ج17.وج18.عمدة القارئ لبدر الدين العيني
ج17.عمدة القارئ لبدر الدين العيني ج17.عمدة القارئ
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة آدم بن أبي إياس وشعبة بن الحجاج ومعبد بفتح الميم وسكون
العين المهملة وفتح الباء الموحدة وفي آخره دال مهملة ابن خالد الجدلي بالجيم
والدال المهملة المفتوحتين الكوفي القاص بتشديد الصاد العابد وكان من القانتين مات
سنة ثمان عشرة ومائة وحارثة بالحاء المهملة وبكسر الراء وفتح الثاء المثلثة ابن
وهب الخزاعي أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه له صحبة يعد في الكوفيين
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع في موضعين
وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأنه عسقلاني وشعبة واسطي ومعبد كوفي
والحديث من الرباعيات
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن علي بن الجعد وأخرجه في
الفتن عن مسدد عن يحيى بن سعيد وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة
ومحمد بن عبيد الله بن نمير
قوله يقول الرجل أي الرجل الذي يريد المتصدق أن يعطيه إياها قوله فلا حاجة لي به
وفي رواية الكشميهني فيها وقال بعضهم والظاهر أن ذلك يقع في زمان كثرة المال وفيضه
قرب الساعة قلت هذا كلام ابن بطال ولكنه غير متبع لأن الظاهر أن ذلك يقع في زمان
تظهر كنوز الأرض الذي هو من جملة أشراط الساعة
وفيه حث على الصدقة والترغيب ما وجد أهلها المستحقون لها خشية أن يأتي الزمن الذي
لا يوجد فيه من يأخذها وهو الزمان الذي ذكرناه آنفا
2141 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد
الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لا تقوم الساعة حتى يكثر
المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه لا أرب
لي فيه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب
بن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون ذكوان و ( عبد الرحمن ) بن هرمز
الأعرج
قوله فيفيض من فاض الإناء إذا امتلأ وأفاضه ملأه واشتقاقه من الفيض وفي ( المغرب )
فاض الماء إذا انصب على امتلائه وأفاض الماء صبه عن كثرة قوله حتى يهم بفتح الياء
وضم الهاء من الهم بفتح الهاء وهو ما يشغل القلب من أمر يهم به قوله رب المال
منصوب لأنه مفعول يهم وقوله من يقبل فاعله من همه الشيء أحزنه ويروى يهم بضم الياء
وكسر الهاء من أهمه الأمر إذا أقلقه فعلى هذا أيضا الإعراب مثل الأول لأن كلا من
يهم بفتح الياء و يهم بضمها متعد يقال همه الأمر وأهمه وقال النووي رحمه الله
تعالى في ( شرح مسلم ) رضي الله تعالى عنه ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوله وكسر
الهاء و رب المال مفعول والفاعل من يقبل أي يحزنه والثاني بفتح أوله وضم الهاء ورب
المال فاعل و من مفعوله أي يقصد انتهى قلت فهم من ذلك أنهم فرقوا بين البابين
فجعلوا الأول متعديا من الإهمام والثاني متعديا من الهم بمعنى القصد فجعلوا رب
المال مفعولا في الأول وفاعلا في الثاني قوله لا أرب لي فيه أي لا حاجة لي فيه وهو
بفتحتين لا غير وقال الكرماني كأنه سقط كلمة فيه من الكتاب قلت السقط كأنه كان في
نسخته وهو موجود في النسخ وقال أيضا وقد وجدت في أيام الصحابة هذه الحال كانت تعرض
عليهم الصدقة فيأبون قبولها قلت كان هذا لزهدهم وإعراضهم عن الدنيا ولم يكن لفيض
من المال وكانوا يعرضون عنها مع قلة المال وكثرة الإحتياج
17 - ( حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو عاصم النبيل قال أخبرنا سعدان بن بشر
قال حدثنا أبو مجاهد قال حدثنا محل بن خليفة الطائي قال سمعت عدي بن حاتم رضي الله
عنه يقول كنت عند رسول الله فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع
(8/272)
السبيل فقال رسول الله أما قطع
السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير وأما العيلة
فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ثم ليقفن أحدكم
بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له أم أوتك مالا
فليقولن بلى ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولا فليقولن بلى فينظر عن يمينه فلا يرى
إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة
فإن لم يجد فبكلمة طيبة )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من
يقبلها منه
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر الجعفي المعروف
بالمسندي وقد مر الثاني أبو عاصم الضحاك بن مخلد الملقب بالنبيل وقد تكرر ذكره
الثالث سعدان بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة الجهني الرابع أبو
مجاهد اسمه سعد الطائي الخامس محل بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ابن
خليفة الطائي السادس عدي بن حاتم الطائي
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه الإخبار بصيغة
الجمع في موضع واحد وفيه السماع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بخاري ومن
أفراده وفيه أن شيخ شيخه شيخه أيضا لأنه روى عنه وأنه بصري وأن سعدان من أفراده
وأنه كوفي وأن لفظ سعدان لقبه واسمه سعدوان أبا مجاهد أيضا من أفراده وأنه طائي
وأن محل بن خليفة كوفي وأنه من أفراده قال الكرماني وجده عدي بن حاتم ثم قال وفي
الإسناد ثلاثة طائيون
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن محمد
بن الحكم عن النضر بن شميل وأخرجه النسائي في الزكاة عن نضر بن علي الجهضمي مختصرا
( ذكر معناه ) قوله يشكو العيلة بفتح العين المهملة أي الفقر من عال إذا افتقر قال
الجوهري يقال عال يعيل عيلة وعيولا إذا افتقر قال تعالى وإن خفتم عيلة وهو عائل
وقوم عيلة وترك أولاده يتامى عيلى أي فقراء وذكره في الأجوف اليائي وأما عال عياله
عولا وعيالة أي قاتهم ومأنهم وأنفق عليهم فهو من الأجوف الواوي وقال ابن قرقول
وأصله من العول وهو القوت ومنه قوله وابدأ بمن تعول أي بمن تقوت قوله قطع السبيل
هو من فساد السراق واللصوص كذا قاله الكرماني وفيه نظر لأن قطع السبيل لا يكون إلا
من قطاع الطريق جهرا والسارق لا يأخذ جهرا وكذلك اللص قوله العير بكسر العين
المهملة وسكون الياء آخر الحروف الإبل التي تحمل الميرة وفي المطالع العير القافلة
وهي الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارة ولا تسمى عيرا إلا إذا كانت كذلك
وقال ابن الأثير العير الإبل بأحمالها فعل من عار يعير إذا سار وقيل هي قافلة
الحمير فكثرت حتى سميت بها كل قافلة كأنها جمع عير وكان قياسها أن يكون فعلا بالضم
كسقف في سقف إلا أنه حوفظ على الياء بالكسرة نحو عين قوله خفير بفتح الخاء المعجمة
وكسر الفاء وهو المجير الذي يكون القوم في ضمانه وذمته وقال الكرماني والمراد منه
حتى تخرج القافلة من الشام والعراق ونحوهما إلى مكة بغير البدرقة وفي الصحاح خفرت
الرجل أخفره بالكسر خفرا إذا آجرته وكنت له خفيرا تمنعه قال الأصمعي وكذلك خفرته
تخفيرا وأخفرته إذا نقضت عهده وغدرت به قوله بين يدي الله هو من المتشابهات والأمة
في أمثالها كاليمين ونحوه طائفتان المفوضة والمؤولة بما يناسبها قوله ولا ترجمان
بضم التاء وفتحها والجيم مضمومة فيهما والتاء فيه أصلية وقال الجوهري زائدة وقال
هو نحو الزعفران فالجيم مفتوحة هذا على جهة التمثيل ليفهم الخطاب أن الله تعالى لا
يحيط به شيء ولا يحجبه حجاب وإنما يستتر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها من الحجب
للعجز عن الإدراك في الدنيا
(8/273)
فإذا كان يوم القيامة كشف تلك
الحجب عن أبصارنا وقواها حتى نراه معاينة كما نرى القمر ليلة البدر كما ثبت في
الأحاديث الصحاح قوله فليتقين أمر مؤكد بالنون الثقيلة دخلت عليه اللام قوله ولو
بشق تمرة بكسر الشين معناه لا تحقروا شيئا من المعروف ولو كان بشق تمرة أي بنصفها
قوله فإن لم يجد أي فإن لم يجد أحدكم شيئا يتصدق به على المحتاج فليرده بكلمة طيبة
وهي التي فيها تطييب قلبه فدل على أن الكلمة الطيبة يتقى بها كما أن الكلمة
الخبيثة مستوجب بها النار وفيه حث على الصدقة وأن لا يحقر شيئا من الخير قولا
وفعلا وإن قل -
4141 - حدثني ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بردة ) عن ( أبي
موسى ) الله رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل
فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدا يأخذها منه ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون
امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من
الذهب ثم لا يجد أحدا يأخذها منه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن العلاء أبو كريب مات سنة ثمان وأربعين ومائتين
الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي الثالث بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء
وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري الرابع أبو
بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر وقيل الحارث بن أبي موسى الأشعري الخامس أبو
موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الإفراد عن شيخه وقيل بصيغة الجمع وبصيغته
أيضا في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه
رواية الراوي عن جده ورواية الإبن عن أبيه وفيه ثلاثة مكيون
والحديث أخرجه مسلم أيضا بإسناد البخاري
قوله من الذهب خص بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة لأن الذهب أعز المعدنيات
وأشرف الأموال فإذا لم يوجد من يأخذ هذا ففي غيره بالطريق الأولى قوله ويرى الرجل
على صيغة المجهول قوله يتبعه جملة في محل النصب على الحال قوله يلذن بضم اللام
وسكون الذال المعجمة أي يلتجئن إليه ويرغبن فيه من لاذ به يلوذ لياذا إذا التجأ
إليه وانضم واستغاث هذا والله أعلم يكون عند ظهور الفتن وكثرة القتل في الناس قال
الداودي ليس فيهن قيم غيره وهذا يحتمل أن يكون نساءه وجواريه وذوات محارمه
وقراباته وهذا كله من أشراط الساعة
وفيه الإعلام بما يكون بعده من كثرة الأموال حتى لا يجد من يقبلها وأن ذلك بعد قتل
عيسى عليه الصلاة و السلام الدجال والكفار فلم يبق بأرض الإسلام كافر وتنزل إذ ذاك
بركات السماء إلى الأرض والناس إذ ذاك قليلون لا يدخرون شيئا لعلمهم بقرب الساعة
وتربي الأرض إذ ذاك بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت وتلقى الأرض أفلاذ كبدها
وهو ما دفنته ملوك العجم كسرى وغيره ويكثر المال حتى لا يتنافس فيه الناس قال
الكرماني فإن قلت تقدم في باب رفع العلم أنه يكون لخمسين امرأة القيم الواحد قلت
التخصيص بعدد الأربعين لا يدل على نفي الزائد قلت المذكور في باب رفع العلم وظهور
الجهل حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل
ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد
01 -
( باب اتقوا النار ولو بشق تمرة )
أي هذا باب ترجمته اتقوا النار ولو بشق تمرة وهذا لفظ الحديث على ما يأتي إن شاء
الله تعالى وجمع في هذا الباب بين لفظ الخبر والآية لاشتمالها على الحث والتحريض
على الصدقة قليلا كانت أو كثيرا
والقليل من الصدقة
(8/274)
والقليل بالجر عطف على قوله
بشق تمرة من عطف العام على الخاص والتقدير اتقوا النار ولو بالقليل من الصدقة
والقليل يشمل شق التمرة وغيره
ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم ( البقرة 562 )
الآية وإلى قوله ومن كل الثمرات ( البقرة 662 )
ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على قليل النفقة وكثيرها لأن قوله أموالهم (
البقرة 562 ) يتناول القليل والكثير وفيها حث على الصدقة مطلقا فذكرها يناسب
التبويب وهذا مثل للمؤمنين الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم والابتغاء
الطلب قوله وتثبيتا ( البقرة 562 ) عطف على ابتغاء مرضات الله ( البقرة 562 )
والتقدير مبتغين ومتثبتين من أنفسهم بالإخلاص وذلك ببذل المال الذي هو شقيق الروح
وبذله أشق شيء على النفس على سائر العبادات الشاقة وكأن إنفاق المال تثبيتا لها
على الإيمان واليقين وقال الزمخشري ويحتمل أن يكون المعنى وتثبيتا من أنفسهم عند
المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه وتعضده قراءة مجاهد وتثبتا من أنفسهم وقال
الشعبي تثبيتا من أنفسهم أي تصديقا أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء وكذا قاله
قتادة وأبو صالح وابن زيد وقال مجاهد والحسن أي يثبتون أين يضعون صدقاتهم وقال
الحسن كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان لله أمضى وإلا ترك قوله الآية أي إلى
آخر الآية وهو قوله كمثل حبة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها
وابل فطل والله بما تعملون بصير ( البقر 562 ) قوله كمثل حبة ( البقرة 562 ) خبر
المبتدأ أعني قوله مثل الذين ينفقون ( البقرة 562 ) أي كمثل بستان كائن بربوة وهي عند
الجمهور المكان المرتفع المستوي من الأرض وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار
قال ابن جرير وفي الربوة ثلاث لغات من ثلاث قراآت بضم الراء وبها قرأ عامة أهل
المدينة والحجاز والعراق وفتحها وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ويقال إنها لغة
بني تميم وكسر الراء ويذكر أنها قراءة ابن عباس وإنما سميت بذلك لأنها ربت وغلظت
من قولهم ربا الشيء يربو إذا زاد وانتفخ وإنما خص الربوة لأن شجرها أزكى وأحسن
ثمرا قوله أصابها وابل ( البقرة 562 ) أي مطر عظيم القطر شديد وهي في محل الجر
لأنها صفة ربوة قوله فآتت أكلها ( البقرة 562 ) أي ثمرها ضعفين ( البقرة 562 ) أي
مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل ويقال أي مضاعفا تحمل من السنة ما يحمل غيرها من
السنتين قوله فإن لم يصبها ( البقرة 562 ) أي تلك الجنة التي بالربوة وابل فطل (
البقرة 562 ) أي فالذي يصيبها طل وهو أضعف المطر وقال الزجاج هو المطر الدائم
الصغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب وقيل الطل هو الندى وقال زيد بن أسلم
هي أرض مصر فإن لم يصبها وابل زكت وإن أصابها أضعفت أي هذه الجنة بهذه الربوة لا
تمحل أبدا لأنها إن لم يصبها وابل فطل أيا ما كان فهو كفايتها وكذلك عمل المؤمنين
لا يبور أبدا بل يتقبله الله منه ويكثره وينميه لكل عامل بحسبه ولهذا قال والله
بما تعملون بصير ( البقرة 562 ) أي لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء قوله وإلى
قوله من كل الثمرات ( البقرة 662 ) إلى آخره وهو قوله تعالى أيود أحدكم أن تكون له
جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات ( البقرة 662 )
روى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال ضرب الله مثلا حسنا وكل أمثاله
حسن قال أيود أحدكم ( البقرة 662 ) إلى آخره وقال بعض المفسرين قوله أيود أحدكم (
البقرة 662 ) متصل بقوله لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( البقرة 462 ) وإنما قال
جنة من نخيل وأعناب ( البقرة 662 ) لأن النخيل والأعناب لما كانت من أكرم الشجر
وأكثرها منافع خصهما بالذكر ولفظ نخيل جمع نادر وقيل هو جنس وتمام الآية وأصابه
الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم
تتفكرون ( البقرة 662 ) قال الزمخشري الهزة في أيود للإنكار قوله وأصابه الكبر (
البقرة 662 ) الوا فيه للحال وله ذرية ضعفاء ( البقرة 662 ) وقرىء ضعاف قوله
إعصارا ( البقرة 662 ) هو الريح التي تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود
وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله فإذا كان يوم القيامة
وجدها محبطة فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للثمار
فبلغ الكبر وله أولاد ضعاف والجنة معاشهم ومنتعشهم فهلكت بالصاعقة قوله كذلك يبين
الله لكم الآيات ( البقرة 662 ) يعني كما بين هذه الأمثال لعلكم تتفكرون ( البقرة
662 ) بهذه الأمثال وتعتبرون بها وتنزلونها على المراد منها كما قال تعالى وتلك
الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ( العنكبوت 34 )
(8/275)
19 - ( حدثنا عبيد الله بن
سعيد قال حدثنا أبو النعمان الحكم هو ابن عبد الله البصري قال حدثنا شعبة عن
سليمان عن أبي وائل عن أبي مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل
فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مرائي وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله لغني
عن صاع هذا فنزلت الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون
إلا جهدهم الآية )
مطابقته للترجمة من حيث أن الله لما أنزل آية الصدقة حث النبي أصحابه عليها فمنهم
من تصدق بكثير ومنهم من تصدق بقليل حتى أن منهم من يعمل بالأجرة فيتصدق منه كما
فهم ذلك من الحديث والترجمة أيضا تدل على الحث على الصدقة وإن كانت شق تمرة
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول عبيد الله بن سعيد بن يحيى بن برد بضم الباء الموحدة
أبو قدامة بضم القاف وتخفيف الدال اليشكري مات سنة إحدى وأربعين ومائتين الثاني
أبو النعمان الحكم بالحاء والكاف المفتوحتين ابن عبد الله الأنصاري الثالث شعبة بن
الحجاج الرابع سليمان بن مهران الأعمش الخامس أبو وائل شقيق بن سلمة السادس أو
مسعود واسمه عقبة الأنصاري البدري وقد مر
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في
ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه ثلاثة مذكورون بالكنى وفيه اثنان مجردان
عن النسبة وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن بشر بن خالد
عن غندر وفي الزكاة أيضا عن سعيد بن يحيى بن سعيد وفي التفسير أيضا عن إسحق بن
إبراهيم وأخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن معين وبشر بن خالد وعن بندار وعن إسحق
بن منصور وأخرجه النسائي فيه عن بشر بن خالد وفي التفسير أيضا عنه وفي الزكاة أيضا
عن الحسين بن حريث وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن محمد بن عبد الله بن نمير وأبي
كريب كلاهما عن أبي أسامة في معناه
( ذكر معناه ) قوله لما نزلت آية الصدقة وهي قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة الآية
قوله كنا نحامل جواب لما معناه كنا نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به وفي
رواية لمسلم كنا نحامل على ظهورنا معناه نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك
الأجرة أو نتصدق بها كلها ( فإن قلت ) نحامل من باب المفاعلة وهي لا تكون إلا بين
اثنين ( قلت ) قد يجيء هذا الباب بمعنى فعل كما في قوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة
أي أسرعوا ونحامل كذلك بمعنى نحمل وقال صاحب التلويح قوله نحامل كان ابن سيده
تحامل في الأمر تكلفه على مشقة وإعياء وتحامل عليه كلفه ما لا يطيق وفيه نظر لأن
هذا المعنى لا يناسب ههنا وفيه التحريض على الاعتناء بالصدقة وأنه إذا لم يكن له
مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة قوله
فجاء رجل فتصدق بشيء كثير هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه والشيء الكثير
كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف وفي أسباب النزول للواحدي حث رسول الله على الصدقة
فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم شطر ماله يومئذ وتصدق يومئذ عاصم بن عدي
بن عجلان بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فلمزهم المنافقون فنزلت هذه
الآية الذين يلمزون المطوعين وقال السهيلي في كتابه التعريف والإعلام أبو عقيل
اسمه حبحاب أحد بني أنيف وقيل الملموز رفاعة بن سهيل وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد
حدثنا الجريري عن أبي السليل قال وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع فقال حدثني أبي
أو عمي أنه رأى رسول الله بالبقيع وهو يقول من تصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة
قال فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين وأنا أريد أن أتصدق بهما فأدركني ما يدرك ابن
آدم فعقدت على عمامتي فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلا أشد سوادا منه ببعير ساقه لم أر
بالبقيع ناقة أحسن منها
(8/276)
فقال يا رسول الله أصدقة قال
نعم قال دونك هذه الناقة قال فلمزه رجل فقال هذا يتصدق بهذه فوالله لهي خير منه
قال فسمعها رسول الله فقال كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرات ثم قال ويل لأصحاب
المئين من الإبل ثلاثا قالوا ألا من يا رسول الله قال ألا من قال بالمال هكذا
وهكذا وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شماله ثم قال قد أفلح المزهد المجهد ثلاثاء
المزهد في العيش والمجهد في العبادة وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه
الآية قال جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله وجاء رجل من
الأنصار بصاع من طعام فقال بعض المنافقين والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا
رياء وقال إن الله ورسوله لغنيان عن هذا الصاع وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا
زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة حدثني خالد بن يسار عن ابن أبي عقيل عن أبيه قال
بت أجر الجريد على ظهري على صاعين من تمر فانقلبت بإحداهما إلى أهلي يبلغون به
وجئت بالآخر أتقرب إلى رسول الله وأتيت رسول الله فأخبرته فقال انثره في الصدقة
قال فسخر القوم وقال لقد كان الله غنيا عن صدقة هذا المسكين فأنزل الله الذين
يلمزون المطوعين الآية قوله وجاء رجل هو أبو عقيل بفتح العين وقد ذكرنا اسمه آنفا
قوله فنزلت الذين يلمزون من اللمز يقال لمزه يلمزه ويلمزه إذا عابه وكذلك همزه
يهمزه ومحل الذين يلمزون نصب بالذم أو رفع على الذم أو جر بدلا من الضمير في (
سرهم ونجواهم ) قوله المطوعين أصله المتطوعين فأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في
الطاء أي المتبرعين وزعم أبو إسحق أن الرواية عن ثعلب بتخفيف الطاء وتشديد الواو
وقال هذا غير جيد والصحيح تشديدها وأنكر ذلك ثعلب عليه وقال إنما هو بالتشديد قوله
والذين لا يجدون إلا جهدهم قال أهل اللغة الجهد بالضم الطاقة والجهد بالنصب المشقة
وقال الشعبي الجهد هو القدرة والجهد في العمل وتمام الآية قوله فيسخرون منهم سخر
الله منهم ولهم عذاب أليم أي يستهزؤن بهم سخر الله منهم يعني يجازيهم جزاء سخريتهم
وهذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين لأن الجزاء من جنس
العمل ولهم عذاب أليم يعني وجيع دائم
6141 - حدثنا ( سعيد بن يحيى ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن
( أبي مسعود الأنصاري ) رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله إذا أمرنا بالصدقة
انطلق أحدنا إلى السوق فتحامل فيصيب المد وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف
مطابقته للترجمة في قوله إذا أمرنا بالصدقة والترجمة فيها الأمر بالصدقة
ورجاله سعيد بن يحيى بن سعيد أبو عثمان البغدادي وأبوه يحيى بن سعيد بن أبان بن
سعيد بن العاص والأعمش سليمان وشقيق أبو وائل وقد تقدم عن قريب وقد ذكرنا عند
الحديث السابق أن البخاري أخرج هذا الحديث في مواضع
قوله فتحامل على وزن تفاعل صيغة ماض وقد ذكرنا معناه عن قريب ويروى يحامل على لفظ
المضارع من المفاعلة والأول من التفاعل فافهم قوله المد بضم الميم وتشديد الدال
وهو رطل وثلث سمي به لأنه ملىء كفي الإنسان إذا مدهما قوله وإن لبعضهم اليوم لمائة
ألف لفظ مائة اسم إن وخبره قوله لبعضهم واليوم ظرف ومميز الألف الدرهم أو الدينار
أو المد قال التيمي والمقصود وصف شدة الزمان في أيام رسول الله وكثرة الفتوح
والأموال في أيام الصحابة رضي الله تعالى عنهم
7141 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت (
عبد الله بن معقل ) قال سمعت ( عدي بن حاتم ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول
الله يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة
الترجمة هي عين الحديث ولا مطابقة أكثر من هذا
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سليمان بن حرب أبو أيوب الواشجي وواشج حي من الإزد
الثاني شعبة بن الحجاج الثالث أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الرابع عبد الله
بن مغفل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وباللام أبو الوليد المزني
الخامس عدي بن حاتم الطائي
(8/277)
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث
بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع في ثلاثة مواضع وفيه
القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه بصري قاضي مكة وشعبة واسطي وأبو إسحاق وعبد
الله كوفيان
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الزكاة عن عوف بن سلام الكوفي عن زهير بن معاوية عن
أبي إسحاق وفي الباب عن فضالة عن عبيد مرفوعا اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو
بشق تمرة رواه الطبراني وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا بإسناد صحيح ليتق
أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة رواه أحمد وعن عائشة رضي الله تعالى عنها بإسناد
حسن يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان
رواه أحمد أيضا وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه نحوه وأتم منه بلفظ تقع من
الجائع موقعها من الشبعان رواه أبو يعلى الموصلي وعن أنس يرفعه افتدوا من النار
ولو بشق تمرة رواه ابن خزيمة وعن ابن عباس يرفعه اتقوا النار ولو بشق تمرة رواه
ابن خزيمة أيضا وعن أبي هريرة مثله بإسناد جيد رواه ابن أبي الدنيا في ( فضل
الصدقة )
8141 - حدثنا ( بشر بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( معمر ) عن (
الزهري ) قال حدثني ( عبد الله بن أبي بكر بن حزم ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي
الله تعالى عنها قالت دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة
فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي علينا
فأخبرته فقال من ابتلي من هاذه البنات بشيء كن له سترا من النار
( الحديث 8141 - طرفه في 5995 )
مطابقته للترجمة في قوله فقسمتها بين ابنتيها أي لما قسمت التمرة بينهما صار لكل
واحدة منهما شق تمرة فدخلت الأم في عموم قوله من ابتلي إلى آخره لأنها ممن ابتلي
بشيء من البنات وأما مناسبة فعل عائشة رضي الله تعالى عنها للترجمة ففي قوله
والقليل من الصدقة فإنه من الترجمة أيضا
ذكر رجاله وهم سبعة ذكروا كلهم وبشر بكسر الباء الموحدة تقدم في كتاب الوحي وعبد
الله هو ابن المبارك ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم وعبد
الله بن أبي بكر بن حزم مر في باب الوضوء مرتين وعروة هو ابن الزبير وفيه التحديث
بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في
موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع
( ذكر تعدد موضعه و من أخرجه غيره ) أخرجه البخاري في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب
وأخرجه مسلم في الأدب عن عبد الله بن عبد الرحمان الدارمي وأبي بكر بن إسحاق
الصغاني وعن محمد بن عبد الله بن فهزاد وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن محمد بن
عبد الله عن ابن المبارك وقال حسن صحيح
( ذكر معناه ) قوله لها في محل الرفع لأنها صفة لقوله ابنتان أي ابنتان كائنتان
لها قوله تسأل جملة في محل النصب على الحال من الأحوال المقدرة قوله من هذه البنات
الظاهر أنها إشارة إلى أمثال المذكورات من أصحاب الفقر والفاقة ويحتمل أن يراد به
الأشارة إلى جنس البنات مطلقا وإنما قال سترا ولم أستارا ولم يقل أستارا لأن
المراد الجنس فيتناول القليل والكثير وقوله بشيء أي أحوال البنات أو من نفس البنات
أي من ابتلى منهن بأمر من أمورهن أو من ابتلى ببنت منهن سماه ابتلاء لموضع الكراهة
لهن كما أخبر الله تعالى وفيه حض على الصدقة بالقليل وإعطاء عائشة التمرة لئلا ترد
السائل خائبا وهي تجد شيئا وروى أنها أعطت سائلا جبة عنب فجعل يتعجب فقالت كما ترى
فيها مثقال ذرة ومثله قوله لأبي تميمة الهجيمي لا تحقرن شيئا من المعروف ولو أن
تضع في دلوك في إناء المستسقى وفيه قسمة المرأة التمرة بين ابنتيها لما جعل الله
في قلوب الإمهات من الرحمة وفيه أن النفقة على البنات والسعي عليهن من أفضل أعمال
البر المنجية من النار وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها من أجود الناس أعطت في
كفارة يمين أربعين رقبة وقيل فعلت ذلك
(8/278)
في نذر مبهم وكانت ترى أنها لم
توف مما يلزمها فيه وأعانت المنكدر في كتابته بعشرة آلاف درهم
11 -
( باب أي الصدقة أفضل وصدقة الشحيح الصحيح )
أي باب يذكر فيه أي الصدقة من الصدقات أفضل وأعظم أجرا هكذا هو الترجمة في رواية
الأكثرين وفي رواية أبي ذر باب فضل صدقة الشحيح الصحيح قوله وصدقة الشحيح بالرفع
عطف على ما قبله من المقدر تقديره وفضل صدقة الشحيح ولم يتردد فيه لأن فضل صدقة
الشحيح الصحيح على غيره ظاهر لأن فيه مجاهدة النفس على إخراج المال الذي هو شقيق
الروح مع قيام مانع الشح وليس هذا إلا من قوة الرغبة في القربة وصحة العقد فكان
أفضل من غيره وتردد في الأول بكلمة أي التي هي للاستفهام لأن إطلالاق الأفضلية فيه
موضع التردد قوله الشحيح صفة مشبهة من الشح قال ابن سيده والشح والشح والشح البخل
والضم أعلى وقد شححت تشح وتشح وشححت تشح ورجل شحيح وشحاح من قوم أشحة وأشحاء
ومشحاح ونفس شحة شحيحة وعن ابن الأعرابي وشاحوا في الأمر وعليه وفي ( الجامع ) حكى
قوم الشح والشح وأرى أن يكون الفتح في المصدر والضم في الإسم وجمعه في أقل العدد
أشحة ولم أسمع غيره وفي ( المنتهى ) لأبي المعاني الشح بخل مع حرص وقال أبو إسحاق
الحربي في كتابه ( غريب الحديث ) للشح ثلاثة وجوه الأول أن تأخذ مال أخيك بغير حقه
قال رجل لابن مسعود ما أعطي ما أقدر على منعه قال ذاك البخل والشح أن تأخذ مال
أخيك بغير حق الثاني ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال الشح منع الزكاة وإدخار
الحرام الثالث ما روي أن تصدق وأنت صحيح شحيح قال والذي يبرىء من الوجوه الثلاثة
ما روى برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف واعطى في النائبة وفي ( المغيث الشح
أبلغ في المنع من البخل والبخل في أفراد الأمور وخواص الأشياء والشح بالماء
والمعروف وقيل الشحيح البخيل مع التحرص وفي ( مجمع الغرائب ) الشح المطاع هو البخل
الشديد الذي يملك صاحبه بحيث لا يمكنه أن يخالف نفسه فيه
لقوله وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ( المنافقون 01 ) الآية
علل الترجمة بهذه الآية الكريمة لأن معناها التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا
لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل والترجمة في فضل صدقة الصحيح الشحيح لأن فيها
مجاهدة النفس على الأنفاق خوفا من هجوم الأجل مع قيام المانع وهو الشح فلذلك كانت
صدقته أفضل من صدقة غيره وهذا هو وجه المطابقة بين الترجمة والآية والآية الكريمة
في سورة المنافقين ومعنى انفقوا ( المنافقون 01 ) تصدقوا مما رزقكم الله من
الأموال من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب (
المنافقون 01 ) يعني يقول يا سيدي ردني إلى الدنيا فأصدق يعني فأتصدق ويقال أصدق
بالله وأكن من الصالحين ( المنافقون 01 ) يعني أفعل ما فعل المصدقون وروى الضحاك
عن ابن عباس أنه قال من كان له مال تجب فيه الزكاة فلم يزكه أو مال يبلغه بيت ربه
فلم يحج سأل عند الموت الرجعة قال فقال رجل اتق الله يا ابن عباس إنما سألت الكفار
الرجعة قال ابن عباس إني أقرأ عليك بهذا القرآن
وقوله يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه
الآية
وقوله بالجر عطف على لقوله وهذه الآية الكريمة في سورة البقرة وهذه متأخرة عن
الآية الأولى في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر بالعكس وقد أمر الله تعالى هنا
أيضا بالإنفاق مما رزقهم الله في سبيلة ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم فعليهم المبادرة
إلى ذلك من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه أي لا بدل فيه وذكر لفظ البيع لما فيه من
المعاوضة وأخذ البدل ولا خلة أي ليس خليل ينفع في ذلك اليوم ولا شفاعة للكافرين
والكافرون هم الظالمون لأنهم وضعوا العبادة في غير
(8/279)
موضعها وعولوا على شفاعة
الأصنام وروى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه قال الحمد لله الذي قال والكافرون
هم الظالمون ولم يقل والظالمون هم الكافرون
9141 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا عمارة بن القعقاع
قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي
فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر
وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان
لفلان
( الحديث 9141 - طرفه في 8472 )
مطابقته للترجمة في قوله أن تصدق وأنت صحيح شحيح فالصدقة في هذه الحالة أعظم أجرا
لأن هذا القول من النبي في جواب السائل أي الصدقة أعظم أجرا فإذا كانت هذه الصدقة
أعظم أجرا كانت أفضل من غيرها
ذكر رجاله وهم خمسة الأول ( موسى بن إسماعيل ) أبو سلمة المنقري وقد مر غير مرة
الثاني ( عبد الواحد ) ابن زياد أبو بشر الثالث عمارة بضم العين المهملة وتخفيف
الميم ابن القعقاع بالقافين المفتوحتين والعينين المهملتين ابن شبرمة الرابع ( أبو
زرعة ) بضم الزاي وسكون الراء قيل إسمه هرم وقيل عبد الرحمن وقيل عمرو وقد مر في
باب الجهاد من الإيمان الخامس ( أبو هريرة )
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في الإسناد كله وإلى هنا ما وقع في
الكتاب نظير هذا وفيه القول في موضع واحد وفيه أحد الرواة مذكور بغير نسبة والآخر
مذكور بكنيته وفيه أن شيخه وشيخ شيخه بصريان وعمارة وأبو زرعة كوفيان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن محمد بن العلاء
عن أبي أسامة عن سفيان وأخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب وعن أبي بكر بن أبي
شيبة وابن نمير وعن أبي كامل عن عبد الواحد وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن حرب وفي
الزكاة عن محمود بن غيلان
ذكر معناه قوله جاء رجل قيل يحتمل أن يكون أبا ذر لأنه في مسند أحمد سأل أي الصدقة
أفضل وكذا روى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أبا ذر سأل لكن جوابه جهد من مقل أو
سرى إلى فقير قوله قال أن تصدق بتشديد الصاد وأصله أن تتصدق من باب التفعل فأبدلت
إحدى التاءين صادا وأدغمت الصاد في الصاد ويجوز تخفيف الصاد بحذف إحدى التاءين
والمتصدق هو الذي يعطي الصدقة وأما المصدق فهو الذي يأخذ الصدقة من التصديق من باب
التفعيل فإن قلت ما محل أن تصدق من الإعراب قلت مرفوع على الخبرية والمبتدأ محذوف
تقديره أعظم الصدقة أجرا أن تصدق أي بأن تصدق قوله وأنت صحيح جملة إسمية وقعت حالا
قوله شحيح خبر بعد خبر قوله تخشى الفقر جملة فعلية وقعت حالا قوله وتأمل الغنى عطف
على ما قبله وتأمل بضم الميم أي تطمع بالغنى والصدقة في هاتين الحالتين أشد مراغمة
للنفس قوله ولا تمهل بفتح اللام من الإمهال وهو التأخير تقديره وأن لا تمهل لأنه
معطوف على قوله أن تصدق ويروى بسكون اللام على صورة النهي قوله حتى إذا بلغت
الحلقوم كلمة حتى للغاية والضمير في بلغت يرجع إلى الروح بدلالة سياق الكلام عليه
والمراد منه قاربت البلوغ إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا شيء من تصرفاته
والحلقوم هو الحلق وفي ( المخصص ) عن أبي عبيدة هو مجرى النفس والسعال من الجوف
وهو أطباق غراضيف ليس دونه من ظاهر باطن العضو إلا جلد وطرفه الأسفل في الرئة
والأعلى في أصل عقدة اللسان ومنه مخرج البصاق والصوت وفي ( المحكم ) ذكر الحلقوم
في باب حلق بحذف زائدته وهما الواو والميم وقال الحلقوم كالحلق فعلوم عند الخليل
وفعلول عند غيره قوله لفلان كناية عن الموصى له وقوله كذا كناية عن الموصى به
وحاصل المعنى أفضل الصدقة أن تتصدق حال حياتك وصحتك مع احتياجك إليه واختصاصك به
لا في حال سقمك وسياق موتك لأن المال حينئذ خرج عنك وتعلق بغيرك ويشهد لهذا
التأويل حديث أبي سعيد لأن يتصدق المرء في حال حياته بدرهم خير له من أن يتصدق
بمائة عند موته وقال الخطابي فيه دليل على أن
(8/280)
المرض يقصر يد المالك عن بعض
ملكه وإن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل ولذلك شرط أن يكون صحيح
البدن شحيحا بالمال يجد له وقعا في قلبه لما يأمله من طول العمر ويخاف من حدوث
الفقر قال والإسمان الأولان كناية عن الموصى له والثالث عن الوارث يريد أنه إذا
صار للوارث فإنه إن شاء أبطله ولم يجزه وقال الكرماني ويحتمل أن يكون كناية عن
المورث أي خرج عن تصرفه وكمال ملكه واستقلاله بما شاء من التصرفات فليس له في
وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان كامل التصرف فإن قلت في قوله كناية عن المورث
نظر لا يخفى وروى أبو الدرداء أن رسول الله قال مثل الذي يعتق عند الموت كالذي
يهدي إذا شبع ولما بلغ ميمون بن مهران أن رقية امرأة هشام ماتت واعتقت كل مملوك
لها قال يعصون الله في أموالهم مرتين يبخلون بما في أيديهم فإذا صارت لغيرهم
أسرفوا فيها قوله وقد كان لفلان يريد به الوارث كما قاله الخطابي آنفا فإنه إذا
شاء لم يجزه قيل لعله إذا جاوزت الوصية الثلث أو كانت لوارث وقبل سبق القضاء به
للموصى له
( باب )
أي هذا باب كذا وقع في رواية الأكثرين وسقط هذا في رواية أبي ذر فعلى روايته يكون
هذا من ترجمة الباب السابق وعلى رواية غيره يكون قوله باب كالفصل من الباب لأن دأب
المصنفين جرى بذكر لفظ كتاب في كذا ثم يذكرون فيه أبوابا ثم يذكرون في كل باب
فصولا
0241 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن
عائشة رضي الله تعالى عنها أن بعض أزواج النبي قلن لللنبي أينا بك لحوقا قال
أطولكن يدا فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا فعلمنا بعد أنما كانت طول
يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة
وجه تعلق هذا الحديث بما قبله من حيث إنه يبين أن المراد بطول اليد المقتضي للحاق
به الطول بالفتح وذلك لا يأتي إلا من الصحيح لأنه لا يحصل إلا بالمداومة في حال
الصحة
ذكر رجاله وهم ستة الأول ( موسى بن إسماعيل ) المنقري وقد مضى عن قريب الثاني (
أبو عوانة ) بفتح العين المهملة واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الثالث ( فراس )
بكسر الفاء وتخفيف الراء وفي آخره سين مهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة
والراء والفاء المكتب الرابع عامر بن شراحيل ( الشعبي ) الخامس ( مسروق ) بن
الأجدع السادس ( عائشة ) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع
وفيه أن شيخه بصري وأبو عوانة واسطي وفراس والشعبي ومسروق كوفيون وفيه رواية
التابعي عن التابعي عن الصحابية وفيه أن أحد الرواة مذكور بكنيته والآخر بنسبته
والآخر مجرد
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الزكاة عن أبي داود الحراني عن يحيى بن حماد عن أبي
عوانة عن فراس عن الشعبي به
ذكر معناه قوله أن بعض أزواج النبي قلن بصيغة جمع المؤنث وعند ابن حبان من طريق
يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد قالت فقلت وأخرجه النسائي في هذا الوجه
بلفظ فقلن بصيغة الجمع قوله أينا إنما لم يقل أيتنا بتاء التأنيث لأن سيبويه يشبه
تأنيث أي بتأنيث كل في قولهم كلتهن يعني ليس بفصيحة ذكره الزمخشري في سورة لقمان
قوله لحوقا نصب على التمييز أي من حيث اللحوق بك قوله أطولكن مرفوع يجوز أن يكون
مبتدأ ويجوز أن يكون خبرا أما الأول فتقديره أطولكن يدا أسرع بي لحوقا وأما الثاني
فتقديره أسرع بي لحوقا أطولكن يدا ويدا نصب على التمييز وإنما لم يقل طولا كن بلفظ
فعلى لأن القياس هذا لأن في مثله يجوز الإفراد والمطابقة لمن أفعل التفضيل
(8/281)
له قوله يذرعونها أي يقدرونها
بذراع كل واحدة منهن وإنما ذكر بلفظ جمع المذكر والقياس ذكر لفظ جمع المؤنث
اعتبارا لمعنى الجمع أو عدل إليه كقول الشاعر
( وإن شئت حرمت النساء سواكم )
ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما قوله فكانت سودة بفتح السين المهملة وفي رواية ابن
سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد سودة بنت زمعة القرشية العامرية تزوجها
رسول الله بعد خديجة رضي الله تعالى عنها على المشهور قوله بعد مبني على الضم أي
بعد ذلك يعني بعد موت أول نسائه قوله إنما بالفتح لأنه في محل مفعول علمنا قوله
طول يدها هو كلام إضافي منصوب لأنه خبر كانت والصدقة مرفوع لأنه اسم كانت قوله
وكانت أسرعنا لحوقا به أي بالنبي والضمير في كانت بحسب الظاهر ويرجع إلى سودة وقد
صرح به البخاري في ( تاريخه الصغير ) في روايته عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد
فكانت سودة أسرعنا إلى آخره وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق العباس الدوري
عن موسى بن إسماعيل وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد عنه وقال ابن سعد قال
لنا محمد بن عمر يعني الواقدي هذا الحديث وهم في سودة وإنما هو في زينب بنت جحش
رضي الله تعالى عنها فهي أول نسائه به لحوقا وتوفيت في خلافة عمر رضي الله تعالى
عنه وبقيت سودة إلى أن توفت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين وفي (
التلويح ) هذا الحديث غلط من بعض الرواة والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا
من بعده من أصحاب التعاليق حتى إن بعضه فسره بأن لحوق سودة من أعلام النبوة وكل
ذلك وهم وإنما هي زينب بنت جحش فإنها كانت أطولهن يدا بالمعروف وتوفيت سنة عشرين
وهي أول الزوجات وفاة وسودة توفيت سنة أربع وخمسين وقد ذكر مسلم ذلك على الصحة من
حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت وكانت زينب أطولنا يدا لأنها كانت تعمل وتتصدق
قلت أخذ صاحب ( التلويح ) هذا كله من كلام ابن الجوزي وقوله حتى إن بعضهم المراد
به الخطابي وذكر صاحب ( التلويح ) أيضا فقال يحتمل أن تكون رواية البخاري لها وجه
وهو أن يكون خطابه لمن كان حاضرا عنده إذ ذاك من الزوجات وأن سودة وعائشة كانتا
ثمة وزينب غائبة لم تكن حاضرة قلت هذا من كلام الطيبي فإنه قال يمكن أن يقال فيما
رواه البخاري المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب فكانت سودة أولهن موتا قلت يرد
ما قاله ما رواه ابن حبان من رواية يحيى بن حماد أن نساء النبي اجتمعن عنده لم
تغادر منهن واحدة ويمكن أن يأتي هذا على أحد القولين في وفاة سودة فقد روى البخاري
في ( تاريخه ) بإسناد صحيح إلى سعيد بن أبي هلال أنه قال ماتت سودة في خلافة عمر
رضي الله تعالى عنه وجزم الذهبي في ( التاريخ الكبير ) بأنها ماتت في أخر خلافة
عمر رضي الله تعالى عنه وقال ابن سيد الناس إنه المشهور وأما على قول الواقدي الذي
تقدم ذكره فلا يصح وقال ابن بطال هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير
على أن زينب أول من مات من أزواج النبي قلت مراده أن الصواب وكانت زينب أسرعنا
لحوقا به وقال بعضهم يعكر على هذا التأويل الروايات المصرح فيها بأن الضمير لسودة
قلت ابن بطال لم يؤول ولا يقال لمثل هذا تأويل وأراد بالروايات ما ذكرناه من
البخاري الذي ذكره في ( تاريخه ) والبيهقي وأحمد وكل هذه الروايات لا تعارض قول من
قال مات بعد رسول الله من أزواجه زينب لا سودة وقال النووي أجمع أهل السير أن زينب
أول نساء رسول الله موتا بعده ويؤيد ذلك ما رواه يونس بن بكير في ( زيادة المغازي
) والبيهقي في ( الدلائل ) بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح
بأن ذلك لزينب ولكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة ولفظه قلن
النسوة لرسول الله أينا أسرع بك لحوقا قال أطولكن يدا فأخذن يتذارعن أيتهن أطول
يدا فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة ويؤيده أيضا ما
رواه الحاكم في المناقب من ( مستدركه ) من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة
قالت قال رسول الله لأزواجه أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت عائشة فكنا إذا
اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل
نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت
(8/282)
امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا
فعرفنا حينئذ أن النبي إنما أراد بطول اليد الصدقة وكانت زينب امرأة صناع باليد
فكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله قال الحاكم على شرط مسلم وهذه رواية مفسرة
مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب وقال الكرماني لا يخلو أن يقال إما
أن في الحديث اختصارا وتلفيقا يعني اختصر البخاري القصة ونقل القطعة الأخيرة من
حديث فيه ذكر زينب فالضمائر راجعة إليها وإما أنه اكتفى بشهرة الحكاية وعلم أهل
هذا الشأن بأن الأسرع لحوقا هي زينب فتعود الضمائر إلى من هي مفردة في أذهانهم وإن
أن يؤول الكلام بأن الضمير راجع إلى المرأة التي هي علم رسول الله لحوقها به أولا
وعلمنا بعد ذلك أنها هي التي طول صدقة يديها والحال أنها كانت أسرع لحوقا به وكانت
محبة للصدقة قلت هذا الذي قاله الكرماني ليس بسديد لا من جهة التوفيق بين الأخبار
ولا من جهة ما يقتضيه تركيب الكلام بل كلامه بعيد جدا من هذا الوجه وقال الطيبي
قوله فعلمنا بعد يعني فهمنا من قوله أطولكن يدا ابتداء ظاهره فأخذنا لذلك قصبة
نذرع بها يدا يدا لننظر أينا أطول يدا فلما فطنا محبتها الصدقة وعلمنا أنه لم يرد
باليد العضو وبالطول طولها بل أراد العطاء وكثرته أجريناه على الصدقة فاليد ههنا
استعادة للصدقة والطول ترشيح لها لأنه ملائم للمستعار منه ولو قيل أكبركن لكان
تجريدا لها وقيل وجه الجمع أن في قولها فعلمنا بعد إشعار بأنهن حملن طول اليد على
ظاهره ثم علمن بعد ذلك خلا ما اعتقدن أولا وقد انحصر الثاني في زينب للاتفاق على
أنها آخرهن موتا فتعين أن تكون هي المرادة وكذلك بقية الضمائر بعد قوله فكانت
واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك انتهى وقال بعضهم وكأن هذا هو السر في كون
البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لما أخرجه في ( الصحيح ) لعلمه بالوهم فيه
وأنه ساقه في التاريخ ( بإثبات ذكرها انتهى ) قلت قول القائل الأول فتعين أن تكون
هي المرادة إلى آخره غير مسلم فمن أين التعيين من التركيب على أن زينب هي المرادة
وكيف تقول وكذلك بقية الضمائر بعد قوله فكانت واستغنى عن تسميتها أي عن تسمية زينب
لشهرتها بذلك والمذكور فيه بالتصريح سودة ولا يبادر الذهن إلا إلى أن الضمير في
فكانت يرجع إلى سودة بمقتضى حق التركيب وهذا الذي قاله خلاف ما يقتضيه حق التركيب
وقول بعضهم وكان هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة إلى آخره كلام تمجه
الأسماع لأنه كيف يحذف لفظ سودة في ( الصحيح ) بالوهم ويثبته في ( التاريخ ) وكان
اللائق به أن يكون الأمر بالعكس
ذكر ما يستفاد منه فيه أن من حمل الكلام على ظاهره وحقيقته لم يلم وإن كان مراد
المتكلم مجازه لأن نسوة النبي حملن طول اليد على الحقيقة فلم ينكر عليهن فإن قلت
روى الطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله تعالى عنها أن النبي
قال لهن ليس ذلك أعني إنما أعني أصنعكن يدا قلت هذا حديث ضعيف جدا ولو كان ثابتا
لم يحتجن بعد النبي إلى ذرع أيديهن كما مر في رواية عمرة عن عائشة وفيه دلالة على
أن الحكم للمعاني لا للألفاظ لأن النسوة فهمن من طول اليد الجارحة وإنما المراد
بالطول كثرة الصدقة قاله المهلب ولكنه غير مطرد في جميع الأحوال وفيه علم من أعلام
النبوة ظاهر وفيه أنه لما كان السؤال عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بالوحي أجابهن
بلفظ غير صريح وأحالهن على ما لا يتبين إلا بآخره وساغ ذلك لكونه ليس من الأحكام
التكليفية وفيه على ما قاله بعضهم جواز إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز
بغير قرينة إذا لم يكن هناك محذور قلت ليت شعري ما اللفظ المشترك هنا حتى يجوز
إطلاقه بين الحقيقة والمجاز فإن كان مراده لفظ الطول فهو غير مشترك بل هو ترشيح
الإستعادة وإن كان مراده لفظ اليد فهو ليس بمشترك هنا بل هو استعارة للصدقة على ما
ذكرنا
21 -
( باب صدقة العلانية )
أي هذا باب في ذكر صدقة العلانية ولم يذكر فيه شيئا من الحديث لأن الظاهر أنه لم
يجد حديثا فيه على شرطه واكتفى بالآية
وقوله الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية إلى قوله ولا هم يحزنون (
البقرة 472 )
(8/283)
وقوله بالجر عطف على قوله صدقة
العلانية وهو أيضا من الترجمة وقد سقطت في رواية المستملي وثبتت لغيره وقد اختلفوا
في سبب نزول هذه الآية الكريمة فذكر الواحدي أنها نزلت في أصحاب الخيل وهو قول أبي
أمامة وأبي الدرداء ومكحول والأوزاعي عن رباح ورواه ابن غريب عن أبيه عن جده
مرفوعا قلت روى ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة أنها نزلت في أصحاب الخيل الذين
يربطونها في سبيل الله وقال مجاهد والكلبي وابن عباس نزلت في علي بن أبي طالب كان
عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية
واحدا زاد الكلبي فقال له رسول الله ما حملك على هذا قال حملني أن أستوجب على الله
تعالى الذي وعدني فقال رسول الله ألا إن ذلك لك فأنزل الله هذه الآية ورواه عبد
الرزاق أيضا بإسناد فيه ضعف إلى ابن عباس ورواه أيضا ابن جرير من طريق عبد الوهاب
بن مجاهد عن أبيه نحوه ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس وفي ( الكشاف )
نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه إذا أنفق أربعين ألف دينار وعشرة الألف سرا
وعشرة آلاف جهرا وعشرة آلاف ليلا وعشرة آلاف نهارا وقال الطبري قال آخرون عنى
بالآية قوما أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير وقال قتادة نزلت فيمن
أنفق ماله في سبيل الله لقوله إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال
بالمال هكذا وهكذا عن يمينه وشماله وقليل ما هم هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله في
غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد قوله إلى قوله ولا هم يحزنون ( البقرة 472 )
أراد تمام الآية وهو قوله تعالى فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
( البقرة 472 ) أي لهم أجرهم يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات فلا
خوف عليهم عند الموت ولا هم يحزنون يوم القيامة
31 -
( باب صدقة السر )
أي هذا باب في ذكر صدقة السر ولم يذكر في هذا الباب إلا الحديث المعلق والآية
الكريمة
وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم
شماله ما صنعت يمينه
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله فأخفاها أي الصدقة وهي صدقة السر وهذا المعلق ذكره
موصولا في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة عن محمد بن بشار عن يحيى عن عبيد
الله عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي قال سبعة يظلهم
الله في ظله الحديث وهذا المعلق قطعة منه ولكن لفظه هناك ورجل تصدق بصدقة وأخفى
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وذكره أيضا بتمامه في الباب الثالث بعد هذا الباب
وهو باب الصدقة باليمين على ما يأتي إن شاء الله تعالى قوله ورجل عطف على ما قبله
في الحديث المذكور
وقال الله تعالى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ( البقرة 172 )
مطابقة هذه الآية الكريمة للترجمة ظاهرة وأولها إن تبدوا الصدقات فنعما هي (
البقرة 172 ) أي إن أظهرتموا الصدقة فنعم شيء هي وقيل فنعمت الخصلة هي نزلت لما
سألوا النبي صدقة السر أفضل أم الجهل قال الطبري وروي عن ابن عباس أن قوله تعالى
إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( البقرة 172 ) إلى قوله تعالى ولا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ( البقرة 472 ) كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة فلما نزلت براءة بفرائض
الصدقات أقربت الصدقات إليها وعن قتادة إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها (
البقرة 172 ) كل مقبول إذا كانت النية صادقة وصدقة السر أفضل وذكر لنا أن الصدقة
تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار وقاله أيضا الربيع وعن ابن عباس جعل الله
صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها
تفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها
وقال سفيان هو سوى الزكاة وقال آخرون إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله إن تبدوا
الصدقات ( البقرة 172 ) يعني على أهل الكتابين من اليهود والنصارى فنعما
(8/284)
هي وإن تخفوها وتؤتوها فقراءهم
فهو خير لكم قالوا فأما من أعطى فقراء المسلمين من زكاة وصدقة وتطوع فإخفاؤه أفضل
ذكر ذلك يزيد بن أبي حبيب ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض
أفضل من الإخفاء وصدقة التطوع على العكس من ذلك ونقل أبو إسحاق الزجاج أن إخفاء
الزكاة في زمن النبي كان أفضل فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها فلهذا كان إظهار
الزكاة المفروضة أفضل وقال أبو عطية ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض
أفضل فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء قوله إن تبدوا ( البقرة 172 )
قال الزجاج يعني تظهروا يقال بدا يبدو إذا ظهر وأبديته إبداء إذا أظهرته وبدا لي
بداء إذا تغير رأيه عما كان عليه قوله فنعما هي ( البقرة 172 ) فيه قراآت موضعها
في محلها قوله وإن تخفوها ( البقرة 172 ) من الإخفاء يقال أخفيت الشيء إخفاء إذا
سترته وخفي الشيء خفاء إذا استتر وخفيته أخفيه خفيا إذا أظهرته وأهل المدينة يسمون
النباش المختفي وفي تفسير ابن كثير قوله وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء ( البقرة 172
) فيه دليل على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها لأنه أبعد عن الرياء إلا أن يتربت
على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية والإسرار
أفضل لهذه الآية ولما ثبت في ( الصحيح ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله سبعة
يظلهم الله الحديث وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن
سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي قال لما خلق الله الأرض جعلت تميد
فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجب الملائكة من خلق الجبال فقالت يا رب فهل
من خلقك شيء أشد من الجبال فقال نعم الحديد قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من
الحديد قال نعم النار قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار قال نعم الماء قالت
يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد
من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله وقال ابن أبي حاتم حدثنا
أبي قال حدثنا الحسين بن زياد المحاربي مؤذن محارب أخبرنا موسى بن عمير عن عامر
الشعبي في قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو
خير لكم ( البقرة 172 ) قال أنزلت في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أما عمر
فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي فقال له النبي ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر قال
خلفت لهم نصف مالي وأما أبو بكر فجاء بماله كله فكاد أن يخفيه من نفسه حتى دفعه
إلى النبي فقال له النبي ما خلفت وراءك يا أبا بكر فقال عدة الله وعدة رسوله فبكى
عمر وقال بأبي أنت يا أبا بكر والله ما أسبقنا إلى باب خير قط ألا كنت سابقا وتمام
الآية المذكورة ونكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ( البقرة 172 ) أي
نكفر عنكم بدل الصدقات من سيئاتكم أي من ذنوبكم قرأ ابن عامر وعاصم من رواية حفص
يكفر بالياء وضم الراء وقرأ حمزة ونافع والكسائي ونكفر بالنون وجزم الراء وقرأ ابن
كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ونكفر بالنون وضم الراء والله بما تعملون
خبير ( البقرة 172 ) أي لا يخفى عليه شيء من ذلك وسيجزيكم عليه والله أعلم بحقيقة
الحال
41 -
( باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا تصدق رجل على شخص غني والحال أنه لم يعلم أنه غني يعني
ظنه فقيرا وجواب إذا مقدر أي فصدقته مقبولة وإن كانت وقعت في غير محلها لعدم
التقصير من جهته
25 - ( حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في
يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج
(8/285)
بصدقته فوضعها في يدي زانية
فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن
بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك
الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن
يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر
فينفق مما أعطاه الله )
مطابقته للترجمة من قوله فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ( فإن قلت ) المذكور في
الحديث ثلاثة أشياء فما وجه الترجمة في التصدق على الغني ( قلت ) التصدق على الغني
لا يجوز على كل حال حتى إذا أعطى زكاته لغني يظنه فقيرا ثم بان له أنه غني يعيد
زكاته عند البعض على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى وأما دفعها إلى سارق
فقيرا وإلى زانية فقيرة فهو جائز بلا خلاف
( ذكر رجاله ) وهم خمسة قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف الحكم
بن نافع الحمصي وشعيب بن حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون ذكوان والأعرج عبد
الرحمن بن هرمز
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار كذلك في موضع
وفيه العنعنة في موضعين وفي رواية مالك في الغرائب للدارقطني عن أبي الزناد أن عبد
الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة وفيه راويان مذكوران بكنيتهما والآخر
بلقبه والآخر مجردا عن نسبة فافهم والحديث أخرجه النسائي أيضا في الزكاة بالإسناد
وأخرجه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي
قال قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون
تصدق الليلة على زانية قال اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته
فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني قال اللهم لك الحمد على غني
لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال
اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فأتى فقيل له أما صدقتك فقد قبلت أما
الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ولعل
السارق يستعف بها عن سرقته
( ذكر معناه ) قوله قال رجل لم يعرف اسمه ووقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن
الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل قوله لأتصدقن في معرض القسم فلذلك
أكده باللام والنون المشددة كأنه قال والله لأتصدقن وهو من باب الالتزام كالنذر
قوله بصدقة وفي رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد لأتصدقن
الليلة وفي رواية مسلم لأتصدقن في الليلة بصدقة قوله فوضعها في يد سارق أي فوضع
صدقته في يد سارق من غير أن يعلم أنه سارق قوله فأصبحوا أي القوم الذين فيهم هذا
الرجل المتصدق قوله يتحدثون في محل النصب لأنه خبر أصبحوا الذي هو من الأفعال
الناقصة قوله تصدق على صيغة المجهول هذا إخبار في معنى التعجب والإنكار وفي رواية
أبي أمية تصدق الليلة على سارق وفي رواية ابن لهيعة تصدق على فلان السارق قوله
فقال اللهم لك الحمد أي على تصدقي على سارق هذا وارد إما إنكارا أو إما تعجبا أما
الإنكار فأن يجري الحمد على الشكر وذلك أنه لما جزم أن يتصدق على مستحق ليس بعده
بدلالة التنكير في صدقة أبرز كلامه في معرض القسمية تأكيدا وقطعا للقبول به فلما
جوزي بوضعه على يد سارق حمد الله بأنه لم يقدر على من هو أسوأ حالا من السارق وأما
التعجب فأن يجري الحمد على غير الشكر وأن يعظم الله تعالى عند رؤية العجب كما يقال
سبحان الله عند مشاهدة ما يتعجب منه وللتعظيم قرن به اللهم قوله لك الحمد على زانية
قال الطيبي لما قالوا تصدق على زانية تعجب هو أيضا من فعل نفسه وقال الحمد لله على
زانية أي أتصدق عليها فهو متعلق بمحذوف انتهى ( قلت ) معنى قوله على زانية متعلق
بمحذوف وهو قوله أتصدقت وليس هو متعلقا بقوله لك الحمد ولم يفهم معنى هذا بعضهم
حتى قال ولا يخفى بعد هذا وقال الكرماني ( فإن قلت ) ما معنى الحمد عليه وهو لا
يكون إلا على أمر جميل وما فائدة تقديم
(8/286)
لك ( قلت ) التقديم يفيد
الاختصاص أي لك الحمد لا لي على زانية حيث كان التصدق عليها بإرادتك لا بإرادتي
وإرادة الله تعالى كلها جميلة حتى إرادة الله الإنعام على الكفار قوله تصدق الليلة
على زانية على صيغة المجهول أيضا وكذلك لفظ تصدق الثالث قوله فأتى على صيغة
المجهول أي رأى في المنام أو سمع هاتفا ملكا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم
وقال ابن التين يحتمل أن يكون أخبره بذلك نبي زمانه أو أخبر في نومه وقال صاحب
التلويح لو رأى ما في مستخرج أبي نعيم لما احتاج إلى هذا التخرص وهو قوله فساءه
ذلك فأتى في منامه فقيل له إن الله عز و جل قد قبل صدقتك وفي رواية الطبراني أيضا
في مسند الشامين عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان بالإسناد المذكور فساءه ذلك
فأتى في منامه قوله أما صدقتك على سارق زاد أبو أمية فقد قبلت وفي رواية موسى بن
عقبة وابن لهيعة أما صدقتك فقد قبلت وفي رواية الطبراني إن الله قد قبل صدقتك قوله
لعله أن يستعف لعل من الله تعالى على معنى القطع والختم وأنه تارة يستعمل استعمال
عسى وتارة استعمال كاد قوله عن زناها قال ابن التين رويناه بالمد وعند أبي ذر
بالقصر وهي لغة أهل الحجاز والمد لأهل نجد
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه دلالة على أن الصدقة كانت عندهم في أيامهم مختصة بأهل
الحاجة من أهل الخير ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة وفيه دليل على أن
الله يجزي العبد على حسب نيته في الخير لأن هذا المتصدق لما قصد بصدقته وجه الله
تعالى قبلت منه ولم يضره وضعها عند من لا يستحقها وهذا في صدقة التطوع وأما الزكاة
فلا يجوز دفعها إلى الأغنياء وفيه اعتبار لمن تصدق عليه بأن يتحول عن الحال
المذمومة إلى الحال الممدوحة ويستعف السارق من سرقته والزانية من زناها والغني من
إمساكه وفيه فضل صدقة السر وفضل الإخلاص وفيه استحب إعادة الصدقة إذا لم تقع
الموقع وفيه أن الحكم للظاهر حتى يتبين خلافه وفيه التسليم والرضى وذم التضجر
بالقضاء وفيه ما يحتج به أبو حنيفة ومحمد فيما إذا أعطى زكاته لشخص وظنه فقيرا
فبان أنه غني سقطت عنه تلك الزكاة ولا تجب عليه الإعادة وحكي ذلك أيضا عن الحسن
البصري وإبراهيم النخعي وقال أبو يوسف والشافعي والحسن بن صالح لا يجزيه وعليه
الإعادة وهو قول الثوري لأنه لم يضع الصدقة موضعها وأخطأ في اجتهاده كما لو نسي
الماء في رحله وتيمم لصلاة لم يجزه فافهم ( فإن قيل ) هذا الخبر خاص وقع فيه
الاطلاع على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفق وقوعها فهل يتعدى هذا الحكم إلى غيره (
قيل له ) إن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف فيدل ذلك على التعدية فيقتضي
ارتباط القبول بهذه الأسباب
51 -
( باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا تصدق شخص على ابنه والحال أنه لا يشعر وجواب الشرط محذوف
تقديره جاز وإنما حذفه إما اختصارا وإما اكتفاء بما دل حديث الباب عليه وقيل إنما
حذفه لأنه يصير لعدم شعوده كالأجنبي
26 - ( حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو الجويرية أن معن بن
يزيد رضي الله عنه حدثه قال بايعت رسول الله أنا وأبي وجدي وخطب علي فأنكحني
وخاصمت إليه وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت
فأخذتها فأتيته بها فقال والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله فقال لك ما
نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن )
مطابقته للترجمة من حيث أن يزيد أعطى دنانير للرجل ليتصدق عنه ولم يحجر عليه فجاء
ابنه معن وأخذها من الرجل فكان يزيد هو السبب في وقوع صدقته في يد ابنه فكأنه تصدق
عليه وهو لا يشعر
( ذكر رجاله ) وهم أربعة الأول محمد بن
(8/287)
يوسف الفريابي وقد مر الثاني
إسرائيل بن يونس بن أبي إسحق السبيعي الثالث أبو الجويرة مصغر الجارية بالجيم
والراء حطان بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة وبالنون ابن جفاف بضم الجيم
وتخفيف الفاء الأولى الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء الرابع معن بفتح الميم وسكون
العين المهملة ابن يزيد من الزيادة السلمي بضم السين المهملة يقال أنه شهد بدرا مع
أبيه وجده ولم يتفق ذلك لغيرهم وقيل لم يتابع على ذلك فقد روى أحمد والطبراني من
طريق صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن يزيد بن الأخنس السلمي أنه
أسلم فأسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله تعالى على رسوله
ولا تمسكوا بعصم الكوافر فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرا لأن الآية متأخرة
الإنزال عن بدر قطعا واسم جده الأخنس بن حبيب السلمي وقيل ثور وممن قاله الطبراني
وابن منده وأبو نعيم فترجموا في كتبهم لثور وساقوا حديث الباب من طريق الجراح والد
وكيع عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد بن ثور السلمي
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في
موضع واحد وفيه أن سماع أبي الجويرية عن معن ومعن أمير على غزاة الروم في خلافة
معاوية وفيه أن شيخه سكن قيسارية من الشام وإسرائيل وحطان ومعن كوفيون وهذا الحديث
من أفراد البخاري
( ذكر معناه ) قوله أنا تأكيد للضمير المرفوع الذي في بايعت قوله وأبي هو يزيد
قوله وجدي هو الأخنس بن حبيب قوله وخطب علي أي خطب النبي علي يقال خطب المرأة إلى
وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه وعلى فلان إذا أرادها لغيره قال الكرماني الفاعل هو
رسول الله لأنه أقرب المذكورين قوله فأنكحني أي طلب لي الإنكاح فأجبت ومقصود معن
من ذلك بيان أنواع علاقاته من المبايعة وغيرها من الخطبة عليه وإنكاحه وعرض
الخصومة عليه قوله وخاصمت إليه أي إلى رسول الله ولفظ خاصمته ثانيا تفسير لقوله
خاصمت إليه قوله وكان أبي يزيد ويزيد بالرفع عطف بيان لقوله أبي وليس ببدل كما
قاله بعضهم على ما لا يخفى قوله فوضعها عند رجل أي فوضع الدنانير التي أخرجها
للصدقة عند رجل وفيه حذف تقديره عند رجل وأذن له أن يتصدق بها على من يحتاج إليها
إذنا مطلقا من غير تعيين ناس فجئت فأخذتها يعني من الرجل الذي أذن له في التصدق
باختيار منه لا بطريق الغصب ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة اليشكري عن أبي
الجويرية في هذا الحديث ( قلت ) وما كانت خصومتك قال كان رجل يغشى المسجد فيتصدق
على رجال يعرفهم فظن أني بعض من يعرف فذكر الحديث قوله والله ما إياك أردت يعني
قال يزيد لابنه معن ما إياك أردت في الصدقة ولو أردت أنك تأخذها لناولتها لك ولم
أوكل فيها قوله فخاصمته أي خاصمت أبي يزيد إلى النبي فقال رسول الله لك ما نويت يا
يزيد يعني من أجر الصدقة لأنه نوى أن يتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك يحتاج
إليها وقال أيضا ولك ما أخذت يا معن لأنك أخذت محتاجا إليها ومفعول كل من نويت
وأخذت محذوف
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها لأن يزيد فوض إلى
الرجل بلفظ مطلق فنفذ فعله وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن وخصومته معه ولا
يكون هذا عقوقا إذا كان ذلك في حق على أن مالكا رحمه الله كره ذلك ولم يجعله من
باب البر واختياري هذا وفيه أن ما خرج إلى الابن من مال الأب على وجه الصدقة أو
الصلة أو الهبة لا رجوع للأب فيه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى واتفق العلماء
على أن الصدقة الواجبة لا تسقط عن الوالد إذا أخذها ولده حاشا التطوع قال ابن بطال
وعليه حمل حديث معن وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجوز أن يأخذها لولد بشرط أن
يكون غارما أو غازيا فيحمل حديث معن على أنه كان متلبسا بأحد هذين النوعين قالوا
وإذا كان الولد أو الوالد فقيرا أو مسكينا وقلنا في بعض الأحوال لا تجب نفقته
فيجوز لوالده أو لولده دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين بلا خلاف عند
الشافعي لأنه حينئذ كالأجنبي وقال ابن التين يجوز دفع الصدقة الواجبة إلى الولد
بشرطين أحدهما أن يتولى غيره من صرفها إليه والثاني أن لا يكون في عياله فإن كان
في عياله وقصد إعطاءه فروى مطرف
(8/288)
عن مالك لا ينبغي له أن يفعل
ذلك فإن فعله فقد أساء ولا يضمن إن لم يقطع عن نفسه إنفاقه عليهم قال ابن حبيب فإن
قطع الإنفاق عن نفسه بذلك لم يجزه واختلفوا في دفع الزكاة إلى سائر الأقارب
المحتاجين الذين لا يلزمه نفقتهم فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه يجزيه
وهو قول عطاء والقاسم وأحمد وقالوا هي لهم صدقة وصلة وقال الحسن البصري رحمه الله
تعالى وطاوس لا يعطي قرابته من الزكاة وهو قول أشهب وذكر ابن المواز عن مالك رضي
الله تعالى عنه أنه كره أن يخص قرابته بزكاته وإن لم تلزمه نفقاتهم وممن قال
بإعطاء الأقارب ما لم يكونوا في عياله ابن عباس وابن المسيب وعطاء والضحاك وطاوس
ومجاهد حكاه ابن أبي شيبة في المصنف عنهم وفي مسند الدارمي من حديث حكيم مرفوعا
أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث
بنعم الله تعالى وفيه جواز الاستخلاف في الصدقة لا سيما في التطوع لأن فيه نوع
أسرار وفيه أن للمتصدق جزاء ما نواه سواء صادف المستحق أو لا
61 -
( باب الصدقة باليمين )
أي هذا باب في بيان أن الصدقة باليمين فاضلة أو مرغوب فيها
3241 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( خبيب بن
عبد الرحمان ) عن ( حفص بن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي
قال سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عدل وشاب نشأ في عبادة
الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
مطابقته للترجمة في قوله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه
وقد مضى هذا الحديث في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة فإنه أخرجه هناك عن محمد
بن بشار عن يحيى إلى آخره نحوه ويحيى هو ابن سعيد القطان وعبيد الله بن عمر العمري
وقد مضى الكلام فيه مستوفى
4241 - حدثنا ( علي بن الجعد ) قال أخبرنا ( شعبة ) قال أخبرني ( معبد بن خالد )
قال سمعت ( حارثة ابن وهب الخزاعي ) رضي الله تعالى عنه يقول سمعت النبي يقول
تصدقوا فسيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فيقول الرجل لو جئت بها بالأمس
لقبلتها منك فأما اليوم فلا حاجة لي فيها
قيل مطابقته للترجمة من جهة أنه اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما حاملا لصدقته
لأنه إذا كان حاملا لها بنفسه كان أخفى لها فكان لا يعلم شماله ما تنفق يمينه
انتهى قلت ما أبعد هذا من المطابقة لأن معناها أن يطابق الحديث الترجمة وهنا
الترجمة باب الصدقة باليمين فينبغي أن يكون في الحديث ما يطابق الترجمة بوجه من
الوجوه وهذا الذي ذكره هذا القائل إنما هو المطابقة بالجر الثقيل بين الحديثين
وقوله لأنه إذا كان حاملا لها بنفسه كان أخفى لها إلى آخره غير مسلم لأن إخفاءها
للحامل ليس من اللوازم ولكن يمكن أن يوجه شيء للمطابقة وإن كان بالتعسف وهو أن
اللائق لحامل الصدقة ليتصدق بها إلى من يحتاج إليها أن يدفعها بيمينه لفضل اليمين
على الشمال فعند التصدق باليمين يكون مطابقا لقوله باب الصدقة باليمين
(8/289)
وقد مضى الحديث عن قريب في باب
الصدقة قبل الرد فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة ألى آخره ومضى الكلام فيه هناك
مستوفى
71 -
( باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه )
أي هذا باب في بيان حال من أمر خادمه بالصدقة يعني أمره بأن يتصدق عنه ولم يناول
الصدقة للفقير بنفسه والخادم الذي يخدم غيره أعم من أن يكون مملوكا أو أجيرا أو
متبرعا بالخدمة قيل فائدة قوله ولم يناول بنفسه التنبيه على أن ذلك مما يغتفر وأن
قوله في الباب الذي قبله الصدقة باليمين لا يلزم منه المنع من إعطائها بالغير وإن
كانت المباشرة بنفسه أولى انتهى قلت فائدة قوله ولم يناول بنفسه التأكيد في عدم
المناولة بنفسه والتصريح به لأنه يجوز أن يأمر خادمه بالصدقة ثم ناول بنفسه قبل أن
يباشر الخادم أو يأمره بها ثم ينهاه عنها وأما قوله في الباب الذي قبله باب الصدقة
باليمين أعم من أن يكون بيمين المتصدق بنفسه أو بيمين خادمه أو وكيله فإن قلت ما
فائدة وضع هذه الترجمة ولا يعلم منها حكم قلت قال صاحب ( التلويح ) كأن البخاري
أراد بهذه معارضة ما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن موسى بن عبيدة عن عباس بن عبد
الرحمن المدني قال خصلتان لم يكن النبي يليهما إلى أحد من أهله كان يناول المسكين
بيده ويضع الطهور لنفسه وفي ( الترغيب ) للجوزي بسند صالح عن ابن عباس كان النبي
لا يكل طهوره ولا صدقته التي يتصدق بها إلى أحد يكون هو الذي يتولاهما بنفسه انتهى
قلت الذي يظهر من كلامه أن المتصدق بنفسه والمأمور بالصدقة عنه كلاهما في الأجر
سواء على ما يشير إليه ما ذكره في الباب وإنما أطلق الترجمة ولم يشر إلى شيء من
ذلك اكتفاء بما ذكره في الباب وقد جرت عادته بذلك في مواضع عديدة ولا معارضة ههنا
لأن مقام النبي أعلى المقامات فإذا أمر بشيء يفعله أحد هل يقال إنه يحصل له من
الأجر مثل ما يحصل للنبي ولئن سلمنا التعارض ظاهرا فلا نسلم أنه تعارض حقيقة لعدم
التساوي بين ما ذكره في الباب وبين غيره
وقال أبو موسى عن النبي هو أحد المتصدقين
أبو موسى هو الأشعري واسمه عبد الله بن قيس وهذا التعليق قطعة من حديث ذكره موصولا
يأتي بعد ستة أبواب في باب أجر الخادم إذا تصدق فإن المذكور فيه الخازن أحد
المتصدقين والضمير أعني قوله هو يرجع إلى الخازن فإن قلت الترجمة فيها لفظ الخادم
والحديث فيه لفظ الخازن فلا مطابقة بينهما قلت الخازن خادم للمالك في الخزن وإن لم
يكن خادما حقيقة وقد قلنا إن لفظ الخادم أعم قوله هو أحد المتصدقين بلفظ التثنية
كما يقال القلم أحد اللسانين مبالغة أي الخادم والمتصدق بنفسه متصدقان لا ترجيح
لأحدهما على الآخر في أصل الأجر قالوا ولا يلزم منه أن يكون مقدار ثوابهما سواء
لأن الأجر فضل من الله يؤتيه من يشاء ذكر القرطبي أنه لم يرو إلا بالتثنية ويصح أن
يقال على الجمع ويكون معناه أنه متصدق من جملة المتصدقين وبنحوه ذكره ابن التين
وغيره
5241 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( شقيق )
عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله إذا أنفقت
المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب
وللخازن مثل ذالك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا
مطابقته للترجمة في قوله وللخازن مثل ذلك وقد قلنا إن للخازن خادم للمالك في الخزن
فإن قلت الترجمة مقيدة بالأمر وليس في الحديث ذلك قلت الخازن أمين وليس له أن
يتصرف إلا بإذن المالك إما نصا وإما عادة وكذلك المرأة أمينة لا يجوز لها التصرف
إلا بإذن زوجها إما نصا وإما عادة في الأشياء التي لا تؤلم زوجها وتطيب بها نفسه
فلذلك قيد
(8/290)
بقوله غير مفسدة وإفسادها إنما
يكون بغير إذن الزوج أو بما يؤلم زوجها خارجا عن العادة على ما نقرره عن قريب إن
شاء الله تعالى
ذكر رجاله وهم ستة كلهم قد ذكروا غير مرة وعثمان هو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه
إبراهيم أبو الحسن الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن
المعتمر وشقيق بن سلمة ومسروق بن الأجدع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع
وفيه أن جريرا رازي أصله من الكوفة والبقية كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي
عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الزكاة عن عمر بن حفص بن
غياث عن أبيه وعن قتيبة عن جرير كلاهما عن الأعمش وعن آدم عن شعبة عن الأعمش
ومنصور كلاهما عن أبي وائل به وفيه عن يحيى بن يحيى وفيه وفي البيوع عن عثمان بن
أبي شيبة كلاهما عن جرير عن منصور به وأخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن يحيى وزهير
ابن حرب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن جرير وعن محمد بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي
شيبة وعن محمد بن عبد الله ابن نمير عن أبيه وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن أبي
عوانة عن منصور به وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في عشرة
النساء عن محمد بن قدامة عن جرير عن منصور به وعن أحمد بن حرب عن أبي معاوية به
وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن محمد بن عبد الله بن نمير به وأخرج الترمذي هذا
الحديث من طريقين أحدهما عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن
مرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي أنه قال إذا
تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك ولا ينقص
كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا له بما كسب ولها بما أنفقت ثم قال هذا حديث حسن
والطريق الآخر عن محمود بن غيلان عن المؤمل عن سفيان عن منصور عن أبي وائل عن
مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير
مفسدة كان لها مثل أجره لها ما نوت حسنا وللخازن مثل ذلك ثم قال أبو عيسى هذا حسن
صحيح وهو أصح من حديث عمرو بن مرة عن أبي وائل وعمرو بن مرة لا يذكر في حديثه عن
مسروق فإن قلت قال الطوسي حديث عمرو حسن صحيح قلت فيه نظر لأن الدارقطني قال رواه
جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق ورواه عبد الصمد بن حسان عن الثوري عن منصور
عن أبي وائل عن الأسود ووهم في قوله ورواه معاذ بن معاذ وأبو قتيبة عن شعيب عن
عمرو بن مرة عن أبي وائل عن مسروق ورواه عبد الله بن أبي جعفر عن شعبة عن الحكم بن
عمارة عن عمير عن أبيه عن عائشة ووهم فيه والصحيح عن الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن
مسروق
ذكر معناه قوله إذا أنفقت المرأة وفي رواية للترمذي إذا تصدقت المرأة وفي رواية
أخرى له إذا أعطت المرأة من بيت زوجها قوله من طعام بيتها قيد به لأنه يسمح به
عادة بخلاف الدراهم والدنانير فإن إنفاقها منها لا يجوز إلا بالإذن قوله غير مفسدة
نصب على الحال قيد به لأنها إذا كانت مفسدة بأن تجاوزت المعتاد فإنه لا يجوز قوله
كان لها أي للمرأة أجرها أي لأجل إنفاقها غير مفسدة ولزوجها أجره بما كسب أي بسبب
كسبه والمعنى أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر ومعنى المشارك أن له أجرا كما
لصاحبه أجر وليس معناه أن يزاحمه في أجره أو المراد المشاركة في أصل الثواب فيكون
لهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء بل يكون ثواب
هذا أكثر وقد يكون بعكسه قوله وللخازن مثل ذلك أي مثل ذلك الأجر والخازن هو الذي
يكون بيده حفظ الطعام والمأكول من خادم وقهرمان وقد قلنا إنه أعم من مملوك وغيره
فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى
مستحقي الصدقة على باب داره أو نحوه فأجر المالك أكثر وإن أعطاه رمانة أو رغيفا أو
نحوهما ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد
على الرمانة والرغيف فأجر الوكيل أكثر وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلا فيكون مقدار
الأجر سواء فإن قلت روى
(8/291)
مسلم من حديث يزيد بن عبيد قال
سمعت عميرا مولى أبي اللحم قال أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاء مسكين فأطعمته منه
فعلم مولاي بذلك فضربني فأتيت رسول الله فذكرت ذلك له فدعاه فقال له لم ضربته قال
يعطي طعامي من غير أن آمره فقال الأجر بينكما قلت معناه بينكما قسمان وإن كان
أحدهما أكثر وأشار القاضي عياض إلى أنه يحتمل أيضا أن يكون سواء لأن الأجر فضل من
الله تعالى ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقال
النووي والمختار الأول قوله لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا شيئا منصوب لأنه مفعول
لقوله لا ينقص وقوله أجر منصوب بنزع الخافض أي من أجر بعض أو هو مفعول أول لقوله
لا ينقص لأنه ضد يزيد وهو متعد إلى مفعولين قال تعالى فزادهم الله مرضا ( البقرة
01 )
ذكر ما يستفاد منه اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فقال بعضهم هذا على مذهب الناس
بالحجاز وبغيرها من البلدان إن رب البيت قد يأذن لأهله وعياله وللخادم في الإنفاق
بما يكون في البيت من طعام أو أدام ويطلق أمرهم فيه إذا حضره السائل ونزل الضيف
وحضهم رسول الله على لزوم هذه العادة ووعدهم الثواب عليه وقيل هذا في اليسير الذي
لا يؤثر نقصانه ولا يظهر وقيل هذا إذا علم منه أنه لا يكره العطاء فيعطي ما لم
يجحف وهذا معنى قوله غير مفسدة وفرق بعضهم بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها حق
في مال الزوج ولها النظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق بما لا يكون إسرافا لكن بمقدار
العادة وما يعلم أنه لا يؤلم زوجها فأما الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه ولا
حكم فيشترط الإذن في عطية الخادم دون الزوجة فإن قلت أحاديث هذا الباب جاءت مختلفة
فمنها ما يدل على منع المرأة أن تنفق من بيت زوجها إلا بإذنه وهو حديث أبي أمامة
رواه الترمذي قال حدثنا هناد حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني
عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله يقول في خطبته عام حجة الوداع لا تنفق
امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل
أموالنا وقال حديث حسن وأخرجه ابن ماجه أيضا ومنها ما يدل على الإباحة بحصول الأجر
لها في ذلك وهو حديث عائشة المذكور ومنها ما قيد فيه الترغيب في الإنفاق بكونه
بطيب نفس منه وبكونها غير مفسدة وهو حديث عائشة أيضا رواه الترمذي من حديث مسروق
عنها قالت قال رسول الله إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة الحديث
ومنها ما هو مقيد بكونها غير مفسدة وإن كان من غير أمره وهو حديث أبي هريرة رواه
مسلم من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا تصم المرأة وبعلها
شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير
أمره فإن نصف أجره له ومنها ما قيد الحكم فيه بكونه رطبا وهو حديث سعد ابن أبي
وقاص رواه أبو داود من رواية زياد بن جبير عن سعد قال لما بلغ رسول الله النساء
قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقالت يا نبي الله أنأكل من عمل آبائنا
وأبنائنا قال أبو داود وأرى فيه وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكليه
وتهديه قال أبو داود الرطب الخبز والبقل والرطب قلت الرطب الأول بفتح الراء
والثاني بضمها وهو رطب التمر وكذلك العنب وسائر الفواكه الرطبة دون اليابسة قلت
كيفية الجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد وباختلاف حال الزوج من
مسامحته ورضاه بذلك أو كراهته لذلك وباختلاف الحال في الشيء المنفق بين أن يكون
شيئا يسيرا يتسامح به وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله وبين أن يكون
ذلك رطبا يخشى فساده إن تأخر وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه الفساد
81 -
( باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى )
أي هذا باب ترجمته لا صدقة إلا عن ظهر غنى وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد عن
أبي هريرة من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال لا صدقة إلا
عن ظهر غنى وكذا ذكره البخاري في الوصايا تعليقا ولفظ حديث الباب عن أبي هريرة
بلفظ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى قال الخطابي الظهر قد يزاد في مثل
(8/292)
هذا إشباعا للكلام والنفي فيه
للكمال لا للحقيقة والمعنى لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى والظهر مضاف إلى غنى وهو
بكسر الغين مقصورا ضد الفقر قال ابن قرقول ومنه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي
ما أبقت غنى قيل معناه الصدقة بالفضل عن قوت عياله وحاجته وقال الخطابي أفضل
الصدقة ما أخرجه الإنسان من مال بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية لأهله وعياله ولذلك
يقول وابدأ بمن تعول وقال محيي السنة أي غنى مستظهر به على النوائب التي تنوبه
ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة
والعتق والهبة وهو رد عليه ليس له أن يتلف أموال الناس
هذا كله من الترجمة وقع تفسيرا لقوله لا صدقة إلا عن ظهر غنى والمعنى أن شرط
التصدق أن لا يكون محتاجا ولا أهله محتاجا ولا يكون عليه دين فإذا كان عليه دين فالواجب
أن يقضي دينه وقضاء الدين أحق من الصدقة والعتق والهبة لأن الابتداء بالفرائض قبل
النوافل وليس لأحد إتلاف نفسه وإتلاف أهله وإحياء غيره وإنما عليه إحياء غيره بعد
إحياء نفسه وأهله إذ هما أوجب عليه من حق سائر الناس قوله وهو محتاج جملة إسمية
وقعت حالا والجملتان بعدها أيضا حال قوله فالدين أحق جزاء الشرط وفيه محذوف أي فهو
أحق وأهله أحق والدين أحق قوله وهو رد أي غير مقبول لأن قضاء الدين واجب والصدقة
تطوع ومن أخذ دينا وتصدق به ولا يجد ما يقضي به الدين فقد دخل تحت وعيد من أخذ
أموال الناس ومقتضى قوله وهو رد عليه أن يكون الدين المستغرق مانعا من صحة التبرع
لكن هذا ليس على الإطلاق وإنما يكون مانعا إذا حجر عليه الحاكم وأما قبل الحجر فلا
يمنع كما تقرر ذلك في موضعه في الفقه فعلى هذا إما يحمل إطلاق البخاري عليه أو
يكون مذهبه أن الدين المستغرق يمنع مطلقا ولكن هذا خلاف ما قاله العلماء حتى إن
ابن قدامة وغيره نقلوا الإجماع على أن المنع إنما يكون بعد الحجر
وقال النبي من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله
هذا أيضا من الترجمة قد ذكر فيها خمسة أحاديث معلقة هذا أولها وهذا طرف من حديث
أبي هريرة وصله البخاري في الاستقراض في باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو
إتلافها حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا سليمان عن بلال عن ثور بن زيد
عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله
عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله
إلا أن يكون معروفا بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر رضي الله
تعالى عنه حين تصدق بماله
قوله إلا أن يكون من كلام البخاري وهو استثناء من الترجمة أو من لفظ من تصدق وهو
محتاج أي فهو أحق إلا أن يكون معروفا بالصبر فإنه حينئذ له أن يؤثر غيره على نفسه
ويتصدق به وإن كان غير غني أو محتاجا إليه قوله خصاصة أي فقر وخلل قوله كفعل أبي
بكر حين تصدق بماله أي بجميع ماله لأنه كان صابرا وقد يقال تخلي أبي بكر عن ماله
كان عن ظهر غنى لأنه كان غنيا بقوة توكله وتصدق أبي بكر بجميع ماله مشهور في السير
وورد في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم من طريق زيد بن أسلم
سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول أمرنا رسول الله أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي
فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي وأتى أبو بكر بكل ما عنده
فقال له النبي يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله وقال الطبري
وغيره قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان
صبورا على الإضافة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز فإن فقد شيئا من
هذه الشروط كره وقال بعضهم هو مردود وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه حيث رد على
غيلان الثقفي قسمة ماله وقال آخرون يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان وهو قول
الأوزاعي ومكحول وعن مكحول أيضا
(8/293)
يرد ما زاد على النصف
وكذالك آثر الأنصار المهاجرين
هذا ثالث الأحاديث المعلقة وهو أيضا مشهور في السير وفيه أحاديث مرفوعة منها حديث
أنس قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شيء فقاسمهم الأنصار وأخرجه البخاري
موصولا في حديث طويل من كتاب الهبة في باب فضل المنيحة وذكر ابن إسحاق وغيره أن
المهاجرين لما نزلوا على الأنصار آثروهم حتى قال بعضهم لعبد الرحمن بن عوف انزل لك
عن إحدى امرأتي
ونهاى النبي عن إضاعة المال فليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة
هذا رابع الأحاديث المعلقة وهو طرف من حديث المغيرة وقد مضى بتمامه في أواخر صفة
الصلاة
وقال كعب رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة
إلى الله وإلى رسوله قال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي
بخيبر
هذا خامس الأحاديث المعلقة فهو قطعة من حديث طويل في توبة كعب بن مالك وسيأتي في
تفسير التوبة وكعب هذا شهد العقبة الثانية وهو أحد شعراء النبي وأحد الثلاثة الذين
خلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك مات سنة خمسين قوله من توبتي أي من تمام توبتي
قوله إلى الله أي صدقة منتهية إلى الله وإنما منع النبي كعبا عن صرف كل ماله ولم
يمنع أبا بكر رضي الله تعالى عنه عن ذلك لأنه كان شديد الصبر قوي التوكل وكعب لم
يكن مثله
6241 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) عن ( يونس ) عن ( الزهري ) قال
أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال
خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول
مطابقته للترجمة من حيث المعنى متوجه ورجاله ذكروا غير مرة وعبدان لقب عبد الله بن
عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد والزهري هو محمد بن
مسلم وأخرجه النسائي أيضا في الزكاة عن عمرو بن سواد عن ابن وهب قوله وابدأ بمن
تعول أي بمن يجب عليك نفقته وعال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من
القوت والكسوة وغيرهما
31 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا هشام عن أبيه عن حكيم بن
حزام رضي الله عنه عن النبي قال اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول
وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنيه الله )
مطابقته للترجمة في قوله وخير الصدقة عن ظهر غنى ورجاله قد ذكروا غير مرة ووهيب مصغر
وهب بن خالد وهشام هو ابن عروة بن الزبير وحكيم بفتح الحاء المهملة بن حزام بكسر
الحاء المهملة وتخفيف الزاي الأسدي المكي ولد في باطن الكعبة عاش في الجاهلية ستين
وفي الإسلام أيضا ستين وأعتق مائة رقبة وحمل على مائة بعير في الجاهلية وحج في
الإسلام ومعه مائة بدنة ووقف بعرفة بمائة رقبة في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها
عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى ألف شاة ومات بالمدينة سنة ستين أو أربع وخمسين
( ذكر معناه ) قوله اليد العليا خير من اليد السفلى وقد فسر العليا والسفلى في
حديث ابن عمر على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى أن اليد العليا هي المنفقة
والسفلى هي السائلة وكذا في رواية مسلم من حديث مالك بن أنس عن
(8/294)
نافع عن عبد الله بن عمر وذكر ابن العربي فيه أقوالا الأول أن العليا يد المعطي للصدقة والثاني هي يد الآخذ والثالث هي اليد المتعففة والرابع أن العليا يد الله ويليها يد المعطي ويد السائل هي السفلى وقال عياض قيل العليا الآخذة والسفلى المانعة وقيل اليد هنا النعمة فكان المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ وروى الطبراني من حديث عطية السعدي وفيه إن اليد المعطية هي العليا وإن السائلة هي السفلى ورواه أحمد والبزار بلفظ سمعت رسول الله يقول اليد المعطية خير من اليد السفلى وروى الطبراني من حديث عدي الجذامي وفي حديثه يا أيها الناس تعلموا فإنما الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي الوسطى ويد المعطى السفلى فتعففوا ولو بحزم الحطب ألا هل بلغت وروى أحمد والطبراني أيضا من حديث أبي رمثة بلفظ يدل المعطي العليا وروى علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال قال رسول الله الأيدي ثلاثة يد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل أسفل إلى يوم القيامة قال البيهقي تابع عليا إبراهيم بن طهمان عن الهجري على رفعه ورواه جعفر بن عون عن الهجري فوقفه وقال الحاكم حديث محفوظ مشهور وخرجه وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى الصواب أن العليا هي المعطية كما تشهد بذلك الأحاديث الصحيحة وقال الخطابي وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا هو أن يد المعطي المستعلية فوق يد الآخذ يجعلونه من علو الشيء إلى فوق قال وليس ذلك عندي بالوجه وإنما هو من علاء المجد والكرم يريه به الترفع عن المساءلة والتعفف عنها وقال ابن الجوزي لا يمتنع أن يحمل على ما أنكره الخطابي لأنه إذا حملت العليا على المتعففة لم يكن للمنفق ذكر وقد صحت لفظة المنفقة فكان المراد أن هذه اليد التي علت وقت العطاء على يد السائل هي العالية في باب الفضل قوله وابدأ بمن تعول قد مر تفسيره عن قريب وروى النسائي من طريق طارق المحاربي ولفظه قدمنا المدينة فإذا رسول الله قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك وروى النسائي من حديث ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله تصدقوا فقال رجل يا رسول الله عندي دينا فقال تصدق به على نفسك قال عندي آخر قال تصدق به على زوجتك قال عندي آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك قال عندي آخر قال أنت أبصر ورواه ابن حبان في صحيحه هكذا وقد رواه أبو داود والحاكم وصححه بتقديم الولد على الزوجة قال الخطابي إذا تأملت هذا الترتيب علمت أنه قدم الأولى فالأولى والأقرب فالأقرب وهو يأمره أن يبدأ بنفسه ثم بولده لأن الولد كبعضه فإذا ضيعه هلك ولم يجد من ينوب عنه في الإنفاق عليه ثم ثلث بالزوجة وأخرجها عن درجة الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما وكان لها ما يمونها من زوج أو ذي محرم تجب نفقتها عليه ثم ذكر الخادم لأنه يباع عليه إذا عجز عن نفقته انتهى كلام الخطابي وقال شيخنا زين الدين وقد اقتضى اختياره تقديم الولد وهو احتمال للإمام ووجه في الولد الطفل والذي أطبق عليه الأصحاب كما قال النووي في الروضة تقديم الزوجة لأن نفقتها آكد لأنها لا تسقط بمضي الزمان ولا بالإعسار ولأنها وجبت عوضا واعترض الإمام بأن نفقتها إذا كانت كذلك كانت كالديون ونفقة القريب في مال المفلس مقدمة على الديون وخرج لذلك احتمالا في تقديم القريب وأيده بالحديث الذي فيه تقديم الولد وإذ قد اختلفت الروايتان وكلاهما من رواية ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة فيصار إلى الترجيح وقد اختلف على حماد بن زيد فقدم السفيانان وأبو عاصم النبيل وروح بن القاسم عن حماد ذكر الولد على الزوجة وهي رواية الشافعي في المسند وأبي داود والحاكم في المستدرك وصححه وقدم الليث ويحيى القطان عن حماد الزوجة على الولد وهي رواية النسائي وعند ابن حبان والبيهقي ذكر الروايتين معا وهذا يقتضي ترجيح رواية تقديم الولد على الزوجة كما قاله الخطابي وخرجه الإمام احتمالا ( قلت ) كيف طاب للنووي تقديم الزوجة على الولد والولد بضعة من الأب والزوجة أجنبية ثم يعلل ما قاله بقوله لأن نفقتها آكد لأنها لا تسقط بمضي الزمان ولا بالإعسار وهذا أيضا عجيب منه لأن نفقتها صلة في نفس الأمر وهي على شرف السقوط ونفقة الولد حتم لا تسقط بشيء قوله ومن يستعفف من الاستعفاف
(8/295)
وهو طلب العفة وهي الكف عن
الحرام والسؤال من الناس وقيل الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء قوله يعفه الله
بضم الياء من الإعفاف ومعناه يصيره عفيفا قوله ومن يستغن يغنه الله شرط وجزاء
وعلامة الجزم حذف الياء أي من يطلب الغنى من الله يعطه
( وعن وهيب قال أخبرنا هشام عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه بهذا )
هذا معطوف على إسناد حديث حكيم كأنه قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا
هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن أبي هريرة بهذا أي بحديث حكيم بن حزام
وزعم أبو مسعود وخلف وأبو نعيم أن البخاري روى حديث وهيب المذكور آخرا عن موسى بن
إسماعيل عنه ( قلت ) هذا يدل على أنه حمله عن موسى بن إسماعيل عنه بالطريقين معا
فكان هشاما حدث به وهيبا تارة عن أبيه عن حكيم وتارة عن أبيه عن أبي هريرة أو حدث
به عنهما مجموعا ففرقه وهيب أو الراوي عنه وقد وصل الإسماعيلي حديث أبي هريرة قال
أخبرني ابن ياسين حدثنا محمد بن سفيان حدثنا حبان هو ابن هلال حدثنا هشام بن عروة
عن أبيه عن أبي هريرة قال مثل حديث حكيم بن حزام وعند الترمذي من حديث بيان بن بشر
عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول
وقال حسن صحيح غريب يستغرب من حديث بيان عن قيس -
9241 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ابن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع )
عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي ح وحدثنا ( عبد الله بن مسلمة
) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول
الله قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف والمسألة اليد العليا خير من اليد
السفلى فاليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وذكر الصدقة لأن معناه ذكر أحكام الصدقة ومن جملة
أحكامها لا صدقة إلا عن ظهر غنى وقد تعسف بعضهم في ذكر المطابقة بين الحديث
والترجمة بما يستبعده من له نوع إلمام من هذا الفن
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الثاني حماد بن زيد
الثالث أيوب ابن أبي تميمة السختياني الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن
مسلمة السادس مالك بن أنس السابع عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ستة
مواضع وفيه أن أبا النعمان وحماد وأيوب بصريون ونافع ومالك مدنيان وعبد الله بن
مسلمة مدني سكن البصرة وفيه القول في موضع واحد وفيه السماع وفيه طريقان طريق أبي
النعمان وطريق عبد الله بن مسلمة وفي بعض طرقه المتعففة بدل المنفقة قال اختلف على
أيوب عن نافع في هذا الحديث قال عبد الوارث اليد العليا المتعففة وقال أكثرهم عن
حماد بن زيد عن أيوب اليد العليا المنفقة وقال واحد المتعففة وقال شيخنا زين الدين
قلت بل قاله عن حماد اثنان أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني كما رويناه في (
كتاب الزكاة ) ليوسف بن يعقوب القاضي والآخر مسدد كما رواه ابن عبد البر في (
التمهيد ) ورواه أيضا عن نافع موسى بن عقبة فاختلف عليه فقال إبراهيم بن طهمان عنه
المتعففة وقال حفص بن ميسرة عنه المنفقة رويناهما كذلك في ( سنن البيهقي ) ورجح
الخطابي في ( المعالم ) رواية المتعففة فقال إنها أشبه وأصح في المعنى وذلك أن ابن
عمر قال فيه وهو يذكر الصدقة والتعفف فعطف الكلام على سننه الذي خرج عليه وهو ما
يطابقه في معناه أولى ورجح ابن عبد البر في ( التمهيد ) رواية المنفقة فقال إنها
أولى وأشبه بالصواب من قول من قال المتعففة وكذا رواه البخاري في ( صحيحه ) عن
عارم عن حماد بن زيد وقال النووي في ( شرح مسلم ) إنه الصحيح قال ويحتمل صحة
الروايتين فالمنفقة أعلى من السائلة والمتعففة أولى من السائلة
(8/296)
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم
في الزكاة عن يحيى بن يحيى وقتيبة وأخرجه أبو داود عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه
عن قتيبة رضي الله تعالى عنه به
ذكر معناه قوله وهو على المنبر جملة إسمية وقعت حالا قوله وذكر الصدقة جملة فعلية
وقعت حالا قوله والمسألة بواو العطف على ما قبله وفي رواية مسلم رحمه الله تعالى
عن قتيبة عن مالك رضي الله تعالى عنه والتعفف عن المسألة ولأبي داود رحمه الله
تعالى والتعفف منها أي من أخذ الصدقة والمعنى أنه كان يحض الغنى على الصدقة
والفقير على التعفف عن المسألة إو يحضه على التعفف ويذم على المسألة
ذكر ما يستفاد منه فيه كراهة السؤال إذا لم يكن عن ضرورة نحو الخوف من هلاكه ونحوه
وقال أصحابنا من له قوت يوم فسؤاله حرام وفيه الغني الشاكر أفضل من الفقير وفيه
خلاف وفيه إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح من موعظة وعلم وقربة وفيه الحث على
الصدقة والإنفاق في وجوه الطاعة
91 -
( باب المنان بما أعطى )
أي هذا باب في بيان ذم المنان بما أعطى أي بما أعطاه وإنما قدرنا هكذا لأن لفظ
المنان يشعر بالذم لأنه لا يذكر إلا في موضع الذم في حق بني آدم ولهذا قال تعالى
لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( البقرة 462 ) فإذا كان المن مبطلا للصدقات يكون
من الأشياء الذميمة قال ابن بطال الامتنان مبطل لأجر الصدقة قال تعالى لا تبطلوا
صدقاتكم بالمن والأذى ( البقرة 462 ) وقال القرطبي لا يكون المن غالبا إلا عن
البخل والكبر والعجب ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم الله عليه فالبخيل تعظم في
نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها والعجب يحمله على النظر لنفسه بعين العظمه
وأنه منعم بماله عن المعطي والكبر يحمله على أن يحقر المعطى له وإن كان في نفسه
فاضلا وموجب ذلك كله الجهل ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم عليه ولو نظر مصيره
لعلم أن المنة للآخذ لما يزيل عن المعطي من إثم المنع وذم المانع ولما يحصل له من
الأجر الجزيل والثناء الجميل انتهى وقد أخبر النبي بالوعيد الشديد في حق المنان
فيما رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة والمنفق سلعته بالحلف والمسبل إزاره وفي
الباب أيضا عن ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وأبي أمامة بن ثعلبة
وعمران بن حصين ومعقل بن يسار فإن قلت لم يذكر البخاري في هذا الباب حديثا قلت
كأنه لم يتفق له حديث على شرطه فلذلك اكتفى بذكر الآية المذكورة وفي ( التلويح )
والذي يقارب شرطه حديث أبي ذر عن النبي الذي ذكرناه وقال بعضهم كأنه أشار إلى ما
رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا قلت هذا كلام غير موجه لأنه كيف يشير إلى شيء ليس
بموجود والإشارة إنما تكون للحاضر ولهذا لم تثبت هذه الترجمة إلا في رواية
الكشميهني وحده بغير حديث
لقوله الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا ( البقرة 262 )
الآية
علل الترجمة بهذه الآية ووجه ذلك أن الله تعالى مدح الذين ينفقون أموالهم في سبيله
ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منا على ما أعطوه ولا يمنون به على
أحد لا بقول ولا بفعل والذين يتبعون ما أنفقوا منا وأذى يكونون مذمومين ولا
يستحقون من الخيرات ما يستحق الذين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى فيكون وجه
التعليل هذا والشيء يتبين بضده قوله ولا أذى أي ولا يفعلون مع من أحسنوا إليه
مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان ثم وعدهم الله بالجزاء الجميل على ذلك فقال
لهم أجرهم عند ربهم أي ثوابهم على الله لا على أحد سواه ولا خوف عليهم فيما
يستقبلونه من أهوال القيامة ولا هم يحزنون أي على ما خلفوه من الأولاد ولا ما
فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها وذكر الواحدي عن الكلبي قال نزلت هذه الآية في
عثمان وعبد الرحمن بن عوف جاء عبد الرحمن إلى رسول الله بأربعة آلاف درهم نصف ماله
وقال عثمان علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها
وأحلاسها فنزلت فيهما هذه الآية الكريمة والله أعلم وقال ابن بطال ذكر أهل التفسير
أنها نزلت في الذي يعطي ماله المجاهدين في
(8/297)
سبيل الله تعالى معونة لهم على
جهاد العدو ثم يمن عليهم بأنه قد صنع إليهم معروفا إما بلسان أو بفعل ولا ينبغي له
أن يمن به على أحد لأن ثوابه على الله تعالى
02 -
( باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها )
أي هذا باب في بيان أمر من أحب تعجيل الصدقة ولم يؤخرها من وقتها ثم الصدقة أعم من
أن تكون من الصدقات المفروضة أو من صدقات التطوع فعلى فعلى كل حال خيار البر عاجله
0341 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عمر بن سعيد ) عن ( ابن أبي مليكة ) أن ( عقبة بن
الحارث ) رضي الله تعالى عنه حدثه قال صلى بنا النبي العصر فأسرع ثم دخل البيت فلم
يلبث أن خرج فقلت أو قيل له فقال كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته
فقسمته
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أن النبي لما فرغ من صلاته أسرع ودخل البيت وفرق تبرا
كان فيه ثم أخبر أنه كره تبييته عنده فدل ذلك على استحباب تعجيل الصدقة والحديث
مضى في أواخر كتاب الصلاة في باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم فإنه رواه هناك
عن محمد بن عبيد عن عيسى بن يونس وههنا رواه عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن
عمر بن سعيد النوفلي القرشي المكي عن عبد الله بن أبي مليكة وقد مر الكلام فيه
هناك مستوفى والتبر جمع تبرة وهي القطعة من الذهب أو الفضة غير مصوغة وقيل قطع
الذهب فقط قوله إن أبيته أي أتركه يدخل عليه الليل
12 -
( باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها )
أي هذا باب في بيان استحباب التحريض على الصدقة وبيان ثواب الشفاعة في الصدقة
ومعنى الشفاعة في الصدقة السؤال والتقاضي للإجابة
1341 - حدثنا ( مسلم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عدي ) عن ( سعيد بن جبير )
عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال خرج النبي يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل
قبل ولا بعد ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة
تلقي القلب والخرص
مطابقته للترجمة في قوله فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فإنه لما وعظهن بمواعظ حرضهن
فيها أيضا على الصدقة وقد مضى الحديث في أبواب العيدين في باب الخطبة بعد العيد
فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن عدي بن ثابت إلى آخره وبين متنيهما
بعض التفاوت وقد مضى الكلام فيه
قوله القلب بضم القاف وسكون اللام وفي آخره باء موحدة وهو السوار وقيل هو مخصوص
بما كان من عظم والخرص بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وفي آخره صاد مهملة الحلقة
2341 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا أبو بردة بن عبد
الله بن أبي بردة قال حدثنا أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال
كان رسول الله إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله
على لسان نبيه ما شاء
(8/298)
مطابقته للجزء الأخير للترجمة
في قوله اشفعوا حين يجيء سائل أو طالب حاجة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول ( موسى بن إسماعيل ) المنقري تكرر ذكره الثاني ( عبد
الواحد ) بن زياد الثالث أبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه بريد بضم الباء الموحدة
وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الرابع أبو بردة أيضا
بضم الباء اسمه عامر وقيل الحارث الخامس أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضع
واحد وفيه أبو بردة الأول الذي اسمه بريد يروى عن جده أبي بردة الذي اسمه عامر أو
حارث وهو يروي عن أبيه عبد الله بن قيس وفيه الرواية عن الأب وعن الجد وفيه أن
شيخه وعبد الواحد بصريان والبقية كوفيون وفيه المكنى بأبي بردة اثنان وهما الأب
وجده كل منهما كنيته أبو بردة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأدب وفي التوحيد عن أبي
كريب عن أبي أسامة وعن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري وأخرجه مسلم في الأدب عن أبي
بكر عن علي بن مسهر وحفص بن غياث وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد وفي السنة عن أبي
معمر وأخرجه الترمذي في العلم عن الحسن بن علي الحلال ومحمود بن غيلان وغير واحد
كلهم عن أبي أسامة به وأخرجه النسائي في الزكاة عن محمد بن بشار
ذكر معناه قوله أو طلبت على صيغة المجهول قوله اشفعوا وفي رواية أبي الحسن شفعوا
بحذف الألف ليشفع بعضكم في بعض يكن لكم الأجر في ذلك وأنكم إذا شفعتم إلي في حق
طالب الحاجة فقضيت حاجته بما يقضي الله على لساني في تحصيل حاجته حصل للسائل
المقصود ولكم الأجر والشفاعة مرغب فيها مندوب إليها قال تعالى من يشفع شفاعة حسنة
يكن له نصيب منها ( النساء 58 ) قوله ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء بيان أن
الساعي مأجور على كل حال وإن خاب سعيه قال النبي والله في عون العبد ما كان العبد
في عون أخيه ولا يأبى كبير أن يشفع عند صغير فإن شفع عنده ولم يقضها له لا ينبغي
له أن يؤذي الشافع فقد شفع رسول الله عند بريدة رضي الله تعالى عنها لترد زوجها
فأبت
3341 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن ( فاطمة ) عن
( أسماء ) رضي الله تعالى عنها قالت قال لي النبي لا توكي فيوكى عليك
مطابقته للترجمة من حيث المعنى لأنه نهى عن الإيكاء وهو لا يفعل إلا للإدخار فكان
المعنى لا تدخري وتصدقي
ذكر رجاله وهم خمسة الأول صدقة بن الفضل أبو الفضل مر في باب العلم الثاني عبدة
بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الثالث هشام بن عروة بن الزبير الرابع
فاطمة بنت المنذر بن الزبير الخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضع
واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه مروزي وعبدة كوفي والبقية مدنيون
وفيه رواية التابعية عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن عثمان بن أبي شيبة وفي الهبة
عن عبيد الله ابن سعيد وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه
النسائي فيه عن محمد بن آدم وفي عشرة النساء عن هناد عن عبدة
ذكر معناه قوله لا توكي من أوكى يوكي إيكاء يقال أوكى ما في سقائه إذا شده بالوكاء
وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة وأوكى علينا أي بخل وفي ( التلويح ) قوله لا
توكي أي لا تدخري وتمنعي ما في يدك قلت هذا ليس بتفسيره لغة وإنما معناه لا توكي
للادخار قوله فيوكى عليك بفتح الكاف فيوكى على صيغة المجهول وفي رواية مسلم فيوكي
الله عليك والمعنى لا توكي مالك عن الصدقة خشية نفاده فيوكي الله عليك أو يمنعك
ويقطع مادة الرزق عنك
(8/299)
فدل الحديث على أن الصدقة تنمي
المال وتكون سببا إلى البركة والزيادة فيه وأن من شح ولم يتصدق فإن الله يوكي عليه
ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه
حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة وقال لا تحصى فيحصي الله عليك
هذا طريق آخر عن عثمان بن أبي شيبة عن عبدة بالإسناد المذكور والظاهر أن عبدة روى
الحديث باللفظين أحدهما لا توكي فيوكى عليك والآخر لا تحصى فيحصي الله عليك وروى
النسائي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا وسيأتي في الهبة عند البخاري من
طريق ابن نمير عن هشام باللفظين لكن لفظه لا توعي بعين مهملة بدل لا توكى من أوعيت
المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته قوله لا تحصى من الإحصاء
وهو معرفة قدر الشيء أو وزنه أو عدده وهذا مقابلة اللفظ باللفظ وتجنيس الكلام في
مثله في جوابه أي يمنعك كما منعت كقوله تعالى ومكروا ومكر الله ( آل عمران 45 )
وقيل معناه لا تحصي ما تعطي فتستكثريه فيكون سببا لانقطاعه وقيل قد يراد بالإحصاء
والوعي عنا عده خوف أن تزول البركة منه كما قالت عائشة حتى كلناه ففني وقيل إن
عائشة عددت ما أنفقته فنهاها رسول الله عن ذلك
22 -
( باب الصدقة فيما استطاع )
أي هذا باب في بيان أن الصدقة إنما تنبغي في قدر ما استطاع المتصدق
4341 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) وحدثني ( محمد بن عبد الرحيم ) عن (
حجاج بن محمد ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( ابن أبي مليكة ) عن ( عباد بن عبد
الله بن الزبير ) أخبره عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما أنها جاءت
إلى النبي فقال لا توعى فيوعي الله عليك ارضخي ما استطعت
مطابقته للترجمة في قوله ارضخي ما استطعت
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أبو عاصم الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز
بن جريج الثالث محمد بن عبد الرحيم الرابع حجاج بن محمد الأعور الخامس عبد الله بن
أبي مليكة بضم الميم السادس عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن عبد
الله بن الزبير بن العوام من سادات التابعين السابع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي
الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد في موضع
وفيه صيغة الإخبار عن ماض مفرد في موضعين وفيه العنعنة في خمسة مواضع وفيه أن شيخه
من أفراده وأنه بغدادي وابن جريج مكي وحجاج ابن محمد ترمذي سكن المصيصة وابن أبي
مليكة وعباد مكيان وفيه رواية التابعي عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الزكاة والهبة عن أبي عاصم
وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن حاتم وهارون بن عبد الله وأخرجه النسائي فيه وفي
عشرة النساء عن الحسن بن محمد
ذكر معناه قوله لا توعي خطاب لأسماء وقد مر تفسيره آنفا قوله فيوعي بضم الياء وكسر
العين ونصب الياء لأنه جواب النهي بالفاء وإسناده إلى الله تعالى مجاز عن الإمساك
فإن قلت ما معنى النهي إذ ليس الإيعاء حراما قلت لازمه وهو الإمساك حرام أو النهي
ليس للتحريم بالإجماع قال التيمي المراد به النهي عن الإمساك والبخل وجمع المتاع
في الوعاء وشده وترك الإنفاق منه قوله ارضخي من الرضخ بالضاد والخاء المعجمتين وهو
العطاء ليس بالكثير وألف ارضخي ألف وصل قوله ما استطعت أي ما دمت مستطيعة قادرة
على الرضخ وقال الكرماني معناه الذي استطعته أو
(8/300)
شيئا استطعته فما موصوله وقال
النووي معناه مما يرضى به الزبير وهو زوجها وتقديره إن لك في الرضخ مراتب وكلها
يرضاها الزبير فافعلي أعلاها والله أعلم
32 -
( باب الصدقة تكفر الخطيئة )
أي هذا باب يذكر فيه الصدقة تكفر الخطيئة فباب منون والصدقة مبتدأ وتكفر الخطيئة
خبره ويجوز بإضافة الباب إلى الصدقة تقديره هذا باب في بيان أن الصدقة تكفر
الخطيئة
5341 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن (
حذيفة ) رضي الله تعالى عنه قال قال ( عمر ) رضي الله تعالى عنه أيكم يحفظ حديث
رسول الله عن الفتنة قال قلت أنا أحفظه كما قال إنك عليه لجرىء فكيف قال قلت فتنة
الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف قال سليمان قد كان يقول
الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليس هاذه أريد ولكني أريد
التي تموج كموج البحر قال قلت ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس بينك وبينها باب
مغلق قال فيكسر الباب أو يفتح قال قلت لا بل يكسر قال فإنه إذا كسر لم يغلق أبدا
قال قلت أجل فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق سله قال فسأله فقال عمر رضي
الله تعالى عنه قال قلنا فعلم عمر من تعني قال نعم كما أن دون غد ليلة وذالك أني
حدثته حديثا ليس بالأغاليظ
مطابقته للترجمة في قوله فتنة الرجل إلى قوله والمعروف
ورجاله قد ذكروا غير مرة وقتيبة بن سعيد وجرير بفتح الجيم ابن عبد الحميد والأعمش
سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وقد مضى الحديث في أوائل كتاب الصلاة في باب الصلاة
كفارة فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن الأعمش إلى آخره وبينهما تفاوت يسير وقد
مر الكلام فيه مستوفى هناك
قوله الجريء من الجراءة قال ابن بطال إنك لجريء أي إنك لكنت كثير السؤال عن الفتنة
في أيامه فأنت اليوم جرىء على ذكره عالم به قوله والمعروف أي الخير وهو تعميم بعد
تخصيص قوله قال سليمان يعني الأعمش المذكور في السند قوله قد كان يقول أي قد كان
يقول أبو وائل في بعض الأوقات بدل المعروف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله
قال ليس هذه أي قال عمر رضي الله تعالى عنه ليس هذه الفتنة أريدها قوله أريد التي
أي الفتنة التي قوله قال قلت أي قال حذيفة قلت قوله بها ويروى فيها أي في الفتنة
قوله لا بأس مرفوع لأنه اسم ليس قوله فيكسر الباب أو يفتح ويروى أم تفتح أشار به
إلى موته بدون القتل كان يرجو أن الفتنة وإن بدت تسكن أي كان ذلك بسبب موته دون
قتله وأما إن ظهر بسبب قتله فلا تسكن أبدا قوله بل يكسر وأشار حذيفة بهذه اللفظة
إلى قتل عمر رضي الله تعالى عنه قوله قال فإنه أي قال عمر فإن الباب إذا كسر لم
يغلق أبدا وأشار به عمر رضي الله تعالى عنه إلى أنه إذا قتل ظهرت الفتن فلا تسكن
إلى يوم القيامة وكان كما قال لأنه كان سدا أو بابا دون الفتنة فلما قتل كثرت
الفتنة وعلم عمر أنه الباب قوله فهبنا بكسر الهاء أي خفنا أن نسأل حذيفة رضي الله
تعالى عنه وكان حذيفة مهيبا فهاب أصحابه أن يسألوه من الباب يعني من المراد بالباب
وكان مسروق أجرأ على سؤاله لكثرة علمه وعلو منزلته فسأله فقال هو عمر أي الباب
الذي كني به عنه ثم قالوا فعلم عمر من تعني أي من تقصد من الباب قال حذيفة نعم علم
علما لا شك فيه كما أن دون غد ليلة يعني كما لا شك أن اليوم الذي أنت فيه يسبق
الغد الذي يأتي بعدها قوله ليلة بالنصب اسم إن ودون غد خبره ثم علل ذلك بقوله وذلك
أني حدثته أي حدثت عمر بحديث واضح لا شبهة فيه عن معدن الصدق ورأس العلم وهو معنى
قوله حديثا ليس بالأغاليط
(8/301)
وهو جمع أغلوطة وهي ما يغلط به
عن الشارع ونهى الشارع عن الأغلوطات وهذا منه وقال ابن قرقول الأغاليط صعاب
المسائل ودقاق النوازل التي يغلط فيها وقال الداودي ليس بالأغاليط ليس بالصغير من
الأمر واليسير الرزية
وفيه من الفوائد ضرب الأمثال في العلم والحجة لسد الذرائع وفيه قد يكون عند الصغير
من العلم ما ليس عند العالم المبرز وفيه أن العالم قد يرمز به رمزا ليفهم المرموز
له دون غيره لأنه ليس كل العلم تحت إباحته إلى من ليس بمتفهم له ولا عالم بمعناه
وفيه أن الكلام في الجريان مباح إذا كان فيه أثر عن النبوة وما سوى ذلك ممنوع لأنه
لا يصدق منه إلا أقل من عشر العشر كما قال تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيضيف
إليها أزيد من مائة كذبة والله أعلم
42 -
( باب من تصدق في الشرك ثم أسلم )
أي هذا باب في بيان أمر من تصدق في حالة الشرك ثم أسلم ولم يذكر الجواب قيل لقوة
الاختلاف فيه تقديره ثم أسلم هل يعتد له بثواب تلك الصدقة بعد الإسلام أم لا قلت
إنما لم يذكر الجواب اكتفاء بما في الحديث والجواب أنه يعتد به
6341 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( عروة ) عن ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول
الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم فهل فيها
من أجر فقال النبي أسلمت على ما سلف من خير
مطابقته للترجمة في قوله أسلمت على ما سلف من خير وذكر صاحب ( التلويح ) أن هذا
الحديث كذا ذكر في هذا الباب من كتاب الزكاة فيما رأيت من النسخ وفيه أيضا ذكره
صاحب المستخرج وزعم شيخنا أبو الحجاج في كتابه ( الأطراف ) تبعا لأبي مسعود وخلف
أن البخاري خرجه بهذا السند في كتاب الصلاة ولم يذكروا تخريجه له هنا فينظر
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر المسندي الثاني
هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء الثالث معمر بن راشد الرابع محمد بن مسلم
بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس حكيم بن حزام بن خويلد
الأسدي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة
مواضع وفيه أن شيخه بخاري وشيخ شيخه يماني وهو من أفراده ومعمر بصري والزهري وعروة
مدنيان وفيه أن شيخه مذكور بنسبته إلى أبيه فقط والزهري إلى قبيلته والثلاثة
مجردون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع وفي الأدب عن أبي
اليمان وفي العتق عن عبيد الله ابن إسماعيل وأخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة بن
يحيى وعن الحسن بن علي وعبد بن حميد وعن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وعن أبي
بكر عن عبد الله بن نمير
ذكر معناه قوله أرأيت أي أخبرني عن حكم أشياء كنت أتعبد بها قبل الإسلام مثل ما
حمل مائة بعير واعتق مائة رقبة قوله أتحنث بالثاء المثلثة أي أتقرب وقال ابن قرقول
كنت أتحنث بتاء مثناة رواه المروزي في باب من وصل رحمه وهو غلط من جهة المعنى وأما
الرواية فصحيحة والوهم فيه من شيوخ البخاري بدليل قول البخاري ويقال أي عن أبي
اليمان أتحنث أو أتحنت على الشك والصحيح الذي هو رواية العامة بثاء مثلثة وعن عياض
بالثاء المثناة غلط من جهة المعنى ويحتمل أن يكون لها معنى وهو الحانوت لأن العرب
كانت تسمي بيوت الحمارين الحوانيت يعني كنت أتحنت حوانيتهم وقال النووي التحنت
التعبد كما فسره في الحديث وفسره في الرواية الأخرى
(8/302)
بالتبرر وهو فعل البر وهو
الطاعة وقال أهل اللغة أصل التحنث أن يفعل فعلا يخرج به من الحنث وهو الإثم وكذا
تأثم وتحرج وتهجد أي فعل فعلا يخرج عن الإثم والحرج والهجود قوله من صدقة كلمة من
بيانية قوله أو عتاقة وهو أنه أعتق مائة رقبة في الجاهلية وحمل على مائة بعير كما
ذكرنا قوله على ما سلف أي على اكتساب ما سلف لك من خير أو على احتسابه أو على قبول
ما سلف وروي أن حسنات الكافر إذا ختم له بالإسلام مقبولة أو تحسب له فإن مات على
كفره بطل عمله قال تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ( المائدة 5 ) وقال
المازري اختلف في قوله أسلمت على ما سلف من خير ظاهره خلاف ما يقتضيه الأصول لأن
الكافر لا تصح منه قربة فيكون مثابا على طاعته ويصح أن يكون مطيعا غير متقرب
كنظيره في الإيمان فإنه مطيع من حيث كان موافقا للأمر والطاعة عندنا موافقة للأمر
ويصح أن يكون مطيعا غير متقرب كنظيره في الإيمان فإنه مطيع من حيث كان موافقا
للأمر والطاعة عندنا موافقة للأمر ولكنه لا يكون متقربا لأن من شرط التقرب أن يكون
عارفا بالمتقرب إليه وهو في حين نظره لم يحصل له العلم بالله تعالى بعد
فإذا قرر هذا فاعلم أن الحديث متأول وهو يحتمل وجوها
أحدها أن يكون المعنى أنك اكتسبت طباعا جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام
وتكون تلك العادة تمهيدا لك ومعونة على فعل الخير والطاعات الثاني معناه اكتسبت
بذلك ثناء جميلا فهو باق عليك في الإسلام الثالث أن لا يبعد أن يزاد في حسناته
التي يفعلها في الإسلام ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الجميلة وقد قالوا في
الكافر إذا كان يفعل الخير فإنه يخفف عنه به فلا يبعد أن يزاد هذا في الأجور
وقال عياض وقيل معناه ببركة ما سبق لك من خير هداك الله تعالى إلى الإسلام فإن من
ظهر فيه خير في أول أمره فهو دليل على سعادة أخراه وحسن عاقبته وذهب ابن بطال
وغيره من المحققين إلى أن الحديث على ظاهره وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام
يثاب على فعله من الخير في حال الكفر واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله
تعالى عنه قال قال رسول الله أذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله له حسنة زلفها
ومحا عنه كل سيئة كان زلفها وكان عمله بعد ذلك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله تعالى ذكره الدارقطني في ( غريب حديث مالك
) ورواه عنه من تسع طرق وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في
الإسلام كل حسنة عملها في الشرك وقال ابن بطال بعد ذكر هذا الحديث ولله تعالى أن
يتفضل على عباده ما شاء لا اعتراض لأحد عليه وهو كقوله لحكيم بن حزام أسلمت على ما
أسفلت من خير وقال بعض أهل العلم معناه كل مشرك أسلم أنه يكتب له كل خير عمله قبل
إسلامه ولا يكتب عليه من سيئاته شيء لأن الإسلام يهدم ما قبله وإنما كتب له به
الخير لأنه أراد به وجه الله تعالى لأنهم كانوا مقرين بالربوبية إلا أن عملهم كان
مردودا عليهم لو ماتوا على شركهم فلما أسلموا تفضل الله عليهم فكتب لهم الحسنات
ومحا عنهم السيئات كما قال ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين وفيه وهو الثالث ورجل من أهل
الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد قال المهلب ولعل حكيما لو مات على جاهليته أن يكون
ممن يخفف عنه من عذاب النار كما حكي في أبي طالب وأبي لهب انتهى وهذان لا يقاس
عليهما لخصوصيتهما
وقال ابن الجوزي وقيل إن النبي ورى عن جوابه فإنه سأله هل لي فيها أجر يريد ثواب
الآخرة ومعلوم أنه لا ثواب في الآخرة لكافر فقال له أسلمت على ما سلف لك من خير
والعتق فعل خير فأراد النبي أنك قد فعلت خيرا والخير يمدح فاعله وقد يجازى عليه في
الدنيا وذكر حديث أنس من ( صحيح مسلم ) عن النبي أنه قال أما الكافر فيطعم بحسناته
في الدنيا فإذا لقي الله لم يكن له حسنة وقال الخطابي روي أن حسنات الكافر إذا ختم
له بالإسلام محتسبة له فإن مات على كفره كانت هدرا وقال أبو الفرج فإن صح هذا كان
المعنى أسلمت على قبول ما سلف لك من خير وقال القرطبي الإسلام إذا حسن هدم ما قبله
من الآثام وأحرز ما قبله من البر وقال الحربي معنى حديث حكيم ما تقدم لك من الخير
الذي عملته هو لك كما تقول أسلمت لك على ألف درهم على أن أحوزها لنفسي قال القرطبي
وهذا الذي قاله الحربي هو أشبهها وأولاها والله أعلم
وقال النووي وقد يعتد بعض أفعال الكافرين في أحكام الدنيا فقد قال الفقهاء إذا وجب
على الكافر كفارة ظهار أو غيرها فكفر في حال كفره أجزأه ذلك وإذا أسلم لا تجب عليه
إعادتها واختلف
(8/303)
أصحاب الشافعي فيماإذا أجنب
واغتسل في حال كفره ثم أسلم هل يجب عليه إعادة الغسل أم لا وبالغ بعضهم فقال يصح
من كل كافر كل طهارة من غسل ووضوء وتيمم إذا أسلم صلى بها انتهى وقال أصحابنا غسل
الكافر إذا أسلم مستحب إن لم يكن جنبا ولم يغتسل فإن كان جنبا ولم يغتسل حتى أسلم
ففيه اختلاف المشايخ والله أعلم
52 -
( باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد )
أي هذا باب في بيان أجر الخادم وقد قلنا إنه أعم من المملوك وغيره قوله بأمر صاحبه
قيد به لأنه إذا تصدق بغير إذن صاحبه لا يجوز قوله غير مفسد أي حال كونه غير مفسد
في صدقته ومعنى الإفساد الإنفاق بوجه لا يحل
7341 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل )
عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله إذا تصدقت
المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها ولزوجها بما كسب وللخازن مثل ذالك
مطابقته للترجمة في قوله غير مفسدة فإن قلت الحديث في المرأة إذا تصدقت من مال
زوجها غير مفسدة والترجمة في الخادم قلت لفظ الخادم يتناول المرأة لأنها ممن تخدم
الزوج والحديث مضى عن قريب في باب من أمر خادمه في الصدقة فإنه رواه هناك عن عثمان
بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن
مسروق بن الأجدع عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد مر الكلام فيه
مستوفى هناك
42 - ( حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة
عن أبي موسى عن النبي قال الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ وربما قال يعطي ما أمر
به كاملا موفرا طيب به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين )
مطابقته للترجمة في قوله الخازن إلى آخره لأن الخادم يتناول الخازن أيضا
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الثاني أبو أسامة
حماد بن أسامة الليثي الثالث بريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله وكنيته أبو بردة
وقد مضى عن قريب الرابع أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر أو الحارث وقد مر
أيضا الخامس أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة
مواضع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه رواية الرجل عن جده وفيه رواية الابن عن
الأب
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الوكالة عن أبي كريب عن
أبي أسامة وفي الإجارة عن محمد بن يوسف عن سفيان وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي
عامر وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ومحمد بن عبد الله بن نمير أربعتهم عن أبي
أسامة وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن أبي أسامة به
وأخرجه النسائي فيه عن عبد الله بن الهيثم بن عثمان
( ذكر معناه ) قوله الخازن المسلم إلى آخره قيد فيه قيودا الأول أن يكون خازنا
لأنه إذا لم يكن خازنا لا يجوز له أن يتصدق من مال الغير الثاني أن يكون مسلما
فأخرج به الكافر لأنه لا نية له الثالث أن يكون أمينا فأخرج به الخائن لأنه مأزور
الرابع أن يكون منفذا أي منفذا صدقة الآمر وهو معنى قوله الذي ينفذ بالذال المعجمة
إما من الإنفاذ من باب الأفعال وإما من التنفيذ من باب التفعيل وهو الإمضاء مثل ما
أمر به الآمر ويروى يعطي بدل ينفذ الخامس أن تكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية
فيفقد الأجر وهو معنى قوله طيب به نفسه فقوله طيب خبر مبتدأ محذوف أي وهو طيب
النفس به أو قوله نفسه مبتدأ وطيب خبره مقدما وقال التميمي روى طيبة به نفسه على
أن يكون حالا للخازن ونفسه مرفوع بقوله طيبة السادس أن يكون دفعه الصدقة إلى الذي
أمر له به أي إلى الشخص
(8/304)
الذي أمر الآمر له به أي
بالدفع فإن دفع إلى غيره يكون مخالفا فيخرج عن الأمانة وهذه القيود شرط لحصول هذا
الثواب فينبغي أن يعتني بها ويحافظ عليها قوله أحد المتصدقين مرفوع لأنه خبر
المبتدأ أعني قوله الخازن وقد مر الكلام في فتحة القاف وكسرتها وقال التيمي ومعنى
أحد المتصدقين أن الذي يتصدق من ماله يكون أجره مضاعفا أضعافا كثيرة والذي ينفذه
أجره غير مضاعف له عشر حسنات فقط وقال النووي له أجر متصدق -
62 -
( باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة )
أي هذا باب في بيان أجر المرأة إذا تصدقت من مال زوجها أو أطعمت شيئا من بيت زوجها
حال كونها غير مفسدة ولم يقيد هنا بالأمر وقيد به في الخازن في الباب الذي قبله
لأن للمرأة أن تتصرف في بيت زوجها للرضى بذلك غالبا ولكن بشرط عدم الإفساد بخلاف
الخازن لأنه ليس له تصرف إلا بالإذن والدليل على ذلك ما رواه البخاري من حديث همام
عن أبي هريرة بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره
وسيأتي الحديث في البيوع
وقال النووي إعلم أنه لا بد في العامل وهو الخازن وفي الزوجة والمملوك من إذن
المالك في ذلك فإن لم يكن له إذن أصلا فلا يجوز لأحد من هؤلاء الثلاثة بل عليهم
وزر تصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه والإذن ضربان أحدهما الإذن الصريح في النفقة
والصدقة والثاني الإذن المفهوم من اطراد العرف كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت
به العادة واطراد العرف فيه وعلم بالعرف رضى الزوج والمالك به فإذنه في ذلك حاصل
وإن لم يتكلم وهذا إذا علم رضاه لاطراد العرف وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في
السماحة بذلك والرضى به فأن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شحيح النفس يشح بذلك
وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه
وأما قوله وأشار به إلى ما ذكرناه من حديث أبي هريرة آنفا فمعناه من غير أمره
الصريح في ذلك القدر المهين ويكون معها إذن سابق يتناول لهذا القدرلا وغيره وذلك
هو الإذن الذي قدمناه سابقا إما بالصريح وإما بالعرف ولا بد من هذا التأويل لأنه
جعل الأجر مناصفة في رواية أبي داود رحمه الله فلها نصف أجره ومعلوم أنها إذا
أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر فتعين تأويله
9341 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( منصور والأعمش ) عن ( أبي
وائل ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي تصدقت المرأة من
بيت زوجها
حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( مسروق
) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال النبي إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها
غير مفسدة لها أجرها وله مثله وللخازن مثل ذالك له بما اكتسب ولها بما أنفقت
1441 - حدثنا ( يحيى بن يحيى ) قال أخبرنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( شقيق ) عن (
مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي قال إذا أنفقت المرأة من طعام
بيتها غير مفسدة فلها أجرها وللزوج بما اكتسبت وللخازن مثل ذالك
هذه ثلاثة طرق في حديث عائشة تدور على أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عنها
ومطابقتها للترجمة ظاهرة الأول عن آدم بن أبي إياس عن شعبة بن الحجاج عن منصور بن
المعتمر وسليمان الأعمش كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عن عائشة رضي
الله تعالى عنها وأخرجه مسلم أيضا من طريق الأعم عن أبي وائل عن مسروق إلى آخره
ولم يسق البخاري تمام هذا الطريق لكنه ذكره بتمامه على سبيل التحويل قوله تعني أي
عائشة حديث إذا تصدقت المرأة من
(8/305)
بيت زوجها الطريق الثاني عن
عمر بن حفص عن أبيه خفص بن غياث عن سليمان الأعمش إلى آخره وأخرجه مسلم أيضا من
حديث الأعمش الطريق الثالث عن يحيى بن يحيى أبي زكريا التميمي عن جرير بن عبد
الحميد عن منصور ابن المعتمر إلى آخره وأخرجه البخاري أيضا في باب من أمر خادمه
بالصدقة عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور إلى آخره وأخرجه أيضا في باب أجر
الخادم عن قتيبة بن سعيد عن جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة إلى
آخره وقد مضى الكلام فيها مستوفى هناك
72 -
( باب قول الله تعالى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل
واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى )
ذكر هذه الآية الكريمة هنا إشارة إلى الترغيب في الأنفاق في وجوه البر لأن الله
تعالى يعطيه الخلف في العاجل والثواب الجزيل في الآجل وإشارة إلى التهديد لمن يبخل
ويمتنع من الإنفاق في القربات وفي ( تفسير الطبري ) عن ابن عباس في قوله تعالى
فأما من اعطى واتقى ( الليل 5 ) قال أعطى مما عنده وصدق بالخلف من الله تعالى
واتقى ربه وقال قتادة أعطى حق الله تعالى واتقى محارمه التي نهى عنها وقال الضحاك
زكى واتقى الله تعالى قوله وصدق بالحسنى ( الليل 5 - 01 ) يعني قال لا إله إلا
الله قاله الضحاك وأبو عبد الرحمن وابن عباس وعن مجاهد وصدق بالحسنى بالجنة وقال
قتادة صدق بموعود الله تعالى على نفسه فعمل بذلك الموعود الذي وعده وذكر الطبري
أيضا أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي ( المعاني )
للفراء نزلت في أبي بكر وفي أبي سفيان وقال أبو الليث السمرقندي في ( تفسيره )
بأسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله
تعالى عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواق ذهب فأعتقه لله
تعالى فأنزل الله هذه السورة والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر
والأنثى إن سعيكم لشتى ( الليل 1 - 4 ) يعني سعي أبي بكر وأمية بن خلف فأما من
أعطى ( الليل 1 - 01 ) المال واتقى ( الليل 1 - 01 ) الشرك وصدق بالحسنى ( الليل 1
- 01 ) يعني بلا إله إلا الله فسنيسره لليسرى ( الليل 1 - 01 ) يعني الجنة وأما من
بخل ( الليل 1 - 01 ) بالمال واستغنى وكذب بالحسنى ( الليل 1 - 01 ) يعني بلا إله
إلا الله فسنيسره للعسرى ( الليل 1 - 01 ) يعني سنهون عليه أمور النار يعني أمية
وأبيا إذا ماتا وقيل فأما من أعطى يعني أبا الدحداح أعطى من فضل ماله وقيل الصدق
من قلبه وقيل حق الله واتقى محارم الله التي نهي عنها وصدق بالحسني أي بالجنة وقيل
بوعد الله وقيل بالصلاة والزكاة والصوم قوله واستغنى ( الليل 1 - 01 ) يعني عن
ثواب الله تعالى فلم يرغب فيه وقيل استغنى بماله قوله فسنيسره للعسرى ( الليل 1 -
01 ) يعني العمل بما لا يرضى الله به وقيل سندخله جهنم وقيل للعود إلى البخل
أللهم أعط منفق مال خلفا
قال الكرماني وجه ربطه بما قبله أنه معطوف على قول الله تعالى وحذف حرف العطف جائز
وهو بيان للحسنى فكأنه أشار إلى أن قول الله تعالى مبين بالحديث يعني تيسير اليسرى
له إعطاء الخلف له والحديث رواه أبو هريرة كما يجيىء الآن قال القرطبي هو موافق
لقوله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( سبإ 93 )
2441 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( معاوية بن أبي
مزرد ) عن ( أبي الحباب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال ما من
يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول
الآخر أللهم أعط ممسكا تلفا
مطابقته لقوله أللهم أعط منفق مال خلفا ظاهرة لأنه بينه
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسماعيل بن أبي أويس الثاني أخوه وهو أبو بكر واسمه عبد
الحميد الثالت سليمان بن بلال الرابع معاوية بن أبي مزرد بضم الميم وفتح
(8/306)
الزاي وكسر الراء وفي آخره دال
مهملة واسمه عبد الرحمن الخامس أبو الحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة
الأولى واسمه سعيد بن يسار ضد اليمين عم معاوية المذكور السادس أبو هريرة رضي الله
تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه
العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية الرجل عن أخيه وفيه
رواية الرجل عن عمه
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الزكاة عن القاسم بن زكريا وأخرجه النسائي في
عشرة النساء عن محمد بن نصر وفي الملائكة عن عباس بن محمد
ذكر معناه قوله من من يوم وفي حديث أبي الدرداء ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا
وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا
إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان
يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين أللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا مالا تلفا
رواه أحمد قوله بجنبتيها تثنية جنبة بفتح الجيم وسكون النون وهي الناحية قوله ما
من يوم يعني ليس من يوم وكلمة من زائدة و يوم اسمه وقوله يصبح العباد فيه صفة يوم
وقوله إلا ملكان مستثنى من متعلق محذوف وهو خبر ما المعنى ليس يوم موصوف بهذا
الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان يقولان كيت وكيت فحذف المستثنى منه ودل عليه بوصف
الملكان ينزلان ونظيره في مجيء الموصوف مع الصفة بعد إلا في الاستثناء المفرغ قولك
ما أخبرت منكم أحدا إلا رفيقا قوله خلفا بفتح اللام أي عوضا يقال أخلف الله عليك
خلفا أي عوضا أي أبدلك بما ذهب منك قوله أعط ممسكا تلفا التعبير بالعطية هنا من
قبيل المشاكلة لأن التلف ليس بعطية
ذكر ما يستفاد منه فيه أنه موافق لقوله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( سبإ
93 ) ولقوله ابن آدم أنفق أنفق عليك وهذا يعم الواجب والمندوب وفيه أن الممسك
يستحق تلف ماله ويراد به الإمساك عن الواجبات دون المندوبات فإنه قد لا يستحق هذا
الدعاء اللهم إلا أن يغلب عليه البخل بها وإن قلت في نفسها كالحبة واللقمة ونحوهما
وفيه الحض على الإنفاق في الواجبات كالنفقة على الأهل وصلة الرحم ويدخل فيه صدقة
التطوع والفرض وفيه دعاء الملائكة ومعلوم أنه مجاب بدليل قوله من وافق تأمينه
تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
82 -
( باب مثل المتصدق والبخيل )
أي هذا باب يذكر فيه مثل المتصدق والبخيل ومثل المتصدق كلام إضافي مرفوع على
الابتداء وخبره محذوف حذفه البخاري في الترجمة اكتفاء بذكره في حديث الباب
3441 - حدثنا ( موسى ) الله قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( ابن طاووس ) عن أبيه
عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي مثل البخيل والمتصدق كمثل
رجلين عليهما جبتان من حديد
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة جزء من الحديث وهو ظاهر
ورجاله قد ذكروا غير مرة وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وابن طاووس هو عبد الله
وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي
بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن سليمان
قوله مثل البخيل والمنفق ووقع عند مسلم من طريق سفيان عن أبي الزناد مثل المنفق
والمتصدق قال عياض هو وهم ويمكن أنه حذف مقابله لدلالة السياق عليه وقال النووي
وقع في باقي الروايات مثل البخيل والمتصدق وقد يحتمل أن صحة رواية المنفق والمتصدق
أن يكون فيه حذف تقدير مثل المنفق والمتصدق وقسيمهما هو البخيل وحذف البخيل لدلالة
المنفق والمتصدق عليه كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ( النحل 18 ) أي والبرد حذف
البرد لدلالة الكلام عليه قيل رواه الحميدي وأحمد وابن أبي عمرو وغيرهم في
مسانيدهم عن ابن عيينة فقالوا في رواياتهم مثل المنفق والبخيل كما في رواية شعيب
عن أبي الزناد وهو الصواب قوله والمتصدق
(8/307)
وقع في بعض الأصول المتصدق
بالتاء وفي بعضها بحذف التاء وتشديد الصاد هما صحيحان قاله النووي قلت وجه هذا أن
التاء لا تحذف بل تقلب صادا ثم تدغم الصاد في الصاد وهذا الذي تقتضيه القاعدة قوله
كمثل رجلين وفي رواية عمرو رجل بالإفراد وكأنه تغيير من بعض الرواة وصوابه رجلين
قوله جبتان بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة كذا في هذه الرواية ووقع في رواية مسلم
كمثل رجل عليه جبتان أو جنتان وقال النووي أما جبتان أو جنتان فالأول بالباء
والثاني بالنون ووقع في بعض الأصول عكسه وقال ابن قرقول والنون أصوب بلا شك وهي
الدرع يدل عليه قوله في الحديث نفسه لزقت كل حلقة وفي لفظ فأخذت كل حلقة موضعها
وكذا قوله من حديد قلت ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاووس بالنون كما يجيء
عن قريب ورجحت هذه الرواية بما قاله ابن قرقول والجنة هي الحصن في الأصل وسميت بها
الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه والجبة بالباء الموحدة هي الثوب المعين وقال
بعضهم ولا مانع من اطلاقه على الدرع قلت المانع موجود لأن الجبة بالباء لا تحصن
مثل الجنة بالنون وقال الزمخشري في ( الفائق ) جنتان بالنون في هذا الموضع بلا شك
ولا اختلاف وقال الطيبي هو الأنسب لأن الدرع لا يسمى جبة بالباء بل بالنون
وحدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمان حدثه أنه
سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله يقول مثل البخيل والمنفق كمثل
رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت
أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا
لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع
هذا طريق آخر أتم من الأول رواه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة
عن أبي الزناد بالزاي والنون عن عبد الرحمن بن هرمز عن الأعرج عن أبي هريرة
ذكر معناه قوله مثل البخيل والمنفق وفي رواية مسلم مثل المنفق والمتصدق كمثل رجل
عليه جنتان أو جبتان وقال القاضي عياض وقع في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة
تصحيف وتحريف وتقديم وتأخير فمنه مثل المنفق والمتصدق ومنه كمثل رجل وصوابه رجلين
عليهما جبتان ومنه قوله جبتان أو جنتان بالنون بالشك والصواب جنتان بالنون بلا شك
قوله من ثديهما بضم الثاء المثلثة وكسر الدال كذا في رواية أبي الحسن جمع ثدي نحو
الفلوس والفلس فعلى هذا أصله ثدوي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون
فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصار ثدي بضم الدال ثم أبدلت الضمة كسرة
لأجل الياء وقال ابن التين ويصح نصب الثاء وفي رواية ثدييهما بالتثنية وفي (
المجمل ) الثدي بالفتح للمرأة والجمع الثدي يذكر ويؤنث وفي ( المخصص ) والجمع أثد
وقال الجوهري الثدي للرجل والمرأة والجمع أثد وثدي على فعول وثدي بكسر الثاء قوله
إلى تراقيهما جمع ترقوة ويقال الترائق أيضا على القلب وقال ثابت في ( خلق الإنسان
) الترقوتان هما العظمان المشرفان في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة
النحر وهي اللهزمة التي بينهما وفي ( المخصص ) هي من رقى يرقى فإن قلت لم لا تقلب
الواو ألفا قلت لئلا يختل البناء كما في سرو وفي ( الصحاح ) لا تقل ترقوة بالضم
قوله إلا سبغت أي امتدت وغطت وقيل كملت وتمت وضبطه الأصيلي بضم التاء وهو شيء لا
يعرف قوله أو وقرت شك من الراوي من الوفور بمعنى كملت وفي ( التلويح ) سبغت أو مرت
على جلد كذا في النسخ مرت وقال النووي وقيل صوابه يعني في مسلم مدت بالدال بمعنى
سبغت كما في الحديث الآخر انبسطت وفي ( التلويح ) وفي بعض نسخ البخاري مادت بدال
مخففة من ماد إذا مال ورواه بعضهم مارت ومعناه سالت عليه وامتدت قال الأزهري معناه
ترددت وذهبت وجاءت بكمالها قوله حتى تجن بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم
وتشديد النون هذا في رواية الحميدي ومعناه حتى تستر من أجن إذا ستر وكذلك جن
بمعناه ويروى حق يخفى
(8/308)
وقال ابن التين رواه أبو
سليمان حتى تجربانه وقال النووي ورواه بعضهم يحز بحاء وزاي وهو وهم والصواب تجن
بجيم ونون قوله بنانه أي أصابعه وهو رواية الجمهور كما في الحديث الآخر أنامله
ويروى ثيابه بثاء مثلثة وهو وهموقد وقع في رواية الحسن بن مسلم حتى تغشى بالغين
والشين المعجمتين قوله وتعفوا أثره أي يمحوا أثره وهو يجيء لازما ومتعديا فهنا
متعد لأنه نصب أثره وأثره بفتح الهمزة وفتح الثاء المثلثة وبكسر الهمزة وسكون
الثاء معناه تمحو أثر مشيه بسبوغها وكمالها وقال الداودي بعفى أثر صاحبه إذا مشى
بمرور الذيل عليه لأن المنفق إذا أنفق طال ذلك اللباس الذي عليه حتى يجره بالأرض
قوله لزقت أي التصقت وفي رواية مسلم انقبضت وفي رواية همام عضت كل حلقة مكانها وي
رواية سفيان عند مسلم قلصت وكذا في رواية الحسن بن مسلم عند البخاري وزعم ابن
التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل يكوى بالنار يوم القيامة قوله فهو يوسعها ولا
تتسع وفي رواية عند مسلم قال أبو هريرة فهو يوسعها ولا يتسع ( فإن قلت ) هذا يوم
أنه مدرج ( قلت ) ليس كذلك وقد وقع التصريح برفع هذه الجملة في طريق طاووس عن أبي
هريرة وفي رواية ابن طاووس عند البخاري في الجهاد فسمع النبي يقول فيجتهدان يوسعها
ولا تتسع وفي رواية لمسلم فسمعت رسول الله فذكره وفي رواية الحسن بن مسلم عندها
فأنا رأيت رسول الله يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتسع وعند
أحمد من طريق ابن إسحاق عن أبي الزناد في هذا الحديث وأما البخيل فإنها لا تزداد
عليه إلا استحكاما وهذا بالمعنى وقال الخطابي هذا مثل ضربه للجواد البخيل شبهما
برجلين أراد كل منهما أن يلبس درعا يستجن بها والدرع أول ما يلبس إنما يقع على
موضع الصدر والثديين إلى أن يسلك لابسها يديه في كميه ويرسل ذيلها على أسفل بدنه
فيستمر سفلا فجعل مثل المنفق مثل من لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع
بدنه وخصته وجعل البخيل كرجل يداه مغلولتان ما بين دون صدره فإذا أراد لبس الدرع
حالت يداه بينها وبين أن تمر سفلا على البدن واجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته فكانت ثقلا
ووبالا عليه من غير وقاية له وتحصين لبدنه وحاصله أن الجواد إذا هم بالنفقة اتسع
لذلك صدره وطاوعت يداه فامتدتا بالعطاء وأن البخيل يضيق صدره وتنقبض يده عن
الإنفاق وقيل ضرب المثل بهما لأن المنفق يستره الله بنفقته ويستر عوراته في الدنيا
والآخرة كستر هذه الجبة لابسها والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه فيبقى مكشوفا ظاهر
العورة مفتضحا في الدارين وقال ابن بطال يريد أن المنفق إذا أنفق كفرت الصدقة
ذنوبه ومحتها كما أن الجبة إذا أسبغت عليه سترته ووقته والبخيل لا تطاوعه نفسه على
البذل فيبقى غير مكفر عنه الآثام كما أن الجبة تبقي من بدنه ما لا تستره فيكون
معرض الآفات وقال الطيبي شبه السخي إذا قصد التصدق يسهل عليه بمن عليه الجبة ويده
تحتها فإذا أراد أن يخرجها منها يسهل عليه والبخيل على عكسه والأسلوب من التشبيه
المفرق قال وقيد المشبه به بالحديد إعلاما بأن القبض والشدة جبلة الإنسان وأوقع
المتصدق موضع السخي مع أن مقابل البخيل هو السخي لا المتصدق إشعارا بأن السخاوة هي
ما أمر به الشرع وندب إليه من الإنفاق إلا ما يتعاناه المبذرون وقال المهلب المراد
أن الله يسر المنفق في الدنيا وفي الآخرة بخلاف البخيل فإنه يفضحه ومعنى تعفو أثره
تمحو خطاياه واعترض عليه القاضي عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار عن
كائن وقيل هو تمثيل لنماء المال بالصدقة والبخل بضده وقيل تمثيل لكثرة الجود
والبخل وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك فإذا أمسك صار ذلك عادة
تابعه الحسن بن مسلم عن طاوس في الجبتين
أي تابع ابن طاووس الحسن بن مسلم بن يناق في روايته عن طاووس في الجبتين بالباء
وأخرج البخاري هذه المتابعة في كتاب اللباس في باب جيب القميص من عند الصدر وغيره
قال حدثني عبد الله بن محمد أخبرنا أبو عامر أخبرنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن
مسلم عن طاووس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ضرب رسول الله صلى الله
(8/309)
عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق
كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد الحديث ثم قال البخاري رضي الله تعالى عنهتابعه
ابن طاووس عن أبيه
وقال حنظلة عن طاووس جنتان
أي قال حنظلة بن أبي سفيان في روايته عن طاووس جنتان بالنون وهذا تعليق ذكره
البخاري رحمه الله تعالى أيضا في كتاب اللباس معلقا حيث قال وقال حنظلة سمعت طاووس
سمعت أبا هريرة ووصله الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرقي عن حنطلة
وقال الليث حدثني جعفر عن ابن هرمز قال سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه عن
النبي جنتان
أي قال الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن الأعرج ذكر أبو
مسعود الدمشقي وخلف أن البخاري علقه أيضا في الصلاة
92 -
( باب صدقة الكسب والتجارة )
أي هذا باب في بيان صدقة الكسب والتجارة والحاصل أنه أشار بهذه الترجمة إلى أن
الصدقة إنما يعتد بها إذا كانت من كسب حلال أو تجارة من الحلال ولم يذكر فيها
حديثا إكتفاء بما ذكرناه من الآية الكريمة فإنها تأمر بالصدقة من الجلال وتنهى عن
الصدقة من الحرام على ما يذكره
لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم إلى قوله أن الله غني
حميد ( البقرة 762 )
بين ما أراده من هذه الترجمة بهذه الآية على طريق التعليل بقوله لقوله تعالى يا
أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد (
البقرة 762 ) إن الله يأمر عباده المؤمنين بالإنفاق والمراد به الصدقة ههنا قال
ابن عباس من طيبات من رزقهم من الأموال التي اكتسبوها وقال مجاهد يعني التجارة
بتيسيره إياها لهم وقال علي والسدي من طيبات ما كسبتم يعني الذهب والفضة ومن
الثمار والزرع التي أنبتها الله تعالى من الأرض قال ابن عباس أمرهم بالإنفاق من
أطيب المال وأجوده وأنفسه ونهاهم عن التصدق برذالة المال ورديئه وهو خبيثه فإن
الله طيب لا يقبل إلا الطيب ولهذا قال ولا تيمموا الخبيث ( البقرة 762 ) أي لا
تقصدوا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه ( البقرة 762 ) أي لو أعطيتموه ما أخذتموه
إلا أن تتعلموا فيه والله أغنى عنه منكم فلا تجعلوا لله ما تكرهون وقيل معناه لا
تعدلوا عن المال الحلال وتقصدوا إلى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه وروى الإمام أحمد
من حديث عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم
بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من أحب
فمن أعطاه الدين فقد أحبه والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا
يؤمن حتى يأمن ما جاره بوائقه قالوا وما بوائقه قال غشمته وظلمته ولا يكسب عبد
مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره
إلا إذا كان راده إلى النار إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن
إن الخبيث لا يمحو الخبيث وقال ابن جرير حدثني الحسن بن عمرو العنبري حدثني أبي عن
أسباط عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب في قول الله تعالى يا أيها الذين
آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ( البقرة 762 ) الآية قال نزلت في الأنصار كانت
الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر فعلقوه على حبل بين
الأسطوانتين في مسجد رسول الله فيأكل فقراء المهاجرين منه فيعمد الرجل إلى الحشف
فيدخله مع أقناء البسر يظن أن ذلك جائز فأنزل الله فيمن فعل ذلك ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون ( البقرة 762 ) رواه ابن ماجه أيضا وابن مردويه والحاكم في ( مستدركه )
وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن
المغيرة حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن مغفل في هذه الآية ولا
تيمموا
(8/310)
الخبيث منه تنفقون ( البقرة
762 ) قال كسب المسلم لا يكون خبيثا ولكن لا يتصدق بالحشف والدرهم الزيف وما لا
خير فيه وقال أحمد بإسناده عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أتي رسول الله بضب
فلم يأكله ولم ينه عنه قلت يا رسول الله نطعمه المساكين قال لا تطعموهم مما لا
تأكلون وقال عبيدة سألت عليا عن قوله انفقوا من طيبات ما كسبتم ( البقرة 762 ) قال
من الذهب والفضة وكذا قال السدي قال عبيدة وسأله عن قوله ( ومما أخرجنا لكم من
الأرض ) قال من قال من الحب والثمر كل شيء عليه زكاة وقال مجاهد من النخل ولا
تيمموا قال الطبري لا تقصدوا وتعمدوا وفي قراءة عبد الله رضي الله تعالى عنه ولا
تموتوا من أممت والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ وقال أبو بكر الهذلي عن ابن سيرين
عن عبيدة عن علي رضي الله تعالى عنه أنزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة كان الرجل
يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء
فقال الله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ( البقرة 762 ) قال ابن زيد الخبيث
هنا هو الحرام وقال الثوري عن السدي عن أبي مالك واسمه عزوان عن البراء ولستم
بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ( البقرة 762 ) يقول لو كان لرجل على رجل دين فأعطاه ذلك
لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه رواه ابن جرير وقال علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ( البقرة 762 ) يقول لو كان لكم على أحد
حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه قال وذلك قوله إلا أن
تغمضوا فيه ( البقرة 762 ) فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم وحقي عليكم من أطيب
أموالكم وأنفسها رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد قوله تعالى لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون ( آل عمران 29 ) قوله واعلموا أن الله غني حميد ( البقرة 762 )
أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها حميد في جميع أفعاله وأقواله
وشرعه وقدره لا إلاه إلاص هو ولا رب سواه
03 -
( باب على كل مسلم صدقة فمن يجد فليعمل بالمعروف )
أي هذا باب يذكر فيه على كل مسلم صدقة قوله فمن لم يجد من الترجمة أي فمن لم يقدر
على الصدقة فليعمل بالمعروف والمعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله عز و جل
والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات
والمقبحات
5441 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( سعيد بن أبي
بردة ) عن أبيه عن جده عن النبي قال على كل مسلم صدقة فقالوا يا نبي الله فمن لم
يجد قال يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا فإن لم يجد قال يعين ذا الحاجة الملهوف
قالوا فإن لم يجد قال فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة
( الحديث 5441 - طرفه في 2206 )
مطابقته للترجمة للجزء الأول بعينه وللجزء الثاني في قوله فليعمل بالمعروف
ذكر رجاله وهم خمسة الأول مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب وقد مر غير مرة الثاني
شعبة بن الحجاج الثالث سعيد بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر الرابع أبوه
أبو بردة عامر الخامس جد سعيد وهو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله
تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة
مواضع وفيه أن شيخه بصري وشعبة واسطي والبقية كوفيون وفيه رواية الابن عن أبيه عن
جده
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن المثنى وأخرجه
النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله على كل مسلم صدقة قال بعضهم أي على سبيل الاستحباب المتأكد قلت
كلمة على تنافي هذا المعنى وقال القرطبي ظاهره الوجوب لكن خففه عز و جل حيث جعل ما
خفي من المندوبات مسقطا له لطفا منه وتفضلا قلت يمكن أن يحمل ظاهر الوجوب على كل
مسلم رأى محتاجا عاجزا عن التكسب وقد أشرف على الهلاك فإنه يجب عليه أن يتصدق عليه
إحياء له قال القرطبي أطلق الصدقة هنا وبينها في حديث أبي هريرة بقوله في كل يوم
وهذا أخرجه مسلم
(8/311)
عن أبي هريرة عن النبي قال كل
سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس الحديث وروي عن أبي ذر مرفوعا
يصبح على كل سلامي على أحدكم صدقة والسلامي بضم السين المهملة وتخفيف اللام المفصل
وله في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين
وثلاثمائة مفصل قوله يا نبي الله فمن لم يجد أي فمن لم يقدر على الصدقة فكأنهم
فهموا من الصدقة العطية فلذلك قالوا فمن لم يجد فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو
أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف قوله يعمل بيده وفي رواية مسلم
يعتمل بيديه من الإعتمال من باب الافتعال وفيه معنى التكلف قوله يعين من أعان
إعانة قوله الملهوف بالنصب لأنه صفة ذا الحاجة وانتصاب هذا على المفعولية والملهوف
يطلق على المتحسر والمضطر وعلى المظلوم وتلهف على الشيء تحسر قوله فليعمل بالمعروف
وفي رواية البخاري في الأدب قالوا فإن لم يفعل قال فليمسك عن الشر وإذا أمسك شره
عن غيره فكأنه قد تصدق عليه لأمنه منه فإن كان شرا لا يعدو نفسه فقد تصدق على نفسه
بأن منعها من الإثم قوله فإنها تأنيث الضمير فيه إما باعتبار الفعلة التي هي
الإمساك أو باعتبار الخبر ووقع في رواية الأدب فإنه أي فإن الإمساك قوله له أي
للممسك
ذكر ما يستفاد منه يستفاد منه أن الشفقة على خلق الله تعالى لا بد منها وهي إما
بالمال أو بغيره والمال إما حاصل أو مقدور التحصيل له والغير إما فعل وهو الإعانة
أو ترك وهو الإمساك وأعمال الخير إذا حسنت النيات فيها تنزل منزلة الصدقات في
الأجور ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر
عليها أفضل من سائر الأعمال القاصرة على فاعلها وأجر الفرض أكثر من النفل لقوله
فيما رواه أبو هريرة عن الرب عز و جل وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت
عليه قال إمام الحرمين عن بعض العلماء ثواب الفرض يزيد على ثواب النافلة بسبعين
درجة
واعلم أنه لا ترتيب فيما تضمنه الحديث المذكور وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز
عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق
وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع
وفيه فضل التكسب لما فيه من الإعانة وتقديم النفس على الغير والله أعلم
13 -
( باب قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة )
أي هذا باب في بيان قدر كم يعطي من الزكاة وكم يعطي من الصدقة وإنما لم يبين
الكمية فيها إعتمادا على سبق الأفهام إليه لأن عادته قد جرت بمثل ذلك في مواضع
كثيرة أما الكمية في قدر ما يعطي من الزكاة فقد علمت في أبواب الزكاة في كل صنف من
الأصناف وقد أشار في الكتاب إلى أكثرها على ما يجيء إن شاء الله تعالى وقد علم
أيضا أن التنقيص فيها من الذي نص عليه الشارع لا يجوز وأما الكمية في الصدقة فغير
مقدرة لأن المتصدق محسن والله يحب المحسنين قوله كم يعطى على بناء المجهول ويجوز
أن يكون على بناء المعلوم أي مقدار كم يعطي المزكي في زكاته وكم يعطي المتصدق في
صدقته وقال بعضهم وحذف مفعول يعطي اختصارا لكونهم ثمانية أصناف وأشار بذلك إلى
الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب وهو محكي عن أبي حنيفة رضي الله
تعالى عنه قلت ليت شعري كم من ليلة سهر هذا القائل حتى سطر هذا الكلام الذي تمجه
الأسماع وحذف المفعول هنا كما في قولهم فلان يعطى ويمنع وكيف يدل ذلك على الرد على
أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولكن هذا يطرد في الصدقة ولا يطرد في الزكاة على ما لا
يخفى قوله والصدقة من عطف العام على الخاص قيل لو اقتصر على الزكاة لأوهم أن غيرها
بخلافها قلت لا يشك أحد أن حكم الصدقة غير حكم الزكاة إذا ذكرت في مقابلة الزكاة
وأما إذا أطلق لفظ الصدقة فتكون شاملة لهما قوله ومن أعطى شاة عطف على قوله قدر كم
يعطي أي وفي بيان حكم من أعطى شاة فكأنه أشار بذلك إلى أنه إذا أعطى شاة في الزكاة
إنما تجوز إذا كانت كاملة لأن الشارع نص على كمال الشاة في موضع تؤخذ منه الشاة
فإذا أعطى جزأ منها لا يجوز وأما في الصدقة فيجوز أن يعطي الشاة كلها ويجوز أن
يعطي جزأ منها على ما يأتي بيان ذلك في حديث الباب إن شاء الله تعالى
(8/312)
6441 - حدثنا ( أحمد بن يونس )
قال حدثنا ( أبو شهاب ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( حفصة بنت سيرين ) عن أم ( عطية )
رضي الله تعالى عنها قالت بعث إلي نسيبة الأنصارية بشاة فأرسلت إلى عائشة رضي الله
تعالى عنها منها فقال النبي عندكم شيء فقلت لا إلا ما أرسلت به نسيبة من تلك الشاة
فقال هات فقد بلغت محلها
مطابقته للترجمة من حيث إن لها جزآن أحدهما مقدار كم يعطي والآخر ومن أعطى شاة
فمطابقته للجزء الأول في إرسال نسيبة إلى عائشة من تلك الشاة التي أرسلها النبي
إليها من الصدقة على ما صرح به مسلم على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وهو
مقدار منها ومطابقته للجزء الثاني في إرسال النبي إليها من الصدقة بشاة كاملة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن يونس وهو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله
التميمي اليربوعي الثاني أبو شهاب واسمه عبد ربه بن نافع الحناط بالنون صاحب
الطعام الثالث خالد بن مهران الحذاء الرابع حفصة بنت أخت محمد بن سيرين الخامس أم
عطية بفتح العين المهملة واسمها نسيبة بضم النون وفتح السين المهملة وسكون الياء
آخر الحروف وفتح الباء الموحدة وقد مرت في باب التيمن في الوضوء
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه أن شيخه كوفي وأن أبا شهاب مدائني وأن خالدا بصري وأن حفصة وأم عطية مدنيتان
وفيه رواية التابعية عن الصحابية وفيه أن شيخه ذكر بنسبته إلى جده
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الزكاة عن علي بن عبد الله
وفي الهبة عن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب
ذكر معناه قوله بعث إلى نسيبة الأنصارية بعث على صيغة المجهول والباعث هو النبي
على ما في ( صحيح مسلم ) قال حدثني زهير بن حرب قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن
خالد عن حفصة عن أم عطية قالت بعث إلى رسول الله بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة
منها بشيء فلما جاء رسول الله إلى عائشة فقال هل عندكم شيء فقالت لا إلا أن نسيبة
بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها قال إنها بلغت محلها وكان مقتضى هذا أن
يقول في رواية البخاري بعث إلي بلفظ ضمير المتكلم المجرور لكن وضع الظاهر موضع
المضمر إما على سبيل الإلتفات وإما على سبيل التجريد من نفسها شخصا اسمه نسيبة
قوله إلى نسيبة بالفتح في آخره لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث وقوله الأنصارية
بالجر لأنه صفته قوله فأرسلت يحتمل أن يكون متكلما وأن يكون غائبا وكلاهما صحيح
لكن الرواية بالغيبة منها أي من تلك الشاة قوله عندكم شيء أي هل عندكم شيء كما صرح
به في رواية مسلم قوله هات أصله هاتي لأنه أمر للمؤنث ولكن حذفت الياء منه تخفيفا
قال الخليل أصل هات آت من آتى يؤتي فقلبت الألف هاء قوله فقد بلغت محلها بكسر
الحاء أي موضع الحلول والاستقرار يعني أنه قد حصل المقصود منها من ثواب التصدق ثم
صارت ملكا لمن وصلت إليه وقال ابن الجوزي هذا مثل قوله في بريرة هو عليها صدقة وهو
لنا هدية
(8/313)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء التاسع
ملتقى أهل الحديث
23 -
( باب زكاة الورق )
أي هذا باب في بيان زكاة الورق بفتح الواو وكسر الراء وهو الفضة ويقال بفتح الواو
وبكسرها وبكسر الراء وسكونها قدم هذا الباب على سائر الأموال الزكوية لكثرة دوران
الفضة في أيدي الناس ورواجها بكل مكان
7441 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عمرو بن يحيى المازني
) عن أبيه قال سمعت ( أبا سعيد الخدري ) قال قال رسول الله ليس فيما دون خمس ذود
صدقة من الإبل وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
مطابقته للترجمة في قوله وليس فيما دون خمس أواق صدقة والحديث مضى في باب ما أدى
زكاته فليس بكنز فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن يزيد عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي
عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن يحيى بن عثمان بن أبي
الحسن أنه سمع أبا سعيد رضي الله تعالى عنه الحديث وقد مضى الكلام فيه مستوفى
حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثني ( يحيى بن سعيد )
قال أخبرني ( عمرو وسمع ) أباه عن ( أبي سعيد ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي
بهاذا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور والغرض من هذا بيان التقوية لأنها هي المرتبة
الأعلى لعدم احتمال الواسطة بخلاف الإسناد السابق وهو قال رسول الله فإنه محتمل
للواسطة
وفيه التحديث والإخبار والسماع وهناك يروي عمرو بن يحيى عن أبيه بالعنعنة وهنا صرح
بأنه سمع أباه وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصري ويحيى بن سعيد الأنصاري
وهذا الحديث أخرجه الستة كما ذكرنا في باب ما أدى زكاته فليس بكنز وقد حكى ابن عبد
البر عن بعض أهل العلم أن حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري قال وهذا
هو الأغلب إلا أنني وجدته من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ومن طريق محمد بن
مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى وقال بعضهم ورواية سهيل في ( الأموال ) لأبي
عبيد ورواية محمد بن مسلم في ( المستدرك ) وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن جابر وجاء
أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي رافع ومحمد بن عبد الله بن
جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبي عبيد
أيضا انتهى
قلت حديث سهيل في ( كتاب الأموال ) لأبي عبيد من حديث
(9/2)
معمر عن سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة بمثل حديث أبي سعيد الخدري وحديث محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو
بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال ليس على الرجل المسلم زكاة في كره
ولا في زرعه إذا كان أقل من خمسة أوسق أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) وقال صحيح على
شرط مسلم ولم يخرجاه ورواه البيهقي من هذا الوجه هكذا ومن هذا الوجه أيضا بزياد
أبي سعيد الخدري مع جابر قالا قال رسول الله لا صدقة في الزرع ولا في الكرم ولا في
النخل إلا ما بلغ خمسة أوسق وذلك مائة فرق وحديث جابر أخرجه مسلم من طريق ابن وهيب
أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما
عن رسول الله قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من
الإبل صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه
الدارقطني من رواية عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال ليس
في أقل من خمس ذود شيء ولا في أقل من الأربعين من الغنم شيء ولا في أقل من البقر
شيء ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء ولا في أقل من مائتي درهم شيء ولا في
أقل من خمس أوسق شيء والعشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير وما سقى سيحا ففيه
العشر وما سقي بالقرب ففيه نصف العشر وعبد الكريم هو ابن أبي المخارق أبو أمية
البصري ضعيف وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها رواه الدارقطني أيضا من رواية صالح
بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت جرت السنة من رسول الله ليس
فيما دون خمسة أوساق زكاة والوسق ستون صاعا وذلك ثلثمائة صاع من الحنطة والشعير
والتمر والزبيب وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة قال الدارقطني صالح بن موسى
ضعيف الحديث وضعفه أيضا ابن معين وأبو حاتم وهو من ولد صطلحة بن عبيد الله يقال له
الطلحي وحديث أبي رافع أخرجه الطبراني من رواية شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن
أبيه أن رسول الله بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال رسول الله ليس فيما دون
خمسة أوساق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وحديث
محمد بن عبد الله ابن جحش أخرجه الدارقطني من رواية أبي كثير مولى ابن جحش عن رسول
الله أنه أمر معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل
أربعين دينارا دينارا ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
ولا فيما دون خمس ذود صدقة وليس لهم في الخضروات صدقة وأبو كثير ذكره أبو عمر بن
عبد البر في كتاب ( الكنى ) ممن لا يعرف اسمه وقال روى عنه العلاء بن عبد الرحمن
وفيه عبد الله بن شبيب ضعفه ابن حبان وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخرجه
أبو عبيد في ( كتاب الأموال ) من رواية ليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر مرفوعا
ورواه أيضا موقوفا عليه فقال حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن أيوب بن موسى عن
نافع عن ابن عمر أنه قال مثل ذلك غير مرفوع قلت وفي الباب أيضا عن عمرو بن حزم
أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) من رواية سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض
والسنن والديات فذكر الحديث وفيه وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي
كل أربعين درهما درهم وليس فيما دون خمس أواق شيء وقال ابن حبان سليمان هو ابن
داود الخولاني ثقة وقال النسائي وغيره الأشبه أنه سليمان بن أرقم وهو متروك
33 -
( باب العرض في الزكاة )
أي هذا باب في بيان جواز أخذ العرض في الزكاة والعرض بفتح العين وسكون الراء خلاف
الدنانير والدراهم التي هي قيم الأشياء وبفتح العين ما كان عارضا لك من مال قل أو
كثر يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر فكل عرض بسكون عرض بالفتح بدون
العكس والعرض يجمع على عروض وقال ابن قرقول قوله ليس الغنى عن كثرة العرض بفتح
الراء يعني كثرة المال والمتاع ويسمى عرضا لأنه عارض يعرض وقتا ثم يزول ويفنى ومنه
قوله يبيع دينه
(9/3)
بعرض من الدنيا أي بمتاع منها
ذاهب فان والعرض ما عدا العين قاله أبو زيد وقال الأصمعي ما كان من مال غير نقد
قال أبو عبيد ما عدا الحيوان والعقار والمكيل والموزون وفي ( الصحاح ) العرض
المتاع وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير فإنها عين وقال أبو عبيد العروض
الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارا والعرض بكسر العين
النفس يقال أكرمت عرضي عنه أي صنت عنه نفسي وفلان نقي العرض أي برىء من أن يشتم أو
يعاب وقد قيل عرض الرجل حسبه والعرض بضم العين ناحية الشيء من أي وجه جئته ورأيته
في عرض الناس أي فيما بينهم
وقال طاوس قال معاذ رضي الله تعالى عنه لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس
في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي بالمدينة
مطابقته للترجمة في قوله ائتوني بعرض وهذا تعليق رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن
ابن عيينة عن إبراهيم ن ميسرة عن طاووس قال معاذ ائتوني بخمس وحدثنا وكيع عن سفيان
عن ابراهيم عن طاووس أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة
ذكر معناه قوله بعرض ثياب بغير إضافة على أن قوله ثياب إما بدل أو عطف بيان ويروى
بإضافة العرض إلى ثياب من قبيل شجر الأراك والإضافة بيانية قوله خميص بالصاد كذا
ذكره البخاري فيما قاله عياض وابن قرقول وقال الداودي والجوهري ثوب خميس بالسين
ويقال له أيضا خموص وهو الثوب الذي طوله خمسة أذرع يعني الصغير من الثياب وقال أبو
عمر وأول من عملها باليمن ملك يقال له الخميس وفي ( مجمع الغرائب ) أول من عمله
يقال له الخميس وفي ( المغيث ) الخميس الثوب المخموس الذي طوله خمس وقال ابن التين
لا وجه لأن يكون بالصاد فإن صحت الرواية بالصاد فيكون مذكر الخميصة فاستعارها
للثوب وقال الكرماني هو الكساء الأسود المربع له علمان قوله أو ليس بفتح اللام
وكسر الباء الموحدة بمعنى الملبوس مثل قتيل ومقتول وقال ابن التين ولو كان أراد
الأسم لقال لبوس لأن اللبوس كل ما يلبس من ثياب ودرع قوله والذرة بضم الذال
المعجمة وتخفيف الراء قوله أهون خبر مبتدأ محذوف أي هو أهون أي أسهل قوله عليكم
وإنما لم يقل لكم لإرادة معنى تسليط السهولة عليهم
ذكر ما يستفاد منه احتج به أصحابنا في جواز دفع القيم في الزكوات ولهذا قال ابن
رشيد وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك
الدليل وقال بعضهم لكن أجاب الجمهور عن قصة معاذ رضي الله تعالى عنه قلت من جملة
ما قالوا إنه مرسل وقال الإسماعيلي حديث طاووس لو كان صحيحا لوجب ذكره لينتهي إليه
وإن كان مرسلا فلا حجة فيه ومنهم من قال إن المراد بالصدقة الجزية لأنهم يطلقون
ذلك مع تضعيف الواجب حذرا من العار وقال البيهقي وهذا الأليق بمعاذ رضي الله تعالى
عنه والأشبه بما أمر به النبي من أخذ الجنس في الصدقات وأخذ الدينار وعدله معافر
ثياب اليمن في الجزية قالوا ويدل عليه نقله إلى المدينة وذهب معاذ أن النقل في
الصدقات ممتنع ويدل عليه إضافتها إلى المهاجرين والأنصار والجزية تستحق بالهجلاة
والنصرة وأما الزكاة فتستحق بالفقر والمسكنة وقالوا أيضا أن قوله ائتوني بعرض ثياب
معناه آتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بأخذه
قد بلغت محله ثم يأخذ مكان ما يشتريه مما هو واسع عندهم وانفع للآخذ وقالوا لو
كانت هذه من الزكاة لم تكن مردودة على أصحاب النبي بالمدينة دون غيرهم وكيف كان
الوجه في رده عليهم وقد قال له تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وأما الجواب عن
ذلك كله فهو أن قولهم أنه مرسل فنقول المرسل حجة عندنا وأن قولهم المراد بالصدقة
الجزية فالجواب عنه من أربعة أوجه أولها أنه قال مكان الشعير والذرة وتلك غير
واجبة في الجزية بالإجماع الثاني أن المنصوص عليه لفظ الصدقة كما في لفظ البخاري
والجزي صغار لا صدقة ومسميها بالصدقة مكابر الثالث قاله حين بعثه رسول الله لأخذ
زكااهم وفعله امتثال لما بعث من أجله وسببه هو الزكاة فكيف يحمل على الجزية الرابع
أن الخطاب مع المسلمين لأنه يبين لهم ما فيه من النفع لأنفسهم وللمهاجرين والأنصار
فلولا أنهم يريدون المهاجرين والأنصار لما قال خير الأصحاب النبي بالمدينة وهم
المهاجرون والأنصار لأن الكفار
(9/4)
لا يختارون الخير للمهاجرين
والأنصار وأن قولهم مذهب معاذ أن النقل من الصدقات ممتنع لا أصل له لأنه لا ينسب
إلى أحد من الصحابة مذهب في حياة رسول الله د وأن قولهم ويدل عليه إضافتها إلى
المهاجرين والأنصار إلى آخره ليس كذلك لأنه لم يضف الصدقة إليهم مطلقا بل أراد أنه
خير للفقراء منهم فكأنه قال خير للفقراء منهم فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه
وأعربه إعرابه وما نقل الزكاة إلى المدينة إلا بأمر رسول الله بعثه لذلك ولأنه
يجوز نقلها إلى قوم أحوج من الفقراء الذين هم هناك وفقراء المهاجرين والأنصار أحوج
للهجرة وضيق حال المدينة في ذلك الوقت فإن قلت قد قيل إن الجزية كانت يومئذ من قوم
عرب باسم الصدقة فيجوز أن يكون معاذ أراد ذلك في قوله في الصدقة قلت قال السروجي
قال هذا القاضي أبو محمد ثم قال ما أقبح الجور والظلم منه وما أجهله بالنقل إنما جاءت
تسمية الجزية بالصدقة من بني تغلب ونصارى العرب بالتماسهم في خلافة عمر رضي الله
تعالى عنه قال هي جزية فسموها ما شئتم وما سماها المسمون صدقة قط قلت قال الطرطوشي
قال معاذ للمهاجرين والأنصار بالمدينة وفي المهاجرين بنو هاشم وبنو عبد المطلب ولا
يحل لهم الصدقة وفي الأنصار أغنياء ولا يحل لهم الصدقة فدل على أن ذلك الجزية قلت
قال السروجي ركة ما قاله ظاهرة جدا وهو تعلق بحبال الهوى وخبطة العشواء لأنه أراد
بالمهاجرين والأنصار من يحل له الصدقة لا من تحرم عليه وكذا الجزية لا تصرف إلى
جميع المهاجرين والأنصار بل إلى مصارفها المعروفين فافهم فإن قلت إن قصة معاذ
اجتهاد منه فلا حجة فيها قلت كان معاذ أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين له
النبي لما أرسله إلى اليمن ما يصنع به
وقال النبي وأما خالد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله
مطابقته للترجمة من حيث أن أدراع خالد وأعتده من العرض ولولا أنه وقفهما لأعطاهما
في وجه الزكاة أو لما صح منه صرفهما في سبيل الله لدخلا في أحد مصارف الزكاة
الثمانية المذكورة في قوله عز و جل إنما الصدقات للفقراء ( التوبة 06 ) فلم يبق
عليه شيء وهذا التعليق ذكره البخاري في باب قول الله عز و جل وفي الرقاب والغارمين
وفي سبيل الله ( التوبة 06 ) وسيأتي بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى قال
البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أمر رسول الله بالصدقة فقيل
منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب رضي الله تعاى عنهم فقال النبي
ما ينتقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد فأنكم تظلمون
خالدا فقد احتبس أدراعه واعتمده في سبيل الله وأما العباس بن عبد المطلب فعم رسول
الله فهي عليه صدقة ومثلها معها
ذكر معناه قوله أما خالد هو خالد بن الوليد سيف الله قوله احتبس أي وقف وهو يتعدى
ولا يتعدى وحبسته واحتبسته بمعنى قوله أدراعه جمع درع قوله وأعتده بضم التاء
المثناة من فوق جمع عتد بفتحتين ووقع في رواية مسلم أعتاده وهو جمعه أيضا قيل هو
ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وقيل الخيل خاصة يقال فرس عتيد أي صلب أو معد
للركوب أو سريع الوثوب ويروى أعبده بضم الباء الموحدة جمع عبد حكاها عياض والأول
هو المشهور وهذا حجة أيضا للحنفية واستدل به البخاري أيضا على إخراج العروض في
الزكاة ووجه ذلك أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها وسيأتي الكلام في
موضعه عن قريب إن شاء الله تعالى
وقال النبي تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها فجعلت المرأة تلقي
خرصها وسخابها ولم يخص الذهب والفضة من العروض
مطابقته للترجمة في قوله خرصها وسخابها لأنه أمرهن بالصدقة ولم يعين الفرض من غيره
ثم إلقاؤهن الخرص والسخاب وعدم رده إياها منهن دليل على أخذ العروض في الزكاة
ويفهم من كلامه أنه لم يفرق بين مصارف الزكاة
(9/5)
وبين مصارف الصدقة لأن المقصود
منها القربة والمصروف إليه الفقير والمحتاج وقال الإسماعيلي هذا حث على الصدقة ولو
من أنفس مال وليس في ذلك فرض فلو كان من الفرض لقال أدين صدقة أموالكن قلت معنى
تصدقن أدين صدقاتكن وهن أمرن بالصدقة وهو يتناول الفرض والنفل ولكن هذا اللفظ إذا
أطلق يكون المراد منه الكمال وذلك لا يكون إلا في الفرض ثم هذا التعليق قطعة من
حديث لابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجه البخاري موصولا وقد تقدم في العيدين في
باب العلم الذي في المصلى قوله ولو من حليكن أي ولو كانت صدقتكن من حليكن بضم
الحاء وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام وهذا
للمبالغة قوله فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها من كلام البخاري قوله خرصها بضم
الخاء المعجمة وسكون الراء وفي آخره صاد مهملة وهو الحلقة التي تعلق في الأذن وقال
الكرماني بكسر الخاء أيضا قوله وسخابها بكسر السين المهملة وهي القلادة قوله ولم
يخص إلى آخره من كلام البخاري ذكره لكيفية استدلاله على أداء العرض في الزكاة
8441 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) قال حدثني أبي قال حدثني ( ثمامة ) أن ( أنسا )
رضي الله تعالى عنه حدثه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كتب له التي أمر الله
رسوله ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه
المصدق عشرين درهما أو شاتين فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون
فإنه يقبل منه وليس معه شيء
مطابقته للترجمة من حيث جواز إعطاء سن من الإبل بدل سن آخر ولما صح إعطاء العامل
الجبران صح العكس أيضا ولما جاز أخذ الشاة بدل تفاوت سن الواجب جاز أخذ العرض بدل
الواجب
ذكر رجاله وهم أربعة الأول محمد بن عبد الله ابن المثنى بضم الميم وفتح الثاء
المثلثة والنون الثاني أبوه عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الثالث
ثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم وهو عبد الله بن أنس قاضي البصرة وقد مر في
كتاب العلم الرابع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه أن السند كله بالتحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة
الإفراد في ثلاثة مواضع وفيه أن التحديث مسلل بالأنسبين وفيه أنهم كلهم بصريون
وفيه رواية الابن عن الأب وفيه رواية الراوي عن جده وهو رواية ثمامة عن أنس فإن
أنسا جده وفيه رواية الراوي عن عمه وهو رواية عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة بن
عبد الله بن أنس وفيه أن عبد الله ابن المثنى من أفراده وفيه أنه من رباعيات
الحديث
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ذكر صاحب ( التلويح ) أن هذا الحديث خرجه البخاري
في عشرة مواضع من كتابه بإسناد واحد مقطعا من حديث ثمامة عن أنس أن أبا بكر رضي
الله تعالى عنه وقال الحافظ المزي في ( الأطراف ) في ستة مواضع من الزكاة وفي
الخمس وفي الشركة وفي اللباس وفي ترك الحيل مقطعا ومطولا عن محمد بن عبد الله بن
المثنى الأنصاري عن أبيه عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس عن جده أنس به وقال في
اللباس وزادني أحمد بن حنبل عن الأنصاري فذكر قصة الخاتم وأخرجه أبو داود في
الزكاة عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة قال اخذت من ثمامة بن عبد الله ابن أنس
كتابا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله حين بعثه مصدقا وكتبه له
فإذا فيه هذه فريضة الصدقة فذكره بطوله وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله بن
المبارك رضي الله تعالى عنهما وعن عبد الله بن فضالة رحمه الله تعالى وأخرجه ابن
ماجه فيه عن محمد بن بشار ومحمد بن مرزوق ثلاثتهم عن محمد ابن عبد الله الأنصاري
نحوه وليس فيه قصة الخاتم
فنقول الموضع الأول من الزكاة هو المذكور ههنا والثاني في باب لا يجمع بين متفرق
ولا يفرق بين مجتمع حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي قال حدثني
ثمامة أن أنسا حدثه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كتب له الذي فرض له رسول الله
ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة والثالث في باب ما كان من
خليطين حدثنا محمد بن عبد الله إلى آخره بالإسناد
(9/6)
المذكور والرابع في باب من
بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده حدثنا محمد بن عبد الله إلى آخره بالإسناد
المذكور والخامس في باب زكاة الغنم حدثنا محمد بن عبد الله إلى آخره نحوه والسادس
في باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة حدثنا محمد بن عبد الله إلى آخره نحوه
ذكر معناه قوله كتب له النبي أي كتب له الفريضة التي تؤخذ في زكاة الحيوان التي
أمر الله تعالى ورسوله بها قوله بنت مخاض بفتح الميم وبالخاء المعجمة الخفيفة وفي
آخره ضاد معجمة وهي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها والماخض الحامل
أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل وقال النضر بن شميل في ( كتاب الإبل ) تأليفه إن ولد
الناقة لا يزال فصيلا سنة فإذا لقحت أمه انفصل عنه اسم الفصيل وهو ابن مخاض فإذا
بلغت أمه مضربها من رأس السنة فإن ضربت فلقحت فإبنها ابن مخاض والجماعة بنات مخاض
حتى تلقح أمه من العام المقبل فإذا نتجت فهو ابن اللبون حتى تضع أمه من آخر سنتين
والأنثى ابنة لبون وذلك للبن أمه من آخر عامها والجماعة بنات اللبون فيكون ابن
لبون سنة ثم تكون حقا والأنثى حقة لسنة والجماعة الحقاق وثلاثة أحق والإناث ثلاث
حقائق والحقة يقال لها طروقة وذلك حين تبلغ أمه اللقاح فتريد الفحل أول ما تريده
يقال لها طروقة الفحل وإن لم ترد الفحل فهي طروقة على كل حال فإذا بلغت الحقاقة
ولم ترد الفحل فهي الآبية فإذا بلغ رأس الحول فهو الجذع والأنثى الجذعة والجماعة
الجذاع ويقال الجذعان والجذاع أكثر وعن الأصمعي الجذوعة وقت من الزمان ليست بسن
وقيل هو في جميع الدواب قبل أن يثني بسنه والجمع جذعان وجذان وفي ( المخصص ) الحق
الذي استحق أن يركب ويحمل عليه وقيل الذي استحقت أمه الحمل بعد العام المقبل وقيل
إذا استحق هو واخته أن يحمل عليهما فهو حق وعند سيبويه حقه وحقق وحقق بالضم وحقائق
جمع حقة على غير قياس والحقة يكون مصدرا واسمه
وقال أبو داود رضي الله تعالى عنه في ( سننه ) سمعته من الرياشي وأبي حاتم وغيرهما
ومن كتاب النضر بن شميل ومن كتاب أبي عبيد وربما ذكر أحدهم الكلمة قالوا يسمى
الحوار ثم الفصيل إذا أفصل ثم يكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين فإذا دخلت في
الثالثة فهي ابنة لبون فإذا تمت له ثلاث سنين فهو حق وحقة إلى تمام أربع سنين
لأنها استحقت أن تركب وتحمل عليها الفحل فهي تلقح ولا يلقح الذكر حتى يثنى ويقال
للحقة طروقه الفحل لأن الفحل يطرقها إلى تمام أربع سنين فإذا طعنت في الخامسة فهي
جذعة حتى يتم لها خمس سنين فإذا دخلت في السادسة وألقى ثنيته له فهو حينئذ ثني حتى
تستكمل ستا فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعي والأنثى رباعية إلى تمام السابعة
فإذا دخل في الثامنة ألقى السن السديس الذي بعد الرباعية فهو سديس وسدس إلى تمام
الثامنة فإذا دخل في التسع طلع نابه فهو باذل أي بذل نابه يعني طلع حتى يدخل في
العاشرة فهو حينئذ مخلف ثم ليس له اسم ولكن يقال بازل عام وبازل عامين ومخلف عام
ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين والخلفة الحامل
قوله وليست عنده جملة حالية أي والحال أن بنت مخاض ليست بموجودة عنده قوله وعنده
بنت لبون جملة حالية أيضا أي والحال أن الموجود عنده بنت لبون قوله فإنهاأي فإن
بنت لبون تقبل منه أي تؤخذ منه الزكاة ولكن يعطيه أي المصدق وهو الذي يأخذ الزكاة
يعطي صاحب الماشية عشرين درهما أو يعطيه شاتين وذلك ليجبر بها تفاوت سن الإبل
ويسمى ذلك بالجبران وفي ( التوضيح ) وعندنا أن الخيار في الشاتين والدراهم لدافعها
سواء كان المالك أو الساعي وفي قول إن الخيرة إلى الساعي مطلقا فعلى هذا إن كان هو
المعطي راعى المصلحة للمساكين وكل منهما أصل بنفسه وليس ببدل لأنه خير بينهما بحرف
أو فعلم أن ذلك لا يجري مجرى تعديل القيمة لاختلاف ذلك في الأزمنة والأمكنة وإنما
هو فرض شرعي كالغرة في الجنين والصاع في المصراة انتهى قلت قال صاحب ( الهداية )
ومن وجب عليه سن فلم يوجد عنده أخذ المصدق أعلى منها ورد الفضل أو أخذ دونها وأخذ
الفضل وقال أبو يوسفإذا وجبت بنت مخاض ولم توجد أخذ ابن لبون وبه قال مالك
والشافعي وأحمد وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز ذلك إلا بطريق القيمة وفي ( المبسوط
) يتعين ابن لبون عند عدم بنت مخاض في رواية عن أبي يوسف وفي ( البدائع ) قال محمد
في الأصل إن المصدق بالخيار إن شاء أخذ قيمة الواجب
(9/7)
وإن شاء أخذ الأدون وأخذ تمام
قيمة الواجب من الدراهم وقال صاحب ( البدائع ) وقيل ينبغي الخيار لصاحب السائمة إن
شاء دفع الأفضل واسترد الفضل من الدراهم وإن شاء دفع الأدون ودفع الفضل من الدراهم
لأن دفع القيمة جائز في الزكاة والخيار في ذلك لصاحب المال دون المصدق إلا في فصل
واحد وهو ما إذا أراد صاحب المال أن يدفع بعض العين لأجل الواجب فالمصدق بالخيار
إن شاء أخذ ذلك وإن شاء لم يأخذه كما إذا وجبت بنت لبون فأراد صاحب المال أن يدفع
بعض الحقة بطريق القيمة أو كان الواجب الحقة فأراد أن يدفع عنها بعض الجذعة بطريق
القيمة فالمصدق بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل لما فيه من عيب التشقيص
ثم اعلم أن الأصل في هذا الباب أن دفع القيمة في الزكاة جائز عندنا وكذا في
الكفارة وصدقة الفطر والعشر والخراج والنذر وهو قول عمر وابنه عبد الله وابن مسعود
وابن عباس ومعاذ وطاووس وقال الثوري يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها
وهو مذهب البخاري وإحدى الروايتين عن أحمد ولو أعطى عرضا عن ذهب وفضة قال أشهب
يجزيه وقال الطرطوشي هذا قول بين في جواز إخراج القيم في الزكاة قال وأجمع أصحابنا
على أنه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه وكذا إذا أعطى درهما عن فضة عند مالك وقال سحنون
لا يجزيه وهو وجه للشافعية وأجاز ابن حبيب دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين وقال
مالك والشافعي لا يجوز وهو قول داود قلت حديث الباب حجة لنا لأن ابن لبون لا مدخل
له في الزكاة إلا بطريق القيمة لأن الذكر لا يجوز في الإبل إلا بالقيمة ولذلك احتج
به البخاري أيضا في جواز أخذ القيم مع شدة مخالفته للحنفية
قوله على وجهها أي وجه الزكاة التي فرضها الله تعالى بلا تعد قوله ابن لبون وفي (
التلويح ) قال ابن لبون ذكر وجعل لفظ الذكر من متن الحديث ثم قال ومن المعلوم أنه
لا يكون إلا ذكرا وإنما قاله تأكيدا كقوله تعالى تلك عشرة كاملة ( التوبة 06 )
وكقوله ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وزعم بعضهم أنه احتراز من الخنثى وقيل ذكر
ذلك تنبيها لرب المال وعامل الزكاة لتطيب نفس رب المال بالزيادة المأخوذة منه وللمصدق
ليعلم أن سن الذكور مقبول من رب المال في هذا الموضع
ومما يستفاد من حديث الباب جواز الكتابة في الحديث وقيل لمالك في الرجل يقول له
العالم هذا كتابي فاحمله عني وحدث بما فيه قال لا أراه يجوز وما يعجبني وروى عنه
غير هذا وأنه قال كتبت ليحيى بن سعيد مائة حديث من حديث ابن شهاب فحملها عني ولم
يقرأها علي وقد أجاز الكتاب ابن وهب وغيره والمقاولة أقوى من الإجازة إذا صح
الكتاب وفيه حجة لجواز كتابة العلم والله أعلم
9441 - حدثنا ( مؤمل ) قال حدثنا ( إسماعيل ) عن ( أيوب ) عن ( عطاء بن أبي رباح )
قال قال ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أشهد على رسول الله لصلى قبل الخطبة
فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة
تلقي وأشار أيوب إلى أذنه وإلى حلقه
مطابقته للترجمة من حيث إنه أمر النساء بدفع الزكاة فدفعن الحلق والقلائد فهذا يدل
على جواز أخذ العرض في الزكاة والحديث تقدم عن ابن عباس في أبواب العيدين في باب
العلم الذي بالمصلى وفي باب موعظة الإمام النساء فإنه أخرجه في باب العلم من حديث
عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس وفي باب موعظة الإمام عن طاووس عنه وهنا أخرجه عن
مؤمل بلفظ المفعول من التأميل وهو مؤمل بن هشام أبو هشام البصري ختن إسماعيل بن
علية يروي عن إسماعيل وهو ابن علية عن أيوب السختياني إلى آخره
قوله لصلى بفتح اللامين اللام الأولى جواب قسم محذوف يتضمنه لفظ أشهد لأنه كثيرا
ما يستعمل في معنى القسم تقديره والله لقد صلى ومعناه أحلف بالله على أن رسول الله
صلى صلاة العيد قبل الخطبة قوله فرأى أنه أي فرأى النبي أنه لم يسمع النساء من
الإسماع وذلك لبعدهن عنه
(9/8)
فأتاهن أي فجاء إليهم قوله
ومعه بلال الواو فيه واو الحال أي والحال أن بلالا كان معه قوله ناشر ثوبه يجوز
بالإضافة وبتركها وقد علم أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله قوله وأشار أيوب أي المذكور
في سند الحديث إلى أذنه أي إلى ما في أذنه وأراد به الحلق والقرط وإلى ما في حلقه
وأراد به القلادة
43 -
( باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع )
أي هذا باب يذكر فيه لا يجمع إلى آخره قوله متفرق بتقديم التاء على الفاء وتشديد
الراء رواية الكشميهني ورواية غيره لا يجمع بين مفترق بتقديم الفاء من الافتراق
صورة لا يجمع بين متفرق أن يكون لهذا أربعون شاة ولذاك أربعون أيضا وللآخر أربعون
فيجمعوها حتى لا يكون فيها إلا شاة وصورة لا يفرق بين مجتمع أن يكون شريكان ولكل
واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما في مالهما ثلاث شياه ثم يفرقان غنمهما عند
طلب الساعي الزكاة فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة قوله مجتمع بكسر الميم
الثانية قيل لم يقيد البخاري الترجمة بقوله خشية الصدقة لاختلاف نظر العلماء في
المراد بذلك لما سنذكره إن شاء الله تعالى عن قريب
ويذكر عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي مثله
أي يذكر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنهم عن النبي مثله أي مثل لفظ هذه الترجمة وهذا التعليق ذكره الترمذي موصولا
مطولا فقال حدثنا زياد بن أيوب البغدادي وإبراهيم ابن عبد الله الهروي ومحمد بن
كامل المروزي والمعنى واحد قالوا حدثنا عفان بن العوام عن سفيان بن حسين عن الهروي
عن سالم عن أبيه أن رسول الله كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه
بسيفه فلما قبض عمل به أبو بكر رضي الله تعالى عنه حتى قبض وعمر حتى قبض الحديث
وفيه لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة إلى آخره وقال حديث ابن
عمر حديث حسن وخرجه أبو محمد الدارمي في كتابه الملقب ( بالصحيح ) وقال الترمذي في
( كتاب العلل ) سألت محمدا عن حديث سالم عن أبيه كتب رسول الله كتاب الصدقة فقال
أرجو أن يكون محفوظا وسفيان بن حسين صدوق وقال صاحب ( التلويح ) كيف ساغ للبخاري
أن يعلق هذا الحديث ممرضا وهو نقض لما يقوله المحدثون قلت لا اعتراض عليه في ذلك
فإنه لا يلزم من تحسين الترمذي إياه أن يكون حسنا عنده
0541 - حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثني ( ثمامة ) أن ( أنسا ) رضي
الله تعالى عنه حدثه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كتب له التي فرض رسول الله ولا
يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الترجمة عين لفظ الحديث والإسناد بعينه مضى في الباب
الذي قبله وهو باب العرض في الزكاة قوله فرض رسول الله أي قدر قال الخطابي لأن
الإيجاب قد بينه الله تعالى وقال ابن الجوزي يحتمل أن يكون على بابه بمعنى الأمر
يبينه قوله في الرواية التي مضت وهي التي أمر الله رسوله
واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فقال مالك في ( الموطأ ) تفسير ولا يجمع بين
متفرق أن يكون ثلاثة أنفس لكل واحد أربعون شاة فإذا أظلهم المصدق جمعوها ليؤدوا
شاة ولا يفرق بين مجتمع أن يكون لكل واحد مائة شاة وشاة فعليهما ثلاث شياه
فيفرقونها ليؤدوا شاتين فنهوا عن ذلك وهو قول الثوري والأوزاعي وقال الشافعي
تفسيره أن يفرق الساعي الأول ليأخذ من كل واحد شاة وفي الثاني ليأخذ ثلاثا فالمعنى
واحد لكن صرف الخطاب الشافعي إلى الساعي كما حكاه عنه الداودي في ( كتاب الأموال )
وصرفه مالك إلى المالك وهو قول أبي ثور وقال الخطابي عن الشافعي إنه صرفه إليهما
وقال أبو حنيفة معنى لا يجمع بين متفرق أن يكون بين رجلين أربعون شاة فإذا جمعاها
فشاة وإذا فرقاها فلا شيء ولا يفرق بين مجتمع أن يكون لرجل مائة شاة وعشرون شاة
فإن
(9/9)
فرقها المصدق أربعين فثلاث
شياه وقال أبو يوسف معنى الأول أن يكون لرجل ثمانون شاة فإذا جاء المصدق قال هي بيني
وبين إخوتي لكل واحد عشرون فلا زكاة أو أن يكون له أربعون ولأخوته أربعون فيقول
كلها لي فشاة وفي ( المحيط ) وتأويل هذا أنه كان له ثمانون شاة تجب فيها واحدة فلا
يفرقها ويجعلها لرجلين فيأخذ شاتين فعلى هذا يكون خطابا للساعي وإن كانت لرجلين
فعلى كل واحد شاة فلا تجمع ويؤخذ منها شاة والخطاب في هذا يحتمل أن يكون للمصدق
بأن يكون لأحدهما مائة شاة وللآخر مائة شاة وشاة فعليهما شاتان فلا يجمع المصدق
بينهما ويقول هذه كلها لك فيأخذ منه ثلاث شياه ولا يفرق بين مجتمع بأن يكون لرجل
مائة وعشرون شاة فيقول الساعي هي لثلاثة فيأخذ ثلاث شياه ولو كانت لواحد تجب شاة
ويحتمل أن يكون الخطاب لرب المال ويقوى بقوله خشية الصدقة أي فيخاف في وجوب الصدقة
فيحتال في إسقاطها بأن يجمع نصاب أخيه إلى نصابه فتصير ثمانين فيجب فيها شاة واحدة
ولا يفرق بين مجتمع بأن يكون له أربعون فيقول نصفها لي ونصفها لأخي فتسقط زكاتها
وفي ( المبسوط ) والمراد من الجمع والتفريق في الملك لا في المكان لإجماعنا على أن
النصاب إذا كان في ملك واحد يجمع وإن كان في أمكنة متفرقة فدل أن المتفرق في الملك
لا يجمع في حق الصدقة قوله خشية الصدقة مما تنازع فيه الفعلان والخشية خشيتان خشية
الساعي أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة فأمر كل واحد منهما أن لا
يحدث شيئا من الجمع والتفريق قيل لو فرض أن المالكين أرادا ذلك لإرادة تكثير
الصدقة أو وجوب ما لم يجب عليهما التماسا لكثرة الأجر أو لإرادة وقوع ما أراد
التصدق به تطوعا ليصير واجبا وثواب الواجب أكثر من ثواب التطوع فالظاهر جواز ذلك
ومما يستفاد من الحديث النهي عن استعمال الحيل لسقوط ما كان واجبا عليه ويجري ذلك
في أبواب كثيرة من أبواب الفقه وللعلماء في ذلك خلاف في التحريم أو الكراهة أو
الإباحة والحق أنه كان ذلك لغرض صحيح فيه رفق للمعذور وليس فيه إبطال لحق الغير
فلا بأس به من ذلك في قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ( ص 44 ) وإن
كان لغرض فاسد كإسقاط حق الفقراء من الزكاة بتمليك ماله قبل الحول لولده أو نحو
ذلك فهو حرام أو مكروه على الخلاف المشهور في ذلك وقال بعضهم واستدل به على أن من
كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا إنه لا يجب ضم بعضه إلى
بعض حتى يصير نصابا كاملا فتجب فيه الزكاة خلافا لمن قال يضم على الأجزاء
كالمالكية أو على القيم كالحنفية انتهى قلت هذا استدلال غير صحيح لأن النهي في
الحديث معلل بخشية الصدقة وفيه إضرار للفقراء بخلاف ما قاله المالكية والحنفية فإن
فيه نفعا للفقراء وهو ظاهر وقيل استدل به لأحمد على أن من كان له ماشية في بلد لا
تبلغ النصاب كعشرين شاة مثلا بالكوفة ومثلها بالبصرة أنها لا تضم باعتبار كونها
ملك رجل واحد ويؤخذ منها الزكاة قلت قد ذكرنا عن قريب أن الجمع والتفريق أن يكون
في الملك لا في المكان وعن هذا قال ابن المنذر خالفه الجمهور فقالوا يجب على صاحب
المال زكاة ماله ولو كان في بلدان شتى ويخرج منه الزكاة
53 -
( باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية )
أي هذا باب يذكر فيه ما كان من خليطين إلى آخره وكلمة ما هنا تامة نكرة متضمنة
معنى حرف الاستفهام ومعناها أي شيء كان من خليطين فإنهما يتراجعان والخليطان تثنية
خليط واختلف في المراد بالخليط فذهب أبو حنيفة إلى أنه الشريك لأن الخليطين في
اللغة التي بها خاطبنا رسول الله هما الشريكان اللذان اختلط مالهما ولم يتميز
كالخليطين من النبيذ قاله ابن الأثير وما لم يختلط مع غيره فليسا بخليطين هذا ما
لا شك فيه وإذا تميز مال كل واحد منهما من مال الآخر فلا خلطة فعلى قول أبي حنيفة
لا يجب على أحد من الشريكين أو الشركاء فيما يملك إلا مثل الذي كان يجب عليه لو لم
يكن خلط وذكر في ( المبسوط ) وعام كتب أصحابنا أن الخليطين يعتبر لكل واحد نصاب
كامل كحال الانفراد ولا تأثير للخلطة فيها سواء كانت شركة ملك بالإرث والهبة
والشراء ونحوها أو شركة عقد كالعنان والمفاوضة ذكره الوبري وقال ابن المنذر
اختلفوا في رجلين بينهما ماشية نصاب واحد قالت طائفة لا زكاة عليهما قال
(9/10)
هذا قول مالك والشافعي والثوري
وأبي ثور وأهل العراق وقال ابن حزم في ( المحلى ) وبه قال شريك بن عبد الله والحسن
بن حي وقال الشافعي والليث وابن حنبل وإسحاق تجب عليهما الزكاة ولو كانوا أربعين
رجلا لكل واحد شاة تجب عليهم شاة وقال ابن المنذر الأول أصح يعني عدم وجوب الزكاة
وقال ابن حزم في ( المحلى ) الخلطة لا تحيل حكم الزكاة هو الصحيح وقال الطرطوشي لا
تصح الخلطة إلا أن يكون لكل واحد منهما نصاب كامل والمعاني المعتبرة فيها الراعي
والفحل والمراح والدلو والمبيت ذكرها مالك في ( المدونة ) ومنهم من ذكر الحلاب
مكان المبيت وحصول جميعها ليس بشرط والحلاب معناه أن يكون الحالف واحدا إلا أن
يخلط الألبان ولو كان أحدهما عبدا أو كافرا قال محمد بن مسلمة لم تصح الخلطة وقال
ابن الماجشون تصح ولا تشترط الخلطة في جميع الحول وقال ابن القاسم لو اختلطا قبل
الحول بشهرين فأقل فهما خليطان وقال ابن حبيب أدناه شهر وقال أبو محمد إذا لم يقصد
الفرار صح ورأى الأوزاعي ومالك وأبو الحسن بن المفلس من الظاهرية الخلطة في
المواشي لا غير ورأى الشافعي حكم الخلطة التي قال به جاريا في المواشي والزروع
والثمار والدراهم والدنانير وقال ابن حزم ورأى أن مائتي نفس لو ملكوا مائتي درهم
كل واحد درهما يجب عليهم فيها خمسة دراهم وقال النووي الخلطة بضم الخاء سواء كانت
خلطة شيوع واشتراك في الأعيان أو خلطة أوصاف وجواز في المكان بشروط تسعة أن يكون
الشركاء من أهل وجوب الزكاة وأن يكون المال بعد الخلط نصابا وأن يمضي عليه بعد
الخلط حول كامل وأن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المراح وفي المسرح وفي المشرب
كالبئر والنهر والحوض والعين أو كانت المياه مختلفة بحيث لا تختص غنم أحدهما بشيء
والسابع الراعي والثامن الفحل والتاسع في المحلب ولا يشترط خلط اللبن وقال أبو
إسحاق المروزي يشترط فيه فيحلب أحدهما فوق لبن الآخر قال صاحب ( البيان ) هو أصح
الوجوه الثلاثة وفي وجه يشترط أن يحلبا معا ويخلطا اللبن ثم يقتسمانه وقال صاحب (
المفيد ) ويشترط عنده اتحاد الدلو والكلب وقيل ليس ذلك بمذهبه وحكى الرافعي عن الحناطي
أنه حكى أن خلط الجوار لا أثر لها وغلط والمسرح المرعى وقيل طريقها إلى المرعى
وقيل الموضع الذي تجتمع فيه لتستريح والمحلب بالكسر هنا وهو الإناء الذي تحلب فيه
وفي بعض كتب الحنابلة ذكر للخلطة ست شرائط ثم أنه قد يكون أثر الخلطة في إيجابها
وقد يكون في تكثيرها وقد يكون في تقليلها مثال الأول خمس من الإبل أو أربعون من
الغنم بين اثنين تجب فيهما الزكاة ولو انفردت لا تجب ومثال الثاني لكل واحد منهما
مائة شاة وشاة تجب على كل واحد شاة ونصف ولو انفردت تجب على كل واحد شاة ومثال
الثالث وهو التقليل مائة وعشرون شاة بين ثلاثة يجب على كل واحد ثلث شاة ولو انفردت
لوجب على كل واحد شاة واستدلوا بحديث الباب السابق ولنا أنه قد ثبت عن رسول الله
أنه قال ليس فيما دون خمس ذود صدقة الحديث وجميع النصوص الواردة في نصب الزكاة
تمنع الوجوب فيما دونها ولأنه لا حق لأحدهما في ملك الآخر وماله غير زكوي لنقصانه
عن النصاب ومثله مال الآخر وقال أبو محمد ورأوا في خمسة أنفس لكل واحد بنت مخاض
تجب على كل مسلم خمس شاة وفي عشرة بينهم خمس من الإبل لكل واحد نصف بعير تجب على
كل واحد منهم عشر شاة مع قوله ليس في أربع من الإبل شيء فهذه زكاة ما أوجبها الله
تعالى فقط وحكم بخلاف حكم الله تعالى وحكم رسول الله وجعلوا لمال أحدهما حكما في
مال الآخر وهذا باطل وخلاف القرآن والسنن واشتراط الشروط التسعة المذكورة وغيرها
تحكم بلا دليل أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب قياس ولا من وجه معقول
وليت شعري من جعل الخلطة مقصورة على الوجوه التي ذكروها دون أن يريد به الخلطة في
المنزل أو في الصناعة أو في الشركة أو في المغنم كما قال طاووس وعطاء ولو وجبت
بالاختلاط في المرعى لوجبت في كل ماشية في الأرض لأن المراعي متصلة في أكثر الدنيا
إلا أن يقطع بينها بحرا ونهرا وعمارة قال وأما تقدير المالكية الاختلاط بالشهر
والشهرين فتحكم بارد وقوله ظاهر الإحالة جدا لأنه خص بها المواشي فقط دون الخلطة
في الثمار والزروع والنقدين وليس ذلك في الخبر فإن قلت روى الدارقطني والبيهقي عن
سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله الخليطان ما اجتمعا على
الحوض والراعي
(9/11)
والفحل قلت في سنده عبد الله
بن لهيعة وهو ضعيف فلا يجوز التمسك به كذا ذكره عبد الحق في ( الأحكام الكبرى )
وأعجب الأمور أن البيهقي إذا كان الحديث لهم يسكت عن ابن لهيعة ومثله وإذا كان
عليهم يتكلم فيهم بالباع والذراع قوله فإنهما يتراجعان أي فإن الخليطين يتراجعان
بينهما معناه أن الساعي إذا أخذ من مال أحدهما جميع الواجب فإنه يرجع على شريكه
بحصته مثلا إذا كان بينهما أربعون شاة لكل واحد منهما عشرون وقد عرف كل منهما عين
ماله فأخذ المصدق من أحدهما شاة فإن المأخوذ من ماله يرجع على خليطه بقيمة نصف شاة
وهذه تسمى خلطة الجوار ويقع التراجع فيها وقد يقع قليلا في خلطة الشيوع وقال صاحب
( التوضيح ) والتراجع مقتضاه من اثنين قلت لا نسلم ذلك لأنه من باب التفاعل
ومقتضاه من اثنين وجماعة والذي من اثنين فقط يكون من باب المفاعلة كما علم في
موضعه
وقال طاووس وعطاء إذا علم الخليطان أموالهما فلا يجمع مالهما
طاووس بن اليماني وعطاء بن أبي رباح وهذا تعليق رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن
محمد بن بكر عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن طاووس قال إذا كان كان الخليطان
يعلمان أموالهما فلا تجمع أموالهما في الصدقة وحدثنا محمد ابن أبي بكر عن ابن جريج
قال أخبرت عطاء عن قول طاووس فقال ما أراه إلا حقا واعترض ابن المنذر وقال قول
طاووس وعطاء غفلة منهما إذ غير جائز أن يتراجعا بالسوية والمال بينهما لا يعرف أحد
ماله من مال صاحبه قوله إذا علم الخليطان يعني لا يكون المال بينهما مشاعا وهذا
يسمى بخلطة الجوار فمذهب طاووس وعطاء رضي الله تعالى عنهما هو خلطة الشيوع
وقال سفيان لا تجب حتى يتم لهاذا أربعون شاة ولهاذا أربعون شاة
أي قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى لا تجب الزكاة وقال الكرماني أي لا تثبت
الخلطة ورواه عبد الرزاق عنه وقال التيمي كان سفيان لا يرى للخلطة تأثيرا كما لا
يراه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وفي ( التوضيح ) وقول مالك كقول عطاء رضي الله
تعالى عنهما
1541 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) قال حدثني أبي قال حدثني ( ثمامة ) أن ( أنسا )
حدثه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كتب له التي فرض رسول الله وما كان من خليطين
فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية
حديث أنس هذا قطعه البخاري رحمه الله تعالى وذكره في ستة مواضع ههنا بعين هذا
الإسناد الأول في باب العرض في الزكاة والثاني في باب لا يجمع بين متفرق والثالث
في هذا الباب والرابع في باب من بلغت عنده والخامس في باب زكاة الغنم والسادس في
باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة وقد ذكرنا في باب العرض في الزكاة أن البخاري أخرج هذا
الحديث في عشرة مواضع بإسناد واحد مقطعا وذكره في كتاب الزكاة في ستة مواضع
والأربعة في الخمس والشركة واللباس وفي ترك الحيل وأخرجه أبو داود في موضع واحد
بتمامه قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد قال أخذت من ثمامة بن عبد الله بن
أنس كتابا زعم أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كتبه لأنس رضي الله تعالى عنه وعليه
خاتم رسول الله حين بعثه مصدقا وكتبه له فإذا فيه هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول
الله على المسلمين التي أمر الله بها نبيه فمن سئلها من المسلمين على وجهها
فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل والغنم في كل خمس
ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فإن لم
يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس
وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين فإذا بلغت إحدى
وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا بلغت
(9/12)
ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون
إلى تسعين فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا
زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة فإذا تباين أسنان
الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجزعة وليست عنده جزعة وعنده حقة
فإنها تقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده
صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما
أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده بنت لبون وليست عند
اللاحقة فإنها تقبل منه إلى ههنا ثم أيقنت ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن
بلغت عنده صدقة بنت لبون فإنها تقبل منه قال أبو داود ومن ههنا لم أضبط عن موسى
كما أحب ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة بنت
لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده
صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنها تقبل منه وليس معه شيء ومن لم يكن
عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين
ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشريني ومائة ففيها شاتاة إلى أن تبلغ
مائتين فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة فإذا زادت على
ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا زادت عوار من الغنم ولا
تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة
وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين
فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي الرقة ربع العشر فإن لم يكن المال إلا تسعين
ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها
63 -
( باب زكاة الإبل )
أي هذا باب في بيان زكاة الإبل وليس في رواية الكشميهني والحموي لفظ باب الإبل
بكسر الباء وقد تسكن ولا واحد لها من لفظها
ذكره أبو بكر وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم عن النبي
أي ذكر حكم زكاة الإبل أبو بكر الصديق وأبو ذر جندب بن جنادة وأبو هريرة عبد
الرحمن رضي الله تعالى عنهم أما حديث أبي بكر فقد ذكره مطولا كما يأتي بعد باب من
رواية أنس عنه ولأبي بكر حديث آخر مضى في باب ما يتعلق بقتال مانعي الزكاة وأما
حديث أبي ذر فسيأتي بعد ذكر ستة أبواب من رواية المعرور بن سويد عنه في وعيد من لا
يؤدي زكاة إبله وغيرها ويأتي معه حديث أبي هريرة
قلت وفي الباب عن ابن عمر وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وأبي سعيد الخدري وعمرو بن
حزم وسلمة بن الأكوع ورقاد بن ربيعة وأما حديث ابن عمر فذكره البخاري معلقا في أول
باب لا يجمع بين متفرق وأخرجه الترمذي موصولا وقد ذكرناه هناك وأخرجه أبو داود
أيضا موصولا مطولا وأخرجه ابن ماجه أيضا وأما حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
فأخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح إلى بهز ولفظه أن رسول الله قال في كل سائمة
إبل في أربعين بنت لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن
منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز و جل ليس لآل محمد منها شيء
وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه من رواية إبراهيم بن طهمان عن عمرو بن يحيى عن
أبيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة وليس
في أربع شيء فإذا بلغت خمسا ففيها شاة إلى أن تبلغ تسعا الحديث بطوله وأما حديث
عمرو بن حزم فأخرجه الطبراني في ( الكبير ) وابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( المستدرك
) من رواية الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي كتب
إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وفي الكتاب في كل خمس من الإبل
سائمة شاة الحديث بطوله وأما حديث سلمة ابن الأكوع فرواه الطبراني من رواية ابن
لهيعة عن معاذ بن محمد الأنصاري أن عمرو بن يحيى عن سعيد بن زرارة أخبره
(9/13)
عن ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه
عن النبي قال نعم الإبل الثلاثون يخرج في زكاتها واحدة وترحل منها في سبيل الله
واحدة وتمنح منها واحدة هي خير من الأربعين والخمسين والستين والسبعين والثمانين
والتسعين والمائة وويل لصاحب المائة من المائة وأما حديث رقاد بن ربيعة فرواه
الطبراني أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أحمد بن كثير البجلي
حدثنا يعلى بن الإشدق وقال أدركت عدة من أصحاب النبي منهم رقاد بن ربيعة قال أخذ
منا رسول الله من الغنم من المائة شاة فإذا زادت فشاتان ويعلى بن الأشدق ضعيف جدا
متهم بالكذب وأحمد بن كثير البجلي لا أدري من هو
55 - ( حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال
حدثني ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أعرابيا سأل
رسول الله عن الهجرة فقال ويحك إن شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها قال نعم
قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا )
مطابقته للترجمة في قوله فهل لك من إبل تؤدي صدقتها قال نعم
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني وقد تكرر ذكره
الثاني الوليد بن مسلم على لفظ الفاعل من الإسلام القرشي الثالث عبد الرحمن بن
عمرو الأوزاعي الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عطاء بن يزيد مع الزيادة
أبو زيد الليثي السادس أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في
موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه من أفراده وفيه
أن الوليد والأوزاعي شاميان وأن ابن شهاب وعطاء مدنيان
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الهجرة عن علي بن عبد
الله وفي الأدب عن سليمان بن عبد الرحمن وفي الهبة عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في
المغازي عن محمد بن خلاد عن الوليد به وعن عبد الله بن عبد الرحمن وأخرجه أبو داود
في الجهاد عن مؤمل بن الفضل وأخرجه النسائي في البيعة وفي السير عن الحسين بن حريث
كلاهما عن الوليد به
( ذكر معناه ) قوله أن أعرابيا الأعرابي البدوي وكل بدوي أعرابي وإن لم يكن من
العرب وإن كان يتكلم بالعربية وهو من العجم ( قلت ) فيه عرباني قاله ابن قرقول
وقال غيره الأعرابي نسبة إلى الأعراب والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا
يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة والعربي نسبة إلى العرب وهم الجيل
المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية والمدن قوله فقال ويحك
قال الداودي ويح كلمة تقال عند الزجر والموعظة والكراهة لفعل المقول له أو قوله
ويدل عليه أنه إنما سأله أن يبايعه على ذلك على أن يقيم بالمدينة ولم يكن من أهل
مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل الفتح وفرض عليهم إتيان المدينة والمقام بها إلى
موته وأنه ألح في ذلك قلت الذي ذكره أهل اللغة في ويح أنها كلمة رحمة أو توجع إن
وقع في هلكة لا يستحقها قوله أن شأنها شديد أي أن شأن الهجرة وذلك لا يسأله أن
يبايعه على ذلك على أن يقيم بالمدينة ولما علم أنه لا يهاجر قال له ذلك وكان ذلك
قبل الفتح قبل انقضاء الهجرة قوله فهل لك من إبل تؤدي صدقتها أي زكاتها وإنما خص
بصدقة الإبل مع أن أداء جميع الواجبات واجب لأنه كان من أهل الإبل والباقي منقاس
عليه قوله فاعمل من وراء البحار معناه إذا كنت تؤدي فرض الله عليك في نفسك ومالك
فلا تبال أن تقيم في بيتك وإن كانت دارك من وراء البحار ولا تهاجر فإن الهجرة من
جزيرة العرب ومن كانت داره من وراء البحار لن يصل إليها وقيل المراد من البحار
البلاد قيل في قوله تعالى ظهر الفساد في البر والبحر أنه القرى والأمصار ومنه
اصطلح أهل البحيرة يعني في ابن أبي أن يعصبوه يعني أهل المدينة وفي
(9/14)
حديث آخر كتب لهم ببحرهم أي
ببلدهم وأرضهم وقيل البحار نفسها وفي المطالع قال أبو الهيثم من وراء البحار وهو
وهم وقال الكرماني لأنه لا مسكن وراء البحار ( قلت ) المقصود منه فاعمل ولو من
البعد الأبعد من المدينة ولم يرد منه حقيقة ذلك ( فإن قلت ) فهل لمن أراد الهجرة
من مكان لا يقدر فيه على إقامة حد الله ثواب الهجرة حيث تعذرت عليه ( قلت ) نعم
وكذلك كل طاعة كالمريض يصلي قاعدا ولو كان صحيحا لصلى قائما فإن له ثواب صلاة
القائم ( فإن قلت ) لم منعه من الهجرة ( قلت ) لأنها كانت متعذرة على السائل شاقة
عليه وكان الإيجاب حرجا عليه وأضرارا ( فإن قلت ) لم لا تقول بأن هذه القصة كانت
بعد نسخ وجوب الهجرة إذ لا هجرة بعد الفتح ( قلت ) التاريخ غير معلوم مع أن
المنسوخ هو الهجرة من مكة وأما غيرها فكل موضع لا يقدر المكلف فيه على إقامة حدود
الدين فالهجرة عليه منه واجبة انتهى كلام الكرماني وقال المهلب كان هذا القول قبل
فتح مكة إذ لو كان بعده لقال له لا هجرة بعد الفتح كما قاله لغيره ولكنه علم أن
الأعراب قلما تصبر على لأواء المدينة ألا يرى إلى قلة صبر الأعرابي الذي استقال
الهجرة حين مسته حمى المدينة فكأنه قال له إذا أديت الحق الذي هو أكبر شيء على
الأعراب ثم منحت منها وحلبتها يوم ورودها لمن ينتظرها من المساكين فقد أديت
المعروف من حقها فرضا ونفلا فهو أقل لفتنتك كما افتتن المستقيل البيعة وقال
القرطبي يحتمل أن يكون ذلك خاصا بهذا الأعرابي لما علم من حاله وضعفه عن المقام
بالمدينة وقال بعضهم كانت الهجرة على غير أهل مكة من الرغائب ولم تكن فرضا وقال
أبو عبيد كانت الهجرة على أهل الحاضرة ولم تكن على أهل البادية وقيل إنما كانت
الهجرة واجبة إذا أسلم بعض أهل البلد ولم يسلم بعضهم لئلا يجري على من أسلم أحكام
الكفار ولأن في هجرته توهينا لمن يسلم وتفريقا لجماعتهم وذلك باق إلى اليوم إذا
أسلم في دار الحرب ولم يمكنه إظهار دينه وجب عليه الخروج فأما إذا أسلم كل من في
الدار فلا هجرة عليهم لحديث وفد عبد القيس وأما الهجرة الباقية إلى يوم القيامة
فقوله المهاجر من هجر ما نهى الله عنه قوله فإن الله لن يترك من عملك شيئا قال ابن
بطال لفظ الكتاب يترك بوزن مستقبل ترك رواه بعضهم يترك بكسر التاء وفتح الراء على
أن يكون مستقبل وتر يتر ومعناه لن ينقصك وفي القرآن ولن يتركم أعمالكم أي لن
ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم وقال ابن التين ضبط في رواية الحسن بتشديد التاء
وصوابه بالتخفيف وعند الإسماعيلي وقال الفريابي بالتشديد والله أعلم -
73 -
( باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده )
أي هذا باب يذكر فيه من بلغت عنده إلى آخره قوله صدقة مرفوع لأنه فاعل بلغت وهو
مضاف إلى بنت مخاض قوله وليست عنده جملة حالية وقال ابن بطال ذكر الحديث ولم يذكر
ما بوب له وكأنها غفلة منه ورد عليه بأنها غفلة ممن ظن به الغفلة وإنما مقصده أن
يستدل على أن من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده هي ولا ابن لبون لكن عنده مثلا
حقه وهي أرفع من بنت مخاض لأن بينهما بنت لبون وقد تقرر أن بين بنت اللبون وبنت
المخاض عشرين درهما أو شاتين وكذلك سائر ما وقع ذكره في الحديث من سن يزيد أو ينقص
إنما ذكر فيه ما يليها لا ما يقع بينهما بتفاوت درجة فأشار البخاري إلى أنه يستنبط
من الزائد والناقص المتصل ما يكون منفصلا بحساب ذلك فعلى من بلغت صدقته بنت مخاض
وليست عنده إلا حقة أن يرد عليه المصدق أربعين درهما أو أربع شياه جبرانا أو
بالعكس فلو ذكر اللفظ الذي ترجم به لما أفهم هذا الغرض فتدبره وقيل إن من أمعن
النظر في تراجم هذا الكتاب وما أودعه فيها من أسرار المقاصد استبعد أن يفعل أو يضع
لفظا لغير معنى أو يرسم في الباب خبرا يكون غيره به أقعد وأولى وإنما قصد بذكر ما
لم يترجم به أن يقرر أن المقصود إذا وجد الأعلى منه أو الأنقص شرع الجبران كما شرع
ذلك فيما يتضمنه هذا الخبر من ذكر الأسنان فإنه لا فرق بين فقد بنت مخاض ووجود
الأكمل منها قال ولو جعل العمدة في هذا الباب الخبر المشتمل على ذكر فقد بنت
المخاض لكان نصا في الترجمة ظاهرا فلما تركه واستدل بنظيره أفهم ما ذكرناه من
الإلحاق بنفي الفارق وتسويته عين فقد ابنة المخاض ووجود الأكمل بينها وبين فقد
الحقة ووجود الأكمل منها
(9/15)
انتهى قلت هذا تطويل مخل
والأوجه أن يقال هو جار على عادته في أنه يذكر في الباب حديثا ويكون أصل ذلك
الحديث فيه ما يحتاج إليه في الباب ولم يذكره ليكل الناظر إلى البحث والنظر
3541 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) قال حدثني أبي قال حدثني ( ثمامة ) أن ( أنسا )
رضي الله تعالى عنه حدثه أن ( أبا بكر ) رضي الله تعالى عنه كتب له فريضة الصدقة
التي أمر الله رسوله من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة
فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده
صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق
عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها
تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة
فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت لبون
وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو
شاتين
هذا من جملة الحديث الذي ذكره في باب العرض في الزكاة عن أنس بهذا الإسناد بعينه
قوله كتب له فريضة الصدقة وفي رواية أبي داود هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول
الله وقال ابن العربي في كتابه ( المسالك شرح موطأ مالك ثبت عن النبي في الماشية
ثلاثة كتب كتاب أبي بكر وكتاب آل عمرو بن حزم وكتاب عمر بن الخطاب وعليه عول مالك
لطول مدة خلافته وسعة بيضة الإسلام في أيامه وكثرة مصدقيه وما من أحد اعترض عليه
فيه ولأنه استقر بالمدينة وجرى عليه العمل مع أنه رواية سائر أهل المدينة وقال أبو
الحارث قال أحمد بن حنبل كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح وإليه أذهب قوله من
بلغت عنده كلمة من مبتدأ فيها معنى الشرط وقوله فإنها خبره قوله صدقة الجذعة كلام
إضافي مرفوع لأنه فاعل بلغت والواو في وليست وفي وعنده للحال وقد مر تفسير الجذعة
والحقة وبنت اللبون وبنت مخاض عن قريب قوله إن استيسرتاأي إن وجدتا في ماشيته يقال
تيسر واستيسر بمعنى قوله أو عشرين أي أو يجعل عشرين درهما بدلا من الشاتين قوله
ومن بلغت عنده صدقة الحقة الكلام فيه من حيث المعنى والإعراب مثل الكلام في قوله
ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وكذا في لفظ ومن بلغت في المواضع الثلاثة
ذكر ما يستفاد منه قال ابن المنذر اختلف في المال الذي لا يوجد فيه السن الذي يجب
ويوجد دونها فكان النخعي يقول بظاهر هذا الحديث وهو قول الشافعي وأبو ثور وروي عن
علي رضي الله تعالى عنه يرد عشرة دراهم أو شاتين وهو قول الثوري وقال ابن حزم وهو
قول عمر بن الخطاب وقال القرطبي وهو قول عبيدة وأحد قولي إسحاق وقوله الثاني كقول
الشافعي وقيل تؤخذ فيها قيمة السن الذي يجب عليه وهو قول مكحول والأوزاعي وقيل
تؤخذ قيمة السن الذي وجب عليه وإن شاء أخذ الفضل منها ورد عليه فيه دراهم وإن شاء
أخذ دونها وأخذ الفضل دراهم ولم يعين عشرين درهما ولا غيرها وهو قول أبي حنيفة
وقال مالك على رب المال أن يبتاع للمصدق السن الذي يجب عليه ولا خير في أن يعطيه
بنت مخاض عن بنت ليون ويزيد ثمنا أو يعطي بنت لبون عن بنت مخاض ويأخذ ثمنا وقول
أبي يوسف وأحمد مثل قول الشافعي إذا وجبت عليه بنت مخاض ولم توجد أخذ ابن ليون
وفيه في قوله أو عشرين دليل على أن دفع القيم في الزكاة جائز خلافا للشافعي وأيضا
فإن قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة ( التوبة 301 ) جعل فيه محل الأخذ ما يسمى مالا
ثم التقييد بأنها شاة أو نحوها زيادة
(9/16)
على كتاب الله تعالى وأنه يجري
مجرى النسخ فلا يجوز ذلك بخبر الواحد والقياس وأما ما ورد من ذكر علين الشاة وذكر
عين صنف من أصناف الإبل والبقر فلبيان الواجب بما سمى وتخصيص المسمى لبيان أنه
أبسر على صاحب الماشية ألا ترى أنه لما قال في الخمس من الإبل شاة وحرف في حقيقة
للظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل عرفنا أن المراد قدرها من المال قال الخطابي
وفيه دليل على أن كل واحدة من الشاة والعشرين درهما أصل في نفسه ليست ببدل وذلك أنه
خيره بحرف أو قلنا لا دليل له على هذا الكلام بل التخيير يدل على أن الأصل قدرها
من المال كما قررناه
83 -
( باب زكاة الغنم )
أي هذا بيان زكاة الغنم الغنم جمع لا واحد له من لفظه وعن أبي حاتم هي أنثى وعن
صاحب ( العين ) الجمع أغنام وأغانم وغنوم وواحد الغنم من غير لفظها شاة وهو يقع
على الذكر والأنثى والأصل شاهة حذفت الهاء لاجتماع الهاءين والجمع شاء وشياه وشيه
وشوي وشواه وأشاوه وعن سيبوه شياه بالألف والتاء وأرض مشاهة من الشاء ورجل شاوي ذو
شاء والضائنة منها ذوات الصوف والضأن والضان والضئن والضين اسم للجمع وعن صاحب (
العين ) أضؤن جمع ضأن وعن أبي حاتم الضأن مؤنثة الواحد ضائن وضائنة وقال ابن سيده
الضأن اسم للجمع وليس بجمع والماعز والمعز والمعيز اسم للجمع والمعزاة لغة في
المعزى وعن أبي حاتم السجستاني يقال شاة من الظباء ومن بقر الوحش ومن حمره أنشد
أبو زيد
( كأنه شاة من النعام )
زاد هشام ويسمى الظبي والظبية والثور والبقرة شاة كما يقال للمرأة إنسان ويقال شاة
للتيس والغنم والكبش وذكر النحاس أن الشاة يكنى بها عن المرأة وفي ( الجامع )
للقزاز الشاء إسم للجمع
4541 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ) قال حدثني أبي قال حدثني (
ثمامة بن عبد الله بن أنس ) أن ( أنسا ) حدثه أن ( أبا بكر ) رضي الله تعالى عنه
كتب له هاذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين
بسم الله الرحمان الرحيم هاذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله على المسلمين والتي
أمر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها ومن سئل فوقها فلا يعط في
أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة إذا بلغت خمسا وعشرين إلى
خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت
لبون أنثى فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل فإذا بلغت واحدة
وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت يعني ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنت
لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل فإذا زادت
على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ومن لم يكن معه إلا أربع
من الإبل فليس فيها صدقة
(9/17)
إلا أن يشاء ربها فإذا بلغت
خمسا من الإبل ففيها شاة وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين
ومائة شاة فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان فإذا زادت على مائتين إلى
ثلاثمائة ففيها ثلاث فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة
الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها وفي الرقة ربع
العشر فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها
حديث أنس هذا قد تقدم مقطعا بهذا الإسناد بعينه وهو مشتمل على بيان زكاة الإبل
والغنم والورق وعبد الله بن المثنى أبو شيخ البخاري احتلف فيه قول ابن معين فقال
مرة صالح وقال مرة ليس بشيء وقال أبو زرعة قوي وكذا قال أبو حاتم والعجلي وقال
النسائي ليس بقوي وقال العقيلي لا يتابع في أكثر حديثه قلت قد تابعه على حديثه هذا
حماد ابن سلمة فرواه عن ثمامة أنه أعطاه كتابا زعم أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه
كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله حين بعثه مصدقا هكذا أخرجه أبو داود عن أبي سلمة
عنه وقد سقناه بتمامه في باب ما كان من خليطين ورواه أحمد في ( مسنده ) قال حدثنا
أبو كامل قال حدثنا حماد قال أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس
أن أبا بكر فذكره وقال إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) أخبرنا النضر بن شميل حدثنا
حماد بن سلمة أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدثه عن أنس عن النبي فذكره فظهر من هذا
أن حمادا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب فانتفى بذلك تعليل من أعله بكونه مكاتبة
وكذا انتفى تعليل من أعله بكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه
ذكر معناه قوله كتب له هذا الكتاب أي كتب لأنس وكان ذلك ما وجهه عاملا على البحرين
وهو تثنية بحر خلاف البر موضع معروف بين بحري فارس والهند ومقارب جزيرة العرب
ويقال هو اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة قاعدتها هجر وهكذا يتلفظ بلفظ
التثنية والنسبة إليها بحراني قوله بسم الله الرحمن الرحيم ذكر التسمية في أول
كتابه لقوله كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله أبتر وقال الماوردي يستدل به على
إثبات البسملة في ابتداء الكتب وعلى أن الابتداء بالحمد ليس بشرط قلت كما ورد
الابتداء بالبسملة في أول كل أمر ورد الابتداء بالحمد أيضا ولكن الجمع بينهما بأن
الأولية أمر نسبي فكل ثان بالنسبة إلى ثالث أول فافهم قوله هذه فريضة الصدقة أي
نسخة فريضة الصدقة فحذف المضاف للعلم به قوله التي كذا في غير ما نسخة وفي بعضها
الذي ومعنى الفرض الإيجاب وذلك أن الله تعالى قد أوجبها وأحكم فرضها في كتابه
العزيز ثم أمر رسوله بالتبليغ فأضيف الفرض إليه بمعنى الدعاء إليه وحمل الناس عليه
وقد فرض الله طاعته على الخلق فجاز أن يسمى أمره وتبليغه عن الله فرضا على هذا
المعنى وقيل معنى الفرض هنا معنى التقدير ومنه فرض القاضي نفقة الأزواج وفرض
الإمام أرزاق الجند ومعناه راجع إلى قوله لنبين للناس ما نزل إليهم ( النحل 44 )
وقيل معنى الفرض هنا السنة ومنه ما روي أنه فرض كذا أي سنه وعن ثعلب الفرض الواجب
والفرض القراءة يقال فرضت حزبي أي قرأته والفرض السنة قوله والتي أمر الله بها كذا
في كثير من النسخ بها بالباء ووقع أيضا منها بحرف من وقيل وقع في كثير من النسخ
بحذف بها وأنكرها النووي في ( شرح المهذب ) وقوله والتي وقع هنا بحرف العطف ووقع
في رواية أبي داود التي قد ذكرناه التي بدون حرف العطف على أنها بدل من الجملة
الأولى قوله فمن سئلها بضم السين أي فمن سئل الصدقة من المسلمين وهي الزكاة قوله
على وجهها أي على حسب ما سن رسول الله من فرض مقاديرها قوله فليعطها أي على هذه
الكيفية المبينة في الحديث قوله ومن سئل فوقها أي زائدا على الفريضة المعينة أما
في السن أو العدد قوله فلا يعط ويروى فلا يعطه بالضمير أي فلا يعطي الزائد على
الواجب وقيل لا يعطي شيئا من الزكاة لهذا المصدق لأنه خان بطلبه فوق الواجب فإذا
ظهرت خيانته سقطت طاعته فعند ذلك هو يتولى إخراجه أو يعطي لساع آخر قوله في أربع
وعشرين من الإبل إلى آخره شروع في بيان كيفية الفريضة وبيان كيفية أخذها وقال
الطيبي في أربع وعشرين استئناف بيان لقوله هذه فريضة الصدقة كأنه أشار بهذه إلى ما
في الذهن ثم أتى به بيانا له قوله ( في أربع ) خبر مبتدأ مقدر مقدما تقديره في أبع
وعشرين من الإبل زكاة وكلمة من بيانه قوله فما دونها أي فما دون أربع وعشرين وقوله
من الغنم متعلق بالمبتدأ المقدر قوله من كل خمس خبر لقوله شاة وكلمة من للتعليل أي
لأجل كل خمس من الإبل وقال الطيبي من الغنم من كل خمس
(9/18)
شاة من الأولى ظرف مستقر لأنه
بيان لشاة توكيدا كما في قوله في كل خمس ذود من الإبل و من الثانية لغوا ابتدائية
متصلة بالفعل المحذوف أي ليعط في أربع وعشرين شاة كائنة من الغنم لأجل كل خمس من
الإبل قوله من الغنم كذا هو بكلمة من في رواية الأكثرين وفي رواية ابن السكن
بإسقاط من قيل هو الصواب إن شاء الله تعالى فعلى قوله الغنم مرفوع بالابتداء وخبره
في أربع وعشرين ثم بين ذلك بقوله من كل خمس شاة ويروى في كل خمس بكلمة في عوض من
وقال ابن بطال وفي نسخة البخاري بزيادة لفظ من الغنم وهو غلط عن بعض الكتبة وقال
الكرماني وقال الفقهاء فيه تفسير من وجه وإجمال من وجه فالتفسير أنه لا يجب في
أربع وعشرين إلا الغنم والإجمال أنه لا يدري قدر الواجب ثم قال بعد ذلك مفسرا لهذا
الإجمال في كل خمس شاة فكان هذا بيانا لابتداء النصاب وقدر الواجب فيه فأول نصاب
الإبل خمس وقال إنما بدأ بزكاة الإبل لأنها غالب أموالهم وتعم الحاجة إليها ولأن
أعداد نصبها وأسنان الواجب فيها يصعب ضبطها وتقديم الخبر على المبتدأ لأن المقصود
بيان النصب إذ الزكاة إنما تجب بعد النصاب فكان تقديمه أهم لأنه السابق في السبب
وكذا تقديم الخبر في قوله بنت مخاض انثى قوله انثى للتأكيد وقيل احتراز عن الخنثى
وفيه نظر قوله بنت لبون انثى الكلام فيه كالكلام في بنت مخاض أنثى وقال الطيبي
وصفها بالأنثى تأكيدا كما في قوله تعالى نفخة واحدة ( الحاقة 31 ) أو لئلا يفهم أن
البنت هنا والابن في ابن لبون كالبنت في بنت طبق والابن في ابن آوى يشترك فيه
الذكر والأنثى قوله طروقة الجمل صفة لقوله حقة وقد فسرنا الطروقة من طرقها الفحل
إذا ضربها يعني جامعها قوله فإذا بلغت يعني ستا وسبعين كذا في الأصل بزيادة يعني
وكأن العدد حذف من الأصل اكتفاء بدلالة الكلام عليه فذكره بعض رواته وأتى بلفظ
يعني لينبه على أنه مزبدا وشك أحد رواته فيه وقال الكرماني لعل المكتوب لم يكن فيه
لفظ ستا وسبعين أو ترك الراوي ذكره لظهور المراد ففسره الراوي عنه توضيحا وقال
يعني فإن قلت لم غير الأسلوب حيث لم يقل في جوابه مثل ذلك قلت إشعارا بانتهاء
أسنان الإبل فيه وتعدد الواجب عنده فغير اللفظ عند مغايرة الحكم قوله إلا أن يشاء
ربها أي إلا أن يتبرع صاحبها ويتطوع وهو كما ذكر في حديث الأعرابي في الإيمان إلا
أن تطوع قوله وإذا كانت في رواية الكشميهني إذا بلغت قوله ( فازدادت على عشرين
ومائة أي واحدة فصاعد قولهفي سائمتها أي راعيتها قال الكرماني وهو دليل على أن لا
زكاة في المعلوفة أما من جهة اعتبار مفهوم الصفة وأما من جهة أن لفظ في سائمتها
بدل عنه بإعادة الجار والمبدل في حكم الطرح فلا يجب في مطلق الغنم فإن قلت لا يجوز
أن يكون شاة مبتدأ و في صدقة الغنم خبره لأن لفظ الصدقة يأباه فما وجه إعرابه قلت
لا نسلم ولئن سلمنا فلفظ في صدقة يتعلق بفرض أو كتب مقدرا أي فرض في صدقتها شاة أو
كتب في شأن صدقة الغنم هذا وهو إذا كانت أربعين إلى آخره وحينئذ يكون شاة خبر
مبتدأ محذوف أي فزكاتها شاة أو بالعكس أي ففيها شاة وقال التيمي شاة رفع بالابتداء
و في صدقة الغنم في موضع الخبر وكذك شاتان والتقدير فيها شاتان والخبر محذوف قوله
واحدة إما منصوب بنزع الخافض أي بواحدة وإما حال من ضمير الناقصة وفي بعض الرواية
بشاة واحدة بالجر قوله وفي الرقة بكسر الراء وتخفيف القاف الورق والهاء عوض عن
الواو نحو العدة والوعد وهي الفضة المضروبة ويجمع على رقين مثل أرة وأرين قوله فإن
لم تكن أي الرقة قوله إلا تسعين ومائة قال الخطابي هذا يوهم أنها إذا زاد عليه شيء
قبل أن يتم مائتين كان فيها الصدقة وليس الأمر كذلك لأن نصابها المئتان وإنما ذكر
التسعين لأنه آخر فصل من فصول المائة والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالعقود
كالعشرات والمئات والألوف فذكر التسعين ليدل بذلك على أن لا صدقة فيما نقص عن كمال
المائتين يدل على صحته حديث لا صدقة إلا في خمس أواق
ذكر ما يستفاد منه فيه في قوله فلا يعط دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما
بطل حكمهما قاله الخطابي وفيه في قوله من المسلمين دلالة على أن الكافر لا يخاطب
بذلك وفيه في قوله فليعطها دلالة على دفع الأموال الظاهرة إلى الأمام وفيه من أول
الحديث إلى قوله فإذا زادت على عشرين ومائة لا خلاف فيه بين الأئمة وعليها اتفقت
(9/19)
الأخبار عن كتب الصدقات التي
كتبها رسول الله والخلاف فيما إذا زادت على مائة وعشرين فعند الشافعي في كل أربعين
بنت لبون وفي كل خمسين حقة واستدل بهذا الحديث ومذهبه أنه إذا زادت على مائة
وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون
ثم يدور الحساب على الأربعينات والخمسينات فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل
خمسين حقة وبه قال إسحاق بن راهويه وأحمد في رواية وقال محمد بن إسحاق وأبو عبيد
وأحمد في رواية لا يتغير الفرض إلى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون وعن
مالك رضي الله تعالى عنه روايتان روى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم رحمهما الله
تعالى أن الساعي بالخيار بين أن يأخذ ثلاث بنات لبون أو حقتين وهو قول مطرف وابن
أبي حازم وابن دينار وأصبغ وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى فيها ثلاث بنات لبون
ولا يخير الساعي إلى أن يبلغ ثلاثين ومائة فيكون فيها حقه وابنتا لبون وهو قول
الزهري والأوزاعي وأبي ثور رضي الله تعالى عنها وروى عبد الملك وأشهب وابن نافع عن
مالك أن الفريضة لا تتغير بزيادة واحدة حتى تزيد عشرا فيكون فيها بنتا لبون وحقة
وهو مذهب أحمد وعند أهل الظاهر إذا زادت على عشرين ومائة ربع بعير أو ثمنه أو عشره
ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وهو قول الاصطخري وقال محمد بن جرير
يتخير بين الاسئناف وعدمه لورود الأخبار بهما ووقع في ( النهاية ) للشافعية وفي (
الوسيط ) أيضا أنه قول ابن جبير أن بدل ابن جرير وهو تصحيف وحكى السفاقسي عن حماد
بن أبي سليمان والحكم بن عتيبة أن في مائة وخمس وعشرين حقتين وبنت مخاض وعند أبي
حنيفة وأصحابه تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة مع الحقتين وفي العشر شاتان وفي خمس
عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت
لبون فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين ثم تستأنف الفريضة
أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين وهذا قول ابن مسعود وإبراهيم
النخعي وسفيان الثوري وأهل العراق وحكى السفاقسي أنه قول عمر رضي الله تعالى عنه
لكنه غير مشهور عنه واحتج أصحابنا بما رواه أبو داود في ( المراسيل ) وإسحاق بن
راهويه في ( مسنده ) والطحاوي في ( مشكله ) عن حماد بن سلمة قلت لقيس بن سعد خذ لي
كتاب محمد بن عمرو بن حزم فأعطاني كتابا أخبر أنه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم أن النبي كتبه لجده فقرأته فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل فقص الحديث
إلى أن تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فإنه يعاد إلى أول فريضة
الإبل وما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم في كل خمس ذود شاة
وأما الذي استدل به الشافعي فنحن قد عملنا به لأنا قد أوجبنا في الأربعين بنت لبون
فإن الواجب في الأربعين ما هو الواجب في ست وثلاثين وكذلك أوجبنا في خمسين حقة
وهذا الحديث لا يتعرض لنفي الواجب عما دونه وإنما هو عمل بمفهوم النص فنحن عملنا
بالنصين وهو أعرض عن العمل بما رويناه فإن قلت قال ابن الجوزي هذا الحديث مرسل
وقال هبة الله الطبري هذا الكتاب صحيفة ليس بسماع ولا يعرف أهل المدينة كلهم عن
كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا رواها الزهري وابن المبارك وأبو أويس كلهم عن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده مثل قولنا ثم لو تعارضت الروايتان
عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهي في (
الصحيح ) وبها عمل الخلفاء الأربعة
وقال البيهقي هذا حديث منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبي وقيس بن سعد أخذه عن
كتاب لا عن سماع وكذلك حماد بن سلمة أخذه عن كتاب لا عن سماع وقيس بن سعد وحماد بن
سلمة وإن كانا من الثقات فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم
وغيره وحماد بين سلمة ساء حفظه في آخر عمره فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه
ويتجنبون ما ينفرد به وخاصة عن قيس بن سعد وأمثاله قلت الأخذ من الكتاب حجة صرح
البيهقي في ( كتاب المدخل ) أن الحجة تقوم بالكتاب وإن كان السماع أولى منه
بالقبول والعجب من البيهقي أنه يصرح بمثل هذا القول ثم ينفيه في الموضع الذي تقوم
عليه الحجة وقوله وعمل بها الخلفاء الأربعة غير مسلم لأن ابن أبي شيبة روى في (
مصنفه ) حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة عن علي رضي
الله تعالى عنه قال إذا زادت الإبل على عشرين ومائة يستقبل بها الفريضة وحدثنا
يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصور عن إبراهي مثله فإن قلت قال البيهقي
(9/20)
قال الشافعي في كتابه القديم
راوي هذا مجهول عن علي رضي الله تعالى عنه وأكثر الرواة عن ذلك المجهول يزعم أن
الذي روى هذا عنه غلط عليه وأن هذا ليس في حديثه قلت الذي رواه عن علي رضي الله
تعالى عنه هو عاصم بن حمزة كما ذكرناه وهو ليس بمجهول بل معروف روى عنه الحكم وأبو
إسحاق السبيعي وغيرهما ووثقه ابن المديني والعجلي وأخرج له أصحاب السنن الأربعة
وإن أراد الشافعي بقوله يزعم أن الذي يروى هذا عنه غلط عليه أبا إسحاق السبيعي فلم
يقل أحد غيره إنه غلط وقد ذكر البيهقي وغيره عن يعقوب الفارسي وغيره من الأئمة
أنهم أحالوا بالغلط على عاصم وأما قول البيهقي وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره
فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه فصادر عن تعسف وتمحل لأنه لم ير أحد من أئمة هذا
الشأن ذكر حمادا بشيء من ذلك والعجب منه أنه أقتصر فيه فيه على هذا المقدار لأنه
ذكره في غير هذا الموضع بأسوأ منه وقوله وخاصة عن قيس بن سعد باطل وما لقيس بن سعد
فإنه وثقه كثيرون وأخرج له مسلم على أن روايتهم التي يستدلون بها غير سالمة عن
النزاع فإن الدارقطني ذكر في كتاب ( التتبع على الصحيحين ) أن ثمامة لم يسمعه من
أنس ولا سمعه عبد الله بن المثنى من ثمامة انتهى وكيف يقول البيهقي وروينا الحديث
من حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس من أوجه صحيحة وفي ( الأطراف ) للمقدسي
قيل لابن معين حديث ثمامة عن أنس في الصدقات قال لا يصح وليس بشيء ولا يصح في هذا
حديث في الصدقات وفي إحدى روايات البيهقي عبد الله بن المثنى قال الساجي ضعيف منكر
الحديث وقال أبو داود لا أخرج حديثه وذكره ابن الجوزي في ( الضعفاء ) وقال قال أبو
سلمة كان ضعيفا في الحديث وأما قول الظاهرية الذي قال به ابن حزم أيضا فباطل بلا
شبهة إذ لم يرد الشرع بجعل السائمة نصابا بربع بعير أو ثمنه أو عشره وتعلقوا بقوله
فإذا زادت وقالوا الزيادة تحصل بالثمن والعشر
وفيه في قوله في كل خمس شاة تعلق مالك وأحمد على تعين إخراج الغنم في مثل ذلك حتى
لو أخرج بعيرا عن الأربع والعشرين لم يجزه عندهما وعند الجمهور وهو قول الشافعي
إنه يجزيه لأنه يجزىء عن خمس وعشرين فما دونها إولى لأن الأصل أن يجب من جنس المال
وإنما عدل عنه رفقا بالمالك فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه فإن كانت قيمة
البعير مثلا دون قيمة أربع شياه ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم والأقيس أنه لا
يجزىء
وفيه في قوله في أربع وعشرين دلالة على أن الأربع مأخوذة عن الجميع وإن كانت
الأربع الزائدة على العشرين وقصا وهو قول الشافعي في ( البويطي ) وقال في غيره إنه
عفو ويظهر أثر الخلاف فيمن له تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول وقبل التمكن
حيث قالوا إنه شرط في الوجوب وجبت عليه شاة بلا خلاف وكذا إذا قالوا التمكن شرط في
الضمان وقالوا الوقص عفو فإن قالوا يتعلق به الفرض وجب خمسة أتساع شاة والأول قول
الجمهور كما نقله ابن المنذر وعن مالك رواية كالأول
وفيه أن ما دون خمس من الإبل لا زكاة فيه وهذا بالإجماع
وفيه في قوله إلى خمس وثلاثين إلى خمس وأربعين إلى ستين دليل على أن الأوقاص ليست
بعفو وأن الفرض يتعلق بالجميع وهو أحد قولي الشافعي قال صاحب ( التوضيح ) والأصح
خلافه
وفيه أن زكاة الغنم في كل أربعين شاة وقد أجمع العلماء على أن لا شيء في أقل من
الأربعين من الغنم وأن في الأربعين شاة وفي مائة وعشرين شاتين وثلاثمائة ثلاث شياه
وإذا زادت واحدة فليس فيها شيء إلى أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة وهذا
قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في ( الصحيح ) عنه والثوري وإسحاق والأوزاعي
وجماعة أهل الأثر وهو قول علي وابن مسعود وقال الشعبي والنخعي والحسن بن حي إذا
زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة فإذا زادت واحدة يجب فيها
خمس شياه وهي رواية عن أحمد وهو مخالف للآثار وقيل إذا زادت على مائتين ففيها
شاتان حتى تبلغ أربعين ومائتين حكاه ابن التين وفقهاء الأمصار على خلافه
وفيه أن شرط وجوب الزكاة في الغنم السوم عند أبي حنيفة والشافعي وهي الراعية في
كلأ مباح وقال ابن حزم قال مالك والليث وبعض أصحابنا تزكى السوائم والمعلوفة
والمتخذة للركوب وللحرث وغير ذلك من الإبل والغنم وقال بعض أصحابنا أما الإبل فنعم
وأما البقر والغنم فلا زكاة إلا في سائمتها وهو قول أبي الحسن بن المفلس وقال
بعضهم أما الإبل والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها وأما البقر فلا يزكى إلا سائمتها
وهو قول أبي بكر بن داود ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الإبل وغير سائمة
الإبل منها
(9/21)
تزكى سواء وقال بعضهم تزكى غير
السائمة عن كل واحدة مرة واحدة في الدهر ثم لا يعيد الزكاة فيها وقال أصحابنا
الحنفية وليس في العوامل والحوامل والمعلوفة صدقة هذا قول أكثر أهل العلم كعطاء
والحسن والنخعي وابن جبير والثوري والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي
عبيد وابن المنذر ويروى عن عمر بن عبد العزيز وقال قتادة ومكحول ومالك تجب الزكاة
في المعلومة والنواضح بالعمومات وهو مذهب معاذ وجابر بن عبد الله وسعيد بن عبد
العزيز والزهري وروي عن علي ومعاذ أنه لا زكاة فيها وهو قول أبي حنيفة وحجة من
اشترطه كتاب الصديق وحديث عمرو بن حزم مثله وشرط في الإبل حديث بهز بن حكيم عن
أبيه عن جده مرفوعا في كل سائمة من كل أربعين من الإبل ابنة لبون رواه أبو داود
والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وقد ورد تقييد السوم وهو مفهوم الصفة والمطلق
يحمل على المقيد إذا كانا في حادثة واحدة والصفة إذا قرنت بالإسم العلم تنزل منزلة
العلة لإيجاب الحكم وعن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي ليس في العوامل صدقة رواه
الدارقطني وصححه ابن القطان ورواه الدارقطني أيضا من حديث ابن عباس وعمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال لا يؤخذ من البقر التي يحرث عليها
من الزكاة شيء ورفعه حجاج عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن أبي الزبير عنه بلفظ ليس
في المثيرة صدقة وفي ( مصنف ) ابن أبي شيبة من حديث ليث عن طاووس عن معاذ أنه كان
لا يأخذ من البقر العوامل صدقة حدثنا هاشم عن مغيرة ابن إبراهيم ومجاهد قالا ليس
في البقرة العوامل صدقة ومن حديث حجاج عن الحكم أن عمر بن عبد العزيز قال ليس في
العوامل شيء وكذا قاله سعيد بن جبير والشعبي والضحاك وعمرو بن دينار وعطاء وفي ( الأسرار
) للدبوسي وعلي وجابر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وحجة من منعه ما رواه إسماعيل
القاضي في ( مبسوطه ) عن الليث قال رأيت الإبل التي تكرى للحج تزكى بالمدينة ويحيى
بن سعيد وربيعة وغيرهما من أهل المدينة حضور لا ينكرونه ويرون ذلك من السنة إذا لم
تكن متفرقة وعن طلحة بن أبي سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب وهو خليفة أن تؤخذ
الصدقة من التي تعمل في الريف قال طلحة حضرت ذلك وعاينته وعند أبي حنيفة وأحمد أن
السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول لأن اسم السوم لا يزول عنها بالعلف
اليسير ولأن العلف البسير لا يمكن التحرز عنه ولأن الضرورة تدعو إليه في بعض
الأحيان لعدم المرعى فيه واعتبر الشافعي السوم في جميع الحول ولو علفت قدرا أتعيش
بدونه بلا ضرر بين وجبت الزكاة وفي ( البدائع ) إن أسيمت الإبل أو البقر أو الغنم
للحمل أو الركوب أو اللحم فلا زكاة فيها وإن أسيمت للتجارة ففيها زكاة التجارة حتى
لو كانت أربعا من الإبل أو أقل تساوي مائتي درهم يجب فيها خمسة دراهم وإن كانت
خمسا لا تساوي مائتي درهم لا يجب فيها الزكاة وفي ( الذخيرة ) من اشترى إبلا سائمة
بنية التجارة وحال عليها الحول وهي سائمة تجب فيها زكاة التجارة دون زكاة السائمة
وفيه أن الزكاة في الفضة ربع عشرها مثلا إذا كانت مائتا درهم فزكاتها خمسة دراهم
وفي أربعمائة عشرة دراهم وفي ألف خمسة وعشرون وفي عشرة آلاف مائتان وخمسون درهما
وفي عشرين ألفا خمسمائة وفي أربعين ألفا ألف وفي مائة ألف ألفان وخمسمائة وهلم جرا
وفيه أن الفضة إن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء لعدم النصاب إلا أن يتطوع
صاحبها
93 -
( باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق )
أي هذا باب يذكر فيه لا تؤخذ في الصدقة أي في الزكاة هرمة بفتح الهاء وكسر الراء
أي كبيرة سقطت أسنانها وعن الأصمعي الهرم الذي قد بلغ إقصى السن وقال أبو حاتم
امرأة هرمة ورجال هرمون وهرائم ونساء هرمات وربما قيل شيوخ هرمى وقد هرم هرما مثال
حذر وقال صاحب ( العين ) ومهرما ونساء هرمى وفي ( الكامل ) لأبي العباس وقد أهرمه
الدهر وهرمه قوله عوار بفتح العين وبضمها وهو العيب أي ولا تؤخذ في الصدقة ذات عيب
وقيل بالفتح العيب وبالضم العور قوله ولا تيس وهو فحل الغنم وقيده ابن التين أنه
من المعز أي ولا يؤخذ في الصدقة تيس معناه إذا كانت ماشية كلها أو بعضها إناثا لا
يؤخذ منه الذكر إنما تؤخذ الأنثى إلا في موضعين وردت بهما السنة أحدهما
(9/22)
أخذ التبيع من ثلاثين من البقر
والآخر أخذ ابن اللبون من خمس وعشرين من الإبل بدل بنت المخاض عند عدمها وأما إذا
كانت ماشية كلها ذكورا فيؤخذ الذكر وقيل إنما لا يؤخذ التيس لأنه مرغوب عنه لنتنه
وفساد لحمه أو لأنه ربما يقصد به المالك منه الفحولة فيتضرر بإخراجه قوله إلا ما
شاء المصدق روى أبو عبيد بفتح الدال وجمهور المحدثين بكسرها فعلى الأولى يراد به
المعطي ويكون الاستثناء مختصا بقوله ولا تيس لأن رب المال ليس له أن يخرج في صدقته
ذات عوار والتيس وإن كان غير مرغوب فيه لنتنه فإنه ربما زاد على خيار الغنم في القيمة
لطلب الفحولة وعلى الثاني معناه إلا ما شاء المصدق منها ورأى ذلك أنفع للمستحقين
فإنه وكيلهم فله أن يأخذ ما شاء ويحتمل تخصيص ذلك إذا كانت المواشي كلها معيبة
وقال الطيبي هذا إذا كان الاستثناء متصلا ويحتمل أن يكون منقطعا والمعنى لا يخرج
المزكي الناقص والمعيب لكن يخرج ما شاء المصدق من السليم أو الكامل وفي ( التلويح
) قال بعضهم المصدق بتشديد الصاد والدال وقال أصله المتصدق فأدغمت التاء في الصاد
لقرب مخرجهما قلت ليس كذلك بل أبدلت التاء صادا ثم أدغمت الصاد في الصاد على ما
تقتضيه القواعد الصرفية
5541 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) قال حدثني أبي قال حدثني ( ثمامة ) أن ( أنسا )
رضي الله تعالى عنه حدثه أن ( أبا بكر ) رضي الله تعالى عنه كتب له التي أمر الله
رسوله ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق
قد ذكرنا أن البخاري قطع هذا الحديث قطعا فترجم لكل قطعة منها ترجمة وهذا الإسناد
بعينه قد ذكر غير مرة ونفس لفظ الحديث هو عين الترجمة فلا مطابقة بينهما أقوى
وأنسب من ذلك وقد فسرنا ألفاظه وأما الحكم فيه فعامة الفقهاء على العمل به
فالمأخوذ في الصدقات العدل وهو ما بين خيار المال ودونه فإن كان المال كله معيبا
يؤخذ الوسط منه وهو قول الشافعي أيضا وعند مالك يكلف بسليم من العيب وهو مشهور
مذهبع ويؤخذ في الصغيرة التي تبلغ سن الجذع وعند أبي حنيفة والشافعي إذا كانت كلها
صغارا أو مراضا أخذ منها ونحا إليه محمد بن الحكم والمخزومي والماجشون ومحمد وأبو
يوسف وقال مطرف إن كانت عجافا أو ذوات عوار أو تيوسا أخذنها وإن كانت مواحض أو
أكولة أو سخالا لم تؤخذ منها وقال عبد الملك يأخذ من ذلك كله إذا لم تكن فيها جذعة
أو ثنية إلا أن تكون سخالا فلا يؤخذ منها وقال محمد بن الحسن إن السخال والعجاجيل
لا شيء فيها
وتحقيق مذهب الحنفية في هذا الباب ما قاله صاحب ( الهداية ) وليس في الفصلان
والعجاجيل والحملان صدقة وهذا آخر أقوال أبي حنيفة وبه قال محمد بن الحسن والثوري
والشعبي وداود أبو سليمان وكان يقول أولا يجب فيها ما يجب في الكبار من الجذع
والتثنية وبه قال زفر ومالك وأبو عبيد وأبو بكر من الحنابلة وفي ( المغني ) في (
الصحيح ) ثم رجع وقال تجب واحدة منها وبه قال الأوزاعي وإسحاق ويعقوب والشافعي في
( الجديد ) وصححوه ثم رجع إلى ما ذكرناه آنفا وروى عن الثوري أن المصدق يأخذ مسنة
ويرد على صاحب المال فضل ما بين المسنة والصغيرة التي هي في ماشيته وهو وجه للحنابلة
وهنا قول آخر ضعيف جدا لم ينقل عن غير الحنابلة أنه يجب في خمس وعشرين من الفصلان
واحدة منها وفي ست وثلاثين منها كسن واحدة منها مرتين وفي ست وأربعين واحدة سنها
مثل سن واحدة منها كسن واحدة منها مرتين وفي ست وأربعين واحدة سنها مثل سن واحدة
منها ثلاث مرات وفي إحدى وستين واحدة مثل سنها أربع مرات وفي ( شرح المهذب )
للنووي إذا كانت الماشية صغارا أو واحدة منها في سن الفرض يجب سن الفرض المنصوص
عليه عند الشافعي وهو قول مالك وأحمد فإن هلكت المسنة بعد الحول لا يؤخذ منها شيء
في قول أبي حنيفة ومحمد ويجعل تبعا لها في الوجوب والهلاك فإذا هلكت بغير صنع أحد
تجعل كأنها هلكت مع الصغار وعند أبي يوسف يجب تسعة وثلاثون جزأ من أربعين جزأ من
حمل هو أفضلها ويسقط فضل المسنة كأن الكل كان حملانا وهلك منها حمل وعند زفر يجب
مثلها من تثنية وسط وإن هلكت الصغار وبقيت المسنة يجب فيها جزء من شاة وسط اتفاقا
ذكره الوبري
04 -
( باب أخذ العناق في الصدقة )
أي هذا باب في بيان جواز أخذ العناق في الصدقة أي الزكاة والعناق بفتح العين
وتخفيف النون ولد المعز إذا أتى عليه
(9/23)
أربعة أشهر وفصل من أمه وقوي
على الرعي فإن كان ذكرا فهو جدي وإن كان أنثى فهو عناق فإذا أتى عليه حول فالذكر
ثني والأنثى عنز ثم يكون جذعا في السنة الثانية ونقل ابن التين عن القاضي إبي محمد
أن المراد بالعناق الجذعة من المعز وقال الداودي واختلف في الجذع من المعز فقيل
ابن سنة وقيل ودخل في الثانية واختلف في الثني فقيل إذا أسقط سنة واحدة أو اثنتين
أو ثناياه كلها فهو ثني وقيل لا يكون سنيا إلا بسقوط ثنتين وأما الجذع من الضأن
ففيه أربعة أقوال عند الملكية ابن سنة ابن عشرة أشهر ابن ثمانية ابن ستة والأصح
عند الشافعية ما استكمل سنة ودخل في الثانية
6541 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) ح وقال ( الليث )
حدثنا ( عبد الرحمان بن خالد ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال ( أبو بكر ) رضي
الله تعالى عنه لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها
قال عمر رضي الله تعالى عنه فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر رضي الله
تعالى عنه بالقتال فعرفت أنه الحق
مطابقته للترجمة في قوله لو منعوني عناقا إلى آخره وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى
جواز أخذ الصغير من الغنم في الزكاة وهذا الحديث قطعة من حديث قصة عمر مع أبي بكر
رضي الله تعالى عنهما في قتال مانعي الزكاة وقد مر الحديث بتمامه مطولا في أول
الزكاة أخرجه هناك من طريق واحد عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة
عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله آخره وههنا أخرجه من طريقين أحدهما عن أبي
اليمان عن شعيب عن الزهري عن عبيد الله والآخر معلق حيث قال قال الليث إلى آخره
ووصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث
ذكر ما يستفاد منه اختلفوا في أخذ العناق والسخال والبهم إذا كانت الغنم كذلك كلها
أو كان في الإبل فصلان أو في البقر عجاجيل فقال مالك عليه في الغنم جذعة أو ثنية
وعليه في الإبل والبقر ما في الكبار منها وهو قول زفر وأبي ثور وقال أبو يوسف
والأوزاعي والشافعي يؤخذ منها إذا كانت صغارا من كل صنف واحد منها وقال أبو حنيفة
والثوري ومحمد لا شيء في الفصلان ولا في العجاجيل ولا في صغار الغنم لا منها ولا
من غيرها وذكر ابن المنذر وكان أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وأحمد يقولون
في أربعين حملا مسنة وعلى هذا القول هم موافقون لقول مالك وقد مر تحقيق هذا في
الباب السابق فإن قلت كيف وجه الاستدلال بهذا الحديث عند من يرى جواز أخذ الصغير
إذا كانت الماشية كلها صغارا قلت قالوا قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه لو منعوني
عناقا كانوا يؤدونها يدل على أنها مأخوذة في الصدقة وهو مذهب البخاري أيضا فلذلك
ترجم بالترجمة المذكورة وأجاب المانعون بأن تأويله يؤدون عنها ما يجوز أداؤه ويشهد
له قول عمر رضي الله تعالى عنه أعدد عليهم السخلة ولا تأخذها وإنما خرج قول الصديق
على المبالغة بدليل الرواية الأخرى لو منعوني عقالا والعقال ليس فيه زكاة والله
تعالى أعلم
14 -
( باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة )
أي هذا باب يذكر فيه لا تؤخذ إلى آخره والكرائم جمع كريمة يقال ناقة كريمة أي غزيرة
اللبن ويدخل فيه الحديثة العهد بالنتاج والسمينة للأكل والحامل
8541 - حدثنا ( أمية بن بسطام ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( روح بن
القاسم ) عن ( إسماعيل بن أمية ) عن ( يحيى بن عبد الله بن صيفي ) عن ( أبي معبد )
عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله لما بعث معاذا رضي الله عنه
على اليمن قال إنك تقدم على قوم أهل كتاب
(9/24)
فليكن أول ما تدعوهم إليه
عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم
وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وترد على
فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس
مطابقته للترجمة في قوله وتوق كرائم أموال الناس وقد مضى هذا الحديث في أول الزكاة
فإنه أخرجه هناك عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد
الله إلى آخره وهنا أخرجه عن أمية بن بسطام بكسر الباء الموحدة وبفتحها والأول
أشهر وقال ابن الصلاح أعجمي لا ينصرف ومنهم من صرفه العيشي بفتح العين المهملة
وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين وهو يروي عن
يزيد بن زريع مصغر الزرع المرادف للحرث مر في باب الجنب يخرج وهو يروي عن روح بفتح
الراء ابن القاسم مر في باب ما جاء في غسل البول وهو يروي عن إسماعيل بن أمية
الأموي المكي مات في سنة تسع وثلاثين ومائة عن يحيى بن عبد الله عن أبي معبد بفتح
الميم واسمه نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة والتفاوت بينهما يسير وليس في الذي
رواه أول الزكاة
قوله وتوق كرائم أموال الناس فلنذكر فيه بعض شيء وإن كان الكلام قد مضى فيه هناك
مستوفى فقوله على اليمن وهو الإقليم المعروف وإنما قال على اليمن مع أن البعث
يتعدى بإلى لأنه ضمن فيه معنى الولاية أي بعث واليا عليهم قوله تقدم بفتح الدال من
قدم بالكسر إذا جاء من السفر وأما قدم بالضم فمعناه تقدم قوله أول بالنصب لأنه خبر
كان واسمه قوله عبادة الله قوله فإذا عرفوا الله أي بالتوحيد ونفي الألوهية عن
غيره وقال الكرماني فإن قلت مقتضى الظاهر أن يقال معرفة الله بقرينة فإذا عرفوا
الحق فإن قلت المراد من العبادة المعرفة كما قيل به في قوله تعالى وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون ( الذاريات 65 ) أي ليعرفونانتهى قلت معنى العبادة التوحيد
ومعنى قوله إلا ليعبدون ( الذاريات 65 ) إلا ليعرفون قوله وترد على فقرائهم معطوف
على محذوف تقديره تؤخذ من أموالهم وترد على فقرائهم والمحذوف موجود في بعض النسخ
قوله توق أي إحذر النفائس وخيار أموالهم قال صاحب ( المطالع ) أي جامعة الكمال
الممكن في حقها من غزارة اللبن وجمال الصورة وكثرة اللحم والصوف
24 -
( باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة )
أي هذا باب يذكر فيه ليس فيما دون خمس ذود زكاة وقد مر تفسيره وشرح حديث الباب
أيضا في باب زكاة الورق وقد تكلف بعضهم فقال هذه الترجمة تتعلق بزكاة الإبل وإنما
اقتطعها من ثم لأن الترجمة المتقدمة مسوقة للإيجاب وهذه للنفي فلذلك فصل بينهما
بزكاة الغنم وتوابعه انتهى قلت هذا تعسف ليس فيه زيادة فائدة لأنه لا يراعي
الترتيب بين الأبواب وإنما أعاد هذا الحديث هنا للاختلاف في سنده ولأنه ترجم هناك
للورق وههنا للإبل
9541 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن محمد بن عبد الرحمان بن
أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله
قال ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة
وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة
مطابقته للترجمة في الجزء الأخير من الحديث و ( محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
المازني ) كذا هو في رواية مالك والمعروف أنه محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
أبي صعصعة نسب إلى جده وجده نسب إلى جده
قوله عن أبيه كذا رواه مالك وروى إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) عن أبي أسامة عن
الوليد بن كثير عن محمد هذا عن عمرو
(9/25)
ابن يحيى وعباد بن تميم كلاهما
عن أبي سعيد ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أن محمدا أسمعه من ثلاثة أنفس
وأن الطريقين محفوظان
34 -
( باب زكاة البقر )
أي هذا باب في بيان إيجاب زكاة البقر البقر جمع بقرة وهو الباقر أيضا ويقال لها
باقر إذا كانت جماعة مع الرعاة والبقر أيضا اسم للجمع كالكليب والعبيد والبيقور
مثله وفي ( المحكم ) البقرة من الأهلي والوحشي تكون للمذكر والمؤنث والجمع بقر
وجمع البقرة أبقر كزمن وأزمن فأما باقر وبقير وباقورة فأسماء للجمع وفي ( كتاب
الوحوش ) لهشام الكرنبائي يقال للأنثى من بقر الوحش بقرة ونعجة ومهاة وقد يقال في
الشعر للبقرة ثورة ولم يجيء في الكلام والباقرة جماع بقرة والبقير لا واحد له وفي
( الصحاح ) والجمع البقرات وفي ( المغرب ) للمطرزي والباقور والبيقور والأبقور
البقر وكذا الباقورة
وقال أبو حميد قال النبي لأعرفن ما جاء الله رجل ببقرة لها خوار ويقال جؤار تجأرون
ترفعون أصواتكم كما تجأر البقرة
مطابقته للترجمة من حيث إن الحديث يتضمن الوعيد فيمن لم يؤد زكاة البقر فيدل على
وجوب زكاة البقر وقد قلنا إن التقدير في الترجمة باب في بيان إيجاب زكاة البقر
وهذا التعليق قطعة من حديث ابن اللتيبة أخرجه مسندا موصولا من طرق وهذا القدر وقع
عنده موصولا في كتاب ترك الحيل وأبو حميد بضم الحاء الساعدي الأنصاري قيل اسمه عبد
الرحمن وقيل المنذر بن سعد مر في استقبال القبلة قوله لأعرفن أي لأعرفنكم غدا على
هذه الحالة وفي رواية الكشميهني لأعرفن بحرف النفي أي ما ينبغي أن تكونوا على هذه
الحالة فأعرفكم بها قال القاضي رواية النفي أشهر ورواية لأعرفن أكثر رواه مسلم
قوله ما جاء الله رجل كلمة ما مصدرية ولفظة الله منصوبة بقوله جاء ورجل مرفوع لأنه
فاعل جاء وهذه الجملة في محل النصب على أنها مفعول قوله لأعرفن وتقدير الكلام
لأعرفن مجيء رجل إلى الله يوم القيامة ببقرة لها خوار بضم الخاء المعجمة وبغير
الهمزة وهو صوت البقر قوله ويقال جؤار من كلام البخاري أي يقال جؤار بضم الجيم
وبالهمزة موضع خوار بضم الخاء المعجمة وقال ابن الأثير المشهور بالخاء المعجمة
وأما الجؤار بالجيم والهمزة فمعناه رفع الصوت والاستغاثة من جأر يجأر جأرا وجؤارا
إذا رفع صوته مع تضرع واستغاثة قاله في ( المحكم ) وقال ثعلب هو رفع الصوت بالدعاء
وفي كتاب ( الوحوش ) للكرنبائي الخوار غير مهموز والجؤار مهموز وهما سواء قوله
تجأرون أشار به إلى المذكور في القرآن في سورة المؤمنين معناه ترفعون أصواتكم وقد
جرت عادة البخاري إذا وقف على لفظة غريبة تطابق كلمة في القرآن نقل تفسير تلك
الكلمة التي من القرآن تكثيرا للفائدة وتنبيها على ما وقع من ذلك في القرآن وقد
روى ابن أبي حاتم هذا التفسير عن السدي وروى أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله تجأرون قال تستغيثون
0641 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( المعرور ابن سويد
) عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه قال انتهيت إلى النبي قال والذي نفسي بيده أو
والذي لا إلاه غيره أو كما حلف ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها
إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما
جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس
( الحديث 0641 - طرفه في 8366 )
مطابقته للترجمة مثل الذي ذكرناه في الحديث السابق
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا والأعمش
(9/26)
هو سليمان والمعرور بفتح الميم
وسكون العين المهملة وبالراء المكررة مر في باب المعاصي في كتاب الإيمان
وأخرجه البخاري أيضا في النذور مقطعا وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي
شيبة وعن أبي كريب وعن أبي معاوية ثلاثتهم عن الأعمش عنه به وأخرجه الترمذي فيه عن
هناد به وعن محمد بن عبد الله بن المبارك وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن
وكيع به مختصرا ما من صاحب إبل الحديث
ذكر معناه قوله انتهيت إلى النبي ويروى انتهيت إليه أي إلى النبي هكذا فسره
الكرماني أيضا وقال صاحب ( التلويح ) انتهيت إليه يعني إلى النبي وفي رواية مسلم
انتهيت إلى رسول الله وفي رواية الترمذي جئت إلى رسول الله أما رواية مسلم فقال
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن
أبي ذر قال انتهيت إلى رسول الله وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون
ورب الكعبة الحديث وفيه ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت
يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها كلما نفدت أخراها
عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس وأما رواية الترمذي فقال حدثنا هناد بن السري
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال جئت إلى رسول الله
وهو جالس في ظل الكعبة قال فرآني مقبلا فقال هم الأخسرون ورب الكعبة يوم القيامة
الحديث وفيه ثم قال والذي نفسي بيده لا يموت رجل فيدع إبلا أو بقر لم يؤد زكاتها
إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما نفدت
إلى آخره نحو رواية مسلم وقال بعضهم قوله قال انتهيت إليه هو مقول المعرور والضمير
يعود على أبي ذر وهو الحالف انتهى قلت رواية مسلم والترمذي تظهر غلط هذا القائل
وهذان العمدتان في هذا الأمر يصرحان أن قوله انتهيت مقول أبي ذر وليس بمقول
المعرور وأن الحالف هو النبي قوله أو كما حلف يعني حالفا بلا خلاف ولكن أبا ذر
تردد بين هذه الألفاظ ولم يضبطها كما وقع قوله ما من رجل مقول قوله قال والذي نفسي
بيده وهذه الجملة معترضة بين قال ومقولة قوله لا يؤدي حقها أي زكاتها وكذا صرح في
رواية مسلم حيث قال لا يؤدي مسلم زكاتها قوله أتي بها بضم الهمزة قوله أعظم نصب
على الحال قوله وأسمنه الضمير فيه يرجع إلى ما يكون قوله وتنطحه بكسر عينه وهو
الذي اختاره ثعلب في ( الفصيح ) وماضيه نطح بفتح العين قال القزاز النطح ضرب الكبش
برأسه وحكى المطرزي في ( شرحه ) ينطح بفتح العين في المستقبل وفي الماضي بالتشديد
نطح قلت ليس هذا من ذلك ولا يأتي من فعل بالتشديد إلا بفعل كذلك بالتشديد وقيل
النطح مخصوص بالكباش وكان ابن خروف يخطؤه في ذلك وقد استعمل في غير الكباش وحكى
ابن قتيبة نطح الكبش والثور وحكى اللغويون نطح الشجاع قرنه فصرعه وفي كتاب (
الفصيح ) نطح الكبش وغيره ينطح وفي ( المنتهى ) لأبي المعاني وتناطحت الأمواج وقال
ابن درستويه في كتابه ( شرح الفصيح ) النطح بالقرنين أو الرأسين ويخص بذلك الكباش
لأنها مولعة به حتى إن الأقران في الحرب تشبه بها فيقال تناطحوا وانتطحوا ونطح
فلان قرنه فصرعه قوله بأخفافها جمع خف فالخف للبعير كما أن القرن للبقر والغنم
قوله كلما جازت أي مرت قوله ردت على صيغة المجهول ويروى على صيغة المعلوم فالفاعل
أما الأولى وأما الأخرى قوله عليه أي على رجل له إبل وهو المذكور ومعناه يعاقب
بهذه العقوبة حتى يقضي بين الناس أي إلى أن يفرغ الحساب
رواه بكير عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي
أي روى هذا الحديث بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي صالح ذكوان السمان عن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه وأخرجه مسلم مطولا موصولا من طريق بكير بهذا الإسناد
فقال حدثني هارون بن سعيد الأيلي قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرا
حدثه عن ذكوان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال إذا لم يؤد المرء
حق الله أو الصدقة في إبله وساق الحديث بنحو حديث سهيل عن أبيه فإن قلت لم يذكر
البخاري كيفية
(9/27)
زكاة البقر وإنما ذكر ما يدل
على وجوبها فقط قلت قال النووي الحديث الذي ذكره البخاري أصح الأحاديث الواردة في
زكاة البقر ولم يذكر البخاري في ذلك شيئا وأراه لم يصح عنده في ذلك حديث قلت روى
أبو علي الطوسي والترمذي عن معاذ بعثني النبي إلى اليمن وأمرني أن آخذ من أربعين
بقرة مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعا وحسنه الترمذي ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه وروى الحاكم أيضا من حديث عمرو ابن حزم عن كتاب النبي في كل
أربعين باقورة بقرة واختلف الناس في زكاة البقر فقالت الظاهرية لا زكاة في أقل من
خمسين من البقر فإذا ملك خمسين بقرة عاما قمريا متصلا ففيها بقرة وفي المائة
بقرتان ثم في كل خمسين بقرة بقرة ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ الخمسين وقالت طائفة
ليس فيما دون ثلاثين شيء فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم لا شيء فيها حتى تبلغ
أربعين فإذا بلغتها ففيها بقرة ثم لا شيء فيها حتى تبلغ خمسين فإذا بلغتها ففيها
بقرة وربع بقرة ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها تبيع ومسنة وروي
ذلك عن إبراهيم وهي رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة والمشهور عن أبي حنيفة ليس في
أقل من ثلاثين من البقر صدقة فإذا كانت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول ففيها تبيع
أو تبيعه وهي التي طعنت في الثالثة فإذا زادت على أربعين ففي الزيادة بقدر ذلك إلى
ستين عند أبي حنيفة ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة وفي الستين نصف عشر مسنة
وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين فيكون فيها تبيعان أو
تبيعتان وهي رواية عن أبي حنيفة وفي سبعين مسنة وتبيع وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين
ثلاثة أتبعة وفي المائة تبيعان ومسنة وعلى هذا يتغير الفرض في كل عشرة من تبيع إلى
مسنة ومذهبنا مذهب علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري والشعبي وطاووس وشهر بن حوسب
وعمر بن عبد العزيز والحسن ومالك والشافعي وأحمد
44 -
( باب الزكاة على الأقارب )
أي هذا باب في بيان الزكاة على الأقارب وليس المراد من الزكاة ههنا معناها الشرعي
الذي هو إيتاء جزء من النصاب الشرعي الحولي إلى فقير مسلم غير هاشمي ولا مولاه
بشرط قطع المنفعة عن المزكي لله تعالى وإنما المراد منها ما أخرجته من مالك لتسد
به خلة المحتاج وتكتسب به الأجر والمثوبة عند الله وللزكاة معان في اللغة منها ما
ذكرناه فبهذا يلتئم ما في الباب من الأحاديث مع الترجمة وقد تعسفت جماعة ههنا بما
لا طائل تحته ولا مناسبة منهم الكرماني حيث يقول فإن قلت عقد الباب للزكاة وليس
فيه ذكرها قلت لعله أثبت للزكاة حكم الصدقة بالقياس عليها
وقال النبي له أجران أجر القرابة والصدقة
هذا التعليق أخرجه مسندا في باب الزكاة على الزوج والأيتام بعد ثلاثة أبواب من هذا
الباب في حديث زينب امرأة عبد الله ابن مسعود ولكن لفظه فيه لها أجران أجر القرابة
وأجر الصدقة
1641 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول كان أبو طلحة أكثر
الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان
رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما أنزلت هاذه الآية لن تنالوا
البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران 29 ) قام أبو طلحة إلى رسول الله فقال يا
رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل
عمران 29 ) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله
فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال فقال رسول الله بخ ذالك مال رابح ذالك مال
رابح
(9/28)
وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن
تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه
وبني عمه
مطابقته للترجمة تفهم مماذ ذكرنا الآن ورجاله قد ذكروا غير مرة وإسحاق هذا ابن أخي
أنس بن مالك وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الوصايا عن عبد الله بن يوسف وفي
الوكالة عن يحيى بن يحيى وفي الوصايا وفي الإشربة عن القعنبي وفي التفسير عن
إسماعيل وأخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى ابن يحيى وأخرجه النسائي في التفسير عن
هارون بن عبد الله
ذكر معناه قوله أكثر الأنصار بالنصب لأنه خبر كان قوله مالا نصب على التمييز أي من
حيث المال وكلمة من في من نخل للبيان قوله بيرحاء اختلفوا في ضبطه على أوجه جمعها
ابن الأثير في ( النهاية ) فقال يروى بفتح الباء الموحدة وبكسرها وبفتح الراء
وضمها وبالمد والقصر وفي رواية حماد بن سلمة بريحا بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها
على الياء آخر الحروف وفي ( سنن أبي داود ) بأريحاء مثله لكن بزيادة ألف وقال
الباجي أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور وكذا جزم به الصغاني وقال
إنه فيعلا من البراح قال ومن ذكره بكسر الباء الموحدة وظن أنها بئر من أبار
المدينة فقد صحف وقال القاضي روينا بفتح الباء والراء وضمها مع كسر الباء ومنهم من
قال من رفع الراء وألزمها حكم الإعراب فقد أخطأ وقال وبالرفع قرأناه على شيوخنا
بالأندلس والروايات فيه القصر وروينا أيضا بالمد وهو حائط سمي بهذا الإسم وليس اسم
بئر وقال التيمي هو بالرفع اسم كان وأحب خبره ويجوز بالعكس و حا مقصور كذا المحفوظ
ويجوز أن يمد في اللغة يقال هذه حاء بالقصر والمد وقد جاء حا في اسم قبيلة وبير
حاء بستان وكانت بساتين المدينة تدعى بالآبار التي فيها أي البستان التي فيه بئر
حا أضيف البئر إلى حا ويروى بير حا بفتح الباء وسكون التحتانية وفتح الراء هو اسم
مقصور ولا يتيسر فيه إعراب أي فهو كلمة واحدة لا مضاف ولا مضاف إليه قال ويجوز أن
يكون في موضع رفع وأن يكون في موضع نصب ويروى وأن أحب أموالي بير حا فعلى هذا محله
رفع وهو اسم بستان وقال ابن التين قيل حا اسم امرأة وقيل اسم موضع وهو ممدود ويجوز
قصره وفي ( معجم أبي عبيد ) حا على لفظ حرف الهجاء موضع بالشام و حا آخر موضع
بالمدينة وهو الذي ينسبه إليه بئر حا ورواه حماد بن سلمة عن ثابت أريحا خرجه أبو
داود ولا أعلم أريحا إلا بالشام وقيل سميت بيرحا بزجر الإبل عنها وذلك أن الإبل
إذا زجرت عن الماء وقد رويت حاحا وقيل بير حا من البرح والياء زائدة وفي ( المنتهى
) بيرح اسم رجل زاد في ( الواعي ) الياء فيه زائدة قوله وكانت أي بيرحا مستقبلة
المسجد أو مقابلته وقال النووي وهذا الموضع يعرف بقصر بني جديلة بفتح الجيم وكسر
الدال المهملة قبلي المسجد وفي ( التلويح ) هو موضع بقرب المسجد يعرف بقصر بني
حديلة وضبطها بالكتابة بضم الحاء المهملة وفتح الدال قلت الصواب بالجيم قوله من
ماء فيها أي في بيرحا قوله طيب بالجر لأنه صفة للماء قوله فلما أنزلت هذه الآية
وهي قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران 29 ) قال ابن عباس
في رواية أبي صالح لن تنالوا ما عند الله من ثوابه في الجنة حتى تنفقوا مما تحبون
من الصدقة أي بعض ما تحبون من الأموال وقال الضحاك يعني لن تدخلوا الجنة حتى
تنفقوا مما تحبون يعني تخرجون زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم وفي رواية عن ابن عباس
هذه الآية منسوخة نسختها آية الزكاة قوله وما تنفقوا من شيء ( آل عمران 29 ) يعني
الصدقة وصلة الرحم فإن الله به عليم ( آل عمران 29 ) أي ما يخفى عليه فيثيبكم عليه
وروي عن عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه اشترى جارية جميلة وهو يحبها
فمكثت عنده أياما فأعتقها فزوجها من رجل فولد لها ولد فكان يأخذ ولدها ويضمه إلى
نفسه فيقول إني أشم منك ريح أمك فقيل له قد رزقك الله من حلال فأنت تحبها فلم
تركتها فقال ألم تسمع هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران
29 ) ذكره أبو الليث السمرقندي في ( تفسيره ) وذكر أيضا عن عمر بن عبد العزيز رضي
الله تعالى عنه أنه كان يشتري أعدالا من سكر ويتصدق به فقيل له هلا تصدقت بثمنه
فقال لأن السكر أحب إلي فأردت أن أنفق مما أحب قوله قام إلى رسول الله
(9/29)
أي قام أبو طلحة منتهيا إلى
رسول الله قوله برها أي خيرها والبر إسم جامع لأنواع الخيرات والطاعات ويقال أرجو
ثواب برها قوله وذخرها أي أقدمها فأدخرها لأجدها هناك وعن ابن مسعود البر في الآية
الجهة والتقدير على هذا أبواب البر قوله بخ هذه كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء
وتكرر للمبالغة فإن وصلت خففت ونونت وربما شددت كالاسم ويقال بإسكان الخاء
وتنوينها مكسورة وقال القاضي حكي بالكسر بلا تنوين وروي بالرفع فإذا كررت
فالاختيار تحريك الأول منونا وإسكان الثاني وقال ابن دريد معناه تعظيم الأمر
وتفخيمه وسكنت الخاء فيه كسكون اللام في هل وبل ومن نونه شبهه بالأصوات كصه ومه
وفي ( الواعي ) قال الأحمر في بخ أربع لغات الجزم والخفض والتشديد والتخفيف وقال
ابن بطال هي كلمة إعجاب وقال ابن التين هي كلمة تقولها العرب عند المدح والمحمدة
وقال القزاز هي كلمة يقولها المفتخر عند ذكر الشيء العظيم وكلها متقاربة في المعنى
قوله مال رابح بالباء الموحدة أي يربح فيه صاحبه في الآخرة ومعناه ذو ربح كلابن
وتامر أي ذو لبن وذو تمر وقال ابن قرقول وروي بالياء المثناة من تحت من الرواح
يعني يروح عليه أجره وقال ابن بطال والمعنى أن مسافته قريبة وذلك أنفس الأموال
وقيل معناه يروح بالأجر ويغدو به واكتفى بالرواح عن الغدو ولعلم السامع ويقال
معناه أنه مال رائح يعني من شأنه الرواح أي الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو
أولى وقال القاضي وهي رواية يحيى بن يحيى وجماعة ورواية أبي مصعب وغيره بالباء
الموحدة وقال ابن قرقول بل الذي رويناه ليحيى بالباء المفردة وهو ما في مسلم وفي (
التلويح ) يحيى الذي أشار إليه ابن قرقول يحيى الليثي المغربي ويحيى الذي في
البخاري هو النيسابوري وقال أبو العباس الواني في كتابه ( أطراف الموطأ ) في رواية
يحيى الأندلسي بالباء الموحدة قال وتابعه روح بن عبادة وغيره وقال يحيى بن يحيى
النيسابوري وإسماعيل وابن وهب وغيرهم رائح بالهمزة من الروح وشك القعنبي فيه وقال
الإسماعيلي من قال رابح بالباء فقد صحف قوله وقد سمعت ما قلت بوب عليه البخاري في
الوكالة باب إذا قال الرجل لوكيله ضعه حيث أراك الله وقال الوكيل قد سمعت وقال
المهلب دل على قبوله ما جعل إليه أبو طلحة ثم رد الوضع فيها إلى أبي طلحة بعد
مشورته عليه فيمن يضعها قوله أفعل قال السفاقسي هو فعل مستقبل مرفوع وقال النووي
يحتمل أن يقول إفعل أنت ذاك فقد أمضيته على ما قلت فجعله أمرا قوله في أقاربه
الأقارب جمع الأقرب وقالت الفقهاء لو قال وقفت على قرابتي يتناول الواحد ويقال هم
قرابتي وهو قرابتي وفي ( الفصيح ) ذو قرابتي للواحد وذو قرابتي للإثنين وذو قرابتي
للجمع والقرابة والقربى في الرحم وفي ( الصحاح ) والقرابة القربى في الرحم وهو في
الأصل مصدر تقول بيني وبينه قرابة وقرب وقربى ومقربة ومقربة وقربة وقربة بضم الراء
وهو قربى وذو قرابتي وهم أقربائي وأقاربي والعامة تقول هو قرابتي وهم قراباتي قوله
وبني عمه من باب عطف الخاص على العام فافهم
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الرجل الصالح قد يضاف إليه حب المال وقد يضيفه هو إلى
نفسه وليس في ذلك نقيصة عليه وفيه اتخاذ البساتين والعقار وقال ابن عبد البر وفيه
رد لما يروى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إنه قاال لا تتخذوا الضيعة فترغبوا
في الدنيا وفيه إباحة دخول العلماء البساتين وفيه دخول الشارع حوائط أصحابه وشربه
من مائها وفيه أن كسب العقار مباح إذا كان حلالا ولم يكن بسبب ذل ولا صغار فإن ابن
عمر رضي الله تعالى عنهما كره كسب أرض الخراج ولم ير شراها وقال لا تجعل في عنقك
صغارا وفيه إباحة شرب من ماء الصديق وكذا الأكل من ثماره وطعامه قال أبو عمر إذا
علم أن نفس صاحبه تطيب بذلك وفيه دلالة للمذهب الصحيح أنه يجوز أن يقال إن الله
تبارك وتعالى يقول كما يقال ءن الله تعالى قال خلافا لما قاله مطرف بن عبد الله بن
الشخير إذ قال لا يقال الله وتعالى يقول إنما يقال قال الله أو الله عز و جل كأنه
ينجر إلى استئناف القول وقول الله قديم وكأنه ذهل عن قوله عز و جل والله يقول الحق
وهو يهدي السبيل ( الأحزاب 4 ) وفيه استعمال ظاهر الخطاب وعمومه ألا ترى أن أبا
طلحة حين سمع لن تنالوا البر ( آل عمران 29 ) لم يحتج أن يقف حتى يرد عليه البيان
عن الشيء الذي يريد الله عز و جل أن ينفق عباده منه إما بآية أو سنة تبين ذاك
(9/30)
وفيه مشاورة أهل العلم والفضل
في كيفية وجوه الطاعات وغيرها والإنفاق من المحبوب وفيه أن الوقف صحيح وإن لم يذكر
سبيله وهو الذي بوب عليه البخاري في الوصايا وفيه أن الوكالة لا تتم إلا بالقبول
وفيه أن أبا طلحة هو الذي قسمها في أقاربه وبني عمه وقد ذكر إسماعيل القاضي في (
المبسوط ) عن القعنبي بسنده وفيه أن النبي قسمها في أقارب أبي طلحة وبني عمه لا
خلاف في ذلك وقال أبو عمر هو المحفوظ عند العلماء قلت هذا خلاف ما ذكر هنا ويحتمل
أنه إنما أضيف إلى النبي لأنه الآمر به وفيه في قوله فضعها يا رسول الله حيث أراك
الله جواز أمر الرجل لغيره أن يتصدق عنه أو يقف عنه وكذلك إذا قال الآخر خذ هذا
المال فاجعله حيث أراك الله من وجوه الخير وقال مالك في هذا لا يأخذ منه شيئا وإن
كان فقيرا فقال غيره وجاز له أن يأخذه كله إذا كان فقيرا وفيه صحة الصدقة المطلقة
والحبس المطلق وهو الذي لم يعين مصرفه ثم بعد ذلك يعين وفيه جواز أن يعطي الواحد
من الصدقة فوق مائتي درهم لأن هذا الحائط مشهور أن ريعه يحصل للواحد منه أكثر من
ذلك قاله القرطبي ولا فرق بين فرض الصدقة ونفلها في مقدار ما يجوز إعطاؤه المتصدق
عليه فيما ذكره الخطابي وفيه أن الصدقة إذا كانت جزلة مدح صاحبها لقوله بخ ذلك مال
رابح وفيه أن الصدقة على الأقارب وضعفاء الأهلين أفضل منها على سائر الناس إذا
كانت صدقة تطوع ويدل على ذلك قوله لك أجران أجر القرابة والصدقة وقال لميمونة حين
أعتقت جارية لها أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ذكره البخاري رحمه الله
تعالى في الهبة
تابعه روح
أي تابع عبد الله بن يوسف روح بفتح الراء ابن عبادة البصري عن مالك في قوله رابح
بالباء الموحدة ووصل هذه المتابعة في كتاب البيوع
وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل عن مالك رايح
أي قال يحيى بن يحيى النيسابوري رحمه الله تعالى وإسماعيل بن أبي أويس في روايتهما
عن مالك رضي الله تعالى عنه رايح بالياء آخر الحروف أما رواية يحيى فستأتي موصولة
في الوكالة وأما رواية إسماعيل فوصلها البخاري رحمه الله تعالى في التفسير
2641 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( زيد ) عن
( عياض بن عبد الله ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه خرج رسول الله في
أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس
تصدقوا فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن
وبم ذالك يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين
أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء ثم انصرف فلما صار إلى منزله جاءت
زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه فقيل يا رسول الله هاذه زينب فقال أي الزيانب
فقيل امرأة ابن مسعود قال نعم ائذنوا لها فأذن لها قالت يا نبي الله إنك أمرت
اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق
من تصدقت به عليهم فقال النبي صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم
(9/31)
مطابقته للترجمة تفهم من الوجه
الذي ذكرناه في صدر الباب فليرجع إليه
ذكر رجاله وهم سبعة الأول سعيد ابن أبي مريم وهو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي
مريم الجمحي الثاني محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الثالث زيد بن أسلم أبو
أسامة العدوي الرابع عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري الخامس
أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك وهذا الإسناد بعينه قد مر في كتاب الحيض في باب
ترك الحائض الصوم مع المتن من قوله خرج رسول الله إلى قوله من إحداكن وفيه زيادة
وهي قوله قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله قال أليس شهادة المرأة مثل نصف
شهادة الرجل قلن بلى قال فذاك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن
بلى قال فذاك من نقصان دينها وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى وبقية الحديث تأتي عن
قريب في باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر
ذكر معناه قوله جاءت زينب امرأة ابن مسعود وقال الطحاوي زينب هذه هي رائطة قال ولا
نعلم عبد الله تزوج غيرها في زمن رسول الله وقال الكلاباذي رائطة هي المعروفة
بزينب وقال ابن طاهر وغيره امرأة ابن مسعود زينب ويقال اسمها رائطة وأما ابن سعد
وأبو أحمد العسكري وأبو القاسم الطبراني وأبو بكر البيهقي وأبو عمر بن عبد البر
وأبو نعيم الحافظ وأبو عبد الله بن منده وأبو حاتم بن حبان فجعلوهما ثنتين والله
أعلم وقال صاحب ( التلويح ) ومما يرجح القول الأول ما رويناه عن القاضي يوسف في
كتاب الزكاة حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا هشام عن عروة عن
عبد الله بن عبد الله الثقفي عن أخته رائطة ابنة عبد الله وكانت امرأة ابن مسعود
وكانت امرأة صناعا الحديث قلت روى أحمد في ( مسنده ) من رواية عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة عن رائطة إمرأة عبد الله بن مسعود وكانت امرأة صناع اليد قال فكانت
تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها الحديث وفيه فقال لها رسول الله أنفقي عليهم فإن لك
في ذلك أجر ما أنفقت عليهم وإسناده صحيح قوله فقيل يا رسول الله هذه زينب القائل
هو بلال كما سيأتي عن قريب قوله فقال أي الزيانب أي أية زينب من الزيانب وتعريف
المثنى والمجموع من الأعلام وإنما هو بالألف واللام قوله إيذنوا لها فأذن لها قالت
يا نبي اللهإلى آخره لم يبين أبو سعيد ممن سمع ذلك فإن كان حاضرا عند النبي حال
المراجعة المذكورة فهو من مسنده وإلا فيحتمل أن يكون حمله عن زينب صاحبة القصة
فيكون فيه رواية الصحابي عن الصحابية
ذكر ما يستفاد منه احتج بهذا الحديث الشافعي وأحمد في رواية وأبو ثور وأبو عبيد
وأشهب من المالكية وابن المنذر وأبو يوسف ومحمد وأهل الظاهر وقالوا يجوز للمرأة أن
تعطي زكاتها إلى زوجها الفقير وقال القرافي كرهه الشافعي وأشهب واحتجوا أيضا بما
رواه الجوزجاني عن عطاء قالت أتت النبي امرأة فقالت يا رسول الله إن علي نذرا أن
أتصدق بعشرين درهما وأن لي زوجا فقيرا أفيجزىء عني أن أعطيه قال نعم كفلان من
الأجر وقال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية وأبو بكر من
الحنابلة لا يجوز للمرأة أن تعطي زوجها من زكاة مالها ويروى ذلك عن عمر رضي الله
تعالى عنه وأجابوا عن حديث زينب بأن الصدقة المذكورة فيه إنما هي من غير الزكاة
وقال الطحاوي وقد بين ذلك ما حدثنا يونس قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا
الليث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله عن رائطة بنت عبد الله
إمرأة عبد الله بن مسعود وكانت امرأة صنعا وليس لعبد الله بن مسعود مال وكانت تنفق
عليه وعلى ولده معها فقالت والله لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع أن
أتصدق معكم بشيء فقال ما أحب أنه لم يكن لك في ذلك أجر أن تفعلي فسألت رسول الله
هي وهو فقالت يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لولدي ولا لزوجي شيء
فشغلوني فلا أتصدق فهل لي فيهم أجر فقال لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم فأنفقي
عليهم ففي هذا الحديث أن تلك الصدقة مما لم يكن فيه زكاة والدليل على أن الصدقة
كانت تطوعا كما ذكرنا قولها كنت امرأة صنعا أصنع بيدي فأبيع من ذلك فانفق على عبد
الله فإن قلت لم لا يجوز أن يكون المراد من الصدقة التطوع في حق ولدها وصدقة الفرض
في حق زوجها عبد الله قلت لا مساغ لذلك لامتناع الحقيقة والمجاز حينئذ
(9/32)
ومما يدل على ما قلنا قولها
وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق ولا تجب الصدقة في الحلي عند بعض العلماء ومن يجيزه
لا يكون الحلي كله زكاة إنما يجب جزء منه وقال النبي زوجك وولدك أحق من تصدقت
عليهم والولد لا تدفع إليه الزكاة إجماعا وقال بعضهم احتج الطحاوي لقول أبي حنيفة
فأخرج من طريق رائطة امرأة ابن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين فكانت تنفق
عليه وعلى ولده قال فهذا يدل على أنها صدقة تطوع وأما الحلي فإنما يحتج به على من
لا يوجب فيه الزكاة وأما من يوجبه فلا وقد روى الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علقمة
قال قال ابن مسعود لامرأته في حليها إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة فكيف يحتج
الطحاوي بما لا يقول به قلت لو فهم هذا القائل موضع احتجاج الطحاوي من هذا الحديث
لكان سكت عما قاله وموضع احتجاجه هو قولها إني امرأة ذات صنعة أبيع منها إلى آخره
ما ذكرناه عنه آنفا فكان قول رسول الله جوابا لها في سؤالها وليس في احتجاجه بهذا
مفتقرا إلى الاحتجاج بأمر الحلي سواء كان فيه الزكاة أو لم يكن قال هذا القائل
أيضا والذي يظهر لي أنهما قضيتان إحداهما في سؤالها عن تصدقها بحليها على زوجها
وولده والأخرى في سؤالها عن النفقة
قلت الذي يظهر من هذا الحديث خلاف ما ظهر له لأن في الحديث سؤالها عن الصدقة التي
أمر النبي لهن بها وأجابها رسول الله بأن زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم فمن
أين السؤالان فيه ومن أين الجوابان عنهما وقال هذا القائل أيضا واحتجوا أيضا بأن
ظاهر قوله في حديث ابن سعيد المذكور زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم دال على
أنها صدقة تطوع لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله ابن المنذر
وغيره وفي هذا الاحتجاج نظر لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم
المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه قلت يلزم الأم نفقة ولدها
إذا كان أبوه فقيرا عاجزا عن التكسب جدا وذكر أصحابنا أن الأب إذا كان معسرا كسوبا
وله ابن زمن وله أم موسرة هل تؤمر بالإنفاق على الابن اختلف المشايخ فيه قيل تؤمر
وقيل لا ترجع الأم على الأب وهو مروي عن أبي حنيفة نصا انتهى وقيل قوله ولدك محمول
على أن الإضافة للتربية لا للولادة فكأنه ولده من غيرها قلت هذا ارتكاب المجاز
بغير قرينة وهو غير صحيح وقد خاطبها رسول الله بقوله وولدك فدل على أنه ولدها
حقيقة ويدل عليه ما جاء في حديث آخر أيجزىء عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في
حجري وفي ( معجم الطبراني ) أيجزىء أن أجعل صدقتي فيك وفي بني أخي أيتام الحديث
وفي رواية يا رسول الله هل لي من أجر أن أتصدق على ولد عبد الله من غيري وإسنادهما
جيد وللبيهقي كنت أعول عبد الله ويتامى وقيل اعتل من منعها من إعطائها زكاتها
لزوجها بأنها تعود إليها في النفقة فكأنها ما خرجت عنها وجوابه إن احتمال رجوع
الصدقة إليها واقع في التطوع أيضا قلت ليست الصدقة كالزكاة لأن عود الزكاة إليها
في النفقة يضر فتصير كأنها ما خرجت بخلاف الصدقة فإن احتمال عودها إليها لا يضر
فخروجها وعدمه سواء
وأما مسألة الحلي ففيها خلاف بين العلماء فقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري تجب فيها
الزكاة وروي ذلك عن عمر ابن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله
بن عباس رضي الله تعالى عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن
سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري وطاووس وميمون بن مهران والضحاك وعلقمة والأسود
وعمر بن عبد العزيز وذر الهمداني والأوزاعي وابن شبرمة والحسن بن حي وقال ابن
المنذر وابن حزم الزكاة واجبة بظاهر الكتاب والسنة وقال مالك وأحمد وإسحاق
والشافعي رضي الله تعالى عنهم في أظهر قوليه لا تجب الزكاة فيها وروي ذلك عن ابن
عمر وجابر بن عبد الله وعائشة والقاسم بن محمد والشعبي وكان الشافعي يفتي بهذا في
العراق وتوقف بمصر وقال هذا مما استخير الله فيه وقال الليث ما كان من حلي يلبس
ويعار فلا زكاة فيه وإن اتخذ للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة وقال أنس يزكى عاما
واحدا لا غير
واستدل من أسقط الزكاة بحديث جابر عن النبي أنه قال ليس في الحلي زكاة ذكره في (
الإمام ) وعن جابر أنه كان يرى الزكاة في كثير الحلي دون قليلها وروى عبد الرزاق
أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال لا زكاة في الحلي وروى مالك في ( الموطأ
) عن عبد الرحمن
(9/33)
ابن القاسم عن أبيه عن عائشة
رضي الله تعالى عنها كانت تلي بنات أختها يتامى في حجرها فلا تخرج من حليهن الزكاة
وأخرج الدارقطني عن شريك عن علي بن سليمان قال سألت أنس بن مالك عن الحلي فقال ليس
فيه زكاة وروى الشافعي ثم البيهقي من جهة أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سمعت
ابن خالد يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي أفيه زكاة فقال جابر لا وإن كان يبلغ ألف
دينار وأخرج الدارقطني من حديث هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي
بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوا من خمسين ألف
واحتج من رأى فيها الزكاة بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول
الله ومعها بنت لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا
قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار قالت فخلعتهما
فألقيتهما إلى النبي وقالت هما لله ولرسوله رواه أبو داود والنسائي وقال ولا يصح
في هذا الباب شيء قلت قال ابن القطان في كتابه إسناده صحيح وقال الحافظ المنذري
إسناده لا مقال فيه فإن أبا داود رواه عن أبي كامل الجحدري وحميد بن مسعدة وهما من
الثقات احتج بهما مسلم وخالد بن الحارث إمام فقيه احتج به البخاري ومسلم وكذلك
حسين بن ذكوان المعلم احتجا به في ( الصحيح ) ووثقه ابن المديني وابن معين وأبو
حاتم وعمرو بن شعيب ممن قد علم وهذا إسناد تقوم به الحجة إن شاء الله تعالى فإن
قلت أخرج الترمذي من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن جده قال أتت امرأتان إلى
رسول الله وفي أيديهما سواران من ذهب فقال لهما أتؤديان زكاة هذا قالتا لا فقال
أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار قالتا لا قال فأديا زكاته وقال الترمذي
ورواه ابن المثنى بن الصباح عن عمر بن شعيب نحو هذا وابن لهيعة وابن الصباح يضعفان
في الحديث ولا يصح في هذا الباب عن النبي شيء قلت قال المنذري لعل الترمذي قصد
الطريقين اللذين ذكرهما وإلا فطريق أبي داود لا مقال فيه واحتجوا أيضا بحديث عائشة
رضي الله تعالى عنها رواه أبو داود من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال
دخلنا على عائشة زوج النبي فقالت دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق فقال
ما هذا يا عائشة فقلت صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال أتؤدين زكاتهن قلت لا أو
ما شاء الله قال هو حسبك من النار وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) وقال صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه قلت الحديث على شرط مسلم ولا يلزم من قول الترمذي لا يصح في
هذا الباب عن النبي شيء أن لا يصح عند غيره فافهم
واحتجوا أيضا بحديث أسماء بنت يزيد أخرجه أحمد في ( مسنده ) حدثنا علي بن عاصم عن
عبد الله بن عثمان بن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت دخلت أنا وخالتي
على النبي وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا أتعطيان زكاتها فقلنا لا قال أما تخافان
أن يسوركما الله أسورة من نار أديا زكاتها فإن قلت قال ابن الجوزي وعلي بن عاصم
رماه يزيد بن هارون بالكذب وعبد الله بن خيثم قال ابن معين أحاديثه ليست بالقوية
وشهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج بحديثه قلت ذكر في ( الكمال ) وسئل أحمد عن علي
بن عاصم فقال هو والله عندي ثقة وأنا أحدث عنه وعبد الله بن خيثم قال ابن معين هو
ثقة حجة وشهر بن حوشب قال أحمد ما أحسن حديثه ووثقه وعن يحيى هو ثقة وقال أبو زرعة
هو لا بأس به فظهر من هذا كله سقوط كلام ابن الجوزري وصحة الحديث
واحتجوا أيضا بحديث فاطمة بنت قيس رواه الدارقطني في ( سننه ) عن نصر بن مزاحم عن
أبي بكر الهذلي أخبرنا شعيب بن الحجاب عن الشعبي قال سمعت فاطمة بنت قيس تقول أتيت
النبي بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب فقلت يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه
مثقالا وثلاثة أرباع مثقال وقال الدارقطني أبو بكر الهذلي متروك لم يأت به غيره
واحتجوا أيضا بحديث أم سليمة أخرجه أبو داود حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عتاب عن
ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله
أكنز هو فقال ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز وأخرجه الحاكم أيضا في (
مستدركه ) وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ولفظه إذا أديت زكاته فليس بكنز
فإن قلت رواه البيهقي وقال تفرد به ثابت بن عجلان وقال ابن الجوزي في ( التحقيق )
محمد بن مهاجر قال ابن حبان يضع الحديث
(9/34)
على الثقات قلت قال في ( تنقيح
التحقيق ) لا يضر تفرد ثابت به فإنه روى له البخاري ووثقه ابن معين وقال فيه أيضا
الذي قيل في محمد ابن مهاجر وهم فإن محمد بن مهاجر الكذاب ليس هو هذا فهذا الذي
يروي عن ثابت بن عجلان ثقة شامي أخرج له مسلم في ( صحيحه ) ووثقه أحمد وابن معين
وأبو زرعة ودحيم وأبو داود وآخرون وذكره ابن حبان في ( الثقات ) وقال كان متقنا
وأما محمد بن مهاجر الكذاب فإنه متأخر وعتاب بن بشير وثقه ابن معين
وأما حديث جابر الذي احتجب به الفرقة الأولى فقد قال البيهقي فهو حديث لا أصل له
وفيه عافية بن أيوب وهو مجهول فمن احتج به مرفوعا كان مغرورا بدينه داخلا فيما
يعيب به ممن يحتج بالكذابين قلت هذا غريب من البيهقي مع تعصبه للشافعي وقال سبط بن
الجوزي هو حديث ضعيف مع أنه موقوف على جابر
قوله مسكتان تثنية مسكة بالفتحات وهو السوار من الدبل وهي قرون الأوعال وقيل جلود
دابة بحرية والجمع مسك وقيل الدبل ظهر السلحفات البحرية والفتخات بفتح التاء
المثناة من فوق وبالخاء المعجمة جمع فتخة بالتحريك وهي حلقة من فضة لا فص لها فإذا
كان فيها فص فهي خاتم وقال عبد الرزاق هي الخواتيم العظام وقيل خواتيم عراض الفصوص
ليس بمستقيمة وقيل خلخل لا جرس له والفتخ تلبس في الأيدي وقيل في الأرجلوالأوضاح
جمع وضح بفتح الضاد المعجمة وفي آخره حاء مهملة وهو نوع من الحلي يعمل من الفضة
سميت به لبياضها ثم استعملت في التي يعمل من الذهب أيضا وقيل حلي من الدراهم
الصحيحة والوضح الدرهم الصحيح وقيل حلي من الحجارة وقيل الأوضاح الخلاخل
ومما يستفاد من الحديث المذكور استئذان النساء على الرجال وفيه أنه إذا لم ينسب
إليه من يستأذن سال أن ينسب وفيه الحث على الصدقة على الأقارب وفيه ترغيب ولي
الأمر في أفعال الخير للرجال والنساء وفيه التحدث مع النساء الأجانب عند أمن
الفتنة
54 -
( باب ليس على المسلم في فرسه صدقة )
أي هذا باب يذكر فيه ليس على المسلم في فرسه صدقة واشتقاق الفرس من الفرس وهو
الكسر وقال الجوهري الفرس يقع على الذكر والأنثى ولا يقال للأنثى فرسه وجمعه الخيل
من غير لفظه والخيل اسم جمع للعراب والبرازين ذكورها وإناثها كالركب ولا واحد لها
من لفظها وواحدها فرس والخيل الفرسان أيضا قال تعالى واجلب عليهم بخيلك ( الإسراء
46 ) والخيل يجمع على خيول فيكون جمع اسم الجمع كالقوم والأقوام
3641 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عبد الله بن دينار ) قال
سمعت ( سليمان بن يسار ) عن ( عراك بن مالك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه
قال قال النبي ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة
( الحديث 3641 - طرفه في 4641 )
مطابقته للترجمة في عين متن الحديث غير أن فيه لفظة وغلامه زائدة ورجاله قد ذكروا
فيما مضى فسليمان بن يسار ضد اليمين مر في باب الوضوء وعراك بكسر العين المهملة
وتخفيف الراء وفي آخره كاف مر في باب الوضوء
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا هنا عن مسدد عن يحيى بن سعيد
وعن سليمان بن حرب عن وهيب كلاهما عن خيثم بن عراك بن مالك عن أبيه به وأخرجه مسلم
في الزكاة أيضا عن يحيى بن يحيى وعن عمرو الناقد وزهير بن حرب وعن قتيبة عن حماد
وعن أبي بكر ابن أبي شيبة وعن أبي الطاهر بن السرح وهارون بن سعيد وأحمد بن عيسى
وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وعن محمد بن المثنى ومحمد بن يحيى وأخرجه
الترمذي فيه عن أبي كريب ومحمود بن غيلان وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به وعن عبيد
الله بن سعيد وعن محمد بن عبد الله وعن محمد ابن سلمة والحارث بن مسكين وعن محمد
بن منصور وعن محمد بن علي وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر اختلاف ألفاظه ومن أخرجه غير الستة وفي لفظ للبخاري ليس على المسلم صدقة في
عبده ولا فرسه ولفظ
(9/35)
مسلم ليس على المسلم في عبده
ولا في فرسه صدقة وفي لفظ ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر ولفظ أبي داود ليس في
الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق وفي لفظ ليس على المسلم في عبده ولا
في فرسه صدقة ولفظ الترمذي ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة ولفظ النسائي
كلفظ أبي داود الثاني وفي لفظ لا زكاة على الرجل المسلم في عبده ولا في فرسه وفي
لفظ ليس على المرء في فرسه ولا مملوكه صدقة وفي لفظ ليس على المسلم صدقة في غلامه
ولا في فرسه ولفظ ابن ماجه كلفظ مسلم الأول وفي لفظ في ( مسند عبد الله بن وهب )
لا صدقة على الرجل في خيله ولا في رقيقه وفي لفظ لابن أبي شيبة ولا في وليدته
ورواه الشافعي عن سفيان عن يزيد بن يزيد بن جابر عن عراك عن أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه فوقفه
وفي الباب عن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أخرج حديثه الأربعة فأبو داود
والترمذي والنسائي من رواية عاصم بن حمزة عن علي قال قال رسول الله قد عفوت لكم عن
صدقة الخيل والرقيق وابن ماجه من رواية الحارث عن علي عن النبي قال تجوزت لكم عن
صدقة الخيل والرقيق
وفي الباب أيضا عن عمرو بن حزم وعمر بن الخطاب وحذيفة وعبد الله بن عباس وعبد
الرحمن بن سمرة وسمرة بن جندب فحديث عمرو بن حزم رواه الطبراني في ( الكبير ) من
رواية سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده
أن النبي كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وفيه أنه ليس في
عبده ولا في فرسه شيء وسليمان بن داود الحزيبي وثقه أحمد وضعفه ابن معين وحديث عمر
بن الخطاب وحذيفة رضي الله تعالى عنهما رواه أحمد حدثنا أبو اليمان حدثنا أبو بكر
بن عبد الله عن راشد بن سعد عن عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان أن النبي لم يأخذ
من الخيل والرقيق صدقة وأبو بكر ضعيف وحديث ابن عباس رواه الطبراني في ( الصغير )
و ( الأوسط ) من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن داود بن علي بن عبد الله
بن عباس عن النبي قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين زكاة
وحديث عبد الرحمن بن سمرة رواه الطبراني في ( الكبير ) والبيهقي من رواية سليمان
بن أرقم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله قال لا صدقة في الكسعة
والجبهة والنخة وسليمان بن أرقم متروك الحديث الكسعة بضم الكاف وسكون السين
المهملة بعدها عين مهملة قال أبو عبيدة وأبو عمرو والكسائي هي الحمير وقيل هي
الرقيق والجبهة بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة هي الخيل والنخة بضم النون وتشديد
الخاء المعجمة هي الرقيق قاله أبو عبيدة وأبو عمرو وقال الكسائي إنها البقر
العوامل وذكر الفارسي في ( مجمع الغرائب ) عن الفراء أن النخة أن يأخذ المصدق
دينارا بعد فراغه من الصدقة وقيل النخة الحمير يقال لها النخة والكسعة وقال بقية
ابن الوليد النخة المربيات في البيوت والكسعة البغال والحمير وحديث سمرة بن جندب
رواه البزار فذكر أحاديث ثم قال وبإسناده أن رسول الله كان يأمرنا أن لا تخرج
الصدقة من الرقيق وإسناده ضعيف
ذكر ما يستفاد منه استدل بالأحاديث المذكورة سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز
ومكحول وعطاء والشعبي والحسن والحكم وابن سيرين والثوري والزهري ومالك والشافعي
وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر فإنهم قالوا لا زكاة في الخيل أصلا وممن قال بقولهم أبو
يوسف ومحمد من أصحابنا وقال الترمذي والعمل عليه أي على حديث أبي هريرة المذكور في
الباب عند أهل العلم أنه ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا
للخدمة صدقة إلا أن يكونوا للتجارة فإذا كانوا للتجارة ففي أثمانهم الزكاة إذا حال
عليها الحول وقال إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وزفر تجب الزكاة
في الخيل المتناسلة وذكر شمس الأئمة السرخسي أنه مذهب زيد بن ثابت رضي الله تعالى
عنه من الصحابة واحتجوا بما رواه مسلم مطولا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبي
هريرة قال قال رسول الله ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا حمي عليه في نار جهنم
الحديث وفيه الخيل ثلاثة فهي لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر الحديث ثم قال وأما
الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا ينسى حق ظهورها
(9/36)
وبطونها في عسرها ويسرها
الحديث وهذا المقدار الذي ذكرناه أخرجه الطحاوي وأخرجه البزار أيضا مطولا ولفظه
ولا يحبس حق ظهورها وبطونها وأبو حنيفة ومن معه تعلقوا به في إيجاب الزكاة في
الخيل وقال إن في هذا دليلا على أن لله فيها حقا وهو كحقه في سائر الأموال التي
تجب فيها الزكاة واحتجوا أيضا بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخرجه
الطحاوي حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية
عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال رأيت أبي يقوم الخيل ويدفع صدقتها
إلى عمر بن الخطاب وأخرجه الدارقطني أيضا وإسماعيل بن إسحاق القاضي وأبو عمر في (
التمهيد ) وأخرجه ابن أبي شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن
حسين أن ابن شهاب أخبره أن السائب ابن أخت نمرة أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب
بصدقات الخيل وأخرجه بقي بن مخلد في ( مسنده ) عنه وقال أبو عمر الخبر في صدقة
الخيل عن عمر رضي الله تعالى عنه صحيح من حديث الزهري عن السائب بن يزيد وقال ابن
رشد المالكي في ( القواعد ) قد صح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يأخذ الصدقة
عن الخيل وروى أبو عمر بن عبد البر بإسناده أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن أمية
تأخذ من كل أربعين شاة شاة ولا تأخذ من الخيل شيئا خذ من كل فرس دينارا فضرب على
الخيل دينارا دينارا وروى أبو يوسف عن أبي عبد الله غورك بن الخضرم السعدي عن جعفر
بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله في الخيل في كل فرس دينار
ذكره في ( الإمام ) عن الدارقطني ورواه أبو بكر الرازي وروى الدارقطني في ( سننه )
عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا إنا قد
أصبنا أموالا خيلا ورقيقا وإماء نحب أن نزكيه فقال ما فعله صاحبي قبلي فأفعله أنا
ثم استشار أصحاب النبي فقالوا حسن وسكت علي رضي الله تعالى عنه فسأله فقال هو حسن
لو لم يكن جزية راتبة يأخذون بها بعدك فأخذ من الفرس عشرة دراهم ثم أعاد قريبا منه
بالسند المذكور والقضية وقال فيه فوضع على كل فرس دينارا
وروى محمد بن الحسن في كتاب ( الآثار ) أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم النخعي أنه قال في الخيل السائمة التي تطلب نسلها إن شئت في كل فرس دينار
أو عشرة دراهم وإن شئت فالقيمة فيكون في كل مأتي درهم خمسة دراهم في كل فرس ذكرا
أو أنثى فإن قلت قال ابن الجوزي الجواب عن قوله ثم لم ينس حق الله إلى آخره من
وجهين أحدهما أن حقها إعارتها وحمل المنقطعين عليها فيكون ذلك على وجه الندب
والثاني أن يكون واجبا ثم نسخ بدليل قوله قد عفوت لكم عن صدقة الخيل إذ العفو لا
يكون إلا عن شيء لازم قلت الذي يكون على وجه الندب لا يطلق عليه حق وأيضا فالمراد
به صدقة خيل الغازي وفي ( الأسرار ) للدبوسي لما سمع زيد بن ثابت حديث أبي هريرة
هذا قال صدق رسول الله ولكنه أراد فرس الغازي وأما ما طلب نسلها ورسلها ففيها
الزكاة في كل فرس دينار أو عشرة دراهم قال أبو زيد ومثل هذا لا يعرف قياسا فثبت
أنه مرفوع وأما النسخ فإنه لو كان اشتهر في زمن الصحابة لما قرر عمر الصدقة في
الخيل وأن عثمان ما كان يصدقها فإن قلت روى مالك عن ابن شهاب عن سليمان ابن يسار
أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراج خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كتب
إلى عمر فأبى عمر ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر إن احبوا فخذها منهم
وارددها عليهم وارزق رقيقهم ففي إباء أبي عبيدة وعمر رضي الله تعالى عنهما من الأخذ
من أهل الشام ما ذكروا من رقيقهم وخيلهم دلالة واضحة أنه لا زكاة في الرقيق ولا في
الخيل ولو كانت الزكاة واجبة في ذلك ما امتنعا من أخذ ما أوجب الله عليهم أخذه
لأهله ووضعه فيهم قلت هذا يعارضه ما ذكرناه من عمر رضي الله تعالى عنه في رواية
الدارقطني عنه وغيره وفي ( شرح مختصر الكرخي ) و ( شرح التجريد ) إن شاء أدى ربع
عشر قيمتها وإن شاء أدى عن كل فرس دينارا وفي ( جامع الفقه ) يجب في الإناث
والمختلطة عنده لكل فرس دينار وقيل ربع عشر قيمتها وفي ( أحكام القرآن ) للرازي إن
كانت إناثا أو ذكورا وإناثا يجب وفي ( البدائع ) الخيل إن كانت تعلف للركوب أو
الحمل أو الجهاد في سبيل الله فلا زكاة فيها إجماعا وإن كانت للتجارة تجب إجماعا
وإن كانت تسام للدر والنسل وهي ذكور وإناث يجب عنده فيها الزكاة حولا واحدا وفي
الذكور المنفردة والإناث المنفردة روايتان وفي ( المحيط ) المشهور عدم الوجوب
فيهما
ومما يستفاد من الحديث المذكور جواز قول غلام فلان وجوار فلان وفي ( الصحيح )
(9/37)
نهى رسول الله أن يقول الرجل
عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي
64 -
( باب ليس على المسلم في عبده صدقة )
أي هذا باب يذكر فيه ليس على المسلم في عبده صدقة أورد حديث أبي هريرة بترجمتين
الأولى بلفظ غلامه والثانية بلفظ عبده الغلام في اللغة اسم للصبي الذي فطم إلى سبع
سنين وفي اصطلاح الناس يطلق على العبد وعلى الحر الذي يخدم الناس وفي ( المغرب )
الغلام الطار الشارب ويستعار للعبد وغلام القصار أجيره والجمع غلمة وغلمان والعبد خلاف
الحر ويجمع على عبيد وأعبد وعباد وعبدان بالضم وعبدان بالكسر وعبدان مشددة الدال
وعبدا تمد وتقصر ومعبوداء بالمد وحكى الأخفش عبد بضمتين مثل سقف وسقف والمراد
بالغلام في الحديث العبد الذي في الرقبة
4641 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( خثيم بن عراك ) قال حدثني
أبي عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي ح وحدثنا ( سليمان بن حرب ) قال
حدثنا ( وهيب بن خالد ) قال حدثنا ( خثيم بن عراك بن مالك ) عن أبيه عن ( أبي
هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه
( انظر الحديث 3641 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله سبعة ويحيى هو ابن سعيد القطان وخثيم بضم الخاء وفتح
الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف ابن عراك بن مالك الغفاري ووهيب مصغر وهب
قوله في عبده مطلق لكنه مقيد بما ثبت في ( صحيح مسلم ) ليس في العبد إلا صدقة
الفطر هذا إذا لم يكن للتجارة وقد مر الكلام فيه مستوفى في الباب السابق والله
أعلم بحقيقة الحال
74 -
( باب الصدقة على اليتامى )
أي هذا باب في بيان الصدقة على اليتامى وذكر لفظ الصدقة لكونها أعم من صدقة التطوع
ومن صدقة الفرض قيل عبر بالصدقة دون الزكاة لتردد الخبر بين صدقة الفرض والتطوع
لكون ذكر اليتيم جاء متوسطا بين المسكين وابن السبيل وهما من مصارف الزكاة قلت
إنما ذكر لفظ الصدقة لعمومها وشمولها القسمين والصدقة مطلقا مرغوب فيها ولفاعلها
أجر عظيم وثواب جزيل إذا وقعت لمستحقها وذكر في الحديث هؤلاء الثلاثة أعني المسكين
واليتيم وابن السبيل فالمسكين وابن السبيل مصرفان للزكاة ولصدقة التطوع بخلاف
اليتيم فإنه إنما يكون مصرفا إذا كان فقيرا والشارع مدح الذي يتصدق على هؤلاء
الثلاثة وإنما ذكر البخاري لفظ وخصهم بالذكر دون هذين الإثنين للاهتمام بهم وحصول
الأجر في الصدقة عليهم أكثر من غيرهم وقد ورد في الحديث أن الصدقة على اليتيم تذهب
قساوة القلب
5641 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( هلال بن أبي
ميمونة ) قال حدثنا ( عطاء بن يسار ) أنه سمع ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى
عنه يحدث أن النبي جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال إني مما أخاف عليكم من
بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل يا رسول الله أو يأتي الخير
بالشر فسكت النبي فقيل له ما شأنك تكلم النبي ولا يكلمك فرأينا أنه ينزل عليه قال
فمسح عنه الرحضاء فقال أين السائل وكأنه حمده فقال إنه لا يأتي الخير بالشر وإن
مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضراء أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها
استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ورتعت وإن هاذا المال
(9/38)
خضرة حلوة فنعم صاحب المسلم ما
أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال النبي وإنه من يأخذه بغير حقه
كالذي يأكل ولا يشبع ويكون شهيدا عليه يوم القيامة
مطابقته للترجمة في قوله واليتيم وذكر وجه تخصيصه بالذكر
ذكر رجاله وهم ستة الأول معاذ بضم الميم ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد
المعجمة مر في باب من اتخذ ثياب الحيض الثاني هشام الدستوائي الثالث يحيى بن أبي
كثير الرابع هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن أبي هلال وهو هلال بن علي ويقال ابن
أسامة الفهري ومن قال هلال بن أبي ميمونة ينسبه إلى جد أبيه وقد ذكر في أول كتاب
العلم الخامس عطاء بن يسار ضد اليمين وقد مر في باب كفران العشير السادس أبو سعيد الخدري
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع
وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه بصري وهشام
أهوازي ويحيى طائي يمامي وهلال مدني وكذا عطاء وفيه إثنان مذكوران بلا نسبة وفيه
من ينسب إلى جد أبيه وهو هلال
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن محمد بن سنان وفي
الرقاق عن إسماعيل بن عبد الله وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر بن السرح وعن
علي بن حجر وأخرجه النسائي عن زياد بن أيوب
ذكر معناه قوله ذات يوم معناه جلس قطعة من الزمان فيكون ذات يوم صفة للقطعة
المقدرة ولم تتصرف لأن إضافتها من قبيل إضافة المسمى إلى الإسم وليس له تمكن في
الظرفية الزمانية لأنه ليس من أسماء الزمانقوله إن مما أخاف كلمة ما يجوز أن تكون
موصولة والتقدير أن من الذي أخاف ويجوز أن تكون مصدرية فالتقدير أن من خوفي عليكم
وقوله ما يفتح عليكم في محل النصب لأنه اسم إن ومما أخاف مقدما خبره وكلمة ما في
ما يفتح تحتمل الوجهين أيضا قوله من زهرة الدنيا أي من حسنها وبهجتها مأخوذة من
زهرة الأشجار وهو ما يصغر من أنوارها وقال ابن الأعرابي هو الأبيض منها وقال أبو
حنيفة الزهر والنور سواء وفي ( مجمع الغرائب ) هو ما يزهر منها من أنواع المتاع
والعين والثياب والزروع وغيرها تغر الخلق بحسنها مع قلة بقائها وفي ( المحكم ) زهر
الدنيا وزهرتها يعني بتسكين الهاء وفتحها وفي ( الجامع ) وزهرها قوله أو يأتي
الخير بالشر الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة وقال الطيبي
الاستفهام فيه استرشاد منهم ومن ثمة حمد السائل والباء في بالشر صلة يأتي بمعنى هل
يستجلب الخير الشر وجوابه لا يأتي الخير بالشر لكن قد يكون سببا له ومؤديا إليه
كما يأتي في التمثيل وفي ( التلويح ) هذا سؤال مستبعد لما سماه رسول الله بركة
وسماه الله تعالى خيرا بقوله وإنه لحب الخير لشديد ( العاديات 8 ) فأجيب بأن هذا
الخير قد يعرض له ما يجعله شرا إذا أسرف فيه ومنع من حقه ولذلك قال أو خير هو
بهمزة الاستفهام وواو العطف الواقعة بعدها المفتوحة على الرواية الصحيحة منكرا على
من توهم أنه لا يحصل منه شر أصلا لا بالذات ولا بالعرض وقال التيمي أتصير النعمة
عقوبة أي إن زهرة الدنيا نعمة من الله على الخلق أتعود هذه النعمة وبالا عليهم
قوله فسكت يعني انتظارا للوحي فلام القوم هذاالسائل وقالوا له ما شأنك تكلم رسول
الله ولا يكلمك قوله فرأينا من الرؤية وفي رواية الكشميهني فأرينا بضم الهمزة وكسر
الراء ويروى فرأينا بضم الراء أي ظننا وكل ما جاء من هذا اللفظ بمعنى رؤية العين
فهو مفتوح الأول وما كان من الظن والحسبان فهو أري وأريت بضم الهمزة قوله إنه ينزل
عليه على صيغة المجهول يعني الوحي قوله فمسح عنه الرحضاء بضم الراء وفتح الحاء
المهملة والضاد المعجمة هو عرق يغسل الجلد لكثرته وكثيرا ما يستعمل في عرق الحمى
والمرضى وقال الأصمعي الرحضاء العرق حتى كأنه رحض جسده من العرق أي غسل ووزنه
فعلاء بضم الفاء وفتح العين وجاءت أمثلة على هذا الوزن منها العدواء الشغل
والعرواء الرعدة والخيلاء من الاختيال والتكبر والصعداء من قولهم هو يتنفس الصعداء
من غم أي يصاعد نفسه قوله وكأنه حمده أي وكأن النبي حمد السائل وكان الناس ظنوا
أنه صلى الله
(9/39)
عليه وسلم أنكر مسألته فلما رأوه يسأل عنه سؤال راض علموا أنه حمده فقال إنه لا يأتي الخير بالشر أي إن ما قضى الله أن يكون خيرا يكون خيرا وما قضاه أن يكون شرا يكون شرا وأن الذي خفت عليكم تضييعكم نعم الله وصرفكم إياها في غير ما أمر الله ولا يتعلق ذلك بنفس النعمة ولا ينسب إليها ثم ضرب لذلك مثلا فقال وإن مما ينبت الربيع إلى آخره ينبت بضم الياء من الإنبات قوله يقتل أو يلم قال القزاز هذا حديث جرى فيه البخاري على عادته في الاختصار والحذف لأن قوله فرأينا أنه ينزل عليه يريد الوحي وفي قوله وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم حذف ما أي كلمة ما قبل يقتل وحذف حبطا والحديث إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم فحذف حبطا وحذف ما قال القزاز وروينا بهما وفي نسخة صاحب ( التلويح ) لفظا حبطا موجود وغالب النسخ ليس فيه وقال الخطابي سقط في الكلام من الله لرواية ما وتقديره ما يقتل قلت لا بد من تقدير كلمة ما لأن قوله ينبت الربيع فعل وفاعل ولا يصلح أن يكون لفظ يقتل مفعولا إلا بتقدير ما وقوله حبطا بفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وانتصابه على التمييز وهو داء يصيب الإبل وقال ابن سيده هو وجع يأخذ البعير في بطنه من كلاء يستوبله وقد حبط حبطا فهو حبط وإبل حباطي وحبطة وحبطت الشاة حبطا انتفخ بطنها عن أكل الدرق وذلك الداء الحباط قوله أو يلم من الإلمام أي أو يقرب ويدنو من الهلاك قوله إلا آكلة الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين وفي آخره راء ووقع في رواية العذري إلا آكلة الخضرة بالتاء في آخره وعند الطبري الخضرة بضم الخاء وسكون الضاد وفي رواية الحموي الخضراء بزيادة ألف قبل الاستثناء مفرغ والأصل مما ينبت الربيع ما يقتل آكله إلا آكلة الخضر وإنما صح الاستثناء المفرغ لقصد التعميم فيه ونظيره قرأت إلا يوم كذا وقال الطيبي والأظهر أن الاستثناء منقطع لوقوعه في الكلام المثبت وهو غير جائز عند صاحب ( الكشاف ) إلا بالتأويل ولأن ما يقتل حبطا بعض ما ينبت الربيع لدلالة من التبعيضية عليه ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا لكن يجب التأويل في المستثننى والمعنى من جملة ما ينبت الربيع شيئا يقتل آكله إلا الخضر منه إذا اقتصد فيه آكله وتحرى دفع ما يؤديه إلى الهلاك قوله فإنها أي فإن آكلة الخضر قال الخطابي الخضر ليس من أحرار البقول التي تستكثر منه الماشية فتهلكه أكلا ولكنه من الجنبة التي ترعى الماشية منها بعد هيج العشب ويبسه وأكثر ما تقول العرب لما اخضر من الكلاء الذي لم يصفر والماشية من الإبل ترتع منها شيئا فشيئا فلا تستكثر منه فلا تحبط بطونها عليه قوله حتى إذا امتدت خاصرتاها يعني إذا امتلأت شبعا وعظم جنباها والخاصرة الجنب استقبلت الشمس لأنه الحين الذي تشتهي فيه الشمس وجاءت وذهبت فثلطت بفتح الثاء المثلثة أي ألقت السرقين وقال ابن التين ثلطت ضبطه بعضهم بفتح اللام وبعضهم بكسرها وفي ( المحكم ) ثلط الثور والبعير والصبي يثلط ثلطا سلح سلحا رقيقا وفي ( مجمع الغرائب ) خرج رجيعها عفوا من غير مشقة لاسترخاء ذات بطنها فيبقى نفعها ويخرج فضولها ولا يتأذى بها وفي ( العباب ) و ( المغيث ) وأكثر ما يقال للبعير والفيل قوله ورتعت أي رعت وارتع إبله أي رعاها في الربيع وأرتع الفرس وتربع أكل الربيع وقال الداودي رتعت افتعل من الرعي قلت ليس كذلك ولا يقول هذا إلا من لم يمس شيئا من علم التصريف قوله وإن هذا المال خضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين وإنما سمي الخضر خضرا لحسنه ولإشراق وجهه والخضر عبارة عن الحسن وهي من أحسن الألوان ويروى خضرة بتاء التأنيث والوجه فيه أن يقال إنما أنث على معنى تأنيث المشبه به أي هذا المال شيء كالخضرة وقيل معناه كالبقلة الخضرة أو يكون على معنى فائدة المال أي الحياة به والمعيشة خضرة وقال الطيبي يمكن أن يعبر عن المال بالدنيا لأنه أعظم زينتي الحياة الدنيا قال تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( الكهف 64 ) وقال الخطابي يريدان صورة الدنيا حسنة المنظر موثقة تعجب الناظر ولذلك أنث اللفظين يعني خضرة حلوة وقال الكرماني وله وجه آخر وهو أن تكون التاء للمبالغة نحو رجل راوية وعلامة قوله ونعم صاحب المسلم إلى آخره يقول إن من أعطي مالا وسلط على هلكته في الحق فأعطى من فضله المسكين وغيره فهذا المال المرغوب فيه قوله أو كما قال رسول الله شك من يحيى قوله وإنه من يأخذه أي وإن المال من يأخذه بغير حقه بأن جمعه من الحرام
(9/40)
أو من غير احتياج إليه ولم
يخرج منه حقه الواجب فيه فهو كالذي يأكل ولا يشبع يعني أنه كلما نال منه شيئا
ازدادت رغبته واستقل ما في يده ونظر إلى ما فوقه فينافسه قوله فيكون عليه شهيدا
يوم القيامة يحتمل البقاء على ظاهره وهو أنه يجاء بماله يوم القيامة فينطق الصامت
منه ما فعل به أو يمثل له بمثال حيوان أو يشهد عليه الموكلون بكتب الكسب والأنفاق
وقيل معنى قوله ويكون عليه شهيدا أي حجة عليه يوم القيامة يشهد على صرفه وإسرافه
وأنه أنفقه فيما لا يرضاه الله تعالى ولم يؤد حقه
ذكر ما يستفاد منه فيه مثلان ضربهما النبي أحدهما للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من
حقها والآخر للمقتصد في أخذها فأما قوله وإن مما ينبت الربيع فهو مثل المفرط الذي
يأخذها بغير حق وذلك أن الربيع ينبت أحرار العشب فتستكثر منها الماشية حتى تنتفخ
بطونها لما قد جاوزت حد الاحتمال فتنشق أمعاؤها منها فتهلك كذلك الذي يجمع الدنيا
من غير حلها ويمنع ذا الحق حقه يهلك في الآخرة بدخوله النار وأما قوله إلا آكلة
الخضر فهو مثل المقتصد وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع
ولكنها من الجنبة التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضربه مثلا لمن يقتصد في أخذ
الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها فهو ناج من وبالها كما نجت
آكلة الخضر وقيل الربيع قد ينبت أحرار العشب والكلأ فهي كلها خير في نفسها وإنما
يأتي الشر من قبل آكل مستلذ مفرط منهمك فيها بحيث تنتفخ أضلاعه منه وتمتلىء
خاصرتاه ولا يقلع عنه فيهلكه سريعا ومن أكل كذا فيشرفه إلى الهلاك ومن أكل مسرفا
حتى تنتفخ خاصرتاه ولكنه يتوخى إزالة ذلك ويتحيل في دفع مضرتها حتى يهضم ما أكل
ومن أكل غير مفرط ولا مسرف يأكل منها ما يسد جوعه ولا يسرف فيه حتى يحتاج إلى دفعه
ومن أكل ما يسد به رمقه ويقوم به طاعته الأول مثال الكافر ومن ثمة أكد القتل
بالحبط أي يقتل قتلا حبطا والكافر هو الذي يحبط أعماله والثاني مثال المؤمن الظالم
لنفسه المنهمك في المعاصي والثالث مثال المقتصد والرابع مثال السابق الزاهد في
الدنيا الراغب في الآخرة هذا الوجه يفهم من الحديث وإن لم يصرح به وفي كلام النووي
إشعار بهذا
وفيه جواز ضرب الأمثال بالأشياء التافهة والكلام الوضيع كالبول ونحوه
وفيه جواز عرض التلميذ على العالم الأشياء المجملة وأن للعالم إذا سئل عن شيء أن
يؤخر الجواب حتى يتيقن وفيه أن السؤال إذا لم يكن في موضعه ينكر على سائله وفيه أن
العالم إذا سئل عن شيء ولم يستحضر جوابه أو أشكل عليه يؤخر الجواب حتى يكشف
المسألة ممن فوقه من العلماء كما فعل في سكوته حتى استطلعها من قبل الوحي وفيه أن
كسب المال من غير حله غير مبارك فيه والله تعالى يرفع عنه البركة كما قال تعالى
يمحق الله الربا ( البقرة 672 ) وقال الشيخ أبو حامد مثال المال مثال الحية التي
فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها المعزم الذي يعرف وجه الاحتراز من شرها وطريق
استخراج ترياقها النافع كانت نعمة وإن أصابها السوادي الغني فهي عليه بلاء مهلك
وفيه أن للعالم أن يحذر من يجالسه من فتنة المال وينبههم على مواضع الخوف كما قال
إنما أخاف عليكم ( البقرة 672 ) فوصف لهم ما يخاف عليهم ثم عرفهم بمداواة تلك
الفتنة وهي إطعام المسكين ونحوه وفيه الحض على الاقتصاد في المال والحث على الصدقة
وترك الإمساك قال الكرماني وفيه حجة لمن يرجح الغني على الفقر قلت هذا الكلام عكس
ما نقل عن المهلب فإنه قال احتج قوم بهذا الحديث في تفضيل الفقر على الغنى وليس
كما تأولوه لأن النبي لم يخش عليهم ما يفتح عليهم من زهرة الدنيا إلا إذا ضيعوا ما
أمرهم الله تعالى به في إنفاق حقه قلت جمع المال غير محرم ولكن الاستكثار منه
والخروج عن حد الاقتصاد فيه ضار كما أن الاستكثار من المآكل مسقم من غير تحريم
للآكل ولكن الاقتصاد فيه هو المحمود وفيه جلوس الإمام على المنبر عند الموعظة
وجلوس الناس حوله وفيه خوف المنافسة لقوله إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم
من زهرة الدنيا وفيه استفهامهم بضرب المثل وفيه مسح الرحضاء للشدة الحاصلة وفيه
دعاء السائل لقوله أين السائل وفيه ظهور البشرى لقوله وكأنه حمده أي لما رأى فيه
من البشرى لأنه كان إذا سر برقت أسارير وجهه والله أعلم
(9/41)
84 -
( باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر )
أي هذا باب في بيان صرف الزكاة على الزوج وعلى الأيتام الذين في حجر المنفق الحجر
بكسر الحاء وفتحها والمراد به الحضن وفي ( المطالع ) إذا أريد به المصدر فالفتح لا
غير وإن أريد الاسم فالكسر لا غير وحجر الكعبة بالكسر لا غير وإنما أعاد الأيتام
هنا مع أنه ذكر في الباب السابق لأن الأول فيه العموم وفي هذا الخصوص قيل وجه
الاستدلال بهما على العموم لأن الإعطاء أعم من كونه واجبا أو مندوبا قلت لا نسلم
عموم جواز الإعطاء بل الواجب له حكم والمندوب له حكم أما الواجب فلأن في إعطاء
الزوجة زكاتها فيه خلاف كما ذكرنا وكذلك الإعطاء للأيتام إنما يجوز بشرط الفقر
وأما المندوب فلا كلام فيه
قاله أبو سعيد عن النبي
أي قال المذكور من الزكاة على الزوج والأيتام أبو سعيد الخدري وفي ( التلويح ) هذا
التعليق تقدم مسندا عند البخاري في باب الزكاة على الأقارب وقال بعضهم يشير إلى
حديثه السابق موصولا في باب الزكاة على الأقارب قلت ليس فيه ذكر الأيتام أصلا
ولهذا قال الكرماني قيل هو الحديث الذي رواه في باب الزكاة على الأقارب
6641 - حدثنا ( عمر بن حفص ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق
) عن ( عمرو بن الحارث ) عن ( زينب امرأة عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال
فذكرته لإبراهيم فحدثني إبراهيم عن أبي عبيدة عن عمرو بن الحارث عن زينب امرأة عبد
الله بمثله سواء قالت كنت في المسجد فرأيت النبي فقال تصدقن ولو من حليكن وكانت
زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجره قال فقالت لعبد الله سل رسول الله أيجزي
عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة فقال سلي أنت رسول الله فانطلقت
إلى النبي فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال
فقلنا سل النبي أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري وقلنا لا تخبر بنا
فدخل فسأله فقال من هما قال زينب قال أي الزيانب قال امرأة عبد الله قال نعم ولها
أجران أجر القرابة وأجر الصدقة
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول عمر بن حفص أبو حفص النخعي وقد تكرر ذكره الثاني أبو
حفص بن غياث بن طلق الثالث سليمان الأعمش الرابع شقيق أبو وائل وقد مر عن قريب
الخامس عمرو ابن الحارث بن أبي ضرار بكسر الضاد المعجمة الخزاعي ثم المصطلقي بضم
الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وبالقاف أخو جويرية بنت
الحارث زوج النبي له صحبة السادس إبراهيم النخعي السابع أبو عبيدة بضم العين واسمه
عامر بن عبد الله بن مسعود ويقال اسمه كنيته الثامن زينب بنت معاوية ويقال بنت عبد
الله بن معاوية بن عتاب الثقفية ويقال لها رائطة وقد ذكرناه في باب الزكاة على
الأقارب
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في
موضعين وفيه العنعنة في خمسة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن رواته كلهم
كوفيون ما خلا عمرو بن الحارث وفيه رواية صحابية عن صحابية وهما عمرو وزينب وفيه
رواية تابعي عن تابعي عن صحابي في الطريق الأول وهما الأعمش وشقيق وفيه أربعة من
التابعين وهم
(9/42)
الأعمش وشقيق وإبراهيم وأبو
عبيدة وفيه أن الأعمش روى هذا الحديث عن شيخين وهما شقيق وإبراهيم لأن الأعمش قال
في الطريق الأول حدثني شقيق وقال في الطريق الثاني فحدثني إبراهيم ففي هذه الطريق
ثلاثة من التابعين متوالية وفيه رواية الابن عن الأب وفيه لفظ الذكر وهو قوله قال
فذكرته لإبراهيم القائل هو الأعمش أي ذكرت الحديث لإبراهيم النخعي
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الزكاة عن أحمد بن يوسف السلمي عن عمرو بن حفص
بإسناده نحو إسناد البخاري وأخرجه أيضا عن الحسن بن الربيع عن أبي الأحوط عن
الأعمش عن شقيق به ولم يذكر حديث إبراهيم وأخرجه الترمذي فيه عن هناد عن أبي
معاوية عن الأعمش وعن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن إبراهيم بن
يعقوب عن عمر بن حفص وعن بشر بن خالد وأخرجه ابن ماجه في الزكاة عن علي بن محمد
والحسن بن محمد بن الصباح ببعضه
ذكر معناه قوله كنت في المسجد فرأيت النبي إلى آخره زيادة على ما في حديث أبي سعيد
الذي مضى عن قريب قوله من حليكن بفتح الحاء وسكون اللام مفردا وبضم الحاء وكسر
اللام وتشديد الياء جمعا قوله أيجزي بفتح الياء معناه هل يكفي عني لأن الهمزة فيه
للاستفهام وكان الظاهر يقتضي أن يقال عنا وكذلك يقال ننفق بالنون المصدرة للجماعة
ولكن لما كان المراد كل واحدة منا ذكرت بذاك الأسلوب أو اكتفت زينب في الحكاية
بحال نفسها قوله فوجدت امرأة من الأنصار وفي رواية الطيالسي فإذا امرأة من الأنصار
يقال لها زينب وكذا أخرجه النسائي من طريق أبي معاوية عن الأعمش وزاد من وجه آخر
عن علقمة عن عبد الله قال انطلقت امرأة عبد الله يعني ابن مسعود وامرأة أبي مسعود
يعني عقبة بن عمرو الأنصاري وقال بعضهم لم يذكر ابن سعد لأبي مسعود امرأة أنصارية
سوى هزيلة بنت ثابت بن ثعلبة الخزرجية فلعل لها اسمين أو وهم من سماها زينب
انتقالا من اسم امرأة عبد الله إلى اسمها قلت عدم ذكر ابن سعد لأبي مسعود امرأة
غير هزيلة المذكورة لا يستلزم أن لا يكون له امرأة أخرى قوله وأيتام لي في حجري
وفي رواية الطيالسي هم بنو أخيها وبنو أختها وفي رواية النسائي من طريق علقمة
لإحداهما فضل مال وفي حجرها بنو أخ لها إيتام وللأخرى فضل مال وزوج خفيف اليد وهو
كناية عن الفقر قوله لا تخبر بنا خطاب لبلال أي لا تعين إسمنا ولا تقل إن السائلة
فلانة بل قال يسألك امرأتان مطلقا قال الكرماني فإن قلت فلم خالف بلال قولهما وهو
إخلاف للوعد وإفشاء للسر قلت عارضه سؤال رسول الله فإن جوابه واجب متحتم لا يجوز
تأخيره فإذا تعارضت المصلحتان بدىء بأهمهما فإن قلت كان الجواب المطابق للفظ هو أن
يقال زينب وفلانة قلت الأخرى محذوفة وهي أيضا اسمها زينب الأنصارية وزوجها أبو
مسعود الأنصاري ووقع الاكتفاء باسم من هي أكبر وأعظم منهما قوله لها أجران أجر
القرابة أي أجر صلة الرحم وأجر الصدقة أي أجر منفعة الصدقة قلت في حديث أبي سعيد
الذي في باب الزكاة على الأقارب أنها شافهته بالسؤال وشافهها لقوله فيه قالت يا
نبي الله وقوله فيه صدقة زوجك وههنا لم تشافهه بالسؤال ولا شافهها بالجواب قلت
يحتمل إن تكونا قضيتين وقيل يجمع بينهما بأن يجمل هذه المراجعة على المجاز وإنما
كانت على لسان بلال قلت فيه نظر لا يخفى وبقية الأبحاث مضت في باب الزكاة على
الأقارب
7641 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن (
زينب ابنة ) أم ( سلمة ) قالت يا رسول الله ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة إنما
هم بني فقال أنفقي عليهم فلك أجر ما أنفقت عليهم
( الحديث 7641 - طرفه في 9635 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه لما علم منه أن الصدقة مجزية على أيتام هم أولاد
المزكي فبالقياس عليه تجزىء الزكاة على أيتام
(9/43)
هم لغيره أو أن الحديث ذكر في
هذا الباب لمناسبة الحديث الأول في كون الإنفاق على اليتيم فقط والبخاري كثيرا
يعمل من ذلك هكذا ذكره الكرماني والوجه الثاني هو الأوجه
ذكر رجاله وهم ستة الأول عثمان بن أبي شيبة بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر
الحروف وفتح الباء الموحدة وهو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أبو الحسن
العبسي أخو أبي بكر بن أبي شيبة مات في سنة تسع وثلاثين ومائتين الثاني عبدة بفتح
العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكلابي الثالث هشام بن عروة الرابع
أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس زينب بنت أم سلمة وهي بنت أبي سلمة عبد الله
بن عبد الأسد المخزومي وكان اسمها برة فسماها رسول الله زينب سمعت النبي عند
البخاري السادس أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية زوج النبي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الزكاة
عن أبي كريب وعن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع
وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه وشيخ شيخه كوفيان وهشام وأبوه مدنيان وفيه
رواية تابعي عن تابعي وهما هشام وأبوه وفيه رواية صحابية عن صحابية وهما زينب
وأمها أم سلمة وفيه رواية الابن عن الاب وقد مضى فقهه في باب الزكاة على الأقارب
قولها ألي أجر الهمزة فيه للاستفهام قوله على بني أبي سلمة كانوا أبناءها من أبي
سلمة الزوج الذي كان قبل رسول الله وهم عمر ومحمد وزينب ودرة قولهاإنما هم بني
أصله بنون فلما أضيف إلى ياء المتكلمة سقطت نون الجمع فصار بنوى فاجتمعت الواو
والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الواو في الياء فصار بني بضم النون وتشديد
الياء ثم أبدلت من ضمة النون كسرة لأجل الياء فصار بني والله أعلم بحقيقة الحال
94 -
( باب قول الله تعالى وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله ( التوبة 06 )
أي هذا باب في بيان المراد من قول الله تعالى وفي الرقاب ( التوبة 06 ) وكذا من
قوله وفي سبيل الله ( التوبة 06 ) وهما من آية الصدقات وهي قوله تعالى إنما
الصدقات للفقراء والمساكين ( التوبة 06 ) الآية اقتطعهما منها للاحتياج إليهما في
جملة مصارف الزكاة وهي ثمانية من جملتها الرقاب وهو جمع رقبة والمراد المكاتبون
يعانون من الزكاة في فك رقابهم وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن جبير وإبراهيم
النخعي والزهري والثوري وأبو حنيفة والشافعي والليث وهو رواية ابن القاسم وابن
نافع عن الليث وفي ( المغني ) وإليه ذهب أحمد وقال ابن تيمية إن كان معه وفاء
لكتابته لم يعط لأجل فقره لأنه عبد وإن لم يكن معه شيء أعطي الجميع وإن كان معه
بعضه تمم سواء كان قبل حلول النجم أو بعده كيلا يحل النجم وليس معه شيء فتفسخ
الكتابة ويجوز دفعها إلى سيده وعند الشافعية إن لم يحل عليه نجم ففي صرفه إليه
وجهان وإن دفعه إليه فأعتقه المولى أو أبرأه من بدل الكتابة أو عجر نفسه والمال في
يد المكاتب رجع فيه قال النووي وهو المذهب قوله في سبيل الله ( التوبة 06 ) وهو
منقطع الغزاة عند أبي يوسف ومنقطع الحاج عند محمد وفي ( المبسوط ) وفي سبيل الله
فقراء الغزاة عند أبي يوسف وعند محمد فقراء الحاج وقال ابن المنذر وفي ( الأشراف )
قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد في سبيل الله هو الغازي غير الغني وحكى أبو ثور عن
أبي حنيفة أنه الغازي دون الحاج وذكر ابن بطال أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي
ومثله النووي في ( شرح المهذب ) وقال صاحب ( التوضيح ) وأما قول أبي حنيفة لا يعطى
الغازي من الزكاة إلا أن يكون محتاجا فهو خلاف ظاهر للكتاب والسنة فأما الكتاب
فقوله تعالى وفي سبيل الله ( التوبة 06 ) وأما السنة فروى عبد الرزاق عن معمر عن
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله لا تحل الصدقة
لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو لغاز في سبيل الله أو غني اشتراها بماله أو فقير
تصدق عليه فأهدى لغني إو غارم وأخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على
شرط الشيخين ورواه أبو داود مرسلا فإن قلت ما أحسن الأدب سيما مع الأكابر وأبو
حنيفة لم يخالف الكتاب ولا السنة وإنما عمل بالسنة فيما ذهب إليه وهو قوله لا تحل
(9/44)
الصدقة لغني وقال المراد من
قوله لغاز في سبيل الله هو الغازي الغني بقوة البدن والقدرة على الكسب لا الغني
بالنصاب الشرعي بدليل حديث معاذ وردها إلى فقرائهم
ويذكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج
علق هذا عن ابن عباس ليشير أن شراء العبد وعتقه من مال الزكاة جائز وهو مطابق
للجزء الأول من الترجمة وهذا التعليق رواه أبو بكر في ( مصنفه ) عن أبي جعفر عن
الأعمش عن حسان عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان لا يرى بأسا أن
يعطى الرجل من زكاته في الحج وأن يعتق النسمة منها وفي ( كتاب العلل ) لعبد الله
بن أحمد عن أبيه حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا الأعمش عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال
ابن عباس أعتق من زكاتك وفي رواية أبي عبيد أعتق من زكاة مالك وقال الميموني قيل
لأبي عبد الله يشترى الرجل من زكاة ماله الرقاب فيعتق ويجعل في ابن السبيل قال نعم
ابن عباس يقول ذلك ولا أعلم شيئا يدفعه وهو ظاهر الكتاب قال الخلال في ( علله )
هذا قوله الأول والعمل على ما بينه الجماعة في ضعف الحديث أخبرنا أحمد بن هاشم
الأنطاكي قال قال أحمد كنت أرى أن يعتق من الزكاة ثم كففت عن ذلك لأني لم أر
إسنادا يصح قال حرب فاحتج عليه بحديث ابن عباس فقال هو مضطرب انتهى وبقول ابن عباس
في عتق الرقبة من الزكاة قال الحسن البصري وعبد الله بن الحسن العنبري ومالك
وإسحاق وأبو ثور وفي ( الجواهر ) للمالكية يشتري بها الإمام الرقاب فيعقتها عن
المسلمين والولاء لجميعهم وقال ابن وهب هو في فكاك المكاتبين ووافق الجماعة ولو
اشترى بزكاته رقبة فأعتقها ليكون ولاؤها له لا يجزيه عند ابن القاسم خلافا لأشهب
ولا يجزي فك الأسير بها عند ابن القاسم خلافا لابن حبيب ولا يدفع عند مالك
والأوزاعي إلى مكاتب ولا إلى عبد موسرا كان سيده أو معسرا ولا من الكفارات وجه قول
الجمهور ما رواه البراء بن عازب أن رجلا جاء إلى النبي فقال دلني على عمل يقربني
من الجنة ويباعدني من النار فقال أعتق النسمة وفك الرقبة قال يا رسول الله أوليسا
واحدا قال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها رواه أحمد
والدارقطني
وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج ثم تلا
إنما الصدقات للفقراء الآية في أيها أعطيت أجزأت
مطابقته في الجزء الأخير من الترجمة والحسن هو البصري هذا التعليق روى بعضه أبو بكر
بن أبي شيبة عن حفص عن أشعث بن سوار قال سئل الحسن عن رجل اشترى أباه من الزكاة
فأعتقه قال اشترى خير الرقاب قوله في أيها أي في مصرف من المصارف الثمانية أعطيت
أجزت كذا في الأصل بغير همز أي قضت قال الكرماني أعطيت بلفظ المعروف والمجهول
وكذلك أجزأت من الإجزاء وذكر ابن التين بلفظ أجزت بدون الهمزة وقال معناه قضت عنه
وقيل جزأ وأجزأ بمعنى أي قضى ومن قول الحسن يعلم أن اللام في قوله للفقراء لبيان
المصرف لا للتمليك فلو صرف الزكاة في صنف واحد كفى
وقال النبي إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله
هذا التعليق يأتي في هذا الباب موصولا والإدراع جمع درع ويروى أدرعه
ويذكر عن أبي لاس حملنا النبي على إبل الصدقة للحج
أبو لاس بالسين المهملة خزاعي وقيل حارثي يعد في المدنيين اختلف في اسمه فقيل زياد
وقيل عبد الله بن عتمة بعين مهملة مفتوحة بعدها نون مفتوحة وقيل محمد بن الأسود
وله حديثان أحدهما هذا وليس لهم أبو لاس غيره وهو فرد وهذا التعليق رواه الطبراني
عن عبيد بن غنام حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا أبو خليفة حدثنا ابن المديني
حدثنا
(9/45)
محمد بن عبيد الطنافسي حدثنا
محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي لاس
قال حملنا رسول الله على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج فقلنا يا رسول الله ما نرى
أن تحملنا هذه فقال ما من بعير إلا وفي ذروته شيطان فإذا ركبتموها فاذكروا نعمة
الله عليكم كما أمركم الله ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله وأخرجه أحمد أيضا
وابن خزيمة والحاكم وغيرهم ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن
المنذر في ثبوته
8641 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن (
الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال أمر رسول الله بالصدقة فقيل منع
ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب فقال النبي ما ينقم ابن جميل ألا
أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه
وأعبده في سبيل الله وأما العباس بن عبد المطلب فعم رسول الله فهي صدقة ومثلها
معها
مطابقته للترجمة في قوله وأعبده في سبيل الله ورجال هذا الإسناد قد مضوا غير مرة
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن
ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وفي رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن
شعيب مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يقول قال عمر رضي الله
تعالى عنه فذكره صرح بالحديث في الإسناد وزاد فيه عمر رضي الله تعالى عنه والمحفوظ
أنه من مسند أبي هريرة وإنما جرى لعمر فيه ذكر فقط
ذكر معناه قوله أمر رسول الله بالصدقة أي بالصدقة الواجبة يعني الزكاة لأنها
المعهودة بانصراف الألف واللام إليها وقال القرطبي الجمهور صاروا إلى أن الصدقة هي
الواجبة لكن يلزم على هذا استبعاد هؤلاء المذكورين لها ولذلك قال بعض العلماء كانت
صدقة التطوع وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث وفيه أن النبي ندب الناس إلى الصدقة
الحديث وقال ابن القصار وهذا أليق بالقصة لأنا لا نظن بأحدهم منع الواجب قوله فقيل
منع ابن جميل القائل هو عمر رضي الله تعالى عنه ووقع في رواية ابن أبي الزناد عند
أبي عبيد فقال بعض من يلمز أي يعيب وابن جميل بفتح الجيم ذكره الذهبي فيمن عرف
بابنه ولم يسم قيل وقع في تعليق القاضي حسين المروزي الشافعي وتبعه الروياني أن
اسمه عبد الله ووقع في ( التوضيح ) أن ابن بزيزة سماه حميدا وليس بمذكور في كتابه
وقيل وقع في رواية ابن جريج أبو جهم ابن حذيفة بدل ابن جميل وهو خطأ لإطباق الجميع
على ابن جميل لأنه أنصاري وأبو جهم قرشي قوله وخالد بن الوليد بالرفع عطف على منع ابن
جميل وعباس بن عبد المطلب عطف عليه ووقع في رواية أبي عبيد منع ابن جميل وخالد
وعباس أن يعطوا وهو مقدر ههنا لأن منع يستدعي مفعولا وقوله أن يعطوا في محل النصب
على المفعولية وكلمة أن مصدرية والتقدير منع هؤلاء الإعطاء قوله فقال رسول الله
بيان لوجه امتناع هؤلاء عن الإعطاء فلذلك ذكره بالفاء قوله ما ينقم بكسر القاف
وفتحها أي ما ينكر أي لا ينبغي أن يمنع الزكاة وقد كان فقيرا فأغناه الله إذ ليس
هذا جزاء النعمة قال ابن المهلب كان ابن جميل منافقا فمنع الزكاة فاستتابه الله
تعالى بقوله وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم
( التوبة 47 ) فقال استتابني ربي فتاب وصلحت حاله انتهى وفيه تأكيد المدح بما يشبه
الذم لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له قوله وأما
خالد إلى آخره قال الخطابي قصة خالد تؤول على وجوه أحدها أنه قد اعتذر لخالد ودافع
عنه بأنه احتبس في سبيل الله تقربا إليه وذلك غير واجب عليه فكيف يجوز عليه منع
الواجب وثانيها أن خالدا طولب بالزكاة عن أثمان الأدرع على معنى أنها كانت عنده
للتجارة فأخبر النبي أنه لا زكاة عليه فيها إذ جعلها حبسا في سبيل الله وثالثها
أنه قد أجاز له أن يحتسب بما حبسه في سبيل الله من
(9/46)
الصدقة التي أمر بقبضها منه
وذلك لأن أحد الأصناف سبيل الله وهم المجاهدون فصرفها في الحال كصرفها في المآل
قوله قد احتبس أي حبس أدراعه جمع درع قوله وأعبده بضم الباء الموحدة جمع عبد حكاه
عياض والمشهور أعتده بضم التاء المثناء من فوق جمع عتد بفتحتين ووقع في رواية مسلم
أعتاده وهو أيضا جمع عتد قيل هو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وقيل الخيل خاصة
يقال فرس عتيد أي صلب أو معد للركوب أو سريع الوثوب قوله وأما العباس بن عبد
المطلب فأخبر عنه أنه عمه وعم الرجل صنو أبيه وعن الحكم بن عتيبة أن النبي بعث عمر
بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مصدقا فشكاه العباس إلى النبي فقال يا ابن الخطاب
أما علمت أن عم الرجل صنو الأب وأنا استسلفنا زكاته عام الأول ومعنى صنو أبيه أصله
وأصل أبيه واحد وأصل ذلك أن طلع النخلات من عرق واحد قوله فهي عليه صدقة معناه هي
صدقة ثابتة عليه سيتصدق بها ومثلها معها أي ويتصدق مثل هذه الصدقة معها كرما منه إ
لا امتناع منه ولا بخل فيه وقيل معناه فأمواله هي كالصدقة عليه لأنه استدان في
مفاداة نفسه وعقيل فصار من الغارمين الذين لا تلزمهم الزكاة وقيل إن القصة جرت في
صدقة التطوع فلا إشكال عليه لكنه خلاف المشهور وما عليه الروايات
ثم إعلم أن لفظة الصدقة إنما وقعت في رواية شعيب عن أبي الزناد كما مرت وقال
البيهقي في رواية شعيب هذه يبعد أن تكون محفوظة لأن العباس كان من صلبية بني هاشم
ممن تحرم عليه الصدقة فكيف يجعل رسول الله ما عليه من صدقة عامين صدقة عليه وقال
المنذري لعل ذلك قبل تحريم الصدقة على آل النبي فرأى إسقاط الزكاة عنه عامين لوجه
رآه النبي وقال الخطابي هذه لفظة لم يتابع عليها شعيب بن أبي حمزة ورد عليه بأن
اثنين تابعا شعيبا أحدهما عبد الرحمن بن أبي الزناد كما سيأتي عن قريب والآخر موسى
بن عقبة فيما رواه النسائي عن عمران حدثنا علي ابن عياش عن شعيب وساقه بلفظ
البخاري قال وأخبرني أحمد بن حفص حدثني أبي حدثني إبراهيم عن موسى أخبرني أبو
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال أمر رسول الله بصدقة الحديث وفي آخره فهي عليه
صدقة ومثلها معها
واعلم أيضا أنه وقع اختلاف في هذا اللفظ ففي لفظ وقع مثلها في متن حديث الباب وفي
لفظ فهي له ومثلها معها وفي لفظ فهي علي ومثلها معها وفي لفظ فهي عليه ومثلها معها
أما معنى الذي في متن حديث الباب أي فهي عليه صدقة واجبة فأداها قبلمحلها ومثلها
معها أي قد أداها لعام آخر كما ذكرناه عن الحكم آنفا وأما معنى فهي له ومثلها معها
وهي رواية موسى بن عقبة أي فهي عليه قيل عليه وله بمعنى واحد كما في قوله تعالى
ولهم اللعنة ( غافر 25 ) وفي قوله وإن أسأتم فلها ( الإسراء 7 ) ويحتمل أن يكون
فهي له أي فهي له علي ويحتمل أنها كانت له عليه إذا كان قدمها وأما معنى قوله فهي
علي ومثلها معها أي فهذه الصدقة علي بمعنى أؤديها عنه لما له علي من الحق خصوصا له
ولهذا قال عم الرجل صنو أبيه وأما معنى فهي عليه ومثلها معها وهي رواية ابن إسحاق
قال أبو عبيد نراه والله أعلم أنه كان أخر الصدقة عنه عامين من أجل حاجة العباس
فإنه يجوز للإمام أن يؤخرها على وجه النظرة ثم يأخذها منه بعد كما فعل عمر رضي
الله تعالى عنه بصدقة عام الرمادة فلما أجبى الناس في العام المقبل أخذ منهم صدقة
عامين وقيل إنما تعجل منه لأنه أوجبها عليه وضمنها إياه ولم يقبضها منه فكانت دينا
على العباس ألا ترى قوله فإنها عليه ومثلها معه قال ابن الجوزي قال لنا ابن ناصر
يجوز أن يكون قد قال هو عليه بتشديد الياء وزاد فيها هاء السكت
ذكر ما يستفاد منه فيه إثبات الزكاة في أموال التجارة وفيه دليل على جواز أخذ
القيمة عن أعيان الأموال وفيه جواز وضع الصدقة في صنف واحد وفيه جواز تأخير الزكاة
إذا رأى الإمام فيه نظرة وفيه جواز تعجيل الزكاة وقال أبو علي الطوسي اختلف أهل
العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يعجلها وبه يقول
سفيان وقال أكثر أهل العلم إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه وبه يقول الشافعي وأحمد
وإسحاق وهو مذهب أبي حنيفة وقال ابن المنذر وكره مالك والليث بن سعد تعجيلها قبل
وقتها وقال الحسن من زكى قبل الوقت أعاد كالصلاة وفي ( التوضيح ) وعند مالك في
إخراجها قبل الحول بيسير قولان وحد القليل بشهر ونصف شهر وخمسة أيام وثلاثة وفيه
تحبيس آلات الحرب والثياب وكل ما ينتفع به مع بقاء عينه والخيل والإبل كالأعبد وفي
تحبيس غير العقار
(9/47)
ثلاثة أقوال للمالكية المنع
المطلق في مقابلة الخيل فقط وقيل يكره في الرقيق خاصة وروي أن أبا معقل وقف بعيرا
له فقيل لرسول الله فلم ينكره وقال أبو حنيفة لا يلزم الوقف في شيء إلا أن يحكم به
حاكم أو يكون الوقف مسجدا أو سقاية أو وصية من الثلث قلت التحقيق فيه أن أصل
الخلاف أن الوقف لا يجوز عند أبي حنيفة أصلا وهو المذكور في الأصل وقيل يجوز عنده
إلا أنه لا يلزم بمنزلة العارية حتى يرجع فيه أي وقت شاء ويورث عنه إذا مات وهو الأصح
وعند أبي يوسف ومحمد يجوز ويزول ملك الواقف عنه غير أنه عند أبي يوسف يزول بمجرد
القول وعند محمد حتى يجعل للوقف وليا ويسلمه إليه وأما وقف المنقول فإما أن يكون
فيه تعامل بوقفه أو لا يكون فالأول يجوز وقفه كالكراع والسلاح والفأس والقدر
والقدوم والمنشار والجنازة وثيابها والمصاحف وكتب الفقه والحديث والأدبية ونحوها
والثاني لا يجوز وقفه كالزرع والثمر ونحوهما وعند أبي يوسف لا يجوز إلا في الكراع
والسلاح والكراع الخيل وفيه بعث الإمام العمال لجباية الزكوات بشرط أن يكونوا
أمناء فقهاء عارفين بأمور الجباية وفيه تنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة
الغنى بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه وفيه العيب على من منع الواجب وجواز ذكره في
غيبته بذلك وفيه تحمل الإمام عن بعض رعيته ما يجب عليه وفيه الاعتذار بما يسوغ
الاعتذار به وفيه إسقاط الزكاة عن الأموال المحبسة وفيه التعريض بكفران النعمة
والتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان
تابعه ابن أبي الزناد عن أبيه
أي تابع الأعرج عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أبي الزناد عبد الله بن ذكوان
بوجود لفظ الصدقة وروى هذه المتابعة الدارقطني عن المحاملي حدثنا علي بن شعيب
حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي الزناد عن أبيه أبي الزناد عن الأعرج به كذا هو
في نسخة وفي أخرى بسقوط ابن وهي رواية مسلم وهي الصحيحة
وقال ابن إسحاق عن أبي الزناد هي عليه ومثلها معها
قال الكرماني الظاهر أن ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار ضد اليمين المدني
الإمام صاحب المغازي مات سنة خمسين ومائة ودفن بمقبرة الخيزران ببغداد فإنه رواه
عن إبي الزناد بحذف لفظ الصدقة وروى الدارقطني أيضا هذه المتابعة عن أحمد بن محمد
بن زياد حدثني عبد الكريم بن الهيثم حدثنا ابن يعيش حدثني يونس بن بكير حدثنا ابن
أبي إسحاق عن أبي الزناد فذكره
وقال ابن جريج حدثت عن الأعرج بمثله
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بضم الجيم قوله حدثت بصيغة المجهول
قوله بمثله أي بمثل ما روى ابن إسحاق بدون لفظ الصدقة
05 -
( باب الاستعفاف عن المسألة )
أي هذا باب في بيان الاستعفاف هو طلب العفاف وقيل الاستعفاف الصبر والنزاهة عن
الشيء وقيل التنزه عن السؤال وفي بعض النسخ عن المسألة
9641 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن (
عطتاء بن يزيد الليثي ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن ناسا من
الأنصار سألوا رسول الله فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال ما يكون
عندي من خير فلن أدخره عنكم
(9/48)
ومن يستعفف يعفه الله ومن
يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر
( الحديث 9641 - طرفه في 0746 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن أبي اليمان عن
شعيب وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة عن مالك وعن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن
معمر ثلاثتهم عن الزهري عنه به وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وأخرجه
النسائي في الزكاة عن قتيبة وفي الرقاق عن قتيبة به وعن الحارث بن مسكين
ذكر معناه قوله إن ناسا من الأنصار لم يعرف أسماؤهم ولكن قال بعضهم في رواية
النسائي ما يدل على أن أبا سعيد منهم ففي حديثه سرحتني أمي إلى النبي يعني لاسأله
من حاجة شديدة فأتيته وقعدت فاستقبلني فقال من استغنى أغناه الله الحديث وزاد فيه
ومن سأل وله أوقية فقد ألحف فقلت ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله قلت ليت شعري
أي دلالة هذه من أنواع الدلالات وليس فيه شيء يدل على كونه مع الأنصار في حالة
سؤالهم النبي قوله سألوا رسول الله فأعطاهم أي شيئا وهذه اللفظة في بعض النسخ ثلاث
مرات قوله حتى نفد بكسر الفاء وبالدال المهملة أي فرغ وفني وقال ابن سيده وأنفده
هو واستنفده قوله ما يكون كلمة ما فيه موصولة متضمنة لمعنى الشرط وقوله فلم أدخره
جواب الشرط ومعناه لن أجعله ذخيرة لغيركم معرضا عنكم والفصيح فيه إهمال الدال وجاء
بإعجامها مدغما وغير مدغم لكن تقلب التاء دالا مهملة ففيه ثلاث لغات ويقال معناه
لن أحبسه عنكم ويروى عن مالك فلن أدخره قوله ومن يستعف أي من طلب العفة عن السؤال
ولم يظهر الاستغناء عن الخلق ولم يقبل أن أعطى فهو هو إذ الصبر جامع لمكارم
الإخلاق ( ومن يستغن ) أي ومن يظهر الإستغناء ( يغنه الله ) يعفه الله أي يرزقه
الله العفة أي الكف عن الحرام يقال عف يعف عفة فهو عفيف قال الطيبي معناه من طلب
العفة عن السؤال ولم يظهر الاستغناء يغنه الله أي يرزقه الغنى عن الناس فلا يحتاج
إلى أحد قوله ومن يتصبر أي من يعالج الصبر وهو ما باب التفعل فيه معنى التكلف
يصبره الله أي يرزقه الله صبرا وهو من باب التفعيل قوله عطاء أي شيئا من العطاء
قوله خيرا بالنصب صفته ويروى خير بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو خير
ويستفاد منه إعطاء السائل مرتين والاعتذار إلى السائل والحض على التعفف
وفيه الحث على الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا وفيه أن الاستغناء
والعفة والصبر بفعل الله تعالى وفيه جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه
والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة وفيه ما كان عليه من الكرم والسخاء والسماحة
والإيثار على نفسه
0741 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن (
الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال والذي نفسي بيده
لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه
مطابقته للترجمة من حيث إن من عمل بهذا الحديث يحصل له الاستعفاف عن المسألة
ورجاله قد تكرروا وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الزكاة عن علي بن شعيب عن معن ابن عيسى عن مالك به
ذكر معناه قوله لأن يأخذ اللام فيه للتأكيد وفي الموطأ ليأخذ أحدكم قوله حبله أي
رسنه قوله فيحتطب أي فإن يحتطب أي يجمع الحطب قوله خير مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف
أي هو خير له قوله فيسأله أي فإن يسأله وفي رواية الدارقطني في رواية ابن وهب خير
له من أن يأتي رجلا قد أعطاه الله من فضله فيسأله قوله أعطاه أو منعه لأن حال
المسؤول منه إما العطاء ففيه المنة وذل السؤال وإما المنع ففيه الذل والخيبة
(9/49)
والحرمان وكان السلف إذا سقط
من أحدهم سوطه لا يسأل من يناوله إياه
وفيه التحريض على الأكل من عمل يده والاكتساب من المباحات
واعلم أن مدار الأحاديث في هذا الباب على كراهية المسألة وهي على ثلاثة أوجه حرام
ومكروه ومباح فالحرام لمن سأل وهو غني من زكاة أو أظهر من الفقر فوق ما هو به
والمكروه لمن سأل وعنده ما يمنعه عن ذلك ولم يظهر من الفقر ما هو به والمباح لمن
سأل بالمعروف قريبا أو صديقا وأما السؤال عند الضرورة فواجب لإحياء النفس وأدخله
الداودي في المباح وأما الأخذ من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس به
وفي هذا الباب أحاديث عن عطية السعدي قال قال رسول الله ما أغناك الله فلا تسأل
الناس شيئا فإن اليد العليا المعطية وإن اليد السفلى هي المعطاء رواه ابن عبد البر
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من سأل وله ما يغنيه جاء يوم
القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح قيل يا رسول الله وما يغنيه قال
خمسون درهما أو قيمتها من الذهب رواه الترمذي قال حديث حسن ورواه بقية الأربعة
والحاكم ورواه ابن أبي الدنيا في ( كتاب القناعة ) ولفظه من سأل الناس عن ظهر غنى
جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح أو خموش قيل يا رسول الله ما الغنى قال خمسون درهما
أو قيمته من الذهب وعن عبد الله بن عمرو عن النبي قال لا تحل الصدقة لغني ولا لذي
مرة سوي رواه الترمذي وأبو داود وقال الترمذي حديث حسن وعن حبيش بن جنادة السلولي
قال سمعت رسول الله في حجة الوداع وهو واقف بعرفة الحديث وفيه ومن سأل الناس ليثري
به ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة ورضفا يأكله من جهنم فمن شاء فليقل ومن شاء
فليكثر رواه الترمذي وانفرد به وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أخرجه النسائي
وابن ماجه مثل حديث عبد الله بن عمرو وعن قبيصة بن المخارق الهلالي قال تحملت
حمالة فأتيت رسول الله الحديث وفيه يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل
تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله
فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى
يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصاب فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب
قواما من عيش أو قال سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها
صاحبها سحتا رواه مسلم وأبو داود والنسائي وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا من
الأنصار الحديث وفيه أن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مقطع
أو لذي دم موجع رواه أبو داود وابن ماجه وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى
عنهما عن النبي قال لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي رواه البزار والطبراني في
( الكبير ) وعن عمران ابن حصين رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله مسألة الغني
شين في وجهه يوم القيامة رواه أحمد والبزار وعن ثوبان عن النبي قال من سأل مسألة
وهو عنها غني كانت شيئا في وجهه يوم القيامة رواه أحمد والبزار والطبراني وإسناده
صحيح وعن مسعود بن عمرو أن النبي قال لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه
فلا يكون له عند الله وجه رواه البزار والطبراني في الكبير وعن جابر أن رسول الله
قال من سأل وهو غني عن المسألة يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه رواه الطبراني
في ( الأوسط ) وعن رجلين غير مسميين أتيا النبي في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة
فسألا منها فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها
لغني ولا لقوي مكتسب ورجاله في الصحيحين وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله من
سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية وفي رواية خير من
أربعين درهما فرجعت فلم أسأله وكانت الأوقية على عهد رسول الله أربعين درهما أخرجه
أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه وعن سهيل بن الحنظلية قال قدم على رسول الله
عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فسألاه فأمر لهما بما سألاه الحديث وفيه فقال رسول
الله من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا يا رسول الله وما يغنيه
وقال النفيلي وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة قال قدر ما يغديه ويعشيه وقال
النفيلي في موضع آخر أن يكون له شبع يوم
(9/50)
وليلة أو ليلة ويوم رواه أبو
داود وابن حبان في ( صحيحه ) ولفظه قالوا وما يغنيه قال ما يغديه أو يعشيه وعن رجل
من بني أسد قال نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد الحديث وفيه من سأل منكم وله أوقية أو
عدلها فقد سأل إلحافا فقال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية رواه أبو داود وعن
الرجل الذي من مزينة قالت له أمه ألا تنطلق فتسأل رسول الله كما يسأله الناس
فانطلقت أسأله فوجدته قائما يخطب وهو يقول من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه
الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل إلحافا فقلت بيني وبين نفسي لناقة
لنا خير من خمسة أواق ولغلامه ناقة أخرى خير من خمس أواق فرجعت ولم أسأله رواه
أحمد ورجاله رجال الصحيح وعن علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من سأل
مسألة عن ظهر غنى أستكثر بها من رضف جهنم قالوا وما ظهر غنى قال عشاء ليلة رواه
عبد الله بن أحمد في زياداته على ( المسند ) ورواه الطبراني في ( الأوسط ) وابن
عدي في ( الكامل ) وعن زياد بن الحارث الصدائي قال من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع
في الرأس وداء في البطن رواه الطبراني وبعضه عند أبي داود وعن ابن عباس قال قال
رسول الله لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل رواه الطبراني من رواية قابوس
قال أبو حاتم لا أحتج به وقال ابن حبان رديء الحفظ ولابن عباس حديث آخر رواه
الطبراني والبزار بلفظ استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك ورجال إسناده ثقات وعن
معاوية قال قال رسول الله لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا
فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا كاره فيبارك له فيما أعطيته رواه مسلم وعن سمرة ابن
جندب قال قال رسول الله إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل
سلطانا أو في أمر لا بد منه رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي ذر قال قال
رسول الله وهو يشترط على أن لا أسأل الناس شيئا قلت نعم قال ولا سوطك إن سقط منك
حتى تنزل فتأخذه رواه أحمد ورجاله ثقات وعن أبي أمامة قال قال رسول الله من يبايع
فقال ثوبان بايعنا رسول الله قال على أن لا تسألوا شيئا قال ثوبان فما له يا رسول
الله قال الجنة فبايعه ثوبان رواه الطبراني وعن عدي الجذامي في أثناء حديث فيه
فتعففوا ولو بحزم الحطب ألا هل بلغت ورواه الطبراني وعن الفراسي قال لرسول الله
أسأل يا رسول الله فقال النبي لا وإن كنت لا بد سائلا فسل الصالحين رواه أبو داود
والنسائي والفراسي بكسر الفاء وفتح الراء وكسر السين المهملة قال في ( الكمال )
روى عن النبي حديثا واحدا وقال المنذري وله حديث آخر في البحر هو الطهور ماؤه
والحل ميتته كلاهما يرويه الليث بن سعد وعن عائذ بن عمرو أن رجلا أتى النبي وأعطاه
فلما وضع رجله على أسكفة الباب قال رسول الله لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد
إلى أحد يسأله شيئا
1741 - حدثنا ( موسى ) الله قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن (
الزبير بن العوام ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي
بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه
أو منعوه
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ووهيب هو
ابن خالد وأخرجه البخاري أيضا في الشرب عن معلى بن أسد عن وهيب وفي البيوع عن يحيى
بن موسى عن وكيع وأخرجه ابن ماجه في الزكاة عن علي ابن محمد وعمرو بن عبد الله
الأودي كلاهما عن وكيع به قوله لأن يأخذ اللام فيه إما ابتدائية أو جواب قسم محذوف
والحزمة بضم الحاء المهملة وسكون الزاي ما سمي بالفارسية دستة قوله فيكف الله أي
فيمنع الله به وجهه من أن يريق ماءه بالسؤال من الناس قوله خير مرفوع لأنه خبر
مبتدأ محذوف أي هو خير له من أن يسأل أي من سؤال الناس والمعنى إن لم يجد إلا
الاحتطاب من الحرف فهو مع ما فيه من امتهان المرء نفسه ومن المشقة خير له من
المسألة
2741 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري
) عن ( عروة
(9/51)
بن الزبير وسعيد بن المسيب )
أن ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه قال سلت رسول الله فأعطاني ثم سألته
فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هاذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة
نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع
اليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا
أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يدعو حكيما
إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه دعاه ليعطيه فأبى أن
يقبل منه شيئا فقال عمر إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم إني أعرض عليه حقه
من هاذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله حتى توفي
مطابقته للترجمة في قوله اليد العليا خير من اليد السفلى لأن المراد من اليد
العليا على قول هي المتعففة وإن كان المشهور هي المنفقة وقد تقدم الكلام فيه في
باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى
ذكر رجاله وهم سبعة الأول عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعبدان لقبه
الثاني عبد الله بن المبارك المروزي الثالث يونس بن يزيد الأيلي الرابع محمد ابن
مسلم الزهري المدني الخامس عروة بن الزبير بن العوام المدني السادس سعيد بن المسيب
المدني السابع حكيم بفتح الحاء ابن حزام بكسر الحاء وبالزاي المخففة وقد مر عن
قريب
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في
موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه مذكور بلقبه وفيه اثنان مذكوران
مجردين وفيه أحدهم مذكور بنسبته إلى قبيلته ويروى عن اثنين وفيه ثلاثة من التابعين
وهم الزهري وعروة وسعيد بن المسيب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الوصايا وفي الخمس عن محمد
بن يوسف عن الأوزاعي وفي الرقاق عن علي بن عبد الله عن سفيان كلاهما عن الزهري
وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد كلاهما عن
سفيان به وأخرجه الترمذي في الزهد عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وأخرجه النسائي
في الزكاة عن قتيبة عن سفيان به وعن الربيع بن سليمان وعن أحمد بن سليمان وأعاده
في الرقاق عن الربيع بن سليمان
ذكر معناه قوله خضرة التأنيث إما باعتبار الأنواع أو الصورة أو تقديره كالفاكهة
الخضرة الحلوة شبه المال في الرغبة فيه بها فإن الأخضر مرغوب من حيث النظر والحلو
من حيث الذوق فإذا اجتمعا زادا في الرغبة حاصله أن التشبيه في الرغبة فيه والميل
إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على
انفراده والحلو كذلك على انفراده فاجتماعهما أشد وفيه أيضا إشارة إلى عدم بقائه
لأن الخضراوات لا تبقى ولا تراد للبقاء قوله فمن أخذه بسخاوة نفس أي بغير شره ولا
إلحاح وفي رواية بطيب نفس فإن قلت السخاوة ءنما هي في الإعطاء لا في الأخذ قلت
السخاوة في الأصل السهولة والسعة قال القاضي فيه احتمالان أظهرهما أنه عائد إلى
الآخذ أي من أخذه بغير حرص وطمع وإشراف عليه والثاني إلى الدافع أي من أخذه ممن
يدفعه منشرحا بدفعه طيب النفس له قوله بإشراف نفس الإشراف على الشيء الاطلاع عليه
والتعرض له وقيل معنى إشراف نفس أن المسؤول يعطيه عن تكره وقيل يريد به شدة حرص
السائل وإشرافه على المسألة قوله لم يبارك له فيه الضمير في له يرجع إلى الآخذ وفي
فيه إلى المعطى بفتح الطاء ومعناه إذ لم يمنع نفسه المسألة ولم يصن ماء وجهه لم
يبارك له فيما أخذ وأنفق قوله كالذي يأكل ولا يشبع أي كمن به الجوع الكاذب وقد
يسمى بجوع الكلب كلما ازداد أكلا ازداد جوعا لأنه يأكل من سقم كلما أكل ازداد سقما
ولا يجد شبعا ويزعم أهل الطب أن ذلك من غلبة السوداء ويسمونها الشهوة الكلبية وهي
صفة لمن يأكل ولا يشبع قلت
(9/52)
الظاهر أنه من غلبة السوداء
وشدتها كلما ينزل الطعام في معدته يحترق وإلا فلا يتصور أن يسع في المعدة أكثر ما
يسع فيه وقد ذكر أهل الأخبار أن رجلا من أهل البادية أكل جملا وامرأته أكلت فصيلا
ثم أراد أن يجامعها فقالت بيني وبينك جمل وفصيل كيف يكون ذاك قوله اليد العليا خير
من اليد السفلى قد مر الكلام فيه مستقصى في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى قوله لا
أرزأ بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وبالهمزة معناه لا أنقص ماله بالطلب وفي
( النهاية ) ما رزأته أي ما نقصته وفي رواية لإسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك
تحت يد من أيدي العربقلت هذا معنى قوله بعدك الخطاب للنبي ويحتمل أن يكون المعنى
غيرك قال الكرماني فإن قلت لم امتنع من الأخذ مطلقا وهو مبارك إذا كان بسعة الصدر
مع عدم الإشراف قلت مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس
سراقة والعرق دساس ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه قوله فأبى أن يقبل منه أي
فامتنع حكيم أن يقبل عطاء من أبي بكر في الأول ومن عمر في الثاني وجه امتناعه من
أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه
إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه ولأنه خاف أن يفعل
خلاف ما قال لرسول الله لأنه قال لا أرزأ أحدا بعدك حتى روى في رواية ولا منك يا
رسول الله قال ولا مني قوله فقال عمر رضي الله تعالى عنه إني أشهدكم إنما أشهد عمر
رضي الله تعالى عنه على حكيم لأنه خشي سوء التأويل فأراد تبرئة ساحته بالإشهاد
عليه وأن أحدا لا يستحق شيئا من بيت المال بعد أن يعطيه الإمام إياه وفي ( التوضيح
) وأما قبل ذلك فليس بمستحق له ولو كان مستحقا له لقضى عمر على حكيم بأخذه ذلك يدل
عليه قول الله تعالى حين ذكر قسم الصدقات وفي أي الأقسام يقسم أيضا كيلا يكون دولة
بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه ( الحشر 7 ) الآية فإنما هو لمن أوتيه
لا لغيره وإنما قال العلماء في إثبات الحقوق في بيت المال مشددا على غير المرضى من
السلاطين ليغلقوا باب الامتداد إلى أموال المسلمين والسبب إليها بالباطل ويدل على
ذلك أن من سرق بيت المال أنه يقطع وزنى بجارية من الفىء أنه يحد ولو استحق في بيت
المال أو في الفيء شيئا على الحقيقة قبل إعطاء السلطان له لكانت شبهة تدرأ الحد
عنه قلت جمهور الأمة على أن للمسلمين حقا في بيت المال والفيء ولكن الإمام بقسمه
على اجتهاده فعلى هذا لا يجب القطع ولا الحد للشبهة وسيجيء تحقيقه في باب الاجتهاد
إن شاء الله تعالى قوله حتى توفي زاد إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) من طريق معمر
بن عبد الله بن عروة مرسلا أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية
ديوانا ولا غيره حتى مات لعشر سنين من إمارة معاوية وزاد ابن إسحاق أيضا في (
مسنده ) من طريق معمر عن الزهري فمات حيت مات وأنه لمن أكثر قريش مالا
ذكر ما يستفاد منه فيه ما قال المهلب إن سؤال السلطان الأكبر ليس بعار وفيه أن
السائل إذا ألحف لا بأس برده وموعظته وأمره بالتعفف وترك الحرص وفيه أن الإنسان لا
يسأل إلا عند الحاجة والضرورة لأنه إذا كانت يده السفلى مع إباحة المسألة فهو أحرى
أن يمتنع من ذلك عند غير الحاجة وفيه أن من كان له حق عند أحد فإنه يجب عليه أخذه
إذا أتى فإن كان مما لا يستحقه إلا ببسط اليد فلا يجبر على أخذه وفيه ما قال ابن
أبي جمرة قد يقع الزهد مع الأخذ فإن سخاوة النفس هو زهدها تقول سخت بكذا أي جادت
وسخت عن كذا أي لم تلتفت إليه وفيه أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد
والبركة في الرزق فظهر أن الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة وفيه ضرب المثل بما لا
يعقله السامع من الأمثلة لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير
فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى وضرب لهم المثل بما
يعهدون بالأكل إنما يؤكل ليشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة
وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع فإذا كثر
المال عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا
يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع
لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه حاجته وفيه جواز تكرر السؤال ثلاثا وجواز المنع في
الرابعة وفيه أن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه وأن الإجمال في الطلب مقرون
بالبركة
(9/53)
15 -
( باب من أعطاه الله شيئا من غير مسئلة ولا إشراف نفس )
أي هذا باب في بيان حكم من أعطاه الله إلى آخره وجواب الشرط محذوف تقديره فليقبل
وهذا هو الحكم وإنما حذفه اكتفاء بما دل عليه في حديث الباب وقال بعضهم وإنما حذفه
للعلم به وفيه نظر لأن مراده إن كان علمه من الخارج فلا نسلم أنه يعلمه منه وإن
كان من الحديث فلا يقال إلا بما قلنا لأنه الأوجه والأسد قوله من غير مسألة أي من
غير سؤال والمسألة مصدر ميمي من سأل قوله ولا إشراف بكسر الهمزة وسكون الشين
المعجمة وهو التعرض للشيء والحرص عليه من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له ومنه
قيل للمكان المتطاول شرف
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ( الذاريات 91 المعارج 42 و52 )
ليس هذا بموجود عند أكثر الرواة وفي رواية المستملي الآية مقدمة على قوله من أعطاه
الله شيئا وقال صاحب ( التلويح ) باب في قوله تعالى وفي أموالهم حق للسائل
والمحروم ( الذاريات 91 المعارج 42 و52 ) وكذا في نسخة وفي أخرى باب من أعطاه الله
إلى آخره وكأنه أليق بالحديث قوله وفي أموالهم ( الذاريات 91 المعارج 42 و52 ) أي
وفي أموال المتقين المذكورين قبل هذه الآية وهي قوله إن المتقين في جنات وعيون
آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون
وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ( الذاريات 51 - 91 )
والسائل هو الذي يسأل الناس ويستجدي والمحروم الذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه
وقيل المحروم المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم وقيل المحارف الذي لا يكاد يكسب
وعن عكرمة المحروم الذي لا ينمى له مال وعن زيد بن أسلم هو المصاب بثمره وزرعه أو
ماشيته وقال محمد بن كعب القرظي هو صاحب الحاجة والمحارف بفتح الراء المنقوص الحظ
الذي لا يثمر له مال وهو خلاف المبارك والعوام بكسر الراء واستدل بهذه الآية
الكريمة جماعة من التابعين ومن الصحابة أبو ذر على أن في المال حقا غير الزكاة
وقال الجمهور المراد من الحق هو الزكاة واحتجوا على ذلك بأحاديث منها حديث
الأعرابي في ( الصحيح ) هل علي غيرها قال لا إلا إن تطوع فإن قلت روى مسلم من حديث
أبي سعيد قال بينا نحن مع رسول الله في سفر إذ جاء رجل على راحلته فجعل يصرفها
يمينا وشمالا فقال النبي من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان
عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل
ففيه إيجاب إنفاق الفضل من الأموال قلت الأمر بإنفاق الفضل أمر إرشاد وندب إلى
الفضل وقيل كان ذلك قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان
وعاد ذلك فضلا وفضيلة بعدما كان فريضة
3741 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( الزهري ) عن
( سالم ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت ( عمر ) يقول كان
رسول الله يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني فقال خذه إذا جاءك من
هاذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك
مطابقته للترجمة في قوله خذه إذا جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل ورجاله
قد ذكروا غير مرة ويونس والزهري قد ذكرا في سند حديث الباب السابق وأخرجه البخاري
أيضا في الأحكام عن أبي اليمان الحكم ابن نافع عن شعيب وأخرجه مسلم في الزكاة عن
هارون بن معروف وحرملة بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور
ذكر معناه قوله فأقول أعطه من هو أفقر مني زاد في رواية شعيب عن الزهري الآتية في
الأحكام حتى أعطاني مرة مالا فقلت أعطه أفقر إليه مني فقال خذه فتموله وتصدق به
وذكر شعيب فيه عن الزهري إسنادا آخر قال أخبرني السائب
(9/54)
بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى
أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته
فذكر قصة فيها هذا الحديث والسائب ومن فوقه صحابة ففيه أربعة من الصحابة في نسق
قوله إذا جاءك شرط وجزاؤه قوله فخذه وأطلق الأخذ أولا بالأمر وعلق ثانيا بالشرط
فحمل المطلق على المقيد قوله وأنت غير مشرف جملة إسمية وقعت حالا وقد مضى تفسير
الإشراف قوله وما لا أي وما لا يكون كذلك بأن لا يجيء إليك وتميل نفسك إليه فلا
تتبعه نفسك في الطلب واتركه
ذكر ما يستفاد منه قال الطبري اختلف العلماء في قوله فخذه بعد إجماعهم على أنه أمر
ندب وإرشاد فقال بعضهم هو ندب لكل من أعطي عطية أن يقبلها سواء كان المعطي سلطانا
أو غيره صالحا كان أو فاسقا بعد أن كان ممن تجوز عطيته روي عن أبي هريرة أنه قال
ما أحد يهدي إلي هدية إلا قبلتها فأما أن أسأل فلا وعن أبي الدرداء مثله وقبلت
عائشة رضي الله تعالى عنها من معاوية وقال حبيب بن أبي ثابت رأيت هدايا المختار
تأتي ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم فيقبلانها وقال عثمان بن عفان رضي
الله تعالى عنه جوائز السلطان لحم ظبي زكي وبعث سعيد بن العاص إلى علي رضي الله
تعالى عنه بهدايا فقبلها وقال خذ ما أعطوك وأجاز معاوية الحسين بأربعمائة ألف وسئل
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عن هدايا السلطان فقال إن علمت أنه من غصب وسحت
فلا تقبله وإن لم تعرف ذلك فاقبله ثم ذكر قصة بريرة وقال الشارع هو لنا هدية وقال
ما كان من مأثم فهو عليهم وما كان من مهنأ فهو لك وقبلها علقمة والأسود والنخعي
والحسن والشعبي وقال آخرون بل ذلك ندب منه أمته إلى قبول عطية غير ذي سلطان فأما
السلطان فإن بعضهم كان يقول حرام قبول عطيته وبعضهم كرهها وروي أن خالد بن أسيد
أعطى مسروقا ثلاثين ألفا فأبى أن يقبلها فقيل له لو أخذتها فوصلت بها رحمك فقال
أرأيت لو أن لصا نقب بيتا ما أبالي أخذتها أو أخذت ذلك ولم يقبل ابن سيرين ولا ابن
محيريز من السلطان وقال هشام بن عروة بعث إلي عبد الله ابن الزبير رضي الله تعالى
عنهما وإلى أخي بخمسمائة دينار فقال أخي درها فما أكلها أحد وهو غني عنها إلا
أحوجه الله إليها وقال ابن المنذر كره جوائز السلطان محمد بن واسع والثوري وابن
المبارك وأحمد وقال آخرون بل ذلك ندب إلى قبول هدية السلطان دون غيره وروي عن
عكرمة قال إنا لا نقبل إلا من الأمراء وقال الطبري والصواب عندي أنه ندب منه إلى
قبول عطية كل معط جائزة لسلطان كانت أو غيرها لحديث عمر رضي الله تعالى عنه فندبه
إلى قبول كل ما آتاه الله من المال من جميع وجوهه من غير تخصيص سوى ما استثناه
وذلك ما جاء به من وجه حرام عليه وعلم به
ووجه من رد أنه إنما كان على من كان الأغلب من أمره أنه لا يأخذ المال من وجهه
فرأى أن الأسلم لدينه والإبراء لعرضه تركه ولا يدخل في ذلك ما إذا علم حرمته ووجه
من قبل ممن لم يبال من أين أخذ المال ولا فيما وضعه أنه ينقسم ثلاثة أقسام ما علم
حله يقينا فلا يستحب رده وعكسه فيحرم قبوله وما لا فلا يكلف البحث عنه وهو في
الظاهر أولى به من غيره ما لم يستحق
وأما مبايعة من يخالط ماله الحرام وقبول هداياه فكره ذلك قوم وأجازه آخرون فممن
كرهه عبد الله بن يزيد وأبو وائل والقاسم وسالم وروي أنه توفيت مولاة لسالم كانت
تبيع الخمر بمصر فترك ميراثها أيضا وقال مالك قال عبد الله بن يزيد بن هرمز إني لا
أعجب ممن يرزق الحلال ويرغب في الربح فيه الشيء اليسير من الحرام فيفسد المال كله
وكره الثوري المال الذي يخالطه الحرام وممن أجازه ابن مسعود روي عنه أن رجلا سأله
فقال في جار لا يتورع من أكل الربا ولا من أخذ ما لا يصلح وهو يدعونا إلى طعامه
وتكون لنا الحاجة فنستقرضه فقال أجبه إلى طعامه واستقرضه فلك المهنأ وعليه المأثم
وسئل ابن عمر عن رجل أكل طعام من يأكل الربا فأجازه وسئل النخعي عن الرجل يأتي المال
من الحلال والحرام قال لا يحرم عليه إلا الحرام بعينه وعن سعيد بن جبير أنه رضي
الله تعالى عنه مر بالعشارين وفي أيديهم شماريخ فقال ناولونيها من سحتكم هذا إنه
حرام عليكم وعلينا حلال وأجاز البصري طعام العشار والضراب والعامل وعن مكحول
والزهري إذا اختلط الحرام والحلال فلا بأس به فإنما يكره من ذلك شيء يعرف بعينه
وأجازه ابن أبي ذئب وقال ابن المنذر واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى ذكر اليهود
فقال سماعون للكذب أكالون للسحت ( المائدة 24 ) وقدرهن الشارع درعه عند يهودي وقال
الطبري في إباحة الله تعالى أخذ الجزية من أهل الكتاب مع علمه بأن أكثر
(9/55)
أموالهم أثمان الخمور
والخنازير وهم يتعاملون بالربا أبين الدلالة على أن من كان من أهل الإسلام بيده
مال لا يدري أمن حرام كسبه أو من حلال فإنه لا يحرم قبوله لمن أعطاه وإن كان ممن
لا يبالي اكتسبه من غير حله بعد أن لا يعلم أنه حرام بعينه وبنحو ذلك قالت الأئمة
من الصحابة والتابعين ومن كرهه فإنما ركب في ذلك طريق الورع وتجنب الشبهات
والاستبراء لدينه
ومن فوائد الحديث المذكور أن للإمام أن يعطي الرجل وغيره أحوج إليه منه إذا رأى
لذلك وجها وأن ما جاء من المال الحلال من غير سؤال فإن أخذه خير من تركه وإن رد
عطاء الإمام ليس من الأدب وقال النووي اختلفوا فيمن جاءه مال هل يجب قبوله الصحيح
المشهور أنه يستحب في غير عطية السلطان وأما عطيته فالصحيح أنه إن غلب الحرام فيما
في يده فحرام وإلا فمباح وقالت طائفة الأخذ واجب من السلطان لقوله تعالى وما آتاكم
الرسول فخذوه ( الحشر 7 ) فإذا لم يأخذه فكأنه لم يأتمر وقال الطحاوي ليس معنى هذا
الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس
وفقرائهم فكانت تلك الأموال يعطاها الناس لا من جهة الفقر ولكن من حقوقهم فيها
فكره رسول الله لعمر حين أعطاه قوله أعطه من هو أفقر إليه مني لأنه إنما أعطاه
لمعنى غير الفقر ثم قال له خذه فتموله كذا رواه شعيب عن الزهري فدل أن ذلك ليس من
أموال الصدقات لأن الفقير لا ينبغي أن يأخذه من الصدقات ما يتخذه مالا كان عن
مسألة أو غير مسألة
25 -
( باب من سأل الناس تكثرا )
أي هذا باب في بيان حكم من سأل الناس لأجل التكثر وجواب الشرط محذوف تقديره من سأل
الناس لأجل التكثر فهو مذموم ووجه الحذف قد ذكرناه في ترجمة الباب السابق قيل حديث
المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي يليه أصرح في مقصود
الترجمة من حديث الباب وإنما آثره عليه لأن من عادته أن يترجم بالأخفى قلت دلالة
حديث الباب على السؤال تكثرا غير خفية لأن قوله لا يزال الرجل يسأل الناس يدل على
كثرة السؤال وكثرة السؤال لا تكون إلا لأجل التكثر على ما لا يخفى وقال هذا القائل
أيضا أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة
كالأغلوطات أو السؤال عما لا يعني أو عما لم يقع مما يكره وقوعه قلت هذا الوجه
بيان اعتذار من جهة البخاري في تركه حديث المغيرة في هذا الباب ولكن الوجوه
الثلاثة التي زعم أن حديث المغيرة في قوله وكثرة السؤال تحتملها فيه نظر لأنها
داخلة تحت قوله قيل وقال وقوله وكثرة السؤال تمحض لسؤال الناس لأجل التكثر وفيه
زيادة فائدة على ما لا يخفى وقال هذا القائل أيضا وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على
شرطه وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبيش بن جنادة في أثناء حديث مرفوع وفيه من سأل
الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر قلت
لا نسلم أولا وجه هذه الإشارة ولئن سلمنا فلا فائدة فيها إذ الواقف على هذه
الترجمة إن كان قد وقف على حديث حبيش قبل ذلك فلا فائدة في الإشارة إليه وإلا
فيحتاج فيه إلى العلم من الخارج فلا يكون ذلك من إشارته إليه وقال بعضهم عطيب كلام
هذا القائل وفي ( صحيح مسلم ) من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ
الترجمة فاحتمال كونه أشار إليه أولى ولفظه من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا
قلت هذا الذي ذكره أنما يتوجه إذا كان البخاري قد وقف عليه ولئن سلمنا وقوفه عليه
فلا نسلم التزامه أن تكون المطابقة بين الترجمة والحديث من كل وجه على ما لا يخفى
4741 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عبيد الله بن أبي جعفر )
قال سمعت ( حمزة بن عبد الله بن عمر ) قال سمعت ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله
تعالى عنه قال قال النبي ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه
مزعة لحم وقال إن الشمس
(9/56)
تدنو يوم القيامة حتى يبلغ
العرق نصف الأذن فبينا هم كذالك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد وزاد عبد الله
حدثني الليث حدثني ابن أبي جعفر فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب
فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم
( الحديث 5741 - طرفه في 8174 )
وجه المطابقة بين الترجمة والحديث قد علم مما ذكرنا آنفا
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى بن بكير الثاني الليث بن سعد الثالث عبيد الله بتصغير
العبد ابن أبي جعفر واسمه يسار مر في باب الجنب يتوضأ في كتاب الغسل الرابع حمزة
بالحاء المهملة وبالزاي ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب مر في باب فضل العلم الخامس
عبد الله بن عمر بن الخطاب السادس عبد الله بن صالح كاتب الليث
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين
وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه
أن شيخه مذكور باسم جده واسم أبيه عبد الله بن بكير وهو والليث وعبيد الله بن أبي
جعفر وعبد الله بن صالح مصريون وحمزة بن عبد الله مدني أما عبد الله بن صالح ففيه
مقال قال ابن عدي سقيم الحديث ولكن البخاري روى عنه في صحيحه على الصحيح ولكنه
يدلس فيقول حدثنا عبد الله ولا ينسبه وهو هو نعم قد علق البخاري حديثا فقال فيه
قال الليث ابن سعد حدثني جعفر بن ربيعة ثم قال في آخر الحديث حدثني عبد الله بن صالح
حدثنا الليث فذكره ولكن هذا عند ابن حمويه السرخسي دون صاحبيه
والحديث أخرجه مسلم رحمه الله تعالى عن أبي الطاهر بن السرح وعن أبي بكر بن أبي
شيبة رضي الله تعالى عنه وأخرجه النسائي رحمه الله تعالى فيه عن محمد بن عبد الله
بن عبد الحكم عن شعيب ابن الليث عن أبيه به
ذكر معناه قوله مزعة بضم الميم وسكون الزاي وبالعين المهملة القطعة وقال ابن التين
ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي قال أبو الحسن والذي أحفظه عن المحدثين الضم وقال
ابن فارس بكسر الميم واقتصر عليه القزاز في ( جامعه ) وذكر ابن سيده الضم فقط وكذا
الجوهري قال وبالكسر من الريش والقطن يقال مزعت اللحم قطعته قطعة قطعة ويقال أطعمه
مزعة من لحم أي قطعة منه قال الخطابي يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطا لا قدر
له ولا جاه أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من
الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذي
يعرف به وقال ابن أبي جمرة معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء لأن حسن الوجه هو
مما فيه من اللحم قوله وقال أي النبي إن الشمس تدنو أي تقرب من الدنو وهو القرب
ووجه اتصال هذا بما قبله هو أن الشمس إذا دنت يوم القيامة يكون أذاها لمن لا لحم
له في وجهه أكثر وأشد من غيره قوله حتى يلغ العرق أي حتى يتسخن الناس من دنو الشمس
فيتعرقون فيبلغ العرق نصف الأذن قوله فبيناهم قد ذكرنا غير مرة أن أصل بينا بين
فزيدت الألف بإشباع فتحة النون يقال بينا وبينما وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة
ويضافان إلى جملة فعلية أو إسمية ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى وجوابه قوله
استغاثوا والأفصح في جوابه أن لا يكون فيه إذ وإذا كما وقع هنا بدون واحد منهما
وقد يقال بينا زيد جالس إذ دخل عليه عمرو وإذا دخل عليه عمرو قوله ثم بمحمد أي ثم
استغاثوا بمحمد وفيه اختصار إذ يستغاث بغير آدم وموسى أيضا وسيأتي في الرقاق في
حديث طويل في الشفاعة ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد قوله وزاد عبد
الله يحتمل التعليق حيث لم يضفه إلى نفسه ولم يقل زادني قال الكرماني ولعل المراد
بما حكى الغساني عن أبي عبد الله الحاكم أن البخاري لم يخرج عن عبد ابد الله بن
صالح كاتب الليث في ( الصحيح ) شيئا إنه لم يخرج عنه حديثا تاما مستقلا قلت قد
ذكرنا عن قريب أنه روى عنه ولم ينسبه على وجه التدليس قوله زاد عبد الله هكذا وقع
عند أبي ذر وسقط عند الأكثرين وفي ( التلويح ) قول البخاري وزاد عبد الله يعني ابن
صالح كاتب الليث بن سعد قاله أبو نعيم الأصبهاني وخلف في ( الأطراف ) ووقع أيضا
(9/57)
في بعض الأصول منسوبا وفي
الإيمان لابن منده من طريق أبي زرعة الراوي عن يحيى بن بكير وعبد الله بن صالح
جميعا عن الليث وساقه بلفظ عبد الله بن صالح وقد رواه موصولا من طريق عبد الله بن
صالح وحده البزار عن محمد بن إسحاق الصاغاني والطبراني في ( الأوسط ) عن مطلب بن
شعيب وابن منده في كتاب الإيمان من طريق يحيى بن عثمان ثلاثتهم عن عبد الله بن
صالح فذكره وزاد بعد قوله استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك وتابع عبد الله بن صالح
على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم عن الليث أخرجه ابن منده أيضا قوله بحلقة
الباب أي باب الجنة أو هو مجاز عن القرب إلى الله قوله مقاما محمودا هو مقام
الشفاعة العظمى التي اختصت به لا شريك له في ذلك وهو إراحة أهل الموقف من أهواله
بالقضاء بينهم والفراغ من حسابهم قوله أهل الجمع أي أهل المحشر وهو يوم مجموع فيه
جميع الناس من الأولين والآخرين
ومما يستفاد منه ما نقل ابن بطال عن المهلب فهم البخاري أن الذي يأتي يوم القيامة
لا لحم في وجهه من كثرة السؤال إنه للسائل تكثرا لغير ضرورة إلى السؤال ومن سأل
تكثرا فهو غني لا تحل له الصدقة وإذا جاء يوم القيامة لا لحم على وجهه فتؤذيه
الشمس أكثر من غيره ألا ترى قوله في الحديث الشمس تدنو حتى يبلغ العرق فحذر من
الإلحاف في المسألة لغير حاجة إليها وأما من سأل مضطرا فمباح له ذلك إذا لم يجد
عنها بدا ورضي بما قسم له ويرجي أن يؤجر عليها وقال في موضع آخر يبلغ عرق الكافر
فإما أن يكون سكت عنه للتتابع في الموعظة ولا يقول إلا الحق أو سقط عن الناقل أو
أخبر في وقت بذلك مجملا ثم حدث به مفسرا
وقال معلى حدثنا وهيب عن النعمان بن راشد عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري عن حمزة
سمع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي في المسئلة
هذا تعليق ذكره عن معلى بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن
أسد مر في باب المرأة تحيض عن وهيب تصغير وهب بن خالد عن النعمان بن راشد الجزري
الرقي عن عبد الله بن مسلم أخي محمد بن مسلم الزهري عن حمزة ابن عبد الله عن عبد
الله بن عمر ووصل هذا التعليق البيهقي أخبرنا أبو الحسين القطان حدثنا ابن درستويه
حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن النعمان بن راشد عن عبد
الله بن مسلم أخي الزهري عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى
عنهما قال قال لنا ابن عمر سمعت رسول الله يقول ما تزال المسألة بالرجل حتى يلقى
الله وما في وجهه مزعة لحم
قوله في المسألة أي في الجزء الأول من الحديث ولم يرو الزيادة التي لعبد الله بن
صالح وفي هذا الحديث أن هذا الوعيد يحتص بمن أكثر السؤال إلا من ندر ذلك منه ويؤخذ
منه جواز سؤال غير المسلم لأن لفظ الناس في الحديث يعم قاله ابن أبي حمزة ويحكى عن
بعض الصالحين أنه كان إذا احتاج سأل ذميا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده
35 -
( باب قول الله تعالى لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة 372 ) )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة 372 ) لأجل مدح
من لا يسأل الناس إلحافا أي سؤالا إلحافا أي إلحاحا وإبراما قال الطبري ألحف
السائل في مسألته إذا ألح فهو ملحف فيها وقال السدي لا يلحفون في المسألة إلحافا
وهذا من آية كريمة في سورة البقرة أولها قوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل
الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا
يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ( البقرة 372 ) قال
المفسرون قوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ( البقرة 372 ) يعني
المهاجرين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به
على أنفسهم ما يغنيهم ولا يستطيعون ضربا في الأرض ( البقرة 372 ) يعني سفرا للتسبب
في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر قال تعالى وآخرون يضربون في الأرض (
المزمل 02 ) ومعنى عدم استطاعتهم أنهم كانوا يكرهون المسير لئلا
(9/58)
تفوتهم صحبة رسول الله قوله
يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ( البقرة 372 ) في لباسهم وحالهم ومقالهم قوله
تعرفهم بسيماهم ( البقرة 372 ) إنما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى
سيماهم في وجوههم ( الفتح 92 ) وقيل الخطاب للنبي وقيل لكل راغب في معرفة حالهم
يقول تعرف فقرهم بالعلامة في وجوههم من أثر الجوع والحاجة وفي ( تفسير النسفي ) هم
أصحاب الصفة وكانوا أربعمائة إنسان لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا
يخرجون في كل سرية بعثها النبي ثم يرجعون إلى مسجد الرسول قوله وما تنفقوا من خير
( البقرة 372 ) من أبواب القربات فإن الله به عليم ( البقرة 372 ) لا يخفى عليه
شيء منه ولا من غيره وسيجزي عليه أوفى الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكونون
إليه
وكم الغنى
أي مقدار الغنى الذي يمنع السؤال و كم هنا استفهامية تقتضي التمييز والتقدير كم
الغنى أهو الذي يمنع السؤال أم غيره والغنى بكسر الغين وبالقصر ضد الفقر وإن صحت
الرواية بالفتح وبالمد فهو الكفاية وقد تقدم في حديث ابن مسعود يا رسول الله ما
الغنى قال خمسون درهما وقد ذكرنا في باب الاستعفاف في المسألة جملة أحاديث عن
جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في هذا الباب
وقول النبي ولا يجد غنى يغنيه
بالجر عطف على ما قبله من المجرور وهذا جزء من حديث رواه عن أبي هريرة يأتي في هذا
الباب وفيه ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه والظاهر أنه إنما ذكر هذا كأنه
تفسير لقوله وكم الغنى ليكون المعنى إن الغنى هو الذي يجد الرجل ما يغنيه وفسر هذا
ما رواه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم
القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو
قيمتها من الذهب والأحاديث يفسر بعضها بعضا وإنما لم يذكره البخاري لأنه ليس على
شرطه لأن فيه مقالا
لقوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض إلى
قوله فإن الله به عليم ( البقرة 372 )
هذا تعليق لقوله ولا يجد غنى يغنيه لأنه قال في الحديث المسكين الذي لا يجد غنى
يغنيه ولا يفطن به فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس ووصف المسكين بثلاثة أوصاف
منها عدم قيامه للسؤال وذلك لا يكون إلا لتعففه وحصر نفسه عن ذلك وعلل ذلك المسكين
الموصوف بهذه الأوصاف الذي ذكر منها البخاري عدم وجدان الغنى واكتفى به بقوله
تعالى للفقراء الذين أحصروا ( البقرة 372 ) الآية وكان حصرهم لأنفسهم عن السؤال
للتعفف وعدم ضربهم في الأرض خوفا من فوات صحبة النبي كما ذكرنا عن قريب وأما اللام
التي في قوله للفقراء الذي أحصروا ( البقرة 372 ) فلبيان مصرف الصدقة وموضعها لأنه
قال قبل هذا وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ( البقرة 272 ) ثم بين مصرف ذلك وموضعه
بقوله للفقراء ( البقرة 372 ) إلى آخره وقد تصرف الكرماني هنا تصرفا عجيبا لا
يقبله من له أدنى معرفة في أحوال تراكيب الكلام فقال للفقراء ( البقرة 372 ) عطف
على لا يسألون ( البقرة 372 ) وحرف العطف مقدر أو هو حال بتقدير لفظ قائلا ثم قال
فإن قلت في بعضها لقول الله تعالى للفقراء ( البقرة 372 ) قلت معناه شرط في السؤال
عدم وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بلا يستطيعون ضربا في الأرض إذ من استطاع ضربا
فيها فهو واجد لنوع من الغنى انتهى قلت كان في نسخة وقول النبي ولا يجد غنى يغنيه
للفقراء الذين فقال هذا عطف على لا يسألون فليت شعري أي وجه لهذا العطف ولا عطف
هنا أصلا وأي ضرورة دعت إلى ارتكابه تقدير حرف العطف الذي لا يجوز حذف حرف العطف
إلا في موضع الضرورة على الشذوذ أو في الشعر كذلك ولا ضرورة هنا أصلا ثم لما وقف
على نسخة فيها لقول الله عز و جل للفقراء ( البقرة 372 ) سأل السؤال المذكور وأجاب
بالجوابين المذكورين اللذين تمجهما الأسماع ويتركهما أهل اليراع وقال بعضهم اللام
في قوله لقول الله لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة وكم
(9/59)
الغنى قلت وهذا أعجب من ذلك
لأن التعليل لا يقال له التفسير ويفرق بينهما من له أدنى مسكة في التصرف في علم من
العلوم وباقي الكلام في الآية الكريمة تقدم آنفا
6741 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( محمد بن زياد )
قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال ليس المسكين الذي ترده
الأكلة والأكلتان ولاكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافا
مطابقته للترجمة في قوله ولا يسأل الناس إلحافا ورجاله أربعة وهو من الرباعيات
قوله المسكين مشتق من السكون وهو عدم الحركة فكأنه بمنزلة الميت ووزنه مفعيل وقال
ابن سيده المسكين والمسكين الأخيرة نادة لأنه ليس في الكلام مفعيل يعني بفتح الميم
وفي ( الصحاح ) المسكين الفقير وقد يكون بمعنى المذلة والضعف يقال تمسكن الرجل
وتمسكن وهو شاذ والمرأة مسكينة وقوم مساكين ومسكينون والإناث مسكينات والفقير مشتق
من قولهم فقرت له فقرة من مالي والفقر والفقر ضد الغنى وقدر ذلك أن يكون له ما
يكفي عياله وقد فقر فهو فقير والجمع فقراء والأنثى فقيرة من نسوة فقائر وقال
القزاز أصل الفقر في اللغة من فقار الظهر كأن الفقير كسر فقار ظهره فبقي له من
جسمه بقية قال القزاز الفقر والفقر والفتح أكثر قوله الأكلة والأكلتان بضم الهمزة
فيهما وقال ابن التين الأكلة ضبطها بعضهم بضم الهمزة بمعنى اللقمة فإن فتحتها كانت
المرة الواحدة وفي ( الفصيح ) لأحمد بن يحيى الأكلة اللقمة والأكلة بالفتح الغذاء
والعشاء قوله ليس له غنى زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه قوله ويستحي بالياءين
وبياء واحدة زاد في رواية الأعرج ولا يفطن به وفي رواية الكشميهني له فيتصدق عليه
ولا يقوم فيسأل الناس وهو بنصب يتصدق ويسأل قوله ولا يسأل ويروى وأن لا يسأل وقال
الكرماني كلمة لا زائدة في وأن لا يسأل قوله إلحافا أي إلحاحا وقد مر تفسيره عن
قريب وقال ابن بطال يريد ليس المسكين الكامل لأنه بمسألته يأتيه الكفاف وإنما
المسكين الكامل في أسباب المسكنة من لا يجد غنى ولا يتصدق عليه أي ليس فيه نفي
المسكنة بل نفي كمالها أي الذي هو أحق بالصدقة وأحوح إليها
ومن فوائد هذا الحديث حسن الإرشاد لموضع الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف
دون الإلحاح وفيه حسن المسكين الذي يستحي ولا يسأل الناس وفيه استحباب الحياء في
كل الأحوال
7741 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) قال حدثنا ( إسماعيل بن علية ) قال حدثنا (
خالد الحذاء ) عن ( ابن أشوع ) عن ( الشعبي ) قال حدثني ( كاتب المغيرة بن شعبة )
قال ( كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة ) أن اكتب إلي بشىء سمعته من النبي فكتب
إليه سمعت النبي يقول إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال
مطابقته للترجمة في قوله وكثرة السؤال
ورجاله ثمانية يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي وإسماعيل بن علية بضم العين
المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهو إسماعيل بن إبراهيم البصري وعلية
اسم أمه وخالد هو ابن مهران الحذاء البصري وقد مر غير مرة وابن أشوع بفتح الهمزة
وسكون الشين المعجمة وفتح الواو وفي آخره عين مهملة وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع
الهمداني الكوفي قاضي الكوفة نسب لجده والشعبي هو عامر بن شراحيل وكاتب المغيرة هو
وراد بفتح الواو وتشديد الراء وفي آخره دال مهملة والمغيرة بن شعبة مولاه ومعاوية
ابن أبي سفيان وفيه تابعيان وصحابيان وقد ذكرنا في باب الذكر بعد الصلاة تعدد ذكره
ومن أخرجه غيره
ذكر معناه قوله عن قيل وقال هما إما فعلان الأول يكون بناء المجهول من الماضي
والثاني يكون بناء الفاعل وإما مصدران يقال قلت قولا وقيلا وقالا وحينئذ يكونان
منونين وإما إسمان قال ابن السكيت هما إسمان لا مصدران
(9/60)
وقال الخطابي إما أن يراد بهما
حكاية أقاويل الناس كما يقال قال فلان كذا وقيل له كذا من باب ما لا يعني وأما ما
كان من أمر الدين ينقله بلا حجة وبيان يقلد ما يسمعه ولا يحتاط فيه وقال ابن
الجوزي المراد به حكاية شيء لا تعلم صحته فإن الحاكي يقول قيل وقال وعن مالك هو
الإكثار من الكلام والإرجاف نحو قول القائل أعطي فلان كذا ومنع من كذا أو الخوض فيما
لا يعني وقال ابن التين له تأويلان أحدهما أن يراد به حكاية أقوال الناس وأحاديثهم
والبحث عنها لينمي فيقول قال فلان كذا وفلان كذا مما لا يجر خيرا إنما هو ولوع
وشغب وهو من التجسس المنهي عنه والثاني أن يكون في أمر الدين فيقول قيل له فيه كذا
وقال فلان فيقلد ولا يحتاط بمواضع الاحتياط بالحجج قوله وإضاعة المال هو رواية
الكشميهني وفي رواية غيره إضاعة الأموال وهو أن يتركه من غير حفظ له فيضيع أو
يتركه حتى يفسد أو يرميه إذا كان يسيرا كبرا عن تناوله أو بأن يرضى بالغبن أو
ينفقه في البناء واللباس والمطعم بإسراف أو ينفقه في المعاصي أو يسلمه لخائن أو
مبذر أو يموه الأواني بالذهب أو يطرز الثياب به أو يذهب سقوف البيت فإنه من
التضييع الفاحش لأنه لا يمكن تخليصه منه وإعادته إلى أصله ومنه قسمة ما لا ينتفع
بقسمته كاللؤلؤة ومنه الصدقة وإكثارها وعليه دين لا يرجو له وفاء دينه ومنه سوء
القيام على ما يملكه كالرقيق إذا لم يتعهده ضاع ومنه أن يتخلى الرجل من كل ماله
وهو محتاج إليه غير قوي على الصبر والإطاقة وقد يحتمل أن يؤول معنى الإضاعة على
العكس مما تقدم بأن يقال إضاعته حبسه عن حقه والبخل به على أهله كما قال الشاعر
وما ضاع مال أورث المجد أهله
ولكن أموال البخيل تضيع
وقال الداودي إضاعة المال تؤدي إلى الفقر الذي يخشى منه الفتنة وكأن الشارع يتعوذ
من الفقر وفتنته وقال المهلب في إضاعة المال يريد السرف في إنفاقه وإن كان فيما
يحل ألا ترى أنه رد تدبير المعدم لأنه أسرف على ماله فيما يحل ويؤجر فيه لكنه أضاع
نفسه وأجره في نفسه آكد من أجره في غيره قوله وكثرة السؤال أما السؤال إما أن يكون
من سؤال الناس أموالهم والاستكثار منه أو سؤال المرء عما نهي عنه من المتشابه الذي
تعبدنا بظاهره أو السؤال من رسول الله عن أمور لم يكن لهم بها حاجة وقال الخطابي
المسائل في كتاب الله تعالى على ضربين أحدهما محمود كقوله يسألونك ماذا ينفقون (
البقرة 512 و912 ) ونحوه من الإشياء المحتاج إليها في الدين ولهذا قال تعالى
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( النحل 34 الأنبياء 7 ) والآخر مذموم كقوله
يسألونك عن الروح ( الإسراء 58 ) ونحوه مما لا ضرورة فيه لهم إلى علمه ولهذا قال
تعالى ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( المائدة 101 ) وقال النووي يحتمل إن
يراد بكثرة السؤال سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره لأنه يتضمن حصول الحرج في حق
المسؤول عنه فإنه لا يريد إخباره بأحواله فإن أخبره شق عليه وإن أهمل جوابه ارتكب
سوء الأدب ويقال في كثرة السؤال وجهان ذكرا عن مالك الأول سؤال سيدنا رسول الله
فإنه قال ذروني ما تركتكم والثاني سؤال الناس وهو الذي فهمه البخاري وبوب عليه
وقال ابن التين فيه وجوه أحدها التعرض لما في أيدي الناس من الحطام بالحرص والشره
وهو تأويل البخاري ثانيها أن يكون في سؤال المرء عما نهى عنه من متشابه الأمور على
مذهب أهل الزيغ والشك وابتغاء الفتنة ثالثها ما كانوا يسألون الشارع عن الشيء من
الأمور من غير حاجة بهم إليه فتنزل البلوى بهم كالسائل عمن يجد مع امرأته رجلا أشد
الناس جرما في الإسلام من سأل عن أمر لم يكن حراما فحرم من أجل مسألته
ذكر ما يستفاد منه فيه الدلالة على الحجر واختلف العلماء في وجوب الحجر على البالغ
المضيع لماله فجمهور العلماء يوجب الحجر عليه صغيرا كان أو كبيرا روي ذلك عن علي
وابن عباس وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم وهو قول مالك والأوزاعي وأبي
يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وقال النخعي وابن سيرين وبعدهما أبو
حنيفة وزفر لا حجر على البالغ الحديث الذي يخدع في البيوع ولم يمنعه من التصرف
وفيه دليل على فضل الكفاف على الفقر والغنى لأن ضياع المال يؤدي إلى الفتنة بالفقر
وكثرة السؤال وربما يخشى من الغنى الفتنة قال تعالى كلا إن الإنسان
(9/61)
ليطغى أن رآه استغنى ( العلق 6
و7 ) والفقر والغنى محنتان وبليتان كان الشارع يتورع منهما ومن عاش فيهما
بالاقتصاد فقد فاز في الدنيا والآخرة وفيه الكتاب بالسؤال عن العلم والجواب عنه
وفيه قبول خبر الواحد وقبول الكتاب وهو حجة في الإجازة وفيه أخذ بعض الصحابة عن
بعض وفيه دليل على أن قلة السؤال لا تدخل تحت النهي خصوصا إذا كان مضطرا يخاف على
نفسه التلف بتركه بل السؤال في هذه الحالة واجب لأنه لا يحل له إتلاف نفسه وهو يجد
السبيل إلى حياتها
8741 - حدثنا ( محمد بن غزير الزهري ) قال حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) عن أبيه عن
( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عامر بن سعد ) عن أبيه قال أعطى
رسول الله رهطا وأنا جالس فيهم قال فترك رسول الله منهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم
إلي فقمت إلى رسول الله فساورته فقلت مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا قال أو
مسلما قال فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم فيه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان والله
إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما قال فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم فيه فقلت يا رسول
الله مالك عن فلان والله لأراه مؤمنا قال أو مسلما يعني فقال إني لأعطي الرجل
وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه
( انظر الحديث 72 )
مطابقته للترجمة من حيث إن الرجل الذي تركه رسول الله ولم يعطه شيئا وهو أيضا ترك
السؤال أصلا مع مراجعة سعد رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله بسببه ثلاث مرات وقد
مضى الحديث في كتاب الإيمان في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة فإنه أخرجه
هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد رضي الله
تعالى عنه وهنا أخرجه عن محمد بن غرير بضم الغين المعجمة وفتح الراء الأولى وسكون
الياء آخر الحروف الزهري بضم الزاي وسكون الهاء وقد تقدم في باب ما ذكر في ذهاب
موسى في كتاب العلم وقد مضى الكلام فيه مستوفى في كتاب الإيمان
وعن أبيه عن صالح عن إسماعيل بن محمد أنه قال سمعت أبي يحدث هاذا فقال في حديثه
فضرب رسول الله بيده فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال أقبل أي سعد إني لأعطي الرجل
هذا طريق آخر في الحديث المذكور قوله وعن أبيه عطف على المذكور أولا في الإسناد أي
قال يعقوب عن أبيه إبراهيم عن صالح بن كيسان عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
وقاص الزهري وقال الكرماني فإن قلت أبوه محمد فروايته عن النبي مرسلة إذ لا بد من
توسط ذكر سعد حتى يصير مسندا متصلا قلت لفظ هذا هو إشارة إلى قول سعد فهو متصل
وبهذا السند رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني عن يعقوب عن أبيه عن صالح عن
إسماعيل بن محمد قال سمعت محمد بن سعد يحدث بهذا يعني حديث الزهري المذكور فقال في
حديثه فضرب النبي بيده بين عنقي وكتفي ثم قال أقتالا أي سعد إني لأعطي الرجل وفي
الجمع للحميدي في أفراد مسلم عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه عن جده بنحو حديث
الزهري عن عامر بن سعد قوله يحدث هذا إشارة إلى قول سعد كما ذكرنا قوله في حديثه
أي في جملة حديثه قوله فجمع بفاء العطف وفعل الماضي وقال ابن التين رواية أبي ذر
فجمع وفي رواية غيره جمع بدون الفاء ويروى فضرب رسول الله بيده فجمع بين عنقي
وكتفي قال ابن قرقول أي حيث يجتمعان وكذلك مجمع البحرين حيث يجتمع بحر وبحر وتوجيه
هذه الرواية إن يكون لفظ بين إسما لا ظرفا كقوله تعالى لقد تقطع بينكم ( الأنعام
49 ) على قراء الرفع فيكون
(9/62)
لفظ مجمع مضافا إليه ويروى
فضرب رسول الله بيده يجمع بين عنقي وكتفي بالباء الجارة وضم الجيم وسكون الميم
ومحله نصب على الحال تقديره ضرب بيده حال كونها مجموعة ويجوز في الكتف ثلاث لغات
قوله ثم قال أي النبي أقبل بفتح الهمزة أمر من الإقبال أو بكسر الهمزة وفتح الباء
من القبول حسب الروايتين قال التيمي في بعضها أقبل بقطع الألف كأنه لما قال ذلك
تولى ليذهب فقال له أقبل لأبين لك وجه الإعطاء والمنع وفي بعضها بوصل الإلف أي
أقبل ما أنا قائل لك ولا تعترض عليه قلت ويدل عليه باقي رواية مسلم أقتالا أي سعد
أي أتقاتل قتالا أي أتعارضني فيما أقول مرة بعد مرة كأنك تقاتل وهذا يشعر أنه كره
منه إلحاحه عليه في المسألة قوله أي سعد يعني يا سعد إني لأعطي اللام فيه للتأكيد
وإنما أعطي الرجل ليتألفه ليستقر الإيمان في قلبه وعلم أنه إن لم يعطه قال قولا أو
فعل فعلا دخل به النار فأعطاه شفقة عليه ومنع الآخر علما منه رسوخ الإيمان في صدره
ووثوقا على صبره
وقال ابن بطال فيه الشفاعة للرجل من غير أن يسألها ثلاثا وفيه النهي عن القطع لأحد
من الناس بحقيقة الإيمان وأن الحرص على هداية غير المهتدي آكد من الإحسان إلى
المهتدي وفيه الأمر بالتعفف والاستغناء وترك السؤال
قال أبو عبد الله فكبكبوا قلبوا مكبا أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد
فإذا وقع الفعل قلت كبه الله لوجهه وكببته أنا
قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه وقد جرت عادته أنه إذا كان في القرآن لفظ يناسب
لفظ الحديث يذكره استطرادا فقوله فكبكبوا مذكور في سورة الشعراء معناه فكبوا بلفظ
المجهول من الكب وهو الإلقاء على الوجه وفي بعضها قلبوا بالقاف واللام والباء
الموحدة قوله مكبا بضم الميم هو المذكور في سورة الملك وهو قوله أفمن يمشي مكبا
على وجهه ( الملك 22 ) قوله أكب الرجل يعني وقع على وجهه وهو لازم أشار إليه بقوله
إذا كان فعله غير واقع على أحد وذلك أنهم يسمون الفعل الذي لا يتعدى لازما وغيره
واقع قوله فإذا وقع الفعل يعني إذا وقع على أحد يكون متعديا ويسمى واقعا أيضا أشار
إليه بقوله قلت كبه الله لوجهه وهذا من نوادر الكلمة حيث كان ثلاثيه متعديا
والمزيد فيه لازما عكس القاعدة التصريفية قوله وكببته أنا متعد أيضا أي كببت أنا
فلانا على وجهه وأتى بالمثالين أحدهما من الغائب والآخر من المتكلم وكببته يجوز
فيه أن تبدل الياء من الباء الثانية فنقول كبيته على ما علم في موضعه
قال أبو عبد الله صالح بن كيسان أكبر من الزهري وهو قد أدرك ابن عمر رضي الله
تعالى عنهم
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله صالح بن كيسان هو المذكور في الإسنادين قوله
أكبر أي أكبر سنا كان عمره مائة وستين سنة قوله من الزهري يعني من محمد بن مسلم بن
شهاب الزهري قوله وهو أي صالح ابن كيسان قد أدرك عبد الله بن عمر يعني أدرك السماع
منه وأما الزهري فمختلف في لقيه له والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروى عن أبيه سالم
عنه والحديثان اللذان وقع في رواية معمر عنه أنه سمعهما من ابن عمر ثبت ذكر سالم
بينهما في رواية غيره
9741 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن (
الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال ليس المسكين الذي
يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولاكن المسكين الذي لا
يجد غنى يغنيه ولا يفطن به فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس
( انظر الحديث 6741 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله ولا يقوم فيسأل الناس
ورجاله تقدموا غير مرة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد
الرحمن بن هرمز
وأخرجه النسائي أيضا في الزكاة عن قتيبة عن مالك به وقد مر الكلام في معناه
(9/63)
في باب الاستعفاف في المسألة
قوله ولا يفطن به أي لا يكون للناس العلم بحالة فيتصدقون عليه ويروى ولا يفطن له
باللام قوله فيسأل بالنصب وكذا فيتصدق وهو على صيغة المجهول
0841 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال
حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو
أحسبه إلي الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس
مطابقته للترجمة في قوله خير له من أن يسأل الناس والحديث مضى في باب الاستعفاف في
المسألة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة الحديث وهنا أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش
عن أبي صالح ذكوان الزيات عن أبي هريرة
قوله ثم يغدو أي ثم يذهب والغدو الذهاب في أول النهار قوله ( أحسبه ) أي قال أبو
هريرة أطن رسول الله قال إلى الجبل موضع الحطب قوله فيحتطب فيبيع بالفاء فيهما لأن
الاحتطاب يكون عقيب الغدو إلى الجبل والبيع يكون عقيب الاحتطاب قوله ويتصدق بواو
العطف ليدل على أنه يجمع بين البيع والصدقة يعني إذا باع يتصدق منه
وفيه استحباب الاستعفاف عن المسألة واستحباب التكسب باليد واستحباب الصدقة من كسب
يده
45 -
( باب خرص التمر )
أي هذا باب في مشروعية خرص التمر الخرص بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها صاد
مهملة مصدر من خرص العدد ويخرصه من باب نصر ينصر وضرب يضرب خرصا وخرصا بالفتح
والكسر إذا حزره ويقال بالفتح مصدر وبالكسر اسم وفي ( الصحاح ) هو حزر على النخل
من الرطب تمرا وقال ابن السكيت الخرص والخرص لغتان في الشيء المخروص وحكى الترمذي
عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما يجب فيه
الزكاة بعث السلطان خارصا ينظر فيقول يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا وكذا ثمرا فيصيه
وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ
منهم العشر
1841 - حدثنا ( سهل بن بكار ) قال حدثنا ( وهيب ) عن ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباس
الساعدي ) عن ( أبي حميد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه قال غزونا مع النبي غزوة
تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي لأصحابه اخرصوا وخرص
رسول الله عشرة أوسق فقال لها أحصي ما يخرج منها فلما أتينا تبوك قال أما إنها
ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان معه بعير فليعقله فعقلناها وهبت ريح
شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيىء وأهدى ملك أيلة للنبي بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب
له ببحرهم فلما أتى وادي القرى قال للمرأة كم جاء حديقتك قالت عشرة أوسق خرص رسول
الله فقال النبي إني متعجل إلى المدينة فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل فلما
قال ابن بكار كلمة معناها أشرف على المدينة قال هاذه طابة فلما رأي أحدا قال هاذا
جبيل يحبنا ونحبه ألا أخبركم بخير دور الأنصار قالوا بلى قال دور بني النجار ثم
دور بني عبد الأشهل ثم دور بني ساعدة أو دور بني الحارث بن الخزرج وفي كل دور
الأنصار يعني خيرا وقال سليمان بن بلال حدثني
(9/64)
عمرو ثم دار بني الحارث ثم بني
ساعدة وقال سليمان عن سعد بن سعيد عن عمارة بن غزية عن عباس عن أبيه عن النبي قال
أحد جبل يحبنا ونحبه
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله اخرصوا وخرص رسول الله
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سهل بن بكار بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف وبالراء
أبو بشر الدارمي الثاني وهيب بن خالد أبو بكر الثالث عمرو بن يحيى بن عمارة الرابع
عباس بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن سهل بن سعد مات زمن الوليد
بالمدينة الخامس أبو حميد بضم الحاءر المهملة وفتح الميم اسمه المنذر أو عبد
الرحمن بن سعد الساعدي مر في باب فضل استقبال القبلة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع
وفيه القول في موضع واحد وفيه عن عمرو بن يحيى ولمسلم من وجه آخر عن وهيب حدثنا
عمرو بن يحيى وفيه عباس وفي رواية أبي داود عن العباس الساعدي يعني ابن سهل بن سعد
وفي رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن وهيب أخبرنا عمرو بن يحيى حدثنا عباس ابن سهل
الساعدي وفيه أن شيخه وشيخ شيخه بصريان وعمرو بن يحيى وعباس بن سهل مدنيان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الحج وفي المغازي بتمامه وفي
فضل الأنصار ببعضه خير دور الأنصار عن خالد ابن مخلد وأخرجه مسلم في فضل النبي عن
أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وفيه وفي الحج عن القعنبي عن سليمان بن
بلال وأخرجه أبو داود في الخراج عن سهل بن بكار به
ذكر معناه قوله غزوة تبوك بفتح التاء المثناة من فوق وضم الباء الموحدة المخففة
وفي آخره كاف منصرف بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلة من طرف الشام وبينها وبين
دمشق إحدى عشرة مرحلة وفي ( المحكم ) تبوك اسم أرض وقد يكون تبوك تفعل وزعم ابن
قتيبة أن رسول الله جاء في غزوة تبوك وهم يبوكون حسيها بقدح فقال ما زلتم تبوكونها
بعد فسميت بتبوك ومعنى تبوكون تدخلون فيه السهم وتحركونه ليخرج ماؤه قلت هذا يدل
على أنه معتل وذكرها ابن سيده في الثلاثي الصحيح قوله حسيها أي حشي تبوك بكسر
الحاء وسكون السين المهملتين وفي آخره ياء آخر الحروف ما تنشفه الأرض من الرمل
فإذا صار إلى صلابة أمسكته فيحفر عنه الرمل فتستخرجه وهو الاحتساء ويجمع الحسي على
أحساء وغزوة تبوك تسمى العسرة والفاضحة وكانت في رجب يوم الخميس سنة تسع وقال ابن
التين خرج رسول الله في أول يوم من رجب إليها ورجع في سلخ شوال وقيل في شهر رمضان
وقال الداودي هي آخر غزواته لم يقدر أحد أن يتخلف عنها وكانت في شدة الحر وإقبال
الثمار ولم يكن فيها قتال ولم تكن غزوة إلا ورى النبي فيها إلا غزوة تبوك ومكرت
طائفة من المنافقين في هذه الغزوة برسول الله أرادوا أن يلقوه من العقبة فنزل فيهم
ما في سورة براءة قوله وادي القرى ذكر السمعاني أنها مدينة قديمة بالحجاز مما يلي
الشام وذكر ابن قرقول أنها من أعمال المدينة وهذا قريب قوله إذا امرأة في حديقة
قال ابن مالك في ( الشواهد ) لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا
لم تحصل فائدة نحو رجل يتكلم إذ لا تخلو الدنيا من رجل يتكلم فلو اقترن بالنكرة
قرينة تتحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها ومن تلك القرائن الاعتماد على إذا
المفاجأة نحو انطلقت فإذا سبع في الطريق والحديقة بفتح الحاء المهملة قال ابن سيده
هي من الرياض كل أرض استدارت وقيل الحديقة كل أرض ذات شجرة بثمر ونخل وقيل الحديقة
البستان والحائط وخص بعضهم به الجنة من النخل والعنب وقيل الحديقة حفرة تكون في
الوادي تحبس الماء في الوادي وإن لم يكن الماء في بطنه فهو حديقة والحديقة أعمق من
الغدير والحديقة القطعة من الزرع من كراع وكله في معنى الاستدارة وفي ( الغريبين )
يقال للقطعة من النخل حديقة قوله اخرصوا بضم الراء زاد سليمان فخرصنا قوله عشرة
أوسق على وزن أفعل بضم العين جمع وسق بفتح الواو وهو ستون صاعا وهو ثلاثمائة
وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم
في
(9/65)
مقدار الصاع والمد قوله احصى بفتح الهمزة من الإحصاء وهو العد ومعناه احفظي عدد كيلها وفي رواية سليمان إحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى وأصل الإحصاء العد بالحصى لأنهم كانوا لا يحسنون الكتابة فكانوا يضبطون العدد بالحصى قوله أما إنها أما بفتح الهمزة بالتخفيف وهي حرف استفتاح بمنزلة ألا ويكون بمعنى حقا قوله ستهب الليلة زاد سليمان عليكم وستهب بضم الهاء والسين فيه علامة الاستقبال وأصله من هب يهب ككب يكب وهذا الباب إذا كان متعديا يكون عين الفعل فيه مضموما إلا حبه يحبه فإنه مكسور وأحرف نادرة جاء فيها الوجهان إذا كان لازما مثل ضل يضل قوله فليعقله أي يشده بالعقال وهو الحبل وفي رواية سليمان فليشد عقاله وفي رواية إبن إسحاق في ( المغازي ) عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عباس بن سهل ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له قوله بجبل طي وفي رواية الكشميهني بجبلي طي وفي رواية فحملت الريح حتى ألقته بجبلي طيء وفي رواية الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب فلم يقم فيها أحد غير رجلين ألقتهما بجبلي طيء وفيه نظر تبينه رواية ابن إسحاق ولفظه ففعل الناس ما أمرهم إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء فأخبر رسول الله فقال ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له ثم دعى الذي أصيب على مذهبه فشفي وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله حين قدم من تبوك وأما جبلا طيء فقد ذكر الكلبي في كتابه ( أسماء البلدان ) أن سلمى بنت حام بن حمى بن برارة من بني عمليق كانت لها حاضنة يقال لها العوجاء وكانت الرسول بينها وبين أجأ بن عبد الحي من العماليق فعشقها فهرب بها وبحاضنتها إلى موضع جبل طييء وبالجبلين قوم من عاد وكان لسلمى أخوة فجاؤوا في طلبها فلحقوهم بموضع الجبلين فأخذوا سلمى فنزعوا عينها ووضعوها على الجبل وكتف أجأ وكان أول من كتف ووضع على الجبل الآخر فسمي بها الجبلان أجأ وسلمى وقال البكري أجأ بفتح أوله وثانيه على وزن فعل يهمز ولا يهمز ويذكر ويؤنث وهو مقصور في كلا الوجهين من همزه وترك همزه وقال بعضهم ويقال إن الجبلين سميا باسم رجل وامرأة من العماليق قلت الكلبي قد سماهما كما ذكرنا قوله ملك أيلة بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وباللام إسم بلدة على ساحل البحر آخر الحجاز وأول الشام قلت أيلة على وزن فعلة مدينة على شاطىء البحر في منصف ما بين مصر ومكة شرفها الله تعالى سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم وقد روى أن أيلة هي القرية التي كانت حاضرة البحر وفي ( التلويح ) وملك أيلة اسمه يوحنا بن روبة وفي رواية سليمان عند مسلم وجاء رسول ابن العلما صاحب أيلة إلى رسول الله بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء قلت يوحنا بضم الياء آخر الحروف وسكون الواو وفتح الحاء المهملة وتشديد النون مقصور وروبة بضم الراء وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وفي آخره هاء والظاهر أن علما اسم يوحنا وإسم البغلة دلدل قوله وكتب له ببحرهم أي ببلدهم والمراد بأهل بحرهم لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر ويروى ببحرتهم أي ببلدتهم وقيل البحرة الأرض كان أقطع هذا الملك من بلاده قطائع وفوض إليه حكومتها وذكر ابن إسحاق الكتاب وهو بعد البسملة هذه أمنة من الله ومن محمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي وساق بقية الكتاب قوله كم جاء حديقتك أي قدر ثمر حديقتك وفي رواية مسلم فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها قوله قالت عشرة أوسق بنزع الخافض أي جاء بمقدار عشرة أوسق أو نصب على الحال ويجوز أن يعطى لقوله جاء حكم الأفعال الناقصة فيكون عشرة خبرا له والتقدير جاءت عشرة أوسق قوله خرص رسول الله خرص مصدر بالنصب على أنه بدل من قوله عشرة أوسق لأنه كان قد خرصها عشرة أوسق لما جاء وادي القرى أو عطف بيان لعشرة ويجوز الرفع في عشرة وفي خرص والتقدير الحاصل عشرة أوسق خرص رسول الله ويجوز الرفع في خرص وحده على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي خرص رسول الله أي العشرة خرص رسول الله قوله فلما قال ابن بكار كلمة فلما مقول ابن بكار وهو سهل
(9/66)
شيخ البخاري ولفظ ابن بكار
مقول البخاري و كلمة بالنصب مقول ابن بكار معناها أي معنى هذه الكلمة أشرف أي
النبي على المدينة معناه قرب منها واطلع إليها وكأن البخاري شك في هذه اللفظة فقال
هذا قوله قال هذه طابة جواب لما أي قال وأشار إلى المدينة بقوله هذه طابة وهو غير
منصرف للعلمية والتأنيث ومعناها الطيبة وسماها رسول الله بهذا الاسم وكان اسمها
يثرب قوله فلما رأى أحدا أي الجبل المسمى بأحد قوله يحبنا ونحبه يعني أهل الجبل
وهم الأنصار لأنه لهم فيكون مجازا كما في قوله واسأل القرية ( يوسف 28 ) ولا منع
من حقيقته فلا حاجة إلى إضمار فيه وقد ثبت أنه ارتج تحته فقال له إثبت فليس عليك
إلا نبي وصديق وشهيدان وحن الجذع اليابس إليه حتى نزل فضمه وقال لو لم أضمه لحن
إلى يوم القيامة وكلمه الذئب وسجد له البعير وسلم عليه الحجر وكلمه اللحم المسموم
أنه مسموم فلا ينكر حب الجبل له وحب النبي إياه لأن به قبور الشهداء ولأنهم لجأوا
إليه يوم أحد وامتنعوا قوله ألا أخبركم بخير دور الأنصار كلمة ألا للتنبيه والخطاب
لمن كان معه من الصحابة ودور جمع دار نحو أسد وأسد ويريد به القبائل الذين يسكنون
الدور يعني المحال قوله بني النجار بفتح النون وتشديد الجيم وبالراء وهو تيم الله
بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج قيل سمي النجار لأنه اختتن بقدوم وقيل بل نجر وجه رجل
بالقدوم فسمي النجار قوله بني عبد الأشهل بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة ابن جشم
بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الأوس والأوس أحد جذمي الأنصار
لأنهم جذمان الأوس والخزرج وهما أخوان وأمهما قبيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة
وقيل قبيلة بنت كاهل بن عدي بن سعد بن قضاعة قوله بني ساعدة ساعدة بن كعب بن
الخزرج قوله يعني خيرا أي كان لفظ خيرا محذوفا من كلام رسول الله ولكنه أراده
قوله وقال سليمان بن بلال أبو أيوب ويقال أبو محمد القرشي التيمي مولى عبد الله بن
أبي عتيق واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ويقال مولى القاسم بن محمد
بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهذا تعليق وصله أبو علي بن خزيمة في (
فوائده ) قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان أي ابن بلال حدثني
أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال فذكره وأوله أقبلنا مع رسول الله حتى إذا
دنا من المدينة أخذ طريق غراب لأنها أقرب طريق إلى المدينة وترك الأخرى فساق
الحديث ولم يذكر أوله قوله حدثني عمرو هو عمرو بن يحيى المذكور في إسناد الحديث قوله
وقال سليمان هو ابن بلال المذكور قوله سعيد بن سعيد هو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد
الأنصاري قوله عن عمارة بضم العين ابن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد
الياء آخر الحروف المازني الأنصاري قوله عن عباس هو عباس بن سهل وأبوه سهل ابن سعد
وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة
ذكر ما يستفاد منه فيه الخرص الذي ذكرنا تفسيره واختلف العلماء فيه فذهب الزهري
وعطاء والحسن وعمر بن دينار وعبد الكريم بن أبي المخارق ومروان والقاسم بن محمد
والشافعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد إلى جواز الخرص في النخيل والأعناب حين يبدو
إصلاحها وقال ابن رشد جمهور العلماء على إجازة الخرص فيها ويخلى بينها وبين أهلها
يأكلونه رطبا وقال داود لا خرص إلا في النخيل فقط وقال الشافعي إذابدا صلاح ثمار
النخل والكرم فقد تعلق وجوب الزكاة بهما ووجب خرصهما للعلم بمقدار زكاتهما
فيخرصهما رطبا وينظر الخارض كم يصير تمرا ثم يخبر رب المال فيها فإن شاء كانت
مضمونة في يده وله التصرف فيها فإذا تصرف فيها ضمنها ويستفاد بالخرص العلم بقدر
الزكاة فيها واستباحة رب المال التصرف في الثمرة بشرط الضمان قال الماوردي وبه قال
أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقال الشافعي وهو سنة في الرطب والعنب ولا خرص
في الزرع وهو قول أحمد وذكر ابن بزيزة قال الجمهور يقع الخرص في النخل والكرم
واختلف مذهب مالك هل يخرص الزيتون أم لا فيه قولان الجواز قياسا على الكرم والمنع
لوجهين الأول لأن أوراقه تستره والثاني أن أهله لا يحتاجون إلى أن يأكلوه رطبا فلا
معنى لخرصه وقد اختلفوا هل هو واجب أو مستحب فحكى الضميري عن الشافعية وجها بوجوبه
وقال الجمهور هو مستحب إلا أن تعلق به حق لمحجور مثلا أو كان شركاؤه غير مؤتمنين
فيجب لحفظ مال الغير واختلفوا أيضا هل يختص بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما
ينتفع به رطبا وجافا وبالأول قال
(9/67)
شريح القاضي وبعض الظاهرية
والثاني قول الجمهور وإلى الثالث نحى البخاري وهل يمضي قول الخارص أو يرجع ما آل
إليه الحال بعد الجفاف الأول قول مالك وطائفة والثاني قول الشافعي ومن تبعه وهل
يكفي خارص واحد عارف ثقة أم لا بد من اثنين وهما قولان للشافعي والجمهور على الأول
واختلف أيضا هل هو اعتبار أو تضمين وهما قولان للشافعي أظهرهما الثاني وفائدته
جواز التصرف في جميع الثمرة ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة
بحساب ما خرص
واختلفوا في الخرص هل هو شهادة أو حكم فإن كان شهادة لم يكتف بخارص واحد وإن كان
حكما اكتفى به وكذلك اختلفوا في القائف والطبيب يشهد في العيوب وحاكم الجزاء في
الصيد واختلفوا هل يحاسب أصحاب الزرع والثمار بما أكلوا قبل التصفية والجذاذ أم لا
وكذلك اختلفوا هل يؤخذ قدر العواري والضيف وما في معناه أم لا واختلفوا أيضا إذا
غلط الخارص
ومحصل الأمر فيه أنه إن لم يكن من أهل المعرفة بالخرص فالرجوع إلى الخارج لا إلى
قوله وإن كان من أهل المعرفة ثم تبين أنه أخطأ فهل يؤخذ بقوله أو بما تبين فيه
خلاف على اختلافهم في المجتهد يخطيء هل ينقض حكمه أم لا قال ابن قدامة ويلزم
الخارص أن يترك الثلث أو الربع في الخرص توسعة على أرباب الأموال وبه قال إسحاق
والليث لحديث سهل بن أبي خيثمة قال قال رسول الله إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن
لم تدعوا الثلث فدعوا الربع رواه الترمذي واستدل من يرى الخرص في النخل والكرم بما
رواه ابن المسيب عن عتاب بن أسيد قال أمر رسول الله أن يخرص العنب كما يخرص النخل
وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا رواه الترمذي وقال حسن غريب وقال
الماوردي الدليل على جواز الخرص ورود السنة قولا وفعلا وامتثالا أما القول فحديث
عتاب وأما الفعل فحديث البخاري في هذا الباب وأما الامتثال فما روي أن رسول الله
كان له خراصون كأنه يعني ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان النبي
يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص حين يطيب قبل أن يؤكل وعن ابن عمر في (
صحيح ابن حبان ) أن رسول الله غلب أهل خيبر على الأرض والزرع والنخل فصالحوه وفيه
فكان ابن رواحة يأتيهم فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر وفي ( المصنف ) بسند صحيح عن
جابر قال خرصها عليهم ابن رواحة يعني خيبرا أربعين ألف وسق
واستدل من يرى الخرص مطلقا في النخيل وغيره بما رواه أبو داود من حديث جعفر بن
برقان عن ميمون بن مهران عن مقسم عن ابن عباس أن النبي حين افتتح خيبر الحديث وفيه
فلما كان حين يصرم النخل بعث إليهم ابن رواحة فحرز النخل وهو الذي يسميه أهل
المدينة الخرص الحديث وبما رواه البيهقي من حديث الصائت بن زبيد عن أبيه عن جده أن
رسول الله استعمله على الخرص فقال اثبت لنا النصف وأبق لهم النصف فإنهم يسرفون ولا
تصل إليهم الحديث
وقال الشعبي والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد الخرص مكروه وقال الشعبي الخرص
بدعة وقال الثوري خرص الثمار لا يجوز وفي ( أحكام ابن بزيزة ) قال أبو حنيفة
وصاحباه الخرص باطل وقال الماوردي احتج أبو حنيفة بما رواه جابر مرفوعا نهى عن الخرص
وبما رواه جابر بن سمرة أن رسول الله نهى عن بيع كل ثمرة بخرص وبأنه تخمين وقد
يخطىء ولو جوزنا لجوزنا خرص الزرع وخرص الثمار بعد جذاذها أقرب إلى الإبصار من خرص
ما على الأشحار فلما لم يجز في القريب لم يجز في البعيد ولأنه تضمين رب المال بقدر
الصدقة وذلك غير جائز لأنه بيع رطب بتمر وأنه بيع حاضر بغائب وأيضا فهو من
المزابنة المنهي عنها وهو بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا وهو أيضا من باب
بيع الرطب بالتمر نسيئة فيدخله المنع بين التفاضل وبين النسيئة وقالوا الخرص منسوخ
بنسخ الربا وقال الخطابي أنكر أصحاب الرأي الخرص وقال بعضهم إنما كان يفعل تخويفا
للمزارعين لئلا يخونوا لا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور أو كان يجوز قبل تحريم
الربا والقمار ثم تعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم والخرص عمل به في
حياة النبي حتى مات ثم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فمن بعدهم ولم ينقل عن
أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا الشعبي قال وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس
كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير
قلت قوله تحريم الربا والميسر متقدم يحتاج إلى معرفة التاريخ وعندنا ما يدل على
صحة النسخ
(9/68)
وهو ما رواه الطحاوي من حديث
جابر أن رسول الله نهى عن الخرص وقال أرأيتم إن هلك التمر أيحب أحدكم أن يأكل مال
أخيه بالباطل والحظر بعد الإباحة علامة النسخ وقوله والخرص عمل به إلى قوله إلا
الشعبي مسلم لكنه ليس على الوجه الذي ذكروه وإنما وجهه أنهم فعلوا ذلك ليعلم مقدار
ما في أيدي الناس من الثمار فيؤخذ مثله بقدره في أيام الصرام لا أنهم يملكون شيئا
ما يجب لله فيه ببدل لا يزول ذلك البدل وأما قولهم إنه تخمين إلى آخره ليس بكلام
موجه لأنه لا شك أنه تخمين وليس بتحقيق وعيان وكيف يقال له هو اجتهاد والمجتهد في الأمور
الشرعية قد يخطىء ففي مثل هذا أجدر بالخطأ ثم الجواب عن حديث الباب أنه أراد بذلك
معرفة مقدار ما في نخل تلك المرأة خاصة ثم يأخذ منها الزكاة وقت الصرام على حسب ما
تجب فيها وأيضا فقد خرص حديقتها وأمرها أن تحصي وليس فيه أنه جعل زكاته في ذمتها
وأمرها أن تتصرف في ثمرها كيف شاءت وإنما كان يفعل ذلك تخويفا لئلا يخونوا وأن
يعرفوا مقدار ما في النخل ليأخذوا الزكاة وقت الصرام هذا معنى الخرص فأما أنه يلزم
به حكم شرعي فلا
وأما حديث عتاب بن أسيد فإن الذي رواه سعيد بن المسيب فعتاب توفي سنة ثلاث عشرة
وسعيد ولد في سنة خمس عشرة وقيل سنة عشرين وقال أبي علي بن السكن لم يرو هذا
الحديث عن رسول الله من وجه غير هذا وهو من رواية عبد الله بن نافع عن محمد بن
صالح عن ابن شهاب عن سعيد وكذا رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وخالفهما صالح
بن كيسان فرواه عن الزهري عن سعيد أن النبي أمر عتابا ولم يقل عن عتاب وسئل أبو
حاتم وأبو زرعة الرازيان فيما ذكره أبو محمد الرازي عنه فقالا هو خطأ وقال أبو
حاتم الصحيح عن سعيد أن النبي مرسلا وقال أبو زرعة الصحيح عندي عن الزهري أن النبي
ولا أعلم أحدا تابع عبد الرحمن بن إسحاق في هذه الرواية فإن قلت زعم الدارقطني أن
الواقدي رواه عن عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد عن المسور بن مخرمة
عن عتاب قال أمر رسول الله أن يخرص أعناب الثقيف كخرص النخل ثم يؤدى زبيبا كما
تؤدى زكاة النخل تمرا فهذا ليس فيه انقطاع قلت سبحان الله إذا كان الواقدي فيما
يحتجون به يسكتون عنه وإذا كان فيما يحتج به عليهم يشنعون بأنواع الطعن ومع هذا
قال أبو بكر بن العربي لم يصح حديث سعيد ولا حديث سهل بن أبي خيثمة ولا في الخرص
حديث صحيح إلا حديث البخاري قال ويليه حديث ابن رواحة
قلت قد مر الجواب عن حديث البخاري وأما حديث ابن رواحة الذي رواه أبو داود من حديث
عائشة ففي إسناده رجل مجهول لأن أبا داود قال حدثنا يحيى بن معين أخبرنا حجاج عن
ابن جريج قال أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر كان
النبي يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النخل حتى يطيب قبل أن يؤكل منه وأما
حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود وحديث الصلت بن زبيد الذي رواه البيهقي وغيرهما
فداخل تحت قول ابن العربي ولا في الخرص حديث صحيح ويقال إن قصة خيبر مخصوصة لأن
الأرض أرضه والعبيد عبيده فأراد أن يعلم ما بأيديهم من الثمار فيترك لهم منها قدر
نفقاتهم ولأنه أقرهم ما أقرهم الله فلو كان على وجه المساقاة لوجب ضرب الأجل
والتقييد بالزمان لأن الإجارة المجهولة محرمة وقال الطحاوي قال الذين لا يرون
بالخرص أن ليس في شيء من الآثار التي وردت فيه أن الثمرة كانت رطبا في وقت ما خرصت
وكيف يجوز أن يكون رطبا حينئذ فيجعل لصاحبها حق الله فيها بكيله ذلك تمرا يكون
عليه نسيئه وقد نهى رسول الله عن بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا ونهى عن بيع
الرطب بالتمر نسيئة وقد يجوز أن يصيب الثمرة بعد ذلك آفة فتتلفها أو نار فتحرقها
فيكون ما يؤخذ من صاحبها بدلا من حق الله مأخوذا منه بدلا مما لم يسلم له واعترض
عليه بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص قال ابن المنذر
أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان قلت إذا
لم يكن ضمان بعد تلف المخروص فلا فائدة في الخرص حينئذ والأظهر عند الشافعي أن
الخرص تضمين حتى لو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص
فإذا كان نفس الخرص تضمينا ينبغي أن لا يفارق الأمر بين التلف والإتلاف وقال ابن
العربي لم يثبت عنه خرص النخل إلا على اليهود لأنهم كانوا شركاء وكانوا غير أمناء
وأما المسلمون فلم يخرص عليهم
(9/69)
ومن الذي يستفاد من حديث الباب
ظهور معجزة النبي في إخباره عن الريح التي تهب وما ذكر في تلك القصة وفيه تدريب
الأتباع وتعليمهم وأخذ الحذر مما يتوقع الخوف منه وفيه فضل المدينة وفيه فضل أحد
وفيه فضل الأنصار رضي الله تعالى عنهم وفيه قبول هدية الكفار وفيه جواز الإهداء
لملك الكفار وجواز إقطاع أرض لهم وفيه أن المخالفة لما قاله الرسول تورث شدة وبلاء
قال أبو عبد الله كل بستان عليه حائط فهو حديقة وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وفي بعض النسخ قال أبو عبيد الله هو القاسم بن سلام
الإمام المشهور صاحب ( الغريب ) وقد ذكر هذا فيه وقد مر الكلام فيه مستوفى عن قريب
55 -
( باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري )
أي هذا باب في بيان حكم أخذ العشر في الأرض التي تسقى من ماء السماء وهو المطر
قوله والماء الجاري أي ومن الذي يسقى بالماء الجاري وإنما اختار لفظ الماء الجاري
والحال أن المذكور في حديث الباب هو العيون لعمومه وشموله العيون والأنهار وهذا
كما وقع في ( سنن أبي داود ) فيما سقت السماء والأنهار والعيون الحديث
ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا
مطابقته للترجمة من حيث إن العسل فيه جريان ومن طبعه الانحدار فيناسب الماء من هذه
الجهة وقيل المناسبة فيه من جهة أن الحديث يدل على أن لا عشر فيه لأنه خص العشر أو
نصفه بما يسقى فأفهم أن ما لا يسقى لا يعشر وفيه نظر لأن ما لا يعسر مما لا يسقى
كثير فما وجه ذكر العسل وقيل إدخاله العسل فيه للتنبيه على الخلاف فيه وأنه لا يرى
فيه زكاة وإن كانت النحل تغتذي مما يسقى من السماء قلت هذا أبعد من الأول على ما
لا يخفى على المتأمل
وهذا الموضع يحتاج إلى بيان ما ورد فيه من الأخبار وما ذهب إليه الأئمة فنقول بحول
الله وقوته وتوفيقه
قال الترمذي باب ما جاء في زكاة العسل حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا عمرو
بن أبي سلمة التنيسي عن صدقة بن عبد الله عن موسى ابن يسار عن نافع عن ابن عمر قال
قال رسول الله في العسل في كل عشرة أزق زق ثم قال وفي الباب عن أبي هريرة وأبي
سيارة المنعي وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى حديث ابن عمر في إسناده مقال ولا يصح
عن النبي في هذا الباب كثير شيء والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد
وإسحاق وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء انتهى قلت انفرد الترمذي بحديث ابن
عمر هذا وروى البيهقي من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال كتب رسول الله إلى أهل
اليمن أن يؤخذ من العسل العشر وفي إسناده عبد الله بن المحرر بتشديد الراء
المفتوحة وتكرارها وهو متروك قال ابن معين ليس بثقة وقال أحمد ترك الناس حديثه
وقال الجوزجاني هالك وقال ابن حبان من خيار عباد الله إلا أنه كان يكذب ولا يعلم
ويقلب الأخبار ولا يفهم وروى أبو داود الطيالسي حديث أبي سيار المنعي قال قلت يا
رسول الله إن لي نخلا قال إذن تعشر قلت إحم لي جبلة فحماه لي ورواه البيهقي وقال
وهذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه وهو منقطع قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن
هذا فقال حديث مرسل وإنما قال مرسل لأن فيه سليمان بن موسى يروي عن أبي سيارة
وسليمان لم يدركه ولا أحدا من الصحابة وأبو سيارة المتعي اسمه عميرة بن الأعلم
وقيل عمير بن الأعلم ذكره أبو عمر في ( كتاب الأنساب ) وروى أبو داود من حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أحد بني متعان إلى رسول الله بعشور بحل له وكان
سأله أن يحمي واديا يقال له سلبة فحمى له رسول الله ذلك الوادي فلما ولي عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنهما يسأله عن ذلك فكتب عمر رضي الله
(9/70)
تعالى عنه إن أدى إليك ما كان
يؤدي إلى رسول الله من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من
شاء وسلبة بفتح السين المهملة واللام والباء الموحدة كذا قيده البكري
وقال شيخنا زين الدين ووقع في سماعنا من السنن بسكون اللام وقال شيخنا أيضا حكى
الترمذي عن أكثر أهل العلم وجوب الزكاة في العسل وسمى منهم أحمد وإسحاق وفيه نظر
فإن الذين لم يقولوا بالوجوب مالك والشافعي وسفيان الثوري ومحمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وأبو بكر بن المنذر وداود وبه قال من الصحابة عبد
الله بن عمر ومن التابعين المغيرة بن حكيم وعمر بن عبد العزيز وقال وفرق أبو حنيفة
بين أن يكون النحل في أرض العشر وبين أن يكون في أرض الخراج فإن كان في أرض العشر
ففيه الزكاة وإن كان في أرض الخراج فلا زكاة فيه قل أو كثر وحكى ابن المنذر عن أبي
حنيفة أنه إذا كان في أرض العشر ففي قليل العسل وكثيره العشر وحكى عن أبي يوسف
ومحمد أنه ليس فيما دون خمسة أوسق من العسل عشر وحكى ابن حزم عن أبي يوسف أنه إذا
بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد وكذا ما زاد ففيه العشر والرطل هو الفلفلي قال
وقال محمد بن الحسن إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر وإلا فلا قال والفرق ستة
وثلاثون رطلا فلفلية وحكى صاحب ( الهداية ) عن أبي يوسف أنه يعتبر فيه القيمة كما
هو أصله وعنه أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب وعنه خمسة أمناء قلت تحقيق مذهبنا
فيه أن عند أبي حنيفة يجب في قليله وكثيره لأنه لا يشترط النصاب في العشر وعن أبي
يوسف إذا بلغت قيمته خمسة أوساق وعنه أنه قدره بعشرة أرطال قال في ( المبسوط ) وهي
رواية الأمالي وهي خمسة أمناء وعنه أنه اعتبر فيه عشر قرب وعن محمد ثلاث روايات
إحداها خمس قرب والقربة خمسون منا ذكره في ( الينابيع ) وفي ( المغني ) القربة
مائة رطل والثانية خمسة أمناء والثالثة خمسة أواق وقال السرخسي وهي تسعون منا
واحتجت أصحابنا بما رواه ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله
ابن عمرو عن النبي أنه أخذ من العسل العشر وبرواية أبي داود أيضا عن عمرو بن شعيب
وقد ذكرناه وبما رواه القرطبي أيضا عنه عمرو بن شعيب عن أبيه عن حده أن رسول الله
كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها قال هو حديث حسن
وبما رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر وقد ذكرناه وبما رواه أبو هريرة عن رسول الله
كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ عن العسل العشر ذكره في ( الإمام ) فإن قلت ذكروا عن
معاذ رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن العسل في اليمن قال لم أومر فيه بشيء قلت لا
يلزم من عدم أمر معاذ أن لا يجب فيه العشر وإثبات أبي هريرة مقدم على نفي أمر معاذ
وبما رواه عبد الرحمن بن أبي ذئاب عن أبيه أن عمر رضي الله تعالى عنه أمره في
العسل بالعشر رواه الأثرم ورواه الشافعي في ( مسنده ) والبزار والطبراني والبيهقي
قال الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذئاب عن أبيه عن
سعد بن أبي ذئاب قال قدمت على رسول الله فأسلمت ثم قلت يا رسول الله إجعل لقومي ما
أسلموا عليه من أموالهم ففعل رسول الله واستعملني عليهم ثم استعملني أبو بكر وعمر
رضي الله تعالى عنهما قال وكان سعد من أهل السراة قال تكلمت قومي في العسل فقلت
زكاة فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى فقالوا كم قال قلت العشر فأخذت منهم العشر وأتيت
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأخبرته بما كان قال فقبضه عمر فباعه ثم جعل
ثمنه في صدقات المسلمين وبما رواه عطاء الخراساني عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال
لعمر إن عندنا واديا فيه عسل كثير فقال عليهم في كل عشرة أفراق فرق ذكره حميد بن
زنجويه في ( كتاب الأموال ) وقال الأثرم قلت لأحمد أخذ عمر العشر من العسل كان على
أنهم تطوعوا به قال لا بل أخذه منهم حقا فإن قلت فقد روي عن عبد الله بن عمر
العمري عن نافع عن ابن عمر قال ليس في الخيل ولا في الرقيق ولا في العسل صدقة قلت
العمري ضعيف لا يحتج به فإن قلت قال البخاري ليس في زكاة العسل حديث يصح قلت هذا
لا يقدح ما لم يبين علة الحديث والقادح فيه وقد رواه جماعة منهم أبو داود ولم يتكلم
عليه فأقل حاله أن يكون حسنا وهو حجة ولا يلزمنا قول البخاري لأن الصحيح ليس
موقوفا عليه وكم من حديث صحيح
(9/71)
لم يصححه البخاري ولأنه لا
يلزم من كونه غير صحيح أن لا يحتج به فإن الحسن وإن لم يبلغ درجة الصحيح فهو يحتج
به ولأن النحل تتناول من الأنوار والثمار وفيها العشر
3841 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( عبد الله بن وهب ) قال أخبرني (
يونس بن يزيد ) عن ( الزهري ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه
عن النبي قال فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف
العشر
مطابقته للترجمة في قوله فيما سقت السماء ورجاله قد تكرر ذكرهم وابن شهاب هو محمد
بن مسلم الزهري يروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي
الله تعالى عنهم
والخديث أخرجه أبو داود في الزكاة أيضا عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب وأخرجه
الترمذي فيه عن أحمد بن الحسن الترمذي عن سعيد بن أبي مريم به وأخرجه النسائي وابن
ماجه جميعا فيه عن هارون بن سعيد به
ذكر معناه قوله فيما سقت السماء أي المطر لأنه ينزل منه قال تعالى وأنزلنا من
السماء ماء طهورا ( الفرقان 84 ) وهو من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال قوله أو كان
عثريا بفتح العين المهملة والثاء المثلثة المخففة وكسر الراء وتشديد الياء آخر
الحروف وهو ما يشرب بعروقه من غير سقي قاله الخطابي وقال الداودي وهو ما يسيل إليه
ماء المطر وتحمله إليه الأنهار سمي بذلك لأنه يكسر حوله الأرض ويعثر جريه إلى أصول
النخل بتراب هناك يرتفع وقال صاحب ( المطالع ) قيل له ذلك لأنه يصنع له شبه
الساقية يجتمع فيه الماء من المطر إلى أصوله ويسمى ذلك العاثور وفي ( المغيث )
لأبي موسى هو الذي يشرب بعروقه من ماء يجتمع في حفير وسمي به لأن الماشي يتعثر فيه
وقال ابن فارس العثري ما سقي من النخل سيحا وكذا قاله الجوهري وصاحب ( الجامع ) و
( المنتهى ) ولفظ الحديث يرد عليهم لأنه عطف العثري على قوله فيما سقت السماء
والعيون والمعطوف غير المعطوف عليه والصواب ما قاله الخطابي وقال الهجري يجوز فيه
تشديد الثاء المثلثة وحكاه ابن سيده في ( المحكم ) عن ابن الأعرابي ورده ثعلب وفي
( المثنى والمثلث ) لابن عديس فيه ضم العين وفتحها وإسكان الثاء قلت هو منسوب إلى
العثر بسكون الثاء لكن الحركة من تغييرات النسب قوله العشر مبتدأ وخبره هو قوله
فيما سقت السماء تقديره العشر واجب أو يجب فيما سقت السماء قوله أو كان الضمير فيه
يرجع إلى لفظ مسقي مقدر تقديره أو كان المسقي عثريا ودل على ذلك قوله فيما سقت
قوله وفيما سقي بالنضح تقديره وفيما سقي بالنضح نصف العشر أي يجب أو واجب و النضح
بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وفي آخره حاء مهملة وهو ما سقي بالسواني وقال
بعضهم النضح ما سقي بالدوالي والرشاء والنواضح الإبل التي يستقى عليها وأحدها ناضح
والأنثى ناضحة وقال بعضهم بالنضح أي بالسانية وهي رواية مسلم قلت رواية مسلم عن
جابر رضي الله تعالى عنه ولفظه أنه سمع النبي قال فيما سقت الأنهار والغيم العشر
وفيما سقي بالسانية نصف العشر وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود ولفظه قال قال
رسول الله فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر وفيما سقي بالسواني
والنضح نصف العشر قوله أو كان بعلا بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفي
آخره لام وهو ما يشرب من النخل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها
والسواني جمع سانية وهي الناقة التي يستقى عليها وقيل السانية الدلو العظيمة
والأنهار التي تستقى بها والنضح قد مر تفسيره فإن قلت قد علمت أن النضح هو السانية
فكيف وجه رواية أبي داود بالسواني أو النضح قلت الظاهر أن هذا شك من الراوي بين
السواني والنضح أراد أن لفظ الحديث أما فيما سقي بالسواني وأما فيما سقي بالنضح
وأما العشر فقد قال ابن بزيزة في ( شرح الأحكام ) وهو بضم العين والشين وسكونها
ومنهم من يقول العشور بفتح العين وضمها أيضا وقال القرطبي وأكثر الرواة بفتح العين
وهو اسم للقدر المخرج وقال الطبري العشر بضم العين وسكون الشين ويجمع على عشور قال
والحكمة في فرض العشر أنه يكتب بعشرة أمثاله فكأن المخرج للعشر تصدق بكل ماله
فافهم
(9/72)
ذكر ما يستفاد منه بظاهر
الحديث المذكور أخذ أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لأنه لم يقدر فيه مقدارا فدل على
وجوب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض قل أو كثر فإن قلت هذا الحديث مجمل يفسره قوله
ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة قلت لا نسلم أنه مجمل فإن المجمل ما لا يعرف المراد
بصيغته لا بالتأمل ولا بغيره وهذا الحديث عام فإن كلمة ما من ألفاظ العموم فإن قلت
سلمنا أنه عام ولكن الحديث المذكور خصصه قلت إجراء العام على عمومه أولى من
التخصيص لأن فيه إخراج بعض ما تناوله العام أن يكون مرادا ولو صلح هذا الحديث أن
يكون مخصصا أو مفسرا لحديث الباب لصلح حديث ما عز أن يكون مخصصا أو مفسرا لحديث
أنيس في الإقرار بالزنا فحينئذ يحمل قوله على أن المراد بالصدقة هي الزكاة وهي
زكاة التجارة بقرينة عطفها على زكاة الإبل والورق إذ الواجب في العروض والنقود
واحد وهو الزكاة وكانوا يتبايعون بالأوساق وقيمة الخمسة أوساق كانت مائتي درهم في
ذلك الوقت غالبا فأدير الحكم على ذلك
واعلم أن العلماء اختلفوا في هذا الباب على تسعة أقوال
الأول قول أبي حنيفة وقد ذكرناه واحتج بظاهر الحديث كما ذكرنا وبعموم قوله تعالى
ومما أخرجنا لكم من الأرض ( البقرة 762 ) وقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده (
الأنعام 141 ) واستثنى أبو حنيفة من ذلك الحطب والقصب والحشيش والتبن والسعف وهذا
لا خلاف فيه لأحد وذكر في ( المبسوط ) الطرفاء عوض الحطب والسعف ورق جريد النخل
الذي تصنع منه المراوح ونحوها والمراد بالقصب الفارسي وهو يدخل بالأبنية وتتخذ منه
الأقلام قيل هذا إذا كان القصب نابتا في الأرض وأما إذا اتخذ الأرض مقبة فإنه يجب
فيه العشر ذكره الاسبيجابي والمرغيناني وغيرهما ويجب في قصب السكر والذريرة وقوائم
الخلاف بتخفيف اللام وقال ابن المنذر لا نعلم أحدا قاله غير نعمان وقال السروجي
لقد كذب في ذلك فإنه لا يخفى عنه من قاله غيره وإنما عصبيته تحمله على ارتكاب مثله
قلت قول أبي حنيفة مذهب إبراهيم النخعي ومجاهد وحماد وزفر وعمر بن عبد العزيز ذكره
أبو عمر وهو مروي عن ابن عباس وهو قول داود وأصحابه فيما لا يوسق وحكاه يحيى بن
آدم بسند جيد عن عطاء ما أخرجته الأرض فيه العشر أو نصف العشر وقاله أيضا حفص بن
غياث عن أشعث عن الحكم وعن أبي بردة في الرطبة صدقة وقال بعضهم في دستجة من بقل
وعن الزهري ما كان سوى القمح والشعير والنخل والعنب والسلت والزيتون فإنى أرى أن
تخرج صدقته من أثمانه رواه ابن المبارك عن يونس عن الزهري وقال ابن بطال وقول أبي
حنيفة خلاف السنة والعلماء قال وقد تناقض فيها لأنه استعمل المجمل والمفسر في قوله
في الرقة ربع العشر مع قوله ليس فيما دون خمس أواق صدقة ولم يستعمله في حديث الباب
مع ما بعده وكان يلزمه القول به انتهى قلت قوله خلاف السنة باطل لأنه احتج فيما
ذهب إليه بحديث الباب كما ذكرنا والذي ذهب إليه ابن بطال خلاف القرآن لأن عموم
قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده ( الأنعام 141 ) يتناول القليل والكثير كما ذكرناه
وقوله وخلاف العلماء أيضا باطل لأن قول أبي حنيفة هو قول من ذكرناهم الآن فكيف
يقول بترك الأدب خلاف العلماء وقوله وقد تناقض غير صحيح لأن من نقل ذلك من أصحابه
لم يقل أحد منهم إنه استعمل المجمل والمفسر وأصحابه أدرى بما قاله وبما ذهب إليه
ولما نقل صاحب ( التوضيح ) ما قاله ابن بطال أظهر النشاط بذلك وقال وفي حديث جابر
لا زكاة في شيء من الحرث حتى يبلغ خمسة أوسق فإذا بلغها ففيه الزكاة ذكرها ابن
التين وقال هي زيادة من ثقة فقبلت وفي مسلم من حديث جابر وليس فيما دون خمسة أوساق
من التمر صدقة وفي رواية من حديث أبي سعيد ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب
صدقة وفي رواية ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق انتهى قلت قد ذكرنا أن
المراد من الصدقة في هذه الأحاديث زكاة التجارة وكذلك المراد من قوله لا زكاة في
شيء أي لا زكاة في التجارة ونحن نقول به حينئذ وقال ابن التين روى ابان بن أبي
عياش عن أنس مرفوعا فيما سقت السماء العشر في قليله وكثيره قال ورواه أبو مطيع
البلخي وهو مجهول عند أهل النقل والمروي عن أبي حنيفة عن أبان عن رجل عن النبي
ضعيف عن رجل مجهول وقال النووي لا خلاف بين المسلمين أنه لا زكاة فيما دون خمسة
أوسق إلا ما قال أبو حنيفة وبعض السلف إنه تجب الزكاة في قليل الحب وكثيره وهذا
مذهب باطل منابذ لصريح
(9/73)
الأحاديث الصحيحة قلت ليت شعري
كيف تلفظ بهذا الكلام مع شهرته بالزهد والورع وعجبي كل العجب يقول هذا مع اطلاعه
على مستنداته من الكتاب والسنة ولا ينفرد حطه على أبي حنيفة وحده بل على كل من كان
مذهبه مثل مذهبه
القول الثاني يجب فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق وهو قول أبي يوسف ومحمد
ولا يجب في الخضراوات ولا في البطيخ والخيار والقثاء ونص محمد على أنه لا عشر في
السفرجل ولا في التين والتفاح والكمثري والخوخ والمشمش والإجاص وفي الينابيع ويجب
في كل ثمرة تبقى سنة كالجوز واللوز والبندق والفستق وفي ( المبسوط ) وأوجبا في
الجوز واللوز وفي الفستق على قول أبي يوسف وعلى قول محمد لا يجب وفي المرغيناني عن
محمد أنه لا عشر في التين والبندق والتوت والموز والخرنوب وعنه يجب في التين قال
الكرخي هو الصحيح عنه ولا في الإهليلجة وسائر الأدوية والسدر والأشنان ويجب فيما
يجيء منه ما يبقى سنة كالعنب والرطب وعن محمد إن كان العنب لا يجيء منه الزبيب
لرقته لا يجب فيه العشر ولا يجب في السعتر والصنوبر والحلبة وعن أبي يوسف أنه أوجب
في الحناء وقال محمد لا يجب فيه كالرياحين وعن محمد روايتان في الثوم والبصل ولا
عشر في التفاح والخوخ الذي يشق وييبس ولا شيء في بذر البطيخ والقثاء والخيار
والرطبة وكل بذر لا يصلح إلا للزراعة ذكره القدوري ويجب في بذر القنب دون عيدانه
ويجب في الكمون والكراويا والخردل لأن ذلك من جملة الحبوب وفي ( المحيط ) ولا عشر
فيما هو تابع للأرض كالنخل والأشجار وأصله أن كل شيء يدخل في بيع الأرض تبعا فهو
كالجزء منها فلا شيء فيه وما لا يدخل إلا بالشرط يجب فيه كالثمر والحبوب
القول الثالث يجب فيما يدخر ويقتات كالحنطة والشعير والدخن والذرة والأرز والعدس
والحمص والباقلاء والجلبان والماش واللوبيا ونحوها وهو قول الشافعي وفي ( شرح
الترمذي ) أطلق القول في وجوب الزكاة في كل شيء يجري فيه الوساق والصاع ولا شك أنه
أراد مما يزرع ويستنبت وإلا فلا يجري فيه الوسق والصاع ولا زكاة فيه وإنما اختلف
العلماء في أشياء مما يستنبت فمذهب الشافعي كما اتفق عليه الأصحاب أن يكون قوتا في
حال الاختيار وأن يكون من جنس ما ينبته الآدميون وشرط العراقيون أن يدخر وييبس قال
الرافعي لا حاجة إليهما لأنهما ملازمان لكل مقتات مستنبت وهو الحنطة والشعير
والسلت والذرة والدخن والأرز والجاورش بالجيم وفتح الواو وفسره بأنه حب صغار من
جنس الذرة وكذلك القطنية بكسر القاف وجمعها القطاني وهي العدس والحمص والماش
والباقلاء وهو الفول واللوبيا والهرطمان وهو الجلبان ويقال له الخلر بضم الخاء
المعجمة وتشديد اللام وفتحها وآخره راء لأنها تصلح للاقتيات وتدخر للأكل واحترز
الأصحاب بقولهم في حال الاختيار عن حب الحنظل وعن القت وبه مثله الشافعي وفسره
المزني وغيره بحب الغاسول وهو الأشنان وسائر بذور البراري قالوا ولا تجب الزكاة في
الثفاء وهو حب الرشاد ولا في الترمس والسمسم والكمون والكراويا والكزبرة وبذر
القطونا وبذر الكتاب وبذر الفجل وما أشبه ذلك من البذورات ولا شيء في هذه عندنا
بلا خلاف وإن جرى فيه الكيل بالصاع ونحوه إلا ما حكاه العراقيون أن في الترمس قولا
قديما في وجوب الزكاة فيه وإلا ما حكاه الرافعي عن ابن كج من حكاية قول قديم في
بذر الفجل ولا زكاة عند الشافعي في التين والتفاح والسفرجل والرمان والخوخ والجوز
واللوز والموز وسائر الثمار سوى الرطب والعنب ولا في الزيتون في الجديد
وفي الورس في الجديد وواجبها في القديم من غير شرط النصاب في قليله وكثيره ولا تجب
في الترمس في الجديد
القول الرابع قول مالك مثل قول الشافعي وزاد عليه وجوب العشر في الترمس والسمسم
والزيتون وأوجب المالكية في غير رواية ابن القاسم في بذر الكتاب وبذر السلجم لعموم
نفعهما بمصر والعراق مع أنه لا يؤكل بذرهما
القول الخامس قول أحمد يجب فيما له البقاء واليبس والكيل من الحبوب والثمار سواء كان
قوتا كالحنطة والشعير والسلت وهو نوع من الشعير وفي المغرب شعير لا قشر له يكون
بالغور والحجاز والأرز والدهن والعلس وهو نوع من الحنطة يزعم أهله أنه إذا أخرج من
قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ويكون منه حبتان وثلاث في كمام واحد وهو طعام
أهل صنعاء وفي المغرب هو بفتحتين حية سوداء إذا أجدب الناس خلطوها وأكلوها وقال
ابن القاسم المالكي ليس هو من نوع الحنطة وتجب في الأرز والذرة وفي القطنيات
كالعدس والباقلاء والحمص والماش وفي الإبازير كالكزبرة والكمون وفي البذور كبذر
(9/74)
الكتان والقثاء والخيار ونحوها
وفي البقول كالرشال والفجل وفي القرطم والترمس والسمسم وتجب عنده في التمر والزبيب
واللوز والبندق والفستق دون الجوز والتين والمشمش والتفاح والكمثري والخوخ والإجاص
دون القثاء والخيار والباذنجان والقت والجزر ولا تجب في ورق السدر والخطمي
والأشنان والآس ولا في الأزهار كالزعفران والعصفر ولا في القطن
القول السادس تجب في الحبوب والبقول والثمار وهو قول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي
حنيفة
القول السابع ليس في شيء من الزرع زكاة إلا في التمر والزبيب والحنطة والشعير حكاه
العبدري عن الثوري وابن أبي ليلى وحكاه ابن العزى عن الأوزاعي وزاد الزيتون
القول الثامن يؤخذ من الخضراوات إذا بلغت مائتي درهم وهو قول الحسن والزهري
القول التاسع أن ما يوسق يجب في خمسة أوسق منه وما لا يوسق يجب في قليله وكثيره
وهو قول داود الظاهري وأصحابه
قال أبو عبد الله هاذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول يعني حديث ابن عمر وفيما
سقت السماء العشر وبين في هاذا ووقت والزيادة مقبولة والمفسر يقضي على المبهم إذا
رواه أهل الثبت كما روي الفضل ابن عباس أن النبي لم يصل في الكعبة وقال بلال قد
صلى فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل
هذا كله وقع في رواية أبي ذر ههنا عقيب حديث ابن عمر المذكور وفي نسخة الفربري وقع
في الباب الذي بعد هذا الباب بعد حديث أبي سعيد وكذا وقع عند الإسماعيلي وجزم أبو
علي الصدفي بأن ذكره عقيب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب قلت وكذا قال
التيمي ونسبه إلى غلط من الكاتب ولا احتياج إلى هذه المشاححة ولكل ذلك وجه لا يخفى
ولكن رجح بعضهم كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر لحديث ابن عمر رضي الله
تعالى عنهما ولا حاجة إلى هذا الترجيح أيضا لأنا نمنع الإجمال والتفسير ههنا وقد
ذكرناه عن قريب
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله هذا تفسير الأول أشار بهذا إلى حديث
أبي سعيد الذي يأتي وأراد بالأول حديث ابن عمر فهذا يدل على أن هذا الكلام من
البخاري إنما كان بعد حديث أبي سعيد وهو ظاهر قوله لأنه لم يوقت في الأول أي لم
يعين شيئا في حديث ابن عمر وهو قوله فيما سقت السماء العشرقوله وبين في هذا أي في
حديث أبي سعيد ووقت أي عين وهو قوله ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وقد عين فيه بأن
النصاب خمسة أوسق قوله والزيادة يعني تعيين النصاب مقبولة يعني من الثقة قوله
والمفسر بفتح السين يعني المبين وهو الخاص يقضي أي يحكم على المبهم أي العام وسمى
البخاري الخاص بحسب تصرفه مفسرا لوضوح المراد منه وسمى العام مبهما لاحتمال إرادة
الكل والبعض منه وغرضه أن حديث ابن عمر عام للنصاب ودونه وحديث أبي سعيد وهو ليس
فيما دون خمسة أوسق صدقة خاص بقدر النصاب والخاص والعام إذا تعارضا يخصص الخاص
العام وهو معنى القضاء عليه وهذا حاصل ما قاله البخاري قلت قد ذكرنا عن قريب أن
إجراء العام على عمومه أولى من التخصيص فارجع إليه
والتحقيق في هذا المقام أنه أذا ورد حديثان أحدهما عام والآخر خاص فإن علم تقديم
العام على الخاص خص العام بالخاص كمن يقول لعبده لا تعط لأحد شيئا ثم قال له أعط
زيدا درهما وإن علم تقديم الخاص على العام ينسخ العام للخاص كمن يقول لعبده أعط
زيدا درهما ثم قال له لا تعط أحدا شيئا فإن هذا ناسخ للأول هذا مذهب عيسى بن أبان
وهو المأخوذ به وإذا لم يعلم فإن العام يجعل آخرا لما فيه من الاحتياط وهنا لم
يعلم التاريخ فيجعل العام آخرا احتياطا والنبي نفى الصدقة ولم ينف العشر وقد كان
في المال صدقات نسختها آية الزكاة والعشر ليس بصدقة مطلقة إذ فيه معنى المؤونة حتى
وجب في أرض الوقف ولا تجب الزكاة في الوقف وقال الكرماني مذهب الحنفي أن الخاص
المتقدم منسوخ بالعام المتأخر ولعله ضبط التاريخ وعلم تقديم حديث أبي سعيد فلهذا
لا يشترط النصاب فيه قلت فيلزم عليه أن يقول بمثله في الورق إذ مر في باب زكاة
الغنم في الرقة ربع العشر انتهى قلت لا يلزمه ذلك لأنه لم يدع ضبط
(9/75)
التاريخ ولا تقدم حديث أبي
سعيد وإنما الأصل عنده التوقف إذا جهل التاريخ والرجوع إلى غيرهما أو يرجح أحدهما
بدليل ومن جملة ترجيح العام هنا هو أنه إذا خص لزم إخراج بعض ما تناوله أن يكون
مرادا ومنها الاحتياط في جعله آخرا كما ذكرنا وقال ابن بطال ناقض أبو حنيفة حيث
استعمل المجمل والمفسر في مسألة الرقة ولم يستعمل في هذه المسألة كما أنه أوجب
الزكاة في العسل وليس فيه خبر ولا إجماع قلت كيف يستعمل المجمل والمفسر في هذه
المسألة وهو غير قائل به هنا لعدم الإجمال فيه ومن أين الإجمال ودلالته ظاهرة لأن
دلالته على إفراده كدلالة الخاص على فرد واحد فلا يحتاج إلى التفسير ولفظ الصدقة
في الزكاة أظهر من العشر فصرفه إليها أولى ولا كذلك صدقة الرقة ولم يفهم ابن بطال
الفرق بينهما وكيف يقول ابن بطال كما أنه أوجب الزكاة وليس فيه خبر وقد ذكرنا عن
الترمذي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي في العسل في كل عشرة أزق زق
وذكرنا فيما مضى عن قريب جملة أحاديث تدل على الوجوب وقوله ولا إجماع كلام واه لأن
المجتهد لا يرى بالوجوب في شيء إلا إذا كان فيه إجماع وهذا لم يقل به أحد قوله أهل
الثبت بتحريك الباء الموحدة أي أهل الثبات قوله كما روى الفضل بن عباس أي عبد
المطلب ابن عم النبي وهذا الذي ذكره صورة اجتماع النفي والإثبات لأن الفضل ينفي
صلاة النبي في جوف الكعبة لما حج عام الفتح وبلال يثبت ذلك فأخذ بقول بلال لكونه
يثبت أمرا وترك قول الفضل لأنه ينفيه والأصل في ذلك أن النفي متى عرف بدليله يعارض
المثبت وإلا فلا وههنا لم يعرف النفي بدليل فقدم عليه الإثبات وذكر بعض أصحابنا
هذه الصورة بخلاف ما قاله البخاري وهي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما روى أن
النبي صلى في جوف الكعبة ورجحنا روايته على رواية بلال أنه لم يصل في جوف الكعبة
عام الفتح في تلك الأيام
65 -
( باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )
أي هذا باب يذكر فيه ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة أي زكاة
4841 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( مالك ) قال حدثني ( محمد بن
عبد الله ابن عبد الرحمان بن أبي صعصعة ) عن أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله
تعالى عنه عن النبي قال ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة ولا في أقل من خمسة من
الإبل الذود صدقة ولا في أقل من خمس أواق من الورق صدقة
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة الجزء الأول من الحديث وقد مضى الحديث في باب
زكاة الورق رواه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال
سمعت أبا سعيد الخدري إلى آخره ولكن في المتن اختلاف في التقديم والتأخير وأخرجه
أيضا في باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة رواه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن محمد
بن عبد الرحمن إلى آخره وههنا رواه عن مسدد عن يحيى القطان عن مالك
قوله فيما أقل كلمة ما زائدة و أقل في محل الجر وقال ابن بطال الأوسق الخمسة هي
المقدار المأخوذ منه وأوجب أبو حنيفة في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره فإنه خالف
الإجماع قلت ليت شعري كيف يتلفظ بهذا الكلام ومن أين الإجماع حتى خالفه أبو حنيفة
وقد ذكرنا عن جماعة ذهبوا إلى ما قاله أبو حنيفة قال وكذلك أوجبها في البقول
والرياحين وما لا يوسق كالرمان والجمهور على خلافه قلت أوجب أبو حنيفة في البقول
يعني الخضروات بعموم حديث ابن عمر المذكور عن قريب وبعموم حديث جابر عن رسول الله
قال فيما سقت السماء والغيم العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر رواه مسلم
والنسائي وأبو داود وأحمد فدل عمومها على وجوب العشر في جميع ما أخرجته الأرض من
غير قيد وإخراج لبعض الخارج عن الوجوب وإخلائه عن حقوق الفقراء وقال ابن العربي في
( عارضة الأحوذي ) وأقوى المذاهب في المسألة
(9/76)
مذهب أبي حنيفة دليلا وأحفظها
للمساكين وأولاها قياما بشكر النعمة وعليه يدل عموم الآية والحديث وقد رام الجويني
أن يخرج عموم الحديث من يدي أبي حنيفة بأن قال إن هذا الحديث لم يأت للعموم وإنما
جاء لتفصيل الفرق بين ما يقل ويكثر مؤونته وأبدى في ذلك وأعاد وليس بممتنع أن
يقتضي الحديث الوجهين العموم والتفصيل وذلك أكمل في الدليل وأصح في التأويل انتهى
وقال القرافي في ( الذخيرة المالكية ) والظاهر أنه نقله من كلام الجويني إن الكلام
إذا سيق لمعنى لا يحتج به في غيره وهذه قاعدة أصولية فقوله إنما الماء من الماء لا
يستدل به على جواز الماء المستعمل لأنه لم يرد إلا لبيان حصر الوجوب للغسل فكذا
قوله فيما سقت السماء العشر ورد لبيان جزء الواجب لا لبيان محل الوجوب فلا يستدل
به عليه انتهى قلت النص اشتمل على جملتين شرطية وجزائية فالجملة الشرطية لعموم محل
الواجب فإلغاء عمومها باطل والجملة الجزائية لبيان مقدار الواجب مثاله قوله من قتل
قتيلا فله سلبه فالجملة الشرطية وهي الأولى وردت لبيان سبب استحقاق القاتل وعموم
من فعل ذلك والجملة الثانية الجزائية وردت لبيان ما يستحقه وهو سلب المقتول
واختصاصه به فلا يجوز إبطال مدلول الشرط كما لا يجوز إبطال مدلول الجزاء وليس هذا
نظير ما استشهد به القرافي وقد يساق الكلام لأمر وله تعلق بغيره وإيماء به وإشارة
إليه ألا ترى إلى قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ( البقرة 332 ) سيقت
الآية لبيان وجوب نفقة المطلقات وكسوتهن إذا أرضعن أولادهن وفيه إشارة إلى أن للأب
تأويلا في نفس الولد وماله حتى لا يستوجب العقوبة بوطىء جاريته ولا بسببه ذكره
السرخسي في ( أصوله ) وقاعدة القرافي هذه إن كانت صحيحة أبطلت عليه قاعدة مذهبه
ومدركه لأن قوله لا صدقة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق سيق لبيان تقدير النصاب
ونفى الوجوب عما دون الخمسة الأوسق فلا يدل حينئذ على عموم الحب والثمر وقد قال هو
عام في الحبوب والثمار فإن قلت روى الترمذي عن معاذ أنه كتب إلى رسول الله يسأله عن
الخضروات وهي البقول فقال ليس فيها شيء قلت قال الترمذي إسناد هذا الحديث ليس
بصحيح وليس يصح في هذا الباب عن النبي شيء وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن
النبي مرسلا وروى الدارقطني أيضا عن عائشة قالت جرت السنة من النبي ليس فيما أنبتت
الأرض من الخضر زكاة وفي سنده صالح بن موسى ضعفه الدارقطني وروى الدارقطني أيضا عن
جابر قال لم يكن المقاثي فيما جاء به معاذ وليس في المقاثي شيء وقد تكون عندنا
المقثاة تخرج عشرة الآن فلا يكون فيها شيء قلت في سنده عدي بن الفضل وهو متروك
قال أبو عبد الله هاذا تفسير الأول إذا قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة لكونه لم
يبين ويؤخذ أبدا في العلم بما زاد أهل الثبت أو بينوا
أبو عبد الله هو البخاري وأراد بالأول حديث أبي سعيد وقد مر هذا عن قريب قوله
ويؤخذ أبدا إلى آخره يرد عليه ما بينه أبو حنيفة من استدلاله بعموم حديث ابن عمر
وهو من أهل العلم الكبار المجتهدين وقد بين هذا فينبغي أن يؤخذ به والمكابرة
مطروحة
75 -
( باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة )
أي هذا باب في بيان أخذ الصدقة من التمر عند صرام النخل بكسر الصاد المهملة وهو
الجذاذ والقطاف وزنا ومعنى وصرام النخل أوان إدراكه وأصرم حان صرامه والصرامة ما
صرم من النخل ونخل صريم مصروم ذكره ابن سيده وفي ( المغيث ) قد يكون الصرام النخل
لأنه يصرم أي يجتنى ثمره والصرام التمر بعينه أيضا لأنه يصرم فسمى بالمصدر وقال
الإسماعيلي قوله عند صرام النخل يريد بعد أن يصير تمرا لأنه يصرم النخل وهو رطب
فيثمر في المربد ولكن ذاك لا يتطاول فحسن أن ينسب إليه قوله وهل يترك الصبي ترجمة
أخرى وللترجمة الأولى تعلق بقوله
(9/77)
تعالى وآتوا حقه يوم حصاده (
الأنعام 141 ) واختلفوا في قوله حقه ( الأنعام 141 ) فعن ابن عباس هي الواجبة وعن
ابن عمر هو شيء سوي الزكاة وبه قال عطاء وغيره وللترجمة الثانية تعلق بالترك ولكنه
ذكره بلفظ الاستفهام لاحتمال أن يكون النهي خاصا بمن لا يحل له تناول الصدقة فإن
قلت الصبي لا يتوجه إليه الخطاب قلت وليه يخاطب بتأديبه وتعليمه قوله فيمس بالنصب
لأنه جواب الاستفهام
5841 - حدثنا ( عمر بن محمد بن الحسن الأسدي ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( إبراهيم
بن طهمان ) عن ( محمد بن زياد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان رسول
الله يؤتى بالتمر عند صرام النخل فيجيء هاذا بتمره وهاذا من تمره حتى يصير عنده
كوما من تمر فجعل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما يلعبان بذالك التمر فأخذ
أحدهما تمرة فجعله في فيه فنظر إليه رسول الله فأخرجها من فيه فقال أما علمت أن آل
محمد لا يأكلون الصدقة
مطابقته للترجمتين ظاهرة لأن مطابقته للأولى في قوله عند صرام النخل وللثانية في
قوله فجعل الحسن إلى آخره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمر بن محمد بن الحسن المعروف بابن التل بفتح الثاء
المثناة من فوق وتشديد اللام الأسدي بسكون السين المهملة وحكى الغساني الأزدي
بالزاي بدل السين مات سنة خمسين ومائتين الثاني أبوه محمد بن الحسن أبو جعفر مات
سنة مائتين الثالث إبراهيم بن طهمان بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء مر في باب
القسمة وتعليق القنو في المسجد الرابع محمد بن زياد بكسر الزاي وخفة الياء آخر
الحروف مر في باب غسل الأعقاب الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين
وفيه القول في موضع واحد وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه من أفراده وأنه أول
ما ذكره هنا وأنه وأباه كوفيان وإبراهيم هروي سكن نيسابور ثم سكن مكة وأن محمد بن
زياد مدني وفيه رواية الإبن عن الأب
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره قد أخرج البخاري رحمه الله تعالى هذا الحديث من
طريق شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن قريب يأتي في باب ما يذكر في الصدقة
للنبي وأخرجه أيضا في الجهاد عن محمد بن بشار وأخرجه مسلم من طريق شعبة هذا عن
محمد هو ابن زياد سمع أبا هريرة يقول أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما تمرة
من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله كخ كخ إرم بها أما علمت أنا لا نأكل
الصدقة وفي رواية له أنا لا تحل لنا الصدقة وأخرجه النسائي في ( السير ) عن محمد
بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن شعبة
وفي الباب عن أبي رافع وأنس وأبي هريرة والحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن عمرو
وعبد الرحمن بن علقمة ومعاوية بن حيدة وعبد المطلب بن ربيعة وأبي ليلى وبريدة بن
حصيب وسلمان الفارسي وهرمز أو كيسان مولى النبي ورشيد بن مالك وميمون أو مهران
والحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم فحديث أبي رافع أخرجه أبو داود قال حدثنا محمد
بن كثير قال أخبرنا شعبة عن الحكم عن ابن رافع عن أبي رافع أن النبي بعث رجلا على
الصدقة من بني مخزوم فقال لأبي رافع إصحبني فإنك تصيب منها فقال حتى آتي النبي
فاسأله فأتاه فسأله فقال مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة واسم أبي
رافع إبراهيم أو أسلم أو ثابت أو هرمز مولى النبي واسم ابنه عبيد الله كاتب علي
رضي الله تعالى عنه قوله ورجلا هو الأرقم بن أبي الأرقم القرشي المخزومي وأخرجه
النسائي أيضا عن عمرو بن علي عن يحيى عن شعبة وحديث أنس أخرجه الشيخان وسنذكره إن
شاء الله تعالى وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم ولفظه والله إني لأنقلب إلى أهلي فأجد
التمرة ساقطة على فراشي أو
(9/78)
في بيتي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها وحديث الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في ( الكبير ) من رواية أبي الحوراء قال كنا عند الحسن بن علي فسئل ما عقلت من النبي أو عن رسول الله قال كنت أمشي معه فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت تمرة فألقيتها في فمي فأخذها بلعابها فقال بعض القوم وما عليك لو تركتها فقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وإسناده صحيح وحديث ابن عباس رواه أبو يعلى والطبراني في ( الكبير ) من حديث عكرمة عنه قال استعمل النبي الأرقم ابن أبي الأرقم على السعاية فاستتبع أبا رافع فأتى النبي فسأله فقال يا أبا رافع إن الصدقة حرام علي وعلى آل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم وحديث عبد الله بن عمرو رواه أحمد حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي وجد تمرة تحت جنبه من الليل فأكلها فلم ينم تلك الليلة فقال بعض نسائه يا رسول الله أرقت البارحة قال إني وجدت تمرة فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه وحديث عبد الرحمن بن علقمة أخرجه النسائي عنه قال قدم وفد الثقيف على رسول الله ومعهم هدية فقال أهدية أم صدقة الحديث وفيه قالوا لا بل هدية فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسائلونه حتى صلى الظهر مع العصر وحديث معاوية بن حيدة رواه الترمذي عن بندار محمد بن بشار حدثنا مكي بن إبراهيم ويوسف ابن سعد الضبعي قالا حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال كان رسول الله إذا أتي بشيء سأل أصدقة هي أم هدية فإن قالوا صدقة لم يأكل وإن قالوا هدية أكل وجد بهز بن حكيم اسمه معاوية بن حيدة القريشي وأخرجه النسائي أيضا وحديث عبد المطلب بن ربيعة رواه مسلم وأبو داود والنسائي مطولا وفيه إن الصدقة لا تنبغي إنما هي أوساخ الناس وفي رواية إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد الحديث وحديث أبي ليلى رواه الطبراني في ( الكبير ) من رواية شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ليلى قال دخل النبي بيت الصدقة ومعه الحسن رضي الله تعالى عنه فأخذ تمرة فوضعها في فيه فأدخل النبي إصبعه فأخرجها من فيه ثم قال إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة وحديث بريدة بن حصيب رواه أحمد والترمذي في الشمائل من رواية الحسن بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاء سلمان إلى رسول الله حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي النبي فقال رسول الله ما هذا يا سلمان قال صدقة عليك وعلى أصحابك قال إرفعها فإنا لا نأكل الصدقة وحديث سلمان رضي الله تعالى عنه رواه أحمد والحاكم في ( المستدرك ) من رواية أبي ذر الكندي عن سلمان رضي الله تعالى عنه أن النبي لما قدم المدينة الحديث وفيه فسأله أصدقة أم هدية فقال هدية فأكل اللفظ للحاكم وروى أحمد من رواية أبي الطفيل عن سلمان قال كان النبي يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وحديث هرمز أو كيسان رواه الطحاوي حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا أسد قال حدثنا ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب رضي الله تعالى عنه قال دخلت على أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنهما فقالت إن مولى لنا يقال له هرمز أو كيسان أخبرني أنه مر على رسول الله فدعاني فجئت فقال يا فلان إنا أهل بيت قد نهينا أن نأكل الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل الصدقة وأخرجه أحمد في ( مسنده ) وقال مهران وأخرجه البغوي في ( معجم الصحابة ) وقال هرمز وأخرجه ابن أبي شيبة وقال كيسان وأخرجه عبد الرزاق وقال ميمون أو مهران وحديث رشيد بضم الراء وفتح الشين المعجمة ابن مالك بن عميرة السعدي التميمي الصحابي عداده في الكوفيين ويكنى بأبي عميرة بفتح العين وكسر الميم أخرجه الطحاوي عنه قال كنا عند النبي فأتي بطبق عليه تمر فقال أصدقة أم هدية قال بل صدقة فوضعه بين يدي القوم والحسن يتعفر بين يديه وأخذ الصبي تمرة فجعلها في فيه فأدخل النبي إصبعه فجعل يترفق به فأخرجها فقذفها ثم قال إنا آل محمد لا نأكل الصدقة وأخرجه الكجي في ( مسنده ) نحوه قوله يتعفر أي يتمرغ بالتراب لأنه كان صغيرا يلعب وحديث ميمون أو مهران رواه عبد الرزاق وقد
(9/79)
ذكرناه الآن وحديث الحسين بن
علي رضي الله تعالى عنهما رواه أحمد في ( مسنده ) حدثنا وكيع قال حدثنا ثابت ابن
عمارة عن ربيعة بن شيبان قال قلت للحسين بن علي ما تعقل عن رسول الله قال صعدت
غرفة فأخذت تمرة فلكتها في في قال فقال النبي ألقها فإنا لا تحل لنا الصدقة وقد
تقدم حديث الحسن بن علي على نحو هذا وكلاهما من رواية أبي الحوراء عنه وأبو
الحوراء هو ربيعة بن شيبان قال شيخنا زين الدين الظاهر أنهما واقعتان لكل واحد
واحدة فالحسن مر على جرين تمر والحسين صعد غرفة فيها تمر الصدقة ورواه الطبراني
وفي روايته الحسن مكبر وطرق حديثه أكثر من طرق حديث الحسين والله أعلم
ذكر معناه قوله عند صرام النخل أي عند جذاذه وهو قطع التمرة منه وقد ذكرناه قوله
كوما بفتح الكاف وسكون الواو وهو معروف وأصله القطع العظيمة من الشيء والمراد به
ما اجتمع من التمر كالصرمة وقال الكرماني كوما بضم الكاف وقال الجوهري يقال كومت
كومة بالضم إذا جمعت قطعة من تراب ورفعت رأسها وهو في الكلام بمنزلة قولك صبرة من
الطعام قال وفي بعض الرواية بالفتح وانتصاب كوما على أنه خبر يصير أي حتى يصير
التمر عنده كوما ويروى كوم بالرفع على أنه اسم يصير ويكون يصير تامة فلا تحتاج إلى
خبر قوله من تمر كلمة من بيانية وقال الكرماني قال أولا بثمرة يعني بالباء وهنا
قال من تمر يعني بكلمة من لأن في الأول ذكر المجبىء به وفي الثاني المجىء عنه وهما
متلازمان وإن تغايرا مفهوما قوله فأخذ أحدهما وهو الحسن مكبر كما سيأتي بعد بابين
من رواية شعبة عن محمد بن زياد بلفظ فأخذ الحسن بن علي قوله فجعله إنما ذكر الضمير
الذي يرجع إلى التمرة باعتبار المأخوذ وفي رواية الكشميهني فجعلها أي التمرة على
الأصل قوله في فيه أي في فمه وفي الفم تسع لغات تثليث الفاء مع تخفيف الميم والنقص
وفتح الفاء وضمها مع تشديد الميم وفتحها وضمها وكسرها مع التخفيف والقصر قوله وحكى
ابن الأعرابي في تثنيته فموان وفميان وحكى اللحياني أنه يقال فم وأفمام واللغة
التاسعة النقص واتباع الفاء الميم في الحركات الإعرابية تقول هذا فمه ورأيت فمه
ونظرت إلى فمه قوله أما علمت ويروى بدون همزة الاستفهام لكنها مقدرة قوله إن آل
محمد آل النبي بنو هاشم خاصة عند أبي حنيفة ومالك وعند الشافعي هم بنو هاشم وبنو
المطلب وبه قال بعض المالكية قال القاضي وقال بعض العلماء هم قريش كلها وقال إصبغ
المالكي هم بنو قصي وبنو هاشم هم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن
عبد المطلب وهاشم هو ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة فافهم وفي ( التوضيح )
وقالت المالكية بنو هاشم آل وما فوق غالب ليس بآل وفيما بينهما قولان وقال إصبغ هم
عترته الأقربون الذين ناداهم حين أنزل الله وأنذر عشيرتك الأقربين ( الشعراء 412 )
وهم آل عبد المطلب وهاشم وعبد مناف وقصي وغالب وقد قيل قريش كلها وقال ابن حبيب لا
يدخل في آله من كان فوق بني هاشم من بني عبد مناف أو من قصي أو غيرهم وكذا فسر ابن
الماجشون ومطرف وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وعلى قول إصبغ لا يأخذها الحلفاء
الثلاثة الأول ولا عبد الرحمن ولا سعيد بن أبي وقاص ولا طلحة ولا الزبير ولا سعد
ولا أبو عبيدة وقال الأصح عندنا إلحاق مواليهم بهم وبه قال الكوفيون والثوري وعند
المالكية قولان لابن القاسم وإصبغ قال إصبغ احتججت على ابن القاسم بالحديث مولى
القوم منهم فقال قد جاء حديث آخر ابن أخت القوم منهم فكذلك حديث المولى وإنما
تفسير مولى القوم منهم في البر كما في حديث أنت ومالك لأبيك أي في البر لا في
القضاء واللزوم ونقل ابن بطال عن مالك والشافعي وابن القاسم الحل وما حكاه عن
الشافعي غريب
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الصدقة لا تحل لآل محمد وفي ( الذخيرة ) للقرافي إن
الصدقة محرمة على رسول الله إجماعا وفي ( المغني ) الظاهر أن الصدقة فرضها ونفلها
كانت محرمة على رسول الله وقال ابن شداد في ( أحكامه ) اختلف الناس في تحريم الصدقة
على رسول الله وذكر ابن تيمية في الصدقة على رسول الله وجهين وللشافعي قولين قال
وإنما تركها تنزها وعن أحمد حل صدقة التطوع له وفي ( نهاية المطلب ) يحرم
(9/80)
فرضها ونفلها على رسول الله
والأئمة على تحريمها على قرابته وقال الأبهري المالكي يحل لهم فرضها ونفلها وهو
رواية عن أبي حنيفة وقال الإصطخري إن منعوا الخمس جاز صرف الزكاة إليهم وروى ابن
أبي سماعة عن أبي يوسف أن زكاة بني هاشم تحل لبني هاشم ولا يحل ذلك لهم من غيرهم
وفي ( الينابيع ) يجوز للهاشمي أن يدفع زكاته للهاشمي عند أبي حنيفة ولا يجوز عند
أبي يوسف وفي ( جوامع الفقه ) يكره للهاشمي عند أبي يوسف خلافا لمحمد وروى أبو
عصمة عن أبي حنيفة جواز دفعها إلى الهاشمي في زمانه قال الطحاوي هذه الرواية عن
أبي حنيفة ليست بالمشهورة وفي ( المبسوط ) يجوز دفع صدقة التطوع والأوقاف إلى بني
هاشم مروي عن أبي يوسف ومحمد في ( النوادر ) وفي ( شرح مختصر الكرخي ) و (
الإسبيجابي ) و ( المفيد ) إذا سموا في الوقف وفي الكرخي إذا أطلق الوقف لا يجوز
لأن حكمهم حكم الأغنياء وفي ( شرح القدوري ) الصدقة الواجبة كالزكاة والعشر
والنذور والكفارات لا تجوز لهم وأما الصدقة على وجه الصلة والتطوع فلا بأس وجوز
بعض المالكية صدقة التطوع لهم وعن أحمد روايتان وعند الشافعية فيها وجهان وفي
النذور خلاف عندهم ذكر ذلك إمام الحرمين في ( النهاية ) وفي ( التوضيح ) وفي
الحديث دلالة واضحة على تحريم الصدقة على آله وبه قال أبو حنيفة والشافعي
وللمالكية في إعطائهم من الصدقة أربعة أقوال الجواز والمنع ثالثها يعطون من التطوع
دون الواجب رابعها عكسه لأن المنة قد تقع فيها والمنع أولاها وقال الطبري في مقالة
أبي يوسف لا القياس أصاب ولا الخبر اتبع وذلك أن كل صدقة وزكاة أوساخ الناس وغسالة
ذنوب من أخذت منه هاشميا أو مطلبيا ولم يفرق الله ولا رسوله بين شيء منها بافتراق
حال المأخوذ ذلك منه قال وصاحبه أشد قولا منه لأنه لزم ظاهر التنزيل وهو إنما
الصدقات للفقراء ( التوبة 06 ) الآية وأنكر الأخبار الواردة بتحريمها على بني هاشم
فلا ظاهر التنزيل لزموا ولا بالخبر قالوا قلت هذا كلام صادر من غير روية ناشيء عن
تعصب باطل وأبو يوسف من أعرف الناس بموارد التنزيل وأعلمهم بتأويل الأخبار
ومداركها وهذا الطحاوي الذي هو من أكبر أئمة الحديث وأدرى الناس بمذهب أبي حنيفة
وأقوال صاحبه نقل عن أبي يوسف أن التطوع يحرم على بني هاشم فإذا كان التطوع حراما
فالفرض أشد حرمة ثم إنكار الطبري على صاحب أبي يوسف أن التطوع يحرم على بني هاشم
فإذا كان التطوع حراما فالفرض أشد حرمة ثم إنكار الطبريي على صاحب أبي يوسف الذي
هو الإمام أبو حنيفة أشد شناعة وأقبح إشاعة حيث يقول إنه أنكر الأخبار الواردة
بتحريمها ففي أي موضع ذكر هذا عنه على هذه الصيغة والمنقول عنه أنه قط لا يذهب إلى
القياس إلا عند عدم النص من الشارع فعادة هؤلاء المتعصبين أن ينسبوا رواية سقيمة
أو شاذة إلى إمام من الأئمة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم ثم ينكروا عليه بذلك بما
لا تحل نسبته إلى أحد منهم
وفيه من الفوائد دفع الصدقات إلى السلطان وفيه أن السنة أخذ صدقة التمر عند جذاذة
لقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده ( الأنعام 141 ) فإن أخرجها عند محلها فسرقت فقال
أبو حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهما يجزي عنه وهو قول الحسن وقال الزهري والثوري
وأحمد هو ضامن لها حتى يضعها مواضعها وقال الشافعي إن كان بقي له من ماله ما فيه
زكاة زكاه وأما إذا أخر إخراجها حتى هلكت فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي إذا أمكن
الأداء بعد حلول الحول وفرط حتى هلك المال فعليه الضمان وفيه أن المسجد قد ينتفع
به في أمر جماعة المسلمين في غير الصلاة ألا يرى أنه جمع فيه الصدقات وجعله مخرجا
لها وكذلك أمر أن يوضع فيه مال البحرين حتى قسمه فيه وكذلك كان يقعد فيه للوفود
والحكم بين الناس ومثل ذلك مما هو أبين منه لعب الحبشة بالحراب وتعلم المثاقفة وكل
ذلك إذا كان شاملا لجماعة المسلمين وأما إذا كان العمل لخاصة نفسه فيكره مثل
الخياطة ونحوها وقد كره قوم التأديب فيه لأنه خاص ورخص فيه آخرون لما يرجى من نفع
تعلم القرآن فيه وفيه جواز دخول الأطفال فيه واللعب فيه بغير ما يسقط حرمته إذا
كان الأطفال إذا نهوا انتهوا وفيه أنه ينبغي أن يتجنب الأطفال ما يتجنب الكبار من
المحرمات وفيه أن الأطفال إذا نهوا عن الشيء يجب أن يعرفوا لأي شيء نهوا عنه
ليكونوا على علم إذا جاءهم أوان التكليف وفيه أن لأولياء الصغار المعاتبة عليهم
والحول بينهم وبين ما حرم الله على عباده ألا يرى أنه استخرج التمر من الصدقة من
فم الحسن وهو طفل لا تلزمه الفرائض ولم تجر عليه الأقلام فبان بذلك أن الواجب على
ولي الطفل والمعتوه إذا رآه يتناول خمرا يشربها أو لحم خنزير يأكله أو مالا لغيره
يتلفه أن يمنعه من فعله ويحول بينه وبين ذلك وقال صاحب
(9/81)
( التوضيح ) وفيه الدليل
الواضح على صحة قول القائل إن على ولي الصغيرة المتوفى عنها زوجها أن يجنبها الطيب
والزينة والمبيت عن المسكن الذي تسكنه والنكاح وجميع ما يجب على البالغات المعتدات
اجتنابه وعلى خطأ قول القائل ليس ذلك على الصغيرة اعتلالا منهم بأنها غير متعبدة
بشيء من الفرائض لأن الحسن كان لا يلزمه الفرائض فلم يكن لإخراج التمرة من فيه
معنى إلا من أجل ما كان على النبي من منعه ما على المكلفين منه من أجل أنه وليه
قلت يلزمهم على هذا أن يجتنبوا عن إلباسهم الصغار الحرير ومع هذا جوزوا ذلك
وقياسهم المسألة المذكورة على قضية الحسن غير صحيح لأنه ما منع الحسن عن ذلك إلا
لأجل أنه من جزئه وليس ذلك لأجل ما كان عليه من منعه ما على المكلفين من ذلك
والتعليل بأنها غير متعبدة بشيء من الفرائض صحيح لا نزاع فيه لأحد واعترافهم بصحة
السند يلزمهم باعتراف الحكم به على ما لا يخفى على المتأمل
85 -
( باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة
من غيره أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة وقول النبي لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو
صلاحها فلم يحظر البيع بعد الصلاح على أحد ولم يخص من وجب عليه الزكاة ممن لم تجب
)
أي هذا باب في بيان حكم من باع ثماره أو باع نخله أو باع أرضه أو باع زرعه والحال
أنه قد وجب فيه العشر أو الصدقة أي الزكاة فأدى الزكاة من غير ما باع من هذه
الأشياء أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة وهو تعميم بعد تخصيص والمراد من النخل
التي عليها الثمار ومن الأرض التي عليها الزرع لأن الصدقة لا تجب في نفس النخل
والأرض وهذا يحتمل ثلاثة أنواع من البيع الأول بيع الثمرة فقط الثاني بيع النخل
فقط الثالث بيع التمر مع النخل وكذا بيع الزرع مع الأرض أو بدونها أو بالعكس وجواب
من محذوف تقديره من باع ثماره إلى آخره جاز بيعه فيها فدلت هذه الترجمة على أن
البخاري يرى جواز بيع الثمرة بعد بدو صلاحها سواء وجب عليه الزكاة أم لا وقال ابن
بطال غرض البخاري الرد على الشافعي حيث قال بمنع البيع بعد الصلاح حتى يؤدي الزكاة
منها فخالف إباحة النبي له قوله وقول النبي بالجر عطف على قوله من باع لأنه مجرور
محلا بالإضافة والتقدير وباب قول النبي لا تبيعوا الحديث وهذا معلق سنده من حديث
ابن عمر على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى قوله لا تبيعوا الثمرة يعني بدون
النخلة حتى يبدو أي حتى يظهر صلاحها وإنما قدرنا هذا لجواز بيعها معها قبل بدو
الصلاح إجماعا قوله فلم يحظر من كلام البخاري وهو بالظاء المعجمة من الحظر وهو
المنع والتحريم وهو على بناء الفاعل والضمير الذي فيه يرجع إلى النبي أي لم يحرم
النبي البيع بعد الصلاح على أحد سواء وجبت عليه الزكاة أو لا وأشار إليه بقوله ولم
يخص أي النبي من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب عليه وبهذا رد البخاري على الشافعي
في أحد قوليه إن البيع فاسد لأنه باع ما يملك وما لا يملك وهو نصيب المساكين ففسدت
الصفقة وإنما ذكر قوله فلم يحظر بالفاء لأنه تفسير لما قبله
6841 - حدثنا ( حجاج ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عبد الله بن دينار ) قال
سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما نهى النبي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها
وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهته
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه أسند ذلك الذي علقه فيما قبل وهو قوله وقول النبي لا
تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها
ذكر رجاله وهم أربعة قد ذكروا غير مرة والحجاج هو ابن المنهال
وفيه التحديث بصيغة الجمع في
(9/82)
موضعين وفيه الإخبار بصيغة
الإفراد وفيه السماع وهو من الرباعيات
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في البيوع عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن
شعبة عن عبد الله بن دينار إلى آخره نحوه وفي لفظ له نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو
صلاحها نهى البائع والمبتاع وفي لفظ نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى
يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري وفي لفظ لا تبتاع الثمرة حتى يبدو صلاحها
وتذهب عنها العاهة وقال بدو صلاحه حمرته وصفرته وفي لفظ لا تبيعوا الثمر حتى يبدو
صلاحه وأخرجه أبو داود من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر مثل رواية مسلم وفي لفظ له
مثل رواية مسلم الثالثة وأخرجه الترمذي في حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول
الله نهى عن بيع النخل حتى يزهو وبهذا الإسناد أن النبي نهى عن بيع السنبل حتى
يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري وأخرجه النسائي من حديث أيوب عن نافع عن
ابن عمر نحوه وأخرجه ابن ماجه من حديث الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن رسول
الله أنه قال لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها البائع والمشتري ولما أخرجه
الترمذي قال وفي الباب عن أنس وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وجابر وأبي سعيد وزيد
بن ثابت رضي الله تعالى عنهم فحديث أنس عند البخاري ومسلم وحديث عائشة عند أحمد
حدثنا الحكم حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن أبيه عن عمرة عن عائشة رضي الله
تعالى عنها عن النبي قال لا تبيعوا ثماركم حتى يبدو صالحها وتنجو من العاهة وحديث
أبي هريرة عند مسلم ولفظه لا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها وحديث ابن عباس وحديث
جابر عند البخاري على ما يأتي ولفظه عند أبي داود نهى أن تباع الثمرة حتى تشقح قيل
وما تشقح قال تحمار وتصفار وحديث أبي سعيد عند البزار ولفظه لا تبيعوا الثمرة حتى
يبدو صلاحها قيل وما صلاحها قال تذهب عاهتها وتخلص صلاحها وحديث زيد بن ثابت عند
أبي داود فلا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها
ذكر معناه قوله حتى يبدو أي حتى يظهر وهو بلا همز قوله وكان إذا سئل قال الكرماني
وفاعله إما رسول الله وإما ابن عمر وقائله إما ابن عمر وإما عبد الله بن دينار قلت
صرح في مسلم أن قائله ابن عمر حيث قال بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر من طريق
شعبة وزاد شعبة فقيل لابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته أي آفته وهو أن يصير إلى
الصفة التي يطلب كونه على تلك الصفة كظهور النضج ومبادي الحلاوة وزوال العفوصة
المفرطة وذلك بأن يتموه ويلين أو يتلون بالإحمرار أو الاصفرار أو الإسوداد ونحوه
والمعنى الفارق بينهما أن الثمار بعد البدو تأمن من العاهات لكبرها وغلظ نواها
بخلافها قبله لضعفها فربما تلفت فلم يبق شيء في مقابلة الثمن فكان ذلك من قبيل أكل
المال بالباطل وظاهره يمنع البيع مطلقا وخرج عنه البيع المشروط بالقطع للإجماع على
جوازه فيعمل به فيما عداه قوله عاهته أي عاهة التمر وفي رواية الكشميهني عاهتها
ووجه التأنيث يكون باعتبار أن التمر جنس وأصل عاهة عوهة قلبت الواو ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها يقال عاه القوم وأعوهوا إذا أصاب ثمارهم وماشيتهم العاهة ومادته
عين وواو وهاء
ذكر ما يستفاد منه اختلف العلماء في هذه المسألة فقال مالك من باع حائطه أو أرضه
وفي ذلك زرع أو تمر قد بدا صلاحه وحل بيعه فزكاة ذلك التمر على البائع إلا أن
يشترطها على المبتاع وقال أبو حنيفة المشتري بالخيار بين إنفاذ البيع ورده والعشر
مأخوذ من التمرة لأن سنة الساعي أن يأخذها من كل ثمرة يجدها فوجب الرجوع على
البائع بقدر ذلك كالعيب الذي يرجع بقيمته وقال الشافعي في أحد قوليه إن البيع فاسد
لأنه باع ما يملك وما لا يملك وهو نصيب المساكين ففسدت الصفقة واتفق مالك وأبو
حنيفة والشافعي أنه إذا باع أصل الثمرة وفيها ثمر لم يبد صلاحه إن البيع جائز
والزكاة على المشتري لقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده ( الأنعام 141 ) وأما الذي
ورد فيه النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها
(9/83)
وهو بيع الثمرة دون الأصل لأنه
يخشى عليه العاهة فيذهب مال المشتري من غير عوض وإذا ابتاع رقبة الثمرة وكان فيها
ثمر لم يبد صلاحه فهو جائز لأن البيع وقع على الرقبة ولم يظهر بعد فهذا هو الفرق
بينهما وفيه جواز البيع من الثمرة التي وجبت زكاتها قبل أداء الزكاة ويتعين حينئذ
أن يؤدي الزكاة من غيرها خلافا لمن أفسد البيع وعن مالك الزكاة على البائع إلا أن
يشترط على المشتري وبه قال الليث وعن أحمد رضي الله تعالى عنه على البائع مطلقا
وبه قال الثوري والأوزاعي رضي الله تعالى عنهما
7841 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( خالد بن يزيد
) عن ( عطاء بن أبي رباح ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما نهى
النبي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا ويزيد من الزيادة والحديث أخرجه أبو داود
رحمه الله تعالى أيضا وقد ذكرناه
8841 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( حميد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله
تعالى عنه أن رسول الله نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قال حتى تحمار
مطابقته للترجمة ظاهرة وحميد بضم الحاء هو الطويل والحديث أخرجه البخاري أيضا في
البيوع عن عبد الله بن أبي يوسف وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو
بن السرح عن ابن وهب وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين
قوله حتى تزهى أي تتلون قال ابن الأعرابي يقال زهى النخل إذا ظهرت ثمرته وأزهء إذا
احمر أو اصفر وقال الأصمعي لا يقال أزهى إنما يقال زهى وقال الخليل زهى إذا بدا
صلاحه وقال ابن الأثير منهم من أنكر تزهى كما أن منهم من أنكر يزهو أقول الحديث
الصحيح يبطل قول منكر الإزهاء قوله حتى تحمار تفسير لقوله حتى تزهي وأصل تحمار
لأنه من حمر فأدغمت الراء في الراء
95 -
( باب هل يشتري صدقته )
أي هذا باب يذكر فيه هل يشتري الرجل الذي تصدق بشيء صدقته وجواب الاستفهام محذوف
وهو لا يشتري وإنما حذف الجواب لأن في الجواب وجهين أحدهما لا يشتري أصلا والثاني
أنه يكره كما سنذكره إن شاء الله تعالى
ولا بأس أن يشتري صدقته غيره لأن النبي إنما نهى المتصدق خاصة عن الشراء ولم ينه
غيره
توضيحه حديث بريدة رضي الله تعالى عنه هو لها صدقة ولنا هدية فإذا كان هذا جائزا
بغير عوض فبالعوض أجوز
9841 - حدثنا حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن
شهاب ) عن ( سالم ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما كان يحدث أن عمر
بن الخطاب تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يشتريه ثم أتى النبي
فاستأمره فقال لا تعد في صدقتك فبذالك كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا يترك
أن يبتاع شيئا تصدق به إلا جعله صدقة
(9/84)
مطابقته للترجمة من حيث إن
تقديرها لا يشتري في جواب الاستفهام كما ذكرناه ورجاله ستة قد ذكروا كلهم وعقيل
بضم العين ابن خالد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وأخرجه النسائي في الزكاة عن
محمد بن عبد الله المخزومي ورواه معن بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر
وكذا رواه أبو قلابة عن بشر بن عمر عن مالك رضي الله تعالى عنه ورواه عبد الله بن
نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر وقال الدارقطني والأشبه بالصواب قول
من قال عن ابن عمر أن عمر وفي رواية للبخاري عن ابن عمر أن عمر حمل على فرس في
سبيل الله أعطاها رسول الله ليحمل عليها فحمل عليها رجلا وفي رواية ابن عبد البر
لا تشتره ولا شيئا من نتاجه وفي ( العلل ) لابن أبي حاتم فقال النبي إذا تصدقت
بصدقة فأمضها لقد تصدقت بتمر على مساكين فوجدت تمرة فأدخلت يدي في في ثم لفظتها
خشية أن تكون من الصدقة وفي ( المصنف ) فرآه عمر رضي الله تعالى عنه أو شيئا من
نسله يباع في السوق فسألت النبي فقال أتركه حتى يوافيك يوم القيامة وعن الزبير بن
العوام أن رجلا حمل على فرس في سبيل الله تعالى فرأى فرسه أو مهره يباع بنسب فرسه فنهى
عنها وعن أسامة بسند جيد أنه حمل على مهر له في سبيل الله تعالى فرآه بعد ذلك يباع
فقلت للنبي عنه فنهاني عنه وروى الشعبي عن زياد بن حارثة عن النبي نحو حديث أسامة
ذكر معناه قوله تصدق بفرس أي حمل عليه رجلا ومعناه أنه ملكه له فلذلك ساغ له بيعه
وقال ابن عبد البر أي حمله على فرس حمل تمليك وغزا به فله أن يفعل فيه ما شاء في
سائر أمواله وقيل كان عمر رضي الله تعالى عنه قد حبسه وفي هذا الوجه إنما ساغ
للرجل بيعه لأنه انهزل وعجز لأجله عن اللحاق بالخيل وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع
به وقال ابن سعد كان اسم هذا الفرس الورد وكان لتميم الداري فأهداه للنبي فأعطاه
لعمر رضي الله تعالى عنه قوله في سبيل الله المراد به جهة الغزاة وقال الكرماني
المفهوم من السبيل الوقف فكيف يصح الابتياع قلت تمليكه للغازي والمتبادر إلى الذهن
من سبيل الله الجهاد قلت لا نسلم أن المفهوم من السبيل الوقف بل المراد من سبيل
الله الغازي أو الحاج وفيه خلاف قوله يباع على صيغة المجهول جملة حالية لأن وجده
بمعنى أصابه قوله فاستأمره أي استشاره قوله فلا تعد أي فلا ترجع في صدقتك ولو كان
حبسا لعلله به وبهذا يرد على من قال إنه كان محبسا ولئن كان حبسا يحتمل أن عمر رضي
الله تعالى عنه ظن أنه يجوز له هذا ويباح له شراء الحبس غير أن منعه من شرائه
وتعليله بالرجوع دليل على أنه لم يكن حبسا قوله فبذلك أي فبسبب ذلك كان ابن عمر
يعني عبد الله قوله لا يترك كذا هو بحرف النفي في رواية أبي ذر ويروى يترك ووجهه
ظاهر وإما وجه لا يترك فهو أن الترك بمعنى التخلية وكلمة من مقدرة أي لا يخلي
الشخص من أن يبتاعه في حال إلا حال جعله صدقة أو لغرض إلا لغرض الصدقة
ذكر ما يستفاد منه فيه كراهة شراء الرجل صدقته وقال ابن بطال كره أكثر العلماء
شراء الرجل صدقته لحديث عمر رضي الله تعالى عنه وهو قول مالك والكوفيين والشافعي
وسواء كانت الصدقة فرضا أو تطوعا فإن اشترى أحد صدقته لم يفسخ بيعه وأولى به
التنزه عنها وكذا قولهم فيما يخرجه المكفر في كفارة اليمين وقال ابن المنذر رخص في
شراء الصدقة الحسن وعكرمة وربيعة والأوزاعي قال ابن القصار قال قوم لا يجوز لأحد
أن يشتري صدقته ويفسخ البيع ولم يذكر قائل ذلك وكأنه يريد به أهل الظاهر وأجمعوا
أن من تصدق بصدقة ثم ورثها أنها حلال له وقد جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا
رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت قال وجب أجرك وردها على الميراث
وقال ابن التين وشذت فرقة من أهل الظاهر فكرهت أخذها بالميراث ورأوه من باب الرجوع
في الصدقة وهو سهو لأنها تدخل قهرا وإنما كره شراؤها لئلا يحابيه المصدق بها عليه
فيصير عائدا في بعض صدقته لأن العادة أن الصدقة التي تصدق بها عليه يسامحه إذا
باعها ويقال لا يكون الحبس إلا أن ينفق عليه المحبس من ماله وإذا خرج خارج إلى
الغزو ودفعه إليه مع نفقته على أن يغزو به ويصرفه إليه فيكون موقوفا على مثل ذلك
فهذا لا يجوز بيعه بإجماع وأما إذا جعله في سبيل الله وملكه الذي دفعه إليه فهذا
يجوز بيعه وقال جماعة من العلماء كان عمر رضي الله تعالى عنه لا يكره أن
(9/85)
يشتري الرجل صدقته إذا خرجت من
يد صاحبها إلى غيره رواه الحسن عنه وقال به هو وابن سيرين
0941 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك بن أنس ) عن ( زيد بن أسلم )
عن أبيه قال سمعت ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه يقول حملت على فرس في سبيل
الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص فسألت النبي فقال
لا تشتر ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه
مطابقته للترجمة ظاهرة وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب يروي عن أبيه أسلم يكنى
أبا خالد كان من سبي عين اليمن ابتاعه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بمكة سنة
إحدى عشرة مات وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الهبة عن يحيى بن قزعة وفي
الجهاد عن إسماعيل وفي الجهاد والهبة عن الحميدي وأخرجه مسلم في الفرائض عن
القعنبي وعن زهير بن حرب وعن ابن أبي عمرو عن أمية ابن خالد وأخرجه النسائي في
الزكاة عن الحارث بن مسكين ومحمد بن سلمة وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر
بن أبي شيبة
ذكر معناه قوله فأضاعه أي لم يكن يعرف قدره فكان يبيعه بالوكس كذا فسره الكرماني
وقيل أي يترك القيام عليه بالخدمة والعلف ونحوهما وهذا التفسير هو الأوجه قوله لا
تشتره أي الفرس المذكور ويروى لا تشتريه بإشباع كسرة الراء ياء قوله وإن أعطاكه
بدرهم مبالغة في رخصه وكان هو الحامل على شراه قوله فإن العائد الفاء فيه للتعليل
قوله كالعائد في قيئه الغرض من التشبيه تقبيح صورة ذلك الفعل أي كما يقبح أن يقيء
ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه
وفيه كراهة الرجوع في الهبة وفضل الحمل في سبيل الله والإعانة على الغزو بكل شيء
والخيل الضائعة الموقوفة إذا رجى صلاحها والانتفاع بها في الجهاد كالضعيف المرجو
رده منع ابن الماجشون بيعه وأجازه ابن القاسم ويوضع ثمنه في ذلك الوجه وقال القاضي
أبو محمد لا بأس أن يركب الفرس الذي جعله في سبيل الله تعالى
06 -
( باب ما يذكر في الصدقة للنبي )
أي هذا باب في بيان الحكم الذي يذكر في الصدقة لأجل النبي يعني في حقه وفي حق آله
وقد مر تفسير الآل وفي بعض النسخ من الصدقة عوض في الصدقة وإنما أبهم الحكم لكونه
مشهورا
1941 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( محمد بن زياد ) قال سمعت (
أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما تمرة
من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي كخ كخ ليطرحها ثم قال أما شعرت أنا لا
نأكل الصدقة
مطابقته للترجمة في قوله إنا لا نأكل الصدقة والحديث مضى بأتم منه في باب أخذ صدقة
التمر عند صرام النخل وقد ذكرنا هناك ما يتعلق به وهنا زيادة وهي قوله كخ كخ بفتح
الكاف وكسرها وتسكين الخاء المعجمة ويجوز كسرها مع التنوين فتصير ست لغات وإنما
كرر للتأكيد وهي كلمة تزجر بها الصبيان عند مناولة ما لا ينبغي الإتيان به قيل هي
عربية وقيل أعجمية وقال الداودي هي معربة وقد أوردها البخاري في باب من تكلم
بالفارسية والمعنى هنا اتركه وارم به قوله أما شعرت هذه اللفظة تقال في الشيء
الواضح التحريم ونحوه وإن لم يكن المخاطب عالما به أي كيف خفي عليك مع ظهور تحريمه
وهذا أبلغ في الزجر عنه بقوله لا تفعله فإن قلت روى أحمد من رواية حماد بن سلمة عن
محمد
(9/86)
ابن زياد فنظر إليه فإذا هو
يلوك تمرة فحرك خده وقال ألقها يا بني ألقها يا بني فما التوفيق بينه وبين قوله كخ
كخ قلت هو أنه كلمة أولا بهذا فلما تمادى قال كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك وقد
ذكرنا الحكمة في تحريمها عليهم أنها مطهرة للملاك ولأموالهم قال تعالى خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم ( التوبة 301 ) فهي كغسالة الأوساخ وأن آل محمد منزهون عن
أوساخ الناس وغسالاتهم وثبت عن النبي الصدقة أوساخ الناس كما رواه مسلم وأما إن
أخذها مذلة واليد السفلى ولا يليق بهم الذل والافتقار إلى غير الله تعالى ولهم
اليد العليا وأما أنها لو أخذوها لطال لسان الأعداء بأن محمدا يدعونا إلى ما
يدعونا إليه ليأخذ أموالنا ويعطيها لأهل بيته قال تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا (
الأنعام 09 الشورى 32 ) ولهذا أمر أن تصرف إلى فقرائهم في بلدهم قوله إنا لا نأكل
الصدقة وفي رواية مسلم إنا لا تحل لنا الصدقة وفي رواية معمر إن الصدقة لا تحل لآل
محمد وفي رواية الطحاوي إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة
16 -
( باب الصدقة على موالي أزواج النبي )
أي هذا باب في بيان حكم الصدقة على موالي أزواج النبي أي على عتائقهن قيل لم يترجم
لأزواج النبي ولا موالي النبي لأنه لم يثبت عنده فيه شيء قلت روى الأئمة الأربعة
وصححه الترمذي وابن حبان وغيره عن أبي رافع مرفوعا إنا لا تحل لنا الصدقة وأن
موالي القوم من أنفسهم وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد وابن الماجشون المالكي وهو
الصحيح عند الشافعية وقال غيرهم يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة فإذا كان الأمر
كذلك ما كان ينبغي الإعتذار عن البخاري في تركه الترجمة لأزواج النبي ولا لمواليه
بقوله لأنه لم يثبت عنده فيه شيء لأن البخاري لم يلتزم أن يذكر كل صحيح عنده أو
عند غيره وقيل إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخلن ولا تحرم
عليهن الصدقة وكذا قال ابن بطال إن الأزواج لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء فإذا
لم يدخلن هن فمواليهن أحرى بعدم الدخول قلت روى الخلال من طريق ابن أبي مليكة عن
عائشة رضي الله تعالى عنها قالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ذكره ابن قدامة
وقال هذا يدل على تحريمها وكذا رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا وكيع عن شريك
عن ابن أبي مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص أرسل إلى عائشة شيئا من الصدقة فردته
فقالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة
2941 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثنا ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب )
قال حدثني ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال
وجد النبي شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة قال النبي هلا انتفعتم بجلدها
قالوا إنها ميتة قال إنما حرم أكلها
مطابقته للترجمة في قوله أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فإن مولاة ميمونة أعطيت
صدقة فلم ينكر عليها فدل على أن موالي أزواج النبي تحل لهم الصدقة وبهذا علم أن
مراد البخاري من هذه الترجمة التنبيه على ذلك لا ما قاله الإسماعيلي هذه الترجمة
مستغنى عنها فإن تسمية المولى لغير فائدة وإنما هو لسوق الحديث على وجهه فقط
ذكر رجاله وهم ستة الأول سعيد بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مر في باب من
يرد الله به خيرا الثاني عبد الله ابن وهب الثالث يونس ين يزيد الرابع محمد بن
مسلم بن شهاب الزهري الخامس عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بفتح العين ابن عتبة
بن مسعود أحد الفقهاء السبعة السادس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع واحد
وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه منسوب إلى جده لأنه سعيد بن كثير بن
عفير وأنه وابن وهب مصريان وأن يونس أيلي وأن ابن شهاب وعبيد الله مدنيان وقال
(9/87)
أبو عمر روى هذا الحديث غير
واحد عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن النبي مرسلا والصحيح اتصاله
كذا رواه معمر ويونس والزبيدي وعقيل كلهم عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس عن
النبي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع وفي الذبائح عن زهير
بن حرب وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي الطاهر وحرملة وعن الحسن بن علي وعبد بن
حميد وعن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد وأخرجه أبو داود في اللباس عن عثمان بن أبي
شيبة ومحمد بن أحمد وعن مسدد وأخرجه النسائي في الذبائح عن محمد بن مسلمة والحارث
بن مسكين وعن عبد الملك بن شعيب وروى مسلم من حديث عطاء عن ابن عباس عن ميمونة
أخبرته أن داجنا كانت لبعض أزواج النبي فماتت فقال رسول الله ألا أخذتم إهابها
فاستمتعتم به وفي رواية أبي داود مر النبي برجال من قريش يجرون شاة فقال لو أخذتم
إهابها قالوا إنها ميتة قال يطهره الماء والقرظ وفي رواية لأحمد عن ابن عباس ماتت
شاة لسودة بنت زمعة فقالت يا رسول الله ماتت فلان يعني الشاة فقال لولا أخذتم
مسكها فقالت تأخذ مسك شاة قد ماتت فقال إنكم لا تطعمونه تنتفعون به قال فأرسلت
إليها فسلخت مسكها فدبغته واتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها وعند البخاري عن سودة
ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها الحديث موقوف وعند مسلم عنه مرفوعا إذا دبغ الإهاب فقد
طهر وفي لفظ دباغه طهوره وعند ابن شاهين سئل عن جلود الميتة فقال طهورها دباغها
وفي لفظ مرفوع استمتعوا بجلود الميتة إذا دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما
كان بعد أن يزيد صلاحه قال الدارقطني في إسناده معروف بن حسان منكر الحديث وفي
كتاب ابن سعد قال محمد بن الأشعث لعائشة ألا نجعل لك فروا تلبسيه فإنه أدفأ لك
قالت إني لأكره جلود الميتة فقال أنا أقوم عليه ولا أجعله إلا ذكيا فجعله لها
فكانت تلبسه رواه معن ومطرف قالا حدثنا مالك عن نافع عن القاسم بن محمد به وروى
أبو داود بسند جيد من حديث قتادة عن الحسن عن الجون بن قتادة عن سلمة بن المحبق أن
رسول الله مر ببيت بفنائه قربة معلقة فاستسقى فقيل إنها ميتة فقال زكاة الأديم
دباغه وفي رواية في غزوة تبوك وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وعند أحمد بسند
جيد عن جابر كنا نصيب مع رسول الله في مغانمنا من المشركين الأسقية والأوعية
فنقسمها وكلها ميتة وروى الدارقطني من حديث أم سلمة أنها ماتت لها شاة فقال النبي
أفلا انتفعتم بإهابها فقالوا إنها ميتة فقال إن دباغتها يحل كما يحل الخمر الملح
قال تفرد به الفرج بن فضالة وهو ضعيف ورواه أيضا من حديث يوسف بن السفر قال وهو
متروك ومن حديث أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن أم سلمة أو زينب أو غيرهما من
أزواج النبي إن ميمونة ماتت لها شاة الحديث
فإن قلت جاءت أحاديث تخالف الأحاديث المذكورة منها حديث رواه أحمد في ( مسنده ) من
حديث حبيب بن أبي ثابت عن رجل عن أم سلمان الأشجعية أن النبي أتاها وهي في قبة
فقال ما أحسن هذه إن لم يكن فيها ميتة قالت فجعلت أتتبعها ومنها حديث رواه ابن
حبان في ( صحيحه ) عن عبد الله بن عكيم قال كتب إلينا رسول الله قبل موته بشهر أن
لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ثم قال ذكر البيان بأن ابن عكيم شهد قراءة
كتاب النبي بأرض جهينة ثم ذكر عنه قال قرىء علينا كتاب النبي ولما رواه أحمد في
مسنده قال ما أصلح إسناده ومنها حديث رواه أبو حفص بن شاهين من حديث ابن عمر أن
رسول الله نهى أن ينتفع من الميتة بعصب أو إهاب ومنها حديث جابر رواه ابن شاهين
أيضا من حديث أبي الزبير عنه عن النبي أنه قال لا ينتفع من الميتة بشيء ورواه ابن
جرير الطبري أيضا ومنها حديث رواه أبو داود والترمذي وصححه أنه نهى عن جلود السباع
أن تفترش
قلت حديث أم سلمان محمول على أنه لم يكن مدبوغا وحديث ابن عكيم معلول بأمور ثلاثة
الأول أنه مضطرب سندا ومتنا وقد بيناه في شرحنا للهداية والثاني الاختلاف في صحبته
فقال البيهقي وغيره لا صحبة له والثالث أنه روى عنه أنه سمع من الناس الداخلين
عليه وهم مجهولون ولئن صح فلا
(9/88)
يقاوم حديث ابن عباس وحديث ابن
عمر أن عامة من في إسناده مجهولون وحديث جابر في إسناده زمعة وهو ممن لا يعتمد على
نقله وأما النهي عن جلود السباع فقد قيل إنها كانت تستعمل قبل الدباغ وقال ابن
شاهين هذه الأحاديث لا يمكن ادعاء نسخ شيء منها بالآخر فإن قلت حديث ابن عكيم قبل
الوفاة بشهر قلت يمكن أن يقال يجوز أن يكون الأمر قبل أن يموت النبي بجمعة والأولى
هنا هو الأخذ بالحديثين جميعا وهو أن يحمل المنع على ما قبل الدباغ والأخبار
بالطهارة بعده على أن الإهاب في قوله إيما إهاب دبغ فقد طهر اسم للجلد الذي لم
يدبغ فبعد الدباغ لا يسمى إهابا وإنما يسمى أديما أو جلدا أو جرابا
ذكر معناه قوله مولاة أي عتيقة وارتفاعها على أنها مفعول ما لم يسم فاعله للإعطاء
وميمونة زوج النبي ولميمونة صفة لمولاة قوله من الصدقة يتعلق بأعطيت أو صفة لشاة
قوله إنما حرم أكلها اتفق معمر ومالك ويونس على قوله إنما حرم أكلها إلا أن معمرا
قال لحمها ولم يذكر واحد منهم زيادة دباغ أهلها طهورها وكان ابن عيينة يقول لم
أسمع أحدا يقول إنما حرم أكلها إلا الزهري واتفق الزبيدي وعقيل وسليمان بن كثير
والأوزاعي على ذكر الدباغ في هذا الحديث عن الزهري وكان ابن عيينة مرة يذكره ومرة
لا يذكره وقال محمد بن يحيى النيسابوري لست أعتمد في هذا الحديث على ابن عيينة لاضطرابه
فيه وأما ذكر الدباغ فلا يوجد إلا عن يحيى بن أيوب عن عقيل ومن رواية بقية عن
الزبيدي ويحيى وبقية ليسا بالقويين ولم يذكر مالك ولا يونس الدباغ وهو الصحيح في
حديث الزهري وبه كان يفتي وأما من غير رواية الزهري فصحيح محفوظ عن ابن عباس وقال
الكرماني فإن قلت كيف طابق الجواب السؤال يعني في قوله إنما هو حرام أكلها قلت
الأكل غالب في اللحم فكأنه قال اللحم حرام لا الجلد قلت لو اطلع الكرماني على ما
ذكرنا الآن لما احتاج إلى هذا السؤال ولا إلى الجواب
ذكر ما يستفاد منه احتجت بالحديث المذكور جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين على أن
جلد الميتة يطهر بالدباغ فممن قال ذلك ابن مسعود وابن المسيب وعطاء بن أبي رباح
والحسن والشعبي والنخعي وسالم وابن جبير وقتادة والضحاك ويحيى الأنصاري والليث
والأوزاعي والثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه
وإسحاق وفيه دليل على بطلان قول من قال إن الجلد من الميتة لا ينتفع به بعد الدباغ
وبطل أيضا قول من قال إن جلد الميتة وإن لم يدبغ يستمتع به وينتفع به وهو قول مروي
عن ابن شهاب والليث بن سعد وهو مشهور عنهما على أنه قد روى عنهما خلافه قال معمر
وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول مستمتع به على كل حال قال أبو عبد الله المروزي ما
علمت أحدا قال ذلك قبل الزهري وكان الزهري يذهب إلى ظاهر الحديث في قوله إنما حرام
أكلها قال الطحاوي قال الليث لا بأس ببيع جلود الميتة قبل الدباغ لأن النبي أذن في
الانتفاع بها والبيع من الانتفاع قال أبو جعفر لم يحك عن أحد من الفقهاء جواز بيع
جلد الميتة قبل الدباغ إلا عن الليث قال ابن عمر يعني من الفقهاء أئمة الفتوى
بالأمصار بعد التابعين لأن ابن شهاب ذاك عنه صحيح وقد ذكر ابن عبد الحكم عن مالك
ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك قال من اشترى جلد ميتة فدبغه فقطعه نعالا فلا يبيعه
حتى ييبس فهذا يدل على أن مذهبه يجوز بيع جلد الميتة قبل الدباغ وبعده وهو ظاهر
مذهب مالك وغيره وفي ( التوضيح ) ومجموع ما ذكر في دباغ جلد الميتة وطهارتها سبعة
أقوال أحدها أنه يطهر به جميع جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والفرع ظاهرا وباطنا
ويستعمل في اليابس والمائع وسواء مأكول اللحم وغيره وبه قال علي وابن مسعود وهو
مذهب الشافعي ثانيها لا يطهر منها شيء به روي عن جماعة من السلف قيل منهم عمر بن
الخطاب وابنه عبد الله وعائشة رضي الله تعالى عنهم وهي أشهر الروايتين عن أحمد
ورواية عن مالك ثالثها يطهر به جلد مأكول اللحم دون غيره وهو مذهب الأوزاعي وابن
المبارك وأبي ثور رابعها يطهر جميعها إلا الخنزير وهو مذهب أبي حنيفة خامسها يطهر
الجميع إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه ويستعمل في اليابسات دون المائعات ويصلى عليه
لا فيه وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى فيما حكاه عنه أصحابه سادسها يطهر
الجميع والكلب والخنزير ظاهرا وباطنا وهو مذهب داود وأهل الظاهر وحكي عن أبي يوسف
(9/89)
سابعها أنه ينتفع بجلود الميتة
وإن لم تدبغ ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات وهو وجه شاذ لبعض الشافعية
3941 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن (
الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق وأراد
مواليها إن يشترطوا ولاءها فذكرت عائشة للنيي فقال لها النبي اشتريها فإنما الولاء
لمن أعتق قالت وأتي النبي بلحم فقلت هاذا ما تصدق به على بريرة فقال هو صدقة ولنا
هدية
مطابقته للترجمة في قوله هذا ما تصدق به على بريرة إلى آخره والترجمة في الصدقة
على موالي أزواج النبي وبريرة من جملة مواليات عائشة زوج النبي وتصدق عليها بصدقة
فأخبر أنها كانت لها صدقة ولهم هدية لأنها تحولت عن معنى الصدقة بملك المتصدق عليه
بها وانتقلت إلى معنى الهدية الحلال لرسول الله وقد ذكر الحديث في أوائل كتاب
الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد رواه عن علي بن عبد الله عن
سفيان عن يحيى عن عمرة عن يحيى عن عائشة قالت أتتها بريرة الحديث غير أنه لم يذكر
فيه قوله قالت عائشة وأتي النبي إلى آخره وهنا رواه عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن
ابن الحجاج عن الحكم بفتحتين ابن عتبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن
عائشة
وأخرجه البخاري أيضا في كفارة الإيمان عن سليمان بن حرب وفي الطلاق عن عبد الله بن
رجاء وفيه أيضا عن آدم وفي الفرائض عن حفص بن عمر وأخرجه النسائي في الزكاة عن
عمرو بن يزيد وفي الصلاة عن عمرو بن علي وفي الفرائض عن بنداء عن غندر الكل عن
شعبة
ذكر معناه قوله برير