حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج29.وج30.عمدة القاري شرح صحيح البخاري- بدر الدين العيني

 ج29.وج30.عمدة القاري شرح صحيح البخاري- بدر الدين العيني 

 

اولا :ج29.عمدة القاري

إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله على عمر إلى آخرها فقال عمر يا رسول الله أو فتح هو قال نعم
تعلق هذا الحديث أيضا بالباب المترجم مثل تعلق الحديث السابق وعبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بالمسندي ويزيد من الزيادة ابن عبد العزيز الكوفي يروي عن أبيه سياه بكسر السين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالهاء وصلا ووقفا منصرف وغير منصرف والأصح الانصراف وحبيب بن أبي ثابت واسمه دينار الكوفي وأبو وائل شقيق ابن سلمة
قوله فجاء عمر رضي الله تعالى عنهقد مر هذا في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد قوله فنزلت سورة الفتح سورة إنا فتحنا لك فتحا مبينا ( الفتح 1 ) والمراد بالفتح صلح الحديبية وقيل فتح مكة وقيل فتح الروم وقيل فتح الإسلام بالسيف والسنان وقيل الفتح الحكم والمختار من هذه الأقاويل فتح مكة وقيل فتح الحديبية وهو الصلح الذي وقع فيها بين النبي وبين مشركي مكة فإن قلت كيف كان فتحا وقد أحصروا فنحروا وحلقوا بالحديبية قلت كان ذلك قبل الهدنة فلما تمت الهدنة كان فتحا مبينا
3813 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( حاتم ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( أسماء ابنة أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله ومدتهم مع أبيها فاستفتت رسول الله فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال نعم صليها
تعلق هذا الحديث بما قبله من حديث إن عدم الغدر اقتضى جواز صلة القريب ولو كان على غير دينه وحاتم هو أبو إسماعيل ابن إسماعيل الكوفي والحديث مضى في كتاب الهبة في باب الهدنة للمشركين ومضى الكلام فيه
قوله قدمت علي بتشديد الياء قوله أمي واسمها قبيلة بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف واسم أبيها عبد العزى وأسماء وعائشة أختان من جهة الأب فقط قوله ومدتهم أي المدة التي كانت معينة للصلح بينهم وبين رسول الله قوله راغبة أي في أن تأخذ مني بعض المال
91 -
( باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم )
أي هذا باب في بيان المصالحة مع المشركين على مدة ثلاثة أيام قوله أو وقت معلوم أي أو المصالحة على وقت معلوم سواء كان ثلاثة أيام أو ثلاثة أشهر أو نحو ذلك
4813 - حدثنا ( أحمد بن عثمان بن حكيم ) قال حدثنا ( شريح بن مسلمة ) قال حدثنا ( إبراهيم ابن يوسف بن أبي إسحاق ) قال حدثني أبي عن ( أبي إسحاق ) قال حدثني ( البراء ) رضي الله تعالى عنه أن النبي لما أراد أن يعتمر أرسل إلي أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا قال فأخذ يكتب الشرط بينهم علي ابن أبي طالب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فقال أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله قال وكان لا يكتب قال فقال لعلي

(15/104)


امح رسول الله فقال علي والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه قال فأراه إياه فمحاه النبي بيده فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا مر صاحبك فليرتحل فذكر ذلك لرسول الله فقال نعم ثم ارتحل
مطابقته للترجمة في قوله أن لا يقيم إلا ثلاث ليال وأحمد بن عثمان بن حكيم بن دينار أبو عبد الله الأزدي الكوفي وشريح بن مسلمة بفتح الميم واللام الكوفي وإبراهيم بن يوسف الكوفي وأبوه يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الكوفي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي السبيعي ومر الحديث في كتاب الصلح في باب كيف يكتب ومضى الكلام فيه
قوله جلبان بضم الجيم وسكون اللام شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودا قوله لا أمحاه ويروى لا أمحوه ويقال محاه يمحوه ويمحاه ويمحيه ثلاث لغات
02 -
( بال الموادعة من غير وقت )
أي هذا باب في بيان الموادعة أي المصالحة والمتاركة من غير تعيين وقت
وقول النبي أقركم ما أقركم الله به
هذا طرف من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد مر في كتاب المزارعة في باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله وليس في أمر المهادنة حد عند أهل العلم لا يجوز غيره وإنما ذلك على حسب الحاجة والاجتهاد في ذلك إلى الإمام وأهل الرأي
12 -
( باب طرح جيف المشركين في البئره ولا يؤخذ لهم ثمن )
أي هذا باب في بيان جواز طرح جيف المشركين في البئر والجيف بكسر الجيم وفتح الياء آخر الحروف جمع جيفة قوله ولا يؤخذ لهم ثمن أي لا يجوز أخذ الفداء فيها من المشركين إذ كان أصحاب قليب بدر رؤساء مشركي مكة ولو مكن أهلهم من إخراجهم من البئر ودفنهم لبذلوا في ذلك كثير المال وإنما لا يجوز أخذ الثمن فيها لأنها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها وقد حرم الشارع ثمنها وثمن الأصنام في حديث جابر وفي الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى أن يبيعهم إياه وقال أحمد لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى وقال البخاري هو صدوق ولكن لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه وذكر ابن إسحاق في المغازي أن المشركين سألوا النبي أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة وكان اقتحم الخندق فقال النبي لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده وقال ابن هشام بلغني عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف
5813 - حدثنا ( عبدان بن عثمان ) قال أخبرني أبي عن ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( عمرو بن ميمون ) عن ( عبدالله ) رضي الله تعالى عنه قال بينا رسول الله ساجد وحوله ناس من قريش من المشركين إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك فقال النبي اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر غير أمية أو أبي فإنه كان رجلا ضخما فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان اسمه عبد الله بن عثمان يروي عن أبيه عثمان بن جبلة وأبو إسحاق مر

(15/105)


عن قريب والحديث مضى بهذا الإسناد في كتاب الطهارة في باب إذا ألقي على ظهر المصلى قدر إلى آخره قوله سلا بالسين المهملة وتخفيف اللام مقصورا هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة والجزور المنحور من الإبل قوله عليك الملا أي أخذ الجماعة وأهلكهم
22 -
( باب إثم الغادر للبر والفاجر )
أي هذا باب في بيان إثم الغادر للرجل البر بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء الخير وسواء كان الغدر من بر لبر أو لفاجر أو من فاجر لفاجر أو لبر والغادر هو الذي يواعد عل أمر ولا يفي به يقال غدر يغدر بكسر الدال في المضارع
6813 -
7813 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) وعن ( ثابت ) عن ( أنس ) عن النبي قال لكل غادر لواء يوم القيامة قال أحدهما ينصب وقال الآخر يرى يوم القيامة يعرف به
مطابقته للترجمة ظاهرة والوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وعبد الله هو ابن مسعود قوله وعن ثابت قائل ذلك هو شعبة وقال الكرماني وعن ثابت عطف على سليمان
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وأبي قدامة
قوله لواء أي علم قوله قال أحدهما أي أحد الراويين عن عبد الله ينصب أي اللواء وقال الآخر يرى يوم القيامة أي يعرف به وإنما قال بلفظ أحدهما لالتباسه عليه ولا قدح بهذا اللفظ لأن كلتا الروايتين بشرط البخاري واللواء لا يمسكه إلا صاحب جيش الحرب ويكون الناس تبعا له ومعنى لكل غادر لواء أي علامة يشتهر بها في الناس لأن موضع اللواء شهرة مكان الرئيس
8813 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي يقول لكل غادر لواء ينصب بغدرته
مطابقته للترجمة ظاهرة وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن سليمان بن حرب أيضا وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي الربيع
قوله بغدرته أي بسبب غدرته في الدنيا أو بقدر غدرته وفي غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدرته يتعدى ضرره إلى خلق كثير ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء وقال عياض المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهده لرعيته أو لمقاتلته أو للإمامة التي تقلدها والتزم القيام بها فمتى خان فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر للإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصيته لما يترتب على ذلك من الفتنة قال والصحيح الأول قلت لا مانع من أن يحمل الخبر على أعم من ذلك
9813 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاوس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وقال يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه فقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر

(15/106)


فإنه لقينهم ولبيوتهم قال إلا الإذخر
وجه مطابقته للترجمة يمكن أخذه من قوله فانفروا إذ معناه لا تغدروهم ولا تخالفوهم إذ إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر ووجه آخر هو أن النبي لم يغدر في استحلال القتال بمكة لأنه كان بإحلال الله تعالى له ساعة ولولا ذلك لما جاز له
ورجال الحديث كلهم قد مضوا غير مرة والحديث مضى في كتاب الحج في باب لا يحل القتال بمكة فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور إلى آخره وأخرجه أيضا في باب لا ينفر صيد الحرم ومضى الكلام فيه هناك والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
95 -
( كتاب بدء الخلق )
أي هذا كتاب في بيان بدء الخلق البدء على وزن فعل بفتح الباء وسكون الدال وفي آخره همزة من بدأت الشيء بدأ ابتدأت به وفي ( العباب ) بدأت بالشيء بدأ ابتدأت به وبدأت الشيء فعلته ابتداء وبدأ الله الخلق وأبداهم بمعنى والخلق بمعنى المخلوق وهكذا وقع كتاب بدء الخلق بعد ذكر البسملة في رواية الأكثرين وليس في رواية أبي ذر ذكر البسملة ووقع في رواية النسفي ذكر بدء الخلق بدل كتاب بدء الخلق
1 -
( باب ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( الروم 72 ) )
أي هذا باب في بيان وما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ( الروم 72 ) وتمام الآية وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( الروم 72 ) قوله وهو الذي أي وهو الذي يبدأ الخلق أي ينشىء المخلوق ثم يعيده أي ثانيا للبعث قوله وهو أهون عليه ( الروم 72 ) أي الإعادة أهون عليه أي أسهل وقيل أيسر وقيل أسرع عليه وقال مجاهد وأبو العالية الإعادة أهون عليه من البداية وكل هين عليه وقال الزمخشري فإن قلت لم ذكر الضمير في قوله وهو أهون عليه ( الروم 72 ) والمراد به الإعادة قلت معناه وأن يعيده أهون عليه قوله وله المثل الأعلى ( الروم 72 ) أي الصفة العليا في السموات والأرض وهو العزيز في ملكه الحكيم في خلقه
وقال الربيع بن خثيم والحسن كل عليه هين هين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق أفعيينا أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم لغوب النصب أطوارا طورا كذا وطورا كذا عدا طوره أي قدره
الربيع بفتح الراء ضد الخريف ابن خثيم بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف ابن عائذ بن عبد الله الثوري الكوفي من التابعين الكبار الورعين القانتين مات سنة بضع وستين والحسن هو البصري وهما فسرا قوله تعالى هو أهون عليه ( الروم 72 ) بمعنى كل عليه هين فحملا لفظ أهون الذي هو أفعل التفضيل بمعنى هين وتعليق الربيع وصله الطبري من طريق منذر الثوري عنه نحوه وتعليق الحسن وصله الطبري أيضا من طريق قتادة عنه ولفظه وإعادته أهون عليه من بدئه وكل على الله تعالى هين قوله هين بتشديد الياء وهين بتخفيفها أشار بهذا إلى أنهما لغتان كما جاء التشديد والتخفيف في الألفاظ التي ذكرها قال الكرماني وغرضه من هذا أن أهون بمعنى هين أي لا تفاوت عند الله بين الإبداء والإعادة كلاهما على السواء في السهولة قوله أفعيينا أشار به إلى قوله تعالى أفعيينا بالخلق الأول ( ق 51 ) وفسره بقوله أفأعيى علينا يعني ما أعجزنا الخلق الأول حني أنشأناكم وأنشأنا خلقكم وعدل عن التكلم إلى الغيبة التفاتا والظاهر أن لفظ حين أنشأكم وأنشأنا خلقكم إشارة إلى آية أخرى وإلى تفسيره وهو قوله تعالى إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ( النجم 23 ) ونقل البخاري بالمعنى حيث قال حين أنشأكم بدل إذ أنشأكم أو هو محذوف في اللفظ واكتفى بالمفسر عن المفسر

(15/107)


وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى أفعيينا بالخلق الأول ( ق 51 ) بقوله أفأعيى علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا فشكوا في البعث وقال أهل اللغة عييت بالأمر إذا لم تعرف جهته ومنه العي في الكلام قوله لغوب النصب أشار به إلى قوله تعالى ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ( ق 05 ) قال الزمخشري اللغوب الإعياء والنصب التعب وزنا ومعنى وهذا تفسير مجاهد أخرجه عنه ابن أبي حاتم وأخرج من طريق قتادة أكذب الله اليهود في زعمهم أنه استراح في اليوم السابع قال وما مسنا من لغوب أي من إعياء وغفل الداودي فظن أن النصب في كلام المصنف بسكون الصاد وأنه أراد ضبط اللغوب ثم اعترض عليه بقوله لم أر أحدا نصب اللام أي من الفعل وإنما هو بالنصب الأحمق قوله أطوارا أشار به إلى ما في قوله وقد خلقكم أطوارا ثم فسره بقوله طورا كذا وطورا كذا يعني طورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة ونحوها والأطوار الأحوال المختلفة وأخرج الطبري عن ابن عباس أن المراد اختلاف أحوال الناس من صحة وسقم وقيل معناه أصنافا في الألوان واللغات وقال ابن الأثير الأطوار التارات والحدود واحدها طور أي مرة ملك ومرة هلك ومرة بؤس ومرة نعم قوله عدا طوره فسره بقوله قدره يقال فلان عدا طوره إذا جاوز قدره
0913 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( جامع بن شداد ) عن ( صفوان بن محرز ) عن ( عمران بن حصين ) رضي الله تعالى عنهما قال جاء نفر من بني تميم إلى النبي فقال يا بني تميم أبشروا قالوا بشرتنا فأعطنا فتغير وجهه فجاءه أهل اليمن فقال يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا فأخذ النبي يحدث بدء الخلق والعرش فجاء رجل فقال يا عمران راحلتك تفلتت ليتني لم أقم
مطابقته للترجمة في قوله يحدث بدء الخلق وسفيان هو الثوري وجامع بن شداد بالتشديد أبو صخرة المحاربي الكوفي وصفوان بن محرز بضم الميم على وزن الفاعل من الإحراز المازني البصري
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن أبي نعيم وعن عمرو بن علي وفي بدء الخلق أيضا عن عمرو بن حفص وفي التوحيد عن عبدان وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن بشار وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الأعلى
قوله جاء نفر أي عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة وكان قدومهم في سنة تسع قوله أبشروا أمر بهمزة قطع من البشارة وأراد بها ما يجازى به المسلمون وما يصير إليه عاقبتهم ويقال بشرهم بما يقتضي دخول الجنة حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما قوله قالوا بشرتنا فمن القائلين بهذا الأقرع بن حابس كان فيه بعض أخلاق البادية قوله فأعطنا أي من المال قوله فتغير وجهه أي وجه النبي إما للأسف عليهم كف آثروا الدنيا وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به قوله فجاء أهل اليمن هم الأشعريون قوم أبي موسى الأشعري وقال ابن كثير قدوم الأشعريين صحبة أبي موسى الأشعري في صحبة جعفر بن أبي طالب وأصحابه من المهاجرين الذين كانوا بالحبشة حين فتح رسول الله خيبر قوله اقبلوا البشرى حكى عياض أن في رواية الأصيلي اليسرى بالياء آخر الحروف والسين المهملة قال والصواب الأول قوله إذ لم يقبلها كلمة إذ ظرف وهو اسم للزمن الماضي ولها استعمالات أحدها أن تكون ظرفا بمعنى الحين وهو الغالب وهنا كذلك قوله فأخذ النبي أي شرع يحدث قوله راحلتك الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل والمركب أيضا من الإبل ذكرا كان أو أنثى ويجوز فيها الرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء وأما النصب فعلى تقدير أدرك راحلتك قوله تفلتت أي تشردت وتشمرت قوله ليتني لم أقم أي قال عمران ليتني لم أقم من مجلس رسول الله حتى لم يفت مني سماع كلامه

(15/108)


1913 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثنا ( جامع ابن شداد ) عن ( صفوان بن محرز ) أنه حدثه عن ( عمران بن حصين ) رضي الله تعالى عنهما قال دخل علي النبي وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال أقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها
هذا طريق آخر لحديث عمران بن الحصين مع زيادة فيه قوله جئناك بكاف الخطاب هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني جئنا بلا كاف قوله نسألك عن هذا الأمر أي الحاضر الموجود ولفظ الأمر يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن والحال وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم قوله كان الله ولم يكن شيء غيره وسيأتي في التوحيد ولم يكن شيء قبله وفي رواية غير البخاري ولم يكن شيء معه ووقع هذا الحديث في بعض المواضع كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه عليه الإمام تقي الدين بن تيمية قوله وكان عرشه على الماء أي لم يكن تحته إلا الماء وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض فإن قلت بين هذه الجملة وما قبلها منافاة ظاهرة لأن هذه الجملة تدل على وجود العرش والجملة التي قبلها تدل على أنه لم يكن شيء قلت هو من باب الإخبار عن حصول الجملتين مطلقا والواو بمعنى ثم فإن قلت ما الفرق بين كان في كان الله وبين كان في وكان عرشه قلت كان الأول بمعنى الكون الأزلي وكان الثاني بمعنى الحدث وفي قوله وكان عرشه على الماء دلالة على أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهم خلقا قبل خلق السموات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء فإن قلت إذا كان العرش والماء مخلوقين أولا فأيهما سابق في الخلق قلت الماء لما روى أحمد والترمذي مصححا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا إن الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فإن قلت روى أحمد والترمذي مصححا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا أن الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء ( فإن قلت ) روى أحمد والترمذي مصححا من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أول ما خلق الله القلم ثم قال أكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة واختاره الحسن وعطاء ومجاهد وإليه ذهب إبن جرير وابن الجوزي وحكى ابن جرير عن محمد بن إسحاق أنه قال أول ما خلق الله تعالى النور والظلمة ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما وجعل النور نهارا أبيض مبصرا وقيل أو ما خلق الله تعالى نور محمد قلت التوفيق بين هذه الروايات بأن الأولية نسبي وكل شيء قيل فيه إنه أول فهو بالنسبة إلى ما بعدها قوله وكتب في الذكر أي قدر كل الكائنات وأثبتها في الذكر أي اللوح المحفوظ قوله تقطع تفعل من التقطع وهو بلفظ الماضي وبلفظ المضارع من القطع قوله السراب بالرفع فاعله والسراب هو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء والمعنى فإذا هي انتهى السراب عندها قوله لوددت أي لأحببت أني لو تركتها لئلا يفوت منه سماع كلام رسول الله وقال المهلب السؤال عن مبادىء الإشياء والبحث عنها جائز شرعا وللعالم أن يجيب عنها بما يعلم فإن خشي من السائل إيهام شك أو تقصير فلا يجيبه وينهاه عن ذلك
2913 - ( ورواه عيسى ) عن ( رقبة ) عن ( قيس بن مسلم ) عن ( طارق بن شهاب ) قال سمعت ( عمر ) رضي الله تعالى عنه يقول

(15/109)


قام فينا النبي مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه
عيسى هو ابن موسى البخاري أبو أحمد التيمي مولاهم يلقب غنجار بضم الغين المعجمة وسكون النون وبالجيم وبعد الألف راء لقب به لاحمرار خديه كان من أعبد الناس مات سنة سبع أو ست وثمانين ومائة وليس له في البخاري إلا هذا الموضع ورقبة بفتح الراء والقاف والباء الموحدة ابن مصقلة بالصاد المهملة وبالقاف العبدي الكوفي واعلم أن رواية الأكثرين هكذا عيسى عن رقبة وقال الجياني سقط بينه وبين رقبة أبو حمزة السكري وهو محمد بن ميمون وقال أبو مسعود الدمشقي إنما رواه عيسى يعني ابن موسى عن أبي حمزة السكري عن رقبة
وقد وصل الطبراني هذا الحديث من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة عن رقبة ولم ينفرد به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسين بن شقيق عن أبي حمزة ولكن في إسناده ضعف
قوله قام فينا النبي مقاما يعني قام على المنبر بين ذلك ما رواه أحمد ومسلم من حديث أبي زيد الأنصاري قال صلى بنا رسول الله صلاة الصبح وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الصلاة ثم نزل فصلى بنا الظهر ثم صعد المنبر فخطبنا ثم العصر كذلك حتى غابت الشمس فحدثنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا لفظ أحمد وأفاد هذا بيان المقام المذكور زمانا ومكانا وأنه كان على المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس قوله حتى دخل كلمة حتى غاية للمبدأ وللإخبار أي حتى أخبر عن دخول أهل الجنة والغرض أنه أخبر عن المبدأ والمعاش والمعاد جميعا وإنما قال دخل بلفظ الماضي موضع المستقبل مبالغة للتحقق المستفاد من خبر الصادق
وفيه دلالة على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات من ابتدائها إلى انتهائها وفي إيراد ذلك كله في مجلس واحد أمر عظيم من خوارق العادة وكيف وقد أعطي جوامع الكلم مع ذلك
3913 - حدثني ( عبد لله بن أبي شيبة ) عن ( أبي أحمد ) عن ( سفيان ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي أراه يقول الله شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وتكذبني وما ينبغي له أما شتمه فقوله إن لي ولدا وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني
مطابقته للترجمة في قوله ليس يعيدني كما بدأني وهو قول منكري البعث من عباد الأوثان
وأبو أحمد اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأزدي وقيل الأسدي الزبيري نسبة إلى جده مات بالأهواز في جمادى الأولى سنة ثلاث ومائتين وكان يصوم الدهر وسفيان هو الثوري وأبو الزناد بالزي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله يشتمني بالفعل المضارع ويروى شتمني بالماضي من الشتم وهو توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص لا سيما فيما يتعلق بالغيرة وإثبات الولد كذلك لأنه يستلزم الإمكان المتداعي للحدوث قالوا إن هذا الحديث كلام قدسي أي نص إلهي في الدرجة الثانية لأن الله تعالى أخبر نبيه معناه بإلهام وأخبر النبي عنه أمته بعبارة نفسه قوله وتكذبني من باب التفعل ويروى ويكذبني بضم الياء من التكذيب
4913 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( مغيرة بن عبد الرحمان القرشي ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي

(15/110)


مطابقته للترجمة في قوله لما قضى الله الخلق ومغيرة بضم الميم وكسرها
والحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في النعوت كلهم عن قتيبة
قوله لما قضى الله الخلق قال الخطابي يريد لما خلق الله الخلق كما في قوله تعالى فقضاهن سبع سموات ( فصلت 21 ) أي خلقهن وقال ابن عرفة قضاء الشي إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه وبه سمي القاضي لأنه إذا حكم فقد فرغ مما بين الخصمين قوله كتب في كتابه أي أمر القلم أن يكتب في كتابه وهو اللوح المحفوظ والمكتوب هو أن رحمتي غلبت غضبي قوله فهو عنده أي الكتاب عنده والعندية ليست مكانية بل هو إشارة إلى كمال كونه مكنونا عن الخلق مرفوعا عن حيز إدراكهم قوله فوق العرش قال الخطابي قال بعضهم معناه دون العرش استعظاما أن يكون شيء من الخلق فوق العرش كما في قوله تعالى بعوضة فما فوقها ( البقرة 62 ) أي فما دونها أي أصغر منها وقال بعضهم إن لفظ الفوق زائد كما في قوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين ( النساء 11 ) إذ الثنتان يرثان الثلثين قلت في كل منهما نظر أما الأول ففيه استعمال اللفظ في غير موضعه وأما الثاني ففيه فساد المعنى لأن معناه يكون حينئذ فهو عنده العرش وهذا لا يصح والأحسن أن يقال معنى قوله فهو عنده فوق العرش أي علم ذلك عند الله فوق العرش لا ينسخ ولا يبدل أو ذكر ذلك عند الله فوق العرش ولا محذور من إضمار لفظ العلم أو الذكر على أن العرش مخلوق ولا يستحيل أن يمسه كتاب مخلوق فإن الملائكة حملة العرش حاملونه على كواهلهم وفيه المماسة فلا محذور أن يكون كتابه فوق العرش فإن قلت ما وجه تخصيص هذا بالذكر على ما قلت مع أن القلم كتب كل شيء قلت لما فيه من الرجاء الكامل وإظهار أن رحمته وسعت كل شيء بخلاف غيره قوله أن رحمتي بفتح أن على أنها بدل من كتب وبكسرها ابتداء كلام يحمي مضمون الكتاب قوله غلبت في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد سبقت بدل غلبت والمراد من الغضب معناه الغائي وهو لازمه وهو إرادة الإنتقام ممن يقع عليه الغضب والسبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة سابق غالب على تعليق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد حادث وبهذا يندفع إشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواضع كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة أو غيرها وقيل الرحمة والغضب من صفات الفعل لا من صفات الذات فلا مانع من تقدم بعض الأفعال على بعض وقال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك والله تعالى أعلم
2 -
( باب ما جاء في سبع أرضين )
هذا باب في بيان ما جاء في وضع سبع أرضين
وقول الله تعالى ألله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ( الطلاق 21 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله في سبع أرضين قوله الله مبتدأ و الذي خلق خبره قوله سبع سموات ومن الأرض مثلهن في العدد قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه الآية وقال الداودي فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السموات ليس بينها فرجة وحكى ابن التين عن بعضهم أن الأرض واحدة قال وهو مردود بالقرآن والسنة وروى البيهقي عن أبي الضحى عن مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ( الطلاق 21 ) قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ثم قال إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا وروى ابن أبي حاتم من طريق محمد عن مجاهد عن ابن عباس قال لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وأن سمك كل سماء كذلك وأن بين كل أرض

(15/111)


وأرض خمسمائة عام وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه فإن قلت روى أبو داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه مرفوعا بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة قلت يجمع بينهما بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته وفي ( تفسير النسفي ) وقيل إن المراد بقوله سبع أرضين الأقاليم السبعة والدعوة شاملة جميعها وقيل إنها سبع أرضين متصلة بعضها ببعض والحائل بين كل أرض وأرض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول إلى الأرض الأخرى ولا تصل الدعوة إليهم قوله لتعلموا اللام تتعلق بخلق وقيل بيتنزل والأول أقرب وأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما لا يخفى عليه شيء وعلما مصدر من غير لفظ الفعل أي قد علم كل شيء علما
والسقف المرفوع السماء
هذه حكاية عما في سورة الطور وهو والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع ( الطور 1 ) فقوله والسقف المرفوع بالرفع مبتدأ وقوله السماء ( الطور 1 ) خبره وهو تفسيره كذا فسره مجاهد رواه ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي نجيح عنه ويجوز بالجر على طريق الحكاية عما في سورة الطور سمى السماء سقفا لأنها للأرض كالسقف للبيت وهو يقتضي الرد على من قال إن السماء كرية لأن السقف في اللغة العربية لا يكون كريا وفيه نظر
سمكها بناءها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى رفع سمكها فسواها ( النازعات 82 ) في والنازعات وهنا سمكها مرفوع على الابتداء وخبره قوله بناؤها ويجوز بالنصب على الحكاية وقوله رفع سمكها ( النازعات 82 ) أي بناءها يعني رفع بنيانها والسمك بفتح السين المهملة وسكون الميم وهكذا فسره ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي طلحة عنه
الحبك استواؤها وحسنها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى والسماء ذات الحبك ( الذاريات 7 ) ويجوز في الحبك الرفع على الابتداء وخبره استواؤها ويجوز الجر على الحكاية والتفسير الذي فسره رواه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن يزيد عن سعيد بن جبير عنه والحبك بضمتين جمع حبيكة كطرق جمع طريقة وزنا ومعنى وقيل واحدها حباك كمثال وقيل الحبك الطرائق التي ترى في السماء من آثار الغيم وروى الطبري عن الضحاك نحوه وقيل هي النجوم أخرجه الطبري بإسناد حسن عن الحسن وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو أن المراد بالسماء هنا السماء السابعة
وأذنت سمعت وأطاعت
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ( الانشقاق 12 ) ورواه هكذا ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وأذنت لربها أي أطاعت ومن طريق الضحاك أي سمعت قال النسفي وحقيقته من أذن الشيء إذا أصغى إليه أذنه للاستماع والسماع يستعمل للإسعاف والإجابة كذلك الإذن أي أجابت لربها إلى الانشقاق وما أراده منها
وألقت أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت عنهم
أشار إلى قوله تعالى بعد قوله وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت ( الانشقاق 23 ) وحقت أي حق لها أن تطيع وألقت أي طرحت ما فيها ومدت من مد الشيء فامتد وهو أن تزول جبالها وآكامها وكل أمة فيها حتى تمتد وتنبسط ويستوي ظهرها وتخلت أي خلت غاية الخلو حتى لا يبقى في بطنها شيء كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو

(15/112)


طحاها دحاها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى والأرض وما طحاها ونفس وما سواها ( الشمس 67 ) وأراد بقوله دحاها تفسير قوله طحاها وهكذا فسره مجاهد أخرجه عنه عبد بن حميد وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس والسدي وغيرهما دحاها أي بسطها من الدحو وهو البسط يقال دحا يدحو ويدحي أي بسط ووسع
بالساهرة وجه الأرض كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فإذا هم بالساهرة ( النازعات 41 ) أي وجه الأرض ولعله سمى بها لأن نوم الخلائق وسهرهم فيها هكذا فسره عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم وأخرج أيضا من طريق مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد في قوله تعالى فإذا هم بالساهرة ( النازعات 41 ) قال أرض بيضاء عفراء كالخبزة وعن ابن أبي حاتم المراد بها أرض القيامة وقال النسفي قيل هذه الساهرة جبل عند بيت المقدس وقال أبو العالية فإذا هم بالساهرة ( النازعات 41 ) بالصقع الذي بين جبل حسبان وجبل أريحا
5913 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال أخبرنا ( ابن علية ) عن ( علي بن المبارك ) قال حدثنا ( يحيى ابن أبي كثير ) عن ( محمد بن إبراهيم بن الحارث ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) وكانت بينه وبين أناس خصومة في أرض فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله قال من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين
مطابقته للترجمة في قوله من سبع أرضين وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وابن علية اسمه إسماعيل بن إبراهيم وعلية اسم أمه وقد مر غير مرة
والحديث قد مضى في المظالم في باب إثم من ظلم شيئا من الأرض فإنه أخرجه هناك عن أبي معمر عن عبد الوارث عن حسين عن يحيى بن أبي كثير إلى آخره
قوله قيد شبر بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وهو المقدار قوله طوقه على صيغة المجهول ومعنى التطويق أن يخسف الله به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه يوم القيامة كالطوق وقيل هو أن يطوق حملها يوم القيامة أي يكلف لا من طوق التقليد بل من طوق التكليف
6913 - حدثنا ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم ) عن أبيه قال قال النبي من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين
مطابقته للترجمة ظاهرة وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وسالم يروي عن أبيه عبد الله بن المبارك والحديث مضى في المظالم في باب إثم من ظلم فإنه أخرجه هناك عن مسلم بن إبراهيم عن عبد الله بن المبارك
7913 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( ابن أبي بكرة ) عن ( أبي بكرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان
مطابقته للترجمة تتأتى بالتعسف لأن الأحاديث المذكورة فيها التصريح بسبع أرضين وهذا المذكور لفظ الأرض فقط ولكن المراد منه سبع أرضين أيضا وعبد الوهاب الثقفي وأيوب السختياني وابن أبي بكرة عبد الرحمن وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي وقد مضى في كتاب العلم عن أبي بكرة وفي الحج أيضا من هذا الوجه ولكن يأتي نحوه بأتم منه في آخر

(15/113)


المغازي
قوله الزماناسم لقليل الوقت وكثيره وأراد به هنا السنة وذلك أن قوله السنة إثني عشر شهرا إلى آخره جمل مستأنفة مبينة للجملة الأولى فالمعنى أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأعوام إلى الأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي اختاره الله ووضعه يوم خلق السموات والأرض قوله استدار يقال دار يدور واستدار يستدير بمعنى إذا طاف حول الشيء وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه ومعنى الحديث أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء المذكور في قوله تعالى إنما النسيء زيادة في الكفر ( التوبة 73 ) وذلك ليقاتلوا فيه ويفعلون ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة فلما كانت تلك السنة قد عاد إلى زمنه المخصوص به قيل دارت السنة كهيئتها الأولى وقال بعضهم إنما أخر النبي الحج مع الإمكان ليوافق أصل الحساب فيحج فيه حجة الوداع قوله كهيئته الكاف صفة مصدر محذوف أي استدار استدارة مثل حالته يوم خلق السموات والأرض قوله ثلاث متواليات إنما حذف التاء من العدد باعتبار أن الشهر واحد الأشهر بمعنى الليالي فاعتبر لذلك تأنيثه ويقال ذلك باعتبار الغرة أو الليلة مع أن العدد الذي لم يذكر معه المميز جاز فيه التذكير والتأنيث ويروى ثلاثة على الأصل قوله ذو القعدة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي ذو القعدة أو أولها ذو القعدة وما بعده عطف عليه قوله ورجب مضمر عطف على قوله ثلاث وليس بعطف على قوله والمحرم وإنما أضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يكن يستحله أحد من العرب قوله بين جمادى وشعبان ذكره تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسىء قال الزمخشري النسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر كانوا يحلون الشهر الحرام ويحرمون مكانه شهرا آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم فكانوا يحرمون من شهور العام أربعة أشهر مطلقا وربما زادوا في الأشهر فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر قال والمعنى رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة فكانت حجة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قبلها في ذي القعدة
8913 - حدثني ( عبيد بن إسماعيل ) قال ( حدثناأبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ) أنه خاصمته أروى في حق زعم أنه انتقصه لها إلى مروان فقال سعيد أنا أنتقص من حقها شيئا أشهد لسمعت رسول الله يقول من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ( انظر الحديث 2542 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد بضم العين واسمه في الأصل عبد الله الهباري القرشي الكوفي وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام بن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عروة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة المبشرة رضي الله تعالى عنهم
والحديث من قوله لسمعت رسول الله إلى آخره قد مر في المظالم في باب إثم من ظلم شيئا من الأرض
قولهأروىبفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو وبالقصر بنت أبي أويس بالسين المهملة قال ابن الأثير لم أتحقق أنها صحابية أو تابعيةقوله زعمت أي أدعت أنه أي أن سعيد بن زيد انتقصه أي انتقصها من حقها في أرض قوله إلى مروان يتعلق بقوله خاصمته أي ترافعا إلى مروان وهو كان يومئذ متولي المدينة وقد ترك سعيد الحق لها ودعا عليها فاستجاب الله تعالى دعاءه ومرت القصة في المظالم
قال ابن الزناد عن هشام عن أبيه قال قال لي سعيد بن زيد دخلت على النبي
ابن أبي الزناد بكسر الزاي وبالنون هو عبد الرحمن بن عبد الله مفتي بغداد وأراد البخاري بهذا التعليق بيان لقاء عروة

(15/114)


سعيدا وتصريح سماعه منه الحديث المذكور وقال بعضهم وقد لقي عروة من هو أقدم من سعيد كوالده الزبير وعلي وغيرهما قلت لا يلزم من ذلك ملاقاته سعيدا من هذا الوجه
3 -
( باب في النجوم )
أي هذا باب في بيان ما جاء في النجوم
وقال قتادة ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ( الملك 5 ) خلق هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورحوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به
هذا التعليق وصله عبد بن حميد في تفسيره عن يونس عن سفيان عنه وزاد في آخره وأن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من غرس بنجم كذا كان كذا ومن سافر بنجم كذا كان كذا ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم وقال الداودي قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله أخطأ وأضاع نصيبه فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر انتهى ورد عليه بأنه لم يتعين الكفر في ذلك إلا في حق من نسب الاختراع إلى النجوم وفي ( ذم النجوم ) للخطيب البغدادي من حديث إسماعيل بن عياش عن البحتري بن عبيد الله عن أبيه عن أبي ذر عن عمر مرفوعا لا تسألوا عن النجوم ومن حديث عبد الله بن موسى عن الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد الملك عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه نهاني رسول الله عن النظر في النجوم وعن أبي هريرة وابن مسعود وعائشة وابن عباس نحوه وعن الحسن أن قيصر سأل قس بن ساعدة الأيادي هل نظرت في النجوم قال نعم نظرت فيما يراد به الهداية ولم أنظر فيما يراد به الكهانة وفي ( كتاب الأنواء ) لأبي حنيفة المنكر في الذم من النجوم نسبة الأمر إلى الكواكب وأنها هي المؤثرة وأما من نسب التأثير إلى خالقها وزعم أنه نصبها أعلاما وصيرها آثارا لما يحدثه فلا جناح عليه
وقال ابن عباس هشيما متغيرا
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فأصبح هشيما تذروه الرياح ( الكهف 54 ) وفسر ابن عباس ورأبة هشيما بقوله متغيرا ذكره إسماعيل ابن أبي زياد في تفسيره عن ابن عباس وقد جرت عادة البخاري أنه إذا ذكر آية أو حديثا في الترجمة ونحوها يذكر أيضا بالتبعية على سبيل الاستطراد ماله أدنى ملابسة بها تكثيرا للفائدة
والأب ما يأكل الأنعام
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ( عبس 0313 ) وهذا أيضا تفسير ابن عباس أيضا ووصله ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه قال الأب ما أنبته الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس ومن طريق عطاء والضحاك الأب كل شيء ينبت على وجه الأرض وزاد الضحاك إلا الفاكهة
والأنام الخلق
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى والأرض وضعها للأنام فسر الأنام بقوله الخلق وهذا تفسير ابن عباس أيضا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في الآية المذكورة والمراد بالخلق المخلوق وروى من طريق سماك عن عكرمة قال الأنام الناس ومن طريق الحسن قال الجن والإنس وقال الشعبي هو كل ذي روح
برزخ حاجب
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى بينهما برزخ لا يبغيان ( الرحمان 02 ) فسره بقوله حاجب يعني حاجب بين البحرين لا يختلطان وهذا أيضا

(15/115)


تفسير ابن عباس وحاجب بالباء الموحدة في قول الأكثرين وفي رواية المستملي والكشميهني حاجز بالزاي موضع الباء من حجز بين الشيئين إذا حال بينهما
وقال مجاهد ألفافا ملتفة والغلب الملتفة
أشار بهذا إلى ما روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى وجنات ألفافا ( النبإ 61 ) أي ملتفة وصله عنه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح ومعنى ملتفة أي ملتفة بعضها على بعض وألفاف جمع لف وقيل جمع لفيف وحكى الكسائي أنه جمع الجمع وقال الطبري اختلف أهل اللغة في واحد الألفاف فقال بعض نحاة البصرة لف وقال بعض نحاة الكوفة لف ولفيف وقال الطبري إن كان الألفاف جمعا فواحده جمع أيضا تقول جنة لف وجنات لف قوله والغلب الملتفة إشارة إلى ما في قوله تعالى وحدائق غلبا ( عبس 03 ) وفسر الغلب بقوله الملتفة وروى ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس الحدائق ما التفت والغلب ما غلظ وروى من طريق عكرمة عنه الغلب شجر بالجبل لا يحمل يستظل به
فراشا ( البقرة 22 ) مهادا كقوله ولكم في الأرض مستقر ( البقرة 63 )
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى وهو الذي جعل لكم الأرض فراشا ( البقرة 22 ) وفسره بقوله مهادا وبه فسر قتادة والربيع بن أنس وصله الطبري عنهما قوله كقولهولكم في الأرض مستقر ( البقرة 63 ) أي كما في قوله تعالى ولكم في الأرض مستقر ( البقرة 63 ) أي موضع قرار وهو بمعنى المهاد
نكدا قليلا
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ( الأعراف 85 ) وفسر النكد بقوله قليلا وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي قال لا يخرج إلا نكدا ( الأعراف 85 ) قال النكد الشيء القليل الذي لا ينفع وأخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال هذا مثل ضرب للكافر كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة
4 -
( باب صفة الشمس والقمر بحسبان )
أي هذا باب في بيان تفسير صفة الشمس والقمر بحسبان
قال مجاهد كحسبان الرحى
يعني الشمس والقمر يجريان بحسبان يعني بحساب معلوم كجري الرحى يعني على حساب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها والحسبان قد يكون مصدرا تقول حسبت حسابا وحسبانا مثل الغفران والكفران والرجحان والنقصان والبرهان وقد يكون جمع الحساب مثل الشهبان والركبان والقضبان والرهبان وقول مجاهد وصله الفريابي في ( تفسيره ) من طريق ابن أبي نجيح عنه
وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها
أي قال غير مجاهد في تفسير الآية المذكورة إن معناها يجريان بحسبان أي بقدر معلوم ويجريان في منازل لا يعدوانها أي لا يتجاوزان المنازل روى ذلك الطبري عن ابن عباس بإسناد صحيح وروى عبد بن حميد أيضا من طريق أبي مالك الغفاري مثله
حسبان جماعة حساب مثل شهاب وشهبان
قد ذكرنا الآن أن لفظ حسبان قد يكون جمعا وقد يكون مصدرا
ضحاها ضوؤها

(15/116)


أشار بهذا إلى قوله تعالى والشمس وضحاها ( الشمس 1 ) وفسر الضحى بالضوء وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال والشمس وضحاها ( الشمس 1 ) قال ضوؤها وقال الإسماعيلي يريد أن الضحى تقع في صدر النهار وعنده تشتد إضاءة الشمس وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة والضحاك وقال ضحاها النهار وفي ( تفسير النسفي ) والشمس وضحاها ( الشمس 1 ) إذا أشرقت وقام سلطانها ولذلك قيل وقت الضحى وكان وجهه شمس الضحى وقيل الضحوة ارتفاع النهار والضحى فوق ذلك
أن تدرك القمر لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر ولا ينبغي لهما ذلك سابق النهار يتطالبان حثيثان نسلخ نخرج أحدهما من الآخر ونجري كل واحد منهما
أشار بهذا إلى قوله تعالى لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ( يس 04 ) قال الضحاك إي لا يزول الليل من قبل مجيء النهار وقال الداودي أي لا يأتي الليل في غير وقته قوله ولا الليل سابق النهار أي يتطالبان حثيثان أي سريعان وقال تعالى يطلبه حثيثا أي سريعا قوله نسلخ منه النهار أي نسلخ من الليل النهار والسلخ الإخراج ويقال سلخت الشاة من الإهاب والشاة مسلوخة والمعنى أخرجنا النهار من الليل إخراجا لم يبق معه شيء فاستعير السلخ لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل وملقى ظله قوله وتجري بالنون من الإجراء قوله كل واحد منهما أي من الليل والنهار ولما كان السلخ إخراج النهار من الليل وبالعكس أيضا كذلك عمم البخاري فقال بلفظ أحدهما
واهية وهيها تشققها
أشار بهذا إلى قوله تعالى وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ( الحاقة 61 ) وفسر الوهي بالتشقيق وهذا قول الفراء وروى الطبري عن ابن عباس واهية متمزقة ضعيفة
أرجائها ما لم ينشق منها فهي على حافتيه كقولك على أرجاء البئر
أشار بهذا إلى قوله تعالى والملك على أرجائها ( الحاقة 71 ) وهو جمع الرجاء مقصورا وهو ناحية البئر والرجوان حافتا البئر ووقع في رواية غير الكشميهني فهو على حافتيها وكأنه أفرد الضمير باعتبار لفظ الملك وجمع باعتبار الجنس وروى عن قتادة في قوله والملك على أرجائها ( الحاقة 71 ) أي على حافات السماء وروى الطبري عن سعيد بن المسيب مثله وعن سعيد بن جبير على حافاة الدنيا وعن ابن عباس قال والملك على حافات السماء حين تشقق
أغطش وجن أظلم
أشار بقوله أغطش إلى قوله تعالى أغطش ليلها ( النازعات 92 ) وبقوله وجن إلى قوله تعالى فلما جن عليه الليل ( الأنعام 67 ) وفسرهما بقوله أظلم فالأول تفسير قتادة أخرجه عبد بن حميد من طريقه والثاني تفسير أبي عبيدة
وقال الحسن كورت تكور حتى يذهب ضوءها
أشار بهذا إلى قوله تعالى إذا الشمس كورت ( التكوير 1 ) قال الحسن البصري معنى كورت تكور حتى يذهب ضوؤها ومعنى تكور تلف تقول كورت العمامة تكويرا إذا لففتها والتكوير أيضا الجمع تقول كورته إذا جمعته وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إذا الشمس كورت ( التكوير ) يقول أظلمت ومن طريق الربيع بن خثيم قال كورت أي رمى بها ومن طريق أبي يحيى عن مجاهد كورت قال اضمحلت
والليل وما وسق جمع من دابة
وصله عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن نحوه
اتسق استوى

(15/117)


أشار به إلى قوله تعالى والقمر إذا اتسق ( الانشقاق 81 ) فسره بقوله استوى وصله عبد بن حميد أيضا من طريق منصور عنه وأصل اتسق أو تسق قلبت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء أي تجمع ضوؤه وذلك في الليالي البيض
بروجا منازل الشمس والقمر
أشار به إلى قوله تعالى تبارك الذي جعل في السماء بروجا ( الفرقان 16 ) وفسر البروج بالمنازل أي منازل الشمس والقمر وروى الطبري من طريق مجاهد قال البروج الكواكب ومن طريق أبي صالح قال هي النجوم الكبار وقيل هي قصور في السماء رواه عبد بن حميد من طريق يحيى بن رافع ومن طريق قتادة قال هي قصور على أبواب السماء فيها الحرس وعند أهل الهيئة البروج غير المنازل فالبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون فكل برج عبارة عن منزلتين وثلث منها وبهذا يحصل الجواب عما قيل كيف يفسر البروج بالمنازل والبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون أو المراد بالمنازل معناها اللغوي لا التي عليه أهل التنجيم
الحرور بالنهار مع الشمس
أشار بهذا إلى قوله تعالى ولا الظل ولا الحرور ( فاطر 12 ) وفسر الحرور بأنه يكون بالنهار مع الشمس كذا روي عن أبي عبيدة وقال الفراء الحرور الحر الدائم ليلا كان أو نهارا والسموم بالنهار خاصة
وقال ابن عباس ورؤبة الحرور بالليل والسموم بالنهار
رؤبة بضم الراء ابن العجاج اسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كنيف بن عميرة بن حيي بن ربيعة بن سعد ابن مالك بن سعد التميمي السعدي من سعد تميم البصري هو وأبوه راجزان مشهوران عالمان باللغة وهما من الطبقة التاسعة من رجال الإسلام وتفسير رؤبة هذا ذكره أبو عبيد عنه في ( المجاز ) وقال السدي المراد بالظل والحرور في الآية الجنة والنار أخرجه ابن أبي حاتم عنه
يقال يولج يكور
أشار به إلى قوله تعالى يولج الليل في النهار ( الحج 162 لقمان 92 فاطر 312 الحديد 6 ) وفسره بقوله يكور وقال بعضهم يكور كذا يعني بالراء في رواية أبي ذر ورأيت في رواية ابن شبويه يكون بنون وهو الأشبه قلت الأشبه بالراء لأن معنى يكور يلف النهار في الليل وقال أبو عبيدة يولج أي ينقص من الليل فيزيد في النهار وكذلك النهار وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال ما نقص من أحدهما دخل في الآخر يتقاصان ذلك في الساعات
وليجة كل شيء أدخلته في شيء
أشار بهذا إلى لفظ وليجة المذكور في قوله تعالى أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ( التوبة 61 ) وقد فسر وليجة بقوله كل شيء أدخلته في شيء قوله أن تتركوا ( التوبة 61 ) أي أم حسبتم أيها المؤمنون أن نترككم مهملين ولا نختبركم بأمور يظهر فيها أهل العزم والصدق من الكاذب ولهذا قال ولما يعلم الله ( التوبة 61 ) إلى قوله وليجة ( التوبة 61 ) أي بطانة ودخيلة بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر وقال المفسرون الوليجة الخيانة وقيل الخديعة وقيل البطانة من غير المسلمين وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين يفشون إليهم أسرارهم وقال ابن قتيبة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فإنه وليجة
9913 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم التيمي ) عن أبيه عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري

(15/118)


أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربه فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ( يس 83 )
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه من جملة صفات الشمس التي تعرض عليها وزعم بعضهم أن وجه المطابقة هو سير الشمس في كل يوم وليلة وليس ذلك بوجه والدليل على وجه ما قلنا أن في بعض النسخ ذكر هذا باب صفة الشمس ثم ذكر الحديث المذكور والألفاظ التي ذكرها من قوله قال مجاهد كحسبان الرحى إلى هذا الحديث ليس بموجودة في بعض النسخ
ورجال هذا الحديث كلهم مضوا عن قريب وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد من الزيادة ابن شريك ابن طارق التيمي الكوفي وهو يروي عن أبي ذر واسمه جندب بن جنادة وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا أشهرها ما ذكرناه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن الحميدي وعن أبي نعيم وفي التوحيد عن عياش عن يحيى بن جعفر وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن إسحاق بن إبراهيم وأبي سعيد الأشج عن إسحاق ويحيى بن أيوب وعن عبد الحميد وأخرجه أبو داود في الحروف عن عثمان والقواريري وأخرجه الترمذي في الفتن وفي التفسير عن هناد وأخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم
ذكر معناه قوله أتدري الغرض من هذا الاستفهام إعلامه بذلك قوله حتى تسجد تحت العرش فإن قلت ما المراد بالسجود إذ لا جبهة لها والانقياد حاصل دائما قلت الغرض تشبيهها بالساجد عند الغروب فإن قلت يرى أنها تغيب في الأرض وقد أخبر الله تعالى أنها تغرب في عين حمئة فأين هي من العرش قلت الأرضون السبع في ضرب المثال كقطب الرحى والعرش لعظم ذاته كالرحى فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش وذلك مستقرها فإن قلت أصحاب الهيئة قالوا الشمس مرصعة في الفلك فإنه يقتضي أن الذي يسير هو الفلك وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجري قلت أما أولا فلا اعتبار لقول أهل الهيئة عند مصادمة كلام الرسول وكلام الرسول هو الحق لا مرية فيه وكلامهم حدس وتخمين ولا مانع في قدرة الله تعالى أن تخرج الشمس من مجراها وتذهب إلى تحت العرش فتسجد ثم ترجعفإن قلت قال الله تعالى وكل في فلك يسبحون ( الأنبياء 33 يس 04 ) أي يدورونقلت دوران الشمس في فلكها لا يستلزم منع سجودها في أي موضع أراده الله تعالى وقال بعضهم يحتمل أن يكون المراد بالسجود من هو موكل بها من الملائكة قلت هذا الاحتمال غير ناشىء عن دليل فلا يعتبر به وهو أيضا مخالف لظاهر الحديث وعدول عن حقيقته وقيل المراد من قوله تحت العرش أي تحت القهر والسلطان قلت لماذا الهروب من ظاهر الكلام وحقيقته على أنا نقول السموات والأرضون وغيرهما من جميع العالم تحت العرش فإذا سجدت الشمس في أي موضع قدره الله تعالى يصح أن يقال سجدت تحت العرش وقال ابن العربي وقد أنكر قوم سجود الشمس وهو صحيح ممكن قلت هؤلاء قوم من الملاحدة لأنهم أنكروا ما أخبر به النبي وثبت عنه بوجه صحيح ولا مانع من قدرة الله تعالى أن يمكن كل شيء من الحيوان والجمادات أن يسجد له قوله فتستأذن يدل على أنها تعقل وكذلك قوله تسجد قال الكرماني فإن قلت فيم تستأذن قلت الظاهر أنه في الطلوع من المشرق والله أعلم بحقيقة الحال انتهى قلت لا حاجة إلى القيد بقوله الظاهر لأنه لا شك أن استئذانها هذا لأجل الطلوع من المشرق على عادتها فيؤذن لها ثم إذا قرب يوم القيامة تستأذن في ذلك فلا يؤذن لها كما في الحديث المذكور قوله ويوشك أن تسجد لفظ يوشك من أفعال المقاربة وهي على أنواع منها ما وضع للدلالة على قرب الخبر وهو ثلاثة كاد وكرب وأوشك كما عرف

(15/119)


في موضعه فعلى هذا معنى ويوشك أن تسجد ويقرب أن تسجد وقد علم أن أفعال المقاربة ملازمة لصيغة الماضي إلا أربعة ألفاظ فاستعمل لها مضارع منها أوشك قوله فلا يقبل منها يعني لا يؤذن لها حتى تسجد قوله وتستأذن فلا يؤذن لها يعني تستأذن بالسير إلى مطلعها فلا يؤذن لها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ( يس 34 ) أشار بقوله فذلك إلى ما تضمن قوله فإنها تذهب إلى آخره قوله لمستقر لها يعني إلى مستقر لها قال ابن عباس لا يبلغ مستقرها حتى ترجع إلى منازلها قال قتادة إلى وقت وأجل لها لا تعدوه وقيل إلى انتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا وقيل إلى أبعد منازلها في الغروب وقيل لحد لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب وقيل مستقرها أجلها الذي أقر الله عليه أمرها في جريها فاستقرت عليه وهو آخر السنة وعن ابن عباس إنه قرأ لا مستقر لها وهي قراءة ابن مسعود أي لا قرار لها فهي جارية أبدا ذلك ( يس 34 ) الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق الذي يكل الفطن عن استخراجه وتتحير الأفهام في استنباط ما هو إلا تقدير العزيز ( يس 34 ) الغالب بقدرته على كل مقدور العليم ( يس 34 ) المحيط علما بكل معلوم فإن قلت روى مسلم عن أبي ذر قال سألت رسول الله عن قول الله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ( يس 34 ) قال مستقرها تحت العرش قلت لا ينكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه إن علمنا لا يحيط به
00 - 2 - 3 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن المختار ) قال حدثنا ( عبد الله الداناج ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الشمس والقمر مكوران يوم القيامة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن تكور الشمس والقمر من صفاتهما وعبد الله هو ابن فيروز الداناج بالدال المهملة وتخفيف النون وفي آخره جيم ويقال بدون الجيم أيضا وهو معرب ومعناه العالم وهو بصري
قوله مكوران أي مطويان ذاهبا الضوء وقال ابن الأثير أي يلفان ويجمعان وفي رواية كعب الأحبار يجاء بالشمس والقمر ثورين يكوران في النار يوم القيامة أي يلفان ويلقيان في النار والرواية ثورين بالثاء المثلثة كأنهما يمسخان وقال ابن الأثير وقد روي بالنون وهو تصحيف وقال الطبري بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس تكذيب كعب في قوله هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام الله أكرم وأجل من أن يعذب على طاعته ألم تر إلى قوله تعالى وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( إبراهيم 33 ) يعني دوامهما في طاعته فكيف يعذب عبدين اثنى الله عليهما انتهى
قلت قد روي عن أبي هريرة وأنس أيضا مثل ما روي عن كعب أما حديث أبي هريرة فقد قال الخطابي وروي في هذا الحديث زيادة لم يذكرها أبو عبد الله وهي ما حدثنا ابن الأعرابي حدثنا عباس الدوري حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز المختار عن عبد الله الداناج شهدت أبا سلمة حدثنا أبو هريرة عن رسول الله أنه قال إن الشمس والقمر ثوران يكوران في النار يوم القيامة قال الحسن وما ذنبهما قال أبو سلمة أنا أحدثك عن رسول الله وأنت تقول ما ذنبهما فسكت الحسن وأما ما روي عن أنس فقد رواه أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا أن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار وذكره أبو مسعود الدمشقي في بعض نسخ ( أطرافه ) موهما أن ذلك في الصحيح وذكر ابن وهب في ( كتاب الأموال ) عن عطاء بن يسار أنه تلا هذه الآية وجمع الشمس والقمر ( إبراهيم 33 ) قال يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في النار فيكونان في نار الله الكبرى وقال الخطابي ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك ولكنه تبكيت لمن لكان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة وقيل إنهما خلقا من النار فأعيدا فيها ويرد هذا القول ما روي عن ابن مسعود مرفوعا تكلم ربنا بكلمتين صير إحداهما شمسا والأخرى قمرا وكلاهما من النور ويعادان يوم القيامة إلى الجنة وقال الإسماعيلي لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما فإن الله في النار ملائكة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب

(15/120)


1023 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) قال حدثني ( ابن وهب ) قال أخبرني ( عمرو ) أن ( عبد الرحمان ابن القاسم ) قال حدثه عن أبيه عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه كان يخبر عن النبي قال إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا ( انظر الحديث 2401 )
مطابقته للترجمة من حيث إن الكسوف الذي يعرض للشمس والخسوف الذي يعرض للقمر من صفاتهما
ويحيى بن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي الكوفي سكن مصر ومات بها سنة سبع وثلاثين ومائتين وهو من أفراده وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمرو هو ابن الحارث المصري وعبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
وهذا الحديث قد مضى في أول أبواب الكسوف فإنه أخرجه هناك عن أصبغ عن ابن وهب إلى آخره نحوه وقد مر الكلام فيه هناك قوله فصلوا أي صلاة الكسوف
2023 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثني ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء ابن يسار ) عن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق والحديث مضى بأتم وأطول منه في باب صلاة الكسوف فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره
3023 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أخبرته أن رسول الله يوم خسفت الشمس قام فكبر وقرأ قراءة طويلة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده وقام كما هو فقرأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى ثم ركع ركوعا طويلا وهو أدنى من الركعة الأولى ثم سجد سجودا طويلا ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك ثم سلم وقد تجلت الشمس فخطب الناس فقال في كسوف الشمس والقمر إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله والحديث مضى في باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث إلى آخره نحوه قوله فافزعوا أي التجئوا إلى الصلاة وذكر الله
4023 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس ) عن ( أبي مسعود ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي وقيس بن أبي حازم واسمه عوف الأحمسي البجلي وأبو مسعود اسمه عقبة بن عمرو البدري وقال الكرماني وفي بعضها ابن مسعود أي عبد الله وهذا وإن كان صحيحا من جهة أن قيس بن أبي حازم بالزاي يروي عنه أيضا لكن الروايات

(15/121)


متعاضدة على أن الحديث في مسانيد عقبة لا عبد الله والحديث مضى في باب لا ينكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته والله أعلم
5 -
( باب ما جاء في قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته ( الأعراف 75 ) )
أي هذا باب في بيان ما جاء إلى آخره
قاصفا تقصف كل شيء
أشار به إلى تفسير لفظ قاصفا في قوله تعالى فيرسل عليكم قاصفا من الريح ( الإسراء 96 ) وفسره بقوله تقصف كل شيء يعني تأتي عليه وقال أبو عبيدة هي التي تقصف كل شيء أي تحطم وروى الطبري من طريق ابن جريج قال قال ابن عباس القاصف التي تفرق هكذا رواه منقطعا لأن ابن جريج لم يدرك ابن عباس
لواقح ملاقح ملقحة
أشار به إلى لفظ لواقح في قوله تعالى وأرسلنا الرياح لواقح ( الحج 22 ) وفسر اللواقح بالملاقح جمع ملقحة وهو من النوادر يقال إلقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح وقال ابن السكيت اللواقح الحوامل وعن أبي عبيدة الملاقح جمع ملقحة وملقح مثل ما قال البخاري وأنكره غيره فقال جمع لاقحة ولاقح على النسب أي ذات اللقاح والعرب تقول للجنوب لاقح وحامل وللشمال حائل وعقيم وقال ابن مسعود لواقح تحمل الريح الماء فتلقح السحاب وتمر به فيدر كما تدر اللقحة ثم يمطر وقال ابن عباس تلقح الرياح والشجر والسحاب وتمر به وقال عبد الله بن عمر الرياح ثمانية أربع عذاب وأربع رحمة فالرحمة الناشرات والذاريات والمرسلات والمبشرات وأما العذاب فالعاصف والقاصف وهما في البحر والصرصر والعقيم وهما في البر
إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار
أشار بهذا إلى تفسير لفظ إعصار في قوله تعالى فأصابها إعصار فيه نار ( البقرة 662 ) وعن ابن عباس هي الريح الشديدة وقيل ريح عاصف فيها سموم وقيل هي التي يسميها الناس الزوبعة وعن الضحاك الإعصار ريح فيها برد شديد والذي قاله البخاري أظهر لقوله تعالى فيه نار ( البقرة 662 ) وهو تفسير أبي عبيدة
صر برد
أشار به إلى تفسير لفظ صر في قوله تعالى ريح فيها صر ( آل عمران 711 ) قال أبو عبيدة الصر شدة البرد
نشرا متفرقة
فسر نشرا الذي في قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته ( آل عمران 11 ) الذي وصفه برحمة بقوله متفرقة وهو جمع نشور وعن عاصم كأنه جمع نشر وعن محمد اليماني هو المطر
5023 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يتضمن ريح الرحمة والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة والحديث مضى في الاستسقاء في باب قول النبي نصرت بالصبا فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن شعبة إلى آخره

(15/122)


6023 - حدثنا ( مكي بن إبراهيم ) قال حدثنا ( ابن جريج ) عن ( عطاء ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي ما أدري لعله كما قال قوم فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ( الأحقاف 42 ) الآية ( الحديث 6023 - طرفه في 9284 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل على ذكر الريح والمطر الذي يأتي به الريح ومكي بن إبراهيم بن بشر بن فرقد الحنظلي البلخي ولفظ مكي على صورة النسبة اسمه وليس هو منسوبا إلى مكة وقد وهم الكرماني فقال مكي نسبة إلى مكة وقال في موضع آخر كالمنسوب إلى مكة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن عبد الرحمن بن الأسود البصري وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن يحيى بن أيوب المروزي
قوله مخيلة بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وهي السحابة التي بخال فيها المطر قوله وتغير وجهه خوفا أن تصيب أمته عقوبة ذنب العامة كما أصاب الذين قالوا هذا عارض ممطرنا ( الأنفال 33 ) الآية فإن قلت كيف يلتئم هذا مع قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( الأنفال 33 ) قلت الآية نزلت بعد هذه القصة وهذه كرامة لرسول الله ورفع لدرجته حيث لا يعذب أمته وهو فيهم ولا يعذبهم أيضا وهم يستغفرون بعد ذهابه واستنبطت الصوفية من ذلك أن الإيمان الذي في القلوب أيضا يمنع من تعذيب أبدانهم كما كان وجوده فيهم مانعا منه قوله فإذا أمطرت السماء قد مر الكلام في أمطر ومطر في باب الاستسقاء وفي رواية أبي ذر بدون الألف قوله سري عنه على صيغة المجهول أي كشف عنه ما خالطه من الوجل يقال سررت الثوب وسريته إذا أخلقته وسريت الجل عن الفرس إذا نزعته عنه والتشديد للمبالغة قوله فعرفته عائشة من التعريف أي عرفت النبي ما كان عرض له قوله عارضا وهو السحاب الذي يعترض في أفق السماء
6 -
( باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم )
أي هذا باب في ذكر الملائكة وهو جمع ملك وقال ابن سيده هو مخفف عن ملأك كالشمائل جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع وتركت الهمزة في المفرد للاستثقال وقال القزاز هو مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة وقيل هو مأخوذ من الملك بفتح الميم وسكون اللام وهو الأخذ بقوة وقيل من الملك بالكسر لأن الله تعالى قد جعل لكل ملك ملكا فملك ملك الموت قبض الأرواح وملك إسرافيل الصور وكذا سائرهم ويفسد هذا قولهم ملائكة بالهمزة ولا أصل له على هذا القول في الهمزة وقد جاء الملك جمعا كما في قوله تعالى والملك على أرجائها ( الحاقة 71 ) والملائكة أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السموات ويقال جوهر بسيط ذو نطق وعقل مقدس عن ظلمة الشهوة وكدورة الغضب ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( التحريم 6 ) طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس وانسهم بذكر الله تعالى خلقوا على صور مختلفة واقدار متفاوتة لإصلاح مصنوعاته وإسكان سمواته
وقال أنس قال عبد الله بن سلام للنبي إن جبريل عليه السلام عدو اليهود من الملائكة
هذا التعليق قطعة من حديث وصله البخاري في كتاب الهجرة عن محمد بن سلام عن مروان بن معاوية عن حميد عن أنس وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى
وقال ابن عباس إنا لنحن الصافون الملائكة
هذا التعليق رواه الطبراني مرفوعا عن عائشة بلفظ ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم فذلك قوله

(15/123)


وإنا لنحن الصافون ( الصافات 561 ) وروى أيضا عن محمد بن سعد حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس بزيادة الملائكة صافون تسبح لله عز و جل
7023 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) ح وقال لي ( خليفة ) قال حدثنا ( يزيد ابن زريع ) قال حدثنا ( سعيد وهشام ) قالا حدثنا ( قتادة ) قال حدثنا ( أنس بن مالك ) عن ( مالك بن صعصعة ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر يعني رجلا بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملىء حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملىء حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا ولنعم المجيء جاء فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فأتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى فقالا مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الثالثة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت يوسف فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الرابعة قيل من هاذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة قيل من هاذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتينا على هرون فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا على السماء السادسة قيل من هاذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل ما أبكاك قال يا رب هاذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي فأتينا السماء السابعة قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ونعم المجيء جاء فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران

(15/124)


النيل والفرات ثم فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت قلت فرضت علي خمسون صلاة قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق فارجع إلى ربك فسله فرجعت فسألته فجعلها أربعين ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ثم مثله فجعل عشرا فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا فأتيت موسى فقال ما صنعت قلت جعلها خمسا فقال مثله قلت سلمت بخير فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه ذكر جبريل صريحا وهو من الكروبيين وهم سادة الملائكة
ذكر رجاله وهم تسعة الأول هدبة بضم الهاء وسكون الدال وبالباء الموحدة ابن خالد بن أبي الأسود القيسي البصري ويقال هداب الثاني همام بن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة الثالث قتادة بن دعامة الرابع خليفة ابن خياط أبو عمرو العصفري الخامس يزيد بن زريع أبو معاوية العيشي البصري السادس سعيد بن أبي عروبة واسمه مهران اليشكري السابع هشام بن أبي عبد الله الدستوائي الثامن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه التاسع مالك بن صعصعة الأنصاري رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري مقطعا في أربعة مواضع بعضها في بدء الخلق عن هدبة وخليفة وبعضها في الأنبياء عن هدبة أيضا وفي بعض النسخ عن عباد بن أبي يعلى وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى عن ابن أبي عدي وعن أبي موسى عن معاذ وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار وابن أبي عدي وأخرجه النسائي في الصلاة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعن إسماعيل ابن مسعود وغيرهم
ذكر معناه قوله عن قتادة ( ح ) وقال لي خليفةكلمة ( ح ) إشارة إلى التحويل من إسناد إلى آخر قبل ذكر الحديث وقيل إلى الحائل بين السندين وإنما قال قال لي خليفة ولم يقل حدثني إشعارا بأنه سمع منه عند المذاكرة لا على طريق التحميل والتبليغ قوله عند البيت أي الكعبة وقد مر في أول كتاب الصلاة في رواية أبي ذر أنه قال فرج عن سقف بيتي والتوفيق بينهما هو أن الأصح كان له معراجان أو دخل بيته ثم عرج بين النائم واليقظان وظاهر حديث أبي ذر الذي مضى في أول كتاب الصلاة أنه كان في اليقظة إذ هو مطلق الإطلاق وهو المطابق لما في ( مسند أحمد ) عن ابن عباس أنه كان في اليقظة رآه بعينه والتوفيق بينهما بأن يقال إن كان الإسراء مرتين أو أكثر فلا إشكال فيه وإن كان واحدا فالحق أنه كان في اليقظة بجسده لأنه قد أنكرته قريش وإنما ينكر إن كان في اليقظة إذ الرؤيا لا تنكر ولو بأبعد منه وقال القاضي عياض اختلفوا في الإسراء إلى السموات فقيل إنه في المنام والحق الذي عليه الجمهور أنه أسري بجسده قلت اختلفوا فيه على ثلاث مقالات فذهبت طائفة إلى أنه كان في المنام مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي وحق وإلى هذا ذهب معاوية وحكي عن الحسن والمشهور عنه خلافه واحتجوا في ذلك بما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ما فقد جسد رسول الله وبقوله بينا أنا نائم وبقول أنس وهو نائم في المسجد الحرام وذكر القصة وقال في آخرها فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام وذهب معظم السلف إلى أنه كان بجسده وفي اليقظة وهذا هو الحق وهو قول ابن عباس فيما صححه الحاكم وعدد في ( الشفاء ) عشرين نفسا قال بذلك من الصحابة والتابعين وأتباعهم وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمتكلمين وذهبت طائفة إلى أن الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح والصحيح أنه أسري بالجسد والروح في القصة كلها وعليه يدل قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ( الإسراء 1 ) إذ لو كان مناما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة وليس في الإسراء

(15/125)


بجسده وحال يقظته استحالة وقال ابن عباس هي رؤيا عين رآها لا رؤيا منام وأما قول عائشة ما فقد جسده فلم يحدث عن مشاهدة لأنها لم تكن حينئذ زوجة ولا في سن من يضبط ولعلها لم تكن ولدت فإذا كان كذلك تكون قد حدثت بذلك عن غيرها فلا يرجح خبرها على خبر غيرها وقال الحافظ عبد الحق في ( الجمع بين الصحيحين ) وما روى شريك عن أنس أنه كان نائما فهو زيادة مجهولة وقد روى الحفاظ المتقنون والأئمة المشهورون كابن شهاب وثابت البناني وقتادة عن أنس ولم يأت أحد منهم بها وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث قوله وذكر أي رسول الله قوله فأتايت على صيغة المجهول قوله بطست الطست مؤنثة وجمعها طسوس وجاء بكسر الطاء ويقال طس بتشديد السين قوله ملىء على صيغة المجهول من الماضي والتذكير باعتبار الإناء وفي رواية الكشميهني ملآى وفي رواية غيره ملآن فالحاصل أن فيه ثلاث روايات قوله حكمة وإيمانا قال الكرماني هما معنيان والإفراغ صفة الأجسام قلت كان في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما فسمي إيمانا وحكمة لكونه سببا لهما وقال الطيبي لعبه من باب التمثيل أو تمثل له المعاني كما تمثل له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها قوله فشق من النحر إلى مراق البطن النحر الصدر ومراق بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف وهو ما سفل من البطن ورق من جلده وأصله مراقق وسميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد وقال الطيبي ما ذكر من شق الصدر واستخراج القلب وما يجري مجراه فإن السبيل في ذلك التسليم دون التعرض بصرفه إلى وجه يتقوله متكلف ادعاء للتوفيق بين المنقول والمعقول تبروءا مما يتوهم أنه محال ونحن بحمد الله لا نرى العدول عن الحقيقة إلى المجاز في خبر الصادق عن الأمر المحال به على القدرة واعلم أن هذا الشق غير الشق الذي كان في زمن صغره فعلم أن الشق كان مرتين قوله وأتيت بدابة أبيض إنماقال أبيض ولم يقل بيضاء لأنه أعاده على المعنى أي بمركوب أو براق قوله البراق مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو براق ويجوز بالجر على أنه بدل من دابة والبراق اسم للدابة التي ركبها تلك الليلة وقال ابن دريد اشتقاقه من البرق إن شاء الله لسرعته وقيل سمي به لشدة صفائه وتلألؤ لونه ويقال شاة برقاء إذا كان خلال صوفها طاقات سود فيحتمل التسمية به لكونه ذا لونين وذكر ابن أبي خالد في كتاب ( الاحتفال في أسماء الخيل وصفاتها ) أن البراق ليس بذكر ولا أنثى ووجهه كوجه الإنسان وجسده كجسد الفرس وقوائمه كقوائم الثور وذنبه كذنب الغزال وقال ابن إسحاق البراق دابة أبيض وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه وقال الزبيدي في ( مختصر العين ) وصاحب ( التحرير ) هي دابة كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يركبونها وقال الطيبي وهذا الذي قالاه يحتاج إلى نقل صحيح ثم قال لعلهم حسبوا ذلك في قوله في حديث آخر فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء البراق وأظهر منه حديث أنس في حديث آخر قول جبريل عليه الصلاة و السلام للبراق فما ركبك أحد أكرم على الله منه وعن قتادة أن رسول الله لما أراد الركوب على البراق شمس فوضع جبريل عليه الصلاة و السلام يده على مفرقته ثم قال ألا تستحي يا براق مما تصنع فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه قال فاستحيى حتى ارفض عرقا ثم قر حتى ركبه وقال ابن بطال في سبب نفرة البراق بعد عهده بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وطول الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وقال غيره قال جبريل عليه الصلاة و السلام لمحمد حين شمس به البراق لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم يعني الذهب فأخبر النبي أنه ما مسها إلا أنه مر بها فقال تبا لمن يعبدك من دون الله وما شمس إلا لذلك ذكره السهيلي وسمع العبد الضعيف من بعض مشايخه الثقات أنه إنما شمس ليعد له الرسول بالركوب عليه يوم القيامة فلما وعد له ذلك قر وفي ( صحيح ابن حبان ) أن جبرائيل عليه الصلاة و السلام حمله على البراق رديفا له ثم رجعا ولم يصل فيه أي في بيت المقدس ولو صلى لكانت سنة وهو من أظرف ما يستدل به على الإرداف وفي حديث أنس وغيره أنه صلى وأنكر ذلك حذيفة وقال والله ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا وأخرج البيهقي حديث الإسراء من حديث شداد بن أوس وفيه أنه صلى تلك الليلة ببيت لحم قوله حتى أتينا السماء الدنيا لم يذكر فيه مجيئه إلى القدس وقد قال الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ( لإسراء 1 ) الآية ذكر أهل السير والمفسرون

(15/126)


أنه لما ركب البراق أتى إلى بيت المقدس ومعه جبريل عليه الصلاة و السلام ولما فرغ أمره فيه نصب له المعراج وهو السلم فصعد فيه إلى السماء ولم يكن الصعود على البراق كما يتوهمه بعض الناس بل كان البراق مربوطا على باب مسجد بيت المقدس حتى يرجع عليه إلى مكة قوله قيل من هذا وفي رواية أبي ذر التي مضت في أول الكتاب فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء إفتح فهذا يدل على أن للسموات أبوابا وحفظة موكلين بها وفيه إثبات الإستيذان وأنه ينبغي أن يقول أنا زيد مثلا قوله قال جبريل يعني قال أنا جبريل قوله قال محمد أي قال جبريل معي محمد والظاهر أن القائل في قوله قيل في هذه المواضع نفران أبواب السماء قولهوقد أرسل إليه الواو للعطف وحرف الإستفهام مقدره أي أطلب وأرسل إليه وفي رواية أخرى وقد بعث إليه للإسراء وصعود السموات قال الطيبي وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة هذا هو الصحيح وقيل معناه أوحى إليه وبعث نبيا والأول أظهر لأن أمر نبوته كان مشهورا في الملكوت لا يكاد يخفى على خزان السموات وحراسها وأوقف للاستفتاح والإستيذان وقيل كان سؤالهم للاستعجاب بما أنعم الله عليه أو للاستبشار بعروجه إذ كان من البين عندهم عندهم أن أحدا من البشر لا يترقى إلى أسباب السموات من غير أن يأذن الله له ويأمر ملائكته بإصعاده وأن جبريل عليه الصلاة و السلام لا يصعد بمن لا يرسل إليه ولا يفتح له أبواب السماء قوله مرحبا به أي بمحمد ومعناه لقي رحبا وسعة وقيل معناه رحب الله به مرحبا فجعل مرحبا موضع الترحيب فعلى الأول انتصابه على المفعولية وعلى الثاني على المصدرية قوله ولنعم المجيء جاء المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير تقديره جاء فلنعم المجيء مجيئه قال المالكي فيه شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول والصفة عن الموصوف في باب نعم لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء وإلى مخصوص بمعناها وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها وهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء والتقدير نعم المجيء الذي جاء أو نعم المجيء جاء وكونه موصولا أجود لأنه مخبر عنه وكون المخبر عنه معرفة أولى من كونه نكرة قوله فأتيت على آدم فسلمت عليه وفي رواية وأمر بالتسليم عليهم أي على الأنبياء الذين لقيهم في السموات وعلى خزان السموات وحراسها لأنه كان عابرا عليهم وكان في حكم القيام وكانوا في حكم القعود والقائم يسلم على القاعد وإن كان أفضل منه قوله من ابن ونبي كل واحد من البنوة والنبوة ظاهر وهو من قوله هذا إلى قوله فرفع لي كله ظاهر إلا بعض الألفاظ نفسرها فقوله فأتيت على إدريس وكان في السماء الرابعة قيل هذا معنى قوله ورفعناه مكانا عليا ( مريم 75 ) قاله أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وقيل رفعناه في المنزلة والرتبة وقيل المراد من قوله ورفعناه مكانا عليا ( مريم 75 ) الجنة فإن قلت إذا كان في الجنة فكيف لقيه في السماء الرابعة قلت قيل إنه لما أخبر بعروجه إلى السموات وما فوقها استأذن ربه في ملاقاته فاستقبله فكان اجتماعه به في السماء الرابعة اتفاقا لا قصدا قوله مرحبا من أخ ونبي فإن قلت كيف قال إدريس عليه الصلاة و السلام من أخ وهو جد لنوح عليه الصلاة و السلام فكان المناسب أن يقول من ابن قلت لعله قاله تلطفا وتأدبا والأنبياء أخوة قوله فلما جاوزت بكى قالوا كان بكاؤه لأجل الرقة لقومه والشفقة عليهم حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمة بمتابعة نبيهم ولم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم ولا ينبغي إلا أن يحمل على هذا الوجه أو ما يضاهي ذلك فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن عوام المؤمنين فضلا عمن اختاره الله لرسالته واصطفاه لمكالمته قوله يا رب هذا الغلام لم يرد موسى عليه الصلاة و السلام بذلك استقصار شأنه فإن الغلام قد يطلق ويراد به القوي الطري الشاب والمراد منه استقصار مدته مع استكثار فضائله وأمته أتم سوادا من أمته وقال الخطابي قوله الغلام ليس على معنى الإزراء والاستصغار لشأنه إنما هو على تعظيم منة الله تعالى عليه مما أناله من النعمة وأتحفه من الكرائم من غير طول عمر أفناه مجتهدا في طاعته وقد تسمي العرب الرجل المستجمع السن غلاما ما دام فيه بقية من القوة وذلك في لغتهم مشهورة قوله فأتيت على إبراهيم عليه الصلاة و السلام هذا في السماء السابعة وذكر في حديث أبي ذر في أول كتاب الصلاة أنه في السادسة قيل في التوفيق بينهما بأن يقال لعله وجد في السادسة ثم ارتقى هو أيضا إلى السابعة وكذلك اختلف في موسى هل هو في

(15/127)


السادسة أو السابعة والكلام فيه مثل ما مر الآن قوله فرفع لي البيت المعمور أي كشف لي وقرب مني والرفع التقريب والعرض وقال التوربشتي الرفع تقريبك الشيء وقد قيل في قوله وفرش مرفوعة ( الواقعة 43 ) أي مقربة لهم وكأنه أراد أن البيت المعمور ظهر له كل الظهور وكذلك سدرة المنتهى استبينت له كل الإستبانة حتى اطلع عليها كل الاطلاع بمثابة الشيء المقرب إليه وفي معناه رفع لي بيت المقدس والبيت المعمور بيت في السماء حيال الكعبة اسمه الضراح بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وبالحاء المهملة وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة قوله لم يعودوا ويروى لم يعتدوا قوله آخر ما عليهم بالرفع والنصب فالنصب على الظرف والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله قال صاحب ( المطالع ) الرفع أجود قوله ورفعت لي سدرة المنتهى قد ذكرنا الآن معنى الرفع ويروى السدرة المنتهى بالألف واللام والسدرة شجرة النبق وسميت بها لأن علم الملائكة ينتهى إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله وحكي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه إنما سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى قوله فإذا نبقها كلمة إذا للمفاجأة و النبق بفتح النون وكسر الباء حمل السدر ويخفف أيضا الواحدة نبقة ونبقة قوله قلال هجر القلال جمع قلة وقال ابن التين القلة مائتا رطل وخمسون رطلا بالرطل البغدادي والأصح عند الشافعية خمسمائة رطل وقال الخطابي القلال الجرار وهي معروفة عند المخاطبين معلومة القدر وقال ابن فارس القلة ما أقله الإنسان من جرة أوجب قال وليس في ذلك عند أهل اللغة حد محدود إلا أن يأتي في الحديث تفسير فيجب أن يسلم وعبارة الهروي القلة ما يأخذ مزادة من الماء سميت بذلك لأنها تقل أي ترفع و هجر بفتح الهاء والجيم وفي آخره راء بلدة لا تنصرف للتعريف والتأنيث وفي ( المطالع ) هجر مدينة باليمن هي قاعدة البحرين بينها وبين البحرين عشر مراحل ويقال الهجر أيضا بالألف واللام قوله كأذان الفيول وهو جمع فيل وهو الحيوان المعروف قوله أنهار جمع نهر بسكون الهاء وفتحها قوله نهران باطنان قال مقاتل هما السلسبيل والكوثر قوله ونهران ظاهران وقد بينهما في الحديث بقوله النيل والفرات يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث أراد الله تعالى ثم يخرجان من الأرض ويجريان فيها
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن جميع المياه من تحت صخرة بيت المقدس ومن هناك يتفرق في الدنيا أما النيل فمبدؤه من جبال القمر بضم القاف وسكون الميم وقيل بفتح الميم تشبيها بالقمر في بياضه وقيل ينبع من اثني عشر عينا هناك ويجري في ثلاثة أشهر في القفار وثلاثة أشهر في العمران إلى أن يجيء إلى مصر فيفترق فرقتين عند قرية يقال لها شطنوف فيمر الغربي منه على رشيد وينصب في البحر الملح وأما الشرقي فيفترق أيضا فرقتين عند جوجر فيفترق فرقتين أيضا فتمر الغربية منهما على دمياط من غربيها وينصب في البحر الملح والشرقية منهما تمر على أشمون طناح فينصب هناك في بحيرة شرقي دمياط يقال لها بحيرة تنيس وبحيرة دمياط وأما الفرات فأصله من أطراف أرمينية قريب من قاليقلا ثم يمر على بلاد الروم ثم يمر بأرض ملطية ثم على شمشاط وقلعة الروم والبيرة وجسر منيح وبالس وجعبر والرقة والرحبة وقرقيسا وعانات والحديثة وهيت والأنبار ثم يمر بالطفوف ثم بالحلة ثم بالكوفة وينتهي إلى البطائح وينصب في البحر الشرقي قالوا ومقدار جريانها على وجه الأرض أربعمائة فرسخ
قوله عالجت بني إسرائيل أي مارستهم ولقيت منهم الشدة فيما أردت منهم من الطاعة والمعالجة مثل المزاولة والمجادلة قوله فسله أصله فاسأله لأنه أمر من السؤال فنقلت حركة الهمزة إلى السين فحذفت تخفيفا واستغنى عن همزة الوصل فحذفت فصار فسله على وزن فله قوله فارجع إلى ربك أي إلى الموضع الذي ناجيت ربك فيه قوله فرجعت أي إلى موضع مناجاتي قوله فسألته أي فسألت الله التخفيف قوله فجعلها أي فجعل الفريضة التي قدرها أربعين صلاة قوله ثم مثله أي ثم قال موسى مثله قوله ثم ثلاثين أي ثم جعلها ثلاثين صلاة قوله ثم مثله أي ثم قال موسى مثله قوله فجعله عشرين أي عشرين صلاة قوله ثم مثله أي ثم قال موسى مثله قوله

(15/128)


فجعل عشرا أي عشر صلوات قوله فأتيت موسى أي في الموضع الذي لقيته فيه فقال موسى أيضا مثله قوله فجعلها خمسا أي خمس صلوات قوله فقال ما صنعت أي فقال موسى ماذا صنعت فيما رجعت وهذه هي المراجعة الأخيرة قوله قلت جعلها خمسا أي خمس صلوات قوله فقال سلمت بخير أي فقال النبي لموسى سلمت بتشديد اللام من التسليم يعني سلمت له ما جعله من خمس صلوات فلم يبق لي مراجعة لأني استحييت من ربي كما مضى في حديث أبي ذر في أول كتاب الصلاة من قوله إرجع إلى ربك قلت استحييت من ربي يعني من تعدد المراجعة قوله فنودي أي فجاء النداء من قبل الله تعالى إني قد أمضيت فريضتي أي أنفذت فريضتي بخمس صلوات وخففت عن عبادي من خمسين إلى خمس وأجزي الحسنة عشرا فيحصل ثواب خمسين صلاة لكل صلاة ثواب عشر صلوات فإن قلت كيف جازت هذه المراجعة في باب الصلاة من رسولنا محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام قلت لأنهما عرفا أن الأمر الأول غير واجب قطعا ولو كان واجبا قطعا ولو كان واجبا قطعا لا يقبل التخفيف
وفيه جواز النسخ قبل وقوعه
وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي في البيت المعمور
أي قال همام بن يحيى الذي مضى في رواة الحديث المذكور الذي روى عنه هدبة في السند الأول وأشار بهذا إلى أن هماما فصل في سياقة قصة البيت المعمور عن قصة الإسراء وروى أصل الحديث عن قتادة عن أنس وقصة البيت المعمور عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي هريرة وأما سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي اللذان مضيا في الطريق الثاني للحديث المذكور فإنهما قد أدرجا قصة البيت المعمور في حديث أنس وقال بعضهم رواية همام موصولة هنا عن هدبة عنه ووهم من زعم أنها معلقة فقد روى الحسن عن سفيان في ( مسنده ) الحديث بطوله عن هدبة فاقتصر الحديث إلى قوله فرفع لي البيت المعمور قال قتادة حدثنا الحسن عن أبي هريرة أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون فيه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبي يعلى والبغوي وغير واحد كلهم عن هدبة مفصلا انتهى قلت ظاهره التعليق وإخراج غيره إياه موصولا لا يستلزم أن يكون ما أخرجه البخاري بصورة التعليق أن يكون موصولا وهذا ظاهر لا يخفى قوله عن الحسن عن أبي هريرة قال يحيى بن معين لم يصح للحسن سماع من أبي هريرة فقيل ليحيى قد جاء في بعض الأحاديث قال حدثنا أبو هريرة قال ليس بشيء وقال الكرماني الحسن ههنا روى عنه بلفظ عن فيحتمل أن يكون بالواسطة
8023 - حدثنا ( الحسن بن الربيع ) قال حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب ) قال ( عبد الله ) حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة نه
مطابقته للترجمة في قوله ثم يبعث الله ملكا لأن في الحديث ذكر الملك وفي الترجمة ذكر الملائكة والملائكة أنواع لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وساداتهم الأكابر أربعة جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ومنهم الروح قال الله تعالى يوم يقوم الروح ( النبإ 83 ) ومنهم الحفظة ومنهم الملائكة الموكلون بالقطر والنبات والرياح والسحاب

(15/129)


ومنهم ملائكة القبور ومنهم سياحون في الأرض يبتغون مجالس الذكر ومنهم كروبيون وروحانيون وحافون ومقربون ومنهم ملائكة تقذف الشياطين بالشهاب ومنهم حملة العرش ومنهم موكلون بصخرة بيت المقدس ومنهم موكلون بالمدينة ومنهم موكلون بتصوير النطف ومنهم ملائكة يبلغون السلام إلى النبي من أمته ومنهم من يشهد الحروب مع المجاهدين ومنهم خزان أبواب السماء ومنهم الموكلون بالنار ومنهم ملائكة يسمون الزبانية ومنهم من يغرسون أشجار الجنة ومنهم من يصوغون حلى أهل الجنة ومنهم خدم أهل الجنة ومنهم من نصفه ثلج ونصفه نار وقد ذكر البخاري في أحاديث الباب منهم جماعة كما ترجمه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول الحسن بن الربيع ضد الخريف ابن سليمان البجلي الكوفي يعرف بالبوراني بضم الباء الموحدة وسكون الواو وبالراء قال أبو حاتم كنت أحسب الحسن مكسور العنق لانحنائه حتى قيل إنه لا ينظر إلى السماء حياء من الله تعالى الثاني أبو الأحوص سلام بالتشديد ابن سليم الحنفي مولى بني حنيفة الكوفي الثالث سليمان الأعمش الرابع زيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق الخامس عبد الله بن مسعود وهؤلاء كلهم كوفيون
وقيل هذا الحديث رواه جماعة منهم سفيان بن عيينة عن الأعمش إلى قوله شقي أو سعيد كلام رسول الله وما بعده كلام ابن مسعود وقد رواه عبد الرحمن بن حميد الرواسي عن الأعمش فاقتصر من المتن على المرفوع فحسب ورواه بطوله سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب ففصل كلام ابن مسعود من كلام رسول الله ثم قال بعد ذكر الشقاوة والسعادة قال عبد الله والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وأخرجه مسلم من حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال حدثنا رسول الله إلى آخره نحوه غير أن بعد قوله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها انتهى والحديث رواه البخاري أيضا في القدر عن أبي الوليد وفي التوحيد عن آدم وأخرجه مسلم في القدر عن ابن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن عثمان ابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي سعيد الأشج وعن عبد الله بن معاذ وأخرجه أبو داود عن حفص بن عمرو ومحمد بن كثير وأخرجه الترمذي في القدر عن هناد وعن محمد بن بشار وعن علي بن حجر وأخرجه ابن ماجه في السنة عن علي بن محمد عن وكيع ومحمد بن فضيل وأبي معاوية وعن علي بن ميمون وأنكر عمرو بن عبيد هذا الحديث وكان من زهاد القدرية ولا اعتبار لإنكاره
ذكر معناه قوله وهو الصادق المصدوق أي الصادق في قوله وفيما يأتيه من الوحي والمصدوق أن الله تعالى صدقه في وعده وقال الكرماني المصدوق أي من جهة جبريل عليه الصلاة و السلام أو المصدق يعني بتشديد الدال المفتوحة وقال الطيبي الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية فتعم الأحوال كلها وأن يكون من عاداته ودأبه ذلك فما أحسن موقعه هنا قوله يجمع على صيغة المجهول قالوا بمعنى الجمع أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في أطراف المرأة تحت كل شعرة وظفر فتمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قوله أربعين يوما هذه الأربعون الأولى النطفة فيها تجري في أطراف المرأة ثم تصير دما قوله ثم تكون علقة وهو الدم الغليظ الجامد وهذا في الأربعين الثاني أشار إليه بقوله مثل ذلك أي مثل الأول أربعين يوما قوله ثم تكون مضغة وهي قطعة من اللحم قدر ما يمضغ وهذا في الأربعين الثالث أشار إليه بقوله مثل ذلك يعني مثل الثاني أربعين يوما فإن قلت إن الله قادر على أن يخلقه في لمحة فما الحكمة في هذا المقدار قلت فيه حكم وفوائد منها أنه لو خلقه دفعة واحدة لشق على الأم لأنها لم تكن معتادة بذلك وربما تهلك فجعل أولا نطفة لتعتاد بها مدة ثم تكون علقة وهلم جرا إلى الولادة ومنها إظهار قدرة الله تعالى ونعمته ليعبدوه ويشكروا له حيث قلبهم في تلك الأطوار إلى كونهم إنسانا حسن الصورة متحليا بالعقل والشهامة

(15/130)


مزينا بالفهم والفطانة ومنها إرشاد الناس وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر والنشر لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ومضغة مهيأة لنفخ الروح فيه يقدر على صيرورته ترابا ونفخ الروح فيه وحشره في المحشر للحساب والجزاء قوله ثم يبعث الله ملكا أي بعد انتهاء الأربعين الثالثة يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات يكتبها وهي قوله ويقال له أي للملك المرسل أكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد وكل ذلك بما اقتضت حكمته وسبقت كلمته قوله وشقي أو سعيد كان من حق الظاهر أن يقال يكتب سعادته وشقاوته فعدل حكاية لصورة ما يكتبه لأنه يكتب شقي أو سعيد قوله ثم ينفخ فيه الروح أي بعد كتابة الملك هذه الأربعة ينفخ فيه الروح
وفي ( صحيح مسلم ) أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات الحديث فهذا يدل على أن كتب هذه الأربعة بعد نفخ الروح ولفظ البخاري يدل على أن ذلك قبل نفخ الروح لأن في لفظة ثم ينفخ فيه الروح وكلمة ثم تقتضي تأخر كتب الملك هذه الأمور إلى ما بعد الأربعين الثالثة وقال النووي والأحاديث الباقية تقتضي الكتب عقيب الأربعين الأولى ثم أجاب عن ذلك بقوله إن قوله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن له فيكتب معطوف على قوله يجمع في بطن أمه ومتعلقاته لا بما قبله وهو قوله ثم يكون مضغة مثله ويكون قوله ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وفي كلام العرب وقال القاضي وغيره والمراد بإرسال الملك في هذه الأشياء أمره بها والتصرف فيها بهذه الأفعال وإلا فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم وأنه يقول يا رب هذه نطفة يا رب هذه علقة وقال القاضي وقوله في الحديث الذي روي عن أنس وإذا أراد أن يخلق خلقا قال يا رب أذكر أم أنثى شقي أم سعيد لا يخالف ما قدمناه ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة بل هو ابتداء كلام وإخبار عن حالة أخرى فأخبر أولا بحال الملك مع النطفة ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد أن يخلق النطفة علقة كان كذا وكذا فإن قلت في رواية يرسل الملك بعد مائة وعشرين يوما وفي رواية ثم يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد وفي رواية إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وفي رواية حذيفة بن أسيد أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك وفي رواية أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة وذكر الحديث وفي رواية أنس رضي الله تعالى عنه أن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فما الجمع بين هذه الروايات قلت للملك مراعاة لحال النطفة وأنه يقول يا رب هذه نطفة هذه علقة هذه مضغة في أوقاتها وكل وقت يقول فيه ما صارت إليه ولتصرفه وكلامه أوقات أحدها حين يخلقها الله نطفة ثم ينقلها علقة وهو أول علم الملك بأنه ولد لأنه ليس كل نطفة تصير ولدا وذلك عقيب الأربعين الأولى فحينئذ يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته ثم للملك تصرف آخر في وقت آخر وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه وكونه ذكرا أو أنثى وذلك إنما يكون في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة وقبل انقضاء مدة هذه الأربعين وقبل نفخ الروح فيه لأن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام صورته فإن قلت روي إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك وذكر رزقه قلت ليس هذا على ظاهره ولا يصح حمله على ظاهره بل المراد بتصورها وخلق سمعها إلى آخره أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر لأن التصوير عقيب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة كما قال الله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( المؤمنون 8 ) إلى قوله لحما ( المؤمنون 8 ) ثم يكون للملك فيه تصرف آخر وهو وقت نفخ الروح عقيب الأربعين الثالثة حتى يكمل له أربعة أشهر
قوله حتى ما يكون حتى هي الناصبة و ما نافية ولفظة يكون منصوب بحتى وما غير كافة لها من العمل قوله إلا ذراع المراد بالذراع التمثيل والقرب إلى الدخول أي ما يبقى بينه

(15/131)


وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع قوله فيسبق عليه الفاء للتعقيب تدل على حصول السبق بلا مهلة ضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب وما قدر عليه سبقا بلا مهلة فعند ذلك يعمل بعمل أهل الجنة أو أهل النار قوله فيعمل بعمل أهل النار وفيه حذف تقديره فيدخلها وكذلك بعد قوله بعمل أهل الجنة فيدخلها وقال الخطابي فيه أن ظاهر الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات وليست بموجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى القدر وروى ابن حبان في ( صحيحه ) من حديث أبي الدرداء مرفوعا فرغ الله إلى كل عبد من خمس من رزقه وأجله وعمله وأثره ومضجعه يعني قبره فإنه مضجعه على الدوام وما تدري نفس بأي أرض تموت ( لقمان 43 )
9023 - حدثنا ( محمد بن سلام ) قال أخبرنا ( مخلد ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) قال قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي وتابعه أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة عن النبي قال إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض
مطابقته للترجمة في قوله نادى جبريل عليه الصلاة و السلام ومحمد بن سلام باللام المشددة ومخلد بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد من الزيادة مر في الجمعة وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل
وأورد البخاري هذا الحديث من طريقين أحدهما موصول وهو إلى قوله وتابعه والثاني معلق وهو من قوله وتابعه أبو عاصم إلى آخره وقد وصله في الأدب عن عمرو بن علي عن أبي عاصم وساقه على لفظه هناك قيل هو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما هو عنده بواسطة لأن أبا عاصم من شيوخه يروي عنه كثيرا في الكتاب وقال الطوفي ذكر البخاري الحب في كتابه ولم يذكر البغض وهو في رواية غيره وإذا أبغض عبدا نادى جبريل عليه الصلاة و السلام إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغض في الأرض قلت هذا أخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج
قوله ويوضع له القبول في الأرض يعني عند أكثر من يعرفه من المؤمنين ويبقى له ذكر صالح ويقال معناه يلقي في قلوب أهلها محبته مادحين مثنين عليه
وفيه أن كل من هو محبوب القلوب فهو محبوب الله بحكم عكس القضية
0123 - حدثنا ( محمد ) قال حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال أخبرنا ( الليث ) قال حدثنا ( ابن أبي جعفر ) عن محمد بن عبد الرحمان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي أنها قالت سمعت رسول الله يقول إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم
مطابقته للترجمة في قوله الملائكة ومحمد هو الذي ذكر مجردا هو محمد بن يحيى الذهلي قاله الغساني وقال أبو ذر بعد أن ساقه محمد هذا هو البخاري وقال بعضهم هذا هو الأرجح عندي فإن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجدا الحديث من غير رواية البخاري فأخرجاه عنه ولو كان عند غير البخاري لما ضاق مخرجه عليهما انتهى قلت عدم وجدان الإسماعيلي وأبي نعيم

(15/132)


الحديث لا يستلزم أن يكون محمد هنا البخاري وهذا ظاهر لا يخفى على أحد ولم يجر للبخاري العادة بأن يذكر اسمه قبل ذكر شيخه بقوله حدثنا محمد وذكر في ( رجال الصحيحين ) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري في فصل أفراد البخاري فيمن اسمه محمد وقال روى عنه البخاري في قريب من ثلاثين موضعا ولم يقل حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا ويقول حدثنا محمد ولا يزيد عليه ويقول محمد بن عبد الله ينسبه إلى جده ويقول حدثنا محمد بن خالد ينسبه إلى جد أبيه والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم وابن أبي مريم بن أبي جعفر هو عبيد الله بن أبي جعفر واسمه يسار القرشي و ( محمد بن عبد الرحمن ) أبو الأسود
والنصف الأول من هذا الإسناد بصريون والنصف الثاني مدنيون وأوله هو محمد بن عبد الرحمن
قوله العنان بفتح العين المهملة وتخفيف النون الأولى السحاب قوله فتذكر أي الملائكة الأمر الذي قضي في السماء وجوده وعدمه قوله فتسترق تفتعل من السرقة أي تستمع سرقة يقال استرق السمع أي استرق مستخفيا قوله إلى الكهان بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن وهو الذي يتعاطى الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار وفي ( المغرب ) لما بعث النبي وحرست السماء بطلت الكهانة
1123 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) قال حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة والأغر ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر ( انظر الحديث 929 )
مطابقته للترجمة في قوله ملائكة وأحمد بن يونس هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وإبراهيم بن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المديني وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري وأبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف والأغر بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء اسمه سلمان أبو عبد الله الجهني مولاهم المدني كذا وقع في رواية الأكثرين الأغر ووقع في رواية الكشميهني الأعرج بالعين المهملة وبالجيم في آخره والأول أشهر وأخرج النسائي من وجه آخر عن الزهري عن الأعرج وحده
والحديث مر في كتاب الجمعة في باب الاستماع إلى الخطبة بأتم منه فإنه أخرجه هناك عن آدم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة الحديث ومضى الكلام فيه هناك
2123 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) قال مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول أجب عني أللهم أيده بروح القدس قال نعم
مطابقته للترجمة في قوله بروح القدس فإنه جبريل عليه الصلاة و السلام وسفيان هو ابن عيينة
قوله في المسجد أي النبوي والواو في وحسان للحال وكذا الواو في وفيه من هو خير منك وقد مضى في باب الشعر في المسجد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة أنشدك الله هل سمعت النبي يقول يا حسان أجب عن رسول الله أللهم أيده بروح القدس قال أبو هريرة نعم قوله أسمعت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أجب عني أي قل جواب هجو الكفار عن جهتي
3123 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( البراء )

(15/133)


رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لحسان اهجهم أو هاجهم وجبريل معك
مطابقته للترجمة في قوله وجبريل معك والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن حجاج بن منهال وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبيد الله بن معاذ وعن زهير وعن أبي بكر بن نافع وعن بندار عن غندر وأخرجه النسائي في القضاء عن حميد بن مسعدة وفي المناقب عن أحمد بن حفص
قوله اهجهم أمر من هجا يهجو هجوا وهو نقيض المدح قوله أو هاجهم شك من الراوي من المهاجاة ومعناه جازهم بهجوهم قوله وجبريل معك يعني يؤيدك ويعينك عليه
4123 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جرير ( ح ) وحدثنا إسحاق قال أخبرنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت حميد بن هلال عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم زاد موسى موكب جبريل ( الحديث 4123 - طرفه في 8114 ) نه
مطابقته للترجمة في قوله موكب جبريل عليه الصلاة و السلام و ( موسى بن إسماعيل ) التبوذكي و ( جرير ) هو ابن حازم أبو النصر الأزدي البصري و ( إسحاق ) هو ابن راهويه و ( وهب بن جرير ) يروي عن أبيه جرير بن حازم المذكور وروى هذا الحديث من طريقين الأول عن موسى عن جرير عن حميد عن أنس والثاني عن إسحاق عن وهب بن جرير عن أبيه عن ( حميد بن هلال ) بن هبيرة العدوي أبو نصر البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل أيضا
قوله في سكة بني غنم السكة بكسر السين المهملة وتشديد الكاف الزقاق و بني غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون بطن من الخزرج وهم من ولد غنم بن مالك بن النجار منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون وقال بعضهم ووهم من زعم أن المراد هنا ببني غنم حي من بني تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة فإن أولئك لم يكونوا يومئذ بالمدينة انتهى قلت أراد بهذا الحط على الكرماني فإن القائل به هو الكرماني قوله زاد موسى هو موسى بن إسماعيل المذكور وأراد بهذا أن موسى زاد في المتن هذه الزيادة وقد أوصلها البخاري في المغازي عنه قوله موكب جبريل عليه الصلاة و السلام قال الكرماني هو منصوب بنزع الخافض قلت الأولى أن يقال منصوب بفعل محذوف تقديره أنظر موكب جبريل ونحو ذلك ويجوز أن يرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل وقال ابن التين الأحسن أن يكون مجرورا على أنه بدل من لفظ غبار وقال الكرماني ويروى وموكب جبريل بالواو والموكب نوع من السير ويقال للقوم الركوب على الإبل للزينة موكب وكذلك جماعة الفرسان وقال ابن الأثير الموكب جماعة من ركاب يسيرون برفق وهم أيضا القوم الركوب للزينة والتنزه وذكره في باب وكب فدل على أن الميم زائدة وكذلك ذكره الجوهري في باب وكب
5123 - حدثنا ( فروة ) قال حدثنا ( علي بن مسهر ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن الحارث بن هشام قال سأل النبي كيف يأتيك الوحي قال كل ذاك يأتي الملك أحيانا في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال وهو أشده علي ويتمثل لي الملك أحيانا رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ( انظر الحديث 2 )
مطابقته للترجمة في قوله الملك في الموضعين وفروة بفتح الفاء وسكون الراء ابن أبي المغراء أبو القاسم الكندي الكوفي وهو من أفراده والحديث مر في أول الكتاب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة إلى آخره قوله فيفصم بالفاء أي يقطع
6123 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شيبان ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة )

(15/134)


رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي يقول من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة أي فل هلم فقال أبو بكر ذاك الذي لا تواى عليه قال النبي أرجو أن تكون منهم
مطابقته للترجمة في قوله خزنة الجنة فإنهم الملائكة والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب فضل النفقة فإنه أخرجه هناك عن سعد بن حفص عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله زوجين أي درهمين أو دينارين قوله أي فل أي يا فلان قوله لا توى بفتح التاء المثناة من فوق أي الاهلاك
8123 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( عمر بن ذر ) ح وحدثني ( يحيى بن جعفر ) قال حدثنا ( وكيع ) عن ( عمر بن ذر ) عن أبيه عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله لجبريل ألا تزورنا أكثر مما تزورنا قال فنزلت وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا ( مريم 46 ) الآية
مطابقته للترجمة في قوله لجبريل عليه الصلاة و السلام وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وعمرو بن ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء وتقدم في التيمم ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي وهو من أفراده وعمر بن ذر

(15/135)


يروى عن أبيه ذر بن عبد الله الهمداني الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي نعيم أيضا وفي التوحيد عن خلاد بن يحيى وفي بدء الخلق أيضا عن يحيى عن وكيع وأخرجه الترمذي في التفسير عن الحسين ابن حريث وعن عبد بن حميد وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن إسماعيل وعن إبراهيم بن الحسن وقال الترمذي حديث حسن
قوله حدثنا عمر بصيغة الجمع وكلمة ح بعده للتحويل قوله وحدثني بصيغة الإفراد وساق الحديث على لفظ وكيع قوله ألا تزورنا كلمة ألا هنا للعرض والتحضيض ويجوز أن تكون للتمني قوله فنزلت أي نزلت الآية التي أولها وما نتنزل إلا بأمر ربك ( مريم 46 ) إلى آخره
9123 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( سليمان ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده حتى انتهاى إلى سبعة أحرف ( الحديث 9123 - طرفه في 1994 )
مطابقته للترجمة في قوله جبريل عليه الصلاة و السلام وإسماعيل بن أبي أويس وسليمان بن بلال ويونس ابن يزيد وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن سعيد بن عفير وأخرجه مسلم في الصلاة عن حرملة عن عبد بن حميد
قوله على حرف أي على لغة وقيل الحرف الإعراب وقيل الكيفيات قوله فلم أزل أستزيده أي اطلب منه الزيادة على حرف واحد وفي رواية وكان ميكائيل عن شماله فنظر إلى ميكائيل كالمستشير فلم يزل يشير إليه استزده حتى قال سبعة أحرف كلها شاف كاف فلهذا قيل إن المراء في القرآن كفر وأنه لا ينبغي أن يقول أحد لبعض القرآن ليس هو هكذا ولا يقال إن بعض القرآن خير من بعض قوله إلى سبعة أحرف أي سبعة لغات من لغة العرب يعني أنها مفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرىء بسبعة وعشرة كقوله مالك يوم الدين وعبد الطاغوت ( المائدة 06 ) ومما يبين ذلك قول ابن مسعود إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال وأقبل وفيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها
0223 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ( انظر الحديث 6 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله جبريل في الموضعين وعبد الله هو ابن المبارك والحديث قد مر في أول الكتاب فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس إلى آخره
وعن عبد الله قال حدثنا معمر بهاذا الإسناد نحوه
عبد الله هو ابن المبارك هو موصول عن محمد بن مقاتل وكان ابن المبارك قصد فيه الرواية عن شيخيه أحدهما يونس والآخر معمر
وروى أبو هريرة وفاطمة رضي الله تعالى عنهما عن النبي أن جبريل كان يعارضه القرآن

(15/136)


أما رواية أبي هريرة فوصلها البخاري في فضائل القرآن وسيأتي إن شاء الله تعالى وأما رواية فاطمة فوصلها في علامات النبوة وسيأتي إن شاء الله تعالى
1223 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ل ( يث ) عن ( ابن شهاب ) أن عمر بن عبد العزيز أخر العصر شيئا فقال له عروة أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله فقال عمر أعلم ما تقول يا عروة قال سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبا مسعود يقول سمعت رسول الله يقول نزل جبريل فأمني فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات ( انظر الحديث 125 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله نزل جبريل وبشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة يروي عن أبيه أبي مسعود واسمه عقبة بن عمرو البدري وهذا الحديث قد تقدم في باب مواقيت الصلاة ولكن بعبارة مختلفة وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله فصلى أمام رسول الله أي قدامه وحكى ابن مالك أنه روى بالكسر بمعنى الإمام الذي يؤم الناس وقال بعضهم واستشكل بأن الأمام معرفة والموضع موضع الحال فوجب جعله نكرة بالتأويل قلت لا يحتاج إلى هذا التعسف لأن لفظ أمام الذي بمعنى قدام ظرف وهو منصوب على الظرفية
2223 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( حبيب بن أبي ثابت ) عن ( زيد بن وهب ) عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي قال لي جبريل من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة أو لم يدخل النار قال وإن زناى وإن سرق قال وإن
مطابقته للترجمة في قوله جبريل عليه الصلاة و السلام وابن أبي عدي هو محمد بن أبي عدي القسملي وقد مر غير مرة والحديث مضى في كتاب الاستئذان في باب أداء الديون مضمونا إلى شيء آخر ومر الكلام فيه هناك
قوله دخل الجنة قال الخطابي فيه إثبات دخول ونفي دخول وكل واحد منهما متميز عن الآخر بوصف أو وقت والمعنى إن مات على التوحيد فإن مصيره إلى الجنة وإن ناله قبل ذلك من العقوبة ما ناله وأما لفظ لم يدخل النار فمعناه لم يدخل دخولا تخليديا ويجب التأويل بمثله جمعا بين الآيات والأحاديث قوله وإنأي وإن زنى وإن سرق فيه دليل على جواز حذف فعل الشرط والاكتفاء بحرفه
3223 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر ثم يعرج اليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون
مطابقته للترجمة في قوله الملائكة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله الملائكة مبتدأ و يتعاقبون خبره أي يأتي بعضهم عقيب بعض بحيث إذا نزلت طائفة صدرت الأخرى قوله ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يوضح معنى التعاقب قوله يصلون ويروى وهم يصلون والجملة حالية في الوجهين وكذا الكلام في يصلون الثاني وقد استوفينا الكلام فيه في باب فضل صلاة العصر لأنه أخرج الحديث هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج إلى آخره

(15/137)


7 -
( باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال الإمام إلى آخره قالوا ليس لذكر هذا الباب هنا وجه لأن جميع أحاديث هذا الباب في ذكر الملائكة وهو متصل بالباب السابق ولهذا لا يوجد هذا في كثير من النسخ وكذا لم يقع في رواية أبي ذر ذكر هذا الباب
قوله آمين مقصور وممدود ومعناه استجب قوله فوافقت إحداهما أي إحدى كلمتي آمين وأخذ هذه الترجمة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه ما وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري من حديث أبي صالح عنه وروى ابن ماجه من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
4223 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( مخلد ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) عن ( اسماعيل بن أمية ) أن ( نافعا ) حدثه أن ( القاسم بن محمد ) حدثه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت حشوت للنبي وسادة فيها تماثيل كأنها نمرقة فجاء فقام بين البابين وجعل يتغير وجهه فقلت ما لنا يا رسول الله قال ما بال هاذه الوسادة قالت وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها قال أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة وأن من صنع الصورة يعذب يوم القيامة يقول أحيوا ما خلقتم
مطابقته للترجمة أعني باب ذكر الملائكة في قوله أن الملائكة وكذا المطابقة بين أحاديث هذا الباب كلها وبين هذه الترجمة في ذكر الملائكة
ومحمد هذا هو محمد بن سلام ومخلد هو ابن يزيد وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج وعن قريب مضى هكذا هؤلاء الثلاثة على نسق واحد وإسماعيل بن أمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي القرشي المكي والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في كتاب البيوع في باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء فإنه أخرجه هناك عن عبد الله ابن يوسف عن مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة إلى آخره
قوله وسادة بكسر الواو وهي المخدة وجمعها وسائد و التماثيل جمع التمثال وهو وإن كان في الأصل للصورة المطلقة فالمراد منه هنا صورة الحيوان قوله كأنها نمرقة لفظ الرواوي عن عائشة والنمرقة بضم النون والراء وبكسرها وبغير هاء وقال الجوهري النمرق والنمرقة وسادة صغيرة وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة عن أبي عبيد ويجمع على نمارق قوله فقام بين البابين ويروى بين الناس قوله وجعل من أفعال المقاربة وهي على ثلاثة أقسام منها ما وضع للدلالة على الشروع وهي طفق وجعل وعلق وأخذ ويعمل عمل كان إلا أنه يجب أن يكون خبره جملة وههنا كذلك قوله فقلت مالنا ويروى فقالت مالنا يعني ما فعلنا حتى تغير وجهك قوله ما بال هذه النمرقة أي ما شأنها فيها تماثيل قوله قال أما علمت أي قال رسول الله قوله يقول أي يقول الله ويروى فيقال قوله أحيوا بفتح الهمزة وباقي الكلام مر هناك
5223 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله ) أنه سمع ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول سمعت ( أبا طلحة ) يقول سمعت

(15/138)


رسول الله يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل
وجه مطابقة هذا إلى آخر الباب قد ذكرناه وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل المروزي المجاور بمكة وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري وقال الدارقطني وافق معمر هنا عن الزهري جماعة وخالفهم الأوزاعي فرواه عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة ولم يذكر ابن عباس ورواه سالم أبو النضر عن عبيد الله نحو رواية الأوزاعي وفي النسائي عن معقل عن الأوزاعي كرواية الجماعة وقال هذا هو الصواب وحديث الوليد خطأ ثم رواه من حديث الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله قال حدثني أبو طلحة فذكره وروى الترمذي من حديث إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده فوجد عنده سهل بن حنيف قال فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته فقال له سهل لم تنزعه قال لأن فيه تصاوير وقال فيها النبي ما قد علمت قال سهل أو لم يقال إلا ما كان رقما في ثوب فقال بلى ولكنه أطيب لنفسي هذا حديث حسن صحيح قلت في رواية مالك هذه ما يقتضي الاتصال بين عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وبين أبي طلحة فإنه دخل على أبي طلحة وسمعه منه وهكذا في رواية محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر عنه عند النسائي وفي رواية الستة ما خلا أبا داود ومن رواية الزهري أيضا إدخال ابن عباس بين عبيد الله ابن عبد الله وبين أبي طلحة فهل الحكم للرواية الزائدة أو للرواية الناقصة فاختار ابن الصلاح الحكم للناقصة لأنه يصرح فيها بالاتصال واختار النسائي الزائدة لأنه روى كلتيهما ورجح الزائدة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن إبراهيم بن موسى وعن إسماعيل بن أبي أويس وفي اللباس عن آدم وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وعن عمرو الناقد وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وعن إسحاق إبن إبراهيم وعبد بن حميد وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سلمة بن شيبة والحسن بن علي وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في الصيد عن قتيبة وإسحاق بن منصور وفي الزينة عن وهب بن بيان وعن محمد بن عبد الملك وعن يزيد بن محمد وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله فيه كلب قال ابن التين يريد كلب دار قال وأراد بالملائكة غير الحفظة وكذا قال النووي إن هؤلاء هم الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار بخلاف الحفظة وقال الخطابي إنما لم يدخل في بيت إذا كان فيه شيء من هذه مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور وأما ما ليس بحرام من كلب الصيد أو الزرع أو الماشية والصورة التي تمتهن في البسط والوسائد وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه وقال النووي الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة ثم قيل سبب المنع من دخول الملائكة كونها معصية فاحشة وكونها مضاهاة لخلق الله وفيها ما يعبد من دون الله وامتناعهم من الدخول في بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطانا والملائكة ضد لهم ولقبح رائحة الكلب والملائكة يكرهون الرائحة الكريهة ولأنها ينهى عن اتخاذها مما لم يؤذن فيه فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه ودفعها أذى الشيطان قلت كل هذه في الكلب لا يشفي العليل ولا يروى الغليل وهذا الخنزير أسوأ حالا من الكلب مع أنه ما ورد فيه شيء وفي النجاسة هو أنجس منه لأنه نجس العين بالنص بخلاف الكلب فإن في نجاسة عينه خلافا قوله ولا صورة تماثيل من إضافة العام إلى الخاص
6223 - حدثنا ( أحمد ) قال حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرنا ( عمرو ) أن ( بكير بن الأشج ) حدثه أن ( بسر بن سعيد ) حدثه أن ( زيد بن خالد الجهني ) رضي الله تعالى عنه حدثه ( ومع بسر بن

(15/139)


سعيد عبيد الله الخولاني ) الذي كان ( في حجر ميمونة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قال ( حدثهما زيد بن خالد ) أن ( أبا طلحة ) قال حدثه أن النبي قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة قال بسر فمرض زيد بن خالد فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير فقلت لعبيد الله الخولاني ألم يحدثنا في التصاوير فقال إنه قال إلا رقم في ثوب ألا سمعته قلت لا قال بلى قد ذكره
أحمد هو أبو صالح المصري وجزم به أبو نعيم وقال الكرماني أحمد بن صالح أو ابن عيسى التستري وذكره في ( رجال الصحيحين ) أحمد غير منسوب يحدث عن عبد الله بن وهب المصري حدث عنه البخاري في غير موضع من ( الجامع ) واختلفوا في أحمد هذا فقال قوم إنه أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب وقال آخرون إنه أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى وقال أبو أحمد الحافظ النيسابوري أحمد عن ابن وهب هو ابن أخي ابن وهب وقال أبو عبد الله بن منده كلما قال البخاري في ( الجامع ) حدثنا أحمد عن ابن وهب فهو ابن صالح المصري ولم يخرج البخاري عن أحمد بن عبد الرحمن في ( الصحيح ) شيئا وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمرو بفتح العين هو ابن الحارث المصري وبكير بضم الباء الموحدة مصغر بكر بن الأشج بالشين المعجمة وبتشديد الجيم وقد مر في الوضوء وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة وزيد بن خالد الجهني من مشاهير الصحابة وعبيد الله الخولاني هو عبيد الله بن الأسود ويقال ابن الأسد الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن قتيبة عن الليث وأخرجه مسلم في اللباس عن قتيبة به وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة به وعن عثمان بن أبي شيبة وعن وهب بن بقية وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم وعن عيسى بن حماد
قوله الأرقم أصل الرقم الكتابة والصورة غير الرقم وقال ابن الأثير الرقم النقش والوشم قوله ألا سمعته كلمة ألا بفتح الهمزة واللام المخففة ومعناها ههنا الاستفهام عن النفي قوله قلت لا أي لم أسمعه قال بلى سمعته قد ذكره أي الحديث
7223 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) قال حدثني ( ابن وهب ) قال حدثني ( عمرو ) عن ( سالم ) عن أبيه قال وعد النبي جبريل فقال إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب ( الحديث 7223 - طرفه في 0695 )
يحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي سكن مصر وعمرو بفتح العين وبالواو كذا وقع في رواية الأكثرين وظن بعضهم أنه عمرو بن الحارث وهو خطأ لأنه لم يدرك سالما والصواب عمر بضم العين وبغير واو وهو عمر ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم وكذا ثبت في رواية الكشميهني وكذا وقع في اللباس عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد قوله وعد النبي بالنصب وجبريل بالرفع فاعله يعني وعد النبي أن ينزل فلم ينزل فسأله رسول الله عن السبب فقال إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب
8223 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ( انظر الحديث 697 )
إسماعيل بن أبي أويس وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث

(15/140)


بن هشام بن المغيرة وأبو صالح عبد الله بن ذكوان والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب فضل أللهم ربنا ولك الحمد وقد مر الكلام فيه هناك
1323 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي حدثته أنها قالت للنبي هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذالك فيما شئت إن شئت أن أطيق عليهم الأخشبين فقال النبي بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ( الحديث 1323 - طرفه في 9837 )
الحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن عبد الله بن يوسف أيضا وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي الطاهر ابن السرح وحرملة بن يحيى وعمرو بن سواد وأخرجه النسائي في النعوت عن أبي الطاهر به
قوله يوم أحد

(15/141)


هو يوم غزوة أحد كانت في سنة ثلاث من الهجرة قوله يوم العقبة هي التي تنسب إليها جمرة العقبة وهي بمنى قوله إذ عرضت نفسي أي حين عرضت نفسي كان ذلك في شوال في سنة عشر من المبعث وأنه كان بعد موت أبي طالب وخديجة رضي الله تعالى عنها وذكر موسى بن عقبة في ( المغازي ) عن ابن شهاب أن النبي لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤوه فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم ساداتهم وهم أخوة عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح رد قوله على ابن عبد ياليل بالياء آخر الحروف وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام ابن عبد كلال بضم الكاف وتخفيف اللام وفي آخره لام واسم عبد ياليل كنانة ويقال مسعود وفي ( الجمهرة ) للكلبي عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عفرة بن عوف بن ثقيف والمذكور هنا أنه عرض نفسه على ابن عبد ياليل والذي في ( المغازي ) أن الذي كلمه هو عبد ياليل نفسه وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه وكان ابن عبد ياليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف وقد روى عبد بن حميد في ( تفسيره ) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى على رجل من القريتين عظيم ( الزخرف 13 ) قال نزلت في عتبة بن ربيعة وابن عبد ياليل الثقفي وعن ابن سعد كانت إقامة النبي في الطائف عشرة أيام وذكر ابن إسحاق وابن عقبة أن كنانة بن عبد يا ليل وفد مع وفد الطائف سنة عشر فأسلموا وذكر أبو عمر في ( الصحابة ) كذلك وذكر المدايني أن الوفد أسلموا إلا كنانة فخرج إلى الروم ومات بها بعد ذلك والله أعلم قوله على وجهي متعلق بقوله انطلقت أي على الجهة المواجهة لي قوله بقرن الثعالب جمع الثعلب الحيوان المشهور وهو موضع بقرب مكة وقال النووي هو ميقات أهل نجد ويقال له قرن المنازل بفتح الميم ويقال هو على مرحلتين من مكة وأصل القرن كل جبل صغير منقطع من جبل كبير وقال عياض يقال فيه قرن غير مضاف على يوم وليلة من مكة قال ورواه بعضهم بفتح الراء وهو غلط وقال القابسي من سكن الراء أراد الجبل المشرف على الموضع ومن فتحها أراد الطريق الذي يتفرق منه فإنه موضع فيه طرق متفرقة قوله ملك الجبال أي بعث الله إليك ملك الجبال وهو الملك الذي سخر الله له الجبال وجعل أمرها بيده قوله ذلك مبتدأ وخبره محذوف أي ذلك كما قال جبريل أو كما سمعت منه أو المبتدأ محذوف أي الأمر ذلك قوله فيما شئت كلمة ما فيه استفهامية وجزاء قوله إن شئت مقدر أي إن شئت لفعلت قوله ذلك فيما شئت إن شئت كذا هو في رواية أبي ذر عن شيخه وروى عن الكشميهني مثله إلا أنه قال فما شئت وروى الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري فقال يا محمد إن الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت قوله أن أطبق أي بأن أطبق و أن مصدرية تقديره لفعلت بإطباق الأخشبين عليهم والأخشبان بالخاء والشين المعجمتين هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله قيقعان وقال الصغاني بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف علي قيقعان ووهم من قال ثور قلت الذي قال الأخشبان أبو قبيس وثور هو الكرماني وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما يقال رجل أخشب إذا كان صلب العظام عاري اللحم والمراد من قوله أن أطبق عليهم أن يلتقيا على من بمكة فيصيران كطبق واحد عليهم قوله بل أرجو كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني أنا أرجو قوله أن يخرج الله بضم الياء من الإخراج قوله من يعبد الله في محل النصب لأنه مفعول يخرج قوله يعبد الله أي يوحده قوله لا يشرك به شيئا تفسيره
2323 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) قال حدثنا ( أبو إسحاق الشيباني ) قال سألت ( زر ابن حبيش ) عن قول الله تعالى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحاى إلى عبده ما أوحاى ( النجم 901 ) قال حدثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح
أبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري وأبو إسحاق الشيباني اسمه سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز الكوفي وزر بكسر الزاي وتشديد الراء ابن حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي

(15/142)


آخره شين معجمة الأسدي الكوفي مات سنة اثنين وثمانين قوله قاب قوسين ( والنجم 9 ) أي قدر قوسين قوله حدثنا ابن مسعود أي عبد الله بن مسعود ويروى قال لي ابن مسعود قوله أنه أي أن النبي وسيأتي الكلام في سورة والنجم مبسوطا إن شاء الله تعالى
4323 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن إسماعيل ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) عن ( ابن عون أنبأنا القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق
محمد بن عبد الله شيخه من أفراده ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون المزني البصري والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم
قوله فقد أعظم أي دخل في أمر عظيم ومفعوله محذوف قوله في صورته أي في هيئته وحقيقته قوله وخلقه أي خلقته التي خلق عليها قوله سادا نصب على الحال من جبريل أي مطبقا بين أفق السماء وقال أحمد بإسناده عن أبي وائل عن ابن مسعود قال رأى رسول الله جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم والتهاويل الألوان المختلفة وقال ابن الكلبي سأل رسول الله جبريل أن يأتيه في صورته التي خلقه الله عليها فقال له لا تستطيع أن تثبت فقال بلى فظهر له في ستمائة جناح سد الأفق جناح منها فشاهد رسول الله أمرا عظيما فصعق وذلك معنى قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى ( النجم 31 ) وقد ثبت أن جبريل عليه الصلاة و السلام كان يأتي النبي في صورة دحية الكلبي وتارة كان يأتيه في صورة أعرابي وأتاه مرتين في صورته التي خلق عليها مرة منهبطا من السماء ومرة عند سدرة المنتهى وجبريل هو أمين الوحي وخازن القدس ويقال له الروح الأمين وروح القدس والناموس الأكبر وطاووس الملائكة ومعنى جبر عبد وأيل اسم من أسماء الله تعالى ومعناه عبد الله وفيه أربعة عشر لغة ذكرتها في ( التاريخ الكبير ) في فضل خلق الملائكة
ثم اعلم أن إنكار عائشة رضي الله تعالى عنها الرؤية لم تذكرها رواية إذ لو كان معها رواية فيه لذكرته وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات وهو مشهور قول ابن مسعود وعن أبي هريرة مثلها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رآه بعينه روي ذلك عنه بطرق وروى ابن مردويه في ( تفسيره ) عن الضحاك وعكرمة عنه في حديث طويل وفيه فلما أكرمني ربي برؤيته بأن أثبت بصري في قلبي أجد بصري لنوره نور العرش وروى اللالكائي من حديث حماد ابن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا رأيت ربي عز و جل ومن حديث أبي هريرة قال رأيت ربي عز و جل الحديث وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله هل رأى رسول الله ربه فقال نعم والأشهر عنه أنه رآه بعينيه وروي عنه أن الله تعالى اختص موسى عليه الصلاة و السلام بالكلام وإبراهيم عليه الصلاة و السلام بالخلة ومحمدا بالرؤية وقال الماوردي قيل إن الله قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام فرآه محمد مرتين وكلمة موسى مرتين وحكى أبو الفتح الرازي وأبو الليث السمرقندي هذه الحكاية عن كعب

(15/143)


وحكى عبد الرزاق عن الحسن أنه كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه وحكى النقاش عن أحمد أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه حتى انقطع نفس أحمد وقال الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رره ببصره وعيني رأسه وقال كل آية أوتيها نبي من الأنبياء فقد أوتي مثلها نبينا وخص من بينهم بتفضيل الرؤية
فإن قلت قال الله تعالى لا تدركه الأبصار ( الأنعام 301 ) وقال لن تراني ( الأعراف 341 ) قلت المراد بالإدراك الإحاطة ونفي الإحاطة لا يستلزم نفي نفس الرؤية وعن ابن عباس لا يحيط به ونحن نقول به وقيل لا تدركه أبصار الكفار وقيل لا تدركه الأبصار وإنما يدركه المبصرون وليس في الشرع دليل قاطع على استحالة الرؤية ولا امتناعها إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة وأما قوله لن تراني ( الأعراف 341 ) فمعناه في الدنيا وذكر القاضي أبو بكر أن موسى عليه الصلاة و السلام رأى ربه فلذلك صعق وأن الجبل رأى ربه فلذلك صار دكا استنبطه من قوله ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ( الأعراف 341 ) ثم قال فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ( الأعراف 341 ) فرآه الجبل فصار دكا ورآه موسى عليه الصلاة و السلام فصعق
5323 - حدثني ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثنا ( زكرياء بن أبي زائدة ) عن ( ابن الأشوع ) عن ( الشعبي ) عن ( مسروق ) قال قلت ل ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها فأين قوله ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ( النجم 8 - 9 ) قالت ذااك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وإنه أتاه هاذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق
محمد بن يوسف هذا هو أبو أحمد البخاري البيكندي وقد جزم به أبو علي الجياني وأبو أسامة حماد بن أسامة وابن الأشوع بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الواو وفي آخره عين مهملة واسمه سعيد بن عمرو بن أشوع نسب إلى جده والشعبي عامر بن شراحيل ومسروق بن الأجدع
والحديث مسلم في الإيمان عن محمد بن عبد الله ابن نمير عن أبي أسامة نحوه
قوله فأين قوله ومعنى الفاء هنا إذا أنكرت رؤيته فما معنى قوله ثم دنا فتدلى ( النجم 8 - 9 ) فقالت المراد به قربه من جبريل عليه الصلاة و السلام فإن قلت ملاقاة جبريل عليه الصلاة و السلام كانت دائمة قلت لجبريل صورة خاصة خلق عليها لم يره رسول الله في تلك الصورة الخلقية إلا هذه المرة ومرة أخرى وقد ذكرناه عن قريب
6323 - حدثنا موسى قال حدثنا جرير قال حدثنا أبو رجاء عن سمرة قال قال النبي رأيت الليلة رجلين أتياني قالا الذي يوقد النار مالك خازن النار وأنا جبريل وهاذا ميكائيل
( موسى ) هو ابن إسماعيل التبوذكي و ( جرير ) بفتح الجيم هو ابن حازم بن زيد أبو النصر الأزدي البصري و ( أبو رجاء ) اسمه عمران بن ملحان ويقال ابن تيم ويقال ابن عبد الله العطاردي البصري أدرك زمن النبي ولم يره وأسلم بعد الفتح وأتى عليه مائة وعشرون سنة وقيل أكثر من ذلك والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب مجرد بعد باب ما قيل في أولاد المشركين مطولا بعين هذا الإسناد
7323 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح
أبو عوانة الوضاح مضى عن قريب والأعمش سليمان وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي والحديث أخرجه أيضا في النكاح عن محمد بن بشار وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب

(15/144)


وعن أبي سعيد الأشج وعن زهير بن حرب وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن عمرو الرازي وأخرجه في الملائكة عن محمد بن العلاء
تابعه شعبة وأبو حمزة وابن داود وأبو معاوية عن الأعمش
أي تابع أبو عوانة شعبة بن الحجاج فوصل هذه المتابعة البخاري في النكاح في باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها فقال حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي حازم عن أبي هريرة إلى آخره نحوه سواء قوله وأبو حمزة أي وتابعه أبو حمزة وهو محمد بن ميمون السكري قوله وابن داود أي وتابعه ابن داود وهو عبد الله الخريبي بالخاء المعجمة وبالراء ووصل متابعته مسدد في ( مسنده الكبير ) قوله وأبو معاوية أي وتابعه أبو معاوية وهو محمد بن خازم بالمعجمتين ووصل متابعته مسلم فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية وحدثني أبو سعيد الأشج قال حدثني وكيع وحدثني زهير بن حرب واللفظ له قال حدثنا جرير كلهم عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا دعا الرجل امرأته إلى آخره نحوه غير أن في قوله فلم تأته موضع فأبت في رواية البخاري رحمه الله
8323 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال سمعت ( أبا سلمة ) قال أخبرني ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي يقول ثم فتر عني الوحي فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر إلى قوله والرجز فاهجر ( المدثر 1 - 5 ) قال أبو سلمة والرجز الأوثان
رواة هذا الحديث قد مروا غير مرة على نسق واحد ومفترقين أيضا والحديث قد مر بشرحه في أول الكتاب قوله فجثئت منه على صيغة المجهول من ألجأث بالجيم والهمزة وبالثاء المثلثة أي رعبت وفيه لغة أخرى جثثت بثاءين مثلثتين ومعناه هويت أي سقطت قوله والرجز الأوثان تفسير منه بأن المراد من الرجز في قوله والرجز فاهجر ( المدثر 5 ) الأوثان وهو جمع وثن وهو ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جواهر وكانت العرب تنصبها وتعبدها
9323 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) وقال لي ( خليفة ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أبي العالية ) قال حدثنا ( ابن عم نبيكم ) يعني ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيساى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه ( الحديث 9323 - طرفه في 6933 )
غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر أبي عبد الله البصري صاحب الكرابيس قوله وقال لي خليفة هو ابن خياط هو شيخ البخاري وأشار بهذا إلى أنه جمع بين روايتي شعبة بن الحجاج عن قتادة وسعيد ابن أبي عروبة عن قتادة أيضا وساق الحديث على لفظ سعيد بن أبي عروبة وأبو العالية بالعين المهملة اسمه رفيع بضم الراء

(15/145)


وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة الرياحي بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة البصري وأبو العالية الآخر يروي أيضا عن ابن عباس واسمه مختلف فيه وشهرته بالبراء بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وكان يبري النبل وهو أيضا بصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن ابن بشار عن غندر عن شعبة نحو الأول وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن المثنى وعن محمد بن بشار كلاهما عن غندر به وعن عبد بن حميد عن يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة أتم من الأول
ذكر معناه قوله آدم من الأدمة وهي في الناس السمرة الشديدة وقيل هو من أدمة الأرض وهي لونها وبه سمي آدم عليه الصلاة و السلام والأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين يقال بعير آدم بين الأدمة وناقة أدماء قوله طوال بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو ومعناه طويل قولهجعد أي غير سبط الشعر وقال ابن الأثير الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما فالملح معناه شديد الأسر والخلق أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم وأما الذم فهو القصير المتردد الخلق وقال الداودي لا أرى جعدا محفوظا لأن الطوال لا يوصف بالجعودة وقال ابن التين هذا كلام غير صحيح لأن الطول لا ينافيه بل يكون الطويل جعدا وسبطا قوله شنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو وفتح الهمزة قيل هو من قحطان وقال الكرماني شنوءة اسم قبيلة بطن من الأزد طوال القامات وقال ابن هشام شنوءة هو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد وإنما قيل أزد شنوءة لشنئان كان بينهم وهو البغض والنسبة إليه شنوي وجه تشبيه موسى عليه الصلاة و السلام برجال شنوءة في الطول والسمرة قوله مربوعا أي لا قصيرا ولا طويلا قوله مربوع الخلق بفتح الخاء أي معتدل الخلقة مائلا إلى الحمرة قوله سبط الرأس بكسر الباء الموحدة وسكونها ومعناه مسترسل الشعر وقال النووي فتحها وكسرها لغتان مشهورتان ويجوز إسكانها مع كسر السين ومع فتحها على التخفيف كما في الكتف وقال وأما الجعد في صفة موسى عليه الصلاة و السلام فالأولى أن يحمل على جعودة الجسم وهي اكتنازه واجتماعه لا جعودة الشعر لأنه جاء في رواية أبي هريرة أنه رجل الشعر قوله والدجال بالنصب أي ورأيت الدجال قوله في آيات أي في آيات أخرى أراهن الله إياه أي النبي قوله فلا تكن في مرية بكسر الميم وهو الشك قال النووي هذا استشهاد من بعض الرواة على أنه لقي موسى عليه الصلاة و السلام وقال الكرماني الظاهر أنه كلام رسول الله والضمير راجع إلى الدجال والخطاب لكل واحد من المسلمين
قال أنس وأبو بكرة عن النبي تحرس الملائكة المدينة من الدجال
تعليق أنس رضي الله تعالى عنه وصله البخاري في أواخر الحج في فضل المدينة في باب لا يدخل الدجال المدينة فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن الوليد عن عمرو عن إسحاق عن أنس الحديث وتعليق أبي بكرة نفيع ابن الحارث وصله أيضا في هذا الباب عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن أبي بكرة عن النبي إلى آخره
8 -
( باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة )
أي هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في صفة الجنة وفي بيان أنها مخلوقة وموجودة الآن وفيه رد على المعتزلة حيث قالوا إنها لا توجد إلا يوم القيامة وكذلك قالوا في النار إنها تخلق يوم القيامة والجنة البستان من الشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه والتركيب دائر على معنى الستر وكأنها لتكاثفها وتظللها سميت بالجنة التي هي المرة من مصدر جنه إذا ستره كأنها سترة واحدة لفرط التفافها وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان
قال أبو العالية مطهرة من الحيض والبول والبزاق

(15/146)


أبو العالية هو رفيع الرياحي وقد ذكر في الباب الذي قبله وأشار بذلك إلى تفسير لفظ مطهرة في قوله تعالى ولهم فيها أزواج مطهرة ( البقرة 52 النساء 75 ) ووصله ابن أبي حاتم من رواية مجاهد وزاد ومن المني والولد وفي رواية قتادة من الأذى والإثم قوله والبزاق ويقال بالصاد بصاق أيضا
كلما رزقوا أوتوا بشيء ثم أوتوا بآخر قالوا هاذا الذي رزقنا من قبل ( البقرة 52 ) أوتينا من قبل
أشار بقوله كلما رزقوا إلى قوله تعالى كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها ( البقرة 52 ) قوله أوتوا بآخر أي بثمر آخر واستفيد التكرار من لفظ كلما فإذا أوتوا بآخر قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وفسره بقوله أوتينا من قبل قال ابن التين هو من أوتيته إذا أعطيته وهكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني أتينا من أتيته بالقصر يعني جئته وقال ابن التين والأول هو الصواب وفي القبلية وجهان أحدهما ما رواه السدي في ( تفسيره ) عن مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ( البقرة 52 ) قالوا إنهم أوتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في دار الدنيا وهكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم والآخر ما قاله عكرمة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ( البقرة 52 ) قال معناه مثل الذي كان بالأمس وهكذا قال الربيع ابن أنس قال مجاهد يقولون ما أشبهه به وقال ابن جرير وقال آخرون بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذه الشدة يشابه بعضها بعضا لقوله تعالى واتوا به متشابها ( البقرة 52 )
وأوتوا به متشابها يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعوم
فسر قوله تعالى وأوتوا به متشابها ( البقرة 52 ) بقوله يشبه بعضه بعضا وهكذا قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ولكنه قال في الطعم بالإفراد وهو أيضا رواية في الكتاب وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير قال عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك ويطوف عليهم الولدان بالفواكه ويأكلونها ثم يؤتون بمثلها فيقول لهم أهل الجنة هذا الذي آتيتمونا آنفا به فيقول لهم الولدان كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف وهو قوله تعالى واتوا به متشابها ( البقرة 52 ) وقال ابن جرير في ( تفسيره ) بإسناده عن السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس في قوله متشابها يعني في اللون والمرأى وليس يشبه في الطعم وقال عكرمة واتوا به متشابها ( البقرة 52 ) يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء وفي رواية ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء رواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم من رواية أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به
قطوفها يقطفون كيف شاؤا دانية قريبة
أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى قطوفها دانية ( الحاقة 32 ) وفسر قطوفها بقوله يقطفون كيف شاؤا قال الكرماني كيف فسر القطوف بيقطفون قلت جعل قطوفها دانية ( الحاقة 32 ) جملة حالية وأخذ لازمها وروى عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال في قوله قطوفها دانية ( الحاقة 32 ) يتناول منها حيث شاء وروى ابن أبي حاتم من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن البراء أيضا ومن طريق قتادة قال دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك
الأرائك السرر
أشار به إلى الأرائك في قوله متكئين فيها على الأرائك ( الكهف 13 الإنسان 31 ) وفسرها بقوله السرر وكذا فسره عبد بن حميد من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال الأرائك السرر في الحجال والأرائك جمع أريكة قال ابن فارس الحجلة على السرير لا تكون إلا كذا وعن ثعلب الأريكة لا تكون إلا سريرا متخذا في قبة عليه شوار ومخدة قلت الشوار بضم الشين المعجمة

(15/147)


وتخفيف الواو متاع البيت والحجلة بالتحريك بيت له قبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار
وقال الحسن النضرة في الوجوه والسرور في القلب
أشار بتفسير الحسن البصري إلى ما في قوله ولقاهم نضرة وسرورا ( الإنسان 11 ) وأوله فوقاهم الله شر ذلك اليوم ( الإنسان 11 ) أي فوقى الله الأبرار شر ذلك اليوم الذي يخافونه من شدائده ولقاهم أي أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه وهو أثر النعمة وحسن اللون والبهاء وسرورا في القلوب وأثر الحسن رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عنه
وقال مجاهد سلسبيلا حديدة الجرية
أشار بتعليق مجاهد وتفسير هذا إلى ما في قوله تعالى عينا فيها تسمى سلسبيلا ( الأنسان 81 ) قوله عينا بدل من قوله زنجبيلا فيما قبلهقوله فيها أي في الجنة وقال الزجاج أي يسقون عينا فيها تسمى سلسبيلا لسلامة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطريق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان والسلسبيل في اللغة وصف لما كان في غاية السلاسة يقال شراب سلسبيل وسلسل وسلسال وقد زيدت الياء فيه حتى صار خماسيا ودل على غاية السلاسة وتعليق مجاهد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد بإسنادهما عنه قوله حديدة بالحاء والدالين المهملات أي شديدة الجرية أي الجريان وقال عياض رواها القابسي جريدة بالجيم والراء بدل الدال الأولى وفسرها باللينة ورد عليه بأن ما قاله لا يعرف
غول وجع البطن
أشار به إلى ما في قوله تعالى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ( الصافات 74 ) وفسر الغول بوجع البطن وهذا التفسير مروي عن مجاهد وعن ابن عباس وقتادة صداع
ينزفون لا تذهب عقولهم
فسر ينزفون بقوله لا تذهب عقولهم عند شرب خمر الجنة وهذا التفسير مروي عن ابن عباس وغيره وقرىء ينزفون بكسر الزاي وفيه قولان أحدهما من أنزف الرجل إذا نفد شرابه والآخر يقال أنزف إذا سكر وأما نزف إذا ذهب عقله من الشرب فمشهور مسموع
وقال ابن عباس دهاقا ممتلئا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكأسا دهاقا ( النبإ 43 ) وفسر الدهاق بقوله ممتلئا ووصله الطبري عن أبي كريب حدثنا مروان ابن يحيى عن مسلم بن نسطاس قال ابن عباس لغلامه إسقني دهاقا قال فجاء بها الغلام ملأى فقال ابن عباس هذا دهاق وروى أيضا عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله كأسا دهاقا ( النبإ 43 ) قال ملأى
كواعب نواهد
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكواعب أترابا ( النبإ 33 ) فسر كواعب بقوله نواهد وهذا التفسير عن ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن

(15/148)


أبي طلحة عنه والنواهد جمع ناهد وهي التي بدا نهدها يقال نهد الثدي إذا ارتفع عن الصدر وصار له حجم والأتراب جمع ترب بالكسر وهو القرن
الرحيق الخمر
أشار به إلى ما في قوله تعالى رحيق مختوم ( المطففين 52 ) وفسر الرحيق بالخمر وهذا التفسير وصله الطبري عن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى رحيق مختوم ( المطففين 52 ) قال الخمر ختم بالمسك وقيل الرحيق الخالص من كل شيء وقال مجاهد يشربها أهل الجنة صرفا وقال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ختامه آخر طعمه
التسنيم يعلو شراب أهل الجنة
أشار به إلى ما في قوله تعالى ومزاجه من تسنيم ( المطففين 72 ) وفسره بقوله يعلو شراب أهل الجنة وهذا وصله عبد ب حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال التسنيم يعلو شراب أهل الجنة وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين وقال الجوهري التسنيم اسم ماء في الجنة سمي بذلك لأنه جرى فوق الغرف والقصور
ختامه طينه مسك
أشار به إلى ما في قوله تعالى رحيق مختوم ( المطففين 52 ) وفسر المختوم بقوله ختامه طينه مسك وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله ختامه مسك قال طينه مسك وفي طريق أبي الدرداء في قوله ختامه مسك قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم
نضاختان فياضتان
أشار به إلى ما في قوله تعالى فيهما عينان نضاختان ( الرحمن 66 ) وفسر النضاختان بقوله فياضتان روي ذلك عن ابن عباس وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه والنضخ في اللغة بالمعجمة أكثر من المهملة
يقال موضونة منسوجة ومنه وضين الناقة
أشار به إلى ما في قوله تعالى على سرر موضونة ( الواقعة 51 ) وفسر الموضونة بالمنسوجة أي المنسوجة بالذهب وقيل بالجواهر واليواقيت رواه ابن أبي حاتم عن عكرمة وروي أيضا من طريق الضحاك في قوله موضونة قال الوضين التشبيك والنسيج يقول وسطها مشبك منسوج قوله ومنه أي ومن هذا وضين الناقة وهو البطان إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا
والكوب ما لا أذن له ولا عروة والأباريق ذوات الآذان والعرا
أشار به إلى تفسير ما في قوله تعالى بأكواب وأباريق ( الواقعة 81 ) والأكواب جمع كوب وفسره بقوله والكوب ما لا أذن له ولا عروة وقيل الكوب المستدير لا عرى له ويجمع على أكواب ويجمع الأكواب على أكاويب وروى عبد ابن حميد من طريق قتادة قال الكوب دون الإبريق ليس له عروة والأباريق جمع إبريق على وزن إفعيل أو فعليل
عربا مثقلة واحدها مثل صبور وصبر يسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة
أشار به إلى ما في قوله تعالى فجعلناهن أبكارا عربا أترابا الواقعة 63 وفسر عربا بقوم مثقلة أي مضمومة الراء قيل مرادهم بالتثقيل الضم وبالتخفيف الإسكان قلت ليت شعري هذا اصطلاح من أهل الأدبية قوله واحدتهاأي واحدة العرب بضم الراء غروب مثل صبور في المفرد وصبر بضم الباء في الجمع وذكر النسفي في ( تفسيره ) في قوله تعالى فجعلناهن أبكارا ( الواقعة 63 ) عذارى عربا عواشق محببات إلى أزواجهن جمع عروب وقال الحسن العروب الملقة وقال عكرمة غنجة وقال ابن زيد شكله بلغة مكة مغنوجة بلغة المدينة وعن زيد بن حارثة حسان الكلام وقيل حسنة الفعل وجزم الفراء بأن العروب الغنجة قوله العربة بفتح العين وكسر الراء وفتح الباء وأخرج الطبري من طريق تميم بن حدلم في قوله تعالى عربا ( الواقعة 63 ) قال العربة الحسنة التبعل كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل إنها لعربة ومن طريق عبد الله بن عبيد بن عمير المكي قال العربة التي تشتهي زوجها قوله الغنجة بفتح الغين المعجمة وكسر النون وبالجيم من الغنج وهو التكسر

(15/149)


والتدلل في المرأة وقد غنجت وتغنجت قوله الشكلة بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف ذات الدل
وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فروح وريحان وجنة نعيم ( الواقعة 98 ) وفسر مجاهد روحا بجنة ورخاء وفسر الريحان بالرزق وقال الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فروح قال جنة وريحان ( الواقعة 98 ) قال رزق وأخرجه البيهقي في ( الشعب ) من طريق آدم عن ورقاء بسنده بلفظ فروح وريحان ( الواقعة 98 ) قال الروج جنة ورخاء والريحان الرزق وروى عبد بن حميد في ( تفسيره ) حدثنا شبابة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فروح وريحان ( الواقعة 98 ) قال رزق وحدثنا أبو نعيم عن عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد قال الروح الفرح والريحان الرزق وقيل روح طيب ونسيم وقيل الاستراحة ومن قرأ بضم الراء أراد الحياة التي لا موت معها وعن الحسن الريحان ريحاننا هذا
والمنضود الموز والمخضود الموقر حملا ويقال أيضا لا شوك له
أشار به إلى ما في قوله تعالى في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب ( الواقعة 82 - 13 ) الآية وفسر قوله وطلح منضود ( الواقعة 82 - 13 ) بأنه الموز وقال عياض وقع هنا تخليط والصواب والطلح الموز والمنضود الموقر حملا الذي نضد بعضه على بعض من كثرة حملة واستصوب بعضهم ما قاله البخاري وفي ضمنه رد على عياض والصواب ما قاله عياض لأن المنضود ليس اسم الموز وإنما هو صفة الطلح وقال النسفي في ( تفسيره ) طلح شجر موز وعن السدي شجر يشبه طلح الدنيا ولكن له ثمر أحلى من العسل وقال النسفي أيضا حكي أن رجلا قرأ عند علي رضي الله تعالى عنه وطلح منضود ( الواقعة 82 - 13 ) فقال علي وما شأن الطلح إنما هو طلع منضود ثم قرأ طلعها هضيم ( الشعراء 841 ) فقيل إنها في المصحف بالحاء أفلا نحولها فقال إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول وعن الحسن ليس الطلح بالموز ولكنه شجر له ظل بادر طيب وقال الفراء وأبو عبيدة الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك وقيل هو شجر أم غيلان وله نوار كثير طيب الرائحة قلت وعلى كل تقدير في معنى الطلح فالمنضود صفة وليس باسم ومعناه متراكم قد نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه وليست له ساق بارزة وقال مسروق أشجار الجنة من عروقها إلى أفنائها ثمر كله قوله والمخضود بالمعجمتين صفة للسدر كما نطق به القرآن
والعرب المحببات إلى أزواجهن
قد ذكر العرب عن قريب وفسرها بقوله مثقلة وقال واحدتها عروب وقد مر الكلام فيه بما فيه الكفاية
ويقال مسكوب جار
أشار به إلى ما في قوله تعالى وماء مسكوب ( الواقعة 13 ) وفسره بقوله جار وأراد به أنه قوي الجري كأنه يسكب سكبا
وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض
أشار به إلى ما في قوله تعالى وفرش مرفوعة ( الواقعة 23 - 43 ) بعد قوله وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ( الواقعة 23 - 43 ) وقال أبو عبيدة المرفوعة العالية يقال بناء مرفوع أي عال وروى ابن حبان والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري في قوله وفرش مرفوعة ( الواقعة 23 - 43 ) قال ارتفاعها خمسمائة عام
لغوا باطلا تأثيما كذبا
أشار به إلى ما في قوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ( الواقعة 52 ) وفسر اللغو بالباطل والتأثيم بالكذب وكذا رواه الفريابي عن مجاهد
أفنان أغصان

(15/150)


أشار به إلى ما في قوله تعالى ذواتا أفنان ( الرحمان 84 ) وفسر الأفنان بالأغصان وكذا فسره عكرمة وفي ( تفسير النسفي ) الأفنان جمع فنن وهو من قولهم أفنن فلان في حديثه إذا أخذ في فنون وعن مجاهد أفنان أغصان واحدها فنن وعن عكرمة ظل الأغصان على الحيطان وعن الحسن ذواتا أفنان ذواتا ظلال وخص الأفنان بالذكر لأنها الغصنة التي تتشعب من فروع الشجرة لأنها التي تورق وتثمر فمنها تمتد الظلال ومنها تجتنى الثمار
وجناى الجنتين دان ( الرحمان 45 ) ما يجتناى قريب منها
أشار به إلى ما في قوله تعالى متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنا الجنتين دان ( الرحمان 45 ) وفسر جنى بما يجتنى ودان بقوله قريب منها وفي ( تفسير النسفي ) وجنا الجنتين ثمرها دان قريب يناله القائم والقاعد والنائم
مدهامتان سوداوان من الري
أشار به إلى ما في قوله تعالى ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان ( الرحمان 26 - 46 ) يعني ومن دون الجنتين الأوليين الموعودتين لمن خاف مقام ربه جنتان ( الرحمان 26 - 46 ) أخريان مدهامتان ( الرحمان 26 - 46 ) وفسرها بقوله سوداوان من الري وكذا روي عن مجاهد وفي ( تفسير النسفي ) مدهامتان ناعمتان سوداوتان من ريهما وشدة خضرتهما لأن الخضرة إذا اشتدت قربت إلى السواد والدهمة السواد الغالب
0423 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( الليث بن سعد ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ( انظر الحديث 9731 وطرفه )
شرع البخاري يذكر في هذا الباب خمسة عشر حديثا مطابقات كلها للترجمة في ذكر الجنة وفي بعضها وصفها فلا يحتاج إلى ذكر المطابقة بعد هذا في أول كل حديث وهذا الحديث قد تقدم في كتاب الجنائز في باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم ومضى الكلام فيه هناك
1423 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( سلم بن زرير ) قال حدثنا ( أبو رجاء ) عن ( عمران بن حصين ) عن النبي قال اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء
أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وسلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن زرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى وسكون الياء آخر الحروف العطاردي البصري وأبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي البصري أدرك زمان النبي وأسلم بعد فتح مكة ولم ير النبي ولم يهاجر إليه بلغ مائة وثلاثين سنة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن أبي الوليد أيضا عن سلم بن زرير وفي النكاح عن عثمان بن الهيثم وأخرجه الترمذي في صفة جهنم عن ابن بشار وأخرجه النسائي في عشرة النساء وفي الرقاق عن قتيبة وعن بشر بن هلال وعمران ابن موسى وفيه الاختلاف على أبي رجاء فإن مسلما رواه من حديث الثقفي عن أيوب عن أبي رجاء عن ابن عباس ومن حديث أبي الأشهب عن أبي رجاء عن ابن عباس ومن حديث ابن أبي عروبة عن أبي رجاء عن ابن عباس قال الترمذي وكلا الإسنادين ليس فيهما مقال يحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعا ورواه البخاري في النكاح من حديث عوف عن أبي رجاء وقال الترمذي وقد روى غير عوف أيضا هذا الحديث عن أبي رجاء عن عمران بن حصين ورواه النسائي من حديث يزيد بن عبد الله ومحمد بن عبد الله وهو متابع لأبي رجاء عن عمران ولفظه أقل ساكني الجنة النساء وفي

(15/151)


لفظة وعامة أهل النار النساء وفي النسائي من حديث عمرو بن العاص مرفوعا لا تدخل النساء إلا كعدد هذا الغراب مع هذه الغربان وفي ( الأخبار ) للألكائي من حديث عبد الرحمن بن شبل مرفوعا إن الفساق هم أهل النار ثم فسرهم بالنساء قالوا يا رسول الله ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا قال بلى ولكن إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن وقال المهلب إنما تستحق النساء النار لكفرهن العشير وقال القرطبي إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن الهوى والميل إلى عاجل زينة الحياة الدنيا ولنقصان عقولهن فيضعفن عن عمل الآخرة والتأهب لها لميلهن إلى الدنيا والتزين بها وأكثرهن معرضات عن الآخرة سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عن الدين عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة وأعمالها وأما الفقراء فلما كانوا فاقدي المال الذي يتوسل به إلى المعاصي فازوا بالسبق فإن قلت فقد ظهر فضل الفقر فلم استعاذ النبي منه قلت إنما استعاذ من شر فتنته كما استعاذ من شر فتنة الغنى فإن قلت ليس في الجنة عزب ولكل رجل زوجان فكي يكون وصفهن بالقلة في الجنة وبالكثرة في النار قلت ذكر الحكيم الترمذي وغيره أن الإكثار بكون النساء أكثر أهل النار كان قبل الشفاعة فيهن فعلى كون زوجين لكل رجل يكن أكثر أهل الجنة
2423 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن عند رسول الله إذ قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله
أخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضل عمر رضي الله تعالى عنه عن سعيد بن أبي مريم أيضا وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن الحارث المصري عن الليث وقال الترمذي عن أبي هريرة إن النبي قال رأيت في الجنة قصرا من ذهب فقلت لمن هذا قال لعمر بن الخطاب قال ومعنى هذا الحديث أني دخلت البارحة الجنة يعني رأيت في المنام كأني دخلت الجنة هكذا روي في بعض هذا الحديث ويروى عن ابن عباس أنه قال رؤيا الأنبياء حق وقد روى أحمد من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه قال إن عمر من أهل الجنة وذلك أن النبي كان ما رأى في يقظته ومنامه سواء وأنه قال بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية فقلت لمن هذه فقيل لعمر بن الخطاب
قوله رأيتني أي رأيت نفسي قوله فإذا امرأة كلمة إذا للمفاجأة قوله تتوضأ قال الكرماني تتوضأ من الوضاءة وهي الحسن والنظافة ويحتمل أن يكون من الوضوء وقال الخطابي فإذا امرأة شوهاء وإنما أسقط الكاتب منه بعض الحروف فصار يتوضأ لالتباس ذلك في الخط لأنه لا عمل في الجنة لا وضوء ولا غيره والشوهاء بالشين المعجمة قال أبو عبيد هي المرأة الحسناء والشوهاء واسعة الفم والصغيرة الفم وقال ابن الأعرابي الشوهاء القبيحة وقال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة ويقال يراد بها سعة أشداقها ورد عليه القرطبي وقال الرواية الصحيحة تتوضأ ووضوء هذه المرأة إنما هو لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا إذ الجنة منزهة عن القذر وقال ابن التين وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال هذا فيه أن الوضوء موصل إلى هذا القصر والنعيم قوله فذكرت غيرته بالفتح مصدر قولك غار الرجل على أهله من فلان وهي الحمية والأنفة يقال رجل غيور وامرأة غيور وجاء امرأة غيراء وصيغة غيور للمبالغة

(15/152)


ورد عليه ابن التين وقال الظاهر خلافه وأنه من قوله قوله قرة أعين قال الزمخشري قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخره الله تعالى لأولئك وأخفاه عن جميع خلائقه لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها انتهى ويقال أقر الله عينك ومعناه أبرد الله تعالى دمعتها لأن دمعة الفرح باردة حكاه الأصمعي وقال غيره معناه بلغك الله أمنيتك حتى ترضى به نفسك فلا تستشرف إلى غيره -
5423 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألاوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا
عبد الله هو ابن المبارك والحديث أخرجه الترمذي في صفة الجنة أيضا عن سويد بن نصر عن ابن المبارك أيضا وقال حديث صحيح
قوله أول زمرة أي جماعة قوله تلج أي تدخل من ولج يلج ولوجا قوله صورتهم على صورة القمر ليلة البدر أي في الإضاءة وسيأتي في الرقاق بلفظ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر ويجيء هنا في الرواية الثانية والذين على آثارهم كأشد كوكب إضاءة قوله لا يبصقون من البصاق ولا يمتخطون من المخاط ولا يتغوطون من الغائط وهو كناية عن الخارج من السبيلين جميعا وزاد في صفة آدم لا يبولون ولا يتفلون ويأتي في الرواية الثانية ولا يسقمون وفي رواية مسلم من حديث جابر يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك وفي رواية النسائي من حديث زيد بن أرقم قال جاء رجل من أهل الكتاب فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم إن أحدكم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع قال الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك وقال الطبري السائل ثعلبة بن الحارث قوله آنيتهم الذهب وفي الرواية التي تأتي والفضة وقال في الأمشاط عكس ذلك فكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر قوله أمشاطهم جمع مشط وهو مثلث الميم والأفصح ضمها قوله ومجامرهم جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور ومجامرهم مبتدأ و الألوة خبره ويفهم منه نفس العود ولكن في الرواية الثانية وقود مجامرهم الألوة فعلى هذا يكون المضاف هنا محذوفا وقال الكرماني في الجنة نفس المجمرة هي العود قلت فعلى هذا يكون المعنى وعودهم الألوة فإذا كان الألوة عودا يكون الحمل غير صحيح لأن المحمول يكون غير الموضوع وقال الطيبي المجامر جمع مجمرة بكسر الميم وهو الذي يوضع النار فيه للبخور وبالضم هو الذي يتبخر به وأعد له الجمر ثم قال والمراد في الحديث هو الأول وفائدة الإضافة أن الألوة هي الوقود نفسه بخلاف المتعارف فإن وقودهم غير الألوة وقيل المجامر جمع والألوة مفرد فلا مطابقة بين المبتدأ والخبر وأجيب بأن الألوة جنس وهو بضم الهمزة وفتحها وضم اللام وتشديد الواو وهو العود الذي يتبخر به وروي بكسر اللام أيضا وهو معرب وحكى ابن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة فإن قلت إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها قلت يحتمل أن يشتعل بغير نار ويحتمل أن يكون بنار لا ضرر فيها ولا إحراق ولا دخان وقيل تفوح بغير إشعال ويشابه ذلك ما رواه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا أن الرجل في الجنة ليشتهي الطير فيخر بين يديه مشويا فإن قلت أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تنسخ وأي حاجة لهم إلى

(15/154)


البخور وريحهم أطيب من المسك قلت نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عري أو نتن وإنما هي لذات مترادفة ونعم متوالية والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في دار الدنيا وقال النووي مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له قوله ورشحهم المسك أي عرقهم كالمسك في طيب الرائحة قوله زوجتان أي من نساء الدنيا ويؤيد هذا ما رواه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وأن له من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وقال الطيبي الظاهر أن التثنية يعني في قوله زوجتان للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى فأرجع البصر كرتين ( الملك ) لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين قلت فيه نظر لا يخفى وقيل يجوز أن يكون يراد به نحو لبيك وسعديك فإن المراد تلبية بعد تلبية وليس المراد نفس التثنية أو يكون باعتبار الصنفين نحو زوجه طويلة والأخرى قصيرة أو إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة قيل استدل أبو هريرة بهذا الإسناد على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال فإن قلت يعارضه قوله في حديث الكسوف رأيتكن أكثر أهل النار قلت أجيب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار ففي أكثريتهن في الجنة فإن قلت يشكل على هذا قوله في الحديث الآخر اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنيها النساء قلت قد ذكرنا فيما مضى عن قريب أن هذا كان قبل الشفاعة ثم قوله زوجتان بالتاء وهي لغة كثرت في الحديث والأشهر خلافها وبه جاء القرآن وهو الأفصح مع أن الأصمعي كان ينكر التاء ولكن رد عليه أبو حاتم السجستاني بشواهد ذكرها قوله يرى مخ سوقهما من وراء اللحم المخ بضم الميم وتشديد الخاء المعجمة ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد وفي رواية الترمذي ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وفي رواية أحمد من رواية أبي سعيد ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وسوق بضم السين جمع ساق وكلمة من في من الحسن يجوز أن تكون للتعليل و أن تكون بيانية قوله لا اختلاف بينهم أي بين أهل الجنة ولا تباغض لصفاء قلوبهم ونظافتها من الكدورات قوله قلوبهم مرفوع على الابتداء وخبره قلب واحد بالإضافة في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي واحد مرفوع على أنه صفة لقلب وأصله على التشبيه حذفت أداته أي كقلب رجل واحد قوله يسبحون الله بكرة وعشيا ( الملك 4 ) هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وتعالى وامتلأت بحبه ومن أحب شيئا أكثر من ذكره فإن قلت لا بكرة ولا عشية إذ لا طلوع ولا غروب قلت المراد منه مقدارهما أو دائما يتلذذون به قاله الكرماني قلت إذا تلذذوا به دائما يبقى قوله بكرة وعشيا بلا فائدة والظاهر أن تسبيحهم يكون في هذين الوقتين فإن قلت كيف يعرفون هذين الوقتين بلا ليل ولا نهار قلت قد قيل إن تحت العرش ستارة معلقة تطوى وتنشر على يد ملك فإذا طواها يعلمون أنهم لو كانوا في الدنيا كان هذا نهارا وإذا أسبلها يعلمون أنهم لو كانوا في الدنيا كان ليلا وانتصاب بكرة وعشيا على الظرفية
6423 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرىء منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن يسبحون الله بكرة وعشيا لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب وقود مجامرهم الألوة قال أبو اليمان يعني العود ورشحهم المسك

(15/155)


هذا طريق آخر لحديث أبي هريرة ورواته على هذا النسق قد مروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله على إثرهم بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحها أيضا أي الذين يدخلون الجنة عقيب الأولين والذين يدخلون بعدهم كأشد كوكب إضاءة وإنما أفرد المضاف إليه ليفيد الاستغراق في هذا النوع من الكوكب يعني إذا انقضت كوكبا كوكبا رأيتهم كأشد إضاءة فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين التركيب السابق قلت كلاهما مشبهان إلا أن الوجه في الثاني هو الإضاءة فقط وفي الأول الهيئة والحسن والضوء كما إذا قلت إن زيدا ليس بإنسان بل هو في صورة الأسد وشجاعته وجراءته وهذا التشبيه قريب من الاستعارة المكنية قوله آنيتهم الذهب والفضة وفي الحديث السابق قال آنيتهم الذهب وهنا زاد الفضة وفي الأمشاط ذكر بعكس ذلك فكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما كما ذكرنا هناك كما في قوله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( التوبة 43 ) وخصص الذهب لأنه لعله أكثر من الفضة كنزا أو لأن الذهب أشرف أو أن حال الزمرة الأولى خاصة فآنيتهم كلها من الذهب لشرفهم وهذا أعم منهم فتفاوت الأواني بحسب تفاوت أصحابها وأما الأمشاط فلا تفاوت بينهم فيها فلم يذكر الفضة هنا ولما علم ثمة أن في آنية الزمرة الأولى قد تكون الفضة فغيرهم بالطريق الأولى وحقيقة هذه الأحوال لا يعلمها إلا الله تعالى
وقال مجاهد الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن أراه تغرب
قوله أراه أي أظنه وهي جملة معترضة بين قوله إلى أن وقوله تغرب وكان البخاري ظن في آخر العشي يعني مبدأ العشي معلوم وآخره مظنون و تغرب منصوب بأن وتعليق مجاهد وصله عبد بن حميد والطبري وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ إلى أن تغيب وقال الإبكار مصدر تقول أبكر فلان في حاجته يبكر إبكارا إذا خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الفجر وأما العشي فمن بعد الزوال قال الشاعر
( فلا الظل من برد الضحى يستطيعه
ولا الفيء من برد العشي يذوق )
قال والفيء يكون عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها
57 - ( حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال حدثنا فضيل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي قال ليدخلن من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر )
أبو حازم بالحاء المهملة والزاي اسمه سلمة قوله ليدخلن اللام فيه مفتوحة للتأكيد وهو أيضا مؤكد بالنون الثقيلة وسبعون ألفا فاعله قوله أو سبعمائة ألف شك من الراوي كذا قاله ابن التين وفي حديث مسلم عن عمران بن حصين مرفوعا يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب وفي حديث الترمذي عن أبي أمامة مرفوعا وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز و جل وقال غريب وفي حديث البزار من حديث أنس بلفظ مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا وفي كتاب الشفاعة للقاضي إسماعيل من حديث أنس مرفوعا أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف فقال أبو بكر زدنا فقال وهكذا فقال عمر رضي الله تعالى عنه حسبك يا أبا بكر فقال دعني يا عمر وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا قال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بحثية واحدة فقال صدق عمر وروى الكلاباذي من حديث عبد العزيز اليماني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فقدت رسول الله ذات يوم فاتبعته فإذا هو في مشربة يصلي فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار فلما قضى صلاته قال من هذه قلت عائشة فقال هل رأيت الأنوار قلت نعم قال إن آت أتاني من ربي عز و جل فبشرني أن الله تعالى يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني في اليوم الثاني آت من ربي فبشرني أن الله تعالى يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني في اليوم الثالث

(15/156)


آت من ربي فبشرني أن الله تعالى يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا المضاعفة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب فقلت يا ربي لا تبلغ هذا أمتي قال يكملون من الأعراب ممن لا يصوم ولا يصلي ثم قال الكلاباذي اختلف الناس في الأمة من هم فقال قوم أهل الملة وقال آخرون كل مبعوث إليه ولزمته الحجة بالدعوة وهؤلاء يختلف أحوالهم فمنهم من بعث إليه ودعي فلم يجب كأهل الأديان من أهل الكتاب وسائر المشركين فهؤلاء لا يدخلون الجنة أبدا ومنهم من دعي فأجاب ولم يتبع من جهة استعمال ما لزمه بالإجابة فهو مؤمن بالإجابة إلى ما دعي إليه من التوحيد والرسالة وإن لم يستعمل ما أمر به تشاغلا عنه وخلاعة وتجوزا فهؤلاء من أمة الدعوة والإجابة وليسوا من أمة الاتباع ومنهم من أجاب إلى ما دعي واستعمل ما أمر به فهؤلاء من أمة الدعوة والإجابة والاتباع وهؤلاء الأعراب يجوز أن يكونوا من أمة محمد من طريق الإجابة إيمانا بالله وبرسوله ولم يستعملوا ما لزمهم بالإجابة فهؤلاء ليسوا من أمته على معنى الاتباع ومعنى يكملون من الأعراب يعني من هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله ولم يستعملوا ما لزمهم بالإجابة قوله لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم معناه لا يدخل آخرهم حتى يدخل أولهم وإلا لم يدخل الآخر آخرا فيلزم الدور وهذا الدور غير ممنوع لأنه دور معية والممنوع دور التقدم والغرض منه أنهم يدخلون كلهم معا صفا واحدا قوله وجوههم كالقمر ليلة البدر جملة حالية وقعت بلا واو -
8423 - حدثنا ( عبد الله بن محمد الجعفي ) قال حدثنا ( يونس بن محمد ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( قتادة ) قال حدثنا ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال أهدي للنبي جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ( انظر الحديث 5162 وطرفه )
عبد الله بن محمد الجعفي هو المعروف بالمسندي وهو من أفراده ويونس بن محمد أبو محمد المؤدب البغدادي مات في سنة ثمان ومائتين وشيبان بن عبد الرحمن النحوي وكان مؤدبا لبني داود بن علي أصله بصري وسكن الكوفة والحديث مضى في كتاب الهبة في باب قبول الهدية من المشركين ومر الكلام فيه هناك
0523 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) قال قال رسول الله موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها
علي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو حازم سلمة بن دينار قوله خير من الدنيا وما فيها قال الداودي يعني في الحسن والبهجة وقال غيره يعني أنه دائم لا يفنى فكان أفضل مما يفنى فإن قلت لم خص السوط بالذكر قلت لأن من شأن الراكب إذا أراد النزول في منزل أن يلقي سوطه قبل أن ينزل معلما بذلك المكان الذي يريده لئلا يسبقه إليه أحد
1523 - حدثنا ( روح بن عبد المؤمن ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) قال حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
روح بفتح الراء ابن عبد المؤمن أبو الحسن البصري المقري وهو من أفراده وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد ويزيد من الزيادة وسعيد هو ابن أبي عروبة
والحديث من أفراده وأخرجه الترمذي من طريق معمر عن قتادة وزاد في آخره وإن شئتم فاقرأوا وظل ممدود ( الواقعة 03 )

(15/157)


2523 - حدثنا ( محمد بن سنان ) قال حدثنا ( فليح بن سليمان ) قال حدثنا ( هلال بن علي ) عن ( عبد الرحمان بن أبي عمرة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة واقرؤوا إن شئتم وظل ممدود ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب ( انظر الحديث 3972 )
صدر هذا الحديث مثل حديث أنس المذكور قبله وفيه الزيادة وهي قوله واقرأوا إلى آخره وقال الخطابي الشجرة المذكورة يقال إنها طوبى وروى ابن عبد البر من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعا شجرة طوبى تشبه الجوزة قال رجل يا رسول الله ما عظم أصلها قال لو رحلت جذعة ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما وروى ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال شجرة طوبى في الجنة ليس فيها دار إلا وفيها غصن منها لا طير حسن ولا ثمرة إلا وهي فيها قوله في ظلها أي راحتها ونعيمها من قولهم عن ظليل وقيل معناه دارها وناحيتها كما يقال أنا في ظلك أي في كنفك وإنما احتيج إلى هذا التأويل لأن الظل المتعارف إنما هو وقاية حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس وإنما هي أنوار متوالية لا حر فيها ولا قر بل لذات متوالية ونعم متتابعة قوله لقاب قوس اللام فيه مفتوحة للتأكيد القاب والقيب كالقاد والقيد بمعنى القدر وعينه واو
4523 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( محمد بن فليح ) قال حدثنا أبي عن ( هلال ) عن ( عبد الرحمان بن أبي عمرة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد لكل امرىء زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم
هذا أحد الطرق الثلاثة في حديث أبي هريرة المذكورة في هذا الباب الأول رواه عن محمد بن مقاتل والثاني رواه عن أبي اليمان وهذا هو الثالث رواه عن إبراهيم بن المنذر أبي إسحاق الحزامي عن محمد بن فليح عن أبيه فليح بن سليمان ابن أبي المغيرة عن هلال بن علي قوله درى فيه لغات ضم الدال وتشديد الراء وبالياء آخر الحروف بلا همز والثانية بالهمز والثالثة بكسر الدال مهموزا أيضا وهو الكوكب العظيم البراق وسمي به لبياضه كالدر وقيل لضوئه وقيل لشبهه بالدر في كونه أرفع النجوم كما أن الدر أرفع الجواهر
5523 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال ( عدي بن ثابت ) أخبرني قال سمعت ( البراء ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لما مات إبراهيم قال إن له مرضعا في الجنة ( انظر الحديث 2831 وطرفه )
هذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في باب ما قيل في أولاد المسلمين قوله مرضعا إنما قال مرضعا ولم يقل مرضعة لأن المراد التي من شأنها الإرضاع أعم من أن يكون في حالة الإرضاع
6523 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك بن أنس ) عن ( صفوان بن سليم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن أهل الجنة يتراءيون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءيون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم

(15/158)


قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ا ( لحديث 6523 - طرفه في 6556 )
عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني وصفوان بن سليم بضم السين وفتح اللام المدني وعطاء بن يسار ضد اليمين
والحديث أخرجه مسلم في صفة الجنة أيضا عن عبد الله بن جعفر وعن هارون بن سعيد كلاهما عن مالك
قوله عن صفوان وفي رواية مسلم أخبرني صفوان ووهم أيوب بن سويد فرواه عن مالك عن زيد ابن أسلم بدل صفوان ذكره الدارقطني في ( الغرائب ) قوله عن أبي سعيد وفي رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة ونقل الدارقطني في ( الغرائب ) عن الذهلي أنه قال لست أرفع حديث فليح يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد وعن أبي هريرة قوله يتراءيونعلى وزن يتفاعلون من باب التفاعل أي يرون وينظرون وفيه معنى التكلف كما في قول أبي البختري تراءينا الهلال أي تكلفنا النظر إليه هل نراه أم لا وفي رواية مسلم يرون وهذا يدل على أن باب التفاعل هنا ليس على بابه قوله الغرف بضم الغين وفتح الراء جمع غرفة وهي العلية قوله الغابر بالغين المعجمة والباء الموحدة كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية ( الموطأ ) الغاير بالياء آخر الحروف ومعناه الداخل في الغروب ومعنى الغابر بالباء الموحدة الذاهب وهو من الأضداد يقال غبر بمعنى ذهب وبمعنى بقي وفي رواية الأصيلي العازب بالعين المهملة والزاي ومعناه البعيد وفي رواية الترمذي العارب بالعين المهملة والراء قوله في الأفق قال بعضهم المراد من الأفق السماء قلت الأفق أطراف السماء وقال الطيبي فإن قلت ما فائدة تقييد الكواكب بالدري ثم بالغابر في الأفق قلت للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وجهه منتزع من عدة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب الشرق أو الغرب في الاستضاءة مع البعد فلو قيل الغابر لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغروب اللهم إلا أن يقدر المستشرف على الغروب كقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن ( البقرة 432 الطلاق 2 ) لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي نعم على هذا التقدير كقوله
( متقلدا سيفا ورمحا
وعلفته تبنا وماء باردا )
أي طالعا في الأفق من المشرق وغابرا في المغرب فإن قلت ما فائدة ذكر الشرق والغرب وهلا قيل في السماء أي في كبدها قلت لو قيل في السماء لكان القصد الأول بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق أو المغرب القصد الأول البعد ويلزم منه الرفعة قوله قال بلى وفي رواية أبي ذر بل التي للإضراب وقال القرطبي هكذا وقع هذا الحرف بلى التي أصلها حرف جواب وتصديق وليس هذا موضعها لأنهم لم يستفهموا وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء عليهم السلام لا لغيرهم فجواب هذا يقتضي أن تكون بل التي للإضراب عن الأول وإيجاب المعنى للثاني فكأنه تسومح فيها فوضعت بلى موضع بل قوله رجال مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم رجال آمنوا بالله أي حق إيمانه وصدقوا المرسلين أي حق تصديقهم وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله وصدق رسله
9 -
( باب صفة أبواب الجنة )
أي هذا باب في بيان صفة أبواب الجنة قال بعضهم هكذا ترجم بالصفة ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية قلت هذا تخمين لأنه لا وجه لما ذكره أما ذكر الصفة وإرادة العدد ففيه ما فيه لأن العدد اسم قال الجوهري عددت الشيء عدا أحصيته والاسم العدد والعديد والصفة خارجة عن ذات الشيء وأما ذكر الصفة وإرادة التسمية فتعسف جدا لأنه لا نكتة فيه حتى يعدل عن التسمية إلى ذكر الصفة والذي يظهر أن ذكره أبواب الجنة واقع في محله لأن في الباب ذكر ثمانية أبواب فيطابق الترجمة وذكر الصفة إشارة إلى قوله الريان لأنه صفة للباب الذي يدخل منه الصائمون فإن قلت المذكور في الحديث يسمى الريان قلت في الحقيقة صفة لذلك الباب لأن الصائمين الذين كابدوا العطش في الدنيا إذا دخلوا من هذا الباب إلى الجنة يشربون من النهر الذي فيه فيروون فلا يحصل لهم الظمأ بعد ذلك أبدا فغلبت الإسمية على الصفة كما في العباس والحارث ونحوهما

(15/159)


وقال النبي من أنفق زوجين دعي من باب الجنة
روى هذا التعليق مسندا موصولا في كتاب الصيام في باب الريان للصائمين فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن معن عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة الحديث ومضى الكلام فيه هناك وفي الجهاد أيضا من حديث أبي هريرة وفيه فمن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد الحديث
فيه عبادة عن النبي
أي في هذا الباب روى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وأشار به إلى ما رواه في ذكر عيسى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي قال من شهد أن لا إلاه إلا الله الحديث وفيه أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وروى الطبراني في ( معجمه ) من حديث ابن سلام عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت ولفظه عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم
7523 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( محمد بن مطرف ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ( انظر الحديث 6981 )
مطابقته للترجمة في قوله ثمانية أبواب ومحمد بن مطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة وأبو حازم سلمة بن دينار والحديث من أفراده قال الداودي هذا الحديث يبين قوله تعالى وفتحت أبوابها ( الزمر 37 ) لأن الواو إنما تأتي بعد سبعة وقال الكوفيون الواو زائدة وهو خطأ عند البصريين لأن الواو تفيد معنى العطف فلا يجوز أن تزاد قوله الريان أصله الرويان اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء ثم أدغمت الياء في الياء والريان ضد العطشان من رويت من الماء بالكسر أروى ريا وريا وروي أيضا مثل رضي ورويت الحديث بالفتح رواية قوله لا يدخله إلا الصائمون مجازاة لهم لما كان يصيبهم من العطش من صيامهم والله أعلم
01 -
( باب صفة النار وأنها مخلوقة )
أي هذا باب في بيان صفة النار يعني نار جهنم وفي بيان أنها مخلوقة موجودة وفيه رد على المعتزلة وقد ذكرناه في باب صفة الجنة وقال الكرماني ما ملخصه إن النسفي لم يرو من أول الباب إلى أول حديث الباب اللغات المذكورة ولم يوجد في نسخته شيء من ذلك وأمثال هذه مما سمعه الفربري عن البخاري عند سماع الكتاب فألحقها هو به والأولى بوضع هذا الجامع فقدانها لا وجدانها إذ موضوعه رسول الله من جهة أقواله وأفعاله وأحواله فينبغي أن لا يتجاوز البحث عن ذلك
غساقا يقال غسقت عينه ويغسق الجرح وكأن الغساق والغسق واحد
أشار به إلى ما في قوله تعالى إلا حميما وغساقا ( النبإ 52 ) قوله يقال غسقت عينه إذا سال منها الماء البارد وقال الجوهري غسقت عينه إذا أظلمت وغسق الجرح إذا سال منه ماء أصفر ويقال الغساق الماء البارد المنتن يخفف ويشدد وقرأ أبو عمرو بالتشديد والكسائي بالتخفيف وقيل الغساق قيح غليظ قاله عبد الله بن عمرو وقال ابن دريد هو صديدهم تصهرهم النار فيجتمع صديدهم في حياض فيسقونه وقال ابن فارس الغساق ما يقطر من جلود أهل النار وقيل بارد يحرق كما تحرق النار وقال أبو عبيدة في قوله تعالى إلا حميما وغساقا ( النبإ 52 ) الحميم الماء الحار والغساق ما همي وسال وفي حديث الترمذي والحاكم عن أبي سعيد مرفوعا لو أن دلوا من غساق يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا قوله كأن الغساق والغسق واحد هكذا

(15/160)


في رواية الأكثرين الغسق بفتحتين وفي رواية أبي ذر الغسيق على وزن فعيل وقد تردد البخاري في كون الغساق والغسق واحدا وليس بواحد فإن الغساق ما ذكرناه من المعاني والغسق الظلمة يقال غسق يغسق غسوقا فهو غاسق إذا أظلم وأغسق مثله
غسلين كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل من الجرح والدبر
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولا طعام إلا من غسلين ( الحاقة 63 ) وقد فسره بقوله كل شيء إلى آخره وهكذا قال أبو عبيدة وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الغسلين صديد أهل النار قوله فعلين أي وزن غسلين فعلين والنون والياء فيه زائدتان قوله والدبر بفتح الباء الموحدة وهو ما يصيب الإبل من الجراحات فإن قلت بين هذه الآية وبين قوله تعالى ليس لهم طعام إلا من ضريع ( الغاشية 6 ) معارضة ظاهرا قلت جمع بينهما بأن الضريع من الغسلين أو هم طائفتان فطائفة يجازون بالطعام من غسلين بحسب استحقاقهم لذلك وطائفة يجازون بالطعام من ضريع كذلك والله أعلم
وقال عكرمة حصب جهنم حطب بالحبشية وقال غيره حاصبا الريح العاصف والحاصب ما ترمي به الريح ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم هم حصبها ويقال حصب في الأرض ذهب والحصب مشتق من حصباء الحجارة
تعليق عكرمة وصله ابن أبي حاتم من طريق عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة بهذا وأخرجه ابن أبي عاصم عن ابني سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة وقال ابن عرفة إن كان أراد بها حبشية الأصل سمعتها العرب فتكلمت بها فصارت حينئذ عربية وإلا فليس في القرآن غير العربية وقال الخليل حصب ما هيء للوقود من الحطب فإن لم يهيأ لذلك فليس بحصب وروى الفراء عن علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما أنهما قرآها حطب بالطاء وروى الطبري عن ابن عباس أنه قرأها بالضاد المعجمة قال وكأنه أراد أنهم الذين تسجر بهم النار لأن كل شيء هيجت به النار فهو حصب قوله وقال غيره أي غير عكرمة حاصبا أي في قوله تعالى أو يرسل عليكم حاصبا ( الإسراء 86 ) هو الريح العاصف الشديد كذا فسره أبو عبيدة قوله والحاصب ما ترمى به الريح لأن الحصب الرمي ومنه حصب جهنم يرمى به فيها ويقال الحاصب العذاب قوله هم حصبها أي أهل النار حصب جهنم وهو مشتق من حصبهاء الحجارة وهي الحصى قال الجوهري الحصباء الحصى وحصبت الرجل أحصبه بالكسر أي رميته بالحصباء
صديد قيح ودم
أشار به إلى ما في قوله تعالى ويسقى من ماء صديد ( إبراهيم 61 ) وفسره بالقيح والدم وكذا فسره أبو عبيدة
خبت طفئت
أشار به إلى ما في قوله تعالى كلما خبت ( الإسراء 79 ) وفسره بقوله طفئت بفتح الطاء وكسر الفاء يقال طفئت النار تطفأ طفأ وهو من باب علم يعلم من المهموز وانطفأت وأنا أطفأتها وقال أبو عبيدة يقولون للنار إذا سكن لهبها وعلا الجمر رماد خبت فإن طفىء معظم الجمر يقال خمدت وإن طفىء كله يقال همدت
تورون تستخرجون أوريت أوقدت
أشار به إلى ما في قوله تعالى أفرأيتم النار التي تورون ( الواقعة 17 ) وفسرها بقوله تستخرجون وأصله من ورى الزند بالفتح يري وريا إذا خرجت ناره وفيه لغة أخرى وري الزند يري بالكسر فيهما وأوريته أنا وكذلك وريته تورية وأصل

(15/161)


تورون توريون نقلت ضمة الياء إلى الراء وحذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار تورون على وزن تفعون
للمقوين للمسافرين والقي القفر
أشار به إلى ما في قوله تعالى تذكرة ومتاعا للمقوين ( الواقع 37 ) وفسر المقوين بقوله المسافرين واشتقاقه من أقوى الرجل إذا نزل المنزل القواء وهو الموضع الذي لا أحد فيه وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال للمقوين للمسافرين ومن طريق الضحاك وقتادة مثله ومن طريق مجاهد قال للمقوين أي المستحقين أي المسافر والحاضر ويقال المقوين من لا زاد له وقيل المقوي الذي له مال وقيل المقوي الذي أصحابه وإبله أقوياء وقيل هو من معه دابة قوله والقي بكسر القاف وتشديد الياء وفسره بقوله القفر بفتح القاف وسكون الفاء وفي آخره راء وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء ويجمع على قفار
وقال ابن عباس صراط الجحيم سواء الجحيم ووسط الجحيم
أشار به إلى ما في قوله تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( الصافات 32 ) وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى فاطلع فرآه في سواء الجحيم ( الصافات 55 ) قال في وسط الجحيم ومن طريق قتادة والحسن مثله
لشوبا من حميم يخلط طعامهم ويساط بالحميم
أشار به إلى ما في قوله تعالى ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ( الصافات 76 ) وفسره بقوله يخلط إلى آخره والشوب الخلط قال أبو عبيدة تقول العرب كل شيء خلطته بغيره فهو شوب قوله يساط على صيغة المجهول أي يخلط ومنه المسواط وهو الخشبة التي يحرك بها ما فيه التخليط وهو بالسين المهملة
زفير وشهيق صوت شديد وصوت ضعيف
أشار به إلى ما في قوله تعالى ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( هود 601 ) وفسر الزفير بالصوف الشديد والشهيق بالصوت الضعيف وهكذا فسره ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق أبي العالية قال الزفير في الحلق والشهيق في الصدر ومن طريق قتادة هو كصوت الحمار أو له زفير وآخره شهيق وقال الداودي الشهيق هو الذي يبقى بعد الصوت الشديد من الحمار
وردا عطاشا
أشار به إلى ما في قوله تعالى ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ( مريم 68 ) وفسر الورد بالعطاش وكذا روي عن ابن عباس وروي عن مجاهد وردا منقطعة أعناقهم قال أهل اللغة الورد مصدر ورد والتقدير عندهم ذوي ورد ويحكى أنه يقال للواردين الماء ورد ويقال ورد أي وراد كما يقال قوم زور أي زوار فإن قلت الذي يرد الماء ينافي العطش قلت لا يلزم من الورود إلى الماء تناوله منه وقد جاء في حديث الشفاعة أنهم يشكون العطش فترفع لهم جهنم سراب ماء فيقال ألا تردون فيردونها فيتساقطون فيها
غيا خسرانا
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فسوق يلقون غيا ( مريم 95 ) وفسر الغي بالخسران وعن ابن مسعود الغي واد في جهنم والمعنى فسوق يلقون حر الغي وعنه واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم
وقال مجاهد يسجرون توقد بهم النار
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى ثم في النار يسجرون ( غافر 27 ) وفسره بقوله توقد بهم النار كأنهم يصيرون وقود النار وفي رواية الأكثرين توقد لهم وفي رواية أبي ذر بهم بالباء

(15/162)


ونحاس الصفر يصب على رؤوسهم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ( الرحمن 53 ) وفسر النحاس بالصفر يصب على رؤوس أهل النار من الكفار وأخرج عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد في قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار ( الرحمن 53 ) قال قطعة من نار حمراء و نحاس قال يذاب الصفر فيصب على رؤوسهم قلت الصفر بالضم النحاس الجيد الذي يعمل منه الآنية
ذوقوا باشروا وجربوا وليس هاذا من ذوق الفم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى وذوقوا عذاب الحريق ( الأنفال 52 والحج 22 ) وفسره بقوله باشروا إلى آخره وغرضه أن الذوق هنا بمعنى المباشرة والتجربة لا بمعنى ذوق الفم وهذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام في المعاني كما في قوله تعالى أيضا فذاقوا وبال أمرهم ( الحشر 51 )
مارج خالص من النار مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض مريج ملتبس مرج أمر الناس اختلط مرج البحرين مرجت دابتك تركتها
أشار بقوله مارج إلى ما في قوله تعالى وخلق الجان من مارج من نار ( الرحمان 51 ) ثم فسره بقوله خالص من النار وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وخلق الجان من مارج من نار ( الرحمن 51 ) ما من خالص النار ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال خلقت الجن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهب قوله مرج الأمير رعيته يعني تركهم حتى يظلم بعضهم بعضا قوله مريج أشار به إلى ما في قوله تعالى في أمر مريج ( ق 5 ) وفسره بقوله ملتبس ومنه قولهم مرج أمر الناس بكسر الراء إذا اختلط وأما مرج بالفتح فمعناه ترك وخلي ومنه قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ( الرحمن 91 - 02 ) أي خلاهما لا يلتبس أحدهما بالآخر وفي ( تفسير النسفي ) مرج البحرين يعني أرسل البحرين العذب والملح متجاورين يلتقيان لا فضل بين الماءين في مرأى العين بينهما برزخ حاجز وحائل من قدرة الله تعالى وحكمته لا يبغيان لا يتجاوان حديهما ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة ولا يختلطان ولا يتغيران وقال قتادة لا يطغيان على الناس بالغرق وقال الحسن مرج البحرين يعني بحر الروم وبحر الهند وقال قتادة بحر فارس والروم بينهما برزخ وهي الجزائر وقال مجاهد والضحاك يعني بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام قوله مرجت دابتك بفتح الراء معناه تركتها وفي ( الصحاح ) مرجت الدابة أمرجها بالضم مرجا إذا أرسلتها ترعى
8523 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( مهاجر أبي الحسن ) قال سمعت ( زيد بن وهب ) يقول سمعت ( أبا ذر ) رضي الله تعالى عنه يقول كان النبي في سفر فقال أبرد ثم قال أبرد حتى فاء الفيء يعني للتلول ثم قال أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم
مطابقته للترجمة في قوله من فيح جهنم وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي و مهاجر بلفظ اسم الفاعل من هاجر أبو الحسن الصائغ يعد في الكوفيين وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق وأبو ذر جندب بن جنادة والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب الإبراد بالظهر في شدة الحر قوله حتى فاء الفيء يعني حتى وقع الظل تحت التلول
9523 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( ذكوان ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ( انظر الحديث 8354 )

(15/163)


مطابقته للترجمة في قوله من فيح جهنم وسفيان بن عيينة والأعمش بن سليمان والحديث مر في الصلاة في الباب الذي ذكرناه
0623 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون في الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير ( انظر الحديث 735 )
مطابقته للترجمة في قوله النار فإن المراد منه جهنم وليس المراد نفس النار لأن جهنم فيها النار وفيها الزمهرير وهو البرد الشديد والضدان لا يجتمعان ولفظ جهنم يشملهما وعلى غير ذلك من أنواع العذاب أعاذنا الله من ذلك برحمته ورجاله على هذا النسق قد ذكروا غير مرة والحديث قد مضى في الصلاة في الباب المذكور آنفا وفيه دلالة على أن الله تعالى يخلق فيها أدراكا وقيل إن الجنة والنار أسمع المخلوقات وأن الجنة إذا سألها عبد أمنت على دعائه والنار إذا استجار منها أحد أمنت على دعائه
1623 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( أبو عامر ) هو ( العقدي ) حدثنا ( همام ) عن ( أبي جمرة الضبعي ) قال ( كنت أجالس ابن عباس ) بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم شك همامنه
مطابقته للترجمة في قوله من فيح جهنم وعبد الله بن محمد هو المسندي وأبو عامر عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف وهمام بالتشديد هو ابن يحيى البصري وأبو جمرة بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي
والحديث أخرجه النسائي في الطب عن الحسن بن إسحاق وفيح جهنم سطوع حرها قاله الليث ويقال فاحت القدر إذا غلت وأصله واوي وهذا من الطب النبوي الذي لا يشك في حصول الشفاء به وكلام الحكيم الذي يخالف هذا وأمثاله لغو فلا يلتفت إليه
2623 - حدثني ( عمرو بن عباس ) قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن أبيه عن عبابة بن رفاعة قال أخبرني رافع بن خديج قال سمعت النبي يقول الحمى من فور جهنم فأبردوها عنكم بالماء ( الحديث 2623 - طرفه في 6275 )
مطابقته للترجمة في قوله من فور جهنم وعمرو بن عباس بالباء الموحدة المشددة أبو عثمان البصري و ( عبد الرحمن ) بن مهدي و ( سفيان ) هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن مسروق وعباية بفتح العين المهملة وبالباء الموحدة المخففة وبعد الألف ياء آخر الحروف ابن رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة ورافع بالفاء ابن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة الأوسي الأنصاري الحارثي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن مسدد وأخرجه مسلم في الطب عن هناد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي بكر بن نافع ومحمد بن المثنى ومحمد بن حاتم وأخرجه الترمذي والنسائي فيه عن هناد به وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن عبيد الله
قوله من فور جهنم أي من شدة حرها و فار أي جاش
4623 - حدثنا ( مسدد ) عن ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ( الحديث 4623 - طرفه في 3275 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن سعيد القطان وعبيد الله بن عمر
والحديث أخرجه مسلم في الطب عن زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وفي هذا الباب روى أبو نعيم من حديث أبي عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة قالت عدت

(15/164)


رسول الله وقد حم فأمر بسقاء يعلق على شجرة ثم اضطجع بجنبه فجعل يقطر الماء على فؤاده فقلت ادع الله أن يكشف عنك فقال إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم وعن طارق بن شهاب سمعت أسامة يقول قال لي رسول الله ائتني في وجه الصبح بماء أصبه علي لعلي أجد خفافا فأخرج إلى الصلاة وروى الأنصاري من حديث إسماعيل بن الحسن المكي عن الحسن عن سمرة مرفوعا الحمى قطعة من النار إذا حم دعا بغرفة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل وصححه الحاكم وروى ابن ماجه من حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعا الحمى كير من كير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد وروى الطحاوي من حديث أنس مرفوعا إذا حم أحدكم فليستق عليه الماء البارد من السحر ثلاثا وصححه الحاكم
5623 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قيل يا رسول الله إن كانت لكافية قال فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله ناركم مبتدأ وقوله جزء من سبعين جزءا خبره وكلمة من في من نار جهنم للتبيين وفي معنى التبعيض أيضا وفي رواية مسلم ناركم جزء واحد من سبعين جزءا وفي رواية أحمد من مائة جزء والجمع بينهما أن الحكم للزائد وروى ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها اطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وأنها لتدعو الله عز و جل أن لا يعيدها فيها وذكر ابن عيينة في ( جامعه ) من حديث ابن عباس هذه النار قد ضرب بها البحر سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد وعن ابن مسعود ضرب بها البحر عشر مرات وسئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا عن نار الدنيا مم خلقت قال من نار جهنم غير أنها طفئت بالماء سبعين مرة ولولا ذلك ما قربت لأنها من نار جهنم ومعنى قوله جزء من سبعين جزءا أنه لو جمع كل ما في الوجود من النار التي يوقدها الآدميون لكانت جزءا من أجزاء نار جهنم المذكورة بيانه لو جمع حطب الدنيا وأوقد كله حتى صارت نارا لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءا أشد منه قوله إن كانت لكافية كلمة إن هذه مخففة من الثقيلة عند البصريين وهذه اللام هي المفرقة بين إن النافية وأن المخففة من الثقيلة والمعنى إن نار الدنيا كانت كافية لتعذيب الجهنميين وهي عند الكوفيين بمعنى ما واللام بمعنى الا تقديره عندهم ما كانت إلا كافية قوله قالأي قال رسول الله في جوابهم بأن نار جهنم فضلت عليها أي على نار الدنيا ويروى عليهن كما فضلت عليها في المقدار والعدد بتسعة وستين جزءا فضلت عليها في الحر بتسعة وستين جزءا وقال الطيبي فإن قلت كيف طابق لفظ فضلت وعليهن جوابا وقد علم هذا التفضيل من كلامه السابق قلت معناه المنع من الكفاية أي لا بد من التفضيل ليتميز عذاب الله من عذاب الخلق وروى ابن المبارك عن معمر عن محمد بن المنذر قال لما خلقت النار فزعت الملائكة وطارت أفئدتهم ولما خلق آدم عليه الصلاة و السلام سكن ذلك عنهم وقال ميمون بن مهران لما خلق الله جهنم أمرها فزفرت زفرة فلم يبق في السموات السبع ملك إلا خر على وجهه فقال لهم الرب إرفعوا رؤوسكم أما علمتم أني خلقتكم للطاعة وهذه خلقتها لأهل المعصية قالوا ربنا لا نأمنها حتى نرى أهلها فذلك قوله تعالى وهم من خشية ربهم مشفقون ( المؤمنون 75 ) وعن عبد الله بن عمر مرفوعا إن تحت البحر نارا قال عبد الله البحر طبق جهنم ذكره ابن عبد البر وضعفه وفي ( تفسير ابن النقيب ) في قوله تعالى يوم تبدل الأرض ( إبراهيم 84 ) تجعل الأرض جهنم والسموات الجنة
6623 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) قال سمع ( عطاء ) يخبر عن ( صفوان بن يعلى ) عن أبيه أنه سمع النبي يقرأ على المنبر ونادو يامالك

(15/165)


ذكره هذا هنا مع أنه ذكره في باب ذكر الملائكة لمطابقة قوله يا مالك للترجمة المذكورة لأن المراد من مالك هو خازن جهنم وهناك أخرجه عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو إلى آخره وقد ذكر هناك وقال سفيان وقال في قراء عبد الله يا مال بالترخيم كما ذكرناه
74 - ( حدثنا علي قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال قيل لأسامة لو أتيت فلانا فكلمته قال إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه ولا أقول لرجل أن كان علي أميرا إنه خير الناس بعد شيء سمعته من رسول الله قالوا وما سمعته يقول قال سمعته يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه )
مطابقته للترجمة من حديث أن فيه ذكر النار التي هي جهنم وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والأعمش هو سليمان وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وأسامة هو ابن زيد بن حارثة حب النبي والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن بشر بن خالد وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وابن نمير وإسحاق وأبي كريب خمستهم عن أبي معاوية وعن عثمان عن جرير
( ذكر معناه ) قوله لو أتيت جواب لو محذوف أو هي للتمني فلا يحتاج إلى جواب قوله فلانا أراد به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قوله فكلمته أي فيما يقع من الفتنة بين الناس والسعي في إطفاء نائرتها قاله الكرماني وفي التوضيح أراد أن يكلمه في شأن أخيه لأمه الوليد بن عتبة لما شهد عليه بما شهد فقيل لأسامة ذلك لكونه كان من خواص عثمان قوله إنكم لترون أني لا أكلمه اي أنكم لتظنون أني لا أكلمه قوله إلا أسمعكم أي أني لا أكلمه إلا بحضوركم وأنتم تسمعون وأسمعكم بضم الهمزة من الإسماع ويروى إلا بسمعكم بصيغة المصدر قوله إني أكلمه سرا أي في السر دون أن أفتح باب من أبواب الفتن حاصله أكلمه طلبا للمصلحة لا تهييجا للفتنة لأن المهاجرة على الأمراء بالإنكار يكون فيه نوع القيام عليهم لأن فيه تشنيعا عليهم يؤدي إلى افتراق الكلمة وتشتيت الجماعة قوله لا أكون أول من فتحه أي أول من فتح باب من أبواب الفتنة قوله إن كان بفتح الهمزة أي لأن كان قوله فتندلق أقتابه أي تنصب أمعاؤه من جوفه وتخرج من دبره والاندلاق بالدال المهملة والقاف الخروج بالسرعة ومنه دلق السيف واندلق إذا خرج من غير سل والأقتاب جمع قتب بالكسر وهي الأمعاء والقتب مؤنثة وتصغيره قتيبة ومنه سمي الرجل قتيبة قوله أي فلان يعني يا فلان ما شأنك أي ما حالك التي أنت فيها قوله ألست الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله بالمعروف وهو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله عز و جل والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس لا ينكرونه والمنكر ضد المعروف وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر فيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم قول الناس فيهم ليكفوا عنه هذا كله إذا أمكن فإن لم يمكن الوعظ سرا فليجعله علانية لئلا يضيع الحق لما روى طارق بن شهاب قال قال رسول الله أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بإسناد حسن قال الطبري معناه إذا أمن على نفسه أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه روي ذلك عن عمر

(15/166)


وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما وقال آخرون الواجب أن ينكر بقلبه وينبغي لمن أمر بمعروف أن يكون كامل الخير لا وصم فيه وقد قال شعيب عليه الصلاة و السلام وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إلا أنه يجب عند الجماعة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من لا يفعل ذينك وقال جماعة من الناس يجب على متعاطي الكاس أن ينهى جماعة الجلاس وفيه وصف جهنم بأمر عظيم روى مسلم عن ابن مسعود مرفوعا يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ولابن وهب عن زيد بن أسلم عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعا فبينما هم يجرونها إذ شردت عليهم شردة فلوا أنهم أدركوها لأحرق من في الجمع
( رواه غندر عن شعبة عن الأعمش )
أي روى الحديث المذكور غندر وهو محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان الأعمش وهذا التعليق وصله البخاري في كتاب الفتن -
11 -
( باب صفة إبليس وجنوده )
أي هذا باب في بيان صفة إبليس وفي بيان جنوده والكلام في صفته وحقيقة أمره على أنواع
الأول في اسمه هل هو مشتق أو لا فقال جماعة هو اسم أعجمي ولهذا منع من الصرف للعلمية والعجمة وقال ابن الأنباري لو كان عربيا لصرف كإكليل وقال الطبري إنما لم يصرف وإن كان عربيا لقلة نظيره في كلام العرب فشبهوه بالعجمي وهذا فيه نظر لأن كون قلة نظيره في كلام العرب ليس علة من العلل المانعة لاسم من الصرف وقال قوم هو اسم عربي مشتق من أبلس إذا يئس وقال الجوهري أبلس من رحمة الله إذا يئس ومنه سمي إبليس وكان اسمه عزازيل قيل من ادعى أنه عربي فقد غلط ووجهه ما ذكرناه ولكن روى الطبري عن ابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال كان اسم إبليس حيث كان عند الملائكة عزازيل ثم أبلس بعد وهذا يؤيد قول من ادعى أنه عربي وعن ابن عباس أن اسمه الحارث وأما كنيته فقيل كانت كنيته أبا مرة وقيل أبو العمر وقيل أبو كردوس
النوع الثاني في بيان أصل خلقه روى الطبري من حديث حجاج عن ابن جريج عن صالح مولى التؤمة وشريك عن ابن عباس قال إن من الملائكة قبيلة من الجن وكان إبليس منها وعن ابن عباس سمي قبيلة الجن لأنهم خزان الجنة وعن ابن عباس قال إبليس حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلقت الملائكة كلهم من النور غير هذا الحي وعن الحسن البصري إنه من الشياطين ولم يكن من الملائكة قط واحتج بقوله تعالى إلا إبليس كان من الجن ( الكهف 05 ) وقال مقاتل لا من الملائكة ولا من الجن بل هو خلق منفردا من النار كما خلق آدم عليه الصلاة و السلام من الطين وقال شهر بن حوشب كان إبليس من الجن الذين يعملون في الأرض الفساد فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء ويقال كان نوع من الجن سكان الأرض وكان فيهم الملك والنبوة والدين والشريعة فاستمروا على ذلك مدة ثم طغوا وأفسدوا وجحدوا الربوبية وسفكوا الدماء فأرسل الله إليهم جندا من السماء فقاتلوا معهم قتالا شديدا فطردهم إلى جزائر البحر وأسروا منهم خلقا كثيرا وكان فيمن أسر عزازيل وهو إذ ذاك صبي ونشأ مع الملائكة وتكلم بكلامهم وتعلم من علمهم وأخذ يسوسهم وطالت أيامه حتى صار رئيسا فيهم حتى أراد الله تعالى خلق آدم واتفق له ما اتفق وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال إبليس أصل الجان والشياطين وهو أبو الكل وروى مجاهد عنه أنه قال الجان أبو الجن كلهم كما أن آدم أبو البشر
النوع الثالث في حده وصفته أما حده فما ذكره الماوردي في ( تفسيره ) هو شخص روحاني خلق من نار السموم وهو أبو الشياطين وقد ركبت فيهم الشهوات مشتق من الإبلاس وهو اليأس من الخير وأما صفته فما قاله الطبري كان الله قد حسن خلقه وشرفه وكرمه وملكه على سماء الدنيا والأرض وجعله مع ذلك من خزائن الجنة فاستكبر على الله تعالى وادعى الربوبية ودعا من كان تحت يده إلى طاعته وعبادته فمسخه الله شيطانا رجيما وشوه خلقه وسلبه ما كان خوله ولعنه

(15/167)


وطرده عن سماواته في العاجل ثم جعل مسكنه ومسكن شيعته وأتباعه في الآخرة نار جهنم انتهى وكان يقال له طاوس الملائكة لحسنه ثم مسخه الله تعالى وقال عبد الملك بن أحمد بإسناده عن ابن عباس قال كان إبليس يأتي يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام طمعا أن يفتنه وعرف ذلك يحيى منه وكان يأتيه في صور شتى فقال له أحب أن تأتيني في صورتك التي أنت عليها فأتاه فيها فإذا هو مشوه الخلق كريه المنظر جسده جسد خنزير ووجهه وجه قرد وعيناه مشقوقتان طولا وأسنانه كلها عظم واحد وليس له لحية ويداه في منكبيه وله يدان آخران في جانبيه وأصابعه خلقة واحدة وعليه لباس المجوس واليهود والنصارى وفي وسطه منطقة من جلود السباع فيها كيزان معلقة وعليه جلاجل وفي يده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة من حديدة معوجة كالخطاف فقال يحيى ويحك ما الذي شوه خلقتك فقال كنت طاوس الملائكة فعصيت الله فمسخني في أخس صورة وهي ما ترى قال فما هذه الكيزان قال شهوات بني آدم قال فما هذه الجرس قال صوت المعازف والنوح قال فما هذه الخطاطيف قال أخطف بها عقولهم قال فأين تسكن قال في صدورهم وأجري في عروقهم قال فما الذي يعصمهم منك قال بغض الدنيا وحب الآخرة
النوع الرابع في أولاده وجنوده وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال بلغنا أن لإبليس أولادا كثيرين واعتماده على خمسة منهم شبر والأعور ومسوط وداسم وزلنبور وقال مقاتل لإبليس ألف ولد ينكح نفسه ويلد ويبيض كل يوم ما أراد ومن أولاده المذهب وخنزب وهفاف ومرة والولهان والمتقاضي وجعل كل واحد منهم على أمر ذكرته في ( تاريخي الكبير ) ومن ذريته الأقنص وهامة بن الأقنص ويلزون وهو الموكل بالأسواق وأمه طرطية ويقال بل هي حاضنتهم ذكره النقاش قالوا باضت ثلاثين بيضة عشرة بالشرق وعشرة بالمغرب وعشرة في وسط الأرض وأنه خرج من كل بيض جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والحيات وأسماؤهم مختلفة كلهم عدو لبني آدم أعاذنا الله من شرهم وله جنود يرسلهم إلى إضلال بني آدم وقد روى ابن حبان والحاكم والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا قال إذا أصبح إبليس يبعث جنوده فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج الحديث وروى مسلم من حديث جابر سمعت رسول الله يقول عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة
وقال مجاهد يقذفون يرمون دحورا مطرودين
أشار به إلى ما في قوله تعالى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب ( الصافات 8 - 9 ) وفسر يقذفون بقوله يرمون ودحورا بقوله مطرودين كأنه جعل المصدر بمعنى المفعول جمعا وقد فسره عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كذلك
واصب دائم
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولهم عذاب واصب ( الصافات 9 ) وفسر الواصب بقوله دائم وقد ذكره البخاري وما بعده اتفاقا واستطرادا
وقال ابن عباس مدحورا مطرودا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ( الإسراء 93 ) ووصل هذا التعليق الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه والمدحور مفعول من الدحر وهو الدفع والإبعار من قولك دحرته أدحره دحرا ودحورا وفي ( تفسير عبد بن حميد ) عن قتادة دحورا قذفا في النار
يقال مريدا متمردا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ( النساء 711 ) وفسر مريدا بقوله متمردا

(15/168)


بتكه قطعه
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ( النساء 911 ) أي ليقطعن وفسر بتكه بمعنى قطعه وقال قتادة يعني البحيرة وهي إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا أذنها ولم ينتفعوا بها والتقدير ولآمرنهم بتبتيك آذانهن وليبتكنها
واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجل الرجالة واحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر
أشار به إلى ما في قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك ( الإسراء 46 ) وفسر قوله استفزز بقوله استخف ويريد بالصوت الغناء والمزامير وفسر الخيل بالفرسان وفسر الرجل بفتح الراء وسكون الجيم بالرجالة بفتح الراء وتشديد الجيم ثم قال واحد الرجالة راجل ومثله بقوله صاحب وصحب فإن الصحب جمع صاحب والتجر بفتح التاء المثناة من فوق جمع تاجر وقال ابن عباس كل خيل سارت في معصية وكل رجل مشت فيها وكل ما أصيب من حرام فهو للشيطان وقال غيره مشاركته في الأموال البحيرة والسائبة وفي الأولاد عند الغزو وعند الحروب
لأحتنكن لأستأصلن
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى لأحتنكن ذريته إلا قليلا ( الإسراء 26 ) وفسر لأحتنكن بقوله لأستأصلن من الاستئصال
قرين شيطان
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فهو له قرين ( الزخرف 63 ) وفسر القرين بالشيطان وفسره مجاهد كذلك
8623 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( عيسى ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت سحر النبي وقال الليث كتب إلي هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فخرج إليها النبي ثم رجع فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنها رؤوس الشياطين فقلت استخرجته فقال لا أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا ثم دفنت البئر
وجه مطابقته للترجمة من حيث إن السحر إنما يتم باستعانة الشيطان على ذلك وهي من جملة صفاته القبيحة وإبراهيم ابن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام يروي عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن إبراهيم ابن موسى عن عيسى وأخرجه النسائي في الطب عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس نحوه
ذكر معناه قوله وقال الليث هو الليث بن سعد رحمه الله هذا التعليق وصله أبو بكر عبد الله بن داود عن عيسى ابن حماد النجيبي المصري عن الليث قوله ووعاه أي حفظه قوله يخيل على صيغة المجهول من تخيل الشيء

(15/169)


كذا وليس كذلك وأصله الظن قوله ذات يوم إنما لم يتصرف لأن إضافتها من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم لأن معنى كان ذات يوم قطعة من الزمان ذات يوم أي صاحبة هذا الإسم قوله أشعرت أي أعلمت قوله أفتاني ويروى أنبأني أي أخبرني قوله مطبوب أي مسحور والطب جاء بمعنى السحر قوله من طبه أي من سحره قوله في مشط ومشاقة المشط فيه لغات ضم الميم وإسكان الشين وضمها أيضا وكسر الميم بإسكان الشين والمشاقة بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة والقاف وقال الكرماني ما يغزل من الكتان قلت المشاقة ما يخرج من الكتاب حين يمشق والمشق جذب الشيء ليمتد ويطول قوله وجف طلعة ذكر الجف بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء طلع النخل وهو الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى ولهذا قيده بقوله ذكر وهو الذي يدعى بالكفري وقال ابن فارس جف الطلع وعاؤها يقال إنه شيء ينثر من جذوع النخل وقال الهروي ويروى في مشط ومشاقة في جف طلعة قال المشاطة الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط قال وجف طلعة أي في جوفها وقوله ذكر الذكر من النخل الذي يؤخذ طلعه فيجعل منه في طلع النخلة المثمرة فيصير بذلك تمرا ولو لم يجعل فيه لكان شيصا لا نوى فيه ولا يكاد يساغ قوله في بئر ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء ويروى ذي أروان وكلاهما صحيح مشهور والأول أصح وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالقاف من اليهود قوله كأنها رؤوس الشياطين قال الخطابي فيه قولان أحدهما أنها مستدقة كرؤوس الحيات والحية يقال لها الشيطان والآخر أنها وحشية المنظر سمجة الأشكال وهو مثل في استقباح صورتها وهول منظرها كصورة الشياطين قوله أن يثير ذلك على الناس شرا يريد في إظهاره وقيل إنما امتنع عن تعيين الساحر لئلا تقوم أنفس المسلمين فيقع بينهم وبين قبيل الساحر فتنة قوله ثم دفنت البئر على صيغة المجهول
وفيه أن آثار الفعل الحرام يجب إزالتها وقد مر البحث في هذا مستوفى في باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر في أواخر الجهاد
9623 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان بن بلال ) عن ( يحيى ابن سعيد ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ( انظر الحديث 411 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن عقد الشيطان على قافية رأس أحد من أفعال الشيطان وصفاته القبيحة والحديث مضى في كتاب التهجد بالليل في باب عقد الشيطان على قافية الرأس فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهنا أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله المدني ابن أخت مالك بن أنس وهو يروي عن أخيه عبد الحميد وقد مر الكلام فيه هناك ومعنى يعقد يتكلم عليه والقافية مؤخر الرأس ومنه قافية الشعر قوله انحلت عقده وهو جمع عقدة ولهذا أكده بقوله كلها
0723 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال ذكر عند النبي رجل نام ليله حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنه ( انظر الحديث 4411 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن بول الشيطان في أذن الرجل النائم كل ليلة من صفاته القبيحة وأبو وائل شقيق وعبد الله

(15/170)


هو ابن مسعود ومضى الحديث في كتاب التهجد في باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن أبي الأحوص عن منصور عن أبي وائل إلى آخره
1723 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( همام ) عن ( منصور ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فرزقا ولدا لم يضره الشيطان
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن من صفات الشيطان ضرره العام للمؤمنين وهو من صفاته الذميمة القبيحة ورجاله قد مروا غير مرة والحديث قد مضى في كتاب الطهارة في باب التسمية على كل حال وعند الوقاع فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب الحديث ومضى الكلام فيه هناك
2723 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان لا أدري أي ذلك قال هشام
مطابقته للترجمة في قوله فإنها تطلع بين قرني الشيطان محمد هو ابن سلام قاله أبو نعيم وأبو علي وعبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن سليمان والحديث مضى في كتاب مواقيت الصلاة في باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس ومضى الكلام فيه هناك
قوله حتى تبرز أي حتى تظهر قوله ولا تحينوا من التحين وهو طلب وقت معلوم وقرنا الشيطان جانبا رأسه قوله لا أدري أي ذلك قال هشام القائل بهذا هو عبدة بن سليمان وهشام هو ابن عروة
80 - ( حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال النبي إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه فإن أبى فليمنعه فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان )
مطابقته للترجمة في قوله فإنما هو شيطان وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد ويونس هو ابن عبد الله العبدي البصري وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث قد مر في كتاب الصلاة في باب يرد المصلى من مر بين يديه
( وقال عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان )
مطابقته للترجمة في قوله ذاك الشيطان وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة مؤذن

(15/171)


البصرة وعوف الأعرابي والحديث مضى في كتاب الوكالة في باب إذا وكل رجال بعين ما ذكره هنا قال وقال عثمان بن الهيثم إلى آخره مطولا ومضى الكلام فيه هناك -
6723 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال رسول الله يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الملك بن شعيب وعن زهير بن حرب وعبد بن حميد وعن هارون بن معروف ومحمد بن عباد وعن محمود بن غيلان وأخرجه أبو داود في السنة عن هارون بن معروف به وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن منصور وعن أحمد بن سعيد وعن هارون ابن سعيد
قوله من خلق كذا وفي رواية مسلم لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا هذا خلق الله فمن خلق الله قوله فليستعذ باالله وفي رواية مسلم فليقل آمنت بالله ولأبي داود فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد الآية ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ومعنى فليستعذ أي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من الأعراض والشبهات الواهية الشيطانية قوله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك بإثبات البراهين القاطعة الحقانية على أن لا خالق له بإبطال التسلسل ونحوه وقال الطيبي لينته أي ليترك التفكر في هذا الخاطر وليستعذ بالله من وسوسة الشيطان فإن لم يزل التفكر بالاستعاذة فليقم وليشتغل بأمر آخر وإنما أمره بذلك ولم يأمره بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغنائه عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة له وعليه ولأن السبب في مثله إحساس المرء في عالم الحس وما دام هو كذلك لا يزيد فكره إلا زيغا عن الحق ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلا اللجاء إلى الله تعالى والاعتصام بحوله وقوته وقال المازري الخواطر على قسمين فالتي لا تستقر ولا تجلبها شبهة هي التي تدفع بالأعراض عنها وعلى هذا ينزل الحديث وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال
8723 - ( حدثناالحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عمرو ) قال أخبرني ( سعيد بن جبير ) قال قلت ل ( إبن عباس ) فقال حدثنا ( أبي بن كعب ) أنه سمع رسول الله يقول إن موسى قال لفتاه آتنا غداءنا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به
مطابقته للترجمة في قوله وما أنسانيه إلا الشيطان والحميدي بن عبد الله بن الزبير بن عيسى وسفيان بن عيينة وعمرو بن دينار

(15/172)


والحديث مضى في كتاب العلم في ثلاثة مواضع وفي غيره أيضا وقد ذكرناه هناك
9723 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال رأيت رسول الله يشير إلى المشرق فقال ها إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان
مطابقته للترجمة في قوله من حيث يطلع قرن الشيطان وهذا الحديث من أفراده قوله ها قال الكرماني ها حرف ولم يزد على هذا شيئا قلت هو حرف من حروف المعجم ومن حروف الزيادة وهي حرف تنبيه قوله من حيث يطلع قرن الشيطان نسب الطلوع إلى قرن الشيطان مع أن الطلوع للشمس لكونه مقارنا لطلوع الشمس والغرض أن منشأ الفتن هو جهة المشرق وقد كان كما أخبر
0823 - حدثنا ( يحيى بن جعفر ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) حدثنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عطاء ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله وأطفىء مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا
مطابقته للترجمة في قوله فإن الشياطين تنتشر ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي وهو من أفراده ومحمد بن عبد الله الأنصاري من شيوخ البخاري وروى عنه هنا بواسطة وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن إسحاق بن منصور وأخرجه مسلم في الأشربة عن إسحاق بن منصور وعن أحمد بن عثمان وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أحمد بن عثمان وعن عمرو بن علي وعن عمرو بن دينار عن جابر
ذكر معناه قوله إذا استجنح أي إذا أظلم ومادته جيم ونون وحاء وقال ابن سيده جنح الليل يجنح جنوحا وجنحا إذا أظلم ويقال إذا أقبل ظلامه والجنح بضم الجيم وكسرها لغتان وهو ظلام الليل وأصل الجنح الميل وقيل جنح الليل أول ما يظلم قوله أو كان جنح الليل وفي رواية الكشميهني أو قال كان جنح الليل وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي ذر استجنع بالعين المهملة بدل الحاء وهو تصحيف وعند الأصيلي وأول الليل بدل قوله إذا كان جنح الليل وكان هذه تامة بمعنى وجد أو حصل قوله فكفوا صبيانكم أي ضموهم وامنعوهم من الانتشار وفي رواية فاكفتوا ومادته كاف وفاء وتاء مثناة من فوق ومعناه ضموهم إليكم وكل من ضممته إلى شيء فقد كفته وفي رواية ولا ترسلوا صبيانكم وقال ابن الجوزي إنما خيف على الصبيان في ذلك الوقت لأن النجاسة التي يلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا والذكر الذي يستعصم به معدوم عندهم والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار لأن الظلام أجمع لهم من غيره وكذلك كل سواد ويقال إن الشياطين تستعين بالظلمة وتكره النور وتشأم به قوله فخلوهم بفتح الخاء المعجمة هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي بضم الحاء المهملة قوله وأغلق من الإغلاق فلهذا يقال الباب مغلق ولا يقال مغلوق وإنما قال فكفوا بصيغة الجمع وقال أغلق بصيغة الإفراد لأن المراد بقوله أغلق لكل واحد وهو عام بحسب المعنى أو هو في معنى المفرد إذ مقابلة الجمع بالجمع تفيد التوزيع فكأنه قال كف أنت صبيك كذا قاله الكرماني وقال بعضهم ولا شك أن مقابلة المفرد بالمفرد تفيد التوزيع قلت ليس كذلك بل الصواب ما قاله الكرماني

(15/173)


قوله وأطفىء أمر من الإطفاء إنما أمر بذلك لأنه جاء في ( الصحيح ) أن الفويسقة جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت وهو عام يدخل فيه السراج وغيره وأما القناديل المعلقة فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو من الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة وسبب ذلك أنه صلى على خمرة فجرت الفتيلة الفأرة فأحرقت من الخمرة مقدار الدرهم فقال النبي ذلك نبه عليه ابن العربي وفي ( سنن أبي داود ) عن ابن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم قوله وأوك أمر من الإيكاء وهو الشد والوكاء اسم ما يشد به فم القربة وهو ممدود مهموز والسقاء بكسر السين اللبن والماء والوطب للبن خاصة والنحي للسمن والقربة للماء قوله وخمر أمر من التخمير وهو التغطية وللتخمير فوائد صيانة من الشياطين والنجاسات والحشرات وغيرها ومن الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة وفي رواية أن في السنة لليلة وفي رواية يوما ينزل وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو شيء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه ذلك الوباء قال الليث بن سعد والأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول قوله ولو تعرض عليه شيئا بضم الراء وكسرها ومعناه إن لم تقدر أن تغطي فلا أقل من أن تعرض عليه عودا أي تعرضه عليه بالعرض وتمده عليه عرضا أي خلاف الطول قوله شيئا وفي رواية عودا هذا مطلق في الآنية التي فيها شراب أو طعام قلت روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول أخبرني أبو حميد الساعدي قال أتيت النبي بقدح لبن من النقيع ليس مخمرا قال ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا قال أبو حميد إنما أمر بالأسقية إن توكأ ليلا وبالأبواب أن تغلق ليلا انتهى فهذا أبو حميد قيد الإيكاء والإغلاق بالليل قلت قال النووي ليس في الحديث ما يدل عليه والمختار عند الأصوليين وهو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره وأما إذا كان في ظاهر الحديث ما يخالفه فإن كان مجملا يرجع إلى تأويله ويجب الحمل عليه لأنه إذا كان مجملا لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي عندنا بل يتمسك بالعموم وقد يقال أبو حميد قال أمرنا وهذا رواية لا تفسير وهو مرفوع على المختار ولا تنافي بين رواية أبي حميد والرواية الأخرى في يوم إذ ليس في أحدهما نفي للآخر وهما ثابتان فإن قلت ما حكم أوامر هذا الباب قلت جميعها من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية كقوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم ( البقرة 282 ) وليس على الإيجاب وغايته أن يكون من باب الندب بل قد جعله كثير من الأصوليين قسما منفردا بنفسه عن الوجوب والندب وينبغي للمرء أن يمتثل أمره فمن امتثل أمره سلم من الضرر بحول الله وقوته ومتى والعياذ بالله خالف إن كان عنادا خلد فاعله في النار وإن كان عن خطأ أو غلط فلا يحرم شرب ما في الإناء أو أكله والله أعلم
86 - ( حدثني محمود بن غيلان قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية ابنة حيي قالت كان رسول الله معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا فقال النبي على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال شيئا )
مطابقته للترجمة في قوله إن الشيطان وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم والحديث مر في كتاب الاعتكاف في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه هناك قوله فانقلبت من الانقلاب وهو الرجوع مطلقا والمعنى هنا

(15/174)


ص 175
فرجعت فقام النبي صلى الله عليه و سلم معي ليقلبني أي لأرجع إلى بيتي فقام معي يصحبني قوله ( ( على رسلكما ) ) بكسر الراء أي على هيئتكما فما هنا شيء تكرهانه قوله ( ( إن الشيطان يجري ) ) قيل هو على ظاهره أن الله جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجرى الدم وقيل استعارة لكثرة وسوسته فكأنه لايفارقه كما لايفارق دمه وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة في البدن بحيث يصل إلى القلب * وفيه كمال شفقته صلى الله عليه و سلم على أمته لأنه خاف أن يلقي الشيطان في قلبهما شيئا فيهلكان فإن سوء الظن بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر *
87 - ( حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه و سلم ورجلان يستبان فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه و سلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد فقالوا له إن النبي صلى الله عليه و سلم قال تعوذ بالله من الشيطان فقال وهل بي جنون )
مطابقة الترجمة ظاهرة وعبدان تكرر ذكره وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون السكري المروزي والأعمش سليمان وسليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء وفي آخره دال مهملة الخزاعي وقد مر في الغسل والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن عمر بن حفص وعن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه مسلم في الأدب عن يحيى بن يحيى وأبي كريب وعن نصر بن علي وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبوداود فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن هناد وعن محمد بن عبدالعزيز قوله ( يستبان ) أي يتشاتمان قوله ( أوداجه ) جمع ودج بفتحتين وهو عرق في الحلق في المذبح وانتفاخ الأوداج كناية عن شدة الغضب ( فإن قلت ) لكل واحد ودجان وهنا ذكر الأوداج بالجمع ( قلت ) هذا من قبيل قوله تعالى ( وكنا لحكمهم شاهدين ) أو لأن كل قطعة من الودج يسمى ودجا كما جاء في الحديث أزج الحواجب قوله ( ما يجد ) من وجد يجد وجدا وموجدة إذا غضب ووجد وجدانا إذا لقي ما يطلبه قوله ( ( هل بي جنون ) ) قال النووي رحمه الله تعالى هذا كلام من لم يتفقه في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة جفاة الأعراب انتهى والاستعاذة من الشيطان تذهب الغضب وهو أقوى السلاح على دفع كيده وفي حديث عطية ( 0الغضب من الشيطان فإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) ) وعن أبي الدرداء ( ( أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب ) ) وقال بكر بن عبدالله ( ( أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم ) ) وفي بعض الكتب قال الله تعالى ( ( ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبي ) ) وروى ابن الجوزي في ترغيبه عن معاوية بن قرة قال إبليس أنا جمرة في جوف ابن آدم إذا غضب حميته وإذا رضي منيته *
88 - ( حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه )
مطابقته للترجمة والحديث قد مر عن قريب في هذا الباب فإنه أخرجه عن موسى بن إسماعيل عن همام عن منصور إلى آخره قوله ( ( لم يضره ) ) يعني لم يسلط عليه بالكلية وإلا فلا يخلو من الوسوسة *
( قال وحدثنا الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس مثله )
أي قال شعبة وحدثنا سليمان الأعمش عن سالم بن أبي الجعد وأشار بهذا إلى أن لشعبة شيخان فيه *
89 - ( حدثنا محمود حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه صلى صلاة فقال إن الشيطان عرض لي فشد علي يقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذكره )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمود هو ابن غيلان المروزي وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى مفتوحة ابن سوار الفزاري المروزي والحديث مر في كتاب الصلاة في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم عن روح ومحمد بن جعفر كلاهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي قال إن عفريتا من الجن تفلت على البارحة أو كلمة نحوها ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا أو تنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة و السلام رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال روح فرده خاسئا قوله فذكره أي فذكر الحديث بتمامه وهو الذي ذكرناه
90 - ( حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضى أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو )
مطابقته للترجمة ظاهرة والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو والحديث قد مر في أواخر كتاب الصلاة في باب تفكر الرجل الشيء في الصلاة فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان إلى آخره
91 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب )
المطابقة في هذا وفي بقية الأحاديث بينها وبين الترجمة ظاهرة وهؤلاء الرواة قد تكرر ذكرهم قوله يطعن بضم العين يقال طعن بالرمح وما أشبهه يطعن بضم العين من باب نصر ينصر وطعن في العرض والنسب يطعن بفتح العين فيهما على المشهور وقيل باللغتين فيهما قوله في جنبيه بالتثنية في رواية أبي ذر والجرجاني وفي رواية الأكثرين في جنبه بالإفراد وحكى عياض أن في كتابه من رواية الأصيلي من تحته الذي هو ضد فوق قال وهو تصحيف قوله بأصبعه بالإفراد أو بالتثنية أيضا على اختلاف الروايتين في الجنب قوله في الحجاب هو الجلدة التي فيها الجنين وتسمى المشيمة قاله ابن الجوزي وقيل الحجاب الثوب الذي يلف فيه المولود وفيه فضيلة ظاهرة لعيسى وأمه عليهما السلام وأراد الشيطان التمكن من أمه فمنعه الله منها ببركة أمها حنة بنت فاقوذ بن ماثان حيث قالت وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وروى عبد الرزاق في تفسيره عن المنذر بن النعمان الأفطس سمع وهب بن منبه يقول لما ولد عيسى عليه الصلاة و السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا أصبحت الأصنام منكسة فقال هذا حادث مكانكم وطار حتى بلغ خافقي الأرض فلم يجد شيئا ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ثم طار فوجد عيسى قد ولد عند مد ودحمار وإذا الملائكة قد حفت به فرجع إليهم فقال إن نبيا قد ولد البارحة ولا حملت أنثى ولا وضعت قط إلا وأنا بحضرتها إلا هذه فأيسوا من أن يعبدوا الأصنام في هذه البلدة وفي لفظ بعد هذه

(15/176)


الليلة ولكن ائتوا بني آدم بالخفة والعجلة قوله إلا هذه يخالف ما في الصحيح إلا أن يؤول وأشار القاضي إلى أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يشاركون عيسى عليه الصلاة و السلام في ذلك وقال القرطبي هو قول قتادة قال وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية ولا يلزم من نخسه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك نخس فاسد فلم يعرض الشيطان لخواص الأولياء بأنواع الإغواء والمفاسد ومع ذلك فقد عصمهم الله بقوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان -
7823 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( المغيرة ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال قدمت الشأم فقلت من هاهنا قالوا أبو الدرداء قال أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه
مالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي والمغيرة بن مقسم الضبي وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي واسم أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي
والحديث أخرجه البخاري هنا مختصرا جدا وأخرجه بأتم منه في فضل عمار وحذيفة عن مالك بن إسماعيل أيضا وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب على ما يجيء عن قريب في هذا الباب وفي الاستئذان عن أبي الوليد وعن يحيى بن جعفر وعن يزيد بن هارون وفي مناقب ابن مسعود عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في المناقب وفي التفسير عن أحمد بن سليمان قوله أفيكم الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار أي أفي العراق قوله الذي أجاره الله أي منعه وحماه من الشيطان وهو عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه وسيصرح به البخاري في الحديث الذي بعده وفي التوضيح يجوز أن يكون قاله أبو الدرداء لقوله يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار أو يكون شهد له أن الله أجاره من الشيطان
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن مغيرة وقال الذي أجاره الله على لسان نبيه يعني عمارا
بهذا بين البخاري أن المراد من قول أبي الدرداء أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان أنه عمار بن ياسر الذي هو من السابقين في الإسلام المنزل فيه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( النحل 601 ) وقد قال له مرحبا بالطيب المطيب
7823 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( المغيرة ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال قدمت الشأم فقلت من هاهنا قالوا أبو الدرداء قال أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه
مالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي والمغيرة بن مقسم الضبي وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي واسم أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي
والحديث أخرجه البخاري هنا مختصرا جدا وأخرجه بأتم منه في فضل عمار وحذيفة عن مالك بن إسماعيل أيضا وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب على ما يجيء عن قريب في هذا الباب وفي الاستئذان عن أبي الوليد وعن يحيى بن جعفر وعن يزيد بن هارون وفي مناقب ابن مسعود عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في المناقب وفي التفسير عن أحمد بن سليمان قوله أفيكم الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار أي أفي العراق قوله الذي أجاره الله أي منعه وحماه من الشيطان وهو عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه وسيصرح به البخاري في الحديث الذي بعده وفي التوضيح يجوز أن يكون قاله أبو الدرداء لقوله يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار أو يكون شهد له أن الله أجاره من الشيطان
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن مغيرة وقال الذي أجاره الله على لسان نبيه يعني عمارا
بهذا بين البخاري أن المراد من قول أبي الدرداء أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان أنه عمار بن ياسر الذي هو من السابقين في الإسلام المنزل فيه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( النحل 601 ) وقد قال له مرحبا بالطيب المطيب
8823 - قال وقال ( الليث ) حدثني ( خالد بن يزيد ) عن ( سعيد بن أبي هلال ) أن ( أبا الأسود ) أخبره ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي قال الملائكة تتحدث في العنان والعنان الغمام بالأمر يكون في الأرض فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة
أورد هذا التعليق في باب ذكر الملائكة قال حدثنا محمد حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا الليث حدثنا ابن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي يقول إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم فانظر بينهما إلى التفاوت في الإسناد والمتن وأبو الأسود في الرواة هو محمد بن عبد الرحمن
قوله بالأمر يتعلق بقوله تتحدث وقوله والعنان الغمام جملة معترضة بين المتعلق والمتعلق قوله يكون جملة وقعت حالا من قوله بالأمر قوله فتقرها بضم القاف وتشديد الراء وهو الصحيح قال ابن التين لما تقرر من أن كل فعل مضاعف متعد يكون بالضم إلا أحرف شواذ ليس هذا منها وقال الخطابي يقال قررت الكلام في أذن الأصم إذا وضعت فمك على صماخه فتلقيه فيه وقال الهروي إنه ترديد الكلام في أذن الأبكم حتى يفهم قوله كما تقر القارورة يريد به تطبيق رأس القارورة

(15/177)


برأس الوعاء الذي يفرغ منها فيه وقال القابسي معناه يكون لما يلقيه الكاهن حس كحس القارورة عند تحريكها مع اليد أو على الصفاء وفي التوضيح ويقال بالزاي وهو ما يسمع من حس الزجاجة حين يحك بها على شيء وقال الكرماني فتقرها يروى من الإقرار وقال الداودي يلقيها كما يستقر الشيء في قراره
9823 - حدثنا ( عاصم بن علي ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان
عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب أبو الحسين مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق من أهل واسط وروى البخاري عنه في مواضع وروى عن محمد بن عبد الله عنه في الحدود قال مات سنة إحدى وعشرين أو عشرين ومائتين وقال ابن سعد مات بواسط قلت هو من الأفراد وروى عنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه كيسان عن أبي هريرة
وقال المزي في ( الأطراف ) حديث التثاؤب من الشيطان ثم علم علامة البخاري حرف ( خ ) ثم قال في صفة إبليس عن عاصم بن علي عنه به ثم علم علامة النسائي ( س ) ثم قال في اليوم والليلة عن أحمد بن حرب إلى آخره ثم قال ورواه غير واحد عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وسيأتي ثم قال بعد ذلك لما وعده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة حديث إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ( خ ) وفي الأدب عن آدم وفيه وفي بدء الخلق عن عاصم بن علي ( د ) في الأدب ( ت ) في الاستيذان جميعا عن الحسن علي ( س ) في اليوم والليلة عن عمرو بن علي ثم قال قال الترمذي هذا أصح من حديث ابن عجلان يعني عن سعيد عن أبي هريرة وكذلك رواه القاسم بن يزيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة
قوله التثاؤب مصدر من تثاءب يتثاءب والاسم الثؤباء قوله من الشيطان وإنما جعله من الشيطان كراهة له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وميله إلى الكسل والنوم وأضافه إلى الشيطان لأنه هو الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهواتها وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات قوله فإذا تثاءب هو فعل ماضي من باب تفاعل وأصله من الثأب ومادته ثاء مثلثة وهمزة وباء موحدة وتثاءب بالمد والتخفيف ويروى بالواو تثاوب وقيل لا يقال تثاءب مخففا بل تثأب بالتشديد في الهمزة وقال الجوهري لا يقال تثاوب بالواو وأما حديث التثاوب فهو النفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات المختنقة في عضلات الفك وهو إنما ينشأ من امتلاء المعدة وثقل البدن ويورث الكسل وسوء الفهم والغفلة قوله فليرده أي ليكظم وليضع يده على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخول فمه وضحكه منه قوله إذا قال ها كلمة ها حكاية صوت المتثاوب فإذا قال ها يعني إذا بالغ في التثاؤب ضحك الشيطان فرحا بذلك ولذلك قالوا لم يتثاءب نبي قط وقال الداودي إن فتح فاه ولم يضمه بصق فيه وقال ها ضحك منه
0923 - حدثنا ( زكرياء بن يحيى ) حدثنا ( أبو أسامة ) قال ( هشام ) أخبرنا عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبى أبي فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم قال عروة فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله
زكرياء بن يحيى بن عمر أبي السكن الطائي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام بن عروة يروي

(15/178)


عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن إسحاق وفي المغازي عن عبيد الله بن سعيد كلاهما عن أبي أسامة أيضا
قوله أي عباد الله يعني يا عباد الله قوله أخراكم أي الطائفة المتأخرة أي يا عباد الله احذروا الذين من ورائكم متأخرين عنكم أو اقتلوهم والخطاب للمسلمين أراد إبليس تغليطهم ليقاتل المسلمون بعضهم بعضا فرجعت الطائفة المتقدمة قاصدين لقتال الأخرى ظانين أنهم من المشركين قوله فاجتلدت هي أي الطائفة المتقدمة والطائفة الأخرى أي تضاربت الطائفتان ويحتمل أن يكون الخطاب للكافرين أي اقتلوا أخراكم فرجعت أولاهم فتجالد أولى الكفار وأخرى المسلمين قوله فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه يعني اليمان بتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون بلا ياء بعدها وهو لقب واسمه حسيل مصغر الحسل بالمهملتين ابن جابر العبسي بالباء الموحدة بين المهملتين أسلم مع حذيفة وهاجر إلى المدينة وشهد أحدا وأصابه المسلمون في المعركة فقتلوه يظنونه من المشركين وحذيفة يصيح ويقول هو أبي لا تقتلوه ولم يسمع منه قوله ما احتجزوا أي ما امتنعوا منه ويقال لكل من ترك شيئا انحجز عنه قوله غفر الله لكم دعا لمن قتلوه من غير علم لأنه عذرهم وتصدق حذيفة بديته على من أصابه ويقال إن الذي قتله هو عقبة بن مسعود فعفى عنه قوله بقية خير بقية دعاء واستغفار لقاتل اليمان حتى مات وقال التيمي معناه ما زال في حذيفة بقية حزن على أبيه من قتل المسلمين
1923 - حدثنا ( الحسن بن الربيع ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( أشعث ) عن أبيه عن ( مسروق ) قال قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها سألت النبي عن التفات الرجل في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم ( انظر الحديث 157 )
الحسن بن الربيع بن سليمان البجلي الكوفي يعرف بالبوراني وأبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة ابن أبي الشعثاء مؤنث الأشعث المذكور وقد مضى الحديث في كتاب الصلاة في باب الالتفات في الصلاة فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن أبي الأحوص إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
2923 - حدثنا ( أبو المغيرة ) حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( عبد الله بن أبي قتادة ) عن أبيه عن النبي ( و ) حدثني سليمان بن عبد الرحمان حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال النبي الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرهما فإنها لا تضره
أخرج هذا الحديث من طريقين الأول عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج مر في باب تزويج المحرم عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة الحارث بن الربعي الأنصاري عن النبي الثاني عن سليمان بن عبد الرحمن عن ابنه شرحبيل بن أيوب الدمشقي عن الوليد بن مسلم الدمشقي عن الأوزاعي إلى آخره فالطريق الأولى أعلى ولكن في الثانية التصريح بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى بن أبي كثير والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن مسدد وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن إسحاق بن منصور
ذكر معناه قوله الرؤيا الصالحة الرؤيا على وزن فعلى بلا تنوين وجمعها رؤى مثل رعى يقال رأى في منامه

(15/179)


رؤيا وفي اليقظة رأى رؤية قيل إن الرؤيا أيضا تكون في اليقظة وعليه تفسير الجمهور في قوله سبحانه وتعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( الإسراء 06 ) إن الرؤيا ههنا في اليقظة وقال الزمخشري الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بحرف التأنيث وقال الواحدي الرؤيا مصدر كالبشرى إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء وقيل يجوز ترك همزها تخفيفا وقوله الصالحة إما صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح إما باعتبار صورتها وإما باعتبار تعبيرها ويقال لها الرؤيا الصادقة والرؤيا الحسنة وقال الطيبي معنى الصالحة الحسنة ويحتمل أن تجري على ظاهرها وأن تجري على الصادقة والمراد بها صحتها وتفسير رسول الله المبشرات على الأول ظاهر لأن البشارة كل خبر صدق يتغير به بشرة الوجه واستعمالها في الخير أكثر وعلى الثاني مؤول أما على التغليب أو يحمل على أصل اللغة وإضافتها إلى الله تعالى إضافة اختصاص وإكرام لسلامتها من التخليط وطهارتها عن حضور الشيطان قوله والحلم من الشيطان أي الرؤيا الغير الصالحة أي الكاذبة أو السيئة وإنما نسبت إلى الشيطان لأن الرؤيا الكاذبة يريد بها الشيطان ليسيء ظنه ويحزنه ويقل حظه من شكر الله ولهذا أمره بالبصق عن يساره وعن ابن الجوزي الرؤيا والحلم بمعنى واحد لأن الحلم ما يراه الإنسان في نومه غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم قوله فإذا حلم أحدكم بفتح اللام قال ابن التين وحلم بضم اللام عنه بمعنى عفى عنه وحلم بالكسر يقال حلم الأديم إذا شب قبل أن يدبغ قوله حلما مصدر بضم اللام وسكونها ويجمع على أحلام في القلة وحلوم في الكثرة وإنما جمع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنا كان أو مكروها قوله يخافه جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله حلما قوله فليبصق دحرا للشيطان بذلك كرمي الجمار كما يتفل عند الشيء القذر يراه ولا شيء أقذر من الشيطان وذكر الشمال لأن العرب عندها إتيان الشر كله من قبل الشمال ولذلك سمتها الشؤمى وكانوا يتشاءمون بما جاء من قبلها من الطير وأيضا ليس فيها كثير عمل ولا بطش ولا أكل ولا شرب قوله فإنها أي فإن الحلم وإنما أنث الضمير باعتبار أن الحلم هو الرؤيا السيئة الكاذبة المكروهة والرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها وكذلك رؤيا التهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان ليشوش عليه في اليقظة وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلاته فإذا فعل المأمور به صادقا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك
2923 - حدثنا ( أبو المغيرة ) حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( عبد الله بن أبي قتادة ) عن أبيه عن النبي ( و ) حدثني سليمان بن عبد الرحمان حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال النبي الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرهما فإنها لا تضره
أخرج هذا الحديث من طريقين الأول عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج مر في باب تزويج المحرم عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة الحارث بن الربعي الأنصاري عن النبي الثاني عن سليمان بن عبد الرحمن عن ابنه شرحبيل بن أيوب الدمشقي عن الوليد بن مسلم الدمشقي عن الأوزاعي إلى آخره فالطريق الأولى أعلى ولكن في الثانية التصريح بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى بن أبي كثير والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن مسدد وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن إسحاق بن منصور
ذكر معناه قوله الرؤيا الصالحة الرؤيا على وزن فعلى بلا تنوين وجمعها رؤى مثل رعى يقال رأى في منامه رؤيا وفي اليقظة رأى رؤية قيل إن الرؤيا أيضا تكون في اليقظة وعليه تفسير الجمهور في قوله سبحانه وتعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( الإسراء 06 ) إن الرؤيا ههنا في اليقظة وقال الزمخشري الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بحرف التأنيث وقال الواحدي الرؤيا مصدر كالبشرى إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء وقيل يجوز ترك همزها تخفيفا وقوله الصالحة إما صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح إما باعتبار صورتها وإما باعتبار تعبيرها ويقال لها الرؤيا الصادقة والرؤيا الحسنة وقال الطيبي معنى الصالحة الحسنة ويحتمل أن تجري على ظاهرها وأن تجري على الصادقة والمراد بها صحتها وتفسير رسول الله المبشرات على الأول ظاهر لأن البشارة كل خبر صدق يتغير به بشرة الوجه واستعمالها في الخير أكثر وعلى الثاني مؤول أما على التغليب أو يحمل على أصل اللغة وإضافتها إلى الله تعالى إضافة اختصاص وإكرام لسلامتها من التخليط وطهارتها عن حضور الشيطان قوله والحلم من الشيطان أي الرؤيا الغير الصالحة أي الكاذبة أو السيئة وإنما نسبت إلى الشيطان لأن الرؤيا الكاذبة يريد بها الشيطان ليسيء ظنه ويحزنه ويقل حظه من شكر الله ولهذا أمره بالبصق عن يساره وعن ابن الجوزي الرؤيا والحلم بمعنى واحد لأن الحلم ما يراه الإنسان في نومه غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم قوله فإذا حلم أحدكم بفتح اللام قال ابن التين وحلم بضم اللام عنه بمعنى عفى عنه وحلم بالكسر يقال حلم الأديم إذا شب قبل أن يدبغ قوله حلما مصدر بضم اللام وسكونها ويجمع على أحلام في القلة وحلوم في الكثرة وإنما جمع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنا كان أو مكروها قوله يخافه جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله حلما قوله فليبصق دحرا للشيطان بذلك كرمي الجمار كما يتفل عند الشيء القذر يراه ولا شيء أقذر من الشيطان وذكر الشمال لأن العرب عندها إتيان الشر كله من قبل الشمال ولذلك سمتها الشؤمى وكانوا يتشاءمون بما جاء من قبلها من الطير وأيضا ليس فيها كثير عمل ولا بطش ولا أكل ولا شرب قوله فإنها أي فإن الحلم وإنما أنث الضمير باعتبار أن الحلم هو الرؤيا السيئة الكاذبة المكروهة والرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها وكذلك رؤيا التهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان ليشوش عليه في اليقظة وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلاته فإذا فعل المأمور به صادقا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك
3923 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من قال لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ( الحديث 3923 - طرفه في 3046 )
سمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث أخرجه البخاري في الدعوات أيضا وأخرجه مسلم في الدعوات عن يحيى بن يحيى وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن موسى وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله عدل بفتح العين أي مثل ثواب إعتاق عشر رقاب قوله حرزا بكسر الحاء المهملة وهو الموضع الحصين ويسمى التعويذ أيضا حرزا قوله يومه نصب على الظرف قوله ذلك إشارة إلى اليوم الذي دعا فيه بهذا الكلام المشتمل على الاعتراف بالوحدانية وعلى الشكر لله والإقرار بقدرته على كل شيء قوله عمل في محل الرفع لأنه صفة لقوله أحد قوله من ذلك أي من العمل الذي عمله الأول

(15/180)


4923 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد ) أن ( محمد بن سعد بن أبي وقاص ) أخبره أن أباه ( سعد بن أبي وقاص ) قال استأذن عمر على رسول الله وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله ورسول الله يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله قال عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن ثم قال أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله قلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله قال رسول الله والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك
على بن عبد الله المعروف بابن المديني ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عمر عن عبد العزيز بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الله فرقهما وأخرجه مسلم في الفضائل عن منصور بن أبي مزاحم وعن الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في المناقب وفي اليوم والليلة عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وفيه أربعة من التابعين وهم صالح ومن بعده
قوله يكلمنه أي يكلمن رسول الله قوله ويستكثرنه أي يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه ويحتمل أن يكون من العطاء ويؤيده أنه ورد في رواية أنهن يردن النفقة قوله عالية أصواتهن هذه الجملة وقعت حالا من الضمير الذي في يكلمنه وأصواتهن بالرفع لأن اسم الفاعل يعمل عمله فعله وعلو أصواتهن يحمل على أنه كان قبل النهي عن رفع الصوت أو يحمل على أنه لاجتماعهن حصل لغط من كلامهن أو يكون فيهن من هي جهيرة الصوت أو يحمل على أنهن لما علمن عفوه وصفحه سمحن في رفع الصوت قوله يبتدرون أي يتسارعن والجملة حال من الضمير الذي في قلن قوله ورسول الله يضحك جملة حالية قوله أضحك الله سنك ليس دعاء بكثرة الضحك حتى يعارضه قوله تعالى فليضحكوا قليلا ( التوبة 28 ) بل المراد لازمه وهو السرور أو الآية ليست عامة شاملة له قاله الكرماني وفيه نظر والوجه هو الأول قوله يهين بفتح الهاء من الهيبة قوله أي عدوات أي يا عدوات قوله أفظ وأغلظ والفظاظة والغلظ بمعنى واحد هي عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب فإن قلت الأفظ والأغلظ يقتضي الشركة في أصل الفعل فيلزم أن يكون رسول الله فظا غليظا وقد نفى الله عنه ذلك بقوله ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ( آل عمران 951 ) قلت لا يلزم منه إلا نفس الفظاظة والغلظ وهو أعم من كونه فظا غليظا لأنهما صفة مشبهة يدلان على الثبوت والعام لا يستلزم الخاص أو الأفضل ليس بمعنى الزيادة لقوله تعالى هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ( النجم 23 ) هذا كله كلام الكرماني وفي النفس منه قلق والأوجه أن يقال إنه على المفاضلة وإن القدر الذي بينهما في رسول الله هو ما كان إغلاظه على الكفار والمنافقين قال الله تعالى جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ( التوبة 37 والتحريم 9 ) قوله فجا بفتح الفاء وتشديد الجيم هو الطريق الواسع وقيل هو الطريق بين الجبلين وقال عياض يحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وأعوانه من عمر رضي الله تعالى عنه وأنه لا سبيل لهم عليهم أي إنك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه فييأس الشيطان من أن يوسوس فيه فتتركه وتسلك غيره وليس المراد به الطريق على الحقيقة لأن الله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( الأعراف 72 ) فلا يخافه إذا في فج لأنه لا يراه وقال الكرماني فإن قلت فيلزم من ذلك أن يكون عمر أفضل من أيوب النبي إذ قال مسنى الشيطان بنصب وعذاب ( ص 14 ) قلت لا إذ التركيب لا يدل إلا على الزمان الماضي

(15/181)


وذلك أيضا مخصوص بحال من الإسلام فليس على ظاهره وأيضا هو مقيد بحال سلوك الطريق فجاز أن يلقاه في غير تلك الحالة انتهى قلت الجواب الأخير موجه والذي ذكرناه آنفا أوجه من الكل والله أعلموفيه فضل لين الجانب والرفق وفيه فضل عمر رضي الله عنه وفيه حلم النبي غاية ما يكون
وفيه لا ينبغي الدخول على أحد إلا بعد الاستئذان
5923 - حدثني ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثني ( ابن أبي حازم ) عن ( يزيد ) عن ( محمد بن إبراهيم ) عن ( عيسى بن طلحة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا استيقظ أراه أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه
إبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني وابن أبي حازم عبد العزيز بن أبي حازم واسمه ثعلبة بن دينار ويزيد بالياء آخر الحروف في أوله هو يزيد بن الهاد والهاد أحد أجداده لأن يزيد هذا هو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد ويقال يزيد بن عبد الله بن شداد بن أسامة بن عمرو وهو الهاد بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم ابن الحارث أبو عبد الله التيمي القرشي المديني مات سنة عشرين ومائة وعيسى بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي مات في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن بشر بن الحكم وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن زنبور المكي
قوله أراه أي أظنه قوله فليستنثر أمر من الاستنثار وهو نثر ما في الأنف بنفس قاله الجوهري وقيل أن يستنشق الماء ثم يستخرج ما فيه من أذى أو مخاط وكذلك الانتنثار وقيل فليستنثر أكثر فائدة من قوله فليستنشق لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس فقد يستنشق ولا يستنثر والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه والاستنثار إخراج ذلك الماء قلت ومما يدل على أن الاستنثار غير الاستنشاق ما روى أنه قال إذا توضأ أحدكم فليجعل الماء في أنفه ثم ليستنثر رواه أبو هريرة وروى أنه كان يستنشق ثلاثا في كل مرة يستنثر وقد مر في كتاب الطهارة في باب الاستنثار في الوضوء حديث أبي هريرة من رواية أبي إدريس عنه عن النبي أنه قال من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر وفي باب الاستجمار أيضا من رواية الأعرج عنه أن رسول الله قال إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر الحديث ومرت زيادة الكلام فيه هناك قوله على خيشومه بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وضم المعجمة قال الكرماني هو أقصى الأنف وفي ( التوضيح ) هو الأنف وقال الداودي هو المنخران والياء فيه زائدة يقال رجل أخشم إذا لم يجد رائحة الطيب وقيل الأخشم منتن الخيشوم وقيل الأخشم الذي لا يجد ريح الشيء أصلا وهو الخشام والخشم ما يسيل من الخيشوم ثم ظاهر الحديث يقتضي أن هذا يقع لكل نائم ولكن يمكن أن يقال هذا يقع لمن يحترس من الشيطان بشيء من الذكر فإنه روي من حديث أبي هريرة أن في ذكر الله حرزا من الشيطان
21 -
( باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم )
أي هذا باب في بيان وجود الجن وفي بيان أنهم يثابون بالخير ويعاقبون بالشر والكلام فيه على أنواع
الأول في وجود الجن فقال الشيخ أبو العباس بن تيمية رحمه الله لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن وإن وجد فيهم من ينكر ذلك فكما يوجد في بعض طوائف المسلمين كالجهمية والمعتزلة من ينكر ذلك وأن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك وهذا لأن وجود الجن قد تواترت به أخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تواترا معلوما بالاضطرار وقال إمام الحرمين في كتابه ( الشامل ) اعلموا رحمكم الله إن كثيرا من الفلاسفة وجماهير القدرية وكافة الزنادقة أنكروا الشياطين والجن رأسا ولا يبعد لو أنكر ذلك من لا يتدين ولا يتشبث بالشريعة وإنما العجب

(15/182)


من إنكار القدرية مع نصوص القرآن وتواتر الأخبار واستفاضة الآثار وقال أبو القاسم الأنصاري في ( شرح الإرشاد ) وقد أنكرهم معظم المعتزلة ودل إنكارهم إياهم على قلة مبالاتهم وركاكة ديانتهم فليس في إثباتهم مستحيل عقلي وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم وقال القاضي أبو بكر الباقلاني وكثير من القدرية يثبتون وجود الجن قديما وينفون وجودهم الآن ومنهم من يقر بوجودهم ويزعم أنهم لا يرون لرقة أجسامهم ونفوذ الشعاع فيها ومنهم من قال إنما لا يرون لأنهم لا ألوان لهم وقال عبد الجبار المعتزلي الدليل على إثباتهم السمع دون العقل إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق
النوع الثاني في بيان ابتداء خلق الجن قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي في ( المبتدأ ) حدثنا عثمان بن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن عبد الرحمن بن سليط القرشي عن ابن عباس عن عمرو بن العاص قال خلق الله الجن قبل آدم بألفي سنة ويقال عمروا الأرض ألفي سنة وعن ابن عباس كان الجن سكان الأرض والملائكة سكان السماء وهم عمارها وقال إسحاق بن بشر حدثني جويبر وعثمان بإسنادهما أن الله تعالى خلق الجن وأمرهم بعمارة الأرض فكانوا يعبدون الله تعالى فطال بهم الأمد فعصوا الله وسفكوا الدماء وكان فيهم ملك يقال له يوسف فقتلوه فأرسل الله عليهم جندا من الملائكة كانوا في السماء الدنيا كان فيهم إبليس وكانوا أربعة آلاف فهبطوا فنفوا بني الجان وأجلوهم عنها وألحقوهم بجزائر البحر وسكن إبليس والجند الذي كانوا معه الأرض فهان عليهم العمل وأحبوا المكث فيها
النوع الثالث في بيان خلقهم مماذا قال الله تعالى وخلق الجان من مارج من نار ( الرحمن 51 ) وروى مسلم من حديث عائشة قالت قال رسول الله خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم فثبت أن أصل الجن النار كما أن أصل الإنس الطين وحكى الله تعالى في القرآن عن قوله خلقتني من نار ( الأعراف 21 وص 67 ) فهذا أيضا يدل على أن أصل الجن النار فإن قلت يجوز أن يكذب في ذلك أو يظنه ولا يكون له علم به قلت لو لم يكن الأمر على ما قاله لأنزل الله تعالى تكذيبه لأن عدم تكذيب الكاذب ممن لا يجوز عليه الخوف والجهل قبيح فإن قلت في النار من اليبس ما لا يصح وجود الحياة فيها والحياة في وجودها يحتاج إلى رطوبة قلت فالله قادر على أن يفعل رطوبة في تلك النار بمقدار ما يصح وجود الحياة فيها مع أن أبا هاشم جوز وجود الحياة مع عدم التنفس ويقول إن أهل النار لا يتنفسون
النوع الرابع في أنهم أجسام وأنهم على صور مختلفة قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي الجن أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة ويجوز أن تكون رقيقة وأن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة خلافا للمعتزلة في قولهم إنهم أجسام رقيقة ولرقتها لا نراهم قلنا الرقة ليس بمانعة عن الرؤية في باب الرؤية ويجوز أن تكون الأجسام الكثيفة موجودة ولا نراها إذا لم يخلق الله فينا الإدراك وحكى أبو القاسم الأنصاري عن القاضي أبي بكر نحن نقول إنما رآهم من رآهم لأن الله خلق لهم الرؤية وأن من لم يخلق له الرؤية لا يراهم وأنهم أجساد مؤلفة وجثث وقال كثير من المعتزلة إنهم أجساد رقيقة بسيطة وقال القاضي عبد الجبار أجسام الجن رقيقة ولضعف أبصارنا لا نراهم لا لعلة أخرى ولو قوى الله أبصارنا أو كثف أجسامهم لرأيناهم وقال السهيلي الجن ثلاثة أصناف كما جاء في حديث صنف على صور الحيات وصنف على صورة كلاب سود وصنف ريح طيارة أو قال هفافة ذو أجنحة وهم يتصورون في صور الحيات والعقارب وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفي صور الطير وفي صور بني أدم وقال القاضي أبو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربا من ضروب الأفعال إذا فعله وتكلم به نقله من صورة إلى صور أخرى وأما أن يصور نفسه فذاك محال
النوع الخامس في أن الجن على أنواع منهم الغول وهو العفريت قالوا إن الغول حيوان لم تحكمه الطبيعة وأنه لما خرج منفردا توحش ولم يستأنس وطلب القفار ويتلون في ضروب من الصور ويتراءى في الليل وفي أوقات الخلوات لمن كان مسافرا وحده فيتوهم أنه إنسان ويضل المسافر عن الطريق ومنهم السعلاة وهي مغايرة للغول وأكثر ما يوجد في الفيافي إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما تلعب السنور بالفأر ومنهم الغدار وهو يوجد بأكناف اليمن وربما يوجد في أرض

(15/183)


مصر إذا عاينه الإنسان خر مغشيا عليه ومنهم الولهان يوجد في جزائر البحر وهو في صورة إنسان راكب على نعامة يأكل الناس الذين يقذفهم البحر ومنهم الشق كنصف آدمي بالطول زعموا أن النسناس مركبه يظهر للناس في أسفارهم ومنهم من يأنس بالآدميين ولا يؤذيهم ومنهم من يختطف النساء الأبكار ومنهم من هو في صورة الوزغ ومنهم من هو على صورة الكلاب
النوع السادس في وجه تسمية الجن بهذا الإسم قال ابن دريد الجن خلاف الإنس يقال جنه الليل وأجنه وجن عليه وغطاه في معنى واحد إذا ستره وكل شيء استتر عنك فقد جن عنك وبه سميت الجن وكان أهل الجاهلية يسمون الملائكة جنا لاستتارهم عن العيون والجن والجنة واحد والجنة ما واراك من سلاح قال والحن بالحاء المهملة ضرب من الجن قال الراجز
يلعبن أحوالي من حن وجن
وقال أبو عمير الزاهد الحن كلاب الجن وسفلتهم ووقع في كلام السهيلي في النتائج أن الجن يشمل الملائكة وغيرهم مما اجتن عن الأبصار
النوع السابع في بيان أن الجن هل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون وللناس فيه أقوال الأول أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون وهذا قول ساقط الثاني أن صنفا منهم يأكلون ويشربون وصنفا لا يأكلون ولا يشربون الثالث أن جميعهم يأكلون ويشربون واختلفوا في صفة أكلهم وشربهم فقال بعضهم أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضع ولا بلع وهذا قول لا يدل عليه دليل وقال آخرون أكلهم وشربهم مضغ وبلع ويدل عليه ما رواه أبو داود من حديث أمية بن محشي وفيه ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله تعالى استقى ما في بطنه وسئل وهب بن منبه عن الجن ما هم وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون فقال هم أجناس فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون منهم السعالي والغول والقطرب وغير ذلك رواه أبو عمر بإسناده عنه
النوع الثامن في بيان تكليف الجن قال أبو عمر الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى يا معشر الجن والإنس ( الأنعام 031 والرحمن 33 ) وذكر عن الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وأنهم ليسوا بمكلفين وعلى القول بتكليفهم هل لهم ثواب وعليهم عقاب أم لا واختلف العلماء فيه على قولين فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل البهائم وهو قول أبي حنيفة حكاه ابن حزم وغيره عنه وقال ابن أبي الدنيا حدثنا داود عن عمر والضبي حدثنا عفيف بن سالم عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم قال ثواب الجن أن يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا القول الثاني أنهم يثابون على الطاعة ويعاقبون على المعصية وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد ونقل أيضا عن الشافعي وأحمد وسئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال نعم لهم ثواب وعليهم عقاب واتفق العلماء على أن كافر الجن يعذب في الآخرة لقوله تعالى النار مثواكم ( الأنعام 821 ) واختلفوا في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة على أربعة أقوال والجمهور على أنهم يدخلونها حكاه ابن حزم في ( الملل ) عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف وجمهور الناس قال وبه نقول ثم اختلفوا هل يأكلون ويشربون فروى سفيان الثوري في ( تفسيره ) عن جويبر عن الضحاك أنهم يأكلون ويشربون وعن مجاهد أنهم يدخلونها ولكن لا يأكلون ولا يشربون ويلهمون من التسبيح والتقديس ما يجده أهل الجنة من لذة الطعام والشراب وذهب الحارث المحاسبي إلى أنهم يدخلون الجنة نراهم يوم القيامة ولا يروننا عكس ما كانوا عليه في الدنيا القول الثاني إنهم لا يدخلون الجنة بل يكونون في ربضها يراهم الإنس من حيث لا يرونهم وهذا القول مأثور عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد حكاه ابن تيمية وهو خلاف ما حكاه ابن حزم القول الثالث أنهم على الأعراف القول الرابع الوقف وروى الحافظ أبو سعيد عن عبد الرحمن محمد بن الكنجرودي في ( أماليه ) بإسناده إلى الحسن عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسألنا عن ثوابهم فقال على الأعراف وليسوا في الجنة فقالوا ما الأعراف قال حائط الجنة تجري منه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والثمار وقال الحافظ الذهبي هذا حديث منكر جدا ثم إن مؤمني الجن إذا دخلوا الجنة هل يرون الله تعالى فقد وقع في كلام عبد السلام في ( القواعد الصغرى ) ما يدل على أنهم لا يرون الله تعالى وأن الرؤية مخصوصة بمؤمني البشر فإنه صرح بأن الملائكة لا يرون الله تعالى في الجنة ومقتضى هذا أن الجن لا يرونه
النوع التاسع هل كان فيهم نبي منهم أو لا فروى

(15/184)


الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك وجمهور العلماء سلفا وخلفا على أنه لم يكن من الجن نبي قط ولا رسول ولم تكن الرسل إلا من الإنس ونقل هذا عن ابن عباس وابن جريج ومجاهد والكلبي وأبي عبيد والواحدي وذكر إسحاق بن بشر في ( المبتدأ ) عن ابن عباس أن الجن قتلوا نبيا لهم قبل آدم عليه الصلاة و السلام اسمه يوسف وأن الله تعالى بعث إليهم رسولا وأمرهم بطاعته ومن ذهب إلى قول الضحاك يستدل أيضا بقوله تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ( الأنعام 031 ) الآية
النوع العاشر في بيان فرق الجن قد أخبر الله تعالى عن الجن أنهم قالوا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ( الجن 11 ) أي مذاهب شتى مسلمون ويهود وكان جن نصيبين يهودا وقال الإمام أحمد في ( كتاب الناسخ والمنسوخ ) حدثنا مطلب بن زياد عن السدي قال في الجن قدرية ومرجئة وشيعة وحكى السدي أيضا عن أشياخه أن في الجن المؤمن والكافر والمعتزلة والجهمية وجميع الفرق
فوائد قال الحسن البصري الشياطين أولاد إبليس لا يموتون إلا معه والجن يموتون قبله وقال إسحاق قال أبو روق عن عكرمة عن ابن عباس قال لما خلق الله شوما أبا الجن وهو الذي خلق من مارج من نار فقال تبارك وتعالى تمن فقال أتمنى أن نرى ولا نرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابا فأعطي ذلك فهم يرون ولا يرون وإذا ماتوا غيبوا في الثرى ولا يموت كهلهم حتى يعود شابا يعني مثل الصبي ثم يرد إلى أرذل العمر وسئل أبو البقاء العكبري الحنبلي عن الجن هل تصح الصلاة خلفهم قال نعم لأنهم مكلفون والنبي أرسل إليهم
لقوله تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي إلى قوله عما يعملون ( الأنعام 031 )
اللام في لقوله للتعليل للترجمة لأجل الاستدلال به وجه الاستدلال إن قوله تعالى ينذرونكم يدل على العقاب وقوله ولكل درجات مما عملوا ( الأنعام 231 والأحقاف 91 ) يدل على الثواب وتمام الآية
بخسا نقصا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ( الجن 31 ) فسر البخس بقوله نقصا قال الفراء البخس النقص والرهق الظلم فدلت الآية أن من يكفر يخاف والخوف يدل على كون الجن مكلفين لأن الآية فيهم
وقال مجاهد وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( الصافات 851 ) قال كفار قريش الملائكة بنات الله وأمهاتهم بنات سروات الجن قال الله ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( الصافات 851 ) ستحضر للحساب جند محضرون ( يس 57 ) عند الحساب
أي قال مجاهد في تفسير قوله تعال وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا أن كفار قريش قالوا إن الملائكة بنات الله وأمهات الملائكة هن بنات سروات الجن أي ساداتهم والسروات جمع سراة جمع سري وهو نادر شاذ لأن فعلات لا يجمع على فعلة كذا قاله صاحب ( التوضيح ) وليس كذلك والصواب ما قاله الجوهري السرو سخاء في مروءة يقال سرا يسرو سري بالكسر يسري سروا فيهما وسرو يسرو سراوة أي صار سريا وجمع السري سراة وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره وجمع السراة سراوات وأثر مجاهد المعلق أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نجيح عنه بزيادة فقال أبو بكر فمن أمهاتهن فقالوا بنات سروات الجن يحسبون أنهم خلقوا مما خلق منه إبليس لعنه الله انتهى ووقع ههنا أمهاتهن والصواب أمهاتهم مثل ما وقع في رواية البخاري قوله قال الله تعالى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( الصافات 851 ) وقبله وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( الصافات 851 ) أي جعل مشركو مكة بينه أي بين الله وبين الجنة نسبا وهو زعمهم أن الملائكة بنات الله سموا الملائكة جنة لاجتنانهم عن الأبصار والمعنى جعلوا بما قالوه نسبة بين الله وبين الملائكة وأثبتوا بذلك جنسية جامعة لله وللملائكة تعال الله عن ذلك علوا كبيرا وقال الكلبي قالوا لعنهم الله بل تزوج من الجن فخرج منها الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس هم بنات الله تعالى الله عن ذلك وقال الحسن أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسب الذي

(15/185)


جعلوه قوله ولقد علمت الجنة إنهم ( الصافات 851 ) أي إن قائلي هذا القول لمحضرون ( الصافات 851 ) في النار وإذا فسرت الجنة بالشياطين يجوز أن يكون الضمير في إنهم للشياطين والمعنى ولقد علمت الشياطين إنهم لمحضرون يعني أن الله يحضرهم في النار ويعذبهم قوله جند محضرون ( يس 57 ) هذا في آخر سورة يس ولا تعلق له بالجن لكن ذكر لمناسبة الإحضار للحساب وأول الآية واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( يس 57 ) أشار الله تعالى بهذه الآية إلى زيادة ضلالهم ونهايتها فإنه كان الواجب عليهم عبادة الله شكرا لأنعمه فكفروها وأقبلوا على عبادة من لا يضرهم ولا ينفعهم لعلهم ينصرون أي ليمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك ولا يستطيعون نصرهم أي خاب أملهم والأمر على خلاف ما توهموا وتوقعوا وهم لهم جند محضرون لعذابهم لأنهم مع أوثانهم في النار فلا يدفع بعضهم عن بعض النار لأنهم يجعلون وقود النار وقال الكرماني ويحتمل أن يقال لفظ آلهة في الآية متناول للجن لأنهم أيضا اتخذوهم معابيد والله أعلم قلت كأنه أشار بهذا إلى وجه مناسبة ذكر قوله جند محضرون ( يس 57 ) ههنا بما ذكره هو وقال بعضهم وقع في رواية الكشميهني جند محضر بالإفراد قلت الصواب محضرون لأن القرآن هكذا
31 -
( باب قول الله جل وعز وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن إلى قوله أولئك في ضلال مبين ( الأحقاف 92 - 23 ) )
أي هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى وإذ صرفنا ( الأحقاف 92 - 23 ) فعن قريب نذكر تفسير صرفنا وتمام الآية وما بعدها إلى قوله أولئك في ضلال مبين ( الأحقاف 92 - 23 ) هو قوله تعالى يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين ( الأحقاف 92 - 23 ) وإنما ذكر بعض هذه الآية ثم قال إلى قوله أولئك في ضلال مبين إشارة إلى أموره الأول فيه دلالة على وجود الجن الثاني أشار به إلى أن في الجن مؤمنين الثالث أشار به إلى أن المؤمنين منهم لهم الثواب والكافرين منهم عليهم العقاب قوله وإذ صرفنا العامل في وإذ محذوف تقديره واذكر حين صرفنا إليك ونذكر معنى صرفنا حين ذكره البخاري عن قريب قال المفسرون لما بين الله تعالى أن الإنس منهم من آمن ومنهم من كفر بين أن الجن أيضا منهم من آمن ومنهم من كفر وأن مؤمنهم معرض للثواب وأن كافرهم معرض للعقاب قوله نفرا مفعول صرفنا والنفر دون العشرة وملاقاة هؤلاء الجن مع النبي حين انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين وكان سبب ذلك أن الجن كانت تسترق السمع فلما

(15/186)


حرست السماء ورجموا بالشهب قال إبليس إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض فبعث سرايا ليعرف الخبر فكان أول بعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا وادي نخلة فوجدوا رسول الله يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن فاجتمعوا إليه قالوا أنصتوا يعني اصغوا إلى قراءته قوله فلما قضى أي فلما فرغ من تلاوته ولوا أي رجعوا إلى قومهم منذرين أي محذرين عذاب الله إن لم يؤمنوا قوله قالوا يا قومنا يعني قالوا لهم إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ذهب بعضهم إلى أنهم كانوا يهود ولهذا قالوا من بعد موسى وعن ابن عباس كانت الجن لم تسمع بأمر عيسى عليه الصلاة و السلام فلذلك قالوا من بعده موسى قوله مصدقا صفة لقوله كتابا يعني مصدقا لما بين يديه من الكتب قوله يهدي إلى الحق صفة للكتاب بعد صفة وكذلك قوله إلى طريق مستقيم قوله قولوا يعني قالوا لقومهم أجيبوا داعي الله أي النبي قوله ويجركم من عذاب أليم أي من عذاب النار وقالوا أيضا ومن لا يجب داعي الله أي الرسول ولم يؤمن به قوله فليس بمعجز في الأرض أي لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق قوله أولياء أي أنصار يمنعونه منه وعن ابن عباس أن هؤلاء الجن كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم وقيل كانوا تسعة وقيل كانوا اثني عشر ألفا والسورة التي كان رسول الله يقرؤها سورة إقرأ باسم ربك ( العلق 1 ) وذكر ابن دريد من أسماء هؤلاء الجن خمسة وهم سامر ومامر ومنسى وماسي والأحقب وذكر ابن سلام في ( تفسيره ) عن ابن مسعود ومنهم عمرو ابن جابر وذكر ابن أبي الدنيا زوبعة ومنهم سرق وفي ( تفسير عبد بن حميد ) كانوا من نينوى وأتوه بنخلة وقيل بشعب الحجون
مصرفا معدلا
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولم يجدوا عنها مصرفا ( الكهف 35 ) وفسره بقوله معدلا وبه فسر أبو عبيدة
صرفنا أي وجهنا
أشار به إلى ما في الآية المذكورة من قوله وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ( الأحقاف 92 ) وفسر صرفنا بقوله وجهنا وقيل معناه أملنا إليك وقيل أقبلنا بهم نحوك وقيل ألجأناهم وقيل وفقناهم بصرفنا إياهم عن بلادهم إليك والله أعلم
41 -
( باب قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة ( البقرة 461 ) )
أي هذا باب في بيان قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة ( البقرة 461 )
قال ابن عباس الثعبان الحية الذكر منها
أشار به إلى ما في قوله تعالى فإذا هي ثعبان مبين ( الأعراف 701 والشعراء 23 ) وهذا التعليق أخرجه الطبري في ( تفسيره ) من حديث شهر ابن حوشب عنه حيث قال في قوله تعالى فإذا هي ثعبان مبين ( الأعراف 701 والشعراء 23 ) وفسر الثعبان بأنه الحية الذكر وقيد بقوله الذكر لأن لفظ الحية يقع على الذكر والأنثى وليست التاء فيه للتأنيث وإنما هي كتاء تمرة ودجاجة وقد روي عن العرب رأيت حيا على حية أي ذكرا على أنثى
يقال الحيات أجناس الجنان والأفاعي والأساود
هذا من كلام البخاري وفي رواية الأصيلي الجنان أجناس وقال عياض والصواب هو الأول والجنان بكسر الجيم وتشديد النون وبعد الألف نون أيضا وقال ابن الأثير الجنان تكون في البيوت واحدها جان وهو الدقيق الخفيف والجان الشيطان أيضا قوله والأفاعي جمع أفعى وهو ضرب من الحيات وأهل الحجاز يقولون أفعو وجاء في حديث ابن عباس لا بأس بقتل الأفعو أراد الأفعى وقلب ألفها واوا في الوقف ومنهم من يقلب الألف ياء في الوقف وبعضهم

(15/187)


يشدد الواو والياء وهمزته زائدة والأفوعان بالضم ذكر الأفاعي وكنية الأفعى أبو حيان وأبو يحيى لأنه يعيش ألف سنة وهو الشجاع الأسود الذي يواثب الإنسان ومن صفة الأفعى إذا فقئت عينها عادت ولا تغمض حدقتها البتة قوله والأساود جمع الأسود وهو العظيم من الحيات وفيه سواد ويقال هو أخبث الحيات ويقال له أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام وفي ( سنن أبي داود والنسائي ) عن ابن عمر مرفوعا أعوذ بالله من أسد وأسود وقيل الأسود حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس وربما كان ذا قرنين وقال ابن خالويه ليس في كلام العرب أسماء الجنان وصفاتها إلا ما أذكره وعد لها نحوا من سبعين إسما منها الشجاع الأرقم الأسود الأفعى الأبتر الأعيرج الأصلة الصل الجان الجنان والجرارة والرتيلاء وذكر الجاحظ أيضا أنواعها منها المكللة الرأس طولها شبران أو ثلاثة إن حاذى جحرها طائر سقط ولا يحس بها حيوان إلا هرب فإن قرب منها حدر ولم يتحرك وتقتل بصفيرها ومن وقع عليه نظرها مات ومن نهشته ذاب في الحال ومات كل من قرب من ذلك الميت من الحيوان فإن مسها بعصا هلك بواسطة العصا وقيل إن رجلا طعنها برمح فمات هو ودابته في ساعة واحدة قال وهذا الجنس كثير ببلاد الترك
آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه
أشار به إلى ما في قوله تعالى وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ( هود 65 ) أي في ملكه وسلطانه وقال أبو عبيدة أي في قبضته وملكه وسلطانه وخص الناصية بالذكر على عادة العرب في ذلك تقول ناصية فلان في يد فلان إذا كان في طاعته ومن ثمة كانوا يجزون ناصية الأسير إذا أطلقوه
يقال صافات بسط أجنحتهن يقبضن يضربن بأجنحتهن
أشار به إلى ما في قوله تعالى ألم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ( الملك 91 ) أي باسطات أجنحتهن ضاربات بها وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى صافات قال بسط أجنحتهن
7923 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي يخطب على المنبر يقول اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل
مطابقته للترجمة من حيث إن ذا الطفيتين من جملة ما يطلق عليه اسم الدابة وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي والحديث أخرجه مسلم في الحيوان عن عبد بن حميد
قوله ذا الطفيتين بضم الطاء وسكون الفاء هو ضرب من الحيات في ظهره خطان أبيضان والطفية أصلها خوص المقل فشبه الخط الذي على ظهر هذه الحية به وربما قيل لهذه الحية طفية على معنى ذات طفية وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره وقيل هما نقطان حكاه القاضي قال الخليل وهي حية خبيثة قوله والأبتر هو مقطوع الذنب وقال النضر بن شميل هو أزرق اللون لا تنظر إليه حامل إلا ألقت وقيل الأبتر الحية القصيرة الذنب قال الداودي هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلا قوله يطمسان البصر يمحوان نوره وفي رواية ابن أبي مليكة عن ابن عمر ويذهب البصر وفي حديث عائشة فإنه يلتمس البصر قوله ويسقطان الحبل ويروى يستسقطانبفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وهو الجنين وفي رواية ابن أبي مليكة التي تأتي بعد أحاديث فإنه يسقط الولد وفي رواية عن عائشة ستأتي بعد أحاديث وتصيب الحبل وفي رواية أخرى عنها تذهب الحبل والكل بمعنى واحد وإنما أمر بقتلها لأن الجن لا تتمثل بها ولهذا أدخل البخاري حديث ابن عمر في الباب ونهى عن قتل ذوات البيوت لأن الجن تتمثل بها قاله الداودي
( قال عبد الله فبينا أنا أطارد حية لأقتلها فناداني أبو لبابة لا تقتلها فقلت إن رسول الله قد أمر بقتل الحيات قال إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر )

(15/188)


أي قال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله أطارد حية أي أطلبها وأتبعها لأقتلها أي لأن أقتلها قوله فناداني أبو لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة الأولى واسمه رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء على الأصح ابن عبد المنذر الأوسي النقيب قاله الكرماني وفي التوضيح اسمه بشير بفتح الباء وكسر الشين المعجمة ابن عبد المنذر بن رفاعة بن زنبور بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس رده رسول الله من الروحاء حين خرج إلى بدر واستعمله على المدينة وضرب له بسهم وأجره وتوفي بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وأخوه مبشر بن عبد المنذر شهد بدرا وقتل بها وأخوهما رفاعة بن عبد المنذر شهد العقبة وبدرا وقتل بأحد وليس له عقب ذلك كله ابن سعد في الطبقات وقال أبو عمر بشير بن عبد المنذر أبو لبابة الأنصاري غلبت عليه كنيته واختلف في اسمه فقيل رفاعة بن عبد المنذر كذا قاله موسى بن عقبة عن ابن شهاب وكذا قال ابن هشام وخليفة وقال أحمد بن زهير سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان أبو لبابة اسمه رفاعة بن عبد المنذر وقال ابن إسحق كان نقيبا شهد العقبة وشهد بدرا وزعم قوم أنه والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله إلى بدر فرجعهما وأمر أبا لبابة على المدينة وضرب له بسهم مع أصحاب بدر قال ابن هشام ردهما من الروحاء وقال أبو عمر قد استخلف رسول الله أبا لبابة على المدينة أيضا حين خرج إلى غزوة السويق وشهد مع رسول الله أحدا وما بعدها من المشاهد وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزوة الفتح مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه ( قلت ) ليس له في الصحيح إلا هذا الحديث قوله قال إنه نهى بعد ذلك أي قال أبو لبابة أن النبي نهى بعد أمره بقتل الحيات عن قتل ذوات البيوت أي الساكنات فيها ويقال لها الجنان وهي حيات طوال بيض قلما تضر وفي رواية الترمذي عن ابن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها قوله وهي العوامر قيل أنه من كلام الزهري مدرج في الخبر وقد بينه معمر في روايته عن الزهري فساق الحديث وقال في آخره وقال وهي العوامر سميت بها لطول عمرها وقال الجوهري عمار البيوت سكانها من الجن وقيل سميت بها لطول لبثهن في البيوت مأخوذ من العمر بالفتح وهو طول البقاء وروى مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا أن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فخرجوا عليه ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه ومعنى فخرجوا عليه أن يقال له أنت في حرج أي ضيق إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا ومعنى ثلاثا أي ثلاث مرات وقيل ثلاثة أيام وإن كانت في الصحارى والأودية تقتل من غير إيذان لعموم قوله خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم فذكر منهن الحية وجاء في حديث آخر من تركهن مخافة شرهن فليس منا ثم اعلم أن ظاهر الحديث التعميم في البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت أهل المدينة وقيل يختص ببيوت المدن دون غيرها
( وقال عبد الرزاق عن معمر فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب )
عبد الرزاق بن همام الصنعاني ومعمر هو ابن راشد أراد بهذا أن معمرا روى الحديث عن الزهري بهذا الإسناد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر أبو لبابة أو زيد بن الخطاب هو أخو عمر بن الخطاب لأبيه وله في الصحيح هذا الحديث استشهد باليمامة ورواية عبد الرزاق هذه رواها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أحمد والطبراني من طريقه
( وتابعه يونس وابن عيينة وإسحاق الكلبي والزبيدي )
أي تابع معمرا يونس بن يزيد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر هل هو أبو لبابة أو زيد بن الخطاب وهذه المتابعة وصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة قوله وابن عيينة أي تابع معمرا أيضا في الشك سفيان بن عيينة وهذه المتابعة وصلها مسلم وقال حدثني عمرو بن محمد الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي اقتلوا الحيات وذات الطفيتين والأبتر فإنهما يستسقطان الحبل ويلتمسان البصر قال فكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حية فقال إنه قد نهي عن ذوات البيوت قوله وإسحاق الكلبي أي تابع معمرا أيضا في الشك إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي قوله والزبيدي أي تابع معمرا أيضا في الشك محمد بن الوليد

(15/189)


الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة الحمصي وهذه المتابعة وصلها مسلم وقال حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يأمر بقتل الكلاب يقول اقتلوا الحيات والكلاب واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يلتمسان البصر الحديث وفيه بينا أنا أطارد حية يوما من ذوات البيوت مر بي زيد بن الخطاب أو أبو لبابة إلى آخره
( وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب )
صالح هو ابن كيسان الهذلي وابن أبي حفصة اسمه محمد بن أبي حفصة واسم أبي حفصة ميسرة البصري وابن مجمع بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم وقيل بفتحها وهو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد بن حارثة بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس الأنصاري المدني وهؤلاء الثلاثة رووا الحديث عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر وفي روايتهم رآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب بواو الجمع بلا شك أما تعليق صالح فوصله مسلم من حديثه عن أبي صالح عن الزهري بهذا الإسناد وأشار به إلى الإسناد الذي قبله ثم قال غير أن صالحا قال حتى رآني أبو لبابة بن عبد المنذر وزيد بن الخطاب فقالا أنه قد نهي عن ذوات البيوت وأما تعليق ابن أبي حفصة فوصله أبو أحمد بن عدي وأما تعليق ابن مجمع فوصله البغوي وابن السكن في كتاب الصحابة والله أعلم
( باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال )
أي هذا باب في بيان أن خير مال المسلم غنم وهو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث وعليهما جميعا فإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت غنيمة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث فيها لازم قوله شعف الجبال بفتح الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالفاء جمع شعفة وشعفة كل شيء أعلاه ويجمع على شعاف أيضا والمراد به هنا رأس الجبال
102 - ( حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب من الدين الفرار من الفتن فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره نحوه وقال الكرماني روى بنصب خير ورفع غنم وبرفعهما وبرفع الخير ونصب الغنم ولم يذكر وجه ذلك فوجهه أن في الأول نصب لأنه خبر يكون مقدما ورفع غنم لأنه اسمه وفي الثاني يكون تامة وفي الثالث رفع خير لأنه اسم يكون ونصب غنم لأنه خبره قوله ومواقع القطر أي المطر يعني الأودية والصحارى وقد مضى الكلام فيه مستوفي هناك
103 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم )

(15/190)


مطابقته للترجمة في قوله في الغنم وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز الأعرج والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى عن مالك قوله رأس الكفر نحو المشرق وفي رواية الكشميهني قبل المشرق بكسر القاف وفتح الباء أي من جهته يريد أنه كان في عهده حين قال ذلك وفيه إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوة والكثرة والتجبر حتى أن ملكهم مزق كتاب رسول الله والدجال أيضا يأتي من المشرق من قرية تسمى رستاباذ فيما ذكره الطبري ومن شدة أكثر أهل المشرق كفرا وطغيانا أنهم كانوا يعبدون النار وأن نارهم ما انطفأت ألف سنة وكان الذين يخدمونها وهم السدنة خمسة وعشرون ألف رجل قوله والفخر بالخاء المعجمة مشهور ومنه إعجاب النفس قوله والخيلاء بضم الخاء المعجمة وفتح الياء آخر الحروف مخففة وبالمد الكبر واحتقار غيره قوله والفدادين قال الخطابي الفدادون يفسر على وجهين أن يكون جمعا للفداد وهو الشديد الصوت من الفديد وذلك من دأب أصحاب الإبل إذا رويته بتشديد الدال من فد إذا رفع صوته والوجه الآخر أنه جمع الفدان وهو آلة الحرث وذلك إذا رويته بالتخفيف يريد أهل الحرث وقال القزاز الفدادون بتشديد الدال جمع فداد وهو من بلغت إبله مائتين وألفا إلى أكثر وقال أبو عبيدة نحوه وهم المكثرون من الإبل جفاة وأهل خيلاء وقال أبو العباس هم الجمالون والرعيان والبقارون والحمالون وقال الأصمعي هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم قال والفديد الصوت الشديد وقال أبو عمرو الشيباني هو بالتخفيف جمع فداد بالتشديد وهو عبارة عن البقرة التي يحرث عليها وأهلها أهل جفاء لبعدهم حكاه أبو عبيدة وأنكر عليه وعلى هذا المراد بذلك أصحابها بحذف مضاف وقال القرطبي أما الحديث فليس فيه إلا رواية التشديد وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره وقال ابن فارس في الحديث الجفاء والقسوة في الفدادين قال يريد أصحاب الحروث والمواشي قال فديدهم أصواتهم وجلبتهم وقال الخطابي إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم وتلهيهم عن أمر الآخرة وتكون منها قساوة القلب ونحوها قوله من أهل الوبر بفتح الواو والباء الموحدة هو بيان الفدادين والمراد منه ضد أهل المدر فهو كناية عن سكان الصحارى قال الكرماني فإن أريد الوجه الأول من الوجهين يعني اللذين ذكرهما الخطابي فهو تعميم بعد تخصيص واستشكل بعضهم ذكر الوبر بعد ذكر الخيل وقال لأن الخيل لا وبر لها وأجيب بأنه لا إشكال فيه لأن قوله من أهل الوبر بيان الفدادين كما ذكرناه قوله والسكينة في الغنم أي السكون والطمأنينة والوقار والتواضع وقال ابن خالويه السكينة مصدر سكن سكينة وليس في المصادر له شبيه إلا قولهم عليه ضريبة أي خراج معلوم
103 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قال أشار رسول الله بيده نحو اليمن فقال الإيمان يمان هنا ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر )
هذا الحديث وما بعده من الأحاديث التي ليس بينها وبين الترجمة المذكورة مطابقة ولا مناسبة وإنما كان اللائق أن تكون هذه الترجمة لحديث ابن مسعود وأبي هريرة فقط لأن فيهما ذكر الغنم والبقية كان ينبغي أن تكون في الترجمة التي هي باب قوله تعالى وبث فيها من كل دابة لوجود المطابقة فيها قيل ولهذا سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ولم يذكرها أيضا الإسماعيلي
( ذكر رجال الحديث ) يحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل بن أبي خالد وقيس بن أبي حازم البجلي وعقبة بن عمرو الأنصاري البدري وكنيته أبو مسعود والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن ابن المثنى عن يحيى وفي مناقب

(15/191)


قريش عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر عن أبي أسامة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن أبي كريب وعن يحيى بن حبيب
( ذكر معناه ) قوله أشار رسول الله بيده نحو اليمن لأنه كان بتبوك وقال هذا القول وأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن وقيل قال هذا القول وكان بالمدينة لأن كونها هو الغالب عليه وعلى هذا تكون الإشارة إلى سياق أهل اليمن وقال النووي أشار إلى اليمن وهو يريد مكة والمدينة ونسبهما إلى اليمن لكونهما من ناحيته قوله الإيمان يمان إنما قال ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا يقال الكعبة اليمانية وقيل إنما قال هذا القول للأنصار لأنهم يمانون وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم فنسب الإيمان إليهم وهذا غريب وأغرب منه قول الحكيم الترمذي أنه إشارة إلى أويس القرني وقيل سبب الثناء على أهل اليمن إسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم للبشرى حين لم يقبلها بنو تميم وفي رواية أتاكم أهل اليمن ألين قلوبا وأرق أفئدة يريد بلين القلوب سرعة خلوص الإيمان في قلوبهم ويقال الفؤاد غشاء القلب والقلب جثته وسويداؤه فإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه وقال أبو عبيد إنما بدأ الإيمان من مكة لأنها مولده ومبعثه ثم هاجر إلى المدينة ويقال أن مكة من أرض تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا سمى مكة وما وليها من أرض اليمن تهائم فمكة على هذا يمانية فإن قلت الإيمان يمان مبتدأ وخبر فكيف يصح حمل اليمان عليه قلت أصله الإيمان يماني بياء النسبة فحذفوا الياء للتخفيف كما قالوا تهامون وأشعرون وسعدون قوله ألا إن القسوة وغلظ القلوب قال السهيلي إنهما لمسمى واحد كقوله إنما أشكو بثي وحزني إلى الله البث هو الحزن وقال القرطبي القسوة يراد بها أن تلك القلوب لا تلين ولا تخشع لموعظة وغلظها عدم فهمها وقد مضى تفسير الفدادين قوله عند أصول أذناب الإبل أي أنهم يبعدون عن الأنصار فيجهلون معالم دينهم قاله الداودي قوله حيث يطلع قرنا الشيطان أي جانبا رأسه وقال الخطابي ضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد تسلط من الشيطان ومن الكفر قوله في ربيعة ومضر يتعلق بقوله في الفدادين أي المصوتين عند أذناب الإبل وهو في جهة المشرق حيث هو مسكن هاتين القبيلتين ربيعة ومضر قال الكرماني يحتمل أن يكون في ربيعة ومضر بدلا من الفدادين وعبر عن المشرق بقوله حيث يطلع قرنا الشيطان وذلك أن الشيطان ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه أي جانبيه فتقع السجدة حين تسجد عبدة الشمس لها
104 - ( حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانا )
جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة القرشي من أهل مصر يروي عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وهذا الحديث أخرجه الأئمة الخمسة عن شيخ واحد وهو قتيبة بن سعيد فالبخاري هنا عن قتيبة عن الليث بن سعد ومسلم عنه في الدعوات وأبو داود عنه في الأدب والترمذي عنه في الدعوات والنسائي عنه في التفسير وفي اليوم والليلة الكل عن قتيبة عن الليث قوله الديكة بكسر الدال المهملة وفتح الياء آخر الحروف جمع ديك ويجمع في القلة على أدياك وفي الكثرة على ديوك وديكة وأرض مداكة ومديكة كثيرة الديوك وقال ابن سيده الديك ذكر الدجاج وعن الداودي وقد يسمى الديك دجاجة والدجاجة تقع على الذكر والأنثى قوله فإنها رأت ملكا بفتح اللام فلذلك أمر بالدعاء عند صياحها لتؤمن الملائكة على ذلك وتستغفر له وتشهد له بالتضرع والإخلاص فيوافق الدعوات فتقع الإجابة ومنها يؤخذ استحباب الدعاء عند حضور الصالحين وفي صحيح ابن حبان لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة

(15/192)


وفي رواية البزار صرخ ديك قريب من رسول الله فقال رجل اللهم العنه فقال النبي مه كلا إنه يدعو إلى الصلاة وللديك خاصية ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطا لا يكاد يخطأ ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده سواء طال الليل أو قصر وفيه دلالة أن الله تعالى جعل للديك إدراكا وكذلك جعل للحمير وإن كل نوع من الملائكة والشياطين موجود قطعا قوله نهيق الحمار وهو صوته المنكر وإنما أمر بالتعوذ عنده لحضور الشيطان فيخاف من شره فيتعوذ منه وروى أبو موسى الأصبهاني في ترغيبه من حديث أبي رافع قال قال رسول الله لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يمثل له شيطان فإذا كان كذلك فاذكروا الله تعالى وصلوا علي
( فائدة ) قال الداودي ينبغي أن يتعلم من الديك خمسة أشياء حسن الصوت والقيام بالسحر والسخاء والغيرة وكثرة النكاح
105 - ( حدثنا إسحق قال أخبرنا روح قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا قال وأخبرني عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله نحو ما أخبرني عطاء ولم يذكر واذكروا اسم الله )
إسحاق هذا هو ابن راهويه كما عند أبي نعيم وقال الكرماني هو إسحاق بن منصور ( قلت ) هو ابن منصور بن كوسج أبو يعقوب المروزي وقد حدث كل من إسحاق بن راهويه وإسحاق بن منصور عن روح بن عبادة فيحتمل أن يكون إسحق هذا الذي ذكره مجردا إسحاق بن راهويه أو يكون إسحق بن منصور والظاهر أنه إسحق بن منصور لأن البخاري قال في باب ذكر الجن وتفسير البقرة والرقاق حدثنا إسحق حدثنا روح وحدث في الصلاة في موضعين وفي الأشربة في غير موضع عن إسحاق بن منصور عن روح وحدث في تفسير سورة الأحزاب وسورة ( ص ) عن إسحق بن إبراهيم عن روح وهو إسحاق بن راهويه وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث قد مر عن قريب في باب صفة إبليس من وجه آخر فإنه رواه عن يحيى بن جعفر عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن جريج إلى آخره وبين متنيهما مغايرة بزيادة ونقصان وقد مر الكلام فيه هناك قوله قال وأخبرني عمرو بن دينار أي قال ابن جريج وأخبرني عمرو بن دينار بهذا الحديث عن جابر بن عبد الله ولم يذكر فيه واذكروا اسم الله كما ذكر عطاء في روايته عن جابر رضي الله تعالى عنه
106 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال فقدت أمة من بني إسرائيل ولا يدرى ما فعلت وإني لا أراها إلا الفأر إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت فحدثت كعبا فقال أنت سمعت النبي يقوله قلت نعم قال لي مرارا فقلت أفأقرأ التوراة )
وهيب بالتصغير هو ابن خالد وخالد هو الحذاء ومحمد هو ابن سيرين وهؤلاء كلهم بصريون والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن إسحق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى ومحمد بن عبد الله الأزدي قوله فقدت أمة أي طائفة منهم فقدوا لا يدرى ما وقع لهم قوله وإني لا أراها أي لا أظنها مسخها الله إلا الفأر وهو جمع فأرة قوله إذا وضع لها إلى قوله شربت دليل على أن التي مسخت هي الفأر أن بني إسرائيل لم يكونوا يشربون ألبان الإبل والفأر أيضا لا يضربها وقال

(15/193)


الترمذي في تفسير سورة يوسف بإسناده قال اليهود لرسول الله أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه قال اشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمهما قالوا صدقت قوله الشاء جمع شاة قوله فحدثت كعبا وهو كعب بن ماتع بكسر التاء المثناة من فوق المشهور بكعب الأحبار قال الكرماني أسلم في خلافة الصديق ومات في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهما قلت كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق من آل ذي رعين ويقال من ذي الكلاع ثم من بني ميتم وهو من مسلمة أهل الكتاب أدرك النبي وأسلم في خلافة عمر بن الخطاب ويقال في خلافة أبي بكر ويقال أدرك الجاهلية وروى عن النبي مرسلا وقال ابن سعد وكان على دين يهود فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه قوله يقول جملة حالية أي يقول النبي قوله قال لي مرارا يعني قال كعب مرارا أنت سمعت النبي قوله قلت القائل هو أبو هريرة أفأقرأ التوراة الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار وفيه تعريض لكعب الأحبار بأنه كان على دين اليهود قبل الإسلام والحاصل أن أبا هريرة قال أنا أقرأ التوراة حتى أنقل منها ولا أقول إلا من السماع عن رسول الله وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دليل على تورعه وروى مسلم فقال حدثني أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه قال له كعب أسمعت هذا من رسول الله قال أفأنزلت على التوراة انتهى فدل هذا صريحا على أن الفأرة مسخ ولم يكن قبل ذلك وكذا كل حيوان قيل فيه أنه مسخ وأن ما كان منها بعد المسخ توالد منها فإن قلت جاء في حديث أبي سعيد قال وذكر عند النبي القردة والخنازير فقال إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك قلت أبو هريرة وكعب لم يبلغهما هذا الحديث فدل على أن المسوخ كانت قبل ما وقع من ذلك ولهذا قال ابن قتيبة أنا أظن أن القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت إلا أن يصح هذا الحديث وأراد به حديث أبي سعيد المذكور وهو صحيح والظاهر أنه قال الذي قاله أولا ثم أعلم بعد بما رواه أبو سعيد ولهذا قال لا أراها إلا الفأر فكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي هي - قلت القائل هو أبو هريرة افأقرأ التوراة الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار
وفيه تعريض لكعب الأحبار بأنه كان على دين اليهود قبل الإسلام والحاصل أن أبا هريرة قال أنا أقرأ التوراة حتى أنقل منها ولا أقول إلا من السماع عن رسول الله وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دليل على تورعه وروى مسلم فقال حدثني أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال الفارة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه قال له كعب أسمعت هذا من رسول الله قال أفأنزلت علي التوراة انتهى فدل هذا صريحا على أن الفأرة مسخ ولم يكن قبل ذلك وكذا كل حيوان قيل فيه إنه مسخ وإن ما كان منها بعد المسخ توالد منها فإن قلت جاء في حديث أبي سعيد قال وذكر عند النبي القردة والخنازير فقال إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك قلت أبو هريرة وكعب لم يبلغهما هذا الحديث فدل على أن المسوخ كانت قبل ما وقع من ذلك ولهذا قال ابن قتيبة أنا أظن أن القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت إلا أن يصح هذا الحديث وأراد به حديث أبي سعيد المذكور وهو صحيح والظاهر أنه قال الذي قاله أولا ثم أعلم بعد بما رواه أبو سعيد ولهذا قال لا أراها إلا الفأر فكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي هي
6033 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) عن ( ابن وهب ) قال حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) يحدث عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي قال للوزغ الفويسق ولم أسمعه أمر بقتله وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي أمر بقتله
ابن وهب هو عبد الله بن وهب ويونس هو ابن يزيد وابن شهاب هو محمد بن مسلم والحديث مضى في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من الدواب فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب إلى آخره
قوله ولم أسمعه أمر بقتله قول عائشة رضي الله تعالى عنها قال ابن التين لا حجة فيه إذ لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع وقد حفظه غيرها وقد جاء عن عائشة من وجه آخر عند أحمد أنه كان في بيتها رمح موضوع فسئلت فقالت نقتل به الوزغ فإن النبي أخبر أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام لما ألقي في النار ولم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه النار فأمر النبي بقتلها قوله وزعم سعد بن أبي وقاص قائل ذلك في الظاهر عروة وزعم بمعنى قال ويحتمل أن يكون عائشة رضي الله تعالى عنها هذا أقرب من حيثية ما يقتضيه التركيب
7033 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( ابن عيينة ) حدثنا ( عبد الحميد بن جبير بن شيبة ) عن ( سعيد بن المسيب ) أن أم ( شريك ) أخبرته أن النبي أمرها بقتل الأوزاغ ( الحديث 7033 - طرفه في 9533 )

(15/194)


صدقة بن الفضل وابن عيينة هو سفيان وأم شريك اسمها غزية بضم الغين المعجمة وفتح الزاي مصغر وقيل غزيلة وهي عامرية قرشية وقيل أنصارية وقيل دوسية
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن عبيد الله بن موسى وابن سلام وأخرجه مسلم في الحيوان عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر أربعتهم عن ابن عيينة وعن أبي الطاهر بن السرح وعن محمد بن أحمد وعن عبد بن حميد وأخرجه النسائي في الحج عن محمد بن عبد الله بن يزيد بن العزيز وأخرجه ابن ماجه في الصيد عن أبي بكر بن أبي شيبة
8033 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال النبي اقتلوا ذا الطفيتين فإنه يطمس البصر ويصيب الحبل
أبو أسامة حماد بن أسامة قوله قال النبي ويروى قال رسول الله وقد مضى عن قريب عن ابن عمر نحو هذا الحديث
تابعه حماد بن سلمة أخبرنا أسامة
أي تابع أبا سلمة حماد بن سلمة في روايته إياه عن هشام وقد وصل أحمد هذه المتابعة عن عفان عنه
9033 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال حدثني أبي عن ( عائشة ) قالت أمر النبي بقتل الأبتر وقال إنه يصيب البصر ويذهب الحبل ( انظر الحديث 8033 )
يحيى هو القطان وهشام يروي عن أبيه عروة عن عائشة وقد مر تفسير الأبتر عن قريب
2133 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر )

(15/195)


أنه كان يقتل الحيات فحدثه أبو لبابة أن النبي نهى عن قتل جنان البيوت فأمسك عنها ( انظر الحديث 8923 )
مر الكلام فيه مستوفى فليراجع
61 -
( باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم )
أي هذا باب يذكر فيه خمس من الدواب وهو جمع دابة من دب على الأرض يدب دبيبا وكل ماش على الأرض دابة ودبيب والدابة التي تركب ودابة الأرض أحد أشراط الساعة قوله خمس مرفوع بلابتداء وفواسق صفته وقوله يقتلن خبره على صيغة المجهول قوله في الحرم يعلم منه أن جواز قتلها في غير الحرام بالطريق الأولى
4133 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي قال خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحديا والغراب والكلب العقور ( انظر الحديث 9281 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مر في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من الدواب ومر الكلام فيه هناك
قوله والحديا بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء مقصورة وهو تصغير حدأة على وزن عنبة وقياسه الحدية فزيد فيه الألف للإشباع وقد أنكر بعضهم صيغة التصغير ولا وجه لإنكاره لما ذكرنا من وجه ذلك أو يقال إنه موضوع على صيغة التصغير وقال الجوهري الحدأة مثال عنبة وجمعها حدا مثل عنب ولا يقال حدأة ووقع في حديث ابن عمر الآتي الحدأة
5133 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه العقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحدأة ( انظر الحديث 6281 )
قد مر في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من الدواب حديث ابن عمر أخرجه عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال خمس من الدواب ليس في قتلهن على المحرم جناح
6133 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( كثير ) عن ( عطاء ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما رفعه قال خمروا الآنية وأوكوا الأسقية وأجيفوا الأبواب واكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشارا وخطفة واطفؤوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت
قد مر هذا الحديث في باب صفة إبليس عن قريب قوله رفعه أي إلى رسول الله لأنه أعم من أن يكون بالواسطة أو بدونها وأن يكون الرفع مقارنا لرواية الحديث أولا فأشار إليه وكثير ضد القليل ابن شنظير بكسر الشين المعجمة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء أبو قرة الأزدي البصري وقال ابن معين فيه ليس بشيء وقال الحاكم مراده بذلك أنه ليس له من الحديث ما يشتغل به وقد قال فيه بن معين مرة صالح وكذا قال أحمد وقال ابن عدي أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
قولهخمروامن التخمير بالخاء المعجمة وهو التغطية قولهأوكوامن الإيكاء أي شدوها بالوكاء وهو الخيط
قوله وأجيفوا بالجيم

(15/196)


والفاء من الإجافة يقال أجفت الباب أي رددته وقال القزاز تقول جفأت الباب أغلقته وقال ابن التين لم أر من ذكره هكذا غيره وفيه نظر فإن أجيفوا لامه فاء وجفأت لامه همزة قلت معنى جفأت مهموز اللام فرغت يقال جفأت القدر إذا فرغته وفي حديث جبير أنه حرم الحمر الأهلية فجفؤا القدور أي فرغوها وقلبوها وروى فأجفئوا قال ابن الأثير وهي لغة فيه قليلة وقال الجوهري جفأت القدر إذا كفأتها أو أملتها فصببت ما فيها ولا تقل أجفأتها وأما الذي في حديث فأجفأوا قدورهم بما فيها فهي لغة مجهولة انتهى والذي في الحديث ذكره ابن الأثير في باب أجوف معتل العين بالواو ثم قال وفي حديث الحج أنه دخل البيت وأجاف الباب أي رده عليه ومنه الحديث أجيفوا أبوابكم أي ردوها قوله وأكفتوا بهمزة الوصل أي ضموا صبيانكم عند العشاء وامنعوهم من الحركة في ذلك الوقت من كفت الشيء أكفته كفتا من باب ضرب يضرب إذا ضممته إلى نفسك قوله عند العشاء ويروى عند المساء وفي الرواية المتقدمة إذا جنح الليل أو إذا أمسيتم فكفوا صبيانكم قوله وخطفة بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وبالفاء وهو استلاب الشيء وأخذه بسرعة يقال خطف الشيء يخطفه من باب علم وكذا اختطفه يختطفه ويقال فيه خطف يخطف من باب ضرب يضرب وهو قليل قوله عند الرقاد أي عند النوم قوله فإن الفويسقة أي الفأرة قوله اجترت بالجيم وتشديد الراء وفي رواية الإسماعيلي ربما جرت وبقية الكلام فيه مرت في باب صفة الشيطان
قال ابن جريج وحبيب عن عطاء فإن للشيطان
أي قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وحبيب بن أبي قريبة أبو محمد المعلم البصري أراد أنهما رويا هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح كما في رواية ابن شنظير إلا أنهما قالا فإن للشيطان بدل قول كثير بن شنظير فإن للجن والتوفيق بين الروايتين بأن يقال لا محذور في القول بانتشار الصنفين وقيل هما حقيقة واحدة يختلفان بالصفات
أما تعليق ابن جريج فقد وصله البخاري في أول هذا الباب وأما تعليق حبيب فقد وصله أحمد وأبو يعلى من رواية حماد بن سلمة عن حبيب المذكور
7133 - حدثنا ( عبدة بن عبد الله ) قال أخبرنا ( يحيى بن آدم ) عن ( إسرائيل ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) قال كنا مع رسول الله في غار فنزلت والمرسلات عرفا فإنا لنتلقاها من فيه إذ خرجت حية من جحرها فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا فدخلت جحرها فقال رسول الله وقيت شركم كما وقيتم شرها
عبدة ضد الحرة ابن عبد الله أبو سهل الصفار الخزاعي البصري ويحيى بن آدم بن سليمان القرشي المخزومي الكوفي صاحب الثوري وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي عم الأسود بن يزيد وعم أم إبراهيم وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمود بن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم به وقد مر في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من الدواب فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم
قوله وقيت على صيغة المجهول من وقى يقي وقاية إذا حفظ فإن قلت كان قتلهم لها خيرا لأنه مأمور به قلت هو شر بالنسبة إليها والخيور والشرور من الأمور الإضافية
وعن إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مثله قال وإنا لنتلقاها من فيه رطبة
أشار بهذا إلى أن إسرائيل المذكور كما روى الحديث عن منصور عن إبراهيم فكذلك رواه عن سليمان الأعمش عن

(15/197)


إبراهيم ولم يختلف عليه أنه من رواية إبراهيم قوله من فيه أي من فمه قوله رطبة أي غضة طرية في أول ما تلاها ووصفت التلاوة بالرطوبة لسهواتها ويحتمل أن يكون المراد من الرطوبة رطوبة فمه يعني أنهم أخذوها عنه قبل أن يجف ريقه من تلاوتها كذا قاله الشراح قلت هذا كناية عن سرعة أخذهم على الفور حين سمعوه وهو يقرأ من غير تأخير ولا توان
وتابعه أبو عوانة عن مغيرة
أي تابع إسرائيل أبو عوانة الوضاح اليشكري في روايته عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم ومتابعة أبي عوانة تأتي في تفسير المرسلات
وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله
حفص هو ابن غياث وأبو معاوية محمد الضرير وسليمان بن قرم بفتح القاف وسكون الراء وفي آخره ميم الضبي والأعمش سليمان أراد أن هؤلاء الثلاثة خالفوا إسرائيل فجعلوا الأسود بن يزيد بدل علقمة بن قيس أما رواية حفص فوصلها البخاري في الحج وأما رواية أبي معاوية فوصلها مسلم من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال كنا مع رسول الله في غار وأما رواية سليمان بن قرم فعلى الفتوح
8133 - حدثنا ( نصر بن علي ) قال أخبرنا ( عبد الأعلى ) قال حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي الأزدي البصري طلبه المستعين للقضاء ثم جاؤا بعهدة القضاء فقال أخروها إلى العشي فلما خرج إلى صلاة الظهر عاودوه وقال سألتكم إلى العشي وعسى أن يكفي الله قالوا ثم دخل إلى منزله فصلى ركعتين وسجد وسأل الله أن يقبضه إليه فمات وهو ساجد رحمه الله تعالى سنة خمس ومائتين وعبد الأعلى بن عبد الأعلى
والحديث مضى في كتاب الشرب في باب فضل سقي الماء فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إلى آخره
قوله امرأة لم يدر اسمها ووقع في رواية أنها حميرية سوداء طويلة وفي رواية أخرى امرأة من بني إسرائيل تعذب في النار وفي أخرى لم يقل من بني إسرائيل ولا تنافي بينهما لأن طائفة من حمير كانوا من بني إسرائيل وفي ( التوضيح ) يجوز أن تكون هذه المرأة كافرة لكن ظاهر الحديث إسلامها وعذبت على إصرارها على ذلك وليس في الحديث تخليدها وروى الحافظ أبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) أنها كانت كافرة وكذلك رواه البيهقي في البعث والنشور عن عائشة فيكون من جملة استحقاقها النار حبس الهرة وعن القاضي فيه احتمال قوله في هرة كلمة في للتعليل أي لأجل هرة وفي رواية مسلم عن أبي هريرة من جراء هرة بفتح الجيم وتشديد الراء بالقصر والمد أي من أجل هرة والهرة أنثى والهر والسنور الذكر ويجمع على هررة كقرد وقردة والهرة على هرر كقربة وقرب قوله من خشاش الأرض بفتح الخاء وكسرها وضمها وبالشين المعجمتين وفي الحشرات
وفيه جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل إطعامها وسقيها ويلحق بها غيرها مما في معناها وإنما يجب إطعامها على من حبسها قاله القرطبي قال النووي وفيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه قال بعضهم فيه نظر لأنه ليس في الخبر أنها ملكتها قلت في قوله هرة لها يدل على ما قاله النووي ويدل أيضا على أن الهرة تملك خلافا لهذا القائل فإنه قال الهرة لا تملك لأن اللام في هرة لها تدل على التمليك ويرد على هذا القائل
وقال وحدثنا عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي مثله
أي قال عبد الأعلى حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي مثل الحديث المذكور

(15/198)


وأخرجه مسلم هكذا وقال حدثني نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي بمثل معناه
71 -
( باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء )

(15/199)


أي هذا باب يذكر فيه إذا وقع الذباب إلى آخره وترجم هذا الباب بنص الحديث الذي ساقه في هذا الباب وإنما وقع هنا في رواية أبي ذر عن بعض شيوخه وحذف عند الباقين وحذفه أولى لأن الأحاديث التي تأتي بعد هذا الحديث لا تعلق لها بذلك ولا مطابقة بينها وبين هذه الترجمة كما تراه
0233 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) قال حدثني ( عتبة بن مسلم ) قال أخبرني ( عبيد بن حنين ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال النبي إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ( الحديث 0233 - طرفه في 2875 )
مطابقته للترجمة ظاهرة فإنه لا فرق بينهما غير أنه لم يذكر في الترجمة لفظ ثم لينزعه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول خالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة وفي آخره دال أبو الهيثم البجلي الكوفي الثاني سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي الثالث عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة ابن مسلم مولى بني تميم المديني الرابع عبيد بن حنين كلاهما بالتصغير و حنين بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى أبو عبد الله مولى زيد بن الخطاب القرشي العدوي الخامس أبو هريرة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطب عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر وأخرجه ابن ماجه في الطب قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا مسلم بن خالد عن عتبة بن مسلم عن عبيد بن حنين عن أبي هريرة عن النبي قال إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فيه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وأخرجه عن أبي سعيد أيضا وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن أبي سلمة قال حدثني أبو سعيد أن رسول الله قال أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء وأخرجه النسائي مختصرا وروى الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب عن سليمان نحوه ومن حديث أنس بإسناد ضعيف وروى أبو داود أيضا من حديث المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء وإنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء فيغمسه كله ويروى فليغمسه كله
ذكر معناه قوله إذا وقع الذباب الذباب جمع ذبابة قاله ابن التين وفي ( المنتهى ) الذب بالضم الذباب وجمع الذباب ذبان ولا تقل ذبانة والجمع القليل أذبة كغراب وأغربة وغربان وقال أبو هلال العسكري الذباب واحد والجمع ذبان والعامة تقول ذبانة للواحد والذبان للجمع وهو خطأ وقال أبو حاتم السجستاني تقول هذا ذباب للواحد وذبابان في التثنية ولا يقال ذبابة ولا ذبانة وقال ابن سيده في ( المحكم ) لا يقال ذبابة إلا أن أبا عبيدة رواه عن الأحمر والصواب ذباب وفي التنزيل وإن يسلبهم الذباب شيئا ( الحج 37 ) فسروه بالواحد وحكى سيبويه عن العرب ذب في جمع ذباب وقال الجوهري الذباب معروف الواحدة ذبابة ولا تقل ذبانة وجمع القلة أذبة والكثرة ذبان وقال أبو عبيد أرض مذبة ذات ذباب وقال الفراء أراض مذبوبة كما يقال موحوشة من الوحش والمذبة ما يذب به الذباب وقال الجاحظ عمر الذباب أربعون يوما وهو في النار وليس تعذيبا له وإنما يعذب به أهل النار لوقوعه عليهم فإنه لا شيء أضر على المكلوم من وقوعه على كلمه قوله في شراب أحدكم الشراب هنا يدخل فيه كل المائعات قال تعالى يخرج من بطونها شراب ( النحل 96 ) قلت قد ذكرنا آنفا أن في رواية أبي داود إذا وقع الذباب في إناء أحدكم والإناء يكون فيه كل شيء من المأكولات والمشروبات قوله فليغمسه من غمسه في الماء إذا غطه فيه وأدخله وفي رواية ابن ماجه فامقلوه فيه من المقل بالقاف وهو الغمس قال أبو عبيد أي اغمسوه في الطعام أو الشراب ليخرج الشفاء كما أخرج الداء وذلك بإلهام الله تعالى وفي ( المغرب ) في الحديث إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه سما وفي الآخر شفاء هكذا في الأصول وأما فامقلوه ثم انقلوه فمصنوع قلت في

(15/200)


غالب كتب أصحابنا وقع مثل ما قال والصحيح فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء كما في رواية ابن ماجه وغيره وليس فيه ثم انقلوه نعم في رواية البخاري لم لينزعه وهو يؤدي معنى فانقلوه قوله فإن في إحدى جناحيه الجناج حقيقة للطائر وإذا استعمل في غيره يكون بطريق الاستعارة قال الله تعالى واخفض لهما جناح الذل ( الإسراء 42 ) وفي غالب النسخ فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء بتذكير أحد ووجه تأنيثها باعتبار أن جناح الطائر يده والتأنيث باعتبار اليد قوله والأخرى شفاء الثابت في كثير من النسخ وفي الأخرى بإعادة حرف الجر وتركها يدل على جواز العطف على عاملين وهو رأي الأخفش والكوفيين فحينئذ تكون الأخرى مجرورا عطفا على في إحدى ويكون نصب شفاء مثل نصب داء والعامل في إحدى حرف الجر الذي هو لفظ في والعامل في داء كلمة إن فقد شركت الواو في العطف على العاملين اللذين هما في وان وسيبويه لا يجوز ذلك يؤيده رواية إثبات حرف الجر في قوله وفي الأخرى وقيل يروى شفاء بالرفع فعلى هذا يخرج الكلام عن العطف على عاملين ولكنه على هذا يحتاج إلى حذف مضاف تقديره ذو شفاء لأن لفظ الآخر أو الأخرى يكون مبتدأ وشفاء خبره ولعدم صحة الحمل يقدر المضاف وقال أبو محمد المالقي في ( جامعه ) ذباب الناس يتولد من الزبل فإن أخذ الذباب الكبير وقطعت رؤوسها ويحك بجسدها الشعرة التي في الأجفان حكا شديدا فإنه يبرئه وإن سحق الذباب بصفرة البيض سحقا ناعما وضمدت بها العين التي فيها اللحم الأحمر من داخل فإنه يسكن في ساعته وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن وجعه انتهى قال الخطابي ما ملخصه قال بعض الجهلة المعاندين كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذباب وكيف تعلم الذباب ذلك من نفسها حتى تقدم الداء وتؤخر الدواء وما أداها إلى ذلك ورد عليهم بأن عامة الحيوان جمعت فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت لولا تأليف الله لها والذي ألهم النحلة وشبهها من الحيوان إلى بناء البيوت وادخار القوت هو الملهم للذباب ما تراه في الكتاب
1233 - حدثنا ( الحسن بن الصباح ) حدثنا ( إسحاق الأزرق ) حدثنا ( عوف ) عن ( الحسن وابن سيرين ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال غفر لإمرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك ( الحديث 1233 - طرفه في 7643 )
لا تتأتى المطابقة هنا إلا بينه وبين الترجمة المتقدمة وليس له مطابقة بهذه الترجمة أصلا وقد ذكرنا أن هذه الترجمة ساقطة عند غير أبي ذر والحسن بن الصباح بتشديد الباء البزار أبو علي الواسطي وإسحاق بن يوسف الأزرق الواسطي وعوف المشهور بالأعرابي والحسن البصري ومحمد بن سيرين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإيمان عن أحمد بن عبد الله المنجوفي وأخرجه النسائي فيه عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام وفي الجنائز عن محمد بن بشار وقال صاحب ( التوضيح ) هذا الحديث سلف في الشرب من حديث أبي هريرة أن رجلا فعل ذلك وكذا ذكره في الطهارة في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان فلعلهما قضيتان قلت هذا الحديث في المرأة المومسة والحديثان المذكوران في البابين المذكورين في الرجل روى كليهما أبو صالح عن أبي هريرة وكل منهما حديث مستقل بذاته فلا وجه لقوله هذا الحديث سلف ولا لقوله لعلهما قضيتان بل هما قضيتان قطعا فإن نظرنا إلى الظاهر فهي ثلاث قضايا
قوله مومسة أي زانية ويجمع على مومسات وميامس وموامس وأصحاب الحديث يقولون مياميس ولا يصح إلا على إشباع الكسرة لتصير ياء وقد اختلف في أصل هذه اللفظة فبعضهم يجعله من الهمزة وبعضهم يجعله من الواو وقال ابن الأثير كل منهما تكلف له اشتقاقا فيه بعد فذكرناها في حرف الميم لظاهر لفظها ولاختلافهم في أصلها قلت قال في باب الميم مومس ثم ذكر ما ذكرناه وقال ابن قرقول المياميس والمومسات المجاهرات بالفجور والواحدة مومسة وذكره أصحاب العربية في

(15/201)


الواو والميم والسين ورواه ابن الوليد عن ابن السماك المآميس بالهمزة فإن صح بالهمز فهو من مأس الرجل إذا لم يلتفت إلى موعظة ومأس بين القوم أفسد انتهى قلت إذا كان لفظ مومسة من مأس يأتي إسم الفاعل المؤنث مائسة ولا يأتي من هذا الباب مومسة والذي يظهر لي أنه من مومس مثل وسوس والفاعل منه للمذكر مومس وللمؤنث مومسة قوله ركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء هو البئر ويجمع على ركايا قوله بذلك أي بسبب ما فعلت من السقي
وفيه دليل على قبول عمل المرتكب للكبائر من المسلمين وأن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير من الخير تفضلا منه
2233 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( حفظته من الزهري كما أنك ههنا ) قال أخبرني ( عبيد الله ) عن ( ابن عباس ) عن ( أبي طلحة ) رضي الله تعالى عنهم عن النبي قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة
علي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان بن عيينة وعبيد الله بن عبد الله وأبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري والحديث مضى عن قريب في باب إذا قال أحدكم آمين فإنه أخرجه هناك عن ابن مقاتل عن عبد الله عن معمر عن الزهري إلى آخره قوله كما أنك ههنا يعني كما لا شك في كونك في هذا المكان كذلك لا شك في حفظي له
3233 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله أمر بقتل الكلاب
الحديث أخرجه مسلم أيضا في البيوع عن يحيى بن يحيى عن مالك وأخرجه النسائي في الصيد عن قتيبة عن مالك وأخرجه ابن ماجه فيه عن سويد بن سعيد عن مالك وأخذ مالك وأصحابه وكثير من العلماء جواز قتل الكلاب إلا ما استثني منها ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخا بل محكما وقال الإجماع على قتل العقور منها واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه فقال إمام الحرمين أمر الشارع أولا بقتلها كلها ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميعها إلا الأسود لحديث عبد الله بن مغفل المزني لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها رواه أصحاب ( السنن ) الأربعة ومعنى البهيم شيطان بعيد عن المنافع قريب من المضرة وهذه أمور لا تدرك بنظر ولا يوصل إليها بقياس وإنما ينتهي إلى ما جاء عن الشارع وقد روى ابن عبد البر عن ابن عباس أن الكلاب من الجن وهي ضعفة الجن وفي لفظ السود منها جن والبقع منها جن وقال ابن الأعرابي هم سفلة الجن وضعفاؤهم وقال ابن عديس يقال كلب جني وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما يكرهان صيد الكلب الأسود البهيم وإليه ذهب أحمد وبعض الشافعية وقالوا لا يحل الصيد إذا قتله وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي يحل وقال أبو عمر الذي تختاره أن لا يقتل منها شيء إذا لم يضر لنهيه أن يتخذ فيه روح غرضا ولحديث الذي سقى الكلب ولقوله في كل كبد حر أجر وترك قتلها في كل الأمصار وفيها العلماء ومن لا يسامح في شيء من المنكر والمعاصي الظاهرة وما علمت فقيها من فقهاء المسلمين جعل اتخاذ الكلاب جرحة ولا رد قاض شهادة متخذها ومذهب الشافعي تحريم اقتناء الكلب لغير حاجة
وقال أبو عمر في الأمر بقتل الكلاب دلالة على عدم أكلها ألا ترى إلى الذي جاء عن عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في ذبح الحمام وقتل الكلاب وفيه دلالة على افتراق حكم ما يؤكل وما لا يؤكل لأنه ما جاز ذبحه وأكله لم يجز الأمر بقتله ومن ذهب إلى الأسود منها بأنه شيطان فلا حجة فيه لأن الله تعالى قد سمى من غلب عليه الشر من الإنس شيطانا ولم يجب بذلك قتله وقد جاء مرفوعا في الحمام شيطان يتبع شيطانه وليس في ذلك ما يدل على أنهما مسخا من الجن ولا أن الحمامة مسخت من الجن ولا أن ذلك واجب قتله وقال ابن العربي في حديث سقي الكلب يحتمل أن يكون قبل النهي عن قتلها ويحتمل بعدها فإن كان الأول فليس بناسخ له لأنه لما أمر بقتل الكلاب لم يأمر إلا بقتل كلاب المدينة لا بقتل كلاب البوادي

(15/202)


وهو الذي نسخ وكلاب البوادي لم يرد فيها قتل ولا نسخ وظاهر الحديث يدل عليه ولأنه لو وجب قتله لما وجب سقيه ولا يجمع عليه حر العطش والموت كما لا يفعل بالكافر العاصي فكيف بالكلب الذي لم يعص وفي الحديث الصحيح أنه لما أمر بقتل يهود شكوا العطش فقال لا تجمعوا عليهم حر السيف والعطش فسقوا ثم قتلوا
4233 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( همام ) عن ( يحيى ) قال حدثني ( أبو سلمة ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه حدثه قال قال رسول الله من أمسك كلبا ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو كلب ماشية ( انظر الحديث 2232 )
يحيى هو ابن أبي كثير والحديث مر في كتاب المزارعة في باب اقتناء الكلب للحرث ومر الكلام فيه مستوفى وقد ذكرنا أن القيراط له أصل لمقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجزاء عمله وأما التوفيق بين قيراط في هذا الحديث وبين قيراطين في رواية أخرى فباعتبار التغليظ في القيراطين لما لم ينته الناس أو باعتبار كثرة الأذى من الكلب وقلته أو باختلاف المواضع فالقيراطان في المدينة النبوية لزيادة فضلها والقيراط في غيرها أو القيراطان في المدينة والقيراط في البوادي وقال الروياني اختلفوا في المراد بما ينقص منه فقيل ينقص مما مضى من عمله وقيل من مستقبله واختلفوا في محل نقصانها فقيل قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل وقيل قيراط من عمل الفرض وقيراط من النفل وقال القرطبي أقرب ما قيل في ذلك قولان أحدهما أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نهى عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يمسكه جزآن من أجزاء ذلك العمل وقيل من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه الثاني يحط من عمله عملان أو من عمل يوم إمساكه عقوبة له على ما اقتحم من النهي قوله إلا كلب حرث وهو الزرع والماشية اسم يقع على جميع الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يستعمل في الغنم
5233 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( سليمان ) قال أخبرني ( يزيد بن خصيفة ) قال أخبرني ( السائب بن يزيد ) سمع ( سفيان بن أبي زهير الشنئي ) أنه سمع رسول الله يقول من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط فقال السائب أنت سمعت هذا من رسول الله قال إي ورب هذه القبلة ( انظر الحديث 3232 )
الحديث مر في كتاب المزارعة في باب اقتناء الكلب للزراعة وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب ويزيد من الزيادة ابن خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء وقد مر فيما مضى والسائب من السيب ابن يزيد من الزيادة مر في الوضوء والشنئي بفتح الشين المعجمة وبالنون والهمزة نسبة إلى شنوءة
قوله أي بكسر الهمزة وسكون الياء حرف جواب بمعنى نعم فيكون لتصديق الخبر والإعلام المستخبر ولوعد الطالب وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام واتفق الجميع على أنها لا تقع إلا قبل القسم كما وقع هنا قبل قوله ورب هذه القبلة وقال الكرماني فإن قلت لا تعلق لبعض هذه الأحاديث بترجمة الباب قلت هذا آخر كتاب البدء فذكر فيه ما ثبت عنده مما يتعلق بالمخلوقات وذكر صاحب ( التوضيح ) أن ذكر أحاديث الكلب هنا لما أتي عن ابن عباس وغيره أنها من الجن والترجمة قريبة من الجن انتهى قلت أما ما ذكره الكرماني فبعيد جدا لأنه لا تعلق لها أصلا بالترجمة وكونها مما يتعلق بالمخلوقات لا يقتضي المناسبة لذكرها في هذه الترجمة وهذا بعيد جدا وأما ما ذكره صاحب ( التوضيح ) فأبعد منه جدا لأن كونها من الجن يقتضي ذكرها في باب الجن وكيف يكون قرب هذه من باب ذكر الجن وبينه وبين الترجمة المذكورة ثلاثة أبواب وبمثل هذا لا تقع المطابقة والجواب الموجه ما ذكرناه وهو أن هذه الترجمة وهي قوله باب إذا وقع الذباب

(15/203)


في شراب أحدكم إلى آخره ليس بموجود عند الأكثرين من الرواة فحينئذ تقع المطابقة بين هذه الأحاديث الأربعة المذكورة في هذا الباب وبين الترجمة السابقة عليه وهي قوله باب قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة ( البقرة 461 ) وقوله باب خير مال المسلم و باب خمس من الدواب داخلان في باب قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة ( البقرة 461 ) فإن قلت فعلى هذا حديث الذباب لا يبقى له شيء من المطابقة لشيء من الأبواب قلت قيل مطابقته لقوله باب إذا وقع الذباب ظاهرة جدا لكن يتوجه الجواب في ذلك على من لا يرى وجود هذا الباب وأما أبو ذر الذي روى عن مشايخه وجود هذا الباب فقد قالوا لم يقع هذا إلا في آخر الأبواب المتقدمة كلها فإن صح هذا أنه وقع في آخر الأبواب كلها بابا مستقلا فلا كلام فيه فإنه باب مترجم بشيء يطابق حديثه إياه والله أعلم
بسم الله الرحمان الرحيم
06 -
( كتاب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام )
أي هذا كتاب في بيان أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذا وقع في رواية كريمة وفي بعض النسخ وكذا وقع في رواية أبي علي بن شبويه نحوه وقد الآية التي تأتي في الترجمة على الباب وفي بعض النسخ كتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي بعض النسخ باب خلق آدم من غير ذكر شيء غيره وأما عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن أبا ذر رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا قلت يا رسول الله كم أرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير الحديث رواه ابن حبان في ( صحيحه ) وابن مردويه في ( تفسيره ) وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله بعث الله ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس رواه أبو يعلى الموصلي وعنه قال قال رسول الله بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي
1 -
( باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته )
أي هذا باب في بيان خلق آدم عليه الصلاة و السلام قوله وذريته أي وفي بيان خلق ذريتهوإنما سمي آدم لأنه خلق من أدمة الأرض وهي لونها والأدمة في الناس السمرة الشديدة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن آدم خلق من أديم الأرض وهو وجهها وروى مجاهد عنه أيضا أنه مشتق من الأدمة وقال أبو إسحاق الثعلبي التراب بلسان العبرية آدام فسمى آدم به وحذفت الألف الثانية وقيل إنه اسم سرياني وقال الجوهري إنه اسم عربي وليس بعجمي وذكر أبو منصور الجواليقي في كتاب ( المعرب ) أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة وهي آدم وصالح وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام والمشهور أن كنيته أبو البشر وروى الوالبي عن ابن عباس أن كنيته أبو محمد وقال قتادة لا يكنى في الجنة إلا آدم يقال له يا أبا محمد إظهارا لشرف نبينا ولا ينصرف آدم لأنه على وزن افعل وهو معرفة وذكره الله تعالى في القرآن في سبعة وعشرين موضعا وأما الذرية فأصلها من ذرا الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم قال الجوهري الذرية نسل الثقلين إلا أن العرب تركت همزتها والجمع الذراري وفي ( المغرب ) ذرية الرجل أولاده ويكون واحدا وجمعا ومنه قوله تعالى فهب لي من لدنك ذرية طيبة ( آل عمران 83 )
صلصال طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار
أشار بقوله صلصال إلى ما في قوله تعالى خلق الإنسان من صلصال ( الرحمن 41 ) ثم فسر الصلصال بقوله طين خلط برمل وحقيقة الصلصال الطين اليابس المصوت قوله فصلصل أي صوت وهو فعل ماض ويصلصل مضارعه ومصدره صلصلة وصلصال بالكسر وعن ابن عباس الصلصال هو الماء يقع على الأرض فتنشق وتجف ويصير له صوت قوله

(15/204)


الفخار بفتح الفاء وتشديد الخاء وهو ضرب من الخزف يعمل منه الجرار والكيزان وغيرها
ويقال منتن يريدون به صل كما يقال صر الباب وصرصر عند الإغلاق مثل كبكبته يعني كببته
أراد بهذا أنه جاء في اللغة صلصال بمعنى منتن ومنه صل اللحم يصل صلولا أي انتن مطبوخا كان أو نيا وأشار بقوله يريدون به صل إلى أن أصل صلصل الذي هو الماضي صل فضوعف فاء الفعل فصار صلصل كما يقال صر الباب إذا صوت عند الإغلاق فضوعف فيه كذلك فقيل صرصر كما يقال كبكبته في كببته بتضعيف الكاف يقال كبيت الإناء أي قلبته
فمرت به استمر بها الحمل فأتمته
أشار به إلى ما في قوله تعالى فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ( الأعراف 981 ) وفسرها بقوله استمر بها الحمل حتى وضعته والضمير في قوله فمرت به يرجع إلى حواء عليها الصلاة والسلام وسيأتي هذا في تفسير سورة الأعراف
أن لا تسجد أن تسجد
أشار به إلى ما في قوله تعالى ما منعك ألا تسجد ( الأعراف 21 ) ثم نبه على أن كلمة لا صلة كذلك فسره بقوله أن تسجد وقيل فيه حذف تقديره ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد إذا أمرتك
2 -
( باب قول الله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة 03 ) )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى وإذ قال ربك إلى آخره يعني أذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة الآية أخبر الله تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله وإذ قال ربك وحكى ابن حزم عن أبي عبيدة أنه زعم أن إذ ههنا زائدة وأن تقدير الكلام وقال ربك ورد عليه ابن جرير قال القرطبي وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج هذا اجتراء من أبي عبيدة قوله إني جاعل في الأرض خليفة أي قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل كما قال تعالى وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ( الأنعام 561 وفاطر 92 ) قال أكثر المفسرين وليس المراد هنا بالخليفة آدم عليه الصلاة و السلام فقط كما قاله طائفة إذ لو كان المراد آدم عينا لم حسن قول الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( البقرة 03 ) وقولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ( البقرة 03 ) ليس على وجه الاعتراض ولا على وجه الحسد وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك مع أن فيهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي ولا يصدر منا شيء خلاف ذلك فقال الله تعالى في جوابهم إن أعلم ما لا تعلمون ( البقرة 03 ) أي إني أعلم بالمصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها فإني سأجعل فيهم الأنبياء والرسل ويوجد فيهم الصديقيون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار المقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمتبعون رسله وفي هذا المقام مقال كثير ليس هذا الكتاب موضعه وإنما ذكرنا نبذة منه لأجل الترجمة
قال ابن عباس لما عليها حافظ ( الطارق 4 ) إلا عليها حافظ
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق 4 ) ثم فسر بأن لما هنا بمعني إلا التي هي حرف الاستثناء واختلف القراء في تشديد لما وتخفيفه فقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتشديد على أن تكون إن نافية وتكون لما بمعنى إلا وهي لغة هذيل يقولون نشدتك الله لما قمت يعنون إلا قمت والمعنى ما نفس إلا عليها حافظ من ربها والباقون قرأوا بالتخفيف جعلوا ما صلة وإن مخففة من الثقيلة أي إن كل نفس لعليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير

(15/205)


أو شر وعن ابن عباس هم الحفظة من الملائكة وقال قتادة هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك وقيل هو الله رقيب عليها
في كبد في شدة خلق
أشار به إلى ما في قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان في كبد ( البلد 04 ) ثم فسر الكبد بقوله في شدة خلق وهكذا رواه ابن عيينة في ( تفسيره ) وأخرجه الحاكم في ( مستدركه )
ورياشا المال وقال غيره الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس
أشار به إلى ما في قوله تعالى قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ورياشا ( الأعراف 63 ) وفسر الرياش بالمال وهو قول ابن عباس وراه ابن أبي حاتم عنه من طريق علي بن أبي طلحة قوله وقال غيره أي غير ابن عباس إلى آخره قول أبي عبيدة وقيل الريش الجمال والهيئة وقيل المعاش
ما تمنون النطفة في أرحام النساء
أشار به إلى ما في قوله تعالى أفرأيتم ما تمنون ( الواقعة 85 ) ثم فسره بقوله النطفة في أرحام النساء وهذا قول الفراء ويقال منى الرجل وأمنى
وقال مجاهد إنه على رجعه لقادر ( الطارق 8 ) النطفة في الإحليل
يعني قادر على رجع النطفة إلى الإحليل وهذا التعليق وصله ابن جرير من حديث عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن أبي بكر عن مجاهد وفي لفظ الماء بدل النطفة وفي رواية إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الصبا إلى القطيعة وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء لقادر وعن قتادة معناه أن الله قادر على بعثه وإعادته
كل شيء خلقه فهو شفع السماء شفع والوتر الله عز و جل
أشار به إلى ما في قوله تعالى ومن كل شيى خلقنا زوجين ( الذاريات 94 ) أي كل شيء خلقه الله تعالى فهو شفع قوله السماء مشفع معناه أنه شفع للأرض كما أن الحار شفع للبارد مثلا وبهذا يندفع وهم من يتوهم أن السموات سبع فكيف يقول شفع وهذا الذي قاله هو قول مجاهد الذي وصله الطبري ولفظه كل شيء خلقه الله شفع السماء والأرض والبحر والبر والجن والإنس والشمس والقمر ونحو هذا شفع والوتر الله وحده
في أحسن تقويم في أحسن خلق
أشار به إلى ما في قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( التين 4 ) ثم فسره بقوله في أحسن خلق وقيل أحسن تعديل بشكله وصورته وتسوية الأعضاء وقيل في أحسن تقويم في أعدل قامة وأحسن صورة وذلك أنه خلق كل شيء منكسا على وجهه إلا الإنسان وقال أبو بكر بن الطاهر مزينا بالعقل مؤدبا بالأمر مهذبا بالتمييز مديد القامة يتناول مأكوله بيمينه
أسفل سافلين إلا من آمن
أشار به إلى ما في قوله تعالى ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا ( التين 5 - 6 ) معناه أن الإنسان يكون عاقبة أمره إذا لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية أن رددناه أسفل من سفل خلقا وتركيبا يعني أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة وهم أصحاب النار فعلى هذا التفسير الاستثناء وهو قوله إلا الذين آمنوا ( التين 5 - 6 ) متصل ظاهر الاتصال وقيل السافلون الضعفى والهرمى والزمنى لأن ذاك التقويم يزول عنهم ويتبدل خلقهم فعلى هذا الاستثناء منقطع فالمعنى لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم أجر ( التين 5 - 6 ) دائم غير ممنون ( التين 5 - 6 ) أي غير مقطوع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة

(15/206)


والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة فيكتب لهم في حال هرمهم وخرفهم مثل الذين كانوا يعملون في حال شبابهم وصحتهم
خسر ضلال ثم استثناى إلا من آمن
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن الإنسان لفي خسر ( العصر 2 ) ثم فسر الخسر بالضلال ثم استثنى الله تعالى من أهل الخسر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( العصر 3 ) لازب لازم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى إنا خلقناهم من طين لازب ( الصافات 11 ) أي لازم وهكذا روي عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة عنه
ننشئكم في أي خلق نشاء
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون ( الواقعة 16 ) ثم فسر ذلك بقوله في أي خلق نشاء
نسبح بحمدك نعظمك
أشار به إلى ما في قوله تعالى ونحن نسبح بحمدك ( البقرة 03 ) ثم فسر ذلك بقوله نعظمك وكذا روي عن مجاهد
وقال أبو العالية فتلقى آدم من ربه كلمات ( البقرة 73 ) فهو قوله ربنا ظلمنا أنفسنا ( الأعراف 32 )
أبو العالية اسمه رفيع بن مهران الرياحي أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي بسنتين ودخل على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وصلى خلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وروى عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد فسر أبو العالية الكلمات في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات ( البقرة 73 ) بقوله تعالى ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( الأعراف 32 ) وروي ذلك أيضا عن مجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري والربيع بن أنس وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال أبو إسحاق السبيعي عن رجل من بني تميم قال أتيت ابن عباس فسألته ما الكلمات التي تلقى آدم عليه الصلاة و السلام من ربه قال علم آدم شأن الحج
فأزلهما فاستزلهما
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ( البقرة 83 ) ثم فسره بقوله فاستزلهما أي دعاهما إلى الزلة وفي ( تفسير ابن كثير ) يصح أن يكون الضمير عائدا إلى الجنة فيكون المعنى كما قرأ حمزة وعاصم فأزالهما أي نحاهما ويصح أن يكون عائدا على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون المعنى كما قال الحسن وقتادة فأزلهما أي من قبل الزلل فيكون تقدير الكلام فأزلهما الشيطان عنها أي بسببها
ويتسنه يتغير آسن متغير والمسنون المتغير
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ( البقرة 952 ) أي لم يتغير وأشار بقوله آسن إلى ما في قوله تعالى فيها أنهار من ماء غير آسن ( محمد 51 ) أي غير متغير وأشار بقوله والمسنون إلى ما في قوله تعالى من حمأ مسنون ( الحجر 62 و82 و33 ) أي من طين متغير وكل هذه من مادة واحدة وقال الكرماني فإن قلت ما وجه تعلقه بقصة آدم عليه السلام قلت ذكر بتبعية المسنون لأنه قد يقال باشتقاقه منه انتهى قلت الداعي إلى هذا السؤال والجواب هو أن جميع ما ذكره من الألفاظ من أول الباب إلى الحديث الذي يأتي متعلق بآدم وأحواله غير قوله يتسنه فإنه متعلق بقضية عزير عليه السلام وغير قوله آسن فإنه متعلق بالماء فلذلك سأل وأجاب ومع هذا قال وأمثال هذه تكثير لحجم الكتاب لا تكثير

(15/207)


للفوائد والله تعالى أعلم بمقصوده قلت لا يخلو عن زيادة فائدة ولكن كتابه موضوع لبيان الأحاديث لا لبيان اللغات لألفاظ القرآن
حمإ جمع حمأة وهو الطين المتغير
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى من حمإ مسنون ( الحجر 62 82 33 ) وقال الحمأ جمع حمأة ثم فسره بقوله وهو الطين المتغير وكذا فسره أبو عبيدة
يخصفان أخذا الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض
أشار به إلى ما في قوله تعالى فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( طه 121 ) ثم فسر يخصفان بقوله أخذا أي آدم وحواء عليهما السلام الخصاف وهو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الصاد المهملة جمع خصفة بالتحريك وهي الحلة التي تعمل من الخوص للتمر ويجمع على خصف أيضا بفتحتين قوله يؤلفان الورق أي ورق الشجر ويخصفان يعني يلزقان بعضه ببعض ليسترا به عوراتهما وكذلك الإختصاف ومنه قرأ الحسن يخصفان بالتشديد إلا أنه أدغم التاء في الصاد وعن مجاهد في ( تفسير ) قوله يخصفان أي يرقعان كهيئة الثوب وتقول العرب خصفت النعل أي خرزتها
وسوآتهما كناية عن فرجهما
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى بدت لهما سوآتهما ( طه 121 ) ثم فسر السوأة بأنها كناية عن الفرج وكذا فسره أبو عبيدة وفرجهما بالإفراد ويروى وفرجيهما بالتثنية والضمير يرجع إلى آدم وحواء
ومتاع إلى حين هاهنا إلى يوم القيامة والحين عند العرب من ساعة إلي ما لا يحصى عدده
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( البقرة 63 والأعراف 42 ) ثم فسر الحين بأنه إلى يوم القيامة وكذا رواه الطبري بإسناده عن ابن عباس وأشار بقوله والحين عند العرب إلى أن لفظ الحين يستعمل لمعان كثيرة والحاصل أن الحين في الأصل بمعنى الوقت
قبيله جيله الذي هو منهم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله ( الأعراف 72 ) ثم فسر قبيله أي قبيل الشيطان بأنه جيله بكسر الجيم أي جماعته الذين هو أي الشيطان منهم وروى الطبري عن مجاهد في قوله وقبيله قال الجن والشياطين
6233 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ثم قال إذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ( الحديث 6233 - طرفه في 7226 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لا سيما إذا كان المراد من الخليفة في الآية المذكورة هو آدم عليه الصلاة و السلام وقد مر الكلام فيه عن قريب
وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي وعبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهمام بن منبه الأنباري الصنعاني أخو وهب بن منبه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن يحيى بن جعفر وأخرجه مسلم في صفة الجنة عن محمد بن رافع
قوله وطوله الواو فيه للحال قوله ستون ذراعا قال ابن التين المراد ذراعنا لأن ذراع كل أحد مثل ربعه ولو كانت بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه كالإصبع والظفر وقيل يحتمل

(15/208)


أن يكون بذراع نفسه والأول أشهر وقال القرطبي إن الله تعالى يعيد أهل الجنة إلى خلقه أصلهم الذي هو آدم عليه الصلاة و السلام وعلى صفته وطوله الذي خلقة الله عليه في الجنة وكان طوله فيها ستين ذراعا في الارتفاع بذارع نفسه قال ويحتمل أن يكون هذا الذراع مقدرا بأذرعتنا المتعارفة عندنا وقيل إنه كان يقارب أعلاه السماء وأن الملائكة كانت تتأذى بنفسه فخفضه الله إلى ستين ذراعا وظاهر الحديث خلافه وروى ابن جرير من حديث عطاء بن أبي رباح قال لما خلق الله آدم في الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم ويأنس إليهم فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله ذلك في دعائها فخفضه الله إلى الأرض وقاله قتادة وأبو صالح عن ابن عباس وأبو يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة في ( كتاب العرش ) من حديث طلحة بن عمرو الحضرمي عن ابن عباس وروى أحمد من حديث سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا وروى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق قوله إذهب فسلم هو أول مشروعية السلام وهو دال على أن تأكده وإفشاءه سبب للمحبة الدينية ودخول الجنة العلية وقد قيل بوجوبه حكاه القرطبي ويؤخذ منه أن الوارد على جلوس يسلم عليهم والأفضل تعريفه فإن نكره جاز وفيه الزيادة في الرد على الابتداء ولا يشترط في الرد والإتيان بالواو قوله ما يحيونك من التحية ويروى ما يجيبونك من الإجابة قوله تحيتك بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك قوله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم أي كل من يرزقه الله تعالى دخول الجنة يدخلها وهو على صورة آدم في الحسن والجمال ولا يدخل على صورته التي كان عليها من السواد إن كان من أهل الدنيا السود ولا يدخل أيضا على صورته التي كان عليها يوصف من العاهات والنقائص قوله فلم يزل الخلق ينقص أي من طوله أراد أن كل قرن يكون وجوده أقصر من القرن الذي قبله فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك وهو معنى قوله حتى الآن
7233 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاعة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة الأنجوج عود الطيب وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء
مطابقته للترجمة في قوله على صورة أبيهم وجرير بفتح الجيم هو ابن عبد الحميد وعمارة بضم العين هو ابن القعقاع وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء واسمه هرم وقيل عبيد الله وقيل عبد الرحمن البجلي الكوفي
ومضى الحديث في باب ما جاء في صفة أهل الجنة فإنه أخرجه هناك من طريقين أحدهما عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة والآخر عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي عمرة عن أبي هريرة وفي حديث الباب ولا يتفلون موضع ولا يبصقون في الحديث الماضي وفيه الزيادة وهي قوله الأنجوج عود الطيب الأنجوج بفتح الهمزة وسكون النون وضم الجيم وفي آخره جيم آخر وفي رواية أبي ذر ويقال الألنجوج بفتح الهمزة وفتح اللام وسكون النون والباقي مثله وقال الكرماني وفيه لغتان أخريان النجج ويلنجج فلفظ الأنجوج تفسير الألوة وقوله عود الطيب تفسير الأنجوج فيكون هو تفسير التفسير وقد ذكرنا أن الألوة بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو المفتوحة قوله على خلق رجل واحد بضم الخاء وفتحها وهو خبر مبتدأ محذوف أي هم على خلق رجل واحد قوله على صورة أبيهم آدم قال في الأول على صورة القمر والتوفيق بينهما بأن يقال الكل على صورة آدم في الطول والخلقة وبعضهم في الحسن كصورة القمر نورا وإشراقا قوله في السماء أي في العلو والارتفاع ويسمى كل ما علاك سماء

(15/209)


8233 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( زينب بنت أبي سلمة ) عن أم ( سلمة ) أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت قال نعم إذا رأت الماء فضحكت أم سلمة فقالت تحتلم المرأة فقال رسول الله فبما يشبه الولد
مطابقته للترجمة في قوله فبما يشبه الولد ويحيى هو ابن سعيد القطان واسم أمه سلمة هند بنت أبي أمية وفي اسم أم سليم أقوال قد ذكرناها وهي أن أم أنس بن مالك والحديث مضى في كتاب الغسل فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة وهناك نعم إذا رأت الماء وقوله فقالت تحتلم إلى آخره من الزيادة هنا قوله فبما يشبه الولد ويروى فبم بدون الألف أي لولا أن لها نطفة وماء فبأي سبب يشبهها ولدها
9233 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( الفزاري ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال بلغ ( عبد الله بن سلام مقدم ) رسول الله المدينة فأتاه فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي قال ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ومن أي شيء ينزع إلى أخواله فقال رسول الله خبرني بهن آنفا جبريل قال فقال عبد الله ذاك عدو اليهود من الملائكة فقال رسول الله أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلاى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها قال أشهد أنك رسول الله ثم قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله أي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا أعلمنا وابن أعلمنا وأخيرنا وابن أخيرنا فقال رسول الله أفرأيتم أن أسلم عبد الله قالوا أعاذه الله من ذالك فخرج عبد الله إليهم فقال أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وأما الشبه إلى قوله كان الشبه لها لأنه في الذرية والترجمة في خلق آدم وذريته وسلام بتخفيف اللام والفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء وهو مروان بن معاوية
قوله بلغ عبد الله مقدم رسول الله المدينة عبد الله منصوب بقوله مقدم وهو مرفوع على الفاعلية والمقدم مصدر ميمي بمعنى القدوم و المدينة نصب على الظرفية قوله عن ثلاث أي عن ثلاث مسائل قوله أشراط الساعة أي علاماتها وهو جمع شرط بفتح الراء وبه سميت شرط السلطان لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعلمون بها هكذا قال أبو عبيد وحكى الخطابي عن بعض أهل اللغة أنه أنكر هذا التفسير وقال أشراط الساعة ما ينكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة وشرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده وقال ابن الأعرابي هم الشرط والنسبة إليهم شرطي والشرطة والنسبة إليهم شرطي وفي ( دلائل النبوة ) للبيهقي سأله عن السواد الذي في القمر بدل أشراط الساعة وفي آخره لما قالت اليهود ما قالوا في ابن سلام ثانيا بعد الأولى فقال أجزأنا الشهادة الأولى وأما هذه فلا قوله ينزع الولد إلى أبيه أي يشبه أباه ويذهب إليه قوله فزيادة كبد حوت

(15/210)


زيادة الكبد هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وهي في غاية اللذة وقيل هي أهنؤ طعام وأمرؤه قوله إذا غشي المرأة أي إذا جامعها قوله بهت بضم الباء الموحدة وضم الهاء وسكونها جمع بهوت وهو كثير البهتان ويقال بهت أي كذابون وممارون لا يرجعون إلى الحق قوله أخيرنا أفعل التفضيل من الخير وهذا دليل من قال إن أفعل التفضيل بلفظ الأخير مستعمل ويقال يروى أخبرنا بالباء الموحدة من الخبرة
0333 - حدثنا ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي نحوه يعني لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ( الحديث 0333 - طرفه في 9933 )
مطابقته للترجمة يمكن أن تكون من حيث إن خلق حواء مضاف إلى خلق آدم وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي
قوله نحوه قال بعضهم لم يسبق للمتن المذكور طريق يعود عليها هذا الضمير فكأنه يشير إلى أن اللفظ الذي حدثه به شيخه فهو بمعنى اللفظ الذي ساقه قلت هذا ما فيه كفاية للمقصود ولا له التئام من جهة التركيب لأن الذي يذوق دقائق التراكيب ما يرضى بهذا الذي ذكره بل الظاهر أن ههنا وقع سقط جملة لأن لفظة نحوه أو مثله لا يذكر إلا إذا مضى حديث بسند ومتن ثم إذا أريد إعادته بذكر سند آخر يذكر سنده ويذكر عقيبة لفظ نحوه أو مثله أي نحو المذكور ولا يعاد ذكر المتن اكتفاء بذكر السند فقط لأن لفظ نحوه ينبىء عن ذلك والذي يظهر لي بالحدس أن البخاري روى قبل هذا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن رسول الله لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر ثم رواه عن بشر بن محمد عن عبد الله عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ثم قال نحوه أي نحو الحديث المذكور ثم فسر ذلك بقوله يعني لولا بنو إسرائيل إلى آخره وإنما ذكر لفظ يعني إشارة إلى أن المتن الذي ذكره عبد الله بن المبارك عن معمر يغاير المتن الذي رواه عبد الرزاق عن معمر ببعض زيادة وهو قوله لم يخبث الطعام وفي آخره لفظ الدهر والبخاري روى عن محمد بن رافع بن أبي زيد النيسابوري وروى عنه مسلم أيضا والحديث الذي ذكرناه هو بعينه رواية مسلم ولا مانع أن يتفقا على الرواية عن محمد بن رافع هذا الحديث فهذا الذي ظهر لنا والله أعلم قوله لم يخنز اللحم بالخاء المعجمة وفتح النون وبالزاي أي لم ينتن ويقال أيضا خنز بكسر النون يخنز بفتحها من باب علم يعلم والأول من باب ضرب يضرب ويقال أيضا خزن يخزن على القلب مثل جبذ وجذب وقال ابن سيده خنز اللحم والتمر والجوز خنوزا فهو خنز إذا فسد وعن قتادة كان المن والسلوى يسقط على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج فيؤخذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة فإنهم يأخذون له وللسبت فإن تعدوا إلى أكثر من ذلك فسد ما ادخروا فكان ادخارهم فسادا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم وقال بعضهم لما نزلت المائدة عليهم أمروا أن لا يدخروا فادخروا وقيل يحتمل أن يكون من اعتدائهم في السبت وقيل كان سببه أنهم أمروا بترك ادخار السلوى فادخروه حتى أنتن فاستمر نتن اللحوم من ذلك الوقت أو لما صار الماء في أفواههم دما وانتنوا بذلك سرى ذلك النتن إلى اللحم وغيره عقوبة لهم وفي ( الحلية ) لأبي نعيم عن وهب بن منبه قال وجدت في بعض الكتب عن الله تعالى لولا أني كتبت الفناء على الميت لحبسه أهله في بيوتهم ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء قوله ولولا حواء عليها الصلاة والسلام حواء بالمد سميت بذلك لأنها أم كل حي أو لأنها خلقت من ضلع آدم القصيري اليسرى وهو حي قبل دخوله الجنة وقيل فيها ومعنى خلقت أخرجت كما تخرج النخلة من النواة ومعنى لولا حواء لم تخن أنثى زوجها أنها دعت آدم إلى الأكل من تلك الشجرة وذكر الماوردي أنها البر وقيل التين وقيل الكافور وقيل الكرم وقيل شجرة الخلد التي كانت الملائكة تأكل منها

(15/211)


1333 - حدثنا ( أبو كريب وموسى بن حزام ) قالا حدثنا ( حسين بن علي ) عن ( زائدة ) عن ( ميسرة الأشجعي ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء
مطابقته للترجمة يمكن أن يقال إنه لما كان مشتملا على بعض أحوال النساء وهي من ذرية آدم والترجمة مشتملة على الذرية أيضا وهذا وإن كان فيه تعسف فلا يخلو عن وجه وهذا المقدار كاف
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أبو كريب بضم الكاف بصيغة التصغير واسمه محمد بن العلاء الثاني موسى ابن حزام بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي أبو عمران الترمذي العابد الثالث حسين بن علي بن الوليد أبو عبد الله الجعفي الرابع زائدة بن قدامة بضم القاف وتخفيف الدال المهملة أبو الصلت الثقفي الخامس ميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي السادس أبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمان الأشجعي الغطفاني السابع أبو هريرة رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن موسى بن حزام من أفراد البخاري وروي عنه مقرونا بأبي كريب وقد وثقه النسائي وغيره وما له في البخاري إلا هذا الموضع وفيه ميسرة وما له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في سورة آل عمران وحديث الباب ذكره في النكاح من وجه آخر وفيه أن رواته كلهم كوفيون ما خلا موسى بن حزام فإنه ترمذي نزل بلخ
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن إسحاق بن نصر وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن القاسم بن زكريا
ذكر معناه قوله استوصوا أي تواصوا أيها الرجال في حق النساء بالخير ويجوز أن تكون الباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال نحو الاستجابة قال تعالى فليستجيبوا لي ( البقرة 681 ) ويستجيب الذين آمنوا ( الشورى 62 ) وقال البيضاوي الإستيصاء قبول الوصية أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن وقال الطيبي السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير وقال غيره استفعل على أصله وهو طلب الفعل فيكون معناه اطلبوا الوصية من المريض للنساء لأن عائد المريض يستحب له أن يحث المريض على الوصية وخص النساء بالذكر لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن يعني إقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها واصبروا عليهن وارفقوا بهن وأحسنوا إليهن قوله فإن المرأة إلى آخره هذا تعليل لما قبله وفائدته بيان أنها خلقت من الضلع الأعوج هو الذي في أعلى الضلع أو بيان أنها لا تقبل الإقامة لأن الأصل في التقويم هو أعلى الضلع لا أسفله وهو في غاية الإعوجاج والضلع بكسر الضاد وفتح اللام مفرد الضلوع وتسكين اللام جائز وقوله خلقت من ضلع هو أن الله تعالى لما أسكن آدم الجنة أقام مدة فاستوحش فشكا إلى الله الوحدة فنام فرأى في منامه امرأة حسناء ثم انتبه فوجدها جالسة عنده فقال من أنت فقالت حواء خلقني الله لتسكن إلي وأسكن إليك قال عطاء عن ابن عباس خلقت من ضلع آدم ويقال لها القصيري وقال الجوهري هو الضلع التي يلي الشاكلة ويسمى الواهنة وقال مجاهد إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء وهو آدم وقال مقاتل بن سليمان نام آدم نومة في الجنة فخلقت حواء من قصيراه من شقه الأيمن من غير أن يتألم ولو تألم لم يعطف رجل على امرأة أبدا وقال ابن عباس لأم الله تعالى موضع الضلع لحما ولما رآها آدم قال أثاثا بالثاء المثلثة وهو بالسرانية وتفسير بالعربية مرأة وقال الربيع بن أنس حواء من طينة آدم واحتج بقوله تعالى هو الذي خلقكم من طين ( الأنعام 02 ) والأول أصح لقوله تعالى وهو الذي خلقكم من نفس واحدة ( الأعراف 981 ) قوله وإن ذهبت تقيمه كسرته قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى طلاقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة رضي

(15/212)


الله تعالى عنه عند مسلم إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها وقيل الحديث لم يذكر فيه النساء إلا بالتمثيل بالضلع والاعوجاج الذي في أخلاقهن منه لأن للضلع عوجا فلا يتهيأ الانفتاع بهن إلا بالصبر على اعوجاجهن وقيل الصواب في أعلاه وفي تقيمه وفي كسرته وفي تركته التأنيث لأن الضلع مؤنثة وكذا يقال لم تزل عوجاء ولهذا جاء في رواية مسلم المذكورة بهاء التأنيث وأجيب بأن التذكير يجوز في المؤنث الذي ليس بزوج
2333 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( زيد بن وهب ) حدثنا ( عبد الله ) حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذالك ثم يكون مضغة مثل ذالك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه بيان كيفية خلق بني آدم وهم ذريته والترجمة في خلق آدم وذريته وعمر بن حفص بن غياث والأعمش سليمان وزيد بن وهب الجهني هاجر إلى رسول الله ولم يدركه مات سنة ست وتسعين وعبد الله هو ابن مسعود
ومن لطائف إسناد هذا الحديث أن فيه صيغة التحديث بالجمع في الكل حتى قال حدثنا رسول الله وفيه رواية الابن عن الأب وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
والحديث مضى في باب ذكر الملائكة عن قريب فإنه أخرجه هناك عن الحسن بن الربيع عن أبي الأحوص عن الأعمش إلى آخره وقال الكرماني والحديث مر في الحيض قلت ليس كذلك والذي مر في الحيض عن أنس بغير هذا الوجه والآن يأتي ومر الكلام فيه هناك
3333 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إن الله وكل بالرحم ملكا فيقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن يخلقها قال يا رب أذكر أم أنثى يا رب شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه ( انظر الحديث 813 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي والحديث مضى في كتاب الحيض في باب مخلقة وغير مخلقة فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن حماد بن زيد إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله يخلقها أي يصورها ولم يذكر في هذه الرواية العمل لأنه يعلم التزاما من ذكر السعادة والشقاوة قوله فيكتب كذلك الكتابة لإظهار الله ذلك للملك ولإنفاذ أمره وإن كان قضاء الله أزليا لا يحتاج إلى الكتابة
4333 - حدثنا ( قيس بن حفص ) حدثنا ( خالد بن الحارث ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي عمران الجوني ) عن ( أنس ) يرفعه أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت

(15/213)


تفتدي به قال نعم فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه من جملة ما يجري على أهل النار وهم من ذرية آدم عليه الصلاة و السلام وقيس ابن حفص أبو محمد الدارمي البصري مات سنة سبع وعشرين ومائتين وهو من أفراده وخالد بن الحارث بن سليم أبو عثمان الهجيمي البصري وأبو عمران عبد الملك بن حبيب الجرني بفتح الجيم وسكون الراء وبالنون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في صفة النار عن بندار وأخرجه مسلم في التوبة عن عبد الله بن معاذ وعن بندار
قوله يرفعه أي يرفع أنس الحديث إلى رسول الله وهي لفظة يستعملها المحدثون في موضع قال رسول الله ونحو ذلك قوله لأهون أهل النار عذابا أي لأيسر أهلها من حيث العذاب يقال إنه أبو طالب قوله أكنت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله تفتدي به من الافتداء وهو خلاص نفسه من الذي وقع فيه بدفع ما يملكه قوله ما هو أهون كلمة ما موصولة والواو في وأنت للحال قوله فأبيت أي امتنعت إلا الشرك أتيت به
5333 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل
مطابقته للترجمة من حيث إن القاتل فيه وهو قابيل كما نذكره هو ابن آدم من صلبه وهو داخل في لفظ الذرية في الترجمة وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قبيصة عن سفيان الثوري وفي الاعتصام عن الحميدي عن سفيان بن عيينة وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله ابن نمير وعن عثمان بن أبي شيبة وعن ابن أبي عمر وأخرجه الترمذي في العلم عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن خشرم وفي المحاربة عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الديات عن هشام بن عمار
قوله لا تقتل نفس على صيغة المجهول والمراد بالنفس نفس ابن آدم و ظلما نصب على التمييز قوله إلا كان على ابن آدم الأول المراد من الابن هنا هو قابيل وآدم الأول هو آدم النبي أبو قابيل وقد قتل هو أخاه هابيل وكان عمره عشرين سنة وعمر قابيل خمسة وعشرين سنة وقال الطبري وأهل العلم مختلفون في اسم القاتل فبعضهم يقول هو قين بن آدم وبعضهم يقول هو قاين بن آدم وبعضهم يقول هو قابيل واختلفوا أيضا في سبب قتله هابيل فقال عبد الله بن عمرو إن الله تعالى أمر بني آدم أن يقربا قربانا وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وصاحب الحرث قرب شر حرثه فقبل الله قربان الأول وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينما هما قاعدان إذ قالا لو قربنا فقربا قربانا فتقبل من أحدهما قلت حكى السدي عن أشياخه عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قالوا كانت حواء تلد توأما في كل بطن غلاما وجارية إلا شيثا فإنها ولدته مفردا فلما كان بعد مائة سنة من هبوط آدم عليه الصلاة و السلام إلى الدنيا ولدت قابيل وتوأمته أقليما ثم هابيل وتوأمته ليوذا وكان ابن آدم يزوج ابنه أخته التي لم تكن توأمته فلما بلغ قابيل وهابيل أمر الله تعالى آدم عليه الصلاة و السلام أن يزوج قابيل ليوذا أخت هابيل ويزوج هابيل إقليما أخت قابيل وكانت من أجمل النساء قامة وأجملهن وأحسنهن صورة فلم يرض قابيل وقال أنا أحق بأختي أنا وأختي من أولاد الجنة وهابيل وأخته من أولاد الدنيا فقال آدم قربا قربانا وكان قابيل صاحب زرع وهابيل صاحب غنم فقرب قابيل صبرة من طعام من أردى زرعه وأضمر في نفسه وقال ما أبالي أتقبل مني أم لا بعد أن يتزوج هابيل أختي وقرب هابيل كبشا سمينا من خيار غنمه ولبنا وزبدا وأضمر في نفسه الرضا بالله تعالى وكان القربان إذا قبل تنزل من السماء نار بيضاء

(15/214)


فتأكله فنزلت نار فأكلت قربان هابيل ولم تأكل من قربان قابيل شيئا فأخذ قابيل في نفسه حتى قتل هابيل وعن ابن عباس لم يزل الكبش يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل عليه الصلاة و السلام واختلفوا في أي موضع كان القربان فعامة العلماء على أنه كان بالهند واختلفوا أيضا في كيفية قتله فقال ابن جريج إنه أتاه وهو نائم فلم يدر كيف يقتله فأتاه الشيطان متمثلا فأخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه ففعل بهابيل كذلك وعن ابن عباس رماه بحجر فقتله وروى مجاهد عنه أنه رضخ رأسه بصخرة وعن الربيع أنه اغتاله فقتله وقيل خنقه وقيل ضربه بحديدة فقتله واختلفوا أيضا في موضع مصرعه فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه على جبل ثور وعن جعفر الصادق بالبصرة مكان الجامع وعن الطبري على عقبة حراء وعن المسعودي قتله بدمشق وكذا قاله الحافظ ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) فقال كان قابيل يسكن خارج باب الجابية وأنه قتل أخاه على جبل قاسيون عند مغارة الدم وقال كعب الدم الذي على قاسيون هو دم ابن آدم وقال سبط ابن الجوزي والعجب من هذه الأقوال وقد اتفق أرباب السير أن الواقعة كانت بالهند وأن قابيل اغتنم غيبة أبيه بمكة فما الذي أتى به إلى جبل ثور وحراء وهما بمكة وما الذي أتى به إلى البصرة ولم تكن أسست وأين الهند ودمشق والجابية وهل وضعت التواريخ إلا ليتميز الصحيح والسقيم والسالم والسليم أللهم غفرا قلت روي عن ابن عباس أنه قتله على جبل نوذ بالهند وهذا هو الصحيح وحكى الثعلبي عن معاوية بن عمار سألت الصادق أكان آدم يزوج ابنته من ابنه فقال معاذ الله وإنما هو لما أهبط إلى الأرض ولدت حواء عليها الصلاة والسلام بنتا فسماها عناقا وهي أول من بغى على وجه الأرض فسلط الله عليها من قتلها فولد له على إثرها قابيل فلما أدرك أظهر الله له جنية يقال لها حمامة فأوحى الله إليه أن زوجها منه فلما أدرك هابيل أهبط الله إليه من الجنة حوراء اسمها بذلة فأوحى الله إليه أن زوجها منه فأعتب قابيل على أبيه وقال أنا أسن منه وكنت أحق بها قال يا بني إن الله تعالى أوحى إلي بذلك فقربا قربانا قوله كفل بكسر الكاف وإسكان الفاء وهو النصيب والجزء وقال الخليل الكفل من الأجر والإثم هو الضعف وفي التنزيل من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ( النساء 58 ) وأما قوله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته ( الحديد 82 ) فلعله من تغليب الخير قوله لأنه أي لأن ابن آدم الأول أول من سن القتل أي على وجه الأرض من بني آدم فإن قيل قال الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ( الأنعام 461 الإسراء 51 فاطر 81 الزمر 7 النجم 83 ) أجيب بأن هذا جزاء تأسيس فهو فعل سنة والله أعلم
( قال وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي يقول الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )
مطابقته للترجمة من جهة أن الترجمة جزء منه أي قال البخاري وقال الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن هذا التعليق وصله البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث ووصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وفي الحديث قصة ذكرها أبو يعلى وغيره وهي أن عمرة قالت كانت بمكة امرأة مزاحة فنزلت على امرأة مثلها فبلغ ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت صدق حين سمعت رسول الله يقول الأرواح جنود مجندة الحديث والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال الأرواح جنود مجندة إلى آخره نحوه قوله الأرواح جمع روح وهو الذي يقوم به الجسد ويكون به الحياة قوله جنود مجندة أي جموع مجتمعة وأنواع مختلفة وقيل أجناس مجنسة وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض فإنها كانت

(15/215)


موجودة قبل الأجساد وإنها تبقى بعد فناء الأجساد ويؤيده أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر قوله فما تعارف منها تعارفها موافقة صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في أخلاقها وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق قسيمه ألفه ومن باعده نافره وقال الخطابي فيه وجهان أحدهما أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر وإن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير يميل إلى نظيره والأرواح إنما تتعارف بضرائب طباعها التي جبلت عليها من الخير والشر فإذا اتفقت الأشكال تعارفت وتألفت وإذا اختلفت تنافرت وتناكرت والآخر أنه روي أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد وكانت تلتقي فلما التسبت بالأجساد تعارفت بالذكر الأول فصار كل واحد منها إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد المتقدم وقال القرطبي إذا وجد أحد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح يفتش عن الموجب لها فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم وكذلك القول إذا وجد في نفسه ميلا إلى من فيه شر وشبهة وشاع في كلام الناس قولهم المناسبة تؤلف بين الأشخاص والشخص يؤلف بين شكله ولما نزل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الكوفة قال يا أهل الكوفة قد علمنا خيركم من شريركم فقالوا لم ذلك قال كان معنا ناس من الأخيار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأخيار وكان معنا ناس من الأشرار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأشرار وكان كما قال الشاعر
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
( وقال يحيى بن أيوب حدثني يحيى بن سعيد بهذا )
يحيى بن أيوب الغافقي المصري ويحيى بن سعيد هو الذي مضى عن قريب قوله مثله أي مثل الذي قبله وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به -
3 -
( باب الأرواح جنود مجندة )
أي هذا باب يذكر فيه الأرواح جنود مجندة والآن يأتي تفسيره ووجه ذكر هذه الترجمة عقيب ترجمة خلق آدم الإشارة إلى أن بني آدم مركبة من الأجسام والأرواح
3 -
( باب قول الله عز و جل ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( هود 52 ) )
أي هذا باب معقود في قول الله عز و جل ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( هود 52 ) وهو نوح بن لمك بفتح اللام وسكون الميم وقيل لمك بفتحتين وقيل لامك بفتح الميم وكسرها وقال ابن هشام بالعبرانية لامخ بفتح الميم وفي آخره خاء معجمة وبالعربية لمك وبالسريانية لمخ وتفسيره متواضع ويقال لمكان ويقال ملكان بتقديم الميم على اللام وقال السهيلي ولمك هو أول من اتخذ العود للغناء واتخذ مصانع الماء وهو ابن متوشلخ بفتح الميم وضم التاء المثناة من فوق المشددة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة واللام وفي آخره خاء معجمة كذا ضبطه ابن المصري وضبطه أبو العباس عبد الله بن محمد الفاسي في قصيدة يمدح بها رسول الله وهي طويلة ذكرتها في أول ( معاني الأخبار ) في رجال معاني الآثار بضم الميم وفتح التاء والواو وسكون الشين وكسر اللام وبالخاء المعجمة وقال السهيلي بضم الميم وفتح التاء وسكون الواو ومنهم من ضبط في آخره بالحاء المهملة ومعناه في الكل مات الرسول لأن أباه كان رسولا وهو خنوخ بفتح الخاء المعجمة وضم النون وسكون الواو وفي آخره معجمة أخرى ويقال بالحاء المهملة في أوله ويقال بالمهملتين ويقال أخنوخ بزيادة همزة في أوله ويقال أخنخ بإسقاط الواو ويقال أهنخ بالهاء بعد الهمزة ومعناه على الاختلاف بالعربية إدريس عليه الصلاة و السلام سمي بذلك لكثرة درسه الكتب وصحف آدم وشيث وأمه أشوت وأدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثمان سنين وهو ابن يارد بالياء آخر الحروف وفتح الراء كذا ضبطه أبو عمر وكذا ضبطه النسابة الجواني إلا أنه قال بالذال المعجمة وقيل يرد بفتح الياء وسكون الراء قال ابن هشام اسمه في التوراة يارد وهو عبراني وتفسيره ضابط واسمه في الإنجيل بالسريانية يرد وتفسيره بالعربي ضبط وقيل اسمه رائد ولم يثبت وهو ابن مهلائيل بفتح الميم وسكون الهاء وبالهمز وقد يقال بالياء بلا همز ومعناه الممدح وقال ابن هشام مهليل بفتح الميم وسكون الهاء وكسر اللام وهو اسم عبراني واسمه بالعربية ممدوح وقال السهيلي واسمه بالسريانية في الإنجيل نابل بالنون وبالباء الموحدة وتفسيره بالعربية مسيح الله وفي زمنه كان بدء عبادة الأصنام وهو ابن قينان بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالنونين بينهما ألف ومعناه المستولي وجاء فيه قينين وقاين واسمه

(15/216)


في الإنجيل ماقيان وتفسيره بالعربي عيسى وهو ابن أنوش بفتح الهمزة الممدودة وضم النون وفي آخره شين معجمة ومعناه الصادق ويقال إيناش بكسر الهمزة وهو في اللغة العبرانية وتفسيره بالعربية إنسان ويقال يانش بالياء آخر الحروف ومعناه المستوي وهو ابن شيث بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة ومعناه هبة الله ويقال عطية الله وهذا اسمه بالعبرانية وبالسريانية شاث بالألف موضع الياء وتوفي شيث وعمره تسعمائة سنة واثني عشر سنة ودفن مع أبويه آدم وحواء في غار أبي قبيس وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة وكانت هناك خيمة لآدم عليه الصلاة و السلام وضعها الله له من الجنة وكان أبوا نوح عليه الصلاة و السلام مؤمنين واسم أمه قيثوش بنت بركاييل بن مخواييل بن أخنوح وذكر الزمخشري أمن اسم أم نوح شمحا بنت آنوش وأرسل الله نوحا عليه الصلاة و السلامإلى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث وهو ابن خمسين سنة وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل ابن ثمانين وأربعمائة سنة واختلفوا في مقامه على قولين أحدهما بالهند قاله مجاهد والثاني بأرض بابل والكوفة قاله الحسن البصري وقال ابن جرير كان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة وقال مقاتل بينه وبين آدم ألف سنة وبينه وبين إدريس مائة سنة وهو أول نبي بعد إدريس عليه الصلاة و السلام وقال مقاتل اسمه السكن وقيل الساكن وقال السدي إنما سمي سكنا لأن الأرض سكنت به وقيل اسمه عبد الغفار ذكره الطبري وسمي نوحا لكثرة نوحه وبكائه وقيل إن الله تعالى أوحى إليه لم تنوح لكثرة بكائه فسمي نوحا ويقال إنه نظر يوما إلى كلب قبيح المنظر فقال ما أقبح صورة هذا الكلب فأنطقه الله عز و جل وقال يا مسكين على من عبت على النقش أو على النقاش فإن كان على النقش فلو كان خلقي بيدي حسنته وإن كان على النقاش فالعيب عليه اعتراض في ملكه فعلم أن الله تعالى أنطقه فناح على نفسه وبكى أربعين سنة قاله السدي عن أشياخه ومات نوح وعمره ألف سنة وأربعمائة سنة قاله ابن الجوزي في كتاب ( أعمار الأعيان ) وقيل ألف وثلاثمائة سنة وقيل ألف وسبعمائة وثمانين سنة قيل إنه مات بقرية الثمانين وهي القرية التي بناها عند الجودي الذي أرسيت عليه السفينة وهو بقرب موصل بالشرق حكاه هارون بن المأمون وقال ابن إسحاق مات بالهند على جبل نوذ وقيل بمكة وقال عبد الرحمن بن ساباط قبر هود وصالح وشعيب ونوح عليهم الصلاة والسلام بين زمزم والركن والمقام وقيل مات ببابل وقيل ببلد بعلبك في البقاع قرية يقال لها الكرك فيها قبر يقال له قبر نوح ويعرف الآن بكرك نوح وقال ابن كثير وأما قبره فروى ابن جرير والأزرقي أنه في المسجد الحرام وهذا أقوى وأثبت من الذي ذكره كثير من المتأخرين من أنه ببلدة بالبقاع تعرف بكرك نوح وقالوا ذكره الله في القرآن في مواضع فقيل في ثمانية وعشرين موضعا منها ما ذكره البخاري من قوله باب قول الله عز و جل ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( هود 52 ) وتمام الآية فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( هود 52 ) لما ذكر الله تعالى قصة آدم في أول السورة وهي سورة الأعراف وما يتعلق بذلك شرع في ذكر قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح عليه الصلاة و السلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه الصلاة و السلام وقال ابن إسحاق لم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل
قال ابن عباس بادىء الرأي ما ظهر لنا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا باديء الرأي ( هود 72 ) ثم فسر باديء الرأي بقوله ما ظهر لنا وقرىء باديء بالهمزة وتركها قال الزمخشري انتصابه على الظرف والأراذل جمع الأرذل وهو الدون من كل شيء وقال الزجاج الأراذل الحاكة
أقلعي أمسكي
أشار به إلى ما في قوله تعالى يا سماء أقلعي ( هود 44 ) وفسر أقلعي بقوله أمسكي وكذا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأقلعي أمر من الإقلاع وإقلاع الأمر الكف عنه
وفار التنور نبع الماء

(15/217)


أشار به إلى ما في قوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ( هود 04 ) وفسر فار بقوله نبع الماء وفار من الفور وهو الغليان والفوارة ما يفور من القدر والتنور اسم فارسي معرب لا تعرف له العرب إسما غيره قاله ابن دريد وقال ابن عباس التنور بكل لسان عربي وعجمي وعنه أنه تنور الملة وقال الحسن كان من حجارة وبه قال ابن مجاهد وابن مقاتل واختلفوا في موضعه فقال مجاهد كان في ناحية الكوفة وقال مقاتل كان تنور آدم وإنما كان بالشام بموضع يقال له عين وردة وعن عكرمة فار التنور بالهند
وقال عكرمة وجه الأرض
أي قال عكرمة مولى ابن عباس التنور وجه الأرض كذا رواه ابن جرير من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة
وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة
أشار به إلى ما في قوله تعالى واستوت على الجودي ( هود 44 ) أي السفينة استقرت على الجبل الذي يسمى بالجودي وهو جبل بجزيرة ابن عمر في الشرق ما بين دجلة والفرات ووصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه وزاد تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله عز و جل فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح عليه السلام
أشار به إلى ما في قوله تعالى مثل دأب قوم نوح ( غافر 13 ) وفسر الدأب بالحال وهو العادة أيضا
باب قول الله تعالى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( نوح 1 ) إلى آخر السورة
أي هذا باب في ذكر سورة نوح عليه السلام وهي اثنتان وعشرون آية ومائتان وأربع وعشرون كلمة وتسعمائة وتسعون حرفا وهذه الترجمة وقعت هكذا بعد قوله باب قول الله عز و جل ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( نوح 1 ) وهو رواية الأكثرين ولم يقع في رواية أبي ذر إلا باب قول الله ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( هود 52 ) قوله أن أنذر أي بأن أنذر حذف الجار والمعنى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه بأن قلنا له أنذر أي أرسلناه بالأمر بالإنذار ويجوز أن تكون أن مفسرة لأن الإرسال فيه معنى القول قوله من قبل أن يأتيهم عذاب قيل عذاب الآخرة وقيل عذاب الطوفان والغرق وإنما قال إلى آخر السورة إشارة إلى أن هذه السورة كلها في قضية نوح مع قومه
واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله إلى قوله من المسلمين ( يونس 27 )
هذه الآية ليست بموجودة في الكتاب عند أكثر الرواة وتمام الآية هو قوله تعالى فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين
7333 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( يونس ) عن ( الزهري ) قال ( سالم ) وقال ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لمنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور
مطابقته للترجمة في قوله لقد أنذر نوح قومه وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره وعبد الله هو ابن المبارك

(15/218)


ويونس هو ابن يزيد وسالم هو ابن عبد الله بن عمرو والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز في باب إذا أسلم الصبي مطولا بهذا الإسناد بعينه ولكن قوله ثم ذكر الدجال إلى آخره ليس هناك فقوله ثم ذكر الدجال يعني بعد الفراغ من خطبته والدجال فعال من أبنية المبالغة لكثرة الكذب فيه وهو من الدجل وهو الخلط والتلبيس والتمويه قوله إني لمنذركموه من الأنذار وهو التخويف وقد أكدت هذه الجملة بمؤكدات بكلمة إن واللام وكون الجملة إسمية قوله لقد أنذر نوح قومه إنما خصصه بعد التعميم لأنه أول نبي أنذر قومه وهددهم بخلاف من سبق عليه فإنهم كانوا في الإرشاد وتربية الآباء للأولاد ولأنه أول الرسل المشرعين شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ( الشورى 31 ) أو لأنه أبو البشر الثاني وذريته هم الباقون في الدنيا لا غيرهم قوله أنه أعور وقد ورد فيه كلمات متنافرة ورد أنه أعور وفي رواية أنها طافية وفي أخرى أنه جاحظ العين كأنها كوكب وفي أخرى أنها ليست بباقية وفي أخرى أنه أعور عين اليمنى وفي أخرى أعور عين اليسرى وفي حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة فيصح أن يقال لكل واحدة عوراء إذ الأصل في العور العيب قوله وأن الله ليس بأعور للتنزيه سبحانه وتعالى
8333 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ألا أحدثكم عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر به نوح عليه السلام قومه
مطابقته للترجمة في قوله كما أنذر نوح عليه السلام قومه وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وشيبان ابن عبد الرحمن النحوي ويحيى هو ابن أبي كثير
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن محمد بن رافع
قوله بمثال الجنة أي بمثلها ويروى تمثال الجنة أي صورة الجنة قوله كما أنذر وجه الشبه فيه الإنذار المقيد بمجيء المثال في صحبته وإلا فالإنذار لا يختص به
9333 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد بن زياد ) حدثنا ( الأعمش ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي سعيد ) قال قال رسول الله يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى هل بلغت فيقول نعم أي رب فيقول لأمته هل بلغكم فيقولون لا ما جاءنا من نبي فيقول لنوح من يشهد لك فيقول محمد وأمته فنشهد أنه قد بلغ وهو قوله جل ذكره وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ( البقرة 341 ) والوسط العدل
مطابقته للترجمة في قوله يجيء نوح وأمته والأعمش سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن يوسف بن راشد وفي الاعتصام عن إسحاق بن منصور وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار وغندر وعبد بن حميد وعن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم وعن محمد بن المثنى وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن أبي كريب وأحمد بن سنان وأوله يجيء النبي ومعه الرجل
قوله أي رب يعني يا ربي قوله لا ما جاءنا من نبي فإن قلت قال الله تعالى اليوم نختم على أفواههم ( يس 56 ) فكيف يتكلمون بذلك قلت في يوم القيامة مواطن موطن يتكلمون فيه وموطن يسكتون قوله فيقول محمد أي يشهد محمد وأمته قوله فنشهد بنون المتكلم مع الغير قوله أنه أي أن نوحا قد بلغ إليهم ما أمر به وباقي الحديث عند غيرهم قال فيقولون كيف تشهد علينا أمة محمد ونحن أول الأمم وهم آخرهم فيقولون نشهد أن الله بعث إلينا رسولا وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل علينا خبركم

(15/219)


قوله والوسط العدل ويقال وسطا خيارا وهي صفة بالإسم الذي هو وسط الشيء ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث
0433 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) حدثنا ( محمد بن عبيد ) حدثنا ( أبو حيان ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ( كنا مع ) النبي في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجب فنهس منها نهسة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون بمن يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيقول بعض الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا فيقول ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ونهاني عن الشجرة فعصيته نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا أما ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما بلغنا ألا تشفع لنا إلى ربك فيقول ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله نفسي نفسي ائتوا النبي فيأتوني فأسجد تحت العرش فيقال يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعطه قال محمد بن عبيد لا أحفظ سائره
مطابقته للترجمة في قوله فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وإسحاق بن نصر هو إسحاق ابن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري وكان ينزل بالمدينة بباب سعد فالبخاري تارة يقول حدثنا إسحاق ابن نصر فينسبه إلى جده وتارة يقول حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر فينسبه إلى أبيه وهو من أفراده ومحمد بن عبيد الطنافسي الحنفي الإيادي الأحدب الكوفي وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف يحيى بن سعيد ابن حيان التيمي وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة واسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن مقاتل وهنا عن إسحاق بن نصر عن أبي أسامة وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير وأخرجه الترمذي في الزهد عن سويد بن نصر وفي الأطعمة عن واصل ابن عبد الأعلى وأخرجه النسائي في الوليمة عن واصل بن عبد الأعلى مختصرا وفي التفسير بطوله عن يعقوب بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن علي بن محمد
قوله في دعوة بفتح الدال أي في ضيافة وبكسرها في النسب وبضمها في الحرب قوله فرفع إليه الذراع قال ابن التين والصواب رفعت وكذا في الأصول رفعت إلا أنه جاء في المؤنث الذي لا فرج له أنه يجوز تذكيره والذراع مؤنثة ولذلك قال وكانت تعجبه قال وهذا على ما في بعض النسخ بضم الذراع وأما بنصبها فبين ويكون رسول الله هو رافعها قوله تعجبه أي كانت الذراع تعجب رسول الله وكان إعجابه لها ومحبته لها لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى قوله فنهس أكثر الرواة على إهمالها وفي رواية ابن ماهان وأبي ذر بالإعجام وكلاهما صحيح فالنهس بالمهملة

(15/220)


الأخذ بأطراف الأسنان وبالمعجمة الأخذ بالأضراس وقال القزاز النهس أخذ اللحم بالأسنان بالفم وقيل هو القبض على اللحم ونثره عند أكله وقال الأصمعي هما واحد وهو أخذ اللحم بالفم وخالفه أبو زيد فذكر ما ذكرناه قوله أنا سيد القوم يوم القيامة أي الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد وخص يوم القيامة لارتفاع سؤدده وتسليم جميعهم له ولكون آدم وجميع ولده تحت لوائه ذكره عياض وقال الكرماني وتقييد سيادته بيوم القيامة لا ينافي السيادة في الدنيا وإنما خصه به لأن هذه القصة قصة يوم القيامة قلت إذا كان هو سيدا يوم القيامة وهو أعظم من الدنيا فبالأولى أن يكون سيدا في الدنيا أيضا فإن قلت قال لا تخيروا بين الأنبياء وقال لا تفضلوني على يونس عليه الصلاة و السلام قلت أجيب كان هذا قبل إعلامه بسيادة ولد آدم والفضائل لا تنسخ إجماعا فبقيت القبلية أو الذي قال في يونس من باب التواضع وقد قيل إن المنع في ذات النبوة والرسالة فإن الأنبياء فيها على حد واحد إذ هي شيء واحد لا تتفاضل وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والكرامات والرتب والألطاف قوله في صعيد واحد أي أرض واسعة مستوية قوله فيبصرهم الناظر أي يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب ويروى فينفذهم البصر بفتح الياء وبالذال المعجمة على الأكثرين ويروى بضم الياء وقال أبو عبيدة معناه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم قلت هو كناية عن استيعابهم بالعلم والله لا يخفى عليه شيء والصواب قول من قال فيبصرهم الناظر من الخلق وعن أبي حاتم إنما هو بدال مهملة أي يبلغ أولهم وآخرهم وقال ابن الأثير والصحيح فتح الياء مع الإعجام قوله ويسمعهم بضم الياء من الإسماع قوله إلى ما بلغكم بدل من قوله إلى ما أنتم فيه قوله ألا تنظرون كلمة ألا في الموضعين للعرض والتحضيض وهي بفتح الهمزة وتخفيف اللام قوله من روحه الإضافة إلى الله لتعظيم المضاف وتشريفه كقولهم عبد الخليفة كذا قوله وما بلغنا بفتح الغين المعجمة هو الصحيح لأنه تقدم ما بلغكم ولو كان بسكون الغين لقال بلغهم وقيل بالسكون وله وجه قوله ربي غضب المراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب وقال النووي المراد من غضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها ولا شك أنه لم يقع قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله قوله نفسي نفسي أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو قوله نفسي مبتدأ والخبر محذوف قوله إذهبوا إلى نوح بيان لقوله إذهبوا إلى غيري قوله أنت أول الرسل إنما قالوا له ذلك لأنه آدم الثاني أو لأنه أول رسول هلك قومه أو لأن آدم ونحوه خرج بقوله إلى أهل الأرض لأنها لم تكن لها أهل حينئذ أو لأن رسالته كانت بمنزلة التربية للأولاد وفي ( التوضيح ) قولهم أنت أول الرسل إلى أهل الأرض هو الصحيح قاله الداودي وروى أن آدم عليه الصلاة و السلام مرسل وروي في ذلك حديث عن رسول الله وقيل هو نبي وليس برسول وقيل رسول وليس نبيا انتهى وقال ابن بطال آدم ليس برسول نقله عنه الكرماني قلت الصحيح أنه نبي ورسول وقد نزل عليه جبريل وأنزل عليه صحفا وعلم أولاده الشرائع وقول ابن بطال غير صحيح وأما قول من قال إنه رسول وليس بنبي فظاهر الفساد لأن كل رسول نبي ومن لازم الرسالة النبوة قوله أما ترى بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهي حرف استفتاح بمنزلة ألا وكلمة ألا بعدها للعرض والتحضيض قوله ائتوا النبي هو نبينا محمد بين ذلك بقوله فيأتوني أصله فيأتونني وحذف نون الجمع بلا جازم ولا ناصب لغة قوله تشفع على صيغة المجهول من التشفيع وهو قبول الشفاعة قوله قال محمد بن عبيد لا أحفظ سائره أي سائر الحديث أي باقيه لأنه مطول علم من سائر الروايات وقد بينها غيره وحفظها حتى قال ابن التين وقول نوح ائتوا النبي وهم إنما دلهم على إبراهيم عليه الصلاة و السلام وإبراهيم دلهم على موسى عليه الصلاة و السلام وموسى دلهم على عيسى عليه الصلاة و السلام وعيسى دلهم على نبينا محمد وذكر الغزالي رحمه الله أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف سنة وكذا إلى كل نبي حتى يأتوا نبينا محمدا قال والرسل يوم القيامة على منابر والعلماء العاملون على كراسي وهم رؤساء أهل المحشر ومن يشفع للناس منهم رؤساء أتباع الرسل وأول الشفعاء يوم القيامة نبينا محمد صلى الله عليه

(15/221)


وسلم فإن قلت روى أبو الزعراء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم قلت قال البخاري أبو الزعراء لا يتابع عليه والمشهورالمعروف أن نبينا محمدا أول شافع
4 -
( باب وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين ( الصافات 32 ) قال ابن عباس يذكر بخير سلام على الياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ( الصافات 031 ) )
أي هذا باب معقود فيه قوله تعالى وإن الياس ( الصافات 031 ) إلى آخره إلياس هو ابن نسبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران قاله إبن إسحاق وعن ابن عباس إلياس بن ياسين بن العيزار بن هارون وبه قال مقاتل وحكى الثعلبي عن ابن مسعود إن إلياس هو إدريس كما أن يعقوب هو إسرائيل قال عكرمة وكذا في مصحف ابن مسعود وأن إدريس لمن المرسلين وقيل هو نبي من أنبياء بني إسرائيل وعن ابن عباس هو عم ليسع وقال آخرون بعثه الله إلى بني إسرائيل بعد مهلك حزقيل وقال وهب إن الله لما قبض حزقيل وعظم في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها فبعث

(15/222)


الله إليهم إلياس رسولا وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل اسمه جاب وله امرأة اسمها أزبيل وكان يسمع منه ويصدقه وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنما يقال له بعل وقال ابن إسحاق سمعت بعض أهل العلم يقول ما كان بعل إلا امرأة يعبدونها من دون الله فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وهم لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك ثم إنه قال يوما لإلياس والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلا والله ما أدري فلانا وفلانا فعدد ملوكا مثله من ملوك بني إسرائيل متفرقين بالشام يعبودن الأوثان إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويشربون ما ينقص دنياهم فيزعمون أن إلياس استرجع ثم رفضه وخرج عنه وفعل ذلك الملك ما فعل أصحابه من عبادة الأوثان فقال إلياس أللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر فذكر لي أنه أوحى إليه أنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم في ذلك فقال إلياس أللهم أمسك عنهم المطر فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت المواشي والهوام والشجر ولما دعا عليهم استخفى شفقة على نفسه منهم فكان حيث ما كان وضع له رزق وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في مكان قالوا لقد دخل الناس هذا المكان فيطلبونه ويلقى أهل ذلك المنزل منهم شرا ثم إنه استأذن الله في الدعاء لهم فأذن له فجاءهم فقال إن كنتم تجيبون أن الذي أدعوكم إليه هو الحق وأنكم على باطل فأخرجوا أوثانكم وما تعبدون واجأروا إليهم فإن استجابوا لكم فهو كما تقولون وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل وادعو الله تعالى إلى أن يفرج عنكم ما أنتم فيه قالوا أنصفت فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم فعرفوا ما هم عليه من الضلالة ثم سألوا إلياس الدعاء فدعا ربه قال فمطروا بساعتهم فحسنت بلادهم فلم يبرجوا ولم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه فدعا الله تعالى أن يقبضه فكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فكان إنسيا ملكيا أرضيا سماويا يطير مع الملائكة وذكر الحاكم عن أنس مصححا أنه اجتمع مع سيدنا رسول الله في بعض السفرات وخالفه ابن الجوزي في تصحيحه قوله إذ قال أي اذكر حين قال إلياس لقومه ألا تتقون عذاب الله بالإيمان به قوله أتدعون بعلا أي أتعبدون بعلا وهو اسم لصنم كان لهم يعبدونه فلذلك سميت مدينتهم بعلبك وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي البعل الرب بلغة أهل اليمن وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وكان من ذهب طوله عشرون ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه وله أربعمائة سادن جعلوهم أنبياء فكان إبليس لعنه الله تعالى يدخل في جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشام قوله وتذرون أي تتركون الله أحسن الخالقين فلا تعبدون الله ربكم قرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب الله بالنصب وينصبون ربكم ورب آبائكم على البدل والباقون برفعها على الاستئناف قوله فكذبوه أي إلياس قوله فإنهم لمحضرون في العذاب والنار إلا عباد الله المخلصين من قومه فإنهم نجوا من العذاب قوله سلام على الياسين ( الصافات 031 ) قرأ ابن عامر ونافع ويعقوب آل ياسين بالمد والباقون إلياسين بالقطع والقطر فمن قرأ آل ياسين بالمد فإنه أراد آل محمد وقيل أراد الياس وهو إليق بسياق الآية ومن قرأ الياسين فقد قيل إنها لغة في إلياس مثل إسماعيل وإسماعين وميكائيل وميكائين وقال الزمخشري قرىء على إلياسين وإدريسين وإدراسين على أنها لغات في إلياس وإدريس ولعل لزيادة الياء والنون في السريانية معنى وعن بعضهم أنه قرىء إلياس بترك الهمزة في ألف إلياس ويجعل الألف واللام داخلين على ياس للتعريف ويقولون كان اسمه ياس فدخلت عليه الألف واللام
ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس
ذكره معلقا بصيغة التمريض ووصل تعليق عبد الله بن مسعود عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه وتعليق ابن عباس وصله جرير في ( تفسيره ) عن الضحاك عنه واستدل بهذا ابن العربي أن إدريس لم يكن جدا لنوح عليه السلام وإنما هو من بني إسرائيل لأن إلياس قد ورد أنه من بني إسرائيل واستدل على ذلك أيضا بقوله عليه السلام للنبي ليلة المعراج مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ولو كان من أحد أجداده لقال له كما قال له آدم وإبراهيم عليهما السلام بالابن الصالح

(15/223)


قيل يمكن أنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف وقد ذكرنا عن قريب كيف ساق ابن إسحاق نسبه الكريم وفيه إدريس وهو خنوخ وهو المشهور عند الجمهور والله سبحانه وتعالى أعلم
7 -
( باب ذكر إدريس عليه السلام )
أي هذا باب في بيان ذكر إدريس عليه الصلاة و السلام وقد سقط هذا الباب في رواية أبي ذر
وهو جد أبي نوح ويقال جد نوح عليهما السلام
أي إدريس جد أبي نوح لأن نوحا ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس قوله ويقال جد نوح هذا ليس بشيء لأن جد نوح هو متوشلخ أللهم إلا إذا أطلق على جد أبي نوح فإنه جد نوح مجازا وهذا ليس بموجود في غالب النسخ
وقول الله تعالى ورفعناه مكانا عليا ( مريم 75 )
وقول الله مجرور عطفا على ذكر إدريس أي وفي بيان ذكر قول الله تعالى ورفعناه مكانا عليا ( مريم 75 ) أي رفعنا إدريس مكانا عليا وهو السماء الرابعة واستشكل بعضهم بأن غيره من الأنبياء أرفع مكانا منه وهذا الاستشكال ليس بشيء لأنه لم يذكر أنه أعلى من كل أحد وأجاب بعضهم بأن المراد منه أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره ورد بأن عيسى عليه الصلاة و السلام أيضا قد رفع وهو حي قلت هذا الرد موجه على القول الصحيح بأنه رفع وهو حي وأما على قول من يأخذ بظاهر قوله تعالى إني متوفيك ورافعك إلي ( آل عمران 55 ) لا يرد الرد المذكور
2433 - قال ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( عنبسة ) حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال قال ( أنس ) كان ( أبو ذر ) رضي الله تعالى عنه يحدث أن رسول الله قال فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح قال من هاذا قال هذا جبريل قال معك أحد قال معي محمد قال أرسل إليه قال نعم فافتح فلما علونا السماء إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا

(15/224)


بالنبي الصالح والإبن الصالح قلت من هاذا يا جبريل قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتحع قال أنس فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت لي كيف منازلهم غير أنه قد ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة وقال أنس فلما مر جبريل بإدريس قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح فقلت من هاذا قال هاذا إدريس ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هاذا قال هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال مرحبابالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هاذا قال عيساى ثم مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح قلت من هاذا قال هذا إبراهيم قال وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام قال ابن حزم وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما قال النبي ففرض الله علي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال لي موسى ما الذي فرض على أمتك قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فذكر مثله فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعت ربي فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فقلت قد استحييت من ربي ثم انطلق حتى أتى السدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ( انظر الحديث 943 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فلما مر جبريل بإدريس وكذلك في قوله وجد في السموات إدريس وهذا الحديث أخرجه البخاري في أول كتاب الصلاة من طريق واحد عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث إلى آخره وهنا أخرجه من طريقين الأول عن عبدان ولكنه قال قال عبدان بالتعليق هكذا وقع في أكثر الروايات ووقع في رواية أبي ذر حدثنا عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان وقد مر غير مرة عن عبد الله ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري الطريق الثاني عن أحمد بن صالح بالتحديث وهو أحمد ابن صالح أبو جعفر المصري عن عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن خالد سمع عمه يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب الزهري إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مستوفى قوله أسودة جمع السواد وهو الشخص قوله نسم بنيه النسم بفتح النون والسين المهملة جمع نسمة وهي النفس
وابن حزم بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وأبو حبة بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وهو المشهور وقال القابسي بالياء آخر الحروف وغلطوه في ذلك وقال الواقدي بالنون واختلف في اسمه فقيل فقال أبو زرعة عامر وقيل عمرو وقيل ثابت وقال الواقدي مالك قوله لمستوى ويروى بمستوى بفتح الواو أي مصعدا قوله حتى أتى السدرة ويروى حتى أتى بي السدرة ويروى حتى أتى إلى السدرة قوله ثم أدخلت على صيغة المجهول أي أدخلت الجنة ويروى بأظهار الجنة والله أعلم
6 -
( باب قول الله تعالى وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ( هود 05 ) الآية )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى في بيان إرسال هود عليه الصلاة و السلام إلى قوم عاد وهود هو ابن عبد الله بن رباح بن خلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام قاله قتادة وقال مجاهد هود بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ ابن سام بن نوح وقيل هود بن عبد الله بن جاون إلى آخره مثل الأول وقال ابن هشام هود اسمه عابر ويقال عبير بن إرفخشذ ويقال انفخشذ بن سام بن نوح وكان هود أشبه ولد آدم بآدم خلا يوسف وكانت عاد ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الرمل بالدور والدهناء وعالج ووبار ويبرين وعمان إلى حضرموت إلى اليمن وكانت ديارهم أخصب البلاد فلما سخط الله

(15/225)


عليهم جعلها مفاوز وكان هود من قبيلة يقال لها عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وهم عاد الأولى وكانوا عربا يسكنون في المواضع المذكورة وأرسل الله تعالى هودا إليهم وهو قوله تعالى وإلى عاد أخاهم هودا ( هود 05 ) أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا قال الزمخشري أخاهم واحدا منهم وقال مقاتل أخوهم في النسب لا في الدين وكان عاد الذي تسمت القبيلة به ملكهم وكان يعبد القمر وطال عمره فرأى من صلبه أربعة آلاف ولد وتزوج ألف امرأة وهو أول من ملك الأرض بعد نوح عليه الصلاة و السلام وعاش ألف سنة ومائتي سنة ولما مات انتقل الملك إلى أكبر ولده وهو شديد بن عاد فأقام خمسمائة سنة وثمانين سنة ثم مات فانتقل الملك إلى أخيه شداد بن عاد وهو الذي بنى إرم ذات العماد وكانت قبائل عاد التي تسمت به قد ملكوا الأرض بقوتهم وافتخروا وقالوا من أشد منا قوة ( فصلت 51 ) فلما كثر طغيانهم بعث الله إليهم هودا وهو قوله تعالى وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ( فصلت 51 ) يعني تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء
وقوله إذ أنذر قومه بالأحقاف إلى قوله كذلك نجزي القوم المجرمين ( الأحقاف 12 - 52 )
وقوله بالجر عطف على قوله قول الله تعالى وأوله واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيه عذاب إليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ( الأحقاف 12 - 52 ) قوله واذكر يعني يا محمد قوله أخا عاد أي في النسب لا في الدين قوله بالأحقاف جمع حقف بكسر الحاء وهو رمل مستطيل مرتفع فيه اعوجاج من احقوقف الشيء إذا اعوج وعن ابن عباس الأحقاف واد بين عمان ومهرة وعن مقاتل كان منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال لها مهرة إليها تنسب الجمال المهرية وعن الضحاك الأحقاف جبال بالشام وعن مجاهد هي أرض حسمى وعن قتادة ذكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمال مشرفين على البحر بأرض من بلاد اليمن يقال لها الشحر وعن الخليل هي الرمال العظام وعن الكلبي أحقاف الجبل ما نصب عليه الماء زمان الغرق كان ينضب الماء ويبقى أثره قوله النذر جمع نذير بمعنى منذر قوله من بين يديه ومن خلفه المعنى مضت المنذرون من بين يديه أي من قبل هود ومن خلفه والمعنى أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين بعثوا في زمانه والذين يبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره قوله ألا تعبدوا يعني إنذارهم بقولهم ألا تعبدو إلا الله وحده لا شريك له قوله إني أخاف يعني إنذارهم بقولهم ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له قوله إني أخاف إلى آخر الآية كلام هود قوله قالوا أي قوم هود قوله لتأفكنا أي لتصرفنا عن آلهتنا إلى دينك وهذا لا يكون قوله فاتنا خطاب لهود أي هات لنا من العذاب الذي توعدنا به على الشرك إن كنت من الصادقين فيما تقول قوله قال أي هود إنما العلم عند الله بوقت مجيء العذاب لا عندي وأبلغكم ما أرسلت به أي الذي أمرت بتبليغه إليكم وليس فيه تعيين وقد العذاب ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا إلا منذرين لا معترضين ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه قوله فلما رأوه أي فلما رأوا ما يوعدون به قالوا هذا عارض أي سحاب عرض في أفق السماء بمطر لنا منه قال هود بل هو ما استعجلتم به هي ريح فيها عذاب أليم تدمر أي تهلك كل شيء من نفوس عاد وأموالهم بإذن ربها قوله فأصبحوا لا ترى قرأ عاصم وحمزة ويعقوب ترى بضم التاء ورفع مساكنهم قال الكسائي معناه لا ترى شيء إلا مساكنهم وقال الفراء لا ترى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة وقرأ الباقون بفتح التاء ونصب مساكنهم على معنى لا ترى يا محمد إلا مساكنهم قوله كذلك نجزي القوم المجرمين أي من أجرم مثل جرمهم وهذا تحذير لمشركي العرب
ومختصر قصة هود أنه عليه الصلاة و السلام لما دعا على قومه أرسل الله الريح عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي متتابعة أي ابتدأت غدوة الأربعاء وسكنت في آخر الثامن

(15/226)


واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود وتلذ النفوس وعن مجاهد كان قد آمن معه أربعة آلاف فذلك قوله تعالى ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه ( هود 85 ) فكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت ومن لم يكن منهم في بيته أهلكته في البراري والجبال وقال السدي لما رأوا أن الإبل والرجال تطير بين السماء والأرض في الهواء تبادروا إلى البيوت فلما دخلواها دخلت الريح وراءهم فأخرجتهم منها ثم أهلكتهم ثم أرسل الله عليهم طيرا سودا فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه ثم إن هودا عليه الصلاة و السلام بقي بعد هلاك قومه ما شاء الله ثم مات وعمره مائة وخمسون سنة وحكى الخطيب عن ابن عباس أنه عاش أربعمائة وستين سنة وكان بينه وبين نوح ثمانمائة وستين سنة
واختلفوا في أي مكان توفي فقيل بأرض الشحر من بلاد حضرموت وقبره ظاهر هناك ذكره ابن سعد في ( الطبقات ) وعن عبد الرحمن بن ساباط بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا وأن قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام في تلك البقعة وقيل بجامع دمشق في حائط القبلة يزعم بعض الناس أنه قبر هود والله أعلم وقال ابن الكلبي لم يكن بين نوح وإبراهيم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا هود وصالح
فيه عن عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي
أي في هذا الباب روي عن عطاء بن أبي رباح ووصل هذا التعليق البخاري في باب ما جاء في قوله تعالى وهو الذي أرسل الرياح ( الفرقان 84 ) عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة قالت كان النبي الحديث قوله وسليمان أي وعن سليمان بن يسار عن عائشة ووصل هذا التعليق في تفسير سورة الأحقاف وقال حدثنا أحمد بن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضير حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة زوج النبي قالت ما رأيت رسول الله ضاحكا حتى أرى منه لهواته الحديث
9 -
( باب قول الله عز و جل وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر شديدة عاتية ( الحاقة 8 ) قال ابن عيينة عتت على الخزان سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعة فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أصولها فهل ترى لهم من باقية بقية )
أي هذا باب في بيان تفسير قول الله تعالى وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ( الحاقة 8 - 01 ) قوله وأما عادعطف على ما قبله وهو قوله فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( الحاقة 7 ) وقصة عاد مرت في الباب السابق وقد فسر البخاري الصرصر بقوله شديدة عاتية وعاتية من عتا يعتو عتوا إذا جاوز الحد في الشيء ومنه العاتي وهو الذي جاوز الحد في الاستكبار قوله قال ابن عيينة أي سفيان بن عيينة عتت أي الريح على الخزان بضم الخاء جمع خازن وهم الملائكة الموكلون بالريح يعني عتت عليهم فلم تطعهم وجاوزت المقدار وقيل عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن وعن عباس قال رسول الله ما أرسل الله تعالى نسمة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من مطر إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح طغت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل وقيل الصرصر شديد الصوت لها صرصرة وقيل ريح صرصر باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها قوله سخرها يعني أرسلها وسلطها عليهم والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار قوله حسوما فسره البخاري بقوله متتابعة وكذا فسره أبو عبيدة وقال الضحاك كاملة لم تفتر عنهم حتى افنتهم وقال عطية حسوما كأنها حسمت الخبر عن أهلها وقال الخليل قطعا لدابرهم والحسم القطع والمنع ومنه حسم الرضاع وقال النضر ابن شميل حسمهم قطعهم وانتصاب حسوما على الحال قال الزمخشري الحسوم إما جمع حاسم كشهود جمع شاهد وإما مصدر كالكفور والشكور فإن كان جمعا يكون حالا يعني حاسمة وإن كان مصدرا يكون منصوبا بفعل مضمر أي يحسم حسوما بمعنى يستأصل استئصالا أو يكون صفة كقولك ذات حسوم أو يكون مفعولا له أي سخرها عليهم للاستئصال

(15/227)


قوله فترى القوم فيها أي في تلك الأيام والليالي وقيل في الريح وقيل في بيوتهم قوله صرعى جمع صريع يعني ساقطة قوله كأنهم أعجاز نخل أي جذوع نخل وقيل أصول نخل وهو ما يبقى على المكان بعد قطع الجذع قوله خاوية أي ساقطة وشبههم بأعجاز نخل لعظم أجسامهم قيل كان طولهم اثني عشر ذراعا وقال أبو حمزة طول كل رجل منهم كان سبعين ذراعا وعن ابن عباس ثمانين ذراعا وقال ابن الكلبي كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا وقال وهب بن منبه كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل تفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم وقيل خاوية خالية الأصوات من الحياة وقيل خاوية من الأحشاء لأن الريح أخرجت ما في بطونهم قوله فهل ترى لهم من باقية أي من بقية أو من نفس باقية وقيل الباقية مصدر كالعاقبة أي فهل ترى لهم من بقاء
3433 - حدثني ( محمد بن عرعرة ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عرعرة بن البرند الناجي السامي البصري مات سنة ثلاث عشرة ومائتين والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الباب والحديث مضى في كتاب الاستسقاء في باب قول النبي نصرت بالصبا فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن شعبة عن الحكم إلى آخره نحوه
4433 - قال وقال ( ابن كثير ) عن ( سفيان ) عن أبيه عن ( ابن أبي نعم ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال ( بعث علي ) رضي الله تع ( الى ) عنه إلى النبي بذهيبة فقسمها بين الأربعة الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيينة بن بدر الفزاري وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب فغضبت قريش والأنصار قالوا يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا قال إنما أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتىء الجبين كث اللحية محلوق فقال اتق الله يا محمد فقال من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه بن الوليد فمنعه فلما ولى قال إن من ضئضئي هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد
مطابقته للترجمة في قوله لأقتلنهم قتل عاد فإن قلت كيف المطابقة وعاد أهلكوا بريح صرصر قلت التقدير كقتل عاد والتشبيه لا عموم له والغرض منه استئصالهم بالكلية كاستئصال عاد لأن الإضافة في قتل عاد إلى المفعول فإن قلت إذا كان من الإضافة إلى الفاعل يكون المراد القتل الشديد القوي لأنهم كانوا مشهورين بالشدة والقوة وعلى التقديرين المراد استئصالهم بأي وجه كان وليس المراد التعيين بشيء
ذكر رجاله وهم خمسة الأول بن كثير ضد القليل وهو محمد بن كثير أبو عبد الله العبدي البصري الثاني سفيان الثوري الثالث أبوه سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الكوفي الرابع ابن أبي نعم بضم النون وسكون العين المهملة البجلي واسم الابن عبد الرحمن أبو الحكم البجلي الكوفي العابد وكان من عباد أهل الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم أخذه الحجاج ليقتله وأدخله بيتا ظلما وسد الباب خمسة عشر يوما ثم أمر بالباب ففتح ليخرج ويدفن فدخلوا عليه فإذا هو قائم يصلي فقال له الحجاج سر حيث شئت وأما اسم أبي نعم فما وقفت عليه الخامس أبو سعيد الخدري واسمه سعيد بن مالك بن سنان الأنصاري

(15/228)


ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن كثير مختصرا وفي التوحيد بتمامه عن قبيصة بن عقبة وفي التوحيد أيضا عن إسحاق بن نصر وفي المغازي عن قتيبة وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وعن هناد بن السري وعن عثمان بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وأخرجه أبو داود في السنة عن محمد بن كثير به وأخرجه النسائي في الزكاة وفي التفسير عن هناد به وفي المحاربة عن محمود بن غيلان
ذكر معناه قوله قال وقال ابن كثير أي قال البخاري وقال محمد بن كثير كذا روى هنا معلقا ورواه في تفسير سورة براءة بقوله حدثنا محمد بن كثير فوصله لكنه لم يسقه بتمامه وإنما اقتصر على طرف من أوله وابن كثير هذا هو أحد مشايخ البخاري روى عنه في الكتاب في مواضع وروى مسلم عن عبد الله الدارمي عنه عن أخيه حديثا في الرؤيا قوله بذهيبة بالتصغير قال الخطابي إنما أنثها على نية القطعة من الذهب وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات وقال ابن الأثير قيل هو تصغير على اللفظ وفي رواية مسلم بعث علي رضي الله تعالى عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله وقال النووي هكذا هو في جميع نسخ بلادنا بذهبة بفتح الذال وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم عن الجلودي قال وفي رواية ابن ماهان بذهيبة على التصغير وقال ابن قرقول قوله بعث بذهب كذا الرواية عن مسلم عند أكثر شيوخنا ويقال الذهب يؤنث والمؤنث الثلاثي إذا صغر ألحق في تصغيره الهاء نحو فريسة وشميسة قوله فقسمها بين الأربعة أي بين أربعة أنفس وفي رواية مسلم فقسمها رسول الله بين أربعة نفر قوله الأقرع بن حابس يجوز بالرفع والجر أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي أحدهم الأقرع وأما الجر فعلى أنه وما بعده من المعطوف بدل من الأربعة أو بيان والأقرع بفتح الهمزة وسكون القاف وبالراء وبالعين المهملة ابن حابس بالحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع المجاشعي الدارمي أحد المؤلفة قلوبهم قال إبن إسحاق الأقرع بن حابس التميمي قدم على رسول الله مع عطارد بن حاجب في أشراف بني تميم بعد فتح مكة وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله فتح مكة وحنينا والطائف وقال ابن دريد اسم الأقرع فراس وفي ( التوضيح ) بخط منصور بن عثمان الخابوري الصواب حصين وقال أبو عمر في باب الفاء من ( الاستيعاب ) فراس بن حابس أظنه من بني العنبر قدم على رسول الله في وفد بني تميم وفي ( التوضيح ) في كتاب ( لطائف المعارف ) لأبي يوسف كان الأقرع أصم مع قرعه وعوره وفي ( الكامل ) كان في صدر الإسلام سيد خندف وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس وقال المرزباني هو أول من حرم القمار وكان يحكم في كل موسم وقال الجاحظ في كتاب ( العرجان ) إنه كان من أشرافهم وأحد الفرسان الأشراف ساير رسول الله مرجعه من فتح مكة وقال أبو عبيدة كان أعرج الرجل اليسرى قتل باليرموك سنة ثلاث عشرة مع عشرة من بنيه وقال ابن دريد استعمله عبد الله بن عامر بن كريز على جيش أنفذه إلى خراسان فأصيب بالجوزجان قوله الحنظلي ثم المجاشعي الحنظلي نسبة إلى حنظل بن مالك بن زيد مناة بن تميم والمجاشعي نسبة إلى مجاشع ابن دام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم قوله وعيينة بن بدر أي الثاني من الأربعة عيينة مصغر عينة ابن بدر وفي مسلم عيينة بن حصن قلت بدر جده وحصن أبوه ففي رواية البخاري ذكره منسوبا إلى جده وفي رواية مسلم ذكره منسوبا إلى أبيه حصن بن بدر بن عمرو بن حويرثة بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث ابن غطفان قوله الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء نسبة إلى فزارة المذكورة في نسبه وفي ( التوضيح ) عيينة اسمه حذيفة بن حصن بن حذيفة بن بدر ولقب عيينة لأنه طعن في عينه وكنيته أبو مالك أسلم قبل الفتح وارتد مع طليحة بن خويلد وقاتل معه وتزوج عثمان بابنته وهو عريق في الرياسة وهو المقول فيه الأحمق المطاع قوله وزيد الطائي وفي مسلم وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان قال النووي قال في هذه الرواية زيد الخير الطائي كذا هو في جميع النسخ الخير بالراء وقال في رواية زيد الخيل باللام وكلاهما صحيح يقال بالوجهين كان يقال له في الجاهلية زيد الخيل فسماه رسول الله

(15/229)


اللحية بفتح الكاف وقوم كث بالضم قوله محلوق وفي مسلم محلوق الرأس وفي ( الكامل ) للمبرد رجل مضطرب الخلق أسود وأنه يكون لهذا ولأصحابه نبأ وفي ( التوضيح ) وفي الحديث أنه لا يدخل النار من شهد بدرا ولا الحديبية حاشا رجلا معروفا منهم قيل هو حرقوص ذكره شيخنا العمري وفي التعليق أنه أصول الخوارج قوله من يطع الله إذا عصيت أي إذا عصيته وفي مسلم من يطع الله إن عصيته قوله فسأله رجل قتله أي فسأل النبي رجل قتل هذا القائل قوله أحسبه أي أظن أن هذا السائل هو خالد بن الوليد كذا جاء على الحسبان وجاء في الصحيح أنه خالد من غير حسبان وفي رواية أخرى أنه عمر بن الخطاب ولا تنافى في هذا لأنهما كأنهما سألا جميعا قوله فمنعه أي منع خالدا عن القتل وذلك لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه ولكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفا لغيرهم حتى لا ينفروا قوله من ضئضئي بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى وهو الأصل والعقب وحكي إهمالهما عن بعض رواة مسلم فيما حكاه القاضي وهو شائع في اللغة وقال ابن سيده الضئضئي والضؤضؤ الأصل وقيل هو كثرة النسل وقال في المهملة الصئصئي والسئصئي كلاهما الأصل عن يعقوب وحكى بعضهم صئصئين بوزن قنديل حكاه ابن الأثير وقال النووي قالوا لأصل الشيء أسماء كثيرة منها الضئضئن بالمعجمتين والمهملتين والنجار بكسر النون والنحاس والسنخ بكسر السين وإسكان النون وبخاء معجمة والعيص والأرومة قوله حناجرهم جمع حنجرة هي رأس العلصمة حيث تراه ناتئا من خارج الحلق وقال ابن التين معناه لا يرفع في الأعمال الصالحة وقال عياض لا تفقه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلو منه ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم وقيل معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا تتقبل قوله يمرقون من الدين وفي رواية من الإسلام أي يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ من الصيد من جهة أخرى ولم يتعلق بالسهم من دمه شيء وبهذا سميت الخوارج المراق والدين هنا الطاعة يريد أنهم يخرجون من طاعة الأئمة كخروج السهم من الرمية والرمية بفتح الراء على وزن فعيلة من الرمي بمعنى مفعوله فقال الداودي الرمية الصيد المرمي وهذا الذي ذكره صفات الخوارج الذين لا يدينون للأئمة ويخرجون عليهم قوله يقتلون أهل الإسلام كذلك فعل الخوارج قوله ويدعون أي يتركون أهل الأوثان وهو جمع وثن وهو كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب فيعبد وهذا بخلاف الصنم فإنه الصورة بلا جثة ومنهم من لم يفرق بينهما قيل لما خرج إليهم عبد الله بن خباب رسولا من عند علي رضي الله تعالى عنه فجعل يعظهم فمر أحدهم بتمرة لمعاهد فجعلها في فيه فقال بعض أصحابه تمرة معاهد فيم استحللتها فقال لهم عبد الله بن خباب أنا أدلكم على ما هو أعظم حرمة رجل مسلم يعني نفسه فقتلوه فأرسل إليهم علي رضي الله تعالى عنه أن أقيدونا به فقالوا كيف نقيدك به وكلنا قتله فقاتلهم علي فقتل أكثرهم قيل كانوا خمسة آلاف وقيل كانوا عشرة آلاف قوله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد قد ذكرنا معناه عند ذكر المطابقة بين الحديث والترجمة ويروى قتل ثمود فإن قلت أليس قال لئن أدركتهم وكيف ولم يدع خالدا رضي الله تعالى عنه أن يقتله وقد أدركه قلت إنما أراد إدراك زمان خروجهم إذا كثروا وامتنعوا بالسلاح واعترضوا الناس بالسيف ولم تكن هذه المعاني مجتمعة إذ ذاك فيوجد الشرط الذي علق به الحكم وإنما أنذر أن يكون في الزمان المستقبل وقد كان كما قال فأول ما يحم هو في أيام علي رضي الله تعالى عنه فإن قلت المال الذي أعطى رسول الله أولئك المؤلفة قلوبهم من أي مال كان قلت قال بعضهم من خمس الخمس ورد بأنه ملكه وقيل من رأس الغنيمة وأنه خاص به لقوله تعالى قل الأنفال لله والرسول ( الأنفال 1 ) ورد بأن الآية منسوخة وذلك أن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بالملائكة فلم يرجعوا حتى كان الفتح رد الله الغنائم إلى رسوله من أجل ذلك فلم يعطهم منها شيئا وطيب نفوسهم بقوله وترجعون برسول الله إلى رحالكم بعدما فعل ما أمر به واختيار أبي عبيدة أنه كان من الخمس لا من خمس الخمس ولا من رأس الغنيمة وأنه جائز للإمام أن يصرف الأصناف المذكورة في آية الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين ولكن ينبغي أن يعلم أولا أن هذا الذهب ليس من غنيمة حنين ولا خيبر ولا من الخمس وقد فرقها كلها

(15/231)


5433 - حدثنا ( خالد بن يزيد ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( الأسود ) قال سمعت ( عبد الله ) قال سمعت النبي يقرأ فهل من مدكر ( القمر 51 71 22 23 04 و15 )
قد مضى هذا في آخر باب قوله تعالى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( نوح 1 ) فإنه أخرجه هناك عن نصر بن علي عن أبي أحمد عن سفيان عن أبي إسحاق إلى آخره وهنا أخرجه عن خالد بن يزيد بن الهيثم المقرىء الكاهلي الكوفي عن إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله والله أعلم
7 -
( باب قصة يأجوج ومأجوج )
أي هذا باب في بيان قصة يأجوج ومأجوج يأجوج رجل ومأجوج كذلك ابنا يافث بن نوح عليه الصلاة و السلام كذا ذكره عياض مشتقان من تأجج النار وهي حرارتها وسموا بذلك لكثرتهم وشدتهم وهذا على قراءة من همز وقيل من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة وقيل هما إسمان أعجميان غير مشتقين وفي ( المنتهى ) من همزهما جعل وزن يأجوج يفعولا من أجيج النار أو الظليم وغيرهما ومأجوج مفعولا ومن لم يهمزهما جعلهما عجميين وقال الأخفش من همزهما جعل الهمزة أصلية ومن لم يهمزهما جعل الألفين زائدتين بجعل يأجوج فاعلا من يججت ومأجوج فاعولا من مججت الشيء في فمي وقال الزمخشري يأجوج ومأجوج إسمان أعجميان بدليل منع الصرف قلت العلة في منع الصرف العجمة والعلمية وهم من ذرية آدم بلا خلاف ولكن اختلفوا فقيل إنهم من ولد يافث بن نوح عليه الصلاة و السلام قاله مجاهد وقيل إنهم جيل من الترك قاله الضحاك وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم ذكره الزمخشري وقيل هم من الترك مثل المغول وهم أشد بأسا وأكثر فسادا من هؤلاء وقيل هم من آدم ولكن من غير حواء لأن آدم نام فاحتلم فامتزجت نطفته بالتراب فلما انتبه أسف على ذلك الماء الذ خرج منه فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج وهم متعلقون بنا من جهة الأب دون الأم حكاه الثعلبي عن كعب الأحبار وحكاه النووي أيضا في ( شرح مسلم ) وغيره ولكن العلماء ضعفوه وقال ابن كثير وهو جدير بذلك إذ لا دليل عليه بل هو مخالف لما ذكروا من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح عليه الصلاة و السلام بنص القرآن قلت جاء في الحديث أيضا امتناع الاحتلام على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال نعيم بن حماد حدثنا يحيى بن سعيد حدثني سليمان بن عيسى قال بلغني أنهم عشرون أمة يأجوج ومأجوج ويأجيج وأجيج والغيلانين والغسلين والقرانين والطوقنين وهو الذي يلتحف أذنيه والقريطيين والكنعانيين والدفرانيين والجاجونين والأنطارنين واليعاسين ورؤوسهم رؤوس الكلاب وعن عبد الله بن عمر بإسناد جيد الإنس عشرة أجزاء تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وسائر الناس جزء واحد وعن عطية بن حسان أنهم أمتان في كل أمة أربعمائة ألف أمة ليس فيها أمة تشبه الأخرى وذكر القرطبي مرفوعا يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذلك مأجوج صنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعا ويروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح من الطير وغيره وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد يتداعون تداعي الحمام ويعوون عواء الكلاب ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة يأكلون اللحم النية وقال ابن عبد البر في ( كتاب الأمم ) هم أمة لا يقدر أحد على استقصاء ذكرهم لكثرتهم ومقدار الربع العامر مائة وعشرون سنة وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج وهم أربعون أمة مختلو الخلق والقدود في كل أمة ملك ولغة ومنهم من مشيه وثب وبعضهم يغير على بعض ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة ومنهم مشوهون وفيهم شدة وبأس وأكثر طعامهم الصيد وربما أكل بعضهم بعضا وذكر الباجي عن عبد الرحمن بن ثابت قال الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة وثلاث لسائر الناس وروى ابن مردويه في ( تفسيره ) عن أحمد بن كامل حدثنا محمد بن سعد العوفي حدثنا أبي حدثنا عمي حدثنا أبي عن أبيه عن ابن عباس عن أبي سعيد الخدري قال نبي الله وذكر يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل وبإسناده عن

(15/232)


حذيفة مرفوعا يأجوج أمة ومأجوج أربعمائة أمة كل أمة أربعمائة ألف رجل لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه كلهم قد حملوا السلاح الحديث وذكر أبو نعيم أن صنفا منهم أربعة أذرع عرضا يأكلون مشائم نسائهم وعن علي رضي الله تعالى عنه صنف منهم في طول شبر له مخاليب وأنياب السباع وتداعي الحمام وعواء الذئب وشعور تقيهم الحر والبرد وآذان عظام أحدهما فروة يشتون فيها والأخرى جلدة يصيفون فيها وفي ( التذكرة ) وصنف منهم كالأرز طولهم مائة وعشرون ذراعا وصنف منهم يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى ويأكلون من مات منهم وعن كعب الأحبار إن التنين إذا آذى أهل الأرض نقله الله تعالى إلى يأجوج ومأجوج فجعله رزقا لهم فيجزرونها كما يجزرون الإبل والبقر ذكره نعيم بن حماد في ( كتاب الفتن ) ورى مقاتل بن حيان عن عكرمة مرفوعا بعثني الله ليلة أسرى بي إلى يأجوج ومأجوج فدعوتهم إلى دين الله تعالى فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس
وقول الله تعالى قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ( الكهف 49 )
وقول الله بالجر عطفا على لفظ قصة يأجوج ومأجوج وذو القرنين المذكور في القرآن المذكور في ألسنة الناس بالإسكندر ليس الإسكندر اليوناني فإنه مشرك ووزيره أرسطاطاليس والإسكندر المؤمن الذي ذكره الله في القرآن اسمه عبد الله بن الضحاك بن معد قاله ابن عباس ونسب هذا القول أيضا إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقيل مصعب بن عبد الله بن قنان بن منصور بن عبد الله بن الأزد بن عون بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن قحطان وقد جاء في حديث أنه من حمير وأمه رومية وأنه كان يقال له ابن الفيلسوف لعقله وذكر ابن هشام أن اسمه الصعب بن مراثد وهو أول التبايعة وقال مقاتل من حمير وفد أبوه إلى الروم فتزوج امرأة من غسان فولدت له ذا القرنين عبدا صالحا وقال وهب بن منبه اسمه الاسكندر قلت ومن هنا يشارك الإسكندر اليوناني في الاسم وكثير من الناس يخطئون في هذا ويزعمون أن الإسكندر المذكور في القرآن هو الإسكندر اليوناني وهذا زعم فاسد لأن الإسكندر اليوناني الذي بنى الإسكندرية كافر مشرك وذو القرنين عبد صالح ملك الأرض شرقا وغربا حتى ذهب جماعة إلى نبوته منهم الضحاك وعبد الله بن عمر وقيل كان رسولا وقال الثعلبي والصحيح إن شاء الله كان نبيا غير مرسل ووزيره الخضر عليه الصلاة و السلام فأنى يتساويان
واختلفوا في زمانه فقيل في القرن الأول من ولد يافث بن نوح عليه الصلاة و السلام قاله علي رضي الله تعالى عنه وأنه ولد بأرض الروم وقيل كان بعد نمرود لعنه الله قاله الحسن وقيل إنه من ولد إسحاق من ذرية العيص قاله مقاتل وقيل كان في الفترة بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وقيل في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والأصح أنه كان في أيام إبراهيم الخليل عليه السلام واجتمع به في الشام وقيل بمكة ولما فاته عين الحياة وحظي بها الخضر عليه السلام اغتم غما شديدا فأيقن بالموت فمات بدومة الجندل وكان منزله هكذا روي عن علي رضي الله تعالى عنه وقيل بشهر زور وقيل بأرض بابل وكان قد ترك الدنيا وتزهد وهو الأصح وقيل مات بالقدس ذكره في ( فضائل القدس ) لأبي بكر الواسطي الخطيب وكان عدد ما سار في الأرض في البلاد منذ يوم بعثه الله تعالى إلى أن قبض خمسمائة عام وقال مجاهد عاش ألف سنة مثل آدم عليه الصلاة و السلام وقال ابن عساكر بلغني أنه عاش ستا وثلاثين سنة وقيل ثنتين وثلاثين سنة
واختلف لم سمي ذا القرنين فعن علي رضي الله تعالى عنه لما دعا قومه ضربوه على قرنه الأيمن فمات ثم بعث ثم دعاهم فضربوه على الأيسر فمات ثم بعث وقيل لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب وقيل لأنه ملك فارس والروم وقيل كان ذا ضفيرتين من شعر والعرب تسمي الخصلة من الشعر قرنا وقيل كانت له ذؤابتان وقيل كان لتاجه قرنان وعن مجاهد كانت صفحتا رأسه من نحاس وقيل كان في رأسه شبه القرنين وقيل لأنه سلك الظلمة والضوء قاله الربيع وقيل لأنه أعطى علم الظاهر والباطن حكاه الثعلبي
وقول الله تعالى ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له

(15/233)


في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا ( الكهف 38 و48 ) إلى قوله ائتوني زبر الحديد ( الكهف 69 )
وقول الله تعالى بالجر عطفا على قول الله الأول وفي بعض النسخ باب قول الله تعالى إلى آخره ورواية أبي ذر إلى قوله سببا وساق غيره الآية ثم اتفقوا إلى قوله أتوني زبر الحديد ( الكهف 69 ) وبعد قوله سببا هو قوله فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عنده قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( الكهف 58 - 79 ) قوله يسألونك السائلون هم اليهود سألوا النبي على جهة الامتحان وقيل سأله أبو جهل وأشياعه قوله قل خطاب للنبي قوله سأتلوا عليكم قال الزمخشري الخطاب لأحد الفريقين قوله منه ذكرا أي من أخباره قوله إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء أي من أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه ويقال سهلنا عليه الأمر في السير في الأرض حتى بلغ مشارقها ومغاربها قال علي رضي الله تعالى عنه سخر الله له السحاب فحمل عليه وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء قوله وآتيناه من كل شيء سببا أي علما يتسبب به إلى ما يريد قاله ابن عباس وقيل علما بالطرق والمسالك فسخرنا له أقطار الأرض كما سخر الريح لسليمان عليه السلام وقيل جعل له في كل أمة سلطانا وهيبة وقيل ما يستعين به على لقاء العدو ووقع في بعض نسخ البخاري بعد قوله سببا طريقا قوله في عين حمئة أي ذات حمأة ومن قرأ حامية فمعناه مثله وقيل حارة ويجوز أن تكون حارة وهي ذات حمأة قوله ووجد عندها قوما أي عند العين أو عند نهاية العمارة قوما لباسهم جلود السباع وليس لهم طعام إلا ما أحرقته الشمس من الدواب إذا غربت نحوها وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت وعن ابن السائب هناك قوم مؤمنون وقوم كافرون قوله قلنا يا ذا القرنين من قال إنه نبي قال هذا القول وجي ومن منع قال إنه إلهام قوله إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال الزمخشري كانوا كفرة فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم فقال أما من دعوته فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك فذلك هو المعذب في الدارين قوله أما من ظلم أي أشرك قوله فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذبا نكرا أي منكرا وقال الحسن كان يطبخهم في القدر قوله وأما من آمن أي ترك الكفر وعمل صالحا في إيمانه فله جزاء الحسنى أي الجنة قوله يسرا أي قولا جميلا قوله ثم أتبع سببا أي طريقا آخر يوصله إلى المشرق قوله لم نجعل لهم من دونها أي من دون الشمس سترا لأنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه البناء وكانوا في أسراب لهم حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم وحروثهم وقال الحسن كانت أرضهم على شاطىء البحر على الماء لا يحتمل البناء فإذا طلعت عليهم الشمس دخلوا في الماء وإذا ارتفعت عنهم خرجوا قوله كذلك أي كما وجد قوما عند مغرب الشمس وحكم فيهم وجد قوما عند مطلعها وحكم فيهم كذلك قوله وقد أحطنا بما لديه أي من الجنود والآلات وأسباب الملك قوله خبرا قال الزمخشري تكثيرا وقال ابن الأثير الخبر النصيب قوله ثم أتبع سببا أي طريقا بين المشرق والمغرب قوله حتى إذا بلغ بين السدين أي الجبلين وجد من دونهما قوما يعني أمام السد قال الزمخشري القوم الترك قوله لا يكادون يفقهوم قولا لأهم لا يعرفون غير لغتهم ثم نذكر بقية التفسير في ألفاظ البخاري
واحدها زبرة وهي القطع
أي واحد الزبر زبرة وهي القع وهكذا فسره أبو عبيد فقال زبر الحديد أي قطع الحديد

(15/234)


حتى إذا ساوى بين الصدفين يقال عن ابن عباس الجبلين والسدين الجبلين
قرأ أبان حتى إذا سوى بتشديد الواو بحذف الألف وقال أبو عبيدة قوله بين الصدفين أي ما بين الناحيتين من الجبلين والصدفين بضمتين وفتحتين وضمة وسكون وفتحة وضمة قوله يقال عن ابن عباس تعليق بصيغة التمريض ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس والسدين بضم السين وفتحها بمعنى واحد قاله الكسائي وقال أبو عمرو بن العلاء ما كان من صنع الله فبالضم وما كان بصنع الآدمي فبالفتح وقيل بالفتح ما رأيته وبالضم ما توارى عنك
خرجا أجرا
أشار به إلى لفظ خرجا ثم فسره بقوله أجرا وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس خرجا قال أجرا عظيما
قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا أصبب عليه رصاصا ويقال الحديد ويقال الصفر وقال ابن عباس النحاس
قال المفسرون حشى ما بين الجبلين بالحديد ونسج بين طبقات الحديد بالحطب والفحم ووضع عليها المنافيج قال انفخوا حتى إذا جعله نارا أي كالنار من النفخ قال أتوني أي أعطوني أفرغ عليه قطرا وفسر البخاري قوله أفرغ بقوله أصيب من صب يصب إذا سكب وذكره بفك الإدغام لأن المثلين إذا اجتمعا في كلمة واحدة يجوز فيه الإدغام والفك والإدغام أكثر وفسر قطرا بقوله رصاصا وهو بكسر الراء وفتحها قوله ويقال الحديد أي القطر هو الحديد ويقال الصفر أي الصفر بضم الصاد وكسرها وفي ( المغرب ) الصفر النحاس الجيد الذي تعمل منه الآنية قوله وقال ابن عباس النحاس أي القطر هو النحاس وكذا قاله السدي
فما اسطاعوا أن يظهروه يعلوه اسطاع استفعل من أطعت له فلذلك فتح أسطاع يسطيع وقال بعضهم استطاع يستطيع وما استطاعوا له نقبا
قوله فما اسطاعوا أي فما قدروا أن يظهروه أي يعلوه من قولهم ظهرت فوق الجبل إذا علوته وهكذا فسره أبو عبيدة قوله اسطاع استفعل أشار به إلى أن فما اسطاعوا الذي هو بفتح الهمزة وسكون السين بلا تاء مثناة من فوق جمع مفرده اسطاع وزنه في الأصل استفعل لأنه من طعت بضم الطاء وسكون العين لأنه من باب فعل يفعل مثل نصر ينصر ولكنه أجوف واوي لأنه من الطوع يقال طاع له وطعت له مثل قال له وقلت له ولما نقل طاع إلى باب الاستفعال صار استطاع على وزن استفعل ثم حذفت التاء للتخفيف بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار اسطاع بفتح الهمزة وسكون السين وأشار إلى هذا بقوله فلذك فتح اسطاع أي فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة قيل اسطاع يسطيع بفتح الهمزة في الماضي وفتح الياء في المستقبل ولكن بعضهم قال في المستقبل بضم الياء فمن فتح الياء في المستقبل جعله من طاع يطيع ومن ضمها جعله من طاع يطوع يقال أطاعه يطيعه فهو مطيع وطاع له يطوع ويطيع فهو طائع أي أذعن له وانقاد والاسم الطاعة والاستطاعة القدرة على الشيء قوله وما استطاعوا له نقبا وهو من قوله تعالى بعد قوله فما اسطاعوا أن يظهروه ذكره إشارة إلى أن التصرف المذكور كان في قوله فما اسطاعوا أن يظهروه وأما قوله وما استطاعوا له نقبا فعلى الأصل من باب الاستفعال قوله نقبا يعني لم يتمكنوا أن ينقبوا السد من أسفله لشدته وصلابته ولم أر شارحا حرر هذا الموضع كما ينبغي فالحمد لله على ما أولانا من نعمه
قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ألزقه بالأرض وناقة دكاء لا سنام

(15/235)


لها والدكداك من الأرض مثله حتى صلب من الأرض وتلبد وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض
هذا إشارة إلى السد أي هذا السد رحمة من الله على عباده ونعمة عظيمة قال الزمخشري أي هذا الإقدار والتمكين من تسويته قوله فإذا جاء وعد ربي يعني فإذا دنا يوم القيامة وشارف أن يأتي جعله دكا أي ألزقه بالأرض يعني جعله مدكوكا مستويا بالأرض مبسوطا وكل ما انبسط بعد الارتفاع فقد اندك وقرىء دكاء بالمد أي أرضا مستوية قوله وناقة دكاء أي لا سنام لها وكذلك يقال جمل أدك إذا كان منبسط السنام قوله والدكداك من الأرض مثله أي الملزق بالأرض المستوي بها وقال الجوهري والدكداك من الرمل ما تلبد منه بالأرض ولم يرتفع قوله وكان وعد ربي حقا هذا آخر حكاية قول ذي القرنين قوله وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ابتداء كلام آخر أي وتركنا بعض الخلق يوم القيامة يموج أي يضطرب ويختلط بعضهم في بعض وهم حيارى من شدة يوم القيامة ويجوز أن يكون الضمير في بعضهم ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد وروي أنهم يأتون البحر ويشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن من الناس ولا يأتون مكة والمدينة وبيت المقدس هكذا ذكره الزمخشري في هذه الآية وروى الترمذي من حديث السدي عن أبي هريرة وفيه فيخرجون على الناس فيستقون المياه وفي ( تفسير مقاتل ) فإذا خرجوا فيشرب أولهم دجلة والفرات حتى يمر آخرهم فيقول قد كان ههنا ماء
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون قال قتادة حدب أكمة
وفي بعض النسخ قبل هذا باب حتى إذا فتحت إلى آخره كلمة حتى حرف ابتداء بسبب إذا لأنها تقتضي جوابا هو المقصود ذكره قيل جوابه واقترب الوعد الحق ( الأنبياء 79 ) والواو زائدة نظيره حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها ( الزمر 17 - 27 ) وقيل جوابه في قوله يا ويلنا بعده التقدير قالوا يا ويلنا ( الأنبياء 41 يس 252 الصافات 022 والقلم 13 ) وليست الواو زائدة وقيل الجواب في قوله فإذا هي شاخصة وقرأ ابن عامر فتحت بالتشديد والباقون بالتخفيف والمعنى حتى إذا فتحت سد يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد وهم من كل حدب أي نشر من الأرض وفسره قتادة بقوله حدب أكمة قوله ينسلون أي يسرعون من النسلان وهو مقاربة الخطى مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر والعسلان بالعين المهملة مثله
قال رجل للنبي رأيت السد مثل البرد المحبر قال رأيته
هذا التعليق وصله ابن أبي عمر من طريق سعيد عن قتادة عن رجل من أهل المدينة أنه قال للنبي يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال كيف رأيته قال مثل البرد المحبر طريقة حمراء وطريقة سوداء قال قد رأيته ورواه الطبراني من طريق سعيد عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة أن رجلا أتى النبي فقال فذكر نحوه وأخرجه البزار من طريق يوسف بن أبي مريم الحنفي عن أبي بكرة أن رجلا رأى السد فساقه مطولا وأخرجه ابن مردويه أيضا في ( تفسيره ) عن سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى حدثنا أبو الجماهير حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة الثقفي أن رجلا أتى رسول الله فقال يا رسول الله إني قد رأيته يعني السد فقال كيف هو قال كالبرد المحبر قال قد رأيته قال وحدثنا قتادة أنه قال طريقة حمراء من نحاس وطريقة سوداء من حديد قوله مثل البرد بضم الباء هو نوع من الثياب معروف والجمع أبراد وبرود والبردة الشملة المخططة قوله المحبر بضم الميم وبالحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وهو خط أبيض وخط أسود أو أحمر قوله قال رأيته أي رأيته صحيحا وأنت صادق في ذلك وقال نعيم بن حماد في ( كتاب الفتن ) حدثنا مسلمة بن علي حدثنا سعيد ابن بشير عن قتادة قال رجل يا رسول الله قد رأيت الردم وأن الناس يكذبونني فقال كيف رأيته قال رأيته كالبرد المحبر قال صدقت والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة الإسراء لبنة من ذهب ولبنة من رصاص وقال الحوفي في ( تفسيره ) بعد ما بين

(15/236)


الجبلين مائة فرسخ فلما أخذ ذو القرنين في عمله حفر له أساسا حتى بلغ الماء وجعل عرضه خمسين فرسخا وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس المذاب فبقي كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقا من نحاس فصار كأنه برد محبر19 - ( حدثا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب ابنة جحش رضي الله عنهن أن النبي دخل عليها فزعا يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها قالت زينب ابنة جحش فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث )
مطابقته للترجمة ظاهرة
( ذكر رجاله ) وهم ثمانية الأول يحيى بن بكير وهو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي الثاني الليث بن سعد رضي الله تعالى عنه الثالث عقيل بضم العين ابن خالد مولى عثمان بن عفان الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس زينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ربيبة النبي أخت عمر بن أبي سلمة وأمهما أم سلمة زوج النبي السابع أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان واسمه صخر بن حرب بن أمية زوج النبي الثامن زينب ابنة جحش بن رباب أم المؤمنين زوج النبي
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في خمسة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه والليث مصريان وأن عقيلا أيلي والبقية مدنيون وفيه ثلاث صحابيات يروي بعضهن عن بعض وهو نادر وأندر منه ما في إحدى روايات مسلم أربع من الصحابيات وهو أنه روى أولا وقال حدثني عمرو الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش أن النبي استيقظ من نومه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان بيده عشرة الحديث ثم روى وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الأشعثي وزهير بن حرب وابن أبي عمر قالوا حدثنا سفيان عن الزهري بهذا الإسناد وزادوا في الإسناد عن سفيان فقالوا عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش وأخرجه الترمذي أيضا وقال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش ( قالت استيقظ رسول الله من نومه محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله يرددها ثلاث مرات وهو يقول ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد عشرا ) الحديث وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري إلى آخره نحوه وفيه وعقد بيده عشرة وقال الترمذي قال الحميدي عن سفيان بن عيينة حفظت من الزهري في هذا الإسناد أربع نسوة زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة وهما ربيبتا النبي عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوجي النبي وقال الترمذي أيضا وروى معمر هذا الحديث عن الزهري ولم يذكر فيه عن حبيبة قلت ذكر أبو عمر في الاستيعاب في كتاب النساء فقال حبيبة بنت أبي سفيان وقال أبان بن صمغة سمع محمد بن سيرين يقول حدثتني حبيبة بنت أبي سفيان سمعت النبي يقول من مات له ثلاثة من الولد لم يرو عنها غير محمد بن سيرين ولا يعرف لأبي سفيان ابنة يقال لها حبيبة والذي أظنها حبيبة بنت أم حبيبة ابنة أبي سفيان ثم ذكر أبو عمر الحديث الذي رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة تأكيدا لما قاله أن حبيبة بنت أم حبيبة أم المؤمنين وليست بنت أبي سفيان وقال النووي وحبيبة هذه هي بنت أم حبيبة أم المؤمنين بنت أبي سفيان

(15/237)


ولدتها من زوجها عبد الله بن جحش الذي كانت عنده قبل النبي وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب الفتن حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب ابنت جحش أنها قالت استيقظ النبي من النوم محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان تسعين أو مائة الحديث وأخرجه أيضا في آخر كتاب الفتن عن أبي اليمان إلى آخره وليس فيهما ذكر حبيبة وكذلك أخرجه في علامات النبوة عن أبي اليمان
( ذكر معناه ) قوله دخل عليها أي على زينب بنت جحش قوله فزعا نصب على الحال وإنما دخل عليها على هذه الحالة خشية أن يدركه وقتهم لما فيه من الهرج وهلاك الدين قوله ويل للعرب كلمة ويل للحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل وإنما خص العرب لاحتمال أنه أراد ما وقع من قتل عثمان بينهم وقيل يحتمل أنه أراد ما سيقع من مفسدة يأجوج ومأجوج ويحتمل أنه أراد ما وقع من الترك من المفاسد العظيمة في بلاد المسلمين وهم من نسل يأجوج ومأجوج قوله قد اقترب جملة في محل الجر لأنه صفة لقوله من شر قوله من ردم أي من سد مأجوج ومأجوج يقال ردمت الثلمة أي سددتها الاسم والمصدر سواء وذلك أنهم يحفرون كل يوم حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوا النقب إلا يسيرا فيقولون غدا نأتي فنفرغ منه فيأتون بعد الصباح فيجدونه عاد كهيأته فإذا جاء الوقت قالوا عند المساء غدا إن شاء الله نأتي فنفرغ منه فينقبونه ويخرجون أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث أبي هريرة وحذيفة وفي تفسير مقاتل يغدون إليه في كل يوم فيعالجون حتى يولد فيهم رجل مسلم فإذا غدوا عليه قال لهم المسلم قولوا بسم الله فيعالجونه حتى يتركونه رقيقا كقشر البيض ويرى ضوء الشمس فيقول المسلم قولوا بسم الله غدا نرجع إن شاء الله تعالى فنفتحه الحديث قوله وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها يعني جعل الأصبع السبابة في أصل الإبهام وضمها حتى لم يبق بينهما إلا خلل يسير وهو من تواضعات الحساب وظاهر هذا يدل على أن الذي فعل هذا هو النبي وقد مر في حديث مسلم من طريق سفيان بن عيينة وعقد سفيان بيده عشرة وفي رواية البخاري أيضا في كتاب الفتن وعقد سفيان تسعين أو مائة ويأتي عن قريب في حديث زينب أيضا فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق أصبعيه والتي تليها الحديث ولم يذكر شيئا غير هذا ويأتي أيضا في حديث أبي هريرة قال فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وعقد بيده تسعين وظاهر هذا أيضا أن الذي عقد هو النبي وجاء في رواية مسلم عن أبي هريرة من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عنه وفيه وعقد وهيب بيده تسعين وهذه الرواية تصرح بأن العاقد هو وهيب وههنا ثلاثة أشياء الأول في اختلاف العاقد والثاني في اختلاف العدد والثالث أن هذا الحديث يعارضه قوله إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب فالجواب عن الأول بما أشار إليه كلام ابن العربي أن نفس العقد مدرج وليس من قوله وإنما الرواة عبروا عن الإشارة التي في قوله مثل هذه في حديث الباب وغيره وذلك لأنهم شاهدوا تلك الإشارة والجواب عن الثاني ما قاله عياض المراد أن التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد والجواب عن الثالث أن قوله إنا أمة الحديث لبيان صورة خاصة معينة قوله أنهلك بالنون وكسر اللام على الصحيح ويروى بالضم قوله الخبث قال الكرماني الخبث بفتح الخاء والباء الموحدة وفسره الجمهور بالفسوق والفجور وقيل المراد الزنا خاصة وقيل أولاد الزنا والظاهر أنه المعاصي مطلقا وأن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون انتهى -
7433 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( ابن طاوس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وعقد بيده تسعين ( الحديث 7433 - طرفه في 6317 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري يروي عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة

(15/238)


8433 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( الأعمش ) حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال يقول الله تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولاكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال أبشروا فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف ثم قال والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا فقال أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا فقال أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبرنا فقال ما أنتم في الناس إلا كالشعرة والسوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود
مطابقته للترجمة في قوله من يأجوج ومأجوج وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري وأبو أسامة حماد بن أسامة والأعمش سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث أخرجه البخاري أيضا في تفسير سور الحج
قوله لبيك مضى تفسيره في التلبية في الحج قوله وسعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ولهذا اثني وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال وقال الجرمي لم يسمع سعديك مفردا قوله والخير في يديك أي ليس لأحد معك فيه شركة قوله أخرج بفتح الهمزة أمر من الإخراج قوله بعث النار بالنصب مفعوله وهو بفتح الباء الموحدة وبالثاء المثلثة يعني المبعوث ويقال بعث النار حزبها وهو إخبار أن ذلك العدد من ولده يصيرون إلى النار قوله تسعمائة قال الكرماني بالنصب والرفع قلت وجه النصب على التمييز ووجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وفي حديث أبي هريرة من كل مائة تسعة وتسعين وفي الترمذي مثله عن عمران وصححه وعن أنس كذلك أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) وأكثر أئمة البصرة على أن الحسن سمع من عمران وعن أبي موسى نحوه رواه ابن مردويه من حديث الأشعث نحوه وعن جابر نحوه رواه أبو العباس في ( مقامات التنزيل ) وفي حديث عمران إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ثم قال إني لأرجو أن تكونوا أكثر أهل الجنة قوله فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها أي فعند قول الله تعالى عز و جل لآدم عليه الصلاة و السلام أخرج بعث النار يشيب الصغير من الهول والشدة فإن قلت يوم القيامة ليس فيه حمل ولا وضع قلت اختلفوا في ذلك الوقت فقيل هو عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا فهو حقيقة وقيل هو مجاز عن الهول والشدة يعني لو تصورت الحوامل هناك لوضعن حملهن كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب منه الولدان قوله رجل روي بالرفع والنصب أما النصب فظاهر وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ مؤخر وتقدر ضمير الشأن محذوفا والتقدير فإنه منكم رجل وكذا الكلام في ألف وألفا قوله فكبرنا أي عظمنا ذلك وقلنا الله أكبر للسرور بهذه البشارة العظيمة وإنما ذكر الربع أولا ثم النصف لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام فإن تكرار الإعطاء مرة بعد أخرى دال على الملاحظة والاعتناء به وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله وتكبيره وحمده على كثرة نعمه قوله أو كشعرة تنويع من رسول الله أو شك من الراوي وجاء فيه تسكين العين وفتحها فإن قلت إذا كانوا كشعرة فكيف يكونون نصف أهل الجنة قلت فيه دلالة على كثرة أهل النار كثرة لا نسبة لها إلى أهل الجنة والله تعالى أعلم
8 -
( باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) )
أي هذا باب في بيان فضل إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام كما في قوله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وتمام الآية هو

(15/239)


قوله تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) وسبب تسميته خليلا ما ذكره ابن جرير في ( تفسيره ) عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحية جدب فأرسل إلى خليل له من أهل الموصل وقيل من أهل مصر ليمتار طعاما لأهله من قبله فلم يصب عنده حاجته فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمال فقال لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة وليظنوا إني أتيتهم بما يحبون ففعل ذلك فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا نقيا فعجنوا منه وخبزوه فاستيقظ فسألهم عن الذقيق الذي خبزوا منه فقالوا من الدقيق الذي جئتنا به من عند خليلك فقال نعم هو من خليلي الله فسماه الله تعالى بذلك خليلا وقيل إنما سمي خليلا لشدة محبة ربه عز و جل لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها وقيل جاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهم عن النبي أن الله اتخذني خليلا كما اتخذ الله إبراهيم خليلا وقال ابن أبي حاتم بإسناده إلى عبد الله بن عمير قال كان إبرهيم عليه الصلاة و السلام يضيف الناس فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما فقال يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني فقال دخلتها بإذن ربها قال ومن أنت قال ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا قال من هو فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتيته ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت قال ذلك العبد أنت قال نعم قال فبم اتخذني ربي خليلا قال إنك تعطي الناس ولا تسألهم
واختلفوا في نسبه فقيل إنه إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالح بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح حكاه السدي عن أشياخه وقد أسقط ذكر قينان من عمود النسب بسبب أنه كان ساحرا وقيل إبراهيم بن تارخ بن أسوع بن أرغو بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وقيل إبراهيم بن آزر بن الناجر بن سارغ بن والغ بن القاسم الذي قسم الأرض ابن عبير بن شالخ بن واقد بن فالخ وهو سام وقيل آزر بن صاروج بن راغو بن فالغ بن إرفخشذ وقال الثعلبي كان اسم أب إبراهيم الذي سماه أبوه تارخ فلما صار مع نمرود قيما على خزانة آلهته سماه آزر وقيل آزر اسم صنم وقال ابن إسحاق إنه لقب له عيب به ومعناه معوج وقيل هو بالقبطية الشيخ الهرم وقال الجوهري آزر اسم أعجمي وقال البلاذري عن الشرفي بن القطامي إن معنى آزر السيد المعين وقال وهب إسم أم إبراهيم نونا بنت كرنبا من بني سام بن نوح وقال هشام لم يكن بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام إلا هود وصالح عليهما الصلاة والسلام وكان بين إبراهيم وهود ستمائة سنة وثلاثون سنة وبين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ألف ومائة وثلاثة وأربعون سنة وقال الثعلبي وكان بين مولد إبراهيم وبين الطوفان ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة سنة وسبع وثلاثون سنة وكان مولد إبراهيم في زمن نمرود بن كنعان لعنه الله تعالى ولكن اختلفوا في أي مكان ولد فقيل ببابل من أرض السواد مدينة نمرود قاله ابن عباس وعن مجاهد بكوثا محلة بكوفة وعن عكرمة بالسوس وعن السدي بين البصرة والكوفة وعن الربيع بن أنس بكسكر ثم نقله أبوه إلى كوثا وعن وهب بحران والصحيح الأول وقال محمد بن سعد في ( الطبقات ) كنية إبراهيم أبو الأضياف وقد سماه الله بأسماء كثيرة منها الأواه والحليم والمنيب قال الله تعالى إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( هود 57 ) ومنها الحنيف وهو المائل إلى الدين الحق ومنها القانت والشاكر إلى غير ذلك قلت هذه أوصاف له في الحقيقة ومات إبراهيم وعمره مائتي سنة وهو الأصح ويقال مائة وخمسة وسبعون سنة قاله الكلبي وقال مقاتل مائة وتسعون سنة ودفن بالمغارة التي في جبرون وهي الآن تسمى بمدينة الخليل ومعنى إبراهيم أب رحيم لرحمته الأطفال ولذلك جعل هو وسارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون إلى يوم القيامة وسيأتي عن قريب وقال الجواليقي إبراهيم وأبرهم وإبراهم وإبراهام

(15/240)


وقوله إن إبراهيم كان أمة قانتا ( النحل 021 ) وقوله إن إبراهيم لأواه حليم ( التوبة 411 )
وقوله عطف على المجرور في باب قول الله تعالى الأواه على وزن فعال للمبالغة فيمن يقول أوه وهو المتأوه المتضرع وقيل هو الكثير البكاء وقيل هو الكثير الدعاء وفي الحديث أللهم إجعلني لك مخبتا أواها منيبا وعن مجاهد الأواه المنيب الفقير الموفق وعن الشعبي الأواه المسبح وعن كعب الأحبار كان إذا ذكر النار قال أواه من عذاب الله تعالى
وقال أبو ميسرة الرحيم بلسان الحبشة
أبو ميسرة ضد الميمنة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الوادعي الكوفي سمع ابن مسعود وعنه أبو وائل شقيق بن سلمة مات قبل أبي جحيفة في ولاية عبيد الله بن زياد وهذا الأثر المعلق وصله وكيع في تفسيره من طريق أبي إسحاق عنه
9433 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) حدثنا ( المغيرة بن النعمان ) قال حدثني ( سعيد ابن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ ك بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ( الأنبياء 401 ) وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم ( المائدة 711 )
مطابقته للترجمة في قوله وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة و السلام وسفيان هو الثوري والمغيرة بن النعمان النخعي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي الوليد وسليمان بن حرب فرقهما وفي الرقاق عن بندار عن غندر وفي أحاديث الأنبياء عن محمد بن يوسف وفيه أيضا عن محمد بن كثير وأخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي موسى وبندار وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن عبيد الله بن معاذ وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي موسى وبندار به وعن محمود بن غيلان وفي التفسير عن محمود بن غيلان أيضا وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمود بن غيلان وعن محمد بن المثنى وفي التفسير عن سليمان بن عبيد الله
ذكر معناه قوله إنكم محشورون جمع محشور من الحشر وهو الجمع وفي رواية مسلم إنكم تحشرون بتاء المضارعة على صيغة المجهول قوله حفاة جمع حاف وهو خلاف الناعل كقضاة جمع قاض من حفي يحفى حفية وحفاية وأما من حفي من كثرة المشي إذا رقت قدمه فهو حفء من الحفاء مقصور قوله عراة جمع عار من الثياب قوله غرلا بضم الغين جمع أغرل وهو الأقلف وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته وهي قلفته وهي الجلدة التي لم تقطع في الختان قال الأزهري وغيره هو الأغرل والأرغل والأغلف بالغين المعجمة في الثلاثة والأقلف والأعرم بالعين المهملة وجمعه غرل ورغل وغلف وقلف وعرم والغرلة ما يقطع من ذكر الصبي وهو القلفة وبطولها يعرف نجابة الصبي وقال أبو هلال العسكري لا تلتقي الراء مع اللام في العربية إلا في أربع كلمات أرل اسم جبل وورل اسم دابة وجرل هو اسم للحجارة والغرلة وقال صاحب ( التوضيح ) أهمل أربع كلمات أخرى برل الديك وهو الريش الذي يستدير بعنقه وعيش أغرل أي واسع ورجل غرل مسترخي الخلق والهرل ولد قاله القالي قلت لغة العرب واسعة واستقصاء هذه المادة متعسر والورل بفتحتين دابة مثل الضب والجمع ورلان والجرل بفتح الجيم وفتح الراء وكذلك الجرول والواو للإلحاق بجعفر وبرل الديك بضم الباء

(15/241)


الموحدة وقال الجوهري برائل الديك عفرته وهو الريش الذي يستدير في عنقه ولم يذكر برلا وقد برأل الديك برألة إذا نفش برائله وعيش أغرل بالغين المعجمة ورجل غرل بفتح الغين المعجمة وكسر الراء مسترخي الخلق بالخاء المعجمة فإن قلت ما فائدة الغلفة يوم القيامة قلت المقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء حتى الغرلة تكون معهم وقال ابن الجوزي لذة جماع الأقلف تزيد على لذة جماع المختون وقال ابن عقيل بشرة حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون بشرتها أرق وموضع الحس كلما رق كان الحس أصدق كراحة الكف إذا كانت موقاة من الأعمال صلحت للحس وإذا كانت يد قصار أو نجار خفي فيها الحس فلما أبانوا في الدنيا تلك البضعة لأجله أعادها الله ليذيقها من حلاوة فضله قال والسر في الختان مع أن القلفة معفو عن ما تحتها من النجس أنه سنة إبراهيم عليه الصلاة و السلام فإن قلت روى أبو داود من حديث أبي سعيد أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ورواه ابن حبان أيضا وصححه وروى الترمذي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله يقول إنكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم ففيها معارضة لحديث الباب ظاهرا قلت أجيب بأنهم يبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم فيحشرون عراة أو بعضهم يأتون إلى موقف الحساب عراة ثم يكسون من ثياب الجنة وبعضهم حمل قوله يبعثون في ثيابه على الأعمال أي في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر قال تعالى ولباس التقوى ذلك خير ( الأعراف 62 ) وقال تعالى وثيابك فطهر ( المدثر 3 ) أي عملك أخلصه وروى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعا يبعث كل عبد على ما مات عليه وحمله بعضهم على الشهداء الذين أمر بأن يزملوا في ثيابهم ويدفنوا بها ولا يغير شيء من حالهم وقالوا يحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهداء فتأوله على العموم وقال بعضهم ومما يدل على حديث الباب قوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ( الأنعام 49 ) وقوله تعالى كما بدأكم تعودون ( الأعراف 92 ) ولا ملابس يومئذ إلا في الجنة وذهب الغزالي إلى حديث أبي سعيد واحتج بقوله بالغوا في أكفان موتاكم فإن أمتي تحشر في أكفانها وسائر الأمم عراة رواه أبو سفيان مسندا وأجيب عنه على تقدير صحته إنه محمول على أمتي الشهداء واحتج الغزالي أيضا بما رواه أبو نصر الوائلي في ( الإبانة ) من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون بها ويتزاورون في قبورهم وأجيب بأن ذلك يكون في البرزخ كما في نفس الحديث فإذا قاموا خرجوا كما في حديث ابن عباس إلا الشهداء قوله ثم قرأ قوله تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده ( الأنبياء 401 ) الآية وأولها هو قوله يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ( الأنبياء 401 ) أي يوم نطوي السماء طيا كطي السجل الصحيفة للكتاب المكتوب وعن علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم السجل ملك يطوي كتب ابن آدم إذا رفعت إليه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما السجل كاتب لرسول الله وعنه أيضا السجل يعني الرجل فعلى هذه الأقوال الكتاب اسم الصحيفة المكتوب فيها قوله أول خلق ( الأنبياء 401 ) مفعول لقوله نعيد الذي يفسره نعيده الذي بعده والكاف مكفوفة بما والمعنى نعيد أول خلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء وقيل كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة نظيرها قوله وعدا مصدر مؤكد لأن قوله نعيده عدة للإعادة قوله إنا كنا فاعلين أي قادرين على ما نشاء أن نفعل وقيل معناه إنا كنا فاعلين ما وعدناه قوله وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم فيه منقبة ظاهره له فضيلة عظيمة وخصوصية كما خص موسى عليه الصلاة و السلام بأنه يجده متعلقا بساق العرش مع أن سيد الأمة أول من تنشق عنه الأرض ولا يلزم من هذا أن يكون أفضل منه بل هو أفضل من في القيامة ولا يلزم من اختصاص الشخص بفضيلة كونه أفضل مطلقا أو المراد غير المتكلم بذلك لأن قوما من أهل الأصول ذكروا أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطابه وروى ابن المبارك في ( رقائقه ) من حديث عبد الله بن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه أول من يكسى خليل الله قبطيتين ثم يكسى محمد حلة حبرة عن يمين

(15/242)


العرش وفي ( منهاج الحليمي ) من حديث عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جبر رضي الله تعالى عنه أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون ثم قال إذا أتى بمحمد أتي بحلة لا يقوم لها البشر لنفاسة الكسوة فكأنه كسى مع إبراهيم عليه الصلاة و السلام وروى أبو نعيم من حديث ابن مسعود فيه فيكون أول من يكسى إبراهيم فيقول ربنا عز و جل إكسوا خليلي فيؤتى بربطتين بيضاوين فيلبسهما ثم يقصد مستقبل العرش ثم يؤتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون وفي ( الأسماء والصفات ) للبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر والحكمة في خصوصية إبراهيم عليه الصلاة و السلام بذلك لكونه ألقي في النار عريانا وقيل لأنه أول من لبس السراويل مبالغة في الستر ولا سيما في الصلاة فلما فعل ذلك جوزي بأن يكون أول من يستر يوم القيامة قوله وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال بكسر الشين ضد اليمين ويراد بها جهة اليسار قوله فأقول أصحابي أصحابي الأول خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء أصحابي وأصحابي الثاني تأكيد له ويروى أصيحابي أصيحابي ووجه التصغير فيه إشارة إلى قلة عدد من هذا وصفهم قوله لن يزالوا ويروى لم يزالوا وفي رواية مسلم ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي قوله لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم وفي رواية مسلم فيقال لا تدري ما أحدثوا بعدك وقال الخطابي الإرتداد هنا التأخير عن الحقوق اللازمة والتقصير فيها قيل هو مردود لأن ظاهر الإرتداد يقتضي الكفر لقوله تعالى أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ( آل عمران 441 ) أي رجعتم إلى الكفر والتنازع ولهذا قال بعدا لهم وسحقا وهذا لا يقال للمسلمين فإن شفاعته للمذنبين فإن قلت كيف خفي عليه حالهم مع إخباره بعرض أمته عليه قلت ليسوا من أمته وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر من أمته قال ولم يرتد أحد من أمته ولذلك قال على أعقابهم لأن الذي يعقل من قوله المرتدين الكفار إذا أطلق من غير تقييد وقيل هم قوم من جفاة العرب دخلوا في الإسلام أيام حياته رغبة ورهبة كعيينة بن حصين جاء به أبو بكر رضي الله تعالى عنه أسيرا والأشعث بن قيس فلم يقتلهما ولم يسترقهما فعادوا الإسلام وقال النووي المراد به المنافقون والمرتدون وقيل المراد من كان في زمنه مسلما ثم ارتد بعده فيناديه لما كان يعرفه في حال حياته من إسلامهم فيقال ارتدوا بعدك فإن قلت يشكل عليه بعرض الأعمال قلت قد ذكرنا أن الذي يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين ولا المنافقين وقال أبو عمر كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر قوله فأقول كما قال العبد الصالح وهو عيسى بن مريم صلوات الله عليهما قوله وكنت عليهم شهيدا إلى آخره ( المائدة 711 ) وتمام هذا الكلام من قوله وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس ( المائدة 711 ) إلى قوله فإنك أنت العزيز الحكيم ( المائدة 711 ) ومعنى قوله وكنت عليهم شهيدا ( المائدة 711 ) أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب أي الحفيظ عليهم والمراقبة في الأصل المراعاة وقيل أنت العالم بهم وأنت على كل شيء شهيد أي شاهد لما حضر وغاب وقيل على من عصى وأطاع قوله أن تعذبهم ( المائدة 711 ) ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك
0533 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال أخبرني ( أخي عبد الحميد ) عن ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال يلقاى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي

(15/243)


أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك فينظر فإذا بذيخ ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار
مطابقته للترجمة في ذكر إبراهيم عليه الصلاة و السلام وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس واسم أبي أويس عبد الله وأخوه عبد الحميد بن أبي أويس يكنى أبا بكر الأصبحي المديني وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسماعيل بن عبد الله
قوله قترة أي سواد الدخان وغبرة أي غبار ولا يروى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه قال تعالى وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ( عبس 04 - 14 ) ويقال القترة الظلمة وفسر ابن التين القترة بالغبرة فعلى هذا يكون من باب الترادف قال وقيل القترة ما يغشى الوجه من كرب وقال الزجاج القترة الغبرة معها سواد كالدخان وعن مقاتل سواد وكآبة قوله أن لا تخزيني من الإخزاء وثلاثيه خزاه يخزوه خزوا يعني ساسه وقهره وخزى يخزى من باب علم يعلم خزيا بالكسر أي ذل وهان وقال ابن السكيت معناه وقع في بلية وخزي أيضا يخزى خزاية أي استحيى فهو خزيان وقوم خزايا وامرأة خزياء قوله الأبعد أي الأبعد من رحمة الله وإنما قال بأفعل التفضيل لأن الفاسق بعيد والكافر أبعد وقيل هو بمعنى الباعد أي الهالك من بعد بفتح العين إذا هلك وعلى المعنيين المضاف محذوف أي من خزي أبي الأبعد قوله فإذا كلمة مفاجأة قوله بذيخ بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف قوله وبالخاء المعجمة ذكر الضبع الكثير الشعر وقال ابن سيده والجمع أذياخ وذيوخ وذيخة والجمع ذيخات قوله متلطخصفة الذبح أي متلطخ بالرجيع أو بالطين أو بالدم وحملت إبراهيم الرأفة على أن يشفع فيه فأري له على خلاف منظره ليتبرأ منه وفي رواية أخرى يوجد بحجرة إبراهيم عليه الصلاة و السلام فانتزع منه إبراهيم عليه السلام
1533 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) قال حدثني ( ابن وهب ) قال أخبرني ( عمرو ) أن ( بكيرا ) حدثه عن ( كريب ) مولى ( ابن عباس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ( دخل ) النبي البيت وجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم
مطابقته للترجمة في قوله إبراهيم في الموضعين ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي نزل مصر وهو من أفراد البخاري وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري وعمرو هو ابن الحارث المصري وبكير مصغر بكر ابن عبد الله بن الأشج
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن وهب بن بيان وقد مضى أيضا في كتاب الحج في باب من كبر في نواحي الكعبة فإنه أخرجه هناك من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله البيت أي الكعبة قوله أما بالتشديد قوله هم أي قريش وقسيم إما هو قوله هذا إبراهيم أو قسيمه محذوف نحو وأما صورة مريم فكذا قوله هذا إبراهيم أي هذا صورة إبراهيم قوله فماله يستقسم إبعاد منه في حق إبراهيم لأنه معصوم منه والاستقسام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالإزلام وهي القداح وقيل الاستقسام بالأزلام هو الميسر وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة وإنما حرم ذلك لأنه دخول في علم الغيب وفيه اعتقاد أنه طريق إلى الحق وفيه إفتراء على الله إذ لم يأمر بذلك
2533 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها

(15/244)


فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط
مطابقته للترجمة في قوله إبراهيم وهذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن إبراهيم بن موسى الفراء أبي إسحاق الرازي المعروف بالصغير عن هشام بن يوسف الصنعاني اليماني عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة
قوله فمحيت من المحو وهو الإزالة وهو على صيغة المجهول قوله قاتلهم الله أي لعنهم الله قوله إن استقسما أي ما استقسما وكلمة إن بكسر الهمزة وسكون النون نافية
3533 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) حدثنا ( عبيد الله ) قال حدثني ( سعيد بن أبي سعيد ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا
مطابقته للترجمة في قوله خليل الله وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني ويحيى بن سعيد القطان وعبيد الله بتصغير العبد هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وسعيد هو المقبري يروي عن أبيه كيسان عن أبي هريرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا هنا عن صدقة بن الفضل وفي مناقب قريش عن محمد بن بشار وأخرجه مسلم في المناقب عن محمد بن المثنى وزهير بن حرب وعبيد الله بن عمر وأخرجه النسائي في التفسير عن عمر بن علي
قوله أتفاهم يعني أشدهم تقوى قال الله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( الحجرات 31 ) قوله فيوسف نبي الله أي فيوسف نبي الله أشرفهم لأن معنى الكرم هنا الشرف وذلك من اتقى ربه عز و جل شرف لأن التقوى تحمله على أسباب العز لأنها تبعده عن الطمع في كثير من المباح فضلا عن غيره ومن المآثم وما ذاك إلا من أسره هواه وادعى القرطبي أنه يخرج من هذا الحديث أن أخوة يوسف ليسوا أنبياء إذ لو كانوا كذلك لشاركوه في هذه المنقبة وفيه نظر لأنه ذكره لكونه أفضلهم لا سيما على من ادعى رسالته قوله ابن نبي اللههو يعقوب ابن نبي الله هو إسحاق ابن خليل الله هو إبراهيم عليهم الصلاة والسلام قوله فعن معادن العرب أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة فمنها قابلة لفيض الله على مراتب المعدنيات ومنها غير قابلة له وشبههم بالمعادن لأنهم أوعية للعلوم كما أن المعادن أوعية للجواهر النفيسة وإنما قيد بقوله إذا فقهوا والحال أن كل من أسلم وكان شريفا في الجاهلية فهو خير من الذي لم يكن له الشرف فيها لأن المعنى ليس على ذلك فإن الوضيع العالم خير من الشريف الجاهل والعلم يرفع كل من لم يرفع وقوله فقهوا بكسر القاف معناه إذا فهموا وعلموا وهو من باب علم يعلم أعني بكسر القاف في الماضي وبفتحها في المستقبل وأما فقه بضم القاف يفقه كذلك فمعناه صار فقيها عالما والفقه في العرف خاص بعلم الشريعة ويختص بعلم الفروع
قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي
أشار بهذا التعليق عن أبي أسامة حماد بن أسامة وعن معتمر بن سليمان بن طرخان إلى أنهما خالفا يحيى بن سعيد القطان في الإسناد حيث لم يرويا إلا عن سعيد عن أبي هريرة ولم يذكرا الأب بخلاف يحيى فإنه قال عن سعيد عن أبي هريرة أما تعليق أبي أسامة فإن البخاري وصله في قصة يوسف عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة حماد بن أسامة وأما تعليق معتمر فوصله في قصة يعقوب عن إسحاق بن إبراهيم عن المعتمر بن سليمان عن عبيد الله
4533 - حدثنا ( مؤمل ) حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( عوف ) حدثنا ( أبو رجاء ) حدثنا ( سمرة ) قال قال رسول الله

(15/245)


أتاني الليلة آتيان فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإنه إبراهيم
مطابقته للترجمة في قوله وإنه إبراهيم والحديث مضى في آخر كتاب الجنائز مطولا عن موسى بن إسماعيل عن جرير ابن أبي حازم عن أبي رجاء عن سمرة وهنا أخرجه عن مؤمل بلفظ اسم المفعول من التأميل ابن هشام البصري ختن إسماعيل بن علية والراوي عنه عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء عمران العطاردي عن سمرة بن جندب قوله فأتينا أي فذهبا بي حتى أتينا
5533 - حدثني ( بيان بن عمرو ) حدثنا ( النضر ) أخبرنا ( ابن عون ) عن ( مجاهد ) أنه سمع ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما وذكروا له الدجال بيني عينيه مكتوب كافر أو ك ف ر قال لم أسمعه ولكنه قال أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم وأما موسى فجعد آدم على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه انحدر في الوادي يكبر ( انظر الحديث 2551 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله أما إبراهيم عليه الصلاة و السلام وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف ابن عمر وأبو محمد البخاري وهو من أفراده والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل وابن عون هو عبد الله بن عون
والحديث مضى في كتاب الحج في باب التلبية إذا انحدر من الوادي وهنا أتم
قوله وذكروا له الدجال إلى قال جمل معترضة قوله أو ك ف ر وهذه الحروف إشارة إلى الكفر والصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقة جعلها الله تعالى علامة حسية على بطلانه تظهر لكل مؤمن كاتبا أو غير كاتب قوله صاحبكم يريد به رسول الله نفسه قوله فجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة قال الكرماني ناقلا عن صاحب ( التحرير ) هذا يحتمل معنيين أحدهما أن يراد به جعودة الشعر ضد السبوطة والثاني جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وهذا أصح لأنه في بعض الروايات أنه رجل الشعر قوله آدم من الأدمة وهو السمرة قوله مخظوم أي مزموم بالخلبة بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وضمها وفتح الباء الموحدة وهي الليفة قوله انحدر فعل ماض من الانحدار وهو الهبوط قوله يكبر جملة فعلية مضارعية وقعت حالا من موسى عليه الصلاة و السلام
6533 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( مغيرة بن عبد الرحمان القرشي ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم ( الحديث 6533 - طرفه في 8926 )
مطابقته للترجمة في قوله إبراهيم عليه الصلاة و السلام وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن قتيبة أيضا وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن قتيبة به
قوله وهو ابن ثمانين سنة جملة حالية قال عياض جاء هذا الحديث من رواية مالك والأوزاعي وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة إلا أن مالكا ومن تبعه وقفوه على أبي هريرة وقال النووي وهو متأول أو مردود قلت قد أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) مرفوعا وحكى الماوردي أنه اختتن وهو ابن سبعين سنة وقال ابن قتيبة عاش مائة وسبعين سنة وقد ذكرنا الخلاف فيه فيما مضى عن قريب قوله بالقدوم في رواية الأصيلي والقابسي بالتشديد وقال الكرماني روى بتخفيف الدال وتشديدها فقيل آلة النجار يقال لها القدوم بالتخفيف لا غير وأما القدوم الذي هو مكان بالشام ففيه التشديد والتخفيف فمن رواه بالتشديد أراد القرية ومن روى بالتخفيف فيحتمل القرية والآلة والأكثرون على التخفيف وإرادة الآلة ونستقصي الكلام فيه عن قريب ولما اختتن إبراهيم صار

(15/246)


الختان سنة معمولا بها في ذريته وهو حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم ولم يزالوا يختتنون إلى زمن عيسى عليه الصلاة و السلام غيرت طائفة من النصارى ما جاء في التوراة من ذلك وقالوا المقصود غلفة القلب لا غلفة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وهو عند الشافعي واجب وعند أكثر العلماء سنة وإنما يجب بعد البلوغ ويستحب في السابع ومحله الفروع
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد بالقدوم مخففة
أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان
قوله بالقدوم يعني روى أبو الزناد بالقدوم حال كونها مخففة الدال وقال القرطبي الذي عليه أكثر الرواة بالتخفيف يعني به الآلة وهو قول أكثر أهل اللغة في الآلة قال يعقوب الآلة لا تشدد واعلم أن قوله حدثنا أبو اليمان إلى قوله مخففة وقع في غير نسخة من رواية أبي الوقت وغيره بعد قوله ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة وفي نسختنا وقع مثل ما تراه فلذلك جعلنا متابعة عبد الرحمن بن إسحاق ومتابعة عجلان ورواية محمد بن عمرو لشعيب لذي روى عنه أبو اليمان بالتخفيف وأما على تلك النسخ فتكون المتابعتان لقتيبة بن سعيد في كون عمر إبراهيم عليه السلام في ثمانين سنة فيكون اتفاق هذه الروايات تدل على أن عمره عند اختتانه كان ثمانين سنة وينبغي التنبيه في هذا الموضع حتى لا يختلط الكلام
تابعه عبد الرحمان بن إسحاق عن أبي الزناد
أي تابع شعيبا عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله الثقفي المدني فيه مقال استشهد به البخاري وروى له في الأدب وهذه المتابعة وصلها مسدد في ( مسنده ) عن بشير بن المفضل عنه ولفظه اختتن إبراهيم بعدما مرت به ثمانون سنة واختتن بالقدوم يعني مخففة وقال النووي لم يختلف الرواة عند مسلم بالتخفيف
وتابعه عجلان عن أبي هريرة
أي تابع شعيبا أو عبد الرحمن بن إسحاق عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشي والد محمد بن عجلان يعني في التخفيف وهذه المتابعة وصلها أحمد عن يحيى القطان عن محمد بن عجلان عن أبيه عجلان عن أبي هريرة
ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة
أي وروى الحديث المذكور محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ووصل هذا أبو يعلى في ( مسنده ) من هذا الوجه ولفظه اختتن إبراهيم على رأس ثمانين سنة واختلف في المراد بالقدوم فقيل مقيل لإبراهيم عليه السلام وقيل هي قرية بالشام وقال الحازمي المخفف قرية كانت عند حلب وقيل هو اسم مجلس إبراهيم بحلب وقال ثعلب هو اسم موضع وقال ابن وضاح هو جبل بالمدينة وقال ابن دريد قدوم بالفتح والتخفيف ثنية بالشراة وكذا قال البكري وحكى البكري عن محمد بن جعفر اللغوي أن المكان مشدد لا يدخله الألف واللام ومن رواه في حديث إبراهيم بالتخفيف فإنما عنى الآلة وقال القرطبي الذي عليه أكثر الرواة بالتخفيف يعني به الآلة وهو قول أكثر أهل اللغة وقال الجوهري القدوم الذي ينحت به مخفف ولا تقول قدوم بالتشديد وقال ابن السكيت والجمع قدوم
7533 - حدثنا ( سعيد بن تليد الرعيني ) أخبرنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( جرير بن حازم ) عن ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاثا
8533 - وحدثنا ( محمد بن محبوب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز و جل قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على

(15/247)


جبار من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هاذه قال أختي فأتى سارة قال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيا قالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء
مطابقته للترجمة في قوله لم يكذب إبراهيم وما المقصود إلا ذكر إبراهيم فقط
وأخرجه من طريقين الأول عن سعيد بن تليد بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة وهو سعيد بن عيسى بن تليد أبو عثمان الرعيني المصري وهو من أفراده يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة والثاني عن محمد بن محبوب ضد مبغوض أبي عبد الله البصري إلى آخره وهذا الطريق غير مرفوع والحديث في الأصل مرفوع كما في رواية جرير بن حازم وكذا عند النسائي والبزار وابن حبان مرفوع من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين وابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه وأخرجه البخاري أيضا في النكاح عن سعيد المذكور مرفوعا وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي الطاهر بن السرح وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب البيوع في باب شراء المملوك من الحربي عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة إلى آخره وليس فيه قضية الكذب وباقي القضية فيه على اختلاف في المتن بزيادة ونقصان
قوله إلا ثلاثا أي إلا ثلاث كذبات كما في الطريق الثاني وقيل الجيد أن يقال بفتح الذال في الجمع لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة لأنك تقول كذب كذبة كما تقول ركب ركبة ولو كان صفة لسكن في الجمع وقد استشكل بعضهم هذا الحصر في ثلاث لأنه جاء في رواية مسلم من حديث أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال أتي رسول الله يوما بلحم فرفع إليه الذراع الحديث وهو حديث طويل في الشفاعة وفيه إذهبوا إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام الحديث وفيه وذكر كذباته الحديث وفيه وزاد في قصة إبراهيم قال وذكر قوله في الكوكب هذا ربي وقوله لآلهتهم بل فعله كبيرهم هذا وقوله إني سقيم ( الصافات 98 ) وجه الاستشكال أن ذكر الكوكب يقتضي أن كذباته أربع وهو يعارض الحصر في حديث الباب وقال بعضهم في معرض الجواب الذي يظهر أنه وهم من بعض الرواة فإنه ذكر قوله في الكوكب بدل قوله في سارة والذي اتفقت عليه الطرق في ذكر سارة دون الكوكب انتهى قلت لا يحتاج إلى نسبة إحد إلى الوهم لأن قوله في الكوكب لا يخلو إما أنه كان وهو طفل كما قاله ابن إسحاق وإما أنه كان بعد البلوغ فإن كان الأول فلا يعد هذا شيئا لأن الطفولية ليست بمحل للتكليف وإن كان الثاني فإنه إنما قال ذلك على طريق الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية أو قاله توبيخا أو تهكما بهم وكل ذلك لا يطلق عليه الكذب وأما وجه إطلاق الكذب على الأمور الثلاثة فهو ما قاله الماوردي أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله عز و جل فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عنه وأما في غيره فالصحيح امتناعه فيؤول ذلك بأنه كذب بالنسبة إلى فهم السامعين أما في نفس الأمر فلا إذ معنى سقيم إني سأسقم لأن الإنسان عرضة للأسقام أو سقيم بما قدر عليه من الموت أو كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت وأما فعله كبيرهم فيؤول بأنه أسند إليه لأنه هو السبب لذلك أو هو مشروط بقوله إن كانوا ينطقون أو يوقف عند لفظ فعله أي فعله فاعله وكبيرهم هو ابتداء الكلام وأما سارة فهي أخته بالإسلام واتفق الفقهاء على أن الكذب جائز بل واجب في بعض المقامات كما أنه لو طلب ظالم وديعة

(15/248)


ليأخذها غصبا وجب على المودع عنده أن يكذب بمثل أنه لا يعلم موضعها بل يحلف عليه قوله ثنتين منهن أي كذبتين من هذه الكذبات الثلاث كانتا في ذات الله تعالى أي لأجله وإنما خص هاتين الثنتين لأنهما في ذات الله لأن قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله لأنها سبب لدفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة لكنها تضمنت حظا لنفسه ونفعا له بخلاف الثنتين المذكورتين لأنهما كانتا في ذات الله محضا وقد وقع في رواية هشام بن حسان أن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله تعالى وعند أحمد من حديث ابن عباس والله إن جادل بهن إلا عن الله قوله بينا هو أي إبراهيم وسارة معه قوله إذ أتى جواب بينا إذ أتى إبراهيم قوله على جبار يعني مر على جبار من الجبابرة وفي رواية مسلم وواحدة في شأن سارة أي خصلة واحدة من الثلاث المذكورة فإنه قدم أرض جبار ومعه ارة وكانت أحسن الناس واسم هذا الجبار عمرو بن امرىء القيس بن سبأ وكان على مصر ذكره السهيلي وهو قول ابن هشام في ( التيجان ) وقيل اسمه صادوف بالفاء حكاه ابن قتيبة وأنه كان على الأردن وقيل سفيان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح حكاه الطبري ويقال إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم وقيل إنه ملك حران وقال علماء السير أقام إبراهيم بالشام مدة فقحط الشام فسار إلى مصر ومعه سارة وكان بها فرعون وهو أول الفراعنة عاش دهرا طويلا فأتى إليه رجل وقال إنه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن الناس وجرى له معه ما ذكره في الحديث قوله فأرسل إليه أي أرسل هذا الجبار إلى إبراهيم قوله فقال من هذه أي فقال الجبار من هذه المرأة قال أختي وفي رواية مسلم فأرسل إليها فأتى بها فهذا يدل على أنه أتى بها حين أرسل إليه الجبار ورواية البخاري تدل على أنه أرسل إليه أولا وسأل عنها ثم أتى إبراهيم إليها وقال لها ما ذكره في الحديث ثم أرسلها إليه قوله فقال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك قيل يشكل عليه كون لو معه وأجاب بعضهم بأن مراده بالأرض الأرض التي وقع له بها ما وقع ولم يكن لوط معه إذ ذاك فإن قلت ذكر أهل السير أن إبراهيم سار إلى مصر ومعه سارة ولوط قلت يمكن أنه سار معه إلى مصر ولم يدخلها معه فأتى الجواب المذكور كما ذكره والله أعلم قوله فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني وكانت عادة هذا الجبار أن لا يتعرض إلا إلى ذوات الأزواج فلذلك قال لها إني أخبرته أنك أختي وقيل لو قال إنها امرأتي لألزمه بالطلاق قوله فلما دخلت عليه أي فلما دخلت سارة على الجبار قوله فأخذ على صيغة المجهول أي اختنق حتى ركض برجله كأنه مصروع وفي رواية مسلم فأرسل إليها فأتي بها قام إبراهيم يصلي فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يديه إليها فقبضت يده قبضة شديدة وعند أهل السير فلما دخلت عليه ورآها أهوى إليها فتناولها بيده فيبست إلى صدره قوله الثانية ويروى ثانية بدون الألف واللام وعند أهل السير فعل ذلك ثلاث مرات قوله فدعت وكان دعاؤها أللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك واحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قوله فدعا بعض حجبته بفتح الجيم والباء الموحدة جمع حاجب وفي رواية مسلم ودعا الذي جاء بها قوله إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان وفي رواية الأعرج ما أرسلتم إلي إلا شيطانا أرجعوها إلى إبراهيم وفي رواية مسلم فقال إنما جئتني بشيطان ولم تأتني بإنسان فأخرجها من أرضي وأعطها هاجر والمراد من الشيطان المتمرد من الجن وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن جدا ويرون كل ما يقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم قوله فأخدمها هاجر أي وهب لها خادما اسمها هاجر ويقال آجر بالهمز بدل الهاء وهي أم إسماعيل عليه الصلاة و السلام وهو اسم سرياني ويقال إن أباها كان من ملوك القبط وأصلها من قرية بأرض مصر تدعى حفن بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء قوله فأتته أي فأتت هاجر إبراهيم عليه الصلاة و السلام والحال أنه يصلي قوله فأومأ بيده أي أشار بيده قوله مهيا بفتح الميم وسكون الهاء وتخفيف الياء آخر الحروف مقصورا وهذه رواية المستملي وفي رواية ابن السكن مهين بالنون في آخره وفي رواية الأكثرين مهيم بالميم في آخره والكل بمعنى واحد وهو أنها كلمة يستفهم بها معناها ما حالك وما شأنك ويقال إن إبراهيم أول من قال هذه الكلمة قوله رد الله كيد الكافر في نحره هذا مثل تقوله العرب لمن أراد أمرا باطلا فلم يصل إليه وفي رواية مسلم كف الله يد الفاجر وأخدم خادما

(15/249)


وفي رواية الأعرج أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة أي جارية للخدمة ومعنى كبت رده الله خاسئا قوله قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء أراد بهم العرب لأنهم يعيشون بالمطر ويتبعون مواقع القطر في البوادي لأجل المواشي
وفيه حجة لمن يدعي أن العرب كلهم من ولد إسماعيل ويقال أراد به ماء زمزم إذ أنبطها الله تعالى لهاجر فعاشوا بها فصاروا كأنهم أولادها وقال ابن حبان في ( صحيحه ) كل من كان له من ولد إسماعيل يقال له ابن ماء السماء لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء السماء وقيل سموا بذلك لخلوص نسبه وصفائه فأشبه ماء السماء وقال عياض والأظهر عندي أنه أراد بذلك الأنصار نسبهم إلى جدهم عامر ماء السماء بن حارثة القطريف بن امريء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن من الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وعامر هذا هو جد الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء وقال صاحب ( التوضيح ) وما ذكره إنما يأتي على الشاذ أن العرب جميعها من ولد إسماعيل عليه الصلاة و السلام إلا قبائل استثنيت أما الأنصار فليسوا من ولد إسماعيل بن هاجر ولا يعلم لها ولد غيره قلت قال الرشاطي إن الأنصار جزآن الأوس والخزرج أخوان رفعنا نسبهما في باب الأنصار فذكرناها كما ذكرهما الآن وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وقيل قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة حكى ذلك ابن الكلبي والهمداني وسنستقصي الكلام في هذا الباب إن شاء الله تعالى عند انتهائنا إلى باب ذكره البخاري بقوله باب نسبة اليمن إلى إسماعيل والله أعلم
ذكر ما يستفاد من الحديث المذكور فيه مشروعية أن يقال أخي في غير النسب ويراد به الأخوة في الإسلام وفيه قبول صلة الملك الظالم وقبول هدية المشرك وفيه إجابة الدعاء بإخلاص النية وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بالعمل الصالح وفيه أن من نابه أمر مهم من الكرب ينبغي له أن يفزع إلى الصلاة وفيه أن الوضوء كان مشروعا للأمم قبلنا وليس مختصا بهذه الأمة ولا بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لثبوت ذلك عن سارة وذهب بعضهم إلى نبوة سارة والجمهور على أنها ليست بنبية
9533 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) أو ( ابن سلام ) عنه أخبرنا ( ابن جريج ) عن ( عبد الحميد ابن جبير ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن أم ( شريك ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام ( انظر الحديث 7033 )
مطابقته للترجمة في قوله على إبراهيم وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي وهو من أكبر مشايخ البخاري وكأنه شك في سماعه هذا الحديث منه وتحقق أنه سمعه من محمد بن سلام فأورده على هذا الوجه وقد وقع له نظير هذا في أماكن وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعبد الحميد بن جبير مصغر الجبر ضد الكسر ابن شيبة بن عثمان الحجبي المعدود في أهل الحجاز وأم شريك اسمها غزية أو غزيلة
والحديث مر في كتاب بدء الخلق في باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال وقد مر الكلام فيه هناك
قوله عن أم شريك وفي رواية أبي عاصم إحدى نساء بني عامر بن لؤي ولفظ المتن أنها استأمرت النبي في قتل الوزغات فأمر بقتلهن ولم يذكر الزيادة والوزغات بالفتح جمع وزغة بالفتح أيضا وذكر بعض الحكماء أن الوزغ أصم أبرص وأنه لا يدخل بيتا فيه زعفران وأنه يلقح بفيه وأنه يبيض ويقال لكبارها سام أبرص بتشديد الميم ويمج في الإناء فينال الإنسان من ذلك مكروه عظيم وإذا تمكن من الملح تمرغ فيه ويصير ذلك مادة لتولد البرص وينحجز في الشتاء أربعة أشهر لا يأكل شيئا كالحية وبينه وبين الحية إلفة كإلفة العقارب والخنافس
0633 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قلنا يا رسول الله

(15/250)


أينا لا يظلم نفسه قال ليس كما تقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك أولم تسمعوا إلى قول لقمان لإبنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم
اعترض الإسماعيلي فقال لا أعلم في الحديث شيئا من قصة إبراهيم وقال بعضهم نصرة للبخاري وخفي عليه أنه حكاية عن قول إبراهيم عليه الصلاة و السلام لأنه سبحانه لما فرغ من حكاية قول إبراهيم في الكوكب والقمر والشمس ذكر محاجة قومه له ثم حكى أنه قال لهم وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن فهذا كله عن إبراهيم انتهى قلت قد سبق صاحب ( التوضيح ) بهذا الجواب وقال الكرماني مناسبة هذا الحديث بقصة إبراهيم اتصال هذه الآية بقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ( الأنعام 38 ) وكل هذا لا يجدي شيئا والكلام في مطابقة الحديث للترجمة والترجمة هي قوله باب واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) فأين المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة واعتراض الإسماعيلي باق وقول القائل المذكور وخفي عليه إلى آخره غير موجه أصلا بل هو الذي خفي عليه أنه أثبت المطابقة بالجر الثقيل وأبعد منه ما قاله الكرماني والمقصود من المطابقة أن يكون فيه شيء من ألفاظ الترجمة ولو كان شيئا يسيرا وهذه الأحاديث المذكورة كلها لا تخلو عن ذكر إبراهيم كما هو مذكور في الترجمة ويستأنس في المطابقة من حديث رواه الحاكم عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قرأ هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( الأنعام 28 ) قال هذه في إبراهيم وأصحابه وليست في هذه الأمة
وهذا الحديث مضى في كتاب الإيمان في باب ظلم دون ظلم وأخرجه هناك من طريقين أحدهما عن أبي الوليد عن شعبة والآخر عن بشر بن خالد عن محمد عن شعبة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه والله أعلم بالصواب
21 -
( باب يزفون النسلان في المشي )
أي هذا باب ولم يذكر له ترجمة وهو كالفصل من باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) وقوله يزفون النسلان في المشي إنما ذكر في رواية الحموي والكشميهني وفي رواية المستملي والباقين باب بغير ترجمة وفي رواية النسفي لم يذكر باب وفي شرح الكرماني باب قال الله تعالى فأقبلوا إليه يزفون ( الصافات 49 ) وقال بعضهم والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي ووهم من وقع عنده باب يزفون النسلان فإنه كلام لا معنى له قلت بل له معنى جيد لأن قوله باب كالفصل كما ذكرنا فلا يحتاج إلى الترجمة لأنه من الباب السابق وقوله يزفون أشار به إلى ما في قوله تعالى فأقبلوا إليه يزفون ( الصافات 49 ) لأنه من جملة قصة إبراهيم مع قومه حين كسر أصنامهم قال الله تعالى فأقبلوا إليه أي أقبلوا إلى إبراهيم يزفون أي يسرعون ثم أشار بقوله النسلان في المشي إلى المعنى الحاصل من قوله يزفون وهو من زف في مشيه إذا أسرع وكذلك النسلان هو الإسراع في المشي يقال نسل ينسل من باب ضرب يضرب نسلا ونسلانا وفي حديث لقمان وإذا سعى القوم نسل أي إذا عدو الغارة أو مخافة أسرع هو قال ابن الأثير النسلان دون السعي قلت ومادته نون وسين مهملة ولام
1633 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم بن نصر ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( أبي حيان ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال أتي النبي يوما بلحم فقال إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنوا الشمس منهم فذكر حديث الشفاعة فيأتون إبراهيم فيقولون أنت نبي الله وخليله من الأرض اشفع لنا إلى ربك فيقول فذكر كذباته نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى
مطابقته لباب واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) في قوله أنت نبي الله وخليله في الأرض وأبو أسامة حماد بن أسامة وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب الكوفي وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء اسمه هرم

(15/251)


ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي
والحديث قد مضى في باب قول الله تعالى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( نوح 1 ) عن قريب قوله وينفذهم رواه الأكثرون بفتح الياء وبعضهم بالضم يقال نفذني بصره إذا بلغني وتجاوز ويقال أنفذت القوم إذا أخذتهم ومعناه أنه يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وقال أبو حاتم أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة وإنما هو بالمهملة أي يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم من نفدت الشيء انفده وأنفدته قوله فذكر كذباته تفسير قوله فيقول
تابعه أنس عن النبي
أي تابع أبا هريرة في رواية الحديث المذكور أنس بن مالك بين البخاري هذه المتابعة في التوحيد وغيره من حديث قتادة عن أنس أن النبي قال يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا الحديث
2633 - حدثني ( أحمد بن سعيد أبو عبد الله ) حدثنا ( وهب بن جرير ) عن أبيه عن ( أيوب ) عن ( عبد الله بن سعيد بن جبير ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكان زمزم عينا معينا
مطابقته للباب الذي تقدم ظاهرة لأنه في قضية إبراهيم عليه السلام وحديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري من ثلاث طرق وهذا هو الأول
ورجاله سبعة الأول أحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله المروزي المعروف بالرباطي الثاني وهب بن جرير الأزدي البصري أبو العباس الثالث أبوه جرير بفتح الجيم ابن حازم بن زيد أبو النصر الأزدي البصري الرابع أيوب السختياني الخامس عبد الله بن سعيد بن جبير الأسدي الكوفي السادس أبوه سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الفقيه الورع السابع عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر الاختلاف الواقع في هذا الإسناد هذا الحديث رواه ابن السكن والإسماعيلي من طريق حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير عن أبيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي وزاد في روايتهما أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري المذكور عن وهب بن جرير عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب إلى آخره فأسقط عبد الله بن سعيد بن جبير وزاد أبي بن كعب ورواه النسائي أيضا عن أبي داود سليمان بن سعيد عن علي بن المديني عن وهب به وفيه قلت لأبي حماد لا تذكر أبي بن كعب ولا ترفعه وقال أنا أحفظ كذا وكذا حدثني به أيوب قال وهب وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن ابن عباس نحوه ولم يذكر أبي بن كعب ولم يرفعه قال وهب فأتيت سلام بن أبي مطيع فحدثني بهذا الحديث عن حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد فرد ذلك ردا شديدا ثم قال لي فأبوك ما يقول قلت أبي يقول أيوب عن سعيد فقال العجب والله ما يزال الرجل من أصحابنا الحافظ قد غلط إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير وقال أبو مسعود رأيت جماعة اختلفوا على وهب بن جرير في هذا الإسناد قال الجياني لم يذكر أبو مسعود إلا هذا وأنا أذكر ما انتهى إلي من الخلاف على وهب وعلى غيره في هذا الإسناد فرواه عن حجاج عن وهب به بزيادة أبي بن كعب ثم رواه من طريق البخاري بإسقاطه ورواه علي بن المديني عنه بإثباته ورواه حماد بن زيد عن أيوب فلم يذكره ولا رسول الله ورواه ابن علية عن أيوب فقال نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول من سعى بين الصفا والمروة الحديث بطوله نحوا مما رواه معمر عن أيوب عن سعيد وفيه قصة زمزم ورواه سلام بن أب مطيع عن أيوب عن عكرمة بن خالد ولم يذكر ابن جبير قال أبو علي وكيف يصح هذا وفيه من الخلاف ما عرفت فنقول إذا ميزه الناظر ميز منه ما ميزه البخاري وحكم بصحته وعلم أن الخلاف الظاهر فيه إنما يعود إلى وفاق وأنه لا يدفع بعضه بعضا والاختلاف إذا كان دائرا على ثقات حفاظ لا يضر فلا يلتفت إلى عيب

(15/252)


الإسماعيلي على البخاري إخراجه رواية أيوب لاضطرابها ولا يلتفت أيضا إلى إنكار سلام بن أبي مطيع على كون مخرج الحديث عن سعيد رواه عن عكرمة لأنه ليس من حمال المحابر
ذكر معناه قوله رحم الله أم إسماعيل هي هاجر وقصتها ملخصة ما ذكره السدي أن سارة زوج إبراهيم عليهما الصلاة والسلام حلفت أن لا تساكن هاجر فحملها إبراهيم وإسماعيل معها إلى مكة على البراق ومكة إذ ذاك عضاه وسلم وسمر وموضع البيت يومئذ ربوة فوضعهما موضع الحجر ثم انصرف فاتبعته هاجر فقالت إلى من تكلنا فالله أمرك بهذا قال نعم فقالت إذن لا يضيعنا ثم انصرف راجعا إلى الشام وكان مع هاجر شنة ماء وقد نفد فعطشت وعطش الصبي فقامت وصعدت الصفا فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى إنسانا فلم تسمع صوتا ولم تر أحدا ثم ذهبت إلى المروة فصعدت عليها وفعلت مثل ذلك فلم تزل تسع بينهما حتى سعت سبع مرات وأصل السعي من هذا ثم سمعت صوتا فجعلت تدعو اسمع أيل يعني إسمع يا الله قد هلكت وهلك من معي فإذا هي بجبريل عليه السلام فقال لها من أنت قالت سرية إبراهيم تركني وابني ههنا قال إلى من وكلكما قالت إلى الله تعالى قال وكلكما إلى كاف ثم جاء بهما إلى موضع زمزم فضرب بعقبه ففارت عينا فلذلك يقال لزمزم ركضة جبريل عليه السلام فلما نبع الماء أخذت هاجر شنتها وجعلت تستقي فيها تدخره وهي تفور فقال رسول الله يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينا معينا وهو بفتح الميم أي سائلا جاريا على وجه الأرض يقال عين معين أي ذات عين جارية والقياس أن يقال معينة والتذكير إما حملا على اللفظ أو لوهم أنه فعيل بمعنى مفعول أو على تقدير ذات معين وهو الماء يجري على وجه الأرض
3633 - وقال ( الأنصاري ) حدثنا ( ابن جريج أما كثير بن كثير فحدثني ) قال إني ( وعثمان بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير ) فقال ( ما هكذا ) حدثني ( ابن عباس ) قال أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه معها شنة لم يرفعه ثم جاء بها إبراهيم وبإبنها إسماعيل
هذا طريق ثان أخرجه معلقا عن الأنصاري وهو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس مات سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قال أما كثير بن كثير ضد القليل في الإثنين ابن المطلب بتشديد الطاء المهملة وكسر اللام ابن أبي وداعة بفتح الواو وتخفيف الدال المهملة السهمي مر في كتاب الشرب وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي قوله جلوسأي جالسان قوله وأمه يعني هاجر والواو في وهي ترضعه للحال قوله شنة بفتح الشين المعجمة وتشديد النون وهي القربة اليابسة قوله لم يرفعه أي الحديث وهذا التعليق وصله أبو نعيم في ( المستخرج ) عن فاروق بن عبد الكبير حدثنا أبو خالد عبد العزيز بن معاوية القرشي عن الأنصاري ولكنه أورده مختصرا
4633 - وحدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( أيوب السختياني وكثير ابن كثير بن المطلب بن أبي ) وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن ( سعيد بن جبير ) قال ( ابن عباس ) أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهاذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت

(15/253)


إليها فقالت له آلله الذي أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رب أني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم حتى بلغ يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل تري أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعه ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هاذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك فقالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته

(15/254)


وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال أللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري له نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذالك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهاذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
هذا من تتمة الحديث الأول لأن الحديث الأول جزء يسير منه وهذا يوضح القصة كما ينبغي وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وعبد الرزاق بن همام ومعمر بن راشد
ذكر معناه قوله المنطق بكسر الميم ما يشد به الوسط أي اتخذت أم اسماعيل منطقا وكان أول الإتخاذ من جهتها ومعناه أنها تزيت بزي الخدم إشعارا بأنها خادمها يعني خادم سارة لتستميل خاطرها وتجبر قلبها وفي رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منقطقا فشدت به وسطها وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة وهو معنى قوله لتعفي أثرها أي لأن تعفي يقال عفا على ما كان منه إذا أصلح بعد الفساد ويقال إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها فكانت أول من فعل ذلك ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم إسماعيل قوله ثم جاء بها إبراهيم قيل كان على البراق وقيل كان تطوى له الأرض قوله وهي ترضعه الواو فيه للحال أي هاجر ترضع إسماعيل قوله عند البيت أي عند موضع البيع لأنه لم يكن في ذلك الوقت بيت ولا بناء قوله فوضعهما

(15/255)


عند البيت هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى وضعهما قوله عند دوحة بفتح الدال والحاء المهملتين وهي الشجرة العظيمة قوله فوق زمزم هكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فوق الزمزم قوله وفي أعلى المسجد أي في أعلى مكان المسجد لأنه لم يكن حينئذ بنى المسجد قوله جرابا بكسر الجيم وهو الذي يتخذ من الجلد يوضع فيه الزوادة قوله وسقاء بالنصب عطف على جرابا وهو بكسر السين وهو قربة صغيرة وفي رواية تأتي شنة بفتح الشين المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة اليابسة قوله ثم قفى بفتح القاف وتشديد الفاء من التقفية وهي الأعراض والتولي وقال الهروي معنى قفى ولى يعني ولى راجعا إلى الشام وفي رواية إبن إسحاق فانصرف إبراهيم عليه السلام إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت قوله منطلقا نصب على الحال قوله فتبعته أم إسماعيل وفي رواية ابن إسحاق فاتبعته وفي رواية ابن جريج فأدركته بكذا قوله إذن لا يضيعنا وفي رواية عطاء لن يضيعنا وفي رواية ابن جريج حسبي وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير فقالت رضيت بالله قوله عند الثنية بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وهو في الجبل كالعقبة وقيل هو الطريق العالي فيه وقيل أعلى المسيل في رأسه قوله رب يعني يا رب ويروى ربي بالياء هكذا رواية الكشميهني رب وفي رواية غيره ربنا كما في القرآن وهو قوله تعالى ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( إبراهيم 73 ) قوله بواد غير ذي زرع هو مكة قوله المحرم وصف البيت بالمحرم لأن الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به ولأنه حرم على الطوفان أي منع منه قوله ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم يتعلق بقوله أسكنت أي ما أسكنتهم بهذا الوادي الخلاء البلقع إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم قوله فاجعل أفئدة من الناس أي من أفئدة الناس وهي جمع فؤاد وهي القلوب وقد يعبر عن القلب بالفؤاد وقيل جمع وفود من الناس ولو قال أفئدة للناس لحجت اليهود والنصارى والمجوس قاله سعيد بن جبير قوله تهوي إليهم أي تقصدهم وتسكن إليهم قوله وارزقهم من الثمرات أي التي تكون في بلاد الريف حتى يحبهم الناس فقبل الله دعاءه وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار لعلهم يشكرون النعمة قوله حتى إذا نفد ما في السقاء أي حتى إذا فرغ الماء الذي في السقاء قوله وعطش ابنها أي إسماعيل بكسر الطاء في الموضعين قيل كان عمره في ذلك الوقت سنتين وقيل كان لبنها انقطع قوله يتلوى أي يتمرغ وينقلب ظهرا لبطن ويمينا وشمالا واللوى وجع في البطن قوله وقال يتلبط بالباء الموحدة قبل الطاء المهملة أي يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض وقال الداودي هو أن يحرك لسانه وشفتيه كأنه يموت قال الخليل لبط فلان بفلان الأرض إذا صرعه صرعا عنيفا وقال ابن دريد اللبط باليد والخبط بالرجل وفي رواية عطاء بن السائب فلما ظمأ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه وفي رواية معمر والكشميهني يتلمظ بالميم والظاء المعجمة قوله ثم استقبلت الوادي وفي رواية عطاء بن السائب والوادي يومئذ عميق قوله تنظر جملة وقعت حالا قوله فهبطت بفتح الباء قوله ثم سعت سعي الإنسان المجهود أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق قوله سبع مرات وفي حديث أبي جهم وكان ذلك أول من سعى بين الصفا والمروة قوله فقالت صه بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة والمعنى لما سمعت الصوت قالت لنفسها صه أي أسكتي وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فقالت أغثني إن كان عندك خير قوله ثم تسمعت أي تكلفت في السماع واجتهدت فيه وهو من باب التفعل ومعناه التكلف قوله قد أسمعت بفتح التاء من الإسماع قوله غواث بفتح الغين المعجمة في رواية الأكثرين وتخفيف الواو وفي آخره ثاء مثلثة قيل وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره وحكى ابن الأنباري ضم أوله وحكى ابن قرقول كسر أوله أيضا وفي رواية أبي ذر الضم والفتح للأصيلي وضبطه الدمياطي بالضم وضبطه ابن التين بالفتح وعلى كل حال هو مشتق من الغوث وجزاء الشرط محذوف تقديره إن كان عندك غواث اغثني قوله فإذا هي بالملك كلمة إذا للمفاجأة وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فإذا جبريل وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن فناداها جبريل فقال من أنت قالت أنا هاجر أم ولد إبراهيم قال فإلى من وكلكما قالت إلى الله

(15/256)


قال وكلكما إلى كاف قوله فبحث بعقبه البحث طلب الشيء في التراب وكأنه حفر بطرف رجله قوله أو قال بجناحه شك من الراوي قال الكرماني ومعنى قال بجناجه أشار به وفي رواية إبراهيم بن نافع فقال بعقبه هكذا وغمز عقبه على الأرض وفي رواية ابن جريج فركض جبريل برجله وفي حديث علي ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم قوله حتى ظهر الماء وفي رواية ابن جريج ففاض الماء وفي رواية ابن قانع فانبثق أي تفجر قوله وجعلت تحوضه أي تجعله كالحوض لئلا يذهب الماء وفي رواية ابن قانع فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع تحفن بالنون بدل الراء والأول أصوب وفي رواية عطاء بن السائب فجعلت تفحص الأرض بيدها قوله وتقول بيدها هكذا هو حكاية فعلها وهذا من إطلاق القول على الفعل قوله عينا معينا قد مر تفسيره عن قريب وفي رواية ابن قانع كان الماء ظاهرا قوله لا تخافوا الضيعة أي الهلاك ويروى لا تخافي وفي حديث أبي جهم لا تخافي أن ينفد الماء ويروى لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ وأنها عين تشرب بها ضيفان الله وزاد في حديث أبي جهم فقالت بشرك الله بخير وفيه أن الملك يتكلم مع غير الأنبياء عليهم السلام قوله يبني هذا الغلام كذا هو بغير ذكر المفعول وفي رواية الإسماعيلي يبنيه بإظهار المفعول قوله كالرابية وهو المكان المرتفع قوله رفقة بضم الراء وسكون الفاء وفتح القاف وهي الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفرهم أو لا قوله من جرهم بضم الجيم والهاء حي من اليمن وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم وقيل إن أصلهم من العمالقة وفي رواية عطاء بن السائب وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة قوله أو أهل بيت من جرهم شك من الراوي قوله مقبلين حال من الإقبال وهو التوجه إلى الشيء قوله من طريق كداء بفتح الكاف وبالمد وكذا هو في جميع الروايات واعترض بعضهم بأن كداء بالفتح والمد محل في أعلى مكة وأما الذي في أسفلها بضم الكاف والقصر والصواب هنا هذا يعني بالضم والقصر ورد بأنه لا مانع من أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى قوله عائفا بالعين المهملة وبالفاء وهو الذي يتردد على الماء ويحوم حوله ولا يمضي عنه قاله الخليل والعائف الرجل الذي يعرف مواضع الماء من الأرض قوله لعهدنا اللام فيه مفتوحة للتأكيد قوله بهذا الوادي ظرف مستقر لا لغو قوله وما فيه ماء الواو فيه للحال قوله فأرسلوا جريا بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف وهو الرسول ويطلق على الوكيل والأجير وسمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه قوله أو جريين شك من الراوي هل أرسلوا واحدا أو اثنين وفي رواية إبراهيم بن نافع فأرسلوا رسولا قوله فإذا هم بالماء كلمة إذا للمفاجأة فإن قلت المذكور جرى بالإفراد أو جريين بالتثنة فما وجه الجمع قلت يحتمل كون ناس آخرين مع الجري من الخدم والأتباع قوله فأقبلوا أي جرهم أقبلوا إلى جهة الماء قوله وأم إسماعيل عند الماء جملة حالية أي كائنة عند الماء مستقرة قوله فقالو أي جرهم قالوا بعد حضورهم عند أم إسماعيل قوله فقالت نعم أي قالت أم إسماعيل نعم أذنت لكم بالنزول قوله فألفى ذلك بالفاء أي وجد قال الكرماني أي وجد ذلك الجرهمي أم إسماعيل محبة للمؤانسة بالناس وقال بعضهم فألفى ذلك أي وجد وأم إسماعيل بالنصب على المفعولية ولم يبين فاعل وجد من هو كأنه خفي عليه وكذلك خفي على الكرماني حتى جعل فاعل ألفى الجرهمي والفاعل لقوله فألفى هو قوله ذلك وأم إسماعيل مفعوله وذلك إشارة إلى استئذان جرهم والمعنى فأتى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل والحال أنها تحت الأنس لأنها كانت وحدها وإسماعيل صغير والوحشة متمكنة ونظير ما ذكرنا من هذا نظير ما في قول عائشة رضي الله تعالى عنه ما ألفاه السحر عندي إلا نائما وفسره ابن الأثير وغيره أي ما أتى عليه السحر إلا وهو نائم يعني بعد صلاة الليل والفعل فيه للسحر قوله الأنس بضم الهمزة ويجوز بالكسر أيضا لأن الأنس بالكسر جنسها قوله وشب الغلام أي إسماعيل عليه الصلاة و السلام وفي حديث أبي جهم ونشأ

(15/257)


إسماعيل بين ولدانهم أي ولدان جرهم قوله وتعلم العربية منهم أي من جرهم وقال بعضهم وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية وقع ذلك عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ أول من نطق بالعربية إسماعيل قلت ليس فيه تضعيف ذلك لأن المعنى أول من تكلم بالعربية من أولاد إبراهيم إسماعيل عليهما الصلاة والسلام لأن إبراهيم وأهله كلهم لم يكونوا يتكلمون بالعربية فالأولية أمر نسبي فبالنسبة إليهم هو أول من تكلم بالعربية لا بالنسبة إلى جرهم قوله وأنفسهم قال الكرماني أنفسهم بلفظ الماضي أي رغبهم فيه وفي مصاهرته يقال أنفسني فلان في كذا أي رغبني فيه وأعجبهم أي أعجبهم في نفاسته وقال بعضهم أنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي كثرت رغبتهم فيه انتهى قلت قوله أفعل التفضيل غلط وما هو إلا فعل ماض من الإنفاس والفاعل فيه إسماعيل وهو عطف على تعلم وقال ابن الأثير في ( النهاية ) وحديث إسماعيل عليه الصلاة و السلام أنه تعلم العربية وأنفسهم أي رغبهم وأعجبهم وصار عندهم نفيسا يقال أنفسني في كذا أي رغبني فيه قوله زوجوه إمرأة منهم قال السهيلي اسمها جداء بنت سعد وعن إبن إسحاق أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة وفي حديث أبي جهم أنها بنت صدي ولم يسمها وقال عمر بن شبة اسمها حية بنت أسعد بن عملق وعن ابن إسحاق أن إسماعيل خطبها إلى أبيها فزوجها منه قوله وماتت أم إسماعيل يعني في خلال ذلك وفي رواية عطاء بن السائب فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر عليها السلام وكان عمرها تسعين سنة فدفنها إسماعيل عليه الصلاة و السلام في الحجر قوله يطالع تركته بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك والتركة بكسر الراء وسكونها بمعنى المتروكة والمراد بها أهله والمطالعة النظر في الأمور وقال ابن التين هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي وقد قال في هذا الحديث إن إبراهيم تركه رضيعا وعاد إليه وهو متزوج فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج وأجاب الكرماني بأنه ليس فيه نفي مجيئه مرة أخرى قبل موتها وتزوجه قلت بل ليس فيه نفي المجيء أصلا بل فيه المجيء مرات فإنه جاء فيخبر أبي جهم كان إبراهيم عليه الصلاة و السلام يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام قوله خرج يبتغي لنا أي يطلب لنا الرزق وفي رواية ابن جريج وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد وفي حديث أبي جهم ولكن إسماعيل يرعى ماشية ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد قوله ثم سألها عن عيشهم وزاد في رواية عطاء بن السائب وقال هل عندك من ضيافة قوله فقالت نحن في ضيق وشدة وفي حديث أبي جهم فقال لها هل من منزل فقالت لاها الله إذا قال فكيف عيشكم قال فذكرت جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام وأما الشاء فلا نحلب إلا المصر أي الشخب وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ الشخب بفتح الشين وسكون الخاء المعجمتين وبباء موحدة السيلان قوله يغير عتبة بابه العتبة بفتح العين المهملة من فوق والباء الموحدة وهي أسكفة الباب وهي ههنا كناية عن المرأة قوله جاءنا شيخ كذا وكذا وفي رواية عطاء بن السائب كالمستخف بشأنه قوله فسألنا عنك بفتح اللام قوله ذاك أبي أي ذاك الذي هو أبي إبراهيم قوله وتزوج منهم أخرى أي تزوج من جرهم امرأة أخرى ذكر الواقدي أن اسمها سامة بنت مهلهل وقيل اسمها عاتكة وقيل بشامة بفتح الباء الموحدة وبشين معجمة خفيفة بنت مهلهل بن سعد بن عوف وقيل اسمها نجدة بنت الحارث بن مضاض وحكى ابن سعد عن إبن إسحاق أن اسمها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن يوذان بن جرهم وذكر الدارقطني أن اسمها سيدة بنت مضاض وقال الجواني اسمها هالة بنت الحارث بن مضاض ويقال سلمى ويقال الحنفاء قوله نحن بخير وسعة وفي حديث أبي جهم نحن في خير عيش بحمد الله ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب قوله أللهم بارك لهم في اللحم والماء وفي رواية إبراهيم بن نافع أللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قوله فهما لا يخلوان عليهما أي فاللحم والماء لا يعتمد عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه والغرض أن المداومة على اللحم والماء لا يوافق الأمزجة وينحرف المزاج عنهما إلا في مكة فإنهما يوافقانه وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء إبراهيم عليه الصلاة و السلام وفي رواية الكشميهني لا يخلوان بصيغة التثنية يقال خلوت بالشيء وأختليت إذا لم تخلط به غيره ويقال أخلى الرجل

(15/258)


اللبن إذا غيره وفي حديث أبي جهم ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه قوله هل أتاكم من أحد وفي رواية عطاء بن السائب فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيب ريحا قوله أن تثبت عتبة بابك وفي حديث أبي جهم فإنها فلاح المنزل قوله أن أمسكك زاد في حديث أبي جهم ولقد كنت علي كريمة ولقد ازددت علي كرامة فولدت لإسماعيل عشرة ذكور قلت ولدت اثني عشر رجلا وهم نابت وقيدار وإذميل وميشى ومسمع وذوما وماش وآزر وفطور ونافش وظميا وقيدما وكانت له ابنة تسمى نسمة قوله يبري بفتح الياء وسكون الباء الموحدة والنبل بفتح النون وسكون الباء الموحدة السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه وهو السهم العربي قوله دوحة وهي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من رواء زمزم قوله كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد قوله إن الله أمرني بأمر قيل كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت مائة سنة وعمر إسماعيل ثلاثين سنة قوله وتعينني قال وأعينك وفي رواية الكشميهني فأعينك بالفاء وفي رواية إبراهيم بن نافع إن الله قد أمرني أن تعينني عليه قال إذن إفعل بالنصب قوله أكمة بفتحين وهي الرابية قوله على ما حولها يتعلق بقوله ابني قوله رفعا القواعد جمع قاعدة وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك وفي رواية مجاهد عند ابن أبي حاتم أن القواعد كانت في الأرض السابعة وفي حديث أبي جهم فبلغ إبراهيم من الأساس أس آدم عليه الصلاة و السلام وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعا كان ذلك بذراعهم زاد أبو جهم وأدخل الحجر في البيت وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقي فيها ما يهدى للبيت وفي حديثه أيضا أن الله أوحى إلى إبراهيم أن اتبع السكينة فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة فحفراه يريد أن أساس آدم الأول وقال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة أن رجلا قام إلى علي رضي الله تعالى عنه فقال ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض فقال لا ولكنه أول بيت وضع للبركة مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وإن شئت أنبأتك كيف بني إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض قال فضاق إبراهيم بذلك ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج ولها رأسان فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة فتطوت على موضع البيت كطي الجحفة وأمر إبراهيم عليه الصلاة و السلام أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم وبقي حجر فقال إبراهيم لإسماعيل إئتني حجرا كما أمرك الله قال فانطلق الغلام يلتمس له حجرا فأتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه فقال يا أبت من أتاك بهذا الحجر قال أتاني به من لا يتكل على بنائك جاء به جبريل عليه الصلاة و السلام من السماء فأتماه وفي رواية السدي لما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن قال إبراهيم لإسماعيل يا بني أطلب لي حجرا حسنا أضعه ههنا قال يا أبت إني كسلان قال علي ذلك فانطلق يطلب له حجرا وجاء جبريل بالحجر الأسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة وكان آدم عليه الصلاة و السلام هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال يا أبت من جاءك بهذا قال جاء به من هو أنشط منك فبينما هما يدعوان الكلمات التي ابتلي إبراهيم ربه فقال ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ( البقرة 721 ) وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا عبد الوهاب بن معاوية عن عبد الرحمن بن خالد عن عليان ابن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل بنيا قواعد البيت من خمسة أجبل فقال ما لكما ولأرضي فقالا نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة قال فهاتا البينة على ما تدعيان فقامت خمسة أكبش فقلن نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال قد رضيت وسلمت ثم مضى وذكر الأزرقي في ( تاريخ مكة ) أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم بالبيت قلت ريح خجوج أي شديدة المرور في غير استواء قوله فتطوت وفي رواية فتطوقت قوله مثل الثغامة بفتح الثاء المثلثة والغين المعجمة وهي طير أبيض كبير قوله من خمسة

(15/259)


أجبل وعند ابن أبي حاتم بناه من خمسة أجبل حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر قال ابن أبي حاتم جبل الخمر يعني بفتح الخاء المعجمة هو جبل بيت المقدس وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن آدم بناه من خمسة أجبل حراء وطور زيتا وطور سينا والجودي ولبنان وكان ربضه من حراء ومن طريق محمد بن طلحة اليتهمي قال سمعت أنه أسس البيت من ستة أجبل من أبي قبيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد قلت حراء بكسر الحاء المهملة والمد وهو جبل من جبال مكة معروف وثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة جبل من جبال مكة و لبنان بضم اللام وسكون الباء الموحدة جبل بالشام من أعظم الجبال وأصله ممتد من الحجاز إلى الروم و جبل الطور على مسيرة سبعة أيام من مصر وهو الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه الصلاة و السلام عليه و طور زينا جبل بالقدس و الجودي جبل مطل على جزيرة ابن عمر على دجلة فوق الموصل و طور سينا اختلف فيه فقيل هو جبل بقرب أيلة وقيل هو جبل بالشام و قدس بفتح القاف إثنان قدس الأبيض وقدس الأسود وهما جبلان عند ورقان وورقان على وزن قطران جبل أسود بين العرج والرويثة على يمين المار من المدينة إلى مكة و العرج بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخره جيم قرية جامعة من أعمال الفرع على أيام من المدينة النبوية و الرويثة بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة وهي قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا و رضوى من جبل تهامة بينه وبين المدينة سبع مراحل وهو من الينبع على يوم قوله جاء بهذا الحجر أراد به الحجر المشهور بمقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام وفي رواية إبراهيم بن نافع حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام وزاد في حديث عثمان ونزل عليه الركن والمقام فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل عليه السلام فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت قوله حتى يدورا من الدوران ويروى حتى يدورا من التدوير
5633 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( أبو عامر عبد الملك بن عمرو ) قال حدثنا ( إبراهيم ابن نافع ) عن ( كثير بن كثير ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا قال إلى الله قالت رضيت بالله قال فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء قالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا قال فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت وأتت المروة ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا حتى أتمت سبعا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل فإذا هي بصوت فقالت أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل قال فقال بعقبه هكذا وغمز عقبه على الأرض قال فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر قال فقال أبو القاسم لو تركته كان الماء ظاهرا قال فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها

(15/260)


قال فمر ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذلك وقالوا ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هم بالماء فأتاهم فأخبرهم فأتوا إليها فقالوا يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك أو نسكن معك فبلغ ابنها فنكح فيهم امرأة قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي قال فجاء فسلم فقال أين إسماعيل فقالت امرأته ذهب يصيد قال قولي له إذا جاء غير عتبة بابك فلما جاء أخبرته قال أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي قال فجاء فقال أين إسماعيل فقالت امرأته ذهب يصيد فقالت ألا تنزل فتطعم وتشرب فقال وما طعامكم وما شرابكم قالت طعامنا اللحم وشرابنا الماء قال اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال فقال أبو القاسم بركة بدعوة إبراهيم قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له فقال يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتا قال أطع ربك قال إنه أمرني أن تعينني عليه قال إذن أفعل أو كما قال قال فقاما فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
هذا طريق ثالث لحديث ابن عباس وعبد الله بن محمد البخاري المعروف بالمسندي وأبو عامر هو العقدي وإبراهيم بن نافع المخزومي المكي
قوله وبين أهله يعني سارة لما ولدت هاجر إسماعيل وقد تقدمت قصتها قوله ما كان أي من جنس الخصومة التي هي معتادة بين الضرائر قوله لما بلغوا أي نادته حين البلوغ قوله كداء قد مر الكلام فيه مع الخلاف في ضبطه قوله كأنه ينشغ بالنون والشين والغين المعجمتين وهو الشهيق من الصدر حتى كاد يبلغ به الغشي أي يعلو نفسه كأنه شهيق من شدة ما يرد عليه قوله فلم تقرها نفسها من الإقرار في المكان و نفسها مرفوع بأنه فاعله قوله فقال بعقبه أي أشار به وهذا من المواضع التي يستعمل فيها قال في غير معناه قوله فانبثق أي انخرق وتفجر ومادته باء موحدة وثاء مثلثة وقاف قوله وتحفر بالراء ويروى تحفن بالنون أي تملأ الكفين قوله فبلغ الفاء فيه فصيحة أي فأذنت فكان كذا فبلغ قوله بدا أي ظهر لإبراهيم التوجه إلى هاجر قوله بركة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي بركة أو بالعكس أي زمزم بركة أو في طعام مكة وشرابها بركة وسياق الكلام يدل عليه قوله عتبة بابك ويروى بيتك قوله على نقل الحجارة ويروى عن نقل الحجارة
6633 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( إبراهيم التيمي ) عن أبيه قال سمعت ( أبا ذر ) رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول قال المسجد الحرام قال قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه ( الحديث 6633 - طرفه في 5243 )

(15/261)


مطابقته للترجمة في قوله المسجد الحرام لأنه بناه إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام والمراد بالترجمة التي في قوله باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) والباب المجرد الذي بعده قد قلنا إنه كالفصل فالاعتبار للباب المترجم دون المجرد
وعبد الواحد هو ابن زياد والأعمش سليمان وإبراهيم التيمي هو ابن يزيد يروي عن أبيه يزيد بن شريك بن طارق التيمي عداده في أهل الكوفة
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عمر بن حفص بن غياث في باب قول الله تعالى ووهبنا لداود سليمان ( ص 03 ) وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي كامل وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وعن علي بن حجر وأخرجه النسائي فيه عن بشر بن خالد وفيه وفي التفسير عن علي بن حجر وأخرجه ابن ماجه في الصلاة عن علي بن محمد وعن علي بن ميمون
قوله أول بضم اللام ضمة بناء لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد ويجوز فتحها إذا كان غير منصرف ويجوز بالنصب إذا كان منصرفا والمعنى أي مسجد وضع أولا للصلاة قوله ثم أي بالتنوين أي ثم أي مسجد بني بعد المسجد الحرام قوله قال أي النبي بني بعده المسجد الأقصى قيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة وقيل لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث فإنه مقدس أي مطهر قوله كم بينهما أي بين بناء المسجد الحرام وبناء المسجد الأقصى قوله أربعون سنة أي بينهما أربعون سنة وقال ابن الجوزي فيه إشكال لأن إبراهيم بنى الكعبة وسليمان عليه الصلاة و السلام بنى بيت المقدس وبينهما أكثر من ألف سنة والجواب عنه ما قاله القرطبي إن الآية الكريمة والحديث لا يدلان على أن إبراهيم وسليمان عليهما الصلاة والسلام ابتدآ وضعهما بل كان تجديدا لما أسس غيرهما وقد روي أن أول من بنى البيت آدم وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده رفع بيت المقدس بعده بأربعين عاما ويوضحه من ذكره ابن هشام في كتابه ( التيجان ) إن آدم لما بنى البيت أمره جبريل عليه الصلاة و السلام بالمسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه وقال ابن كثير أول ما جعله مسجدا إسرائيل وإنما أمر سليمان بتجديده وإحكامه لا أنه أول من بنى وذكر الثعلبي أن داود أمر بني إسرائيل أن يتخذوا مسجدا في صعيد بيت المقدس فأخذوا في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملك داود وكان داود ينقل لهم الحجارة على عاتقه فأوحى الله إلى داود إنك لست بانيه ولكن لك ابن أملكه بعدك اسمه سليمان فأقضي إتمامه على يديه وروي عن كعب الأحبار أن سليمان بنى بيت المقدس على أساس قديم كان اسسه سام بن نوح وذكر أبو محمد بن أحمد الواسطي في ( تاريخ بيت المقدس ) أن سليمان اشترى أرضه بسبعة قناطير ذهبا وقال الخطابي يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان ثم بناه داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه قال وقد ينسب هذا المسجد إلى إيلياء فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره ولست أحقق لم أضيف إليه وفي قوله فيحتمل أن يكون هو بانيه نظر لأن إيليا اسم البلد فأضيف إلى المسجد كما يقال مسجد المدينة ومسجد مكة وقال أبو عبيد في ( معجم البلدان ) إيلياء مدينة بيت المقدس فيها ثلاث لغات مد آخره وقصره وحذف الياء الأولى قوله بعد بضم الدال أي بعد إدراك وقت الصلاة قوله فصله الهاء فيه للسكت وفي رواية الكشميهني فصل بلا هاء قوله فإن الفضل فيه أي في فعل الصلاة إذا حضر وقتها
38 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها )
مطابقته للترجمة في قوله أن إبراهيم وعمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي أبو عثمان المدني والحديث مضى في كتاب الجهاد في آخر حديث مطول في باب من غزا بصبي للخدمة قوله طلع له أي ظهر له جبل أحد قوله يحبنا إما حقيقة وإما مجازا ومن باب الإضمار أي يحبنا أهله قوله لابتيها تثنية لابة بتخفيف الباء الموحدة وهي الحرة وقد تقدم الكلام فيه هناك

(15/262)


( رواه عبد الله بن زيد عن النبي )
أي روى الحديث المذكور عبد الله بن زيد الأنصاري وأخرجه البخاري موصولا في كتاب البيوع في باب بركة صاع النبي عن موسى عن وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم الأنصاري عن عبد الله بن يزيد عن النبي إلى آخره -
8633 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) أن ( ابن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى ( عنهم ) زوج النبي أن رسول الله قال ألم تري أن قومك بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم فقال لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله ما أرى أن رسول الله ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم
مطابقته للترجمة على الوجه المذكور في الحديث السابق وابن أبي بكر هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخو القاسم قتل بالحرة والحديث مضى في كتاب الحج في باب فضل مكة وبنيانها فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك
وقال إسماعيل عبد الله بن محمد بن أبي بكر
إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله إبن أخت مالك بن أنس أشار بهذا إلى أن إسماعيل روى هذا الحديث وبين ابن ابن أبي بكر رضي الله تعالى عنه الذي فيه هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأخرج البخاري حديث إسماعيل في التفسير
9633 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك بن أنس ) عن ( عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ) عن أبيه عن ( عمرو بن سليم الزرقي ) قال أخبرني ( أبو حميد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه ( أنهم ) قالوا ( يا رسول الله كيف نصلي عليك ) فقال رسول الله قولوا أللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ( الحديث 9633 - طرفه في 0636 )
مطابقته للترجمة المذكورة في قوله كما صليت على إبراهيم وعمرو بن سليم بضم السين الزرقي بضم الزاي وفتح الراء وبالقاف وأبو حميد بضم الحاء عبد الرحمن الساعدي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن القعنبي وأخرجه مسلم في الصلوات عن محمد بن عبد الله بن نمير وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وعن أبي السرح وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين وفي التفسير عن محمد بن سلمة وأخرجه ابن ماجه في الصلاة عن عمار بن طالوت
قوله أللهم صل على محمد معناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته وقيل لما أمرنا الله بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب في ذلك أحلنا على الله وقلنا أللهم صل على محمد قوله كما صليت على إبراهيم هذا ليس من باب إلحاق الناقص بالكامل بل من باب بيان حال ما لا يعرف بما يعرف وما عرف من الصلاة على إبراهيم وآله وأنه ليس إلا في قوله تعالى رحمة الله وبركاته عليكم

(15/263)


أهل البيت أنه حميد مجيد قيل سياق الكلام يقتضي أن يقال على إبراهيم بدون لفظ الآل وأجيب أن لفظ الآل مقحم قوله وبارك على محمد أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة وهو من برك البعير إذا ناخ من موضع ولزمه وتطلق البركة أيضا على الزيادة والأصل الأول
0733 - حدثنا ( قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل ) قالا حدثنا ( عبد الواحد بن زياد ) حدثنا ( أبو قرة مسلم بن سالم الهمداني ) قال حدثني ( عبد الله بن عيسى ) سمع عبد الرحمان بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي فقلت بلى فأهدها لي فقال سألنا رسول الله فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم قال قولوا أللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد أللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
مطابقته للترجمة في قوله على إبراهيم في أربعة مواضع وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري وموسى بن إسماعيل أبو سلمة البصري التبوذكي وعبد الله بن عيسى بن ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) واسمه يسار وكعب بن عجرة بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء البلوي حليف الأنصار شهد بيعة الرضوان مات سنة ثنتين وخمسين بالمدينة وله خمس وسبعون سنة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن آدم وفي التفسير عن سعيد بن يحيى وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى محمد بن المثنى وعن بندار وعن زهير بن حرب وعن محمد بن بكار وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمرو عن مسدد وعن محمد بن العلاء وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي فيه عن قاسم بن زكرياء وعن سويد بن نصر وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد وعن بندار وقد عزى الحافظ المزي حديث كعب بن عجرة هذا إلى الصلاة وهو وهم منه وليس له ذكر في الصلاة واغتر بذلك صاحب ( التلويح ) وتبعه فيه وتبع صاحب ( التلويح ) صاحب ( التوضيح ) أيضا وقد مر تفسير الحديث فيما قبله
قوله أهل البيت منصوب على الاختصاص قوله فإن الله قد علمنا يعني في التشهد وهو قول المصلي السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
1733 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( المنهال ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة
مطابقته للترجمة في قوله إن أباكما وهو إبراهيم عليه السلام وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن المعتمر والمنهال بكسر الميم وسكون النون وباللام ابن عمرو الأسدي وإلى هنا كلهم كوفيون
والحديث أخرجه أبو داود في السنة عن عثمان بن أبي شيبة أيضا وأخرجه الترمذي في الطب عن محمود بن غيلان وعن الحسن بن علي وأخرجه النسائي في النعوت وفي اليوم والليلة عن محمد بن قدامة وعن محمد بن بشار وعن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال كان النبي يعوذ مرسل وأخرجه ابن ماجه في الطب عن أبي بكر بن خلاد وعن محمد بن سليمان

(15/264)


ذكر معناه قوله كان النبي يعوذ إخبار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله كان يدل على أنه كان يكثر التعويذ بقوله أعوذ بكلمات الله التامة إلى آخره قوله يعوذ من التعويذ يقال عذت به أعوذ عوذا وعياذا ومعاذا أي لجأت إليه فالتعوذ والاستعاذة والتعويذ كلها بمعنى واحد يعني كان النبي يعوذ الحسن والحسين بقوله أعوذ بكلمات الله التامة إلى آخره ويقول لهما إن أباكما كان يعوذ بها أي بهذه الكلمات إسماعيل وإسحاق أبنيه وبين هذه الكلمات بقوله أعوذ بكلمات الله إلى آخره قوله إن أباكما أراد به إبراهيم كما ذكرنا وأضيف إليهما لأنهما من نسله قوله بكلمات الله إما باقية على عمومها فالمقصود ههنا كل كلمة لله وإما مخصوصة بنحو المعوذتين وقال الهروي القرآن والتامة صفة لازمة إذ كل كلماته تامة وقيل المراد بالتامة الكاملة وقيل النافعة وقيل الشافية وقيل المباركة وقيل القاضية التي تمضي وتستمر ولا يردها شيء ولا يدخلها نقص ولا عيب وقال ابن التين التام فضلها وبركاتها قوله من كل شيطان قال الداودي يدخل فيه شياطين الإنس والجن قوله وهامة بتشديد الميم واحدة الهوام ذوات السموم وقيل كل ما له سم يقتل وأما ما لا يقتل فيقال لها سوام وقيل المراد كل نسمة تهم بسوء وقال ابن فارس الهوام حشرات الأرض وقال الهروي الهوام الحيات وكل ذي سم يقتل وقد تقع الهامة على ما يدب من الحيوان ومنه قوله لكعب بن عجرة أيؤذيك هوام رأسك أراد القمل سماها هوام لأنها تهم في الرأس وتدب قوله لامة العين اللامة هي التي تصيب بسوء وقيل اللامة الملمة وإنما أتى بها على فاعلة للمزاوجة ويجوز أن تكون على ظاهرها بمعنى جامعة للشر على المعيون من لمه إذا جمعه وقال أبو عبيد أصلها من ألممت إلماما بالشيء نزلت به ولم يقل ملمة كأنه أراد بها ذات لمم وقال الخطابي اللامة ذات اللمم وهي كل داء مر وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل ونحوه وقال الداودي هي كل عين تصيب الإنسان إذا حلت به
11 -
( باب قوله عز و جل ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه ( الحجر 15 ) الآية لا توجل لا تخف )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( الحجر 15 ) الآية وأشار به إلى قصة من قصص إبراهيم عليه الصلاة و السلام وهي دخول الملائكة قوله الذين أرسلوا إلى هلاك قوم لوط عليه حتى حصل له الوجل منهم وذلك لامتناعهم من الأكل وقيل لأنهم دخلوا بغير وقت وبغير إذن وتمام الآية قوله قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ( الحجر 15 ) قوله ونبئهم أي نبيء عبادي عن ضيف إبراهيم وقصته أن الله تعالى أرسل لوطا إلى قومه ينهاهم عما يرتكبون من المعاصي والفواحش فلم ينتهوا بل ازدادوا عتوا وفسادا وقالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين فسأل لوط ربه أن ينصره عليهم فأجاب الله دعاءه وبعث أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل ودردائيل وقيل رفائيل لإهلاكهم وبشارة إبراهيم بالولد فأقبلوا مشاة في صورة رجال مرد حسان حتى نزلوا على إبراهيم وكان الضيف قد حبس عنه خمس عشرة ليلة حتى شق ذلك عليه وكان لا يأكل إلا مع الضيف مهما أمكنه فلما رآهم سر بهم لأنه رأى ضيفا لم يضف مثلهم حسنا وجمالا فقال لا يخدم هؤلاء إلا أنا فخرج إلى أهله فجاء بعجل حنيذ وهو المشوي بالحجارة فقربه إليهم فأمسكوا أيديهم قال إنا منكم وجلون أي خائفون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ( الحجر 15 ) أي يكون عليميا بالدين وفسر البخاري قوله لا توجل بقوله لا تخف من وجل ييجل ويوجل فهو وجل أي خائف فزع وقرأ الحسن لا توجل بضم التاء من أوجله يوجله إذا أخافه وقرىء لا تأجل ولا تواجل من واجله بمعنى أوجله
ولاكن ليطمئن قلبي ( البقرة 062 )
وفي بعض النسخ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ( البقرة 062 ) وهذه رواية أبي ذر ووقع في رواية كريمة ولكن ليطمئن قلبي ( البقرة 062 ) فقط وسقط كل ذلك للنسفي فحديث أبي هريرة عند تكملة الباب الذي قبله وأما الكرماني فإنه كذلك لم يذكر منه شيئا لا لفظ الباب ولا لفظ الترجمة
قوله وإذ قال إبراهيم ( البقرة 062 ) يعني أذكر يا محمد حين قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ( البقرة 062 ) الآية وذكر المفسرون لسؤال إبراهيم عليه السلام أسبابا منها

(15/265)


أنه لما قال لنمرود لعنه الله ربي الذي يحيى ويميت أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة فقال رب أرني كيف تحيي الموتى ( البقرة 062 ) كما أن الإنسان يعلم الشيء ويتيقنه ولكن يحب أن يراه عيانا ومنها أنه لما بشر بالخلة سأل ذلك ليتيقن بالإجابة لصحة ما بشر به قاله ابن مسعود ونمها انما سأل ليشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها واتصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها فأراد أن يجمع بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ومنها ما روي عن قتادة أنه قال ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع فقال رب أرني كيف تحيي الموتى ( البقرة 062 ) ليشاهد ذلك لأن النفوس متشوقة إلى المعاينة يصدقه الحديث ليس الخبر كالمعاينة ومنها ما قاله ابن دريد مر إبراهيم بحوت نصفه في البر ونصفه في البحر والذي في البحر تأكله دواب البحر والذي في البر تأكله دواب البر فقال إبليس الخبيث يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء فقال رب أرني كيف تحيي الموتى ( البقرة 162 ) ليطمئن قلبي ( البقرة 162 ) ليسكن ويهتدي باليقين الذي يستيقنه وقال ابن الحصار في ( شرح القصيدة ) إنما سأل الله أن يحيي الموتى على يديه يدل على ذلك قوله تعالى فصرهن إليك ( البقرة 062 ) فأجابه على نحو ما سأل وعلم أن أحدا لا يقترح على الله مثل هذا فيجيبه بعين مطلوبه إلا عن رضا واصطفاء بقوله أو لم تؤمن ( البقرة 062 ) بأنا اصطفيناك واتخذناك خليلا قال بلى قوله كيف تحيي الموتى لفظ كيف اسم لدخول الجار عليه بلا تأويل نحو قولهم على كيف تبيع الأحمرين ويستعمل على وجهين أحدهما أن يكون شرطا نحو كيف تصنع أصنع والآخر وهو الغالب أن يكون استفهاما وهنا كذلك وقال ابن عطية السؤال بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل فكيف هنا استفهام عن هيئة الإحياء وهو متقرر قوله قال أو لم تؤمن ( البقرة 062 ) يعني بإحياء الموتى وإنما قال أو لم تؤمن مع علمه بأنه أثبت الناس إيمانا ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين قوله قال بلى أي بلى آمنت و بلى إيجاب لما بعد النفي قوله ولكن ليطمئن قلبي ( البقرة 162 ) أي ليزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال لأن ظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين وعن ابن عباس والحسن وآخرين ليطمئن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمأن وقد يعلم المرء الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها وقيل المعنى ليطمئن قلبي لأني إذا سألتك أجبتني وقيل كان سؤاله على طريق الأدب يعني أقدرني على إحياء الموتى ليطمئن قلبي عن هذه الأمنية فأجابه الله إلى سؤاله وقال فخذ أربعة من الطير وهي الغرموق والطاووس والديك والحمامة كذا روي عن ابن عباس وعنه أنه أخذ وزا ورألا وهو فرخ النعامة وديكا وطاووسا وقال مجاهد وعكرمة كانت حمامة وديكا وطاووسا وغرابا وروى مجاهد عن ابن عباس أن الطيور كانت طاووسا ونسرا وغرابا وحماما
وفيه إشارة إلى أحوال الدنيا فالطاووس من الزينة والنسر من امتداد الأمل والغراب من الغربة والحمام من النياحة وقيل موضع النسر البط وموضع الحمام الديك والحكمة في اختيار هذه الأربعة هي أن الطاووس خان آدم في الجنة والبط خان يونس حين قطع يقطينه والغراب خان نوحا حين أرسله ليكشف حال الماء الذي عم الأرض فاشتغل بالجيفة والديك خان إلياس فسلب ثوبه فلا جرم أن الله تعالى غير صوت الطاووس بدعاء آدم وسلب السكون على البط بدعاء يونس وجعل رزق الغراب الجيفة بدعاء نوح وألقى العداوة بين الديك بدعاء الياس ولما أخذ إبراهيم هذه الطيور الأربعة قال الله تعالى له فصرهن إليك أي قطعهن كذا رواه مجاهد عن ابن عباس ثم خلطهن ثم اجعلها أربعة أجزاء ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ففعل إبراهيم مثل ما أمر به ثم أمره الله أن يدعوهن فدعاهن فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش والدم إلى الدم واللحم إلى اللحم والأجزاء من كل طير يقصد بعضها بعضا حتى قام كل طير على حدته وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ في الرؤية التي سألها قال ابن عباس وكان إبراهيم قد أخذ رؤوسهن بيده وجعل كل طير يجيء ليأخذ رأسه من يد إبراهيم فإذا قدم إبراهيم غير رأسه يأباه وإذا قدم رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله تعالى وقوته ولهذا قال الله واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع منه شيء حكيم في أقواله وأفعاله فإن قلت لم خص الطير من بين سائر الحيوانات قلت لأن للطير ما لسائر الحيوانات وله زيادة الطيران ولأن الطير هوائي ومائي وأرضي فكانت الأعجوبة في إحيائه أكثر ولذا قال عيسى إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فاختار الخفاش

(15/266)


لاختصاصه بأشياء ليست في الطيور الحيض والحبل والطيران في الظلمة وعدم الرؤية بالنهار وله أسنان فإن قلت لم خص أربعة من الطير قلت لأجل الإسطقسات الأربع التي بها قوام العالم والجبال كانت أربعة من جبال الشام وقيل جبل لبنان وسينين وطور سينين وطور زينا
2733 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( إبي سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلاى ولاكن ليطمئن قلبي ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي
مطابقته للترجمة الأصلية ظاهرة وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أحمد بن صالح وعن سعيد بن تليد وأخرجه مسلم في الإيمان وفي الفضائل عن حرملة بن يحيى وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن حرملة بن يحيى ويونس بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله نحن أحق بالشك وسقط في بعض الروايات لفظ الشك ومعناه نحن أحق بالشك في كيفية الإحياء لا في نفس الإحياء وعن الشافعي وغيره أن الشك مستحيل في حق إبراهيم ولو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنت أنا أحق به من إبراهيم وقد علمتم أن إبراهيم لم يشك فإذا لم أشك أنا ولم أرتب في القدرة عل الإحياء فإبراهيم أولى بذلك وقيل معناه أن هذا الذي تظنونه شكا فليس بشك فلو كان شكا لكنت أنا أولى به ولكنه ليس بشك ولكنه تطلب لمزيد اليقين وقال عياض يحتمل أنه أراد أمته الذين يجوز عليهم الشك أو أنه قاله تواضعا مع إبراهيم قوله إذ قال أي حين قال قوله ويرحم الله لوطا ولوط هو ابن هاران ابن آزر وهو أخي إبراهيم وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى مصر ثم عاد معه إلى الشام فنزل إبراهيم عليه الصلاة و السلام فلسطين ونزل لوط الأردن ثم أرسله الله إلى أهل سدوم وهي عدة قرى وقال مقاتل وبلادهم ما بين الشام والحجاز بناحية زغر وكانت اثنتي عشرة قرية وتسمى المؤتفكات من الإفك وكانوا يعبدون الأوثان ويأتون الفواحش ويسافد بعضهم بعضا على الطريق وغير ذلك من المفاسد وذكر الله لوطا في القرآن في سبعة عشر موضعا وهو اسم أعجمي وفيه العلمية والعجمة ولكنه صرف لسكون وسطه وقيل اسم عربي من لاط لأن حبه لاط بقلب إبراهيم أي تعلق ولصق قوله لقد كان يأوي إلى ركن شديد وهو إشارة إلى الآية الكريمة وهي قوله تعالى قال لو أن لي بكم قوة أو أوى إلى ركن شديد ( هود 08 ) وقال الطيبي قال رسول الله ذلك لأن كلامه يدل على إقناط كلي ويأس شديد من أن يكون له ناصر ينصره وكأنه استغرب ذلك القول وعده نادرا منه إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه وقال الزمخشري معناه إلى قوي أستند إليه وأمتنع به فيحميني منكم شبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته وقال النووي رحمه الله تعالى يجوز أنه نسي الالتجاء إلى الله في حمايته الأضياف أو أنه التجأ إلى الله فيما بينه وبين الله وأظهر للأضياف العذر وضيق الصدر قوله ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف وقد لبث سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات قوله لأجبت الداعي يعني لأسرعت إلى الإجابة إلى الخروج من السجن ولما قدمت العذر قال الله تعالى فلما جاءه الرسول قال إرجع إلى ربك ( يوسف 05 ) الآية وصفه رسول الله بالصبر حيث لم يبادر إلى الخروج وإنما قال ذلك تواضعا لا أنه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف والتواضع لا يصغر

(15/267)


كبيرا بل يزيده إجلالا وقدرا وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس وقيل إنه كان قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع والله أعلم وأحكم
41 -
( باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ( مريم 45 ) )
أي هذا باب في بيان ما جاء في حق إسماعيل من قوله قوله عز و جل واذكر في الكتاب الآية وتمام الآية وكان رسولا نبيا ( مريم 45 ) قوله واذكر أي اذكر يا محمد ( في الكتاب ) أي في القرآن إسماعيل إنه كان صادق الوعد قال المفسرون كان بينه وبين رجل ميعاد فأقام ينتظره مدة واختلفوا في تلك المدة فقيل حولا حتى أتاه جبريل وقال إن الفاجر الذي وعدته بالقعود إبليس عليه اللعنة قوله رسولا أي إلى جرهم
3733 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( حاتم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله تعالى عنه قال مر النبي على نفر من أسلم ينتضلون فقال رسول الله ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله ما لكم لا ترمون فقالوا يا رسول الله كيف نرمي وأنت معهم قال ارموا وأنا معكم كلكم ( انظر الحديث 9982 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله بني إسماعيل وحاتم بالحاء المهملة وكسر التاء المثناة من فوق ابن إسماعيل الكوفي مر في الوضوء ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع والحديث قد مر في كتاب الجهاد في باب التحريض على الرمي ومر الكلام فيه هناك والله أعلم بالصواب
51 -
( باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام )
أي هذا باب في بيان ذكر قصة إسحاق بن إبراهيم الخليل وعن إبن إسحاق بشر الله إبراهيم بإسحاق من سارة فحملت وكانت بنت تسعين سنة وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة وقد كانت هاجر حملت بإسماعيل فوضعتا معا وشب الغلامان ونقل ابن كثير عن أهل الكتاب أن هاجر ولدت إسماعيل ولإبراهيم من العمر ست وثلاثون سنة قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة وقال ابن الجوزي في ( أعمار الأعيان ) إن إسحاق عاش مائة وثمانين سنة وفي قول وهب بن منبه عاش مائة وخمسة وثمانين سنة ودفن عند قبر أبيه إبراهيم في مزرعة حبرون
فيه ابن عمر وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم عن النبي
قال الكرماني فيه أي في الباب يعني روى ابن عمر في حق إسحاق وقصته حديثا فأشار البخاري إليه إجمالا ولم يذكره بعينه لأنه لم يكن بشرطه وقال ابن التين لم يقف البخاري على سنده فأرسله وقال بعضهم هذا كلام من لم يفهم مقاصد البخاري ونحوه قول الكرماني قلت هذه مناقشة باردة لأن كل من له أدنى فهم يفهم أن ما قاله ابن التين والكرماني هو الكلام الواقع في محله وهذا الذي ذكره أوجه من كلامه الذي ذكره بالشك والتردد حيث قال كأنه يشير بحديث ابن عمر إلى ما سيأتي في قصة يوسف وبحديث أبي هريرة إلى الحديث المذكور في الباب الذي يليه فلينظر المتأمل الحاذق في حديث ابن عمر الذي في قصة يوسف هل يجد لما ذكره من الإشارة إليه وجها قريبا أو بعيدا وكذلك في حديث أبي هريرة
61 -
( باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إلى قوله ونحن له مسلمون ( البقرة 331 ) )

(15/268)


أي هذا باب يذكر فيه أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ( البقرة 331 ) ذكر الله تعالى وصية إبراهيم لبنيه بقوله ) ووصى بها إبراهيم بنيه ( البقرة 231 ) أي بهذه الملة وهي الإسلام ووصى يعقوب أيضا بها ثم قال محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل إن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له فقال لهم ما تعبدون من بعدي فأخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا نعبد إلهك والآية هذه من باب التغليب لأن إسماعيل عم يعقوب ونقل القرطبي أن العرب تسمي العم أبا وقد استدل بهذه الآية من جعل الجد أبا وحجب به الأخوة وهو قول الصديق وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين وبه يقول الحسن البصري وطاووس وعطاء وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من علماء السلف والخلف وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه إنه يقاسم الإخوة وحكى مالك عن عمرو وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله وقال الزمخشري أم كنتم شهداء هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار والشهداء جمع شهيد يعني الحاضر أي ما كنتم حاضرين يعقوب إذ حضره الموت أي حين احتضر والخطاب للمؤمنين بمعنى ما شهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي وقيل الخطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون ما مات نبي إلا على اليهودية وقال الزمخشري أيضا لكن الوجه أن تكون أم متصلة على أن يقدر قبلهما محذوف كأنه قيل أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه براء
4733 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) سمع ( المعتمر ) عن ( عبيد الله ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قيل ل ( لنبي ) من أكرم الناس قال أكرمهم أتقاهم قالوا يا نبي الله ليس عن هاذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا
مطابقته للترجمة من حيث إن الحديث موافق للآية في سياق نسب يوسف والآية تضمنت أن يعقوب خاطب أولاده عند موته بالوصية المذكورة آنفا ومن جملة أولاد يعقوب يوسف وليس في الأنبياء على نسق نسب يوسف فإنه نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن نبي الله إبراهيم وإسحاق ابن إبراهيم الراوي هو ابن راهويه والمعتمر هو ابن سليمان بن طرخان وعبيد الله مصغرا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب والحديث مر في باب أوائل قول الله واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 561 ) ومر الكلام فيه مستقصى
71 -
( باب ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى ولوطا إذ قال لقومه إلى آخره و لوطا منصوب بتقدير واذكر لوطا أو بتقدير أرسلنا لوطا بدلالة قوله فيما قبله ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ( لوط 38 ) وكلمة إذ بدل على الأول ظرف على الثاني قوله أتأتون الفاحشة أي الفعلة القبيحة الشنيعة وهي اللواطة قوله وأنتم تبصرون أي والحال أنكم تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها وتبصرون

(15/269)


من بصر القلب والله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الأنثى للأنثى وقيل وأنتم تبصرون أي يبصر بعضكم بعضا لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها مجاهرين بها لا يستترون عتوا منهم وتمردا وخلاعة ومجانة قوله أئنكم لتأتون الرجال الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله شهورة أي لأجل الشهوة قوله تجهلون أي عاقبة العصيان ويوم الجزاء وقيل تجهلون موضع قضاء الشهوة قال الزمخشري فإن قلت فسرت تبصرون بالعلم وبعده بل أنتم قوم تجهلون فكيف يكونون علماء جهلاء قلت أراد تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك واجتمعت الغيبة والمخاطبة في قوله تعالى بل أنتم قوم تجهلون فغلبت المخاطبة فقيل تجهلون لأن المخاطبة أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة قوله فما كان جواب قومه أي قوم لوط إلا أن قالوا كلمة أن مصدرية أي إلا قولهم قوله يتطهرون من أدبار الرجال يقولونه استهزاء بهم وتهكما قوله فأنجيناه أي أنجينا لوطا من العذاب وأنجينا أهله إلا امرأته قدرناها أي جعلناها بتقديرنا وقضائنا عليها من الغابرين أي الباقين في العذاب قوله وأمطرنا عليهم مطرا أي الحجارة فساء مطر المنذرين الذين أنذروا بالعذاب وقال الداودي أينما كان المطر في كتاب الله فهو العقاب والمذكور في التفسير أنه يقال أمطر في العذاب ومطر في الرحمة وأهل اللغة يقولون مطرت السماء وأمطرت
5733 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب ابن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز وهؤلاء على هذا النسق مروا مرارا كثيرة والحديث مضى عن قريب في باب قوله عز و جل ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( الحجر 15 ) قوله إن كان كلمة إن هذه مخففة من المثقلة أي إنه كان قوله إلى ركن شديد أي إلى الله سبحانه وتعالى ويشير بذلك إلى قوله تعالى لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ( الحجر ) أي إلى عشريته لكنه لم يأو إليهم ولكنه آوى إلى الله وقال النووي يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله تعالى في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف إعتذارا وسمى العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم
81 -
( باب فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون ( الحجر 26 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى فلما جاء ( الحجر 26 ) إلى آخره وفاعل جاء هو قوله المرسلون وهم الملائكة المرسلون من عند الله لهلاك قوم لوط قوله آل لوط بالنصب مفعول جاء قوله قال أي لوط عليه الصلاة و السلام قوله إنكم قوم منكرون أي لا أعرفكم قالوا بل جئناك بالحق أي اليقين وإنا لصادقون في قولنا ثم حكى الله تعالى بقية القصة بقوله فأسر بأهلك إلى آخرها
بركنه بمن معه لأنهم قوته
أشار به إلى ما في قوله تعالى فتولى بركنه وقال ساحرا أو مجنون ( ) وأول الآية وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركته ( ) قوله وفي موسى عطف على قوله وفي الأرض آيات قوله بركنه يعني بقومه ومن معه يعني المنعة والعشير وقال المورج بجانبه وجميع بدنه وهو كناية عن المبالغة عن الإعراض والإنكار والركن ما ركن إليه الإنسان من مال وجند وقوة قوله وقال ساحر أو مجنون ( ) أي وقال فرعون موسى ساحر أو مجنون وهذا الذي ذكره البخاري ههنا لا وجه له لأنه في قصة موسى والترجمة في قصة لوط عليها الصلاة والسلام ومع هذا أن التفاسير التي ذكرها هنا لم توجد إلا في رواية المستملي وحده
تركنوا تميلوا

(15/270)


أشار به إلى ما في قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( هود 311 ) أي لا تميلوا إليهم وهذا أيضا لا تعلق له بقصة لوط وقيل كأنه ذكره هناك لوجود مادة ركن قلت هذا بعيد حيث لم يذكره بمعية ما وقع في قصة لوط
فأنكرهم ونكرهم واستنكرهم واحد
أشار به إلى ما في قوله تعالى فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ( هود 07 ) وهذا أيضا لا وجه له لأن هذا الإنكار في الآية من إبراهيم عليه الصلاة و السلام وهو غير إنكار لوط عليه الصلاة و السلام وذلك لأن الملائكة الأربعة الذين ذكرناهم عن قريب لما دخلوا على إبراهيم عليه الصلاة و السلام في صور مرد حسان جاء إليهم بعجل حينئذ فأمسكوا أيديهم فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( هود 07 ) وأما إنكار لوط ففي مجيء قومه إليهم كما هو المذكور في قصته
يهرعون يسرعون
أشار به إلى ما في قوله تعالى وجاءه قومه يهرعون إليه ( هود 87 ) أي جاء لوطا قومه يهرعون أي يسرعون ويهرولون وذلك أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمجيء هؤلاء الملائكة في صورة الرجال المردان وقصته مشهورة
دابر آخر
أشار به إلى ما في قوله تعالى وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع ( الحجر 66 ) أي آخرهم مقطوع مستأصل
صيحة هلكة
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ( يس 92 ) وهذا أيضا لا وجه له ههنا لأن هذه الآية لا تعلق لها بقصة لوط
للمتوسمين للناظرين
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( الحجر 57 ) وفسره بقوله للناظرين وهكذا فسره الضحاك وقال مجاهد معناه للمتفرسين وقال الفراء للمتفكرين وقال أبو عبيدة للمتبصرين وحقيقته من توسمت الشيء نظرته نظر تثبت
لبسبيل لبطريق
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإنها لبسبيل مقيم ( الحجر 67 ) وفسر السبيل بالطريق وكذا فسره أبو عبيدة والضمير في قوله وإنها يرجع إلى مدائن قوم لوط وقيل إلى الآيات
6733 - حدثنا ( محمود ) حدثنا ( أبو أحمد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( الأسود ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال ( قرأ ) النبي فهل من مدكر ( القمر 51 71 22 23 04 و15 )
هذا قد مر في باب قوله عز و جل وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ( الحاقة 6 ) ووجه مناسبة ذكره هنا هو أنه ذكر في قصة لوط وهي قوله تعالى كذبت قوم لوط بالنذر ( القمر 33 ) إلى قوله فذوقوا عذابي ونذر ( القمر 73 و93 ) ثم قال ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( القمر 15 ) وكذلك ذكر عقيب قصة عاد وقصة ثمود أيضا وكلها في سورة القمر قوله فهل من مدكر بالدال المهملة المشددة ومر الكلام فيه هناك ومحمود هو ابن غيلان بالغين المعجمة وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله الزبيري وسفيان هو الثوري وأبو إسحاق السبيعي عمرو والأسود بن يزيد وعبد الله هو ابن مسعود
91 -
( باب قول الله تعالى وإلى ثمود أخاهم صالحا ( الأعراف 37 ) )
أي هذا باب يذكر فيه بيان قول الله عز و جل وإلى ثمود أي أرسلنا إلي ثمود أخاهم صالحا ( الأعراف 37 ) وإنما قال أخاهم لأن

(15/271)


صالحا عليه السلام كان من قبيلتهم
واختلفوا في ثمود فقال الجوهري ثمود قبيلة من العرب الأولى وهم قوم صالح وكذلك قال الفراء سميت بذلك لقلة مائهم وقال الزجاج الثمد الماء القليل الذي لا مادة له وقيل ثمود اسم رجل وقال عكرمة هو ثمود بن جابر بن إرم بن سام بن نوح وقال الكلبي وكانت هذه القبيلة تنزل في وادي القرى إلى البحر والسواحل وأطراف الشام وكانت أعمارهم طويلة وكانوا يبنون البنيان والمساكن فتنهدم فلما طال ذلك عليهم اتخذوا من الجبال بيوتا ينحتونها وعملوها على هيئة الدور ويقال كانت منازلهم أولا بأرض كوش من بلاد عالج ثم انتقلوا إلى الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وخالفوا أمر الله وعبدوا غيره وأفسدوا في الأرض فبعث الله إليهم صالحا نبيا فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط ولم يتبعه منهم إلا قليل يستضعفون وصالح هو ابن عبيد بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح عليه الصلاة و السلام وقيل صالح بن عبيد بن أنيف بن ماشخ بن جادر بن جاثر بن ثمود قاله مقاتل وقيل صالح بن كانوه قاله الربيع وقيل صالح بن عبيد بن يوسف بن شالخ بن عبيد بن جاثر بن ثمود قاله مجاهد قال مجاهد كان بينه وبين ثمود مائة سنة وكان في قومه بقايا من قوم عاد على طولهم وهيئاتهم وكان لهم صنم من حديد يدخل فيه الشيطان في السنة مرة واحدة ويكلمهم وكان أبو صالح سادنه فغار لله وهم بكسره فناداهم الصنم اقتلوا كانوه فقتلوه ورموه في مغارة فبكت عليه امرأته مدة فجاءها ملك فقال لها إن زوجك في المغارة الفلانية فجاءت إليه وهو ميت فأحياه الله تعالى فقام إليها فوطئها في الحال فعلقت بصالح من ساعتها وعاد كانوه ميتا بإذن الله ولما شب صالح بعثه الله إلى قومه قبل البلوغ ولكنه قد راهق قاله وهب وقال ابن عباس لما تم له أربعون سنة أرسله إليهم وذكره الله تعالى في القرآن في خمسة مواضع وبين قصته مع قومه فلما أهلك الله قومه نزل صالح بفلسطين وأقام بالرملة وقال السدي أتى صالح ومن معه من المؤمنين إلى مكة وأقاموا يتعبدون حتى ماتوا فقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة والحجر وقال ابن قتيبة أقام صالح في قومه عشرين سنة ومات وهو ابن مائة وثمان وخمسين سنة وقيل ابن ثلاثمائة وست وثلاثين سنة وحكاه الخطيب عن ابن عباس وهو الأظهر ويقال إن صالحا مات في اليمن وقبره بموضع يقال له الشبوه وذكر الفربري أن صالحا خرج مع المؤمنين إلى الشام فسكنوا فلسطين ومات بها وكان بين صالح وبين هود مائة سنة وبين صالح وبين إبراهيم ستمائة سنة وثلاثون سنة
كذب أصحاب الحجر ( الحجر 08 ) الحجر موضع ثمود وأما حرث حجر حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور والحجر كل بناء بنيته وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمي حطيم البيت حجرا كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول ويقال للأنثاى من الخيل الحجر ويقال للعقل حجر وحجى وأما حجر اليمامة فهو منزل
قوله كذب أصحاب الحجر أشار به إلى قوله تعالى ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ( الحجر 08 ) وفسر الحجر بقوله موضع ثمود وهو ما بين المدينة والشام وأراد بالمرسلين صالحا وهو وإن كان واحدا فالمراد هو ومن معه من المؤمنين كما قالوا الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه وقيل كل من كذب واحدا من الرسل فكأنما كذبهم جميعا قوله وأما حرث حجر حرام أشار به إلى ما في قوله تعالى وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( الأنعام 831 ) وفسر الحجر بقوله حرام وكذا فسره أبو عبيدة وحذف البخاري الفاء من جواب أما وهو قوله حرام وهو جائز قوله وكل منوع فهو حجر محجور أي كل شيء يمنع فهو حجر أي حرام ومنه حجر محجور وأشار به إلى ما في قوله تعالى ويقولون حجرا محجورا ( الفرقان 22 ) وقال أبو عبيدة أي حراما محرما قوله والحجر كل بناء بنيته بتاء الخطاب في آخره ويروي تبنيه بتاء الخطاب في أوله قوله فهو حجر إنما دخلت الفاء فيه لأن قوله وما حجرت عليه يتضمن معنى الشرط قوله ومنه سمي الحطيم أي ومن قبيل هذه المادة سمي حطيم البيت أي الكعبة حجرا وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة قوله كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول أراد أن الحطيم بمعنى المحطوم كما أن القتيل بمعنى المقتول يعني فعيل ولكنه بمعنى مفعول وليس فيه اشتقاق

(15/272)


اصطلاحي ومعنى محطوم مكسور وكأن الحطيم سمي به لأنه كان في الأصل داخل الكعبة فانكسر بإخراجه عنها قوله ويقال للأنثى من الخيل الحجرويجمع على حجورة قوله ويقال للعقل حجر كما في قوله تعالى هل في ذلك قسم لذي حجر ( الفجر 5 ) أي لذي عقل لأنه يمنع صاحبه من الوقوع في المهالك قوله وحجى بكسر الحاء وفتح الجيم مقصور وهو أيضامن أسماء العقل ومنه الحجى بمعنى الستر وفي الحديث من بات على ظهر بيت ليس عليه حجى فقد برئت منه الذمة شبهه بالحجى العقل لأن العقل يمنع الإنسان من الفساد ويحفظه من التعرض للهلاك فكذلك الستر الذي على السطح يمنع الإنسان من التردي والسقوط قوله وأما حجر اليمامة فهو منزل يعني أما حجر اليمامة بفتح الحاء فهو اسم منزل ثمود بناحية الشام عند وادي القرى وهذا ليس له تعلق بما قبله من الألفاظ الستة ولكنه ذكره استطرادا ومن مكسور الحاء غيير ما ذكره حجر القميص وفيه جاء الكسر والفتح أفصح ومنه حجر الإنسان قال ابن فارس فيه لغتان ويجمع على حجور وجاء في الحجر الذي بمعنى الحرام الكسر والضم والفتح وقال الجوهري الكسر أفصح والحجر بفتحتين معروف وهو اسم رجل أيضا ومنه أوس بن حجر الشاعر والحجر بفتح الخاء وسكون الجيم مصدر حجر القاضي عليه إذا منعه من التصرف في ماله وحجر بضم الحاء وسكون الجيم نبت مر واسم رجل أيضا وهو حجر الكندي الذي يقال له آكل المرار وحجر بن عدي الذي يقال له الأدبر واعلم أن في بعض النسخ وقع هذا الباب عقيب قوله باب قول الله تعالى وإلى عاد أخاهم هودا ( الأعراف 37 ) وقال بعضهم الصواب إثباته هنا يعني عقيب قوله وإلى عاد أخاهم هودا ( الأعراف 37 ) ثم أيد كلامه بما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي ذر الهروي أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك فربما وجدت الورقة في غير موضعها فنسخت على ما وجدت فوقع في بعض التراجم إشكال بحسب ذلك وإلا فقد وقع في القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد كما أن عادا بعد قوم نوح عليه الصلاة و السلام قلت الاعتماد على هذا الكلام مما يستلزم سوء الترتيب بين الأبواب وعدم المطابقة بين الأحاديث والتراجم مع الاعتناء الشديد في كتب البخاري على ترتيب ما وضعه المصنف في تلك الأيام ولا يستلزم وقوع قصة ثمود بعد قصة عاد في القرآن لزوم رعاية الترتيب فيه
7733 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عبد الله بن زمعة ) قال سمعت النبي وذكر الذي عقر الناقة فقال انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قوة كأبي زمعة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن عقر الناقة في قصة صالح عليه الصلاة و السلام والحميدي بضم الحاء المهملة عبد الله بن الزبير ابن عيسى وقد مر غير مرة وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله بن زمعة بفتح الزاء وسكون الميم وفتحها ابن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي أمه قريبة بنت أبي أمية ابنة أم سلمة أم المؤمنين وكان من أشراف قريش وكان يأذن على النبي يعد في أهل المدينة وزمعة وأخوه عقيل قتلا يوم بدر كافرين وأبوهما الأسود كان من المستهزئين ذكروا أن جبريل عليه الصلاة و السلام ضرب في وجهه بورقة فعمي وكان لعبد الله ابن يسمى يزيد قتله مسرف بن عقبة صبرا يوم الحرة وقتل له بنون أيضا يوم الحرة وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث وقال أبو عمر وروى عنه عروة ثلاثة أحاديث أحدها أن رسول الله قال يضرب أحدكم المرأة ضرب العبد ثم يضاجعها من آخر يومه والثاني أنه ذكر الضرطة فوعظهم فيها فقال لم يضحك أحدكم مما يفعل والثالث حديث الباب وقد جمع عروة الثلاثة المذكورة في حديث واحد كما يجيء بيانه عن قريب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في التفسير أيضا عن موسى بن إسماعيل وفي الأدب عن علي بن عبد الله وفي النكاح عن محمد بن يوسف وأخرجه البخاري هنا بحديث عقر الناقة وفي الأدب بالحديث الأول

(15/273)


والحديث الثاني وفي النكاح بالحديث الأول وأخرجه مسلم في صفة النار عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وأخرجه الترمذي في التفسير عن هارون بن إسحاق وعن عبدة بن سليمان وأخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن رافع وهارون بن إسحاق بحديث الباب وفي عشرة النساء بالحديث الأول وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن أبي بكر ابن أبي شيبة بالحديث الأول
ذكر معناه قوله وذكر الذي عقر الناقة أي ناقة صالح عليه الصلاة و السلام وقصتها هي أن صالحا لما دعا قومه إلى الله تعالى اقترحوا عليه ناقة لأنهم كانوا أصحاب إبل وكانت النوق عندهم عزيزة فقالوا لتكن الناقة سوداء حالكة عشراء ذات عرف وناصية ووبر فسأل الله فأوحى إليه أخرج بهم إلى فضاء من الأرض فخرجوا فقال من أين تريدونها فأشاروا إلى صخرة فقالوا من هذه فأشار إليها صالح عليه الصلاة و السلام فقال أخرجي بإذن الله فتمخضت تمخض الحامل وانفجرت عن ناقة كما طلبوا ثم تلاها فصيل لها فآمن خلق ممن حضر منهم ملكهم جندع بن عمرو ورهط من قومه وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا فنهاهم دؤاب بن عمرو وصاحب أوثانهم ورئاب بن ضمعر وكان من أشراف ثمود وفي ( تاريخ الفربري ) قالوا لصالح عليه الصلاة و السلام لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة ذات ألوان من أحمر ناصع وأصفر فاقع وأسود حالك وأبيض يقق ويكون نظرها كالبرق الخاطف ورغاؤها كالرعد القاصف ويكون طولها مائة ذراع وعرضها كذلك ذات ضروع أربعة فنحلب منها ماء وعسلا ولبنا وخمرا ويكون لها تبيع على صفتها وليكن حنينها بتوحيد إلهك والإقرار بنبوتك فخرجت مثل ما قالوا فآمن الملك وكذب بعضهم وكذب أخو الملك صالحا وملكه ممن لم يؤمن به منهم والقصة طويلة فآخر الأمر قالوا قد ضايقتنا هذه الناقة في الماء والكلأ فأجمعوا على عقرها كما نذكره قوله انتدب لها رجل من ندبه لأمر فانتدب أي دعا له فأجاب قوله ذو عز ومنعة بفتح الميم والنون وبالعين المهملة وقيل بسكون النون وهي القوة وما يمنع به الخصم قوله في قوة كذا هو في رواية الكشميهني والسرخسي وفي رواية الأكثرين في قومه قوله كأبي زمعة وهو الأسود بن المطلب وكان ذا عز ومنعة في قومه كعاقر الناقة والتشبيه في هذا وعاقر الناقر هو قدار بن سالف وذكر السهيلي أنه كان ولد زنا وهو أحمر ثمود الذي يضرب به المثل في الشؤم وكان أحمر أشقر أزرق سناطا قصيرا وقال الثعلبي اسمه قديرة وقال الجوهري اسمه قدار بالدال المهملة وهو الأصح وقال وهب وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فانضاف إليهم قدار فصاروا تسعة وقال وهب وكانت الثمانية حاكة وكان الذي تولى عقرها قدار بن سالف ورماها مصدع بن مهرج وذكرهم ابن دريد في ( الوشاح ) فقال قدار بن سالف بن جدع ومصدع بن مهرج بن هزيل بن المحيا وهزيل بن عنز بن غنم بن ميلع وسبيع بن مكيف بن سيحان وعرام بن نهبى بن لقيط ومهرب بن زهير بن سبيع وسبيع بن رغام بن ملدع وعريد بن نجد ابن مهان ورعين بن عمر بن داعر
8733 - حدثنا ( محمد بن مسكين أبو الحسن ) حدثنا ( يحيى بن حسان بن حيان أبو زكرياء ) حدثنا ( سليمان ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا قد عجنا منها واستقينا فأمرهم أن يطرحوا ذالك العجين ويهريقوا ذالك الماء ( الحديث 8733 - طرفه في 9733 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن مسكين اليماني شيخ الشيخين ويحيى بن حسان منصرفا وغير منصرف ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف التنيسي مر في الجنائز وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب مولى القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان بربريا
قوله لما نزل الحجر أي منازل ثمود قوله ويهريقوا أي ويريقوا من الإراقة والهاء زائدة وإنما أمرهم أن لا يشربوا من مائها خوفا أن يورثهم قسوة أو شيئا يضرهم

(15/274)


ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبي أمر بإلقاء الطعام
سبرة بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وبالراء ابن معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وقال أبو عمر سبرة بن معبد الجهني ويقال بن عوسجة بن حرملة بن سبرة بن خديج بن مالك بن عمرو الجهني يكنى أبا ثرية بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف وقال أبو عمر الصواب ضم الثاء يعني المثلثة وفتح الراء سكن المدينة وله بها دا ثم انتقل إلى مرو وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ووصل حديثه أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز ابن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة قال قال رسول الله لأصحابه حين راح من الحجر من كان عجن منكم من هذا الماء عجينة أو حاس به حيسا فليلقه وأبو الشموس بفتح الشين المعجمة وضم الميم وفي آخره سين مهملة البلوي بفتح الباء الموحدة واللام ولا يعرف له اسم ووصل حديثه البخاري في ( الأدب المفرد ) والطبراني وابن منده من طريق سليم ابن مطير عن أبيه عنه قال كنا مع رسول الله في غزوة تبوك فذكر الحديث وفيه فألقى ذو العجين عجينة وذو الحيس حيسه ورواه ابن أبي عاصم من هذا الوجه وزاد فقلت يا رسول الله قد حست حيسة أفألقمها راحلتي قال نعم
وقال أبو ذر عن النبي من اعتجن بمائه
أبو ذر اسمه جندب بن جنادة قوله من اعتجن بمائه أي أمر من اعتجن بمائه بالإلقاء ووصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه أنهم كانوا مع النبي في غزوة تبوك فأتوا على واد فقال لهم النبي إنكم بواد ملعون فأسرعوا وقال من اعتجن عجينة أو طبخ قدرا فليكبها الحديث وقال لا نعلمه إلا بهذا الإسناد
9733 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أن ( الناس نزلوا مع ) رسول الله أرض ثمود الحجر فاستقوا من بئرها واعتجنوا به فأمرهم رسول الله أن يهريقوا ما استقوا من بئرها وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة ( انظر الحديث 8733 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن إسحاق بن موسى الأنصاري
قوله الحجر بالنصب على أنه بدل من أرض ثمود قوله وأن يعلفوا بفتح الياء من علفت الدابة علفا قيل أمر في الحديث الماضي بالطرح وههنا قال بالتعليف وأجيب بأن المراد بالطرح ترك الأكل أو الطرح عند الدواب قوله التي كانت هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره التي كان
وفيه كراهة الاستقاء من آبار ثمود قيل ويلحق بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره واختلف في الكراهة المذكورة فقيل للتحريم وقيل للتنزيه وعلى التحريم هل يمتنع صحة التطهر من ذلك الماء أم لا والظاهر لا يمتنع
تابعه أسامة عن نافع
أي تابع عبيد الله أسامة بن زيد بن حارثة الليثي عن نافع يعني روى عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ووصل هذه المتابعة حرملة بن يحيى أبو حفص التجيبي المصري عن عبد الله بن وهب المصري قال أخبرني أسامة بن زيد فذكر مثل حديث عبيد الله وفي آخره فأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح فيستقوا منها
0833 - حدثني ( محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) عن أبيه رضي الله تعالى ( عنهم ) أن النبي لما مر بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم ثم تقنع بردائه وهو على الرحل

(15/275)


مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن مقاتل وعبد الله هو ابن المبارك والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن محمد الجعفي وأخرجه النسائي في التفسير عن سويد بن نصر
قوله لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا وزاد في رواية أنفسهم وقوله مساكن أعم من أن يكون مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وإن كان السبب ورد في ثمود قوله باكين وفي رواية القابسي باكيين بياءين قال ابن التين وليس بصحيح لأن الياء الأولى مكسورة في الأصل فاسثقلت وحذفت إحدى اليائين لالتقاء الساكنين قوله الذين ظلموا ثمود ومن في معناهم من سائر الأمم الذين نزلت بهم المثلات قوله أن يصيبكم أي حذر أن يصيبكم كقولك لا تقرب الأسد أن يفترسك و أن مصدرية أي كراهة الإصابة وهذا التقدير عند البصريين والتقدير عند الكوفيين لئلا يصيبكم ما أصابهم وهذا خطأ عند البصريين لأنهم لا يجوزون إضمار لا قوله ثم تقنع أي تستر قوله على الرحل وهو رحل البعير
1833 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( وهب ) حدثنا أبي سمعت ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم
عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ووهب هو ابن جرير يروي عن أبيه جرير بن حازم البصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن حرملة عن ابن وهب وقد مر في كتاب الصلاة في باب الصلاة في مواضع الخسف حديث ابن عمر من وجه آخر رواه عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لئلا يصيبكم ما أصابهم والله أعلم
81 -
( باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( البقرة 331 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى أم كنتم شهداء ( البقرة 331 ) ثبتت هذه الترجمة هنا وهي مكررة ذكرت قبل بثلاثة أبواب فلذلك لا توجد في كثير من النسخ
2833 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) أخبرنا ( عبد الصمد ) حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام
مطابقته للترجمة من حيث إن يوسف داخل في وصية يعقوب حين حضره الموت وإسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي الحافظ أبو يعقوب سكن نيسابور ومات سنة إحدى وخمسين ومائتين وروى له الجماعة إلا أبا داود ولهم إسحاق بن منصور السلولي الكوفي روى له الجماعة ولهم ثالث إسحاق بن منصور بن حيان الأسدي الكوفي روى له الجماعة وعبد الصمد بن عبد الوارث أبو سهل التنوري الحافظ الحجة وروى له الجماعة ولهم عبد الصمد بن حبيب العوادي روى له أبو داود وقال البخاري لين وعبد الصمد بن سليمان البلخي الحافظ روى عنه الترمذي وابن خزيمة مات في سنة ست وأربعين ومائتين و ( عبد الرحمن بن عبد الله ) يروي عن أبيه عبد الله بن دينار
والحديث أخرجه البخاري في آخر هذا الباب أيضا عن عبدة بن عبد الله الصفار وأخرجه في التفسير أيضا وقال عبد الله
قوله يوسف مرفوع لأنه خبر مبتدأ وهو قوله الكريم ضد اللئيم وكل نفس كريم هو متناول للصالح الجيد دينا ودنيا وقال النووي وأصل الكرم كثرة الخير وقد جمع يوسف عليه الصلاة و السلام مكارم الأخلاق مع شرف النبوة وكونه ابنا لثلاثة أنبياء متناسلين ومع شرف رياسة الدنيا ملكها بالعدل والإحسان وكون قوله الكريم=

ج30. عمدة القارئ

ابن الكريم إلى آخره موزونا مقفى لا ينافي وما علمناه الشعر ( يس 96 ) إذ لم يكن هذا بالقصد بل وقع بالاتفاق أو المراد به صنعة الشعر وفي رواية الطبراني من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله وله من حديث ابن عباس قيل يا رسول الله من السيد قال يوسف بن يعقوب قال فما في أمتك سيد قال رجل أعطى مالا حلالا ورزق سماحة وإسناده ضعيف
91 -
( باب قول الله تعالى لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ( يوسف 17 ) )
أي هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى لقد كان في يوسف ( يوسف17 ) ويوسف فيه ستة أوجه ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه واختلفوا فيه هل هو أعجمى أو عربي فالأكثرون على أنه أعجمي ولهذا لم ينصرف وقيل عربي مأخوذ من الأسف وهو الحزن أو الأسيف وهو العبد وقد اجتمعا في يوسف عليه الصلاة و السلام فسمي به وقال مقاتل ذكر الله يوسف في القرآن في سبعة وعشرين موضعا قوله وإخوته أي في خبرهم قوله آيات أي عبر قوله للسائلين قيل اليهود وقيل آيات أي علامات ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء للسائلين يعني لمن سأل عن قصتهم وقيل آيات على نبوة محمد للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم بالصحة من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب وقال الزمخشري وقريء لآية وفي بعض المصاحف عبرة
وأما أسماء أخوة يوسف فروبيل بضم الراء وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام وهو أكبرهم وشمعون ولاوي ويهودا ورويالون ويسخر ويقال أي ساخر وأمهم ليا بنت لايان وهو خال يعقوب عليه الصلاة و السلام وداني ويفتالي وجاد وآشر وهؤلاء من سريتين ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين فالكل إثنا عشر نفرا
3833 - حدثني ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أسامة ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه ( سئل ) رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا
مطابقته للترجمة في قوله أكرم الناس يوسف نبي الله وعبيد الله بضم العين ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله أبو محمد الهباري الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله بن عمر العمري والحديث مضى عن قريب في باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( البقرة 331 ) قال العلماء لما سألوا عن أكرم الناس أخبر بأكرم الكرام فقال أتقاهم لأن المتقي كبير في الآخرة فلما قالوا لا نسألك عنه فقال يوسف نبي الله الذي جمع بين الدنيا والآخرة فلما قالوا ما قالوا فهم أن مرادهم قبائل العرب وأصولهم قوله فقهوا بضم القاف وحكي كسرها
حدثني محمد بن سلام أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي بهذا
هذا وجه آخر للحديث المذكور قال حدثني ويروى أخبرني محمد بن سلام أخبرنا عبدة ويروى أخبرني عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري وقال صاحب ( التوضيح ) لعله المقبري وشنع عليه بعض من عاصره لا شك أن سعيدا هو المقبري بلا حرف ترج ومثل هذا كيف يتصدى لشرح البخاري قوله بهذا أي بهذا الحديث
3833 - حدثني ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أسامة ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه ( سئل ) رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا
مطابقته للترجمة في قوله أكرم الناس يوسف نبي الله وعبيد الله بضم العين ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله أبو محمد الهباري الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله بن عمر العمري والحديث مضى عن قريب في باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( البقرة 331 ) قال العلماء لما سألوا عن أكرم الناس أخبر بأكرم الكرام فقال أتقاهم لأن المتقي كبير في الآخرة فلما قالوا لا نسألك عنه فقال يوسف نبي الله الذي جمع بين الدنيا والآخرة فلما قالوا ما قالوا فهم أن مرادهم قبائل العرب وأصولهم قوله فقهوا بضم القاف وحكي كسرها
حدثني محمد بن سلام أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي بهذا
هذا وجه آخر للحديث المذكور قال حدثني ويروى أخبرني محمد بن سلام أخبرنا عبدة ويروى أخبرني عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري وقال صاحب ( التوضيح ) لعله المقبري وشنع عليه بعض من عاصره لا شك أن سعيدا هو المقبري بلا حرف ترج ومثل هذا كيف يتصدى لشرح البخاري قوله بهذا أي بهذا الحديث

(15/277)


4833 - حدثنا ( بدل بن المحبر ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( سعد بن إبراهيم ) قال سمعت ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي قال لها مري أبا بكر يصلي بالناس قالت إنه رجل أسيف متى يقم مقامك رق فعادت قال شعبة فقال في الثالثة أو الرابعة إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر
مطابقته للترجمة في قوله يوسف وبدل بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وباللام ابن المحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة وبالراء اليربوعي البصري ويقال الواسطي وهو من أفراده
والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب من أسمع الناس تكبير الإمام وفي الباب الذي يليه وفي باب إذا بكى الإمام في الصلاة
قوله مرى أمر من أمر يأمر وأصله اؤمري فحذفت الهمزة الثانية تخفيفا واستغنى عن همزة الوصل فحذفت فصار مري على وزن علي قوله أسيف وفي رواية زائدة بعدها رقيق القلب سريع البكاء والحزن قوله رق أي يحصل له الرقة قوله فعاد أي فعاد رسول الله إلى كلامه بأن قال مري قوله فعادت أي عائشة إلى كلامها الأول بأن قالت إنه رجل أسيف وبقية الكلام مرت هناك
5833 - حدثنا ( الربيع بن يحيى البصري ) حدثنا ( زائدة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( أبي بردة بن أبي موسى ) عن أبيه قال ( مرض ) النبي فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت إن أبا بكر رجل فقال مثله فقال مروه فإنكن صواحب يوسف فأم أبو بكر في حياة رسول الله فقال حسين عن زائدة رجل رقيق
مطابقته للترجمة في قوله يوسف وزائدة بن قدامة وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث مر في كتاب الصلاة في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
قوله فقالت أي عائشة قوله فقال مثله أي قال النبي مثل ما قال في الحديث السابق قوله فقالت مثله أي فقالت عائشة مثل ما قالت في الحديث السابق قوله فقال حسين والحسين هو ابن علي الجعفي وهو المذكور في الحديث الذي في باب أهل العلم الذي ذكرنا آنفا وهو الراوي عن زائدة فيه
6833 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة أللهم أنج سلمة بن هشام أللهم أنج الوليد بن الوليد أللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر أللهم اجعلها سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة في قوله كسني يوسف وهذا الإسناد بعينه على هذا النسق قد مر غير مرة ومضى الحديث في كتاب الصلاة مطولا في باب يهوي بالتكبير حين يسجد ومر الكلام فيه هناك
7833 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ابن أخي جويرية ) حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( مالك ) عن ( الزهري ) أن ( سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته

(15/278)


مطابقته للترجمة في قوله ما لبث يوسف وعبد الله بن محمد بن أسماء مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين وجويرية مصغر جارية وهو من الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث ابن أسماء بوزن حمراء الضبعي والحديث مضى عن قريب في باب قوله عز و جل ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( الحجر 15 ) ومر الكلام فيه هناك
8833 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( ابن فضيل ) حدثنا ( حصين ) عن ( شقيق ) عن ( مسروق ) قال سألت أم ( رومان وهي ) أم ( عائشة عما ) قيل ( فيها ما ) قيل قالت ( بينما ) أنا ( مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار ) وهي تقول فعل الله بفلان وفعل قالت ( فقلت ) لم قالت إنه ( نمى ) ذكر الحديث ( فقالت عائشة أي ) حديث ( فأخبرتها ) قالت ( فسمعه أبو بكر و ) رسول الله قالت نعم فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض فجاء النبي فقال ما لهذه قلت حمى أخذتها من أجل حديث تحدث به فقعدت فقالت والله لئن حلفت لا تصدقوني ولئن اعتذرت لا تعذروني فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه فالله المستعان على ما تصفون فانصرف النبي فأنزل الله ما أنزل فأخبرها فقالت بحمد الله لا بحمد أحد
مطابقته للترجمة تؤخذ من قولها فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه فإن فيه يوسف أيضا وسيأتي في قصة الإفك في سورة النور عن عائشة بلفظ والتمست اسم يعقوب فلم أجده فقلت ما أحد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن سلام البخاري البيكندي وهو من أفراده الثاني محمد بن فضيل مصغر فضل ابن غزوان الكوفي الثالث حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الرحمن الهلالي الرابع شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي الخامس مسروق بن الأجدع الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي السادس أم رومان بضم الراء وقيل بفتحها بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع ابن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة قال أبو عمر هكذا نسبها مصعب وخالفه غيره والخلاف من أبيها إلى كنانة كثير جدا وأجمعوا أنها من بني غنم بن مالك بن كنانة امرأة أبي بكر الصديق وأم عائشة وعبد الرحمن ابني أبي بكر وذكر في ( التوضيح ) أم رومان دعد ويقال زينب بنت عمير بن عامر وقيل بنت عامر بن عويمر
ذكر ما قيل في هذا السند اختلف فيه فقيل إنه منقطع قال أبو عمر رواية مسروق عن أم رومان مرسلة ولعله سمع ذلك من عائشة رضي الله تعالى عنها وقال ابن سعد وأبو حسان الزيادي أم رومان ماتت في حياة رسول الله سنة ست ونزل رسول الله في قبرها زاد الزبير في ذي الحجة وقال أبو عمر سنة أربع وقيل سنة خمس فعلى هذا لا يتجه سماع مسروق منها ويكون حديثه منقطعا وقال آخرون الحديث متصل فقال أبو إسحاق الحربي في ( تاريخه ) و ( علله ) سأل مسروق أم رومان وله خمس عشرة سنة ومات وله ثمان وسبعون سنة وهي أقدم من حدث عنه مسروق وقد صلى خلف أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقال أبو نعيم الحافظ بقيت بعد رسول الله دهرا طويلا فعلى هذا الحديث متصل وقال الخطيب العجب من الحربي كيف خفى عليه استحالة سؤال مسروق لها مع علو قدره في العلم وأحسب العلة التي دخلت عليه اتصال السند وثقة رجاله ولم يتفكر فيما وراء ذلك فهي العلة التي دخلت على البخاري حتى خرجه أما مسلم فلم يخرجه ورجاله على شرطه وأحسبه فطن لاستحالته فرده وقول الحربي سألها وله خمس عشرة سنة فعلى هذا لو كان له وقت وفاة رسول الله بضع عشرة سنة فما الذي منعه أن يسمع من رسول الله ولقد انتصر بعضهم للبخاري بأنه لما ذكر رواية علي بن زيد بن جدعان عن القاسم ماتت أم رومان زمن رسول الله قال فيه نظر لضعف علي وانقطاع حديث القاسم وحديث مسروق أسند وقال أيضا الذي رواه ابن سعد

(15/279)


أصله من الواقدي وفيه مقال ورد عليه بأن الحميدي قال كان بعض من لقينا من البغداديين الحفاظ يقولون الإرسال في هذا الحديث بين وقال الخطيب وقع في كتاب في رواية رواه مسروق عن أبي مسعود عن أم رومان قال وهو الأشبه وكذا قاله ناصر السلامي وقال الخطيب أيضا الصواب أن يقال سئلت أم رومان على صيغة المجهول من الماضي وهذا أشبه بالصحة لأن من الناس من يكتب الهمزة ألفا في جميع أحوالها الرفع والنصب والخفض فلعل بعض النقلة كتب على صورة سألت بالألف ودون عليه ورواه وقال الكرماني لا ينفعه هذا العذر لما جاء في حديث الإفك من المغازي قال مسروق حدثتني أم رومان قلت قيل إنه وهم فيه وقال الداودي فيه من الوهم أن أم مسطح من قريش وقالت ولجت علينا امرأة من الأنصار وقال الخطيب الراوي عن شقيق عن مسروق هو حصين وحصين قد اختلط في آخر عمره فلعله روى الحديث في حال اختلاطه قال الخطيب أيضا وفي رواية عن مسروق سئلت أم رومان وهذا هو الأشبه بالصحة والله أعلم
ذكر معناه قوله عما قيل فيها أي في عائشة ما قيل من الإفك قوله إذا ولجت أي دخلت قوله فعل الله بفلان وفعل أرادت الأنصارية المذكورة بفلان مسطحا بكسر الميم وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي يكنى أبا عباد وقال أبو عمر اسمه عوف لا اختلاف في ذلك وغلب عليه مسطح وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة وهي ابنة خالة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقيل أم مسطح سلمى بنت صخر بن عامرة خالة أبي بكر الصديق شهد مسطح بدرا ومات سنة أربع وثلاثين وهو ابن ست وخمسين سنة وقد قيل إنه شهد صفين مع علي رضي الله تعالى عنه وهو الأكثر ولما خاض في الإفك على عائشة ونزلت براءتها جلده رسول الله فيمن جلد في ذلك وكان أبو بكر ينفق عليه لقرابته وفقره فتألى أن لا ينفق عليه فنزلت ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ( النور 22 ) الآية فقال أبو بكر والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا قوله إنه نمى بتشديد الميم من التنمية وهي رفع الخبر يقال نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد كذا قاله أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء وقال الحربي نمى مشددة وأكثر المحدثين يقولونها مخففة قال ابن الأثير وهذا لا يجوز يعني ههنا وفي ( المطالع ) وفي رواية أبي ذر بالتخفيف قوله ينافض أي ملتبسة بارتعاد والنافض من الحمى هو ذات الرعدة والنفض التحريك قوله من أجل حديث وهو حديث الإفك قوله تحدث به على صيغة المجهول صفة لحديث قوله ومثلي أي صفتي كصفة يعقوب عليه الصلاة و السلام حيث صبر صبرا جميلا وقال والله المستعان ( يوسف 81 ) قوله ما أنزل وهو قوله تعالى إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ( النور 11 ) العشر الآيات فقال لها النبي يا عائشة أما الله فقد برأك فقالت أمها قومي إليه فقالت والله لا أقوم إليه فإني ولا أحمد إلا الله عز و جل وهو معنى قولها بحمد الله لا بحمد أحد
9833 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) أنه ( سأل عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أرأيت قوله حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أو كذبوا قالت بل كذبهم قومهم فقلت والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن فقالت يا عرية لقد استيقنوا بذالك قلت فلعلها أو كذبوا قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذالك بربها وأما هاذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله

(15/280)


ما رأيت أحدا ذكر وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ولكن له مناسبة للحديث السابق من حيث مجيء النصر في حق كل ممن ذكر فيها بعد اليأس فيكون هذا مطابقا للحديث السابق من هذا الوجه ثم نقول المطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء
ورجاله ذكروا غير مرة
قوله أرأيت أي أخبريني قوله وقوله أي قول الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ( يوسف 011 ) وتمام الآية جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( يوسف 011 ) قوله إذا استيأس الرسل من اليأس وهو القنوط ونذكر بقية الكلام فيه عن قريب قوله وظنوا أي الرسل ظنوا أنهم كذبوا وفهم عروة من ظاهر الكلام أن نسبة الظن بالتكذيب لا يليق في حق الرسل فقالت له عائشة ليس كما زعمت بل معناه ما أشارت إليه بقوله بكلمة الإضراب بل كذبهم قومهم في وعد العذاب وقريب منه ما روي عن ابن عباس وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر وقال الزمخشري وظنوا أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون قوله فقلت القائل هو عروة فكأنه أشكل عليه قوله وظنوا لأنهم تيقنوا وما ظنوا فقال والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فردت عليه عائشة بقولها يا عرية لقد استيقنوا بذلك وأشارت بذلك أن الظن هنا بمعنى اليقين كما في قوله تعالى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ( التوبة 811 ) أي تيقنوا ثم عاد عروة إليها فقال أو كذبوا بالتخفيف ولفظ القرآن على لفظ الفاعل على معنى وظن الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به قومهم فأجابت عائشة بقولها معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها وأشارت بذلك إلى ما فهمه عروة منه ولما لم ترض عائشة بما قاله في الموضعين خاطبته بقولها يا عرية بالتصغير ولكنه تصغير الشفقة والمحبة والدلال وليس تصغير التحقير وأصلها عريوة اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء قوله وأما هذه الآية جواب أما محذوف تقديره فالمراد من الظانين فيها هم أتباع الرسل إلى آخره
قال أبو عبد الله استيأسوا افتعلوا من يئست منه من يوسف
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله افتعلوا يعني وزن استيأسوا افتعلوا وليس كذلك بل وزنه استفعلوا والسين والتاء فيه زائدتان للمبالغة وقال الكرماني استيأسوا استفعلوا وفي بعض النسخ افتعلوا وغرضه بيان المعنى وأن الطلب ليس مقصودا فيه ولا بيان الوزن والاشتقاق قلت قال بعضهم في كثير من الروايات افتعلوا وقوله إن الطلب ليس مقصودا منه كلام واه لأن من قال إن السين فيه للطلب قال ليس إلا للمبالغة كما ذكرناه نص الزمخشري عليه في قوله تعالى فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ( يوسف 08 ) قوله ولا بيان الوزن أيضا كلام واه لأنه إذا لم يكن مراده بيان الوزن لم قال استيأسوا افتعلوا وهذا عين بيان الوزن والظاهر أن مثل هذا من قصور اليد في علم التصريف
لا تيأسوا من روح الله ( يوسف 78 ) معناه الرجاء
أشار بهذا إلى أن الروح في قوله تعالى لا تيأسوا من روح الله ( يوسف 78 ) بمعنى الرجاء وعن قتادة أي لا تيأسوا من رحمة الله كذا رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عنه
0933 - أخبرني ( عبدة ) حدثنا ( عبد الصمد ) عن عبد الرحمان عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال الكريم ابن الكريم بن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن أسحااق ابن إبراهيم عليهم السلام ( انظر الحديث 2833 وطرفه )
عبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن عبد الله أبو سهل الصفار الخزاعي البصري مات بالأهواز سنة ثمان وخمسين ومائتين وهو من أفراده وفي بعض النسخ حدثنا عبدة وفي الستة عبدة بن سليمان الكلابي وعبدة ابن أبي لبابة تابعي كوفي نزل دمشق روى له الجماعة ما خلا أبا داود وعبدة بن سليمان المروزي نزل المصيصة صاحب ابن المبارك روى عنه أبو داود وقيل روى عنه البخاري أيضا ذكره ابن عدي ولم يذكر غيره وعبدة بن عبد الرحيم

(15/281)


المروزي روى له الترمذي مات بدمشق سنة أربع وأربعين ومائتين وعبد الصمد بن عبد الوارث البصري و ( عبد الرحمن ) ابن عبد الله والحديث قد مر عن قريب في باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( البقرة 331 )
22 -
( باب قول الله تعالى عز و جل وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ( الأنبياء 38 ) )
أي هذا باب في بيان ما ذكر في حال أيوب في قول الله تعالى عز و جل وأيوب إذ نادى ربه ( الأنبياء 38 ) الآية وأيوب اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والعلمية ذكره الله في القرآن في خمسة مواضع وقوله وأيوب عطف على ما قبله وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ( الأنبياء 87 ) والتقدير واذكر أيوب كما أن التقدير في قوله وداود أذكر داود واختلفوا في نسبه فقيل أيوب ابن أموص بن رزاح بن روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام نقل هذا عن كعب وابن إسحاق وقيل أيوب ابن أموص بن زيرح بن رعويل بن عيصو وقيل أيوب بن ساري بن رغوال بن عيصو والمشهور الأول وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه الصلاة و السلام يوم ألقي في النار والمشهور أنه من ذرية إبراهيم لقوله تعالى ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ( الأنعام 48 ) الآية والمشهور أن الضمير عائد إلى إبراهيم دون نوح عليهما الصلاة والسلام وكانت أمه من ولد لوط بن هاران وقال ابن الجوزي وأمه بنت لوط عليه الصلاة و السلام وكان أيوب في زمن يعقوب وتزوج ابنة يعقوب واسمها رحمة وقيل دنيا وقيل ليا وقيل إنما تزوج أيوب رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب وقيل رحمة بنت إفرائيم بن يوسف وذكر ابن الجوزي في ( التبصرة ) أنه كان في زمن يعقوب ولكن لم يكن نبيا في زمانه ونبيء بعد يوسف عليه السلام وقيل كان بعد سليمان روي عن مقاتل وكان أيوب رجلا غنيا وكان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد وتحمل آلة كل فدان أتان لكن أتان ولد من اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك وقيل له ست مائة عبد ولكل عبد امرأة ومال وكان له ثلاثة عشر ولدا وكان كثير الضيافة على مذهب إبراهيم عليه الصلاة و السلام وكان يكفل الأرامل واليتامى ويحمل المنقطعين وما كان يشبع حتى يشبع الجائع ولا يكتسي حتى يكسو العاري
قوله إذ نادى ربه أي حين نادى ربه أي حين دعا ربه إني مسني الضر قرأ حمزة مسني بسكون الياء والباقون بفتحها والضر بالضم الضرر في النفس من مرض وهزال وبالفتح الضرر في كل شيء واختلفوا في معنى قوله إني مسني الضر فقيل قال ذلك عند بيع امرأته قرنا من شعرها لشيء اشتهاه فلم يقدر عليه وقيل إنما قال ذلك لما سمع نفرا يقولون إنما أصيب هذا لذنب عظيم فعله وقيل إنما قال ذلك عند انقطاع الوحي عنه أربعين يوما فخاف الهجران وقيل إنما قال ذلك عند أكل الدود جميع جسده ثم أراد الدب إلى قلبه وقيل إنما قال ذلك عن تأخر زوجته عنه أياما لمرض حصل لها فلم يبق من ينظر في أمره
وقال الحسن أتى إبليس إلى امرأته بسخلة فقال قولي له ليذبحها لي حتى يبرأ فجاءت وحكت بذلك فقال كدت أن تهلكيني لئن فرج الله عني لأجلدنك مائة تأمريني أن أذبح لغير الله ثم طردها عنه وبقي وحيدا ليس له معين فقال مسني الضر وقيل غير ذلك فإن قلت فلم لم يدع أول ما نزل به البلاء قلت لأنه علم أمر الله فيه ولا تصرف للعبد مع مولاه وأراد مضاعفة الثواب فلم يسأل كشف البلاء
قوله وأنت أرحم الراحمين تعريض منه بسؤال الرحمة إذ أثنى عليه بأنه أرحم وألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب وقال بعضهم لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه قلت إنه أراد به حديث الباب وفيما قاله نظر لعدم الدليل على عدم ثبوت غير هذا الحديث عنده ولا يلزم من عدم ذكره غير هذا الحديث أن لا يكون عنده شيء غير هذا الحديث على شرطه ثم قال وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس أن أيوب ابتلي فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد الحديث وروى أحمد بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب أخبرنا نافع عن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا أن أيوب مكث في بلائه ثمان عشرة سنة وعن خالد بن دريك أصابه البلاء على رأس ثمانين سنة من عمره وعن ابن عباس مكث في البلاء سبع سنين وكان

(15/282)


أصابه بعد السبعين من عمره وعن ابن عباس سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات وقال الحسن مكث أيوب مطروحا على كناسة مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا وقال الطبري وابن الجوزي رحمهم الله تعالى كان عمره حين مات ثلاثا وتسعين سنة وقيل عاش مائة وستا وأربعين سنة ودفن في الموضع الذي ذهب فيه بلاؤه وهو بالبثنية بالشام وقبره ظاهر بها
اركض اضرب يركضون يعدون
أشار به إلى ما في قوله تعالى في قصة أيوب عليه السلام أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( ص 24 ) المعنى اضرب برجلك الأرض وحرك هذا مغتسل فيه إضمار معناه فركض فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي هذا ماء مغتسل بارد وشراب أي يغتسل به ويشرب منه ولما أمره الله بذلك ركض برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل فيها فلم يبق عليه شيء من الداء وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسي حلة وقال السدي جاء جبريل عليه السلام بحلة من الجنة فألبسها فإن قلت كان يكفيه ركضة واحدة قلت الركضة الأولى لزوال الضرر والثانية دليل الفرح والطرب بالعافية بشربة منها وإنما خص الرجل بالركض لأن العادة جارية بأن تنبع الماء من تحت الرجل فكان ذلك معجزة له قوله يركضون أشار به إلى ما في قوله تعالى إذا هم منها يركضون ( الأنبياء 21 ) وفسره بقوله يعدون وفسره الفراء بقوله يهربون ووجه ذكر هذا كون أركض ويركضون من مادة واحدة
1933 - حدثني ( عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فنادي ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك ( انظر الحديث 972 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث أن عقيب قوله ربي إني مسني الضر ( الأنبياء 38 ) جاء الوحي بقوله اركض برجلك ( ص 24 ) فركض فنبع الماء فاغتسل فيه وهو عريان فنزل عليه رجل جراد ورواة هذا قد مروا غير مرة
والحديث مر في الطهارة في باب من اغتسل عريانا ومر الكلام فيه
وقد ذكرنا غير مرة أن أصل بينا بين فأشبعت الفتحة بالألف ويضاف إلى جملة وهي أيوب مبتدأ ويغتسل خبره وعريانا نصب على الحال قوله خر أي سقط وهو جواب بينا وقد ذكرنا أيضا أن الأفصح في جوابه أن يكون بلا إذ قوله رجل بكسر الراء وسكون الجيم وهو جماعة من الجراد كما يقال سرب من الظباء وعانة من الحمر وهو من أسماء الجماعات التي لا واحد لها من لفظها قوله يحثى بالثاء المثلثة أي يأخذ بيديه جميعا في رواية بشير بن نهيك يلتقط وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس فجعل أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية قوله فناداه ربه يحتمل أن يكون بواسطة أو بلا واسطة أو بإلهام قوله بلى أي أغنيتني قوله لا غنى لي بكسر الغين المعجمة مقصور بلا تنوين وخبر لا يجوز أن يكون قوله لي أو قول من بركته ويروى من فضلك وقال وهب تطاير الجراد من الماء الذي اغتسل فيه وكان له أندران أحدهما القمح والآخر الشعير فبعث الله سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح ذهبا والأخرى فضة وتطاير الجراد على الكل وإنما خص الجراد لكثرته
وقال الخطابي فيه دلالة على أن من نثر عليه دراهم أو نحوها في إملاك ونحوه أنه أحق بما نثر عليه وتعقبه ابن التين فقال ليس كما ذكره لأنه شيء خص الله به نبيه أيوب وإن ذلك شيء من فعل الآدمي فيكره فعله لأنه من السرف وينازع في كونه خاصا وبأنه جاء من الشارع ولا سرف فيه

(15/283)


32 -
( باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا كلمه ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ( 15 - 35 ) )
أي هذا باب يذكر فيه موسى وهارون وبيان ذلك في قول الله تعالى واذكر في الكتاب إلى آخره وهذا كله مذكور في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر إلى قوله نجيا فحسب قوله واذكر خطاب للنبي قوله في الكتاب أي القرآن قوله مخلصا قرأ الكسائي وحمزة وحفص عن عاصم بفتح اللام أي أخلصه الله وجعله خالصا من الدنس مختارا وقرأ الباقون بكسر اللام أي الذي وحد الله وجعل نفسه خالصة في طاعة الله تعالى غير دنسة قوله وناديناه أي دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة من جانب الطور وهو جبل بين مصر ومدين قوله الأيمن قيل صفة للطور وقيل للجانب وقيل لموسى فإنه جاء النداء من يمين موسى قوله وقربناه نجيا مناجيا قيل حتى سمع صريف القلم حين كتب له في الألواح قوله من رحمتنا أي من أجل رحمتنا له أو بعض رحمتنا فعلى الأولى قوله أخاه مفعول وهبنا وعلى الثاني بدل وهارون عطف بيان كقولك رأيت رجلا أخاك زيدا وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وقال مقاتل ذكر الله تعالى موسى في القرآن في مائة وثمانية عشر موضعا وذكر الله هارون في أحد عشر موضعا وموسى على وزن فعلى من الموس وهو حلق الشعر والميم أصلية وقال الليث اشتقاقه من الماء والشجر فمو ماء وسا شجر لحمال التابوت والماء وهو عبراني عرب وهو ابن عمران ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهم الصلا والسلام وذكر بعضهم عاذر بعد قاهث ونكح عمران نجيب بنت أشمويل بن بركيا بن يقشان بن أبراهيم فولدت له هارون وموسى عليهماالصلاة والسلام وقيل اسم أمهما أناجيا وقيل أباذخت قال السهيلي
أباذخا وقال ابن اسحاق تجيب وقال الثعلبي يوخايذ وهو المشهور وولد موسى وقد مضى من عمر عمران سبعون سنة وجميع عمر عمران مائة وسبع وثلاثون سنة ( ( يقال للواحد وللاثنين وللجمع نجي ويقال خلصوا نجيا اعتزلوا نجيا والجمع أنجيه يتناجون ) )
النجي بفتح النون وكسر الجيم وتشديد الياء آخر الحروف قال ابن الأثير هو المناجي وهو المخاطب للإنسان المحدث له وذكر البخاري أنه يقال للواحد نجي وللاثنين نجي وللجمع نجي وفي ( المطالع ) يقال رجل نجى ورجلان نجي ورجال نحي ومثله في رواية الأصيلي في قوله تعالى خلصوا نجياوأوله فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ( يوسف 08 ) وفسره البخاري بقوله ويقال خلصوا نجيا اعتزلوا نجيا أي فلما يئسوا من يوسف خلصوا نجيا أي اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم قال الزمخشري ذوي نجوى أو فوجا نجيا أي مناجيا بعضهم بعضا قال الزجاج انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم وذكر البخاري هذا تأكيدا لما قبله من أن النجي يطلق على الجمع لأن نجيا في الآية بمعنى المتناجين ونصبه على الحال وقال الزمخشري النجي على معنيين يكون بمعنى المناجي كالعشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر ومنه قوله تعالى وقربناه نجيا ( مريم 25 ) وبمعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل النجوى بمعناه ومنه قيل قوم نجي كما قيل هم صديق لأنه بزنة المصادر قوله والجمع أنجية أراد به النجي إذا أريد به المفرد فقط يكون جمعه أنجية كما في قول الشاعر
( وإذا ما القوم كانوا أنجيهواضطرب اليوم اضطراب الأرشيه )
قوله يتناجون أشار به إلى ما في قوله تعالى ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ( المجادلة 8 ) الآية نزلت في اليهود وكانت بينهم وبين النبي موادعة فإذا مر بهم رجل من أصحاب النبي جلسوا يتناجون فيما بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره فيترك الطريق عليهم من المخافة فبلغ ذلك النبي فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فعادوا إلى النجوى فأنزل الله هذه الآية

(15/284)


تلقف تلقم
أشار به إلى ما في قوله تعالى وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ( الأعراف 711 ) وفسره بقوله تلقم وكذا فسره أبو عبيدة
2933 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) سمعت ( عروة ) قال قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها ( فرجع ) النبي إلى خديجة يرجف فؤاده فانطلقت به إلى ورقة بن نوفل وكان رجلا تنصر يقرأ الإنجيل بالعربية فقال ورقة ماذا ترى فأخبره فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره
مطابقته للترجمة في قوله هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى عليه الصلاة و السلام وهذا قطعة من الحديث الذي رواه في أول الكتاب مطولا عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد مر الكلام فيه مستوفى قوله والناموس إلى آخره من كلام البخاري وقد مر تحقيقه هناك فليرجع إليه من أراد أن يقف عليه
42 -
( باب قول الله عز و جل وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا إلى قوله بالوادي المقدس طوى ( طه 9 - 21 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى قوله وهل أتاك أي قد أتاك لأن هل هنا لا تليق أن تكون للاستفهام لأنه لا يجوز على الله تعالى قوله إذ رأى أي حين رأى عن وهب استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى أمه فخرج إلى أهله فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة فحاد موسى عن الطريق وقدح النار فلم تور المقدحة شيئا فبينا هو يزاول ذلك أبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق قيل كانت ليلة الجمعة فقال موسى لأهله امكثوا مكانكم إني آنست أي أبصرت نارا لعلي آتيكم منها أي من النار بقبس أي بشعلة القبس النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما قوله أو أجد على النار هدى يعني من يدلني على الطريق أو ينفعني بهداه في أبواب الدين قوله فلما أتاها أي فلما أتى موسى النار رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد وسمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما فخاف فألقيت عليه السكينة ونودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك قيل سبب أمره بخلع نعليه أنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ فخلع موسى نعليه وألقاهما من وراء الوادي قوله إنك بالوادي المقدس أي المطهر طوى إسم واد قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بالتنوين منصرفا بتأويل المكان والباقون بغير تنوين غير منصرف بتأويل البقعة وقيل للوادي المقدس طوى طوى مرتين أي قدس مرتين وقيل نودي نداءين
آنست أبصرت
يعني معنى آنست أبصرت من الإيناس وهو الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء والإنس لظهورهم وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به
قال ابن عباس المقدس المبارك
وقع هذا من قول ابن عباس إلى آخر ما ذكره من تفسير الألفاظ المذكورة في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني

(15/285)


خاصة ولم يذكره جميع رواة البخاري هنا وإنما ذكروا بعضه في تفسير سورة طه وقال الكرماني وذكر أمثال هذا في هذا الكتاب العظيم الشأن اشتغال بما لا يعنيه وقول ابن عباس وصله علي بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
طوى اسم الوادي
وقد ذكرناه وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه سمي طوى لأن موسى طواه ليلا
سيرتها حالتها
أشار به إلى ما في قوله تعالى سنعيدها سيرتها الأولى ( طه 12 ) وفسر السيرة بالحالة وهكذا روي عن ابن عباس وعن مجاهد وقتادة سيرتها هيئتها
والنهى التقى
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( طه 45 و821 ) وفسر النهي بالتقى كذا رواه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله لأولي النهى قال لأولي التقى وعن قتادة لأولي الورع وقال الطبري خص أولي النهى لأنهم أهل التفكر والاعتبار
بملكنا بأمرنا
أشار به إلى ما في قوله تعالى ما أخلفنا موعدك بملكنا ( طه 78 ) وفسره بقوله بأمرنا وهكذا روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق سعيد عن قتادة بملكنا أي بطاقتنا وكذا قال السدي
هوى شقي
أشار به إلى ما في قوله تعالى ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( طه 18 ) وفسره بلفظ شقي وكلاهما ماضيان وكذا روي عن الطبري وابن أبي حاتم
فارغا إلا من ذكر موسى
أشار به إلى ما في قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( ) ثم فسره بقوله إلا من ذكر موسى يعني لم يخل قلبها عن ذكره وهذا وصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في تفسير ابن عيينة من طريق عكرمة عن ابن عباس ولفظه وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( ) من كل شيء إلا من ذكر موسى وكذا أخرجه الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال أبو عبيد فارغا من الحزن لعلمها أنه لم يغرق
ردءا كي يصدقني
أشار بقوله ردءا إلى ما في قوله تعالى وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني ( القصص 43 ) ثم أشار إلى أن التقدير في قوله يصدقني كي يصدقني وروى الطبري من طريق السدي كيما يصدقني ومن طريق مجاهد وقتادة ردءا أي عونا وقال أبو عبيدة أي معينا يقال أردأت فلانا على عدوة أي أكنفته وأعنته وصرت له كنفا
ويقال مغيثا أو معينا
أي يقال في تفسير ردءا مغيثا بالغين المعجمة والثاء المثلثة من الإغاثة قوله أو معينا أي أو يقال معينا بالعين المهملة من الإعانة وهي المساعدة
يبطش ويبطش

(15/286)


أشار به إلى أن لفظ يبطش فيه لغتان إحداهما كسر الطاء والأخرى ضمها وهو في قوله فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ( القصص 91 ) والكسر هي القراءة المشهورة هنا وفي قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى ( الدخان 61 ) والضم قراءة الحسن وابن جعفر رحمهم الله تعالى
يأتمرون يتشاورون
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ( القصص 02 ) وفسره بقوله يتشاورون وكذا فسره أبو عبيدة وقال ابن قتيبة معناه يأمر بعضهم بعضا
والجذوة قطعة غليظة من الخشب ليس فيها لهب
أشار به إلى ما في قوله تعالى أو جذوة من النار ( القصص 92 ) ثم فسرها بما ذكره أبو عبيدة والجذوة مثلثة الجيم
سنشد سنعينك
أشار به إلى ما في قوله تعالى سنشد عضك بأخيك ( القصص 53 ) وفسره بقوله سنعينك وفسره أبو عبيدة بقوله سنقويك به ونعينك يقال شد فلان عضد فلان إذا أعانه
كلما عززت شيئا فقد جعلت له عضدا
هذا من بقية تفسير سنشد عضدك وهو ظاهر
وقال غيره كلما لم ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة فهي عقدة
أشار بهذا إلى تفسير عقدة في قوله تعالىرب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني ( طه 52 - 72 ) وروى الطبري بإسناده من طريق السدي قال لما تحرك موسى أخذته آسية امرأة فرعون ترقصه ثم ناولته لفرعون فأخذ موسى بلحية فرعون فنتفها فاستدعى فرعون بالذباحين فقالت آسية إنه صبي لا يعقل فوضعت له جمرا وياقوتا وقالت إن أخذ الياقوت فاذبحه وإن أخذ الجمر فاعرف أنه لا يعقل فجاء جبريل عليهم الصلاة والسلام فطرح في يده جمرة فطرحها في فيه فاحترقت لسانه فصارت في لسانه عقدة من يومئذ وقيل لما وضع فرعون موسى في حجره تناول لحيته ومدها ونتف منها وكانت لحيته طويلة سبعة أشبار وكان هو قصيرا ويقال لطم وجهه وكان يلعب بين يديه ويقال كان بيده قضيب صغير يلعب به فضرب به رأسه فعند ذلك غضب غضبا شديدا وتطير منه وقال هذا عدوي المطلوب ثم جرى ما ذكرناه فإن قلت كيف لم تحرقه النار يوم التنور الي ألقي فيها وأحرقت لسانه في هذا اليوم قلت لأنه قال يوما لفرعون يا بابا فعوقب لسانه ولم تعاقب يده لأنها مدت لحية فرعون ولهذا ظهرت المعجزة في اليد دون اللسان تخرج بيضاء من غير سوء ( طه 22 النمل 21 القصص 23 ) وقيل لم يحترق في التنور ليدوم له الأنس بينه وبين النار ليلة التكليم وقيل إنما لم تحترق يده ليجاهد بها فرعون بحمل العصا قوله تمتمة هي التردد في النطق بالتاء المثناة من فوق قوله أو فأفأة هي التردد في النطق بالفاء
أزري ظهري
أشار به إلى ما في قوله تعالى أشدد به أزري وأشركه في أمري ( طه 13 ) وفسر الأزر بالظهر كذا روى الطبري عن ابن عباس
فيسحتكم فيهلككم
أشار به إلى ما في قوله تعالى فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ( طه 16 ) وفسر فيسحتكم قوله يهلككم وهكذا روى الطبري عن ابن عباس وقال أبو عبيدة سحت وأسحت بمعنى وقال الطبري سحت أكثر من أسحت
المثلى تأنيث الأمثل يقول بدينكم يقال خذ المثلى خذ الأمثل

(15/287)


أشار به إلى ما في قوله تعالى ويذهبا بطريقتكم المثلى ( طه 36 ) ومثلى على وزن فعلى تأنيث الأمثل قوله تقول بدينكم تفسير لقوله بطريقتكم المثلى يعني يريد موسى وهارون أن يذهبا بدينكم المستقيم وقيل بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه وقيل أرادا أهل طريقتكم المثلى وهم بنو إسرائيل لقول موسى أرسل معي بني إسرائيل وقيل الطريقة اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم فيقال هم طريقة قومهم وقال الشعبي معناه ويصرفا وجوه الناس إليهما وقال الزجاج يعني المثلى والأمثل ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال هذا مثل لقومه
ثم ائتوا صفا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ( طه 46 ) الخطاب لقوم فرعون من السحرة يعني ائتوا جميعا وقيل صفوفا لأنه أهيب في صدور الرائين روي أن الحسرة كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم حبل وعصا وقد أقبلوا إقبالة واحدة
يقال هل أتيت الصف اليوم يعني المصلى الذي يصلى فيه
قائل هذا التفسير أبو عبيدة فإنه قال المراد من قوله صفا يعني المصلى والمجتمع وعن بعض العرب الفصحاء ما استطعت أن آتي الصف أمس يعني المصلى ووجه صحته أن يجعل صفا علما لمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه أو يراد ائتوا مصلى من المصليات
فأوجس أضمر خوفا فذهبت الواو من خيفة لكسرة الخاء
أشار به إلى ما في قوله تعالى فأوجس منهم خيفة ( طه 76 ) وفسر أوجس بقوله أضمر خوفا قوله فذهبت الواو من خيفة لكسرة الخاء قلت اصطلاح أهل التصريف أن يقال أصل خيفة خوفة فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها
في جذوع النخل على جذوع
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل ( طه 17 ) وأشار بقوله على جذوع أن كلمة في في قوله في جذوع النخل ( طه 17 ) بمعنى على للاستعلاء وقال هم صلبوا العبدي في جذوع نخلة
خطبك بالك
أشار به إلى ما في قوله تعالى قال فما خطبك يا سامري ( طه 59 ) وفسر خطبك بقوله بالك وقصته مشهورة ملخصها أن موسى أقبل على السامري واسمه موسى بن ظفر الذي أخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقال هذا إلهكم وإله موسى ( طه 88 ) قال له ما خطبك أي ما شأنك وحالك الذي دعاك وحملك على ما صنعت
مساس مصدر ماسه مساسا
أشار به إلى ما في قوله تعالى قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ( طه 79 ) أي قال موسى للسامري فاذهب من بيننا فإن لك في الحياة أي ما دمت حيا أن تقول لا مساس أي لا أمس ولا أمس وهو مصدر ماسه يماسه مماسة ومساسا فعاقبه الله في الدنيا بالعقوبة التي لا شيء أشد منها ولا أوحش وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة حم الماس والممسوس فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح لا مساس وعن قتادة أن بقاياهم اليوم يقولون لا مساس
لننسفنه لنذرينه
أشار به إلى ما في قوله تعالى لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ( طه 79 ) وفسر قوله لننسفنه بقوله لنذرينه من التذرية في اليم

(15/288)


حكي أن موسى عليه الصلاة و السلام أخذ العجل فذبحه فسال منه الدم لأنه كان قد صار لحما ودما ثم أحرقه بالنار وذراه في اليم
الضحى الحر
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( طه 911 ) وفسر الضحى بالحر قال المفسرون هذا خطاب لآدم عليه الصلاة و السلام ومعنى لا تظمأ لا تعطش فيها أي في الجنة ولا تضحى أي ولا تشرق للشمس فيؤذيك حرها وقيل لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس وذكر هذا هنا غير مناسب لأنه في قضية آدم عليه الصلاة و السلام ولا تعلق له بقصة موسى عليه الصلاة و السلام
قصيه اتبعي أثره وقد يكون أن تقص الكلام نحن نقص عليك
أشار به إلى ما في قوله تعالى وقالت لأخته قصيه ( القصص 11 ) وفسر قصيه بقوله اتبعي أثره هكذا فسره أهل التفسير ويقال معناه استعلمي خبره وهو خطاب لأخت موسى عليه الصلاة و السلام من أمها واسم أخته مريم بنت عمران وافقها في ذلك مريم بنت عمران أم عيسى قوله وقد يكون إلى آخره من جهة البخاري أي قد يكون معنى القص من قص الكلام كما في قوله نحن نقص عليك أحسن القصص ( يوسف3 )
عن جنب عن بعد
أشار به إلى ما في قوله تعالى فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ( القصص 11 ) وفسر قوله عن جنب بقوله عن بعد أي بصرت أخت موسى موسى عن بعد والحال أن قوم فرعون لا يعلمون بها
وعن جنابة وعن اجتناب واحد
أشار به إلى أن معنى عن جنب وعن جنابة وعن اجتناب واحد فيقال ما يأتينا إلا عن جنابة واجتناب وأصل معنى هذه المادة يدل على البعد ومنه سمي الجنب لبعده عن الصلاة وعن قراءة القرآن
قال مجاهد على قدر على موعد
أشار به إلى ما في قوله تعالى فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى ( طه 04 ) وفسر قوله على قدر بقوله على موعد وقيل على قدر أي جئت لميقات قدرته لمجيئك قبل خلقك وكان موسى مكث عند شعيب عليه الصلاة و السلام في مدين ثمانيا وعشرين سنة عشر سنين منها مهر امرأته صفورا بنت شعيب ثم أقام بعده ثمانية عشر سنة عنده حتى ولد له في مدين ثم جاء على قدر
لا تنيا لا تضعفا
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولا تنيا في ذكري إذهبا إلى فرعون إنه طغى ( طه 24 ) وفسر قوله تعالى لا تنيا بقوله لا تضعفا يعني لا تفترا من ونى يني ونيا وهو الضعف والفتور والخطاب فيه لموسى وهارون
مكانا سوى منصف بينهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ( طه 85 ) وفسر قوله مكانا سوى بقوله منصف بينهم قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بضم السين والباقون بكسرها قيل معناه سويا لا ساتر فيه وقيل مكانا عدلا بيننا وبينك وعن ابن عباس مثل ما فسره بقوله منصف بينهم أي بين الفريقين أي يستوي مسافته بين الفريقين فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر
يبسا يابسا

(15/289)


أشار به إلى ما في قوله تعالى فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ( طه 77 ) وفسر قوله يبسا بقوله يابسا وفي ( تفسير النسفي ) يبسا مصدر وصف به يقال يبس يبسا ونحوهما العدم والعدم ومن ثم وصف به المؤنث فقيل شاتنا يبس وناقتنا يبس أذا جف لبنها
من زينة القوم الحلي الذي استعاروه من آل فرعون
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ( طه 78 ) وروى الطبري من طريق ابن زيد قال الأوزار الأثقال وهو الحلي الذي استعاروه من آل فرعون وليس المراد بها الذنوب وفي ( تفسير النسفي ) وقيل أثاما أي حملنا أثاما من حلي القوم لأنهم استعاروه ليتزينوا في عيد كان لهم ثم لم يردوها عليهم عند خروجهم من مصر مخافة أن يعلموا بخروجهم فحملوها
فقذفتها ألقيتها ألقى صنع
فسر فقذفتها بقوله ألقيتها وفي رواية الكشميهني فقذفناها والقرآن ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار ( طه 78 ) قوله ألقي أي السامري يعني ألقى ما كان معه من الحلي وقيل ما كان معه من تراب حافر فرس جبريل وأراد بقوله صنع أخرج لهم عجلا جسدا له خوار
فنسي موسى هم يقولون أخطأ الرب أن لا يرجع إليهم قولا في العجل
أشار به إلى ما في قوله تعالى فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ( طه 88 و98 ) قوله فقالوا أي السامري ومن وافقه قوله فنسي موسى أي أن يخبركم أن هذا إلهه وقيل فنسي موسى الطريق إلى ربه وقيل فنسي موسى إلهه عندكم وخالفه في طريق آخر قوله هم يقولون أي السامري ومن معه يقولون أخطأ موسى الرب حيث تركه هنا وذهب إلى الطور يطلبه قوله أن لا يرجع إليهم في العجل قولا أي أنه لا يرجع إليهم قولا في العجل
3933 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) عن ( مالك بن صعصعة ) أن رسول الله حدثهم عن ليلة أسري به حتى السماء الخامسة فإذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
وجه ذكر هذه القطعة من حديث الإسراء المطول الماضي غير مرة من طريق قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة المذكورة تمامها في السيرة النبوية هو لأجل ذكر هارون في مواضع الألفاظ المتقدمة
تابعه ثابت وعباد بن أبي علي عن أنس عن النبي
أي تابع قتادة ثابت البناني وعباد بتشديد الباء الموحدة ابن أبي علي البصري في روايتهما عن أنس في ذكر هارون في السماء الخامسة لا في جميع الحديث ولا في الإسناد أيضا فإن رواية ثابت موصولة في ( صحيح مسلم ) من طريق شيبان عن حماد ابن سلمة عنه وليس فيها ذكر مالك بن صعصعة بل المذكور فيها ذكر هارون في السماء الخامسة وأما متابعة عباد فرواها عنه هشام الدستوائي وحماد بن زيد وخليفة بن حسان ولم يذكروا مالك بن صعصعة وليس لعباد ذكر في البخاري إلا في هذا الموضع
52 -
( باب وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه إلى قوله مسرف كذاب ( غافر 82 ) )

(15/290)


أي هذا باب يذكر فيه وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( غافر 82 ) وقعت هذه الترجمة هكذا بغير حديث فكأنه أراد أن يذكر فيها حديثا ولم يظفر به على شرطه فبقيت كذا والله أعلم قوله وقال رجل مؤمن في اسمه ستة أقوال الأول شمعان بالشين المعجمة قال الدارقطني لا يعرف شمعان بالمعجمة إلا مؤمن آل فرعون الثاني يوشع بن نون وبه جزم ابن التين وهو بعيد لأن يوشع من ذرية يوسف عليه الصلاة و السلام ولم يكن من آل فرعون الثالث حزقيل بن برحايا وعليه أكثر العلماء الرابع حابوت وهو الذي التقطه إذ كان في التابوت الخامس حبيب ابن عم فرعون قاله ابن إسحاق السادس حيزور قاله الطبري وقال مقاتل كان قبطيا يكتم إيمانه مائة سنة من فرعون وكان له الملك بعد فرعون وكان على بقية من دين إبراهيم وقال ابن خالويه في ( كتاب ليس ) لم يؤمن من أهل مصر إلا أربعة آسية وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم بنت لابوس الملك التي دلت على عظام يوسف والماشطة قوله أتقتلون الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري قوله أن يقول أي لأن يقول وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد وهذا كان منه نصح عظيم لهم ولم يقتصر على بينة واحدة وهي قوله ربي الله حتى قال وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( غافر 82 ) وحكى الله تعالى عنه ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم فقال لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا فإن يك كاذبا فعليه كذبه ( غافر 82 ) أي يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( غافر 82 ) إن تعرضتم قوله مسرف أي مشرك قال السدي أي الكذاب على الله والله أعلم بالصواب
62 -
( باب قول الله عز و جل وهل أتاك حديث موسى ( طه 9 - 01 ) وكلم الله موسى تكليما ( النساء 461 ) )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل وهو قوله وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ( طه 9 - 01 ) وقد مر الكلام فيه عن قريب قبل الباب الذي قبله قوله وكل الله موسى تكليما ( النساء 461 ) وقبله ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ( النساء 461 ) وقبله قوله ورسلا منصوب على تقدير قصصنا رسلا وقوله قد قصصناهم مفسر له فحذف الناصب حتى لا يجمع بين المفسر والمفسر قوله من قبل أي من قبل هذه الآية يعني في السور المكية وغيرها قوله ورسلا لم نقصصهم عليك أي لم نسمهم لك قوله وكلم الله موسى تلكيما قال ابن عباس لما بين الله لمحمد د أمر النبيين ولم يبين أمر موسى عليه الصلاة و السلام شكوا في نبوته فأنزل الله تعالى منهم من كلم الله ( البقرة 352 ) وكلم الله موسى حقيقة لا كما زعمت القدرية أن الله تعالى خلق كلاما في شجرة فسمعه موسى لأنه لا يكون ذلك كلام الله ولو كان من غير التأكيد لاحتمل ما قالوا لأن أفعال المجاز لا تؤكد بذكر المصادر لا يقال أراد الجدار أن يسقط إرادة وعلم موسى أنه كلام الله لأنه كلام يعجز الخلق أن يأتوا بمثله قال ابن مردويه بإسناده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام كلها وصايا فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب وجويبر ضعيف والضحاك لم يدرك ابن عباس
4933 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب رجل كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس وأنا أشبه ولد إبراهيم به ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقال اشرب

(15/291)


أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل أخذت الفطرة إما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك
مطابقته للترجمة في قوله رأيت موسى عليه الصلاة و السلام والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن رافع وعبد بن حميد وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمود بن غيلان به
قوله ورأيت قال الطيبي لعل أرواحهم مثلت له بهذه الصور ولعل صورهم كانت كذلك أو صور أبدانهم كوشفت له في نوم أو يقظة قوله ضرب بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة أي نحيف خفيف اللحم قوله شنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة وهو حي من اليمن والنسبة إليها شنائي وقال ابن السكيت أزد شنوة بالتشديد غير مهموز وينسب إليها شنوى قوله ربعة بفتح الراء وسكون الباء الموحدة ويجوز فتحها لا طويل ولا قصير وأنث بتأويل النفس قوله من ديماس بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة قال الكرماني السرب وقيل الكن أي كأنه مخدر لم ير شمسا وهو في غاية الإشراق والنضارة انتهى وقيل الحمام وقيل لم يكن لهم يومئذ ديماس وإنما هو من علامات نبوته قوله إبراهيم أي الخليل عليه السلام والمعنى أنا أشبه بإبراهيم كذا قاله الكرماني قلت كان معناه أنا أشبه ولد إبراهيم بإبراهيم عليه السلام وههنا ثلاث تشبيهات كلها للبيان ولكن الأول لمجرد البيان والأخير أن للبيان مع تعظيم المشبه في مقام المدح وقال الداودي في تشبيه موسى عليه السلام يعني في الطول7 وقال القزاز ما أدري ما أراد البخاري بذلك على أنه روى في صفته بعد هذا خلاف هذا فقال وأما موسى فآدم جسيم كأنه من رجال الزط قلت روى البخاري هذا من حديث مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله رأيت موسى وعيسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط قلت هذا ليس فيه إشكال لأنه شبه موسى في حديث الباب وهو حديث أبي هريرة بقوله كأنه من رجال شنوءة يعني في الطول وشبهه في حديث ابن عمر بقوله كأنه من رجال الزط يعني في الطول أيضا لأن الزط جنس من السودان والهنود الطوال قوله ثم أتيت على صيغة المجهول قوله أخذت الفطرة أي الاستقامة أي اخترت علامة الإسلام وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا نافعا للشاربين سليم العاقبة وأما الخمر فإنها أم الخبائث وحاملة لأنواع الشر في الحال والمآل ويروى هديت الفطرة قال الطيبي أي الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها وجعل اللبن علامة لذلك لأنه من أصلح الأغذية وأول ما به حصلت التربية
64 - ( حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أبا العالية حدثنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس عن النبي قال لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه وذكر النبي ليلة أسري به فقال موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال عيسى جعد مربوع وذكر مالكا خازن النار وذكر الدجال )
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون قد تكرر ذكره وهو محمد بن جعفر وأبو العالية اسمه رفيع بضم الراء وفتح الفاء الرياحي بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وروى عن ابن عباس أبو العالية آخر واسمه زياد بن فيروز ويعرف بالبراء بالتشديد نسبة إلى بري السهام والحديث أخرجه البخاري أيضا عن حفص بن عمر في باب قول الله تعالى وإن يونس لمن المرسلين ويأتي عن قريب وفي التفسير عن بندار وفي التوحيد قال لي خليفة بن خياط وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء عن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو داود في السنة عن حفص بن عمر به وقال لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وهذا أحدها وقال في موضع آخر قال شعبة أيضا إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون قوله لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ويونس

(15/292)


فيه ستة أوجه ومتى بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق وبالألف وهو اسم أبيه وفي جامع الأصول وقيل هو اسم أمه ويقال لم يشتهر نبي بأمه غير يونس والمسيح عليهما السلام وقال الفربري وكان متى رجلا صالحا من أهل بيت النبوة فلم يكن له ولد ذكر فقام إلى العين التي اغتسل منها أيوب فاغتسل هو وزوجته منها وصليا ودعوا الله أن يرزقهما رجلا مباركا يبعثه الله في بني إسرائيل فاستجاب الله دعاءهما ورزقهما يونس وتوفي متى ويونس في بطن أمه وله أربعة أشهر وقد قيل أنه من بني إسرائيل وأنه من سبط بنيامين وقال الكرماني وهو ذو النون أرسله الله إلى أهل الموصل وذهب قوم إلى أن نبوته بعد خروجه من بطن الحوت وقالت العلماء بأخبار القدماء كان يونس من أهل القرية من قرى الموصل يقال لها نينوى وكان قومه يعبدون الأصنام وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعث الله يونس بن متى إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة فأقام فيهم يدعوهم إلى الله ثلاثا وثلاثين سنة فلم يؤمن به إلا رجلان أحدهما روبيل وكان عالما حكيما والآخر تنوخا وكان زاهدا عابدا وقال الخطابي معنى قوله لا ينبغي لأحد إلى آخره ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس ويحتمل أن يراد ليس لأحد أن يفضلني عليه قال هذا منه على مذهب التواضع والهضم من النفس وليس مخالفا لقوله أنا سيد ولد آدم لأنه لم يقل ذلك مفتخرا ولا متطاولا به على الخلق وإنما قال ذلك ذاكرا للنعمة ومعترفا بالمنة وأراد بالسيادة ما يكرم به في القيامة وقيل قال ذلك قبل الوحي بأنه سيد الكل وخيرهم وأفضلهم وقيل قاله زجرا عن توهم حط مرتبته لما في القرآن من قوله ولا تكن كصاحب الحوت وهذا هو السبب في تخصيص يونس بالذكر من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قوله ليلة أسري به وفي رواية الكشميهني ليلة أسري بي على الحكاية قوله طوال بضم الطاء قوله جعد الشعر الجعد خلاف السبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم قوله وذكر مالكا أي وذكر النبي ليلة أسري به مالكا خازن النار وذكر أيضا الدجال وهذا الحديث واحد عند أكثر الرواة فجعله بعضهم حديثين أحدهما متعلق بيونس والآخر بالبقية المذكورة -
7933 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أيوب السختياني ) عن ( ابن سعيد بن جبير ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوما يعني عاشوراء فقالوا هذا يوم عظيم وهو يوم نجى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون فصام موسى شكرا لله فقال أنا أولى بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه
مطابقته للترجمة في قوله نجى الله فيه موسى وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان بن عيينة وابن سعيد هو عبد الله بن سعيد بن جبير يروي عن أبيه وهذا الحديث مضى في كتاب الصوم في باب صيام عاشوراء أخرجه عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك والله أعلم بالصواب
52 -
( باب قول الله تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ( الأعراف 241 - 341 ) )
ساق في رواية كريمة هاتين الآيتين بتمامهما قوله وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وروى أن موسى عليه الصلاة و السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك فقالت

(15/293)


الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدتها بالسواك فأمره الله أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك وهو معنى قوله وأتممناها بعشر قوله فتم ميقات ربه أربعين ليلة وميقات ربه ما وقت له من الوقت وضربه له والفرق بين الميقات والوقت وإن كانا من جنس واحد أن الميقات ما قدر لعمل والوقت قد لا يقدر لعمل قوله أربعين ليلة نصب على الحال أي تم بالغا هذا العدد قوله هارون عطف بيان لأخيه قوله اخلفني في قومي يعني كن خليفة عني قوله وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين يعني إرفق بهم وأحسن إليهم وهذا تنبيه وتذكير وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف كريم على الله له وجاهة وجلالة قوله لميقاتنا أي الوقت الذي وقتناه له وحددناه قوله وكلمه ربه أي من غير واسطة أخذه الشوق حتى قال رب أرني أنظر إليك فطلب الزيادة لما رأى من لطفه تعالى به قوله لن تراني يعني أعطى جوابه بقوله لن تراني يعني في الدنيا وقد أشكل حرف لن ههنا على كثير من الناس لأنها موضوعة لنفي التأبيد فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة وهذا أضعف الأقوال لأنه قد تواترت الأحاديث عن النبي أن المؤمنين يرونه في دار الآخرة وقيل إنها لنفي التأييد في الدنيا جمعا بين هذه وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة قوله فإن استقر أي الجبل مكانه وهو أعظم جبل لمدين قاله الكلبي يقال له زبير والمعنى إجعل بيني وبينك علما هو أقوى منك يعني الجبل فإن استقر مكانه وسكن ولم يتضعضع فسوف تراني وإن لم يستقر فلن تطيق ( فلما تجلى ربه للجبل ) قال ابن عباس هو ظهور نوره وقال الطبري بإسناده إلى أنس عن النبي قالفلما تجلى ربه للجبل أشار بإصبعه فجعله دكا وفي إسناده رجل لم يسم وروى أيضا عن أنس قال قرأ رسول الله فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره قال فساخ الجبل وهكذا في رواية أحمد وقال السدي عن عكرمة عن ابن عباس ما تجلى إلا قدر الخنصر جعله دكا قال ترابا وخر موسى صعقا قال مغشيا عليه وقال قتادة وقع ميتا وقال سفيان الثوري ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو يذهب معه وعن أبي بكر الهذلي جعله دكا انعقد فدخل تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة وفي ( تفسير ابن كثير ) وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة رواه ابن مردويه وقال ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي مالك عن النبي قال لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة فالتي بالمدينة أحد وورقان ورضوى ووقع بمكة حراء وثبير وثور قال ابن كثير هذا حديث غريب بل منكر وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عروة بن رويم قال كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى صماء ملساء فلما تجلى تفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف قوله فلما أفاق يعني من غشيته وعلى قول مقاتل ردت عليه روحه قال سبحانك تبت إليك أي من الإقدام على المسألة قبل الإذن وقيل المراد من التوبة الرجوع إلى الله تعالى لا عن ذنب سبق وقيل إنما قال ذلك على جهة التسبيح وهو عادة المؤمنين عند ظهور الآيات الدالة على عظم قدرته قوله وأنا أول المؤمنين أي بأنك لا ترى في الدنيا وقيل من بني إسرائيل وقيل ممن يذم باستعظام سؤاله الرؤية
يقال دكه زلزله
ذكر هذا لقوله تعالى جعله دكا وفسره بقوله زلزله والدك مصدر جعل صفة يقال ناقة دكاء أي ذاهبة السنام مستو ظهرها
فدكتا فدككن جعل الجبال كالواحدة
أشار بقوله فدكتا إلى ما في قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( الحاقة 41 ) وكان القياس أن يقال فدككن بالجمع لأن الجبال جمع والأرض في حكم الجمع ولكن جعل كل جمع منهما كواحدة فلذلك قيل دكتا بالتثنية
كما قال الله عز و جل إن السماوات والأرض كانتا رتقا ( الأنبياء 03 ) ولم يقل كن رتقا ملتصقتين
قال بعضهم ذكر هذا استطرادا إذ لا تعلق له بقصة موسى عليه الصلاة و السلام قلت ليس كذلك بل ذكره تنظيرا لما قبله ولهذا قال بكاف التشبيه أراد أن نظير دكتا التي هي التثنية والقياس دككن كما ذكره من وجهه كانت رتقا ( الأنبياء 03 ) فإن القياس

(15/294)


أن يقال فيه كن رتقا لأن السموات جمع والأرض في حكم الجمع ولكنه جعل كل واحد منهما كواحدة فقيل كانتا بلفظ التثنية ولم يقل كن بلفظ الجمع قوله ملتصقتين حال من الضمير الذي في كانتا
اشربوا ثوب مشرب مصبوغ
أشار به إلى ما في قوله تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل ( البقرة 39 ) وأشار بقوله ثوب مشرب أي مصبوغ إلى أن معنى أشربوا ليس من شرب الماء بل معناه مثل معنى قولهم ثوب مشرب أي مصبوغ يعني اختلط بقلبهم حب العجل كما يختلط الصبغ بالثوب ويجوز أن يكون المعنى إن حب العجل حل محل الشراب في قلوبهم وعلى كل تقدر المراد المبالغة في حبهم العجل وقوله واشربوا في قلوبهم العجل ( البقرة 39 ) فيه الحذف أي حب العجل
قال ابن عباس انبجست انفجرت
أي قال عبد الله بن عباس معنى قوله تعالى فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ( الأعراف 061 ) انفجرت وانشقت وقبله وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست ( الأعراف 061 ) وفي سورة البقرة وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ( البقرة 06 ) والفاء فيه متعلقة بمحذوف تقديره فضرب فانبجست فضرب فانفجرت وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ
وإذ نتقنا الجبل رفعنا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله ( الأعراف 171 ) الآية وفسر نتقنا بقوله رفعنا ويقال معناه قلعناه ورفعناه فوقهم كما في قوله ورفعنا فوقهم الطور ( النساء 451 ) كأنه ظلة وهو كل ما أظلك من سقيفة أو سحاب وقصته أن موسى عليه الصلاة و السلام لما رجع إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة أبوا أن يقبلوها ويعملوا بما فيها من الآصار والأثقال وكانت شريعة ثقيلة فأمر الله تعالى جبريل عليه الصلاة و السلام قلع جبل قدر عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ ورفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل وكانوا ستمائة ألف وقال لهم إن لم تقبلوها وإلا ألقيت عليكم هذا الجبل وعن ابن عباس رفع الله فوقهم الطور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلفهم
8933 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن يحيى ) عن أبيه عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور
مطابقته للترجمة في قوله فإذا أنا بموسى
ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وهو من أفراده وسفيان هو ابن عيينة وعمرو بن يحيى يروي عن أبيه يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري وهو يروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى مطولا في الأشخاص ومضى الكلام فيه هناك ونتكلم ببعض شيء لبعد العهد
فقوله يصعقون من صعق الرجل إذا غشي عليه قال النووي الصعق والصعقة الهلاك والموت ويقال منه صعق الإنسان وصعق بفتح الصاد وضمها وأنكر بعضهم الضم وصعقتهم الصاعقة بفتح الصاد والعين وأصعقتهم وبنو تميم يقولون الصاقعة بتقديم القاف على العين وقال القاضي وهذا الحديث من أشكل الأحاديث لأن موسى عليه الصلاة و السلام قد مات فكيف تدركه الصعقة وإنما تصعق الأحياء ويحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد الفزع حين تنشق السموات والأرض ويؤيده لفظ يفيق وأفاق لأنه إنما يقال أفاق من الغشي وأما الموت فيقال بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتا وأما قوله فلا أدري أفاق قبلي فيحتمل أنه قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره وأن نبينا أول شخص ممن تنشق عنهم الأرض فيكون موسى عليه الصلاة و السلام من زمرة الأنبياء

(15/295)


عليهم الصلاة والسلام انتهى حاصل الكلام أن الإفاقة غير الانشقاق والصعقة تكون حين ينفخ في الصور النفخة الأولى وقال الداودي قوله فأكون أول من يفيق ليس بمحفوظ واضطربت الرواة في هذا الحديث وقل من يسلم معه منهم من الوهم والصحيح فأكون أول من تنشق عنه الأرض والانشقاق غير الإفاقة كما ذكرنا
9933 - حدثني ( عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر ( انظر الحديث 0333 )
هذا الحديث مضى في باب قول الله تعالى وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة 03 )
62 -
( باب طوفان من السيل )
أي هذا باب يذكر فيه طوفان من السيل وليس قوله طوفان من السيل بترجمة له وإنما هو مجرد عن الترجمة وإنما هو كالفصل للباب المتقدم وسقط جميعه من رواية النسفي قوله طوفان أشار به إلى ما في قوله تعالى فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ( الأعراف 331 ) الآية أما الطوفان فقد اختلفوا فيه فقاال البخاري هو من السيل يكون من المطر الغالب وعن ابن عباس الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار وبه قال الضحاك وعنه كثرة الموت وبه قال عطاء وقال مجاهد الطوفان الماء والطاعون وروى ابن جرير بإسناده عن عائشة قالت قال رسول الله الطوفان الموت وكذا رواه ابن مردويه وعن ابن عباس في رواية أخرى هو أمر من الله طاف بهم
يقال للموت الكثير طوفان
أراد به الموت المتتابع
القمل الحمنان يشبه صغار الحلم
أشار به إلى ما في قوله تعالى والقمل ( الأعراف 331 ) المذكور في الآية وفسرها بقولها الحمنان بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالنونين قراد يشبه صغار الحلم بفتح الحاء المهملة واللام وهو جمع الحلمة وهو القراد العظيم وواحد الحمنان حمنانة وعن ابن عباس القمل السوس الذي يخرج من الحنطة وعنه أنه الدباء وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له وبه قال عكرمة وقتادة وعن الحسن وسعيد بن جبير القمل دواب سود صغار وقال عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم القمل البراغيث وقال ابن جرير القمل جمع واحده قملة وهي دابة تشبه القمل تأكلها الإبل فيما بلغني
حقيق حق
أشار به إلى ما في قوله تعالى حقيق على ( الأعراف 501 ) وفسره بقوله حق وقال أبو عبيدة في تفسيره مجازه حق علي أن لا أقول على الله إلا الحق هذا على قراءة التشديد في علي ومن خففه فمعنى حقيق محق وقال أبو عبيدة حريص
سقط كل من ندم فقد سقط في يده
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولما سقط في أيديهم ( الأعراف 941 ) وفسر قوله سقط بقوله كل من ندم فقد سقط في يده وسقط على صيغة المجهول
72 -
( باب )
أي هذا باب وهو كالفصل لما قبله وليس بموجود في بعض النسخ

(15/296)


حديث الخضر مع موسى عليهما السلام
أي هذا حديث الخضر مع موسى عليهما السلام فارتفاع حديث على الخبرية ويجوز أن يكون مجرورا بإضافة لفظ باب إليه ويكون التقدير هذا باب في بيان حديث الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام
00 - 4 - 3 - حدثنا ( عمرو بن محمد ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثني أبي عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) أن ( عبيد الله بن عبد الله ) أخبره عن ( ابن عباس ) أنه ( تماري ) هو ( والحر بن قيس الفزاري في صاحب موسى ) قال ( ابن عباس ) هو ( خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس ) فقال إني ( تماريت ) أنا ( وصاحبي هذا في صاحب موسى ) الذي ( سأل السبيل إلى لقيه هل ) سمعت رسول الله يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله يقول بينما موسى في ملاء من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال لا فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه فكان يتبع الحوت في البحر فقال لموسى فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فقال موسى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله في كتابه
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بفتح العين ابن محمد بن بكير الناقد أبو عثمان البغدادي مات بها سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني كان إبراهيم بالعراق قاضيا يروي عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن قتيبة والحديث بعينه مر في كتاب العلم في باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عزير الزهري عن يعقوب بن إبراهيم إلى آخره ومر الكلام فيه مستوفى قوله تمارى أي تجادل
1043 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عمرو بن دينار ) قال أخبرني ( سعيد بن جبير ) قال قلت ل ( ابن عباس ) إن ( نوفا البكالي يزعم ) أن ( موسى صاحب الخضر ليس ) هو ( موسى بني إسرائيل إنما ) هو ( موسى آخر ) فقال كذب ( عدو الله ) حدثنا ( أبي بن كعب ) عن النبي أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم فقال له بلي لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك قال أي رب ومن لي به وربما قال سفيان أي رب وكيف لي به قال تأخذ حوتا فتجعله في مكتل حيثما فقدت الحوت فهو ثم وربما قال فهو ثمة وأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق فقال هكذا مثل الطاق فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما حتى إذا كان من الغد قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يجد

(15/297)


موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله قال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا فكان للحوت سربا ولهما عجبا قال له موسى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم موسى فرد عليه فقال وأنى بأرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه قال هل أتبعك قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا إلى قوله إمرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين قال له الخضر يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر إذ أخذ الفأس فنزع لوحا قال فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع لوحا بالقدوم فقال له موسى ما صنعت قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فكانت الأولى من موسى نسيانا فلما خرجا من البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده هكذا وأومأ سفيان بأطراق أصابعه كأنه يقطف شيئا فقال له موسى أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض مائلا أومأ بيده هكذا وأشار سفيان كأنه يمسح شيئا إلى فوق فلم أسمع سفيان يذكر مائلا إلا مرة قال قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدت إلى حائطهم لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هاذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا قال النبي وددنا أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما قال سفيان قال النبي يرحم الله موسى لو كان صبر يقص علينا من أمرهما وقرأ ابن عباس أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ثم قال لي سفيان سمعته منه مرتين وحفظته منه قيل لسفيان حفظته قبل أن تسمعه من عمرو أو تحفظته من إنسان فقال ممن أتحفظه ورواه أحد عن عمرو غيري سمعته منه مرتين أو ثلاثا وحفظته منه
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة إلى آخره وقد مر هذا أيضا

(15/298)


في كتاب العلم في باب ما يستحب للعالم إذا سئل إلى آخره وأخرجه عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان بن عيينة عن عمرو إلى آخره ومر الكلام فيه هناك ونوف بفتح النون منصرف وغير منصرف البكالي بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف وباللام وهو المشهور وقد يقال بفتح الباء وتشديد الكاف نسبة إلى بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ
قوله كذب عدو الله إنما قال ذلك على سبيل التغليظ لا على قصد إرادة الحقيقة قوله ومن لي به أي ومن يتكفل لي برؤيته قوله في مكتل بكسر الميم وهو الزنبيل قوله فهو ثم بفتح الثاء المثلثة اسم يشار به إلى المكان البعيد وهو ظرف لا يتصرف قوله ثمة أي بالتاء المثناة من فوق كما يقال رب وربة قوله مسجى أي مغطى قوله وأنى هو للاستفهام أي من أين سلام في هذه الأرض التي أنت فيها إذ أهلها لا يعرفون السلام قوله بغير نول أي بغير أجرة قوله إلا مثل ما نقص تشبيه في الحقارة والقلة لا المماثلة من كل الوجوه وقيل هذا تشبيه على التقريب إلى الإفهام لا على التحقيق قوله فلم يفجأ بالجيم قوله بغلام اسمه جيسون بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السين المهملة وبالنون وقال الدارقطني بالراء بدل النون قوله ملك اسمه هدد بفتح الهاء المهملة ابن بدد بفتح الباء الموحدة وبفتح الدالين المهملتين وقيل بضم الهاء وضم الباء قوله أمامهم أي وراءهم قوله أو تحفظته شك من علي بن عبد الله يعني قيل لسفيان حفظته أو تحفظته من إنسان قبل أن تسمعه من عمرو وقوله ورواه أي أرواه همزة الاستفهام فيه محذوفة
2043 - حدثنا ( محمد بن سعيد الأصبهاني ) أخبرنا ( ابن المبارك ) عن ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراءنه
مطابقته للترجمة من حيث إن الخضر مذكور فيه ومحمد بن سعيد أبو جعفر يقال له حمدان الإصبهاني بكسر الهمزة وفتحها وبالباء الموحدة وفي بعض النسخ بالفاء مات سنة عشرين ومائتين وهو من أفراده وابن المبارك هو عبد الله
قوله أنه أي أن خضرا ويروى لأنه قوله على فروة بفتح الفاء قيل هي جلدة وجه الأرض جلس عليها الخضر فأنبتت وصارت خضراء بعد أن كانت جرداء وقيل أراد به الهشيم من نبات الأرض أخضر بعد يبسه وبياضه ولما أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في ( مصنفه ) بهذا الإسناد زاد الفروة الحشيش الأبيض وما أشبهه وقال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عن عبد الرزاق أظن أن هذا تفسير من عبد الرزاق وجزم بذلك عياض وعن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه إذا كان صلى اخضر ما حوله
والكلام فيه على أنواع الأول في اسمه فقال مجاهد اسمه أليسع بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح عليه الصلاة و السلام وقال مقاتل بليا بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبالياء آخر الحروف ابن ملكان بن يقطن بن فالغ إلى آخره وقيل إيليا بن ملكان إلى آخره وقيل خضرون بن عماييل بن ليفر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قاله كعب وقال إبن إسحاق إرميا بن حلقيا من سبط هارون بن عمران وأنكره الطبري وقال إرميا كان في زمن بخت نصر وبين بخت نصر وموسى زمان طويل وقيل خضرون بن قابيل بن آدم ذكره أبو حاتم السجستاني وقال إسماعيل بن أبي أويس معمر بن عبد الله ابن نصر بن الأزد النوع الثاني في نسبه فقال الطبري الخضر هو الرابع من ولد إبراهيم لصلبه وقال مجاهد هو من ولد يافث وكان وزير ذي القرنين وقيل هو من ولد رجل من أهل بابل ممن آمن بالخليل وهاجر معه وقيل إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر وهذا غريب جدا وقيل هو أخو إلياس عليهما الصلاة والسلام وروى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى السدي أن الخضر وإلياس كانا أخوين وكان أبوهما ملكا وقال أيضا يقال إنه الخضر بن آدم لصلبه وروى الدارقطني من حديث ابن عباس قال الخضر ابن آدم لصلبه ونسىء له في أجله حتى يكذب الدجال وهو منقطع غريب وروى الحافظ ابن عساكر أيضا عن سعيد بن المسيب أن أم الخضر رومية وأباه فارسي وقيل كنيته أبو العباس النوع الثالث في نبوته فالجمهور على أنه نبي وهو الصحيح لأن أشياء في قصته تدل على نبوته وروى مجاهد عن ابن عباس أنه كان نبيا وقيل كان وليا وعن علي رضي الله تعالى

(15/299)


عنه أنه كان عبدا صالحا وقيل كان ملكا بفتح اللام وهذا غريب جدا النوع الرابع في حياته فالجمهور خصوصا مشايخ الطريقة والحقيقة وأرباب المجاهدات والمكاشفات أنه حي يرزق ويشاهد في الفلوات ورآه عمر بن عبد العزيز وإبراهيم بن أدهم وبشر الحافي ومعروف الكرخي وسري السقطي وجنيد وإبراهيم الخواص وغيرهم رضي الله تعالى عنهم وفيه دلائل وحجج تدل على حياته ذكرناها في ( تاريخنا الكبير ) وقال البخاري وإبراهيم الحربي وابن الجوزي وأبو الحسين المنادي إنه مات واحتجوا بقوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ( الأنبياء 43 ) وبما روى أحمد في ( مسنده ) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله قبل موته بقليل أو بشهر ما من نفس منفوسة أو ما منكم اليوم من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية وأجاب الجمهور عن الآية بأنا ما ادعينا أنه يخلد وإنما يبقى إلى انقضاء الدنيا فإذا نفخ في الصور مات لقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت ( آل عمران 581 الأنبياء 53 العنكبوت 75 ) وعن حديث جابر بأنه متروك الظاهر لأن جماعة عاشوا أكثر من مائة سنة منهم سلمان الفارسي فإنه عاش ثلاثمائة سنة وقد شاهد رسول الله وحكيم بن حزام عاش مائة وعشرين سنة وغيرهما وإنما أشار إلى ذلك الزمان لا إلى ما تقوم الساعة وهو الأليق به على أنه قد عاش بعد ذلك الزمان خلق كثير أكثر من مائة سنة وأجاب بعضهم بأن خضرا عليه السلام كان حينئذ على وجه البحر وقيل هو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس بالاتفاق
قال الحموي قال محمد بن يوسف بن مطر الفربري حدثنا علي بن خشرم عن سفيان بطوله
هذا وقع في رواية أبي ذر عن المستملي خاصة عن الفربري قوله قال الحموي هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه قال محمد بن يوسف بن مطر حدثنا علي بن خشرم بن عبد الرحمن أبو الحسن المروزي حدثنا سفيان بن عيينة فذكر الحديث المذكور مطولا
82 -
( باب )
أي هذا باب وقع كذا بغير ترجمة في رواية أبي ذر وقد مر نحو هذا غير مرة وهو كالفصل لما قبله
3043 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة
وجه مطابقته للترجمة يمكن أن تكون من حيث إنه في قضية بني إسرائيل وموسى عليه الصلاة و السلام نبيهم
وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن محمد بن رافع وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد
قوله الباب أراد به باب القرية التي ذكرها الله تعالى في قوله وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ( البقرة 85 ) وعن عكرمة عن ابن عباس كان الباب قبل القبلة وعن مجاهد والسدي وقتادة والضحاك هو باب الحطة من باب إيليا من بيت المقدس وقال ابن العربي إن القرية في الآية بيت المقدس وقال السهيلي هي أريحاء وقيل مصر وقيل بلقاء وقيل الرملة والباب الذي أمروا بدخوله هو الباب الثامن من جهة القبلة قوله سجدا قال ابن عباس منحنين ركوعا وقيل خضوعا وشكرا لتيسير الدخول وانتصاب سجدا على الحال وليس المراد منه حقيقة السجدة وإنما معناه ما ذكرناه قوله وقولوا حطة أي مغفرة قاله ابن عباس أو لا إلاه إلا الله قاله عكرمة أو حط عنا ذنوبنا قاله الحسن أو أخطأنا فاعترفنا فإن قلت بماذا ارتفاع حطة قلت خبر مبتدأ محذوف تقديره أمرنا حطة أو مسألتنا حطة قوله فبدلوا أي غيروا لفظة حطة بأن قالوا حنطا سمقاتا أي حنطة حمراء استخفافا بأمر الله قوله يزحفون على أستاههم وهو جمع الأست يعني دخلوا من قبل أستاههم وفي رواية

(15/300)


للنسائي فدخلوا يزحفون على أوراكهم أي منحرفين قوله وقالوا حبة في شعرة الحبة بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وهذا كلام مهمل وغرضهم فيه مخالف ما أمروا به من الكلام المستلزم للاستغفار وطلب حطة العقوبة عنهم فلما عصوا عاقبهم الله بالزجر وهو الطاعون هلك منهم سبعون ألفا في ساعة واحدة
4043 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( عوف ) عن ( الحسن ومحمد وخلاس ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياءا منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملاء من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ( الأحزاب 96 ) ( انظر الحديث 872 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه ذكر موسى عليه الصلاة و السلام فمن هذه الحيثية يؤخذ الوجه لذكره في الترجمة المذكورة وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه وروح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين أبو محمد البصري وعوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي وليس بأعرابي والحسن هو البصري ومحمد هو ابن سيرين وخلاس بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وفي آخره سين مهملة ابن عمرو الهجري البصري
والحديث مضى في كتاب الغسل فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة وأخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد وقد مضى الكلام فيه هناك
وأما الكلام في الرواة فنقول أما محمد بن سيرين فإن سماعه من أبي هريرة ثابت وأما الحسن فلم يسمع من أبي هريرة عند المحققين من الحفاظ ويقولون ما وقع في بعض الروايات من سماعه عنه فهو وهم وأما البخاري فإنه أخرجه عنه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هنا مقرونا بغيره وماله في الكتاب إلا هذا وله حديث آخر في بدء الخلق مقرونا بابن سيرين أيضا وأما خلاس ففي سماعه عن أبي هريرة خلاف فقال أبو داود عن أحمد لم يسمع خلاس من أبي هريرة ويقال إنه كان على شرطه علي رضي الله تعالى عنه وحديثه عنه في الترمذي والنسائي وجزم يحيى القطان أن روايته عنه من صحيفة وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة كان يحيى القطان يقول روايته عن علي من كتاب وقد سمع من عمار وعائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم قيل إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة علي فكيف يمتنع سماعه من علي رضي الله تعالى عنه وقال أبو حاتم يقال وقعت عنده صحيفة علي رضي الله تعالى عنه وليس بقوي يعني في علي ووثقه بقية الأئمة وماله في البخاري سوى هذا الحديث فإنه أخرجه له مقرونا بغيره وأعاده سندا ومتنا في تفسير سورة الأحزاب وله حديث آخر أخرجه في الأيمان والنذور مقرونا بمحمد بن سيرين عن أبي هريرة
قوله حييا أي كثير الحياء قوله ستير على وزن فعيل بمعنى فاعل أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون قوله أدرة بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور وحكى الطحاوي رحمه الله عن بعض مشايخه بفتح الهمزة والدال وقال ابن الأثير الأدرة بالضم نفخة في الخصية يقال رجل آدر بين الأدر بفتح الهمزة والدال

(15/301)


وهي التي تسميها الناس الإقليط قوله وإما آفة من قبيل عطف العام على الخاص قوله عدا بثوبه بالعين المهملة أي مضى به مسرعا قوله ثوبي حجر يعني رد ثوبي يا حجر قوله ضربا أي يضرب ضربا قوله لندبا بفتح النون والدال وهو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد قوله فوالله إن بالحجر لندبا ظاهره أنه بقية الحديث وقد بين في رواية همام في الغسل أنه قول أبي هريرة قوله ثلاثا أو أربعا أو خمسا وفي رواية همام المذكورة ستة أو سبعة ووقع عند ابن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة الجزم بست ضربات قوله فذلك قوله تعالى أي ما ذكر من أذى بني إسرائيل موسى نزل فيه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ( الأحزاب 96 ) خطاب لأهل المدينة قوله لا تكونوا كالذين آذوا موسى ( الأحزاب 96 ) أي احذروا أن تكون مؤذين للنبي كما آذى بنو إسرائيل موسى فأظهر الله براءته مما قالوه فيه من أنه أدر وقيل كان إيذاؤهم إياه ادعاؤهم عليه قتل أخيه هارون قوله وكان أي موسى عند الله وجيها أي ذا جاه ومنزلة وقيل وجيها لم يسأل شيئا إلا أعطاه وقرىء شاذا وكان عبد الله بالباء الموحدة وفي الحديث إن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم وكان اغتسال موسى وحده لكونه حييا يحب الاستتار
وفيه جواز المشي عريانا للضرورة وفيه جواز النظر إلى العورة عند الضرورة للمداواة ونحوها وفيه أن الأنبياء صلى الله تعالى عليهم وسلم منزهون عن النقائص والعيوب الظاهرة والباطنة وفيه أن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقه فقد آذاه ويخشى عليه الكفر وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه الصلاة و السلام ولا سيما تأثير ضربه بالعصا على الحجر مع علمه بأنه ما سار بثوبه إلا بأمر من الله تعالى
5043 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) قال سمعت ( أبا وائل ) سمعت ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال ( قسم ) النبي قسما فقال رجل إن هاذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فأتيت النبي فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هاذا فصبر
مطابقته للترجمة في قوله يرحم الله موسى وبينه وبين الحديث السابق مناسبة أيضا على ما لا يخفى وأبو الوليد هشام بن عبد الملك والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك
92 -
( باب يعكفون على أصنام لهم ( الأعراف 831 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى يعكفون على أصنام لهم ( الأعراف 831 ) وقبله وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ( الأعراف 831 ) الآية وذكرها ولم يفسرها قوله على قوم قال بعض المفسرين على قوم من الكنعانيين وقيل كانوا من لخم وقال ابن جرير وكانوا يعبدون أصناما على صورة البقر قوله يعكفون من عكف يعكف عكوفا وهو الإقامة على الشيء والمكان ولزومهما ويقال عكف يعكف من باب ضرب يضرب وعكف يعكف من باب نصر ينصر والفاعل عاكف ومنه قيل لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه عاكف ومعتكف
متبر خسران
أشار به إلى ما في قوله تعالى إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ( الأعراف 931 ) وفسر متبر بقوله خسران ومتبر اسم مفعول من التتبير وهو الإهلاك يقال تبره تتبيرا إذا كسره وأهلكه ومنه التبار وهو الهلاك وقال الكرماني قوله متبر أي خاسر وقد فسر معنى المفعول بمعنى الفاعل وهو بعيد وكذلك تفسير البخاري بالمصدر وتفسيره الموجه متبر مهلك وباطل ما كانوا يعملون

(15/302)


وليتبروا يدمروا ما علوا ما غلبوا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وليتبروا ما علو تتبيرا ( الإسراء 7 ) وفسر ليتبروا بقوله يدمروا من التدمير من الدمار وهو الهلاك يقال دمره تدميرا ودمر عليه بمعنى وفسر قوله ما علوا بقوله غلبوا وذكر هذا بطريق الإستطراد
6043 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال ( كنا مع ) رسول الله نجني الكباث وإن رسول الله قال عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه قالوا أكنت ترعى الغنم قال وهل من نبي إلا وقد رعاها ( الحديث 6043 - طرفه في 3545 )
قال بعضهم مناسبته للترجمة غير ظاهرة وقال آخر لا مناسبة أصلا وقال صاحب ( التوضيح ) مناسبته ظاهرة لدخول موسى عليه الصلاة و السلام فيمن رعى الغنم وقال الكرماني لعل المناسبة من حيث إن بني إسرائيل كانوا مستضعفين جهالا ففضلهم الله على العالمين وسياق الآية يدل عليه أي فيما يتعلق ببني إسرائيل فكذلك الأنبياء عليهم السلام كانوا أولا مستضعفين بحيث إنهم كانوا يرعون الغنم انتهى قلت فيه تعسف وتكلف وتوجيه غير طائل ويمكن أن توجد له المطابقة وإن كان لا يخلو أيضا عن بعض تكلف من حيث إن هذا الباب كان ممن غير ترجمة وكذلك وقع في رواية النسفي وهو كالفصل للباب المترجم كما أن الأبواب الثلاثة التي قبل هذا الباب كذلك بلا تراجم كالفصول فتوجد المطابقة بين حديث جابر وبين الباب المترجم وهو قوله باب قول الله تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ( الأعراف 241 ) لأن فيه بيان حالة من حالات موسى وموسى يدخل في عموم قوله قوله ما من نبي إلا رعاها فمن هذه الحيثية توجد المطابقة على أنه وقع التصريح برعي موسى الغنم في رواية النسائي أخرجه من طريق أبي إسحاق عن نصر بن حزن قال إفتخر أهل الإبل والشاء فقال النبي بعث موسى راعي غنم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن سعيد بن عفير وأخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي الطاهر بن السرح وأخرجه النسائي في الوليمة عن هارون بن عبد الله
قوله كنا مع رسول الله هذه الكينونة كانت بمر الظهران كذا جاء في بعض الروايات قوله نجني من جنى يجني جنيا وهو أخذ الثمر من الشجر قوله الكباث بفتح الكاف وفتح الباء الموحدة وبعد الألف ثاء مثلثة وهو ثمر الأراك ويقال ذلك للنضيج منه كذا نقله النووي عن أهل اللغة وقال أبو عبيدة هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم وقال القزاز هو الغض من ثمر الأراك والأراك هو الخمط وقال أبو زياد الكباث يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم وفيه حرارة وفي ( المحكم ) هو حمل ثمر الأراك إذا كان متفرقا واحده كباثة وقال أبو حنيفة وهو فوق حب الكزبرة وعنقوده يملأ الكفين وإذا التقمه البعير فضل عن لقمته والنضيج منه يقال له المرد وقال صاحب ( المطالع ) هو حصرمه قوله قالوا كنت ترعى الغنم أي قالت الصحابة لرسول الله هل كنت ترعى الغنم وإنما قالوا ذلك لأن قوله لهم عليكم بالأسود منه دال على تمييزه بين أنواعه والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه فإن قلت ما الحكمة في هذا قلت قال الخطابي أراد أن الله تعالى لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم وإنما جعلها في رعاء الشاء وأهل التواضع من أصحاب الحرف كما روى أن أيوب عليه الصلاة و السلام كان خياطا وزكرياء كان نجارا والله أعلم حيث يجعل رسالته ( الأنعام 421 ) وقال النووي الحكمة فيه أن يأخذوا لأنفسهم بالتواضع وصفوا قلوبهم بالخلوة وينتقلوا من سياستها إلى سياسة أمهم وقد مر بعض الكلام من هذا القبيل في أوائل كتاب الإجارة
03 -
( باب وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ( البقرة 76 ) )
أي هذا باب يذكر فيه وإذ قال موسى لقومه ( البقرة 76 ) الآية ولم يذكر في هذا الباب غير بعض تفسير ألفاظ تتعلق بقصة موسى

(15/303)


التي وقعت في القرآن من بعض قصصه عليه الصلاة و السلام قوله وإذ قال أي أذكر يا محمد حين قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ( البقرة 76 ) وقصة البقرة ما ذكره ابن أبي حاتم فقال حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض فقال ذو الرأي منهم على ما يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم فأتوا موسى عليه الصلاة و السلام فذكروا ذلك له فقال إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ( البقرة 76 ) قال فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذكوها وضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك قال هذا لابن أخيه ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا فلو يورث قاتل بعده ورواه ابن جرير من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحو ذلك ورواه آدم بن أبي إياس في ( تفسيره ) من وجه آخر وملخصه كان رجل من بني إسرائيل غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وهو وارثه فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق وأتى موسى عليه الصلاة و السلام فقال له إن قريبي قتل ونادى موسى في الناس من كان عنده في هذا علم يبينه لنا فلم يكن عندهم علم وقال القاتل أنت نبي الله سل لنا ربك أن يبين لنا فسأل ربه فأوحى الله إليه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ( البقرة 76 ) الآيات وفيه أنهم أعطوا صاحب البقرة وزنها عشر مرات ذهبا فذبحوها وضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش فسألوه فبين القاتل ورواه بسند من وجه آخر عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس أن سبطا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارج المدينة إلا أدخلوه فإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشوف فإذا لم ير شيئا فتح المدينة فكانوا مع الناس حتى يمسوا قال وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ولم يكن له وارث غير أخيه فطالت عليه حياته فقتله ليرثه ثم حمله فوضعه على باب المدينة ثم كمن هو وأصحابه قال فتشوف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فلم ير شيئا ففتح الباب فلما رأى القتيل رد الباب فناداه أخو المقتول وأصحابه هيهات قتلتموه ثم تردون الباب وكاد أن يكون بين أخ المقتول وبين أهل المدينة قتال حتى لبسوا السلاح ثم كف بعضهم عن بعض فأتوا موسى فشكوا له شأنهم فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة القصة وقال ابن كثير الروايات فيها مختلفة والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل وهو مما يجوز نقلها لكن لا يصدق ولا يكذب فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق
قال أبو العالية العوان النصف بين البكر والهرمة
أبو العالية بالعين المهملة رفيع بن مهران الرياحي بالياء آخر الحروف وهو فسر العوان في قوله تعالى إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ( البقرة 86 ) ورواه القرطبي عن سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عنه قوله لا فارض ولا بكر ( البقرة 86 ) يعني لا هرمة ولا صغيرة عوان بين ذلك ( البقرة 86 ) أي نصف بين البكر والهرمة والنصف بفتح النون والصاد
فاقع صاف
أشار به إلى ما في قوله تعالى صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ( البقرة 96 ) وهذه الجملة صفة لتلك البقرة المأمور بذبحها ولونها مرفوع بفاقع وعن سعيد بن جبير صفراء فاقع صافية اللون وكذا عن قتادة والحسن ونحوه وقال العوفي في ( تفسيره ) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه فاقع لونها شديد الصفرة تكاد صفرتها تبيض وعن ابن عمر كانت صفراء الظلف وعن سعيد بن جبير كانت صفراء القرن والظلف قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو رجاء عن الحسن في قوله صفراء فاقع لونها ( البقرة 96 ) قال سوداء شديدة السواد وهذا غريب قوله تسر الناظرين ( البقرة 96 ) أي تعجبهم
لا ذلول لم يذلها العمل تثير الأرض ليست بذلول تثير الأرض ولا تعمل في الحرث

(15/304)


أشار به إلى ما في قوله تعالى لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ( البقرة 17 ) أي هذه لا ذلول يعني ليست مذللة بالحرث ولا معدة للسقي في السانية بل هي مكرمة حسناء صبيحة قوله لم يذلها بضم الياء من الإذلال والعمل مرفوع به قوله تثير الأرض يعني ليست بذلول فتثير الأرض
مسلمة من العيوب
أشار به إلى ما في قوله تعالى مسلمة ( البقرة 17 ) الآية وفسرها بقوله من العيوب وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق
لاشية بياض
فسر الشية التي هي اللون بقوله بياض يعني لا بياض فيها قال أبو العالية والربعي والحسن وقتادة ليس فيها بياض وقال عطاء الخراساني لونها واحد وروى عن عطية ووهب بن منبه نحو ذلك وقال السدي لا شية فيها ( البقرة 17 ) من بياض ولا سواد ولا حمرة
صفراء إن شئت سوداء ويقال صفراء كقوله جمالات صفر غرضه من هذا الكلام أن الصفرة يحتمل حملها على معناها المشهور وعلى معنى السواد كما في قوله تعالى جمالات صفر ( المرسلات 33 ) فإنه فسر بسود يضرب إلى الصفرة فاحمل على أيهما شئت قوله جمالاتجمع الجمع لأنه جمع جمالة والجمالة جمع جمل وفسرها مجاهد بسود ويقال للجمل الأسود أصفر لأنه لا يوجد جمل أسود إلا وهو مشرب بصفرة
فادارأتم اختلفتم
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ( البقرة 27 ) وفسر بقوله اختلفتم وهكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي حذيفة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ( البقرة 27 ) اختلفتم وقال عطاء الخراساني والضحاك اختصمتم فيها وقال أبو عبيدة وهو من التداري وهو التدافع والله أعلم
13 -
( باب وفات موسى وذكره بعد )
أي هذا باب في بيان وفاة موسى عليه الصلاة و السلام وليس في رواية أبي ذر ذكر لفظ باب وإنما المذكور عنده وفاة موسى عليه الصلاة و السلام قوله وذكره بعد بضم الدال لأنه مبني عليه لكونه قطع عن الإضافة والتقدير وفي بيان ذكره بعد ذلك وفاته عليه الصلاة و السلام
7043 - حدثنا ( يحيى بن موسى ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ( أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه ) صكه فرجع إلى ربه فقال ( أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ) قال ( ارجع إليه ) فقل له ( يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة ) قال ( أي رب ثم ماذا ) قال ( ثم الموت ) قال ( فالآن ) قال ( فسأل الله ) أن ( يدنيه من الأرض المقدسة ) ( رمية بحجر ) قال ( أبو هريرة ) فقال رسول الله لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر ( انظر الحديث 9331 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكرياء السختياني البلخي يقال له خت بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق وابن طاووس هو عبد الله
وهذا الحديث رواه البخاري أولا موقوفا من طريق طاووس عنه ثم أورده عتيبة برواية همام عنه مرفوعا وهو المشهور عن عبد الرزاق والحديث مر في كتاب الجنائز في باب من

(15/305)


أحب الدفن في الأرض المقدسة
قوله صكه أي ضربه وفي رواية مسلم جاء ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة و السلام فقال أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها وفي رواية أحمد كان ملك الموت يأتي الناس عيانا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه قوله لا يريد الموت وفي رواية همام وقد فقأ عيني فرد الله عينه وفي ررواية عمار فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه قوله فقل له أي لموسى يضع يده وفي رواية أبي يوسن فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فإن كنت تريد الحياة فضع يدك قوله على متن ثور هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره بما غطى قوله أي رب يعني يا رب قوله ثم ماذا أي ثم ما يكون بعد هذا أي أحياة أو موت قوله فالآن هو ظرف زمان الحال بين الماضي والمستقبل قوله ثم ماذاأي ثم ما يكون بعد هذا أي أحياة أو موت قوله فالآنهو ظرف زمان الحال بين الماضي والمستقبل قوله أن يدنيه بضم الياء من الإدناء أي يقربه ووجه سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة هو شرفها وف ضيلة ما فيها من المدفونين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم فإن قلت سأل الإدناء فلم لم يسأل نفس بيت المقدس قلت لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس وفيه استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين قوله رميةأي قدر رمية كائنة بحجر قوله إلى جانب الطريق هكذا رواية المستملي والكشميهني وفي رواية غيرهما من جانب الطريق قوله الكثيب بالثاء المثلثة وفي آخره باء موحدة وهو الرمل الكثير المجتمع
واختلف أهل السير في موضع قبره فقيل بأرض التيه وهارون كذلك ولم كذلك ولم يدخل موسى الأرض المقدسة إلا رمية حجر رواه الضحاك عن بن عباس وقال لا يعرف قبره ورسول الله أبهم ذلك بقوله إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ولو أراد بيانه لبين صريحا وقال ابن عباس لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله وقيل بباب لد بالبيت المقدس وقيل قبره بين عالية وعويلة عند كنيسة توماء وقيل بالوادي في أرض ماء بين بصرى والبلقاء وقيل قبره بدمشق ذكره ابن عساكر عن كعب الأحبار والأصح أنه بالتيه قدر رمية حجر من الأرض المقدسة وعن وهب أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه وأنه عاش مائة وعشرين سنة وقال وهب وصلى عليه جبريل عليه الصلاة و السلام وكان موته بعد موت هارون بأحد عشر شهرا وكان بين وفاة إبراهيم ومولد موسى مائتان وخمسون سنة وقد مضت بقية الكلام في كتاب الجنائز
قال وأخبرنا معمر عن همام قال حدثنا أبو هريرة عن النبي نحوه
أي قال عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد عن همام بن منبه نحو الحديث المذكور وقال بعضهم وهذا موصول بالإسناد وقد وهم من قال إنه معلق قلت صورته صورة تعليق وكونه موصولا بالإسناد الأول محتمل ولا يلزم من إخراج غيره هذا موصولا أن يكون هذا أيضا موصولا وهو في صورة التعليق فافهم
8043 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ( استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود ) فقال ( المسلم والذي اصطفى ) محمدا على العالمين في قسم يقسم به فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم فقال لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله
مطابقته للجزء الأخير للترجمة وهو قوله وذكره بعد وقد تكرر ذكر رجاله على هذا النسق والحديث مضى في

(15/306)


الخصومات في باب ما يذكر في الأشخاص ومضى الكلام فيه مستوفى
9043 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( حميد ابن عبد الرحمن ) أن ( أبا هريرة ) قال قال قال رسول الله احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق فقال رسول الله فحج آدم موسى مرتين
مطابقته للجزء الأخير للترجمة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المديني وهو من أفراده وإبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المديني كان على قضاء بغداد
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم أيضا في القدر عن زهير بن حرب ومحمد بن حاتم
قوله احتج موسى وآدم أي تحاجا إما أن تكون أرواحهما تحاجت أو يكون ذلك يوم القيامة والأول أظهر وقال القاضي عياض ويحتمل أن يحمل على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما وقد ثبت في حديث الإسراء أنه اجتمع بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السموات وفي بيت المقدس وصلى بهم ولا يبعد أن الله أحياهم كما أحيا الشهداء ويحتمل أن يكون جرى ذلك في حياة موسى سأل الله تعالى أن يريه آدم عليه الصلاة و السلام فيحاجه قوله خطيئتك أي الأكل من الشجرة المنهي عنها بقوله لا تقربا هذه الشجرة ( البقرة 53 الأعراف 91 ) وجاز في مثله أخرجتك وأخرجته بالخطاب والغيبة نحو
( أنا الذي سمتني أمي حيدره )
أي سمته قوله الذي اصطفاك الله أي جعلك خالصا صافيا عن شائبة ما لا يليق بك وفيه تلميح إلى قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما ( النساء 461 ) قوله ثم تلومني كلمة ثم بالثاء المثلثة والميم المشددة في رواية الأكثرين وفي رواية الأصيلي والمستملي بم بكسر الباء الموحدة وفتح الميم المخففة قوله فحج آدم بالرفع باتفاق الرواة أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها وقال الطيبي أي غلب بالحجة بأن ألزمه أن جملة ما صدر عنه لم يكن هو مستقلا بها متمكنا من تركها بل كان أمرا مقضيا قوله مرتين متعلق بقوله قال وقال الخطابي إنما حجه آدم في رفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا به وأما الحكم الذي تنازعاه فإنما هما في ذلك سواء إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ولا أن يبطل الذي هو السبب ومن فعل واحدا منهما خرج عن القصد إلى أحد الطرفين مذهب القدر أو الجبر وفي قول آدم استقصار لعلم موسى أي إذا جعلك الله بالصفة التي أنت عليها من الاصطفاء بالرسالة والكلام فكيف يسعك أن تلومني على القدر الذي لا مدفع له وحقيقته أنه دفع حجة موسى التي ألزمه بها اللوم وذلك أن الاعتراض والابتداء كان من موسى وعارضه بأمر دفع به اللوم فكان هو الغالب وقال النووي معناه أنك تعلم أنه مقدر فلا تلمني وأيضا اللوم شرعي لا عقلي وإذا تاب الله عليه وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجا بالشرع فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية كانت بتقدير الله تعالى لم تسقط عنه الملامة قلنا هو باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين وفي لومه زجر له ولغيره وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في هذا القول فائدة سوى التخجيل ونحوه وقال التوربشتي ليس من معنى قول آدم عليه الصلاة و السلام كتب الله علي ألزمه إياه وأوجبه علي فلم يكن لي في تناول الشجرة كسب واختيار وإنما المعنى أثبته في أم الكتاب قبل كوني وحكم بأن ذلك كائن لا محالة لعلمه السابق فهل يمكن أن يصدر عني خلاف علم الله فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سر الله من وراء الأستار

(15/307)


143 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حصين بن نمير ) عن ( حصين بن عبد الرحمان ) عن ( سعيد ابن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ( خرج علينا ) النبي يوما قال عرضت علي الأمم ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هذا موسى في قومه
مطابقته للترجمة للجزء الأخير منها وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن نمير مصغر النمر الحيوان المشهور أبو محسن الواسطي وشيخه حصين كذلك ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا مطولا في الطب عن مسدد أيضا وفي الرقاق عن عمران بن ميسرة وعن أسيد بن زيد مقرونا بحديث عمران بن ميسرة وفي الرقاق أيضا عن إسحاق وأخرجه مسلم في الإيمان عن سعيد بن منصور وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي حصين عبد الله بن أحمد بطوله وأخرجه النسائي في الطب عن أبي حصين به
قوله سوادا وهو الذي يعبر به عن الجماعة الكثيرة قوله سد الأفق والأفق بالضمتين واحد آفاق السماء والأرض وهي نواحيهما وقال ابن الأثير ويجوز أن يكون الأفق واحدا وجمعا كالفلك وقال ابن التين والذي يدل عليه الحديث أن أمة موسى أكثر الأمم بعد أمة النبي قلت ظاهر الحديث يدل صريحا على كثرة أمة موسى عليه الصلاة و السلام والله أعلم
23 -
( باب قول الله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إلى قوله وكانت من القانتين ( التحريم 11 ) )
أي هذا باب في بيان آسية بنت مزاحم امرأة فرعون التي ذكرها الله تعالى في قوله وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ( التحريم 11 ) قوله ضرب الله مثلا إلى آخره مثل حال المؤمنين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله مع كونها امرأة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى وأراد بامرأة فرعون آسية بنت مزاحم لما غلب موسى سحرة فرعون أمنت فلما تبين إيمانها لفرعون وثبتت عليه أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس وأمر بصخرة عظيمة فتلقى عليها فلما أتوا بالصخرة قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء وانتزع الله روحها فألقيت الصخرة عليها وليس في جسدها روح فلم تجد ألما من عذاب فرعون وعن الحسن وابن كيسان رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب قوله ومريم ابنة عمران عطف على امرأة فرعون أي وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران وما أوتيت من الكرامة من كرامات الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع أن قومها كانوا كفارا قوله وكانت من القانتين أي من القوم القانتين ولذلك لم يقل من القانتات وآسية هي بنت مزاحم ابنة عم فرعون وقيل إنها من العماليق وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى وقال السهيلي هي عمة موسى وكانت لها فراسة حين قالت قرة عين لي ولك وإنما ذكر الآية المتضمنة لقضية مريم لكونها مذكورة مع آسية وليس مقصوده من الترجمة إلا ذكر آسية
1143 - حدثنا ( يحيى بن جعفر ) حدثنا ( وكيع ) عن ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) عن ( مرة الهمداني ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا لأن المراد من قوله امرأة فرعون هي آسية ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي وهو من أفراده مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين وعمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء المرادي الأعمى الكوفي مر في كتاب الصلاة ومرة الهمداني هو مرة بن شراحيل الكوفي كان يصلي كل يوم ألف ركعة ولما كبر كان له وتد يعتمد عليه

(15/308)


وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عائشة عن عمرو بن مرزوق وفي الأطعمة عن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر وأبي كريب وعن محمد بن المثنى وابن بشار وعن عبيد الله بن معاذ وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن محمد بن المثنى به وأخرجه النسائي في المناقب وفي عشرة النساء عن قتيبة بقصة مريم وآسية وعن عمرو بن علي كذلك وعن إسماعيل بن مسعود بقصة فضل عائشة وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن محمد بن بشار بتمامه
ذكر معناه قوله كمل بضم الميم وفتحها وكسرها ثلاث لغات والمراد من الكمال التناهي في جميع فضائل الرجال قوله ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وقد استدل بعضهم بهذا على أن آسية ومريم نبيتان لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة وفي نفس الأمر إن هذه الصفات موجودة في كثير منهن فكأنه قال لم تنبأ من النساء إلا فلانة وفلانة ومنع بأنه لا يلزم من لفظها الكمال نبوتهما إذ هو يطلق على إتمام الشيء وتناهيه في بابه فالمراد تناهيهما في جميع الفضائل التي للنساء وقال الكرماني وقد نقل الإجماع على عدم النبوة للنساء قلت وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبيء وهن ست حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم وقد ثبت مجيء الملك لبعضهن في القرآن وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين ( مريم 85 ) فدخلت في عمومه وقال القرطبي الصحيح أن مريم نبية لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها قوله وإن فضل عائشة رضي الله تعالى عنها على النساء أي على نساء هذه الأمة في الفضيلة وليس فيه ما يدل على الأفضلية لأنه شبه فضلها بفضل الثريد على غيره من الطعام لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة وكان أجل أطعمتهم يومئذ وكل هذه الخصال لا تستلزم الأفضلية لها من كل وجه
وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضلية خديجة رضي الله تعالى عنها على غيرها وهو ما روي من حديث علي رضي الله تعالى عنه خير نسائها خديجة وسيأتي إن شاء الله تعالى وورد أيضا ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه أحمد وابن حبان وأبو يعلى والطبراني وأبو داود في كتاب الزهد والحاكم كلهم من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه الطبراني في ( الأوسط ) وأحمد في ( مسنده ) من حديث أبي سعيد رفعه فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله حسبك من نساء العالمين بأربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد رواه أحمد والترمذي وابن عساكر وعن ابن عباس قال خط رسول الله في الأرض أربعة خطوط فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون رواه النسائي وأبو يعلى وابن عساكر وروى الإمام أحمد من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران وهذا يدل على أن فاطمة ومريم أفضل هذه الأربع ثم يحتمل الاستثناء أن تكون مريم أفضل من فاطمة ويحتمل أن تكونا على السواء في الفضيلة لكن ورد حديث إن صح عين الاحتمال الأول وهو ما روي أن ابن عباس قال قال رسول الله سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون رواه ابن عساكر فإن كان هذا اللفظ محفوظا بثم التي للترتيب فهو مبين لأحد الإحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء ويقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت بواو العطف التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازي بإسناده إلى ابن عباس مرفوعا وذكره بواو العطف لا بثم التي للترتيب فخالفه إسنادا ومتنا
قوله كفضل الثريد هو من ثردت الخبر ثردا إذا كسرته فهو ثريد ومثرود والاسم الثردة بالضم

(15/309)


والثريد غالبا لا يكون إلا باللحم وقال ابن الأثير في قوله فضل عائشة على النساء الحديث قيل لم يرد عين الثريد وإنما أراد الطعام المتخذ من اللحم والثريد معا لأن الثريد غالبا لا يكون إلا من اللحم والعرب قلما تجد طبيخا ولا سيما بلحم
53 -
( باب إن قارون كان من قوم موسى ( القصص 67 ) الآية )
أي هذا باب يذكر فيه إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ( القصص 67 ) قارون إسم أعجمي مثل هارون غير منصرف للعلمية والعجمة ولو كان وزنه فاعولا لانصرف قوله من قوم موسى أي من عشيرته وفي نسبه إلى موسى ثلاثة أقوال أحدها أنه كان ابن عمه قاله سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال ابن جريج وعبد الله بن الحارث والثاني ابن خالته رواه عطاء عن ابن عباس والثالث أنه عم موسى قاله ابن إسحاق وقيل معنى كونه من قومه أنه آمن به وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري قال إذا كانت النبوة لموسى والذبح والقربان لهارون فمالي فبغى عليه قال ابن عباس بغيه عليه هو قذفه موسى ببغية جعل لها جعلا وقال الضحاك بغيه عليه هو كفره بالله وقال قتادة هو كبره وقال عطاء هو أنه زاد في طول ثيابه شبرا قوله وآتيناه من الكنوز أي الأموال المدخرة قوله ما إن مفاتحه كلمة ما موصولة قوله لتنوء خبر إن والمفاتح جمع مفتاح أي مفاتح خزائنه لتنوء أي لتثقل بالعصبة وتميل بهم إذا حملوها والعصبة الجماعة الكثيرة وقيل العصبة عشرة وقيل خمسة عشر وقيل أربعون وقيل من عشرة إلى أربعين قوله لتنوء اللام فيه للتأكيد وتنوء فعل مضارع من ناء نوءا إذا نهض به مثقلا وروى أن مفاتح خزائن قارون كانت وقر ستين بغلا غرا محجلة لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على إصبع وكانت من جلود الإبل ويقال كانت من الحديد فثقلت عليه فجعلها من خشب فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر وكانت خزائنه تحمل معه حيث ما ذهب قوله أولي القوة صفة العصبة قوله إذ قال له قومه يعني حين قال له قومه وكلمة إذ منصوب بقوله لتنوء قوله لا تفرح يعني لا تبطر إن الله لا يحب البطرين وقيل معناه لا تفسد إن الله لا يحب المفسدين وقيل إن الله لا يحب المرحين
لتنوء لتثقل
أشار به إلى ما في قوله تعالى ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة ( القصص 67 ) وفسره بقوله لتثقل كما ذكرناه الآن
قال ابن عباس أولي القوة لا يرفعها العصبة من الرجال
أي قال عبد الله بن عباس في تفسير أولي القوة لا يرفعها العصبة من الرجال وقد مر الكلام في تفسيره الآن
يقال الفرحين المرحين
أشار به إلى تفسير قوله تعالى إن الله لا يحب الفرحين ( القصص 67 ) أن معناه المرحين وهو تفسير ابن عباس أورده ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
ويكأن الله مثل ألم تر أن الله
أشار به إلى ما في قوله تعالى ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ( القصص 28 ) قلت قال الخليل وي وحدها و كأن للتحقيق وقال أبو الحسن وي إسم فعل والكاف حرف خطاب و أن على إضمار اللام والمعنى أعجب لأن الله قال البخاري إن قوله ويكأن الله مثل ألم تر أن الله ( القصص ) وهكذا قال المفسرون أراد أن معناه مثل معنى قوله ألم تر أن الله ( القصص ) وفي ( تفسير النسفي ) وي مفصولة عن كأن وهي كلمة تنبيه على الخطأ والتندم وحكى الفراء أن أعرابية قالت لزوجها أين ابنك فقال ويكأنه وراء البيت يعني أما ترينه وراء البيت

(15/310)


يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( سبإ 63 )
هذا في آية أخرى وأولها قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( سبإ 63 ) وذكرها لأن فيها مثل ما في الآية الأولى وهو قوله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ( سبإ 93 ) ثم فسر قوله يبسط ويقدر بقوله
يوسع عليه ويضيق
قوله يوسع هو معنى قوله يبسط وقوله ويضيق معنى قوله ويقدر وهو كما في قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه ( الطلاق 7 ) أي ضاق ويقال قدر على عياله قدرا مثل قتر وقدر على الإنسان رزقه قدرا مثل قتل ولم يذكر البخاري في هذا الباب إلا هذه الآثاء المذكورة ولم يثبت هذا إلا في رواية المستملي والكشميهني
63 -
( باب قول الله تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا ( الأعراف 58 هود 48 والعنكبوت 63 ) )
أي هذا باب في بيان قول الله تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( الأعراف 58 هود 48 والعنكبوت 63 ) الآية وشعيب اسم عربي وقال مقاتل ذكره الله في القرآن في تسعة مواضع وهو شعيب بن بويب بن رعول بن غيفا بن مدين بن إبراهيم وقال وهب بن منبه شعيب بن غيفان بن بويب بن مدين وقال الثعلبي شعيب بن بحرون بن بويب بن مدين وقال ابن إسحاق شعيب بن ميكيل بن يشجر بن لاوي بن يعقوب وقيل شعيب بن نويل بن رعويل بن يويب بن غيفا ابن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة و السلام وقيل شعيب بن ضيفون بن غيفا بنبن ثابت بن مدين بن إبراهيم ويقال جدته أو أمه بنت لوط وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه ودخل دمشق قوله وإلى مدين ( الأعراف 58 هود 48 والعنكبوت 63 ) أي وإلى أهل مدين وكانوا قوما عربا يقطعون الطريق ويخيفون المارة ويبخسون المكاييل والموازين وكانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه وأرسله الله إليهم فقال يا قوم اعبدوا الله ( الأعراف 58 هود 48 والعنكبوت 63 ) أي وحدوه وقد قص الله قصته في القرآن وقال علماء السير أقام شعيب مدة بعد هلاك قومه ووصل إليه موسى وزوجه بنته وقال ابن الجوزي ثم خرج إلى مكة ومات بها وعمره مائة وأربعون سنة ودفن في المسجد الحرام حيال الحجر الأسود وقال سبطه وعند طبرية بالساحل قرية يقال لها حطين فيها قبر يقال أنه قبر شعيب عليه الصلاة و السلام وقال أبو المفاخر إبراهيم بن جبريل في ( تاريخه ) إن شعيبا كان عمره ستمائة سنة وخمسين سنة
إلى أهل مدين لأن مدين بلد ومثله واسأل القرية ( يوسف 28 ) واسأل العير يعني أهل القرية وأهل العير
أشار بهذا إلى أن معنى قوله إلى مدين إلى أهل مدين لأن مدين بلد وهي مدينة شعيب على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو ست مراحل منها وبها البئر التي استسقى منها موسى عليه الصلاة و السلام لسائمة شعيب عليه الصلاة و السلام وهي الآن خراب وأشار بقوله واسأل القرية ( يوسف 28 ) إلى أن نظير قوله تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا ( يوسف 28 ) هو قوله واسأل القرية ( يوسف 28 ) في أن المضاف فيهما محذوف وهو لفظ أهل وكذلك قوله واسأل العير أي أهل العير لأن القرية والعير لا يصح السؤال منهما
وراءكم ظهريا لم تلتفتوا إليه ويقال إذا لم تقض حاجته ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا قال الظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به
أشار بقوله وراءكم ظهريا ( هود 29 ) إلى ما في قوله تعالى واتخذتموه وراءكم ظهريا ( هود 29 ) ثم فسره بقوله لم تلتفتوا إليه والظهري منسوب إلى الظهر وكسر الظاء من تغييرات النسب كما تقول في أمسى أمسى بكسر الهمزة قوله ويقال إذا لم تقض حاجته يعني إذا لم تقض حاجة من سألك بها تقول ظهرت حاجتي أي جعلتها وراء ظهرك وقال الجوهري وقولهم ظهر فلان بحاجتي إذا استخف بها قوله وجعلني ظهريا يعني يقال أيضا إذا لم يلتفت إليه ولا قضى حاجته جعلتني ظهريا أي جعلتني وراء ظهرك قوله قال الظهري الظاهر أن الضمير في قال يرجع إلى البخاري وأشار به إلى أن الظهري بصورة النسبة يقال أيضا لمن يأخذ معه دابة أو وعاء يستظهر به أي يتقوى به

(15/311)


مكانتهم ومكانهم واحد
هذا فيه نظر لأن في قصة شعيب هكذا ويا قوم اعملوا على مكانتكم ( الأنعام 531 هود 39 والزمر 93 ) بمعنى مكانكم وأما مكانتهم ففي سورة يس وهو قوله ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ( يس 76 ) وفي التفسير المكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام
يغنوا يعيشوا
أشار به إلى ما في قوله تعالى كأن لم يغنوا فيها ( هود 86 96 ) ثم فسره بقوله يعيشوا لأنه لما ذكر يغنوا بدون لم فسر يعيشوا أيضا بدون لم والأصل كأن لم يغنوا فيها أي لم يعيشوا ولم يقيموا بها
تأس تحزن
أشار به إلى ما في قوله تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين ( المائدة 62 ) وفسر تأس بقوله تحزن ولم يذكر لفظ لا فيها وذكر هذا ليس في محله لأنه في قصة موسى عليه الصلاة و السلام
آسى أحزن
أشار به إلى ما في قوله تعالى فكيف آسى على قوم كافرين ( الأعراف 39 ) وفسر آسى بقوله إحزن والمعنى كيف أحزن وأتندم وأتوجع
وقال الحسن إنك لأنت الحليم الرشيد ( هود 78 ) يستهزؤن به
أي قال الحسن البصري في قوله تعالى إنك لأنت الحليم الرشيد ( هود 78 ) يستهزؤن به يعني أنهم عكسوا على سبيل الإستعارة التهكمية إذ غرضهم أنت السفيه الغوي لا الحليم الرشيد ووصل ذلك ابن أبي حاتم من طريق أبي المليح عنه قوله به أي بشعيب
وقال مجاهد ليكة الأيكة
أشار به إلى ما في قوله تعالى كذب أصحاب الأيكة المرسلين ( الشعراء 671 ) قرأ بعضهم ليكة باللام على وزن ليلة فقال مجاهد هو نفس الأيكة وقال الرشاطي الأيكة كانت منازل قوم شعيب عليه الصلاة و السلام من ساحل البحر إلى مدين وكان شجرهم المقل والأيكة عند أهل اللغة الشجر الملتف وكانوا أصحاب شجر ملتف ويقال الأيكة الغيضة وليكة اسم البلد حولها كما قبل مكة بكة وقال أبو جعفر النحاس ولا يعلم ليكة اسم بلد
يوم الظلة إظلال الغمام العذاب عليهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى فأخذهم عذاب يوم الظلة ( الشعراء 981 ) يروى أنه حبس عنهم الهواء وسلط عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا فكان شعيب عليه الصلاة و السلام مبعوثا إلى أصحاب مدين وأصحاب الأية فأهلكت مدين بصيحة حبريل عليه الصلاة و السلام وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة
واعلم أن البخاري لم يذكر في هذا الباب غير تفسير الألفاظ المذكورة فيه ولم يقع هذا أيضا إلا في رواية المستملي والكشميهني

(15/312)


ملتقى أهل الحديث
بسم الله الرحمان الرحيم
53 -
( باب قول الله تعالى وإن يونس لمن المرسلين إلى قوله وهو مليم ( الصافات931241 )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم ( الصافات 931 - 241 ) ويونس بن متى بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق مقصور وقيل متى أمه ولم يشتهر نبي بأمه غير يونس والمسيح عليهما الصلاة والسلام وروى عبد الرزاق إن متى اسم أمه ولكن الأصح أنه اسم أبيه وكان رجلا صالحا من أهل بيت النبوة ولم يكن ل ولد ذكر فقام إلى العين التي اغتسل فيها أيوب عليه الصلاة و السلام فاغتسل هو وزوجته منها وصليا ودعوا الله تعالى أن يرزقهما ولدا مباركا فيبعثه الله في بني إسرائيل فاستجاب الله دعاءهما ورزقهما يونس وتوفي متى ويونس في بطن أمه وله أربعة أشهر وقد قيل إنه من بني إسرائيل وإنه من سبط بنيامين وكان من أهل قرية من قرى الموصل يقال لها نينوى وكان قومه يعبدون الأصنام فبعثه الله إليهم
قال مجاهد مذنب
هو تفسير قوله مليم هكذا رواه الطبري من طريق مجاهد من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه وفي ( تفسير النسفي ) وهو مليم داخل في الملامة يقال رب لائم مليم أي يلوم غيره وهو أحق منه باللوم وعن الطبري المليم هو المكتسب اللوم
المشحون الموقر
أشار به إلى تفسير تعالى إلى الفلك المشحون ( الصافات 041 ) هكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد والموقر بضم الميم وفتح القاف المملوء وقيل معناه المشحون المحمل المجهز
فلولا أنه كان من المسبحين ( الصافات 341 ) الآية
يعني أتم الآية أو اقرأ الآية وهو قوله للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( الصافات 441 ) يعني فلولا أن يونس كان من المسبحين أي المنزهين الذاكرين الله تعالى قبل ذلك في الرخاء بالتسبيح والتقديس للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون يعني إلى يوم القيامة وفي ( تفسير النسفي ) الظاهر لبثه حيا إلى يوم القيامة وعن قتادة لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة وقال الكلبي كان لبثه في بطن الحوت أربعين يوما وقال الضحاك عشرين يوما وقال عطاء سبعة أيام وقيل ثلاثة أيام وعن الحسن البصري لم يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه
فنبذناه العراء بوجه الأرض وهو سقيم ( الصافات 541 )

(16/2)


أي فطرحناه وفسر العراء بوجه الأرض وهكذا فسره الكلبي وقال مقاتل هو ظهر الأرض وقال مقاتل بن سليمان هو البراز من الأرض وقال الأخفش هو الفضاء وقال السدي هو الساحل ويقال العراء الأرض الخالية من الشجر والنبات ومنه قيل للمتجرد عريان قوله سقيم أي عليل مما حل به
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ( الصافات 641 ) من غير ذات أصل الدباء ونحوه
قوله عليهأي له وقيل عنده واليقطين القرع وعن ابن عباس والحسن ومقاتل كل نبت يمتذ وينبسط على وجه الأرض وليس له ساق نحو القثاء والبطيخ والقرع والحنظل وقال سعيد بن جبير هو كل نبت ينبت ثم يموت في عامه وقيل هو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به إقامة زائل لا إقامة ثابت وقيل هو الدباء وفائدة الدباء أن الذباب لا يجتمع عنده وقيل لرسول الله إنك لتحب القرع قال أجل هي شجرة أخي يونس وقيل هي التين وقيل هي شجرة الموز يغطي بورقها ويستظل بأغصانها ويفطر على ثمارها وقال مقاتل بن حيان كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها قوله من غير ذات أصل صفة يقطين أي من يقطين كائن من غير ذات أصل قوله الدباء بالجر بدل من يقطين أو بيان وليس هو مضافا إليه فافهم قوله ونحوه أي ونحو اليقطين القثاء والبطيخ
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ( الصافات 741 )
أي وأرسلنا يونس وفي ( تفسير النسفي ) يجوز أن يكون قبل حبسه في بطن الحوت وهو ما سبق من إرساله إلى قومه من أهل نينوى وقيل هو إرسال ثان بعدما جرى عليه في الأولين والغرض من قوله إلى مائة ألف أو يزيدون ( الصافات 741 ) الكثرة وقال مقاتل معناه بل يزيدون وعن ابن عباس معناه ويزيدون وعنه مبلغ الزيادة على مائة ألف عشرون ألفا وعن الحسن والربيع بضع وثلاثون ألفا وعن ابن حبان سبعون ألفا
فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( الصافات 841 )
يعني فأمن قوم يونس عند معاينة العذاب قوله فمتعناهم إلى حينأي إلى أجل مسمى إلى حين انقضاء آجالهم
ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم كظيم وهو مغموم ( القلم 84 )
الخطاب للنبي أي لا تكن يا محمد كصاحب الحوت وهو يونس في الضجر والغضب والعجلة قوله إذ نادى أي حين دعا ربه في بطن الحوت وهو كظيم أي مملوء غيظا من كظم السقاء إذا ملأه وأشار بقوله كظيم إلى أن مكظوم على وزن مفعول ولكنه بمعنى كظيم على وزن فعيل وفسره بقوله وهو مغموم وقيل محبوس عن التصرف
2143 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) قال حدثني ( الأعمش ) ح حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا يقولن أحدكم إني خير من يونس زاد مسدد يونس بن متى
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش والآخر عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي نعيم وعن مسدد عن قتيبة أيضا وأخرجه النسائي في التفسير عن محمود بن غيلان قال العلماء إنما قاله لما خشي على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فذكره لسد هذه الذريعة

(16/3)


3143 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أبي العالية ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو العالية رفيع بن مهران والحديث قد مضى في باب قول الله تعالى وهل أتاك حديث موسى ( طه 9 ) ومضى الكلام فيه هناك
4143 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) عن ( الليث ) عن ( عبد العزيز بن أبي سلمة ) عن ( عبد الله بن الفضل ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي بين أظهرنا فذهب إليه فقال أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا ففما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت وجهه فذكره فغضب النبي حتى رؤي في وجهه ثم قال لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى
مطابقته للترجمة ظاهرة في آخر الحديث والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز والحديث مضى عن قريب في باب وفاة موسى عليه الصلاة و السلام
قوله يعرض أي يبرز متاعه للناس ليرغبوا في شرائه فأعطى له به ثمنا بخسا قوله أظهرنا مقحم وقد يوجه عدم إقحامه وهو أنه جمع ظهر ومعناه أنه بينهم على سبيل الاستظهار كان ظهرا منه قدامه وظهرا وراءه فهو مكنون من جانبيه إذا قيل بين ظهرانيهم ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم قوله ذمة وعهدا يعني مع المسلمين فلم أخفر ذمتي ونقض عهدي باللطم قوله لا تفضلوا بين أنبياء الله معناه لا تفضلوا بعضا بحيث يلزم منه نقص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والنزاع أو لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل وإن كان رسول الله أفضل منهم مطلقا إذ الإمام أفضل من المؤذن مطلقا وإن كان فضيلة التأذين غير موجدة فيه أو لا تفضلوا من تلقاء أنفسكم وأهوائكم فإن قلت نهى عن التفضيل وقد فضل هو بنفسه موسى عليه الصلاة و السلام قلت لم يفضل إذ معناه وأنا لا أدري أن هذا البعث فضيلة له أم لا أو جاز له ما لم يجز لغيره فإن قلت السياق يقتضي تفضيل موسى على سيدنا رسول الله قلت لئن سلمنا لا يقتضي إلا تفضيله بهذا الوجه وهذا لا ينافي كونه أفضل مطلقا من موسى قوله بصعقته يوم الطور وهو في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ( طه ) فإن قلت إن موسى قد مات فكيف تدركه الصعقة وأيضا قد ورد النص وأجمعوا أيضا على أن رسول الله هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فإن قلت المراد من البعث الإفاقة بقرينة الروايا الأخر حيث قال أفاق قبلي وهذه الصعقة هي غشية بعد البعث عند نفخة الفزع الأكبر قوله ولا أقول إلى آخره أي لا أقول من عند نفسي أو قاله تواضعا وهضما لنفسه
78 - ( حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وقد مر الكلام فيه عن قريب والله أعلم -
63 -
( باب واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت )
( الأعراف 361 )
أي هذا باب يذكر فيه قول الله تعالى واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم

(16/4)


حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ( الأعراف 361 ) قوله واسألهم أي اسأل يا محمد هؤلاء اليهود الذين بحضرتك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم قوله عن القرية هي أيلة وهي على شاطىء بحر القلزم وهي على طريق الحاج الذاهب إلى مكة من مصر وحكى ابن التين عن الزهري أنها طبرية وقبل هي مدين وروي عن ابن عباس وقال ابن زيد هي قرية يقال لها منتنا بين مدين وعينونا قولهإذ يعدون أي يعتدون فيه ويخالفون فيه أمر الله وهو اصطيادهم في يوم السبت وقد نهو عنه وإذ يعدون بدل من القرية بدل الاشتمال ويجوز أن يكون منصوبا بقوله كانت أو بقوله حاضرة قوله إذ تأتيهم كلمة إذ منصوب بقوله يعدون قوله شرعا أي ظاهرة على الماء قاله ابن عباس قوله كذلك نبلوهم أي نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده
يعدون يتعدون يتجاوزون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ( الأعراف 361 ) شوارع
فسر قوله تعالى إذ يعدون بقوله يتعدون يتجاوزون وقد فسرناه وقد فسر شرعا بقوله شوارع وفيه نظر لأن الشرع جمع شارع والشوارع جمع شارعة ومادته تدل على الظهور ومنه شرع الدين إذا بينه وأظهره
إلى قوله كونوا قردة خاسئين ( الأعراف 361 - 761 )
إلى متعلق بقوله شرعا وليس هو بتعلق نحوي وإنما معناه إقرأ بعد قوله شرعا إلى قوله كونوا قردة خاسئين وهو قوله ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( الأعراف 361 - 761 ) قوله أمة منهم أي جماعة من أصحاب السبت وكانوا ثلاث فرق فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على صيد السمك يوم السبت وفرقة نهت عن ذلك وأنكرت واعتزلتهم وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنهم قالوا للمنكرة لم تعظون قوما الله مهلكهم قوله معذرة قرىء بالرفع على تقدير هذا معذرة وبالنصب على تقدير نفعل ذلك معذرة إلى ربكم أي فيما أخذ علينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولعلهم يتقون أي لعلهم بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تعالى تائبين فإذا تابوا تاب الله عليهم قوله فلما نسوا ما ذكروا به أي فلما أبي الفاعلون المنكر قبول النصيحة أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا أي ارتكبوا المعصية قوله فلما عتوا أي فلما تكبروا قوله قردة جمع قرد قوله خاسئين أي ذليلين حقيرين مهانين وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس صار شبانهم قردة وشيوخهم خنازير
بئيس شديد
هكذا فسره أبو عبيدة وهكذا فسره الزمخشري يقال بؤس ببؤس بأسا إذا اشتد فهو بئيس وقرىء بئس بوزن حذر وبئس على تخفيف العين ونقل حركتها إلى الفاء كما يقال كبد في كبد وبيس على قلب الهمزة ياء كذيب في ذئب وبيئس على وزن فيعل بكسر الهمزة وفتحها وبيس على وزن ريس وبيس على وزن هين في هين
ولم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا
73 -
( باب قول الله تعالى
وآتينا داود زبورا ( النساء 261 الإسراء 55 )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى وآتينا داود زبورا ( الأعراف 361 - 761 ) وقبله إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ( النساء 261 والأسراء 55 ) وداود اسم أعجمي وعن ابن عباس هو بالعبرانية القصير العمر ويقال سمي به لأنه داوى جراحات القلوب وقال مقاتل ذكره الله في

(16/5)


القرآن في اثني عشر موضعا وهو داود بن إيشا بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن عوبد بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح الباء الموحدة على وزن جعفر ابن باعر بباء موحدة وعين مهملة مفتوحة ابن سلمون بن يارب بياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة ابن رام بن حضرون بحاء مهملة وضاد معجمة ابن فارص بفاء وفي آخره صاد مهملة ابن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ومنهم من زاد بعد سلمون يحشون بن عمينا ابن داب بن رام وقيل ارم قوله زبورا هواسم الكتاب الذي أنزل الله عليه وروى أبو صالح عن ابن عباس قال أنزل الله الزبور على داود عليه الصلاة و السلام مائة وخمسين سورة بالعبرانية في خمسين منها ما يلقونه من بخت نصر وفي خمسين ما يلقونه من الروم وفي خمسين مواعظ وحكم ولم يكن فيه حلال ولا حرام ولا حدود ولا أحكام وروى أنه نزل عليه في شهر رمضان
الزبر الكتب واحدها زبور زبرت كتبت
الزبر بضم الزاي والباء جمع زبور قال الكسائي يعني المزبور يعني المكتوب يقال زبرت الورق فهو مزبور أي كتبته فهو مكتوب وقرأ حمزة زبور بضم الزاي وغيره من القراء بفتحها
ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه ( سبأ 01 - 11 )
فضلا أي نبوة وكتابا هو الزبور وصوتا بديعا وقوة وقدرة وتسخير الجبال والطير قوله يا جبال بدل من قوله فضلا بتقدير قولنا يا جبال أو هو بدل من قوله تعالى آتينا بتقدير قلنا يا جبال
قال مجاهد سبحي معه
هو تفسير قوله تعالى أوبي معه يعني يا جبال سبحي مع داود وأوبي أمر من التأويب أي رجعي معه التسبيح أو رجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه لأنه إذا رجعه فقد رجع وقيل سبحي معه إذا سبح وقيل هي بلسان الحبشة وقيل نواحي معه والطير تساعدك على ذلك وكان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها وعكفت عليه الطير من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس من ذلك اليوم
والطير
هو منصوب بالعطف على محل الجبال وقيل منصوب على أنه مفعول معه وقيل منصوب بالعطف على فضلا يعني وسخرنا له الطير
وألنا له الحديد
أي ألنا لداود الحديد فصار في يده مثل الشمع وكان سأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فألان الله له الحديد
أن اعمل سابغات الدروع
كلمة أن هذه مفسرة بمنزلة أي كما في قوله تعالى فأوحينا إليه أن اصنع الفلك ( المؤمنون 72 ) وسابغات منصوب بقوله اعمل وفسره بقوله الدروع وكذا فسر أبو عبيدة السابغات بالدروع وقال أهل التفسير أي كوامل واسعات وقرىء صابغات بالصاد
وقدر في السرد المسامير والحلق ولا تدق المسمار فيتسلسل ولا تعظم فيفصم
فسر السرد بقوله المسامير والحلق قال المفسرون معنى قوله وقدر في السرد ( سبإ 11 ) أي لا تجعل المسامير دقاقا ولا غلاظا وأشار البخاري إلى ذلك بقوله ولا تدق بالدال المهملة من التدقيق ويدل عليه ما روى إبراهيم الحربي في ( غريب الحديث ) من طريق مجاهد في قوله وقدر في السرد ( سبإ 11 ) لا تدق المسامير فيتسلل ولا تغلظها فيفصمها وقيل ولا ترق بالراء من الرقة وهو أيضا يؤدي ذلك المعنى قوله فيتسلسل ويروى فيتسلل ويروى فيسلس والكل يرجع إلى معنى

(16/6)


واحد يقال شيء سلس أي سهل ورجل سلس أي لين منقاد بين السلس والسلاسة قوله ولا تعظمأي المسمار فيفصم من الفصم وهو القطع
أفرغ أنزل
أشار به إلى ما في قوله تعالى ربنا أفرغ علينا صبرا ( البقرة 052 ) وفسر أفرغ بقوله أنزل من الإنزال قال المفسرون معنى قوله أفرغ علينا صبرا أي أنزل علينا صبرا من عندك وهذا في قصة طالوت وفيها قضية داود عليه الصلاة و السلام فكأنه ذكر ههنا لأن قضيتهما واحدة وقال بعضهم أفرغ أنزل لم أعرف المراد من هذه الكلمة هنا قلت ليس هذا الموضع من المواضع التي يدعى فيها العجز والوجه فيه من المعنى والمناسبة ما ذكرناه
( ( بسطة زيادة وفضلا ) )
أإشاربه إلى ما في قوله تعالى إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم وهذا أيضا في قصة الموت والوجه فيه ما ذكرناه وقد فسر البخاري بسطة بقوله زيادة وفضلا أي زيادة في القوة وفضلا في المال وفي علم الحروب وهذا والذي قبله لم يقعا إلا في رواية الكشميهني وحدهواعملوا صالحا إني بما تعملون بصير ( سبإ 11 )
فأجازيكم عليه أحسن جزاء وأتمه
7143 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال خفف على داود السلام القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يده
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق ابن نصر
قوله خفف على صيغة المجهول من التخفيف قوله القرآن وفي رواية الكشميهني القراءة وقال الكرماني القرآن أي التوراة أو الزبور وقال التوربشتي وإنما أطلق القرآن لأنه قصد به إعجازه من طريق القراءة وقال صاحب ( النهاية ) الأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته وسمى القرآن قرآنا لأنه جمع الأمر والنهي وغيرهما وقد يطلق القرآن على القراءة وقرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحى إليه قوله فكأن أي داود يأمر بدوابه وفي روايته في التفسير بدابته بالإفراد ويحمل الإفراد على مركوبه خاصة وبالجمع مركوبه ومراكيب أتباعه قوله قبل أن تسرج وفي رواية موسى فلا تسرج حتى يقرأ القرآن والأول أبلغ وفيه الدلالة على أن الله تعالى يطوي الزمان لمن يشاء من عباده كما يطوي المكان وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني وجاء في الحديث إن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير وقال النووي أكثر ما بلغنا من ذلك من كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا بالنهار انتهى ولقد رأيت رجلا حافظا قرأ ثلاث ختمات في الوتر في كل ركعة ختمة في ليلة القدر قوله ولا يأكل إلا من عمل يده وهو من ثمن ما كان يعمل من الدروع من الحديد بلا نار ولا مطرقة ولا سندان وهو أول من عمل الدروع من زرد وكانت قبل ذلك صفائح
رواه موسى بن عقبة عن صفوان عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
أي روى الحديث المذكور موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ووصله الإسماعيلي من حديث إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة ووصله البخاري أيضا في كتاب خلق أفعال العباد عن أحمد بن أبي عمرو عن أبيه وهو حفص بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة
8143 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أن ( سعيد بن

(16/7)


المسيب ) أخبره ( وأبا سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( عبد الله بن ) ( عمرو ) رضي الله تعالى عنهما قال ( أخبر ) رسول الله أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقال له رسول الله أنت الذي تقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت قلت قد قلته قال إنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر فقلت إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله قال فصم يوما وأفطر يومين قال قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يوما وذلك صيام داود وهو عدل الصيام قلت إني أطيق أفضل منه يا رسول الله قال لا أفضل من ذلك
مطابقته للترجمة في قوله صيام داود عليه الصلاة و السلام والحديث قد مر في كتاب الصوم في باب صوم الدهر ومر الكلام فيه هناك
9143 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) حدثنا ( مسعر ) حدثنا ( حبيب بن أبي ثابت ) عن ( أبي العباس ) عن ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) قال قال لي رسول الله ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار فقلت نعم فقال فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين ونفهت النفس صم من كل شهر ثلاثة أيام فذالك صوم الدهر أو كصوم الدهر قلت إني أجد بي قال مسعر يعني قوة قال فصم صوم داود عليه السلام وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى
مطابقته للترجمة في قوله صوم داود ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة وفي آخره راء ابن كدام وأبو العباس اسمه السائب من السيب المشهور بالشاعر والحديث قد مضى في كتاب الصوم في باب حق الأهل في الصوم وفي كتاب التهجد في باب مجرد من الترجمة
قوله هجمت أي غارت قال الأصمعي هجمت ما في الضرع إذا حلبت كل ما فيه قوله نفهت بفتح النون وكسر الفاء أي ضعفت قوله ولا يفر إذا لاقى وجه اتصاله بما قبله هو بيان أن صومه ما كان يضعفه عن الحرب
83 -
( باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما قال علي وهو قول عائشة ما ألفاه السحر عندي إلا نائما )
أي هذا باب يذكر فيه أحب الصلاة إلى آخره قوله قال علي الظاهر أنه علي بن المديني أحد مشايخه قوله وهو قول عائشة أي قوله وينام سدسه أي السدس الأخير موافق لقول عائشة ما ألفاه السحر بالفاء أي ما وجده السحر عندي إلا نائما أي إلا حال كونه نائما والسحر مرفوع لأنه فاعل الفاء والضمير المنصوب فيه يرجع إلى النبي وقد مر هذا الحديث في كتاب التهجد في باب من نام عند السحر قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد قال ذكر أبي عن أبي سلمة عن عائشة قالت ما ألفاه السحر عندي إلا نائما يعني النبي وقد مر الكلام فيه هناك
0243 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( عمرو بن أوس الثقفي ) سمع ( عبد الله بن عمرو ) قال قال لي رسول الله أحب الصيام إلى الله صيام داود

(16/8)


كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه
الحديث والترجمة شيء واحد غير أن فيهما تقديما وتأخيرا والحديث مضى في كتاب التهجد في باب من نام عند السحر فإنه رواه عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو بن دينار إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
93 -
( باب واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إلى قوله وفصل الخطاب ( ص7102 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب أنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ( ص 71 - 02 ) قوله واذكر عبدنا عطف على ما قبله وهو قوله إصبر على ما يقولون ( ص 71 ) خاطب الله تعالى نبيه بقوله إصبر على ما يقولون أي الكفار واذكر عبدنا داود في صبره على العبادة والطاعة قوله ذا الأيد أي القوة إنه أواب أي راجع عن كل ما يكرهه الله تعالى قوله بالعشي أي بآخر النهار والإشراق أوله قوله والطير أي وسخرنا له الطير محشورة أي مجموعة قوله كل له أي كل واحد من الجبال والطير له أي لداود أواب أي مطيع قوله وشددنا ملكه أي ملك داود وعن ابن عباس كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا كان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل وعنه ستة وثلاثون ألف رجل فإذا أصبحوا قيل إرجعوا فقد رضي نبي الله منكم وقيل ثلاثة وثلاثون ألفا من بني إسرائيل ثم يأتي عوضهم قال قتادة فكأن جملة حرسه مائتان وثلاثون ألف حرس قوله وآتيناه الحكمة يعني النبوة والزبور وعلم الشرائع والإصابة في الأمر قوله فصل الخطاب الفصل التمييز بين الشيئين وقيل الكلام البين والفصل بمعنى المفصول وقيل الفصل بمعنى الفاصل والفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الحق والباطل والصحيح والفاسد وقيل فصل الخطاب هو قوله أما بعد فإنه أول من قالها
قال مجاهد الفهم في القضاء
أي قال مجاهد فصل الخطاب هو الفهم في القضاء وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي بشر عن مجاهد قال الحكمة الصواب ومن طريق ليث عن مجاهد فصل الخطاب إصابة القضاء وفهمه
ولا تشطط لا تسرف
أشار به إلى ما في قوله تعالى فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ( ص 22 ) وفسر لا تشطط بقوله لا تسرف قال بعضهم كذا وقع هنا قلت فكأنه استبعد هذا التفسير وقد فسره السدي هكذا وفسره أيضا بقوله لا تحف وقال الفراء معناه لا تجر وروى ان جرير من طريق قتادة في قوله ولا تشطط أي لا تمل وعن المورج لا تفرط والشطط مجاوزة الحد وأصل الكلمة من قولهم شطت الدار وأشطت إذا بعدت
واهدنا إلى سواء الصراط
هو بعد قوله ولا تشطط ومعناه واهدنا إلى وسط الطريق
إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ( ص 32 - 42 )
نذكر الآية بتمامها ثم نذكر ما ذكره البخاري من ألفاظ هذه الآية وتمامها ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب ( ص 32 - 42 ) وبعد هذه الآية قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثير من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ( ص 32 - 42 ) قوله إن هذا أخي أي في الدين أو المراد أخوة الصداقة والألفة وأخوة الشركة والمراد من النعجة المرأة وهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء والعرب تفعل هذا كثيرا توري عن النساء بالظباء والشاء والبقر

(16/9)


يقال للمرأة نعجة ويقال لها أيضا شاة
هذا كثير فاش في أشعارهم وقال الحسين بن الفضل هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لأنه لم يكن هناك نعاج وإنما هذا مثل قول الناس ما ضرب زيد عمرا وما كان هناك ضرب
ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها ( ص 32 ) مثل وكفلها زكرياء ( آل عمران 73 ) ضمها
أشار به إلى أن معنى الكفل الضم فلذلك قال إكفلنيها مثل وكفلها زكريا ( آل عمران 73 ) أي ضم زكرياء مريم بنت عمران إلى نفسه وعن أبي العالية معنى إكفلنيها ضمها إلي حتى أكفلها وقال ابن كيسان إجعلها كفلي أي نصيبي
وعزني غلبني صار أعز مني أعزرته جعلته عزيزا في الخطاب
قال أبو عبيدة في قوله وعزني في الخطاب أي صار أعز مني فيه ويقال عزني في الخطاب أي المحاورة وعن قتادة معناه ظلمني وقهرني
يقال المحاورة
أي الخطاب يقال المحاورة بالحاء المهملة
قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ( ص 42 )
أي قال داود وفي ( تفسير النسفي ) لقد ظلمك جواب قسم محذوف وفي ذلك استنكار لفعل خليطه وتهجين لطمعه قوله بسؤال نعجتك ( ص 42 ) مصدر مضاف إلى المفعول
وإن كثيرا من الخلطاء أي الشركاء ليبغي إلى قوله إنما فتناه
فسر الخلطاء بالشركاء وهكذا فسره المفسرون وهو جمع خليط قوله ليبغيأي ليظلم قوله إلى قوله إنما فتناه ( ص 42 ) قد ذكرنا الآن تمام الآية
قال ابن عباس اختبرناه
أي قال عبد الله بن عباس معنى فتناه اختبرناه وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
وقرأ عمر فتناه بتشديد التاء
هذه قراءة شاذة ونقلت هذه القراءة أيضا عن الحسن البصري وأبي رجاء العطاردي
فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ( ص 42 )
خر راكعا أي حال كونه راكعا ساجدا وعبر عن السجود بالركوع لأنهما بمعنى الإنحناء قوله وأنابأي رجع إلى الله بالتوبة من الإنابة وهو الرجوع إلى الله بالتوبة يقال أناب ينيب إنابة فهو منيب إذا أقبل ورجع
1243 - حدثنا ( محمد ) حدثنا ( سهل بن يوسف ) قال سمعت ( العوام ) عن ( مجاهد ) قال قلت ل ( ابن عباس أنسجد في ص فقرأ ) ( ومن ذريته داود وسليمان ) ( حتى ) أتي ( فبهداهم اقتده ) ( ( الأنعام ) 09 ) فقال ( نبيكم ) ممن أمر أن يقتدي بهم
مطابقته للترجمة في قوله ومن ذريته داود ومحمد شيخه هو ابن سلام كذا جزم به بعضهم وقال الكرماني هو إما محمد ابن سلام وإما ابن المثنى وإما ابن بشار على ما اختلفوا فيه انتهى وقيل يقال إنه أبو موسى الزمن وهو محمد ابن المثنى البصري وسهل بن يوسف أبو عبد الله الأنماطي البصري والعوام بفتح العين المهملة وتشديد الواو ابن حوشب
والحديث

(16/10)


أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن عبد الله وعن بندار عن غندر عن شعبة
قوله أنسجدبهمزة الاستفهام وبنون المتكلم مع الغير وفي رواية المستملي والكشميهني أأسجد بهمزتين الأولى للاستفهام والثانية للمتكلم وحده قوله فقرأ أي ابن عباس قوله تعالى ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ( الأنعام 48 ) وقرأ بعده خمس آيات أخرى حتى قرأ بعدها أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ( الأنعام 09 ) قوله فقال نبيكم أي فقال ابن عباس وفي بعض الروايات فقال ابن عباس قوله ممن أمر على صيغة المجهول قوله أن يقتدى بهم أي بهؤلاء الرسل المذكورين في هذه الآيات المذكورة وهم سبعة عشر نبيا قوله ومن ذريته أي ومن ذرية نوح عليه الصلاة و السلام لأن قبله ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود ( الأنعام 48 ) وإنما قلنا الضمير يرجع إلى نوح لأنه أقرب المذكورين وهو اختيار ابن جرير أيضا وقال آخرون إن الضمير يرجع إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام لأنه الذي سيق الكلام من أجله لكن يشكل على هذا ذكر لوط عليه الصلاة و السلام فإنه ليس من ذرية إبراهيم عليه الصلاة و السلام بل هو ابن أخيه هاران بن آزر أللهم إلا أن يقال إنه دخل في الذرية تغليبا
وفي ذكر عيسى عليه الصلاة و السلام في ذرية إبراهيم أو نوح على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل لأن عيسى عليه الصلاة و السلام إنما ينسب الى إبراهيم عليه السلام بأمه مريم عليها السلام فإنه لا أب به
2243 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ل ( يس ص من عزائم السجود ورأيت ) النبي يسجد فيها ( انظر الحديث 9601 )
وجه ذكر هذا الحديث عقيب الحديث المذكور من حيث إن كلا منهما يتضمن ذكر السجود في ص ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري وأيوب هو السختياني والحديث مضى في أبواب سجود التلاوة في باب سجدة ص ومضى الكلام فيه هناك والله أعلم
04 -
( باب قول الله تعالى ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ( ص 03 ) )
أي هذا باب في بيان ما ذكر في قول الله تعالى ووهبنا إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب بل المذكور قول الله تعالى ووهبنا إلى آخره قوله نعم العبد المخصوص بالمدح محذوف قوله إنه أواب تعليل لكونه ممدوحا لكونه أوابا أي رجاعا إليه بالتوبة أو مسبحا مؤوبا للتسبيح ومرجعا له لأن كل مؤوب أواب
الراجع المنيب
هذا تفسير الأواب وفسره بأنه الراجع عن الذنوب والمنيب من الإنابة وهي الرجوع إلى الله بكل طاعة
وقوله هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ( ص 53 )
وقوله بالجر عطف على قول الله في قوله باب قول الله قوله هب لي أي أعطني ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي يعني من دوني وقال ابن كيسان لا يكون لأحد من بعدي وقال يزيد بن وهب هب لي ملكا لا أسلبه في باقي عمري كما سلبته في ماضي عمري وقال مقاتل بن حيان كان سليمان ملكا ولكنه أراد بقوله لا ينبغي لأحد من بعدي تسخير الرياح والطير وقيل إنما سأل ذلك ليكون له علما على المغفرة وقبول التوبة حيث أجاب الله دعاءه ورد عليه ملكه وزاد فيه
وقوله واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ( البقرة 201 )
وقوله بالجر أيضا عطف على قوله هب لي ملكا قوله واتبعوا أي اليهود ما تتلو الشياطين أي ما ترويه وتخبره وتحدثه الشياطين قوله على ملك سليمان وعداه بعلى لأنه ضمن معنى تتلوا تكذب وقال ابن جرير على هنا بمعنى في أي في ملك سليمان ونقله عن ابن جريج وابن إسحاق قلت التضمين أولى وأحسن وقال السدي ما ملخصه إن الشياطين

(16/11)


كانوا يصعدون إلى السماء فيسمعون من الملائكة ما يكون في الأرض فيأتون الكهنة فيخبرون به فتحدثه الكهنة للناس فيجدونه كما قالوا وادخلت الكهنة فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة فاكتتب الناس ذلك وفشى في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق فلما مات سليمان تمثل شيطان في صورة آدمي وأتى نفرا من بني إسرائيل فدلهم على تلك الكتب فأخرجوها فقال لهم الشيطان إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر ثم طار وذهب وفشى في الناس أن سليمان كان ساحرا فاتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب فلما جاء النبي خاصموه بها فأنزل الله تعالى هذه الآية واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ( البقرة 201 ) الآية
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ( سبأ 21 )
أي وسخرنا لسليمان الريح وقال في آية أخرى فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء ( ص 63 ) أي لينة حيث أصاب أي حيث أراد قوله غدوها أي غدو الريح شهر يعني مسير الريح شهر في غدوته وشهر في روحته وقال مجاهد كان سليمان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر ويروح من اصطخر فيقيل بكابل وكان بين إصطخر وكابل مسيرة شهر وما بن دمشق واصطخر مسيرة شهر
وأسلنا له عين القطر ( سبإ 21 ) أذبنا له عين الحديد
أسلنا من الإسالة وفسره بقوله أذبنا له من الإذابة وفسر عين القطر بالحديد وقال قتادة عين من نحاس كانت باليمن وقال الأعمش سيلت له كما يسال الماء وقيل لم يذب للناس لأحد قبله
ومن الجن من يعمل بين يديه إلى قوله من محاريب ( سبإ 21 )
أي وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( سبإ 21 ) قوله ومن يزغ أي ومن يمل من الجن عن أمرنا نذقه من عذاب السعير في الآخرة وقيل في الدنيا وذلك أن الله تعالى وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمره ضربه ضربة أحرقته
قال مجاهد بنيان ما دون القصور
فسر مجاهد المحاريب بقوله بنيان ما دون القصور وقال أبو عبيدة المحاريب جمع محراب وهو مقدم كل بيت وهو أيضا المسجد والمصلى
وتماثيل جمع تمثال وهي الصور وكان عمل الصور في الجدران وغيرها سائغا في شريعتهم
وجفان كالجواب ( سبإ 21 ) كالحياض للإبل وقال ابن عباس كالجوبة من الأرض
الجفان جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة شبهت بالجوابي وشبهت الجوابي بالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع واحدها جابية قال الأعشى
( تروح على آل المحلق جفنةكجابية الشيخ العراقي تفهق )
ويقال كان يقعد على جفنة واحدة من جفان سليمان ألف رجل يأكلون بين يديه قوله وقال ابن عباس كالجوبة أي الجفان كالجوبة بفتح الجيم وسكون الواو والباء الموحدة وهي موضع ينكشف في الحرة وينقطع عنها
وقدور راسيات إلى قوله الشكور ( سبإ 21 )
راسيات أي ثابتات لا يحولن ولا يحركن من أماكنهن لعظمهن وفي ( تفسير النسفي ) وكانت باليمن ومنه قيل للجبال رواسي

(16/12)


قوله إلى قوله الشكوربعني إقرأ إلى قوله الشكور وهو قوله اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( سبإ 31 ) قال النسفي أي وقلنا إعملوا شكرا يعني إعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا على نعمه وشكرا في محل المصدر على تقدير اشكروا شكرا لأن إعملوا فيه معنى اشكروا من حيث أن معنى العمل فيه للمنعم شكر له وقيل انتصب شكرا على أنه مفعول له أي اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه وقيل انتصب على الحال أي شاكرين وقيل يجوز أن ينتصب باعملوا مفعولا به معناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا على طريق المشاكلة قوله الشكور المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا وعن ابن عباس الشكور من يشكر على أحواله كلها وقال السدي هو من يشكر على الشكر وقيل من يرى عجزه عن الشكر
فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض الأرضة تأكل منسأته عصاه فلما خر إلى قوله المهين ( سبأ 31 - 41 )
أي فلما حكمنا على سليمان بالموت ما دل الجن على موته إلا دابة الأرض وهي الأرض وهي دويبة تأكل الخشب قوله منسأته أي عصاه قوله فلما خر أي سقط سليمان ميتا قوله إلى قوله المهين يعني اقرأ إلى قوله المهين وهو قوله تعالى تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( سبإ 31 - 41 ) قوله تبينت الجن جواب لما أي لما علمت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب وكانوا يدعون أنهم يعلمون الغيب قوله في العذاب المهين أي في العذاب الذي يهين المعذب يعني ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا
حب الخير عن ذكر ربي من ذكر ربي أشار به إلى ما في قوله تعالى فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ( ص 23 ) قوله حب الخير قال الفراء الخيل والخير بمعنى في كلام العرب والنبي سمى زيد الخيل زيد الخير والخير المال أيضا قوله عن ذكر ربي قال قتادة عن صلاة العصر قوله حتى توارت يعني الشمس أي غابت بالحجاب وهو جبل دون القاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه قيل معناه حتى استترت الشمس بما يحجبها عن الأبصار والإضمار قبل الذكر يجوز إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر وقد جرى هنا وهو قوله بالعشي وهو ما بعد الزوال
فطفق مسحا بالسوق والأعناق يمسح أعراف الخيل وعراقيبها
أول الآية ردوها علي ( ص 13 ) وهي المذكورة قبله بقوله إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ( ص 13 ) وكان سليمان عليه الصلاة و السلام صلى الصلاة الأولى ثم قعد على الكرسي وهي تعرض عليه فعرضت عليه منها تسعمائة وكانت ألفا وكان سليمان غزا دمشق ونصيبين فأصاب منها ألف فرس وقال مقاتل ورث سليمان عن أبيه داود ألف فرس وكان أبوه أصابها من العمالقة وقال الحسن بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة وقبل أن يكمل العرض غربت الشمس ففاتته صلاة العصر ولم يعلم بذلك فاغتم لذلك فقال ردوها علي فطفق مسحا ( ص 13 ) أي فأقبل يمسح بسوقها وأعناقها بالسيف وينحرها تقربا إلى الله تعالى وطلبا لرضاه حيث اشتغل بها عن طاعته قوله يمسح أعراف الخيل وعراقيبها والعراقيب جمع عرقوب وهو العصب الغليظ عند عقب الإنسان
والأصفاد الوثاق
أشار به إلى ما في قوله تعالى وآخرين مقرنين في الأصفاد ( ص 83 ) وفسر الأصفاد بالوثاق وروى ابن جرير من طريق السدي قال مقرنين في الأصفاد أن تجمع اليدان إلى العنق بالأغلال وقال أبو عبيدة الأصفاد والأغلال واحدها صفد ويقال للعطاء أيضا صفد قوله وآخرين ( ص 83 ) عطف على قوله الشياطين ( ص 83 ) أي سخرنا له الشياطين وسخرنا له آخرين يعني مردة الشياطين مقرنين في الأصفاد يقال صفده أي شده وأوثقه

(16/13)


قال مجاهد الصافنات صفن الفرس رفع إحدى رجليه حتى تكون على طرف الحافر الجياد السراع
أي قال مجاهد في قوله تعالى إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ( ص 13 ) أن الصافنات من صفن الفرس إلى آخره يعني مشتق منه وهو جمع صافنة وقال النسفي الصافن من الخيل القائم على ثلاث قوائم وقد أقام الرابعة على طرف الحافر والصفون لا يكاد يكون في الهجن وإنما هو في العراب الخلص ووصل الفريابي إلى مجاهد ما قاله لكن في روايته يديه والموجود في أصل البخاري رجليه وصوب القاضي عياض ما عند الفريابي قوله الجياد السراع بكسر السين المهملة وفي التفسير الجياد المسرعة في الجري جمع جواد وقيل جمع جيد جمع لها بين وصفين محمودين
جسدا شيطانا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وألقينا على كرسيه جسدا ( ص 43 ) وفسر جسدا بقوله شيطانا وقال الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله تعالى وألقينا على كرسيه جسدا ( ص 43 ) قال شيطانا يقال له آصف قال له سليمان عليه الصلاة و السلام كيف تفتن الناس قال أرني خاتمك أخبرك فأعطاه فنبذه آصف في البحر فساخ فذهب سليمان وقعد أصف على كرسيه ومنع الله نساء سليمان فلم يقربهن فأنكرته أم سليمان وكان سليمان عليه الصلاة و السلام يستطعم ويعرفهم بنفسه فيكذبونه حتى أعطته امرأة حوتا فطب بطنه فوجد خاتمه في بطنه فرد الله إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر ورواه ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد أن اسمه آصر آخره راء ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن اسم الجن صخر ومن طريق السدي كذلك انتهى
قلت في هذا نظر من وجوه الأول أنه يبعد من سليمان أن يناول خاتمه لغيره ليراه مع علمه أن ملكه قائم به والثاني لا يليق أن يقعد شيطان على كرسي نبي مرسل الذي أعطي ما لا يعطى غيره من الملك العظيم والثالث أن آصف بالفاء في آخره هو معلم سليمان وكاتبه في أيام ملكه والذي أظن أن الصحيح أن سليمان لما افتتن بسبب ابنة ملك صيدون واصطفى ابنة ملكها لنفسه وأحبها صورت في بيتها صورة أبيها وكان سليمان عليه الصلاة و السلام إذا خرج من بيتها كانت هي وجواريها يعبدون هذه الصورة حتى أتى على ذلك أربعون يوما وبلغ ذلك آصف بن برخياء فعتب على سليمان عليه الصلاة و السلام بسبب ذلك فعند ذلك سقط الخاتم من يده وكان كلما أعاده كان يسقط فقال له آصف إنك مفتون ففر إلى الله تائبا من ذلك وأنا أقوم مقامك وأسير في عيالك وأهل بيتك بسيرك إلى أن يتوب الله عليك ويردك إلى ملكك ففر سليمان هاربا إلى الله تعالى وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت وغاب مدة أربعين يوما ثم أن الله تعالى لما قبل توبته رجع إلى منزله فرد الله إليه ملكه وأعاد الخاتم في يده وقيل المراد من الجسد ابنه وذلك أنه لما ولد له قالت الشياطين نقتله وإلا لا نعيش معه بعده ولما علم سليمان ذلك أمر السحاب حتى حملت ابنه وعدى في السحاب خوفا من مضرة الشياطين فعاتبه الله لذلك ومات الولد فألقى ميتا على كرسيه فهو الجسد الذي قال الله تعالى وألقينا على كرسيه جسدا ( ص 43 ) وهذا هو الأنسب والأليق من غيره ويؤيده ما قاله الخليل لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض وقال ابن إسحاق وكان الخاتم من ياقوتة خضراء أتاه بها جبريل عليه الصلاة و السلام من الجنة مكتوب عليها لا إلاه إلا الله محمد رسول الله وهو الخاتم الذي ألبسه الله آدم في الجنة
رخاء طيبة حيث أصاب حيث شاء
أشار به إلى ما في قوله تعالى فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء ( ص 63 ) وفسر رخاء بقوله طيبة ويروى طيبا بالتذكير وفسر قوله حيث أصاب بقوله حيث شاء بلغة حمير
فامنن أعط بغير حساب بغير حرج
أول الآية هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( ص 93 ) وفسر قوله فامنن بقوله أعط والعرب تقول من علي برغيف أي أعطانيه وفسر قوله بغير حساب بقوله بغير حرج وقال الحسن البصري رحمه الله إن الله لم يعط أحد أعطية إلا جعل فيها حسابا إلا سليمان فإن الله أعطاه عطاء هنيئا فقال هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب قال إن أعطي أجر وإن لم يعط

(16/14)


لم يكن عليه تبعة وقال مقاتل هو في أمر الشياطين أي حل من شئت منهم وأوثق من شئت في وثاقك ولا تبعة عليك فيما تتعاطاه
3243 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن زياد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرددته خاسئا
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب الأسير يربط في المسجد ومضى الكلام فيه هناك
قوله تفلت بتشديد اللام أي تعرض لي فلتة أي بغتة وفي قوله فذكرت دعوة أخي سليمان
إلى آخره دلالة على أنه كان يقدر على ذلك إلا أنه تركه رعاية لسليمان عليه الصلاة و السلام
عفريت متمرد من إنس أو جان مثل زبنية جماعتها الزبانية
فسر عفريتا بقوله متمرد سواء كان من إنس أو من جان واشتقاقه من العفر وقال الزمخشري العفر والعفرية والعفارية والعفريت القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه والياء في عفرية وعفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة والهاء فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل وفي الحديث أن الله تعالى يبغض العفرية التفرية قال ابن الأثير هو الداهي الخبيث الشرير ومنه العفريت قوله مثل زبنية بكسر الزاي وسكون الباء الموحدة وكسر النون وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره هاء ويجمع على زبانية وفي قوله عفريت مثل زبنية نظر لأن مثل الزبنية العفرية لا العفريت وقال بعضهم مراد المصنف بقوله مثل زبنية إنه قيل في عفريت عفرية وهي قراءة جاءت شاذة عن أبي بكر الصديق وأبي رجاء العطاردي وأبي السمال بالسين المهملة وباللام انتهى قلت قد تقدم من قول الزمخشري أن عفرية لغة مستقلة وليست هي وعفرية لغة واحدة والزبانية في الأصل إسم أصحاب الشرطة واشتقاقها من الزبن وهو الدفع وأطلق ذلك على ملائكة النار لأنهم يدفعون الكفار إلى النار ويقال واحد الزبانية زبني ويقال زابن وقيل زباني والكل لا يخلو عن نظر
4243 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( مغيرة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه إن شاء الله فلم يقل ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا إحدى شقيه فقال النبي لو قالها لجاهدوا في سبيل الله قال شعيب وابن أبي الزناد تسعين وهو أصح
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد بن مخلد بفتح الميم البجلي الكوفي وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الرحمن ابن عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز قوله لأطوفن وفي رواية الحموي والمستملي لأطيفن وهما لغتان طاف بالشيء وأطاف به إذا دار خلفه وتكرر عليه والطواف هنا كناية عن الجماع واللام فيه جواب قسم محذوف تقديره والله لأطوفن قوله الليلة نصب على الظرفية قوله على سبعين امرأة ومضى الحديث في كتاب الجهاد في باب من طلب الولد وفيه لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين وفي رواية شعيب في الأيمان والنذور فقال تسعين وفي رواية مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان فقال سبعين وفي رواية البخاري في التوحيد من رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة كان لسليمان ستون امرأة وفي رواية أحمد وأبي عوانة من طريق هشام عن ابن سيرين فقال مائة امرأة وكذا

(16/15)


عند ابن مردويه من رواية عمران بن خالد عن ابن سيرين وقد مر وجه الجمع بين هذه الروايات في كتاب الجهاد وقيل إن الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سراري أو بالعكس وعن وهب كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية وروى الحاكم في ( مستدركه ) من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال بلغنا أنه كان لسليمان ألف بيت من قوارير على الخشب منها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية قوله فقال له صاحبه قل إن شاء الله تعالى وفي رواية معمر عن طاووس على ما سيأتي فقال له الملك وفي رواية هشام بن حجير فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك هذا يدل على أن تفسير صاحبه بالملك ليس بمرفوع ووقع في ( مسند الحميدي ) عن سفيان فقال له صاحبه أو الملك بالشك ومثلها في مسلم وبهذا كله يرد قول من يقول بأنه هو الذي عنده علم من الكتاب وهو آصف بن برخيا وأبعد من هذا من قال المراد بالملك خاطره وقال النووي قيل المراد بصاحبه الملك وهو الظاهر من لفظه وقيل القرين وقيل صاحب له آدمي قوله إلا واحدا ساقطا شقه وفي رواية شعيب فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وفي رواية أيوب عن ابن سيرين شق غلام وفي رواية هشام عنه نصف إنسان وفي رواية معمر حكى النقاش في ( تفسيره ) أن الشق المذكور هو الجسد الذي ألقي على كرسيه قوله لو قالها أي لو قال سليمان إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله وفي رواية شعيب لو قال إن شاء الله وزاد في آخره فرسانا أجمعون وفي رواية ابن سيرين لو استثنى لحملت كل امرأة منهن فولدت فارسا يقاتل في سبيل الله وفي رواية طاووس لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته أي كان يحصل له ما طلب وفي رواية البخاري من طريق معمر وكان أرجى لحاجته قوله قال شعيب هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي وابن أبي الزناد هو عبد الله بن ذكوان وهما قالا في روايتهما تسعين على ما سيأتي في الأيمان والنذور قوله وهو الأصح أي ما روياه من تسعين هو الأصح
5243 - حدثني ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش حدثناإبراهيم التيمي ) عن أبيه عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون ثم قال حيثما أدركتك الصلاة فصل والأرض لك مسجد ( انظر الحديث 6633 )
مطابقته للترجمة تستأنس من قوله ثم المسجد الأقصى لأن سليمان هو الذي بناه وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك عن أبي ذر الغفاري والحديث مضى في باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 521 ) فإنه روي هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي إلى آخره ومر الكلام فيه هناك قوله قال أربعون أي أربعون سنة وقد صرح به هناك والمطلق يحمل على المقيد
6243 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش وهذه الدواب تقع في النار وقال كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحديهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى قال أبو هريرة والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية ( الحديث 7243 - طرفه في 9676 )
مطابقته للترجمة في قوله وقال كانت امرأتان إلى آخره فإن فيه ذكر سليمان وأما تعليق الحديث الأول بحديث الترجمة

(16/16)


فهو أن الراوي ذكره معه كما سمعه معه وقال الكرماني متابعة الأنبياء موجبة للخلاص كما أن في هذا التحاكم خلاص الكبرى من تلبسها بالباطل ووباله في الآخرة وخلاص الصغرى من ألم فراق ولدها وخلاص الابن من القتل وتمام الحديث الأول هو قوله فجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها وأبو اليمان الحكم بن نافع و ( عبد الرحمن ) هو ابن هرمز الأعرج
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن أبي اليمان أيضا وأخرجه النسائي في القضاء عن عمران بن بكار وعن المغيرة بن عبد الرحمن
ذكر معناه قوله مثلي ومثل الناس بفتح الميم أي صفتي وحالي وشأني في دعائهم إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما تزين لهم أنفسهم من التمادي على الباطل كمثل رجل إلى آخره وهذا من تمثيل الجملة بالجملة والمراد من ضرب المثل الزيادة في الكشف والتنبيه للبيان قوله استوقد نارا أي أوقد نارا يؤيده ما وقع في رواية مسلم وأحمد من حديث جابر مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا وقال بعضهم زيادة السين والتاء للإشارة إلى أنه عالج إيقادها وسعى في تحصيل آلاتها قلت معنى الاستفعال الطلب ولكن قد يكون صريحا نحو استكتبته أي طلبت منه الكتابة وقد يكون تقديرا نحو استخرجت الوتد من الحائط وليس فيه طلب صريح واستوقد ههنا من هذا القبيل والنار جوهر لطيف مضيء محرق حار والنور ضوؤها قوله الفراش بفتح الفاء وتخفيف الراء وفي آخره شين معجمة قال الخليل يطير كالبعوض وقيل هو كصغار البق وقال الفراء هو غوغاء الجراد الذي يتفرش ويتراكم ويتهافت في النار قوله وهذه الدواب عطف على الفراش وهو جمع دابة وأراد بها هنا مثل البرغش والبعوض والجندب ونحوها قوله تقع في النار خبر جعل لأن جعل من أفعال المقاربة يعمل عمل كان في اقتضائه الاسم والخبر وقال النووي إنه شبه المخالفين له بالفراش وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه وقال ابن العربي هذا مثل كثير المعاني والمقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الهلكة وإنما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يصحبه من الضياء وقد قيل إنها لا تبصر بحال وهو بعيد جدا قوله وقال كانت امرأتان ليس فيه تصريح برفعه وهو مرفوع في نسخة شعيب عند الطبراني وغيره وفي رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله قال بينا امرأتان قوله فتحاكما وفي رواية الكشميهني فتحاكمتا وفي نسخة شعيب فاختصما قوله فقضى به للكبرى أي للمرأة الكبرى قيل إن ذلك كان على سبيل الفتيا منهما لا الحكم فلذلك ساغ لسليمان أن ينقضه ورده القرطبي بأن فتيا النبي كحكمه وهما سواء في التنفيذ فإن قلت إذا كان الأمر كذلك فكيف جاز لسليمان نقض حكم داود قلت إن كان حكمهما بالوحي فحكم سليمان ناسخ لحكم داود وإن كان بالاجتهاد فاجتهاده كان أقوى لأنه بالحيلة اللطيفة أظهر ما في نفس الأمر وقال الواقدي إنما كان بينهما على سبيل المشاورة فوضح لداود صحة رأي سليمان فأمضاه وقيل إن من شرع داود عليه الصلاة و السلام الحكم للكبرى من حيث هي كبرى ورد بأن هذا غلط لأن الكبرى والصغرى وصف طردي محض لا يوجب شيء من ذلك ترجيحا لأحد المتداعيين حتى يحكم له أو عليه وكذلك الطول والقصر والسواد والبياض وقال النووي إن سليمان فعل ذلك تحيلا على إظهار الحق فلما أقرت به الصغرى عمل بإقرارها وإن كان الحكم قد نفذ كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه وقال ابن الجوزي وإنما حكما بالاجتهاد إذ لو كان بنص لما ساغ خلافه وهو دال على أن الفطنة والفهم موهبة من الله تعالى ولا التفات لقول من يقول إن الإجتهاد إنما يسوغ عند فقد النص والأنبياء عليه الصلاة و السلام لا يفقدون النص فإنهم متمكنون من استطلاع الوحي وانتظاره والفرق بينهم وبين غيرهم قيام العصمة بهم عن الخطأ وعن التقصير في الاجتهاد بخلاف غيرهم قوله لا تفعل يرحمك الله ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق ورقاء عن أبي الزناد لا يرحمك الله قال القرطبي ينبغي أن يكون على هذه

(16/17)


الرواية أن يقف على لا دقيقة حتى يتبين للسامع أن ما بعده كلام مستأنمف لأنه إذا وصل بما بعد لا يتوهم للسامع أنه دعاء عليه وإنما هو دعاء له قوله قال أبو هريرة صورته تعليق لكن ادعى بعضهم أنه موصول بالإسناد الأول وفيه تأمل قوله إن سمعت كلمة إن بكسر الهمزة وسكون النون كلمة نفي أي والله ما سمعت بلفظ السكين إلا يومئذ قوله المدية بضم الميم وقيل الميم مثلثة سمي السكين بها لأنها تقطع مدى حياة الحيوان وسمي السكين سكينا لأنه يسكن حركة الحيوان وهو يذكر ويؤنث
14 -
( باب قول الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله إلى قوله إن الله لا يحب كل مختال فخور ( لقمان 21 - 81 ) )
أي هذا باب في بيان ما جاء في قول الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد ( لقمان 21 - 81 ) قوله إلى قوله أي إقرأ إلى قوله إن الله لا يحب كل مختال فخور ( لقمان 21 - 81 ) ومن قوله غني حميد إلى قوله فخور ست آيات قوله الحكمة أي العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور قوله أن أشكر قيل لأن تشكر الله ويجوز أن تكون أن مفسرة أي أشكر الله والتقدير قلنا له اشكر الله وقيل بدل من الحكمة قوله مختال من الاختيال وهو أن يرى لنفسه طولا على غيره فيشمخ بأنفه قوله فخور يعدد مناقبه تطاولا
ولقمان بن باعور بن ناخور بن تارخ وهو آزر أب إبراهيم عليه الصلاة و السلام كذا قاله ابن إسحاق وقال مقاتل لقمان بن عنقا بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه السهيلي عن ابن جرير والقعنبي وقال وهب بن منبه لقمان بن عبقر بن مرثد بن صادق بن التوت من أهل أيلة ولد على عشر سنين خلت من أيام داود عليه الصلاة و السلام وقال مقاتل كان ابن أخت أيوب عليه الصلاة و السلام وقيل ابن خاله وقال إبن إسحاق ثم عاش ألف سنة وأدرك داود عليه الصلاة و السلام وأخذ عنه العلم وحكى الثعلبي عن ابن المسيب أنه كان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين من سودان مصر ذا مشافر وقال الربيع كان عبدا نوبيا اشتراه رجل من بني إسرائيل بثلاثين دينارا ونصف دينار وقال السهيلي كان نوبيا من أيلة وعن ابن عباس كان عبدا حبشيا نجارا وقيل كان خياطا وقيل كان راعيا وقيل كان يحتطب لمولاه حزمة حطب وروي أنه كان عبدا لقصاب وقال الواقدي كان قاضيا لبني إسرائيل فكان يسكن ببلدة أيلة ومدين وقال مقاتل كان اسم أمه تارات وفي ( تفسير النسفي ) واتفق العلماء أنه كان حكيما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه كان يقول إنه كان نبيا قال الواقدي والسدي مات بأيلة وقال قتادة بالرملة
ولا تصعر الإعراض بالوجه
أشار به إلى ما في قوله تعالى ولا تصعر خدك للناس ( لقمان 81 ) وفسر تصعر بقوله الإعراض بالوجه وكأنه جعل الإعراض بمعنى التصغير المستفاد من لا تصعر وهكذا فسره عكرمة أورده عنه الطبري وقال الطبري أصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها فيشبه به الرجل المعرض عن الناس المتكبر وقراءة عاصم وابن كثير ولا تصعر وقراءة الباقون ولا تصاغر وقال الطبري القراءتان مشهورتان ومعناهما صحيح
8243 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) قال ل ( ما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال ( أصحاب ) النبي إينا لم يلبس إيمانه بظلم فنزلت لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( لقمان 31 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله تعالى لا تشرك بالله إلى آخره لأن الله تعالى قال حكاية عن لقمان وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( لقمان 31 ) وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وإبراهيم هو النخعي والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب ظلم دون ظلم ومر الكلام فيه

(16/18)


9243 - حدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( عيسى بن يونس ) حدثنا ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( الأنعام 28 ) شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن راهويه وعبد الله هو ابن مسعود وهذا طريق آخر في الحديث المذكور
قوله إنما هو الشرك أي الظلم المذكور في تلك الآية هو الشرك والظلم لفظ عام يعم الشرك وغيره وقد خص في الآية بالشرك ومعنى اختلاط الإيمان هو أن الإيمان التصديق بالله وهو لا ينافي جعل الأصنام آلهة قال الله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( يوسف 601 ) قوله ما قال لقمان لابنه قال السهيلي اسم ابنه باران بالباء الموحدة وبالراء وكذا قاله الطبري والعتبي وقال الثعلبي اسمه أنعم وقال الكلبي أشكم قوله وهو يعظه جملة حالية والله أعلم
24 -
( باب واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ( يس 31 ) الآية )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ( يس 31 ) قوله واضرب لهم مثلا أي لأجلهم وقيل واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلا وحاصل المعنى اذكر لهم قصة عجيبة يعني قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية إذ جاءها المرسلون ( يس 31 ) أي رسل عيسى وكلمة إذ بدل من أصحاب القرية وكان إرسال عيسى عليه الصلاة و السلام رسله في أيام ملوك الطوائف
واختلفوا في اسم الرسولين اللذين أرسلا أولا فقال ابن إسحاق قاروص وماروص وقال وهب يحيى ويونس وقال مقاتل تومان ومالوس وقال كعب صادق وصدوق واسم الرسول الثالث شمعون الصفا رأس الحواريين وهو قول أكثر المفسرين وقال كعب اسمه شلوم وقال مقاتل سمعان وقيل بولص ولم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا مرفوعا وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا السبق ثلاثة يوشع إلى موسى وصاحب يس إلى عيسى وعلي إلى محمد وفي إسناده حسين بن الحسن الأشقر وهو ضعيف واسم صاحب يس حبيب النجار وعن السدي كان قصارا وقيل كان إسكافا وكان اسم ملك أنطاكية أنطيخس بن أنطيخس وكان يعبد الأصنام
فعززنا قال مجاهد شددنا
أشار به إلى تفسير قوله تعالى فعززنا ( يس 31 ) وحكي عن مجاهد أنه قال معناه شددنا يعني قوينا الرسولين الأولين برسول ثالث وعلى يده كان الخلاص
قال ابن عباس طائركم مصائبكم
أشار به إلى ما في قوله تعالى قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ( يس 91 ) ووصل ابن أبي حاتم قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة عنه به قوله طائركم وفسره ابن عباس بقوله مصائبكم ولما قالوا إنا تطيرنا بكم ( يس 81 ) يعني تشاءمنا بكم قالوا طائركم أي شؤمكم معكم وهو كفرهم
34 -
( باب قول الله تعالى كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكرياء إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا إلى قوله لم نجعل له من قبل سميا ( مريم 3 - 7 ) )
أي هذا باب في بيان قول الله تعالى كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا ( مريم 3 - 7 ) إلى آخره قوله إلى قوله أي إقرأ إلى قوله لم نجعل له من قبل سميا ( مريم 3 - 7 ) وهو قوله ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي

(16/19)


من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ( مريم 5 - 7 ) ح
قوله ذكر مرفوع بأنه خبر لقوله كهيعص وقيل خبر مبتدأ محذوف أي هذا القول الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك وقيل مرفوع بالابتداء والخبر مقدر تقديره فيما أوحي إليك ذكر رحمة ربك و ذكر مصدر مضاف إلى الرحمة وهي فاعله و عبده مفعولها قوله خفيا أي خافيا يخفى ذلك في نفسه لم يطلع عليه إلا الله قوله وهن يقال وهن يهن وهنا فهو واهن وقال الفراء وهن العظم بالفتح والكسر في الهاء أراد أن قوة عظامه ذهبت لكبر سنه وإنما خص العظم لأنه الأصل في التركيب وقال قتادة شكى ذهاب أضراسه قوله واشتعل الرأس شيبا أي من حيث الشيب شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه كل مأخذ باشتعال النار ثم أخرجه مخرج الاستعارة ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس يعني لم يقل رأسي اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة قوله ولم أكن بدعائك رب شقيا أي بدعائي إياك شقيا أي خائبا قوله الموالي وهم الذين يلونه في النسب وهم بنو العم والعصبة وكان عمه وعصبته شرار بني إسرائيل فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدلوه وأن لا يحسنوا للخلافة على أمته فطلب عقبا من صلبه صالحا يقتدى به في إحياء الدين قوله عاقرا أي عقيما لا تلد قوله وليا أي ولدا صالحا يحمل أمر الدين بعدي قوله يرثني أي يرث النبوة وقيل العلم وقيل يرثهما قوله ويرث من آل يعقوب قال ابن عباس يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة وعنه يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك فأجابه الله إلى وراثة العلم دون الملك قوله لم نجعل له من قبل سميا يعني لم يسم أحد قبله بيحيى فإن قلت ما وجه المدحة باسم لم يسم أحد قبله ونرى كثيرا من الأسماء لم يسبق إليها قلت لأن الله تعالى تولى تسميته ولم يكل ذلك إلى أبويه فسماه باسم لم يسبق إليه
واعلم أن في زكريا أربع لغات المد والقصر وحذف الألف مع إبقاء الباء مشددة وتخفيف الياء فإن مددت أو قصرت لم تصرف وإن حذفت الألف مع إبقاء الياء مشددة صرفته وزكريا بن آدن بن مسلم بن صدوق بن نخشان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن ناخور بن شلوم بن بهفاشاط بن أسا بن أفيا بن رحيم بن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام كذا ذكره الثعلبي وقال ابن عساكر في ( تاريخه ) زكريا بن برخيا ويقال زكريا بن دان ويقال ابن آدن إلى آخره وعن أبي هريرة قال قال رسول الله كان زكريا نجارا انفرد بإخراجه مسلم وابنه يحيى من الحياة وقال الزمخشري كان يحيى أعجميا وهو الظاهر فمنع صرفه للتعريف والعجمة كموسى وعيسى وإن كان عربيا فللتعريف ووزن الفعل واختلفوا فيه لم سمي يحيى فقال ابن عباس لأن الله تعالى أحيى به عقر أمه وقال قتادة لأن الله تعالى أحيى قلبه بالإيمان والنبوة وقيل أحياه بالطاعة حتى لم يعص أصلا ولم يهم بمعصية واسم أم يحيى أشياع بنت فاقوذا أخت حنة أم مريم صلى الله تعالى عليهما وسلم وقال ابن إسحاق كان زكريا وابنه يحيى صلى الله تعالى عليهم وسلم آخر من بعث في بني إسرائيل من أنبيائهم
قال ابن عباس مثلا
أي قال عبد الله بن عباس معنى سميا مثلا في قوله تعالى هل تعلم له سميا ( مريم 56 )
يقال رضيا مرضيا
أشار به إلى تفسير رضيا في قوله واجعله رب رضيا ( مريم 6 ) بأنه بمعنى مرضيا وقال الطبري مرضيا ترضاه أنت وعبادك
عتيا عصيا عتا يعتو
أشار به إلى ما في قوله تعالى وقد بلغت

(16/20)


من الكبر عتيا ( مريم 8 ) وفسره بقوله عصيا وذكره بالصاد المهملة والصواب بالسين المهملة وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس قال ما أدري أكان رسول الله يقرأ عتيا أو عسيا يقال قرأ مجاهد عسيا بالسين وقال الجوهري عتا الشيخ يعتو عتيا بضم العين وكسرها كبر وولى وقال الأصمعي عسا الشيخ يعسو عسيا ولى وكبر مثل عتا وقال قتادة العتو نحول العظم يقال ملك عات إذا كان قاسي القلب غير لين وعن أبي عبيدة كل مبالغ في شر أو كفر فقد عتا وعسا ويقال عتا العود وعسا من أجل الكبر والطعن في السن العالية وقرأ حمزة والكسائي وقد بلغت من الكبر عتيا ( مريم 8 ) بكسر العين والباقون بضمها قوله عتا يعتو أشار به إلى أنه من باب فعل يفعل مثل غزا يغزو من معتل اللام الواوي
قال رب أنى يكون لي غلام إلى قوله ثلاث ليال سويا ( مريم 8 - 01 ) ويقال صحيحا
أشار به إلى ما في قوله تعالى قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( مريم 8 - 01 ) قوله قال رب أي قال زكريا يا رب أنى يكون لي غلام أي من أين يكون لي غلام وكيف يكون لي غلام والحال أن امرأتي عاقر وأنا قد بلغت من الكبر عتيا قوله قال كذلك أي قال جبريل إن الأمر كذلك كما قيل لك من هبة الولد على الكبر قوله هو علي هين أي خلقه علي هين بأن أرد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع وأفتق رحم امرأتك قوله قد خلقتك من قبل أي أوجدتك من قبل يحيى ولم تك شيئا لأن المعدوم ليس بشيء أو شيئا لا يعتد به قوله قال رب أي قال زكريا يا رب إجعل لي آية أي علامة على حمل امرأتي قوله قال آيتك أي قال الله عز و جل علامتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا منصوب على الحال أي وأنت صحيح سليم الجوارح عن سوء الخلق ما بك خرس ولا بكم ودل ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( مريم 11 ) فأوحى فأشار
أي فخرج زكريا وكان الناس من وراء المحراب ينتظرون أنه يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون إذ خرج إليهم زكريا متغير اللون فأنكروه فقالوا له يا زكريا مالك فأوحى إليهم أي أشار إليهم بيده ورأسه قاله مجاهد وعن ابن عباس فكتب إليهم في كتاب وقيل على الأرض قوله أن سبحوا وكلمة أن هي المفسرة أي صلوا لله بكرة وعشيا وهذا في صبيحة الليلة التي حملت امرأته فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إشارة
يا يحيى خذ الكتاب بقوة إلى قوله ويوم يبعث حيا ( مريم 21 - 51 )
أي إقرأ الآية إلى قوله ويوم يبعث حيا وهو وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ( مريم 21 - 51 ) قوله يا يحيى التقدير فوهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى خذ الكتاب أي التوراة وكان مأمورا بالتمسك بها قوله الحكم أي الحكمة وهي الفهم للتوراة والفقه في الدين صبيا أي حال كونه صبيا وعن ابن عباس عن النبي أنه سبع سنين وعن قتادة ومقاتل ثلاث سنين وكان ذلك معجزة به قوله وحنانا قال الزجاج وآتيناه حنانا وقيل وجعلناه حنانا لأهل زمانه أي رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفا وشفقة قوله وزكاة أي زيادة في الخير على ما وصف وقيل طهارة من الذنوب وقيل عملا صالحا قوله تقيا يعني مسلما مخلصا مطيعا قوله وبرا أي وبارا بوالديه لطيفا بهما محسنا إليهما ولم يكن جبارا متكبرا قوله عصيا أي عاصيا لربه قوله وسلام عليه أي سلام من الله عليه في هذه الأيام وإنما خص التسليم والسلام بهذه الأحوال لأنها أصعب الأوقات وأوحشها
حفيا لطيفا
أشار به إلى ما في قوله تعالى إنه كان بي حفيا ( مريم 74 ) وفسر حفيا بقوله لطيفا وقال أبو عبيدة أي محتفيا
عاقرا الذكر والأنثى سواء
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكانت امرأتي عاقرا ( مريم 5 و8 ) وقال الذكر والأنثى سواء يعني يقال للرجل الذي لا يلد عاقر وللمرأة التي لا تلد عاقر

(16/21)


343 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام بن يحيى ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) عن ( مالك بن صعصعة ) أن ( نبي الله ) حدثهم عن ليلة أسري به ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن يحيى مذكور في قصة زكريا وهذه قطعة من حديث مطول قد مضى في باب ذكر الملائكة ومر الكلام فيه قوله فلما خلصت أي للصعود إلى السماء الثانية ووصلت إليها قوله وهما أي يحيى وعيسى ولعل القرابة التي كانت بينهما كانت سببا لكونهما في سماء واحد مجتمعين
44 -
( باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ( مريم 61 ) )
أي هذا باب في بيان قول الله تعالى واذكر إلى آخره يعني أذكر يا محمد في الكتاب أي في القرآن مريم بنت عمران بن ماثان قوله إذا انتبذت كلمة إذ بدل من مريم بدل الاشتمال انتبذت أي اعتزلت وانفردت وجلست وتخلت للعبادة من أهلها مكانا أي في مكان شرقيا مما يلي شرقي المقدس أو شرقيا من دارها وقيل قعدت في مشرقة للاغتسال من الحيض وعن الحسن البصري اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم انتبذت مكانا شرقيا
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة ( آل عمران 54 )
قال الزمخشري إذ قالت بدل من وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصفاك وطهرك ( آل عمران 24 ) ويجوز أن يبدل من إذ يختصمون على أن الاعتصام والبشارة وقعا في زمان قوله بكلمة منه أي بولد يكون وجوده بكلمة من الله أي بقوله كن فيكون اسمه المسيح عيسى ابن مريم يعني يكون مشهورا بهذا في الدنيا يعرفه المؤمنون بذلك
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين إلى قوله يرزق من يشاء بغير حساب ( آل عمران 33 )
يخبر تعالى أنه اصطفى آدم أي اختار آدم لأنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته واصطفى نوحا وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض لما عبد الناس الأوثان واصطفى آل إبراهيم ومنهم سيد البشر وخاتم الأنبياء محمد ومنهم آل عمران والد مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم صلوات الله عليهم قوله إلى قوله أي إقرأ إلى قوله يرزق من يشاء وهو ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم وبعده ثلاث آيات أخرى آخرها بغير حساب ( آل عمران 33 )
قال ابن عباس وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد يقول إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ( آل عمران 86 ) وهم المؤمنون
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى وآل إبراهيم وآل عمران عام وأريد به الخصوص وهو أن المراد المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران كما قال ابن عباس قوله وآل ياسين المراد منهم الذين في قوله تعالى وإن إلياس لمن المرسلين ( آل عمران 86 ) وقيل إدريس وقيل غيره قوله يقول إن أولى الناس بإبراهيم إلى آخره أي يقول ابن عباس أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ( آل عمران 86 ) وهم المؤمنون والذين لم يتبعوه لا يعدون من الآل وحاصل هذا التأكيد بأن المراد من هذا العموم الخصوص كما ذكرنا

(16/22)


ويقال آل يعقوب أهل يعقوب فإذا صغروا آل ثم ردوه إلى الأصل قالوا أهيل
أشار بهذا إلى أن أصل آل أهل ألا ترى أنهم إذا أرادوا أن يصغروه يقولون أهيل لأن التصغير يرد الإشياء إلى أصولها ولكن فيه خلاف والذي ذكرناه هو قول سيبويه والجمهور وقيل أصل آل أول من آل يؤول إذا رجع لأن الإنسان يرجع إلى آله فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
1343 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سعيد بن المسيب ) قال قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله يقول ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( آل عمران 63 ) ( انظر الحديث 6823 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرةوأخرجه مسلم أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أبي اليمان به وقد مضى نحوه في باب صفة إبليس عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قوله ثم يقول أبو هريرة إلى آخره موقوف عليه
54 -
( باب )
هو كالفصل لما قبله فلذلك جرد عن الترجمة
وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ( آل عمران 24 )
هذا إخبار من الله بما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام عن أمر الله لهم بذلك قوله اصطفاك أي اختارك وطهرك من الأكدار والوساوس واصطفاك ثانيا مرة بعد مرة على نساء العالمين قوله اقنتي أمر من القنوت وهو الطاعة واسجدي واركعي الواو لا تقتضي الترتيب وقيل معناه استعملي السجود في حالة والركوع في حالة وقيل على حالة وكان السجود مقدما على الركوع في شرعهم قوله واركعي مع الراكعين أي لتكن صلاتك مع الجماعة وقال مع الراكعين وقال مع الراكعين لأنه أعم من الراكعات لوقوعه على الرجال والنساء قوله ذلك إشارة إلى ما سبق من نبأ زكريا ويحيى ومريم وعيسى يعني أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي قوله نوحيه إليك أي نقصه عليك قوله وما كنت لديهم أي وما كنت يا محمد عندهم قوله إذ يلقون أقلامهم أي حين يلقون أي يطرحون أقلامهم وهي أقداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين وقيل هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة اختاروها للقرعة تبركا بها قوله إذ يختصمون في شأنها تنافسا في التكفل بها لرغبتهم في الأجر
يقال يكفل يضم كفلها ضمها مخففة ليس من كفالة الديون وشبهها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى إيهم يكفل مريم إلى قوله وكفلها زكريا ( آل عمران 73 ) يعني ضم مريم إلى نفسه وما ذاك إلا أنها كانت يتيمة قاله ابن إسحاق وقال غيره إن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك ولا منافاة بين القولين قوله مخففة أي حال كون كلمة كفلها بتخفيف الفاء وفي قوله ليس من كفالة الديون نظر لأن في كفالة الديون أيضا معنى الضم لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة وقراءة التخفيف قراءة الجمهور وقراءة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي بالتثقيل وقرأ الباقون وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالتخفيف في كفلها وعلى التشديد فينتصب

(16/23)


زكريا على المفعولية وقال أبو عبيدة يقال في كفلها زكريا بفتح الفاء وكسرها وبالكسر قرأ بعض التابعين
2343 - حدثني ( أحمد بن أبي رجاء ) حدثنا ( النضر ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي قال سمعت ( عبد الله ابن جعفر ) قال سمعت ( عليا ) رضي الله تعالى عنه يقول سمعت النبي يقول خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة رضي الله تعالى عنها ( الحديث 2343 - طرفه في 5183 )
مطابقته للباب المترجم في قوله ابنة عمران
ذكر رجاله وهم ستة الأول أحمد بن أبي رجاء بالجيم واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي الثاني النضر بن شميل وقد مر غير مرة الثالث هشام ابن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عبد الله بن جعفر بن أبي طالب السادس علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه حدثني أحمد وفي بعض النسخ حدثنا بصيغة الجمع وفيه التحديث أيضا بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه قالالدارقطني رواه أصحاب هشام بن عروة عنه هكذا وخالفهم ابن جريج وابن إسحاق فروياه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن جعفر وقد زاد في الإسناد عبد الله بن الزبير والصواب الأول
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في فضل خديجة وصدقة بن الفضل وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه الترمذي في المناقب عن إسحاق ابن هارون وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن حرب
ذكر معناه قوله خير نسائها أي خير نساء أهل الدنيا في زمانها وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم يوسف أحسن إخوته وقد منعه النحاة وعن وكيع أي خير نساء الأرض في عصرها وقال القاضي أي من خير نساء الأرض وقال الكرماني يحتمل أن يراد بقوله خير نسائها مريم نساء بني إسرائيل وبقوله خير نسائها خديجة نساء العرب أو تلك الأمة وهذه الأمة وفي رواية النسائي من حديث ابن عباس أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ورواه أبو يعلى أيضا وقد مر الكلام فيه مسقصى في باب قول الله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ( التحريم 11 )
64 -
( باب قوله تعالى إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم إلى قوله فإنما يقول له كن فيكون ( آل عمران 54 - 84 ) )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى إذ قالت الملائكة ( آل عمران 54 ) إلى آخره وفي بعض النسخ باب قول الله تعالى وليس في بعضها إلى قوله إلى آخره وقد مر الكلام في هذه الترجمة في الباب الذي قبل الباب المجرد الذي قبل هذا الباب قوله إلى قوله أي إقرأ إلى قوله فإنما يقول له كن فيكون ( آل عمران 84 ) وهو قوله وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 54 - 84 ) قوله وجيها أي شريفا ذا جاه وقدر قوله ومن المقربين أي عند الله بالثواب والكرامة قوله ويكلم الناس في المهد يعني صغيرا في حجر أمه وقيل في الموضع الذي مهد للنوم روي عنها أنها قالت كنت إذا خلوت به أحادثه ويحادثني فإذا شغلني عنه إنسان يسبح في بطني وأنا أسمع واختلفوا هل كان نبيا في وقت كلامه فقيل نعم لظهور المعجزة وقيل لا وإنما جعل ذلك تأسيسا لنبوته قوله وكهلا قال الزمخشري في المهد نصب على الحال و كهلا عطف عليه بمعني ويكلم الناس طفلا وكهلا يعني يكلم في هاتين الحالتين بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قوله ومن الصالحين ( آل عمران 54 - 84 ) أي

(16/24)


في قوله وعمله قوله ولم يمسسني بشر أي لم يصبني رجل قوله إذا قضى أمرا أي إذا أراد تكوينه فإنما يقول له كن فيكون لا يتأخر من وقته بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة
يبشرك ويبشرك واحد
الأول من باب نصر ينصر وهو قراءة حمزة والكسائي والثاني من باب التفعيل من التبشير والبشير هو الذي يخبر المرء بما يسره من خير ولا يستعمل في الشر إلا تهكما
وجيها شريفا
فسر وجيها الذي في قوله تعالى وجيها في الدنيا والآخرة ( آل عمران 54 ) بقوله شريفا وقد مر تفسيره عن قريب وانتصابه على الحال
وقال إبراهيم المسيح الصديق
أي قال إبراهيم النخعي المسيح الصديق وكذا فسره سفيان الثوري بإسناده إلى إبراهيم وفيه معان أخر نذكرها الآن فإن قلت الدجال أيضا سمى بالمسيح قلت أما معناه في عيسى عليه الصلاة و السلام ففيه أقوال تبلغ ثلاثة وعشرين قولا ذكرناها في كتابنا ( زين المجالس ) منها ما قيل إن أصله المسيح على وزن مفعل فأسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين طلبا للخفة وعن ابن عباس كان لا يمسح ذا عاهة إلا برىء ولا ميتا إلا حيى وعنه لأنه كان أمسح الرجل ليس لها أخمص والأخمص من لا يمس الأرض من باطن الرجل وعن أبي عبيدة أظن أن هذه الكلمة مشيخا بالشين المعجمة فعربت وكذا تنطق به اليهود وقيل لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن وقيل لأن زكريا عليه الصلاة و السلام مسحه وقيل لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة جميل الوجه لأنه كان يمسح الأرض لأنه قد يكون تارة في البلدان وتارة في المفاوز والفلوات وقال الداودي لأنه كان يلبس المسوح وأما معناه في الدجال فقيل لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها فإن قلت قد ذكرت هذا المعنى في عيسى عليه الصلاة و السلام قلت إنه كان في هذا الوجه اشتراك بحسب الظاهر لأن المسيح في عيسى بمعنى الممسوح عن الآثام وعن كل شيء فيه قبح فعيل بمعنى مفعول وفي الدجال فعيل بمعنى فاعل لأنه يمسح الأرض وقيل لأنه لا عين له ولا حاجب وقال ابن فارس مسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب فلذلك سمي به وقيل المسيح الكذاب وهو مختص به لأنه أكذب البشر فلذلك خصه الله بالشوه والعور وقيل المسيح المارد الخبيث وهو أيضا مختص به بهذا المعنى ويقال فيه مسيخ بالخاء المعجمة لأنه مشوه مثل الممسوخ ويقال فيه مسيح بكسر الميم وتشديد السين للفرق بينه وبين المسيح ابن مريم عليه الصلاة و السلام
وقال مجاهد الكهل الحليم
كذا قاله مجاهد في قوله وكهلا ومن الصالحين ( آل عمران 64 ) وقال أبو جعفر النحاس هذا لا يعرف في اللغة وإنما الكهل عندهم من ناهز الأربعين أو قاربها وقيل من جاوز الثلاثين وقيل الكهل ابن ثلاث وثلاثين
والأكمه من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل
أشار به إلى ما في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه الصلاة و السلام وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله ( آل عمران 94 ) وقيل بعكسه وقيل هو الأعشى وقيل الأعمش
وقال غيره من يولد أعماى
أي قال غير مجاهد الأكمه هو الذي يولد أعمى وهو الأشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي
3343 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) قال سمعت ( مرة الهمداني ) يحدث

(16/25)


عن ( أبي موسى الأشعري رضي الله ) تعالى عنه قال قال النبي فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام كمن من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون
مضى هذا الحديث عن قريب في باب قول الله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا ( التحريم 11 ) فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن جعفر عن وكيع عن شعبة إلى آخره
4343 - وقال ( ابن وهب ) أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول نساء قريش خير نساء ركبن الإبل أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده يقول أبو هريرة على إثر ذالك ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط
مطابقته للترجمة في قوله ولم تركب مريم بنت عمران وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وهذا التعليق وصله مسلم عن حرملة عن ابن وهب إلى آخره
قوله نساء قريش كلام إضافي مبتدأ وقوله خير نساء ركبن الإبل خبره وهو كناية عن نساء العرب قوله أحناه على طفل يعني أشفقه وأعطفه وكان القياس أن يقال أحناهن لكن قالوا العرب لا تتكلم في مثله إلا مفردا وقال ابن الأثير إنما وحد الضمير ذهابا إلى المعنى تقديره أحنى من وجد أو خلق أو من هناك ومثله قوله أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا يريد أحسنهم خلقا وهو كثير في العربية ومن أفصح الكلام وأحنى على وزن أفعل التفضيل من حنى يحنو إو حنى يحني ومنه الحانية وهي التي تقيم على ولدها ولا تتزوج شفقة وعطفا ويقال حنت المرأة على ولدها تحنو إذا لم تتزوج بعد أبيهم وفي ( التوضيح ) وفي بعض الكتب أحناه بتشديد النون وقال ابن التين ولعله مأخوذ من الحنان وهو الرحمة ومنه حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها وإن لم يكن لها صوت عند ذلك وقد يكون حنينها صوتها على ما جاء في الحديث من حنين الجذع والأصل فيه ترجيع الناقة صوتها على إثر ولدها قوله وأرعاه كذلك أفعل التفضيل من رعى يرعى رعاية والكلام فيه مثل الكلام في أحناه قوله في ذات يده أي في ماله المضاف إليه وفيه فضيلة نساء قريش وفضل هذه الخصال وهي الحنو على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم ومراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه وحسن تدبيره في النفقة قوله على إثر ذلك أي على عقبه ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط يريد به أن مريم لم تدخل في النساء المذكورات بما ذكرن لأنه قيده بركوب الإبل ومريم لم تكن ممن يركب الإبل وقال صاحب ( التوضيح ) يؤخذ من قول أبي هريرة هذا ومن ذكر البخاري له في قصة مريم تفضيلها على خديجة وفاطمة لأنهما من العرب المخصوصين بركوب الإبل
تابعه ابن أخي الزهري وإسحاق الكلبي عن الزهري
أي تابع يونس ابن أخي الزهري هو أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله الزهري القرشي المدني ابن أخي محمد ابن مسلم الزهري قال الواقدي قتله غلمانه بأمر ابنه وكان سفيها شاطرا للميراث في آخر خلافة أبي جعفر فوثب غلمانه بعد سنين فقتلوه أيضا قوله وإسحاق أي وتابعه أيضا إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي روى له البخاري مستشهدا في مواضع أما متابعة ابن أخي الزهري فوصلها أبو أحمد بن عدي في ( الكامل ) من طريق الدراوردي عنه
وأما متابعة اسحاق الكلبي فوصلها الذهلي في الزهريات عن يحي بن صالح الوحاظي عنه
74 -
( باب قول الله تعالى يا
أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا

(16/26)


الحق إنما المسيح عيساى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إلاه واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفاى بالله وكيلا ( النساء 171 ) )
أي هذا باب في بيان قول الله
لله تعالى يا أهل الكتاب إلى آخره وقال عياض وقع في رواية الأصيلي قل يا أهل الكتاب ولغيره بحذف قل وهو الصواب قلت نعم الصواب حذف قل هنا لأن القراءة قرئت بلفظ قل في الآية الأخرى أعني في سورة المائدة قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ( المائدة 77 ) الآية وهنا من سورة النساء وليس فيه لفظ قل قوله لا تغلوا من الغلو وهو الإفراط ومجاوزة الحد ومنه غلا السعر وغلو النصارى قول بعضهم في عيسى هو الله وهم اليعقوبية إو ابن الله وهم النسطورية أو ثالث ثلاثة وهم المرقوسية وغلو اليهود فيه قولهم إنه ليس برشيد قوله ولا تقولوا على الله إلا الحق أي إلا القول الحق أي لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولدا ثم أخبر عن عيسى عليه الصلاة و السلام فقال إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله فكيف يكون إلها قوله المسيح مبتدأ وعيسى بدل منه أو عطف بيان رسول الله خبره وكلمته عطف عليه قوله ألقاها في موضع الحال قوله وروح منه أي عبد من عباد الله وخلق من خلقه قال له كن فكان ورسول من رسله وأضيف الروح إليه على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله قوله فآمنوا بالله ورسله أي آمنوا بهم جميعا ولا تجعلوا عيسى إلها ولا إبنا ولا ثالث ثلاثة قوله انتهوا أي عن هذه المقالة الفاحشة قوله خيرا لكم أي اقصدوا خيرا لكم قوله وكفى بالله وكيلا أي مفوضا إليه القيام بتدبير العالم
قال أبو عبيد كلمته كن فكان
أبو عبيدة هو القاسم بن سلام أراد أن أبا عبيد فسر قوله وكلمته بقوله كن فكان وعن قتادة مثله رواه عبد الرزاق عن معمر عنه
وقال غيره وروح منه أحياه فجعله روحا
أي وقال غير أبي عبيد الظاهر أنه أبو عبيدة معمر بن المثنى يعني معنى وروح منه أحياه فجعله روحا وقال مجاهد وروح منه أي رسول منه وقيل محبة منه
ولا تقولوا ثلاثة
أي ولا تقولوا في حق الله وعيسى وأمه ثلاثة آلهة بل الله إله واحد منزه عن الولد والصاحبة وعيسى وأمه مخلوقان مربوبان
5343 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) حدثنا ( الوليد ) عن ( الأوزاعي ) قال حدثني ( عمير بن هانىء ) قال حدثني ( جنادة بن أبي أمية ) عن ( عبادة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من شهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل
مطابقته للترجمة ظاهرة والوليد هو ابن مسلم الدمشقي والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن داود بن رشيد عن الوليد وعن أحمد بن إبراهيم وأخرجه النسائي في التفسير وفي اليوم والليلة عن محمود بن خالد وفي اليوم والليلة عن عمر بن عبد الواحد وعن عمرو بن منصور
قوله عن عبادة وفي رواية ابن المديني حدثني عبادة وفي رواية مسلم عن جنادة حدثنا عبادة قوله أدخله الله الجنة جواب من وظاهره يقتضي دخوله من أي باب شاء من أبواب الجنة فإن قلت قد مضى حديث أبي هريرة في بدء الخلق أن لكل داخل الجنة بابا معينا يدخل منه قلت إنه في الأصل مخير بظاهر حديث الباب ولكنه يرى أن الذي يختص به أفضل في حقه فيختاره فيدخله مختارا لا مجبورا ولا ممنوعا من الدخول من غيره وقال القرطبي المقصود من هذا الحديث التنبيه على ما وقع من النصارى من الضلال والفساد في عيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام

(16/27)


قال الوليد حدثني ابن جابر عن عمير عن جنادة وزاد من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء
الوليد هو ابن مسلم المذكور وهو موصول بالإسناد المذكور وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي أخو يزيد بن يزيد مات سنة ثلاث وخمسين ومائة وعمير هو ابن هانىء المذكور وبهذه الزيادة أخرجه مسلم ولفظه أدخله الله تعالى من أي أبواب الجنة الثمانية شاء
84 -
( باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها ( مريم 61 ) )
أي هذا باب في بيان حال مريم عليها الصلاة والسلام في قوله تعالى واذكر في الكتاب مريم ( مريم 61 ) الآية وهذه الترجمة بعينها قد تقدمت قبل هذا الباب ببابين ومضى الكلام فيها
نبذناه ألقيناه اعتزلت شرقيا مما يلي الشرق
لفظ نبذناه في قصة يونس وهو قوله تعالى فنبذناه بالعراء وهو سقيم ( الصافات 541 ) وروى الطبري من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى فنبذناه قال ألقيناه وليس لذكره ههنا مناسبة لأن المذكور في قصة مريم عليها الصلاة والسلام لفظ انتبذت ومعنى انتبذت غير معنى فنبذناه على ما لا يخفى وأشار إلى معنى انتبذت بقوله فاعتزلت شرقيا مما يلي الشرق أي اعتزلت وانفردت وتخلت للعبادة في مكان شرقي مما يلي شرقي بيت المقدس أو مكان شرقي من دارها وقد مر هذا التفسير عن قريب
فأجاءها أفعلت من جئت يقال ألجأها اضطرها
أشار به إلى ما في قوله تعالى فإجاءها المخاض إلى جذع النخلة ( مريم 32 ) وأشار بقوله أفعلت من جئت إلى أن لفظ أجاء مزيد جاء تقول جئت إذا أخبرت عن نفسك ثم إذا أردت أن تعدى به إلى غيرك تقول أجأت زيدا وهنا كذلك بالتعدية لأن الضمير في أجاءها يرجع إلى مريم وفاعل أجاء هو قوله المخاض أي الطلق إلى جذع النخلة أي ساقها وكانت نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة وقصتها مشهورة قوله ويقال ألجأها اضطرها إشارة إلى أن بعضهم قال إن معنى فأجاءها ألجأها يعني ألجأها المخاض إلى جذع النخلة وقال الزمخشري إن أجاء منقول من جاء إلا أن استعماله تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء
تساقط تسقط
أشار به إلى ما في قوله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ( مريم 52 ) وفسر تساقط بقوله تسقط قرأ حمزة بفتح التاء وتخفيف السين وقرأ حفص عن عاصم بضم التاء وكسر القاف وقرأ الباقون بتشديد السين أصله تتساقط أدغمت التاء في السين قوله رطبا تمييز جنيا غضا طريا
قصيا قاصيا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ( مريم 22 ) وفسر قصيا بقوله قاصيا وهكذا فسره مجاهد وقال أبو عبيدة قصيا أي بعيدا قال ابن عباس أقصى وادي بيت لحم فرارا من قومها أن يعيروا ولادتها من غير زوج وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة قاصيا وقال الفراء القاصي والقصي بمعنى قلت أصله من القصو وهو البعد والأقصى الأبعد
فريا عظيما
أشار به إلى ما في قوله تعالى قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ( مريم 72 ) وفسر فريا بقوله عظيما وفي ( تفسير النسفي ) لقد جئت شيئا فريا بديعا من فرى الجلد وقال أبو عبيدة كل فائق من عجب أو عمل فهو فري وقيل الفري من الولد من الزنا كالشيء المفترى وقال قطرب الفري الجلد الجديد من الأسقية أي جئت بأمر عجيب أو أمر جديد لم تسبقي إليه
قال ابن عباس نسيا لم أكن شيئا وقال غيره النسي الحقير

(16/28)


أشار به إلى ما في قوله تعالى حكاية عن مريم قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ( مريم 32 ) وفسر ابن عباس قوله نسيا بقوله لم أكن شيئا وروى الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله نسيا منسيا أي لم أخلق ولم أك شيئا قوله وقال غيره أي غير ابن عباس النسي الحقير وهو قول السدي وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم نسيا بكسر النون وقرأ حمزة وحفص عن عاصم بفتح النون وهما لغتان وقال أبو علي الفارسي الكسر أعلى اللغتين وقال ابن الأنباري من كسر النون قال النسي اسم لما ينسى بمنزلة البعض اسم لما يبعض والنسي بالفتح إسم لما ينسى أيضا على أنه مصدر ناب عن الإسم وقيل نسيا لم أذكر فيما بقي
وقال أبو وائل علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت إن كنت تقيا
أبو وائل شقيق بن سلمة وذكر هذا في قوله تعالى حكاية عن مريم قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ( مريم 81 ) وإنما قالت مريم هذا حين رأت جبريل عليه الصلاة و السلام يعني إن كنت تقيا فانته عني وعن ابن عباس أنه كان في زمانها رجل يقال له تقي وكان فاجرا فظنته أياه وقيل كان تقي رجلا من أمثل الناس في ذلك الزمان فقالت إن كنت في الصلاح مثل التقي فإني أعوذ بالرحمن منك كيف يكون رجل أجنبي وامرأة أجنبية في حجاب واحد قوله ذو نهية بضم النون وسكون الهاء أي ذو عقل وانتهاء عن فعل القبيح
قال وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء سريا نهر صغير بالسريانية
وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده إسحاق السبيعي واسمه عمرو وهو يروي عن البراء بن عازب أن السري في قوله تعالى فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ( مريم 42 ) هو النهر الصغير بالسريانية وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق الثوري والطبري من طريق شعيب كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء موقوفا وعن ابن جريج هو الجدول بالسريانية وقيل هو نهر صغير
6343 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي جاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت أللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال أللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي يمص إصبعه ثم مر بأمة فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل

(16/29)


مطابقته للترجمة يمكن أن توجد من حيث إن الترجمة في قضية ميم وفيها التعرض لميلاد عيسى وأنه كان يكلم الناس وهو في المهد صبي والصبي رضيع والصبي الذي في قضية جريج كذلك وكذلك كان صبي المرأة الحرة وصبي الأمة وصدر الحديث الذي يشتمل على قضية جريج قد مر في المظالم في باب إذا هدم حائطا فليبن مثله بعين هذا الإسناد عن مسلم بن إبراهيم ومر أيضا في أواخر كتاب الصلاة في باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة وقد مر الكلام فيه هناك ولنشرح الذي ما شرح ونكرر ما شرح أيضا في بعض المواضع لطول العهد به
قوله لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة قال القرطبي في هذا الحصر نظر قلت ليس من الأدب أن يقال في كلام النبي نظر بل الذي يقال فيه أنه ذكر الثلاثة قبل أن يعلم بالزائد عليها فكان المعنى لم يتكلم إلا ثلاثة على ما أوحي إليه وإلا فقد تكلم من الأطفال سبعة منهم شاهد يوسف رواه أحمد والبزار والحاكم وابن حبان من حديث ابن عباس لم يتكلم في المهد إلا أربعة فذكر منها شاهد يوسف ومنهم الصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار إصبري يا أماه فأنا على الحق أخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة ومنهم الصبي الرضيع في قصة أصحاب الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار فتقاعست فقال لها يا أماه إصبري فإنك على الحق ومنهم يحيى أخرج الثعلبي في ( تفسيره ) عن الضحاك أن يحيى تكلم في المهد قوله جاءته أمه وفي رواية الكشميهني فجاءته أمه وفي رواية مسلم من حديث أبي رافع كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه وفي رواية لأحمد روى الحديث عمران بن حصين مع أبي هريرة ولفظه كانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوما وهو في صلاته وفي رواية لأحمد من حديث أبي رافع فأتته أمه ذات يوم فنادته فقالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك قوله أجيبها أو أصلي وفي رواية أبي رافع فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقال يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته ورجعت ثم أتته فصادفته يصلي فقالت يا جريج أنا أمك فكلمني وفي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي فقال أمي وصلاتي لربي أوثر صلاتي على أمي فإن قلت الكلام في الصلاة مبطل فكيف هذا قلت كان الكلام مباحا في الصلاة في شرعهم وكذلك كان في صدر الإسلام وقيل إنه محمول على أنه قاله في نفسه لا أنه نطق به قوله حتى تريه وجوه المومسات وفي رواية الأعرج حتى تنظر في وجوه المياميس وفي رواية أبي رافع حتى تريه المومسة بالإفراد وفي حديث عمران فغضبت فقالت أللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات وهي جمع مومسة وهي الزانية وفي رواية الأعرج فقالت أبيت أن تطلع علي وجهك لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها وفي رواية وهب بن جريج بن حازم عن أبيه فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغي منهم إن شئتم لأفتننه قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج وفي حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية وفي رواية الأعرج وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم وفي رواية أبي سلمة وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى فولدت غلاما فيه حذف تقديره فحملت حتى انقضت أيامها فولدت قوله من جريج فيه حذف أيضا تقدير فسئلت ممن هذا فقالت من جريج وفي رواية أبي رافع فقيل لها ممن هذا فقالت هو من صاحب الدير وزاد في رواية أحمد فأخذت وكان من زنا منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من صاحب الصومعة وزاد الأعرج نزل إلي فأصابني وزاد أبو سلمة لي في روايته فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال أدركوه فائتوني به قوله وكسروا صومعته وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفؤسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره وفي حديث عمران فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته فجعل يسألهم ويلكم ما لكم فلم يجيبوه فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى قوله فسبوه وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير وضربوه فقال ما شأنكم قالوا إنك زنيت بهذه وفي رواية أبي رافع عنه فقالوا أي جريج إنزل فأبى وأخذ يقبل على صلاته فأخذوا في هدم صومعته فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا فجعلوا يطوفون بهما في الناس وفي رواية أبي سلمة فقال له الملك

(16/30)


ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه وفي حديث عمران فجعلوا يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك وفي رواية الأعرج فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن فتبسم فقالوا لم يضحك حتى مر بالزواني قوله وتوضأ وصلى وفي رواية وهب بن جرير فقام وصلى ودعا وفي حديث عمران قال فتولوا عني فتولوا عنه فصلى ركعتين ثم أتى الغلام أي ثم أتى جريج الغلام فقال له من أبوك يا غلام قال أنا ابن الراعي وفي رواية أبي رافع ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك قال راعي الضأن وفي رواية عند أحمد فوضع إصبعه على بطنها وفي رواية أبي سلمة فأتى بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من الثدي وقال أبي راعي الضأن وفي رواية الأعرج فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتي به فقال له من أبوك قال فلان وسمى أباه وقد مضى في أواخر الصلاة بلفظ قال يابابوس ومر شرحه هناك وقال الداودي هذا اسم الغلام وفي حديث عمران ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتى الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال من أبوك فإن قلت ما وجه الجمع بين اختلاف هذه الروايات قلت لا مانع من وقوع الكل فكل روى بما سمع وما قيل بتعدد القصة فبعيد قوله نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وفي رواية وهب بن جرير إبنوها من طين كما كانت وفي رواية أبي رافع نبني ما هدمناه من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه كما كان ففعلوا
ذكر ما يستفاد منه فيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن إجابة الأم واجبة فلا تترك لأجل النافلة وقد جاء في حديث يزيد بن حوشب عن أبيه أن النبي قال لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه أخرجه الحسن بن سفيان قلت قال الذهبي حوشب بن يزيد الفهري مجهول روى عنه ابنه يزيد في ذكر جريج الراهب وتمسك بعض الشافعية بظاهر الحديث في جواز قطع الصلاة لإجابة الأم سواء كانت فرضا أو نفلا والأصح عندهم أنه على التفصيل وهو أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد أو الوالدة وجبت الإجابة وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة وإن لم يضق وجبت عند إمام الحرمين وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع وعند المالكية إن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالأم دون الأب وبه قال مكحول وقيل لم يقل به من السلف غيره وفيه قوة يقين جريج وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق ولولا صحة رجائه بنطقه لما استنطقه وقال ابن بطال يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة وفيه عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد وفيه صاحب الصدق مع الله تعالى لا تضره الفتن وفيه اثبات الكرامة للأولياء ووقوع الكرامة لهم بإختيارهم وطلبهم وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن يعلم من نفسه قوة على ذلك وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك وإنما الذي يختص بهذه الأمة الغرة والتحجيل في الآخرة وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة وفيه أن الفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى يكون بالتوجه إليه في الصلاة واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من شرع بني إسرائيل أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء ويلحق به الولد وأنه لا ينفع الرجل جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها
قوله وكانت امرأة إلى آخره قضية أخرى تشبه قضية جريج وامرأة بالرفع فاعل كانت وهي تامة قوله فمر بها رجل ويروى إذ مر بها راكب جمل وفي رواية أحمد من خلاس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فارس متكبر قوله ذو شارة بالشين المعجمة وبالراء المخففة أي ذو حسن وجمال وقيل صاحب هيئة وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه وفي رواية خلاس ذو شارة حسنة قوله قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو موصول بالإسناد المذكور وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل قوله ثم مر بأمة بضم الميم وتشديد الراء على بناء المجهول وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير بأمة تضرب وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل تجرر ويلعب بها وتجرر بجيم مفتوحة بعدها راء مشددة ثم راء أخرى وفي رواية خلاس أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت فجروها حتى

(16/31)


ابن منصور السلألقوها قوله فقالت لم ذلك أي قالت الأم لابنها لم قلت هكذا حاصله أنها سألت منه عن سبب ذلك قوله فقال أي الإبن الراكب جبار وفي رواية أحمد فقال يا أمتاه أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة وفي رواية الأعرج فإنه كان جبارا قوله سرقت زنيت يجوز فيه الوجهان أحدهما بكسر التاء لخطاب المؤنث والآخر بسكونها على الخبر وفي رواية أحمد يقولون سرقت ولم تسرق وزنيت ولم تزن وهي تقول حسبي الله وفي رواية الأعرج يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون لها تسرقي وتقول حسبي الله قوله ولم تفعل جملة حالية أي والحال أنها لم تسرق ولم تزن
6343 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي جاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت أللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال أللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي يمص إصبعه ثم مر بأمة فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل مطابقته للترجمة يمكن أن توجد من حيث إن الترجمة في قضية ميم وفيها التعرض لميلاد عيسى وأنه كان يكلم الناس وهو في المهد صبي والصبي رضيع والصبي الذي في قضية جريج كذلك وكذلك كان صبي المرأة الحرة وصبي الأمة وصدر الحديث الذي يشتمل على قضية جريج قد مر في المظالم في باب إذا هدم حائطا فليبن مثله بعين هذا الإسناد عن مسلم بن إبراهيم ومر أيضا في أواخر كتاب الصلاة في باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة وقد مر الكلام فيه هناك ولنشرح الذي ما شرح ونكرر ما شرح أيضا في بعض المواضع لطول العهد به
قوله لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة قال القرطبي في هذا الحصر نظر قلت ليس من الأدب أن يقال في كلام النبي نظر بل الذي يقال فيه أنه ذكر الثلاثة قبل أن يعلم بالزائد عليها فكان المعنى لم يتكلم إلا ثلاثة على ما أوحي إليه وإلا فقد تكلم من الأطفال سبعة منهم شاهد يوسف رواه أحمد والبزار والحاكم وابن حبان من حديث ابن عباس لم يتكلم في المهد إلا أربعة فذكر منها شاهد يوسف ومنهم الصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار إصبري يا أماه فأنا على الحق أخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة ومنهم الصبي الرضيع في قصة أصحاب الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار فتقاعست فقال لها يا أماه إصبري فإنك على الحق ومنهم يحيى أخرج الثعلبي في ( تفسيره ) عن الضحاك أن يحيى تكلم في المهد قوله جاءته أمه وفي رواية الكشميهني فجاءته أمه وفي رواية مسلم من حديث أبي رافع كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه وفي رواية لأحمد روى الحديث عمران بن حصين مع أبي هريرة ولفظه كانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوما وهو في صلاته وفي رواية لأحمد من حديث أبي رافع فأتته أمه ذات يوم فنادته فقالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك قوله أجيبها أو أصلي وفي رواية أبي رافع فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقال يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته ورجعت ثم أتته فصادفته يصلي فقالت يا جريج أنا أمك فكلمني وفي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي فقال أمي وصلاتي لربي أوثر صلاتي على أمي فإن قلت الكلام في الصلاة مبطل فكيف هذا قلت كان الكلام مباحا في الصلاة في شرعهم وكذلك كان في صدر الإسلام وقيل إنه محمول على أنه قاله في نفسه لا أنه نطق به قوله حتى تريه وجوه المومسات وفي رواية الأعرج حتى تنظر في وجوه المياميس وفي رواية أبي رافع حتى تريه المومسة بالإفراد وفي حديث عمران فغضبت فقالت أللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات وهي جمع مومسة وهي الزانية وفي رواية الأعرج فقالت أبيت أن تطلع علي وجهك لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها وفي رواية وهب بن جريج بن حازم عن أبيه فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغي منهم إن شئتم لأفتننه قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج وفي حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية وفي رواية الأعرج وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم وفي رواية أبي سلمة وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى فولدت غلاما فيه حذف تقديره فحملت حتى انقضت أيامها فولدت قوله من جريج فيه حذف أيضا تقدير فسئلت ممن هذا فقالت من جريج وفي رواية أبي رافع فقيل لها ممن هذا فقالت هو من صاحب الدير وزاد في رواية أحمد فأخذت وكان من زنا منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من صاحب الصومعة وزاد الأعرج نزل إلي فأصابني وزاد أبو سلمة لي في روايته فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال أدركوه فائتوني به قوله وكسروا صومعته وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفؤسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره وفي حديث عمران فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته فجعل يسألهم ويلكم ما لكم فلم يجيبوه فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى قوله فسبوه وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير وضربوه فقال ما شأنكم قالوا إنك زنيت بهذه وفي رواية أبي رافع عنه فقالوا أي جريج إنزل فأبى وأخذ يقبل على صلاته فأخذوا في هدم صومعته فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا فجعلوا يطوفون بهما في الناس وفي رواية أبي سلمة فقال له الملك ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه وفي حديث عمران فجعلوا يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك وفي رواية الأعرج فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن فتبسم فقالوا لم يضحك حتى مر بالزواني قوله وتوضأ وصلى وفي رواية وهب بن جرير فقام وصلى ودعا وفي حديث عمران قال فتولوا عني فتولوا عنه فصلى ركعتين ثم أتى الغلام أي ثم أتى جريج الغلام فقال له من أبوك يا غلام قال أنا ابن الراعي وفي رواية أبي رافع ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك قال راعي الضأن وفي رواية عند أحمد فوضع إصبعه على بطنها وفي رواية أبي سلمة فأتى بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من الثدي وقال أبي راعي الضأن وفي رواية الأعرج فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتي به فقال له من أبوك قال فلان وسمى أباه وقد مضى في أواخر الصلاة بلفظ قال يابابوس ومر شرحه هناك وقال الداودي هذا اسم الغلام وفي حديث عمران ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتى الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال من أبوك فإن قلت ما وجه الجمع بين اختلاف هذه الروايات قلت لا مانع من وقوع الكل فكل روى بما سمع وما قيل بتعدد القصة فبعيد قوله نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وفي رواية وهب بن جرير إبنوها من طين كما كانت وفي رواية أبي رافع نبني ما هدمناه من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه كما كان ففعلوا
ذكر ما يستفاد منه فيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن إجابة الأم واجبة فلا تترك لأجل النافلة وقد جاء في حديث يزيد بن حوشب عن أبيه أن النبي قال لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه أخرجه الحسن بن سفيان قلت قال الذهبي حوشب بن يزيد الفهري مجهول روى عنه ابنه يزيد في ذكر جريج الراهب وتمسك بعض الشافعية بظاهر الحديث في جواز قطع الصلاة لإجابة الأم سواء كانت فرضا أو نفلا والأصح عندهم أنه على التفصيل وهو أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد أو الوالدة وجبت الإجابة وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة وإن لم يضق وجبت عند إمام الحرمين وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع وعند المالكية إن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالأم دون الأب وبه قال مكحول وقيل لم يقل به من السلف غيره وفيه قوة يقين جريج وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق ولولا صحة رجائه بنطقه لما استنطقه وقال ابن بطال يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة وفيه عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد وفيه صاحب الصدق مع الله تعالى لا تضره الفتن وفيه اثبات الكرامة للأولياء ووقوع الكرامة لهم بإختيارهم وطلبهم وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن يعلم من نفسه قوة على ذلك وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك وإنما الذي يختص بهذه الأمة الغرة والتحجيل في الآخرة وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة وفيه أن الفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى يكون بالتوجه إليه في الصلاة واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من شرع بني إسرائيل أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء ويلحق به الولد وأنه لا ينفع الرجل جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها
قوله وكانت امرأة إلى آخره قضية أخرى تشبه قضية جريج وامرأة بالرفع فاعل كانت وهي تامة قوله فمر بها رجل ويروى إذ مر بها راكب جمل وفي رواية أحمد من خلاس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فارس متكبر قوله ذو شارة بالشين المعجمة وبالراء المخففة أي ذو حسن وجمال وقيل صاحب هيئة وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه وفي رواية خلاس ذو شارة حسنة قوله قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو موصول بالإسناد المذكور وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل قوله ثم مر بأمة بضم الميم وتشديد الراء على بناء المجهول وفي رواية أحمد عن وهب بن جرير بأمة تضرب وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل تجرر ويلعب بها وتجرر بجيم مفتوحة بعدها راء مشددة ثم راء أخرى وفي رواية خلاس أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت فجروها حتى ألقوها قوله فقالت لم ذلك أي قالت الأم لابنها لم قلت هكذا حاصله أنها سألت منه عن سبب ذلك قوله فقال أي الإبن الراكب جبار وفي رواية أحمد فقال يا أمتاه أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة وفي رواية الأعرج فإنه كان جبارا قوله سرقت زنيت يجوز فيه الوجهان أحدهما بكسر التاء لخطاب المؤنث والآخر بسكونها على الخبر وفي رواية أحمد يقولون سرقت ولم تسرق وزنيت ولم تزن وهي تقول حسبي الله وفي رواية الأعرج يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون لها تسرقي وتقول حسبي الله قوله ولم تفعل جملة حالية أي والحال أنها لم تسرق ولم تزن
7343 - حدثني ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر ) حدثني ( محمود ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ليلة أسري به لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى فنعته النبي فقال ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت الفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها التعرض لعيسى عليه الصلاة و السلام وهنا صرح بذكر عيسى عليه الصلاة و السلام
والحديث مضى عن قريب في باب قول الله تعالى وهل أتاك حديث موسى ( طه 9 النازعات 51 ) فإنه إخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى أيضا وأخرجه ههنا من طريقين أحدهما عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن معمر والآخر عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره
قوله فنعته أي وصفه قوله حسبتهالقائل حسبته هو عبد الرزاق قوله مضطرب أي طويل غير الشديد وقيل الخفيف اللحم وقد تقدم في رواية هشام بلفظ ضرب وفسر بالخفيف ولا منافاة بينهما وقال ابن التين هذا الوصف مغاير لقوله بعد هذا إنه جسيم قال والذي وقع نعته بأنه جسيم إنما هو الدجال وقال عياض رواية من قال ضرب أصح من رواية من قال مضطرب لما فيها من الشك قال وقد وقع في رواية أخرى على ما يأتي الآن جسيم وهو ضد الضرب إلا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول وقال التيمي لعل بعض لفظ هذا الحديث دخل في بعض لأن الجسيم ورد في صفة الدجال لا في صفة موسى عليه الصلاة و السلام قوله ربعة بفتح الراء وسكون الباء الموحدة ويجوز فتحها وهو المربوع والمراد أنه وسط لا طويل ولا قصير
8343 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( إسرائيل ) أخبرنا ( عثمان بن المغيرة ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي رأيت عيساى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط
مطابقته للترجمة في ذكر لفظ عيسى عليه الصلاة و السلام وإسرائيل هو ابن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي وعثمان هو ابن المغيرة الثقفي الكوفي الأعشى ويقال له عثمان بن أبي زرعة وأبو زرعة هو كنية المغيرة وهو من أفراد البخاري من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وهو يروي عن مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقال أبو مسعود الحافظ أخطأ البخاري في قوله مجاهد عن ابن عمر وإنما رواه محمد بن كثير وإسحاق فإنه قال هكذا وقع في جميع الروايات المسموعة عن مجاهد عن ابن عمر قال ولا ادري إلى آخر ما قاله التيمي ثم قال ابو ذر

(16/32)


ولي وابن أبي زائدة ويحيى بن آدم وغيرهم عن إسرائيل عن عثمان عن مجاهد عن ابن عباس وقال الغساني أخطأ البخاري فيما قال عن مجاهد عن ابن عمر والصواب عن مجاهد عن ابن عباس وقال التيمي قال بعضهم لا أدري أهكذا حدث به البخاري أو غلط فيه الفربري لأن المحفوظ رواية ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس قلت أراد التيمي من قوله قال بعضهم أبا ذر لأني رأيت في جميع الطرق عن محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن ابن عباس والذي يظهر من كلامهم أن الصواب مجاهد عن ابن عباس وكذا قال ابن منده بعد أن أخرج الحديث المذكور والصواب عن ابن عباس وقال بعضهم ويقع في خاطري أن الوهم فيه من غير البخاري فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق نصر بن علي عن أبي أحمد وقال فيه عن ابن عباس ولم ينبه على أن البخاري قال فيه عن ابن عمر فلو كان وقع له كذلك لنبه عليه كعادته انتهى قلت لا يلزم من عدم تنبيهه على هذا أن يكون الوهم فيه من غير البخاري إذ البخاري غير معصوم قوله جعد أي جعد الشعر وهو ضد السبط لأن السبط أكثر ما في شعور العجم قوله آدم أي أسمر قوله جسيم وقد مر فيما مضى أنه ضرب أي خفيف اللحم وأنه مضطرب فهذا يضاد قوله جسيم ولهذا قال التيمي كأن بعض لفظ الحديث دخل في بعض لأن الجسيم إنما ورد في صفة الدجال والجواب عنه أن الجسامة كما تكون في الشخص باعتبار السمن تكون فيه أيضا باعتبار الطول ولهذا قال كأنه من رجال الزط لأن الزط بضم الزاي وتشديد الطاء المهملة جنس من السودان طوال
9343 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أبو ضمرة ) حدثنا ( موسى ) عن ( نافع ) قال ( عبد الله ) ذكر النبي يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية وأراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت فقلت من هذا فقالوا هذا المسيح بن مريم ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قططا أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هاذا قالوا المسيح الدجال
مطابقته للترجمة ظاهرة على ما ذكرنا وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض وموسى هو ابن عقبة
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن المسيبي عن أنس بن عياض وفي الفتن عن محمد ابن عماد
قوله بين ظري الناس ويروى ظهراني الناس بزيادة النون أي جالسا في وسط الناس والمراد أنه جلس بينهم مستظهرا لا مستخفيا وقد مر تفسير هذا غير مرة ويقال إن هذه اللفظة زائدة قوله ألا أن المسيح كلمة ألا للتنبيه كأنه ينبه السامعين ليكونوا على ضبط من سماع كلامه قوله أعور العين اليمنى عين الجثة أو الجهة اليمنى وفي رواية ابن ماجه عن حذيفة قال قال رسول الله الدجال أعور عين اليسرى والجمع بينهما أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة فيصح أن يقال لكل واحدة عوراء إذ الأصل في العور العيب قوله كأن عينه عنبة طافية الطافية الناتئة عن حد أختها من الطفو وهو أن يعلو الماء ما وقع فيه ويقال طافئة بالهمز أي ذاهب ضوؤها وبدون الهمز أي ناتئة بارزة وقال الخطابي العنبة الطافية هي الحبة الكبيرة التي خرجت عن حد أخواتها قلت طافية بلا همز من طفا الشيء يطفو من باب معتل اللام الواوي وبالهمزة من طفأ يطفأ من باب علم يعلم يقال طفئت النار تطفأ طفؤا وأطفأتها أنا فإن قلت جاء في رواية أنه جاحظ العين كأنها كوكب وفي

(16/33)


أخرى أنها ليست بناتئة ولا حجراء بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم قال الهروي كانت اللفظة محفوظة فمعناها أنها ليست بصلبة متحجرة وقد رويت جحراء بتقديم الجيم أي غائرة متجحرة في نقرتها وقال الأزهري هي بالخاء المعجمة دون الحاء وبالجيم في أوله ومعناها الضيقة التي لها غمص ورمص وفي رواية أبي داود الطيالسي من حديث أبي بن كعب إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وعن ابن عمر إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة قلت التوفيق بينهما بأن يقال إن اختلاف الأوصاف بحسب اختلاف العينين قوله وأراني بفتح الهمزة أي أرى نفسي الليلة أي في الليلة قوله آدم بالمد لأنه أفعل من الأدمة وهي السمرة الشديدة قوله ومن أدم الرجال بضم الهمزة جمع أدم قوله لمته بكسر اللام وهي الشعر إذا جاوز شحم الأذنين سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين فإذا بلغت المنكبين فهي جمة وإذا قصرت عنهما فهي وفرة قوله رجل الشعر بكسر الجيم بمعنى منظف الشعر ومسرحه ومحسنه وهو من الترجيل وهو تسريح الشعر وتنظيفه وفي رواية مالك له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء قوله تقطر رأسه ماء وهو الماء الذي رجلها به لقرب ترجيله أو هو استعارة من نضارته وجماله قوله جعدا قد ذكرنا أن الجعودة تحتمل الذم والمدح بحسب الاستعمال وهو في صفة عيسى مدح وفي صفة الدجال ذم قوله قططا بفتح القاف والطاء المهملتين وقد تكسر الطاء الأولى والمراد به شدة جعودة الشعر قوله أعور عين اليمنى من باب إضافة الموصوف إلى صفته وهو عند الكوفيين ظاهر وعند البصريين تقديره عين صفحة وجهه اليمنى قوله كأشبه من رأيت بضم التاء وفتحها قوله بابن قطن بفتح القاف والطاء واسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو الجاهلي الخزاعي وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد وكانت عند الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس فولدت له أبا العاص ثم خلف عليها بعده أخوه ربيعة بن عبد العزى ثم خلف عليها وهب بن عبد فولدت له أولادا ثم خلف عليها قطن بن عمرو بن حبيب بن سعد بن عائذ بن مالك بن جذيمة وهو المصطلق فولدت له عبد العزى بن قطن قوله واضعا يديه نضب على الحال
تابعه عبيد الله عن نافع
أي تابع موسى بن عقبة عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ووصل هذه المتابعة مسلم من طريق أبي أسامة ومحمد بن بشر جميعا عن عبيد الله بن عمر في ذكر الدجال فقط إلى قوله عنبة طافية ولم يذكر ما بعده
1443 - حدثنا ( أحمد بن محمد المكي ) قال سمعت ( إبراهيم بن سعد ) قال حدثني ( الزهري ) عن ( سالم ) عن أبيه قال ل ( ا والله ما ) قال النبي لعيسى أحمر ولكن قال بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر يهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء أو يهراق رأسه ماء فقلت من هاذا قالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور عينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية قلت من هاذا قالوا هذا الدجال وأقرب الناس به شبها ابن قطن قال الزهري رجل من خزاعة هلك في الجاهلية
مطابقته للترجمة في قوله ابن مريم وأحمد بن محمد بن الوليد أبو محمد الأزرقي المكي وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد إبن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم يروي عن أبيه عبد الله بن عمر وهذا الحديث من أفراده قوله قال أي قال عبد الله بن عمر قوله لا والله ما قال النبي أي ليس الأمر كما زعمتم أنه قال في صفة عيسى عليه الصلاة و السلام أحمر ولكن قال إلى آخره وفيه جواز اليمين على غلبة الظن لأن ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى

(16/34)


عليه الصلاة و السلام وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح وهي صفة مدح في حق عيسى عليه الصلاة و السلام وصفة ذم في حق الدجال كما ذكر وكأن ابن عمر قد تحقق سمعه في وصف عيسى بأنه آدم فجوز الحلف على غلبة الظن وأن من وصفه بأنه أحمر قد وهم فيه قوله بينا أنا نائم قد ذكرنا غير مرة أن أصل بينا بين فأشبعت الفتحة ألفا وأنه ظرف مضاف إلى جملة وهذا يدل على أن رؤيته في هذه المرة غير رؤيته التي ذكر في حديث أبي هريرة الذي مضى عن قريب في هذا الباب فإن تلك كانت ليلة الإسراء فإن قلت التي كانت في الإسراء على الاختلاف في الإسراء هل كان في النوم أو في اليقظة قلت قد قيل إنه كان في المنام ولكن الصحيح أن الإسراء كان في اليقظة وأن رؤيته الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت في ليلة الإسراء كانت بالأشخاص وإن زعم بعضهم أنها كانت بالأرواح فإن قلت إذا كانت الرؤية في المنام فلا إشكال وإذا كانت في اليقظة ففيه إشكال ويزيد الإشكال ما رواه مجاهد عن ابن عباس أما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي وقد تقدم في الحج وكذلك رؤيته موسى ليلة المعراج وهو يصلي في قبره قلت لا إشكال في هذا أصلا وذلك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فالأنبياء بالطريق الأولى ولا سيما في حديث ابن عباس عند مسلم قال كأني أنظر إلى موسى وكأني أنظر إلى يونس فإذا كان الأمر كذلك فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار التكليف باقية قوله يهادى بين رجلين أي يمشي بينهما مائلا إلى أحد الطرفين متكئا عليهما قوله ينطف بكسر الطاء وضمها أي يقطر ورأسه بالرفع فاعل له وقوله ماء يصب على التمييز قوله أو يهراق شك من الراوي وهو بضم الياء وفتح الهاء وسكونها قوله أعور عينه اليمنى بإضافة أعور إلى عينه من إضافة الموصوف إلى صفته كما ذكرناه عن قريب وارتفاع أعور على أنه صفة لقوله رجل بعد صفة وروى الأصيلي برفع عينه بقطع إضافة أعور عنه وذكر بعضهم وجه ذلك بقوله كأنه وقف على وصفه بأنه أعور وابتدأ الخبر عن صفة عينه فقال عينه كأنها كذا وأبرز الضمير وفيه نظر لأنه يصير كأنه قال عينه كان عينه انتهى قلت لا حاجة إلى هذا التخبيط حيث يذكر وجها في إعرابه ثم يقول وفيه نظروالذي يقال فيه على ما ذهب إليه الأصيلي أن تكون عينه بالرفع بدل من قوله أعور ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره عينه اليمنى عوراء وتكون هذه الجملة صفة كاشفة لقوله أعور قوله كأن عينه عنبة طافية هذا على رواية الأكثرين على أن عينه منصوبة على أنه اسم كان وقوله عنبة خبره وهو بكسر العين وفتح النون والباء الموحدة و طافية صفتها أي مرتفعة وعند الأصيلي كأن عينه طافية ويروى كأن عنبة طافية بالنصب على أنه اسم كأن والخبر محذوف تقديره كأن في وجهه عنبة طافية والخبر مقدم على الإسم قوله هذا الدجال فإن قلت كيف هذا ويحرم على الدجال دخول مكة قلت ذاك في زمن خروجه على الناس وأيضا لفظ الحديث أنه لا يدخل مكة وليس فيه نفي الدخول في الماضي قوله قال الزهري هو محمد بن مسلم وهو بالإسناد المذكور قوله رجل أي ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية و خزاعة بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة هو ربيعة وربيعة هو لحي بن حارثة بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس بن ثعلبة ابن مازن بن الأزد وقيل لهم خزاعة لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم من اليمن أي انقطعوا عنهم قوله جاهلي نسبة إلى الجاهلية وهي الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك
2443 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء

(16/35)


أولاد علات ليس بيني وبينه نبي ( الحديث 2443 - طرفه في 3443 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بابن مريم ورجاله بهذا النسق قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والحديث من أفراده
قوله أنا أولى الناس بابن مريم أي بعيسى ابن مريم أي أخص الناس به وأقربهم إليه لأنه بشر بأنه يأتي من بعدي رسول اسمه أحمد وقيل لأنه لا نبي بينهما فكأنهما كانا في زمن واحد وفيه نظر وقال الكرماني فإن قلت ما التوفيق بينه وبين قوله تعالى إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ( آل عمران 86 ) قلت الحديث وارد في كونه متبوعا والقرآن في كونه تابعا وله الفضل تابعا ومتبوعا انتهى وقال بعضهم مساق الحديث كمساق الآية فلا دليل على هذه التفرقة والحق أنه لا منافاة ليحتاج إلى الجمع فكما أنه أولى الناس بإبراهيم كذلك هو أولى الناس بعيسى وذلك من جهة قوة الاقتداء به وهذا من جهة قرب العهد به انتهى قلت
قوله علات بفتح العين المهملة وتشديد اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق وهم الأخوة لأب من أمهات شتى كما أن الأخوة من الأم فقط أولاد أخياف والأخوة من الأبوين أولاد أعيان ومعناه أن أصولهم واحدة وفروعهم مختلفة يعني أنهم متفقون فيما يتعلق بالاعتقاديات المسماة بأصول الديانات كالتوحيد وسائر مسائل علم الكلام مختلفون فيما يتعلق بالعمليات وهي الفقهيات ويقال سميت أولاد الرجل من نسوة شتى أخوة علات لأنهم أولاد ضرائر والعلات الضرائر وقيل لأن التي تزوجها على الأولى كانت قبلها ثم عل من هذه والعلل الشرب الثاني يقال علل بعد نهل وفي ( التهذيب ) هما أخوان من علة وهما ابنا علة وهم بنو علة وهم من علات وفي ( المحكم ) جمع العلة العلائل قوله ليس بيني وبينه نبي أي وبين ابن مريم وفي رواية عبد الرحمن بن آدم وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وبه استدل قوم على أنه لم يأت نبي بعد عيسى عليه الصلاة و السلام إلا نبينا وليس الاستدلال به قويا لأنه قد جاء بين عيسى ونبينا جرجيس وخالد بن سنان وكانا نبيين فعلى هذا معنى الحديث ليس بيني وبينه نبي بشريعة مستقلة وقيل ما ورد من خبر جرجيس وخالد لم يثبت والحديث الصحيح يرده
3443 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( فليح بن سليمان ) حدثنا ( هلال بن علي ) عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ( انظر الحديث 2443 )
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة السابق أخرجه عن محمد بن سنان بن أبي بكر الباهلي البصري الأعمى عن فليح بضم الفاء ابن سليمان وفليح لقبه واسمه عبد الملك عن هلال بن علي بن أسامة عن ( عبد الرحمن بن أبي عمرة ) واسم أبي عمرة بشير بن عمرو بن محصن قتل مع علي رضي الله تعالى عنه يوم صفين وله صحبة
قوله ودينهم واحد أي التوحيد دون الفروع للاختلاف فيها قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( المائدة 84 ) ويقال دينهم أي أصول الدين وأصول الطاعات واحد والكيفيات والكميات في الطاعة مختلفة
وقال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة وهو معلق وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري أبي عبد الله عن إبراهيم بن طهمان وأحمد هذا من شيوخ البخاري
4443 - وحدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي

(16/36)


هريرة ) عن النبي قال رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق فقال له سرقت قال كلا والله الذي لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت عيني
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وهمام بتشديد الميم ابن منبه
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن رافع
قوله سرقت قال القرطبي ظاهر هذا أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لأنه رآه أخذ مالا من حرز في خفية وقيل يحتمل أن يكون مستفهما له عن تحقيق ذلك فحذف همزة الاستفهام قلت رأيت في بعض النسخ الصحيحة أسرقت بهمزة الاستفهام ورد بأنه بعيد مع جزم النبي بأن عيسى رأى رجلا يسرق وقيل يحتمل حل الأخذ لهذا الرجل بوجه من الوجوه ورد بالجزم المذكور قوله كلا نفي للسرقة ثم أكده بقوله والله الذي لا إله إلا هو هكذا رواية الكشميهني إلا هو وفي رواية غيره إلا الله وفي رواية ابن طهمان عند النسائي قال لا والذي لا إله إلا هو قوله آمنت بالله أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه أو أخذه ليقلبه وينظر فيه ولم يقصد الغصب والاستيلاء قوله وكذبت عيني وفي رواية مسلم وكذبت نفسي وفي رواية ابن طهمان وكذبت بصري وقال ابن التين قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف وقيل أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم لا باطن الأمر وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يصدق عينه أو يكذب قول المدعي
وفيه دليل على درء الحد بالشبهة وعلى منع القضاء بالعلم والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود
5443 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) يقول أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) سمع ( عمر ) رضي الله تعالى عنه يقول ( على المنبر ) سمعت النبي يقول لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله
مطابقته للترجمة في قوله ابن مريم عليهما السلام والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله بن عتبة بن مسعود
والحديث طرف من حديث السقيفة وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع وسعيد بن عبد الرحمن وغيرهما كلهم عن سفيان بن عيينة
قوله لا تطروني بضم التاء من الإطراء وهو المديح بالباطل تقول أطريت فلانا مدحته فأفرطت في مدحه وقيل الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه قوله كما أطرت النصارى أي في دعواهم في عيسى بالإلهية وغير ذلك قوله فإنما أنا عبده إلى آخره من هضمه نفسه وإظهاره التواضع
6443 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( صالح بن حي ) أن رجلا ( من أهل خراسان ) قال ل ( لشعبي ) فقال ( الشعبي ) أخبرني ( أبو بردة ) عن ( أبي موسى الأشعري ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها كان له أجران وإذا آمن بعيسى ثم آمن بي فله أجران والعبد إذا اتقى ربه وأطاع مواليه فله أجران
مطابقته للترجمة في قوله وإذا آمن بعيسى وعبد الله هو ابن المبارك وصالح بن حي بن صالح بن مسلم الهمداني والشعبي هو عامر بن شراحيل وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه الحارث وقيل غير ذلك وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس
والحديث قد مر في كتاب العلم في باب تعليم الرجل أمته وفي العتق وفي الجهاد ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله من أهل

(16/37)


خراسان وهو الإقليم العظيم المعروف بموطن الكثير من علماء المسلمين قوله قال للشعبي فقال الشعبي فيه السؤال محذوف وقد بينه في رواية ابن حبان بن موسى عن ابن المبارك فقال إن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي إنا نقول عندنا إن الرجل إذا أعتق أم ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي فذكر الحديث
7443 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( المغيرة بن النعمان ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله تحشرون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين فأول من يكساى إبراهيم ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح عيساى بن مريم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إلى قوله العزيز الحكيم ( المائدة 611 - 811 )
مطابقته للترجمة في قوله عيسى ابن مريم والحديث مر عن قريب في باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 521 ) فإنه أخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان إلى آخره نحوه ومضى الكلام فيه هناك
قال محمد بن يوسف الفربري ذكر عن أبي عبد الله عن قبيصة قال هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه
محمد بن يوسف هو الفربري وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وقبيصة هو ابن عقبة أحد مشايخ البخاري وهذا التعليق أسنده الإسماعيلي عن إبراهيم بن موسى الجرجاني عن إسحاق عن قبيصة عن سفيان الثوري عن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
94 -
( باب نزول عيساى بن مريم عليهما السلام )
أي هذا باب في بيان نزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام يعني في آخر الزمان وكذا هو بلفظ باب في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر بغير لفظ باب
8443 - حدثنا إسحااق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه واقرؤا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ( النساء 951 )
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( إسحاق ) هو ابن راهويه وعن أبي علي الجياني إسحاق إما ابن راهويه وإما ابن منصور ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن أبيه إبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم المذكور و ( صالح ) هو ابن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه
والحديث مر في أواخر البيوع في باب قتل الخنزير إلى قوله حتى لا يقبله أحد ومر الكلام فيه ولنشرح ما بقي منه
قوله والذي نفسي بيده فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده قوله ليوشكن بكسر الشين المعجمة وهو من أفعال المقاربة ومعناه ليقربن سريعا

(16/38)


قوله فيكم خطاب لهذه الأمة قوله حكما أي حاكما بهذه الشريعة فإن شريعة النبي لا تنسخ وفي رواية الليث ابن سعد عند مسلم حكما مقسطا وله في رواية إماما مقسطا أي عادلا والقاسط الجائر قوله ويقتل الخنزير ووقع في رواية الطبراني ويقتل الخنزير والقردة قوله ويضع الجزية هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره ويضع الحرب والمعنى أن الدين يصير واحدا لأن عيسى عليه الصلاة و السلام لا يقبل إلا الإسلام فإن قلت وضع الجزية مشروع في هذه الأمة فلم لا يكون المعنى تقرر الجزية على الكفار من غير محاباة فلذلك يكثر المال قلت مشروعية الجزية مقيدة بنزول عيسى عليه الصلاة و السلام وقد قلنا أن عيسى عليه الصلاة و السلام لا يقبل إلا الإسلام وقال ابن بطال وإنما قبلناها قبل نزول عيسى عليه الصلاة و السلام للحاجة إلى المال بخلاف زمن عيسى عليه الصلاة و السلام فإنه لا يحتاج فيه إلى المال فإن المال يكثر حتى لا يقبله أحد قوله ويفيض المال بفتح الياء وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر وأصله من فاض الماء وفي رواية عطاء بن مينا وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد وسببه كثرة المال ونزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم وحينئذ تخرج الأرض كنوزها وتقل الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة قوله حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها لأنهم حينئذ لا يتقربون إلى الله إلا بالعبادات لا بالتصدق بالمال فإن قلت السجدة الواحدة دائما خير من الدنيا وما فيها لأن الآخرة خير وأبقى قلت الغرض أنها خير من كل مال الدنيا إذ حينئذ لا يمكن التقرب إلى الله تعالى بالمال وقال التوربشتي يعني أن الناس يرغبون عن الدنيا حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها قوله ثم يقول أبو هريرة إلى آخره موصول بالإسناد المذكور قوله واقرؤا إن شئتم قال ابن الجوزي إنما أتى بذكر هذه الآية للإشارة إلى مناسبتها لقوله حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها فإنه يشير بذلك إلى صلاح الناس وشدة إيمانهم وإقبالهم على الخير فهم لذلك يؤثرون الركعة الواحدة على جميع الدنيا والسجدة تذكر ويراد بها الركعة وقال القرطبي معنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد قوله وإن من أهل الكتاب كلمة إن نافية يعني ما من أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا ليؤمنن به
واختلف أهل التفسير في مرجع الضمير في قوله تعالى به فروى ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنه يرجع إلى عيسى عليه الصلاة و السلام وكذا روي من طريق أبي رجاء عن الحسن قال قبل موت عيسى والله إنه لحي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون وذهب إليه أكثر أهل العلم ورجحه ابن جرير وأبو هريرة أيضا صار إليه فقراءته هذه الآية الكريمة تدل عليه وقيل يعود الضمير إلى الله وقيل إلى النبي والضمير في قوله قبل موته يرجع إلى أهل الكتاب عند الأكثرين لما روى ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس لا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن بعيسى فقال له عكرمة أرأيت إن خر من بيت أو احترق أو أكله السبع قال لا يموت حتى يحرك شفتيه بالإيمان بعيسى وفي إسناده خصيف وفيه ضعف ورجح جماعة هذا المذهب لقراءة أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه إلا ليؤمنن به قبل موتهم أي قبل موت أهل الكتاب وقيل يرجع إلى عيسى أي إلا ليؤمنن به قبل موت عيسى عليه الصلاة و السلام ولكن لا ينفع هذا الإيمان في تلك الحالة
فإن قلت ما الحكمة في نزول عيسى عليه الصلاة و السلام والخصوصية به قلت فيه وجوه الأول للرد على اليهود في زعمهم الباطل أنهم قتلوه وصلبوه فبين الله تعالى كذبهم وأنه هو الذي يقتلهم الثاني لأجل دنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غير التراب الثالث لأنه دعا الله تعالى لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حيا حتى ينزل في آخر الزمان ويجدد أمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله الرابع لتكذيب النصارى وإظهار زيفهم في دعواهم الأباطيل وقتله إياهم الخامس أن خصوصيته بالأمور المذكورة لقوله أنا أولى الناس بابن مريم ليس بيني وبينه نبي وهو أقرب إليه من غيره في الزمان وهو أولى بذلك
106 - ( حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة

(16/39)


الأنصاري أن أبا هريرة قال قال رسول الله كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري والليث بن سعد ويونس بن يزيد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري ونافع مولى أبي قتادة الأنصاري هو أبو محمد بن عياش الأقرع قال ابن حبان هو مولى امرأة من غفار وقيل له مولى أبي قتادة لملازمته له وليس له عن أبي هريرة في الصحيح سوى هذا الحديث الواحد والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة وعن محمد بن حاتم وعن زهير بن حرب قوله إذا نزل ابن مريم أي عيسى بن مريم ولفظ فيكم سقط من رواية أبي ذر وكيفية نزوله أنه ينزل وعليه ثوبان ممصران كذا رواه أحمد وأبو ذر عن أبي هريرة مرفوعا والممصر من الثياب التي فيها صفرة خفيفة وفي كتاب الفتن لأبي نعيم ينزل عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي تحمله غمامة واضعا يديه على منكبي ملكين عليه ريطتان إذا كب رأسه يقطر منه كالجمان فيأتيه اليهود فيقولون نحن أصحابك فيقول كذبتم والنصارى كذلك إنما أصحابي المهاجرون بقية أصحاب الملحمة فيجد خليفتهم يصلي بهم فيتأخر فيقول له صل فقد رضي الله عنهاك فإني إنما بعثت وزيرا ولم أبعث أميرا قال وبخروجه تنقطع الإمارة وفيه أيضا عن كعب يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس فيصيبهم جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا في الغلس فإذا عيسى عليه الصلاة و السلام وتقام الصلاة فيرجع إمام المسلمين فيقول عيسى عليه الصلاة و السلام تقدم فلك أقيمت الصلاة فيصلي بهم ذلك الرجل تلك الصلاة ثم يكون عيسى الإمام بعد وفيه من حديث أبي هريرة وينزل بين أذانين وعن ابن عمر مرفوعا المحاصرون ببيت المقدس إذ ذاك مائة ألف امرأة واثنان وعشرون ألفا مقاتلون إذ غشيتهم ضبابة من غمام إذ تنكشف عنهم مع الصبح فإذا عيسى بين ظهرانيهم وروى مسلم من حديث ابن عمر في مدة إقامة عيسى عليه الصلاة و السلام بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين وروى أبو نعيم في كتاب الفتن من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض فيقيم بها تسع عشرة سنة وبإسناده فيه منهم عن أبي هريرة يقيم بها أربعين سنة وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مرفوعا مثله وعن كعب يمكث فيهم عيسى أربعا وعشرين سنة منها عشر حجج يبشر المؤمنين بدرجاتهم في الجنة وفي لفظ أربعين سنة وعن ابن عباس يتزوج من قوم شعيب وهو ختن موسى عليه السلام وهم جذام فيولد له فيهم ويقيم تسع عشرة سنة لا يكون أميرا ولا شرطيا ولا ملكا وعن يزيد بن أبي حبيب يتزوج امرأة من الأزد ليعلم الناس أنه ليس بإله وقيل يتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ويدفن مع النبي في قبره وقيل يدفن في الأرض المقدسة وهو غريب وفي حديث عبد الله بن عمر يمكث في الأرض سبعا ويولد له ولدان محمد وموسى وليس في أيامه إمام ولا قاض ولا مفت وقد قبض الله العلم وخلا الناس عنه فينزل وقد علم بأمر الله في السماء ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم بين الناس والعمل فيه في نفسه فيجتمع المؤمنون ويحكمونه على أنفسهم إذ لا يصلح لذلك غيره وقد ذهب قوم إلى أن بنزوله يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم وينهاهم وهو مردود لأنه لا ينزل بشريعة متجددة بل ينزل على شريعة نبينا محمد ويكون من أتباعه قوله وإمامكم منكم يعني يحكم بينكم بالقرآن لا بالإنجيل قاله الكرماني ( قلت ) الإنجيل ليس فيه حكم فلا حاجة إلى قوله لا بالإنجيل وقيل معناه يصلي معكم بالجماعة والإمام من هذه الأمة وقيل وضع المظهر موضع المضمر تعظيما له وتربية للمهابة يعني هو منكم والغرض أنه خليفتكم وهو على دينكم كما تقول لولد زيد والدك يأمرك بكذا ولا تقول هو أو فلان يأمرك وقال الطيبي أي يؤمكم عيسى حال كونه في دينكم قيل يعكر عليه قوله في حديث مسلم فيقال له صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة وقال ابن الجوزي لو تقدم عيسى عليه السلام إماما لوقع في النفس إشكال ولقيل أتراه تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله لا نبي بعدي انتهى وفي صلاة عيسى عليه الصلاة و السلام خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أنه الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة

(16/40)


( تابعه عقيل والأوزاعي )
أي تابع يونس عقيل بن خالد وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي كلاهما عن ابن شهاب في هذا الحديث فمتابعة عقيل وصلها ابن منده في كتاب الإيمان من طريق الليث عنه ولفظه مثل رواية أبي ذر ومتابعة الأوزاعي وصلها ابن منده أيضا وابن حبان والبيهقي في البعث وابن الأعرابي من طريقه عنه ولفظه مثل رواية يونس والله أعلم بالصواب -
05 -
( باب ما ذكر عن بني إسرائيل )
أي هذا باب في بيان ما ذكر عن بني إسرائيل أي عن ذريته من العجائب والغرائب وإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة و السلام وأصل سبب تسمية يعقوب بإسرائيل ما ذكره السدي أن إسحاق أب يعقوب كان قد تزوج رفقا بنت بثويل بن ناحور بن آزر بن إبراهيم عليه الصلاة و السلام فولدت لإسحاق عيصو ويعقوب بعدما مضى من عمره ستون سنة ولها قصة عجيبة وهي أنه لما قربت ولادتهما اقتتلا في بطن أمهما فأراد يعقوب أن يخرج أولا قبل عيصو فقال عيصو والله لئن خرجت قبلي لأعترضن في بطن أمي لأقتلها فتأخر يعقوب وخرج عيصو قبله فسمي عيصو لأنه عصى وسمي يعقوب لأنه خرج آخرا بعقب عيصو وكان يعقوب أكبرهما في البطن ولكن عيصو خرج قبله فلما كبرا كان عيصو أحبهما إلى أبيه وكان يعقوب أحبهما إلى أمه فوقع بينهما ما يقع بين الأخوين في مثل ذلك فخافت أمه عليه من عيصو أن يوقع به فعلا فقالت يا ابني إلحق بخالك فاكمن عنده خشية أن يقتله عيصو فانطلق يعقوب إلى خاله فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار فلذلك سمي إسرائيل وهو أول من سرى بالليل فأتى خاله لابان ببابل وقيل بحران
0543 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش قال قال عقبة بن عمرو لحذيفة ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله قال إني سمعته يقول إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا فأما الذي يراى الناس أنها النار فماء بارد وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراى أنها نار فإنه عذب بارد قال حذيفة وسمعته يقول إن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه فقيل له هل عملت من خير قال ما أعلم قيل له انظر قال ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا فأجازيهم فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر فأدخله الله الجنة فقال وسمعته يقول إن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصاى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يوما راحا فاذروه في اليم ففعلوا فجمعه الله فقال له لم فعلت ذلك قال من خشيتك فغفر الله له قال عقبة بن عمرو وأنا سمعته يقول ذلك وكان نباشا
هذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحاديث الأول حديث الدجال والثاني والثالث في رجلين كل واحد في رجل والمطابقة للترجمة في الثاني والثالث والحديث الثاني قد مضى في كتاب البيوع في باب من أنظر موسرا فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن منصور عن ربعي بن خراش إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك وهنا أخرج الثلاثة عن ( موسى بن إسماعيل ) المنقري التبوذكي عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وعن ( عبد الملك بن عمير ) الكوفي عن ربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وفي آخره شين معجمة الغطفاني وكان ( من ) العباد يقال إنه تكلم بعد الموت وعقبة بن عمرو الأنصاري المعروب بالبدري وحذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما ثم إن البخاري روى

(16/41)


هذا الحديث عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة كما رأيته وهو الصواب كما قال أبو ذر لا كما وقع في بعض نسخه حدثنا مسدد ووقع في كلام الجياني أنه ساقه أولا بكماله عن مسدد ثم ساق الخلاف في لفظه من المتن عن موسى والذي في الأصول ما ذكره سياقة واحدة لا كما قاله وهذا الموضع موضع تنبه وتيقظ
قوله ماء منصوب لأنه خبر إن و نارا عطف عليه قوله يرى بفتح الياء وضمها هذا من جملة فتنته امتحن الله بها عباده فيحق الحق ويبطل الباطل ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه قوله قال حذيفة شروع في الحديث الثاني قوله وسمعته يقول أي سمعت النبي يقول قوله فأجازيهم أي أتقاضاهم الحق والمجازي المتقاضي يقال تجازيت ديني عن فلان إذا تقاضيته وحاصله أخذ منهم وأعطى ووقع في رواية الإسماعيلي وأجازفهم من المجازفة ووقع في أخرى وأحاربهم بالحاء المهملة والراء وكلاهما تصحيف قوله فقال وسمعته شروع في الحديث الثالث ويروى وقال بالواو قوله وخلصت بفتح اللام أي وصلت قوله فامتحشت أي احترقت وهو على صيغة بناء الفاعل كذا ضبطه الكرماني وضبطه بعضهم على بناء صيغة المجهول وله وجه وهو من الامتحاش ومادته ميم وحاء مهملة وشين معجمة والمحش احتراق الجلد وظهور العظم قوله يوما راحا أي يوما شديد الريح وإذا كان طيب الريح يقال يوم ريح بالتشديد وقال الخطابي يوم راح أي ذو ريح كما يقال رجل مال أي ذو مال قوله فاذروه أمر من الإذراء يقال ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه أي أطارته قوله قال عقبة بن عمرو وهو أبو مسعود البدري وأنا سمعته يعني النبي وظاهر الكلام يقتضي أن الذي سمعه أبو مسعود هو الحديث الأخير فقط لكن رواية شعبة عن عبد الملك بن عمير نبئت أنه سمع الجميع فإنه أورده في الفتن في قصة الذي كان يبايع الناس من حديث حذيفة وقال في آخره قال أبو مسعود وأنا سمعته وكذلك في حديث الذي أوصى بنيه كما ستقف عليه في حديث في أواخر هذا الباب قوله وكان نباشا ظاهره أنه من زيادة أبي مسعود في الحديث لكن أورده ابن حبان من طريق ربعي عن حذيفة قال توفي رجل كان نباشا فقال لأولاده أحرقوني فدل على أن قوله وكان نباشا من رواية حذيفة وأبي مسعود معا والله أعلم
4543 - حدثني ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرني ( معمر ويونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) أن ( عائشة وابن عباس ) رضي الله تعالى ( عنهم ) قالا ل ( ما نزل ب ) رسول الله طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله لعنة الله على اليهود لأنهم من بني إسرائيل وهم أقدم من النصارى وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد السختياني المروزي وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب مجرد عقيب باب الصلاة في البيعة ومضى الكلام فيه قوله لما نزل برسول الله يعني الموت
5543 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( فرات القزاز ) قال سمعت ( أبا حازم ) قال ( قاعدت أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه ( خمس سنين فسمعته ) يحدث عن النبي قال كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم

(16/42)


مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن بشار هو بندار ومحمد بن جعفر هو غندر وفرات بضم الفاء وتخفيف الراء وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن أبي عبد الرحمن القزاز بفتح القاف وتشديد الزاي الأولى البصري ثم الكوفي وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي اسمه سلمان الأشجعي
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن بشار به وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعبد الله ابن براد وأخرجه ابن ماجه في الجهاد عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله قاعدت أبا هريرة إنما ذكره بباب المفاعلة ليدل على قعوده متعلقا بأبي هريرة ولأجل تعلقه بالآخر جاء متعديا لأن أصله لازم كما في قولك كارمت زيدا فإن أصله لازم نحوه قوله تسوسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي تتولى أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه وذلك لأنهم كانوا إذا أظهروا الفساد بعث الله نبيا يزيل الفساد عنهم ويقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من حكم التوراة قوله خلفه نبي بفتح اللام المخففة يعني يقوم مقام الأول والخلف بفتح اللام وسكونها كل من يجيء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير وبالسكون في الشر قال الله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ( الأعراف 961 ) قوله لا نبي بعدي يعني لا يجيء بعدي نبي فيفعل ما يفعلون قوله خلفاء جمع خليفة قوله فيكثرون بالثاء المثلثة من الكثرة وحكى عياض عن بعضهم بالباء الموحدة وهو تصحيف ووجه بأن المراد إكبار قبايح فعلهم قوله فوا بالضم أمر لجماعة من وفى يفي والأمر منه ف فيا فوا وأصله أوفوا وأصله أوفيوا نقلت حركة الياء إلى ما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت الياء فصار أوفوا ثم حذفت الواو اتباعا لحذفها في المضارع لوقوعها بين الياء والكسرة فصار أفوا ثم حذفت الهمزة للاستغناء عنها فصار فوا على وزن عوا قوله بيعة الأول فالأول معناه إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين وسواء كانا في بلدين أو أكثر وسواء كان أحدهما في بلد الإمام المنفصل أم لا ولم يبين حكم الثاني في هذا وهو مبين في رواية أخرى فاضربوا عنقه وفي رواية أخرى فاضربوه بالسيف كائنا من كان قوله أعطوهم حقهم أي أطيعوهم وعاشروهم بالسمع والطاعة فإن الله يحاسبهم بالخير والشر عن حال رعيتهم
6543 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن ( الحديث 6543 - طرفه في 0237 )
وجه المطابقة بين حديث الباب وبين الترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله سنن من قبلكم لأنه يشمل بني إسرائيل وغيرهم وسعيد بن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون واسمه محمد بن مطرف مر في الصلاة وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث أخرجه البخاري في الاعتصام عن محمد بن عبد العزيز وأخرجه مسلم في القدر عن سويد بن سعيد وهذا من الأحاديث المقطوعة في مسلم لأنه قال في كتاب القدر وحدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم الذي أخرجه البخاري عنه ووصله عنه راوي كتابه إبراهيم بن سفيان فقال حدثنا محمد بن يحيى حدثنا ابن أبي مريم
قوله لتتبعن بضم العين وتشديد النون قوله سنن من قبلكم أي طريق الذين كانوا قبلكم والسنن بفتح السين السبيل والمنهاج وقال الكرماني ويروى بالضم قوله شبرا بشبر نصب بنزع الخافض تقديره لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا بشبر ملتبس بشبر وذراع ملتبس بذراع وهذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا في الكفر وكذلك قوله لو سلكوا جحر ضب بضم الجيم وسكون الحاء والضب دويبة تشبه الورن تأكله الأعراب والأنثى ضبة وتقول العرب هو قاضي الطير والبهائم يقولون اجتمعت إليه أول ما خلق الله الإنسان فوصفته له فقال الضب تصفين خلقا ينزل الطير من السماء ويخرج الحوت من الماء فمن كان له جناح فليطر ومن كان ذا

(16/43)


مخلب فليحتفر ووجه التخصيص بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم قوله اليهود يعني قالوا يا رسول الله هم اليهود والنصارى قوله قال فمن أي قال رسول الله فمن غيرهم وهذا استفهام على وجه الإنكار أي ليس المراد غيرهم
7543 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( خالد ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة
ذكر هذا الحديث هنا يمكن أن يكون لأجل ذكر اليهود فيه وهم من بني إسرائيل وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب بدء الأذان بعين هذا الإسناد والمتن عن عمران بن ميسرة وكذلك مضى مختصرا من غير هذا الطريق عن أنس في باب الآذان مثنى مثنى وباب الإقامة واحدة و عبد الوارث الثقفي وخالد هو ابن مهران الحذاء وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد
8543 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي الضحى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول إن اليهود تفعله
وجه ذكر هذا هنا هو الوجه المذكور في الحديث السابق وسفيان بن عيينة والأعمش بن سليمان وأبو الضحى بضم الضاد المعجمة مقصور هو مسلم بن صبيح
قوله أن يجعل أي المصلي وهذا مطلق ولكنه مقيد بحال الصلاة والدليل عليه ما رواه أبو نعيم من طريق أحمد بن الفرات عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ أنها كرهت الاختصار في الصلاة وقالت إنما يفعل ذلك اليهود وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان هو الثوري بهذا الإسناد يعني وضع اليد على الخاصرة وهو في الصلاة والخاصرة الشاكلة ويقال هو فعل الجبابرة ويقال هو استراحة أهل النار ويقال هو فعل من دهته مصيبة ويقال لما طرد الشيطان نزل إلى الأرض مختصرا
تابعه شعبة عن الأعمش
أي تابع سفيان شعبة في رواية هذا الحديث عن سليمان الأعمش ووصل هذه المتابعة ابن أبي شيبة من طريقه
9543 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ل ( يث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله قال إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين قال ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا لكم الأجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال الله هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أعطيه من شئت
وجه المطابقة ما ذكر فيما قبله ومثل هذا الحديث مضى في كتاب الصلاة في باب من أدرك ركعة من العصر فإنه أخرجه

(16/44)


هناك عن عبد العزيز بن سعد عن ابن شهاب عن مسلم بن عبد الله عن أبيه قوله من خلا أي من مضى قوله عمالا بضم العين جمع عامل
0643 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) قال سمعت ( عمر ) رضي الله تعالى عنه يقول ( قاتل الله فلانا ألم يعلم ) أن النبي قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ( انظر الحديث 3222 )
وجه المطابقة في ذكر اليهود وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار والحديث مضى في كتاب البيوع في باب لا يذاب شحم الميتة فإنه أخرجه هناك عن الحميدي عن سفيان إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله قاتل الله أي لعن الله قوله فجملوها بالجيم أي أذابوها
تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي
أي تابع ابن عباس جابر بن عبد الله ووصل هذه المتابعة البخاري أيضا في أواخر البيوع في باب بيع الميتة والأصنام قوله وأبو هريرة أي وتابعه أبو هريرة أيضا ووصل هذه المتابعة البخاري أيضا في باب لا يذاب شحم الميتة فإنه أخرجه عن عبدان عن عبد الله بن يونس إلى آخره
1643 - حدثنا ( أبو عاصم الضحاك بن مخلد ) أخبرنا ( الأوزاعي ) حدثنا ( حسان بن عطية ) عن ( أبي كبشة ) عن ( عبد الله بن عمرو ) أن النبي قال بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
مطابقته للترجمة ظاهرة والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو وأبو كبشة السلولي اسمه هو كنيته
والحديث أخرجه الترمذي أيضا في العلم عن محمد بن يوسف وعن عبد الرحمن بن ثابت
وقوله ولو آية أي علامة ظاهرة فهو تتميم ومبالغة أي ولو كان المبلغ فعلا أو إشارة ونحوها قال القاضي البيضاوي إنما قال آية أي من القرآن ولم يقل حديثا فإن الآيات مع تكفل الله بحفظها واجبة التبليغ فتبليغ الحديث يفهم منه بالطريق الأولى وقيل إنما قال آية ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل ليشمل بذلك نقل جميع ما جاء به قوله وحدثوا عن بني إسرائيل يعني مما وقع لهم من الأمور العجيبة والغريبة وقيل المراد ببني إسرائيل أولاد إسرائيل نفسه وهم أولاد يعقوب والمراد حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف وهذا بعيد وفيه تضييق وقال مالك المراد جواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن وأما ما علم كذبه فلا وقيل المعنى حدثوا عنهم مثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح وقيل المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الإتصال في التحديث عنهم بخلاف الأحكام الإسلامية فإن الأصل في التحديث بها الاتصال ولا يتعذر ذلك لقرب العهد قوله ولا حرج أي ولا ضيق عليكم في الحديث عنهم وإنما قال ولا حرج لأنه كان قد تقدم منه الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك وكان النهي قبل استقرار الأحكام الشرعية والقواعد الدينية خشية الفتنة ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في ذلك من الاعتبار عند سماع الأخبار التي وقعت في زمانهم وقيل لا حرج أي لا تضيق صدوركم بما سمعتموه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع لهم كثيرا وقيل لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولا حدثوا صيغة أمر يقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب وإن الأمر فيه للإباحة بقوله ولا حرج أي في ترك التحديث عنهم وقيل المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ المستبشعة نحو قولهم إذهب أنت وربك فقاتلا ( المائدة 42 ) وقولهم إجعل لنا إلها ( الأعراف 831 ) قوله صيغة أمر يقتضي الوجوب ليس ذلك على إطلاقه وإنما الأمر إنما يقتضي الوجوب بصيغته إذا تجرد عن القرائن وهنا قوله ولا حرج قرينة على أنه

(16/45)


ليس بواجب ولا هو للندب وقال الكرماني الأمر للإباحة إذ لا وجوب ولا ندب فيه بالإجماع قوله ومن كذب علي إلى آخره قد مر نحوه في كتاب العلم في باب إثم من كذب على النبي فإن البخاري روى في هذا الباب عن خمسة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والزبير بن العوام وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وأبو هريرة وروى أيضا في الجنائز في باب ما يكره من النياحة عن المغيرة وروى أيضا ههنا عن عبد الله بن عمرو وقد تكلمنا هناك بما فيه الكفاية قوله فليتبوأ بكسر اللام هو الأصل وبالسكون هو المشهور وهو أمر من التبوء وهو اتخاذ المباءة أي المنزل وقال الجوهري تبوأت منزلا أي نزلته
2643 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال قال ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) إن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال إن رسول الله قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ( الحديث 2643 - طرفه في 9985 )
مطابقته للترجمة في قوله اليهود وصالح هو ابن كيسان والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم
قوله لا يصبغون أي شيب الشعر وهو مندوب إليه لأنه أمر بمخالفتهم فإن قلت ورد النهي عن إزالة الشيب قلت لا تعارض بينهما هنا لأن الصبغ لا يقتضي الإزالة وقيل المراد بالإزالة النتف وسئل مالك عن النتف فقال ما أعلمه حراما وتركه أحب إلي والإذن فيه مقيد بغير السواد لما روى مسلم من حديث جابر أنه قال غيروه وجنبوه السواد وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة ورواه الحاكم أيضا وصححه والحديث صحيح ولكن الكلام في رفعه ووقفه وعلى تقديره ترجيح وقفه فمثله لا يدرك بالرأي فحكمه الرفع ولهذا اختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهة تحريم وعن الحليمي أن الكراهة خاصة بالرجال دون النساء فيجوز ذلك للمرأة لأجل زوجها وقال مالك الحناء والكتم واسع والصبغ بغير السواد أحب إلي ويستثنى من ذلك المجاهد اتفاقا
وقد اختلف هل كان يصبغ فقال ابن عمر في الموطأ أما الصفرة فرأيت رسول الله يصبغ بها وأنا أحب أن أصبغ وقيل كان يصفر لحيته وقيل أراد بالصفرة في حديث ابن عمر صفرة الثياب وقيل صبغ مرة وقال مالك لم يصبغ ولا علي ولا أبي بن كعب ولا ابن المسيب ولا السائب بن يزيد ولا ابن شهاب قال والدليل على أنه لم يصبغ أن عائشة قالت كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يصبغ فلو كان صبغ لبدأت به وقال مالك والصبغ بالسواد ما سمعت فيه شيئا وغيره من الصبغ أحب إلي والصبغ بالحناء والكتم واسع
3643 - حدثني ( محمد ) قال حدثني ( حجاج ) حدثنا ( جرير ) عن ( الحسن ) حدثنا ( جندب بن عبد الله في هاذا المسجد وما نسينا منذ ) حدثنا ( وما نخشى ) أن ( يكون جندب ) كذب ( على ) رسول الله قال قال رسول الله كان فيمن كان قبلكم رجل به جرج فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ( انظر الحديث 4631 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله كان فيمن كان قبلكم لأنه أعم من أن يكون من بني إسرائيل أو من غيرهم ومحمد شيخ البخاري قال ابن السكن هو محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري وعليه الأكثر كذا نقله عن الفربري وقال أبو عبد الله الحاكم هو محمد بن يحيى الذهلي وحجاج هو ابن منهال وجرير هو ابن حازم والحسن هو البصري
والحديث مضى في الجنائز في باب ما جاء في قاتل نفسه بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
قوله في هذا المسجد أراد به مسجد البصرة قوله منذ حدثنا

(16/46)


بفتح الدال وأشار به إلى تحققه لما حدث به قوله وما نخشى أن يكون جندب كذب فيه إشارة إلى أن الصحابة عدول وأن الكذب مأمون من قبلهم ولا سيما على النبي قوله به جرح بضم الجيم وسكون الراء وتقدم في الجنائز بلفظ به جراح ووقع في رواية مسلم أن رجلا خرجت به قرحة بفتح القاف وسكون الراء وهي حبة تخرج في البدن وكأنه كان به جرح ثم صار قرحة أو كان كلاهما قوله فجزع أي لم يصبر على الألم قوله فحز بالحاء المهملة وتشديد الزاي أي قطع قوله فما رقأ بالقاف والهمز أي لم ينقطع الدم يقال رقأ أي سكن وانقطع قوله بادرني عبدي بنفسه كناية عن استعجاله الموت قوله حرمت عليه الجنة تغليظ أو كان استحل فكفر أو المراد جنة معينة كالفردوس مثلا أو المعنى حرمت عليه الجنة إن شئت استمرار ذلك
15 -
( حديث أبرص وأقرع وأعمى في بني إسرائيل )
أي هذا باب في بيان حديث أبرص وأقرع وهو الذي ذهب شعر رأسه من آفة قوله في بني إسرائيل أي الكائنين في بني إسرائيل وفي بعض النسخ باب حديث أبرص إلى آخره
4643 - حدثني ( أحمد بن إسحاق ) حدثنا ( عمرو بن عاصم ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( إسحاق بن عبد الله ) قال حدثني ( عبد الرحمان بن أبي عمرة ) أن ( أبا هريرة ) حدثه أنه سمع النبي وحدثني محمد حدثنا عبد الله بن رجاء أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله قال أخبرني عبد الرحمان بن أبي عمرة أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه حدثه أنه سمع رسول الله يقول إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك قال لون حسن وجلد حسن قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا فقال أي المال أحب إليك قال الإبل أو قال البقر هو شك في ذلك أن الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر فأعطى ناقة عشراء فقال يبارك لك فيها وأتى الأقرع فقال أي شيء أحب إليك قال شعر حسن ويذهب عني هذا قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب وأعطي شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال البقر قال فأعطاه بقرة حاملا وقال يبارك لك فيها وأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك قال قال الغنم فأعطاه شاة والدا فانتج هاذان وولد هذا فكان لهذا واد من إبل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من الغنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري فقال له إن الحقوق كثيرة فقال له كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال لقد ورثت كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا فرد عليه مثل

(16/47)


ما رد عليه هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته فقال رجل مسكين وابن سبيل وتقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال قد كنت أعمى فرد الله بصري وفقيرا فقد أغناني فخذ ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله تعالى عنك وسخط على صاحبيك ( الحديث 4643 - طرفه في 3566 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث وأخرجه من طريقين
ورجالهما ثمانية الأول أحمد بن إسحاق بن الحصين أبو إسحاق السلمي السرماري بضم السين المهملة وتشديد الراء المفتوحة وقيل بسكونها نسبة إلى سرمارة قرية من قرى بخارى وهو من أقران البخاري وأفراده مات يوم الإثنين لست ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين ومائتين الثاني عمرو بفتح العين المهملة ابن عاصم بن عبيد الله القيسي الكلابي البصري الثالث همام بن يحيى العوذي الأزدي البصري الرابع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك مات سنة أربع وثلاثين ومائة وليس له في البخاري عن عبد الرحمن بن أبي عمرة سوى هذا الحديث وآخر في التوحيد الخامس عبد الرحمن بن أبي عمرة واسمه عمرو بن محصن الأنصاري النجاري قاضي أهل المدينة السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه السابع في السند الثاني محمد كذا مجردا قال الجياني لعله محمد بن يحيى الذهلي ويقال إنه البخاري نفسه والدليل عليه أنه روى عن عبد الله بن رجاء وهو أحد مشايخه روى عنه في اللقطة وغيرها بلا واسطة الثامن عبد الله بن رجاء بن المثنى البصري أبو عمر ومات سنة تسع عشرة ومائتين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأيمان والنذور وقال عن عمرو بن عاصم وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن شيبان بن فروخ
ذكر معناه قوله بدا للهبتخفيف الدال المهملة بغير همزة كذا ضبطه بعضهم ثم قال أي سبق في علم الله فأراد إظهاره وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا لأن ذلك محال في حق الله تعالى وقال الكرماني وقد روى بعضهم بدا الله وهو غلط وقال صاحب ( المطالع ) ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمزة أي ابتدأ الله أن يبتليهم قال ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ وقال الخطابي معناه قضى الله أن يبتليهم لأن القضاء سابق وفي رواية مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ أراد الله أن يبتليهم أي يختبرهم ويروى يبليهم بإسقاط التاء المثناة من فوق قوله قد قذرني الناس بكسر الذال المعجمة أي كرهني الناس ويروى قذروني الناس من باب أكلوني البراغيث كذا قاله الكرماني قوله فمسحه أي مسح على جسمه قوله فأعطي على صيغة المجهول قوله فقال واي المال وفي رواية الكشميهني أي المال بلا واو قوله أو قال البقر شك في ذلك وصرح في رواية مسلم أن الذي شك هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة راوي الحديث قوله فأعطى ناقة أي الذي تمنى الإبل أعطي ناقة عشراء بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة ممدودا وهي الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل وقيل يقال لها ذلك إلى أن تلد وبعدما تضع وهي من أنفس المال قوله يبارك لك فيها كذا وقع بضم الياء وفي رواية شيبان بارك الله بلفظ الفعل الماضي وإظهار الفاعل قوله فمسحة أي فمسح على عينيه قوله شاة والد أي ذات ولد وقال الجوهري شاة والد أي حامل والشاة تذكر وتؤنث وفلان كثير الشاة وهو في معنى الجمع قوله فأنتج هذان أي صاحب الإبل والبقر كذا وقع أنتج وهي لغة قليلة والفصيح عند أهل اللغة نتجت الناقة بضم النون ونتج الرجل الناقة أي حمل عليها الفحل وقد سمع أنتجت الفرس أي ولدت فهي نتوج ولا يقال منتج قوله وولد هذا بتشديد اللام المفتوحة أي صاحب الشاة وراعي عرف الاستعمال حيث قال في الإبل والبقر أنتج وفي الغنم ولد قوله من الغنم ويروى من غنم قوله في صورتهأي في الصورة

(16/48)


التي كان عليها لما اجتمع به وهو أبرص قوله رجل مسكين زاد شيبان وابن سبيل قال ابن التين قوله الملك له رجل مسكين إلى آخره أراد أنك كنت هكذا وهو من المعاريض والمراد به ضرب المثل ليتيقظ المخاطب قوله الحبال بكسر الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مخففة جمع حبل أراد به الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق وقيل العقبات قال الكرماني ويروى بالجيم وقيل هو تصحيف وفي ( التوضيح ) ويروى الحيل جمع حيلة يعني لم يبق لي حيلة قوله أتبلغ عليه وفي رواية الكشميهني أتبلغ به وهو بالغين المعجمة من البلغة وهي الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي يقال تبلغ بكذا أي اكتفى به قوله يقذرك الناس بفتح الذال المعجمة لأنه من باب علم يعلم قوله فقيرا نصب على الحال قوله كابرا عن كابر هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره لكابر عن كابر وفي رواية شيبان إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر قال بعضهم أي كبيرا عن كبير في العز والشرف قلت أخذه من كلام الكرماني وليس كذلك وإنما المعنى ورثت هذا المال عن آبائي وأجدادي حال كون كل واحد منهم كابرا عن كابر أي كبيرا ورث عن كبير قوله فصيرك الله وإنما أورده بلفظ الفعل الماضي لإرادة المبالغة في الدعاء عليه وإنما أدخلت الفاء فيه لأنه دعاء قوله فوالله لا أجهدك اليومبالجيم والهاء كذا في رواية كريمة وأكثر روايات مسلم أي لا أشق عليك في رد شيء تطلبه مني أو تأخذه وقال عياض رواية البخاري لم تختلف أنه لا أحمدك بالحاء المهملة والميم يعني لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي وقوله رواية البخاري لم تختلف ليس كذلك فإن رواية كريمة بالجيم والحاء كما ذكرناه وقال عياض لم يتضح هذا المعنى لبعض الناس فقال لعله لا أحدك بالحاء المهملة وتشديد الدال بغير ميم أي لا أمنعك قال وهذا تكلف وقال الكرماني ما حاصله إنه يحتمل أن يكون قوله لا أحمدك بتشديد الميم أي لا أطلب منك الحمد فيكون من قولهم فلان يتحمد علي أي يمتن ويكون المعنى هنا لا أمتن عليك يقال من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمد به على الناس قوله إنما ابتليتم أي إنما امتحنتم قوله فقد رضى الله عنك إلى آخره ويروى ورضي عنك على بناء المجهول وكذلك سخط مثله وكان الأعمى خير الثلاثة قال الكرماني رحمه الله ولا شك أن مزاجه كان أقرب إلى السلامة من مزاجهما لأن البرص لا يحصل إلا من فساد المزاج وخلل في الطبيعة وكذلك ذهاب الشعر أيضا بخلاف العمى فإنه لا يستلزم فساده فقد يكون من أمر خارجي
25 -
( باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ( الكهف 9 ) )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى أم حسبت إلى آخره ولم يذكر في الباب إلا تفسير بعض ما وقع في قصة أصحاب الكهف وليس في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني لفظ باب وليس في رواية النسفي لا باب ولا غيره من الترجمة وهذا هو الصواب لأن الكتاب في الحديث لا في التفسير
الكهف الفتح في الجبل
هو قول الضحاك أخرجه عنه ابن أبي حاتم واختلف في مكان الكهف فقيل بين أيلة وفلسطين وقيل بالقرب من أيلة وقيل بأرض نينوى وقيل بالبلقاء والأخبار التي تكاثرت أنه ببلاد الروم وهو الصحيح فقيل بالقرب من طرسوس وقيل بالقرب من إيلستين وكان اسم مدينتهم إفسوس واسم ملكهم دقيانوس وقال السهيلي مدينتهم يقال إنها على ستة فراسخ من القسطنطينية وكانت قصتهم قبل غلبة الروم على يونان وأنهم سيحجون البيت إذا نزل عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام وذكر ابن مردويه في ( تفسيره ) من حديث حجاج بن أرطأة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا أصحاب الكهف أعوان المهدي وذكر مقاتل في ( تفسيره ) اسم الكهف مانجلوس
والرقيم الكتاب مرقوم مكتوب من الرقم
أشار به إلى تفسير الرقيم فالذي فسره منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رواه الطبراني من حديث

(16/49)


علي بن أبي طلحة عنه قوله من الرقم أشار به إلى أن اشتقاق الرقيم والمرقوم من الرقم وهو الكتابة وفي الرقيم أقوال أخر فعن أبي عبيدة الرقيم الوادي الذي فيه الكهف وعن كعب الأحبار اسم القرية رواه الطبري وعن أنس أن الرقيم اسم الكلب رواه ابن أبي حاتم وكذا روى عن سعيد بن جبير وقيل الرقيم اسم الصخرة التي أطبقت على الوادي الذي فيه الكهف وقيل هو الغار وعن ابن عباس الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف لما توجهوا عن قومهم ولم يدروا أين توجهوا
ربطنا على قلوبهم ( الكهف 41 ) ألهمناهم صبرا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض ( الكهف 41 ) وفسر ربطنا بقوله ألهمناهم صبرا وهكذا فسره أبو عبيدة
شططا إفراطا
أشار به إلى ما في قوله تعالى لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( الكهف ) قوله شططا منصوب على أنه صفة مصدر محذوف تقديره لقد قلنا إذا قولا شططا أي ذا شطط وهو الإفراط في الظلم والإبعاد من شط إذا بعد وعن أبي عبيدة شططا أي جورا وغلوا
الوصيد الفناء وجمعه وصائد ووصد ويقال الوصيد الباب مؤصدة مطبقة أصد الباب وأوصد
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ( الكهف 81 ) وفسر الوصيد بقوله الفناء بكسر الفاء والمد وهكذا فسره ابن عباس وكذا روي عن سعيد بن جبير وقال الزمخشري الوصيد الفناء وقيل العتبة وقيل الباب قوله وجمعه أي وجمع الوصيد وصائد ووصد بضم الواو وسكون الصاد ويقال الأصيد كالوصيد روى ابن جرير عن أبي عمرو بن العلاء أن أهل اليمن وتهامة يقولون الوصيد وأهل نجد يقولون الأصيد قوله مؤصدة إشارة إلى ما في قوله تعالى نار مؤصدة ( البلد 02 ) وفسره بقوله مطبقة وهذا ذكره استطرادا لأنه ليس في سورة الكهف ولكنه لما كان الاشتقاق بينهما من واد واحد ذكره هنا والذي ذكره هو المنقول عن أبي عبيدة قوله أصد الباب أي أغلقة ويقال فيه أوصد أيضا بمعنى يقال بالثلاثي وبالمزيد
بعثناهم أحييناهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ( الكهف 91 ) الآية وفسره بقوله أحييناهم وهكذا فسره أبو عبيدة
أزكى أكثر ريعا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ( الكهف 91 ) وفسر أزكى بقوله أكثر ريعا قال الزمخشري أيها أي أي أهلها كما في قوله واسأل القرية ( يوسف 28 ) أزكى طعاما أحل وأطيب أو أكثر وأرخص
فضرب الله على آذانهم فناموا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ( الكهف 11 ) وفي الحقيقة أخذ لازم القرآن وفسره بلازمه إذ ليس الذي ذكره لفظ القرآن ولا ذلك معناه قال الزمخشري أي ضربنا عليها حجابا من أن تسمع يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات
رجما بالغيب ( الكهف 22 ) لم يستبن
أشار به إلى ما في قوله تعالى سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ( الكهف 22 ) وفسر الرجم بالغيب بقوله لم يستبن وعن قتادة معناه قذفا بالظن رواه عبد الرزاق عن معمر عنه وقال أبو عبيدة الرجم ما لم تستيقنه من الظن

(16/50)


وقال مجاهد تقرضهم تتركهم
أي قال مجاهد في تفسير قوله تعالى تقرضهم في قوله تعالى وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ( الكهف 71 ) الآية وفسر تقرضهم بقوله تتركهم وأصل القرض القطع والتفرقة من قولك قرضته بالمقراض أي قطعته والمعنى هنا تعدل عنهم وتتركهم قاله الأخفش والزجاج وقيل تصيبهم يسيرا مأخوذ من قراضة الذهب والفضة وهو مأخوذ منها بالمقراض أي تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها وقيل معناه تحاذيهم وهو قول الكسائي والفراء
35 -
( باب حديث الغار )
أي هذا بيان حديث الغار الذي آوى إليه ثلاثة نفر ممن كانوا قبلنا قيل وجه المناسبة في ذكر حديث الغار عقيب حديث أبرص وأقرع وأعمى هو أنه ورد أن الرقيم المذكور في قوله تعالى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ( الكهف 9 ) هو الغار الذي آوى إليه الثلاثة المذكورون وذلك فيما رواه البزار والطبراني بإسناد حسن عن النعمان بن بشير أنه سمع النبي يذكر الرقيم قال إنطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الحبل على باب الكهف فأوصد عليهم الحديث قلت يحتمل أنه ذكر هذا عقيب ذاك لأن هؤلاء الثلاثة كانوا في زمن بني إسرائيل يدل عليه ما رواه الطبراني عن عقبة بن عامر أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل الحديث ذكره في الدعاء
5643 - حدثنا ( إسماعيل بن خليل ) أخبرنا ( علي بن مسهر ) عن ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هاؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال واحد منهم أللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وأني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها فقالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك

(16/51)


ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا
وجه المطابقة قد ذكر الآن وإسماعيل بن خليل أبو عبد الله الخزاعي الكوفي وقد مضى هذا الحديث في الإجارة في باب من استأجر أجيرا فترك أجره أخرجه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر ومضى أيضا في البيوع في باب إذا اشترى شيئا لغيره عن يعقوب بن إبراهيم عن أبي عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ومضى أيضا في البيوع في باب إذا زرع بمال قوم عن إبراهيم بن المنذر عن أبي ضمرة عن موسى ابن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا من رواية ابن عمر وكذلك مسلم وفي الباب عن أنس عند الطبراني وعن أبي هريرة عند ابن حبان وعن النعمان بن بشير عند أحمد وعن علي وعقبة بن عامر وعبد الله ابن عمرو ابن العاص وعبد الله بن أبي أوفى عند الطبراني وقد ذكرنا في كل موضع بما فتح الله تعالى ونذكر هنا بعض شيء وما علينا إن وقع بعض تكرار فإن التكرير يفيد تكرار المسك عند التضوع
قوله ممن كان قبلكم يعني من بني إسرائيل كما في رواية الطبراني التي ذكرناها آنفا قوله يمشون في محل الرفع لأنه خبر مبتدأ وهو قوله ثلاثة نفر وأضيف بينما إلى هذه الجملة وقوله إذا أصابهم جواب بينما قوله فآووا إلى غار بقصر الهمزة يقال آوى بنفسه مقصور وآويته أنا بالمد وقيل يجوز هنا القصر والمد وفي رواية أحمد والطبراني وأبي يعلى والبزار فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر يتجافى حتى ما يرون منه وفي رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عند البخاري حتى أواهم المبيت بنصب المبيت على المفعولية ووجهوه بأن دخول الغار من فعلهم فحسن أن ينسب الإيواء إليهم وفي رواية مسلم من هذا الوجه فآواهم المبيت برفع المبيت على الفاعلية قوله فانطبق عليهم أي باب الغار ومضى في المزارعة فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم وفي رواية سالم فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار وفي رواية الطبراني من حديث النعمان بن بشير إذ وقع الحجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار قوله إنه أي الشأن قوله فليدع كل رجل منكم وفي رواية موسى بن عقبة أنظروا أعمالا عملتموها صالحة لله ومثله في رواية مسلم وفي البيوع أدعوا الله بأفضل عمل عملتموه وفي رواية سالم أنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم وفي حديث أبي هريرة وأنس جميعا فقال بعضهم عفى الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله أدعوا الله بأوثق أعمالكم وفي حديث النعمان بن بشير إنكم لن تجدوا شيئا خيرا لكم من أن يدعو كل امرىء منكم بخير عمل عمله قط قوله فقال واحد منهم وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت والنسفي وقال أللهم بدون ذكر لفظ واحد منهم قوله إن كنت تعلم على خلاف مقتضى الظاهر لأنهم كانوا جازمين بأن الله عالم بذلك فلا مجال لحرف الشك فيه وأجيب بأنهم لم يكونوا عالمين بأن لأعمالهم اعتبارا عند الله ولا جازمين فقالوا إن كنت تعلم لها اعتبارا ففرج عنا قوله على فرق بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء و هو مكيال يسع ثلاثة آصع قوله من أرز فيه ست لغات قد ذكرناها فيما مضى قوله عمدت أي قصدت قوله اشتريت منه بقرا قال الكرماني فإن قلت فيه صحة بيع الفضولي قلت هذا شرع من قبلنا ثم ليس فيه أن الفرق كان معينا ولم يكن في الذمة وقبضه الأجير ودخل في ملكه بل كان هذا تبرعا منه له انتهى قلت لا حاجة أصلا إلى هذا السؤال لأن بيع الفضولي يجوز إذا أجازه صاحب المتاع فلا يقال من أول الأمر إن البيع غير صحيح قوله فانساخت أي انشقت وأنكره الخطابي لأن معنى انساخ بالمعجمة ويقال انصاخ بالصاد المهملة بدل السين أي انشق من قبل نفسه قال والصواب انساحت بالحاء المهملة أي اتسعت ومنه ساحة الدار قال وانصاح بالصاد المهملة بدل السين أي تصدع يقال للبرق قيل الرواية بالخاء المعجمة صحيحة وهي بمعنى انشقت وإن كان أصله بالصاد فالصاد قد قلبت سينا ولا سيما مع الخاء المعجمة كالصخر والسخر ووقع في حديث سالم فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج وفي حديث النعمان بن بشير فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وفي حديث علي فانصدع الجبل حتى طمعوا في الخروج ولم يستطيعوا وفي حديث أبي هريرة وأنس فزال ثلث الحجر قوله أللهم إن كنت تعلم أنه كان لي كذا في

(16/52)


رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر بحذف أنه قوله أبوان من باب التغليب والمراد الأب والأم وصرح بذلك في حديث ابن أبي أوفى قوله شيخان كبيران وزاد في رواية أبي ضمرة عن موسى بن عقبة ولي صبية صغار فكنت أرعى عليهم وفي حديث علي أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل قوله فأبطأت عنهما ليلة وفي رواية سالم فنأي بي طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما والشيء لم يفسر ما هو في هذه الرواية وقد بين في روايه مسلم من طريق أبي ضمرة ولفظه وأنه نأي بي ذات يوم الشجر والمراد أنه بعد عن مكانه الذي يرعى فيه على العادة لأجل الكلأ فذلك أبطأ ويفسره أيضا حديث علي فإن الكلأ تناءى علي أي تباعد والكلأ العشب الذي يرعى الغنم منه قوله وأهلي مبتدأ وعيالي عطف عليه وخبره يتضاغون بضاد وغين معجمتين من الضغاء بالمد وهو الصياح وقال الداودي يريد بالأهل والعيال الزوجة والأولاد والرقيق والدواب واعترض عليه ابن التين فقال لا معنى للدواب هنا قلت تدخل الدواب في العيال بالنظر إلى المعنى اللغوي لأن معنى قولهم عال فلان أي أنفق عليه وجاء في رواية سالم وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فهذا يقوي ما ذكرناه قوله من الجوع أي بسبب الجوع وفيه رد على ما قال لعل صياحهم كان بسبب آخر غير الجوع قوله فكرهت أن أوقظهما وفي حديث علي ثم جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أن أوقظهما أو أؤذيهما وفي حديث أنس كراهية أن أرد وسنهما وفي حديث ابن أبي أوفى وكرهت أن أوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما قوله ليستكنا من الاستكانة أي ليضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم قوله لشربتهما أي لأجل عدم شربهما وقال الكرماني ويروى ليستكنا يعني بتشديد النون أي يلبثا في كنهما منتظرين لشربهما قوله فأبت أي امتنعت وفي رواية موسى بن عقبة فقالت لا تنال ذلك منها حتى قوله بمائة دينار وفي رواية سالم فأعطيتها عشرين ومائة دينار وطلب المائة منها والزيادة من قبل نفسه أو الراوي الذي لم يذكر الزيادة طرحها وفي حديث ابن أبي أوفى مالا ضخما قوله فلما قعدت بين رجليها وفي حديث ابن أبي أوفى وجلست منها مجلس الرجل من المرأة قوله لا تفض بالفاى والضاد المعجمة أي لا تكسر والخاتم كناية عن عذرتها وكأنها كانت بكرا فإن قلت في حديث النعمان ما يدل على أنها لم تكن بكرا قلت يحمل على أنها أرادت بالخاتم الفرج والألف واللام في الخاتم عوض عن الياء أي خاتمي قوله إلا بحقه أي الحلال أرادت أنها لا تحل له إلا بتزويج صحيح ووقع في حديث علي فقالت أذكرك الله أن لا ترتكب مني ما حرم الله عليك قال أنا أحق أن أخاف ربي وفي حديث النعمان بن بشير فلما أمكنتني من نفسها بكت فقلت مايبكيك قالت فعلت هذا من الحاجة فقلت إنطلقي وفي حديث ابن أبي أوفى فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار فقمت عنها
45 -
( باب )
أي هذا باب وهو كالفصل لما قبله وليس في أكثر النسخ لفظ باب
6643 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه فقالت اللهم لا تمت ابني حتى يكون مثل هذا فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم رجع في الثدي ومر بامرأة تجرر ويلعب بها فقالت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقال اللهم اجعلني مثلها فقال أما الراكب فإنه كافر وأما المرأة فإنهم يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون تسرق وتقول حسبي الله
مطابقته للترجمة من حيث إن وقع هذا كان في أيام بني إسرائيل وأبو اليمان الحكم بن نافع و ( عبد الرحمن ) هو ابن هرمز

(16/53)


الأعرج ومضى الحديث في باب واذكر في الكتاب مريم ( مريم 61 ) عن قريب ومر الكلام فيه هناك قوله مر بلفظ المجهول قوله تجرر بالراء
7643 - حدثنا ( سعيد بن تليد ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( جرير ابن حازم ) عن ( أيوب ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فنفر لها به ( انظر الحديث 1233 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد هو سعيد بن عيسى بن سعيد بن تليد بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام أبو عثمان الرعيني المصري وهو من أفراده وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري والحديث أخرجه مسلم في الحيوان
قوله يطيفبضم أوله من أطاف يطيف بعنى طاف يطوف طوفا وهو الدوران حول الشيء قوله بركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف وهي البئر مطوية كانت أو غير مطوية وغير المطوية يقال لها جب وقليب وقيل الركي البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوى قوله بغي بفتح الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء وهي الزانية وتجمع على بغايا قوله موقها بضم الميم وسكون الواو وفي آخره قاف قال بعضهم هو الخف قلت لا بل الموق هو الذي يلبس فوق الخف ويقال له الجرموق أيضا وهو فارسي معرب به في رواية الكشميهني وليس هو في رواية غيره وقد مضى في كتاب الشرب عن أبي هريرة نحو هذا ولكن القضية للرجل وكذا وقع في الطهارة في شأن الرجل قال بعضهم يحتمل تعدد القضية قلت بل يقطع بأنه قضيتان إحداهما للرجل الأخرى للمرأة وإنما يقال يحتمل تعدد القضية أن لو كانت لواحد فافهم
8643 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( حميد ابن عبد الرحمان ) أنه سمع ( معاوية بن أبي سفيان عام حج على المنبر فتناول قصة ) من شعر كانت في يدي حرسي فقال ( يا أهل المدينة أين علماؤكم ) سمعت النبي ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم
مطابقته للترجمة في قوله إنما هلكت بنو إسرائيل
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن إسماعيل وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن ابن أبي عمرو عن حرملة بن يحيى وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الترجل عن القعنبي به وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة عن سفيان به
ذكر معناه قوله عام حج وفي رواية للبخاري عن سعيد بن المسيب آخر قدمة قدامها وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها معاوية في خلافته قوله على المنبر حال من معاوية والمراد به منبر رسول الله قوله قصة بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وهي شعر الرأس من جهة الناصية وهنا المراد منه قطعة من قصصت الشعر أي قطعته قوله حرسي منسوب إلى الحراس أحد الحرس وهم الذين يحرسون السلطان قال الكرماني الواحد حرسي لأنه قد صار اسم جنس فنسب إليه ولا تقل حارس إلا أن تذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس ويطلق الحرسي ويراد به الجندي قوله فقال يا أهل المدينة أي يا أهل المدينة وفي أكثر النسخ لفظ يا غير محذوفة قوله أين علماؤكم قال بعضهم فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قليلا وهو كذلك لأن غالب الصحابة يومئذ كانوا قد ماتوا وكان رأي جهال عوامهم صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماءهم ويؤنبهم بما تركوه من الإنكار في ذلك قلت إن كان غالب الصحابة ماتوا في ذلك الوقت فقد قام مقامهم أكثر منهم جماعة من التابعين الكبار

(16/54)


والصغار وأتباعهم ولم يكن معاوية قصد هذا المعنى الذي ذكره هذا القائل وإنما كان قصده الإنكار عليهم بإهمالهم إنكار مثل هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره وفي هذا اعتناء الولاة بإزالة المنكرات وتوبيخ من أهملها قوله ويقول عطف على قوله وينهى أي يقول النبي قوله إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها أي حين اتخذ القصة نساؤهم وكان هذا سببا لهلاكهم فدل على أن ذلك كان حراما عليهم فلما فعلوه مع ما انضم إلى ذلك مما ارتكبوا من المعاصي هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر
9643 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب ( الحديث 9643 - طرفه في 9863 )
مطابقته للترجمة في قوله فيما مضى قبلكم من الأمم وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المديني وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسعد يروي عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عمر رضي الله تعالى عنه عن يحيى بن قزعة وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد بن رافع والحسن بن محمد
قوله إنه أي إن الشأن قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أراد بني إسرائيل قوله محدثون بفتح الدال المهملة المشددة جمع محدث قال الخطابي المحدث الملهم الذي يلقي الشيء في روعه فكأنه قد حدث به يظن فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون وهي منزلة جليلة من منازل الأولياء وقيل المحدث هو من يجري الصواب على لسانه وقيل من تكلمه الملائكة وقال الترمذي أخبرني بعض أصحاب أبي عيينة قال محدثون يعني مفهمون وقال ابن وهب ملهمون وقال ابن قتيبة يصيبون إذا ظنوا وحدثوا وقال ابن التين يعني متفرسون وقال النووي حاكيا عن البخاري يجري الصواب على ألسنتهم وهذه المعاني متقاربة قوله وإنه أي وإن الشأن أن كان في أمتي منهم أي من المحدثين فإنه عمر بن الخطاب قال ذلك على سبيل التوقع وقد وقع ذلك بحمد الله تعالى وفيه منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفيه كرامة الأولياء وأنها لا تنقطع إلى يوم الدين
0743 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أبي الصديق الناجي ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من توبة قال لا فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هاذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الصديق بكسر المهملتين وتشديد الثانية واسمه بكر بن قيس أو بكر بن عمرو الناجي بالنون وتخفيف الجيم وتشديد الياء نسبة إلى ناجية بنت غزوان أخت عتبة بن لؤي وهي قبيلة كبيرة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن بندار به وعن عبيد الله بن معاذ وعن أبي موسى وأخرجه ابن ماجه في الديات عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله ثم خرج يسأل أي عن التوبة والاستغفار وفي رواية مسلم من طريق هشام عن قتادة يسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب قوله فأتى راهبا الراهب واحد رهبان النصارى وهو الخائف والمتعبد قيل فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع عيسى عليه الصلاة و السلام لأن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه

(16/55)


كما نص عليه في القرآن قوله فقال له هل من توبة يعني فقال للراهب هل من توبة لي وفي بعض النسخ فقال له توبة وقال بعض شراحه حذف أداة الإستفهام وفيه تجريد لأن حق القياس أن يقول ألي توبة قلت ليس هذا بتجريد وإنما هو التفات وقوله لأن حق القياس غير موجه لأنه لا قياس هنا وإنما يقال في مثل هذا لأن مقتضى الظاهر أن يقال كذا قوله فقتله أي قتل الراهب الذي سأله وأجابه بلا قوله فجعل يسأل أي من الناس ليدلوه على من يأتي إليه فيسأله عن التوبة قوله فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا وزاد في رواية هشام فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت قوله فأدركه الموت أي في الطريق والفاء فيه فصيحة تقديره فذهب إلى تلك القرية فأدركه الموت والمراد إدراك أمارات الموت قوله فناء بنون ومد وبعد الألف همزة أي مال بصدره إلى ناحية تلك القرية التي توجه إليها للتوبة والعبادة وقيل فنى على وزن سعى بغير مد أي بعد فعلى هذا المعنى بعد عن الأرض التي خرج منها وقيل قوله فناء بصدره مدرج والدليل عليه أنه قال في آخر الحديث قال قتادة قال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره قوله فاختصمت فيه وزاد في رواية هشام فقالت ملائكة الرحمة جاءنا تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه حكما بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو لها قوله فأوحى الله إلى هذه أي إلى القرية المتوجه إليها أن تقربي كلمة أن تفسيرية قوله وأوحى إلى هذه أي إلى القرية المتوجه منها أن تباعدي قوله قيسوا ما بينهما أي ما بين القريتين وقال بعضهم متعجبا وقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ( الكبير ) للطبراني قال فيه أن اسم القرية الصالحة نصرة واسم القرية الآخرة كفرة قلت هذا ليس محل التعجب والاستغراب فإن اسمها مذكور في مواضع كثيرة وقد ذكرها أبو الليث السمرقندي في ( تنبيه الغافلين ) قوله فوجد إلى هذه أي إلى القرية التي توجه إليها قوله فغفر له أي غفر الله له فإن قيل حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة بل لا بد من الاسترضاء وأجيب بأن الله تعالى إذا قبل توبة عبده يرضى خصمه
وفي الحديث مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل النفس وقال القاضي مذهب أهل السنة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتقنيط عن التوبة فإنما روي ذلك لئلا تجترىء الناس على الدماء قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( النساء 84 و611 ) فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفر له وأما قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ( النساء 39 ) فمعناه جزاؤه أن جازاه وقد لا يجازى بل يعفو عنه وإذا استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر يخلد في النار إجماعا وفيه فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة وفيه حجة من أجاز التحكيم وأن المحكمان إذا رضيا جاز عليهما الحكم وفيه أن للحاكم إذا تعارضت عنده الأحوال وتعذرت البينات أن يستدل بالقرائن على الترجيح وفيه من جواز الاستدلال على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة وفيه رجاء عظيم لأصحاب العظائم
1743 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ( صلى ) رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهاذا إنما خلقنا للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تكلم فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلب حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب هذا

(16/56)


استنقذتها مني فمن لها يوم السبع يوم لا راعي غيري فقال الناس سبحان الله ذئب يتكلم قال فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم
مطابقته للترجمة في قوله بينا رجل وبينما رجل لأنهما من بني إسرائيل وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو من رواية الأقران وذكر أبو مسعود أن أبا سلمة سقط من رواية علي بن عبد الله وذكر خلف وغيره أنه لم يسقط
والحديث مضى في المزارعة في باب استعمال البقر للحراثة عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس فيه الأعرج وقد مضى الكلام فيه
قوله إذ ركبها جواب بينا قوله وما هما ثم أي ليس أبو بكر وعمر حاضرين هناك قوله هذا أي هذا الذئب استنقذتها ويروى استنقذها ويكون المعنى هذا الرجل قوله من لها يوم السبع أي من لها يوم الفتن حين يتركها الناس هملا لا راعي لها نهبة فيبقى السبع راعيا لها وقد مضى بقية الكلام في المزارعة
وحدثنا علي حدثنا سفيان عن مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي بمثله
هذا طريق آخر أشار به إلى أنه سمعه من شيخه علي بن عبد الله مفرقا ولسفيان فيه شيخان أحدهما أبو الزناد عن الأعرج والآخر عن مسعر بكسر الميم ابن كدام عن سعد بن إبراهيم كلاهما عن أبي سلمة وفي كل من الإسنادين رواية القرين عن قرينه لأن الأعرج قرين أبي سلمة لأنه شاركه في أكثر شيوخه وسفيان بن عيينة قرين مسعر لأنه شاركه في أكثر شيوخه وأن كان مسعر أكبر سنا من سفيان
2743 - حدثنا ( إسحاق بن نصر ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد قال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية قال انكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا
مطابقته للترجمة من حيث إن الرجلين المذكورين فيه من بني إسرائيل وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري
والحديث أخرجه مسلم في القضاء عن محمد بن رافع
قوله عقارا العقار أصل المال من الأرض وما يتصل بها وعقر الشيء أصله ومنه عقر الأرض بفتح العين وضمها وقيل العقار المنزل والضيعة وخصه بعضهم بالنخل وقال ابن التين العقار الضياع وعقار الرجل ضيعته قوله جرة وهي من الفخار ما يصنع من المدر قوله ولم أبتع منك أي ولم أشتر منك الذهب قوله فتحاكما إلى رجل ظاهره أنهما حكما ذلك الرجل لكن في حديث إسحاق بن بشير التصريح بأنه كان حاكما منصوبا للناس قوله ألكما ولد بفتح الواو واللام والمراد به جنس الولد لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعا ولد واحد والمعنى ألكل واحد منكما ولد ويجوز بضم الواو وسكون اللام وهو صيغة جمع فيكون المعنى ألكما أولاد ويجوز كسر الواو أيضا فإن قلت جاء أنفقوا وأنكحوا بصيغة الجمع وقوله تصدقا بصيغة التثنية قلت لأن العقد لا بد فيه من شاهدين فيكونان مع الرجلين أربعة وهو جمع والنفقة قد يحتاج فيها إلى المعين كالوكيل فيكون أيضا جمعا وأما وجه التثنية في الصدقة فلأن

(16/57)


الزوجين مخصوصان بذلك
وفي الحديث إشارة إلى جواز التحكيم وفي هذا الباب خلاف فقال أبو حنيفة إن وافق رأي المحكم رأي قاضي البلد نفذ وإلا فلا وأجازه مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا وقال القرطبي هذا الرجل الذي تحاكما إليه لم يصدر منه حكم على أحد منهما وإنما أصلح بينهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما وحكى المازري خلافا عندهم فيما إذا ابتاع أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري فإن كان من أنواع الأرض كالحجارة والعمد والرخام فهو للمشتري وإن كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز وإن كان من دفين المسلمين فهو لقطة وإن جهل ذلك كان مالا ضائعا فإن كان هناك بيت مال يحفظ فيه وإلا صرف إلى الفقراء والمساكين وفيما يستعان به على أمور الدين وفيما أمكن من مصالح المسلمين وقال ابن التين فإن كان من دفائن الإسلام فهو لقطة وإن كان من دفائن الجاهلية فقال مالك هو للبائع وخالفه ابن القاسم فقال إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها وقول مالك أحسن لأن من ملك أرضا باختطاط ملك ما في باطنها وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه فيه
3743 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( محمد بن المنكدر ) وعن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) عن ( عامر بن سعد بن أبي وقاص ) عن أبيه أنه سمعه ( يسأل أسامة بن زيد ماذا ) سمعت ( من ) رسول الله في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منهقال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرارا منه
مطابقته للترجمة في قوله على طائفة من بني إسرائيل وأبو النضر بسكون الضاد المعجمة اسمه سالم وهو ابن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في ترك الحيل عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وأخرجه مسلم في الطب عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن جماعة آخرين وأخرجه الترمذي في الجنائز عن قتيبة وأخرجه النسائي في الطب عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين عن أبي القاسم عن مالك
قوله في الطاعون أي في حال الطاعون وشأنه وهو على وزن فاعول من الطعن غير أنه عدل عن أصله ووضع دالا على الموت العام المسمى بالوباء وقال الخليل الوباء هو الطاعون وقيل هو كل مرض عام يقع بكثير من الناس نوعا واحدا بخلاف سائر الأوقات فإن أمراضهم فيها مختلفة فقالوا كل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا وقيل الطاعون هو الموت الكثير وقيل بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهيب ويسود ما حوله أو يخضر ويحصل معه خفقان القلب والقيء ويخرج في المراق والآباط قوله رجز أي عذاب كائن على من كان قبلنا وهو رحمة لهذه الأمة كما صرح به في حديث آخر قوله فلا تقدموا بفتح الدال عليه أي على الطاعون الذي وقع بأرض وذلك لأن المقام بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن للقلوب قوله فرارا منه أي لأجل الفرار من الطاعون
وذكر ابن جرير الخلاف عن السلف في الفرار منه وذكر عن أبي موسى الأشعري أنه كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون وعن الأسود بن هلال ومسروق أنهما كانا يفران منه وعن عمرو بن العاص أنه قال تفرقوا في هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال فبلغ معاذا فأنكره وقال بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم وكان بالكوفة طاعون فخرج المغيرة منها فلما كان في حضار بني عوف طعن فمات وأما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فإنه رجع من سرع ولم يقدم عليه حين قدم الشام وذلك لدفع الأوهام المشوشة لنفس الإنسان وتأول من فر أنه لم ينه عن الدخول أو الخروج مخافة أن يصيبه غير المقدر ولكن مخافة الفتنة أن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار إنما كانت بفراره وهذا من نحو النهي

(16/58)


عن الطيرة وعن ابن مسعود هو فتنة على المقيم والفار وأما الفار فيقول فررت فنجوت وأما المقيم فيقول أقمت فمت وإنما فر من لم يأت أجله وأقام من حضر أجله وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها الفرار منه كالفرار من الزحف ويقال قلما فر أحد من الوباء فسلم ويكفي في ذلك موعظة قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ( البقرة 342 ) الآية قال الحسن خرجوا حذرا من الطاعون فأماتهم الله في ساعة واحدة وهم أربعون ألفا وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه كانت العرب تقول إذا دخل أحد بلدا وفيها وباء فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخوله فيها إذا فل أمن من الوباء فإن قلت عدم القدوم عليه تأديب وتعليم وعدم الخروج إثبات التوكل والتسليم وهما ضدان يؤمر وينهى عنه قلت قال ابن الجوزي إنه لم يؤمن على القادم عليه أن يظن إذا أصابه أن ذلك على سبيل العدوى التي لا صنع للعذر فيما نهي عن ذلك فكلا الأمرين مراد لإثبات العذر وترك التعرض لما فيه من تزلزل الباطن وقال بعضهم إنما نهى عن الخروج لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم
قوله قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرارا منه كذا هو بالنصب ويجوز رفعه واستشكلهما القرطبي لأنه يفيد بحكم ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار وهذا محال وهو نقيض المقصود من الحديث فلا جرم قيده بعض رواة الموطأ بكسر الهمزة وسكون الفاء ورد هذا بأنه لا يقال أفر إفرارا وإنما يقال فر فرارا وقيل ألا ههنا غلط من الراوي والصواب حذفها وقيل إنها زائدة كما في قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد ( الأعراف 21 ) أي ما منعك أن تسجد ووجه طائفة النصب على الحال وجعلوا ألا للإيجاب لا للاستثناء وتقديره لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا منه فأباح الخروج لغرض آخر كالتجارة ونحوها
4743 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا داود بن أبي الفرات حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت سألت رسول الله عن الطاعون فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتبسا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد
هذا الحديث من جنس الحديث السابق فلذلك ذكره عقيبه فتقع المطابقة بينه وبين الترجمة من حيث أنه مطابق للمطابق والمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء
وداود بن أبي الفرات بضم الفاء وتخفيف الراء وبالتاء المثناة من فوق المروزي ثم البصري مات سنة سبع وستين ومائة وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة مصغر بردة ابن الحصيب بالمهملتين قاضي مرو تقدم في الحيض ويحيى بن يعمر بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبالراء البصري النحوي القاضي أيضا بمرو التابعي الجليل
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن ( موسى بن إسماعيل ) أيضا وفي الطب عن إسحاق عن حبان بن هلال وفي القدر عن إسحاق بن إبراهيم عن النضر بن شميل وأخرجه النسائي في الطب عن العباس ابن محمد وعن إبراهيم بن يونس
قوله ليس من أحد كلمة من زائدة قوله فيمكث في بلده أي يستقر فيه ولا يخرج قوله صابرا حال وكذا قوله محتسبا إما من الأحوال المترادفة أو المتداخلة وكذلك قوله يعلم حال قوله إلا كان له استثناء من قوله أحد
وفيه بيان عناية الله تعالى بهذه الأمة المكرمة حيث جعل ما وعد عذابا لغيرهم رحمة لهم
5743 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ل ( يث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن ( قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا ) ومن يكلم فيها رسول الله فقالوا ومن يجتري عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله فكلمه أسامة فقال

(16/59)


رسول الله أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها
مطابقته للترجمة في قوله إنما أهلك الذين من قبلكم لأن المراد منهم بنو إسرائيل والدليل عليه قوله في بعض طرقه إن بني إسرائيل كانوا
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل أسامة عن قتيبة وفي الحدود عن أبي الوليد وأخرجه مسلم في الحدود عن قتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود فيه عن يزيد بن خالد وقتيبة وأخرجه الترمذي فيه والنسائي في القطع جميعا عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه في الحدود عن محمد بن رمح
قوله أهمهم أي أحزنهم قوله شأن المرأة أي حال المرأة المخزومية وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وكانت سرقت حليا وكان ذلك في غزوة الفتح وقتل أبوها كافرا يوم بدر وكان حلف ليكسرن حوض رسول الله فقاتل حتى وصل إليه فأدركه حمزة رضي الله تعالى عنه وهو يكسره فقتله فاختلط دمه بالماء قوله فقالوا أي قريش قوله فيها أي في المرأة المخزومية أي لأجلها قوله ومن يجترىء عليه أي ومن يتجاسر عليه بطريق الإدلال قوله حب رسول الله بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة أي محبوب رسول الله قوله أتشفع الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله أنهم بفتح الهمزة قوله وأيم الله اختلف في همزته هل هي للوصل أو للقطع وهو من ألفاظ القسم نحو لعمر الله وعهد الله وفيه لغات كثيرة وتفتح همزته وتكسر وقال ابن الأثير وهمزتها همزة وصل وقد تقطع وأهل الكوفة من النحاة يزعمون أنه جمع يمين وغيرهم يقول هو اسم موضوع للقسم
وفيه النهي عن الشفاعة في الحدود ولكن ذلك بعد بلوغه إلى الإمام وفيه منقبة ظاهرة لأسامة رضي الله تعالى عنه
6743 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( عبد الملك بن ميسرة ) قال سمعت ( النزال بن سبرة الهلالي ) عن ( ابن مسعود ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رجلا ( قرأ ) وسمعت النبي يقرأ خلافها فجئت به النبي فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ( انظر الحديث 0142 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فإن من كان قبلكم اختلفوا وآدم هو ابن أبي إياس وعبد الملك ميسرة ضد الميمنة والنزال بفتح النون وتشديد الزاي وباللام سبق مع الحديث في كتاب الخصومات فإنه أخرج هذا الحديث هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة إلى آخره قوله قرأ ويروى قرأ آية وقد مر الكلام فيه هناك
131 - ( حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني شقيق قال عبد الله كأني أنظر إلى النبي يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )
مطابقته للترجمة في قوله نبيا من الأنبياء والظاهر أنه من أنبياء بني إسرائيل وقال النووي هذا النبي الذي حكى النبي ما جرى له من المتقدمين وقال بعضهم يحتمل أن يكون هو نوح عليه الصلاة و السلام فإن قومه كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ( قلت ) على قوله لا مطابقة بينه وبين الترجمة فإن الترجمة في بني إسرائيل ونوح عليه الصلاة و السلام قبل بني إسرائيل بمدة متطاولة وقال القرطبي أن النبي هو الحاكي والمحكي ( قلت ) هذا أيضا نحوه وعمر بن حفص شيخ البخاري يروي

(16/60)


عن أبيه حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها وهو يروي عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه والحديث أخرجه البخاري أيضا في استتابة المرتدين وأخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن نمير وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن ابن نمير به -
8743 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( عقبة بن عبد الغافر ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ففعلوا فجمعه الله عز و جل فقال ما حملك قال مخافتك فتلقاه برحمته
مطابقته للترجمة في قوله أن رجلا كان قبلكم وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك وأبو عوانة بفتح العين الوضاح ابن عبد الله اليشكري وعقبة بن عبد الغافر أبو نهار الأزدي الكوفي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر مضى في الوكالة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن موسى بن إسماعيل وفي التوحيد عن عبد الله ابن أبي الأسود وأخرجه مسلم في التوبة عن عبيد الله بن معاذ وعن يحيى بن حبيب وعن أبي موسى وعن ابن أبي شيبة
قوله رغسه الله بفتح الراء والغين المعجمة والسين المهملة أي أعطاه الله وقيل أي أكثر ماله وبارك فيه وهو من الرغس وهو البركة والنماء والخير ورجل مرغوس كثير المال والخير وقيل رغس كل شيء أصله فكأنه جعل له أصلا من المال وقيل يروى رأسه الله مالا بالسين المهملة وقال ابن التين هذا غلط فإن صح فهو بشين معجمة من الريش والرياش وهو المال قلت في رواية مسلم راشه الله بالراء والشين المعجمة من الريش وهو المال قوله لما حضر على صيغة المجهول أي لما حضره الموت قوله في يوم عاصف أي عاصف ريحه أي شديد قوله ما حملك أي أي شيء حملك على هذه الوصية قوله مخافتك أي حملتني مخافتك أي لأجل الخوف منك فيكون ارتفاع مخافتك بالفعل المحذوف وقال الكرماني ارتفاعه بأنه مبتدأ محذوف الخبر أو بالعكس ويروى بالنصب على نزع الخافض أي لأجل مخافتك قلت الذي ذكرناه أوجه وأنسب على ما لا يخفى على المعرب قوله فتلقاه بالقاف عند أبي ذر أي استقبله برحمته وقال ابن التين لا أعلم للفاء وجها إلا أن يكون أصله فتلففه رحمته فلما اجتمعت الفاآت الثلاث أبدلت الأخيرة ألفا فصار تلفاه ويروى فتلافاه وهي رواية الكشميهني
وقال معاذ حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت عقبة بن عبد الغافر سمعت أبا سعيد الخدري عن النبي
هذا التعليق وصله مسلم عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه حدثنا أبي حدثنا شعبة عن قتادة سمع عقبة بن عبد الغافر يقول سمعت أبا سعيد الخدري يحدث عن النبي أن رجلا فيمن كان قبلكم راشه الله تعالى مالا وولدا فقال لولده لتفعلن ما آمركم به أو لأولين ميراثي غيركم إذا أنا مت فأحرقوني وأكبر ظني أنه قال ثم اسحقوني واذروني في الريح فإني لم ابتهر عند الله خيرا وإن الله يقدر على أن يعذبني قال فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك به وذري فقال الله تعالى ما حملك على ما فعلت قال مخافتك قال فما تلافاه غيرها
9743 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( ربعي بن حراش ) قال قال ( عقبة لحذيفة ألا تحدثنا ما ) سمعت من النبي قال سمعته يقول إن رجلا

(16/61)


حضره الموت لما أيس من الحياة أوصى أهله إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها فذروني في اليم في يوم حار أو راح فجمعه الله فقال لم فعلت قال خشيتك فغفر له قال عقبة وأنا سمعته يقول ( انظر الحديث 2543 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله أن رجلا حضره الموت وهذا الحديث مضى في أول باب ما ذكر عن بن إسرائيل بأتم منه فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عبد الله بن عمير عن ربعي بن حراش إلى آخره وهنا أخرجه عن مسدد عن أبي عوانة الوضاح وهذا هكذا رواية الكشميهني وأبو ذر صوب رواية الأكثرين وهي عن موسى بن إسماعيل التبوذكي وذكر أبو نعيم في ( المستخرج ) أنه عن موسى ومسدد جميعا لأنهما قد سمعا من أبي عوانة وقد ذكرنا هناك ما تيسر لنا من لطف الله وفضله فلنذكر هنا ما يجلب من الفوائد أحسنها وأخصرها
فقوله قال عقبة هو عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري لا عقبة بن عبد الغافر المذكور آنفا ولا يلتبس عليك قوله ألا تحدثنا كلمة ألا هنا للعرض والتحضيض ومعناهما طلب الشيء ولكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وإلا هذه تختيص بالفعلية قوله قال سمعته أي قال عقبة سمعت حذيفة يقول قال النبي قوله أوصى إلى أهله ويروى أوصى أهله قوله صم أوروا أمر للجمع بفتح الهمزة من أورى يوري إيراء يقال ورى الزند يري إذا خرجت ناره وأوراه غيره إذا استخرج ناره قوله وإذا خلصت بفتح اللام أي وصلت قوله فذروني بضم الذال وتشديد الراء من ذروت الشيء أذروه ذروا إذا فرقته قوله في اليم أي في البحر قوله في يوم حار أو راح هذا على الشك في رواية النسفي وعند أبي الهيثم حار فقط بالراء أي شديد الحر قال الجوهري حر النهار فيه لغتان تقول حررت يا يوم بالفتح وحررت بالكسر وأحر النهار لغة فيه سمعها الكسائي قوله أو راح أي ذي ريح شديدة وفي رواية المروزي حاز بحاء مهملة وزاي مشددة ومعناه يحز ببرده أو حره وكذا قيده الأصيلي وأبو ذر وفي رواية القابسي في يوم حان بالنون واقتصر ابن التين على هذه الرواية ثم نقل عن ابن فارس الحون ريح يحن كحنين الإبل قال فعلى هذا يقرأ في يوم حان بتشديد النون يريد حان ريحه وفي ( التوضيح ) وتبعه بعض شيوخنا فاقتصر عليه في شرحه وأهمل الباقي قوله فجمعه الله أي جمع جسده لأن التحريق والتفريق إنما وقع عليه وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث وفي حديث سلمان الفارسي عند أبي عوانة في ( صحيحه ) فقال الله كن فكان كأسرع من طرف العين قوله فقال لم فعلت أي فقال الله تعالى لذلك الرجل لم فعلت هذا قال من خشيتك أي من أجل خشيتي منك قوله فغفر له فإن قلت إن كان هذا الرجل مؤمنا فلم شك في قدرة الله تعالى حيث قال فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا على ما يأتي عن قريب في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وإن لم يكن فكيف غفر له قلت كان مؤمنا بدليل الخشية ومعنى قدر مخففا ومشددا حكم وقضى أو ضيق وقال النووي قيل أيضا إنه على ظاهره ولكن قاله غير ضابط لنفسه وقاصد لمعناه بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف بحيث ذهب تدبره فيما يقوله فصار كالغافل والناسي لا يؤاخذ عليهما أو أنه كان في زمان ينفعه مجرد التوحيد أو كان في شرعهم جواز العفو عن الكافر وقال الخطابي فإن قلت كيف يغفر له وهو منكر للقدرة على الإحياء قلت ليس بمنكر إنما هو رجل جاهل ظن أنه إذا صنع به هذا الصنيع ترك فلم ينشر ولم يعذب وحيث قال من خشيتك علم أنه أنه رجل مؤمن فعل ما فعل من خشية الله ولجهله حسب أن هذه الحيلة تنجيه قوله وقال عقبة أي عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري وأنا سمعته يقول أي النبي
حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك وقال في يوم راح
أشار بهذا إلى أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف مسددا في لفظه من الحديث المذكور وهي قوله في يوم راح لأن في رواية مسدد في يوم حار على ما مر عن قريب

(16/62)


843 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا قال فلقي الله فتجاوز عنه ( انظر الحديث 8702 )
مطابقته للترجمة في أول الحديث وقد مضى هذا الحديث في البيوع في باب من أنظر معسرا فإنه أخرجه هناك عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله إلى آخره نحوه غير أن فيه كان تاجرا يداين الناس
1843 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال يا رب خشيتك فغفر له وقال غيره مخافتك يا رب ( الحديث 1843 - طرفه في 6057 )
مطابقته للترجمة في قوله فكان رجل مسرف على نفسه وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي وهشام هو ابن يوسف الصنعاني وكان قاضيها قوله ثم ذروني بفتح الذال وتخفيف الراء أي اتركوني وهو أمر من يذر والعرب أماتوا ماضيه وفي رواية الكشميهني ثم أذروني بفتح الهمزة في أوله من أذرت الريح الشيء إذا فرقته بهبوبها قوله فوالله لئن قدر علي قد مضى معناه عن قريب قوله فعل به ذلك أي الذي أوصى به الرجل قوله وقال غيره المراد من لفظ الغير هو عبد الرزاق فإن هشاما روى عن معمر عن الزهري بلفظ خشيتك وروى عبد الرزاق عن معمر بلفظ مخافتك بدل خشيتك ومعناهما واحد وبقية معاني ألفاظ الحديث قد مرت عن قريب
2843 - حدثني ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا هي سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ( انظر الحديث 5632 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن وضع الحديث هنا يدل على أن تلك المرأة من بني إسرائيل وعبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد بن مخراق الضبعي البصري ابن أخي جويرية بن أسماء وهو شيخ مسلم أيضا وجويرية مصغر جارية بالجيم ابن أسماء بن عبيد ابن مخراق الضبعي البصري والحديث مر في أواخر بدء الخلق في باب خمس من الدواب ومر أيضا نحوه في الصلاة في باب ما يقرأ بعد التكبير وأخرجه مسلم في الحيوان وفي الأدب عن عبد الله بن محمد المذكور ومر الكلام فيه هناك قوله في هرة أي بسبب هرة وقد تجيء كلمة في للسببية كما في نحو في النفس المؤمنة مائة إبل قوله خشاش الأرض بالمعجمات وفتح الخاء وهي حشرات الأرض وهوامها

(16/63)


3843 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) عن ( زهير ) حدثنا ( منصور ) عن ( ربعي ابن حراش ) حدثنا ( أبو مسعود عقبة ) قال قال النبي إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من أول الحديث لأن المراد من الناس الأوائل وهو يشمل بني إسرائيل وغيرهم فافهم وأحمد ابن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربرعي الكوفي وزهير هو ابن معاوية الكوفي ومنصور هو ابن المعتمر الكوفي وربع ابن حراش مر عن قريب وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري وهذا هو المحفوظ وحكى الدارقطني في ( العلل ) رواية إبراهيم بن سعد عن منصور عن عبد الملك فقال عن ربعي عن حذيفة ورواه أيضا أبو مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة قيل لا يبعد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أحمد بن يونس وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن عمرو بن رافع
قوله إن مما أدرك الناس بالرفع والنصب أي مما أدركه الناس أو مما بلغ الناس قوله من كلام النبوة أي مما اتفق عليه الأنبياء أي إنه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم لأنه أمر أطبقت عليه العقول وفي رواية أبي داود وأحمد وغيرهما من كلام النبوة الأولى وفي بعض نسخ البخاري هكذا أيضا قوله فافعل ما شئت ويروى فاصنع ما شئت
وفيه أوجه أحدها إذا لم تستح من العتب ولم تخش العار فافعل ما تحدثك به نفسك حسنا كان أو قبيحا ولفظه أمر ومعناه توبيخ الثاني أن يحمل الأمر على بابه تقول إذا كنت آمنا في فعلك أن تستحي منه لجريك فيه على الصواب وليس من الأفعال التي يستحي منها فاصنع ما شئت الثالث معناه الوعيد أي إفعل ما شئت تجازى به كقوله عز و جل اعملوا ما شئتم ( فصلت 04 ) الرابع لا يمنعك الحياء من فعل الخير الخامس هو على طريق المبالغة في الذم أي تركك الحياء أعظم مما تفعله واعلم أن الجملة أعني قوله إذا لم تستح إسم إن على تقدير القول أو خبره على تأويل من التبعيضية بلفظ البعض ولفظ إصنع أمر بمعنى الخبر أو أمر تهديدي أي إصنع ما شئت فإن الله يجزيك
5843 - حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبيد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني سالم أن ابن عمر حدثه أن النبي قال بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ( الحديث 5843 - طرفه في 0975 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث لأن الرجل الذي فيه من الأوائل وهو يشمل بني إسرائيل وغيرهم وقيل هذا الرجل هو قارون وهو من بني إسرائيل وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري هو محمد بن مسلم وسالم هو ابن عبد الله ابن عمر والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن وهب بن بيان
قوله بينما ظرف مضاف إلى جملة فيحتاج إلى جواب وجوابه هو قوله خسف به قوله من الخيلاء هو التكبر والتبختر مع الإعجاب قوله يتجلجل أي يتحرك في الأرض والجلجلة الحركة مع صوت وقال ابن دريد كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته وعن ابن فارس هو أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلى شق
تابعه عبد الرحمان بن خالد عن الزهري
أي تابع يونس عبد الرحمن بن خالد في روايته عن محمد بن مسلم الزهري وعبد الرحمن هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث ابن سعد بن عوف روى عنه الليث وكان واليا لهشام على مصر سنة ثمان عشرة ومائة وعزل سنة تسع عشرة وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة ووصل هذه المتابعة الذهلي في ( الزهريات ) عن أبي صالح عن الليث عن عبد الرحمن
5843 - حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبيد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني سالم أن ابن عمر حدثه أن النبي قال بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ( الحديث 5843 - طرفه في 0975 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من لفظ الحديث لأن الرجل الذي فيه من الأوائل وهو يشمل بني إسرائيل وغيرهم وقيل هذا الرجل هو قارون وهو من بني إسرائيل وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري هو محمد بن مسلم وسالم هو ابن عبد الله ابن عمر والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن وهب بن بيان
قوله بينما ظرف مضاف إلى جملة فيحتاج إلى جواب وجوابه هو قوله خسف به قوله من الخيلاء هو التكبر والتبختر مع الإعجاب قوله يتجلجل أي يتحرك في الأرض والجلجلة الحركة مع صوت وقال ابن دريد كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته وعن ابن فارس هو أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلى شق
تابعه عبد الرحمان بن خالد عن الزهري
أي تابع يونس عبد الرحمن بن خالد في روايته عن محمد بن مسلم الزهري وعبد الرحمن هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث ابن سعد بن عوف روى عنه الليث وكان واليا لهشام على مصر سنة ثمان عشرة ومائة وعزل سنة تسع عشرة وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة ووصل هذه المتابعة الذهلي في ( الزهريات ) عن أبي صالح عن الليث عن عبد الرحمن

(16/64)


6843 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) قال حدثني ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فغدا لليهود وبعد غد للنصارى على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم يغسل رأسه وجسده ( انظر الحديث 798 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أوتوا الكتاب من قبلنا لأنهم من بني إسرائيل وغيرهم وابن طاووس هو عبد الله يروي عن أبيه طاووس
والحديث مضى في أول كتاب الجمعة من وجه آخر فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج أنه سمع أبا هريرة إلى آخره وهنا زيادة على ذلك وهو قوله على كل مسلم إلى آخره
قوله نحن الآخرون أي في الدنيا السابقون في الآخرة قوله بيد بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة ومعناه غير يقال فلان كثير المال بيد أنه بخيل ويجيء بمعنى إلا وبمعنى لكن وقال المالكي المختار عندي في بيد أن يجعل حرف استثناء بمعنى لكن لأن معنى إلا مفهوم منها ولا دليل على إسميتها والمشهور استعمالها متلوة بأن كما في الحديث والأصل فيه بيد أن كل أمة فحذف أن وبطل عملها قال أبو عبيد وفيه لغة أخرى ميد بالميم وجاء في الحديث أنا أفصح العرب ميد أني من قريش وقال الطيبي قيل معنى بيد على أنه وعن المزني سمعت الشافعي يقول بيد من أجل قوله اختلفوا فيه معنى الاختلاف فيه أنه فرض يوم للجمع للعبادة ووكل إلى اختيارهم فمالت اليهود إلى السبت والنصارى إلى الأحد وهدانا الله إلى يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام قوله على كل مسلم إلى آخره المراد به يوم الجمعة لأنه في كل سبعة أيام يوم وإشار بقوله يغسل رأسه وجسده إلى الاغتسال يوم الجمعة فإنه له فضلا عظيما حتى صرح في الحديث الصحيح أنه واجب وإليه ذهب مالك وآخرون
8843 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( عمرو بن مرة ) سمعت ( سعيد بن المسيب ) قال ( قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها ) فخطبنا فأخرج كبة من شعر فقال ( ما كنت أرى ) أن ( أحدا يفعل هذا غير اليهود وإن ) النبي سماه الزور يعني الوصال في الشعر
مطابقته للترجمة في قوله اليهود لأنهم من بني إسرائيل وقد مر نحوه من حديث معاوية عن قريب في هذا الباب غير أنه من وجه آخر قوله قدمة بفتح القاف وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين قوله كبة بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة من الغزل وقال الجوهري الكبة الجر وهو من الغزل تقول منه كببت الغزل أي جعلته كببا وفي الحديث الذي مضى قصة من شعر قوله سماه الزور الزور الكذب والتزيين بالباطل ولا شك أن وصل الشعر منه وفيه طهارة شعر الآدمي
تابعه غندر عن شعبة
أي تابع آدم شيخ البخاري غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وفي آخره راء وهو لقب محمد بن جعفر في رواية الحديث المذكور عن شعبة ووصل مسلم هنا المتابعة وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبة من شعر فقال ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود إن رسول الله بلغه فسماه الزور وقال مسلم وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة قال معاوية وهذا الزور قال قتادة يعني ما يكثر النساء أشعارهن من الخرق والله تعالى أعلم بالصواب
بسم الله الرحمان الرحيم

(16/65)


16 -
( كتاب المناقب )
أي هذا كتاب في بيان المناقب وهو جمع المنقبة وهي ضد المثلبة ووقع في بعض النسخ باب المناقب والأول أولى لأن الكتاب يجمع الأبواب وفيه أبواب كثيرة تتعلق بأشياء كثيرة على ما لا يخفى
1 -
( باب قول الله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( الحجرات 31 ) وقوله واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ( النساء 1 ) )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى يا أيها الناس ( الحجرات 31 ) إلى آخره ذكر هذا ليبني عليه تفسير الشعوب والقبائل وما يتعلق بها واعلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في ثابت بن قيس وقوله للرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة فقال رسول الله من الذاكر فلانة فقام ثابت بن قيس فقال أنا يا رسول الله قال أنظر في وجوه القوم فنظر إليها فقال رسول الله ما رأيت يا ثابت قال رأيت أبيض وأسود وأحمر قال فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى فأنزل الله في ثابت هذه الآية
قوله من ذكر آدم عليه السلام وأنثى حواء عليها السلام وقيل خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فما منكم أحد إلا وهو يدلي ما يدلي به الآخر سواء بسواء فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب قوله وجعلناكم شعوبا وهي رؤوس القبائل وجمهورها قيل ربيعة ومضر والأوس والخزرج واحدها شعب بفتح الشين والشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة فالشعب يجمع القبائل والقبائل تجمع العمائر والعمائر تجمع البطون والبطن تجمع الأفخاذ والفخذ تجمع الفصائل خزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وسميت الشعوب شعوبا لأن القبائل تتشعب منها وقال صاحب ( المنتهي ) ما تشعب من قبائل العرب والعجم والشعوب الأمم المختلفة فالعرب شعب وفارس شعب والروم شعب والترك شعب وفي ( الموعب ) الشعب مثال كعب وعن ابن الكلبي بالكسر وفي ( نوادر الهجري ) لم يسمع فصيحا بكسر الشين وفي ( المحكم ) الشعب هو القبيلة نفسها وقد غلبت الشعوب بلفظ الجمع على جيل العجم وفي ( تهذيب ) الأزهري أخذت القبائل من قبائل الرأس لاجتماعها وفي ( الصحاح ) قبائل الرأس هي القطع المشعوب بعضها إلى بعض تصل بها الشؤون وقال الزجاج القبيلة من ولد إسماعيل عليه الصلاة و السلام كالسبط من ولد إسحاق عليه الصلاة و السلام سموا بذلك ليفرق بينهما ومعنى القبيلة من ولد إسماعيل معنى الجماعة يقال لكل جماعة من واحد قبيلة ويقال لكل جمع على شيء واحد قبيل أخذ من قبائل الشجرة وهي أغصانها وذكر ابن الهبارية في كتابة تلك المعاني أن القبائل من ولد عدنان مائتان وسبع وأربعون قبيلة والبطون من ولده مائتان وأربعة وأربعون بطنا والأفخاذ خمسة عشر فخذا غير أولاد أبي طالب وذكر أهل اللغة أن الشعوب مثل مضر وربيعة والقبائل دون ذلك مثل قريش وتميم ثم العمائر جمع عميرة ثم البطون جمع بطن ثم الأفخاذ جمع فخذ وقسم الجواني العرب إلى عشر طبقات الجذم ثم الجمهور ثم الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم العشيرة ثم الفصيلة ثم الرهط قوله لتعارفوا أي ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده فلا يعتري إلى غير آبائه لا أن يتفاخروا بالآباء والأجداد ويدعوا التفاضل والتفاوت في الأنساب ثم بين الفضيلة التي بها يفضل الإنسان على غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله تعالى فقال إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقال مجاهد لتعارفوا ليقال فلان ابن فلان وقرأ ابن عباس لتعرفوا وأنكره بعض أهل اللغة قوله وقوله تعالى واتقوا الله الذي ( النساء 1 ) إلى آخره أي اتقوا الله بطاعتكم إياه قال إبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد الذي تساءلون به أي كما يقال أسألك بالله وبالرحم وعن الضحاك واتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن زوروها وصلوها والأرحام جمع رحم وقرأ عبد الله بن يزيد المقريء و الأرحام بالضم على الابتداء والخبر محذوف أي الأرحام مما يتقى به والجمهور على النصب على تقدير واتقوا الأرحام وقرىء بالجر أيضا عطفا على قوله به وفيه خلاف فأجازه

(16/66)


الكوفيون ومنعه البصريون لأنه لا يجوز عندهم العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار قوله إن الله كان عليكم رقيبا ( النساء 1 ) أي مراقبا لجميع أعمالكم وأحوالكم
وما ينهى عن دعوى الجاهلية
عطف على قوله وقول الله الذي هو عطف على قول الله المجرور بإضافة الباب إليه أي باب فيما ينهى عن دعوى الجاهلية وهي الندبة على الميت والنياحة وقيل قولهم يا لفلان وقيل الانتساب إلى غير أبيه وقد عقد له بابا عن قريب يأتي إن شاء الله تعالى
الشعوب النسب البعيد والقبائل دون ذلك
أراد بالنسب البعيد مثل مضر وربيعة هذا قول مجاهد والضحاك قوله والقبائل دون ذلك مثل قريش وتميم
9843 - حدثنا ( خالد بن يزيد الكاهلي ) حدثنا ( أبو بكر ) عن ( أبي حصين ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا قال الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون
مطابقته للآية التي هي الترجمة ظاهرة لأن المذكور فيها الشعوب والقبائل وقد فسر ابن عباس الشعوب بالقبائل العظام وفسر القبائل بالبطون وذلك لأن الشعوب تجمع القبائل وذكر عن ابن عباس أيضا أن القبائل الأفخاذ فعلى هذا أن القبائل التي فسرها بالبطون تجمع الأفخاذ وخالد بن يزيد أبو الهيثم المقرىء الكاهلي الكوفي وهو من أفراده والكاهلي نسبة إلى كاهل بكسر الهاء ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بطن من هذيل والظاهر أنه منسوب إلى كاهل بن أسد بن خزيمة بن مدركة لأن جماعة كثيرة من أهل الكوفة ينتسبون إليه وأبو بكر هو ابن عياش ابن سالم الأسدي الكوفي الحناط بالنون وفي اسمه أقوال كثيرة والأصح أن اسمه كنيته وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين اسمه عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي
0943 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( سعيد بن أبي سعيد ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فيوسف نبي الله
مطابقته للترجمة في قوله قال أتقاهم ويحيى بن سعيد القطان وعبيد الله هو ابن عمر العمري وسعيد يروي عن أبيه أبي سعيد كيسان المقبري والحديث مر في باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( البقرة 331 ) فإنه أخرجه هناك بأتم منه ومر الكلام فيه هناك وإنما أطلق على يوسف أكرم الناس لكونه رابع نبي في نسق واحد ولا يعلم غيره بذلك
3 - ( حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا كليب بن وائل قال حدثتني ربيبة النبي زينب ابنة أبي سلمة قال قلت لها أرأيت النبي أكان من مضر قالت فممن كان إلا من مضر من بني النضر بن كنانة )
مطابقته للترجمة في قوله إلا من مضر فإنه من الشعوب وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري وعبد الواحد هو ابن زياد وكليب مصغر كلب ابن وائل بالهمز تابعي وسط كوفي وأصله من المدينة وليس في البخاري غير هذا الحديث قوله أرأيت أي أخبريني قوله أكان من مضر الهمزة فيه للاستفهام قوله فممن كان بالفاء رواية الكشميهني ورواية

(16/67)


غيره بلا فاء ويجيء تفسيره عن قريب
4 - ( حدثنا موسى حدثنا عبد الواحد حدثنا كليب حدثتني ربيبة النبي وأظنها زينب قالت نهى رسول الله عن الدباء والحنتم والمقير والمزفت وقلت لها أخبريني النبي ممن كان من مضر كان قالت فممن كان إلا من مضر كان من ولد النضر بن كنانة )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وموسى بن إسماعيل التبوذكي قوله وأظنها زينب الظاهر أن قائله موسى لأن قيس بن حفص في الرواية السابقة قد جزم بأنها زينب وشيخهما واحد ( فإن قلت ) قد أخرج الإسماعيلي هذا الحديث من رواية حبان بن هلال عن عبد الواحد قال ولا أعلمها إلا زينب قلت فعلى هذا الشك فيه من شيخه عبد الواحد كان يجزم بها تارة ويشك فيها أخرى قوله قالت نهى النبي إنما ذكرت النهي عن هذه الأشياء هنا لأنها روت الحديث على هذه الصورة قوله الدباء بضم الدال وتشديد الباء الموحدة وبالمد القرع واحدها دباة والحنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره ميم وهي جرار مدهونة خضر كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة واحدها حنتمة والمقير المطلي بالقار وهو الزفت وعن أبي ذر صوابه النقير بالنون وكسر القاف قوله أخبريني خطاب من كليب لزينب قوله النبي مبتدأ وخبره هو قوله ممن كان يعني من أي قبيلة قوله من مضر كأن همزة الاستفهام فيه مقدرة أي أمن مضر كان ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة هو ابن نزار بن معد بن عدنان واشتقاق مضر من المضيرة وهو شيء يصنع من اللبن سمي به لبياض لونه والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك سميت مضر الحمراء وقال ابن سيده سمي مضر لأنه كان مولعا بشرب اللبن الماضر أي الحامض وهو أول من سن للعرب الحداء للإبل لأنه كان حسن الصوت فسقط يوما من بعيره فوثبت يده فجعل يقول وايداه وايداه فأعنقت له الإبل وأمه سودة بنت عك وقيل حبيبة بنت عك وكان على دين إسماعيل عليه الصلاة و السلام وقال ابن حبيب حدثنا أبو جعفر عن أبي جريج عن عطاء عن ابن عباس قال مات أدد والد عدنان وعدنان ومعد وربيعة ومضر وقيس غيلان وتميم وأسد وضبة على الإسلام على ملة إبراهيم عليه الصلاة و السلام فلا تذكروهم إلا كما يذكر به المسلمون وعن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال لا تسبوا مضر فإنه كان مسلما على ملة إبراهيم عليه الصلاة و السلام وعند الزبير بن بكار من حديث ميمون بن مهران عن ابن عباس يرفعه لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين وقال رسول الله إذا اختلف الناس فالحق مع مضر وروي أنه قال إن الله عز و جل اختار هذا الحي من مضر قوله فممن كان إلا من مضر كلمة إلا استثناء منقطع أي لكن كان من مضر أو الاستثناء من محذوف أي لم يكن إلا من مضر والهمزة محذوفة من كان وممن كان كلمة مستقلة أو الاستفهام للإنكار قوله كان من ولد النضر النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن كنانة بكسر الكاف ابن خزيمة بن مدركة بلفظ اسم الفاعل ابن الياس بن مضر وهذا بيان له لأن مضر قبائل وهذا بطن منه والنضر اسمه قيس سمي بالنضر لوضاءته وجماله وإشراق وجهه والنضر هو الذهب الأحمر وهو النضار وأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة وكنية النضر أبو يخلد كني بابنه يخلد وعلم من هذا أن معرفة الأنساب لا يستغنى عنها وقد جاء الأمر بتعلمها وهو ما رواه أبو نعيم من حديث العلاء بن خارجة المدني قال رسول الله تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وروى أبو هريرة عن النبي مثله وصححه وقال أبو عمر روي عن النبي أنه قال كفر بالله ادعاء نسب لا يعرف وكفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق وروي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه مثله وقال من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله وقد روي من الوجوه الصحاح عن رسول الله ما يدل على معرفته بأنساب العرب وروى الترمذي مصححا من حديث عبد الله بن عمرو خرج رسول الله وفي يده اليمنى

(16/68)


كتاب وفي اليسرى كتاب فقال هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم وقال أبو محمد الرشاطي الحض على معرفة الأنساب ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وبالغ ابن حزم في ذلك وقال لا ينكر حق معرفة النسب إلا جاهل أو معاند وفرض أن يعلم المرء أن سيدنا رسول الله هو محمد بن عبد الله القريشي الهاشمي الذي كان بمكة ورحل منها إلى المدينة فمن يشك فيه أهو قريشي أو يماني أو تميمي أو أعجمي فهو كافر غير عارف بدينه إلا أن يعذر بشدة ظلمة الجهل فيلزمه أن يتعلم ذلك ويلزم من بحضرته تعليمه ومن الفرض في علم النسب أن يعرف المرء أن الخلافة لا تجوز إلا من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأن يعرف كل من يلقاه بنسب في رحم محرمه ليجتنب ما حرم عليه وأن يعرف كل من يتصل به برحم يوجب ميراثا أو صلة أو نفقة أو عقدا أو حكما فمن جهل هذا فقد أضاع فرضا واجبا عليه لازما له من دينه وأما الذي يكون معرفته من النسب فضلا في الجميع وفرضا على الكفاية فمعرفة أسماء أمهات المؤمنين وأكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين حبهم فرض فقد صح أنه قال آية الإيمان حب الأنصار وآية المنافق بغض الأنصار -
3943 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( جرير ) عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هاولاء بوجه ويأتي هاؤلاء بوجه
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وجرير هو ابن عبد الحميد وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع وأبو زرعة اسمه هرم وقيل عبد الرحمن وقيل عمرو
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل بتمامه وفي الأدب بقصة ذي الوجهين
قوله معادن أي كمعادن والحديث الآخر يوضحه الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ووجه التشبيه اشتمال المعادن على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس كذلك الناس من كان شريفا في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شرفا فإن تفقه وصل إلى غاية الشرف وكانت لهم أصول في الجاهلية يستنكفون عن كثير من الفواحش قوله إذا فقهوا يعني إذا فهموا أمور الدين والفقه في الأصل الفهم يقال فقه الرجل بكسر القاف يفقه بفتحها إذا فهم وعلم وفقه يفقه بضم القاف فيهما إذا صار فقيها عالما وقد جعله العرف خاصا بعلم الشريعة وتخصيصا بعلم الفروع منهما قوله تجدون خير الناس في هذا الشأن أي في الخلافة أو في الإمارة قوله أشدهم بالنصب على أنه مفعول ثان لتجدون قوله له أي لهذا الشأن قوله كراهية نصب على التمييز ويروى كراهة فإن قلت كيف يصير خير جميع الناس بمجرد كراهته لذلك قلت المراد إذا تساووا في سائر الفضائل أو يراد من الناس الخلفاء أو الأمراء أو معناه من خيرهم بقرينة الحديث الذي بعده فإن فيه تجدون من خير الناس بزيادة كلمة من كأنه قال تجدون أكره الناس في هذا الأمر من خيارهم والكراهة بسبب علمه بصعوبة العدل فيها والمطالبة في الآخرة وهذا في الذي ينال الخلافة أو الإمارة من غير مسألة فإذا نالها بمسألة فأمره أعظم لأنه لا يعان عليها وهذا القسم أكثر في هذا الزمان قوله ذا الوجهين مفعول ثان لقوله تجدون شر الناس وذو الوجهين هو المنافق وهو الذي يمشي بين الطائفتين بوجهين يأتي لإحداهما بوجه ويأتي للأخرى بخلاف ذلك وقال الله تعالى مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ( النساء 341 ) قال المفسرون مذبذبين يعني المنافقين متحيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ولاهم مع الكفار ظاهرا وباطنا بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى هؤلاء وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن النبي قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيتهما تتبع
5943 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( المغيرة ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي

(16/69)


هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا تجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه ( انظر الحديث 3943 وطرفه )
هذا طريق آخر لحديث أبي هريرة المذكور رواه مختصرا ومطولا والمغيرة هو ابن عبد الرحمن الحزامي المديني وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن القعنبي وفيه وفي الفضائل عن قتيبة قوله الناس تبع لقريش قال الخطابي يريد بقوله تبع لقريش تفضيلهم على سائر العرب وتقديمهم في الإمارة وبقوله مسلمهم تبع لمسلمهم الأمر بطاعتهم أي من كان مسلما فليتبعهم ولا يخرج عليهم وأما معنى كافرهم تبع لكافرهم فهو إخبار عن حالهم في متقدم الزمان يعني أنهم لم يزالوا متبوعين في زمان الكفر وكانت العرب تقدم قريشا وتعظمهم وكانت دارهم موسما ولهم السدانة والسقاية والرفادة يسقون الحجيج ويطعمونهم فحازوا به الشرف والرياسة عليهم ويريد بقوله خيارهم إذا فقهوا أن من كانت له مأثرة وشرف في الجاهلية وأسلم وفقه في الدين فقد أحرز مأثرته القديمة وشرفه الثابت إلى ما استفاده من المزية بحق الدين ومن لم يسلم فقد هدم شرفه وضيع قديمه ثم أخبر أن خيار الناس هم الذين يجدون الإمارة ويكرهون الولاية حتى يقعوا فيها وهذا يحتمل وجهين أحدهما أنهم إذا وقعوا فيها عن رغبة وحرص زالت عنهم محاسن الأخيار أي صفة الخيرية كقوله من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين والآخر أن خيار الناس هم الذين يكرهون الإمارة حتى يقعوا فيها فإذا وقعوا فيها وتقلدوها زال معنى الكراهة فلم يجز لهم أن يكرهوها ولم يقوموا بالواجب من أمورها أي إذا وقعوا فيها فعليهم أن يجتهدوا في القيام بحقها فعل الراغب فيها غير كاره لها
( باب )
أي هذا باب وهو كالفصل لما قبله
7943 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) حدثني ( عبد الملك ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما ( إلا المودة في القربى ) ( ( الشورى ) 32 ) قال فقال ( سعيد بن جبير قربى محمد ) فقال إن النبي لم يكن بطن من قريش إلا وفيه قرابة فنزلت عليه إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم ( الشورى 32 ) ( الحديث 7943 - طرفه في 8184 )
وجه ذكر هذه عقيب الحديث السابق أن المذكور فيه أن الناس تبع لقريش وفيه تفضيلهم على غيرهم والمذكور في هذا أنه لم يكن بطن من قريش إلا وللنبي فيه قرابة فيقتضي هذا تفضيله على الكل ويحيى هو القطان وعبد الملك هو ابن ميسرة أبو زيد الزراد
وهذا الحديث ذكره في التفسير في حم عسق ( الشورى 1 ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاوسا عن ابن عباس أنه سئل عن قوله إلا المودة في القربى ( الشورى 32 ) فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد فقال ابن عباس عجلت إن النبي لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة وأخرجه الترمذي أيضا في التفسير عن ابن بشار به وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم عن غندر به
قوله إلا المودة في القربى ( الشورى 32 ) وقبله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( الشورى 32 ) لما أوحى الله تعالى إلى النبي هذا الكتاب الشريف قال قل لهم يا محمد لا أسألكم عليه أي لا أطلب من هذا التبليغ المال والجاه ولا نفعا عاجلا ولا مطلوبا حاضرا لئلا يتوهم أنه يطلب من هذا التبليغ حظا من الحظوظ وعن قتادة اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض أترون أن محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا

(16/70)


فأنزل الله تعالى هذه الآية يحثهم على مودته ومودة أقربائه قوله إلا المودة في القربى ( الشورى 32 ) يجوز أن يكون استثناء متصلا أي لا أسألكم أجرا إلا هذه وهو أن لا تؤذوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم وكانت صلتهم لازمة لهم في المودة ويجوز أن يكون استثناء منقطعا أي لا أسألكم أجرا قط ولكن أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتك ولا تؤذوهم
واختلف المفسرون في ذلك على أقوال أحدها محبة قرابة رسول الله وهم أهل بيته من آل هاشم فمن بعدهم من أهل البيت والثاني مودة قريش الثالث المراد علي وفاطمة وولداها ذكر في ذلك عن رسول الله وبه قال ابن عباس والرابع قاله عكرمة كانت قريش تصل الرحم فلما بعث محمد وبه قطعته فقال صلوني كما تفعلون فالمعنى لكن أذكركم قرابتي والخامس مودة من يتقرب إلى الله عز و جل وهو رأى الصوفية
قوله إلا أن تصلوا أي إلا صلة الأرحام قوله فنزلت عليه أي على النبي فإن قلت هذا لم ينزل قلت نزل معناه وهو قوله تعالى إلا المودة في القربى ( الشورى 32 ) وتقديره إلا المودة ثابتة في أهل القربى وقيل الضمير في نزلت راجع إلى الآية التي فيها إلا المودة في القربى ( الشورى 32 ) وقوله إلا أن تصلوا تفسير لها
8943 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس بن أبي مسعود يبلغ به ) النبي قال من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل والبقر في ربيعة ومضر
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله في ربيعة ومضر فإنهما قبيلتان ولما فسر الكرماني هذا الحديث والذي بعده قال فإن قلت ما وجه مناسبتهما بالترجمة قلت ضرورة أن الناس باعتبار الصفات كالقبائل وكون الأتقى منهم فيها أكرم وفي القلب منه ما لا يخفى على الفطن
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو أبي حازم البجلي وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري
قوله يبلغ به النبي إنما قال كذلك لأنه أعم من أنه سمع من النبي أو من غيره عنه قوله نحو المشرق هو بيان أو بدل لقوله ههنا قوله في الفدادين بالتشديد وهم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم وبالتخفيف هي البقرة التي تحرث واحدها فدان مشددا وقال ابن الأثير يقال فدا الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته وقيل الفدادون هم المكثرون من الإبل وقيل هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان قوله أهل الوبرأي أهل البوادي والوبر بفتح الواو والباء الموحدة وفي آخره راء هو وبر الإبل سمي بذلك لأنهم يتخذون بيوتهم منه قوله عند أصول أذناب الإبل هو عبارة عن جلبتهم عند سوقها قوله في ربيعة ومضر بدل من الفدادين
9943 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم والإيمان يمان والحكمة يمانية
مر الكلام في وجه المطابقة في أول الحديث السابق وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي عن أبي اليمان
قوله والخيلاء بضم الخاء وكسرها الكبر والعجب يقال فيه خيلاء ومخيلة أي كبر ومنه اختال فهو مختال وقال الداودي قوله والفخر والخيلاء في الفدادين وهم وإنما نسب إليهم الجفاء وهما في أصحاب الخيل قوله والسكينة هو السكون والوقار قوله يمان أصله يمني حذف إحدى الياءين وعوض منهما الألف فصار يمان وهي اللغة الفصحى ثم يمنى ثم يماني بزيادة الألف ذكرها سيبويه وحكى الجوهري وصاحب ( المطالع )

(16/71)


وغيرهما من سيبويه أنه حكى عن بعض العرب أنهم يقولون اليماني بالياء المشددة وقال القاضي وغيره قد صرفوا قوله الإيمان يمان عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة
وحكى أبو عبيد فيه أقوالا أحدها أنه أراد بذلك مكة فإنه يقال إن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن والثاني المراد مكة والمدينة فإنه يروى ما في الحديث أنه قال هذا الكلام وهو بتبوك ومكة ومدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال الإيمان يمان ونسبها إلى اليمن لكونها حينئذ من ناحية اليمن كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن والثالث ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره واعترض عليه الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح فقال ما ملخصه إنه لو نظر إلى طرق الأحاديث لما ترك ظاهر الحديث منها قوله عليه السلام أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذا غيرهم ومنها قوله عليه السلام جاء أهل اليمن وإنما جاء حينئذ غير الأنصار فحينئذ لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على الحقيقة لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارا بتمييزه به وكمال حاله فيه وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان وليس في ذلك نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز ويروى الإيمان في أهل الحجاز لأن المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه
قوله والحكمة يمانية الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله عز و جل المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وقال ابن دريد كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم ومنه قوله إن من الشعر حكمة وفي بعض الروايات حكما
قال أبو عبد الله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة والشأم عن يسار الكعبة والمشأمة الميسرة واليد اليسرى الشؤمى والجانب الأيسر الأشأم
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس هذا اللفظ بمذكور في بعض النسخ قوله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة هذا قول الجمهور وقال الرشاطي سمي بذلك قبل أن تعرف الكعبة لأنه عن يمين الشمس وقيل سمي بيمن بن قحطان وقيل سمي بيعرب بن قحطان لأن يعرب اسمه يمن فلذلك قيل أرض يمن قوله والشأم أي سميت الشام لأنها عن يسار الكعبة وقيل سمي بشامات هناك حمر وسود وقيل سمي بسام بن نوح عليه الصلاة و السلام لأنه أول من اختطه وكان اسم سام شام بالشين المعجمة فعرب فقيل سام بالسين المهملة وقيل شام إسم أعجمي من لغة بني حام وتفسيره بالعربي خير طيب وقال البكري الشام مهموز وقد لا يهمز في ( المطالع ) قال أبو الحسين بن سراج الشام بهمزة ممدود وأباه أكثرهم فيه إلا في النسب أعني فتح الهمزة كما اختلف في إثبات الياء مع الهمزة الممدود فأجازه سيبويه ومنعه غيره لأن الهمزة عوض من ياء النسب فعلى هذا يقال شامي وشآم في الرجل كما يقال يماني ويمان قوله والمشأمة الميسرة الميم فيهما زائدة لأن اشتقاقهما يدل على ذلك لأنهما من الشؤم واليسار قال الجوهري المشأمة الميسرة وكذلك الشأمة والشؤم نقيض اليمن قوله واليد اليسرى يعني تسمى بالشؤمى قاله أبو عبيدة وكذلك قال للجانب الأيسر الأشأم ومادة الكل من الشؤم وهو نقيض اليمن كما ذكرناه
2 -
( باب مناقب قريش )
أي هذا باب في بيان مناقب قريش والكلام فيه على أنواع
الأول من هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي فقال الزبير قالوا قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش قال الزبير قال عمي فهر هو قريش اسمه وفهر لقبه وعن ابن شهاب اسم فهر الذي سمته أمه قريش وإنما نبذته بهذا كما يسمى الصبي غرارة وشملة وأشباه ذلك وقال

(16/72)


ابن دريد الفهر الحجر الأملس يملأ الكف وهو مؤنث وقال أبو ذر الهروي يذكر ويؤنث وقال السهيلي الفهر من الحجارة الطويل وكنية فهر أبو غالب وهو جماع قريش وقال ابن هشام النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قريشي ومن لم يكن من ولده فليس بقريشي وهذا قول الجمهور لحديث الأشعث بن قيس أنه قال أتيت رسول الله في وفد من كندة قال فقلت يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا قال فقال رسول الله نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوأ منا ولا ننتفي من أبينا قال فقال الأشعث بن قيس فوالله لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد رواه الإمام أحمد وابن ماجه قوله لا نقفوأ منا من قولهم قفوت الرجل إذا قذفته صريحا وقفوت الرجل أقفوه قفوا إذا رميته باسم قبيح وقيل قصي هو قريش وقال عبد الملك بن مروان سمعت أن قصيا كان يقال له قريش ولم يسم أحد قريشا قبله والقولان الأولان حكاهما غير واحد من أئمة علم النسب كأبي عمر بن عبد الله والزبير بن بكار ومصعب وأبي عبيدة والصحيح الذي عليه الجمهور هو النضر وقيل الصحيح هو فهر
النوع الثاني في وجه التسمية بقريش وفيه خمسة عشر قولا الأول أنه من التقرش وهو التكسب والتجارة وكانت قريس يتقرشون في البياعات وهذا قاله ابن هشام الثاني ما قاله ابن إسحاق إنما سميت قريش قريشا لتجمعها من تفرقها يقال للتجمع التقرش الثالث ما قاله ابن الكلبي كان النضر يسمى قريشا لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجاتهم فيسدها وكان بنوه يقرشون أهل الموسم أي يفتشون عن حاجاتهم فيرفدونهم بما يبلغهم إلى بلادهم الرابع أن لفظ قريش تصغير قرش وهو دابة في البحر لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته قاله ابن عباس رواه البيهقي الخامس أنه جاء النضر بن كنانة في ثوب له مجتمعا قالوا قد تقرش في ثوبه السادس أنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش أي شديد السابع قاله الزهري إنه نبذته أمه بقريش كما ذكرناه الثامن قاله الزبير سمي نضر قريشا برجل يقال له قريش بن بدر بن مخلد بن النضر كان دليل بني كنانة في تجاراتهم التاسع ما قيل إن قصيا قرشها أي جمعها فسمي قريشا ومجمعا أيضا العاشر سميت قريش بذلك لتجمعهم في الحرم الحادي عشر من تقرش الرجل إذا تنزه عن مدانس الأمور الثاني عشر من تقارشت الرماح إذا تداخلت في الحرب الثالث عشر من أقرش به إذا سعى به ووقع فيه الرابع عشر من أقرشت الشجة إذا صدعت العظم ولم تهشمه الخامس عشر من تقرش فلان الشيء إذ أخذه أولا فأولا
النوع الثالث فيما جاء فيهم فروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال من يريد هوان قريش أهانه الله وعن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم رواه مسلم وكانت لقريش في الجاهلية مكارم منها السقاية والعمارة والرفادة والعقاب والحجابة والندوة واللواء والمشورة والأشناق والقبة والأعنة والسفارة والأيسار والحكومة والأموال المحجرة وكانوا يسمون آل الله وجيران الله والنسبة إلى قريش قريشي وعن الخليل قرشي أيضا فإن أردت بقريش الحي صرفته وإن أردت به القبيلة لم تصرفه
00 - 5 - 3 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال كان ( محمد بن جبير بن مطعم ) يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فأثناى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله فأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله يقول إن هاذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ( الحديث 0053 - طرفه في 9317 )
مطابقته للترجمة ظاهره ورجاله قد تكرر ذكرهم مع بيانهم والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أبي اليمان أيضا وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن خالد بن حلى
قوله وهو عنده حال من محمد بن جبير قوله

(16/73)


في وفد من قريش أيضا حال قوله أن عبد الله بفتح أن والعامل فيه قوله بلغ قوله من قحطان هو ابن عامر ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه الصلاة و السلام واسمه مهزم قاله ابن ماكولا وقيل قحطان بن هود عليه الصلاة و السلام وقيل هو هود وقيل أخوه وقيل من ذريته وقيل هو من سلالة إسماعيل عليه الصلاة و السلام حكاه ابن إسحاق وغيره وقال بعضهم هو قحطان بن الهميسع بن تيمن بن قيذار بن نبت بن إسماعيل عليه الصلاة و السلام وبنو قحطان هم العرب العاربة وعرب اليمن وهم حمير المشهور أنهم من قحطان والعرب ثلاثة فرق عرب عاربة وعرب متعربة وعرب مستعربة فأما العرب العاربة فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار وأما العرب المتعربة فهم بنو قحطان والعرب المستعربة هم بنو إسماعيل عليه الصلاة و السلام وزعمت العرب أن قحطان ولد يعرب وإنما سميت العرب به إذ هو أول من تكلم بالعربية ونزل أرض اليمن وأول من قيل له أبيت اللعن وأول من قيل له عم صباحا قوله ولا تؤثر أي ولا تروى قوله والأماني جمع أمنية وقال ابن الجوزي الأماني بمعنى التلاوة كأن المعنى إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب ما لم يأت به الرسول وكان ابن عمرو قرأ التوراة ويحكى عن أهلها إلا أنه حدث به عن سيدنا رسول الله إذ لو حدث عنه لما استطاع أحد رده لأنه لم يكن متهما وقال ابن التين إنكار معاوية عليه لأنه حمل حديثه على ظاهرة وقد يخرج القحطاني في ناحية من نواحي الإسلام ويحمل حديث معاوية على الأكثر قوله إن هذا الأمر في قريش أراد به الخلافة قال الكرماني فإن قلت فما قولك في زمانننا حيث ليس الحكومة لقريش قلت في بلاد العرب الخلافة فيهم وكذا في مصر خليفة انتهى قلت هذا الذي ذكره ليس بشيء فمن قال إن في بلاد العرب خلافة ومن هو هذا الخليفة وليس في مصر إلا من يسمى خليفة بالإسم وليس له حل ولا ربط ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعدد الخلافة فلا يجوز إلا خليفة واحد لأن الشارع أمر ببيعة الإمام والوفاء ببيعته ثم من نازعه أمر بضرب عنقه وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن سفينة مولى رسول الله قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وفي رواية ثم يؤتي الله ملكه من يشاء وهكذا وقع فإن خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه سنتان وأربعة أشهر إلا عشر ليال وخلافة عمر رضي الله تعالى عنه عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وخلافة عثمان رضي الله تعالى عنه إثنا عشر سنة إلا اثني عشر يوما وخلافة علي رضي الله تعالى عنه خمس سنين إلا شهرين وتكملة الثلاثين بخلافة الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما نحوا من ستة أشهر حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة فإن قلت يعارض حديث سفينة ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثني عشرة خليفة كلهم من قريش الحديث قلت قيل إن الذين لم يزل قائما حتى ولي اثني عشر خليفة كلهم من قريش وأراد بهذا خلافة النبوة ولم يرد أنه لا يوجد غيرهم وقيل هذا الحديث فيه إشارة بوجود إثني عشر خليفة عادلين من قريش وإن لم يوجدوا على الولاء وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ثم قد كان بعد ذلك خلفاء راشدون منهم عمر بن عبد العزيز ومنهم المهتدي بأمر الله العباسي ومنهم المهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان قوله إلا كبه الله وهذا الفعل من الشواذ لأن الفعل يتعدى بالهمزة وهذا الفعل ثلاثيه متعد ورباعيه لازم قال الله تعالى أفمن يمشي مكبا على وجهه ( الملك 22 ) قوله ما أقاموا الدين أي مدة إقامتهم الدين ويحتمل أن يكون معناه أنهم إن لم يقيموه فلا تسمع لهم وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز بقاؤهم وقد أجمعوا على أنه إذا دعا إلى كفر أو بدعة يقام عليه وإن غصب الأموال وانتهك الحرم فاختلف فيه هل يقام عليه فقال الأشعري مرة نعم ومرة لا
1053 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( عاصم بن محمد ) قال سمعت أبي عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال لا يزال هاذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان ( الحديث 1053 - طرفه في 0417 )

(16/74)


مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه منقبة لقريش وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وعاصم بن محمد يروي عن أبيه محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن أحمد ابن يونس وأخرجه مسلم في المغازي عن أحمد بن يونس
قوله هذا الأمر أي الخلافة قوله ما بقي منهم وفي رواية مسلم ما بقي من الناس ولما كان الناس تبعا لقريش في الجاهلية ورؤساء العرب كانوا أيضا تبعا لهم في الإسلام وهم أصحاب الخلافة وهي مستمرة لهم إلى آخر الدنيا ما بقي من الناس إثنان وقد ظهر ما قاله فمن زمنه إلى الآن الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها وإن كان المتغلبون ملكوا البلاد ولكنهم معترفون أن الخلافة في قريش فاسم الخلافة باق ولو كان مجرد التسمية
2053 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( ابن المسيب ) عن ( جبير بن مطعم ) قال ( مشيت ) أنا ( وعثمان بن عفان ) فقال ( يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ) فقال النبي إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ( انظر الحديث 0413 وطرفه )
هذا الحديث بعينه قد مضى في الخمس في باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام غير أنه أخرجه هناك عن عبد الله ابن يوسف عن الليث بن سعد وهنا عن يحيى بن بكير عن الليث وقد مر الكلام فيه وزاد فيه وقال الليث وحدثني يونس وزاد قال جبير ولم يقسم النبي لبني عبد شمس ولا لبني نوفل إلى آخره
3053 - وقال ( الليث ) حدثني ( أبو الأسود محمد ) عن ( عروة بن الزبير ) قال ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة وكانت أرق شيء لقرابتهم من رسول الله
هذا التعليق مختصر من حديث يأتي بعد حديث واحد ذكره متصلا فقال حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني أبو الأسود إلى آخره وأخرجه أبو نعيم أيضا عن أبي أحمد عن قتيبة بن سعيد حدثنا الليث فذكره
قوله من بني زهر بضم الزاي وسكون الهاء واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة فيما ذكره ابن الكلبي ووقع في ( الصحاح ) و ( معارف ابن قتيبة ) أن زهرة امرأة نسب إليها ولدها دون الأب وهو غريب لإجماع أهل النسب على خلافه وقال ابن دريد وزهرة فعلة من الزهر وهو زهر الأرض وما أشبهه ويكون من الشيء الزاهر المضيء من قولهم أزهر النهار إذا أضاء قوله وكانت أي عائشة أرق شيء لقرابتهم أي لقرابة بني زهرة من رسول الله وذلك من جهة أن أمه كانت منهم لأنها بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة وسيتضح معنى هذا الحديث في الحديث الذي يأتي بعد حديث واحد في هذا الباب
4053 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( سعد ) ح قال ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن أبيه قال حدثني ( عبد الرحمان بن هرمز الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله ( الحديث 4053 - طرفه في 2153 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد وإبراهيم يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف وقال ابن مسعود الدمشقي رواية يعقوب بن إبراهيم لهذا الحديث تخالف رواية سفيان الثوري في المتن والإسناد لأن الثوري يرويه عن سعد بن إبراهيم عن الأعرج عن أبي هريرة ويعقوب يرويه عن أبيه إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الأعرج باللفظ الذي يأتي بعد هذه الترجمة ولا يرويه عن أبيه عن جده سعد عن إبراهيم

(16/75)


عن الأعرج كما رواه البخاري عقيب حديث الثوري وفيه نظر لأن إبراهيم بن سعد والد يعقوب معروف بالرواية عن صالح ابن كيسان وعن الأعرج فيحتمل أنه رواه عن هذا تارة كما رواه البخاري وعن هذا تارة كما رواه مسلم في ( صحيحه )
قوله وقال يعقوب وقع في بعض النسخ قبل هذا قال أبو عبد الله قال يعقوب وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وعلق رواية يعقوب بن ابراهيم وكذا أخرجه الإسماعيلي من دريق البخاري نفسه معلقا قوله قريش قد مر الكلام فيه عن قريب قوله والأنصار يريد بالأنصار الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف ابن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن وهو جماع غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سباء بان يشجب بن يعرب بن قحطان واسم الأزد دراء بكسر الدال وبالمد والقصر وقد تفتح الدال من قولهم أزدي إليه دراء يدا وكان معطاء فكثر استعمالهم إياه حتى جعلوه إسما والأصل أسدي فقلبوا السين زايا ليطابق الدال في الجهر وعن يعقوب وأبي عبيد أسد أفصح من الأزد وقال يحيى بن معين هما سواء وهي جرثومة من جراثيم قحطان وبابهم واسع وفيهم قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ لخزاعة وغسان وبارق والعتيك وغامد وشبهها قوله وجهينة بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون ابن زيد بن ليث بن سود بضم السين المهملة وسكون الواو وبالدال المهملة ابن أسلم بضم اللام ابن ألحاف يقال الحافي بن قضاعة واسمه عمرو بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك ابن حمير بن سبإ وقال ابن دريد جهينة من الجهن وهو الغلظ في الوجه والجسم وبه سمي جهينة قوله ومزينة بضم الميم وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون هي بنت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاني ابن قضاعة وهي أم عثمان وأوس بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وأولادهما ينسبون إلى مزينة وقال ابن دريد مزينة تصغير مزنة وهي السحابة البيضاء والجمع مزن قوله وأسلم في خزاعة وهو ابن أفصى وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وفي مذحج أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة بن مذحج وفي بجيلة أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث والله أعلم من أراد النبي بقوله هذا قوله وأشجع هو ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان بن مضر وأشجع من الشجع وهو الطول يقال رجل أشجع وامرأة شجعاء والأشجع العقد الثاني من الأصابع والجمع أشاجع قوله وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره راء هو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة وأما الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي فهو من ولد نفيلة بن مكيل أخي غفار فنسب إلى أخي جده وكثيرا تصنع العرب ذلك إذا كان أشهر من جده وقال ابن دريد هو من غفر إذا ستر ومنه قولهم يغفر الله لك قوله موالي خبر المبتدأ أعني قوله قريش وما بعد قريش عطف عليه أي أنصاري والمختصون بي وقال أبو الحسن روي بالتشديد والتخفيف وقال ابن التين والتخفيف إما أن يكون بغير ياء أو يضيفهم إلى نفسه بتشديد الياء وقال الداودي أراد من أسر من هذه القبائل لم يجر عليه رق ولا ولاء وقيل قوله موالي لأنهم ممن بادروا إلى الإسلام ولم يسبوا فيرقوا كغيرهم من قبائل العرب وقال يونس أي هم أولياء الله مثلا وإن الكافرين لا مولى لهم أي لا ناصر لهم قوله ليس لهم مولى دون الله ورسوله أي غير الله ورسوله والمولى وإن كان له معان كثيرة لكن المناسب هنا الناصر والولي والمتكفل بمصالحهم والمتولي لأمورهم
5053 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( أبو الأسود ) عن ( عروة بن الزبير ) قال كان ( عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة ) رضي الله تعالى عنها ( بعد ) النبي وأبي بكر وكان أبر الناس بها وكانت لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت فقال ابن الزبير ينبغي أن يؤخذ على يديها فقالت أيؤخذ على يدي على نذر إن كلمته فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال

(16/76)


رسول الله خاصة فامتنعت فقال له الزهريون أخوال النبي منهم عبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث والمسور بن مخرمة إذا استأذنا فاقتحم الحجاب ففعل فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين فقالت وددت أني جعلت حين حلفت عملا أعمله فأفرغ منه ( انظر الحديث 3053 وطرفه )
هذا الحديث المتصل يوضح الحديث المعلق المذكور قبل الحديث السابق على هذا الحديث وهو قوله وقال الليث حدثني أبو الأسود محمد عن عروة بن الزبير إلى آخره وقد ذكرنا هناك بقولنا وسيتضح معنى هذا الحديث في الحديث الذي يأتي بعد حديث واحد في هذا الباب وتوضيحه من الخارج أن عبد الله بن الزبير بن العوام هو ابن أخت عائشة رضي الله تعالى عنها لأن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وأمها أم العزى قيلة أو قتيلة بنت عبد العزى وأم عائشة أم رومان بنت عامر فأسماء أخت عائشة من الأب وكانت عائشة تحب عبد الله بن الزبير غاية المحبة وكان أحب الناس إليها بعد النبي وبعد أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكان عبد الله يبر إليها كثيرا وكانت عائشة كريمة جدا لا تمسك شيئا وبلغها أن عبد الله قال والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها فقالت علي نذر إن كلمته وبقية الكلام تظهر من تفسير الحديث
قوله أبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي المديني يتيم عروة بن الزبير لأن أباه أوصى به إليه فقيل له يتيم عروة لذلك قوله ينبغي أن يؤخذ على يديها أي تمنع من الإعطاء ويحجر عليها وفي رواية للبخاري تأتي في الأدب والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها قوله فقالت أيؤخذ على يدي فيه حذف تقديره ولما بلغ عائشة ما قاله عبد الله بن الزبير من الحجر عليها قالت أيؤخذ على يدي يعني أيحجر عبد الله علي فغضبت من ذلك فقالت علي نذر إن كلمته قوله فاستشفع أي عبد الله إليها أي إلى عائشة وفيه حذف أيضا تقديره ولما بلغ عبد الله بن الزبير غضب عائشة من كلام عبد الله وبلغه نذرها بترك الكلام له خاف على نفسه من غضبها فاستشفع إليها لترضى عليه فامتنعت عائشة ولم ترض بذلك قوله فقال له الزهريون أي فلما امتنعت عائشة عن قبول الشفاعة قال لعبد الله الجماعة الزهريون وهم المنسوبون إلى زهرة واسمه المغيرة بن كلاب وقد ذكرناه عن قريب قوله أخوال النبي لأن أمه عليه السلام كانت من بني زهرة لأنها بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة قوله منهم أي من الزهريين عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف القرشي الزهري وأمه آمنة بنت نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وهو ابن خال النبي أدرك النبي ولا تصح له رؤية ولا صحبة ذكره ابن حبان في ( الثقات ) قوله والمسور بن مخرمة بكسر الميم في الإبن وبفتحها في الأب ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري له ولأبيه صحبة قوله إذا استاذنا يعني إذا استأذنا على عائشة في الدخول عليها فاقتحم الباب أي إرم نفسك فيه من غير استئذان ولا روية يقال اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى نفسه فيه من غير تثبت ولا روية وأراد بالحجاب الستارة التي تضرب بين عائشة وبين المستأذنين للدخول عليها قوله ففعل أي فعل عبد الله بن الزبير ما قاله الزهريون من اقتحام الباب قوله فأرسل إليها بعشر رقاب فيه حذف تقديره لما شفع الزهريون في عبد الله عند عائشة رضيت عليه ثم أرسل عبد الله بعشر عبيد وجوار إليها لأجل أن تعتق ما أرادت منهم كفارة ليمينها فأعتقت عائشة جميعهم ثم لم تزل عائشة تعتق حتى بلغ عتقها أربعين رقبة للإحتياط في نذرها قوله فقالت وددت إلى آخره معناه إني نذرت مبهما وهو يحتمل أن يطلق على أكثر مما فعلت فلو كنت نذرت نذرا معينا لكنت تيقنت بأني أديته وبرئت ذمتي وحاصل المعنى أنها تمنت لو كان بدل قولها علي نذر علي إعتاق رقبة أو صوم شهر ونحوه من الأعمال المعينة حتى تكون كفارتها معلومة معينة وتفرغ منها بالإتيان به بخلاف لفظ علي نذر فإنه مبهم لم يطمئن قلبها بإعتاق رقبة أو رقبتين وأرادت الزيادة عليه في كفارته وذكر الكرماني هنا وجهين آخرين أحدهما أن عائشة تمنت أن يدوم لها العمل الذي عملته للكفارة يعني يكون دائما ممن أعتق العبد لها والآخر أنها قالت يا ليتني كفرت حين حلفت ولم تقع الهجرة والمفارقة

(16/77)


في هذه المدة وقال بعضهم أبعد من قال هذين الوجهين قلت لم يبين هذا القائل وجه البعد فيهما وليس فيهما بعد بل الأقرب هذا بالنسبة إلى قوة دين عائشة وغاية ورعها على ما لا يخفى قوله أعمله صفة لقوله عملا قوله فأفرغ منه يجوز بالرفع أي فأنا أفرغ منه ويجوز بالنصب أي فإن أفرغ منه
واختلف العلماء في النذر المبهم المجهول فذهب مالك إلى أنه ينعقد ويلزم به كفارة يمين وقال الشافعي مرة يلزمه أقل ما يقع عليه الإسم وقال مرة لا ينعقد هذا اليمين وصحح في مسلم كفارة النذر كفارة يمين وفي لفظ له من نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين ولعل عائشة رضي الله تعالى عنها لم يبلغها هذا الحديث ولو كان بلغها لم تقل هكذا ولم تعتق أربعين رقبة أو تأولت وقال ابن التين ويحتمل أن يكون هذا قبل تمام الثلاث أي ثلاثة أيام من الهجر وكيف وقع الحنث عليها بمجرد دخول عبد الله بن الزبير دون الكلام إلا أن يكون لما سلم الزهريون عليها ردت السلام وعبد الله في جملتهم فوقع الحنث قبل أن أقتحم الحجاب قيل فيه نظر لأنه كان يجوز لها رد السلام عليهم إذا نوت إخراج عبد الله فلا تحنث بذلك
3 -
( باب نزل القرآن بلسان قريش )
أي هذا باب يذكر فيه أنه نزل القرآن بلسان قريش أي بلغتهم
6053 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس ) أن عثمان دعا زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذالك
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المدني وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن موسى بن إسماعيل وعن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه الترمذي في التفسير عن بندار عن ابن مهدي وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن الهيثم ابن أيوب
قوله وسعيد بن العاص بن أحيحة القرشي الأموي المديني قال ابن سعد قبض النبي وهو ابن تسع سنين وقال سعيد بن عبد العزيز إن عربية القرآن أقيمت على لسانه وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي وقال الواقدي كان ابن عشر سنين حين قبض النبي قوله فنسخوها الضمير المنصوب فيه يرجع إلى الصحف التي كانت عند حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما ولا يقال إنه إضمار قبل الذكر لأن هذا الحديث قطعة من حديث آخر طويل أخرجه البخاري في الفضائل وفيه فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف الحديث والمصاحف جمع مصحف والمصحف الكراسة وحقيقتها مجمع الصحف قوله للرهط القرشيين هم عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وأما زيد بن ثابت فهو ليس بقرشي بل هو أنصاري خزرجي قوله إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت قال الداودي يعني إذا اختلفتم فيه من الهجاء ليس من الإعراب وقال أبو الحسن أراد إذا اختلفتم في إعرابه ولا يبعد أنه أراد بالوجهين ألا ترى أن لغة أهل الحجاز ما هذا بشرا ولغة تميم بشر قوله فاكتبوه أي فاكتبوا الذي اختلفتم فيه بلسان قريش لقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إبراهيم 4 ) وقوم النبي قريش فيكتب بلسانهم قوله فإنما نزل بلسانهم أي فإن القرآن إنما نزل بلسان قريش وقال الداودي ولما اختلفوا في التابوت فقال زيد ابن ثابت التابوه وقال أولئك الثلاثة التابوت أمرهم عثمان رضي الله تعالى عنه أن يكتبوه بلسان قريش التابوت قوله ففعلوا ذلك أي ما أمرهم به عثمان رضي الله تعالى عنه

(16/78)


4 - أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن أبي معمر أيضا وأخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب
قوله عن الحسين وفي رواية مسلم حدثنا حسين المعلم قوله عن أبي ذر وفي رواية الإسماعيلي حدثني أبو ذر قوله ليس من رجل كلمة من زائدة وذكر الرجل باعتبار الغالب وإلا فالمرأة كذلك قوله ادعى أي انتسب لغير أبيه ويروي إلى غير أبيه قوله وهو يعلمه جملة حالية أي والحال أنه يعلم أنه غير أبيه وإنما قيد بذلك لأن الإثم يتبع العلم وفي بعض النسخ إلا كفر بالله ولم تقع هذه اللفظة في رواية مسلم ولا في غير رواية أبي ذر فالوجه على عدم هذه اللفظة أن المراد بالكفر كفران النعمة أو لا يراد ظاهر اللفظ وإنما المراد المبالغة في الزجر والتوبيخ أو المراد أنه فعل فعلا يشبه فعل أهل الكفر والوجه على تقدير وجود هذه اللفظة فهو أن يحمل على أنه إن كان مستحلا مع علمه بالتحريم قوله ومن ادعى قوما أي ومن انتسب إلى قوم قوله ليس له فيهم نسب أي ليس لهذا المدعي في هذا القوم نسب أي قرابة وليس في رواية الكشميهني لفظة نسب وفي رواية مسلم ومن ادعى ما ليس له فليس منا وهذه أعم من رواية البخاري ولكن يحتاج فيها إلى تقدير وأولى ما يقدر فيه لفظ نسب لوجوده في بعض الروايات قوله فليتبوأ مقعده أي لينزل منزله من النار أو فليتخذ منزلا بها وهو إما دعاء وإما خبر بلفظ الأمر ومعناه هذا جزاؤه وقد يجازى وقد يعفى عنه وقد يتوب فيسقط عنه هذا في الآخرة أما في الدنيا فإن جماعة قالوا إذا كذب على النبي لا تقبل توبته منهم أحمد بن حنبل وعبد الله بن الزبير الحميدي وأبو بكر الصيرفي وأبو المظفر السمعاني
وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والإدعاء إلى غيره وفيه لا بد من العلم للبحث فيما يرتكبه الرجل من النفي أو الإثبات وفيه جواز إطلاق لفظ الكفر على المعاصي لأجل الزجر والتغليظ
9053 - حدثنا ( علي بن عياش ) حدثنا ( حريز ) قال حدثني ( عبد الواحد بن عبد الله النصري ) قال سمعت ( واثلة بن الأسقع ) يقول قال رسول الله إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله ما لم يقل
وجه المطابقة فيه مثل الوجه الذي ذكرناه على رأس الحديث الماضي وعلي بن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة الألهاني الحمصي وهو من أفراده وحريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء ابن عثمان الحمصي من صغار التابعين وعبد الواحد بن عبد الله الدمشقي النصري بفتح النون وسكون الصاد المهملة منسوب إلى نصر بن معاوية بن بكر ابن هوازن وهو أيضا من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وجده كعب بن عمير ويقال بشر بن كعب وعبد الواحد هذا ولي إمرة الطائف لعمر بن عبد العزيز ثم ولي إمرة المدينة ليزيد بن عبد الملك وكان محمود السيرة ومات وعمره مائة وبضع سنين
ومن لطائف هذا الإسناد أنه من عوالي البخاري وأن فيه رواية القرين عن القرين من التابعين وأنه من أفراد البخاري
قوله الفرا بكسر الفاء مقصور وممدود جمع فرية وهي الكذب والبهت تقول فرى بفتح الراء فلان كذا إذا اختلق يفري بفتح أوله فرى بالفتح وافترى اختلق قوله أن يدعي الرجل أي أن ينتسب إلى غير أبيه قوله أو يري عينه بضم الياء وكسر الراء من الإراءة وعينه منصوبة به قوله ما لم تر مفعول ثان وضمير المنصوب فيه محذوف تقديره ما لم تره وحاصل المعنى أن يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئا وما رأتاه وفي رواية أحمد وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن واثلة أن يفتري الرجل على عينيه فيقول رأيت ولم تره في المنام شيئا فإن قلت إن كذبه في المنام لا يزيد على كذبه في اليقظة فلم زادت عقوبته قلت لأن الرؤيا جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحيا والكاذب في الرؤيا يدعي أن الله أراه ما لم يره وأعطاه جزءا من النبوة ولم يعطه والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على غيره قوله أو يقول من مضارع قال وفي رواية المستملي أو تقول على وزن تفعل بفتح القاف وتشديد الواو المفتوحة ومعناه افترى قوله ما لم يقل مفعول يقول أي ما لم يقل الرسول
وفي الحديث تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة

(16/80)


( باب نسبة اليمن إلى إسماعيل )
0153 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماد ) عن ( أبي جمرة ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما يقول ( قدم وفد عبد القيس على ) رسول الله فقالوا يا رسول الله إنا من هذا الحي من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نخلص إليك إلا في كل شهر حرام فلو أمرتنا بأمر نأخذه عنك ونبلغه من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله شهادة أن لا إلاه إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا إلى الله خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت
ليس فيه مطابقة للترجمة إلا أن يستأنس في ذلك بذكر ربيعة ومضر فإن نسبتهما إلى إسماعيل لا كلام فيها والحديث مر في كتاب الإيمان في باب أداء الخمس من الإيمان فإنه أخرجه هناك عن علي بن الجعد عن شعبة عن أبي جمرة وهو بالجيم والراء واسمه نضر بن عمران الضبعي
1153 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) عن ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول وهو على المنبر ألا إن الفتنة هاهنا يشير إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان
ليس لذكر هذا الحديث هنا مناسبة وأبو اليمان الحكم بن نافع وقد تكرر ذكره وكذلك شعيب بن أبي حمزة وكلاهما حمصيان والحديث مر عن قريب في باب صفة إبليس عليه اللعنة
6 -
( باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع )
أي هذا باب في بيان ذكر أسلم إلى آخره وهذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون غيرها من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه فصار الشرف إليهم بسبب ذلك وقد مر الكلام فيهم عن قريب
2153 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( سعد بن إبراهيم ) عن عبد الرحمان بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله ( انظر الحديث 4053 )
مطابقته للترجمة ظاهرة أبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وسعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف و ( عبد الرحمن بن هرمز ) هو الأعرج والحديث مضى في باب مناقب قريش ومر الكلام فيه هناك مستوفى
3153 - حدثني ( محمد بن غرير الزهري ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) عن أبيه عن ( صالح ) حدثنا ( نافع ) أن ( عبد الله ) أخبره أن رسول الله قال على المنبر غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن غرير بضم الغين المعجمة وبتكرار الراء ابن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني وهو من أفراد البخاري ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان عن نافع مولى ابن عمر
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن

(16/81)


أي هذا باب في بيان نسبة أهل اليمن إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليهما السلام ونسبة ربيعة ومضر إلى إسماعيل عليه السلام متفق عليها وأما اليمن فجماع نسبتهم تنتهى إلى قحطان وقد مر الكلام في قحطان عن قريب
منهم أسلم بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة
أي من أهل اليمن أسلم بفتح اللام ابن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء بعدها صاد مهملة مقصورة قيل وقع في رواية الجرجاني أفعى بعين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف ابن حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة ابن عمرو بفتح العين ابن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان وقال الرشاطي يقال الأزد بالزاي والأسد بالسين قوله من خزاعة في محل النصب على الحال من أسلم بن أفصى وأفصى هو خزاعة وبهذا احترز عن أسلم الذي في مذحج وفي بجيلة وقال الرشاطي أسلم بفتح اللام ابن أفصى وهو خزاعة بن حارثة وساقه مثل ما ذكرنا الآن أما الذي في مذحج فهو أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة ابن مذحج وأما الذي في بجيلة فهو أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن بجيلة
7053 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) حدثنا ( سلمة ) رضي الله تعالى عنه قال ( خرج ) رسول الله على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا مع بني فلان لأحد الفريقين فأمسكوا بأيديهم فقال ما لهم قالوا وكيف نرمي وأنت مع بني فلان قال ارموا وأنا معكم كلكم ( انظر الحديث 9882 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع يروي عن مولاه سلمة والحديث مضى في باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل ( مريم 45 ) فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن حاتم عن يزيد إلى آخره قوله يتناضلون أي يترامون
5 -
( باب )
هذا كالفصل لما قبله وليس بموجود في كثير من النسخ
8053 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( الحسين ) عن ( عبد الله بن بريدة ) قال حدثني ( يحيى بن يعمر ) أن ( أبا الأسود الديلي ) حدثه عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي يقول ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعاى قوما ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار ( الحديث 8053 - طرفه في 5406 )
مطابقته للباب المترجم من حيث التضاد والمقابلة لأن بالضد تتبين الأشياء لأن في الحديث ذكر النسب الحقيقي الصحيح وفي هذا ذكر النسب الباطل وفيه زجر وتوبيخ لمدعيه وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد والحسين هو ابن الواقد المعلم وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ويحيى بن يعمر بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وضم الميم وفتحها وفي آخره راء وأبو الأسود ظالم بن عمرو ويقال عمرو بن ظالم وقال الواقدي اسمه عويمر بن ظويلم وقيل غير ذلك قاضي البصرة وهو أول من تكلم في النحو والديلي بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبفتح الهمزة وبضم الدال وإسكان الواو وبفتح الهمزة أربع لغات وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري
وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق واحد
والحديث

(16/79)


حرب
قوله غفار بكسر الغين المعجمة يصرف باعتبار الحي ولا يصرف باعتبار القبيلة قوله غفر الله لها إما أن يراد به الدعاء وإما على بابه خبر قوله وأسلم سالمها الله من المسالمة وترك الحرب أو هو دعاء بأن الله يصنع بهم ما يوافقهم أو سالمها بمعنى سلمها الله نحو قاتله الله بمعنى قتله الله وفيهما من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لسهولته وهو من الاتفاقات اللطيفة وقال الخطابي يقال إن النبي دعا لهاتين القبيلتين لأن دخولهما في الإسلام كان من غير حرب وكانت غفار تتهم بسرقة الحاج فأحب رسول الله أن يمحو عنهم تلك المسبة وأن يعلم أن ما سلف منهم مغفور لهم قوله وعصية بضم العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وهي قبيلة ولكنه ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره فاء أخرى ابن امرىء القيس بن بهثة بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وبالثاء المثلثة ابن سليم بضم السين وإنما قال عصت الله ورسوله لأنهم الذين قتلوا القراء ببئر معونة بعثهم رسول الله سرية فقتلوهم وكان يقنت عليهم في صلاته ويلعن رعلا وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله
4153 - حدثني ( محمد ) أخبرنا ( عبد الوهاب الثقفي ) عن ( ايوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن السلام كذا ثبت عند أبي علي بن السكن في غير هذا الحديث وفي ( التلويح ) قيل هو ابن سلام وقيل ابن يحيى الذهلي قيل قوله ابن يحيى وهم لأن الذهلي لم يدرك عبد الوهاب الثقفي قلت هذا نفي يحتاج إلى بيان وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن المثنى وغيره
24 - ( حدثنا قبيصة حدثنا سفيان وحدثني محمد بن بشار حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال النبي أرأيتم إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرا من بني تميم وبني أسد ومن بني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة فقال رجل خابوا وخسروا فقال هم خير من بني تميم ومن بني أسد ومن بني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة الكوفي كان على قضاء الكوفة بعد الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة والثاني عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري إلى آخره والحديث أخرجه البخاري أيضا في هذا الباب عن بندار عن غندر وفي النذور عن عبد الله بن محمد عن وهب بن جرير وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكرة وابن المثنى وآخرين وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمود بن غيلان قوله أرأيتم أي أخبروني والخطاب للأقرع بن حابس على ما يأتي عقيب هذا الحديث قوله من بني تميم هو ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الهمزة وتشديد الدال ابن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وفيهم بطون كثيرة جدا قوله وبني أسد هو ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكانوا أعدادا كثيرا وارتدوا بعد وفاة النبي مع طلحة بن خويلد وارتد بنو تميم أيضا مع سجاح التي ادعت النبوة قوله ومن بني عبد الله بن غطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وتخفيف الفاء وهو ابن سعد بن قيس غيلان بن مضر وكان اسم عبد الله بن غطفان في الجاهلية عبد العزى فصيره النبي عبد الله وبنوه يعرفون ببني المحولة قوله ومن

(16/82)


بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء ابن قيس غيلان وقال ابن دريد هوازن ضرب من الطير وفيه بطون كثيرة وأفخاذ قوله فقال رجل هو الأقرع بن حابس التميمي قوله فقال هم خير أي فقال النبي هم خير أي جهينة ومزينة وأسلم وغفار خير من بني تميم إلى آخره وخيريتهم بسبقهم إلى الإسلام وبما كان فيهم من مكارم الأخلاق ورقة القلوب -
6153 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن أبي يعقوب ) قال سمعت ( عبد الرحمان بن أبي بكرة ) عن أبيه أن ( الأقرع بن حابس ) قال ل ( لنبي ) إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه وجهينة ابن أبي يعقوب شك قال النبي أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسبه وجهينة خيرا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان خابوا وخسروا قال نعم قال والذي نفسي بيده إنهم لخير منهم ( انظر الحديث 5153 وطرفه )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن بشار عن غندر وهو محمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن أبي يعقوب وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب نسب إلى جده الضبي البصري من بني تميم
قوله إنما بايعك بالباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف ويروى تابعك بالتاء المثناة من فوق وبعد الألف باء موحدة قوله ابن أبي يعقوب شك هو مقول شعبة أي محمد بن أبي يعقوب المذكور هو الذي شك في قوله وجهينة فظهر من هذا أن الرواية الأولى بلا شك وأن ذلك ثابت في الخبر قوله أرأيت أي أخبرني والخطاب للأقرع بن حابس قوله إن كان أسلم خبر إن هو قوله خابوا وخسروا ولكن همزة الاستفهام فيه مقدرة تقديره أخابوا وخسروا كذا هو في رواية مسلم بهمزة الاستفهام قوله قال نعم أي قال الأقرع نعم خابوا وخسروا قوله قال أي النبي والذي نفسي بيده إنهم أي إن أسلم وغفار ومزينة وجهينة لخير منهم أي من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان قوله لخير منهم وفي رواية لأخير منهم على وزن أفعل التفضيل وهي لغة قليلة والمشهور الخير وكذا في رواية الترمذي وفي رواية مسلم والذي نفسي بيده إنهم خير منهم بدون لام التأكيد ولفظ خير على أصله بدون نقله إلى أفعل التفضيل ولم أر أحدا من شراح البخاري حرر هذا الموضع كما ينبغي فمنهم من ترك حل التركيب أصلا وطاف من بعيد ومنهم من كاد أن يخبط فلله الحمد والمنة على ما اتضح لنا منه المراد
3253 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال أسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة أو قال شيء من جهينة أو مزينة خير عند الله أو قال يوم القيامة من أسد وتميم وهوازن وغطفان
هذا طريق موقوف على أبي هريرة
وأخرجه مسلم مرفوعا فقال حدثني زهير بن حرب ويعقوب الدورقي قالا حدثنا إسماعيل يعنيان ابن علية حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله لأسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة أو شيء من جهينة أو مزينة خير عند الله قال أحسبه قال يوم القيامة من أسد وغطفان وهوازن وتميم انتهى
وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين
قوله قال قال أسلم الظاهر أن فاعل قال الأول أبو هريرة وفاعل قال الثاني هو النبي ولكن لم يذكره أبو هريرة فلأجل هذا جاء في صورة الموقوف وقال الخطيب وابن الصلاح اصطلاح محمد بن سيرين إذا قال عن أبي هريرة قال قال ولم يسم فاعل قال الثاني فالمراد به النبي فحينئذ يكون الحديث مرفوعا كما في رواية مسلم فإنه صرح في روايته بفاعل قال الثاني كما ذكر قوله أسلم مبتدأ وما بعده

(16/83)


عطف عليه وقوله خير عند الله خبره قوله وشيء من مزينة وجهينة يعني بعضا منهم وهذا تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة الماضي قبله قوله أو قال شيء من جهينة أو مزينة شك من الراوي يعني قال شيء منهما أو قال شيء إما من هذا وإما من ذلك يعني شك في أنه جمع بينهما أو اقتصر على أحدهما قوله أو قال يوم القيامة شك من الراوي هل قال خير عند الله أو قال خير يوم القيامة وهذا أيضا تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة لأن ظهور الخيرية إنما يكون يوم القيامة قوله من أسد يتعلق بقوله خير لأن استعمال لفظ خير بكلمة من في أكثر المواضع كما عرف في موضعه فافهم
41 -
( باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم )
أي هذا باب في بيان أن ابن أخت القوم ومولى القوم منهم قال بعضهم أي فيما يرجع إلى المناصرة والتعاون ونحو ذلك وأما بالنسبة إلى الميراث ففيه نزاع انتهى قلت ظاهر الكلام مطلق يتناول الكل وهذا الباب وقع ههنا في رواية كريمة وغيرها وكذا في نسختنا المعتمد عليها ووقع عند أبي ذر قبل باب قصة الحبش
8253 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال ( دعا ) النبي الأنصار فقال هل فيكم أحد من غيركم قالوا لا إلا ابن أخت لنا فقال رسول الله ابن أخت القوم منهم
مطابقته للجزء الأول من الترجمة ظاهرة ولم يذكر حديث مولى القوم منهم مع ذكره في الترجمة فقيل لأنه لم يقع له حديث على شرطه ورد على هذا القائل بأنه قد أورد في الفرائض من حديث أنس ولفظه مولى القوم من أنفسهم والمراد به المولى الأسفل لا الأعلى فيكون عدم ذكره إياه هنا اكتفاء بما ذكره هناك
ورواة الحديث المذكور قد مضوا غير مرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن بندار عن غندر وعن آدم عن شعبة عن قتادة وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي موسى وبندار وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار به وأخرجه النسائي في الزكاة عن إسحاق بن إبراهيم
قوله دعا النبي الأنصار ويروى الأنصار خاصة قوله إلا ابن أخت لنا وهو النعمان بن مقرن كما أخرجه أحمد من طريق شعبة عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا قوله ابن أخت القوم منهم استدلت به الحنفية في توريث الخال وذوي الأرحام إذا لم يكن عصبة ولا صاحب فرض مسمى وبه قال أحمد أيضا وهو حجة على مالك والشافعي في تحريمهما الخال وذوي الأرحام
وللحنفية أحاديث أخر منها ما أخرجه الطبراني من حديث عتبة بن غزوان أن النبي قال يوما لقريش هل فيكم من ليس منكم قالوا لا إلا ابن أختنا عتبة بن غزوان فقال ابن أخت القوم منهم ومنها ما أخرجه الطبراني أيضا من حديث عمرو بن عوف أن النبي دخل بيته قال ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي فقال لهم هل معكم أحد غيركم قالوا معنا ابن الأخت والمولى قال حليف القوم منهم ومولى القوم منهم وأخرج أحمد نحوه من حديث أبي موسى والطبراني نحوه من حديث أبي سعيد ومنها حديث عائشة الخال وارث من لا وارث له أخرجه البخاري وفي الباب أيضا حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله تعالى عنه
01 -
( باب قصة زمزم وفيه باب قصة إسلام أبي ذر رضي الله تعالى عنه )
أي هذا باب في ذكر قصة زمزم وفي ذكر إسلام أبي ذر رضي الله تعالى عنه وهذا الباب وقع هنا في رواية كريمة وغيرها ووقع عند أبي ذر قبل باب قصة الحبش
2253 - حدثنا ( زيد ) هو ( ابن أخزم ) قال ( أبو قتيبة سلم بن قتيبة ) حدثني ( مثنى بن سعيد القصير ) قال حدثني ( أبو جمرة ) قال قال لنا ( ابن عباس ) ألا أخبركم بإسلام أبي ذر قال قلنا بلاى قال قال

(16/84)


أبو ذر كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي انطلق إلى هذا الرجل كلمه وائتني بخبره فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت ما عندك فقال والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر فقلت له لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد قال فمر بي علي فقال كأن الرجل غريب قال قلت نعم قال فانطلق إلى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه وليس أحد يخبرني عنه بشيء قال فمر بي علي فقال أما نال للرجل يعرف منزله بعد قال قلت لا قال انطلق معي قال فقال ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة قال قلت له إن كتمت علي أخبرتك قال فإني أفعل قال قلت له بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه فقال له أما إنك قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت فمضي ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي فقلت له اعرض علي الإسلام فعرضه فأسلمت مكاني فقال لي يا أبا ذر أكتم هاذا الأمر وارجع إلي بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال يا معشر قريش إني أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقالوا قوموا إلى هذا الصابىء فقاموا فضربت لأموت فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عني فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس فقالوا قوموا إلى هذا الصابىء فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وأدركني العباس فأكب علي وقال مثل مقالته بالأمس قال فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله ( الحديث 2253 - طرفه في 1683 )
مطابقته للترجمة ظاهرة أما قصة زمزم فلأن فيه ذكر زمزم واكتفى أبو ذر به في المدة التي أقام فيها بمكة وأما قصة إسلامه فظاهرة من هذا الباب هكذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي وحده ذكر قصة إسلام أبي بكر فقط ووقع هذا الباب أيضا عند أبي ذر بعد قصة خزاعة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول زيد بن أخزم بسكون الخاء المعجمة وفتح الزاي أبو طالب الطائي الحافظ البصري قتلته الزنج زمان خروجهم في البصرة سنة سبع وخمسين ومائتين وهو من أفراد البخاري الثاني سلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن قتيبة مصغر القتبة بفتح القاف والتاء المثناة من فوق والباء الموحدة أبو قتيبة الشعيري الخراساني سكن بصرة ومات بها في حدود المائتين الثالث مثنى ضد المفرد ابن سعيد القصير ضد الطويل القسام الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة البصري الرابع أبو جمرة بفتح الجيم واسمه نصر بن عمران الضبعي البصري الخامس عبد الله بن عباس
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عمرو بن العباس

(16/85)


عن ابن مهدي وأخرجه مسلم في الفضائل عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة
ذكر معناه قوله ألا أخبركم كلمة ألا للتنبيه على شيء يقال قوله من غفار قد ذكرنا أنه إذا أريد به الحي ينصرف وإذا أريد به القبيلة لا ينصرف قوله فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة وفي رواية مسلم لما بلغ أبا ذر مبعث النبي بمكة قال لأخيه الحديث قوله يزعم أنه نبي حال من رجلا لا يقال إنه نكرة فلا يقع الحال منه لأنا نقول قد تخصص بالصفة وهو قوله قد خرج بمكة قوله فقلت لأخي إنطلق إلى هذا الرجل وفي رواية مسلم قال لأخيه إركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء واسمع قوله ثم ائتني واسم أخيه أنيس قوله كلمة فيه حدف تقديره فإذا رأيته واجتمعت به كلمه وآتني بخبره وفي رواية مسلم واسمع قوله ثم ائتني قوله فانطلق ويروى فانطلق الأخ وفي رواية الكشميهني فانطلق الآخر وهو أخوه أنيس قال عياض ووقع عند بعضهم فانطلق الأخ الآخر والصواب الاقتصار على أحدهما فإنه لا يعرف لأبي ذر إلا أخ واحد وهو أنيس قوله فلقيه أي فلقي النبي ثم رجع إلى أخيه وفي رواية مسلم فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر قوله رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر وفي رواية مسلم رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر قوله فقلت له أي لأخي لم تشفني من الخبر من الشفاء أي لم تجئني بجواب يشفيني من مرض الجهل قوله فأخذت جرابا بالجيم وعصا وفي رواية مسلم ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة قوله ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه يعني لا تدري به قريش فيؤذوه وفي رواية مسلم فأتى المسجد فالتمس النبي ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه يعني الليل فاضطجع قوله فمر بي علي رضي الله تعالى عنه وهو علي بن أبي طالب فقال كأن الرجل غريب وفي رواية مسلم فرآه علي فعرف أنه غريب قوله قال فانطلق إلى المنزل أي قال علي له انطلق معي إلى منزلنا قال أبو ذر فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره وفي رواية مسلم فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح قوله فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه أي عن النبي وليس أحد يخبرني عنه بشيء وفي رواية مسلم بعد قوله حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي حتى أمسى فعاد إلى مضجعه قوله قال فمر بي علي رضي الله تعالى عنه فقال أما نال للرجل يعرف منزله يقال نال له إذا آن له ويروى ما أنى وفي رواية مسلم ما آن أن يعلم منزله ويروى بدون همزة الاستفهام في اللفظة أي ما جاء الوقت الذي يعرف به منزل الرجل بأن يكون له مسكن معين يسكنه ويروى يعرف بلفظ المبني للفاعل ويحتمل أن يريد علي رضي الله تعالى عنه بهذا القول دعوته إلى بيته للضيافة ويكون إضافة المنزل إليه بملابسة إضافته له فيه كما قال الشاعر
( ذريني قلت بالله حلفةلتغني عني ذا أنا بك أجمعا )
أو يريد إرشاده إلى ما قدم له وقصده يعني أما جاء وقت إظهار المقصود والاشتغال به كالاجتماع برسول الله مثلا وكالدخول في منزله ونحوه وإنما قال لا في قوله قلت لا على التقدير الأول إذ لم يكن قصده التوطن ثمة وعلى الثاني إذ كان عنده أمر أهم من ذلك وهو التفتيش عن مقصوده وعلى الثالث إذ خاف من الإظهار وقال الكرماني ماذا فاعل نال قلت يعرف في تقدير المصدر نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه قلت التقدير أن تسمع بالمعيدي أي سماعك بالمعيدي خير من رؤيته وهنا التقدير ما نال للرجل أن يعرف منزله قوله ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة وفي رواية مسلم ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد قوله إن كتمت علي أخبرتك وفي رواية مسلم إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت قوله قال فإني أفعل أي قال علي فإني أفعل ما ذكرته وفي رواية مسلم ففعل قوله قد رشدت من رشد يرشد من باب علم يعلم رشدا بفتحتين ورشد يرشد من باب نصر ينصر رشدا بضم الراء وسكون الشين وأرشدته أنا والرشد خلاف الغي قوله هذا وجهي إليه أي هذا توجهي إلى رسول الله فاتبعني وفي رواية مسلم فقال إنه حق وهو

(16/86)


رسول الله فإذا أصبحت فاتبعني قوله أدخل حيث أدخل أمر وأدخل مضارع قوله قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت وفي رواية مسلم فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي قوله فمضى أي علي رضي الله تعالى عنه فمضيت معه حتى دخل أي علي رضي الله تعالى عنه قوله بين ظهورهم وفي رواية مسلم بين ظهرانيهم قوله وقريش فيه حال أي في المسجد قوله إلى هذا الصابىء من صبأ يصبؤ إذا انتقل من شيء إلى شيء وكانوا يسمون من أسلم صابئا قوله فضربت على صيغة المجهول قوله لأموت أي لأن أموت يعني ضربوه ضرب الموت وفي رواية مسلم فضربوه حتى اضجعوه قوله فأكب علي أي رمى نفسه علي قوله فأقلعوا أي كفوا عني
وفي الحديث دلالة على تقدم إسلام أبي ذر ولكن الظاهر أنه بعد البعث بمدة طويلة لما فيه من الحكاية عن علي رضي الله تعالى عنه من مخاطبته لأبي ذر وتضيفه إياه والأصح أن سنه حين البعث كان عشر سنين وقيل أقل من ذلك فظهر من ذلك أن إسلام أبي ذر بعد البعث بمدة بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي ما فعله وروى عبد الله بن الصامت إسلام أبي ذر عن نفس أبي ذر أخرجه مسلم مطولا جدا وفيه مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس ولكن الجمع بينهما ممكن باعتبار ان ابن عباس رضي الله تعالى عنه اقتصر في حكايته عن ذلك والله أعلم
7 -
( باب ذكر قحطان )
أي هذا باب في بيان ذكر قحطان مجردا عن الكلام فيه هل هو من ذرية إسماعيل عليه الصلاة و السلام أم لا وعن ذكر نسبه وقد مضى الكلام فيه فيما مضى عن قريب
7153 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( سليمان بن بلال ) عن ( ثور بن زيد ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ( الحديث 7153 - طرفه في 7117 )
مطابقته للترجمة في ذكر اسم قحطان وثور بلفظ الحيوان المعروف ابن زيد الديلي المدني مر في الجمعة وأبو الغيث وهو المطر اسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع الأسود القرشي العدوي المدني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن عبد العزيز أيضا وأخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة
قوله رجل لم يدر اسمه عند الأكثرين لكن القرطبي جزم أنه جهجاه الذي وقع ذكره في ( صحيح مسلم ) من طريق آخر عن أبي هريرة بلفظ لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له الجهجاه وأخرجه عقيب حديث القحطاني قوله يسوق الناس بعصاه كناية عن تسخير الناس واسترعائهم كسوق الراعي الغنم بعصاه وفي ( التوضيح ) حديث القحطان يدل على أنه خليفة ولكنه يحمل على تغلبه وروى نعيم بن حماد في ( الفتن ) عن أرطأة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه قيل هذا الثاني مع كونه مرفوعا ضعيف الإسناد والأول مع كونه موقوفا أصلح إسنادا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم عليهما السلام لأن عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين انتهى قلت إذا كان القحطاني في زمن عيسى كيف يسوق الناس بعصاه وكيف يملك مع وجود عيسى عليه الصلاة و السلام على أن في رواية أرطأة ابن المنذر أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة
8 -
( باب ما ينهى عن دعوى الجاهلية )
أي هذا باب في بيان ذم ما ينهى من دعوى الجاهلية وكلمة ما يجوز أن تكون موصولة ويجوز أن تكون مصدرية وينهى على صيغة المجهول ودعوى الجاهلية هي الاستغاثة عند إرادة الحرب كانوا يقولون يا آل فلان يا آل فلان فيجتمعون وينصرون القاتل ولو كان ظالما فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك

(16/87)


8153 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( مخلد بن يزيد ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو بن دينار ) أنه سمع ( جابرا ) رضي الله تعالى عنه يقول ( غزونا مع ) النبي وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي فقال فما بال دعوى أهل الجاهلية ثم قال ما شأنهم فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي دعوها فإنها خبيثة وقال عبد الله بن أبي بن سلول أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( المنافقون 8 ) فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبد الله فقال النبي لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه
مطابقته للترجمة في قوله ما بال دعوى الجاهلية
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد كذا وقع محمد غير منسوب عند جميع الرواة وقال أبو نعيم هو محمد بن سلام نص عليه في ( المستخرج ) وكذا قاله أبو علي الجياني وجزم به الدمياطي أيضا الثاني مخلد بفتح الميم واللام ابن يزيد من الزيادة أبو الحسن الحراني الجزري مات سنة ثلاث وتسعين ومائة الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وقد تكرر ذكره الرابع عمرو بن دينار القرشي الأثرم المكي الخامس جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما والحديث من أفراده
قوله غزونا هذه الغزوة هي عزوة المريسيع وفي مسلم قال سفيان يروون أن هذه الغزوة غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع وكانت في سنة ست من الهجرة قوله ثاب بالثاء المثلثة قال الكرماني أي اجتمع معه ناس وقال الداودي معناه خرج والذي عليه أهل اللغة أن معنى ثاب رجع قوله لعاب قيل معناه مطال وقيل كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة وقيل مزاح واسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان أجير عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله فكسع بفتح الكاف والسين المهملة والعين المهملة من الكسع وهو أن تضرب بيدك أو برجلك دبر إنسان ويقال هو أن تضرب عجز إنسان بقدمك وقيل هو ضربك بالسيف على مؤخره وفي ( الموعب ) كسعته بما ساءه إذا تكلم فرميته على إثر قوله بكلمة تسوؤه بها قوله أنصاريا أي رجلا أنصاريا وهو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي قوله حتى تداعوا أي حتى استغاثوا بالقبائل يستنصرون بهم في ذلك والدعوى الانتماء وكان أهل الجاهلية ينتمون بالاستغاثة إلى الآباء وتداعوا بصيغة الجمع وعن أبي ذر تداعوا بالتثنية قال بعضهم والمشهور في هذا تداعيا بالياء عوض الواو قلت الذي قال بالواو أخرجه على الأصل قوله يا للأنصار ويروى يا آل الأنصار قال النووي كذا في معظم نسخ البخاري بلام مفصولة في الموضعين وفي بعضها يوصلها وفي بعضها يا آل بهمزة ثم لام مفصولة واللام في الجميع مفتوحة وهي لام الاستغاثة قال والصحيح بلام موصولة ومعناه ادعو المهاجرين واستغيث بهم قوله ما بال دعوى الجاهلية يعني لا تداعوا بالقبائل بل تداعوا بدعوة واحدة بالإسلام ثم قال ما شأنهم أي ما جرى لهم وما الموجب في ذلك قوله دعوها أي دعوا هذه المقالة أي اتركوها أو دعوا هذه الدعوى ثم بين حكمة الترك بقوله فإنها خبيثة أي فإن هذه الدعوة خبيثة أي قبيحة منكرة كريهة مؤذية لأنها تثير الغضب على غير الحق والتقاتل على الباطل وتؤدي إلى النار كما جاء في الحديث من دعا بدعوى الجاهلية فليس منا وليتبوأ مقعده من النار وتسميتها دعوى الجاهلية لأنها كانت من شعارهم وكانت تأخذ حقها بالعصبية فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضاء بالأحكام الشرعية إذا تعدى إنسان على آخر حكم الحاكم بينهما وألزم كلا ما لزمه وقال السهيلي من دعا بدعوى الجاهلية يتوجه للفقهاء فيه ثلاثة أقوال أحدها يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا اقتداء بأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا حين سمع يا لعامر

(16/88)


الثاني فيه الجلد دون العشرة أسواط لنهيه أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط الثالث يوكل إلى إجتهاد الإمام على حسب ما يراه من سد الذريعة وإغلاق باب الشر إما بالوعيد وإما بالسجن وإما بالجلد قيل في القول الأول الذي ذكره السهيلي فيه نظر لأن أبا الفرج الأصبهاني وهيره ذكروا أن النابغة لما سمع يا لعامر أخذ عصاه وجاء مغيثا والعصا لا تعد سلاحا يقتل قوله وقال عبد الله بن أبي سلول إلى آخره إنما قال ذلك عبد الله لأنه كان مع عمر بن الخطاب أجيرا له من غفار يقال له جعال كان معه فرس يقوده فحوض لعمر حوضا فبينما هو قائم على الحوض إذ أقبل رجل من الأنصار يقال له وبرة بن سنان الجهني وسماه أبو عمر سنان بن تميم وكان حليفا لعبد الله بن أبي فقاتله فتداعيا بقبائلهما فقال عبد الله بن أبي أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( المنافقين 8 ) وأما قوله تعالى في سورة المنافقين يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( المنافقين 8 ) فقد قال النسفي في ( تفسيره ) يقولون أي المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه والله لئن رجعنا من غزاة بني لحيان ثم بني المصطلق وهو حي من هذيل إلى المدينة ليخرجن الأعز عنى به نفسه منها من المدينة الأذل يعني محمدا ولقد كذب عدو الله قوله فقال عمر رضي الله تعالى عنه ألا نقتل بالنون ويروى بالتاء المثناة من فوق قوله هذا الخبيث أراد به عبد الله ابن أبي وقد بينه بقوله لعبد الله واللام فيه يتعلق بقوله قال عمر أي قال لأجل عبد الله وقال الكرماني أو اللام للبيان نحو هيت لك وفي بعضها يعني عبد الله وقال بعضهم اللام بمعنى عن قلت قال هذا بعضهم في قوله وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ( الأحقاف 11 ) ورده ابن مالك وغيره وقالوا اللام ههنا للتعليل وقيل غير ذلك قوله فقال النبي لا أي لا نقتل قوله يتحدث الناس إلى آخره كلام مستقل وليس له تعلق بكلمة لا فافهم قوله أنه أي النبي كان يقتل أصحابه ويتنفر الناس عن الدخول في الإسلام ويقول بعضهم لبعض ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم فلا تسلموا أنفسكم إليه للهلاك فيكون ذلك سبيلا لنفور الناس عن الدين
9153 - حدثنا ( ثابت بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي
مطابقته للترجمة ظاهرة وثابت بن محمد أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي وهو من أفراد البخاري وسفيان هو الثوري
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب ليس منا من ضرب الخدود فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
عن سفيان عن زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله عن النبي قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية
هذا معطوف على قوله حدثنا سفيان عن الأعمش في الحديث السابق فيكون موصولا وليس بمعلق وزبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن الحارث بن عبد الكريم اليامي بالياء آخر الحروف الكوفي وإبراهيم هو النخعي مسروق هو ابن الأجدع وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز في باب ليس منا من شق الجيوب حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان قال زبيد اليامي عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله إلى آخره
9153 - حدثنا ( ثابت بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( عبد الله بن مرة ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي
مطابقته للترجمة ظاهرة وثابت بن محمد أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي وهو من أفراد البخاري وسفيان هو الثوري
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب ليس منا من ضرب الخدود فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
عن سفيان عن زبيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله عن النبي قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية
هذا معطوف على قوله حدثنا سفيان عن الأعمش في الحديث السابق فيكون موصولا وليس بمعلق وزبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة ابن الحارث بن عبد الكريم اليامي بالياء آخر الحروف الكوفي وإبراهيم هو النخعي مسروق هو ابن الأجدع وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز في باب ليس منا من شق الجيوب حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان قال زبيد اليامي عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله إلى آخره
9 -
( باب قصة خزاعة )
أي هذا باب في بيان قصة خزاعة بضم الخاء المعجمة وبالزاي المخففة وفتح العين المهملة قال الرشاطي خزاعة هو عمرو بن ربيعة وربيعة هذا هو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد هذا مذهب من يرى أن خزاعة من اليمن ومن يرى أن خزاعة من مضر يقول هو عمرو بن ربيعة بن قمعة ويحتج بحديث

(16/89)


رواه أبو هريرة أن النبي قال لأكثم ابن أبي الجون الخزاعي رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار وجمع بعضهم بين القولين أعني نسبة خزاعة إلى اليمن وإلى مضر فزعم أن حارثة بن عمرو لما مات قمعة بن خندف كانت امرأته حاملا بلحي فولدته وهي عند حارثة فتبناه فنسب إليه فعلى هذا هو من مضر بالولادة ومن اليمن بالتبني وقال صاحب ( الموعب ) خزاعة اسمه عمرو بن لحي ولحي اسمه ربيعة سمي خزاعة لأنه انخزع فلم يتبع عمرو بن عامر حين ظعن عن اليمن بولده وسمي عمرو مزيقيا لأنه مزق الأزد في البلاد وقيل لأنه كان يمزق كل يوم حلة وفي ( التيجان ) لابن هشام انخزعت خزاعة في أيام ثعلبة العنقاء بن عمرو بعد وفاة عمر وفي ( التلويح ) قيل لهم ذلك لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم أيام سيل العرم لما صاروا إلى الحجاز فافترقوا فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه
( فلما قطعنا بطن مر تخزعت
خزاعة منا في جموع كراكر )
وانخزعت أيضا بنو أفصى بن حارثة بن عمرو وأفصى هو عم عمرو بن لحي وقال الكلبي إنما سموا خزاعة لأن بني مازن ابن الأزد لما تفرقت الأزد باليمن نزل بنو مازن على ماء عند زبيد يقال له غسان فمن شرب منه فهو غساني وأقبل بنو عمرو بن لحي فانخزعوا من قومهم فنزلوا مكة ثم أقبل بنو أسلم وملك وملكان بنو أفصى بن حارثة فانخزعوا أيضا فسموا خزاعة وتفرق سائر الأزد وأول من سماهم هذا الاسم جدع بن سنان الذي يقال فيه خذ من جدع ما أعطاك وذلك أنه لما رآهم قد تفرقوا قال أيها الناس إن كنتم كلما أعجبتكم بلدة أقامت منكم طائفة كيفما انخزعت خزاعتكم هذه أوشكتم أن يأكلكم أقل حي وأذل قبيل
0253 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) حدثنا ( يحيى بن آدم ) أخبرنا ( إسرائيل ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم هو مشهور بابن راهويه ويحيى بن آدم بن سليمان أبو زكريا القرشي الكوفي صاحب الثوري وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عثمان بن عاصم الأسدي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث من أفراده
قوله عمرو بن لحي مبتدأ وخبره قوله أبو خزاعة ولحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء قوله ابن قمعة بفتح القاف والميم وتخفيفها وبإهمال العين وقيل بكسر القاف وتشديد الميم بفتحها وكسرها وقيل بفتحها مع سكون الميم قوله ابن خندف بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وكسر الدال المهملة وفتحها وبالفاء وهي أم القبيلة فلا تنصرف وقمعة منسوب إلى الأم وإلا فأبوه اسمه الياس بن مضر قال قائلهم
( أمهتي خندف وإلياس أبي )
واسم خندف ليلى بنت حلوان بن عمران بن ألحاف من قضاعة لقبت بخندف لمشيتها بالخندفة وهي الهرولة واشتهر بنوها بالنسبة إليها دون أبيهم قوله أبو خزاعة أي هو حي من الأزد
1253 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال سمعت ( سعيد بن المسيب ) قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء قال وقال أبو هريرة قال النبي رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب ( الحديث 1253 - طرفه في 3264 )
أول هذا الحديث موقوف على سعيد بن المسيب رواه البخاري عن أبي اليمان الحكم بن نافع الحمصي عن شعيب بن

(16/90)


أبي حمزة الحمصي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب وآخره عنه عن أبي هريرة عن النبي على ما نذكر مفصلا
أما البحيرة فهي التي يمنع درها أي لبنها للطواغيت أي لأجلها وهي جمع طاغوت وهو الشيطان وكل رأس في الضلال وكان أهل الجاهلية إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوا وحرموا ركوبها ودرها فلا تطرد عن ماء ولا عن مرعى لتعظيم الطواغيت وتسمى تلك الناقة البحيرة وأما السائبة فهي أن الرجل منهم كان يقول إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها هذا هو المشهور وقد خصصه البخاري بقوله والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم أي لأصنامهم التي كانوا يعبدونها وبعد ذلك لا يحمل عليها شيء وفي ( التلويح ) والسائبة هي الأنثى من أولاد الأنعام كلها كان الرجل يسيب لآلهته ما شاء من إبله وبقره وغنمه ولا يسيب إلا أنثى فظهورها وأولادها وأصوافها وأوبارها للآلهة وألبانها ومنافعها للرجال دون النساء قاله مقاتل وقيل هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناثا لم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها فهي البحيرة بنت السائبة وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هي أنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه وأكله الرجال

(16/91)


والنساء جميعا وإن كانت أنثى شقوا أذنها وتلك البحيرة لا يجز لها وبر ولا يذكر عليها اسم الله عز و جل إن ركبت ولا إن حمل عليها وحرمت على الناس فلا يذقن من لبنها شيئا ولا ينتفعن بها وكان لبنها ومنافعها خاصة للرجال دون النساء حتى تموت فإذا ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها
قوله قال وقال أبو هريرة أي قال سعيد بن المسيب وقال أبو هريرة قال النبي إلى آخره وهو موصول بالإسناد الأول قوله يجر قصبه بضم القاف وسكون الصاد المهملة وهي الأمعاء وقال ابن الأثير القصب بالضم المعاء وجمعه أقصاب وقيل القصب اسم للأمعاء كلها وقيل هو ما كان أسفل البطن من الأمعاء قوله وكان أي عمرو بن عامر أول من سيب السوائب وهو جمع وروى محمد بن إسحاق بسند صحيح عن محمد بن إبراهيم التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة سمعت رسول الله يقول لأكتم رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار إنه أول من غير دين إسماعيل عليه الصلاة و السلام فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال وحدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق فرآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون قالوا له هذه نعبدها ونستمطر بها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه ويقال كان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في المواسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى إنه اللات الذي يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى صخرة اللات ويقال إن اللات كان من ثقيف فلما مات قال لهم عمرو إنه لم يمت ولكنه دخل في الصخرة ثم أمرهم بعبادتها وأن يبنوا عليها بيتا يسمى اللات ودام أمر عمرو وأمر ولده علي هذا بمكة ثلاثمائة سنة وذكر أبو الوليد الأزرقي في ( أخبار مكة ) أن عمرا فقأ عين عشرين بعيرا وكانوا من بلغت إبله ألفا فقأ عين بعير وإذا بلغت ألفين فقأ العين الأخرى قال الراجز
( وكان شكر القوم عند المننكي الصحيحات وفقأ الأعين )
وهو الذي زاد في التلبية إلا شريكا هو لك تملكه وملك وذلك أن الشيطان تمثل في صورة شيخ يلبي معه فقال عمرو لبيك لا شريك لك قال الشيخ إلا شريكا هو لك فأنكر ذلك عمرو بن لحي فقال ما هذا فقال الشيخ تملكه وما ملك فإنه لا بأس به فقالها عمرو فدانت بها العرب
وأما تفسير الوصيلة في رواية ابن إسحاق فهي الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وأهدوه للآلهة وإن كانت انثى استحيوها وإن كانت ذكرا وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى وقالوا وصلت أخاها فلم يذبحوهما وقال مقاتل وكانت المنفعة للرجال دون النساء فإن وضعت ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء قال الله تعالى وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ( الأنعام 931 ) وأما الحام فهو الفحل إذا ركب ولد ولده فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك قيل حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ولا ينحر أبدا إلى أن يموت فتأكله الرجال والنساء
21 -
( باب قصة زمزم وجهل العرب )
أي هذا باب في قصة زمزم وجهل العرب هكذا وقع لأبي ذر وفي رواية غيره ما وقع إلا باب جهل العرب فقط وهو الصواب لأنه لم يذكر فيه أصلا زمزم وما يتعلق به وقد وقع في بعض النسخ باب قصة إسلام أبي ذر قبل هذا الباب
4253 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ( الأنعام 041 ) إلى قوله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ( الأنعام 041 )
مطابقته للترجمة في قوله جهل العرب وأما الجزء الأول منها فلا ذكر له هنا أصلا كما ذكرنا آنفا وأبو النعمان محمد ابن الفضل السدوسي وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري
والحديث من أفراد البخاري ورواه ابن مردويه في ( تفسيره ) حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أيوب حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه
قوله إذا سرك من سره الأمر سرورا إذا فرح به قوله قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين وقد أخبر الله تعالى أن الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ( الأنعام 041 ) أي من غير علم أتاهم في ذلك وحرموا ما رزقهم الله ( الأنعام 041 ) من الأنعام والحرث إفتراء على الله ( الأنعام 041 ) حيث قالوا إن الله أمركم بهذا قد ضلوا في ذلك وخسروا في الدنيا والآخرة وأما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم وضيقوا عليهم في أموالهم وحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم وأما في الآخرة فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم وعن ابن عباس نزلت هذه الآية في ربيعة ومضر والذين كانوا يدفنون بناتهم أحياء في الجاهلية من العرب قال قتادة كان أهل الجاهلية يقتلون بناتهم مخافة السبي عليهم والفاقة إلا ما كان من بني كنانة فإنهم كانوا لا يفعلون ذلك
31 -
( باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام أو الجاهلية )
أي هذا باب في بيان جواز انتساب من انتسب إلى آبائه الذين مضوا في الإسلام أو في الجاهلية وكره بعضهم ذلك مطلقا ومحل الكراهة إنما كان إذا ذكره على طريق المفاخرة والمشاجرة وقد روى الإمام أحمد وأبو يعلى في ( مسنديهما ) بإسناد حسن من حديث أبي ريحانة رفعه من انتسب إلى تسعة آباء كفار يزيدهم عزا وكرامة فهو عاشرهم في النار
وقال ابن عمر وأبو هريرة عن النبي إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله
مطابقته للجزء الأول من الترجمة وهو قوله في الإسلام ظاهرة لأنه لما نسب يوسف إلى آبائه كان ذلك دليلا على جوازه لغيره في مثل ذلك وأما تعليق عبد الله بن عمرو أبي هريرة فقد مر كلاهما في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

(16/92)


وقال البراء عن النبي أنا ابن عبد المطلب
مطابقته للجزء الثاني للترجمة من حيث إنه انتسب إلى جده عبد المطلب وتعليق البراء قطعة من حديث مضى مطولا موصولا في كتاب الجهاد في باب من صف أصحابه عند الهزيمة
5253 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( عمرو بن مرة ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال ل ( ما نزلت ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( ( الشعراء ) 412 ) ( جعل ) النبي ينادي يا بني فهر يا بني عدي ببطون قريش
مطابقته للترجمة من حيث ذكر النبي عشيرته بنسبة كل قبيلة إلى آبائها
وحفص بن غياث بن طلق أبو عمر النخعي الكوفي قاضيها يروي عن الأعمش وهو سليمان بن مهران
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن علي بن عبد الله ومحمد بن سلام فرقهما وعن أبي يوسف بن موسى وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كريب عن أبي أسامة وعن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية وأخرجه الترمذي في التفسير عن هناد وأحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن هناد وعن إبراهيم بن يعقوب وفيه وفي اليوم والليلة عن أبي كريب
قوله يا بني فهر بكسر الفاء وسكون الهاء ابن مالك ابن النضر بن كنانة بطن من قريش وكذا بنو عدي بفتح العين المهملة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر رهط عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله ببطون قريش وفي رواية الكشميهني لبطون قريش باللام وقد أمر الله تعالى نبيه بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه وبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبدء ثم بمن يليه وأن يقدم إنذارهم على إنذار غيرهم وهذا الحديث من مرسلات ابن عباس لأن الآية نزلت في مكة وابن عباس ولد بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين والله أعلم
6253 - وقال لنا ( قبيصة ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( حبيب بن أبي ثابت ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) قال ل ( ما نزلت ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( ( الشعراء ) 412 ) ( جعل ) النبي يدعوهم قبائل قبائل
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وإنما قال قال لنا قبيصة لأنه سمعه منه في المذاكرة وقبيصة بفتح القاف هو ابن عقبة وقد تكرر ذكره وسفيان هو الثوري وحبيب بن أبي ثابت اسمه قيس بن دينار أبو يحيى الكوفي والحديث أخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان وفي اليوم والليلة عن محمود بن غيلان قوله يدعوهم أي يدعو عشيرته قبائل قبائل بأن قال يا بني فلان يا بني فلان بما يعرف به كل قبيلة كما يأتي توضيحه في الحديث الآتي
7253 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) أخبرنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث من أفراده
قوله اشتروا إنما قال اشتروا أنفسكم مع أنهم البائعون قال الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( التوبة 111 ) لأنهم مشترون أنفسهم باعتبار التخليص من العذاب بائعون باعتبار تحصيل الثواب قوله عمة رسول الله عطف بيان من قوله أم الزبير واسمها صفية بنت عبد المطلب
وفيه أنه ناداهم طبقة بعد طبقة الى أن انتهى الى ابنته فاطمة رضي الله عنها
وفيه أن قريشا كلهم من الأقربين وفيه بداءته بقومه فإذا قامت

(16/93)


حجة عليهم قامت على من سواهم ممن أمر بتبليغه وفيه فضل صفية رضي الله تعالى عنها وفيه تكنية المرأة حيث قال يا أم الزبير بن العوام
51 -
( باب قصة الحبش )
أي هذا باب في بيان قصة الحبش ولم يذكر فيه إلا شيئا نزرا من قصة الحبشة وذكر ابن إسحاق قصتهم مطولة فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتابه والحبش والحبشة جنس من السودان والجمع الحبشان مثل حمل وحملان قاله الجوهري وهم من أولاد حام بن نوح عليه الصلاة و السلام وكانوا سبع أخوة السند والهند والزنج والقبط والحبش والنوبة وكنعان والحبش على أنواع الدهلك وناصع والزيلع والكوكر والفافور واللابة والقوماطين ودرقلة والقرنة والحبش بن كوش بن حام وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وقصتهم مشهورة
وقول النبي يا بني أرفدة
وقول مجرور لأنه عطف على قوله قصة الحبش وأرفدة بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء اسم جد لهم وقيل أرفدة اسم أمه وقد مضى هذا اللفظ في حديث طويل في كتاب العيدين في باب الحراب والدرق يوم العيد وفيه وكان يوم عيد يلعب فيه السودان فإما سألت يعني عائشة رسول الله وإما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي
9253 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن ( أبا بكر ) رضي الله تعالى عنه ( دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان ) وتدففان وتضربان والنبي متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى وقالت عائشة رأيت النبي يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي دعهم أمنا بني أرفدة يعني من الأمن
مطابقته للترجمة الأولى في قوله إلى الحبشة وفي الثانية في قوله بني أرفدة ورجاله قد تكرر ذكرهم وهذا الحديث قد مضى في العيدين في باب الحراب والدرق يوم العيد ومضى الكلام فيه هناك
قوله في أيام منى تغنيان ويروى في أيام منى تدفعان وتضربان وليس فيه تغنيان قوله فإنها أي فإن أيام منى أيام عيد أيام فرح وسرور وقيل هذا يدل على أن أيام العيد أربعة أيام ورد بأنه يحتمل أن يكون ذلك اليوم ثاني يوم العيد أو ثالثه فإذا كان كذلك فهو من أيام منى ولا يقال إنه على عمومه لأن دعوى العموم في الأفعال غير صحيحة عند الأكثرين لأنها قصة عين قوله متغش ويروى متغشي والكل بمعنى واحد من قولهم تغشى أي تغطى بثوبه قوله فزجرهم أي فزجر أبو بكر الحبشة الذين يلعبون قوله دعهم أي أتركهم آمنين ويجوز أن يكون أمنا مفعولا مطلقا أي إئمنوا أمنا ليس لأحد أن يمنعكم ونحوه قوله بني أرفدة أي يا بني أرفدة قوله يعني من الأمن والغرض من ذكر لفظ يعني بيان أنه مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف لا من الإيمان
61 -
( باب من أحب أن لا يسب نسبه )
أي هذا باب في بيان من أحب أن لا يسب أي لا يشتم نسبه أي أهل نسبه
1353 - حدثني ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت ( استأذن حسان ) النبي في هجاء المشركين فقال كيف بنسبي فقال حسان لأسلنك

(16/94)


منهم كما تسل الشعرة من العجين
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقال كيف بنسبي فإنه لم يرد أن يهجى نسبه مع هجو الكفار وعبدة هو ابن سليمان وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عثمان بن أبي شيبة أيضا وفي الأدب عن محمد بن سلام وأخرجه مسلم في الفضائل عن عثمان بن أبي شيبة
قوله كيف بنسبيأي كيف بنسبي مجتمعا بنسبهم يعني كيف تهجو قريشا مع اجتماعي معهم في النسب وفي هذا إشارة إلى أن معظم طرق الهجو النقص من الآباء قوله لأسلنك منهم أي لأخلصن نسبك منهم أي من نسبهم بحيث يختص الهجو بهم دونك وقال الكرماني أي لأتلطفن في تخليص نسبك من هجوهم بحيث لا يبقى جزء من نسبك فيما ناله الهجو قوله كما تسل الشعرة ويروى الشعر وإنما عين الشعر والعجين لأنه إذا سل من العجين لا يتعلق به شيء ولا ينقطع لنعومته بخلاف ما إذا سل من شيء صلب فإنه ربما ينقطع ويبقى منه بقية وروى أنه لما استأذن النبي في هجاء المشركين قال له إئت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يخلص لك نسبي فأتاه حسان ثم رجع فقال له قد خلص لي نسبك
وعن أبيه قال ذهبت أسب حسان عند عائشة فقالت لا تسبه فإنه كان ينافح عن النبي
أي وعن أبي هشام وهو عروة بن الزبير وهذا موصول بالإسناد المذكور إلى عروة وليس بمعلق وقد أخرجه البخاري في الأدب عن محمد بن سلام عن عبد الله بهذا الإسناد وقال فيه وعن هشام عن أبيه فذكر الزيادة وكذلك أخرجه في الأدب المفرد قوله كان ينافح بكسر الفاء بعدها حاء مهملة ومعناه يدافع يقال نافحت عن فلان أي خاصمت عنه ويقال نفحت الدابة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعيد وأصل النفح بالمهملة الضرب وقيل للعطاء نفح كان المعطى يضرب السائل به
71 -
( باب ما جاء في أسماء النبي )
أي هذا باب في بيان ما جاء من أسماء النبي وفي بعض النسخ في أسماء رسول الله
وقول الله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ( الفتح 92 ) وقوله من بعدي اسمه أحمد ( الصف 6 )
وقول الله بالجر عطف على قوله ما جاء وقوله وقوله من بعدي اسمه أحمد بالجر أيضاعطفا على قول الله وكأنه أشار بما ذكر من بعض الآيتين إلى أن أشهر أسماء النبي محمد وأحمد فمحمد من باب التفعيل للمبالغة وأحمد من باب التفضيل وقيل معناهما إذا حمدني أحد فأنت أحمد وإذا حمدت أحد فأنت محمد وقال عياض كان رسول الله أحمد قبل أن يكون محمدا كما وقع في الوجود لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة وتسميته محمدا وقعت في القرآن العظيم وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس وقد خص بسورة الحمد ولواء الحمد وبالمقام المحمود وشرع له الحمد بعد الأكل وبعد الشرب وبعد الدعاء وبعد القدوم من السفر وسميت أمته الحمادين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه وقيل اسمه في السموات أحمد وفي الأرضين محمود وفي الدنيا محمد وقيل الأنبياء كلهم حمادون لله تعالى ونبينا أحمد أي أكثر حمدا لله منهم وقيل الأنبياء كلهم محمودون ونبينا أحمد أي أكثر مناقبا وأجمع للفضائل قوله محمد رسول الله محمد إما خبر مبتدأ محذوف أي هو محمد لتقدم قوله هو الذي أرسل رسوله ( التوبة 33 الفتح 82 والصف 9 ) وإما مبتدأ ورسول الله عطف بيان والذين معه أي أصحابه عطف على المبتدأ وقوله أشد خبر عن الجميع ويجوز أن يكون استئنافا محمد مبتدأ ورسول الله خبره والذين معه مبتدأ وأشداء خبره ويجوز أن يكون والذين معه في محل الجر عطفا على قوله بالله في قوله وكفى بالله ( ) والجمهور على أن المراد من قوله والذين معه رسل الله فيحسن الوقف على معه قوله أشداء جمع شديد ومعناه يغلظون على الكفار وعلى من

(16/95)


خالف دينهم وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم قوله من بعدي اسمه أحمد وقبله ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( الصف 6 ) وعن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى يا روح الله فهل بعدنا من أمة قال نعم أمة محمد حكاه علماء أبرار أتقياء
39 - ( حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثني معن عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعن بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون ابن عيسى القزاز مر في الوضوء والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي اليمان عن شعيب وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن زهير بن حرب وإسحق بن إبراهيم وابن أبي عمرو عن حرملة بن يحيى وعن عبد الملك بن شعيب وعن عبد بن حميد وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سعيد بن عبد الرحمن وفي الشمائل عن غير واحد وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن شعيب البغدادي عن معن بن عيسى به قوله عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه كذا وقع موصولا عند معن بن عيسى عن مالك وقال الأكثرون عن مالك عن الزهري عن محمد بن جبير مرسلا ووافق معنا على وصله عن مالك جويرية بن أسماء عند الإسماعيلي ومحمد بن المبارك وعبد الله بن نافع عند أبي عوانة وأخرجه الدارقطني في الغرائب عن آخرين عن مالك وقال إن أكثر أصحاب مالك أرسلوه ورواه مسلم موصولا من رواية يونس بن يزيد وعقيل ومعمر ورواه البخاري أيضا موصولا في التفسير من رواية شعبة ورواه الترمذي أيضا موصولا من رواية ابن عيينة كلهم عن الزهري قوله لي خمسة أسماء فيه سؤالان الأول أنه قصر أسماءه على خمسة وأسماؤه أكثر من ذلك وقد قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم وكذا للرسول والثاني أن قوله الماحي ونحوه صفة لا اسم الجواب عن الأول أن مفهوم العدد لا اعتبار له فلا ينفي الزيادة وقيل إنما اقتصر عليها لأنها موجودة في الكتب القديمة ومعلومة للأمم السالفة وزعم بعضهم أن العدد ليس من قول النبي وإنما ذكره الراوي بالمعنى ورد عليه لتصريحه في الحديث بذلك وقيل معناه ولي خمسة أسماء لم يسم بها أحد قبلي وقيل معناه أن معظم أسمائي خمسة والجواب عن الثاني أن الصفة قد يطلق عليها الاسم كثيرا قوله أنا محمد هذا هو الأول من الخمسة وقال السهيلي في الروض لا يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي إلا ثلاثة محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن أحيحة بن الجلاح ومحمد بن حمران بن ربيعة وقد رد عليه ومنهم من عد ستة ثم قال ولا سابع لهم ثم عدهم فذكر منهم هؤلاء الثلاثة وزاد عليهم محمد بن خزاعي السلمي ومحمد بن مسلمة الأنصاري ومحمد بن براء البكري ورد عليه أيضا بجماعة تسموا بمحمد وهم محمد بن عدي بن ربيعة السعدي روى حديثه البغوي وابن سعد وابن شاهين وغيرهم ومحمد بن اليحمد الأزدي ذكره المفجع البصري في كتاب المنقذ ومحمد بن خولي الهمداني ذكره ابن دريد ومحمد بن حرماز ذكره أبو موسى في الزيل ومحمد بن عمرو بن مغفل بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الفاء وباللام ومحمد الأسيدي ومحمد الفقيمي ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن أسامة ومحمد بن عثمان ومحمد بن عتوارة الليثي قوله وأنا أحمد هذا هو الثاني من الخمسة ويروى وأنا محمد وأحمد بغير لفظة وأنا قوله وأنا الماحي هذا هو الثالث من الخمسة قيل أراد بقوله الذي يمحو الله بي الكفر من جزيرة العرب وقال الكرماني محو الكفر إما من بلاد العرب ونحوها وفيه نظر لأنه وقع في رواية عقيل ومعمر يمحو الله بي الكفرة وفي رواية نافع بن جهير وأنا الماحي فإن الله يمحو به سيئات من اتبعه ( قلت ) قوله هذا عام يتناول كفر كل أحد في كل أرض قوله وأنا الحاشر هذا هو الرابع من الخمسة وقد فسره بقوله الذي يحشر الناس على قدمي أي على أثري أي أنه يحشر قبل

(16/96)


الناس ويوافق هذا لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي ويقال معناه على زماني ووقت قيامي على القدم بظهور علامات الحشر ويقال معناه لا نبي بعدي قوله قدمي ضبطوه بتخفيف الياء وتشديدها مفردا ومثنى قوله وأنا العاقب هذا هو الخامس وزاد يونس بن يزيد في روايته عن الزهري الذي ليس بعده أحد وقد سماه الله رؤفا رحيما وقال البيهقي في الدلائل قوله وقد سماه الله إلى آخره مدرج من قول الزهري وفي دلائل البيهقي العاقب يعني الخاتم وفي لفظ الماحي والخاتم وفي لفظ فأنا حاشر فبعثت مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد وعند مسلم في حديث أبي موسى الأشعري ونبي التوبة ونبي الملحمة وعن أبي صالح قال إنما أنا رحمة مهداة وقال أبو زكريا العنبري لنبينا محمد خمسة أسماء في القرآن العظيم قال الله عز و جل محمد رسول الله وقال ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وقال وإنه لما قام عبد الله يعني النبي ليلة الجن وقال ( طه ) وقال ( يس ) يعني يا إنسان والإنسان هنا العاقل وهو محمد وقال البيهقي وزاد عبدة وسماه في القرآن رسولا نبيا أميا وسماه شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وسماه مذكرا ورحمة وجعله نعمة وهاديا عن كعب قال الله عز و جل لمحمد عبدي المتوكل المختار وعن حذيفة بسند صحيح يرفعه أنا المقفى ونبي الرحمة وعن مجاهد قال أنا رسول الرحمة أنا رسول الله الملحمة بعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراع وفي كتاب الشفاء وأنا رسول الراحة ورسول الملاحم وأنا قثم والقثم الجامع في الكامل وفي القرآن المزمل والمدثر والنور والمنذر والبشير والشاهد والشهيد والحق والمبين والأمين وقدم الصدق ونعمة الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب والكريم وداعي الله والمصطفى والمجتبى والحبيب ورسول رب العالمين والشفيع والمشفع والمتقي والمصلح والظاهر والصادق والمصدوق والهادي وسيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب الله وخليل الرحمن وصاحب الحوض المورود والشفاعة والمقام المحمود وصاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وصاحب التاج والمعراج واللواء والقضيب وراكب البراق والناقة والنجيب وصاحب الحجة والسلطان والعلامة والبرهان وصاحب الهراوة والنعلين والمختار ومقيم السنة والمقدس وروح القدس وروح الحق وهو معنى البارقليط في الإنجيل وقال ثعلب البارقليط الذي يفرق بين الحق والباطل وماذماذ معناه طيب طيب والبرقليطس بالرومية وقال ثعلب الخاتم الذي ختم الأنبياء والخاتم أحسن الأنبياء خلقا وخلقا ويسمى بالسريانية مشفح والمنحمنا وفي التوراة أحيد ذكره ابن دحية بمد الألف وكسر الحاء ومعناه أحيد أمتي عن النار وقيل معناه الواحد وقال عياض ومعناه صاحب القضيب أي السيف وفي الدر المنظم للعرقي من أسمائه المصدق المسلم الإمام المهاجر العامل اذن خير الآمر الناهي المحلل المحرم الواضع الرافع المجير وقال ابن دحية أسماؤه وصفاته إذا بحث عنها تزيد على الثلاثمائة وقد ذكرنا عن ابن العربي أن أسماءه بلغت ألفا كأسماء الله تعالى -
3353 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد
مطابقته للترجمة في قوله وأنا محمد وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان بن عيينة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله ألا تعجبون كلمة ألا للتنبيه وكان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولوا مذمم ومذمم ليس باسمه ولا يعرف به فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره وأنا أسمي محمد كثير الخصال الحميدة وألهم الله أهله أن يسموه به لما علم من حميد صفاته وفي المثل المشهور الألقاب تنزل من السماء وقال ابن التين استدل بهذا الحديث من أسقط حد القذف بالتعريض وهم الأكثرون خلافا لمالك وأجاب بأنه لم يقع في الحديث أنه لا شيء عليهم في ذلك بل الواقع أنهم عوقبوا على ذلك ورد عليه بأنه لا يدل على النفي ولا على الإثبات فلا يتم الاستدلال به

(16/97)


81 -
( باب خاتم النبيين )
98
- أي هذا باب في بيان معنى الخاتم من أسمائه أنه خاتم النبيين
4353 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( سليم ) حدثنا ( سعيد بن ميناء ) عن ( جابر بن عبده الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون لولا موضع اللبنة
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه لأن في طريق من طرق الحديث عند الإسماعيلي من رواية عثمان عن سليم بن حيان فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى أبو بكر العوفي الباهلي الأعمى وهو من أفراده وسليم بفتح السين المهملة وكسر اللام ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وسعيد بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ممدودا ومقصورا
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن حاتم وأخرجه الترمذي في الأمثال عن محمد ابن إسماعيل البخاري به وقال صحيح غريب من هذا الوجه
قوله مثلي مبتدأ ومثل الأنبياء عطف عليه وقوله كمثل رجل خبره والمثل ما يضرب به الأمثال وفي ( الجمهرة ) المثل النظير والمشبه هنا واحد والمشبه به متعدد فكيف يصح التشبيه ووجهه أنه جعل الأنبياء كلهم كواحد فيما قصد في التشبيه وهو أن المقصود من تعيينهم ما تم إلا باعتبار الكل فكذلك الدار لم يتم إلا بجميع اللبنات ويقال إن التشبيه هنا ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد بل هو تشبيه تمثيلي فيؤخذ وصف من جميع أحوال المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فيقال شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بدار أسس قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع لبنة فنبينا بعث لتتميم مكارم الأخلاق كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار قوله إلا موضع لبنة بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وجاز إسكانها مع فتح اللام وكسرها وهي القطعة من الطين تعجن وتيبس ويبنى بها بناء فإذا أحرقت تسمى آجرة قوله لولا موضع اللبنة بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي لولا موضع اللبنة يوهم النقص لكان بناء الدار كاملا كما في قولك لولا زيد لكان كذا أي لولا زيد موجود لكان كذا ويجوز أن تكون لولا تخصيصية لا امتناعية وفعله محذوف أي لولا ترك موضع اللبنة أو سوى ويجوز موضع بالنصب أي لولا تركت أيها الرجل موضعها ونحو ذلك ووقع في رواية همام عند أحمد ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك
5353 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن حجر ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر عنه به
قوله من زاوية قال الداودي هي الركن وفي رواية همام عند مسلم إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها ناقصا وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة فالمراد منه هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما خص به من الشرائع
وفيه ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي على سائر الأنبياء وأن الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين

(16/98)


91 -
( باب وفاة النبي )
أي هذا باب في باين وفاة النبي هكذا وقعت هذه الترجمة عند أبي ذر وسقطت من رواية النسفي
6353 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي توفي وهو ابن ثلاث وستين وقال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثله ( الحديث 6353 - طرفه في 6644 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده به
قوله توفي وهو ابن ثلاث وستين هذا هو الأصح في سنه وقد ذكره البخاري في آخر الغزوات وترجم عليه هذه الترجمة أيضا وروي أيضا هذا عن ابن عباس ومعاوية وقال البيهقي وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي وإحدى الروايتين عن أنس وروى عن أنس أنه توفي على رأس الستين وصححه الحاكم في ( الإكليل ) وأسنده ابن سعد من طريقين عنه وبه قال عروة ويحيى بن جعدة والنخعي وروى مسلم من حديث عمار بن أبي عامر عن ابن عباس أنه توفي وهو ابن خمس وستين وصححه أبو حاتم الرازي أيضا في ( تاريخه ) وأما البخاري فذكره في ( تاريخه الصغير ) عن عمار ثم قال ولا يتابع عليه وكان شعبة يتكلم في عمار وفيه نظر من حيث إن ابن أبي خيثمة ذكره أيضا من حديث علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس ورواه أيضا ابن سعد عن سعيد بن سليمان عن هشيم حدثنا علي فذكره ولو أعله البخاري ما ذكره البيهقي من حديث حماد عن عمار عن ابن عباس لكان صوابا لأن شعبة وإن تكلم فيه فقد أثنى عليه غير واحد وفي ( تاريخ ابن عساكر ) ثنتان وستون سنة ونصف وفي كتاب عمر بن شعبة إحدى أو اثنتان لا أراه بلغ ثلاثا وستين وروى البزار من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه توفي في إحدى وعشرين من رمضان ولما ذكر الطبري قول الكلبي وأبي محيف أنه توفي في ثامن ربيع الأول قال هذا القول وإن كان خلاف قول الجمهور فإنه لا يبعد أن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كانت تسعة وعشرين يوما وفي ( التوضيح ) وهذا قول أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ومحمد بن عمرو الأسلمي والمعتمر بن سليمان عن أبيه وأبي معشر عن محمد بن قيس قالوا ذلك أيضا حكاه البيهقي والقاضي أبو بكر بن كامل في ( البرهان ) وقال السهيلي في ( الروض ) اتفقوا أنه توفى يوم الإثنين وقالوا كلهم في ربيع الأول غير أنهم قالوا أو قال أكثرهم في الثاني عشر من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة وهو التاسع من ذي الحجة فدخل ذو الحجة يوم الخميس فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت وإما الأحد فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد فإن كان السبت فقد كان الربيع إما الأحد وإما الإثنين وكيف ما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول يوم الإثنين بوجه وعن الخوارزمي توفي في أول يوم من ربيع الأول قال وهذا أقرب إلى القياس وعن المعتمر بن سليمان عن أبيه أن رسول الله مرض يوم السبت لاثنين وعشرين ليلة من صفر بدأ به وجعه عند وليدته ريحاته وتوفى في اليوم العاشر وعند أبي معشر عن محمد بن قيس اشتكى يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر في بيت زينب بنت جحش فمكث ثلاثة عشر يوما وعند الواقدي عن أم سلمة زوج النبي أنه بدىء به وجعه في بيت ميمونة زوجته وقال أهل الصحيح بإجماع إنه توفي يوم الإثنين قال أهل السير مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة وذلك حين ارتفع الضحى وقال الواقدي كانت مدة علته اثني عشر يوما وقيل أربعة عشر يوما قوله وقال ابن شهاب وهو محمد بن مسلم الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب مثله أي مثل ما أخبر عروة عن عائشة وهو موصل بالإسناد الأول المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب

(16/99)


بالإسنادين معا مفرقا وهو من مرسل سعيد بن المسيب ويحتمل أن يكون سعيد أيضا سمعه من عائشة رضي الله تعالى عنها والله تعالى أعلم
02 -
( باب كنية النبي )
أي هذا باب في بيان كنية النبي الكنية بضم الكاف وسكون النون مأخوذ من الكناية تقول كنيت عن الأمر بكذا إذ ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحا وقد شاعت الكنى بين العرب وبعضها يغلب على الإسم كأبي طالب وأبي لهب ونحوها وقد يكنى واحد بكنية واحدة فأكثر ومنهم من يشتهر باسمه وكنيته جميعا فالكنية والاسم واللقب كلها من الأعلام ولكن الكنية ما يصدر بأب أو أم واللقب ما يشعر بمدح أو ذم وكان النبي يكنى بأبي القاسم وهو أكبر أولاده وعن ابن دحية كنى رسول الله بأبي القاسم لأنه يقسم الجنة بين الخلق يوم القيامة ويكنى أيضا بأبي إبراهيم باسم ولده إبراهيم الذي ولد في المدينة من مارية القبطية وروى البيهقي من حديث أنس أنه لما ولد إبراهيم بن رسول الله من مارية جاريته كاد يقع في نفس رسول الله منه حتى أتاه جبريل عليه الصلاة و السلام فقال السلام عليك أبا إبراهيم وفي رواية يا أبا إبراهيم وذكره ابن سعد أيضا وفي ( التوضيح ) وله كنية ثالثة وهو أبو الأرامل
7353 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت النبي فقال سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ( انظر الحديث 0212 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الحديث مضى في كتاب البيوع في باب ما ذكر في الأسواق أخرجه من طريقين أحدهما عن آدم بن مالك والآخر عن إسماعيل ومضى الكلام فيه هناك
8353 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( منصور ) عن ( سالم ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
مطابقته للترجمة ظاهرة ومنصور هو ابن المعتمر وسالم هو ابن أبي الجعد والحديث مضى بأتم منه في الخمس في باب قول الله عز و جل فإن لله خمسه ( الأنفال 14 ) فإنه أخرجه هناك من طريقين أحدهما عن أبي الوليد عن شعبة والآخر عن محمد ابن يوسف عن سفيان
9353 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أيوب ) عن ( ابن سيرين ) قال سمعت ( أبا هريرة ) يقول قال ( أبو القاسم ) سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث أخرجه في الأدب عن علي بن عبد الله أيضا وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعمرو الناقد ومحمد بن عبد الله بن نمير وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وأبي بكر بن أبي شيبة قوله قال أبو القاسم وفيه نكتة لطيفة على ما لا يخفى على الفطن قوله سموا باسمي بفتح السين وتشديد الميم المضمومة أمر للجماعة من التسمية والله أعلم
12 -
( باب )
أي هذا باب إذا قدرنا هكذا يكون معربا وإلا فلا لأن الإعراب لا يكون إلا في التركيب وهذا وقع كذا بغير ترجمة وقال بعضهم هذا لا يصلح أن يكون فصلا من الذي قبله بل هو طرف من الحديث الذي بعده ولعل هذا من تصرف الرواة

(16/100)


انتهى قلت لا نسلم أنه لا يصلح أن يكون فصلا من الذي قبله بل هو صالح جيد لذلك لأن الألفاظ التي كان النبي يخاطب بها يا محمد يا أبا القاسم يا رسول الله والأدب بل الأحسن أن يخاطب بيا رسول الله وهذا الحديث يتضمن هذا فله تعلق بما قبله من هذا الوجه وقال هذا القائل أيضا نعم وجهه بعض شيوخنا فإنا أشار إلى أن النبي وإن كان ذا أسماء وكنية لكن لا ينبغي أن ينادى بشيء منها يقال له يا رسول الله كما خاطبته خالة السائب لما أتت به إليه ولا يخفى تكلفه انتهى قلت أراد ببعض شيوخه صاحب ( التوضيح ) الشيخ سراج الدين بن الملقن وقوله ولا يخفى تكلفه تكلف بل هو قريب مما ذكرنا وهو توجيه حسن وهذا أحسن من نسبته إلى تصرف الرواة
0453 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( الفضل بن موسى ) عن ( الجعيد بن عبد الرحمان رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين جلدا معتدلا ) فقال قد ( علمت ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء ) رسول الله إن خالتي ذهبت بي أليه فقالت يا رسول الله إن ابن اختي شاك فادع الله قال فدعا لي
توجه المطابقة بينه وبين الباب المترجم قبله بما ذكرنا الآن وإسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه والفضل بن موسى الشيباني وشيبان قرية من قرى مرو المروزي والجعيد بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة ابن عبد الرحمن ويقال الجعد أيضا الكندي المدني والسائب بن يزيد من الزيادة ابن سعد الكندي ويقال الأسدي ويقال الليثي ويقال الهذلي وقال الزهري هو من الأزد عداده في كنانة له ولأبيه صحبة توفي بالمدينة سنة إحدى وتسعين وهو ابن ست وتسعين وفي الحديث المذكور عن إسحاق لم يذكر إلا هنا فقط بخلاف الحديث الآتي على ما نبينه إن شاء الله تعالى
قوله ابن أربع وتسعين هذا يدل على أنه رآه في سنة اثنتين وتسعين فيكون عاش بعد ذلك سنتين وهو الأشهر وأبعد من قال إنه مات قبل التسعين وقال ابن أبي داود وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة قوله جلدا بفتح الجيم وسكون اللام أي قويا صلبا قوله معتدلا أي معتدل القامة مع كونه معمرا قوله ما متعت به على صيغة المجهول قوله سمعي بدل من الضمير الذي في به وبصري عطف عليه قوله شاك فاعل من الشكوى وهو المرض قوله فادع الله أي أدع الله له وهكذا يروى أيضا وقال عطاء بن السائب كان مقدم رأسه أسود وهو هو لأنه مسحه وأمه علية بنت شريح الحضرمية ومخرمة ابن شريح خاله
22 -
( باب خاتم النبوة )
أي هذا باب في بيان صفة خاتم النبوة وهو الذي كان بين كتفي النبي وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها
1453 - حدثنا ( محمد بن عبيد الله ) حدثنا ( حاتم ) عن ( الجعيد بن عبد الرحمان ) قال سمعت ( السائب بن يزيد ) قال ( ذهبت بي خالتي إلى ) رسول الله فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وقع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه
مطابقته للترجمة في قوله فنظرت إلى خاتم بين كتفيه ومحمد بن عبد الله بالتصغير أبو ثابت المدني مشهور بكنيته وهو من أفراده وحاتم بالحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق المكسورة بعد الألف ابن إسماعيل أبو إسماعيل

(16/101)


الكوفي سكن المدينة
والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس وقد مر الكلام فيه هناك وقع بفتح الواو وكسر القاف أي وجع وقد مضى في كتاب الطهارة بلفظ وجع وقيل يشتكي رجله ويروى بلفظ الماضي
قال ابن عبيد الله الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه قال إبراهيم بن حمزة مثل زر الحجلة
ابن عبيد الله هو شيخه محمد بن عبيد الله المذكور آنفا وأشار به إلى أنه فسر الحجلة التي وقع في هذا الحديث لأن فيه فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة على ما يأتي في باب الدعاء للصبيان من كتاب الدعاء فإن قلت لم تقع هذه اللفظة هنا في الحديث المذكور فما وجه تفسيرها هنا قلت الظاهر أنه لما روى هذا الحديث عن شيخه محمد بن عبيد الله وقع السؤال في المجلس عن كيفية الخاتم فقال هو أعني ابن عبيد الله أو غيره وهو مثل زر الحجلة فسئل هو عن معنى الحجلة فقال من حجل الفرس الذي بين عينيه وهذا هو الوجه في هذا وليس مثل ما قال بعضهم هكذا وقع وكأنه سقط منه شيء لأنه يبعد من شيخه محمد ابن عبيد الله أن يفسر الحجلة ولم يقع لها في سياقه ذكر وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة ثم فسرها كذلك انتهى قلت قوله كأنه سقط ليس موضع الشك لأن هذه اللفظة موجودة في نفس حديث السائب بن يزيد ولكنها ليست بمذكورة ههنا وهي مذكورة فيه في الطريق الآخر الذي أخرجه في كتاب الدعوات في باب الدعاء للصبيان فلا معنى لقوله وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة لأنه لا محل للشك والوجه فيه ما ذكرناه فافهم ومع هذا تفسيره من حجل الفرس الذي بين عينيه بمعنى البياض فيه نظر لأن المعروف الذي بين عيني الفرس إنما هو غرة والذي في قوائمه هو التحجيل ولئن سلمنا أن يكون هذا التفسير صحيحا فليس له معنى إن أراد البياض لأنه لا يبقى فائدة لذكر الزر قوله وقال إبراهيم بن حمزة هو أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني وهو أيضا من مشايخ البخاري روى عنه في غير موضع مات سنة ثلاثين ومائتين وأشار بهذا التعليق إلى أنه روى هذا الحديث كما رواه محمد بن عبيد الله المذكور إلا أنه خالفه في هذه اللفظة فقال مثل زر الحجلة مثل ما وقع في نفس الحديث وسيأتي عنه موصولا في كتاب الطب إن شاء الله تعالى وقد أمعنا في هذا الباب الكلام في كتاب الطهارة فليرجع إليه هناك من أراد الوقوف عليه والله أعلم
32 -
( باب صفة النبي )
أي هذا باب في بيان صفة النبي يعني في خلقه وخلقه
2453 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عمر بن سعيد بن أبي حسين ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عقبة ابن الحارث ) قال صلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وقال بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعلي وعلي يضحك ( الحديث 2453 - طرفه في 0573 )
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا بكر شبه الحسن بالنبي في خلقه بالفتح وهي صفته
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو عاصم الضحاك بن مخلد المشهور بالنبيل الثاني عمرو بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي الثالث عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم الرابع عقبة بن الحارث بن عامر القرشي النوفلي أبو سروعة المكي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع وفيه أن شيخه من أفراده وهو بصري والبقية كلهم مكيون وفيه عن ابن أبي مليكة وفي رواية الإسماعيلي أخبرني ابن أبي مليكة وفي أخرى حدثني وفيه عن عقبة بن الحارث وفي رواية الإسماعيلي أخبرني عقبة بن الحارث
والحديث أخرجه

(16/102)


البخاري أيضا في فضل الحسن رضي الله تعالى عنه عن عبدان عن ابن المبارك وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد ابن عبد الله المخرمي
ذكر معناه قوله ثم خرج يمشي وزاد الإسماعيلي في رواية بعد وفاة النبي بليالي وعلي رضي الله تعالى عنه يمشي إلى جانبه قوله وقال بأبي أي قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه بأبي أي أفديه بأبي أو هو مفدى بأبي وقال الكرماني بأبي قسم وفيه نظر قوله شبيه بالنبي أي هو شبيه بالنبي لا شبيه بعلي يعني أباه ابن أبي طالب قوله وعلي يضحك جملة حالية وضحكه يدل على أنه وافق أبا بكر رضي الله تعالى عنه على أن الحسن كان يشبه النبي وقال أبو عمر رضي الله تعالى عنه كان المشبهون برسول الله خمسة وهم جعفر بن أبي طالب والحسن بن علي وقثم بن العباس وأبو سفيان بن الحارث والسائب ابن عبيد رضي الله تعالى عنهم وقد قيل في ذلك شعر
بخمسة شبه المختار من مضر
يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن
بجعفر وابن عم المصطفى قثم
وسائب وأبي سفيان والحسن
وفي ( عيون الأثر ) وممن كان يشبهه عبد الله بن عامر بن كعب بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس رآه رسول الله صغيرا فقال هذا يشبهنا وذكر في ( المرآة ) منهم مسلم بن معتب وأنس بن ربيعة بن مالك البياضي البصري من بني أسامة بن لؤي وكان أشبه الناس برسول الله في خلقه وخلقه وكان أنس بن مالك إذا رآه عانقه وبكى وقال من أراد أن ينظر إلى رسول الله فلينظر إلى هذا وبلغ معاوية بن أبي سفيان خبره فاستقدمه فلما دخل عليه قام واعتنقه وقبل ما بين عينيه وأقطعه مالا وأرضا فرد المال وقبل الأرض
وفي الحديث فضيلة أبي بكر ومحبته لآل النبي وفيه ترك الصبي المميز يلعب لأن الحسن إذ ذاك كان ابن سبع سنين وقد سمع من النبي وحفظ عنه ولعبه محمول على ما يليق لمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة بل يحمل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك
4453 - حدثني ( عمرو بن علي ) حدثنا ( ابن فضيل ) حدثنا ( إسماعيل بن أبي خالد ) قال سمعت ( أبا جحيفة ) رضي الله تعالى عنه قال ( رأيت ) النبي وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه قلت لأبي جحيفة صفه لي قال كان أبيض قد شمط وأمر لنا النبي بثلاث عشرة قلوصا قال فقبض النبي قبل أن نقبضها ( انظر الحديث 3453 )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور بأتم منه أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر بن أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي عن محمد بن فضيل بالتصغير إلى آخره
قوله قد شمط بفتح الشين المعجمة وكسر الميم أي صار شعر رأسه السواد مخالطا بالبياض قوله فأمر لنا أي له ولقومه من بني سواءة وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد قوله بثلاث عشرة ويروى

(16/103)


بثلاثة عشر وقال ابن التين وكان حقه أن يقول ثلاث عشرة وهو ظاهر قوله قلوصا بفتح القاف وضم اللام وهي الأنثى من الإبل وقيل هي الطويلة القوائم وقال الداودي هي الثنية من الإبل قوله فقبض النبي قبل أن نقبضها أي قبل أن نقبض تلك القلائص
وفيه إشعار أن ذلك كان قرب وفاة النبي قلت نعم روى الإسماعيلي من طريق محمد بن الفضيل بالإسناد المذكور فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا فلما قام أبو بكر رضي الله تعالى عنه قال من كانت له عند رسول الله عدة فليجىء فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها
5453 - حدثنا ( عبد الله بن رجاء ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( وهب أبي جحيفة السوائي ) قال ( رأيت ) النبي ورأيت بياضا من تحت شفته السفلى العنفقة
هذا طريق آخر عن عبد الله بن رجاء بن المثنى الفداني البصري عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله الكوفي
قوله العنفقة بالجر على أنه بدل من الشفة ويجوز بالنصب على أن يكون بدلا من قوله بياضا قال ابن سيده في ( المخصص ) هي ما بين الذقن وطرف الشفة السفلى كأن عليها شعر أو لم يكن وقيل هو ما كان نبت على الشفة السفلى من الشعر وقال القزاز هي تلك الهمزة التي بين الشفة السفلى والذقن وقال الخليل هي الشعيرات بينهما ولذلك يقولون في التحلية نقي العنفقة وقال أبو بكر العنفقة خفة الشيء وقلته ومنه اشتقاق العنفقة فدل هذا على أن العنفقة الشعر وأنه سمي بذلك لقلته وخفته وفي هذا الحديث بين موضع البياض والشمط
6453 - حدثنا ( عصام بن خالد ) حدثنا ( حريز بن عثمان ) أنه ( سأل عبد الله بن بسر صاحب ) النبي قال أرأيت النبي كان شيخا قال كان في عنفقته شعرات بيض
مطابقته للترجمة ظاهرة وعصام بكسر العين المهملة ابن خالد أبو إسحاق الحمصي الحضرمي مات سنة بضع عشرة ومائتين من كبار شيوخ البخاري وليس له عنه في ( الصحيح ) غيره وهو من أفراد البخاري و حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي ابن عثمان السامي مات سنة ثلاث وستين ومائة وعبد الله بن بسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخره راء
والحديث من ثلاثيات البخاري الثالث عشر منها ومن أفراده أيضا
قوله أرأيت النبي يجوز فيه وجهان أحدهما أن يكون أرأيت بمعنى أخبرني ويكون لفظ النبي مرفوعا على الإبتداء وقوله أكان شيخا خبره على تأويل هل يقال فيه كان شيخا وأعربه بعضهم بأن النبي مرفوع على أنه اسم كان وفيه ما فيه والوجه الآخر أن يكون أرأيت استفهاما تقديره هل رأيت النبي أكان شيخا فيكون النبي منصوبا على المفعولية ويؤيد هذا ما رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن حريز بن عثمان قال رأيت عبد الله بن بسر صاحب النبي بحمص والناس يسألونه فدنوت منه وأنا غلام فقلت أنت رأيت رسول الله قال نعم قلت أشيخ كان رسول الله أم شاب قال فتبسم وفي رواية له فقلت له أكان رسول الله صبغ قال يا ابن أخي لم يبلغ ذلك قوله شعرات بيض الشعرات جمع شعرة والبيض بكسر الباء الموحدة جمع أبيض وقال الكرماني شعرات جمع قلة فلا يكون زائدا على عشرة قلت سمعت بعد الأساتذة الكبار أن عدد الشعرات البيض التي كانت على عنفقته سبعة عشر شعرة والله أعلم
7453 - حدثني ( ابن بكير ) قال حدثني ( الليث ) عن ( خالد ) عن ( سعيد بن أبي هلال ) عن ( ربيعة ابن أبي عبد الرحمان ) قال سمعت ( أنس بن مالك يصف ) النبي قال كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه وهو ابن أربعين فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه وبالمدينة عشر

(16/104)


سنين وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء قال ربيعة فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل احمر من الطيب
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن بكسر هو يحيى بن بكير تصغير بكر وهو منسوب إلى جده لأنه يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري والليث هو ابن سعد المصري وخالد هو ابن يزيد الجمحي الإسكندراني أبو عبد الرحيم الفقيه المفتي وسعيد بن أبي هلال الليثي المدني وربيعة بن أبي عبد الرحمن بن فروخ الفقيه المدني المعروف بربيعة الرأي
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف عن مالك وفي اللباس عن إسماعيل عن مالك وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر وعن القاسم بن زكرياء وأخرجه الترمذي في المناقب عن قتيبة عن مالك وعن إسحاق بن موسى عن معن عن مالك وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة عن مالك به مختصرا
ذكر معناه قوله كان ربعة بفتح الراء وسكون الباء الموحدة أي مربوعا والتأنيث باعتبار النفس يقال رجل ربعة وامرأة ربعة قوله ليس بالطويل ولا بالقصير تفسير ربعة أي ليس بالطويل الباين المفرط في الطول مع اضطراب القامة قال الأخفش هو عيب في الرجال والنساء وسيأتي في حديث البراء عن قريب أنه كان مربوعا ووقع في حديث أبي هريرة عند الذهلي في ( الزهريات ) بإسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب قوله أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة وقد وقع ذلك صريحا في مسلم من حديث أنس من وجه آخر قال كان النبي أبيض مشربا بياضه بحمرة وقيل الأزهر أبيض اللون ناصعا قوله ليس بأبيض أمهق كذا وقع في الأصول ووقع عند الداودي تبعا لرواية المروزي أمهق ليس بأبيض وقال الكرماني أمهق أبيض لا في الغاية وهو معنى ليس بأبيض وقال رؤبة المهق خضرة الماء ولم يوجد لفظ أمهق في بعض النسخ وهو الأظهر وفي ( الموعب ) الأمهق البياض الجصي وكذلك الأمقه وقيل هو بياض في زرقة وامرأة مهقاء ومقهاء وقال بعضهم هما الشديدا البياض وعن ابن دريد هو بياض سمج لا يخالطه حمرة ولا صفرة وفي ( التهذيب ) بياض ليس بنير وفي ( الجامع ) بياض شديد مفتح وقيل هو شدة الخضرة وقال عياض من روى أنه ليس بالأبيض ولا الآدم فقد وهم وليس بصواب ورد عليه بأن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض ولا بالآدم الشديد الأدمة وإنما يخالط بياضه الحمرة والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر ولهذا جاء في حديث أنس أخرجه أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح أن النبي كان أسمر وفي روايات كثيرة مختلفة فعند النظر يظهر من مجموعها أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالط الحمرة والمنفي ما لا يخالطه وهو الذي تكرهه العرب وتسميه أمهق وبهذا يظهر أن رواية المروزي أمهق ليس بأبيض مقلوبة على أنه يمكن توجيهه بما ذكرناه عن الكرماني آنفا قوله ليس بجعد قطط الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة والقطط بفتحتين والجعودة في الشعر أن لا يتكسر ولا يسترسل والقطط شديد الجعودة وفي ( التلويح ) الشعر القطط شبيه بشعر السودان قوله ولا سبط بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة من السبوطة وهي ضد الجعودة والحاصل أنه وسط بين الجعودة والسبوطة ويقال يعني شعره ليس بهاتين الصفتين وإنما فيه جعدة بصقلة قوله رجل بفتح الراء وكسر الجيم وقيل بفتحها وقيل بسكونها وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رجل أي مسترسل وقيل منسرح وفي حديث الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ووقع عند الأصيلي رجل بالجر قيل إنه وهم ويمكن توجيهه على أنه جر بالمجاورة ويروى في بعض الروايات رجل بفتح اللام وتشديد الجيم على أنه فعل ماض فإن صحت هذه الرواية فلا يظهر وجه وقوعه هكذا إلا بتعسف قوله أنزل عليه يعني الوحي وفي رواية مالك بعثه الله قوله وهو ابن أربعين سنة جملة حالية يعني وعمره أربعون سنة وهو قول الأكثرين وقيل أنزل عليه الوحي بعد أربعين سنة وعشرة أيام وقيل وشهرين وذلك يوم الإثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان وقيل

(16/105)


لسبع وقيل لأربع وعشرين ليلة منه فيما ذكره ابن عساكر وعن أبي قلابة نزل عليه الوحي لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان وعند المسعودي يوم الإثنين لعشر خلون من ربيع الأول وعند إبن إسحاق ابتدأ بالتنزيل يوم الجمعة من رمضان بغتة وعمره أربعون سنة وعشرون يوما وهو تاسع شباط لسبعمائة وأربعة وعشرين عاما من سني ذي القرنين وقال ابن عبد البر يوم الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل وقيل في أول ربيع وفي ( تاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي ) على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وعن مكحول أوحي إليه بعد اثنتين وأربعين سنة وقال الواقدي وابن أبي عاصم والدولابي في ( تاريخه ) نزل عليه القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وفي ( تاريخ أبي عبد الرحمن العتقي ) وهو ابن خمس وأربعين سنة لسبع وعشرين من رجب قاله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما وجمع بين هذه الأقوال والأول بأن ذلك حين حمي الوحي وتتابع وعند الحاكم مصححا أن إسرافيل عليه السلام وكل به ثلاث سنين قبل جبريل وأنكر ذلك الواقدي وقال أهل العلم ببلدنا ينكرون أن يكون وكل به غير جبريل وزعم السهيلي إن إسرافيل وكل به تدربا وتدريجا لجبريل كما كان أول نبوته الرؤيا الصادقة قوله فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه أي الوحي وهذا يقتضي أنه عاش ستين سنة وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه عاش ثلاثا وستين سنة وهو موافق لحديث عائشة الذي مضى عن قريب وبه قال الجمهور والله أعلم قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء يعني دون ذلك فإن قلت روى ابن إسحاق بن راهويه وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عمر كان شيب رسول الله نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه فهذا وحديث أنس يقتضي أن يكون أكثر من عشرة إلى ما دون عشرين وحديث عبد الله بن بسر الماضي يدل على أنها كانت عشرة لأنه قال عشر شعرات بصيغة جمع القلة وقد ذكرنا عن قريب أن جمع القلة لا يزيد على عشرة قلت التوفيق بين هذا أن حديث ابن بسر في شعرات عنفقته وما زاد على ذلك يكون في صدغيه كما في حديث البراء رضي الله تعالى عنه فإن قلت روى ابن سعد بإسناد صحيح عن حميد عن أنس في أثناء حديث قال لم يبلغ ما في لحيته من الشعر عشرين شعرة قال حميد وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة وروى أيضا بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس قال ما كان في رأس النبي ولحيته إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة وروى ابن أبي خيثمة من حديث حميد عن أنس لم يكن في لحية رسول الله عشرون شعرة بيضاء قال حميد كن سبع عشرة وروى الحاكم في ( المستدرك ) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن أنس قال لو عددت ما أقبل من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة قلت هذه أربع روايات عن أنس كلها تدل على أن شعراته البيض لم تبلغ عشرين شعرة والرواية الثانية توضح بأن ما دون العشرين كان سبع عشرة أو ثمان عشرة فيكون كما ذكرنا العشرة على عنفقته والزائد عليها يكون في بقية لحيته لأنه قال في الرواية الثالثة لم يكن في لحية رسول الله عشرون شعرة بيضاء واللحية تشمل العنفقة وغيرها وكون العشرة على العنفقة بحديث عبد الله بن بسر والبقية بالأحاديث الأخر في بقية لحيته وكون حميد أشار إلى عنفقته سبع عشرة ليس يفهم ذلك من نفس الحديث والحديث لا يدل إلا على ما ذكرنا من التوفيق وأما الرواية الرابعة التي رواها الحاكم فلا تنافي كون العشرة على العنفقة والواحد على غيرها وهذا الموضع موضع تأمل قوله قال ربيعة هو موصول بالإسناد المذكور قوله فسألت قيل يمكن أن يكون المسؤول عنه أنسا ويدل عليه ما راه محمد ابن عقيل أن عمر بن عبد العزيز قال لأنس هل خضب النبي فإني رأيت شعرا من شعره قد لون فقال إنما هذا الأثر قد لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله فهو الذي غير لونه فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه بقوله أحمر من الطيب يعني لم يخضب والله أعلم
8453 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك بن أنس ) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق وليس بالآدم وليس بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه

(16/106)


الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ( انظر الحديث 7453 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا طريق آخر في حديث أنس من رواية ( ربيعة بن أبي عبد الرحمن ) والكلام فيه قد مر عن قريب وهذا الحديث يقتضي أنه عاش ستين سنة وروى مسلم من وجه آخر عن أنس أنه عاش ثلاثا وستين سنة وهذا موافق لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها الماضي عن قريب وهذا قول الجمهور وقال الإسماعيلي لا بد أن يكون الصحيح أحدهما قلت كلاهما صحيح ويحمل رواية الستين على إلغاء الكسر
9453 - حدثنا ( أحمد بن سعيد أبو عبد الله ) حدثنا ( إسحاق بن منصور ) حدثنا ( إبراهيم ابن يوسف ) عن أبيه عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) يقول كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله المروزي المعروف بالرباطي مات يوم عاشوراء أو النصف من محرم سنة ست وأربعين ومائتين وروى عنه مسلم أيضا وإسحاق بن منصور أبو عبد الله السلولي الكوفي وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق يروي عن أبيه يوسف بن إسحاق ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله لأن إسحاق يقال إنه مات قبل أبيه أبي إسحاق
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن أبي كريب
قوله وأحسنه خلقا بفتح الخاء المعجمة وفي رواية الأكثرين وضبطه ابن التين بضم أوله واستشهد بقوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم ( القلم 4 ) ووقع في رواية الإسماعيلي وأحسنه خلقا وخلقا قوله البائن بالباء الموحدة من بان أي ظهر على غيره أو فارق من سواه
0553 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) قال سألت ( أنسا هل خضب ) النبي قال لا إنما كان شيء في صدغيه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وهمام بن يحيى العوذي البصري
والحديث أخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار وأخرجه النسائي في الزينة عن أبي موسى قوله شيء أي من الشيب يريد أنه لم يبلغ الخضاب لأنه لم يكن له شيء من الشيب إلا قليلا في صدغيه لم يحتج إلى التخضيب قوله في صدغيه الصدغ ما بين الأذن والعين ويسمى أيضا الشعر المتدلي عليه صدغا فإن قلت روى ابن عمر في ( الصحيحين ) أنه رأى النبي يصبغ من الصفرة قلت صبغ في وقت وتركه في معظم الأوقات فأخبر كل بما رأى وكلاهما صادقان فإن قلت هذا الحديث يدل على أن بعض الشيب كان في صدغيه وفي حديث عبد الله بن بسر كان على عنفقته قلت يجمع بينهما بما رواه مسلم من طريق سعيد عن قتادة عن أنس قال لم يخضب رسول الله وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ أي متفرق فإن قلت أخرج الحاكم من حديث عائشة أنها قالت ما شانه الله ببيضاء قلت هذا محمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه
1553 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي مربوعا بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه قال يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه إلى منكبيه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو إسحاق مر الآن والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أبي الوليد مختصرا

(16/107)


وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو داود في اللباس عن حفص بن عمر به وأخرجه الترمذي في الاستئذان والأدب عن بندار ببعضه وفي الشمائل عن بندار بتمامه وعن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في الزينة عن علي بن الحسين وعن يعقوب بن إبراهيم الدورقي
قوله مربوعا وهو معنى قوله ربعة في الأحاديث السابقة قوله بعيد ما بين المنكبين أي عريض أعلى الظهر ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن سعد رحب الصدر قوله أذنه بالإفراد وفي رواية الكشميهني أذنيه بالتثنية وفي رواية الإسماعيلي تكاد جمته تصيب شحمة أذنيه قوله قال يوسف بن أبي إسحاق نسبه إلى جده لأنه ذكر الأب وأراد الجد مجازا وقال الكرماني الضمير في أبيه يرجع إلى إسحاق لا إلى يوسف لأن يوسف لا يروي إلا عن الجد قوله إلى منكبيه أي يبلغ الجمة إلى منكبيه وهذا التعليق أسنده قبل عن أحمد بن سعد عن إسحاق بن منصور حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أبي عن أبي إسحاق عن البراء ولكنه اختصره وقال الداودي قوله يبلغ شحمة أذنيه مغاير لقوله منكبيه ورد بأن المراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه وما استرسل منه متصل إلى المنكب أو يحمل على حالتين
2553 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( زهير ) عن ( أبي إسحاق ) قال ( سئل البراء أكان وجه ) النبي مثل السيف قال لا بل مثل القمر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزهير هو ابن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
والحديث أخرجه الترمذي في المناقب عن سفيان بن وكيع
قوله أكان الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإستخبار قوله مثل السيف يحتمل أنه أراد مثل السيف في الطول قال البراء لا بل مثل القمر في التدوير ويحتمل أنه أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال البراء لا بل مثل القمر الذي فوق السيف في ذلك لأن القمر يشمل التدوير واللمعان بل التشبيه به أبلغ لأن التشبيه بالقمر لوجه الممدوح شائع ذائع وكذا بالشمس وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلا قال له أكان وجه رسول الله مثل السيف قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا وقد أشار بقوله مستديرا إلى أنه جمع التدوير مع كونه مثل الشمس والقمر في الإشراق واللمعان والصقال فكأنه نبه في حديثه أنه جمع الحسن والاستدارة وهذا الحديث يؤيد الاحتمالين المذكورين
3553 - حدثنا ( الحسن بن منصور أبو علي ) حدثنا ( حجاح بن محمد الأعور بالمصيصة ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) قال سمعت ( أبا جحيفة ) قال خرج رسول الله بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة وزاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة قال كان يمر من ورائها المارة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك
مطابقته للترجمة ظاهرة والحسن بن منصور أبو علي الصوفي البغدادي وهو من أفراده ولم يخرج عنه غير هذا الحديث والحكم بفتحتين ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة وقد مر غير مرة وهذا الحديث مر في كتاب الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة إلى آخره ومر أيضا في كتاب الصلاة في باب الصلاة إلى العنزة فأنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة قال حدثنا عون بن أبي جحيفة قال سمعت أبي قال خرج علينا رسول الله الحديث وقد مر الكلام فيه هناك
قوله بالمصيصة بكسر الميم وتشديد الصاد المهملة وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفتح الصاد الثانية وفي آخرها هاء وهي مدينة مشهورة بناها أبو

(16/108)


جعفر المنصور على نهر جيحان وهو الذي تسميه القوم جاهان وقال البكري ثغر من ثغور الشام قلت رأيتها في سفرتي إلى بلاد الروم وغالبها خراب وهي في بلاد الأرمن بالقرب من مدينة تسمى أذنة وإنما قال بالمصيصة لأن حجاج بن محمد سكن المصيصة وأصله ترمذي ومات ببغداد سنة ست ومائتين قوله بالهاجرة وهي نصف النهار عند اشتداد الحر قوله إلى البطحاء وهو المسيل الواسع الذي فيه دقاق الحصى قوله عنزة بفتح النون أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زج قوله قال شعبة هو متصل بالإسناد المذكور قوله وزاد فيه عون أي زاد الحكم في إسناد الحديث حدثنا عون عن أبيه عن أبي جحيفة ويأتي هذا في آخر الباب وقال الكرماني وما وقع في بعض النسخ عون عن أبيه عن أبي جحيفة سهو لأن عونا هو ابن أبي جحيفة والصواب نقص الأب قلت في كتاب الصلاة الذي ذكرناه الآن قال حدثنا شعبة قال حدثنا عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال سمعت أبي قال خرج علينا رسول الله الحديث وهنا عون عن أبيه عن أبي جحيفة فلفظ عن أبيه حشو لا طائل تحته والصواب ترك هذه اللفظة قوله فإذا هي أي يده أبرد من الثلج والحكمة فيه أن برودة يده تدل على سلامة جسده من العلل والعوارض قوله وأطيب رائحة من المسك قالت العلماء كانت هذه الريح الطيبة صفته وإن لم يمس طيبا ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين وروى أحمد في ( مسنده ) من حديث وائل بن حجر أتي رسول الله بدلو من ماء فشرب منه ثم مج في الدلو ثم في البئر ففاح منها ريح المسك وروى أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه كان رسول الله إذا مر في طريق من طرق المدينة وجد منه رائحة المسك فيقال مر رسول الله من هذه الطريق
4553 - حدثنا ( عبدان ) حدثنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة
مطابقته للترجمة في كونه موصوفا بالجود وعبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري محمد بن مسلم وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة وهذا الحديث مر في أوائل باب كيف كان بدء الوحي فإنه أخرجه هناك من طريقين أحدهما عن عبدان أيضا إلى آخره نحوه والآخر عن بشر بن محمد عن عبد الله إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستقصى وأخرجه أيضا في كتاب الصيام في باب أجود ما يكون النبي يكون في رمضان فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس إلى آخره قوله أجود الناس أي أعطاهم وأكرمهم قوله من الريح المرسلة أي المبعوثة لنفع الناس
555 - حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( عبد الرزاق ) حدثنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأي أقدامهما إن بعض هاذه الأقدام من بعض
مطابقته للترجمة في قوله تبرق أسارير وجهه فإن هذا من جملة صفاته ويحيى إما ابن موسى بن عبد ربه السختياني البلخي الذي يقال له خت بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق وإما يحيى بن جعفر ابن أعين البيكندي وكلاهما من أفراد البخاري وكلاهما رويا عن عبد الرزاق بن همام عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج

(16/109)


والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق
قوله مسرورا حال أي فرحان قوله تبرق بضم الراء أي تضيء وتستنير من الفرح قوله أسارير وجهه الأسارير جمع الأسرار وهو جمع السرر وهي الخطوط التي تكون في الجبين وبرقانها يكون عند الفرح قوله ألم تسمعي أي قال النبي لعائشة ألم تسمعي ما قال المدلجي بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم واسمه مجزز بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة ونسبته إلى مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بطن من كنانة كبير مشهور بالقيافة والقائف هو من يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه والجمع القافة يقال فلان يقوف الأثر ويقتافه قيافة مثل قفا الأثر واقتفاه وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة بن زيد لكونه أسود وزيد أبيض فمر بهما مجزز وهما تحت قطيفة قد بدت أقدامهما من تحتها فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه وكانت العرب تعتمد قول القائف ويعترفون بحقية القيافة فرح رسول الله لكونه زجرا لهم عن الطعن في النسب وكانت أم أسامة بركة حبشية سوداء وكان أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى وأمه أم أيمن حاضنة النبي وكان يسمى حب النبي واختلفوا في العمل بقول القائف فأثبته الشافعي واستدل بهذا الحديث والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه في الحرائر ونفاه أبو حنيفة مطلقا لقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء 63 ) وليس في حديث المدلجي دليل على وجوب الحكم بقول القافة لأن أسامة كان نسبه ثابتا من زيد قبل ذلك ولم يحتج النبي في ذلك إلى قول أحد وإنما تعجب النبي من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي ظنه ولا يثبت الحكم بذلك وترك رسول الله الإنكار عليه لأنه لم يتعاط في ذلك إثبات ما لم يكن ثابتا
6553 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد الرحمان ابن عبد الله بن كعب ) أن ( عبد الله بن كعب ) قال سمعت ( كعب بن مالك ) يحدث ( حين تخلف ) عن ( تبوك ) قال ( فلما سلمت على ) رسول الله وهو يبرق وجهه من السرور وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذالك منه
مطابقته للترجمة في قوله استنار وجهه إلى آخره وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المديني يكنى أبا الخطاب عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري روي عن أبيه كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة السلمي الخزرجي الأنصاري المدني
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه السماع في موضع واحد وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مصريان وعقيلا أيلي والبقية مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم محمد بن مسلم بن شهاب وعبد الرحمن بن عبد الله وعبد الله بن كعب وفيه رواية الابن عن الأب عن الجد
وحديث كعب هذا قطعة من توبته وسيأتي بطوله في المغازي وأخرجه في مواضع مختصرا ومطولا ففي الماضي أخرج في الوصايا قطعة وفي الجهاد قطعة وفي الذي يأتي في وفود الأنصار وفي موضعين من المغازي وفي أربعة مواضع من التفسير وفي الأحكام مطولا ومختصرا وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الطاهر وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أبي الطاهر وأخرجه النسائي فيه عن سليمان وعن محمد بن جبلة ومحمد بن يحيى ومحمد بن معدان
قوله فلما سلمت وجوابه محذوف تقديره قال رسول الله كذا وكذا وقوله وهو يبرق وجهه جملة حالية ومعنى يبرق يلمع قوله إذا سر على صيغة المجهول من السرور قوله استنار أي أضاء وتنور قوله كأنه قطعة قمر أي كأن الموضع الذي تبين فيه السرور وهو جبينه قطعة قمر

(16/110)


7553 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه
مطابقته للترجمة في كونه من خير قرون وهو صفة من صفاته و ( يعقوب بن عبد الرحمن ) بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري من القارة حليف بني زهرة أصله مدني سكن الإسكندرية و ( عمرو ) هو ابن أبي عمرو واسمه ميسرة مولى المطلب والحديث لم يخرجه إلا هو
قوله قرون جمع قرن وهو الناس المجتمعون في عصر واحد وقيل مائة سنة وقيل سبعون سنة وقيل ثلاثون سنة قوله قرنا فقرنا أي نقيت من خير القرون أو أفضلها واعتبرت قرنا فقرنا من أوله إلى آخره فهو حال للتفضيل فخير القرون قرنه ثم قرن الصحابة ثم قرن التابعين قوله كنت فيه ويروى كنت معه
8553 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله ابن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم وكان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله رأسه
مطابقته للترجمة من حيث إنه في الأخيرة فرق رأسه وهو صفة من صفاته ورجاله مروا عن قريب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الهجرة عن عبدان عن عبد الله بن المبارك وفي اللباس عن أحمد بن يونس وأخرجه مسلم في الفضائل عن منصور بن أبي مزاحم ومحمد بن جعفر وعن أبي الطاهر وأخرجه أبو داود في الترجل عن موسى بن إسماعيل وأخرجه الترمذي في الشمائل عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن سلمة وعن الحارث بن مسكين وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله يسدل شعره بفتح الياء وسكون السين المهملة وكسر الدال ويجوز ضمها أي يترك شعر ناصيته على جبينه وقال النووي قال العلماء المراد إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة بضم القاف وبالصاد المهملة قوله وكان المشركون يفرقون بضم الراء وكسرها أي يلقون شعر رأسهم إلى جانبيه ولا يتركون منه شيئا على جبهتهم قوله يحب موافقة أهل الكتاب لأنهم أقرب إلى الحق من المشركين عبدة الأوثان وقيل لأنه كان مأمورا باتباع شريعتهم فيما لم يوح إليه فيه شيء وقال الكرماني احتج به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهو ضعيف لأنه قال كان يحب من المحبة ولو كان شرعهم شرعه لكانت الموافقة واجبة انتهى قلت الذي قاله ضعيف لأن المحققين من العلماء قالوا شرع من قبلنا يلزمنا إلا إذا قصه الله بالإنكار قوله ثم فرق رسول الله رأسه أي شعر رأسه يعني ألقاه إلى جانبي رأسه فلم يترك منه شيئا على جبهته وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة قالت أنا فرقت لرسول الله رأسه أي شعر رأسه على يافوخه
9553 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( مسروق ) عن ( عبد الله ابن عمرو ) رضي الله تعالى عنهما قال لم ( يكن ) النبي فاحشا ولا متفحشا وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون السكري المروزي والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة ومسروق بن بالأجدع
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن حفص بن عمر وعن قتيبة وعن عمر بن حفص وأخرج حديث حفص بن عمر في مناقب عبد الله بن

(16/111)


مسعود وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن أبي سعيد الأشج وأخرجه الترمذي في البر عن محمود بن غيلان
قوله لم يكن النبي فاحشا من الفحش وأصله الزيادة بالخروج عن الحد قوله ولا متفحشا أي ولا متكلفا في الفحش حاصله أنه لم يكن الفحش له لا جبليا ولا كسبيا وروى الترمذي من طريق أبي عبد الله الجدلي قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلق النبي فقالت لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزىء بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح قوله أحسنكم أخلاقا وفي رواية مسلم أحاسنكم وحسن الخلق اختيار الفضائل فيه وترك الرذائل وهو صفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء رضي الله تعالى عنهم وعند مسلم من حديث عائشة كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه
0653 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها ( أنها ) قالت ( ما خير ) رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن القعنبي وأخرجه مسلم في الفضائل عن يحيى بن يحيى وقتيبة وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي به مختصرا
قوله ما خير على صيغة المجهول قوله بين أمرين أي من أمور الدنيا يدل عليه قوله ما لم يكن إثما لأن أمور الدين لا إثم فيها قوله أيسرهما أي أسهلهما قوله ما لم يكن إثما أي ما لم يكن الأسهل إثما فإنه حينئذ يختار الأشق قال الكرماني فإن قلت كيف يخير رسول الله في أمرين أحدهما إثم قلت التخيير إن كان من الكفار فظاهر وإن كان من الله والمسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة بحيث ينجر إلى الهلاك لا تجوز قوله وما انتقم لنفسه أي خاصة فإن قلت أمر بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل وغيرهما ممن كان يؤذيه قلت كانوا مع أذاهم لرسول الله كانوا ينتهكون حرمات الله تعالى وقيل أراد أنه لا ينتقم إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر كما عفا عن ذلك الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه وعن ذاك الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه وحمل الداودي عدم الانتقام على ما يختص بالمال قال وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه قوله إلا أن تنتهك هذا استثناء منقطع أي لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك وأخرج الطبراني في ( الأوسط ) من حديث أنس رضي الله تعالى عنه فيه وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فإن انتهكت حرمة الله كان أشد الناس غضبا لله تعالى
وفي الحديث الأخذ بالأسهل والحث على العفو والانتصار للدين وأنه يستحب للحكام التخلق بهذا الخلق الكريم فلا ينتقم لنفسه ولا يهمل حق الله تعالى
1653 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال ( ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف ) النبي ولا شممت ريحا قط أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن المذكور فيه من صفاته وحماد هو ابن زيد وفي بعض النسخ وقع هكذا والحديث من أفراده وأخرجه مسلم بمعناه من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه
قوله ما مسست بسينين مهملتين الأولى مكسورة ويجوز فتحها والثانية ساكنة وكذا الكلام في شممت قوله ولا ديباجا وفي ( المغرب ) الديباج

(16/112)


الثوب الذي سداه ولحمته إبريسم وعندهم اسم للمنقش والجمع ديابيج قلت فعلى هذا يكون عطفه على الحرير من عطف الخاص على العام قوله ألين من كف النبي أي أنعم فإن قلت هذا يعارضه ما روى من حديث هند بن أبي هالة الذي أخرجه الترمذي في صفة النبي فإن فيه أنه كان شش الكفين والقدمين أي غليظهما في خشونة قلت قيل اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن مع القوة ويؤيد ما رواه الطبراني والبزار من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه أردفني النبي خلفه في سفر فما مسست شيئا قط ألين من جلده قوله أو عرفا هو شك من الراوي لأن العرف بفتح العين وسكون الراء بعدها فاء هو الريح أيضا قوله من ريح أو عرف النبي وهذا أيضا شك من الراوي وقوله من ريح بكسر الحاء بلا تنوين لأنه في حكم المضاف تقديره من ريح النبي أو من عرفه وهذا كما في قول الشاعر
( بين ذراعي وجبهة الأسد )
تقديره بين ذراعي الأسد وجبهته فقد أدخل بين المضاف والمضاف إليه شيئا والأصل عدمه قيل ووقع في بعض النسخ أو عرقا بفتح الراء وبالقاف وكلمة أو وعلى هذا تكون للتنويع دون الشك والمعروف من الرواية هي الأولى
2653 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( عبد الله بن أبي عتبة ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي أشد حياء من العذراء في خدرها
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه صفة من صفاته العظيمة ويحيى هو القطان وعبد الله بن أبي عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق مولى أنس بن مالك مر في الحج
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن بندار عن يحيى وابن مهدي وفي الأدب عن علي بن أبي الجعد وعن عبدان عن عبيد الله وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن عبيد الله بن معاذ وعن زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأحمد بن سنان وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن بندار
قوله حياء نصب على التمييز وهو تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم والعذراء البكر لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية قوله في خدرها بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أي في سترها ويقال الخدر ستر يجعل للبكر في جنب البيت فإن قلت مبنى أمر العذراء على الستر فما فائدة قوله في خدرها قلت هذا من باب التعميم للمبالغة لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عن الخدر لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها ثم محل الحياء فيه في غير حدود الله ولهذا قال للذي اعترف بالزنا أنكتها ولم يكن
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن مهدي قالا حدثنا شعبة مثله وإذا كره شيئا عرف في وجهه
هذا طريق في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن بشار وهو عن بندار عن يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما رويا عن شعبة قوله مثله أي مثل الحديث المذكور سندا ومتنا وأخرجه الإسماعيلي من رواية أبي موسى محمد ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي بسنده وقال فيه سمعت عبد الله بن أبي عتبة يقول سمعت أبا سعيد الخدري يقول إلخ قوله وإذا كره شيئا عرف في وجهه هذه زيادة محمد بن بشار على رواية مسدد المذكورة ومعنى عرف في وجهه أنه لا يواجه أحدا بما يكرهه بل يتغير وجهه فيعرف أصحابه كراهته لذلك
3653 - حدثني ( علي بن الجعد ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال ( ما عاب ) النبي طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ( الحديث 3653 - طرفه في 9045 )
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه من جملة صفاته الحسنة وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمان الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن محمد بن

(16/113)


كثير وأخرجه مسلم في الأطعمة عن أحمد بن يونس وعن أبي كريب وابن المثنى وعن يحيى بن يحيى وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن كثير به وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن محمد وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن محمد بن بشار
قوله وإلا أي وإن لم يشتهه تركه وهو من جملة خصاله الشريفة
4653 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( بكر بن مضر ) عن ( جعفر بن ربيعة ) عن ( الأعرج ) عن ( عبد الله بن مالك بن بحينة الأسدي ) قال كان النبي إذا سجد فرج بين يديه حتى نرى إبطيه قال وقال ابن بكير حدثنا بكر بياض إبطيه ( انظر الحديث 093 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله بياض إبطيه لأن هذا أيضا من صفاته الجميلة والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز ومضى الحديث في كتاب الصلاة في باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود
قوله مالك بالتنوين قوله ابن بحينة صفة لعبد الله لا لمالك و بحينة بضم الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو اسم أم عبد الله فجمع في نسبه بين الأب والأم قوله الأسدي بسكون السين ويقال فيه الأزدي بالزاي الساكنة وهذا مشهور في هذه النسبة يقال بالزاي وبالسين قوله فرج بين يديه يعني فتح ولم يضم مرفقيه إليه وهذه سنة السجود قوله حتى نرى بنون المتكلم مع الغير قوله وقال ابن بكير وهو يحيى بن عبد الله بن بكير قال بالإسناد المذكور قوله بكر هو بكر بن مضر المذكور أراد أن يحيى بن بكير زاد لفظة بياض على لفظة إبطيه وفي رواية قتيبة حتى نرى إبطيه بدون لفظة بياض قيل المراد بوصف إبطيه بالبياض أنه لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده وقيل لدوام تعاهده له لا يبقى فيه شعر فإن قلت في رواية مسلم حتى رأينا عفرة إبطيه قلت لا تنافي بينهما لأن العفرة هي البياض ليس بالناصع وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد
5653 - حدثنا ( عبد الأعلى بن حماد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) أن ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه حدثهم أن رسول الله كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يري بياض إبطيه ( انظر الحديث 1301 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله حتى يرى بياض إبطيه وسعيد هو ابن أبي عروبة والحديث قد مر في كتاب الاستسقاء في باب رفع الإمام يده في الاستسقاء
قوله كان لا يرفعإلى آخره ظاهره أنه لم يرفع إلا في الاستسقاء وليس كذلك بل ثبت الرفع في الدعاء في مواطن فيؤول على أنه لم يرفع الرفع البليغ في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع الرفع البليغ حتى يرى بياض إبطيه
وقال أبو موسى دعا النبي ورفع يديه ورأيت بياض إبطيه
أبو موسى هو محمد بن المثنى يعرف بالزمن العنبري شيخ البخاري ومسلم وهذا طرف علقه من حديث سيأتي موصولا في المناقب في ترجمة أبي عامر الأشعري
6653 - حدثنا ( الحسن بن الصباح ) حدثنا ( محمد بن سابق ) حدثنا ( مالك بن مغول ) قال سمعت ( عون بن أبي جحيفة ) ذكر عن أبيه قال ( دفعت إلى ) النبي وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة خرج بلال فناداى بالصلاة ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذون منه ثم دخل فأخرج العنزة وخرج رسول الله كأني أنظر إلى وبيص

(16/114)


ساقيه فركز العنزة ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه الحمار والمرأة
مطابقته للترجمة في قوله كأني أنظر إلى وبيض ساقيه بفتح الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره صاد مهملة وهو البريق وزنا ومعنى والحسن بن الصباح بتشديد الباء الموحدة وفي بعض النسخ الحسن ابن الصباح البزار بتقديم الزاي على الراء وهو واسطي سكن بغداد ومحمد بن سابق أيضا من شيوخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة وروى عنه بدون الواسطة في الوصايا حيث قال حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه ومالك بن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة ابن عاصم أبو عبد الله البجلي الكوفي وأبو جحيفة اسمه وهب وقد مر عن قريب وقد مر الحديث في كتاب الوضوء في باب استعمال فضل وضوء الناس
قوله دفعت إلى النبي على صيغة المجهول يعني وصلت إليه من غير قصد قوله وهو بالأبطح جملة حالية والأبطح أبطح مكة وهو مسيل واديها ويجمع على البطاح والأباطح قوله في قبة أيضا حال قوله بالهاجرة وهو نصف النهار عند اشتداد الحر قوله فأخرج من الإخراج قوله فضل وضوء النبي بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به قوله فأخرج العنزة وهو مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة قريب منها
7653 - حدثني ( الحسن بن صباح البزار ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن النبي كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه ( الحديث 7653 - طرفه في 8653 )
مطابقته للترجمة من حيث إن من صفات النبي أن الذي سمع كلامه لو أراد أن يعد كلماته أو مفرداته أو حروفه لعدها والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم
والحسن بن الصباح هذا هو الذي مضى في الحديث السابق وقيل لا بل غيره لأن الحسن بن الصباح الذي قبله هو الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني نسبة إلى جده وسفيان هو ابن عيينة
والحديث أخرجه أبو داود في العلم عن محمد بن منصور الطوسي نحوه وذكر فيه قصة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
قوله لو عده العاد لو عد العاد حديثه أي كلمات حديثه لعده أي لقدر على عده فالشرط والجزاء متحدان ظاهرا ولكنه من قبيل قوله وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( إبراهيم 47 النحل 81 ) وقد فسر بلا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها
8653 - وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) أنه قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة أنها ) قالت ( ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي ) يحدث عن رسول الله يسمعني ذالك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله لم يكن يسرد الحديث كسردكم ( انظر الحديث 7653 )
هذا التعليق وصله الذهلي في ( الزهريات ) عن أبي صالح عن الليث
قوله أبو فلان كذا في رواية كريمة والأصيلي وفي رواية الأكثرين أبا فلان أما الرواية الأولى فلا إشكال فيها وأما الثانية فعلى لغة من قال لا ولو رماه بأبا قبيس قيل المراد به أبو هريرة يدل عليه ما رواه الإسماعيلي من حديث ابن وهب عن يونس ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس ووقع في رواية أحمد ومسلم وأبي داود من هذا الوجه ألا أعجبك من أبي هريرة ووقع للقابسي أتى فلان فأتى فعل ماض من الإتيان وفلان فاعله وهو تصحيف قاله بعضهم ثم علل بقوله لأنه تبين أنه بصيغة الكنية قلت نظر لا يخفى قوله وكنت أسبح يجوز أن يكون على ظاهره من التسبيح الذي هو الذكر ويجوز أن يكون مجازا عن صلاة التطوع قوله لم يكن يسردأي لم يكن يتابع الحديث استعجالا أي كان يتكلم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التأني لئلا يلتبس على المستمع وفي رواية الإسماعيلي عن ابن المبارك عن يونس إنما كان حديث رسول الله فصلا يفهمه القلوب واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ فكان

(16/115)


لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث كما قال بعض البلغاء أريد أن أقتصر فتزدحم القوافي علي
42 -
( باب )
أي هذا باب وهو كالفصل لما قبله
كان النبي تنام عينه ولا ينام قلبه رواه سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي
هذا وصله البخاري عن محمد بن عبادة عن يزيد بن هارون عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر في كتاب الاعتصام وسعيد بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ممدودة أبو الوليد المكي
قوله تنام عينهوفي رواية الكشميهني تنام عيناه بالتثنية وقد مر الكلام فيه في كتاب التهجد في باب قيام النبي بالليل في حديث عائشة مطولا وفيه فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي
9653 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) أنه ( سأل عائشة ) رضي الله تعالى عنها ( كيف كانت صلاة ) رسول الله في رمضان قالت ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحداى عشرة ركعة يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي ( انظر الحديث 7411وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن نوم عينه وعدم نوم قلبه من الصفات العظيمة والخصال الجليلة وهذا الحديث بهذا الإسناد وهذا المتن قد مضى في كتاب التهجد كالحديث الذي ذكرناه الآن
0753 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( شريك بن عبد الله بن أبي نمر ) سمعت ( أنس بن مالك يحدثنا ) عن ل ( يلة أسري بالنبي ) من مسجد الكعبة جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحاى إليه وهو نائم في مسجد الحرام فقال أولهم أيهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم وقال آخرهم خذوا خيرهم فكانت تلك فلم يرهم حتى جاؤوا ليلة أخراى فيما يرى قلبه والنبي نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذالك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فتولاه جبريل ثم عرج به إلى السماء
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأخوه أبو بكر بن عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن هارون بن سعيد الأيلي
قوله ثلاثة نفر هم الملائكة عليهم الصلاة والسلام قلت الذي يظهر لي أن هؤلاء الثلاثة كانوا جبريل وميكائيل وإسرافيل لأني رأيت في كتب كثيرة مخصوصة بالمعراج أنهم نزلوا عليه والبراق معهم قوله قبل أن يوحى إليه قيل ليس في أكثر الروايات هذه اللفظة وأن تلك محفوظة فلم يأته عقيب تلك الليلة بل بعدها بسنتين لأنه إنما أسري به قبل الهجرة بثلاثة سنين وقيل بسنتين وقيل بسنة قوله أيهم هو أي الثلاثة محمد وكان نائما بين اثنين أو أكثر وقد قيل كان نائما بين عمه حمزة وابن عمه جعفر بن أبي طالب قوله وأوسطهم هو النبي وكان نائما بينهما قوله خذوا خيرهم أي لأجل أن يعرج به إلى السماء قوله فكانت تلك أي كانت القصة تلك الحكاية لم يقع شيء آخر قوله فيما يرى قلبه أي بين النائم واليقظان فإن قلت ثبت في الروايات الأخرى أنه في اليقظة قلت أن قلنا بتعدده

(16/116)


فظاهر وإن قلنا باتحاده فيمكن أن يقال كان ذلك أول وصول الملك إليه وليس فيه ما يدل على كونه نائما في القصة كلها والله سبخانه وتعالى أعلم
52 -
( باب علامات النبوة في الإسلام )
أي هذا باب في بيان علامات النبوة والعلامات جمع علامة إنما لم يقل معجزات النبوة لأن العلامة أعم منها ومن الكرامة والفرق بينهما ظاهر لأن المعجزة لا تكون إلا عند التحدي بخلاف الكرامة قوله في الإسلام أي في زمن الإسلام
1753 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( سلم بن زرير ) سمعت ( أبا رجاء ) قال حدثنا ( عمران بن حصين أنهم كانوا مع ) النبي في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر وكان لا يوقظ رسول الله من منامه حتى يستيقظ فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فلما انصرف قال يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا قال أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله في ركوب بين يديه وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء فقالت إيه لا ماء فقلنا كم بين أهلك وبين الماء قالت يوم وليلة فقلنا انطلقي إلى رسول الله قالت وما رسول الله فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النبي فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها مؤتمة فأمر بمزادتيها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا فملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنه لم نسق بعيرا وهي تكاد تنض من الملء ثم قال هاتوا ما عندكم فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها قالت لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهداى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا ( انظر الحديث 443 وطرفه )
مطابقته للترجمة في تكثير الماء القليل ببركته وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وسلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن زرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى وقد مر في بدء الخلق وأبو رجاء ضد الخوف عمران بن ملحان العطاردي البصري أدرك زمان النبي وأسلم بعد الفتح ولم ير النبي ولم يهاجر إليه
والحديث مر في كتاب التيمم في باب الصعيد الطيب وضوء المسلم بأتم منه وأطول ومضى الكلام فيه هناك
قوله فأدلجوا من الإدلاج يقال أدلج القوم إذا ساروا أول الليل وإذا ساروا في آخر الليل يقال أدلجوا بتشديد الدال قوله عرسوا من التعريس وهو نزول القوم آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة قولهوكان لا يوقظ على صيغة المجهول قوله فجعل يكبر أي فجعل أبو بكر يكبر رافعا صوته وقد تقدم في كتاب التيمم أن عمر رضي الله تعالى عنه هو الذي كان يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي وكذا وقع في مسلم في الصلاة من حديث عوف الأعرابي عن أبي رجاء أن عمر كان رجلا جليدا فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله ولا منافاة إذ لا منع للجمع بينهما لاحتمال أن كلا منهما فعل ذلك قوله في ركوب بالضم جمع راكب وبفتحها ما يركب قوله سادلة أي

(16/117)


مرسلة رجليها يقال سدل ثوبه إذا أرخاه قوله مزادتين تثنية مزادة بفتح الميم وتخفيف الزاي وهي الراوية وسميت بها لأنها يزاد فيها جلد آخر من غيرها ولهذا قيل إنها أكبر من القربة قوله إيه بلفظ الحروف المشبهة بالفعل ويروي أيها وقال الجوهري ومن العرب من يقول أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات ويروى أيهات على وزن هيهات ومعناه قوله مؤتمة من أيتمت المرأة إذا صار أولادها أيتاما فهي مؤتمة بكسر التاء ويروى بفتحها قوله فمسح في العزلاوين هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فسمح بالعزلاوين وهي تثنية عزلاء بسكون الزاي وبالمد وهو فم القربة قاله بعضهم قلت العزلاء فم المزادة الأسفل قوله فشربنا عطاشا أي شربنا حالة كوننا عطاشا قولهاربعين بالنصب رواية الكشميهني ووجه النصب أن بيان لقوله عطاشاويروى أربعون بالرفع أي ونحن أربعون نفسا قوله حتى روينا بفتح الراء وكسر الواو من الري قوله تبض بكسر الباء الموحدة بعدها الضاد المعجمة المثقلة أي تسيل وقال ابن التين تبض أي تنشق فيخرج منه الماء يقال بض الماء من العين إذا نبع وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة بالصاد المهملة من البصيص وهو اللمعان وفيه بعد ويروى تنض بالنون عوض الباء الموحدة وروى أبو ذر عن الكشميهني تنصب من الانصباب ويروى تنضرج من الضرج بالضاد المعجمة والراء والجيم وهو الشق ويروى تيصر بتاء مثناة من فوق مفتوحة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وصاد مهملة وراء ذكر الشيخ أبو الحسن أن معناه تنشق قال ومنه صير الباب أي شقه ورده ابن التين وهو أجدر بالرد لأن فيه تكلفا من جهة الصرف وغير موجود في شيء من الروايات قوله ذلك الصرم بكسر الصاد المهملة وسكون الراء وهو أبيات مجتمعة نزول على الماء
2753 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال أتي النبي بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم قال قتادة قلت لأنس كم كنتم قال ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي عدي هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري وسعيد هو ابن أبي عروبة والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن أبي موسى
قوله وهو بالزوراء جملة حالية والزوراء بفتح الزاي وسكون الواو وبالراء وبالمد موضع بسوق المدينة ووقع في رواية همام عن قتادة عن أنس شهدت النبي مع أصحابه عند الزوراء وعند بيوت المدينة أخرجه أبو نعيم وعند أبي نعيم من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس أنه هو الذي أحضر الماء وأنه أحضره إلى النبي من بيت أم سلمة وأنه رده بعد فراغهم إلى أم سلمة قوله والماء ينبع إما أنه يخرج من نفس الإصبع وينبع من ذاتها وإما أنه يكثر في ذاته فيفور من بين أصابعه وهو أعظم في الإعجاز من نبعه من الحجر لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروجه من بين اللحم والدم ويجوز في باء ينبع الضم والفتح والكسر قوله زهاء بضم الزاء ممدودا المقدار
3753 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أنه قال ( رأيت ) رسول الله وحانت صلاة العصر فالتمس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله بوضوء فوضع رسول الله يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضؤا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم
هذا طريق آخر في حديث أنس وقد مضى هذا في كتاب الطهار في باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره نحوه قوله من عند آخرهم كلمة من ههنا بمعنى إلى وهي لغة وقال الكوفيون يجوز مطلقا وضع حروف الجر بعضها مقام بعض

(16/118)


4753 - حدثنا ( عبد الرحمان بن مبارك ) حدثنا ( حزم ) قال سمعت ( الحسن ) قال حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال ( خرج ) النبي في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجدوا ماء يتوضؤن فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير فأخذه النبي فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال قوموا فتوضؤا فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء وكانوا سبعين أو نحوه
هذا الحديث لأنس أيضا من وجه آخر عن عبد الرحمن بن المبارك بن عبد الله العبسي وهو من أفراده ويروي عن حزم بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ابن أبي حزم واسمه مهران مات سنة خمس وسبعين ومائة وهو يروي عن الحسن البصري رضي الله تعالى عنه والحديث من أفراده
قوله خرج النبي في بعض مخارجه أراد به بعض أسفاره قوله ومعه الواو فيه للحال
5753 - حدثنا ( عبد الله بن منير ) سمع ( يزيد ) أخبرنا ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال ( حضرت الصلاة فقام من ) كان ( قريب الدار من المسجد يتوضأ وبقي قوم فأتي ) النبي بمخضب من حجارة فيه ماء فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعا قلت كم كانوا قال ثمانون رجلا
هذا طريق رابع في حديث أنس الأول عن قتادة والثاني عن إسحاق والثالث عن الحسن والرابع عن حميد ففيها مغايرة واضحة في المتن وتعيين المكان وعدد من حضر وغير ذلك فدل هذا كله على تعدد القضية وقال القرطبي قصة نبع الماء من أصابعه تكررت منه في عدة مواضع في مشاهد عظيمة ووردت من طرق كثرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي قال ولم يسمع بمثل هذه المعجزة من غير نبينا حيث نبع الماء من بين عصبه وعظبه ولحمه ودمه
وعبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون المروزي ويزيد من الزيادة ابن هارون بن زادان أبو خالد الواسطي والحديث من أفراده
قوله بمخضب بكسر الميم وبالمعجمتين المركن وهو إناء من حجارة يغسل فيها الثياب ويسمى الإجانة أيضا
6753 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد العزيز بن مسلم ) حدثنا ( حصين ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال ( عطش الناس يوم الحديبية والنبي ) بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه فقال ما لكم قالوا ليس عندنا ماء نتوضأولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن مسلم أبو زيد القسملي المروزي سكن البصرة وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي وسالم بن أبي الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة واسمه رافع الأشجعي الكوفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن يوسف بن عيسى وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن رفاعة ابن الهيثم وعن أبي موسى وبندار وعن عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وأخرجه النسائي في الطهارة عن إسحاق بن إبراهيم وفي التفسير عن علي بن الحسين
قوله يوم

(16/119)


الحديبية وهي غزوة الحديبية وكانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف والحديبية بضم الحاء المهملة مثال دويهية وهي بئر على مرحلة من مكة مما يلي المدينة وقال الخطابي سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت هناك وقال ابن إسحاق خرج رسول الله في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا وخرج معه ناس من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب وكان معه من الهدي سبعون بدنة وكانوا خمس عشرة مائة على ما ذكره جابر وعن البراء كنا مع النبي أربع عشرة مائة رواه البخاري أيضا على ما يجيء الآن وقال ابن إسحاق كانوا سبعمائة وإنما قال كذلك تفقها من تلقاء نفسه من حيث إن البدن كانت سبعين بدنة قوله بين يديه ركوة بفتح الراء وهي إناء صغير من جلد يشرب منها الماء والجمع ركا قوله فجهش الناس بفتح الجيم والهاء بعدها شين معجمة وهو فعل ماض والناس فاعله ومعناه أسرعوا إلى أخذ الماء والفاء في أوله رواية الكشميهني وفي رواية غيره بدون الفاء وقال الكرماني وجهش من الجهش وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره ويريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء قوله يثور بالثاء المثلثة في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني يفور بالفاء موضع الثاء وهما بمعنى واحد
7753 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال ( كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر ) فنزحناها حتى لم ( نترك فيها قطرة فجلس ) النبي على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا ورويت أو صدرت ركابنا
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه
والحديث من أفراده
قوله أربع عشرة مائة كان القياس أن يقال ألفا وأربعمائة لكن قد يستعمل بترك الألف واعتبار المئات أيضا وكذلك الكلام في رواية جابر كنا خمس عشرة مائة والقياس أن يقال ألفا وخمسمائة وكذلك الكلام في رواية مسلم من حديث إياس بن سلمة عن أبيه قال قدمنا الحديبية مع رسول الله ونحن أربع عشرة مائة وفي ( التوضيح ) في قول جابر كنا خمس عشرة مائة قال ابن المسيب هذا وهم وكانوا أربع عشرة مائة وعلى هذا مالك وأكثر الرواة وقيل كانوا ثلاث عشرة مائة فإذا كان أكثر الرواة على أربع عشرة مائة يحمل قول من يزيد على هذا مائة أو ينقص مائة على عدد من انضم إلى المهاجرين والأنصار من العرب فمنهم من جعل المضافين إليهم مائة ومنهم من جعل المهاجرين والأنصار ثلاث عشرة مائة ولم يعدوا المضافين إليهم لكونهم أتباعا قوله على شفير البئر أي حده وطرفه قوله ورويت بكسر الواو قوله أو صدرت أي رجعت قوله ركابنا بكسر الراء أي الإبل التي تحمل القوم
8753 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) يقول ( أبو طلحة لأم سليم لقد ) سمعت ( صوت ) رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء قالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولا ثتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله قال فذهبت به فوجدت رسول الله في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله أرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام فقلت نعم فقال رسول الله لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم

(16/120)


فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه فقال رسول الله هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله ففت وعصرت أم سليم عكة فأدمته ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس وقد اتفقت الطرق على أن الحديث المذكور من مسند أنس رضي الله تعالى عنه وأخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن إسماعيل وفي النذور عن قتيبة وأخرجه مسلم في الأطعمة عن يحيى ابن يحيى وأخرجه الترمذي في المناقب عن إسحاق بن موسى وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة
ذكر معناه قوله ضعيفا أعرف فيه الجوع فيه العمل بالقرائن وفي رواية أحمد عن أنس أن أبا طلحة رأى رسول الله طاويا وفي رواية أبي يعلى عن أنس أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله طعام فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير فعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به وفي رواية مسلم عن أنس قال رأى أبو طلحة رسول الله مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن وفي رواية لمسلم عن أنس قال جئت رسول الله فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم فقال هل من شيء الحديث وفي رواية أبي نعيم عن محمد بن كعب عن أنس جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال أعندك شيء فإني مررت على رسول الله وهو يقرىء أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع قوله فأخرجت أقراصا من شعير وعند أحمد من رواية محمد ابن سيرين عن أنس قال عمدت أم سليم إلى نصف مد من شعير فطحنته وفي رواية للبخاري تأتي عن أنس أن أمه أم سليم عمدت إلى مد من شعير جرشته ثم عملته وفي رواية لأحمد ومسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع طعاما فإن قلت ما وجه هذا الاختلاف قلت لا منافاة لاحتمال تعدد القصة أو أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر وقيل يمكن أن يكون الشعير من الأصل كان صاعا فأفردت بعضه لعياله وبعضه للنبي قوله ولاثتني من الإلتياث وهو الالتفات ومنه لاث العمامة على رأسه أي عصبها وأصله من اللوث بالثاء المثلثة وهو اللف ومنه لاث به الناس إذا استداروا حوله والحاصل أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على أبطه وفي الأطعمة للبخاري عن إسماعيل بن أويس عن مالك في هذا الحديث فلفت الخبز ببعضه ودست الخبز تحت ثوبي وردتني ببعضه يقال دس الشيء يدسه دسا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة قوله قال فذهبت به أي قال أنس فذهبت بالخبز الذي أرسله أبو طلحة وأم سليم قوله أرسلك أبو طلحة بهمزة ممدودة للاستفهام على وجه الاستخبار قوله فقال رسول الله لمن معه أي من الصحابة قوموا ظاهر هذا أنه فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن معه قوموا فإن قلت أول الكلام يقتضي أن أبا طلحة وأم سليم أرسلا الخبز مع أنس قلت يجمع بينهما بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي فيأكله فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي استحيى وظهر له أن يدعو النبي ليقوم معه وحده إلى المنزل وهنا وجه آخر وهو أنه يحتمل أن يكون ذلك على رأي من أرسله عهد إليه أنه إذا رأى كثيرة الناس أن يستدعي النبي وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء وقد عرفوا إيثار النبي وأنه لا يأكل وحده وروايات مسلم تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي في هذه الواقعة ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس بعثني أبو طلحة إلى النبي لأدعوه وقد جعل له طعاما وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن

(16/121)


أنس أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي لنفسه خاصة ثم أرسلتني إليه وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فدخل أبو طلحة على أمي فقال هل من شيء فقالت نعم عندي كسر من خبز فإن جاءنا رسول الله وحده أشبعناه وإن جاء أحد معه قل عنهم وروى أبو نعيم من حديث يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال لي أبو طلحة يا أنس إذهب فقم قريبا من رسول الله فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه فقل له إن أبي يدعوك وروى أحمد من حديث النضر بن أنس عن أبيه قالت لي أم سليم إذهب إلى رسول الله فقل له إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل وفي رواية محمد بن كعب فقال يا بني إذهب إلى رسول الله فادعه ولا تدع معه غيره ولا تفضحني قوله وليس عندنا ما نطعمهم أي قدر ما يكفيهم قوله فقالت الله ورسوله أعلم كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا لتظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها قوله فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله وفي رواية مبارك بن فضالة فاستقبله أبو طلحة فقال يا رسول الله ما عندنا إلا قرص عملته أم سليم وفي رواية عمرو بن عبد الله فقال أبو طلحة إنما هو قرص فقال إن الله سيبارك فيه وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال أدخل فإن الله سيبارك فيما عندك وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه فدخلت علي أم سليم وأنا مندهش وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى أن أبا طلحة قال يا أنس فضحتنا وللطبراني في ( الأوسط ) فجعل يرميني بالحجارة قوله هلمي يا أم سليم كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني وفي رواية هلم وهي لغة حجازية فإن عندهم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع ومنه قوله تعالى والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ( الأحزاب 81 ) والمراد بذلك طلب ما عندها قوله عكة بضم العين المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل وفي رواية مبارك بن فضالة فقال هل من سمن فقال أبو طلحة قد كان في العكة شيء فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج ثم مسح رسول الله سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع قوله فأدمته أي جعلته أداما للمفتوت تقول أدم دلان الخبز باللحم يأدمه بالكسر وقال الخطابي أدمته أي أصلحته بالأدام قوله إئذن لعشرة أي إئذن بالدخول لعشرة أنفس إنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فهذا يدل على أنه دخل منزل أبي طلحة وحده وجاء بذلك صريحا في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولفظه فلما انتهى رسول الله إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل فإن قلت في رواية يعقوب أدخل علي ثمانية فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلا ثم دعاني ودعا أمي ودعا أبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا قلت هذا يحمل على تعدد القصة وأكثر الروايات عشرة عشرة سوى هذه فإنه أدخلهم ثمانية ثمانية والله أعلم قوله فأكلوا وفي رواية مبارك بن فضالة فوضع يده في وسط القرص قال كلوا بسم الله فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا وفي رواية بكر بن عبد الله فقال لهم كلوا من بين أصابعي قوله والقوم سبعون أو ثمانون كذا وقع بالشك وفي غير هذا الموضع الجزم بالثمانين وفي رواية مبارك بن فضالة حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلا وفي رواية لأحمد كانوا نيفا وثمانين وفي رواية مسلم من حديث عبد الله بن أبي طلحة وأفضلوا ما بلغوا جيرانهم وفي رواية عمرو بن عبد الله وفضلت فضلة فأهدينا لجيراننا وفي رواية لسعد بن أبي سعيد ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان
9753 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( أبو أحمد الزبيري ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) قال ( كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع ) رسول الله في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل

(16/122)


مطابقته للترجمة في نبع الماء من بين أصابعه وفي تسبيح الطعام بين يديه وهم يسمعونه وأبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الأسدي الكوفي وقد مر غير مرة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن القيس وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه الترمذي أيضا في المناقب عن محمد بن بشار
قوله كنا نعد الآيات وهي الأمور الخارقة للعادة قوله وأنتم تعدونها تخويفا أي لأجل التخويف فكأن ابن مسعود أنكر عليهم عد جميع الآيات تخويفا فإن بعضها يقتضي بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل وبعضها يقتضي تخويفا من الله ككسوف الشمس والقمر قوله في سفر جزم البيهقي أنه في الحديبية لكن لم يخرج ما يصرح به وعند أبي نعيم في ( الدلائل ) أن ذلك كان في غزوة خيبر فأخرج من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن إبراهيم في هذا الحديث قال كنا مع رسول الله في غزوة خيبر فأصاب الناس عطش شديد فقال يا عبد الله إلتمس لي ماء فأتيته بفضل ماء في إداوة قوله حي على الطهور أي هلموا إلى الطهور وهو بفتح الطاء والمراد به الماء ويجوز ضمها ويراد الفعل أي تطهروا قوله والبركة مرفوع بالابتداء وخبره قوله من الله وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله تعالى قوله لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل أي في حالة الأكل وذلك في عهد رسول الله
0853 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( زكرياء ) قال حدثني ( عامر ) قال حدثني ( جابر ) رضي الله تعالى عنه أن أباه ( توفي وعليه دين فأتيت ) النبي فقلت إن أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنتين ما عليه فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا ثم آخر ثم جلس عليه فقال انزعوه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم
مطابقته للترجمة من حيث حصول البركة الزائدة بمشيه حول البيادر حتى بلغ ما أخرج نخله ماعليه وفضل مثل ذلك وهذه أيضا من معجزاته
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وزكرياء هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي
والحديث مضى مطولا ومختصرا في مواضع في الاستقراض وفي الجهاد وفي الشروط وفي البيوع وفي الوصايا ومر الكلام في الجميع
قوله إلا ما يخرج نخله من الإخراج وكذلك قوله ولا يبلغ ما يخرج من الإخراج قوله سنتين أي في مدة سنتين وهي تثنية سنة ويروى بصيغة الجمع قوله ما عليه مفعول قوله ولا يبلغ أي ما على أبي من الدين قوله لكيلا يفحش من الإفحاش قوله علي بتشديد الياء قوله الغرماء بالرفع فاعل يفحش قوله فمشى حول بيدر فيه حذف تقديره فقال نعم فانطلق فوصل إلى الحائط فمشى حول بيدر بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة كالجرن للحب قوله فدعا أي في ثمره بالبركة قوله ثم آخر أي ثم مشى حول بيدر آخر فدعا قوله فقال انزعوه أي إنزعوه من البيدر قوله وبقي مثل ما أعطاهم أي مثل ما أعطى أصحاب الديون وفي رواية مغيرة وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء ووقع في رواية وهب بن كيسان فأوفاهه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا ويجمع بالحمل على تعدد الغرماء فكأن أصل الدين كان منه لليهودي ثلاثون وسقا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الدين الذي أوفاه
1853 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( معتمر ) عن أبيه حدثنا ( أبو عثمان ) أنه حدثه ( عبد الرحمان ابن أبي بكر رضي الله ) تعالى عنهما أن ( أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن ) النبي قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال وأن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي

(16/123)


بعشرة وأبو بكر وثلاثة قال فهو أنا وأبي وأمي ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي بين بيتنا وبين بيت أبي بكر وأن أبا بكر تعشى عند النبي ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك قال أو عشيتهم قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا عليهم فغلبوهم فذهبت فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا وقال لا أطعمه أبدا قال وايم الله ما كنا نأخذ من اللقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر قال لإمرأته يا أخت بني فراس قالت لا وقرة عيني لهي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلي النبي فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عهد فمضي الأجل ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال
قيل لا مطابقة بينه وبين الترجمة هنا لأن الترجمة في علامات النبوة والحديث في كرامة الصديق وأجيب بأنه يجوز أن تظهر المعجزة على يد الغير أو أستفيد الإعجاز من آخره حيث قال أكلوا منها أجمعون
ومعتمر يروي عن أبيه سليمان بن طرخان وهو من صغار التابعين وفي رواية أبي النعمان التي مضت في كتاب الصلاة حدثنا معتمر بن سليمان حدثنا أبي وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون
والحديث مضى في أواخر كتاب مواقيت الصلاة في باب السمر مع الأهل والضيف
قوله إن أصحاب الصفة هي مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر قوله فليذهب بثالث أي من أهل الصفة وفي رواية مسلم فليذهب بثلاثة قال عياض وهو غلط والصواب رواية البخاري لموافقتها لسياق باقي الحديث وقال القرطبي إن حمل على ظاهره فسد المعنى لأن الذي عنده طعام إثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم بخلاف ما إذا ذهب معه بواحد فإنه حينئذ يأكله من ثلاثة وأجاب النووي عنه بأن التقدير فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة أو فليذهب بتمام ثلاثة قوله وأبو بكر وثلاثة أي وانطلق أبو بكر وثلاثة معه وإنما كرر بثلاثة لأن الغرض من الأول الإخبار بأن أبا بكر كان من المكثرين ممن عنده طعام أربعة فأكثر وأما الثاني فهو مما يقتضي سوق الكلام على ترتيب القصة ذكره قوله قال أي قال عبد الرحمن بن أبي بكر قوله فهو أنا أي الشأن أنا وأبي وأمي في الدار والمقصود منه بيان أن في منزله هؤلاء فلا بد أن يكون عنده طعامهم وأم عبد الرحمن هي أم رومان مشهورة بكنيتها واسمها زينب وقيل وعلة بنت عامر بن عويمر كانت تحت الحارث بن سخبرة الأزدي فمات بعد أن قدم مكة وخلف منها ابنه الطفيل فتزوجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة وأسلمت أم رومان قديما وهاجرت وعائشة معها وأما عبد الرحمن فتأخر إسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية فقدم في سنة سبع أو أول سنة ثمان واسم امرأته أميمة بنت عدي بن قيس السهمية وهي والدة أكبر أولاد عبد الرحمن أبي عتيق محمد رضي الله تعالى عنهم قوله ولا أدري هل قال القائل هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن كأنه شك في ذلك قوله وخادمي بالإضافة وفي رواية الكشميهني بغير إضافة قوله بين بيتنا وبيت أبي بكر يعني خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر وقوله بين طرف للخادم قوله إن أبا بكر تعشي عند النبي وفي مسلم قال وإن أبا بكر أي قال عبد الرحمن وإن أبا بكر تعشى عند النبي قوله ثم لبث أي

(16/124)


مكث عند النبي حتى صلى العشاء وفيما تقدم في باب السمر مع الأهل ثم لبث حتى صليت العشاء الآخرة وكذا في رواية مسلم قوله ثم رجع ثم رجع أبو بكر إلى منزله هذا الذي يفهم من ظاهر الرواية والرواة ما اتفقوا على هذا لأن في رواية الإسماعيلي ثم ركع بالكاف أي ثم صلى النافلة والحاصل على هذا أن أبا بكر مكث عند النبي حتى صلى العشاء ثم صلى النافلة فلبث أبو بكر عنده حتى تعشى أو حتى نعس يعني أخذ في النوم على ما نذكره الآن قوله فلبث معناه فلبث عند النبي بعد أن رجع إليه حتى تعشى رسول الله وفي رواية مسلم ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله من النعاس الذي هو مقدمة النوم وقال بعضهم شرح الكرماني يعني هذا الموضع بأن المراد أنه لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث في منزله إلى وقت صلاة العشاء ثم رجع إلى النبي فلبث عنده حتى تعشى النبي وهذا لا يصح لأنه يخالف صريح قوله في حديث الباب وإن أبا بكر تعشى عند النبي انتهى قلت لم يقل الكرماني هذا مثل الذي ذكره وإنما قال فإن قلت هذا يشعر بأن التعشي عند النبي كان بعد الرجوع إليه وما تقدم بأنه كان بعده قلت الأول بيان حال أبي بكر رضي الله تعالى عنه في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله والثاني هو سوق القصة على الترتيب الواقع أو الأول تعشى الصديق والثاني تعشى الرسول أو الأول من العشاء بكسر العين والثاني منه بفتحها انتهى هذا لفظ الكرماني فلينظر المتأمل هل نسبة هذا القائل عدم الصحة إلى الكرماني صحيحة أم لا وحل تركيب هذا الحديث يحتاج إلى دقة نظر وتأمل كثير قوله أو ضيفك شك من الراوي وعلى هذا فالضيف كانوا ثلاثة فكيف قال بالإفراد فكأنه أشار إلى أن الضيف اسم جنس يطلق على القليل والكثير وقال الكرماني أو الضيف مصدر يتناول المثنى والجمع قلت لا يصح هذا الفساد المعنى قوله أوعشيتهم وفي رواية الكشميهني أو ما عشيتهم بزيادة ما النافية وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي والهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة ويروى أوعشيتهم بالياء الساكنة بعد تاء الخطاب قوله قالت أبوا أي امتنعوا إلى أن تجيء رفقا به لظنهم أنه لا يجد عشاء فصبروا حتى يأكل معهم قوله قد عرضوا بفتح العين أي قد عرض الأهل والخدم قوله فغلبوهم أي إن آل بكر رضي الله تعالى عنه عرضوا على الأضياف العشاء فامتنعوا فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم وبقية الكلام مرت في باب السمر مع الأهل قوله فذهبت أي قال عبد الرحمن فذهبت وفي رواية مسلم قال فذهبت أنا قوله فاختبأت أي اختفيت خوفا منه قوله فقال يا غنثر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الثاء المثلثة وفي آخره راء معناه الجاهل وقيل غنثر الذباب وأراد به التغليظ عليه حيث خاطبه بشيء فيه التحقير وقد مر في الصلاة كلام كثير فيه فليرجع إليه هناك قوله فجدع أي جدع أبو بكر بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة وفي آخره عين مهملة أي دعا بالجدع وهو قطع الأنف والأذن ونحو ذلك قوله وسب أي شتم ظنا منه أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف قوله وقال كلوا أي قال أبو بكر كلوا وفي رواية الصلاة كلوا لا هنيئا وكذا في رواية مسلم إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه وقيل إنه ليس بدعاء إنما هو خبر أي لم تهنوا به في وقته قوله فقال لا أطعمه أبدا وقال القرطبي كل ذلك من أبي بكر على ابنه ظنا منه أنه فرط في حق الأضياف فلما تبين له أن ذلك كان من الأضياف أدبهم بقوله كلوا لا هنيئا وحلف أن لا يطعمه وفي رواية الجريري فقال إنما انتظرتموني والله لا أطعمه أبدا فقال الآخرون والله لا نطعمه أبدا حتى تطعمه وفي رواية أبي داود من هذا الوجه فقال أبو بكر فما منعكم قالوا مكانك قال والله لا أطعمه أبدا ثم اتفقا فقال لم أر من الشر كالليلة ويلكم ما أنتم لم لا تقبلون عنا قراكم هات طعامك فوضع فقال بسم الله الأولى من الشيطان فأكل وأكلوا قوله الأولى من الشيطان أراد به يمينه قال القاضي وقيل معناه اللقمة الأولى من أجل قمع الشيطان وإرغامه ومخالفته في مراده باليمين وقال النووي فيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فعل ذلك وكفر عن يمينه كما جاءت به الأحاديث الصحيحة قوله وأيم الله أي قال عبد الرحمن وأيم الله هذا من ألفاظ اليمين وهو مبتدأ وخبره محذوف أي وأيم الله قسمي وهمزته همزة وصل لا يجوز قطعه عند الأكثرين وقد أطلنا الكلام فيه في التيمم في باب

(16/125)


الصعيد الطيب قوله إلا ربا من أسفلها أي زاد من أسفلها أي من الموضع الذي أخذت منه قوله فإذا شيء أي فإذا هو شيء كما كان أو أكثر ويروى لها فإذا هي شيء أي البقية أو الأطعمة قوله قال لامرأته أي قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لأمرأته يا أخت بني فراس قال النووي معناه يا من هي من بني فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وفي آخره سين مهملة قال القاضي فراس هو ابن غنم بن مالك بن كنانة وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث وقد يقع مثل هذا كثيرا وقيل المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس قوله قالت لا وقرة عيني كلمة لا زائدة للتأكيد ويحتمل أن تكون نافية وثمة محذوف أي لا شيء غير ما أقول وهو قولها وقرة عيني والواو فيه للقسم وقرة العين بضم القاف وتشديد الراء يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحب الإنسان وقد طولنا الكلام فيه في كتاب الصلاة في باب السمر مع الأهل والضيف قوله لهي الآن أكثر بالثاء المثلثة وقيل بالباء الموحدة قوله ثلاث مرات وقيل ثلاث مرار قوله فأكل منها أي من الأطعمة قوله إنما كان الشيطان يعني إنما كان الشيطان الحامل على يمينه التي حلفها وهي قوله والله لا أطعمه وفي رواية مسلم إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه وهذا أقرب قوله فأصبحت عنده أي أصبحت الأطعمة التي في الجفنة عند النبي على حالها وإنما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة قوله عهد أي عهد مهادنة ويروى وكانت بيننا والتأنيث باعتبار المهادنة قوله فمضى العهد أي مضت مدة العهد قوله ففرقنا من التفريق فالراء فيه مفتوحة والضمير المرفوع فيه يرجع إلى النبي وكلمة نا مفعوله و الفاء فيه فاء الفصيحة أي فجاؤا إلى المدينة أي جعل كل رجل مع اثني عشرة فرقة وفي رواية مسلم فعرفنا بالعين المهملة والراء المشددة أي جعلنا عرفاء نقباء على قومهم وفيه دليل لجواز تعريف العرفاء على العساكر ونحوها وفي ( سنن أبي داود ) العرافة حق ولما فيه من مصلحة الناس وليتيسر ضبط الجيوش على الإمام ونحوها باتخاذ العرفاء فإن قلت جاء في الحديث العرفاء في النار قلت هو محمول على العرفاء المقصرين في ولايتهم المرتكبين فيها ما لا يجوز وقال الكرماني وفي بعض الروايات فقرينا بقاف وراء وياء آخر الحروف من القرى وهي الضيافة وقال بعضهم ولم أقف على ذلك قلت لا يلزم من عدم وقوفه على ذلك الإنكار عليه لأن من لم يقف على شيء أكثر ممن وقف عليه قوله اثنا عشر رجلا وفي رواية مسلم اثني عشر بالنصب وهو ظاهر وأما رواي الرفع فعلى لغة من يجعل المثنى بالألف في الأحوال الثلاث ومنه قوله تعالى إن هذان لساحران ( طه 36 ) قوله غير أنه بعث أي غير أن النبي بعث معهم نصيب أصحابهم إليهم قوله أو كما قال شك من أبي عثمان والمعنى أن جميع الجيش أكلوا من تلك الأطعمة التي أرسلها أبو بكر إلى النبي في الجفنة فظهر بذلك أن تمام البركة فيها كانت عند النبي والذي وقع في بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه كان ظهور أوائل البركة فيها والفوائد التي استفيدت من الحديث المذكور ذكرناها في باب السمر مع الأهل والضيف
2853 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماد ) عن ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) وعن ( يونس ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال ( أصاب أهل المدينة قحط على عهد ) رسول الله فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلكت الكراع هلكت الشاء فادع الله يسقينا فمد يديه ودعا قال أنس وإن السماء كمثل الزجاجة فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم تزل تمتر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه فتبسم ثم قال حوالينا ولا علينا فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج هذا الحديث في كتاب الاستسقاء مطولا ومختصرا من عشرة وجوه الأول عن

(16/126)


محمد عن أبي ضمرة عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك والثاني عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن شريك عن أنس والثالث عن مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن أنس والرابع عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن شريك عن أنس والخامس عن إسماعيل عن مالك عن شريك عن أنس والسادس عن الحسن بن بشر عن معافى بن عمران عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس والسابع عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن شريك عن أنس والثامن عن محمد بن أبي بكر عن معتمر عن عبيد الله بن ثابت عن أنس والتاسع عن أيوب بن سليمان معلقا عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس والعاشر عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس والوجه الحادي عشر أخرجه في كتاب الجمعة عن إبراهيم بن المنذر عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله عن أنس والثاني عشر أخرجه في الجمعة أيضا من طريقين كما أخرجه ههنا نحوه من طريقين أحدهما عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس رضي الله تعالى عنه والآخر عن مسدد عن حماد بن زيد عن يونس بن عبيد البصري عن ثابت عن أنس والحاصل أن لحماد إسنادين أحدهما عال والآخر نازل وذكر البزار أن حمادا تفرد بطريق يونس بن عبيد فالطريقان أخرجهما أبو داود في الصلاة عن مسدد بإسناده نحوه
قوله قحط أي جدب يقال قحط المطر وقحط بكسر الحاء وفتحها إذا احتبس وانقطع وأقحط الناس إذا لم يمطروا قوله على عهد رسول الله أي على زمنه وأيامه قوله إذا قام جواب بينا قوله رجل قيل هو خارجة بن حصن الفزاري قوله الكراع بضم الكاف وحكى عن رواية الأصيلي كسرها وخطيء والمراد به الخيل هنا لأنه عطف عليه وهلكت الشاء وقد يطلق على غيرها والشاء جمع شاة وأصل الشاة شاهة فحذفت لامها وقال ابن الأثير جمع الشاة شاء وشياه وشوى قوله كمثل الزجاجة أي في شدة الصفاء ليس فيه شيء من السحاب ومن الكدورات قوله فهاجت أي ثارت ريح أنشأت سحابا وفي ( التوضيح ) فيه نظر إنما يقال نشأ السحاب إذا ارتفع وأنشأه الله ومنه ينشيء السحاب الثقال أي يبديها قوله عزاليها جمع عزلاء بفتح العين المهملة وسكون الزاي وهو فم الراوية من أسفلها وفي الجمع يجوز كسر اللام وفتحها كما في الصحارى وقد مر عن قريب قوله منازلنا ويروى منزلنا بالإفراد قوله فلم تزل تمطر بضم التاء أي لم تزل السماء تمطر ويجوز أن يكون لم نزل بنون المتكلم وكذلك نمطر ولكن على صيغة المجهول قوله أو غيره أي أو غير ذلك الرجل الذي قام في تلك الجمعة شك فيه أنس وتارة يجزم بذلك الرجل وبقية الكلام مرت في كتاب الاستسقاء قوله تصدع وفي رواية الأصيلي تتصدع وهو الأصل ولكن حذفت منه إحدى التاءين قوله إكليل بكسر الهمزة وهو شبه عصابة مزينة بالجواهر وهو التاج وكانت ملوك الفرس تستعملها
3853 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى بن كثير أبو غسان ) حدثنا ( أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء ) قال سمعت ( نافعا ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما كان النبي يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه
مطابقته للترجمة في حنين الجذع ويحيى بن كثير ضد القليل ابن درهم أبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة العنبري بسكون النون البصري مات بعد المائتين وأبو حفص بالمهملتين عمر بن العلاء بن عمارة البصري المازني وقال صاحب ( الكاشف ) الأصح أنه معاذ بن العلاء لا عمر وقيل لم تقع تسمية أبي حفص بعمر بن العلاء إلا في رواية البخاري والظاهر أنه هو الذي سماه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن كثير فقال حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر الحديث ولم يسمه وذكر الحاكم أبو أحمد في ترجمة أبي حفص في ( الكنى ) فساقه من طريق عبد الله بن رجاء الفداني حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر حديث الباب ولم يقل اسمه عمر ثم ساقه من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء به ثم

(16/127)


شك من الراوي وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد فقال إلى نخلة ولم يشك قوله امرأة من الأنصار أو رجل شك من الراوي وقد مضى الكلام فيه في الجمعة وقال مالك غلام لرجل من الأنصار وهو غلام سعد بن عبادة وقال غيره غلام لإمرأة من الأنصار أو للعباس وكان ذلك سنة سبع وقيل ثمان قوله فلما كان يوم الجمعة أي وقت الخطبة قوله دفع بضم الدال وفي رواية الكشميهني بضم الراء قوله فضمه إليه أي الجذع وذكر الضمير باعتبار الجذع وفي رواية الكشميهني فضمها أي الشجرة أو النخلة قوله يسكن على صيغة المجهول من التسكين
5853 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان بن بلال ) عن ( يحيى بن سعيد ) قال أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنه سمع ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول كان ( المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان ) النبي إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذالك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي فوضع يده عليها فسكنت
هذا طريق آخر في حديث جابر رضي الله تعالى عنه أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد عن سليمان بن بلال القرشي التيمي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن حفص بن عبيد الله وروايته عنه من رواية الأقران لأنه في طبقته
وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي
والحديث أخرجه في الجمعة في باب الخطبة على المنبر عن سعيد بن أبي مريم عن محمد ابن جعفر بن أبي كثير عن يحيى بن سعيد عن ابن أنس أنه سمع جابر بن عبد الله ولم يسمه وذكر أبو مسعود أن البخاري إنما قال في حديث محمد بن جعفر عن يحيى عن ابن أنس ولم يسمه لأن محمد بن جعفر يقول فيه عن يحيى عن عبيد الله بن حفص ابن أنس فقال البخاري عن ابن أنس ليكون أقرب إلى الصواب
قوله كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل أراد أن الجذوع كانت له كالأعمدة قوله إلى جذع منها أي من تلك الجذوع وكان إذا خطب يستند إلى جذع منها قوله كصوت العشار بكسر العين المهملة وبالشين المعجمة وهو جمع عشراء وهي الناقة التي أتت عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر وفي حديث جابر عند النسائي من ( الكبرى اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الحلوج انتهى والحلوج بفتح الحاء المهملة وضم اللام الخفيفة وآخره جيم الناقة التي انتزع منها ولدها وفي حديث أنس عند ابن خزيمة فحنت الخشبة حنين الوالدة وفي روايته الأخرى عند الدارمي خار ذلك الجذع كخوار الثور وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجه فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق وروى الدارمي من حديث بريدة أن النبي قال له اختر أغرسك في المكان الذي كنت فيه كما كنت يعني قبل أن تصير جذعا وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر فتأكل منك أولياء الله تعالى فقال للنبي أختار أن تغرسي في الجنة
6853 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) وحدثني ( بشر بن خالد ) حدثنا ( محمد ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) سمعت ( أبا وائل ) يحدث عن ( حذيفة ) أن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه قال ( أيكم يحفظ قول ) رسول الله في الفتنة فقال حذيفة أنا أحفظ كما قال قال هات إنك لجريء قال رسول الله فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليست هذه ولكن التي تموج كموج البحر قال يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها إن بينك وبينها بابا مغلقا قال يفتح

(16/129)


الباب أو يكسر قال لا بل يكسر قال ذاك أحرى أن لا يغلق قلنا علم الباب قال نعم كما أن دون غد الليلة إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله وأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب قال عمر
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبارا عن النبي عن الأمور الآتية بعده وهذا أيضا معجزة من معجزاته
وأخرجه من طريقين الأول عن محمد بن بشار وابن أبي عدي وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي أبو عمرو البصري واسم أبي عدي إبراهيم عن شعبة والثاني عن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبو محمد العسكري الفرائضي عن محمد بن جعفر الذي يقال له غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان العبسي والحديث مر في أول كتاب مواقيت الصلاة في باب الصلاة كفارة عن مسدد عن يحيى ابن سعيد وفي الزكاة عن قتيبة ومضى الكلام فيه هناك فلنذكر بعض شيء
قوله في الفتنة المراد بالفتنة ما يعرض للإنسان من الشر أو أن يأتي لأجل الناس بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه قوله هات تقول هات يا رجل بكسر التاء أي أعطني وللأثنين هاتيا مثل آتيا وللجمع هاتوا وللمرأة هاتي وللمرأتين هاتيا وللنساء هاتين مثل عاطين قال الخليل أصل هات من آتي يؤتي فقلبت الألف هاء قوله لجرىء من الجراءة وهو الإقدام على الشيء من غير تخوف قوله فتنة الرجل في أهله بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار قوله وماله أي وفي ماله بالاشتغال به عن العبادة وبحبسه عن إخراج حق الله تعالى قوله وجاره أي وفي جاره بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإنما خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم وذكر هنا ثلاثة أشياء ثم إنه ذكر ثلاثة أشياء تكفرها فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصيام ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله ليست هذه أي ليست الفتنة التي أريدها هذه ولكن أريد الفتنة التي تموج كموج البحر وموج البحر يكون عند اضطرابه وهيجانه وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة وقوله الفتنة منصوب بلفظ أريد المقدر قوله يا أمير المؤمنين أي قال حذيفة لعمر رضي الله تعالى عنه يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها أي من هذه الفتنة التي تموج كموج البحر قوله إن بينك وبينهاأي وبين هذه الفتنة بابا مغلقا يعني لا يخرج منها شيء في حياتك وفيه تمثيل الفتن بالدار وحياة عمر بالباب الذي لها مغلق وموته بفتح ذلك الباب فما دامت حياة عمر موجودة فالباب مغلق لا يخرج منها شيء فإذا مات فقد انفتح الباب فخرج ما في تلك الدار قوله قال لا بل يكسر أي قال حذيفة لا يفتح بل يكسر قوله قال ذلك أي قال عمر ذلك أحرى أي أجدر قال ابن بطال إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح فأما ما انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر انتهى وقيل إنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة وقد وافق حذيفة على روايته هذه أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه لقي عمر فأخذ بيده فغمزها فقال له أبو ذر أرسل يدي يا قفل الفتنة وفيه أن أبا ذر قال لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر رضي الله تعالى عنه قوله إني حدثته من بقية كلام حذيفة قوله بالأغاليط جمع أغلوطة وهو ما يغالط به يعني حدثته حديثا صدقا محققا من كلام النبي لا عن اجتهاد ولا عن رأي قوله فهبنا أن نسأله من كلام أبي وائل أي خفنا أن نسأل حذيفة وأمرنا مسروق بن الأجدع فسأله أي فسأل مسروق حذيفة ومسروق من كبار التابعين ومن أخصاء أصحاب حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من كبار الصحابة وفي ذلك ما يدل على حسن تأدبهم مع كبارهم

(16/130)


7853 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام وليأتين علي أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه إخبارا عن النبي عن الأمور الآتية بعده فوقعت من ذلك أشياء وستقع أخرى
وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف الحكم بن نافع وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن
وهذا الحديث يتضمن أربعة أحاديث أولها قتال الترك أورده من وجهين أحدهما قوله لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر والآخر قوله وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه إلى قوله المطرقة وقد مر هذان في كتاب الجهاد في باب قتال الترك و باب الذين ينتعلون الشعر الثاني هو قوله وتجدون إلى قوله فيه قوله لهذا الأمر أي الإمارة والحكومة الثالث قوله والناس معادن إلى قوله في الإسلام وقد مر هذا في باب المناقب عن أبي هريرة عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة الرابع هو قوله وليأتين إلخ ولنتكلم في بعض ألفاظه وإن كان مكررا لزيادة الفائدة
قوله في الحديث الأول تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وفي الثاني تقاتلوا الترك وهما جنسان من الترك كثيران وقيل المراد من القوم الأكراد فوصف الأول بأن نعالهم الشعر وقيل المراد تطول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال وقيل المراد أن نعالهم من شعر بأن يجعلوها من شعر مضفور وفي رواية لمسلم يلبسون الشعور وزعم ابن دحية أن المراد القندس الذي يلبسونه في الشرابيش قال وهو جلد كلب الماء ووصف الثاني بصغر العيون كأنها مثل خرق المسلة وبحمرة الوجه كأن وجوههم مطلية بالصبغ الأحمر وبذلافة الأنوف فقال ذلف الأنوف والذلف بضم الذال المعجمة جمع أذلف وروي بالمهملة أيضا وهو صغر الأنف مستوى الأرنبة وقيل الذلافة تشمير الأنف عن الشفة العليا وجاء فطس الأنوف والفطاسة انفراش الأنف قوله كالمجان وهو جمع مجن وهو الترس والمطرقة بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء وقال عياض الصواب فيه المطرقة بتشديد الراء وذكر ابن دحية عن شيخه أبي إسحاق أن الصواب سكون الطاء وفتح الراء وهي التي أطرقت بالعقب أي ألبست حتى غلظت فكأنها ترس على ترس ومنه طارقت النعل إذا ركبت جلدا على جلد وخرزته
0953 - حدثني ( يحيى ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر
هذا طريق آخر من وجه آخر في حديث أبي هريرة أخرجه عن يحيى بن موسى الذي يقال له خت أو هو يحيى بن جعفر البيكندي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن همام بتشديد الميم ابن منبه عن أبي هريرة
قوله خوز بضم الخاء المعجمة وبالزاي قال الكرماني خوز بلاد الأهواز وتستر وكرمان بفتح الكاف وكسرها وهو المستعمل عند أهلها هو بين خراسان وبحر الهند وبين عراق العجم وسجستان والمعنى لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أهل خوز وأهل كرمان قوله من الأعاجم يعني هؤلاء الصنفين من الأعاجم قيل فيه إشكال لأن هؤلاء ليسوا من الترك ورد بأنه لا إشكال

(16/131)


فيه لأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك ولا مانع من اشتراك الصنفين في الصفات المذكورة مع اختلاف الجنس وقال الكرماني هذان الإقليمان ليسوا على هذه الصفات ثم قال أما أن بعضهم كانوا بهذه الأوصاف في ذلك الوقت أو سيصيرون كذلك فيما بعد وإما أنهم بالنسبة إلى العرب كالتوابع للترك وقيل إن بلادهم فيها موضع يقال له كرمان وقيل ذلك لأنهم يتوجهون من هذين الموضعين وقال الطيبي لعل المراد بهما صنفان من الترك فإن أحد أصول أحدهما من خوز وأحد أصول الآخر من كرمان وقال ابن دحية خوز قيدناه في البخاري بالزاي وقيده الجرجاني خور كرمان بالراء المهملة مضاف إلى كرمان وصوبه الدارقطني بالراء مع الإضافة وحكاه عن الإمام أحمد وقال غيره تصحيف وقيل إذا أضيف خور فبالمهملة لا غير وإذا عطفت كرمان عليه فبالزاي لا غير وفي ( التلويح ) هما جنسان من الترك وكان أول خروج هذا الجنس متغلبا في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة فعاثوا في البلاد وأظهروا في الأرض الفساد وخربوا جميع المدائن حتى بغداد وربطوا خيولهم إلى سواري الجوامع كما في الحديث وعبروا الفرات وملكوا أرض الشام في مدة يسيرة وعزموا على دخولهم إلى مصر فخرج إليهم ملكها قطز المظفر فالتقوا بعين جالوت فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت فانجلوا عن الشام منهزمين ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين والحمد لله رب العالمين ثم إنهم في سنة ثمان وتسعين ملك عليهم رجل يسمى غازان زعم أنه من أهل الإيمان ملك جملة من بلاد الشام وعاث جيشه فيها عيث عباد الأصنام فخرج إليهم الملك الناصر محمد فكسرهم كسرا ليس معه انجبار وتفلل جيش التتار وذهب معظمهم إلى النار وبئس القرار انتهى كلام صاحب ( التلويح ) قلت هذا الذي ذكره ليس على الأصل والوجه لأن هؤلاء الذين ذكرهم ليسوا من خوز ولا من كرمان وإنما هؤلاء من أولاد جنكز خان وكان ابتداء ملكه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة ولم يزل في الترقي إلى أن صار يركب في نحو ثمان مائة مقاتل وأفسد في البلاد وكان قد استولى على سمرقند وبخارى وخوارزم الذي كرسيها تبريز والري وهمدان ولم يكن هو دخل بغداد وإنما خرب بغداد وقتل الخليفة هلاون بن طلوخان بن خرخان المذكور وقتل الخليفة المستعصم بالله وقتل من أهله وقرابته خلق كثير وشعر بنصب الخلافة بعده وكان قتله في سنة ست وخمسين وستمائة ثم بعد ذلك توجه هلاون إلى حلب في سنة سبع وخمسين وستمائة ودخلها في أوائل سنة ثمان وخمسين وستمائة وبقي السيف مبذولا ودم الإسلام ممطولا سبعة أيام ولياليها وقتلوا من أهلها خلقا لا يحصون وسبوا من النساء والذراري زهاء مائة ألف ثم رحل هلاون من حلب ونزل على حمص وأرسل أكبر نوابه كتيعانو مع إثني عشر طومان كل طومان عشرة آلاف إلى مصر ليأخذها وكان صاحب مصر حينئذ الملك المظفر فتجهز وخرج ومعه مقدار اثني عشر ألف نفس مقاتلين في سبيل الله فتلاقوا على عين جالوت فنصره الله تعالى على التتار وهزمهم بعون الله ونصرته يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين وستمائة وقتل كتيعانو في المعركة وقتل غالب من معه والذين هربوا قتلهم العرب في البراري والمفاوز وقال صاحب ( التوضيح ) تابعا لصاحب ( التلويح ) إنه في سنة ثمانمائة وتسعين ويسمى غازان إلى آخر ما ذكرناه عن قريب قلت هذا أيضا كلام فيه خباط وهذا غازان بالغين والزاي المعجمتين يسمى أيضا قازان بالقاف موضع الغين واسمه محمود تولى مملكة جنكزخان في العراقين وما والاهما بعد بيدوش طرغاي بن هلاون وكان قتل لسوء سيرته وقازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون مات في سنة ثلاث وسبعمائة والملك الناصر محمد بن قلاو لم يجتمع بقازان ولا حصلت بينهما الملاقاة ولا وقع بينهما حرب نعم خرج الملك الناصر لأجل حركة قازان في سنة سبعمائة ثم عاد لأجل الغلاء والشتاء المفرط والبرد الشديد الذي قتل غالب الغلمان والأتباع ثم خرج في سنة ثنتين وسبعمائة لأجل حركة التتار وحصل القتال بينه وبين قطلوشاه من أكبر أمراء قازان فنصر الله تعالى الناصر وانهزم التتار وعاد عسكر المسلمين منصورا قوله فطس الأنوف بضم الفاء جمع أفطس وقد فسرناه عن قريب

(16/132)


تابعه غيره عنه عن عبد الرزاق
أي تابع غير يحيى شيخ البخاري في روايته عنه عن عبد الرزاق بن همام وأخرج هذه المتابعة إسحاق بن راهويه
2953 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( جرير بن حازم ) سمعت ( الحسن ) يقول حدثنا ( عمرو بن تغلب ) قال سمعت رسول الله يقول بين يدي الساعة تقاتلون قوما ينتعلون الشعر وتقاتلون قوما كان وجوههم المجان المطرقة ( انظر الحديث 7292 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبار النبي عن القتال مع قومين قبل أن يقع وشيء من ذلك وقع وشيء سيقع
وهذا الحديث مضى في كتاب الجهاد في باب قتال الترك عن أبي النعمان عن جرير بن حازم إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك

(16/133)


3953 - حدثنا ( الحكم بن نافع ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله ( انظر الحديث 5292 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه إخبار من النبي عن أمر سيقع وهو أيضا من علامات نبوته وقد مضى نحوه في الجهاد في باب قتال اليهود من حيث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر والحكم بفتح الكاف هو أبو اليمان قوله ثم يقول الحجر وروى حتى يقول الحجر قوله ورائي أي أختفى خلفي
4953 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( جابر ) عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال يأتي على الناس زمان يغزون فيقال فيكم من صحب الرسول فيقولون نعم فيفتح عليهم ثم يغزون فيقال لهم هل فيكم من صحب من صحب الرسول فيقولون نعم فيفتح لهم ( انظر الحديث 7982 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله الصحابي ابن الصحابي يروي عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري والحديث مضى في الجهاد في باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب ومضى الكلام فيه هناك
5953 - حدثني ( محمد بن الحكم ) أخبرنا ( النضر ) أخبرنا ( إسرائيل ) أخبرنا ( سعد الطائي ) أخبرنا ( محل بن خليفة ) عن ( عدي بن حاتم ) قال ( بينا ) أنا ( عند ) النبي إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيىء الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلاى فينظر عن يمينه فلا يراى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت النبي يقول اتقوا النار ولو بشقة تمرة فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسراى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم يخرج ملء كفه
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في مطابقة الحديث السابق ومحمد بن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين أبو عبد الله المروزي الأحول وهو من أفراده والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بن حراشة أبو الحسن المازني

(16/134)


مات أول سنة أربع ومائتين وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وسعد أبو مجاهد الطائي وهو من أفراد البخاري ومحل بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ابن خليفة الطائي
وفي هذا السند التحديث بصيغة الجمع في موضع والعنعنة في موضع والباقي كله أخبرنا وإلى الآن لم يقع مثل هذا
والحديث مضى في الزكاة في باب الصدقة قبل الرد
قوله الفاقة أي الفقر قوله الحيرة بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء بلد معروف قديما مجاور الكوفة قوله أنبئت على صيغة المجهول أي أخبرت قوله الظعينة بالظاء المعجمة المرأة في الهودج وهو في الأصل اسم الهودج قوله حتى تطوف بالكعبة وفي رواية أحمد من غير جوار أحد قوله فأين دعار طي بضم الدال المهملة وتشديد العين المهملة جمع داعر وهو الشاطر الخبيث المفسد الفاسق والمراد قطاع الطريق وقال الجواليقي والعامة يقولون بالذال المعجمة والمعروف بالمهملة وطيء قبيلة مشهورة واسمه جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ قوله قد سعروا البلاد أي أوقدوا نار الفتنة في البلاد وهو مستعار من سعرت النار إذا أوقدتها قوله لتفتحن على صيغة المجهول وبفتح اللام وتشديد النون قوله كسرى بكسر الكاف وفتحها علم من ملك الفرس قوله قال كسرى بن هرمز أي قال عدي مستفهما عنه وإنما قال ذلك لعظمة كسرى في نفسه في ذلك الوقت وقوله بذلك كان في زمنه قوله لترين على صيغة المعلوم باللام المفتوحة والنون المشددة وهو خطاب لعدي والرجل منصوب به قوله يخرج بضم الياء من الإخراج قوله فلا يجد أحدا يقبله لعدم الفقراء في ذلك الزمان قيل يكون ذلك في زمن عيسى عليه الصلاة و السلام وقيل يحتمل أن يكون هذا إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه لما رواه البيهقي في ( الدلائل ) من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال إنما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرا لا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول إجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما نبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده قد أغنى عمر الناس وقال البيهقي فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه انتهى قيل هذا أرجح من الأول لقوله في الحديث ولئن طالت بك حياة قوله وليلقين بفتح الياء آخر الحروف وباللام المفتوحة والنون المشددة ولفظة الله منصوبة به و أحدكم بالرفع فاعله قوله وأفضل عليك من الإفضال أي ولم أفضل عليك منه قوله ولو بشقة تمرة بكسر الشين هذا رواية المستملي بشقة بالتاء في الموضعين وفي رواية غيره بشق تمرة بدون التاء في شق وهو النصف قوله ولئن طالت بكم إلى آخره من كلام عدي بن حاتم
حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عاصم أخبرنا سعدان بن بشر حدثنا أبو مجاهد حدثنا محل بن خليفة سمعت عديا كنت عند النبي
عبد الله هو ابن محمد المعروف بالمسندي وأبو عاصم الضحاك بن مخلد أحد مشايخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة وسعدان بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه وهو الجهني الكوفي وليس له في البخاري ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه غير هذا الحديث وهو من أفراده وهذا السند بهؤلاء الرجال وتحديثه قد مر في الزكاة في باب الصدقة قبل الرد
6953 - حدثني ( سعيد بن شرحبيل ) حدثنا ل ( يث ) عن ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة بن عامر ) أن النبي خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا فيها
مطابقته للترجمة تؤخذ من ثلاثة مواضع من قوله إني والله لأنظر إلى حوضي إلى آخره ولا يخفى على الفطن ذلك التالي هو ج31.وج32.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...