامةوفي الصحيحين، عن سعد بن زيد، وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين "
عذاب المصورين المجسمين يوم القيامةوفي الصحيحين: " من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ " وفي رواية: " يعذبون، يقال أحيوا ما خلقتم " .
وفي الصحيح: من تحلم بحلم لم يره كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين، وليس يفعل، تقدم حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة في تعظيم أمر الغلول، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، وعلى رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، أو فرس له حمحمة، فيقول: يا محمد، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك " ، وهو في الصحيحين بطوله.
خمس لا تزول قدما العبد عن أرض المحشر يوم القيامة حتى يسأل عنهاوقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن بكار الصيرفي، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير، عن حصين بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر، عن ابن مسعود قال: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمرك فيم أفنيت؟ وعن شبابك فيم أبليت؟ وعن مالك من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ وما عملت فيما علمت؟.
وروى البيهقي: من طريق عبد الله عن شريك بن عبد الله، عن هلال، عن عبد الله بن عليم قال: كان عبد الله بن مسعود إِذا حدث بهذا الحديث قال: " ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: يا عبدي ما غرك بي؟ ماذا عملت فيما علمت؟ ماذا أجبت المرسلين؟ " . هكذا رواه الحافظ البيهقي بعد الحديث الذي رواه هو من طريق محمد بن خليفة، عن عدي بن حاتم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وليقفن أحدكم بين يدي الله تعالى ليس بينه وبينه حجاب يحجبه، ولا ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أوتك مالاً؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة فإِن لم يجد فبكلمة طيبة " . وقد رواه البخاري في صحيحه.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا همام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذ بيد ابن عمر فجاءه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول له: أتعرف ذنب كذا؟ حتى إِذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أن قد هلك، قال الله تعالى: " فإِني سترتها عليك في الدنيا، وإِني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكفار والمتملقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين " . وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة.

وقال أحمد: حدثنا بهز، وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم، حملتك على الخيل والإِبل، وزوجتك النساء، وجعلتك ترأس، وترتع، فأين شكر ذلك؟ " .
روى مسلم من حديث سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه: " فيلقى الله العبد فيقول: أي قل: ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل، والإِبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفطنت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي قل: ألم أكرمك، وأزوجك، وأسودك، وأسخر لك الخيل، والإِبل، وأذرك ترأس وتربع. فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفطنت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول: إني أنساك، كما نسيتني، ثم يلقى الثالث، فيقول له: مثل ذلك، فيقول يا رب آمنت بك، وبكتابك، و برسولك وصليت، وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، قال: فيقول فها هنا إذاً، قال: ثم يقال: الآن نبعث شاهدنا عليك، فيذكر في نفسه: من الذي يشهد عليّ. فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه، فتنطق، فخذه، ولحمه، وعظامه بعمله ما كان، ذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه، ثم ينادي مناد: أتبعت كل أمة ما كانت تعبد. وسيأتي الحديث بطوله.
وقد روى البزار، عن عبد الله بن محمد الزهري، عن مالك، عن سعيد بن الحسن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد رفعاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله.
وقد روى مسلم والبيهقي واللفظ له من حديث سفيان الثوري، عن عبيد، عن فضيل بن عمرو، عن عامر الشعبي، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة. يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول بلى قال: فيقول: فإِني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني. قال: فيقول الله: " كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم الله على فيه ويقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكَن كنت أناضل " . وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله، فجحد، وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك: فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك، عشيرتك فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمتهم الله، وتشهد عليهم ألسنتهم، ويدخلهم النار " .
وروى أحمد والبيهقي من حديث يزيد بن هارون، عن الحريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفه " ..
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، أخبرنا محمد محمد بن الحسن المحزومي، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب الله بن عبد العزيز الليثي، عن ابن شهاب، عن عطاء ابن زيد، عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته، والله ما يتكلم لسانها، ولكن يداها، ورجلاها، يشهدان عليها بما كانت تعيب لزوجها، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها، ثم يدعي بالرجل وخدمه مثل ذلك، ثم يدعى بأهل الإِسراف، فما يؤخذ منهم دوانيق، ولا قراريط، ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم، وتدفع سيئات هذا إلى الذي ظلمه، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد، فيقال: ردوهم إلى النار، فما أدري أيدخلوها، أم كما قال الله تعالى؟ " وإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَاردها، كانَ عَلَى رَ بِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ تُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياً " .

ثم قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح، والحسن بن يعقوب، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثنا يحيى بن أبى سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: " يَوْمَئذ تُحدَث أَخْبَارَها بأنَ ربَّكَ أَوْحَى لَهَا " .
قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإِن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا، وكذا، في يوم كذا وكذا، فذلك أخبارها، رواه الترمذي والنسائي، من حديث عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب، وقال الترمذي حسن غريب صحيح.
وروى البيهقي من حديث الحسن البصري، حدثنا خصفة عم الفرزدق، أنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقرأ هذه الآية: " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ " .
فقال: والله لا أبالي أن لا أسمع غيرها، حسبي حسبي.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الوليد بن أبي الوليد، أبي عثمان المديني: أن عقبة بن مسلم حدثه، أن سيفاً حدثه، أنه دخل المدينة، فإِذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس. فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، وخلا قلت له: أنشدك بحق وحق إلا ما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته ثم نشع أبو هريرة نشعة، فمكث طويلاً، ثم أفاق، ثم قال: لأحدثتك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ في هذا البيت، ما معنا أحد غيري، وغيره، ثم نشع أبو هريرة نشعة أخرى، فمكث كذلك، ثم مسح وجهه، ثم قال أفعل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت، ما معنا، أحد غيري وغيره، ثم نشع أبو هريرة نشعة شديدة، ثم مال حاداً على وجهه، وأسند خده طويلاً، ثم أفاق، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى، إِذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعى رجل القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تعالى للقارىء، ألم علمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى، يا رب، قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم أثناء الليل النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: إنما أردت أن يقال: فلان قارىء، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى، يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقيل فيك ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيما ذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذلك، قال أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة: أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة.
قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن سيفاً وكان سياقاً لمعاوية دخل على معاوية، فأخبره بحديث أبي هريرة هذا، فقال معاوية: فقد فعل هؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديداً، حتى ظننا أنه هالك، ثم أفاق، ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله، ورسوله.
"
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدنيَا وزِينَتَهَا نُوف إِلَيْهِمْ أعْمَالَهُمْ فيها وهُمْ فِيَهَا لاَ يُبْخَسُونَ أولَئِكَ الَّذِينَ ليس لَهُمْ في الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ، وحَبِطَ مَا صنَعُوا فيهَا، وباطِلٌ مَا كانُوا يَعْملُونَ " .
الصلاة أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة فإِن صلحت صلح عمله كله وإن فسدت فسد سائر عمله

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عثمان، أخبرنا محمد بن بكار بن بلال قاضي دمشق، أخبرنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن، عن حريث بن قبيصة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أول ما يحاسب به الرجل صلاته، فإِن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، ثم يقول الله عز وجل: انظروا هل لعبدي نافلة؟ فإِن كانت له نافلة أتمت بها الفريضة، ثم الفرائض كذلك " . رواه الترمذي والنسائي من حديث همام، عن قتادة، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه النسائي من حديث عمران بن داود بن العوام، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك هو ابن فضالة، عن الحسن، عن أبي هريرة أراه ذكره، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن العبد المملوك ليحاسب بصلاته، فإِذا نقص منها قيل له: لم نقصت منها؟ فيقول: يا رب: سلطت علي ملكاً شغلني عن صلاتي، فيقول: قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك، فهلا سرقت لنفسك من عملك أو عمله؟ قال: فيتخذ الله عليه الحجة " وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد أخبرنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة صلاتها، ثم عن بعلها، كيف فعلت إليه؟ " . وهذا مرسل جيد.
قال أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، قال: حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب: أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول: يا رب: أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ويجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال، كل ذلك يقول الله: إنك على خير، ثم يجيء الإِسلام، فيقول: يا رب: إنك السلام وإني الإِسلام فيقول الله: إنك على خير، اليوم بك آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى: " وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإِسْلاَم دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبده بن عبد الرحيم المروزي: أخبرنا بقية بن الوليد الكلاعي: أخبرنا سلمة بن كلثوم، عن أنس بن مالك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يؤتى بالحكام الظالمين يوم القيامة، بمن قضى قبلي، ومن يجيء بعدي، فيقول الله: أنتم خزان أرضي، ورعاة عبادي، وعندكم بغيتي فيقول للذي قضى قبلي: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: الرحمة، فيقول الله جل جلاله: أنت أرحم بعبادي مني؟ ويقول: للذي بعدي: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: غضبت لك فيقول الله: أنت أشد غضباً مني؟ فيقول الله: انطلقوا بهم، فسدوا بهم ركناً من أركان جهنم " .
وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة، فقال فتية منهم: يارسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، وانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، وقالت: سوف تعلم يا غدر، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين، والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت كيف يقدس الله قوم لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم، وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس: أن الله تعالى ينادي العباد يوم القيامة، فيقول: أنا الملك الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقضيها منه، حتى اللطمة. رواه أحمد، وعلقه البخاري في صحيحه.
وقال الإِمام مالك رضي الله عنه، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له مظلمة عند أخيه فليتحلله منها، فإِنه ليس ثم دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ من حسناته، فإِن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " ، ورواه البخاري، ومسلم.

وروي ابن أبي الدنيا من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار فقال: بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقتضي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإِن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الوليد بن شجاع اليشكري، أنبأنا القاسم بن مالك المزني، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تموتن وعليك دين، فإِنه ليس ثم دينار، ولا درهم، إنما هي الحسنات جزاء بجزاء، ولا يظلم ربك أحداً " ، وروي من وجهين آخرين، عن ابن عمر مرفوعاً مثله.
الاقتصاص من الظالمين يوم القيامةوقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا ابن أبي شيبة، أخبرنا بكر بن يونس بن بكير، عن موسى بن علي بن رباح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته، فيجيء الرجل فيقول: يا رب ظلمني هذا، فيؤخذ من حسنانه، فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة، فإذا جاء من يسأله نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفي منه حتى يدخل النار " .
الشرك بالله لا يغفر ومظالم العباد يقتص بها حتماً يوم القيامة
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن ناموس، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك " .
قال الله تعالى: " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " .
وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك، ويتجاوز إن شاء الله، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص لا محالة " .
وروى البيهقي من طريق زائدة، عن أبي الزناد، عن زياد النميري، عن أنس، مرفوعاً: الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وهو الشرك، وظلم يغفره، وهو ظلم العباد فيما بينهم، وبين ربهم، وظلم لا يترك الله منه شيئاً وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً، حتى يدين بعضهم من بعض، ثم ساقه من طريق يزيد الرقاش، عن أنس، مرفوعاً بنحوه، وكلا الطريقين ضعيف.
القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانةوقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبد الله تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الأمانة قال: يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوى، حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها فيحملها، فيضعها على عاتقه، فيصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت، فهوت فهوى في أثرها أبد الأبدين " .
قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع، قال: فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ قال: صدق.
قال شريك: وحدثنا عباد العامري، عن زاذان، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، ولم يذكر الأمانة في الصلاة، والأمانة في كل شيء، إسناده جيد... ولم يروه أحمد ولا من الستة أحد.
وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلمٍ ، عن أبي سعيد: " أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، صابراً، محتسباً، مقبلاً، غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم إلا الدين " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن عمر، عن

يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير قال لما نزلت: " إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ ميتُونَ ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصمونَ " .
قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا من خواص الذنوب؟ قال: نعم، ليكررن عليكم، حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه، فقال الزبير: والله إن الأمر لشديد.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا إسحاق بن سليمان، أخبرنا أبو سنان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود قال: الأمم جاثون للحساب، فهم يومئذ أشد تعلقاً بعضهم ببعض منهم في الدنيا، الأب بابنه، والابن بأبيه، والأخت بأختها، والزوج بامرأته، والمرأة بزوجها، ثم تلا عبد الله: " فَلاَ أنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا عبيد بن مسلمة، عن ليث، عن نافع، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بالمليك والمملوك، والزوج والزوجة، فيحاسب المليك والمملوك والزوج والزوجة، حتى يقال خطبت فلانة مع خطاب، فزوجتكها وتركتهم " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عمرو بن حيان مولى بني تميم، حدثنا عبدة بن حميد، عن إبراهيم ابن مسلم، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يدعو العبد يوم القيامة، فيذكره ويعد دعوتني يوم كذا وكذا حتى يعد عليه فيما بعد، وقلت زوجني فلانة ويسميها باسمها فزوجناكها " .
وروى من حديث ليث بن سليم، عن أبي برذة، عن عبد الله بن سلام، مرفوعاً بنحوه.
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثني الفضل بن عيسى، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العار ليلزم العبد يوم القيامة حتى يقول: لإِرسالك بي الى النار، أيسر عليَّ مما ألقى، والله إنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب " .
يسأل العبد عن النعيم يوم القيامةقال تعالى: " ثمَّ لَتُسْألُنّ يَوْمَئِذٍ عَن النَّعِيم " .
وفي الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن المنهال من تلك الشاة التي ذبحت له، وأكلوا من الرطب، وشربوا من ذلك الماء، قال: " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " أي عن القيام بشكره، وماذا عملتم في مقابلة ذلك.
كما ورد في الحديت: " آدموا طعامكم بذكر الله وبالصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن ثابت، أن رجلاً دخل مسجد دمشق، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليساً صالحاً، فسمعه أبو الدرداء فقال: لئن قلت صادقاً لأنا أسعد بما قلت منك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فمنهم ظالم لنفسه قال: الظالم الذي يؤخذ منه في مقامه ذلك، وذلك الحزن والغم، ومنهم مقتصد، يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم سابق بالخيرات قال: يدخل الجنة بغير حساب " وستأتي الأحاديث فيمن يدخل بغير حساب وكم عدتهم.
حديث فيه أن الله تعالى يصالح عن عبده الذي له عناية ممن ظلمه، بما يريه من قصور الجنة ونعيمها

قال أبو يعلى: حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا عبد الله بن بكير، حدثنا عباد الحنطي، عن سعيد بن أنس، عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر. ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فقال: رجلان من أمتي، جثوا بين يدي الله عز وجل، رب العزة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى. أعط أخاك مظلمته، قال: يارب لم يبق من حسناتي شيء. قال الله تعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك. لم يبق من حسناته شيء. قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري. قال. وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصوراً من ذهب، مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال. يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك. قال: يا رب فإني قد عفوت عنه. قال الله تعالى: خذ بيد أخيك، فأدخله الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " فإن الله يصالح بين المؤمنين يوم القيامة " .
إسناد غريب، وسياق غريب، ومعنى حسن عجيب، وقد رواه البيهقي من حديث عبد الله بن أبي بكر به.
وحكى البخاري أنه قال: حديث سعيد بن أنس، عن أبيه في المظالم، لا يتابع عليه، ثم أورده البيهقي من طريق زياد بن ميمون البصري، عن أنس مرفوعاً بنحوه، وفيه نظر أيضاً.
وقد يستشهد له بما رواه البخاري في صحيحه، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " .
وقد روى أبو داود الطيالسي، عن عبد القاهر بن السري، ورواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، من حديثه عن ابن لكنانة بن العباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأ اجابه الله: إني قد فعلت، إلا ظلم بعضهم بعضاً، فقال: يا رب، إنك قادر أن تثبت لمظلوم خيراً من ظلمه، وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة، أعاد الدعاء، فأجابه الله: إني قد غفرت لهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله صلى الله عليك: " تبسمت في ساعة لم تكن تبسم فيها؟ فقال: تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله استجاب لي في أمتي، أهوى يدعو بالويل، والثبور، ويحثو التراب على رأسه " .
قال البيهقي: وهذا الغفران يحتمل أن يكون بعد عذاب يمسهم، ويحتمل أن يكون خاصاً ببعض الناس، ويحتمل أن يكون عاماً في كل أحد.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد أو زيد بن قيس، عن قاضي المصرين شريح، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يدعو صاحب الدين يوم القيامة، فيقول: يا ابن آدم: فيم أضعت حقوق الناس؟ فيم اذهبت أموالهم؟ فيقول: يا رب لم أفسد، ولكنني أصبت، فيقول: أنا أحق من قضى عنك اليوم، فتربح حسناته على سيئاته فيؤمر إلى الجنة " .
وثبت في صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي يقول الله تعالى: أعرضوا عليه صغار ذنوبه، واتركوا كبارها، فيقال له: هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقول الله تعالى: إنا قد بدلناك مكان كل سيئة حسنة فأقول: يا رب إِني قد عملت ذنوباً لا أراها هنا؟ قال: وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
وتقدم في حديث عبد الله بن عمر في حديث النجوى: يدني الله العبد يوم القيامة، حتى يضع عليه كنفه ويقرره بذنوبه، حتى إذا ظن أنه قد هلك، قال سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ويعطي كبار حسناته بيمينه.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عبد الله: حدثنا سيار بن حاتم، أخبرنا جعفر بن سليمان

أخبرنا أبو عمران الجوني، عن أبي هريرة قال: " يدني الله العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، فيمر بالحسنة فيسر بها قبله، فيقول الله تعالى له: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد تقبلتها. قال: فيخر ساجداً قال: فيقول ارفع رأسك، وعد إلى كتابك، فيمر بالسيئة فيسود لها وجهه، ويحزن بها قلبه، وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول الله تعالى: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب أعرف، فيقول فإِني قد غفرتها لك، فلا يزال بين حسنة تقبل فيسجد، وسيئة تغفر فيسجد، لا يرى الخلائق منه إلا ذاك السجود، حتى ينادي الخلائق بعضها بعضاً: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله تعالى مما قد وقف عليه " .
وقال ابن أبي الدنيا، وقال ابن أبي ياسر، عمار بن نصر: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة أو غيره قال: من أوتي كتابه بيمينه أتى بكتاب في باطنه سيئاته، وظاهره حسناته، فيقال له: إقرأ كتابك فيقرأ باطنه فيساء بما فيه من سيئاته، حتى إذا أتى على آخرها قرأ فيه: هذه سيئاتك، وقد سترتها عليك في الدنيا، وغفرتها لك اليوم، ويغبطه الأشهاد، أو قال أهل الجمع، بما يقرأون في ظاهر كتابه من حسناته، ويقولون: سعد هذا، ثم يؤمر بتحويله وقراءة ما في ظاهره، فيحول الله ما كان في باطنه من سيئاته، فيجعلها الله حسنات، ويقرأ حسناته، حتى يأتي على آخرها، ثم يقول: هذه حسناتك، وقد قبلتها، فعند ذلك يقول لأهل الجمع: " هَاؤُمُ اقْرءُوا كِتَابِيَهْ إنِّي ظَنَنْتُ أنِّي مُلاَق حِسَابِيَهْ " .
قال: ومن أوتي كتابه وراء ظهره، يأخذه بشماله، يقال له: اقرأ كتابك، فيقرأ كتابه، في باطنه حسناته، وفي ظاهره سيئاته، فيقرؤه أهل الجمع، ويقولون: هلك هذا، فإذا أتى على آخر حسناته، قيل: هذه حسناتك، وقد رددتها عليك، ويؤمر بتحويله، ويقرأ سيئاته حتى يأتي على آخرها، فعند ذلك يقول لأهل الجمع: " يَا لَيْتَنِي لَمْ أوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أدرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغنَى عَنِّي مَالِيَهْ " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج والبذج ولد الشاة، فيقول له ربه: أين ما خولتك؟ أين ما ملكتك؟ أين ما أعطيتك؟ فيقول: يا رب جمعته وثمرته، وتركته أكثر ما يكون فيقول: ما قدمت فيه؟ فينظر فلا يرى قدم شيئاً، فليس يراجع الله بعده " .
وحدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، وقتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وزاد فيه فيقول: يا رب ارجعني آتك به كله، فإذا أعيد لم يقدم شيئاً فيمضي به إلى النار، ثم ساقه من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وقد قال الله تعالى: " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرَادَى كَمَا خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مًرّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلَناكمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ " .
وفي الصحيح لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول ابن آدم: مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست، فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس، وقال الله تعالى: " يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً أَيَحْسَبُ أن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا شريح بن يونس، حدثنا سيف بن محمد، ابن أخت سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن عدي بن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره، فيم أفناه؟ وعن جسده، فيم أبلاه؟ وعن علمه، ما عمل فيه؟ وعن ماله، من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وقد تقدم عن ابن مسعود نحوه. وروي عن أبي ذر قريب منه، والله أعلم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سريج بن يونس، حدثنا الوليد بن مسلم، عن المنصور بن عتيق عن مكحول، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا غريم يا أبا الدرداء، كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة: علمت أو جهلت؟ فإن قلت: علمت فيقول: ماذا عملت فيما علمت؟ وإن قلت: جهلت، قيل: فماذا كان عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت " . وقد روي من وجه آخر موقوف على أبي الدرداء فالله أعلم.
فصلقال البخاري رحمه الله: باب يدعى الناس بآبائهم، ثم أورد حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان " .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، ومحمد بن بكار، قالا. حدثنا هشيم، عن داود بن عمرو، وعن عبد الله بن أبي زكريا، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم " .
وقال البزار: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضيل، حدثني أبي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تلقى الأرض أفلاذ كبدها، فيمر السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ويجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع الرحم، فيقول: في هذا قطعت رحمي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شياً " .
فصلقال اللهّ تعالى: " يَوْمَ تَبْيَضُّ وجُوهٌ، وَتَسْوَدُ وُجُوه، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ، فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " .
وقال تعالى: " وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَة إِلى ربِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجًوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة " .
وقال تعالى: " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَة ضَاحِكَة مُسْتَبْشِرَةٌ ووجُوهٌ يَوْمَئِدٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ قي تَرْهَقُهَا قَتَرَة أولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةً " .
وقال تعالى: " لِلذِينَ أَحْسَنُوا الحسْنَى وَزِيَادةٌ، وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّة أولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، كَأَنَّمَا أغشِيَتْ وُجُوههُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْل مُظْلِماً أولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، ومحمد بن عثمان، ابن كرامة، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " يَوْمَ نَدْعُو كلَّ أنَاس بإِمَامِهِمْ، فَمَنْ أوتيَ كِتَابَهُ بِيَمينهِ فَأولَئِكَ يَقرءونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمونَ فَتِيلاً وَمَنْ كَانَ في هذه أعْمَى فَهُوَ في الآخِرَةِ أعْمَى وَأضَلُّ سَبِيلاً " .
قال: يدعى آخرهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسده، ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ، يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد، فيقولون: اللهم ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم، فيقول: أبشروا، فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه، ويمد له في جسمه، فيراه أصحابه، فيقولون: نعوذ بالله من هذا، من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم، فيقولون: اللهم أخزه، فيقول: أبعدكم الله، فإِن لكل رجل منكم مثل هذا، ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإِسناد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، عن العباس بن محمد، بن عبيد الله، بن موسى، العبسي به.
وروى ابن أبي الدنيا: عن بعض السلف، وهو الحسن البصري، أنه قال: إذا قال الله تعالى للعبد: خذوه فغلوه، ابتدره سبعون ألف ملك، فتسلسل السلسلة من فيه، فتخرج من دبره، وينظم في سلسلة كما ينظم الخرز في الخيط، ويغمس في النار، غمسة، فيخرج عظاماً، فيقع، ثم تسجر تلك العظام في النار، ثم يعاد غضاً طرياً.
وقال بعضهم: إذا قال الله: خذوه، ابتدره أكثر من ربيعة ومضر، وعن معتمر بن سليمان، عن

أبيه، أنه قال: لا يبقى شيء إلا ذمه، فيقول: ما ترحمني؟ فيقول: كيف أرحمك، ولم يرحمك أرحم الراحمين؟!
فصلقال ابن ماجه في كتاب الرقائق من سننه:
ما يرجى من رحمة الله تعالى يوم القيامةحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هارون، حدثنا عبد الملك بن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة بين جميع الخلق، فبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة " .
ورواه مسلم: عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح، عن أبي هريرة، عن النبيَ صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن أبى هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار " . انفرد به البخاري عن هذا الوجه.
ثم قال ابن ماجه: حدثنا أبو كريب، وأحمد بن سنان، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلق الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، فجعل في الأرض منها رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والبهائم بعضها على بعض، والطير، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة " ، انفرد به، وهو على شرط الصحيحين، وورد من طرق عن أبي هريرة: أن الله كتب كتاباً يوم خلق السموات والأرض: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي رواية سبقت غضبي، وفي رواية: فهو موضوع عنده فوق العرش.
وقد قال اللهّ تعالى: " كَتَب رَبًّكم عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " .
وقال: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَسأكْتبُهَا لِلّذِينَ يَتَّقُونَ، وَيؤتُونَ الزَّكاةَ، والذين همْ بآيَاتِنَا. يُؤمِنُونَ " .
ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي مليكة، عن معاذ: أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم قال. أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم، وهو ثابت في صحيح البخاري، من طريق الأسود بن هلال، وأنس بن مالك، عن معاذ.
وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا سهيل بن عبد الله أخو حزم القطيعي، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: " هُو أهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ " .
ثم قال الله تعالى: " أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله آخر، فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً آخر فأنا أهل أن أغفر له " .
ثم قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إبراهيم بن أعين، حدثنا اسماعيل بن يحيى الشيباني، عن عبد الله بن عمر بن حفص، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فمر بقوم، فقال: من القوم؟ فقالوا: نحن المسلمون: وامرأة تحصب تنورها، ومعها ابن لها، فإذا ارتفع وهج التنور نجت به، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أنت رسول الله؟ قال: نعم: قالت: بأبي أنت وأمي، أليس الله بأرحم الراحمين؟ قال: بلى. قالت: أو ليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها. قال: بلى. فأتى بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم، ويخاطفونه " . والحديث بتمامه وهو غريب جداً.
طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنهقال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحنطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجعلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تعلم ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى " .

قال شعيب: عن الزهري، كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيحملون " وقال عقيل: " فيجلون " وقال الزبيدي: عن أبي هريرة، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله تعليق ولم أر أحداً أسنده بشيء من هذا الوجه، عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث: فيجلون عنه: فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أجدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد وغيره: عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم إمام مسجد قشير، عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين عن الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم، ويلقى الرجل الرجل فيقول: أشربت؟ فيقولا: لا، واعطشاه.
رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهماقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع، عن ابن عمر، حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني على الحوض، حتى أنظر من يرد منكم علي، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب، هؤلاء مني ومن أمتي؟ فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم " . فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الأم لا تلقي ولدها في النار، فأكب رسول صلى الله عليه وسلم يبكي ثم رفع رأسه إلينا، فقال: إن الله عز وجل لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد، الذي يتمرد على الله، ويأبى أن يقول لا إله الله " . إسناده فيه ضعف، وسياقه فيه غرابة.
وقد قال تعالى: " لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى، الَّذِي كًذّبَ وَتَوَلَّى " الليل. وقال: " فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صًلّى، وَلكِنْ كًذّبَ وَتَوَلَّى " القيامة.
اللّه عز وجل أرحم بعباده من المرضعة بوليدها
وقد قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى، فإذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي لا تقدر أن تطرحه، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها " . ورواه مسلم، عن حسن الحلواني، ومحمد بن سهل بن عسكر، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، عن أبي غسان محمد بن مطرف به، وفي رواية: " والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .
ثم قال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، حدثنا عمرو بن هاشم، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن سعيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل النار إلا شقي، قيل: يا رسول الله: ومن الشقي؟ قال: من لم يعمل لله بطاعة، ولم يترك له معصية " إسناد هذا ضعف.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل مسلم يهودي، أو نصراني، فيقال: هذا فكاكك من النار " .
وفي رواية: " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه الى النار يهودياً أو نصرانياً " قال: فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فحلف له، وفي رواية: لمسلم أيضاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجيء ناس من المسلمين يوم القيامة بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، وضعها على اليهود والنصارى " .
وقال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون طويلاً، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار " .

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سعد أبو عيدان الشيباني، عن حماد بن سليمان، عن إبراهيم، عن صلة بن زغر، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه، الأحمق في مغيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه " .
ذكر من يدخل الْجَنَّة مِنْ هذه الأمة بغَير حِسَاب
قال! البخاري: حدثنا عمران بن ميسرة، حدثنا ابن فضيل، حدثنا حصين، وحدثنا أسيد بن زيد، حدثنا هشيم عن حصين قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: حدثني ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عرضت عليّ الأمم، فأجد النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي معه العشرة، والنبي معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت، فإذا سواد كثير، فقال قائل: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم، لا حساب عليهم، ولا عقاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعله منهم: ثم قال رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم: فقال: سبقك بها عكاشة " . ورواه مسلم، عن سعيد بن منصور، عن هشيم به بنحوه وهو أطول من هذا ثم أورد البخاري، ومسلم أيضاً من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وقال فيه: " ثم قام رجل من الأنصار فقال: ادع اللّه أن يجعلني منهم: فقال: سبقك بها عكاشة "
حديث آخروقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سألت ربي عز وجل، فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفاً على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفاً، فقلت: أي رب: إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي؟ قال: إذا أكملهم لك من الأعراب " .
قال أحمد: حدثنا يزيد إسماعيل: عن زياد المخزومي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أول زمرة من أمتي تدخل الجنة سبعون ألفاً، لا حساب عليهم، صورة كل رجل منهم على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد ضوء كوكب من السماء، ثم هم بعد ذلك منازل " .
ثم رواه أحمد عن حسن، عن ابن لهيعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم، وكذا رواه أحمد، عن ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد عن أبي أمامة كما سيأتي.
حديث آخرثم قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل ابن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف، - شك في إحداهما - متماسكين آخذاً بعضهم ببعض، حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على ضوء القمر ليلة البدر " . وقد رواه البخاري، ومسلم عن قتيبة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، به.
حديث آخروقال الإِمام أحمد. حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا المسعودي، حدثني بكير بن الأخنس، عن رجل، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " أعطيت سبعين ألفَاً يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني جمع كل واحد سبعين ألفاً " . وقال أبو بكر: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى، ومضيت فأتيت البوادي.
طريق آخروقال أحمد: حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد: عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري الأمم في النوم، فمرت عليه أمته، قال. فأعجبته كثرتهم، قد ملأوا السهل والجبل، قال. فقيل لي: إن لك مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فقام رجل آخر من الأنصار فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة " . قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط مسلم.
طريق أخرى عنهقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر: عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، عن ابن مسعود قال: أكثرنا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ثم غدونا إليه فقال: " عرضت عليّ الأنبياء الليلة بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي ومعه العصابة، والنبي ومعه النفر، والنبي ليس معه أحد، حتى مرّ على موسى، معه كبكبة من بني إسرائيل، فأعجبوني، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هذا أخوك موسى، معه بنو إسرائيل، قال: قلت: فأين أمتي؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإِذا الظراب قد سدّ بوجوه الرجال، ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت فإِذا الأفق قد سد بوجوه الرجال، فقيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، رضيت يا رب، قال: فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فداء لكم أبي وأمي: إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفاً فافعلوا؟ فإِن قصرتم فكونوا من أهل الظراب، فإِن قصرتم فكونوا من أهل الأفق، فإِني قد رأيت ثم ناساً يتهاوشون، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع اللّه يا رسول الله أن يجعلني من السبعين ألفاً، فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع الله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلني منهم، فقال: قد سبقك بها عكاشة " قال: ثم تحدثنا فقلنا. من ترون هؤلاء السبعين ألفاً؟ فقيل: قوم ولدوا في الإِسلام، لم يشركوا بالله شيئاً، حتى ماتوا: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " .
حديث آخرقال الطبراني: حدثنا محمد بن محمد الجذوعي: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، ولا عذاب، قيل: من هم يا رسول! الله. قال: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " .
رواه مسلم عن يحيى بن خلف، عن المعتمر بن سليمان، عن هشام بن حسان، من غير ذكر عكاشة، وليس عنده في هذه الرواية يتطيرون، قال الحافظ الضياء: وقد روي عن عمران من غير طريق.
حديث آخرقال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سصر جابر بن عبد اللّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثاً وفيه: " فينجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفاً، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم، كأضواء نجم في السماء ثم كذلك " وذكر بقيته.
ورواه مسلم من حديث روح فلم يرفعه، وقد روى البزار، عن عمر بن إسماعيل، عن مجالد، عن أبيه، عن جده، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو الذي قبله سواء.
حديث آخرقال البزار: حدثنا محمد بن مرداس، حدثنا مبارك، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " .
طريق آخرقال البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا أبو عاصم العيلاني، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً، مع كل واحد من السبعين سبعون ألفاً " وهذا يحتمل أن يكون مع كل واحد من الألوف، ويحتمل أن يكون مع كل واحد من الآحاد، وهو أشمل وأكثر.
وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر: عن قتادة، عن أنس أو عن النضر بن أنس، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف، فقال أبو بكر رضي الله عنه: زدنا رسول الله قال: وهكذا - وجمع كفيه - فقال: زدنا يا رسول الله قال: وهكذا. فقال عمر: حسبك يا أبا بكر. فقال أبو بكر: دعني يا عمر، وما عليك أن يدخلنا اللّه الجنة كلنا؟ فقال عمر: إن شاء أدخل خلقه الجنة برحمته بكف واحد " . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق عمر " .
طريق أخرى عن أنس رضي اللّه عنه

قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثنا حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً، قالوا: زدنا - وكان على كثيب - فحثا بيده، قالوا: زدنا يا رسول الله: فقال: هكذا، وحثا بيده، قالوا: يا نبي الله: أبعد الله من دخل النار بعد هذا " .
قال الحافظ الضياء: لا أعلمه روي عن أنس إلا بهذا الإِسناد، وقد سئل ابن معين عن عبد القاص فقال: صالح.
حديث آخر غريبقال الطبراني: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي ومحمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قالا: حدثنا أبو حفص عمر بن علي، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي بكر بن أنس، عن أبي بكر بن عمير، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة، فقال عمير: يا رسول الله: زدنا. فقال: هكذا بيده، فقال عمير: يا رسول الله: زدنا. فقال عمر: حسبك يا عمير، فقال عمير: ما لنا ولك يا ابن الخطاب؟ وما عليك أن يدخلنا الله الجنة؟ فقال عمر: إن شاء الله أدخل الناس الجنة بحثية واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق عمر " .
قال الحافظ الضياء: لا أعرف لعمير حديثاً غيره.
حديث آخر غريبقال البزار: حدثنا محمود بن بكر، حدثنا أبي، عن عيسى، عن ابن أبي ليلى عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم، فقام عكاشة فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، فقال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، فسكت القوم، ثم قال بعضهم لبعض: لو قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع اللّه أن يجعلنا منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: سبقكم بها عكاشة وصاحبه، أما إنكم لو قلتم لقلت، ولو قلت لوجبت " .
حديث آخرقال أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا إسماعيل بن عباس، سمعت محمد بن زياد يحدث عن أبي أمامةُ الباهلي. عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري قالا: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا أبي إسماعيل بن عياش، أخبر محمد بن زياد، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفَاً، مع كل ألف سبعون ألفاً، لا حساب عليهم، ولا عتاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل " . واللفظ لابن أبي شيبة، وليس عند الطبراني مع كل ألف سبعون ألفاً.
طريق أخرى عنهقال أبو بكر بن أبي عاصم. حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب " .
قال أبو يزيد بن الأخنس: واللّه ما أولئك في أمتك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مثل الذباب الأصهب في الذباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإِن الله قد وعدني سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً، وزادني ثلاث حثيات " .
قال الضياء: رجاله رجال الصحيح إلا الهوزني، واسمه عامر بن عبد الله بن لحي، وما علمت فيه جرحاً.
حديث آخرقال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو توبة، حدثنا محمد بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن يزيد البكالي: أن سمع عقبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفاً، وزادني ثلاث حثيات، فكبّر عمر، وقال: إن السبعين الأولى يشفعهم الله في آبائهم، وأبنائهم، وعشائرهم، وأرجو أن يجعلني الله في أحد الحثيات الأواخر " . قال الضياء: لا أعلم لهذا الإِسناد علة، والله تعالى أعلم.
حديث آخرقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام يعني الدستوائي، حدثنا يحيى بن أبي كثير

عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، أن رفاعة الجهني حدثه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إِذا كنا بالكديد أو قال: بقديد: فذكر حديثاً قال فيه: " وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب وإني لأرجو أن يدخلها أحد من الأمم حتى تتبوأوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذراريكم مساكنكم في الجنة " .
ورواه يعقوب بن سفيان: عن آدم بن أبي إياس، عن شيبان، عن يحيى بن كثير، قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح، والله تعالى أعلم.
حديث آخر أيضاً
قال الطبراني: حدثنا عمرو بن إسحاق بن زريق الحمصي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ربي وعدني من أمتي سبعين ألفاً لا يحاسبون، مع كل ألف سبعون ألفاً " .
حديث آخرقال الطبراني: حدثنا أحمد بن خليد، حدثنا أبو توبة معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله بن عامر: أن قيساً الكندي حدث: أن أبا سعيد الأنماري حدثه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، ويشفع كل ألف لسبعين ألفاً، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه " .
قال قيس: فقلت لأبي سعيد: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم بأذني، ووعاه قلبي، قال أبو سعيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وذلك - إن شاء اللّه - يستوعب مهاجري أمتي، ويوفي الله بقيته من أعرابها " .
قال الطبراني: لم يرو عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإِسناد، وقد تفرد به معاوية بن سلام، وقال الحافظ الضياء، وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر، عن أبي ثوبة الربيع بن نافع بإِسناده، قال أبو سعيد: فحسب ذلك عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعة آلاف ألف ألف وسبعمائة ألف قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ذلك يستوعب - إن شاء الله - مهاجري أمتي " .
حديث آخرقال البزار: حدثنا محمود بن بكر، حدثنا أبي، عن عيسى، عن ابن أبي يعلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم، فقام عكاشة: فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فسكت القوم، ثم قال بعض لبعض، أو قلنا: يا رسول اللّه، ادع الله أن يجعلنا منهم، قال: سبقكم بها عكاشة وصاحبه، إما أنكم لو قلتم لقلت، ولو قلت لوجبت " .
حديث آخررواه البيهقي في كتاب البعث والنشور، من حديث الضحاك بن نبراس، حدثني ثابت بن أسلم البناني، عن أبي يزيد المديني، عن عمرو بن حزم الأنصاري، قال: تغيب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة، ثم يرجع، فلما كان اليوم الرابع خرج إلينا، فقلنا: يا رسول الله، احتبست عنا حتى ظننا أنه قد حدث حدث؟ فقال: " إنه لم يحدث إلا خير، إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفاً لا حساب عليهم، وإني سألت ربي في هذه الأيام الثلاثة المزيد، فوجدت ربي واحداً، ماجداً، كريماً، أعطاني مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفاً، قال قلت: يا رب وتبلغ أمتي هذا. قال: أكمل لك العمد من الأعراب " . الضحاك هذا قد تكلموا فيه، وقال النسائي: متروك.
حديث آخرقال الطبراني: حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثنا أبي، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والذي نفس محمد بيده، ليبعثن اللّه بكم يوم القيامة إلى الجنة مثل الليل الأسود، زمرة جميعاً، يحيطون بالأرض، تقول الملائكة، لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء " .
ذكر كيفيّة تفرق الْعِبَاد عَن مَوِقف الحِسَاب وَمَا إليْهِ
أَمرهم فَفَريق مِنَ الْجنَّةِ وفريق مِنَ السَّعير
قال الله تعالى: " وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ في غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ " مريم.

وقال تعالى: " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ، فَأَمَّا الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فَهُمْ في رَوضةٍ يُحْبَرُونَ، وَأمَّا الَذِينَ كَفَرُوا وَكًذّبُوا بِآياتِنَا وَلقاءِ الآخِرَةِ فَأولَئِكَ في الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ " وقال تعالى: " وَيَوْمَ تَقومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَعُونَ " الروم.
قال تعالى: " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذ يَخْسَرُ المُبطِلُونَ، تَرَ ى كُل أمَّةٍ جَاثِيَةً كُلأ أمَّةٍ تُدْعَى إلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، هذا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُّنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كنْتُمْ تَعْمَلونَ، فَأمَا الَّذِينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ في رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِين، وَأمَّا الَّذِينَ كَفَروا أفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ، وَإِذَا قِيَلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَة لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ، وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ، وقيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذَا وَمَأوَاكم النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ، ذلِكُمِْبأَنَّكُم اتَّخَذْتُمْ آيَات اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، فللهِ الْحَمْد رب السَّموَاتِ وَرَب الأًرْض رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْريَاءُ في السَّمواتِ وَالأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيمُ " .
وقال تعالى: " وَأشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ ربهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُو أعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَروا إِلى جَهَنَّمَ زُمْراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ألَمْ يَأتِيكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُم لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حًقّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ربَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهًمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدً لِلّهِ الَّذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْث نَشَاءُ فَنِعْمَ أجْرُ الْعامِلِينَ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
وقال تعالى: " يَوْمَ يَأتِ لاَ تَكًلّمُ نَفْسن إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِي وَسَعِيدٌ فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زفيرٌ وَشَهِيق خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالأرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ ربُّكَ إِنَّ رَ بَّكَ فعَّالٌ لِمَا يُرِيد وَأمَّا الَّذِينَ سُعدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأرْضُ اِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجذوذ " .
وقالَ تعالى: " يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوم الجَمْع ذلِكَ يَوْمُ التَغَابُن وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكًذّبُوا بِآيَاتِنَا أولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " .

وقال تعالى: " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إلاَّ مَن اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمن عَهْداً " .
وقال تعالى: " يَوْمَ تَبْيَضًّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوة فأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كنْتُمْ تَكْفُرُونَ وأمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالدُونَ " .
والآيات في هذا كثيرة جداً، لو سردناها كلها لطال الحديث جداً، فلنذكر من الأحاديث ما يناسب هذا المقام، وهي مشتملة على مقاصد كثيرة غير هذا الفصل، وسنشير إليها.
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن عثمان العجلي، حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن مقول، عن القاسم بن الوليد في قوله تعالى: " فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى " .
قال: يساق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار:
إيراد الأحاديث في ذلك آخر أهل الجنة دخولاً اليها
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد: أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثني محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس له دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه يوم القيامة، كذلك يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، من كان يعبد الشمس فليتبع الشمس، من كان يعبد القمر فليتبع القمر، من كان يعبد الطواغيت فليتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، حتى إِذا جاء ربنا عرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يمر، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفيه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوكة السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخذول ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله في القصاص بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه. ممن كان يشهد أن لا إله الا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم وقد انحبسوا، فيصب ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار فيقول: يا رب، قد مستني ريحها، وأحرقني حرها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول الله: لعلك إن أعطيتك ذلك لا تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول الله: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ فيقول: وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من العهود والمواثيق أن لا يسأل غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب أدخلني الجنة، فيقول: أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك؟ فيقول:. يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقال: لك هذا ومثله " .

قال أبو هريرة رضي الله عنه: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً في الجنة: قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة، لا يغير عليه شيئاً من حديثه، حتى انتهى إلى قوله " لك هذا ومثله " قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ولك عشرة أمثاله " ، قال أبو هريرة ومثله معه: وهكذا رواه البخاري: من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري به، وزاد فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وله عشر أمثاله وهذا الاثبات من أبي سعيد مقدم على ما لم يحفظه أبو هريرة، حتى ولو نفاه أبو هريرة قدمنا إِثبات أبي سعيد لما معه من زيادة الثقة المقبولة، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة، كابن مسعود، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: " هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحواً. قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم، إلا كما تضارون في رؤيتها، قال: ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم، تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون. قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فيقال: كذبتم. لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. قال: فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن مريم، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، ثم يقال: ما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تستقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله عز وجل، من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم؟ فقد ذهب الناس، فيقال: فارقنا ونحن أحوج إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنا ننتظر ربنا تعالى عز وجل، قال: فيأتيهم الجبار تعالى، عز وجل، في صورة غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا. حتى يأتينا ربنا، حتى إذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، غير الصورة التى رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، لا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال: هل بينكم وبينه علامة تعرفونها؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه كما قال تعالى عز وجل: " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساَق " .
ويسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً، ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله: الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخر يسحب سحباً، فما أنتم بأشد منها شدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ، يقولون للجبار: إذا رأوا أنهم قد نجوا، شافعين في إخوانهم، فيقولون: ربنا إخواننا كانوا يقاتلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوهم، ويحرم الله صورهم على النار، وبعضهم، قد غاص في النار إلى قدميه، وبعضهم قد غاص إلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول الله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا... قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا إن شئتم: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةِ وإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها " .
فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار عز وجل: " بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة، فيخرج أقواماً قد انحبسوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى الظل منها كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل الله في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه،. ثم يقال لهم: لكم ما رأيتم، ومثله معه " .

وقال مسلم: حدثنا عبيد الله بن سعيد، وإسحاق بن منصور، كلاهما عن روح، قال عبيد الله: حدثنا روح بن عبادة القيسي، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال: " نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد، الأول فالأول. ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنتظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم، ويتبعونه، ويعطى لكل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً يتبعه، وعلى جسر جهنم كلاليب، وحسك، يأخذ من شاء الله، ثم ينطفىء نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فينجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البر سبعون ألفاً، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوء نجم في السماء، كذلك، ثم تحل الشفاعة، فيشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة. ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتون نبات الحب في السبل، ويذهب خوفه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها " .
وقال مسلم: حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأبو مالك، عن ربعي، عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا أبواب الجنة. فيقول: هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلاً من وراء، اعمدوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمداً، فيقوم، ويؤذن له، وترسل الأمانة والرحمة فيقومان جنبي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر بكم كالبرق قال: قلت بأبي أنت وأمي، كيف يمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ويمر كمر الريح، ثم كمر المطر، وشد الرحال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم، رب سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفاً " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خيثمة، حدثنا عثمان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحشر الله الأمم في صعيد واحد، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه، مثل لكم قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم، حتى يقحموهم النار، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان رفيع فيقول: ما أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا، فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون نعم. فيقول: وكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: إنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكاً، فيقول: أبشروا معشر المسلمين، فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً " .
وهكذا رواه الإِمام أحمد عن عبد الصمد وعفان، عن حماد بن سلمة به مثله، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه، ولكن روى مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسىٍ الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهودياً أو نصرانياً " .
فصلذكر الصِّرَاط غَيْر مَا ذكر آنفاً مِنَ الأَحَاديث الشَّريفة
ثم ينتهي الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف، إلى الظلمة التي دون الصراط وهي على جسر جهنم كما تقدم عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال: " هم في الظلمة دون الجسر " .
وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال

بينهم وبينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم كما قال تعالى: " يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالمؤْمِنَاتِ يَسْعَى نورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَبِأَيْمَانِهمْ بشْرَاكمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيمُ يَوْمُ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ والْمنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمنوا انظرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكمْ فَالْتِمسوا نوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسور لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادونَهُمْ ألَمْ نَكًن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكمْ باللَّهِ الْغَزورُ فَالْيَوْمَ لاَ يُؤخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَة وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفروا مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَولاكمْ وَبِئْسَ الْمَصِير " .
وقال تعالى: " يَوْمَ لاَ يُخْزي الله النَّبيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَ بِأَيْمَانِهِمْ يَقُولونَ رَ بَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نورَنَا وَاغفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " .
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هانىء، والحسن بن يعقوب، وإبراهيم بن عصمة. قالوا: حدثنا المزي بن خزيمة، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا عبد السلام بن حرب، أخبرنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني، حدثنا المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله، قال: يجمع الله الناس يوم القيامة، فينادي مناد، يا أيها الناس: ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوركم أن يولي كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا؟ قال: فيتمثل لمن كان يعبد عزيراً شيطان عزير، حتى تتمثل لهم الشجرة، والعود، والحجر، ويبقى أهل الإِسلام جثوماً، فيقال لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما ينطلق الناس. فيقولون: إن لنا رباً ما رأيناه بعد. قال: فيقال: أتعرفون ر بكم إن رأيتموه. فيقولون: بيننا و بينه علامة إن رأيناه عرفناه. قالوا: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق. قال: فيكشف عند ذلك عن ساق، قال: فيخر - أظنه قال - من كان يعبده ساجداً، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر. يريدون السجود، قال: فلا يستطيعون، ثم يؤمرون، فيرفعون رؤوسهم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره مثل النخلة، بيمنيه ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، وينطفىء مرة، إذا أضاء قدم قدمه، وإذا انطفأ قام قال: فيمرون على الصراط، كحد السيف، دحض مزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رملاً، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخرّيد، وتعلو يد، وتخر رجل، وتعلو رجل، وتصيب جوانبه النار، تقال: فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن رأيناك، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحداً، قال مسروق. فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديت إلا ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن: لقد حدثت هذا الحديث مراراً كلما بلغت هذا المكان من الحديث ضحكت، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثه مراراً، فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك، حتى تبدو لهاته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه، يقول الإِنسان: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول: لا، ولكني على ذلك،... فضحك ابن مسعود ثم ذكره.
وقد أورده البيهقي بعد هذا من حديث حماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود فذكره موقوفاً، وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله بن أبي مزاحم، حدثنا أبو سعيد المؤذن، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الصراط كحد الشعرة، وكحد السيف، وإن الملائكة تحجز المؤمنين والمؤمنات، وأن جبريل عليه الصلاة والسلام يحجزني، وإني لأقول: يا رب: سلم سلم: فالزالون والزالاّت يومئذ كثير " .

وروى البيهقي من حديث سعيد بن زيد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعاً نحو ما تقدم بأبسط منه، وإسناده ضعيف، ولكن يتقوى بما قبله والله أعلم.
وقال الثوري: عن حصين، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم، وسيماكم، وحلاكم، ونجواكم، ومجالسكم فإذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان هذ ا نورك، يا فلان لا نور لك، وقرأ: " يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أيْدِيهمْ وَ بأيْمَانِهمْ " .
وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطي يوم القيامة نوراً، فإذا انتهوا إلى الصراط أطفىء نور المنافقين، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم، كما أطفىء نور المنافقين فقالوا: " رَبَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا " .
وقال إسحاق بن بشير أبو حذيفة، حدثني ابن جريج، عن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم، ستراً منه على عباده، فأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نوراً، وكل منافق نوراً، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال المؤمنون: ر بنا أتمم لنا نورنا: ولا يذكر عند ذلك أحد " .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله بن وهب، أخبرنا عمي أبو يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن مسعود، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود، وأول من يؤذن له فيرفع رأسه، فأنظر من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فأعرف أمتي من بين الأمم، فقال له رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك. قال: أعرفهم غراً محجلين من أثر الوضوء، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم، يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم، ووجوههم، وأعرفهم بنورهم، يسعى بين أيديهم وأيدي ذريتهم " .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبده بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر. قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة الباهلي، فلما صلى على الجنازة، وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: أيها الناس: إنكم قد أصبحتم، وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر، وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة، وبيت الظلمة، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، ثم تنقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، في بعض تلك المواطن يغشى الناس أمر من أمر الله، فتبيض وجوه، وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر، فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور، فيعطى المؤمن نوراً، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئاً وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه: " ومَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّهُ لَة نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ " .
لا يستضيء الكافر والمنافق، كما لا يستضيءُ الأَعْمى ببصر البصير ويقول المنافقون للذين آمنوا: " انظرونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكًمْ فَالْتَمِسُوا نوراً " .
وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقون حيث قال: " يخادعُون اللَّهَ وَهوَ خَادِعًهمْ " .
فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئاً، فيصرفون إِليهم وقد: " فَضُربَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَه بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهره مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ " .
قالا: هو حائط بين الجنة والنار، وهو الذي قال الله تعالى فيه: " وَبَيْنَهُمَا حِجَاب " .
وهذا هو الصحيح، وما روي عن عبد الله بن عمرو وكعب الأحبار عن كتب الإِسرائيليين أنه سور بيت المقدس ضعيف جداً، فإِن كان أراد المتكلم بهذا الكلام ضرب مثال، وتقريباً للمغيب بالشاهد فذاك، ولعله مرادهم والله أعلم.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني الربيع بن ثعلب، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن المطعم بن المقدام الصنعاني وغيره، عن أحمد قال. كتب أبو الدرداء إلى سلمان: يا أخي إياك أن تجمع من الدنيا ما لا تؤدي شكره، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يجاء بصاحب الدنيا الذي أطاع الله فيها وماله بين يديه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: امض، فقد أديت حق الله في؟، قال: ثم يجاء بصاحب الدنيا الذي لم يطع الله فيها، ماله بين كتفيه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ألا أديت حق الله فيّ؟ فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور " .
وعن عبيد بن عمير، أنه كان يقول: " أيها الناس إنه جسر مجسور، أعلاه دحض مزلة، والملائكة على جنبات الجسر يقولون: رب سلم قال: وإن الصراط مثل السيف على جسر جهنم، وإن عليه كلاليب وحسكاً، والذي نفسي بيده، إنه ليؤخذ بالكلاّب الواحد أكثر من ربيعة ومضر " .
وعن سعيد بن أبي هلال قال: " بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو على الجسر يَكون على بعض الناس أدق من الشعر، وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع " ر واه ابن أبي الدنيا.
وقال أيضاً: حدثني الخليل بن عمرو، حدثنا ابن السماك، عن أبي واعظ الزاهد قال: " بلغني أن الصراط ثلاثة آلاف سنة. ألف سنة يصعد الناس عليه، وألف سنة يستوي الناس، وألف سنة يهبط الناس " .
وقال أيضاً، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شريك عن أبي قتادة، عن سالم بن أبي الجعد قال: إن جهنم ثلاثة قناطر: قنطرة عليها الأمانة، وقنطرة عليها الرحم، وقنطرة عليها الله، وهي المرصاد فمن نجا من هاتين لم ينج من هذه ثم قرأ: " إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ " .
وقال عبيد الله بن الفراء: " يمد الصراط يوم القيامة بين الأمانة والرحم، وينادي مناد: ألا من أدّى الأمانة، ووصل الرحم، فليمض آمناً غير خائف " . رواه ابن أبي الدنيا.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس، حدثنا أبو ثوبة الربيع بن نافع الحلبي، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الرحمن، حدثني رجل من كندة قال: دخلت على عائشة وبيني وبينها حجاب، فقلت: إن في نفسي حاجة لم أجد أحداً يشفيني منها، قالت لي: مم أنت؟ قلت: من كندة، قالت: من أي الأجناد أنت؟ قلت: من أهل حمص، قالت: ما حاجتك؟ قلت: أحدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد شفاعة؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا، وأنا وهو في شعار واحد، فقال: نعم حين يوضع الصراط، لا أملك لأحد شيئاً، حتى أعلم أين يسلك بي، ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى أنظر ما يفعل بي، وعند الجسر حين يستحد ويستحر قال: وما يستحد ويستحر؟ قال: يستحد حتى يكون مثل شعرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمر، فأما المؤمن فيجتازه ولا يضره، وأما المنافق فيتعلق حتى يبلغ أوسطه حر في قدميه، فيهوي بيده إلى قدميه، قالت: هل رأيت من يسعى حافياً فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ من قدميه؟ فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه وقدميه، فيضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه، فيقذف به في جهنم، يهوي فيها مقدار خمسين عاماً، فقلت: ما مثل الرجل؟ قالت: مثل عشر خلفات سمان، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم، فيؤخذ بالنواصي والأقدام.
فصلقال الله تعالى: " فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهًنّمَ جِثِيّاً ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمن عِتِيّاً ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بهَا صِلِياً وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَ وَاردُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثمَّ نُنَجي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جثِيّاً " .
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة، أنه سيجمع بنيٍ آدم، ممن كان يطيع الشياطين في جهنم جثياً، أي جلوساً على الركب كما قال: " وَتَرَى كُلَّ أمَّةٍ جَاثِيَة كلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا " .

وعن ابن مسعود: قياماً وهم يعاينون هولها، ومكاره منظرها، وقد جزموا أنهم داخلوها لا محالة كما قال تعالى: " إِذَا رَأتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفيراً وَإِذَا ألْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَ تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعوا ثُبُوراً كَثِيراً قُل أذلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءَ وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِين كَانَ عَلَى رَ بِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً " .
وقال تعالى: " لَتَرَوُن الجَحِيمَ ثَمّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين ثمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَن النَّعِيم " .
ثم أقسم الله تعالى أن الخلائق كلهم سيرون جهنم فقال تعالى: " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارَدها كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضيِاً " .
قال ابن مسعود: قسماً واجباً. وفي الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم " . وروى الإِمام أحمد، عن حسن، عن ابن لهيعة، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ، بن أنس، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حرس من وراء الملمين متطوعاً، لا بأجر سلطان، لم ير النار بعينه، إِلا تحلة القسم " .
قال الله تعالى: " وإِن مِنكمْ إِلاَّ وَاردُها " وقد ذكر تمام الحديث، وقد اختلف المفسرون في المراد بالورود، وما هو، والأظهر كما قررناه في التفسير أنه المرور على الصراط " .
قال الله تعالى: " ثمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا " .
وقال مجاهد: الحمى حظ كل مؤمن من النار: " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَاردها " .
وقد روى ابن جرير: حدثنا بشبه هذا فقال، حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عبد الرحمن، عن تميم، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وعكاً وأنا معه ثم قال: " إن الله تعالى يقول: " هي نار أسلطها على عبدي المؤمن، لتكون حظه من النار، في الآخرة " . وهذا إسناد حسن.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن إسرائيل، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، في تفسير قول الله تعالى: " وإِن منكم إلا واردها " قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم " .
وهكذا رواه الترمذي من حديث إسرائيل، عن السدي به مرفوعاً، ثم رواه من حديث شعبة، عن السدي، به فوقفه، وهكذا رواه أسباط عن السدي، عن مرة، عن ابن مسعود قال: " يرد الناس جميعاً الصراط، وورودهم قيامهم حول النار، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر كمر البرق، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كأجاويد الإِبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مراً رجل نوره على موضع إبهامي قدميه، ثم يتكفأ به الصراط، والصراط دحضاً مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه عليهما ملائكة، معهم كلاليب من نار، يخطفون بها الناس " . وذكر تمام الحديث، وله شواهد مما مضى، ومما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزهراء، عن ابن مسعود قال: يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم، أولهمِ كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كأسرع البهائم كذلك، حتى يمر الرجل سعياً، حتى يمر الرجل ماشياً، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه، ثم يقول: يارب: لم أبطأت بي؟ فيقول: لم أبطىء بك، إنما أبطأ بك عملك.

وروي نحوه من وجه آخر، عن ابن مسعود مرفوعاً، والوقوف أصح والله أعلم، وقال الحافظ أبو نصر الوائلي في كتاب الإِنانة: أخبرنا محمد بن محمد بن الحجاج، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الربعي، حدثنا علي بن الحسين أبو عبيد الله، حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا أبو همام الفرسي، عن سليمان بن المغيرة، عن قيس بن قيس بن مسلم، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثاً برأيك " . ثم قال: وهذا غريب الإِسناد، والمتن حسن أورده القرطبي.
وقال الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن معاوية، عن بكار بن أبي مروان، عن خالد بن معدان قال: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ فيقال: قد مررتم عليها وهي خامدة.
وقد ذهب آخرون إلى أن المراد بالورود الدخول، قاله ابن عباس وعبد الله بن رواحة، وأبو ميسرة، وغير واحد.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا غالب بن سليمان، عن كثير بن زياد البرساني، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعاً ثم ينجي الله الذين آمنوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعاً. وقال سلمان: يدخلونها جميعاً، وأهوى بإِصبعه إلى أذنيه وقال: صمتاً إن لمِ أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً، كما كانت على إبراهيم، حتى إن للناس ضجيجاً من ورودهم، ثم تلا قول الله تعالى: " ثُمَّ نُنَجِّي الذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثياً " .
لبم يخرجوه في كتبهم، وهو حسن. وقال أبو بكر أحمد بن سليمان النجار: حدثنا أبو الحسن محمد ابن عبيد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشتجي، حدثنا سليم بن منصور بن عمار، حدثني منصور بن عمار، حدثني بشير بن طلحة الخزامي، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جزيا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي " . وهذا حديث غريب جداً..
وقال ابن المبارك: عن سفيان، عن رجل، عن خالد بن معدان قال: قالوا ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار؟ فيقال: إنكم مررتم عليها وهي خامدة.
وفي رواية عن خالد بن معدان: إِذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا إنا نرد النار؟ فيقال: إنكم وردتموها فألفيتموها رماداً.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس قال: ذكروا ورود النار، فقال: تمسك النار بالناس بأنها تحتف إهالة، حتى تشوى عليها أقدام الخلائق، برهم وفاجرهم، ثم يناديها مناد: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، قال: فيخسف بكل ولي لها والله أعلم بهم من الرجل بولده - ويخرج المؤمنين بيديه، وروى مثله عن كعب الأحبار.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا ابن إدريس حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم ميسرة امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة، فقال: " لا يدخل النار أحد شهد بدراً، والحديبية، فقالت حفصة: أليس الله يقول: " وإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَاردها " .
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: " ثمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياً " .
ورواه أحمد أيضاً، عن معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عن أم ميسرة، عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، ورواه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير سمع عن جابر، عن أم ميسرة، فذكر نحوه وقد تقدم، وستأتي في أحاديث الشفاعة كيفية جواز المؤمنين على الصراط وتفاوت سيرهم عليه، بحسب أعمالهم، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أول الأنبياء إجازة بأمته على الصراط.

وعن عبد الله بن سلام: محمد صلى الله عليه وسلم أول الرسل إجازة، ثم عيسى، ثم موسى، ثم إبراهيم، حتى يكون آخرهم إجازة نوح عليه السلام، فإِذا خلص المؤمنون من الصراط تلقتهم الخزنة، يهدونهم إلى الجنة. وثبت في الصحيح: " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها - وللجنة ثمانية أبواب - : فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الزكاة دعي من باب الزكاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: يا رسول الله: ما على امرء يدعى من أيها شاء من ضرورة، فهل يدعى أحد منها كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر... " وإِذا دخلوا إلى الجنة هدوا إلى منازلهم، فهم أعرف بها من منازلهم التي كانت في الدنيا، كما سيأتي بيانه في الصحيح عند البخاري رحمه الله.
وقد قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عطاء بن يسار، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله، لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية " ..
وقد رواه الحافظ الضياء من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يعطى المؤمن جوازاً على الصراط: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لفلان، أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية " .
وروى الترمذي في جامعه: عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شعار المؤمن على الصراط: رب سلم سلم: ثم قال: غريب.
وفي صحيح مسلم: " نبيكم يقول: رب سلم سلم " . وجاء: أن الأنبياء تقول ذلك، وكذلك الملائكة كلهم يقولون ذلك وثبت في صحيح البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذا خلص المؤمنون من الصراط، حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إِذا هذبوا ونقوا، أذن بدخول الجنة، فلأحدهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا " .
وقد تكلم القرطبي في التذكرة على الحديث، وجعل هذه القنطرة صراطاً ثانياً للمؤمنين خاصة، وليس يسقط منه أحد في النار.
قلت. هذه بعد مجاوزة النار، فقد تكون هذه القنطرة منصوبة على هول آخر، مما يعلمه الله، ولا نعلمه، وهو أعلم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا مؤيد بن سعيد، حدثنا صالح بن موسى، عن ليث، عن عثمان، عن محمد بن أنس بن مالك، قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى يوم القيامة: جوزوا النار بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بفضائل أعمالكم " .
وهذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن قتادة. عن عبد الله من قوله مثله، وهو منقطع، بل معضل، وقد قال بعض الوعاظ فيما حكاه القرطبي في التذكرة: " توهم نفسك يا أخي إذا سرت على الصراط، ونظرت إلى جهنم تحتك سوداء مدلهمة، وقد تلظى سعيرها، وعلا لهيبها وأنت تمشي أحياناً، وتزحف أحياناً أخرى، ثم أنشد:
أبت نفسي تثوب فما احتيالي ... إِذا برز العباد لذي الجلالِ؟
وقاموا من قبورهم حيارى ... بأوزار كأمثال الجبالِ
وقد نصب الصراط لكي يجوزوا ... فمنهم من يكب على الشمالِ
ومنهم من يسير لدار عدن ... تلقاه العرائِس بالغزالي
يقول له المهيمن: ياوليي ... غفرت لك الذنوب فلا تبالي
فصلقال الله تعالى: " يَوْمَ نَحشرُ الْمُتّقِينَ إلى الرَّحْمن وَفْداً وَنَسوقُ الْمُجِرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْداً لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَن عَهْداً " .
ورد في الحديث: كما سيأتي: " أنهم يؤتون بنجائب من الجنة يركبونها " . وفي الحديث: " أنهم يؤتون بها عند قيامهم من قبورهم " .
وفي صحة ذلك نظر، إذ قد تقدم في حديث: " إن الناس كلهم يحشرون مشاة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكب ناقة، وبلال ينادي بالأذان بين يديه، فإِذا قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله: صدقه الأولون والآخرون " .

فإِذا كان هذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإِنما يكون إتيانهم بالنجائب بعد الجواز على الصراط، وهو الأشبه والله أعلم. وقد ورد في حديث الصور: " أنه يضرب لهم حياض، بعد مجاوزة الصراط، وأنهم إِذا وصلوا إلى باب الجنة يستشفعون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى ثم محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشفيع لهم في ذلك " .
كما ثبت في الصحيح عند مسلم، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، ورواه ابن الإِمام أحمد عنه، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال. " آتي باب الجنة، فأستفتح، فيقول خازنها: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك " . وقال مسلم: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن المختار ابن فليفل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أكثر الأنبياء تبعاً ليوم القيامة، وأول من يقرع باب الجنة " .
وفي صحيح مسلم: " يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا اشفع لنا، فيقول لهم: أخرجكم من الجنة الا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك " .
وذكر تمام الحديث، وهو شاهد قوي لما ذكر في حديث الصور، من ذهابهم إلى الأنبياء مرة ثانية، يستشفعون بهم إلى الله، ليستأذنوه لهم في دخولهم الجنة، ويتعين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تعين للشفاعة الأولى العظمى، كما تقدم. والله أعلم.
وقد قال عبد الله ابن الإِمام أحمد: حدثنا سويد بن سعيد قال: كنا جلوساً عند علي فقرأ هذه الآية: " يَوْمَ نحشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً " .
فقال: " والله ما على أرجلهم يحشرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم ولكن بنوق لم تر الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، ليركبوا عليها حتى يضربوا أبواب الجنة " .
ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وزاد بعدها: " رحائل من ذهب أين منها الزبرجد " والباقي مثله.
وقال ابن حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو غسان، حدثنا مالك إسماعيل النهدي: حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي: سمعت أبا معاذ البصري قال: إن علياً كان يوماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علي هذه الآية: " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وَفْداً " .

فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنهم إذ يخرجون من قبورهم يستقبلوق، أو يؤتون بنوق بيض، لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شراك نعالهم نور يتلألأ، كما خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى، فلا تشعث أبشارهم بعدها أبداً، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون، أو فيأتون باب الجنة، فإِذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون باب الحلقة على الصفائح، فسمع لها طنين، بأعلى، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قيمها فيفتح له، فإِذا رآه خرّ له. قال مسلمة: أراه قال: ساجداً فيقول: ارفع رأسك؟ إنما أنا قيمك، وكلت بأمرك، فيتبعه ويقفو أثره، فيستخف الحوراء بالعجلة، فتخرج من خيام الدر والياقوت، حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت حبي. وأنا حبك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظن، فيدخل بيتاً من أسه إلى سقفه مائة ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ، طرائقه أحمر وأخضر وأصفر، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها، وفي البيت سبعون سريراً، على كل سرير سبعون حشية على كل حشية سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الحلل، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه، الأنهار من تحتهم تطرد، أنهار من ماء غير آسن قال: صاف لا كدر فيه، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم يعصرها الرجال بأقدامهم، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، فيستحلى الثمار، فإِن شاء أكل قائماً، وإن شاء متكئاً ثم تلا: " وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قطوفُهَا تَذْلِيلا " .
فيشتهي الطعام، فيأتيه طير أبيض قال: وربما قال: أخضر، فيرفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء، ثم تطير، فيذهب، فيدخل الملك، فيقول سلام عليكم: " وَتلْكَ الْجَنّةُ الَّتِي أورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعملون " .
ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض، لصارت الشمس معها سواداً في نور " ، وقد رويناه في الجعديات من كلام علي موقوفاً عليه، وهو أشبه بالصحة والله أعلم.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي قال: ذكر النار فعظم أمرها ذكراً لا أحفظه ثم تلا قول اللهّ تعالى: " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً " .
ثم قال: حتى إِذا انتهوا إلى باب من أبوابها، وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما، كأنما أمروا بها، فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من قذى، أو أذى، أو بأس، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها، فجرت عليهم نضرة النعيم، ولم تتغير أشعارهم بعدها أبداً، ولا تشعث رؤوسهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم إِذا انتهوا إلى الجنة، فقال لهم خزنتها: " سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ " .
ثم يلقاهم الولدان: فيطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم، يقدمون عليهم فيقولون: أبشر بما أعد الله لكم من الكرامة، ثم ينطلق غلام من تلك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين، فيقول: جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا، قالت: أنت رأيته؟ قال: أنا رأيته، وهو ما رآني، فيستخف إحداهن الفرح، حتى يكون، على أسكفة الباب، فإِذا انتهى إلى منزلة نظر إلى أساس بنيانه، فإِذا جندل اللؤلؤ، فوقه صرح أحمر، وأخضر، وأصفر، من كل لون، ثم رفع رأسه، فنظر إلى سقفه، فإِذا مثل البرق، ولولا أن الله قدره لذهب بصره، ثم طأطأ رأسه، فإِذا أزواجه، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، و زرابي مبثوثة، ثم اتكأ فقال: " الْحَمْدُ اللَّهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّه " .
لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون...
ثم ينادي مناد: تحيون فلا تموتون أبداً، وتقيمون فلا تظعنون أبداً، وتصحون فلا تمرضون أبداً.

وهذا لا يقتضي تغير الشكل من الحال التي كان الناس عليهم في الدنيا، إلى طول ستين ذراعاً، وعرض ستة أذرع، كما هي صفة كل من دخل الجنة، كما ورد به الحديث، يكون عند العينين اللتين يغتسلون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من الأذى، ومن الأخرى، فتجري عليهم نضرة النعيم، وكلهم أنسب وأقرب مما جاء في الحديث المتقدم: " أن ذلك يكون في العرصات " لضعف إسناده.
وقد أبعد من زعم أن ذلك يكون عند المقام من القبور، لما يعارضه من الأدلة القائمة على خلاف ذلك، والله تعالى أعلم.
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: ذكر لنا أن الرجل اذا دخل الجنة، وصور صورة أهل الجنة، وألبس لباسهم، وحلى حليهم، وأري أزواجه وخدمه، يأخذه سوار فرح. ولو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه، فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه؟ فإنها قائمة لك أبداً " ..
وقال ابن المبارك: أخبرنا رشدين بن سعد، عن زهرة، عن معد القرشي، عن أبي عبد الرحمن الجيلي قال: إن العبد أول من يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ.
قال ابن المبارك: وأنبأنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زحر، عن محمد بن أيوب، عن أبي عبد الرحمن المعافري، قال: " إنه ليصنف للرجل من أهل الجنة سماطان، لا يرى طرفاهما من غلمانه، حتى إذا مرّ َمشوا وراءه " .
وروى أبو نعيم عن مسلمة، عن الضحاك بن مزاحم، قال: " إذا دخل المؤمن الجنة، دخل أمامه ملك، فيأخذ به في سككها، فيقول له: انظر، ماذا ترى؟ فيقول: أرى أكثر القصور التي رأيتها من ذهب وفضة، فيقول الملك: إن هذا لك، حتى إذا ظهر لمن فيها، استقبلوه من كل باب، ومن كل مكان، قائلين: نحن لك، ثم يقول: امش. فيقول: ماذا ترى؟ فيقول: خيام هي أكثر خيام رأيتها عساكر، وأكثرها أنيساً، فيقول: " إن هذا أجمع لك، فإذا ظهر لمن فيها استقبلوه قائلين: نحن لك. وقال أحمد بن أبي الحواري: عن أبي سليمان الدارني في قوله تعالى: وَإِذَا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً " .
إن الملك ليأتي بالتحفة إلى ولي الله عز وجل، فما يصل إليه إِلا بإذن، فيقول لحاجبه: استأذن لي على ولي الله، فيعلم ذلك الحاجب حاجباً آخر، وحاجباً بعد حاجب، ومن داره إلى دار السلام، باب يدخل منه على ربه إِذا شاء بلا إذن، ورسول رب العزة لا يدخل عليه إِلا بإذن " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الملك بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، قال: كنا جلوساً الى عبد الله بن سلام فقال: " إن أكرم خليقة الله على الله - سبحانه وتعالى - هو أبو القاسمِ صلى الله عليه وسلم: " وإن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض، فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة أمة، ونبياً نبياً، ثم يوضع جسر على جهنم، ثم ينادي مناد: أين أحمد وأمته؟ فيقوم وتتبعه أمته، برها، وفاجرها، فيأخذون الجسر، ويطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون فيها، من شمال ويمين، وينجو النبي صلى الله عليه وسلم، والصالحون معه، وتتلقاهم الملائكة، وبناء بيوتهم ومنازلهم من الجنة على يمينك، وعلى يسارك، حتى ينتهي إلى ربه، فيلقى له كرسي من الجانب الآخر، ثم يتبعهم الأنبياء والأمم، حتى يكون آخرهم نوح عليه الصلاة والسلام " . وهذا موقوف على ابن سلام رضي الله عنه.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: " يوضع الصراط يوم القيامة، وله حد كحد الموسى، فتقول الملائكة: ربنا: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: ربنا: ما عبدناك حق عبادتك " .
فصل
ذكر بعض صفات أهل الجنة وبعض ما أعد من نعيم لهمقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون فيها، ولا يتغوطون فيها، وأمشاطهم الذهب والفْضة، ومجامرهم من الألوة، وريحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشية " .

وهكذا رواه مسلم: عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، وأخرجه البخاري، عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك كلاهما عن معمر به.
وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على صورة أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، وأخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم، ستون ذراعاً " رواه مسلم: عن أبي خيثمة، واتفقا عليه من حديث جرير.
ذكر بعض ما ورد في سن أهل الجنةوروى الإِمام أحمد، والطبراني: واللفظ له، من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل أهل الجنة جرداً، مرداً، بيضاً، جعاداً، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، على خلق آدم، ستون ذراعاً، في عرض سبع أذرع " .
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن إسماعيل العدوي، حدثنا عمر بن مرزوق، أخبرنا عمران القطان، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل أهل الجنة جرداً، مرداً، مكحلين، بني ثلاث وثلاثين " .
ورواه الترمذي: من حديث عمران بن داود القطان، ثم قال: هذا حديث حسن غريب.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هشام، حدثنا صفوان بن صالح، حدثني جرد بن جراح العسقلاني، حدثنا الأوزاعي، عن هارون بن رياب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم، ستين ذراعاً بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى، ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد جرداً، مرداً، مكحلين " .
وقد رواه أبو بكر بن أبي داود، حدثنا محمود بن خالد، وعباس بن الوليد، قالا: حدثنا عمر، عن الأوزاعي، عن هارون بن رياب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعث أهل الجنة على صورة آدم، ميلاد ثلاث وثلاثين سنة، جرداً، مرداً، مكحلين، ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة، فيكتسون منها، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم " .
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن دراجاً أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير، يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة، لا يزيدون عليها أبداً، كذلك أهل النار " .
ورواه الترمذي: عن سويد بن نضر، عن ابن المبارك، عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث.
كتاب صفة النار، وما فيها من العذاب الأليم، أجارنا الله تعالى منها برحمته، إنه جواد كريم
قال الله تعالى: " فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعلوا فاتَّقوا النَّار الَّتِي وَقُودهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " .
وقال تعالى: " أولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ والْمَلاَئِكَةِ والنَّاس أجْمَعِين " .
وقال تعالى: " أولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ وَالْعَذَابَ بِالْمغْفِرَةِ فَمَا أصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِين كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أحدهم مِلْءُ الأرْض ذهباً وَلَو افْتَدَى بِهِ أولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّما نَضِجَتْ جُلُودهُمْ بدَّلَنَاهمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللّه كَانَ عَزيزاً حَكِيماً " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكن اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدينَ فِيهَا أبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً " .

وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا في الأَرْض جَمِيعاً وَمِثلَهُ مَعه لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْم الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيمٌ يرِيدُونَ أنْ يَخرجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كًذّبُواْ بآياتِنَا وَاسْتَكْبَروا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلونَ الْجنَّةَ حَتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمَّ الْخِياطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُمْ مِنْ جَهًنّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقهِمْ غَوَاش وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ " .
وقال تعالى: " وَقَالُوا لاَ تَنْفروا في الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهًنّمَ أشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءَ بِمَا كَانوا يَكْسِبُونَ " .
وقال تعالى: " ثُمَّ نذيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفرُونَ " .
وقال تعالى: " لَهمْ فِيهَا زفيرٌ وَشَهِيق خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأرْض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " .
وقال تعا لى: " وَنَحشرهمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهًنّمُ كلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً " .
وقال تعالى: " هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهمْ ثيَابٌ مِن نَّارٍ يصَبُّ مِنْ فَوْق رءوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهر بِهِ مَا في بُطُونهِمْ وَالْجلُودُ ولَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أعِيدوا فِيهَا وذُوفواْ عَذَابَ الْحَرِيق " .
وقال تعالى: " فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينهُ فَأوْلئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ووَمْن خَفّتْ مَوَازِينُهُ فَأوْلئِكَ الّذُينَ خسِروا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتين تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكًنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمونِ إنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقولونَ ربَّنَا آمَنَّا فَاغفِرْ لَنَا " . وقال تعالى: " بَلْ كًذّبُوا بالسَّاعَةِ وأَعْتَدْنَا لِمَنْ كًذّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذَا رَأَتْهًمْ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ سَمِعوا لَهَا تَغَيُّطاً وَزَفيراً وإِذَا ألْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَ تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبًوراً كَثِيراً " .
وقال تعالى: " فَكبْكِبوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوونَ وجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ تَاللَّهِ إِنْ كنَّا لَفَي مُبِين إِذْ نُسَوِّيكمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيق حَمِيم فَلَوْ أنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمؤمِنِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحِيمُ " .
وقال تعالى: " أولئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوء الْعَذَابِ وَهُمْ في الآخِرَةَ همُ الأَخْسَرُونَ " .
وقال تعالى: " نُمَتِّعُهُمْ قَلِيَلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ " .
وقال تعالى: " وأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلّمَا أَرَادوا أنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أعِيدُوا فِيهَا وَقيلَ لَهُمْ ذوقًوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُون الْعَذَابِ الأكبرِ لَعًلّهُمْ يَرْجِعُونَ " .
وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لاَ يَجدونَ وَليّاً وَلاَ نَصِيراً

يَوْمَ تُقلَّبُ وُجُوههُمْ فِي النَّارِ يَقولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنا اللَّهَ وأطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَراءنَا فَأضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتهِمْ ضِعْفَيْنَ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهمْ لَعْناً كَبِيراً " .
وقال تعالى: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخفَّفُ عَنْهمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذلِكَ نَجْزِي كلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوْ لَمْ نُعَمِّرْكمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَّصِير " .
وقال تعالى: " هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ توعدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفرونَ اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلهُمْ بِمَا كَانوا يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْينهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُون " .
وقال تعالى: " احْشروا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبدُونَ مِنْ دونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم وَقفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ بَلْ همُ الْيَوْمُ مُسْتَسْلِمُونَ " .
وقال تعالى: " هذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مآبٍ جَهًنّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هذَا فَلْيَذًوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسَّاق، وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ هذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ معَكُمْ لاَ مَرْحباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكًمْ أَنْتُمْ قدَّمْتمُوهُ لَنَا فَبئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدّهمْ مِنَ الأًشْرَارِ اتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنهمُ الأَبْصَارُ إِنَّ ذلك لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْل النَّارِ " .
وقال تعالى: " وَسِيقَ الذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتًهَا ألَمْ يَأتِكُمْ رُسلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُم لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهًنّمَ خَالِدِين فِيهَا فبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكبِّرِينَ " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَزوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكمْ أَنْفسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنَتَيْن وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْن فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِنْ سَبِيل ذلِكًمْ بِأَنَّهُ إِذَا دعُيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " .
قال تعالى: " فَوَقْاهُم الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا

غدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقًومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَإِذ يَتَجَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عًنّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا ربَّكمْ يخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ إنا لنَنصرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدًّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلهمْ سُوء الدَّارِ " .
وقال تعالى: " الَّذِينَ كًذّبُوا بالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الأَغلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبونَ فِي الْحَمِيم ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَاكُنْتمْ تشْركُونَ مِنْ دونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَّمْ نَكُن نَّدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهً الْكَافِرِينَ ذلِكُمْ بِمَا كُنْتمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْرحونَ ادْخلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المتَكَبِّرينَ " .
وقال تعالى: " وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِربِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخَاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِروا فَالنَّار مَثْوىً لَّهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهمْ مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحًقّ عَلَيْهِمُ الْقَوْل فِي أمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ والإنس إِنَّهمْ كَانُوا خَاسِرِين وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعًلّكًمْ تَغْلِبُونَ فَلنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِينَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانًوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ر بَّنَا أرِنَا الَّذِيْنَ أضلانا مِنَ الْجِن وَالإِنْس نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِين " .
وقال تعالى: " إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالدُونَ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادوْا يَا مَالِكُ لِيَقْض عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أكْثَرَكُمْ لِلْحَق كَارِهُون " .
وقال تعالى: " إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّوم طَعَامُ الأثِيم كَالْمُهْل يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْي الْحَمِيم خُذوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَوَاءِ الْجَحِيم ثمَّ صُبًّوا فَوْقَ رَأسِهِ مِن عَذَابِ الْحَمِيم ذُقْ إِنَّكَ أنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمتَرُونَ " .
وقال تعالى: " مَثَلُ الْجنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقونَ فِيهَا أنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْر ِآسِن وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَن لَّمْ يَتَغَيَّر طَعْمُهُ وَأنْهَاز مِنْ خَمْر لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأنْهَارٌ مِن عَسَل مُّصًفَّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُل الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ في النَّارِ وَسُقوا مَاءَ حَمِيماً فَقَطَّعَ أمْعَاءهُمْ " .
وقال تعالى: " يَوْمَ نَقُولُ لِجَهًنّمَ هَل امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد " .

وقال تعالى: " يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلىَ نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً هذه النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أمْ أنْتمْ لاَ تُبْصِرُ ونَ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَاكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " .
وقال تعالى: " بَل السَّاعَة مَوْعِدهمْ وَالسَّاعَةُ أدهى وَأمَرُّ إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلال وسُعر يَوْمَ يُسْحَبونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر إِنَّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلا واحدة كَلَمْح بِالْبَصَرِ " .
وقال تعا لى: " يُعْرَفُ المُجْرِمونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالأَقْدَام فَبَأيِّ آلاَءِ ربِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكًذّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيم آنٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكمَا تُكَذِّبَانِ " .
وقال تعالى: " وَأصْحَابُ الشَمَالِ مَا أصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُوم وَحَمِيم وظل من يحموم لا بَارِدٍ وَلاَ كَرِيم إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنْثِ الْعَظِيم وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أئذَّا متنا وكنا ترابا وعظاماً نخرة أئنا لَمَبْعُوثونَ أو آباؤُنَا الأَوَّلُونَ " .
وقال تعالى: " فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَروا مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَولاكمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " .
وقال تعالى: " يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قواْ أنْفسَكُمْ وَأَهْلِيكمْ نَاراً وَقًودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَاد لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمرونَ " .
وقال تعالى: " وَللَّذِينَ كَفَرُوا بِربِّهِم عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا ألْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّز مِنَ الْغَيْظِ كُلّمَا ألْقِيَ فِيهَا فوج سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأتِكُمْ نَذِيرٌ قَالًوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكًذّبْنَا وَقلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِير وَقَالُوا لَوْ كنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأصحَابِ السَّعِيرِ " .
وقال تعالى: " كَذلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَة أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمونَ " .
وقال تعالى: " وَأَمَّا مَنْ أؤتيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُول يَا لَيْتَنِي لَمْ أوتَ كِتَابَيَهْ وَلَمْ أَدرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوة فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّه كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيم وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَام الْمِسْكِين فَلَيْسَ لَة الْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِين لاَ يأكُله إِلاَّ الْخَاطِئُونَ " .
وقال تعالى: " يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الأرْض جَمِيعاً ثَمّ ينْجِيه كًلاّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى " .
وقال تعالى: " سَأصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أدرَاكَ مَا سَقر لاَ تبْقِي وَلاَ تذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ومَا جَعَلْنَا أصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ وَ يَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وليَقولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرونَ مَاذَا أرَاد اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر " .

وقال تعالى: " كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةً إِلاَّ أصْحَابَ الْيَمِين في جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَن المجْرِمِينَ مَا سَلَكَكمْ في سَقَر قَالوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكًنّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْم الدَين حَتَّى أتَانَا اليَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين فَمَا لَهمْ عَن التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ " .
وقال تعالى: " إِنَّا أعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغلالاً وَسَعِيراً " .
وقال تعالى: " انطَلِقُوا إِلَى مَا كنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلِّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لا ظَلِيل وَلاَ يغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ وَيْل يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ " .
وقال تعالى: " إِنَّ جَهًنّمَ كَانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مآباً لاَّبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وُفاقأ أَنَّهمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِساباً وَكًذّبُوا بآيَاتِنَا كِذَّاباً وَكُلّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاة كِتَابَاَ فذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وكَوَاعِبَ أَتْرَاباً " . وقال تعالى: كًلاّ إِنَّ كِتَابَ الْفجَّارِ لَفِي سِجِّين ومَا أَدرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْل يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبينَ " .
وقال تعالى: " فَأنذَرْتكُمْ نَاراً تَلًظّى لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كًذّبَ وَتَوَلَّى " .
وقال تعالى: " إِنَّهُ مَنْ يأتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا " .
كما قال تعالى: " وُجُوه يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصلى نَاراً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيةٍ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيع لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوع " .
وقال تعالى: " كلاّ إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكّا دَكّاً وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صفا وَجِيء يَوْمِئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وأنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلاَ يوثق وَثَاقَهُ أحَدٌ " .
وقال سبحانه وتعالى: " وَالَّذِينَ كَفروْا بِآيَاتِنَا هُمْ أصْحَابُ الْمَشْأمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُوصدَة " .
وقال تعالى: " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعددَهُ يَحْسَبُ أنَّ مَالَهُ أخْلده كلاّ لَيُنْبَذَنَّ في الْحُطَمَةِ وَمَا أدرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوَقَدَة الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَة إِنَّهَا عَلَيْهِمُ مُّؤْصدَةٌ في عَمَدٍ مُّمددَةٍ " .
قال ابن المبارك: عن خالد بن أبي عمران بسنده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن النار تأكل أهلها، حتى إِذا اطلعت على أفئدتهم انتهت، ثم يعود كما كان، ثم يستقبله أيضاً، فيطلع على فؤادهم، فهم كذلك أبداً " .
فذلك قوله: " نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَة الَّتِي تطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ " .
وقد تركنا إيراد آيات كثيرة خوف الإطالة، وفيما أوردناه إشارة إلى ما تركنا إيراده و بالله المستعان وستأتي الأحاديث الواردة في صفة جهنم - أجارنا الله تعالى منها، بحوله وقوته آمين - مرتبة على ترتيب حسن وبالله التوفيق.
وقال ابن المبارك: أخبرنا معمر: عن محمد بن المنكدر، قال: لما خلقت النار، فزعت الملائكة، وطارت أفئدتها، فلما خلق آدم سكن ذلك عنهم، وذهب ما كانوا يحذرون.
فتى من الأنصار يميته خوف الناروقال ابن المبارك: أخبرنا محمد بن مطرف، عن الثقة، أن فتى من الأنصار داخلته من النار خشية، فكان يبكي عند ذكر النار، حتى حبسه ذلك في البيت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه في البيت، فلما دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم اعتنقه الفتى، وخر ميتاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جهزوا صاحبكم، فإِن الفرق من النار فلذ كبده " .

وقال القرطبي: وروي أن عيسى عليه السلام مرّ بأربعة آلاف امرأة متغيرات الألوان، وعليهن مدارع الشعر والصوف، فقال عيسى: ما الذي غير ألوانكن معاشر النسوة؟ قلن: ذكر النار غير ألواننا يا ابن مريم: إن من دخل النار لا يذوق فيها برداً ولا شراباً. ذكره الخرائطي في كتاب التنور.
سلمان الفارسي وخشيته من عذاب الناروروي أن سلمان الفارسي لما سمع قوله تعالى: " وَإِنَّ جَهًنمَ لَمَوْعدهُمْ أَجْمَعِينَ " . فرّ ثلاثة أيام هارباً من الخوف، لا يعقل، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية: " وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ " .
فو الذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي، فأنزل الله تعالى: " إِنَّ المُتَّقِينَ في ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ " .
ذكره الثعالبي.
ذكر جهنم وشدة سوادهاأَجارنا الله منها
قال تعالى: " وَقَالُوا لاَ تَنْفِرُوا في الْحَرِّ قلْ نَارُ جَهًنّمَ أَشَدُّ حَرّاً لو كَانُوا يَفْقَهُونَ " .
قال اللّه تعالى: " وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ ومَا أَدرَاكَ مَاهِيَه نَارٌ حَامِيَة " .
وقال تعالى: " تُسقَى مِنْ عَيْن آنِيَةٍ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيع لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ " .
وقال تعالى: " يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيم " . أي حار، قد تناهى حره، وبلغ الغاية في ذلك.
جهنم - والعياذ بالله تعالى - أشد سبعين مرة من نار الدنياوقال مالك في الموطأ: عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. " نار بني آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزء من نار جهنم، فقالوا: يا رسول الله. إن كانت لكافية، فقال. إنها فضلت عليها بتسعة وتسعين جزء " .
ورواه البخاري: عن إسماعيل بن أبي إدريس، عن مالك، وأخرجه مسلم: عن قتيبة، عن المغيرة بن عبد الرحمن الخزامي، عن أبي الزناد، به نحوه.
وقال أحمد: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم، وقد ضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد " . على شرط الصحيحين.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: " نار ابن آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزء من نار جهنم " .
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ناركم هذه التي يوقدها بنو آدم جزء واحد من سبعين جزء من حر جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافية. قال: فإِنها فضلت عليها بتسعة وستين جزء، كلهن مثل حرها " .
قال أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن خالد العسكري، حدثنا سعيد بن مسلمة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ناركم هذه، وكل نار أوقدت، أو هم يوقدونها، جزء من سبعين جزء من نارجهنم " .
طريق أخرى بلفظ آخرقال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز، عن سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم " .
وهذا الإِسناد على شرط مسلم، وفي لفظه غرابة، وأكثر الروايات عن أبي هريرة جزء من سبعين جزء. وقد ورد الحديث عن غيره كذلك، من طريق عبد الله بن مسعود.
كما قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا عبيد الله بن إسحاق العطار، حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن معمر بن ميمون، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا الصالحة بشرى، وهي جزء من سبعين جزء من النبوة، وإن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من سموم جهنم، وما دام العبد ينتظر الصلاة فهو في صلاة، ما لم يحدث " . قال البزار: وقد روي موقوفاً من طريق أبي سعيد.
كما قال البزار أيضاً: حدثنا محمد بن الليث، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم، لكل جزء منها حرها " .

وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال، حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزاعي، حدثنا معن بن عيسى القزاز، عن مالك بن أنس، عن عمه أبي سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم. هي أشد دخاناً من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفاً " . قال الحافظ الضياء: وقد رواه ابن مصعب، عن مالك، فوقفه، وهو عندي على شرط الصحيح.
أوقد على نار جهنم ثلاثة آلاف عام حتى أصبحت سوداء مظلمةوروى الترمذي، وابن ماجه: كلاهما عن ابن عباس الدوري، عن يحيى بن أبي بكير، عن شريك عن عاصم، عن أبي عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى أبيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة " .
قال الترمذي: ولا أعلم أحداً رفعه غير يحيى بن بكير، عن شريك، كذا قال الترمذي رحمه الله.
وقد روى أبو بكر بن مردويه الحافظ عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن الحسن بن مكرم، عن عبيد الله بن سعد، عن عمه، عن شريك مثله.
نار جهنم لا ينطفىء حرها ولا يصطلى بلهيبهاوقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبيد الله الحافظ أبو سعيد، عن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النار لا يطفأ حرها، ولا يصطلى بلهيبها، قال: ثم قرأ: " وَنَقُولُ ذوقُوا عَذَابَ الحَرِيق " .
قال البيهقي: ورفعه ضعيف، ثم رواه من وجه آخر موقوفاً.
وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن يونس بن عنان الدلال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله سبحانه وتعالى: " يا أيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا قًواْ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَط شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّه مَا أمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرون " .
وقال: " أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء، لا يضيء لهبها " .
وقال ابن مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلمة، حدثنا الحكم بن مروان، حدثنا سلام الطويل، عن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن عدي بن عدي، قال: قال عمر بن الخطاب: " أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في حين لم يكن يأتي فيه، فقال: يا جبريل: ما لي أراك متغير اللون؟ فقال: إني لم آتك حتى أمر الله بفتح النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل: صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال: إن الله أمر بها، فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها.
وقال: والذي بعثك بالحق، لو أن حلقة من حلق السلسلة التي نعت الله تعالى في كتابه، وضعت على جبال الدنيا لأذابتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حسبي يا جبريل، لا يتصدع قلبي، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل عليه السلام يبكي، فقال: يا جبريل: تبكي وأنت من الله بالمكان الذي أنت به من الله؟ فقال: وما يمنعني أن أبكي، وأنا لا أدري أن أكون في علم الله على غير هذه الحال، فقد كان إبليس مع الملائكة، وقد كان هاروت وماروت من الملائكة، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يبكي هو وجبريل، حتى نودي: يا محمد: ويا جبريل، إن الله قد أمنكما أن تغضبا.
قال: فارتفع جبريل، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فمَّر بقوم من أصحابه يتحدثون ويضحكون، فقال: تضحكون وجهنم من ورائكم؟ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتمِ كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى، فأوحى الله تعالى يا محمد: إني بعثتك مبشراً قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبشروا وسددوا وقاربوا " . وقال الضياء، قال الحافظ أبو القاسم: يعني إسماعيل بن محمد بن الفضل. هذا حديث حسن، وإسناده جيد.
أبو طالب أدنى أهل النار عذاباً يوم القيامة

وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن عبد الله بن حباب عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح يبلغ كعبه، تغلي منه أم دماغه " .
وقد رواه مسلم من حديث يزيد بن أبي حبيب به: عن مهيل بن أبي صالحِ، عن النعمان بن المنذر ابن أبي عباس، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أدنى أهل النار عذاباً ينتعل بنعل من نار، يغلي دماغه من حرارة نعليه " .
وقال أحمد: حدثنا حسن وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي سعيد الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهون أهل النار عذاباً رجل في رجليه نعلان، يغلي منهما دماغه " . وساق أحمد تمام الحديث.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يسار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، سمعت أبا إسحاق، سمعت النعمان، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه " . ورواه مسلم من حديث شعبة.
وقال البخاري: وحدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا عن أبي إسحاق، عن النعمان بن بشير، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ويغلي القمقم " .
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه " .
وقال أحمد: حدثنا يحيى عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أهون أهل النار عذاباً عليه نعلان، يغلي منهما دماغه " . وفي هذا الإِسناد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " .
وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا زائدة، عن المختار بن فلفل، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيراً، ولضحكتم قليلاً، قالوا: يا رسول الله وما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار " .
ورواه أحمد: من حديث شعبة، عن موسى بن أنس، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً " .
وقال أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا ابن عباس، عن عمارة بن عربة الأنصاري، أنه سمع حميد ابن عبيد مولى بني المعلى يقول: سمعت ثابتاً البناني يحدث، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل: " ما لي لم أر ميكائيل ضاحكاً قط؟ فقال: ما ضحك منذ خلقت النار " .
شكوى النار إلى ربها من كل بعضها بعضاوقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب: أكل بعضي بعضاً فنفسي: فأذن لها في كل عام بنفسين، فأشد ما تجدون من البرد، من زمهرير جهنم، وأشد ما تجدون من الحر، من حرجهنم " . وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري.
أشد ما يكون الحر من قيح جهنموقال أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اشتكت النار إلى ربها، فقالت: أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما يكون الحر من فيح جهنم " .
وفي هذا الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه عليه السلام قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم " .
وقال الله تعالى: " انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلَى ظِل ذي ثَلاَث شُعَبٍ لاَ ظَلِيل وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْر وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ " .
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس، سمعت ابن مسعود يقول: في قول الله تعالى: " إنها ترمي بشَرر كالقَصْرِ " .

أما إنه ليس مثل الشجر والجبل، ولكن مثل المدائن والحصون.
قال الطبراني: حدثنا طالب بن عمرة، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا حسن بن إسماعيل، عن تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أن شررة بالمشرق، لوجد حرها بالمغرب " .
أنعم أهل الدنيا من أهل النار إذا غمس فيها نسي ما ذاق من نعيم وأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة إذا دخلها نسي ما ذاق من بؤس
وقال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم: هل رأيت خيراً قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يارب؟ ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرت بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط " .
لو أن للكافر ملء الأرض ذهباً وافتدى به نفسه من العذاب يوم القيامة ما تقبل منه
قال أحمد : حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " يجاء بكافر يوم القيامة، فيقال له: أرأيت لو كان لك مثل الأرض ذهباً، أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم. قال: فيقال لقد سلبت أكثر من ذلك: فذلك قوله تعالى: " إِنَّ الَّذُينَ كَفَروا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أحدهمْ مِلْء الأرض ذهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ " . والله تعالى أعلم.
طريق أخرى:قال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ قال: فيقول: نعم. قال: فيقول له الله - عز وجل - قد أردت منك أهون من ذلك. قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت لا أن تشرك بي " .
طريق أخرى
تمنى المؤمن يوم القيامة أن يرد إلى الدنيا، ليقاتل في سبيل الله، فيقتل، لما يرى من فضل الشهادة والشهداء قال أحمد: حدثنا روح وعفان، قالا: حدثنا حماد: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقال: يا ابن آدم: كيف وجدت منزلتك؟ سل وتمن، فيقول: ما أسأل وأتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا، وأقتل في سبيل الله عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة، ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له: يا ابن آدم: كيف وجدت منزلتك؟ فيقول: أي رب شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهباً؟ فيقول: أي رب نعم، فيقول: كذبت. قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النار " .
وقال البزار: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله، ومحمد بن الليث، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم ير مثل النار؟ نام هاربها، ولم ير مثل الجنة؟ نام طالبها " .
وروى الحافظ أبو يعلى وغيره: من طريق محمد بن شبيب، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كان في قعر المسجد مائة ألف أو يزيدون، وفيهم رجل من أهل النار، فتنفس، فأصابهم نفسه، لأحرق المسجد ومن فيه " . وهذا حديث غريب جداً.
ذكر وَصف جَهَنم واستاعِهَا وضخَامة أَهْلِهَا أَجَارَنَا اللّهُ تَعالَى مِنْهَا بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ آمِين إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِير
قال اللّه سبحانه وتعالى: " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَل مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً " .
وقال تعالى: " وَأمَّا مَنْ خفَّتْ مَوَازِينُهُ " فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أدْرَاكَ ماهِيهْ نَارٌ حَامِيَهْ " .
وقال تعالى: " لَهم مِّنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوقهِمْ غَوَاش وَكَذَلِكَ نَجزِي الظَّالِمِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا " .
وقال تعالى: " يَوْمَ يُدَعُّونَ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً هذه النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ " .

وقال تعالى: " ألقِيَا في جَهًنّمَ كُلَّ كَفَّارٍ " .
وقال تعالى: " يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَل امْتَلأتِ وتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ " .
كلمة السوء تقال بغير رؤية تهوي بصاحبها في نار جهنم أبعد مما بين المشرق والمغرب
وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العزة قدميه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، وعزتك " .
وقال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " .
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا الزبير بن سعد عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة، يضحك بها جلساءه، يهوي بها أبعد من الثريا " . غريب، والزبير فيه لين.
وقال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أي حازم، عن أبي هريرة، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمعنا وجبة فقال صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفاً، والآن انتهى إلى قعرها " .
ورواه مسلم: عن محمد بن عباد، وابن عمر، عن مروان، عن يزيد بن كيسان، به نحوه وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف السقطي، حدثنا أحمد ابن يحيى حدثنا أبو أيوب الأنصاري، حدثنا أحمد بن عبد الصمد، حدثنا إسماعيل بن قيس، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتاً، فهاله ذلك، فأتاه جبريل فقال: " ما هذا الصوت يا جبريل؟ قال: هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاماً، فهذا حين بلغت قعرها، أحب الله أن يسمعك صوتها " .
وقد روى البيهقي، من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحواً من هذا السياق.
وثبت في صحيح مسلم عن عتبة بن غزوان، أنه قال في خطبة: " إن الحجر يلقى من شفير جهنم، فيهوي فيها سعبين عاماً، ولا يدرك لها قعراً، والله لتملأن أفعجبتم؟ وقد ذكر لنا: " أن ما بين مصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام " الحديث.
جعلنا الله تعالى من هؤلاء برحمته وكرمه ومنه.
عمق جهنم مسافة هوى حجر مقذوف سبعين سنةقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن عطاء بن السايب، عن أبي بكرة، عن أبيه، أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن حجراً قذف به في جهنم، لهوى سبعين خريفاً قبل أن يبلغ قعرها " .
روى الترمذي، والنسائي، والبيهقي، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني، واللفظ له من حديث عبد الله ابن المبارك، حدثنا عنبسة، عن حبيب، عن أبي غمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: " أتدرون ما سعة جهنم؟ فقلنا: لا. قال: أجل والله ما تدرون إن ما بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفاً قال: قلنا: لا، قال: أجل والله ما تدرون، حدثتني عائشة: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: " وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَالسَّمواتُ مُطْوِيَّات بِيَمِينه " .
فقالت: أين الناس يومئذ؟ فقال: " على جسرجهنم " .
روى منه الترمذي والنسائي المرفوع فقط، وقال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه.
وثبت في صحيح مسلم: من حديث العلاء بن خالد، عن أبي وائل شفيق بن سلمة، عن ابن مسعود مرفوعاً: " يجاء بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " .
وروي موقوفاً عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله أعلم.

عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً: " هل تدرون ما تفسير هذه الآية " إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيء يوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأنَّى لَهُ الذِّكْرَى " .
قال: " إذا كان يوم القيامة، تقاد جهنم بسبعين ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك قال: فنشرت شريرة لولا أن الله حبسها لأحرقت السموات والأرض " .
وقال أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، حدثنا سعيد بن يزيد، حدثنا أبو السمح؟ عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إِلى جمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين سنة، الليل والنهار، قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها " . رواه الترمذي.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثني محمد بن جني، حدثني صفوان عن معقل، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحر هو جهنم " .
تعظيم خلقتهم في النار أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعالَى مَنْ مِنْ حالهم
قال اللّه تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَروا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً " .
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثني أبو يحيى الطويل، عن أبي يحيى الصبان، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يعظم أهل النار في النار، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعاً، وإن ضرسه مثل أحد " .
كذا رواه أحمد : في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو الصحيح وكذا رواه البيهقي.
ثم رواه من طريق عمران بن زيد عن أبي يحيى الصبان، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، مرفوعاً، فذكر مثله، ثم صحح البيهقي الأول كما ذكرنا والله أعلم.
وهذا الحديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد من وجوه أخر، عن أبي هريرة،.. واللّه أعلم.
بشاعة الكافر وضخامة جسمه في نار جهنم يوم القيامةقال الإِمام أحمد: حدثنا ربعي عن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحُد، وعرض جلده سبعون ذراعاً، وفخذه مثل ورقان، ومقعده من النار مثل ما بيني وبين الربذة " .
ورواه البيهقي: من طريق بشر بن الفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، وزاد فيه: " وعضده مثل البيضاء " .
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن يعني ابن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار كما بين قديد ومكة، وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعاً الجبار " .
طريق أخرىقال البزار: حدثنا محمد بن الليث الهدادي، وأحمد بن عثمان بن حكيم، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان يعني ابن عبد الرحمن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده أربعون ذراعاً " .
قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو عامر، حدثنا محمد بن عمار، عن أبي صالح مولى التومة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضرس الكافر مثل أحد، ومقعده من النار مسيرة ثلاث " .
طريق أخرىقال الحسن بن سفيان: حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا الفضل بن موسى، عن الفضل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين منكبي الكافر مسيرة خمسة أيام للراكب المسرع " .
قال الحسن: وحدثنا محمد بن طريف البجلي، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رفعه قال: " ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام، للراكب المسرع " .
قال البيهقي: رواه البخاري، عن معاذ بن أسد، عن الفضل بن موسى، ورواه مسلم، عن أبي كريب، وغيره، عن ابن فضيل، ولم يقل: رفعه.

قال الزار: حدثنا الحسين بن الأسود، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل الورقان، وغلظ جلده أربعون ذراعاً " .
ثم قال البزار: لا يروى عن أبي هريرة أحسن من هذا الإِسناد، ولم يسمعه إلا من الحسين بن الأسود...
قلنا: الحديث الذي رواه الإِمام أحمد: حدثنا يحيى عن ابن عجلان، عن عمرو بن شبيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يعلوهم سجن في جهنم يقال له بوليس، فتعلوهم نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار " .
وكذا رواه الترمذي والنسائي: عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن ابن عجلان به، وقال الترمذي: حسن.
فالمراد أنهم يحشرون يوم القيامة في العرصات كذلك، فإذا سيقوا إلى النار دخلوها، وقد عظمت خلقهم، كما دلت عليه الأحاديث التي أوردناها ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم، كما قال شديد العقاب: " ليذوقوا العذاب " .
ذكر أن البَحر يُسَعر في جَهنم وَيَكُون مِن جمْلة جَهَنم
قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثنا محمد بن حسين حدثنا صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البحر هو جهنم " . قال يعلى: ثم قال: ألا ترون أن الله يقول: " نَارٌ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا " .
"
والذي نفسي بيده لا أدخلها أبداً حتى أعرض على الله، ولا يصيبني منها قطرة حتى ألقى الله عز وجل " .
وقد رواه البيهقي من طريق يعقوب بن شيبان: حدثنا أبو عاصم، حدثني محمد بن يحيى وفي المسند كما تقدم: بينهما عبد الله بن أمية، وكذلك رواه أبو مسلم الكجي، عن أبي عاصم، عن عبد الله بن أبي أمية، حدثني رجل، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البحر هو جهنم " .
وقال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن مطرف، عن بشر بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يركب البحر إِلا حاج، أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحر " .
ذكر أَبوَاب جَهنم وصفة خزنَتِهَا وَزَبَانِيتُهَا
أَجَارنا اللّهُ تَعالَى مِنْهَا
قال الله تعالى: " وَسيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهًنمَ زُمَراً حَتَى إِذَا جَاءُهَا فُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ألَمْ يَأْتِكمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكًمْ وَيُنْذِرُونَكُم لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا، قَالُوا بَلى وَلَكِنْ حًقّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلًوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ " .
وقال تعالى: " لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لكلِّ بَابٍ منْهُمْ جُزْءٌ مقْسُومٌ " .
وصف الصراط وبيان تفاوت سرعة الناس في مرورهم عليهوقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس الأصم، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا بشر بن بكر، حدثني عبد الرحمن بن يزيد، حدثني أبو سعيد، سمعت أبا هريرة يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الصراط بين ظهري جهنم دحض مزلة والأنبياء يقولون: اللهم سلم، والناس كلمح البرق، وكطرف العين، وكأجاويد الخيل، والبغال، والركاب، شداً على الأقدام، فناج مسلم، ومخدوش مسلم ومطروح فيها، ولها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم " .
وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا معمر، عن الخليل بن مرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان لا ينام حتى يقرأ تبارك، وحم السجدة، وقال: " الحواميم سبع، وأبواب جهنم سبع، جهنم، والحطمة، ولظى، وسعير، وسقر، والهاوية، والجحيم " .
قال: تجيء كل حم منها يوم القيامة - أحسبه قال - : تقف على باب من هذه الأبواب، فتقول: اللهم لا يدخل هذه الأبواب من كان يؤمن بي ويقرأني.
ثم قال البيهقي: وهذا منقطع، والخيل بن مرة فيه نظر.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا أبو شهاب الخياط، عن عمرو بن قيس المدني، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: " إن أبواب جهنم بعضها فوق بعض " - وأشار أبو شهاب بأصابعه - فيملأ هذا، ثم يملأ هذا، ثم هذا، ثم هذا " .
حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا حجاج، أخبرنا ابن جريج في قوله لها سبعة أبواب قال: " أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم - وفيها أبو جهل - ثم الهاوية " . وروى الترمذي من حديث مالك بن مغول عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل السيف على أمتي " .
ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول، وقال أبي بن كعب: لجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية.
وقال وهب بن منبه: " بين كل بابين مسيرة سبعين سنة، كل باب أشد من الذي فوقه بسبعين ضعفاً " .
وقال تعالى: " يا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُواْ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظ شِدَادٌ لاَ يَعْضونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " .
أي لهم قوة على إبراز ما أمروا به، من العزم، إلى الفعل، فلهم عزم صادق، وأفعال عظيمة، وقوة بليغة، وشدة باهرة.
وقال تعالى: " عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً " . أي لكمال طاعتهم وقوتهم.
وقال تعالى: " وَمَا جَعَلْنَا عِدّتهمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلّذِينَ كَفَرُوا " .
أي اختباراً وامتحاناً، وكأن هؤلاء التسعة عشر كالمقدمين، الذين لهم أعوان وأتباع، وقد روينا هذا عند الكلام على قوله تعالى: " خُذُوه فَغُلُّوهُ " .
ثم إن الرب تعالى، إذا أمر بذلك، يبتدره سبعون ألفاً من الزبانية.
وقد قال الله تعالى: " فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يوثقُ وَثَاقَهُ أَحدٌ " .
وروى الحافظ الضياء: من حديث محمد بن سليمان بن أبي داود، عن أبيه، عن زيد البصري، عن الحسن البصري، عن أنس، مرفوعاً: " والذي نفسي بيده، لقد خلقت ملائكة جهنم، قبل أن تخلق جهنم بألف عام، فهم كل يوم يزدادون قوة إلى قوتهم، حتى يقبضوا على من يقبضون عليه بالنواصي والأقدام " .
ذكر سرادق النار وهو سورها المحيط بها وما فيها من المقامع والأغلال والسلاسل والأنكال.
قال الله تعالى: " إِنَّا أعتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بمَاءٍ كَالْمهْل يَشْوي الوُجوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً " .
وقال تعالى: " إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ في عَدَدٍ ممَددةٍ " .
مؤصدة: أي مطبقة، وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من طريق شريك عن عاصم بن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعاً.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن أسعد الأحسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قوله، وقوله تعالى: " إِنَّ لَدَيْنَا أنْكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غصَّةٍ وَعَذَاباً ألِيماً " .
وقال تعالى: " إِذ الأغلاَلُ في أعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلً يمسْحَبُونَ في الْحَمِيم ثُمَّ في النَّارِ يُسْجَرُونَ " .
وقال تعالى: " يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقدَر وَمَا أمْزنَا إِلاَّ واحدة كَلَمْح بِالْبَصَر " .
وقالَ تعالَى: " لَهُمْ مِنْ فَوْقهِمْ ظُلَلٌ مِن النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادده يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ " .
وقال تعالى: " لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَاد ومِنْ فَوْقهِمْ غَوَاش وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ " .
وقال تعالى: " هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قطِّعَتْ لَهمْ ثِيَاب مِن نَّارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوق رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بطُونهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ " .
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا حسن، عن ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم

عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لسرادق أهل النار أربع جدر، كنف كل جدار مسيرة أربعين سنة " . ورواه الترمذي: عن سويد، عن ابن المبارك، عن رِشدَين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به نحوه.
وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن مقمعاً من حديد من مقامع أهل النار، وضع في الأرض، فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض " .
وقال ابن وهب: عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو ضرب بمقمع من حديد الجبل، لفتته فعاد غباراً " .
ألوان من عذاب أهل النار
أجارنا الله عز وجل منهاوروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: من طريق بشر بن طلحة، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينشىء الله لأهل النار سحابة مظلمة، فإذا أشرفت عليهم، نادتهم: يا أهل النار: أي شيء تطلبون؟ وما الذي تسألون؟ فيذكرون بها سحائب الدنيا، والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب، فتمطرهم أغلالاً، تزداد في أعناقهم، وسلاسل، تزداد في سلاسلهم، وجمراً يلهب النار عليهم " .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا بشر بن الوليد الكندي، حدثنا سعيد بن زربي، عن حميد بن هلال، عن أبي الأحوص، قال ابن مسعود: أي أهل النار أشد عذاباً؟ فقال رجل: المنافقون، قال: صدقت. قال: فهل تدري كيف يعذبون. قال: يجعلون في توابيت من حديد، تطبق عليهم، ثم يجعلون في الدرك الأسفل من النار، في تنانير أصغر من الرخ، يقال له جب الحزن، فيطبق على أقوام بأعمالهم آخر الأبد.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني علي بن حسن، عن محمد بن جعفر المدائني، حدثنا بكر بن خنيس، عن أبي سلمة الثقفي، عن وهب بن منبه قال: " إن أهل النار الذين هم أهلها، هم في النار، لا يهتدون ولا ينامون، ولا يموتون، يمشون على النار، يجلسون على النار، ويشربون من صديد أهل النار، ويأكلون من زقوم أهل النار، لحفهم نار، وفرشهم نار، وقمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها، يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفير في النار، فذلك شرابهم " .
قال: ثم بكى وهب حتى سقط مغشياً عليه، قال: وغلب بكر بن خنيس البكاء حتى قام فلم يقدر أن يتكلم، وبكى محمد بن جعفر بكاء شديداً.
وهذا الكلام عن وهب بن منبه اليماني، وقد كان ينظر في كتب الأوائل، وينقل في صحف أهل الكتاب، الغث والسمين، ولكن هذا له شواهد من القرآن العظيم وغيره من الأحاديث، قال الله تعالى: " إِنَّ الْمُجْرِمِينَ في عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالدُونَ لاَ يفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كانوا هُم الظَّالِمِينَ وَنَادوْا يَا مَالك لِيَقْض عَلَيْنَا رَبًّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ " .
وقال تعالى: " لَوْ يَعْلَمُ الَّذينَ كَفَزوا حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَنْ وجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلاَ همْ يُنَصَرُونَ بَلْ تَأتِيَهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يستطيعُونَ ردها وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ " .
وقال تعالى: " وَالَّذِينَ كَفروا لَهمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتوا وَلاَ يُخفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذلِكَ نَجزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ربَنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَ لَمْ نعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير فَذُوقوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ " .
وقال تعالى: " وَقَالَ الَّذِينَ في النَّارِ لَخَزَنَةِ جَهًنّمَ ادْعُوا ربَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ قَالوا أوَ لَم تَكُ تَأتِيكُمْ رُسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ في ضَلاَلٍ " .
وقال تعالى: " وَيَتَجنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثَمّ لاَ يَموت فِيهَا وَلاَ يَحْيَا " .

وتقدم في الصحيح: أن أهل النار الذين هم أهلها، لا يموتون فيها، ولا يحيون، وفي الحديث المتقدم في ذبح الموت بين الجنة والنار ثم يقال: " يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت " .
وكيف ينام من هو في عذاب متواصل لا يفتر عنه ساعة واحدة ولا لحظة؟ وقال تعالى: " كلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً " .
وقال تعالى: " كلَّمَا أَرَادوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أعِيدوا فِيهَا وذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيق " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل النار: " إن الحميم ليصب على رأس أحدهم، فينفذ من الجمجمة، حتى يخلص إلى جوفه، فيسلب ما في جوفه، ثم يمرق من قدميه " .
وروى الترمذي، والطبراني: واللفظ له من حديث قطبة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن شهر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يلقى على أهل النار الجوع، فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون بالطعام فيؤتون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يستغيثون في الدنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب، فيؤتون بالحميم، في أكواب من نار، فإذا أدنيت من وجوههبم قشرت وجوههم، فإذا أدخلت بطونهم قطعت بطونهم، فيستغيثون عند ذلك، فيقال لهم: " أوَ لَمْ تك تَآتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ " .
فيقولون: بلى: " فيقال: " فادعوا وما دعاء الكافِرِين إِلا في ضلالٍ " . فيقولون: ادعوا لنا مالكاً.
فيقولون: " يَا مَالِكُ لِيَقْض عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ " .
فيقولون: " ربَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكًنّا قَوْماً ضَالِّينَ " .
فيقال: " اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تكَلِّمُونِ " .
رواه الترمذي: عن الدارمي، وحكي عنه أنه قال: الناس لا يعرفون هذا الحديث. قال الترمذي: إنما يروى عن أبي الدرداء.
طعام أهل النار وشرابهمقال الله تعالى: " لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٌ لاَ يسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوع " .
والضريع: شوك بأرض الحجاز يقال له: الشبرق، وفي حديث الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً: " الضريع: شيء يكون في النار، يقال: يشبه الشوك. أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حراً من النار، إذا طعمه صاحبه لا يدخل البطن، ولا يرتفع إلى الفم، فيبقى بين ذلك، ولا يسمن ولا يغني من جوع " ، وهذا حديث غريب جداً.
وقال تعالى: " إِنَّ لَدَيْنَا أنْكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَامَاً ذَا غصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً " .
وقال: " واسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهًنّمُ ويئسقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ " .
وقال تعالى: " ثمَّ إِنَّكُمْ أيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقوم فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيم فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيم هذَا نُزلهُمْ يَوْمَ الدِّين " .
وقال تعالى: " أذلِكَ خَيْرٌ نزُلاً أَمْ شَجَرَة الزَّقوم إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخرجُ فِي أصْل الْجَحِيم طَلْعُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين فَإِنَّهُمْ لآكلونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيم ثمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلى الْجَحِيم " .
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بشر اليحصبي، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: " وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ " قال: " يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه فيه، فإذا شربه قطع أمعاءه. حتى يخرج من دبره " .
قال الله تعالى: " وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ " .
ويقول الله تعالى: " وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثوا بِمَاءٍ كَالمُهْل يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ " .
رواه الترمدي: عن سويد بن نضر، عن المبارك، به نحوه وقال: حسن غريب... وفي حديث

======================

ج4. كتاب : النهاية في الفتن والملاحم


المؤلف : ابن كثير

أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية. " اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " .
فقال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه " .
رواه الترمذي: عن محمود بن غيلان، عن أبي داود، قال: حسن صحيح.. ورواه النسائي، وابن ماجه، من حديث شعبة به وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح، أن أبا الهيثم حدثه: عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " .
ورواه الترمذي: من حديث دراج، وعن كعب الأحبار أنه قال: " إن الله لينظر إلى عبده يوم القيامة وهو غضبان، فيقول: خذوه، فيأخذه مئة ألف ملك، أو يزيدون، فيجمعون بين ناصيته وقدميه، غضباً لغضب الله، فيسحبونه على وجهه إلى النار، فالنار أشد غضباً منهم بسبعين ضعفاً، فيستغيث بشربة، فيسقى شربة يسقط منها لحمه وعصبه، ويكدس في النار، فويل له من النار " .
وعنه أيضاً أنه قال: " هل تدرون ما غساق؟ قالوا: لا، قال: إنه عين في جهنم، تسيل إليها حمة كل ذي حمة، من حية أو عقرب، أو غير ذلك، يستنقع، يؤتى بالآدمي فيغمس فيه غمسة واحدة، فيخرج وقد سقط جلده عن العظام، ويعلق جلده ولحمه في كعبه، فيجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه " .
ذكر أحاديت وَ رَدَتْ بَأسْمائِهَا وبَيَان صحيح ذلِك مِنْ سَقيمه
الهاوية: قال ابن جريج: أسفل درك في النار، قال الله تعالى: " وَأَمَّا مَن خفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأمُّهُ هاوِيَةٌ " ، قيل: فأم رأسه هاوية: أي ساقطة، من الهوى في النار.
كما ورد في الحديث: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، يهوي بها في النار سبعين خريفاً " وفي رواية: " أبعد ما بين المشرق والمغرب " .
وقيل: المراد بقوله: فأمه هاوية: أي الدرك الأسفل من النار، أو صفة النار من حيث هي وقد ورد الحديث بما يقوي هذا المعنى والله أعلم.
قال أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: حدثنا عبد الله بن خالد بن محمد بن رستم، حدثنا محمد بن طاهر بن أبي الدميك، حدثنا إبراهيم بن زياد، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا روح بن المسيب: أنه سمع ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات المؤمن يسألونه ماذا فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فإن كان مات ولم يأتهم، قالوا: خولف به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية، حتى يقولوا: ما فعل فلان؟ هل تزوج؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فيقولون: دعوه يستريح فقد خرج من مركب " .
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن مسور، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى، قال: " إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين، فيقولون: زوجوا أخاكم، فإنه كان في غم الدنيا، قال: ويسألونه ما فعل فلان؟ فيقول: مات، أو ما جاءكم؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية " .
وروى الحافظ الضياء: من طريق شريك القاضي، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها أو قال: يكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أنَّى يا رب، وقد ذهبت الدنيا؟ - ثلاث مرات - فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك، كهيئتها، فيحملها، فيضعها على عاتقه، ثم يصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت وهوت، وهوى في أثرها أبد الآبدين، قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الوضوء، والأمانة في الحديث، وأشد من ذلك الودائع: قال: - يعني زاذان - فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع ما يقول أخو عبد الله؟ فقال: " صدق " .
وهذا الحديث ليس هو في المسند، ولا في شيء من الكتب الستة.
سجْن في جهنم له بُولس أعاذنا الله عزَّ وجلّ منه
تقدم ذكره في حديث رواه الإِمام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
جب الحزن

قال علي بن حرب: حدثنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا عمار بن سيف، عن أبي معاذ، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استعيذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله: وما جب الحزن. قال: واد في جهنم، تستعيذ جهنم منه كل يوم أربعمائة مرة، أعد للقراء المرائين بأعمالهم، وإن من أبغض القراء الى الله الذين يراءون الأمراء الجورة " .
ورواه الترمذي، وابن ماجه: من حديث عمار بن سيف، عن أبي معاذ وهو الصواب اختصره الترمذي، وقال: غريب، وعنده - مائة مرة - . و بسط ابن ماجه وعنده: يراءون الأمراء الجورة " .
ذكر نفر فيها هو مِنْهَا بمنزلة الأوْساخ والأقْذار والنَّتن في الدنيا أعاذَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنْهُ بمنَه وكَرَمِهِ
لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا قاطع رحم ولا مصدق بسحرقال الإِمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت عن الفضل بن ميسرة، من حديث أبي جرير، أن أبا بردة حدثه من حديث أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة. قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن " .
ذكر وادي لملمقال الحسن بن سفيان: حدثنا حبان بن موسى، حدثنا ابن المبارك، حدثنا يحيى بن عبيد الله، سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في جهنم لوادياً يقال له لملم، وإن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره " هذا حديث غريب.
ذكر واد وبئر فيها يقال له هبهبقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا الأزهر بن سفيان، حدثنا محمد بن واسع، قال: دخلت على بلال بن أبي بردة، فقلت له: يا بلال، إن أباك حدثني، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في جهنم وادياً يقال له هبهب، حق على الله أن يسكنه كل جبار، فإياك يا فلان أن تكون ممن يسكنه " .
وقد رواه الطبراني: من حديث سعيد بن سليمان، عن أزهر بن سنان، عن محمد بن واسع: أنه دخل على بلال بن أبي بردة بن أبي موسى، فقال له: إن أباك حدثني، عن جدك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في جهنم وادياً في الوادي بئر يقال لها هبهب، على الله أن يسكنه كل جبار " . تفرد به أزهر بن سنان، وقد تكلم فيه بعض الحفاظ ولينه.
ذكر وَيل وصعُود
معنى الويلقال الله تعالى: " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبينَ " .
وقال: " سأرْهِقُهُ صَعُوداً " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسن بن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " ويل: واد في جهنم، يهوي فيه الكفار أربعين خريفاً، قبل أن يبلغ قعره، والصعود: جبل من نار، يتصعد فيه سبعين خريفاً، ثم يهوي به كذلك، فيه أبداً " .
وكذلك رواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من طريق ابن لهيعة، وقد رواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به. وبكل حال فهو حديث غريب بل منكر.
والأظهر في تفسير ويل، أنه ضد السلامة والنجاة، كما تقول العرب: ويل له: ويا ويله، وويله.
معنى صعودوقد روى البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه: من حديث شريك القاضي، عن عمار الذهبي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: صعوداً: " هو جبل في النار، يكلف الكافر أن يصعده، فإِذا وضع يده عليه ذابت، فإِذا رفعها عادت، وإِذا وضع رجله عليه ذابت، فإِذا رفعها عادت " .
وقال قتادة: قال ابن عباس: صعود صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه، وقال السدي: صعود: صخرة ملساء في جهنم، يكلف الكافر أن يصعدها.
وقال مجاهد: سأرهقه صعوداً: أي مشقة من العذاب، وقال قتادة: عذاباً لا راحة فيه، واختاره ابن جرير.
ذكر حياتها وعقاربها
أعاذنا الله منها

قال الله تعالى: " وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخلونَ بِمَا آتاهمُ اللَّهُ مِنْ فَضلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وثبت في صحيح البخاري: من طريق عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته، إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك " .
وفي رواية: " يفر منه، وهو يتبعه، ويتقي منه فيلقم يده، ثم يطوقه " . وقرأ هذه الآية، وقد روي مثله عن ابن مسعود مرفوعاً.
وقال الأعمش: عن عبد الله بن مروة، عن مسروق، عن عبد الله بن دينار في قوله تعالى: " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّهِ زِدْنَاهمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانوا يفْسدونَ " .
قال: عقارب لها أذناب، كالنحل الطوال.
وروى البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق، عن أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن دراجاً حدثه: أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في النار لحيات، أمثال أعناق البخت، يلسعن اللسعة أحدهم، فيجد حموها أربعين خريفاً " .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهير، عن إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، وعن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، حدثني الحجاج بن عبد الله الثمالي - وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وحج معه حجة الوداع - أن نصر بن نجيب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقدمائهم - حدثه: أن في جهنم سبعين ألف وادٍ ، في كل واد سبعون ألف شعب، في كل شعب سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف ثعبان، في شق كل ثعبان سبعون ألف عقرب، لا ينتهي الكافر والمنافق حتى يوافق ذلك كله.
وهذا موقوف، غريب جداً، بل منكر نكارة شديدة، وسعيد بن يوسف الذي حدث عنه به إسماعيل ابن عياش مجهول، والله أعلم، وبتقدير إسماعيل بن عياش له، عن يحيى بن أبي كثير، فهو حجازي، وإسماعيل من الشاميين، وهو غير مقبول.
وقد ذكرهذا الأثر في تاريخه الكبير بنحو من هذا السياق، والله أعلم.
وقد ذكر بعض المفسرين في غي وأثام: أنهما واديان من أودية جهنم... أجارنا الله منها..
وقال بعضهم في قوله تعالى: " وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقَاً " .
هو نهر من قيح ودم.
وقال عبد الله بن عمرو، ومجاهد: هو واد من أودية جهنم، وزاد عبد الله بن عمرو: يفرق يوم القيامة بين أهل الهدى، وأهل الضلالة.
وروي البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن العباس الدوري، عن ابن معين، عن هشيم بن العوام بن حوشب، عن عبد الجبار الخولاني، قال: " قدم علينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دمشق، فرأى ما في الناس فقال: وما يغني عنهم. أليس من ورائهم الغلق؟ قيل: وما الغلق؟ قال: جب في جهنم، إِذا فتح هرب منه أهل النار " . هكذا قال يحيى هرب منه أهل النار ولم يقل فر منه.
خطبة واعظة، ترغب وترهب من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيدوروي البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم، عن إبراهيم بن مرزوق، بمصر، عن سعيد بن عامر

عن شعبة. قال: كتب إلى منصور، وقرأته عليه، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يزيد بن شجرة رجلاً من الزهاد، وكان معاوية يستعمله على الجيوش، فخطبنا يوماً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، اذكروا نعمة الله عليكم، لو ترون ما أرى، من بين أحمر وأصفر، ومن كل لون - وفي الرحال ما فيها - إنه إذا أقيمت الصلاة، فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة، وزين الحور العين، وإِذا أقبل أحدكم على القتال بوجهه، زينته الحور العين، وانطلقن يقلن: اللهم ثبته، اللهم انصره، فإِذا أدبر، احتجبن عنه، وقلن: اللهم عليه فانهلوا من دماء القوم فداكم أبي وأمي، فإِن أول قطرة تقطر من دمائكم، يحط الله بها عنكم خطاياكم، كما يحط ورق الشجر عن الغصن، وتبتدره اثنتان من الحور العين، ويمسحان التراب عن وجهه، ويقولان: نحن لك فداء، ويقول هو: أنا لكما فداء، فيكسي مائة حلة، لو وضعت بين إصبعي هاتين لوسعتاهن، ليست من نسج بني آدم، ولكنها من ثياب الجنة، إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم، وسيماكم، ونجواكم، وحلالكم، وحرامكم، ومجالسكم، فإِذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان هذا نورك، يا فلان هذا نورك، يا فلان لا نور لك، وإن لجهنم ساحلاً كساحلا البحر، فيه هوام وحيات، كالبخاتي البزل، فإِذا سأل أهل النار التخفيف قيل: اخرجوا إلى الساحل، فتأخذهم تلك الهوام بشفاههم، وجنوبهم، وبما شاء من ذلك، فيسلطها عليهم، فيرجعون فيتأدون إلى معظم النار، ويسلط عليهم الجرب، حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم، فيقال: يا فلان: هل يؤذيك هذا؟ فيقول: نعم، فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين.
وقال الترمذي: بإِسناده عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاثاً، قالت النار: اللهم أجره من النار " .
رحمة الله قريب ممن يستجير به مخلصاً من حر النار وزمهريرها
وروى البيهقي: عن أبي سعيد، عن أبي حجيرة، والأكثر عن أبي هريرة، أن أحدهما حدثه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم حار، ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء، وأهل الأرض، فإِذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم؟ اللهم أجرني من حر نار جهنم. قال الله لجهنم: إن عبداً من عبادي قد استجار بي منك، وإني أشهدك أني قد أجرته، وإذا كان يوم شديد البرد، ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء، وأهل الأرض، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم؟ اللهم أجرني من برد زمهرير جهنم، قال الله لجهنم: إن عبداً من عباديَ قد استجار بي من زمهريرك، وإني أشهدك أني قد أجرته " . قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: " حيث يلقي الله الكافر، فيتميز من شدة بردها بعضه من بعض " .
فصل
دركات جهنم
نستعيذ بالله من عذابهاقال القرطبي: قال العلماء: " أعلى الدركات جهنم، وهي مختصة بالعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي التي تخلي من أهلها فتصفق الرياح أبوابها، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية " .
وقال الضحاك: في الدرك الأعلى المحمديون، وفي الثاني النصارى، وفي الثالث اليهود، وفي الرابع الصابئون، وفي الخامس، المجوس، وفي السادس مشركو العرب، وفي السابع المنافقون قلت: هذه المراتب وتخصيصها بهؤلاء، مما يحتاج إثباته إلى سند صحيح إلى المعصوم الذي: " وَمَا يَنْطِقُ عَن الْهَوَى إن هوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عًلّمَهُ شدِيدُ الْقوَى " .
ومعلوم أن هؤلاء كلهم يدخلون النار، ولكن كونه على هذه الصفة والترتيب الله أعلم بذلك...
فأما المنافقون: ففي الدرك الأسفل من النار بنص القرآن لا محالة.
قال القرطبي: " ومن هذه الأسماء ما هو علم للنار كلها لجملتها، نحو جهنم، وسعير، ولظى، فهذه أعلام، وليست لباب دون باب " . وصدق فيما قال، رضي الله عنه.
ذكر بعض أفاعي جهنم والعياذ بالله تعالىوقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرني عمرو، بأن دراجاً أبا السمح حدثه: أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في النار لحيات، أمثال أعناق البخت، يلسعن أحدهم اللسعة، فيجد حموها أربعين خريفاً " .

وقال الطبراني: حدثنا أبو يزيد القراطيسي، حدثنا أسد بن موسى حدثنا إسماعيل بنِ عباس، عن الربيع، عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى: " زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فوْقَ الْعَذَابِ " .
فقال: عقارب أمثال النحل الطوال تنهشهم في جهنم.
وقد رواه الثوري: عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا شجاع بن أشرس، حدثنا إسماعيل بن عباس، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب الأحبار قال: " حيات جهنم أمثال الأودية، وعقاربها كأمثال القلاع، وإن لها أذناباً كأمثال الرماح، يلقى أحدها الكافر، فيلسعه، فيتناثر لحمه على قدميه " .
ذكر بكَاء أهل النار فيها
أجارنا اللّه عَزّ وَجَلّ مِنها
قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خراش، حدثنا محمد بن حمير، عن ابن المبارك، عن عمران بن زيد، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا أيها الناس: ابكوا، فإِن لم تبكوا فتباكوا، فإِن أهل النار يبكون في النار، حتى تسيل دموعهم في وجوههم، كأنها جداول، وحتى تنقطع الدموع، فتقرح العيون، فلو أن سفناً أرسلت فيها لجرت " .
ورواه ابن ماجه: من حدبث الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس به نحوه، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني محمد بن العباس، حدثنا حماد الحريري، عن زيد بن رفيع، رفعه: قال: " أهل النار إذا دخلوا النار، بكوا الدموع زماناً، ثم بكوا القبح زماناً " .
فيقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء: تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ قال: فيرفعون أصواتهم. يا أهل الجنة: يا معشر الآباء والأمهات، والأولاد: خرجنا من القبور عطاشاً، وكنا طول الموقف عطاشاً، ونحن اليوم عطاش، فأفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله، قال فيودعون أربعين سنة، لا يجيبهم أحد، ثم يجابون: إنكم ماكثون. قال: فييأسون من كل خير.
قوله تعالى: " تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحونَ " .
قال الإِمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، هو ابن المبارك، أخبرنا سعيد بن يزيد أبو شجاع، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: " وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ " . ثم قال: " تشويه النار، فتتقلص شفته العليا وسط رأسه، وتسترخي شفته الدنيا، حتى تبلغ سرته " .
ورواه الترمذي: عن سويد، عن المبارك به، وقال: حسن صحيح غريب، وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الفزار: حدثنا الخضر بن علي بن يوسف القطان: حدثنا عم الحارث بن الخضر القطان، حدثنا سعيد بن سعد المقري، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: " تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ " .
قال: " تلفحهم لفحة، فتسيل لحومهم على أعقابهم " .
أحاديث شتى في صفة النار وأهلهاقال: أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبو الشعثاء، عن أبي الحسن الواسطي، حدثنا خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى قالوا: فما أغنى عنكم الإِسلام، وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا؟ فأمرِ بمن كان في النار من أهل القبلة، فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار: " قَالُوا يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ فنَخْرُج كَمَا خَرَجُوا " .
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وقرآن مُبِين ربَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانوا مُسْلِمِينَ " .

وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا إسحاق بن راهويه، قال: قلت لأبي أمامة: أحدثكم أبو روق عطية بن الحارث، حدثني صالح بن أبي طريف، سألت أبا سعيد الخدري، قلت له هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: " رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسْلِمِينَ " .
قال: نعم: سمعته يقول: " يخرج الله أناساً من النار، ما يأخذ نقمته منهم " .
وقال: " لما أدخلهم الله النار مع المشركين، قال لهم المشركون: تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النار. فإِذا سمع الله ذلك منهم، أذن في الشفاعة لهم، فشفع الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، حتى يخرجوا بإِذن الله، فإِذا رأى المشركون ذلك، قالوا: ليتنا كنا مثلهم، لتدركنا الشفاعة، فنخرج معهم " .
قال فذلك قول الله تعالى: " رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ " .
فيسمون في الجنة الجهنميين، من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم، فيغتسلون في نهر الجنة، فيذهب ذلك الاسم عنهم " . فأقر به أبو أسامة وقال: نعم...
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن العباس - هو الأخزم، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا صالح بن إسحاق، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا معروف بن واصل، عن يعقوب بن أبي نباتة، عن عبد الرحمن الأغر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ناساً من أَهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلا الله، وأنتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم فيخرجهم، فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حُرَقِهِمْ كما يبرأ القمر من كسوفه فيدخلون الجنة، ويسمون فيها الجهنميين " .
فقال رجل: يا أنس: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ فقال أنس: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهبذ. قال الطبراني: لم يروه عن معروف بن واصل، إلا صالح بن إسحاق.
أَثر غَريب وسِيَاق عَجِيب
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عبد الرحمن القرشي، حدثنا طلحة بن سنان، حدثنا عبد الملك بن أبي، عن الشعبي، عن أبي هريرة، قال: " يؤتى بجهنم يوم القيامة، تقاد بسبعين ألف زمام، آخذاً بكل زمام سبعون ألف ملك، وهي تمايل عليهم، حتى يوقف عن يمين العرش، ويلقي الله عليها الذل يومئذ فيوحي الله إليها، ما هذا الذل؟ فتقول: يا رب: أخاف أن تكون لك في نقمة، فيوحي الله إليها: إنما خلقتك نقمة، وليس لي فيك نقمة، فيوحي الله إليها، فتزفر زفرة لا تبقى دمعة في عين إلا جرت، قال: ثم تزفر أخرى، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا صعق، إلا نبيكم، نبي الرحمة، يقول: يا رب، أمتي أمتي " .
أثر آخر من أغرب الأخبار:وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البغداري، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة، حدثنا مسلم الخواص، عن فرات بن السائب، عن زاذان، قال: سمعت كعب الأحبار يقول: " إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرون في صعيد واحد، فنزلت الملائكة، فصاروا صفوفاً، فيقال: يا جبريل ائتني بجهنم، فيأتي بها جبريل، تقاد بسبعين ألف زمام، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام، زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانياً، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جثا على ركبتيه، ثم زفرت الثالثة، فبلغت القلوب الحناجر، وذهلت العقول، فيفزع كل امرىء الى عمله، حتى إبراهيم الخليل، يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي، وإن عيسى ليقول: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي. لا أسألك لمريم التي ولدتني، أما محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: لا أسألك اليوم نفسي، إنما أسألك أمتي. قال: فيجيبه الجليل: أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فوعزتي وجلالي لأقرن عينك في أمتك.

قال: ثم تقف الملائكة بين يدي الله عز وجل، ينظرون ما يؤمرون به، فيقول لهم الرب تعالى وتقدس: معاشر الزبانية: انطلقوا بالمصرين من أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى النار، فقد اشتد غضبي بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي، وانتهاكهم حرمتي، يستخفون من الناس، ويبارزوني، مع كرامتي لهم، وتفضيلي إياهم على الأمم، لم يعرفوا فضلي، وعظم نعمتي، فعندها تأخذ الزبانية بلحى الرجال، وذوائب النساء، فينطلق بهم إلى النار، وما من عبد يساق إلى النار من غير هذه الأمة إلا مسوداً وجهه، وقد وضعت الأنكال في قدمه، والأغلال في عنقه، إلا ما كان من هذه الأمة، فإنهم يساقون بأوانهم، فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء أي أمة أنتم؟ فما ورد على أحسن وجوهاً منكم، فيقولون: يا مالك: نحن أمة القرآن، فيقول لهم: معاشر الأشقياء: أو ليس القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء، وامحمداه. يا محمد اشفع لمن أمر به إلى النار من أمتك. قال: فينادي مالك: يا مالك؟ من أمرك بمعاتبة الأشقياء ومحاكمتهم والتوقف عن إدخالهم العذاب؟ يا مالك: لا تسود وجوههم، فقد كانوا يسجدون لله رب العالمين، في دار الدنيا، يا مالك: لا تثقلهم بالأغلال، فقد كانوا يغتسلون من الجنابة، يا مالك: لا تقيدهم بالأنكال، فقد طافوا حول بيتي الحرام، يا مالك: لا تلبسهم القطران، فقد خلعوا ثيابهم للإِحرام، يا مالك: قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم، وبمقادير استحقاقهم، من الوالدة بولدها، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه إلى صدره، قال: فإذا انتقم الله منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم، فتح بينهم وبين المشركين باباً، وهم في الدرك الأعلى من النار، لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، يبكون، ويقولون: يا محمداه: ارحم من أمتك الأشقياء، واشفع لهم، فقد أكلت النار لحومهم، وعظامهم، ودماءهم، ثم ينادون: يا رباه: يا سيداه: ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا، وإن كان قد أساء، وأخطأ، وتعدى، فعندها يقول المشركون: ما أغنى عنكم إيمانكم بالله وبمحمد؟ فيغضب الله لذلك فيقول: يا جبريل: انطلق، فأخرج من في النار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيخرجهم ضبائر قد امتحشوا، فيلقيهم على نهر على باب الجنة، يقال له نهر الحياة، فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا، ثم يأمر الملائكة بإدخالهم عتقاء الرحمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك، فيتضرعون إلى الله أن يمحو عنهم تلك السمة، فيمحوها الله عنهم، فلا يعرفون بها بعد ذلك من بين أهل الجنة " . لبعض هذا الأثر شواهد من أحاديث أخر، والله تعالى أعلم.
وسيأتي بعد ذكر أحاديث الشفاعة، آخر من يخرج من النار، ويدخل الجنة، إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيمذكر الأَحاديث الواردة في شفاعة رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم القيامة و بيان أنواعها وتعْدَادِها
الشفاعة العظمىفالنوع الأول منها: شفاعته الأولى، وهي العظمى، الخاصة به، من بين سائر إخوانه من المؤمنين، والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم، حتى الخليل إبراهيم، وموسى الكليم، ويتوسل الناس إلى آدم. فمن بعده من المرسلين، فكل يحيد عندها، ويقول: لست بصاحبها، حتى ينتهي الأمر إلى سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً، فيقول: " أنا لها، أنا لها " فيذهب، فيشفع عند الله - عز وجل - في أن يأتي للفصل بين عباده، ويريحهم من مقامهم ذلك، ويميز بين مؤمنهم وكافرهم بمجازاة المؤمنين بالجنة، والكافرين بالنار، وقد ذكرنا ذلك عند تفسير سورة سبحان: " وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ ربُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً " .
وقد قدمنا الأحاديث الدالة على هذا المقام، بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة.
ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله أجمعين

وثبت في الصحيحين: من طريق هشام، عن سيار، عن يزيد، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة " .
وقد رواه أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن سعيد، عن واصل، عن مجاهد، عن أبي ذر.
فقوله: وأعطيت الشفاعة، يعني بذلك الشفاعة العظمى، وهي الأولى، التي يشفع فيها عند الله عز وجل، ليأتي لفصل القضاء، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم، حتى الخليل إبراهيم، وموسى الكليم، وسائر النبيين، والمرسلين، والمؤمنين، ويعترف بها الأولون، والآخرون، فهذه هي الشفاعة التي اختص بها دون غيره، فأما الشفاعة في العصاة، فكما ثبتت لغيره من الأنبياء، وكذلك ثبتت للملائكة وسائر النبيين كما سيأتي بيانه، فيما نورده من الأحاديث الصحيحة، إن شاء الله تعالى.
وقال الأوزاعي: عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع " .
وكذلك رواه البيهقي، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع ومشفع، وبيدي لواء الحمد، حتى آدم، فمن دونه " .
وفي صحيح مسلم: من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن ربي أرسل إلي: أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه: يا رب: هون على أمتي، فرد عليَّ الثانية: أن أقرأه على حرف، قال: قلت: يا رب: هون على أمتي، فرّد عليَّ الثالثة: أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، وأخرجت الثانية إلى يوم يرغبَ إليّ فيه الخلق حتى إبراهيم " .
النوع الثاني والثالث من الشفاعة، شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار، أن لا يدخلوا.
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه الأهوال: حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا أبو عبيدة الحداد، حدثنا محمد بن ثابت البناني، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينصب للأنبياء يوم القيامة منابر من ذهب، فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري، لا أجلس عليه، قائماً بين يدي الله عز وجل، منتصباً بأمتي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة، ويبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب: أمتي، فيقول الله: يا محمد: وما تريد أن أصنع بأمتك؟ فأقول: يا رب: عجل حسابهم، فيدعو بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله تعالى، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، وما أزل أشفع، حتى أعطى صكاكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، حتى إن مالكاً خازن جهنم ليقول: يا محمد: ما تركت لغضب ربك على أمتك من نقمة " .
وحدثنا إسماعيل بن عبيد بن عمير بن أبي كريبة، حدثني محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر الناس عراة، فيجتمعون شاخصة أبصارهم إلى السماء، يبصرون فصل القضاء، قياماً أربعين سنة، فينزل الله عز وجل من العرش إلى الكرسي فيكون أول من يدعى إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، فيكسى قبطيتين من الجنة، ثم يقول الله عز وجل: ادعوا إلى النبي الأمي محمداً، قال: فأقوم، فأكسى حلة من ثياب الجنة. قال: ويفجر لي الحوض، وعرضه كما بين أيلة إلى الكعبة. قال: فأشرب، وأغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق من العطش، ثم أقوم عن يمين الكرسي، ليس أحد قائم ذلك المقام غيري، ثم يقال: سل تعطه، واشفع تشفع، فقال رجل: أترجو لوالديك شيئاً يا رسول الله؟ قال: إني لشافع لهما، أعطيت أو منعت، وما أرجو لهما شيئاً " .

ثم قال المنهال، حدثني عبد الله بن الحارث أيضاً أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمر بقوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار فيقولون: يا محمد: ننشدك الشفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق واستأذن على الرب عز وجل، فيؤذن لي، فأسجد، وأقول: رب: قوم من أمتي قد أمرت بهم الى النار، قال: فيقول: انطلق فأخرج من شاء الله أن تخرج، ثم ينادي الباقون يا محمد: ننشدك الشفاعة، فأرجع إلى الرب، فأستأذن، فيؤذن لي، فأسجد، فيقول: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع. فأقول فأثني على الله بثناء لم يثن عليه أحد، ثم أقول: قوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار، فيقول: انطلق فأخرج منهم من قال لا إله إلا الله، فأقول: ومن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان. قال: فيقول: يا محمد ليست تلك لك، تلك لي، قال: فأنطلق فأخرج من شاء الله أن أخرج قال: ويبقى قوم فيدخلون النار، فيعيرهم أهل النار، فيقولون: أنتم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به، وقد أدخلكم إلى النار قال: فيحزنون لذلك، قال: فيبعث الله ملكاً بكف من ماء، فينضح بها في النار، فلا يبقى أحد من أهل لا إله إلا الله، إلا وقعت في وجهه قطرة قال: فيعرفون بها، ويغبطهم أهل النار، ثم يخرجون، فيدخلون الجنة، فيقال لهم: انطلقوا، فيضيفون الناس، فلو أن جميعهم نزلوا برجل واحد، كان لهم عنده سعة، ويسمون المجردين " .
وهذا السياق يقتضي تعدد الشفاعة، فيمن أمر بهم إلى النار ثلاث مرات أن لا يدخلوها، ويكون معنى قوله: فأخرج: أنقذ: بدليل قوله بعد ذلك: ويبقى قوم فيدخلون النار، والله تعالى أعلم: النوع الرابع من الشفاعة، شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها، فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم، وقد وافقت المعتزلة على هذه الشفاعة خاصة، وقد خالفوا فيما عداها من المقامات مع تواتر الأحاديث فيها، على ما ستراه قريباً إن شاء تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان.
فأما دليل هذا النوع، فهو ما ثبت في الصحيحين، وغيرهما: من رواية أبي موسى الأشعري، لما أصيب عمه أبو عامر، في غزوة الأوطاس وأخبر أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه وقال: " اللهم اغفر لعبيد، أبي عامر، واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك " .
وهكذا حديث أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأبي سلمة بعدما توفي، فقال: " اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله، يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه " . وهو في صحيح مسلم.
من الشفاعة ما يدخل من شفع له الجنة بغير حساب ومنها ما يخفف عن المذنب من العذاب
وقد ذكر القاضي عياض، وغيره نوعاً آخر من الشفاعة، وهو الخامس، في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب، ولم أر لهذا شاهداً فيما علمت، ولم يذكر القاضي فيما رأيت مستند ذلك، ثم تذكرت حديث عكاشة بن محصن حين دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
والحديث مخرج في الصحيحين، كما تقدم، وهو يناسب هذا المقام.
وذكر أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: نوعاً آخر سادساً من الشفاعة، وهو شفاعته في عمه أبي طالب، أن يخفف عذابه...
واستشهد بحديث أبي سعيد في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أبو طالب فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه " .
ثم قال: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: " فَمَا تَنْفَعُهًمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ " .
قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع عصاة الموحدين، الذين يخرجون منها، ويدخلون الجنة.

النوع السابع من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لجميع المؤمنين قاطبة في أن يؤذن لهم في دخول الجنة: كما ثبت في صحيح مسلم: عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أول شافع في الجنة " . وقال في حديث الصور بعد ذكر مرور الناس على الصراط: " فإذا أفضى أهل الجنة إلى أبواب الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا، فندخل الجنة، فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ إنه خلقه الله بيده. ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسل الله، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، عليكم بموسى، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتون إِليَّ، ولي عند ربي عز وجل ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فأخذ بحلقة الباب، ثمِ أستفتح، فيفتح لي، فأحيي، ويرحب بي، فإذا دخلت فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجداً، فيأذن الله من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع يا محمد رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطه، فإذا رفعت رأسي، قال الله: - وهو أعلم - ما شأنك؟ فأقول: يا رب: وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي بعثني بالحق، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم، من أهل الجنة بأزواجهم ومسا كنهم " .
فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله عز وجل، واثنتين من بنات آدم، لهما فضل على من يشاء الله، بعبادتهما الله في الدنيا ثم ذكر بعد هذا الشفاعة في أهل الكبائر وهو النوع الثامن.
النوع الثامن من الشفاعة، شفاعته في أهل الكبائر من أمة محمد ممن دخل النار، فيخرجون منها وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث.
خفي علم الشفاعة على الخوارج والمعتزلة فأنكروها، وعاند بعضهم فرفضوا القول بها
وقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة، فخالفوا في ذلك، جهلاً منهم بصحة الأحاديث، وعناداً ممن علم ذلك، واستمر على بدعته، وهذه الشفاعة يشاركه فيها الملائكة، والنبيون، والمؤمنون أيضاً، وهذه الشفاعة تتكرر منه صلوات الله وسلامه عليه.
بَيَان طُرق الأحَاديث وألْفَاظِها ومن الأحاديث الْوَارِدة في شَفَاعَة المُؤمنين لأهَالِيهم
رواية أبي بن كعبقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن وضاح، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا خطيب الأنبياء يوم القيامة، وإمامهم، وصاحب شفاعتهم " .
رواية أنس بن مالك رضي الله عنهقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن سليمان، عن منصور بن أبي الأسود، عن ليث، عن الربيع، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، والكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على الله عز وجل، يطوف على ألف خادم، كأنهم بيض مكنون، أو كأنهم لؤلؤ منثور " .
ثم رواه عن خلف، عن هشام، عن جبير بن علي العري، عن ليث بن أبي سليم، عن عبيد الله بن زَحْر، عن الربيع بن أنس، عن أنس فذكره مرفوعاً كما تقدم.
طريق أخرى عنهقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا بسطام بن حرب، عن أشعث الحذاء، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .
وهكذا رواه أبو داود: عن سليمان، عن بسطام، عن أشعث بن عبد الله، عن جابر الحماني، عن أنس.
طريق أخرىقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو داود، حدثنا الخزرج بن عثمان، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .
ثم قال: لم يروه عن ثابت إلا الخزرج بن عثمان.
وهكذا روى أبو يعلي من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .


طريق أخرىقال الإِمام أحمد: حدثنا عارم، عن معتمر، سمعت أبي يحدث، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل نبي سأل سؤالاً أو قال: لكل نبي دعوة قد دعاها، فاستجيب له، وقد استجاب الله تعالى دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة " . أو كما قال.
ورواه البخاري تعليقاً فقال: وقال معتمر: عن أبيه، وأسنده مسلم، فرواه عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر، عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي، عن أنس به نحوه:
طريق أخرىقال ابن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس ابن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يزيد العجلي، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة، فأشفع لمن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، حتى لا يبقى أحد في قلبه من الإِيمان مثل هذا " وحرّك الإِبهام والمسبحة.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا بهز، وعفان، قالا: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي دعوة قد دعاها، واستجيب له، وإني قد خبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة " . على شرطيهما، ولم يخرجوه من حديث همام، وإنما أخرجه الشيخان من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الملك اليشكري، عن قتادة.
ثم رواه مسلم: من حديث سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون بذلك، أو يهمون لذك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله تعالى بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا عند ربك، ليريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي من ربه منها " بمثل حديث أبي عوانة وقال في الحديث: " ثم آتيه الرابعة، أو أعود الرابعة، فأقول: يا رب: ما بقي إلا من حبسه القرآن " .
طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يحبس المؤمنون يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبونا، خلقك الله تعالى بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، أكله من الشجرة، وقد نهي عنها، ولكن أتوا نوحاً، أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، قال: فيأتون نوحاً، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، بسؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناكم: ويذكر خطيئته التي أصاب، ثلاث كذبات، كذبهن، قوله " إِني سقيم " وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا " وأتى على الجبار النمرود ومعه امرأته فقال: أخبريه أني أخوك، فإِني مخبره أنك أختي، ولكن ائتوا موسى، عبداً كلمه اللّه تكليماً، وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي هي قتله الرجل، ولكن ائتوا عيسى، عبداً هو كلمة الله وروحه. قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمداً، عبداً غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فيأتون فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه فإِذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرجهم، فأدخلهم الجنة، قال: ثم استأذن على ربي الثانية، فيؤذن لي عليه، فإِذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفِع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأدخلهم الجنة، قال همام: وأيضاً سمعته يقول: فأخرجهم من النار، فأدخلهم الجنة قال: ثم استأذن على ربي الثالثة، فإِذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، فأرفع رأسي فأحمد ربي بثناء وتحميد يعلمينه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، قال همام: وسمعته يقول: فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة فما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود. ثم تلا قتادة: " عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبًّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً " .
قال هو المقام المحمود الذي وعد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه البخاري في كتاب التوحيد معلقاً فقال: وقال حجاج بن منهال، عن همام، فذكره بنحوه.
طرق آخر متعددةقال البخاري في كتاب التوحيد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا معبد بن هلال البغوي، قال: اجتمعنا مع ناس من البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهب معنا ثابت البناني، ليسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإِذا هو في منزله يصلي الضحى، فوقفنا حتى انتهى من صلاته، فاستأذناه، فأذن لنا، وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أولى من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة: هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاءوا يسألونك عن الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: " إِذا كان يوم القيامة، ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم. فيقولون: اشفع لنا إلى ر بك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإِبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى، فإِنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإِنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد، فيأتوني، فأقول: أنا لها، فأستأذن على ر بي، فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها، لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخِر له ساجداً، فيقال يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع لك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: يا رب: أمتي، فيقال: انطلق، فأخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق، فأفعل، ثم أعود، فأحمد الله بتلك المحامد، ثم آخر له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، واشفع تشفع وسل تعط، فأقول: يا رب: أمتي أمتي، فيقال، انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل " .

قال: فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابي لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثناه أنس بن مالك، فلم ير مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه: فحدثناه بالحديث، فانتيهنا إلى هذا الموضع، فقال: لم يرو على هذا، فقال: لقد حدثني بهذا الحديث منذ عشرين سنة، فما أدري أنسي أم كره أن تتكلموا؟ فقلنا: يا أبا سعيد: فحدثنا، فضحك، وقال: " وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجًولاً " .
ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم قال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم آخر له ساجداً، فيقال: يا محمد: ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب: ائذن لي فيمن قال: لا إِله إلا الله، فيقول: وعزتي، وكبريائي، وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله.
وهكذا رواه مسلم: عن أبي الربيع الزهراني، وسعيد بن منصور، كلاهما عن حماد بن زيد، به نحوه.
وقد رواه أحمد: عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث بطوله وقال: " فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي، قال: فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة، ثم يعود فيقال: مثقال ذرة " ولم يذكر الرابعة.
وهكذا رواه البزار: عن محمد بن بشار، ومحمد بن معمر، كلاهما عن حماد بن مسعدة، عن محمد بن عجلان، عن جونة بن عبيد المدني، عن أنس بن مالك، فذكر الحديث بطوله، وذكر فيه الشفاعة ثلاثاً، ثم قال: لم يرو عن جونة بن عبيد إلا ابن عجلان.
وهكذا رواه أبو يعلى: من حديث الأعمش، عن زيد الرقاشي، عن أنس فذكر الحديث بطوله، فذكر ثلاث شفاعات، وقال في آخرهن: فأقول: أمتي، فيقال: " لك من قال لا إله إلا الله مخلصاً " .
طريق أخرىقال البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عمرو بن مسعدة، عن عمران العمي، عن الحسن، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أزال أشفع وأشفع - أو قال: ويشفعني ربي عز وجل، حتى أقول: أي رب: شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله " . ثم قال: لا نعلمه يروي إلا بهذا الإِسناد. ورواه ابن أبي الدنيا: عن أبي حفص الصيرفي، عن حماد بن مسعدة به.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلم قال " إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط، إذ جاءني عيسى، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون، أو قال: يجتمعون إليك، لتدعو الله أن يفرق بين جميع الأمم، إلى حيث يشاء لهم، فيخرجهم مما هم فيه، والخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت، قال: فأقول: يا عيسى: انتظر حتى أرجع إليك، قال: فأذهب حتى أقوم تحت العرش، فألقي ما لم يلق نبي مصطفى، ولا نبي مرسل، فيوحي الله إلى جبريل: اذهب إلى محمد فقل: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، قال: فأشفع في أمتي، أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانَاً واحداً، قال: فما أزال أتردد على ربي، فلا أقوم بين يديه مقاماً إلا شفعت، حتى يعطيني الله عز وجل من ذلك أن يقول سبحانه وتعالى: يا محمد: أدخل من أمتك من شهد أن لا إله إلا الله، يوماً واحداً مخلصاً، ومات على ذلك " . تفرد به أحمد، وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإِسناد.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو يوسف العلوي: حدثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا حرب بن ميمون، حدثني النضر بن أنس، عن أنس، قال: " جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حضر من أمر العباد منا حضر، فقال: أستأذن إلى ربك، فسل لأمتك الشفاعة، قال: فدنوت من العرش، فقصت عند العرش، فلقيت ما لم يلق نبي، ولا ملك مقرب، فقال: سل تعطه، واشفع تشفع، فقلت: أمتي " . وذكر الحديث كنحو سياق الإِمام أحمد.
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن معبد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا أبو إسرائيل، عن الحارث ابن حصيرة، عن ابن أبي بريدة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إني لأرجو أن أشفع في عدد كل حجر ومدر لأمتي " .
رواية جابر بن عبد اللهقال الإِمام أحمد: حدثنا معمر، حدثنا عبد الله، حدثنا هشام، سمعت الحسن يذكر عن جابر بن

عبد الله، قال: قال رسول الله: " إن لكل نبي دعوة قد دعا بها، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة " .. تفرد به أحمد من هذا الوجه.
طريق أخرى: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة تكون لمن أوثق نفسه وأثقل ظهره:
قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أنبأنا محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، أخبرنا أبو نصر الغازي، حدثنا عبد الله بن حماد الأيلي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد، حدثنا زهر بن محمد، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي " .
فقلت: ما هذا يا جابر؟ قال: نعم يا محمد، إنه من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حساباً يسيراً، ثم يدخل الجنة، وإنما شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوثق نفسه وأعلق ظهره.
وقد رواه البيهقي أيضاً: عن الحاكم، عن أبي بكر محمد بن جعفر بن أحمد المزكي، عن محمد بن إبراهيم العبدي، عن يعقوب بن كعب الحلبي، عن الوليد بن مسلم، عن زهر بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا: " وَلاَ يَشْفَغونَ إِلاَّ لِمَن ارتَضَى وهمْ مِنْ خَشْيتهِ مشْفِقونَ " .
ثم قال صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . قال الحاكم: هذا حديث صحيح.
قال البيهقي: وظاهره يوجب أن تكون الشفاعة في أهل الكبائر، تختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالملائكة إنما يشفعون في أهل الصغائر، واستزادة الدرجات، وقد يكون المراد من الآية، بيان كون المشفوع فيه مرتضى بإِيمانه، وإن كانت له كبائر وذنوب، دون الشرك، فيكون المراد بالآية، نفي الشفاعة للكفار، لأن الله تعالى لم يأذن بها، ولم يرض اعتقاد جوازها.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا روح، حدثنا ابن جرير، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله: " لكل نبي دعوة مستجابة قد دعاها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . ورواه مسلم: عن محمد بن أحمد بن أبي خلف، عن روح بن عبادة.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا زهر، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " إذا ميز أهل الجنة، وأهل النار، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قامت الرسل، فشفعوا، فيقال: انطلقوا واذهبوا، فمن عرفتموه فأخرجوه، فيخرجونهم قد امتحشوا فيلقونهم في نهر - أو على نهر - يقال له نهر الحياة.
قال: فيسقط امتحاشهم على حافتي النهر، ويخرجون بيضاً، كالقوارير ثم يشفعون، فيقال: اذهبوا وانطلقوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة قيراط من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون سراعاً، ويشفعون، فيقال: اذهبوا وانطلقوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، ثم يقول الله: أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا، وأضعافه، فيكتب في رقابهم عتقاء الله، ثم يدخلون الجنة، فيسمون فيها الجهنميين " . تفرّد به أحمد.
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهقال أحمد: حدثنا إبراهيم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود الصنعاني، عن عبد الرحمن بن حسان، عن روح بن زنباع، عن عبادة بن الصامت، قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أصحابه، وكانوا إِذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالى اختار له أصحاباً غيرهم، فإِذا هم بخيال النبي صلى الله عليه وسلم فكبروا حين رأوه، وقالوا: يا رسول الله، أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحاباً غيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة، إن الله تعالى أيقظني، فقال: يا محمد، إني لم أبعث نبياً، ولا رسولاً إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه، فاسأل يا محمد تعطه، فقلت: مسألتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الشفاعة؟ قال: أقول: يا رب شفاعتي التي اختبأت لأمتي عندك، فيقول الرب تبارك وتعالى نعم، فيخرج الله بقية أمتي من النار فينبذهم في الجنة، تفرد به أحمد.
طريق أخرى

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، حدثني سعيد بن المهلب، قال: قال طلق بن حبيب: " كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها، فيها ذكر خلود أهل النار في النار، فقال لي: يا طلق: أتراك أقرأ لكتاب الله، وأعلم بسنة نبيه مني؟ قال: إن الذي قرأت هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً عذبوا بها، ثم أخرجوا من النار - ثم أومأ بيده إلى أذنيه - ثم قال: صمتا، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: " ونحن نقرأ الذي نقرأ " .
قال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن أبي نضرة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه لم يكن نبي إلا له دعوة، قد أنجزها في الدنيا، وإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر، بيدي لواء الحمد، ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي، ولا فخر، ويطول على الناس يوم القيامة، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فيشفع لنا إلى ربنا، ليقضي بيننا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم، إني قد أخرجت من الجنة بخطيئتي، وإني لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم الخليل، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات والله إن حاول بهن إلا الدفاع عن دين الله، قوله: " إني سقيم " وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " وقوله لامرأته حين أتى على على الملك: أختي، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا موسى، اصطفاه الله برسالته، وبكلامه، فيأتون موسى، فيقولون اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: لست هناكم، إني قتلت نفساً بغير نفس، وإنه لا يهني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا عيسى، روح اللّه وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون: اشفع لنا ربنا فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، إني اتخذت إلهاً من دون الله، وإنه لا يهمني إلا نفسي، ولكن أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم عليه، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفض الخاتم؟ قال، فيقولون: لا، قال: فيقول: إن محمداً خاتم النبيين، وقد حضر اليوم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتون، فيقولون: يا محمد، اشفع إلى ربك، فليقض بيننا، فأقول: أنا لها، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته. فنحن الآخرون الأولون، آخر الأمم، وأول من يحاسب، فتفرج لنا الأمم طريقاً، فنمضي غراً محجلين، من أثر الوضوء، فيقال: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها، فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة، الباب فأقرع الباب، فيقال من أنت؟ فأقول: أنا محمد، فيفتح، فأرى ربي عز وجل وهو على كرسيه، أو سريره - شك حماد - فأخرّ له ساجداً، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، وليس يحمده بها أحد بعدي، فيقال: يا محمد: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع لك، واشفع تشفع. قال: فأرفع رأسي، فأقول: أي رب، أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا - لم يحفظ حماد - ثم أعود فأسجد فأقول ما قلت، فيقول: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي رب. أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا. دون الأول، ثم أعود فأسجد وأقول مثل ذلك، فيقال لي: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع فأقول: أي رب، أمتي أمتي؟ فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون ذلك " .
وقد روى ابن ماجه بعضه: من رواية حماد بن سلمة، عن سعيد بن إياس الجوهري عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطنة، عن ابن عباس، به، وتقدم في الصنف الثاني والثالث من أنواع الشفاعة، في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها.
رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهماقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا " هنا بياض بالأصل إلى العنوان الآتي "
طريق أخرى

وقد روى الطبراني في معجمه الكبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .
طريق أخرىقال الإِمام أحمد: حدثنا معمر بن سليمان الرقي أبو عبد الله، حدثنا زياد بن خيثمة، عن علي بن النعمان بن قراد، عن رجل، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيرت بين الشفاعة، وبين أن يكون نصف أمتي في الجنة فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفأ، أترونها للمتقين؟ لا، ولكنها للمتأوبين الخطائين " قال زياد: أما إنها الحق، لكن هكذا الذي حدثنا.
ورواه ابن أبي الدنيا، عن الحسن بن عرفة، عن عبد السلام بن حرب، عن نعمان بن قراد، عن عبد الله، فذكره بنحوه.
هكذا رأيته في كتاب الأهوال، وكذا رواه البيهقي في البعث والنشور، من طريق الحسن بن عرفة.
رواية عبد الله بن عمرو بن العاصقال مسلم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسولط اللّه صلى الله عليه وسلم تلا قول الله حكاية لسان إبراهيم: " رَبِّ إِنَّهُنّ أَضْلَلْن كَثِيراً مِنَ النَّاس فَمَنْ تَبْعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحِيمٌ " .
وقول الله تعالى حكاية على لسان عيسى: " إِنْ تعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم " .
وقول الله تعالى حكاية على لسان نوح: " رَبِّ لاَ تذَرْ عَلَى الأَرْض مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً " .
فرفع يديه، وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فأخبر جبريل ربه بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل: اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
رواية عبد الله بن مسعودقد تقدمت رواية علقمة في الحوض والمقام المحمود وفيه ذكر الشفاعة.
رواية عبد الرحمن بن أبي عقيلقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو خالد يزيد الأسدي، حدثنا عون بن أبي جحيفة السوائي، حدثنا عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل، قال: " انطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وفد، فأتيناه، فأنخنا بالباب، - وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه - فلما خرجنا، خرجنا وما في الناس أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منهم: يا رسول الله: سألت ر بك كملك سليمان؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: فلعل قضاء حوائجكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعاها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها، وإن الله أعطاني دعوة، فاختبأتها عند ربي، شفاعة لأمتي يوم القيامة " . قلت: إسناد غريب، وحديث غريب.
رواية أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه: الشفعاء يوم القيامة هم الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء:
قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسحاق، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة القرشي، عن علاف بن أبي مسلم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء " .
وقال البزار: حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن علاف بن أبي مسلم، قال: ورايته في موضع آخر عندي، عن عبد الملك بن علاف، عن أبان عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم المؤمنون " .
قال البزار: وعنبسة هذا لين الحديث، وعبد الملك بن علاف لا يعلم من روى عنه غير عنبسة.
رواية علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه ورضي عنه

قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن زيد المداري، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حرب بن شريح البزار، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق، أحق هي؟ قال: شفاعة ماذا؟ قلت: شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: حق: إي والله: والله لقد حدثني عمي محمد بن علي بن الحنفية: عن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشفع لأمتي حتى يناديني ربي عز وجل فيقول: أرضيت يا محمد. فأقول: رب رضيت " . ثم قال: لا نعلمه يروى هذا، إلا بهذا الإسناد.
رواية عوف بن مالكقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش بن خلف بن هشام، قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني الليلة آت من ربي، فخبرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. قالوا: يا رسول الله: ننشدك الله والصحبة، لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: فإني أشهد من حضر، أن شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً من أمتي " .
وقد رواه يعقوب بن سفيان: عن يحيى بن صالح الوحاظي، عن جابر بن غانم، عن سليم بن عامر، عن معدي كرب بن عبد بلال، عن عوف بن مالك، قال: " أتاني جبريل عليه السلام، من قبل ربي، فخيرني بين خصلتين، أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة " .
وقد رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم بن بحر بن نصر، عن بشر بن بكر، عن أبي جابر، عن سليم بن عامر، سمعت عوف بن مالك: فذكر الحديث وفيه: ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، يرد الحديث إلى عوف بن مالك.
رواية كعب بن عجرةقال البيهقي: أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أخبرنا محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن واصل مولى أبي عيينة، عن أبي عبد الرحمن، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال: قلت: يا رسول الله: الشفاعة الشفاعة، فقال: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .
رواية أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه
قال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثني النضر بن شميل المازني، حدثنا أبو نعامة، حدثنا أبو هنيدة البراء بن نوفل، عن وألان العدوي عن حذيفة، عن أبي بكر الصديق قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فصلّى الغداة، ثم جلس، حتى إذا كان من الضحاة ضحك، ثم جلس مكانه، حتى صلَّى الأولى، والعصر، والمغرب، كل ذلك لا يتكلم، حتى صلّى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله، فقال الناس لأبي بكر الصديق: ألا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه. صنع اليوم شيئاً لم يصنعه قط، فسأله، فقال: " نعم: عرض عليَّ ما هو كائن من أمر الدنيا، وأمر الآخرة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فقطع الناس كذلك، حتى انطلقوا إلى آدم، والعرق يلجمهم، فقالوا: يا آدم: أنت أبو البشر، أنت اصطفاك الله، اشفع لنا إلى ربك، فقال: قد لقيت مثل الذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح عليه السلام: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ ونوحاً وآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ " .

قال: فينطلقون إلى نوح عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت الذي اصطفاك اللّه، واستجاب لك في دعائك، ولم يدعِ أحد من الأنبياء بمثل دعوتك. فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم، فإن الله اتخذه خليلاً، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى موسى، فإن الله كلمه تكليماً، فيقول موسى: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى سيد ولد آدم، فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمد، فيشفعِ لكم إلى ربكم، قال: فينطلقون، فيأتون إليّ، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول الله. ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع: قال: فأرفع رأسي، فإذا نظر إليّ ربي عز وجل، خررت ساجداً قدر جمعة أخرى، فيقول اللّه: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع. قال: فأرفع رأسي، فإذا نظر إليَّ ربي عز وجل، خررت ساجداً قدر جمعة أخرى، فيقول الله: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع. قال: فأذهب لأقع ساجداً، فيأخذ جبريل بضبعي ويفتح عليَّ من الدعاء شيء لم يفتحه على بشر قط، فأقول: أي رب: خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، ولا فخر، حتى إنه ليرد عليّ الحوض من أمتي أكثر مما بين صنعاء وأيلة، ثم يقال: ادعوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال: فيجيء النبي ومعه العصابة، والنبي ومعه الخمسة، والستة، والنبي ليس معه أحد ثم يقال: ادعوا الشهداء، فيشفعون فيمن أرادوا، قال: فإذا فعلت الشهداء ذلك، يقول الله: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بالله شيئاً، قال: فيدخلون الجنة، ثم يقول الله: انظروا إلى النار، هل تلقون من أحد عمل خيراً قط؟ قال: فيجدون في النار رجَلاً، فيقال له: هل عملت خيراً قط. فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع، فيقول الله: أسمحوا إلى لعبدي، كإسماحه إلى عبادي، ثم يخرجون من النار رجلاً، فيقال له: هل عملت خيراً قط؟ فيقول: لا غير أني قد أمرت ولدي فقلت لهم: إذا مت فأحرقوني في النار، ثم اطحنوني، حتى إذا صرت مثل الكحل، فأذهبوا بي إلى البحر، فذروني في الريح، فوالله لا يقدر عليَّ رب العالمين أبداً، فيقول الله له: لم فعلت ذلك. فيقول: من مخافتك، قال: فيقول الله: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإن لك مثله وعشرة أمثاله. قال: فيقول: لم تسخر مني وأنت الملك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذاك الذي ضحكت منه من الضحى " .
وقد تكلمنا على هذا الحديث في آخر مسند الصديق بكلام طويل.
رواية أبي سعيد الخدريقال الإِمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المغيرة، عن معيقب، عن سليمان بن عمرو بن عبد العتواري قال أحمد: - وهو أبو الهيثم - قال. حدثني ليث - وكان في حجر أبي سعيد الخدري قال: سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: " يوضع الصراط بين ظهري جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مسلم، ومجروح به ناج، ومحتبس فمكدوس فيها، فإذا فرغ اللّه من القضاء بين العباد، تفقد المؤمنون رجالاً، كانوا معهم في الدنيا، يصلون كصلاتهم، ويزكون كزكاتهم، ويصومون كصيامهم، ويحجون كحجهم، ويغزون كغزوهم، فيقولون: أي ربنا، عباد من عبادك، كانوا معنا، يصلون في الدنيا صلاتنا، ويزكون زكاتنا ويصومون صيامنا، و يحجون حجنا، و يغزون غزونا، لا نراهم؟ فيقول: اذهبوا إلى النار، فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوهم. قال: فيجدونهم، وقد أخذتهم النار على قدر أعمالهم، فمنهم من أخذته قدميه ومنهم من أخذته الى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أخذته إلى أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه، ولم تغش الوجوه، فيستخرجونهم منها، فيطرحونهم في ماء الحياة، قيل: يا رسول الله: وما ماء الحياة. قال: غسل أهل الجنة، فينبتون نبات المزرعة، وقال: مرة تنبت المرزعة في غثاء السيل، ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله، مخلصاً، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتجلى الله برحمته على من فيها، فلا يترك فيها عبداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان، إلا أخرجه الله منها " . تفرّد به أحمد.
ورواه ابن أبي الدنيا: من حديث إسحاق به، قال: موضع الصراط جهنم، قال محمد: لا أعلمه

إلا كحد السيف، وذكر تمام الحديث.
قال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن سليمان، - يعني التيمي - ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهل النار الذي هم أهلها، لا يموتون، ولا يحيون، وأما من يريد الله بهم الرحمة فإنه يميتهم في النار، ثم يدخل ضبارة فيهم، فيبثهم أو قال: فيبثون على نهر الحياة، أو قال: نهر الجنة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترون الشجرة تكون خضراء، ثم تكون صفراء، ثم تكون خضراء. قال فقال بعضهم: كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " .
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا إسماعيل بن سعيد بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها، ولا يحيون، ولكن هم أناس أو كما قال: يصلون النار بذنوبهم - أو قال: بخطيئاتهم - فتميتهم إماتة، حتى إذا صاروا فحماً أذن الله في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، فيقول: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل. فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " . وهذا إسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وهو صحيح من هذا الوجه.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عثمان بن عاد، حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: لايعرض الناس على جسر جهنم، عليه كلاليب، وحسك، وخطاطيف تخطف الناس، قال: فيمر ناس مثل البرق، وآخرون مثل الريح، وآخرون مثل الفرس المجري، وآخرون يزحفون زحفاً، فأما أهل النار، فلا يموتون ولا يحيون، وأما أهل الذنوب فيؤخذون بذنوبهم، فيحرقون، فيكونون فحماً، ثم يأذن الله في الشفاعة، فيؤخذون ضبارات ضبارات، فيقذفون على نهر، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فيخرج أدنى رجل من النار، فيكوق على شفتها، فيقول: يا رب اصرف وجهي عنها، قال: فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسلك غيرها، فيصرف وجهه عنها، قال: فيرى شجرة فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها، وآكل من ثمرها. قال، فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها؟ فيقول: وعهدي وذمتي لا أسألك غيرها، فيدنيه منها، قال: فيرى شجرة أخرى أحسن منها، قال: فيقول: يا رب حولني إلى هذه الشجرة، أستظل بظلها، وآكل من ثمرها. قال: فيقول: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسألك غيرها، فيحوله إليها، قال: فيرى الثالثة، فيقول: رب حولني إلى هذه الشجرة، أستظل بظلها وآكل من ثمرها قال: فيقو ل: وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها. فيقول: وعهدي وذمتي لا أسلك غيرها، فيحوله، قال: فيرى سواد الناس، ويسمع أصواتهم، فيقول: يا رب أدخلني الجنة " .
قال أبو سعيد: ورجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفا، فقال أحدهما: " فيدخل الجنة ويعطى الدنيا ومثلها " .
وقال الآخر: " فيدخل الجنة ويعطى الدنيا وعشرة أمثالها " .
وقد رواه النسائي، من حديث عثمان بن غياث، به نحوه.
رواية أبي هريرةقال الإِمام أحمد: حدثنا سليمان - يعني ابن داود - حدثنا إسماعيل، حدثنا عمرو بن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: " من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة. فقال النبي : " لقد ظننت يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله خالصة من نفسه " . هذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه من هذا الوجه.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، ويعلى بن عبيد، قالا: حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي، نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً " .
قال - يعني شفاعته - ورواه مسلم: من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير، عن الأعمش به.
طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا هاشم، والخزاعي - يعني أبا سلمة - قالا: حدثنا ليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سالم بن أبي سالم، عن معاوية بن معتب الهذلي، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا أراد إليك ربك في الشفاعة؟ فقال: والذي نفس محمد بيده، لقد ظنت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت من حرصك على العلم، والذي نفس محمد بيده، لما يهمني من وقوفهم على أبواب الجنة، أهم عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله، مخلصاً، فصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
طريق أخرىقال أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مالك، حدثنا إسحاق، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة " .
قال إسحاق: فأردت أن أختبىء " . وقد رواه البخاري: من حديث مالك به.
طريق أخرىقال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب، حدثني يونس، عن ابن شهاب، أن عمرو بن أبي سفيان بن أبي أسيد بن حارثة الثقفي أخبره: أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي دعوة يدعو بها، فأنا أريد - إن شاء الله - أن أختبىء دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة " .
قال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نعم " . تفرَّد به مسلم.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني القاسم بن محمد، قال: اجتمع أبو هريرة، وكعب، فجعل أبو هريرة يحدث كعباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكعب يحدث أبا هريرة عن الكتب، قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " .
انفرد به أحمد وإسناده صحيح، على شرطهما، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا يحيى عن شعبة ومحمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال غندر في حديثه. قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل نبي دعوة دعا بها، وإني أريد أن أدخر دعوتي إن شاء الله شفاعة لأمتي يوم القيامة، قال ابن جعفر: في أمتي " . وقد رواه مسلم من حديث شعبة به.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي دعوة تستجاب له، فأريد إن شاء الله أن أدخردعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . وهذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجوه.
طريق أخرىقال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن عمارة، وهو ابن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، فيستجاب له، فيؤتاها، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " . انفرد به مسلم.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا أبو أويس قال: قال الزهري: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي دعوة، وأريد إن شاء الله أن أختبىء دعوتي ليوم القيامة شفاعة لأمتي " .
تفرد به أيضاً من هذا الوجه، ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري وقد رواه البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة، ومسلم من طريق مالك، كلاهما عن الزهري به.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا داود الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْموداً " .
قال: هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه.
ورواه الترمذي عن أبي كريب، عن وكيع، عن داود، وقال: حسن.
طريق أخرىقال أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ابن جريج، حدثني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبي

دارة مولى عثمان، قال: " إنا بالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، قال: فتدارك الناس عليه، فقالوا: إيه يرحمك الله. قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر لكل عبد لقيك، يؤمن بك، لا يشرك بك " . تفرَّد به أحمد من هذا الوجه.
رواية أم حبيبةقال البيهقي: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو داود الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا شعيب، عن الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أرأيت ما تلقى أمتي من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، سبق ذلك من الله، كما سبق في الأمم قبلهم، فسألت الله أن يوليني منهم شفاعة، ففعل " . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
ذكر شفاعة المؤمنين لأهاليهمتقدم حديث أبي هريرة، عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم المؤمنون " .
رواه البزار، وابن ماجة، ولفظه: " يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء " .
فأما ما أورده القرطبي في التذكرة من طريق أبي عمرو السماك، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان، أخبرنا على عاصم، حدثنا خالد الخزاعي، عن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، قال: قال ابن مسعود: " يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى ثم نبيكم، ثم الملائكة، ثم الصديقون، ثم الشهداء " .
وقد رواه أبوداود الطيالسي، عن أبي سلمة بن كهيل، عن أبيه به، وزاد أبو داود في روايته: " لا يشفع بعده أكبر منه " وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: " عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً " .
فإِنه حديث غريب جداً، ويحيى بن سلمة بن كهيل ضعيف، وفي الصحيح: من طريق عطاء بن يسار، عنِ أبي سعيد، مرفوعاً: " إِذَا أخلصَ المؤمِنونَ من الصراط، وراوا أَنهم قد نَجوا، فما أَنتُم بِأَشدَّ منهم شِدَّةَ في الحق، بعدما تبين منهم لربهم في إِخوانهم الذين في النار، يقولون: يا ربنا: إِخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويقرأون معنا، فيقول الله: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأَخرجوه من النار " . قال أبو سعيد: اقرأوا إن شئتم. " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً " .
قال: فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، فيقولون: هؤلاء عتقاء الله، أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ر بنا، أي شيء أفضل من هذا؟ أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقال لهم: عندي أفضل من هذا، فيقولون: ربنا: أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضائي، فلا أسخط عليكم أبداً.
يشفع المؤمنون يوم القيامة، إلا اللعانين، فلا شفاعة لهموفي حديث إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكر دخول الجنة: " ثم أقول: يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي، فيقول: نعم. أخرجوا من النار من كان في قلبه ثلثي دينار، نصف دينار، ثلث دينار، ربع دينار حتْى بلغ قيراطين. أخرجوا من لم يعمل خيراً قط. قال: ثم يؤذن في الشفاعة، فلا يبقى أحد إلا شفع، إلا اللعان، فإنه لا يشفع، حتى إن إبليس ليتطاول يومئذ في النار، رجاء أن يشفع له، مما يرى من رحمة الله، حتى إذا لم يبق أحد إلا شفع، قال: بقيت أنا أرحم الراحمين، فيخرج منها ما لا يحصى عدتهم غيره، كأنهم الخشب المحترقة، فيطرحون على شط نهر على باب الجنة، يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل " رواه ابن أبي الدنيا...

وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا يوسف بن خالد، هو السمني، عن الأعمش، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يعرض أهل النار صفوفاً، فيمر بهم المؤمنون، فيرى الرجل من أهل النار الرجل من المؤمنين قد عرفه في الدنيا فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم استعنتني على حاجة كذا؟ ويقول: أما تذكر يوم أعطيتك قال، أراه قال: كذا وكذا - ؟ فيذكر ذلك المؤمن، فيعرفه، فيشفع له إلى ربه، فيشفعه فيه " في إسناده ضعف.
طريق أخرى عن أنسقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمر، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا لأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يصف الناس يوم القيامة صفوفاً، وقال ابن نمير: أهل الجنة فيمر الرجل من أهل النار على الرجل، فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم استسقيتني فسقيتك شربة؟ قال: فيشفع له، ويمر الرجل على الرجل، فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول: أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له " . ورواه الطحاوي بلفظ آخر قريب من هذا المعنى.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن عبد الله بن موسى، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: يا رب: إن فلاناً سقاني شربة من ماء في الدنيا، فشفعني فيه، فيقول الله. اذهب فأخرجه من النار، فيتحسس، يخرجه منها " . وهذا مرسل من مرسلات الحسن الحسان.
ومن الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين لأهاليهمحكى بعضهم عن زبور داود عليه السلام: أنه مكتوب فيه: يقول الله: " إن عبادي الزاهدين، أقول لهم يوم القيامة: عبادي: إني لم أزوِ عنكم الدنيا لهوانكم عليَّ، ولكن أردت أن تستوفوا نصيبكم موفوراً اليوم، فتخللوا الصفوف، فمن أحببتموه في الدنيا، أو قضى لكم حاجه، أو رد عنكم غيبة، أو أطعمكم لقمة ابتغاء وجهي، وطلب مرضاتي، فخذوا بيده، وأدخلوه الجنة " .
وروى الترمذي، والبيهقي: من طريق مالك بن مغول، عن عطية، عن أبي سعيد، قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أمتي لرجالاً يشفع الرجل منهم في الفئام من الناس، فيدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل للقبيلة، فيدخلون الجنة بشفاعته، ويشفع الرجل منهم للرجل وأهله، فيدخلون الجنة بشفاعته " . وروى البزار: بسنده، مرفوعاً. " إن الرجل ليشفع للاثنين والثلاثة " .
وله من حديث سفيان الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقال للرجل: قم يا فلان: واشفع، فيقول الرجل، فيشفع للقبيلة، ولأهل البيت، وللرجل، والرجلين، على قدرعمله " .
ومن حديث الحسين بن واقد: عن أبي غالب، أن أبا ثمامة حدثه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من عدد مضر، ويشفع الرجل في أهل بيته، ويشفع على قدرعمله " .
وروي عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن عبد الرحمن أو عبد الله بن أبي ميسرة، عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس مثل الحسين أو مثل الحسن، مثل ربيعة ومضر، فقال رجل: يا رسول الله، وما ربيعة من مضر؟ قال: إنما أقول ما أقول " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم، قلنا: سواك يا رسول الله؟: قال: سواي " .
قلت: أنت سمعته؟ قال: نعم، فلما قام، قلت: من هذا؟: قالوا ابن أبي الجدعاء.
ثم رواه أحمد: عن غندر عن شعبة، وعن عفان، عن وهب، كلاهما عن خالد الحذاء، به ونحوه. ورواه أبو عمر بن السماك، عن يحيى بن جعفر، عن سنان، عن جرير بن عثمان، عن عبد الله بن ميسرة، وحبيب بن عدي الرحبي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين، ربيعة ومضر " .
قيل يا رسول الله: وما ربيعة ومضر؟ قال: " إنما أقول ما أقول " . قال: فكان الصحابة يرون أن

ذلك الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان الثوري، عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق العقيلي، فقال: جلست إلى نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عبد الله بن أبي الجدعاء، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم " . قالوا: سواك يا رسول الله؟ قال: سواي، قال الفريابي: يقال إنه عثمان بن عفان رضي الله عنه...
رواه الترمذي، والبيهقي، وابن ماجه، وغيرهم: من طرق متعددة، عن خالد الحذاء، به. وقال الترمذي: حسن صحيح، وليس لابن أبي الجدعاء حديث سواه.
وله من حديث أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عبد الله بن قيس الأسدي، عن الحارث بن قيس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي من سيعظم للنار حتى يكون أحد زواياها " وكذا رواه أحمد وابن ماجة، من غير وجه عن داود بن أبي هند، وفي لفظ لأحمد: " إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون ركناً من أركانها " .
وروى البيهقي من حديث أبي بكر بن عياش، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، قال هشام: أخبرني حوشب، عن الحسن: أنه أويس القرني، قال أبو بكر بن عياش: قلت لرجل من قومه: أويس بأي شيء يبلغ هذا؟ قال: فضل الله يؤتيه من يشاء " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا سليمان العصري، حدثني عقبة بن صهبان، سمعت أبا بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحصل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع الناس بهم جنبتا الصراط، تقادع الفراش في النار، قال فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء قال: ثم يؤذن للملائكة، والنبيين، والشهداء أن يشفعوا، فيشفعون ويخرجون ويشفعون، ويخرجون وزاد عفان مرة أخرى فقال: ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان " .
وقال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ أبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، يعني ابن سليمان، حدثنا أبو طلال، حدثنا أنس بن مالك، حدثنا، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سلك رجلان مفازة، أحدهما عابد، والآخر به رهق، رفع الذي به رهق إداوة فيها ماء، وليس مع العابد ماء، فعطش العابد، فقال: أي فلان، اسقني فهو ذا أموت، فقال: إنما معي إداوة، ونحن في مفازة، فإن سقيتك هلكت، فسلكا، ثم إن العابد اشتد به العطش فقال: أي فلان، اسقني فهو ذا أموت فقال: إنما معي إداوة ونحن في مفازة، فإن سقيتك هلكت، فسلكا، ثم إن العابد سقط، فقال: أي فلان اسقني فهو ذا أموت، قال الذي به رهق، والله إن هذا العبد الصالح يموت ضياعاً، لا يبلني عند الله أبداً، فرشَّ عليه من الماء وسقاه، ثم سلكا إلى المفازة، فقطعاها، قال: فيوقفان للحساب يوم القيامة، فيؤمر بالعابد إلى الجنة، ويؤمر بالذي به رهق إلى النار، قال فيعرف الذي به رهق العابد، ولا يعرف العابد الذي به رهق، فيناديه: أي فلان، أنا الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة، وقد أمر بي الى النار، فاشفع إلى ربك، فيقول: أي رب، إنه قد آثرني على نفسه، أي رب هبه لي اليوم، فيوهب له، فيأخذه بيده فينطلق به إلى الجنة، زاد فيه: فيقول: يا فلان، لشد ما غرتك نعمة ربي عز وجل.

ثم قال البيهقي: هذا الإسناد وإن كان غير قوي فله شاهد من حديث أنس بن مالك، حدثنا أبو سعيد الزاهد، إملاء، حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا علي بن أبي سارة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن رجلاً من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على النار، فيناديه رجل من أهل النار، فيقول: يا فلان، هل تعرفني، فيقول: لا، والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء فسقيتك، قال: قد عرفت، قال: فاشفع بها عند ربك، قال: فيسأل الله عز وجل فيقول إني أشرفت على النار فناداني رجل من أهلها، فقال: هل تعرفني؟ قلت: لا والله، ما أعرفك، من أنت؟ قال: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء. فسقيتك فاشفع لي عند ربك، فشفعني، فيشفعه الله، فيأمر به فيخرج من النار.
أنبأنا أبو طالب طاهر الفقيه، أنبأنا أبو عبد الله الصفار، الأصبهاني، أبو قبيصة، محمد بن عبد الرحمن بن عمارة، بن القعقاع الضبي، الأصبهاني البغدادي، حدثنا أحمد بن عمران الأحبشي، سمعت أبا بكر بن عياش يحدث صالحاً الخزاز، عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله أهل الجنة صفوفاً، وأهل النار صفوفاً، فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى رجل من صفوف أهل الجنة، فيقول: يا فلان: أما تذكر يوم اصطنعت إليك في الدنيا معروفاً؟ فيقول: يا رب إن هذا اصطنع إليَّ معروفاً، فيقال: خذ بيده، وأدخله الجنة " ، قال أنس: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، قال: وكذا رواه الصنعاني، عن أحمد بن عمران، تفرّد به أحمد بن عمران، والله أعلم.
حديث فيه شفاعة الأعمال لصاحبهاقال عبد الله بن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، عن حيي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن الصيام، والقرآن ليشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه.
وروى نعيم بن حماد، عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن أبي قلابة، قال: إن ابن أخي يتعاطى الشراب، فمرض، فبعث إليَّ ليلاً أن ألحق بي فأتيته، فرأيت أسودين قد دنيا منه، فقلت: إنا لله هلك ابن أخي، فاطلع أبيضان من الكوة التي في البيت، فقال أحدهما لصاحبه: أنزل إليه، فلما نزل تنحى عنه الأسودان، فشم فاه، فقال: ما أرى فيها ذكراً. ثم شم بطنه، فقال: ما أرى فيها صياماً، ثم شم رجليه فقال: ما أرى فيهما صلاة فقال له صاحبه: إنا لله وإنا إليه راجعون. رجل من أمة محمد ليس له من الخير شيء. ويحك، عد فانظر، فعاد فلم يجد شيئاً، فنزل الآخر، فشم، فلم يجد شيئاً، ثم عاد فإذا في طرفي لسانه تكبيرة في سبيل الله، قالها ابتغاء وجه الله بأنطاكية، فقبضوا روحه، فشموا في البيت رائحة المسك وشهد الناس جنازته، حديث غريب جداً.
قال العلامة أبو محمد القرطبي في التذكرة: وخرج أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم، بن محمد الختلي في كتاب الديباج له، حدثنا أحمد بن أبي الحارث، حدثنا عبد المجيد بن أبي داود، عن معمر بن راشد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله: " إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين قال: فيخرج من أهل النار مثل أهل الجنة، أو قال: مثلي أهل الجنة، قال: ظني أنه قال: مثل أهل الجنة، مكتوب بين أعينهم: عتقاء الله " .
وروى الترمذي، عن أنس، مرفوعاً: يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من ذكرني يوماً، أو خافني في مقام، وقال: حسن غريب.

وله عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما، فقال الرب تعالى: أخرجوهما، فلما أخرجا قال لهما: لأي شيء اشتد صياحكما؟ فقالا: فعلنا ذلك لترحمنا، قال: إن رحمتي لكما أن تنطلقا، فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار، فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها عليه برداً وسلاماً، ويقوم الآخر، فلا يلقي نفسه، فيقول الرب تعالى: " ما منعك أن تلقي بنفسك، كما ألقى صاحبك؟ فيقول: رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها فيقول الرب: لك رجاؤك، فيدخلان الجنة جميعاً برحمة الله " . وفي إسناده ضعف لحال رشدين بن سعد، عن ابن أبي نعم وهما ضعيفان، ولكن يغتفر رواية هذا في هذا الباب من الترغيب والترهيب. والله أعلم.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا رشدين بن سعد، حدثنا أبو هانىء الخولاني، عن عمرو بن مالك الخشني: أن فضالة بن عبود، وعبادة الصامت حدثاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة، وفرغ الله من قضاء الخلق فيبقى رجلان، فيؤمر بهما إلى النار، فيلتفت أحدهما، فيقول الجبار: ردوه، فيردونه، فيقول له: لم التفت؟ فيقول: كنت أرجو أن تدخلني الجنة، فيؤمر به إلى الجنة، فيقول: لقد أعطاني ربي حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه " .
فصل
أصحاب الأعرافقال الله تعالى: " وَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنَادوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أنْ سَلاَمٌ عَلَيْكمْ لَمْ يَدْخُلوهَا وَهمْ يَطْمَعُونَ، وَإِذَا صُرفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين " .
قال ابن عباس وغيره: الأعراف سور بين الجنة والنار: وقال العتبي: عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: " أصحاب الأعراف، قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة " .
"
وإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجعَلْنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ " .
فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم ربك، فقال: قوموا فادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم.
ورواه البيهقي: من وجه آخر، عن الشعبي، عن حذيفة، مرفوعاً وفيه نظر. وقال سفيان الثوري: عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: " أصحاب الأعراف رجال تستوي حسناتهم وسيئاتهم، فيذهب بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة - تربته ورس وزعفران، وحافتاه، قصب من ذهب، مكلل باللؤلؤ فيغتسلون منه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يغتسلون، فيزدادون بياضاً، ثم يقال لهم: تمنوا ما شئتم، فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وأضعافه سبعين مرة، فأولئك مساكين الجنة " .
وقد وردت أحاديث فيها غرابة، في شأن أصحاب الأعراف، وصفاتهم، تركناها لضعفها.
ذكر أول مَن يَخْرُجْ مِن النَّارِ فَيَدْخُل الجَنَة

ثبت في صحيح مسلم: من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره: أن أناساً قالوا لرسول الله: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها، فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ر بكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا، حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ر بكم، فيقولون: أنت ر بنا، فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من نجتاز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المجازي، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار يأمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيصب عليهم من ماء الحياة، فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة، فيقول: أي رب، اصرف وجهي عن النار، فإنه قد مسني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله ما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذلك، أن تسألني غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة، ورآها، سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: أي رب: قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، لا تسألني شيئاً غير الذي أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم: ما أغدرك؟ فيقول: أي رب، ويدعو الله، حتى يقول: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك، ويعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة، انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب: أدخلني الجنة، فيقول الله تعالى: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ويحك يا ابن آدم؟ ما أغدرك؟ فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله، حتى يضحك الله منه، ثم يقول له: ادخل الجنة، فيدخلها فيقول الله: تمنه، فيسأل الله ويتمنى. حتى إن الله ليذكره، من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله، لك ذلك ومثله معه " .
قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه شيئاً من حديثه، حتى إذا قال أبو هريرة: إن الله قال لذلك الرجل: ومثله معه. قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك مثله معه، فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: لك ذلك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً " .
هذا لفظ مسلم، من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، ثم أورد الحديث من رواية عطاء بن يسار، وغيره: عن أبي سعيد، فساقه بطوله نحوه، وفيه: " إنه يعطى ذلك وعشرة أمثاله " وفي بعض سياقاته: " أنه ينتقل من النار إلى باب الجنة في ثلاث مراحل، كل مرحلة يجلس تحت شجرة كل واحدة هي أحسن من أختها التي قبلها " .
وكذلك رواه مسلم أيضاً: من حديث ابن مسعود وفيه: " وعشرة أمثاله " كما حفظه أبو سعيد، والله سبحانه أعظم وأكرم.
وكذا رواه البخاري: عن ابن مسعود، وفيه: " وعشرة أمثاله " فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة

حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنه، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا - فيقول: تسخربي - أو تضحك مني - وأنت الملك؟ فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة " .
فصلروى الدارقطني في كتابه: الرواة عن مالك، والخطيب البغدادي، من طريق غريبة، عن عبد الملك بن الحكم، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة، يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة. عند جهينة الخبر اليقين، سلوه: هل بقي من الخلائق أحد " ؟ وهذا الحديث لا تصح نسبته إلى الإِمام مالك، لجهالة رواته عنه، ولو كان محفوظاً عنه من حديثه لكان في كتبه المشهورة عنه، كالموطإِ وغيره مما رواه عنه الثقات. والعجيب أن أبا عبد الله القرطبي ذكره في التذكرة، وجزم به، فقال: قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة، يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة: وعند جهينة الخبر اليقين.
وكذلك ذكره السهيلي، ولم يضعفه، وحكى عن السهيل قول آخر: أن اسمه هناد فالله أعلم إلى هنا.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن مسعود بن نمير، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا، كذا وكذا. فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر، وهومشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: إن لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: رب: عملت أشياء لا أرها هاهنا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك، حتى بدت نواجذه " .
وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن سعد بن يحيى المزكي، حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي، حدثني أبي، عن أبيه، حدثني أبو يحيى الكلاعي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن آخر رجل يدخل الجنة، رجل يتقلب على ظهر الصراط ظهراً لبطن، كالغلام يضربه أبوه، وهو يفر منه، يعجز عنه عمله أن يسعى، فيقول: يا رب: بلغ بي الجنة، ونجني من النار، فيوحي الله إليه: عبدي إن أنا نجيتك من النار، وأدخلتك الجنة، أتعترف لي بذنوبك، وخطاياك؟ فيقول العبد: نعم يا رب: وعزتك إن نجيتني من النار لأعترف لك بذنوبي وخطاياي، فيجوز الجسر، ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه: لئن اعترفت له بذنوبي وخطاياي، ليردني إلى النار، فيوحي الله إليه: عبدي: اعترف بذنوبك، وخطاياك، أغفرها لك، وأدخلك الجنة، فيقول العبد: لا وعزتك وجلالك ما أذنبت ذنباً قط، ولا أخطأت خطيئة قط، فيوحي الله إليه، عبدي: إن لي عليك بينة، فيلتفت العبد يميناً وشمالاً فلا يرى أحداً: فيقول: يا رب: أرني بينتك، فيستنطق الله جلده بالمحقرات، فإذا رأى ذلك العبد، يقول: يا رب: عندي وعزتك العظائم، فيوحي الله إليه: عبدي: أنا أعرف بها منك، اعترف لي بها أغفرها لك، وأدخلك الجنة، فيعترف العبد بذنوبه، فيدخله الجنة، ثم ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: هذا أدنى أهل الجنة منزلة، فكيف بالذي فوقه؟ " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا سلام: - يعني ابن مسكين - عن طلال، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عبداً في جهنم لينادي ألف سنة: يا حنان، يا منان. قال: فيقول الله لجبريل: اذهب فائتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل، فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره، فيقول: ائتني به، فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه، فيقول له: يا عبدي، كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ فيقول: يا رب، شر مكان، وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي، فيقول: ما كنت أرجو إذا أخرجتني منها، أن تردني فيها، فيقول الله تعالى: دعوا عبدي " . تفرّد به أحمد.

وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان بن سلمة، أخبرنا ثابت، وأبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج أربعة من النار - قال أبو عمران: أربعة، وقال ثابت: رجلان - فيعرضون على الله، ثم يؤمر بهم - أو بهما - إلى النار، فيلتفت أحدهم، فيقول: أي رب قد كنت أرجو إذا أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها، فينجيه الله منها " . هكذا رواه مسلم: من حديث حماد بن سلمة: به.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثني رشيد بن سعيد، حدثني ابن أنعم عن أبي عثمان، أنه حدثه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ن رجلين ممن دخل النار، يشتد صياحهم، فيقول الرب جل جلاله: أخرجوهما، فيخرجان، فيقول الله لهما: لأي شيء اشتد صياحكما؟ فيقولان: فعلنا ذلك لترحمنا، فيقول عز وجل: رحمتي لكما بأن تنطلقا إليها، فيلقي أحدهما نفسه فيها، فيجعلها عليه الله برداً وسلاماً، أما الآخر، فلا يلقي نفسه، فيقول له الرب: ما منعك أن تلقي نفسك كما فعل صاحبك؟ فيقول: رب: إني أرجو أن لا تعيدني فيها بعدما أخرجتني منها: فيقول الرب: لك رجاؤك، فيدخلان جميعاً الجنة، برحمة الله عز وجل " .
وذكر بلال بن سعد في خطبته: " إن الله تعالى إذا أمرهما بالرجوع إلى النار، ينطلق أحدهما في أغلاله، وسلاسله، حتى يقتحمها، ويتلكأ الاخر، فيقول الله للأول: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: إني خررت من وبال معصيتك في العذاب الأليم، فلم أكن أتعرض لسخطك ثانياً، وأما الآخر، فيقول: حسن ظني بك، إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني إليها، فيرحمهما الله، ويدخلهما الجنة " .
فصلإذا خرج أهل المعاصي منها، فلم يبق فيها غير الكافرين، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، كما قال تعالى: " فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرجُونَ مِنْهَا " .
ولا محيد لهم عنها، بل هم خالدون فيها أبداً، وهم الذين حبسهم القرآن، وحكم عليهم بالخلود، كما قال تعالى: " وَمِنْ يَعْص اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهًنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً " حَتَّى إِذَا رَأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلمُونَ مَنْ أضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلًّ عَدَداً " .
وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعًدّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً لاَ يَجِدُونَ وَليّاً وَلاَ نَصِيراً " .
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُن اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً " .
فهذه ثلاث آيات، فيهن الحكم عليهم بالخلود أبداً، ليس لهن رابعة مثلهن في ذلك، فأما قوله تعالى: " قَالَ النَّار مَثْوَاكمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم " .
وقوله تعالى: " فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فعَّال لِمَا يُرِيدُ " .
فلقد تكلم ابن جرير وغيره من المفسرين على هذه الآية بكلام طويل، بسطه، وجاءت آثار عن الصحابة غريبة، ووردت أخبار عجيبة، وللكلام على ذلك موضع آخر، ليس هذا موطنه، والله أعلم وأحكم.
وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك عمرو بن محمد بن زيد، حدثني أبي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيء بالموت حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت فازداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، وازداد أهل النار حزناً على حزنهم " .
وهكذا رواه البخاري: عن معاذ بن أسد بن عبد الله بن المبارك، به، مثله، وقال أحمد، حدثنا حسان بن الربيع الموصلي، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بالموت كبشاً أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقول: يا أهل الجنة: فيشرئبون وينظرون، ويقول: يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح ويقال: خلود لا موت " . وهذا إسناد غريب من هذا الوجه.

وقال أحمد: حدثنا يزيد وابن نمير، قالا: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة: فيطلعون خائفون، وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا. فيقولون: نعم ربنا، هذا الموت، ثم يقال: يا أهل النار: فيطلعون فرحين، مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود فيما تجدون، لا موت أبداً " .
إسناده جيد قوي، على شرط الصحيح، ولم يخرجه أحد من هذا الوجه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم، حدثنا نافع بن خالد الطاحي، حدثنا نوح بن قيس الطاحي، عن أخيه خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح، فيقال: يا أهل الجنة: خلود ولا موت، ويا أهل النار: خلود ولا موت " . ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن أنس، إلا من هذا الوجه.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
كتاب صفة أَهل الجنة
وما فيها من النعيم نسأَل الله عز وجل أَن يدخلنا برحمته
ذكر ما ورد في عدد أبوابها واتساعها وعظمة جناتهاوقال الله تعالى: " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زَمَراً حَتَى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنْتهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُم فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبوأ مِنَ الجنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ " .
وقال تعالى: " جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأبْوَابُ " .
وقال: " وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كًلِّ بَابٍ و سَلاَمٌ عَلَيْكمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عًقْبَى الدَّارِ " .
وقد سلف فيما تقدم من الأحاديث: أن المؤمنين إذا انتهوا إلى باب الجنة، وجدوه مغلقاً، فيشفعون إلى الله عز وجل ليفتح لهم.
وقد ذكر في حديث الصور: " أنهم يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، فكل يحيد عن ذلك - كما تقدم في الصحاح - ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذهب، فيقعقع حلقة باب الجنة، فيقول الخازن: من؟ فيقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، فيدخل فيشفع عند الله في دخول المؤمنون دار الكرامة، فيشفعه، فيكون هو أول من يدخل الجنة من الأنبياء، وأمته أول من يدخلها من الأمم " .
وثبت في الصحيح: " أنا أول شافع في الجنة، وأول من يقعقع " . وسيأتي في الحديث أيضاً: " مفتاح الجنة، لا إله إلا الله " .
وروى الإِمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن؟ من رواية عقبة بن عامر، وغيره: عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا بشر بن الفضل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بالجنة باباً يدعى الريان، يدعى إليه الصائمون يوم القيامة، يقال: أين الصائمون؟ فإذا دخلوه أغلق، فلم يدخل منه غيرهم " .
قال بشر: فلقيت أبا حازم، فسألته، فحدثني به، غير أني لحديث عبد الرحمن أحفظ وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة ثمانية أبواب، باب منها يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون " وقد رواه البخاري: عن سعيد بن أبي مريم، به.
ورواه أيضاً مسلم: من حديث سليمان بن بلال، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل، به.

وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله، دعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان " فقال أبو بكر: والله يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي، من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد، يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم " . وأخرجاه في الصحيحين: من حديث الزهري: به.
ولهما من حديث سفيان: عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله: وقال عبد الله ابن الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد بن نمير: حدثنا إسحاق بن سليمان: حدثنا جرير بن عثمان: عن شرحبيل بن شفعة، قال: لقيني عتبة بن عبد الله السلمي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية، من أيها شاء " . وروراه ابن ماجه: عن أبي نمير أيضاً.
وروى البيهقي: من حديث الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي المثنى المليكي، أنه سمع عتبة بن عبد الله السلمي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث ذكره في قتال المخلص والمذنب والمنافق قال فيه: " وللجنة ثمانية أبواب، وإن السيف محاء للذنوب، و يمحو النفاق " .
الحديث بطوله. وتقدم الحديث المتفق عليه من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة، في حديث الشفاعة، قال فيه: " فيقول الله: يا محمد: أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر، والذي نفس محمد بيده: إن بين المصراعين من مصاريع الجنة، - أو ما بين عضادتي الباب - كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى " .
وفي صحيح مسلم: عن خالد بن عمير العدوي، أن عتبة بن غزوان خطبهم فقال: بعد حمد الله والثناء عليه: " أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت جرياً، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإِناء، يصبها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا فناء لها، فانتقلوا بخيرمن عملكم، فلقد ذكر لنا: أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام " .
وفي المسند: من حديث حماد بن سلمة، عن الحريري، عن حكيم، عن معاوية، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنتم توفون سبعين أمة، آخرها، وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيط " .
ورواه البيهقي: من طريق علي بن عاصم، عن سعيد الحريري بن معاوية، وقال: " مسيرة سبع سنين " .
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الفضل بن الصباح أبو العباس، حدثنا معن بن عيسى: حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " باب أمتي الذي تدخل منه الجنة، عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثاً، ثم إنهم ليضغطون عليه، حتى تكاد مناكبهم تزول " .
وقد رواه الترمذي: من حديث خالد هذا. قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه.
وقال خالد بن أبي بكر: حدثنا كشذ، عن سالم، قال البيهقي: وحديث عتبة بن غزوان " أربعين سنة " أصح.
وقد روى عبد بن حميد في مسنده: عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن للنار سبعة أبواب، ما منها باب إِلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً " .
فإِنه حديث مشهور، وحمله بعض العلماء على بعد ما بين كل باب وباب، لا أنه بعد المصراعين، لئلا يتعارض هذا وما تقدم، والله أعلم.
وقد ادعى القرطبي: أن للجنة ثلاثة عشر باباً، ولكن لم يقم على ذلك دليلاً قوياً أكثر من أن قال: ومما يدل على أنها أكثر من ثمانية، حديث عمر.
"
من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وفي آخره قال: فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب، يدخل من أيها شاء " . أخرجه الترمذي وغيره.

وروى الآجري في كتاب النصيحة، عن أبي هريرة، مرفوعاً: " إن في الجنة باباً يقال له باب الضحى، ينادي مناد: أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا " .
أسماء أبواب الجنةقال: وقال الحليمي: أبواب الجنة منها باب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو باب التوبة، وباب الصلاة، وباب الصوم، وباب الزكاة، وباب الصدقة، و باب الحج، و باب العمرة، و باب الجهاد، و باب الصلة.
وزاد غيره: باب الكاظمين، وباب الراضين، والباب الأيمن الذي يدخل منه الذين لا حساب عليهم.
وجعل القرطبي الباب الذي عرضه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجود - كما وقع عند الترمذي - باباً ثالث عشرة، والله تعالى أعلم.
مفتاح الجنة شهادة ألا إله إِلا الله وأن محمداً رسول الله والأعمال الصالحة هي أسنان هذا المفتاح
وقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عباس، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي جبير، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " .
وفي صحيح البخاري، قال: قيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك. يعني لا بد وأن يكون مع التوحيد أعمال صالحة، من فعل الطاعات، وترك المحرمات.
ذكر تعداد محال الجنة وارتفاعها واتساعهاقال الله تعالى: " وَلمَنْ خَافَ مَقَامَ رَِّبهِ جَنَّتَانِ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أفْنَانٍ فَبِأيِّ آلأَءِ رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأي آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَق وَجَنَى الْجَنَّتَيْن دَانٍ فَبِأيِّ آلاَءِ ربكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَان فَبأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأنَّهُنَّ الْيَاقوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاًّ الإِحْسَانُ فَبأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دونهَما جَنَّتَان فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذًّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذًّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نضَّاخَتَانِ فَبِأَيَ آلاَءِ رَبِّكَمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فاكِهَة وَنَخْلٌ وَرُمَّان فَبأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأيَ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَات في الْخِيَام فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانّ فَبِأيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْر وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ تَبَارَكَ اسْمُ ربِّكَ ذي الْجَلالِ وَالإكْرَامَ " ..
وثبت في الصحيحين: من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل، إلا رداء الكبرياء، على وجهه، في جنة عدن " .
وروى البيهقي: من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن ثابت، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين " . وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس بن مالك، أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هلك حارثة يوم بدر، أصابه غرب معهم، فقالت: يا رسول الله: قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا فسوف ترى ما أصنع فقال لها: " أجنة واححة هي، أم جنان كثيرة؟ وإنه في الفردوس الأعلى " .
قليل العمل في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وأقل شيء في الجنة خير من الدنيا وما فيها

وقال: " غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، وقاب قوس أحدكم، وموضع قده خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء الجنة اطلعت على أهل السموات والأرض لأضاءه ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها - يعني الخمار - خير من الدنيا وما فيها " .
وفي رواية عن قتادة أنه قال: " الفردوس ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها " .
وقد رواه الطبراني: من حديث سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن بن سمرة، مرفوعاً.
وقال الله تعالى: " فِي جَنَّةٍ عَالِيَة " .
وقال تعالى: " فَأولئِكَ لَهم الدَّرَجَاتُ الْعُلَى " .
وقال تعالى: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَ بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها السَّمواتُ وَالأَرْضُ أعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " .
وقال تعالى: " سَابقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْض السَّماء وَالأرْض أعِدّتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللًّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْل الْعَظِيم " .
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح، عن هلال بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، فإن حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها " .
قالوا: يا رسول الله: أفلا تخبر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر - أو تنفجر - أنهار الجنة " - شك أبو عامر.
ورواه البخاري، عن إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن أبيه، بمعناه.
الفردوس أعلى درجات الجنة
والصلاة والصيام يقتضيان مغفرة الله عز وجلوقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد الرحمن، حدثنا أبو همام الدلال، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى هؤلاء الصلوات الخمس، وصام رمضان - لا أدري ذكر الزكاة أم لا؟ - كان حقاً على الله أن يغفرَ له، هاجر، أو قعد حيث ولدته أمه، قلت: يا رسول الله: ألا أخرج فأؤذن الناس؟ فقال: لا. ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين، مثل ما بين السماء والأرض، وأعلى درجة منها الفردوس، وعليها يكون العرش، وهي أوسط شيء في الجنة، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس " .
وهكذا رواه الترمذي: عن قتيبة، وأحمد بن عبده الدراوردي، عن زيد بن أسلم به.
وأخرجه ابن ماجه، عن سويد، عن حفص بن ميسرة، عن زيد مختصراً.
من الفردوس تتفجر أنهار الجنةوقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام " .
وقال ابن عفان: " كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأر بعة، والعرش فوقها، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس " .
ورواه الترمذي: عن أحمد بن منيع، عن زيد بن هارون، عن همام بن يحيى به.
قلت: ولا تكون هذه الصفة إلا في المقبب، فإن أعلى القبة هو وسطها، والله تعالى أعلم.
درجات الجنة متفاوتة وليس يعلم مقدار تفاوتها إلا الله رب العالمينوقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام " .
ورواه الترمذي: عن عباس العنبري، عن يزيد بن هارون، وعنده: " ما بين كل درجتين مائة عام " . وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، عن حسن، عن أبي لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم " . ورواه الترمذي: عن قتيبة، عن ابن لهيعة، ورواه أحمد أيضاً.

ذكر مَا يكُون لأدنى أهل الجنَّةِ منزلة وأَعْلاَهُم مِن اتساع الملك العظيم
قال الله تعالى: " وَإِذَا رَأيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً " .
وقد تقدم في الحديث المتفق عليه من رواية منصور: عن إبراهيم، عن علقمة بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر آخر من يدخل الجنة من أمته يقول له: " أما ترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها " ؟ وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا اسرائيل، عن ثوير هو ابن أبي فاختة، عن ابن عمر، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أدنى أهل الجنة منزلة، الذي ينظر إلى جناته، ونعيمه، وخدمه، وسرده، من مسيرة ألف سنة، وإن أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " .
ثم تلا هذه الآية: " وُجُوة يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبهَا نَاظِرَةٌ " .
وقال أيضاً: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الملك بن أبجر، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملك ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر أزواجه، وخدمه، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين