حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج41.وج42.عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني

 

 ج41.وج42عمدة القاري شرح صحيح البخاري  لبدر الدين العيني

اولا :

41ج.عمدة القارئ

قلت المدون احيل القارئ الي مدونة قانون الحق الالهي لضبط الفرق بين الكفر وغيره الرابط هو -

https://thelowofalhak.blogspot.com/2018/06/blog-post_6.html

من الكبائر بالإجماع وقد عده النبي من الموبقات ومنه ما يكون كفرا ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ولا يقتل فإن تاب قبلت توبته وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر وعن مالك الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق قال عياض ويقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين وفي ( الفتاوى الصغرى ) الساحر لا يستتاب في قول أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف والزنديق يستتاب عندهما وعن أبي حنيفة روايتان وعن أبي حنيفة إذا أتيت بزنديق استتبته فإن تاب قبلت توبته وقال ابن بطال واختلف السلف هل يسأل الساحر عن حل من سحره فأجازه سعيد بن المسيب وكرهه الحسن البصري وقال لا يعلم ذلك إلا ساحر ولا يجوز إتيان الساحر لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة عن ابن مسعود من مشي إلى ساحر أو كاهن فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد وقال الطبري نهيه عن إتيان الساحر إنما هو على التصديق له فيما يقول فأما إذا أتاه لغير ذلك وهو عالم به وبحاله فليس بمنهي عنه ولا عن إتيانه وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين إما لتمييز ما فيه كفر من غيره وإما لإزالته عمن وقع فيه قوله ولا يفلح الساحر حيث أتى ( طه69 ) فيه نفي الفلاح وهو الفوز عن الساحر وليس فيه ما يدل على كفره قوله أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ( الأنبياء3 ) هذا خطاب لكفار قريش يستبعدون كون محمد رسولا لكونه بشرا فقال قائلهم منكرا على من اتبعه أفتأتون السحرأي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتبع السحر وهو يعلم أنه سحر قوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ( طه66 ) أوله فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى يعني يخيل إلى موسى عليه السلام أنها حيات تسعى وذلك لأنهم لطخوا حبالهم بالزيبق فلما حميت الشمس اهتزت وتحركت فظن موسى أنها تقصده احتج بهذا من زعم أن السحر إنما هو تخييل ولا حجة لهم في هذا لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون وكان سحرهم كذلك ولا يلزم أن جميع أنواع السحر كذلك تخييل قوله ومن شر النفاثات ( الفلق4 ) قد فسر النفاثات بالسواحر وهو تفسير الحسن البصري وأريد به السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر قوله تسحرون أشار به إلى قوله تعالى سيقولون الله قل فأنى تسحرون ( البقرة102 ) أي كيف تعمون عن هذا وتصدون عنه قوله تعمون بضم التاء المثناة من فوق وفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة وقيل بسكون العين وقال ابن عطية السحر هنا مستعار لما وقع منهم من التخليط ووضع الشيء في غير موضعه كما يقع من المسحور
فإن قلت هذا لا يقوم به الاحتجاج على ما ذكر البخاري في هذه الآيات للإحتجاج على تحريم السحر قلت السحر على أنواع منها أنه بمعنى لطف ودق ومنه سحرت الصبي خدعته واستملته فكل من استمال شيئا فقد سحره وفي هذه الآية إشارة إلى هذا النوع الثاني ما يقع بخداع أو تخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده وإليه الإشارة بقوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ( طه66 ) الثالث ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ( البقرة102 ) الرابع ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها الخامس ما يوجد من الطلسمات
5763 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( عيسى بن يونس ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت سحر رسول الله رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لاكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتأني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل فقال

(21/279)


مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال في أي شي قال في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر قال وأين هو قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله في ناس من أصحابه فجاء فقال يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله أفلا استخرجته قال قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا فأمر بها فدفنت
مطابقته للترجمة في قوله سحر رسول الله رجل وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
والحديث مضى في صفة إبليس بعين هذا الإسناد
قوله حدثنا إبراهيم بن موسى وفي رواية أبي ذر حدثني بالإفراد قوله عن أبيه وقع في رواية يحيى القطان عن هشام حدثني أبي وسيأتي في رواية ابن عيينة عن ابن جريج حدثني آل عروة عن عروة وفي رواية الحميدي عن سفيان عن ابن جريج حدثني بعض آل عروة عن عروة قوله من بني زريق بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالقاف وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج وكان بين كثير من الأنصار وبين كثير من اليهود قبل الإسلام حلف وود فلما جاء الإسلام ودخل الأنصار فيه تبرؤا منهم والسنة التي وقع فيها السحر سنة سبع قاله الواقدي وعن الإسماعيلي أقام فيه أربعين ليلة وعند أحمد ستة أشهر وعن السهيلي أنه لبث سنة ذكره في ( جامع معمر ) عن الزهري قوله حتى كان رسول الله يخيل إليه على صيغة المجهول من التخييل وبعض المبتدعة أنكروا هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها لأن كل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وتجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع ورد عليهم ذلك بقيام الدليل على صدقه فيما بلغه من الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض وقيل لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك وقال عياض السحر تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده والدليل عليه ما روى في مرسل سعيد بن المسيب حتى كاد ينكر بصره قوله حتى إذا كان ذات يوم لفظ ذات مقحم للتأكيد وقال الزمخشري هو من إضافة المسمى إلى اسمه وقال الكرماني ذات يوم بالرفع ويروى بالنصب قوله أو ذات ليلة شك من الراوي وقال بعضهم الشك من البخاري لأنه أخرجه في صفة إبليس حتى كان ذات يوم ولم يشك قلت الشك من عيسى بن يونس فإن إسحاق بن راهويه أخرجه في ( مسنده ) عنه على الشك قوله لكنه دعا ودعا قال الكرماني لكنه للاستدراك فما المستدرك منه فأجاب بقوله إما هو عندي أي كان عندي لكن لم يشتغل بي بل بالدعاء وإما كان يخيل إليه أنه يفعله أي كان المتخيل في الفعل لا في القول والعلم إذ كان دعاؤه على الصحيح والقانون المستقيم ووقع في رواية ابن نمير عند مسلم فدعا ثم دعا ثم دعا وهذا هو المعهود منه أنه كان يكرر الدعاء ثلاثا قوله أشعرت أي أعلمت قوله أفتاني فيما استفتيته أي أجابني فيما دعوته وفي رواية الحميدي أفتاني في أمر استفتيته فيه ووقع في رواية عمرة عن عائشة إن الله أنبأني بمرضي قوله أتاني رجلان ووقع في رواية أحمد والطبراني كلاهما عن هشام أتاني ملكان وسماهما ابن سعد في رواية منقطعة جبرائيل وميكائيل عليهما السلام قوله فقعد أحدهما عند رأسي الظاهر أن الذي قعد عند رأسه جبريل عليه السلام لخصوصيته به قوله فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل روى النسائي من حديث زيد بن أرقم سحر النبي رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما فأتاه جبريل عليه السلام فقال إن رجلا من اليهود سحرك عقد لك عقدا في بئر كذا فدل هذا على أن المسؤول هو جبريل والسائل ميكائيل عليهما السلام قوله ما وجع الرجل كذا في رواية الأكثرين وفي رواية ابن عيينة ما بال الرجل وفي حديث ابن عباس عند البيهقي ما نرى فيه فإن قلت هذا السؤال والجواب هل كانا والنبي نائم أو في اليقظة قلت قيل كان ذلك في المنام إذ لو جاء إليه وهو يقظان كانا يخاطبانه وهو يسمع وأطلق في رواية عمرة عن عائشة أنه كان نائما ووقع عند ابن سعد من حديث ابن عباس

(21/280)


بسند ضعيف جدا فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان وعلى كل حال رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي قوله مطبوب أي مسحور يقال طب الرجل بالضم إذا سحر فقال كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما قالوا للديغ سليم وقال ابن الأنباري الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب والسحر من الداء فيقال له طب قوله في مشط ومشاطة المشط بضم الميم وسكون الشين وبضمها وبكسر الميم وإسكان الشين وأنكر أبو زيد كسر الميم وأثبته أبو عبيد وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الرأس واللحية والمشط العظم العريض في الكتف وسلاميات القدم ونبت صغير يقال له مشط الذئب وقال القرطبي يحتمل أن يكون الذي سحر فيه النبي أحد هذه الأربعة قلت المشهور هو الأول والمشاطة بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة ما يخرج من الشعر عند التسريح وفيه خلاف يأتي في آخر الباب قوله وجف طلع نخلة ذكر بإضافة جف إلى طلع وإضافة طلع إلى نخلة ويروى طلعة نخلة وقال الكرماني التاء في طلعة ونخلة للفرق بين الجنس ومفرده كتمر وتمرة وقال عياض وقع للجرجاني في البخاري وللعذري في مسلم جف بالفاء ولغيرهما بالباء الموحدة وفي رواية عيسى بن يونس هنا بالفاء وللكشميهني ولغيره بالباء الموحدة وفي روايته في بدء الخلق بالفاء للجميع وفي رواية أبي أسامة للمستملي بالباء الموحدة وللكشميهني بالفاء وفي رواية أبي ضمرة في الدعوات بالفاء للجميع وهو بضم الجيم وتشديد الفاء وعاء طلع النخل وهو الغشاء الذي يكون عليه وذكر القرطبي الذي هو بالفاء وعاء الطلع مثل ما ذكرنا وبالباء الموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري قاله شمر ويطلق الجف على الذكر والأنثى فلذلك وصفه بقوله ذكر والطلع ما يطلع من النخل وهو الكمء قبل أن ينشق ويقال ما يبدو من الكمء طلع أيضا وهو شيء أبيض يشبه بلونه الإنسان وبرائحته المني قاله في ( المغرب ) قوله ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وحكى ابن التين فتحها وأنه قرأه كذلك قال ولكنه بالسكون أشبه وقال صاحب ( التوضيح ) وفي بعض نسخه ذي أروان بفتح الهمزة وسكون الراء وبالواو والنون وهو بالمدينة في بني زريق ووقع في ( كتاب الدعوات ) منه ذروان في بني زريق وعند الأصيلي عن أبي زيد ذي أوان بواو من غير راء قال ابن قرقول هو وهم إنما ذو أوان موضع آخر على ساعة من المدينة وبه بنى مسجد الضرار وفي كتاب البكري قال القتبي هي بئر أروان بالهمزة مكان الذال وقال الأصمعي وبعضهم يخطىء ويقول ذروان قوله فأتاها أي فأتى البئر رسول الله قوله فجاء أي لما أتاها النبي وشاهدها ثم رجع فجاء إلى عائشة وأخبرها وفي رواية وهيب فلما رجع قال يا عائشة وفي رواية أبي أسامة فذهب النبي إلى البئر فنظر إليها ثم رجع إلى عائشة قوله نقاعة الحناء بضم النون وتخفيف القاف أراد أن ماء هذا البئر لونه كلون الماء الذي ينقع فيه الحناء يعني أحمر والحناء بالمد معروف وقال القرطبي كان ماء البئر تغير إما لرداءته وطول إقامته وإما لما خالطه من الأشياء التي ألقيت في البئر قوله وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين وفي رواية بدء الخلق كأنه رؤوس الشياطين بدون ذكر النخل شبهها برؤوس الشياطين في وحاشة منظرها وسماجة شكلها وهو مثل في استقباح الصورة قال الفراء فيه ثلاثة أوجه أحدها أن يشبه طلعها في قبحه برؤوس الشياطين لأنهاموصوفة بالقبح الثاني أن العرب تسمى بعض الحيات شيطانا الثالث نبت قبيح يسمي رؤوس الشياطين قيل إنه يوجد باليمين فإن قلت كيف شبهه بها ونحن لم نرها قلت على قول من قال هي نبت أو حيات ظاهر وعلى القول الثالث إن المقصود ما وقع عليه التعارف من المعاني فإذا قيل فلان شيطان فقد علم أن المعنى خبيث قبيح والعرب إذا قبحت مذكرا شبهته بالشيطان وإذا قبحت مؤنثا شبهته بالغول ولم ترها والشيطان نونه أصلية ويقال زائدة قوله قلت يا رسول الله القائلة هي عائشة ويروى أفلا استخرجته قوله قد عافاني الله يحتمل معنيين أحدهما لما عافاني الله من مرض السحر فلا حاجة إلى استخراجه والآخر عافاني الله من الاشتغال باستخراج ذلك لأن فيه تهييج الشر وما أنا بفاعل لذلك قوله أن أثور بفتح الثاء المثلثة وتشديد الواو ويروى أن أثير من الإثارة وكلاهما بمعنى واحد قوله شرا منصوب لأنه مفعول أثور وفي رواية الكشميهني سوء وهو تعليم المنافقين السحر من ذلك ويؤذون المسلمين به وهذا من باب ترك مفسدة لخوف مفسدة أعظم منها ووقع في رواية ابن عيينة أنه استخرجه وأن

(21/281)


سؤال عائشة إنما وقع عن النشر فأجابها بلا وفي رواية عمرة عن عائشة فنزل رجل فاستخرجه وفيه من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالا من شمع تمثال رسول الله وإذا فيه إبر مغروزة وإذا وترفيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ثم يجد بعدها راحة وقوله على الناس فيه تعميم ووقع في رواية ابن نمير على أمتي وهو أيضا قابل للتعميم لأن الأمة تطلق على أمة الإجابة وأمة الدعوة وعلى ما هو أعم وهو يرد على من زعم أن المراد بالناس هنا لبيد بن الأعصم لأنه كان منافقا فأراد أن لا يثير عليه شرا لأنه كان يؤثر الإغضاء عمن يظهر الإسلام ولو صدر منه ما صدر ووقع في حديث عمرة عن عائشة فقيل يا رسول الله لو قتلته قال ما وراءه من عذاب الله أشد وفي رواية عمرة فأخذه النبي فاعترف فعفا عنه وقد تقدم في كتاب الجزية قول ابن شهاب إن النبي لم يقتله وأخرج ابن سعد من مرسل عكرمة أنه لم يقتله ونقل عن الواقدي أن ذلك أصح من رواية من قال إنه قتله قوله فأمر بها أي بالبئر فدفنت
تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام
أي تابع عيسى يونس هؤلاء الثلاثة في روايتهم عن هشام بن عروة الأول أبو أسامة حماد بن أسامة ويأتي موصولا بعد بابين وهو باب السحر فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن هشام إلى آخره الثاني أبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وإسكان الميم وبالراء أنس بن عياض الليثي المدني وسيأتي موصولا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى الثالث ابن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان مفتي بغداد
وقال الليث وابن عيينة عن هشام في مشط ومشاقة
أي قال الليث بن سعد وسفيان بن عيينة في روايتهما عن هشام بن عروة في مشط ومشاقة بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة وبالقاف قال الكرماني ما يغزل من الكتان قلت المشاقة ما يتقطع من الكتان عند تخليصه وتسريحه وقيل المشاقة هي المشاطة بعينها والقاف بدل من الطاء لقرب المخرج وفيه نظر
ويقال المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط والمشاقة من مشاقة الكتان
وهي رواية أبي ذر قوله مشط على صيغة المجهول قوله والمشاقة من مشاقة الكتان والصواب المشاقة من الكتان إلا إذا فتح الميم من مشاقة الكتان ويكون معنى المشاقة من مشق الكتان وهو تخليص الكتان منه
48 -
( باب الشرك والسحر من الموبقات )
أي هذا باب في بيان أن الشرك بالله والسحر من الموبقات أي المهلكات وهو جمع موبقة من أوبق يقال وبق يبق من باب ضرب يضرب ووبق يوبق من باب علم إذا هلك وأوبقه غيره فهو موبق بفتح الباء والفاعل موبق بكسرها وهذا الباب لم يذكره ابن بطال وغيره وحذف الحديث أيضا لكونه سلف في الوصايا
5764 - حدثني ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( سليمان ) عن ( ثور بن زيد ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر ( انظر الحديث 2766 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني وسليمان هو ابن بلال وثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد الدئلي المدني وأبو الغيث بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع وهكذا أورد الحديث مختصرا وقد تقدم في كتاب الوصايا في باب قول الله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ( النساء10 ) الآية فإنه أخرجه هناك بكماله بعين هذا الإسناد عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان الخ قال بعضهم النكتة في اقتصاره على اثنتين من السبع هنا الرمز إلى تأكيد أمر السحر وظن بعض الناس أن هذا القدر جملة الحديث فقال ذكر الموبقات وهو صيغة جمع وفسرها باثنتين فقط وهو من قبيل قوله تعالى فيه آيات بينات مقام ابراهيم

(21/282)


ومن دخله كان آمنا ( آل عمران97 ) فاقتصر على اثنتين فقط فهذا على أحد الأقوال في الآية ولكن ليس الحديث كذلك فإنه في الأصل سبعة حذف منها البخاري خمسة وليس شأن الآية كذلك انتهى قلت النكتة في اقتصاره على اثنتين من السبع هنا الرمز إلى تأكيد أمر السحر كلام واه جدا لأنه لو ذكر الحديث كله مع وضع الترجمة المذكورة له لما كان فيه رمز إلى تأكيد أمر السحر قوله وظن بعض الناس الخ أراد به الكرماني ولكن الذي ذكره تقول على الكرماني فإنه لم يقل أن هذا القدر جملة الحديث بل صرح بقوله هذا الذي في الكتاب مختصر من مطول ولهذا ذكر الاثنتين فقط وقوله وليس شأن الآية كذلك كلام مردود وكيف لا يكون كذلك فإنه ذكر فيه أولا فيه آيات بينات فهذا يتناول العدد الكثير ثم ذكر منه اثنين فقط وهما مقام ابراهيم وقوله ومن دخله كان آمنا وقد ذكر الزمخشري فيه وجوها كثيرة فمن أراد الوقوف عليه فليرجع إليه قوله الشرك بالله والسحر قال ابن مالك يجوز الرفع فيهما على تقدير منهن قلت الأحسن أن يقال إن التقدير الأول الشرك بالله والثاني السحر وكذلك يقدر في البواقي هكذا فيكون وجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف
49 -
( باب هل يستخرج السحر )
أي هذا باب في بيان هل يستخرج السحر إنما ذكره بحرف الاستفهام إشارة إلى الاختلاف فيه
وقال قتادة قلت لسعيد بن المسيب رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه
لما ذكر الترجمة بالاستفهام أورد الذي روى عن قتادة إشارة إلى ترجيح جواز استخراج السحر وعلقه عن قتادة ووصله أبو بكر الأثرم في ( كتاب السنن ) من طريق أبان العطار مثله قوله به طب بكسر الطاء وتشديدذ الباء أي سحر قوله أو يؤخذ بضم الياء آخر الحروف وفتح الهمزة على الواو وتشديد الخاء المعجمة وبالذال المعجمة أي يحبس الرجل عن مباشرة امرأته ولا يصل إلى جماعها وهذا هو المشهور بعقد الرجل وقال الجوهري الأخذة بالضم الرقية كالسحر أو حرزة يؤخذ بها الرجال عن النساء من التأخيذ قوله أيحل بهمزة الاستفهام على صيغة المجهول قوله أو ينشر بضم الياء آخر الحروف وفتح النون وتشديد الشين المعجمة وبالراء على صيغة المجهول أيضا من التنشير من النشرة بضم النون وسكون الشين وهي كالتعويذ والرقية يعالج به المجنون ينشر عنه تنشيرا وكلمة أو يحتمل أن تكون شكا وأن تكون تنوعا شبيها باللف والنشر بأن يكون الحل في مقابلة الطب والتنشير في مقابلة التأخيذ قوله فأما ما ينفع ويروى ما ينفع الناس فلم ينه عنه على صيغة المجهول
5765 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال سمعت ( ابن عيينة ) يقول ( أول من ) حدثنا ( به ابن جريج ) يقول حدثني ( آل عروة ) عن ( عروة ) ( فسألت هشاما ) عنه ( فحدثنا ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان رسول الله سحر حتى كان يراى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذاا فقال يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للآخر ما بال الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا قال وفيم قال في مشط ومشاقة قال وأين قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان قالت فأتى النبي البئر حتى استخرجه فقال هاذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء

(21/283)


وكأن نخلها رؤوس الشياطين قال فاستخرج قالت فقلت أفلا أي تنشرت فقال أما والله فقد شفاني الله وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا
مطابقته للترجمة في قوله حتى استخرجه وفي قوله فاستخرج وهذا الحديث قد مضى في باب السحر عن قريب أخرجه عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن آل عروة إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى
قولهقال سفيان هو ابن عيينة وهو موصول بالسند المذكور قوله تحت راعوفة هكذا بزيادة ألف في رعوفة رواية الكشميهني وفي رواية غيره تحت رعوفة وقال ابن التين راعوفة رواية الأصيلي فقط وهو عكس ما قاله الأكثرون ووقع في مرسل عمر بن الحكم ارعوفة ووقع عند أحمد رعوثة بثاء مثلثة بدل الفاء والمشهور في الروايات راعوفة وهو حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي وقد يكون في أسفل البئر إذا حفرت وقال أبو عبيد هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفر تجلس عليها الذي ينظف البئر وقيل هي حجر تأتي في بعض البئر صلبا لا يمكنهم حفره فيترك على حاله وفي ( التلويح ) راعوفة البئر وراعوفها وأرعوفتها حجر تأتي على رأسها إلى آخر ما ذكرناه أولا وقال الزهري قال شمر عن خالد راعوفة البئر النظافة قال وهي مثل عين على قدر حجر العقرب نيط في أعلى الركبة فيجاوزونها في الحفر خمس قيم وأكثر فربما وجدوا ماء كثيرا قال شمر من ذهب بالراعوفة إلى النظافة فكأنه أخذه من رعاف الأنف وهو سيلان دمه وقطراته ومن ذهب بالراعوفة إلى الحجر الذي يتقدم طي البئر فهو من رعف الرجل أو الفرس إذا تقدم وسبق وكذلك استرعف قوله فأتى النبي البئر حتى استخرجه إلى أن قال فاستخرج كذا وقع في رواية سفيان بن عيينة وفي رواية عيسى بن يونس قلت يا رسول الله أفلا استخرجته وفي رواية وهيب فقلت يا رسول الله فأخرجه للناس وفي رواية ابن نمير أفلا أخرجته قال لا وكذا في رواية أبي أسامة التي تأتي بعد هذا الباب وقال ابن بطال ذكر المهلب أن الرواة اختلفوا على هشام في إخراج السحر المذكور فأثبته سفيان وجعل سؤال عائشة عن النشرة ونفاه عيسى بن يونس وجعل سؤالها عن الاستخراج ولم يذكر الجواب وأجيب بأن رواية سفيان مر جحة لتقدمه في الضبط والإتقان ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين فبعد من الوهم وزاد ذكر النشرة والزيادة منه مقبولة وقيل استخراج المنفي غير استخراج المثبت في رواية سفيان فالمثبت هو استخراج الجف والمنفي استخراج ما حواه ووقع في رواية عمرة فاستخرج جف طلعة من تحت راعوفة فإن قلت وقع في رواية أبي أسامة أفلا أخرجته ووقع عند مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة أفلا أحرقته بالحاء المهملة والقاف من الإحراق قلت قال النووي كلتا الروايتين صحيحة كأنها أي كأن عائشة طلبت أن يخرجه ثم يحرقه وقيل رواية أبي كريب شاذة وأغرب من هذا أن القرطبي جعل الضمير في أحرقته للبيد بن أعصم قوله التي أريتها على صيغة المجهول قوله فقلت أفلا أي تنشرت ووقع في رواية الحميدي فقلت يا رسول الله فهلا قال سفيان يعني تنشرت قوله أي تنشرت تفسير لقوله أفلا فكان سفيان عين الذي أرادت بقولها أفلا فلم يستحضر اللفظ فذكره بالمعنى وقال الكرماني قوله أفلا أي تنشرت بزيادة كلمة التفسير ويروى أفلا آتي بنشرة بلفظ المجهول ماضي الإتيان ثم قال والنشرة بضم النون وسكون الشين المعجمة وهي الرقية التي بها يحل عقد الرجل عن مباشرة الأهل وهذا يدل على جواز النشرة وأنها كانت مشهورة عندهم ومعناها اللغوي ظاهر فيها وهو نشر ما طوى الساحر وتفريق ما جمعه فإن قلت روى عبد الرزاق عن عقيل بن معقل عن همام بن منبه قال سئل جابر بن عبد الله عن النشرة فقال من عمل الشيطان قلت ترك النبي الإنكار على عائشة لما ذكرت له النشرة دليل الجواز وما روي عن جابر فمحمول على نشرة بألفاظ لا يعلم معانيها وقال الشعبي لا بأس بالنشرة العربية التي لا تضر إذا وطئت وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاء فيأخذ عن يمينه وشماله من كل ثم بذيبه ويقرأ فيه ثم يغتسل به وفي كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقها بين حجرين ثم يضربها بالماء ثم يقرأ

(21/284)


فيه آية الكرسي وذوات قل ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فإنه يذهب عنه كل عاهة وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله
50 -
( باب السحر )
أي هذا باب في بيان السحر وهو مكرر بلا فائدة لأنه ذكر فيما قبل بابين فلذلك بعض الرواة أسقطه وكذا ابن بطال والإسماعيلي وغيرهما لم يذكروه وهو الصواب
5766 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) قالت سحر رسول الله حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت وما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال فيماذا قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذي أروان قال فذهب النبي في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها فقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله أفأخرجته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا وأمر بها فدفنت
تكرر هذا الحديث على اختلاف رواته وألفاظه وقد مضى الكلام فيه قوله أنه يفعل الشيء وما فعله وفي رواية الكشميهني هذا بكماله إلى آخره وكذا المستملي كلاهما من رواية أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة ووقع في هذه الرواية ذي أروان وقد مر الكلام في بيان اختلافه
51 -
( باب من البيان سحر )
أي هذا باب يذكر يه من البيان سحر في رواية الأصيلي والكشميهني وفي رواية المستملي السحر بالألف واللام
5767 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله إن من البيان لسحرا أو إن بعض البيان لسحر ( انظر الحديث 5146 )
مطابقته للترجمة في لفظ البيان سحر فقط لأن لفظ الحديث إن من البيان إلى آخره ومضى الحديث أيضا في كتاب النكاح في باب الخطبة إن من البيان سحرا بدون لام التأكيد في خبر إن وكذا لفظ أبي داود أخرجه في كتاب الأدب في باب رواية الشعر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما
ولفظ الترمذي إن من البيان سحرا أو إن بعض البيان سحر أخرجه في أبواب البر عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم ومضى الكلام فيه في كتاب النكاح ولنذكر بعض شيء فقال ابن بشكوال رواه أكثر رواة ( الموطأ ) مرسلا ليس فيه ابن عمر وقال ابن بطال الرجلان هما عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقال أبو عمر وبن الأهتم التميمي المنقري أبو ربعي والأهتم أبوه اسمه سنان بن خالد بن سمي قدم وافدا في وجوه قومه من بني تميم فأسلم وذلك في سنة تسع من الهجرة وكان فيمن قدم معه الزبرقان بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم البهدلي السعدي التميمي يكنى أبا عياش فأسلم وولاه رسول الله صدقات قومه وأقره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على ذلك وقال الأصمعي الزبرقان القمر والزبرقان الرجل الخفيف

(21/285)


اللحية واسمه الحصين بن بدر وإنما سمى الزبرقان لحسنه شبه بالقمر وقد ذكرنا خطبة الزبرقان في كتاب النكاح وما جرى له مع عمرو بن الأهتم واختلف العلماء في تأويل الحديث المذكور فقال قوم من أصحاب مالك إنه خرج على الذم للبيان ولهذا مالك أدخله في باب ما يكره من الكلام وقالوا إنه شبه البيان بالسحر والسحر مذموم محرم قليله وكثيره وذلك لما في البيان من التفيهق وتصوير الباطل في صورة الحق وقد قال أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون ويقال الرجل يكون على الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وقال آخرون هو كلام خرج على مدح البيان واستدلوا عليه بقوله في الحديث فعجب الناس لبيانهما قالوا والإعجاب لا يكون إلا بما يحسن ويطيب سماعه قالوا وتشبيهه بالسحر مدح لأن معنى السحر الاستمالة وكل من استمالك فقد سحرك وكان أمين الناس بفضل البلاغة لبلاغته فأعجبه ذلك القول واستحسنه فلذلك شبهه بالسحر ويقال أحسن ما يقال في هذا الحديث إنه ليس بذم للبيان كله ولا بمدح له كله ألا ترى أن فيه كلمة من للتبعيض وقد شك المحدث أنه قال إن من البيان أو إن من بعض البيان وكيف يذم البيان كله وقد عده نعمة على عبيده فقال خلق الإنسان علمه البيان ( الرحمن3 - 4 ) قوله من المشرق أراد به النجد لأنه في شرق المدينة وهي سكنى بني تميم من جهة العراق قوله سحرا أي هو شبيه بالسحر في جلب العقول من حيث إنه خارق للعادة
52 -
( باب الدواء بالعجوة للسحر )
أي هذا باب في بيان التداوي بالعجوة لأجل السحر أي لأجل دفعه وتبطيله والعجوة نوع من أجود التمر بالمدينة وقال الداودي هو من وسط التمر وقال ابن الأثير هو أكبر من التمر الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي بيد في المدينة
5768 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( مروان ) أخبرنا ( هاشم ) أخبرنا ( عامر بن سعد ) عن أبيه رضي الله عنه قال قال النبي من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل وقال غيره سبع تمرات
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي هو ابن عبد الله بن المديني فيما ذكره أبو نعيم في ( المستخرج ) والمزي في ( الأطراف ) وقال الكرماني في بعض النسخ علي بن سلمة بفتح اللام اللبقى بالباء الموحدة المفتوحة وبالقاف وقال بعضهم ما عرفت سلفه فيه قلت مقصوده التشنيع على الكرماني بغير وجه لأنه ما ادعى فيه جزما أنه علي بن سلمة وإنما نقله عن نسخة هكذا ولو لم تكن النسخة معتبرة لما نقله منها ومروان هو ابن معاوية الفزاري وهاشم هو ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يروى عن ابن عمر عن أبيه عامر بن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة
والحديث قد مضى في كتاب الأطعمة في باب العجوة قوله من اصطبح في رواية أبي أسامة من تصبح وكذا في الرواية المتقدمة في الأطعمة وكذا في رواية مسلم من حديث ابن عمرو كلاهما بمعنى التناول صباحا وأصل الصبوح والاصطباح تناول الشراب صبحا ثم استعمل في الأكل ومقابلة الصبوح الغبوق والاغتباق وحاصل معنى قوله من اصطبح أي من أكل في الصباح كل يوم تمرات لم يذكر العدد في رواية علي المذكور شيخ البخاري ووقع في غير هذه الرواية مقيدا بسبع تمرات على ما يجيء قوله تمرات منصوب بقوله اصطبح قوله عجوة يجوز فيه الإضافة بأن يكون تمرات مضافة إلى العجوة كما في قولك ثياب خزو ويجوز فيها التنوين على أنه عطف بيان أو صفة لتمرات وقال بعضهم يجوز النصب منونا على تقدير فعل أو على التمييز قلت فيه تأمل لا يخفى قوله سم بتثليث السين فيه قوله ذلك اليوم أي في ذلك اليوم قوله وقال غيره أي غير علي شيخ البخاري سبع تمرات بزيادة لفظة سبع
ثم الكلام فيه على أنواع
الأول قيد بقوله اصطبح لأن المراد تناوله بكرة النهار حتى إذا تعشى بتمرات لا تحصل الفائدة المذكورة هذا تقييد بالزمان وجاء في رواية أبي ضمرة التقييد بالمكان أيضا ولفظه من تصبح

(21/286)


بسبع تمرات عجوة من تمر العالية والعالية القرى التي في جهة العالية من المدينة وهي جهة نجد وله شاهد عند مسلم من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة بلفظ في عجوة العالية شفاء في أول البكرة
الثاني قيد التمرات بالعجوة لأن السر فيها أنها من غرس النبي كما ذكرنا ووقع في رواية النسائي من حديث جابر رفعه العجوة من الجنة وهي شفاء من السم وقال الخطابي كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي لتمر المدينة لا لخاصية في التمر وقال ابن التين يحتمل أن يكون نخلا خاصا من المدينة لا يعرف الآن وقيل يحتمل أن يكون ذلك لخاصية فيه وقيل يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمانه وهذا يرده وصف عائشة لذلك بعد النبي وقال المازري هذا مما لا يعقل معناه في طريقة علم الطب ولعل ذلك كان لأهل زمنه خاصة أو لأكثرهم
الثالث التقييد بالعدد المذكور وقال النووي خصوص كون ذلك سبعا لا يعقل معناه كأعداد الصلوات ونصب الزكوات وقد جاء هذا العدد في مواطن كثيرة من الطب كحديث صبوا علي من سبع قرب وقوله للمفؤد الذي وجهه للحارث بن كلدة أن يلده بسبع تمرات وجاء تعويذه بسبع مرات وقيل وجه التخصيص فيه لجمعه بين الأفراد والأشفاع لأنه زاد على نصف العشرة وفيه أشفاع ثلاثة وأوتار أربعة وهو من نمط غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا
الرابع التقييد بقوله ذلك اليوم إلى الليل مفهومه أن الفائدة المذكورة فيه ترتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله في أول النهار لأن في ذلك الوقت كان تناوله على الريق وقال بعضهم يحتمل أن يلحق به من يتناوله أول الليل على الريق كالصائم قلت في حديث ابن أبي مليكة شفاء في أول البكرة أو ترياق وهذا يدفع الاحتمال المذكور
5769 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) أخبرنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( هاشم بن هاشم ) قال سمعت ( عامر بن سعد ) سمعت ( سعدا ) رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله يقول من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي عن أبي أسامة حماد بن أسامة إلى آخره
قوله سبع تمرات وفي رواية الكشميهني بسبع تمرات بزيادة الباء الموحدة
53 -
( باب لا هامة )
أي هذا باب يذكر فيه لا هامة وقد مر تفسيره في باب الجذام وهو بتخفيف الميم في رواية الكافة وخالفهم أبو زيد فقال هي بالتشديد فكأنه يجعله من باب هم بالأمر إذا عزم عليه ومنه الحديث كان يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام فيقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل سامة وهامة والهامة كل ذات سم تقتل والجمع الهوام فأما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات
5770 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال النبي لا عدوى ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها فقال رسول الله فمن أعدى الأول
مطابقته للترجمة في قوله ولا هامة وعبد الله بن محمد المسندي وبقية الرجال قد تكررت في الكتاب
والحديث مضى في باب لا صفر فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز عن إبراهيم بن سعد عن أبي صالح عن ابن شهاب عن أبي سلمة وغيره وأخرجه

(21/287)


أبو داود في الطب عن محمد بن المتوكل العسقلاني وغيره وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن محمد بن عبد الأعلى
قوله لا عدوى أي لا سراية للمرض عن صاحبه إلى غيره وقد مر تحقيقه غير مرة وكذا مر تفسير قوله ولا صفر ولا هامة في باب الجذام قوله فما بال الإبل بالباء الموحدة أي فما شأنها قوله كأنها الظباء بكسر الظاء المعجمة جمع ظبي شبهها بها في صفاء بدنها وسلامتها من الجرب وغيره من الأدواء قوله فيخالطها من المخالطة يعني يدخل البعير الأجرب بين الإبل الصحاح عن الجرب فيجربها بضم الياء يعني يعدي جربه إليها فتجرب قوله فمن أعدى الأول أي من أجرب البعير الأول يعني ممن سرى إليه الجرب فإن قلت من بعير آخر يلزم التسلسل وإن قلت بسبب آخر فعليك بيانه وإن قلت إن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعي وهو أن الذي فعل في الجميع ذلك هو الله الخالق القادر على كل شيء وهذا جواب من النبي في غاية البلاغة والرشاقة
5771 - حدثنا وعن ( أبي سلمة ) سمع ( أبا هريرة بعد ) يقول قال النبي لا يوردن ممرض على مصح وأنكر أبو هريرة حديث الأول قلنا ألم تحدث أنه لا عدوى فرطن بالحبشية
قال أبو سلمة فما رأيته نسي حديثا غيره ( انظر الحديث 5771 - طرفه في 5774 )
قوله وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة عطف على قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة قوله بعد أي بعد أن سمع منه لا عدوى إلى آخره يقول قال النبي لا يوردن ممرض إلى آخره قوله لا يوردن بنون التأكيد للنهي عن الإيراد وفي رواية مسلم لا يورد بلفظ النفي وهو خبر بمعنى النهي ومفعول لا يوردن محذوف تقديره لا يوردن ممرض ماشية على ماشية مصح قوله ممرض بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء وبالضاد المعجمة وهو اسم فاعل من الإمراض من أمرض الرجل إذا وقع في ماله آفة والمراد بالممرض هنا الذي له إبل مرضى قوله على مصح بضم الميم وكسر الصاد المهملة وتشديد الحاء وهو الذي له إبل صحاح والتوفيق بين الحديثين بما قاله ابن بطال وهو أن لا عدوى إعلام بأنها لا حقيقة لها وأما النهي فلئلا يتوهم المصح أن مرضها من أجل ورود المرضى عليها فيكون داخلا بتوهمه ذلك في تصحيح ما أبطله النبي من العدوى وقال النووي المراد بقوله لا عدوى يعني ما كانوا يعتقدونه أن المرض يعدي بطبعه ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدرة الله تعالى وجعله وبقوله لا يوردن الإرشاد إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله وقدره وقيل النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها قوله وأنكر أبو هريرة الحديث الأول وهو قوله لا عدوى إلى آخره ووقع في رواية المستملي والسرخسي حديث الأول بالإضافة وهو من قبيل قولهم مسجد الجامع قوله قلنا ألم تحدث عن النبي أنه قال لا عدوى الخ القائل أبو سلمة ومن معه في ذلك الوقت أي قلنا لأبي هريرة ألم تحدث عن النبي أنه قال لا عدوى إلى آخره قوله فرطن بالحبشية قال الكرماني أي تكلم بالعجمية أي تكلم بما لا يفهم والحاصل في ذلك أنه غضب فتكلم بما لا يفهم ولا رطانة بالحبشية هنا حقيقة قوله فما رأيته أي أبا هريرة قوله غيره أي غير الحديث الذي هو قوله لا عدوى إلى آخره
فإن قلت قد مضى في باب حفظ العلم أن أبا هريرة قال فما نسيت شيئا بعده أي بعد بسط الرداء بين يدي رسول الله قلت هو قال ما رأيته نسي ولا يلزم من عدم رؤيته النسيان نسيانه وقال في ( صحيح مسلم ) بهذه العبارة لا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر وقال ابن التين لعل أبا هريرة كان سمع هذا الحديث قبل أن يسمع من النبي حديث من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئا سمعه من مقالتي وقيل المراد أنه لا ينسى تلك المقالة التي قالها ذلك اليوم لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلا وقيل كان الحديث الثاني ناسخا للأول فسكت عن المنسوخ وفيه نظر لا يخفى
54
- ( باب لا عدواى )

(21/288)


أي هذا باب فيه ذكر لا عدوى وقد أسقط ابن بطال هذا الباب من أصله والصواب معه
5772 - ( حدثناسعيد بن عفير ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله وحمزة ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله لا عدوى ولا طيرة إنما الشؤم في ثلاث في الفرس والمرأة والدار
مطابقته للترجمة في قوله لا عدوى والحديث قد مر في باب لا طيرة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وزاد في هذه الرواية بعد سالم حمزة وهو أخو سالم وتقدم في أوائل النكاح من طريق مالك عن الزهري عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر وفي تصريح الزهري فيه بقوله أخبرني سالم دفع لتوهم انقطاعه بسب ما رواه ابن أبي ذئب عن الزهري فأدخل بين الزهري وسالم رجلا وهو محمد بن زيد بن قنفذ فيدل على أن الزهري حمله من محمد بن زيد عن سالم ثم سمعه عن سالم وبقية معناه قد مرت هناك
5774 - ق ( ال أبو سلمة بن عبد الرحمان ) سمعت ( أبا هريرة ) عن النبي قال لا توردوا الممرض على المصح ( انظر الحديث 5771 )
5775 - وعن ( الزهري ) قال أخبرني ( سنان بن أبي سنان الدولي ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال إن رسول الله قال لا عدوى فقام أعرابي فقال أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء فيأتيها البعير الأجرب فتجرب قال النبي فمن أعدى الأول
مطابقته للترجمة في قوله لا عدوى وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة
والحديث مضى في باب لا صفر عن قريب ومضى الكلام فيه
قولهلا توردوا ويروى على صيغة المجهول
قولهوعن الزهري موصول بما قبله وسنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى ابن أبي سنان واسمه يزيد بن أمية وليس له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا الحديث الواحد وله آخر عن جابر والدؤلي بضم الدال وكسر الهمزة نسبة إلى الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة قوله فتجرب بفتح الراء على صيغة المعلوم
5776 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه عن النبي قال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل قال كلمة طيبة ( انظر الحديث 5756 )
مطابقته للترجمة في قوله لا عدوى وابن جعفر هو محمد بن جعفر المشهور بغندر وفي بعض النسخ صرح باسمه والحديث قد مر في باب الفأل عن قريب ومضى الكلام فيه
55 -
( باب ما يذكر في سم النبي )
أي هذا باب في بيان ما يذكر من سم النبي وإضافة السم إلى النبي من الإضافة إلى المفعول وطوى فيه ذكر الفاعل وقال الكرماني سم بالحركات الثلاث قلت ليس في هذا المحل فإن السين فيه مفتوحة جزما لأنه مصدر والحركات الثلاث عند كونه اسما فافهم

(21/289)


رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
أي روى سم النبي عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي وقد ذكره معلقا أيضا في آخر المغازي فقال قال يونس عن ابن شهاب قال عروة قالت عائشة كان النبي يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم وقد وصله البزار وغيره
5777 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم فقال رسول الله إجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود فجمعوا له فقال لهم رسول الله إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول الله كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت فقال هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم رسول الله من أهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها فقال لهم رسول الله اخسؤا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال لهم فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا نعم فقال هل جعلتم في هاذه الشاة سما فقالوا نعم فقال ما حملكم على ذلك فقالوا أردنا إن كنت كذابا نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك ( انظر الحديث 3169 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هل جعلتم في هذه الشاة سما والحديث مضى في الجزية والمغازي قوله أهديت على صيغة المجهول من الإهداء وقوله شاة مرفوع به ولم يعرف المهدي من هو وأوضح ذلك ما تقدم في الهبة من حديث أنس أن يهودية أتت النبي بشاة مسمومة فأكل منها الحديث فعلم من ذلك أن التي أهدت هي امرأة يهودية ولكن ليس فيه بيان اسمها وقد تقدم في المغازي أنها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم فعلم منه أن اسمها زينب قوله فهل أنتم صادقي بكسر الدال والقاف وتشديد الياء وأصله فهل أنتم صادقونني فلما أضيف لفظ صادقون إلى ياء المتكلم حذفت النون لأجل الإضافة فالتقى ساكنان واو الجمع وياء المتكلم فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصار صادقي بضم القاف وتشديد الياء ثم أبدلت ضمة القاف كسرة لأجل الياء فصار صادقي بكسر القاف وتشديد الياء ووقع في بعض النسخ فهل أنتم صادقوني في ثلاث مواضع وقال ابن التين والأول هو الصواب وقال بعضهم إنكار ابن التين الرواية من جهة العربية ليس بجيد ثم ذكر عن ابن مالك ما حاصله أن نون الجمع حذفت ونون الوقاية أبقيت قلت ابن التين لم ينكر الرواية وكيف يشنع عليه بما لم يقل به وقوله والأول هو الصواب يعني بالنسبة إلى قواعد العربية ولكون ما ذكره هو الأصل فيها قوله وبررت بكسر الراء الأولى وفي ( التوضيح ) وحكي فتحها ومعناه أحسنت قوله ثم تخلفوننا بضم اللام المخففة أي تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه وقال بعضهم وضبطه الكرماني بتشديد اللام قلت لم يضبط الكرماني كذا وإنما قال تخلفوننا بالادغام والفك وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة قال خاصمت اليهود رسول الله وأصحابه فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدا وأصحابه

(21/290)


فقال رسول الله بيده على رؤوسهم بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفنكم فيها أحد فأنزل الله تعالى وقالوا لن تمسنا إلا أياما معدودات ( آل عمران24 ) الآية قوله اخسؤا فيها من خسأت الكلب إذا طردته وخسا الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى قوله إن كنت كذابا هكذا رواية المستملي والسرخسي وفي رواية غيرهما إن كنت كاذبا قوله وإن كنت نبيا لم يضرك يعني على الوجه المعهود من السم وفي مرسل الزهري أنها أكثرت السم في الكتف والذراع لأنه بلغها أن ذلك كان أحب الأعضاء إلى رسول الله وفيه فتناول رسول الله الكتف فنهس منها وفيه فلما ازدرد لقمة قال إن الشاة تخبرني يعني أنها مسمومة واختلفوا هل قتلها النبي أو تركها ووقع في حديث أنس رضي الله عنه فقيل ألا تقتلها قال لا ومن المستغرب قول ابن سحنون أجمع أهل الحديث على أن رسول الله قتلها واختلف فيمن سم طعاما أو شرابا لرجل فمات منه فذكر ابن المنذر عن الكوفيين أنه لا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية وقال مالك إذا استكرهه فسقاه سما فقتله فعليه القود وعن الشافعي إذا سقاه سما غير مكره له ففيه قولان أحدهما أنه عليه القود وهو أشبههما وثانيهما لا قود عليه وهو آثم
56 -
( باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث )
أي هذا باب في بيان شرب السم إلى آخره وأبهم الحكم اكتفاء بما يفهم من حديث الباب وهو عدم جوازه لأنه يفضي إلى قتل نفسه فإن قلت أخرج ابن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا يسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به فأتوه به فأخذه بيده ثم قال بسم الله واقتحمه فلم يضره قلت وقع هكذا كرامة لخالد فلا يتأسى به ويؤكد عدم جوازه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله والدواء به أي وفي بيان التداوي به وهو أيضا لا يجوز لقوله إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم قوله وبما يخاف منه عطف على الجار والمجرور أعني قوله به وإنما جاز لإعادة الجار وفي بعض النسخ وما يخاف بدون حرف الباء فعلى هذا يكون عطفا على لفظ السم وهو بضم الياء على صيغة المجهول وقال بعضهم قال الكرماني يجوز فتحه قلت لم يذكر الكرماني شيئا من ذلك والمعنى بما يخاف به من الموت أو استمرار المرض قوله والخبيث أي والدواء الخبيث ويقع هذا بوجهين أحدهما من جهة نجاسبته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يؤكل والآخر من جهة استقذاره فتكون كراهته لإدخال المشقة على النفس قاله الخطابي وقد ورد النهي عن تناول الدواء الخبيث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان
5778 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) حدثنا ( خالد بن الحارث ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان ) قال سمعت ( ذكوان ) يحدث عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجاء بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ( انظر الحديث 1365 )
هذا الحديث يوضح إبهام ما في الترجمة من الحكم وهو وجه المطابقة بينهما
وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجي البصري مات في سنة ثمان وعشرين ومائتين وخالد بن الحارث بن سليمان أبو عثمان البصري وسليمان هو الأعمش وذكوان بفتح الذال المعجمة أبو صالح الزيات السمان المديني
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن حبيب وأخرجه الترمذي في الطب عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن عبد الأعلى
قولهمن تردى أي أسقط نفسه منه وقال الكرماني تردى إذا سقط في البئر قوله ومن تحسى بالمهملتين من باب التفعل بالتشديد ومعناه تجرع وأصله من حسوت المرق حسوا والحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة وبالفتح المرة قوله يجاء بفتح

(21/291)


الياء وتخفيف الجيم وبعد الألف همزة من وجأته بالسكين إذا ضربته وأصل يجاء يوجيء بكسر الجيم فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ثم فتحت الجيم لأجل الهمزة وقال ابن التين في رواية الشيخ أبي الحسن يجاء بضم أوله ولا وجه لذلك وإنما يبنى للمجهول بإعادة الواو فيقال يوجأ ووقع في رواية مسلم يتوجأ على وزن يتكبر من باب التفعل قوله خالدا مخلدا فيها أي في نار جهنم وجهنم اسم لنار الآخرة غير منصرف إما للعجمة والعلمية وإما للتأنيث والعلمية والمراد بذلك إما في حق المستحل أو المراد المكث الطويل لأن المؤمن لا يبقى في النار خالدا مؤبدا وحكى ابن التين عن غيره أن هذا الحديث ورد في حق رجل بعينه كافر فحمله الناقل على ظاهره وقال بعضهم هذا بعيد قلت لا بعد فيه فما المانع من ذلك
5779 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( أحمد بن بشير أبو بكر ) أخبرنا ( هاشم بن هاشم ) قال أخبرني ( عامر بن سعد ) قال سمعت أبي يقول سمعت رسول الله يقول من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر
لم أر أحدا من الشراح ذكر وجه إيراد هذا الحديث في هذا الباب ولا سيما الشارح الذي يدعي أن في هذا الفن يرجع إليه وظهر لي فيه شيء من الأنوار الإلهية وإن كان فيه تعسف وهو أن الترجمة إنما وضعت للنهي عن استعمال السم مطلقا ففي الحديث ما يمنع ذلك من الأصل فبين ذكرهما متعاقبين وجه لا يخفى
قوله حدثني محمد كذا وقع في رواية الأكثرين مجردا عن نسبته ووقع لأبي ذر عن المستملي محمد بن سلام وأحمد بن بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة أبو بكر مولى امرأة عمرو بن حريث الكوفي من أفراد البخاري سوى هذا الموضع وقال ابن معين لا بأس به هكذا رواه عباس الدوري عنه وقال عثمان الدارمي عن ابن معين متروك ورد عليه الخطيب وقال التبس على عثمان بآخر يقال له أحمد بن بشير لكن كنيته أبو جعفر وهو بغدادي من طبقة صاحب الترجمة فلأجل ذلك قيد البخاري أحمد بن بشير بذكر كنيته أبو بكر دفعا للالتباس مات هو بعد وكيع بخمسة أيام ومات وكيع سنة تسع وتسعين ومائة
والحديث قد مر عن قريب في باب الدواء بالعجوة
57 -
( باب ألبان الأتن )
أي هذا باب في بيان حكم ألبان الأتن وبيان الحكم في الحديث والأتن بضم الهمزة والتاء المثناة من فوق جمع أتان وهي الحمارة
5780 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( أبي إدريس الخولاني ) عن ( أبي ثعلبة الخشني ) رضي الله عنه قال نهى النبي عن أكل كل ذي ناب من السبع
قال الزهري ولم أسمعه حتى أتيت الشأم ( انظر الحديث 5530 وطرقه )
5781 - ( وزاد الليث ) قال حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال وسألته هل نتوضأ أو نشرب ألبان الأتن أو مرارة السبع أو أبوال الإبل قال قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بذلك بأسا فأما ألبان الأتن فقد بلغنا أن رسول الله نهى عن لحومها ولم يبلغنا عن ألبانها أمر ولا نهي وأما مرارة السبع قال ابن شهاب أخبرني أبو إدريس الخولاني أن أبا ثعلبة الخشني أخبره أن رسول الله نهى عن أكل كل ذي ناب من السبع ( انظر الحديث 5530 وطرفه )
مطابقته للترجمة لا تخفى وعبد الله بن محمد هو المسندي وسفيان هو ابن عيينة والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وأبو إدريس هو عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني وأبو ثعلبة بالثاء المثلثة في اسمه اختلاف كثير والأكثر على أنه جرهم بالجيم والراء
والحديث مضى في الذبائح في باب أكل كل ذي ناب من السباع
قولهمن السبع كذا هو في رواية المستملي والسرخسي بلفظ الإفراد والمراد الجنس وفي رواية الأكثرين من السباع بالجمع قوله ولم أسمعه أي الحديث المذكور

(21/292)


قولهوزاد الليث أي زاد فيه الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب هو الزهري وهذه الزيادة أوردها أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض عن يونس بن يزيد قوله قال وسألته أي قال ابن شهاب وسألت أبا إدريس قوله هل نتوضأ أو نشرب فيه نوع من تنازع الفعلين قوله بها أي بأبوال الإبل قوله قال ابن شهاب أخبرني ويروى حدثني وهو الأصح وقال الكرماني فإن قلت علم من الجواب جواز التداوي بلبن الإبل فما المفهوم من جواب الآخرين قلت حرمة لبن الأتان من جهة حرمة لحمه لأن اللبن متولد من اللحم وحرمة مرارة السبع إذ لفظ الحديث عام في جميع أجزائه ويحتمل أن يكون غرضه أنه ليس لنا نص فيهما ولا يعرف حكمها
وقال ابن التين اختلف في ألبان الأتن على وجهين أحدهما على الخلاف في لحومها هل هي محرمة أو مكروهة والثاني بعد تسليم التحريم هل لبنهن حلال قياسا على لبن الآدمية ومرارة السبع على الاختلاف أيضا في لحومها هل هي محرمة أو مكروهة
58 -
( باب إذا وقع الذباب في الإناء )
أي هذا باب في ما إذا وقع الذباب في الإناء كيف يكون حكمه والذباب بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الموحدة قال أبو هلال العسكري الذباب واحد والجمع ذبان كغربان يعني بكسر الذال والعامة تقول ذباب للجمع والواحدة ذبابة كقردانة وهو خطأ وكذا نقل عن أبي حاتم السختياني أنه خطا ونقل ابن سيده في ( المحكم ) عن أبي عبيدة عن خلف الأحمر تجويز ما زعم العسكري أنه خطأ وحكى سيبويه في الجمع ذب بضم أوله والتشديد وقال الجوهري الذباب معروف الواحدة ذبابة ولا تقل ذبابة وجمع القلة أذبة والكثير ذباب مثل غراب وأغربة وغربان وأرض مذبة ذات ذباب وقيل سمي ذبابا لكثرة حركته واضطرابه وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عمر مرفوعا عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل وقال الجاحظ كونه في النار ليس تعذيبا له بل ليعذب أهل النار به وقال الجوهري يقال إنه ليس شيء من الطيور يلغ إلا الذباب وقال أفلاطون الذباب أحرص الأشياء حتى إنه يلقي نفسه في كل شيء ولو كان فيه هلاكه ويتولد من العفونة ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها والجفن يصقل الحدقة فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عيينها وهو من أكثر الطيور سفادا وربما بقي عامة اليوم على الأنثى وأدنى الحكمة في خلقه أذى الجبابرة وقيل لولا هي لجافت الدنيا
5782 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( إسماعيل بن مسلم ) مولى ( بني تميم ) عن ( عبيد بن حنين ) مولى ( بني زريق ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الآخر داء ( انظر الحديث 3320 )
مطابقته للترجمة في صدر الحديث والحديث قد مر في بدء الخلق في باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم إلى آخره فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم إلى آخره ولفظه إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ولفظ الإناء أشمل ومر الكلام فيه هناك
قوله كله تأكيد رفع توهم المجاز من الاكتفاء بغمس بعضه قوله فإن في إحدى جناحيه وفي رواية أبي داود فإن في أحد والجناح يذكر ويؤنث وقيل أنث باعتبار اليد وحقيقته للطائر ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله تعالى واخفض لهما جناح الذل ( الإسراء24 ) ولم يقع تعيين الجناح الذي فيه الشفاء وذكر عن بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء قوله داء المراد به السم الذي فيه ويوضحه حديث أبي سعيد فإن فيه أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ولا يحتاج فيه إلى التخريج الذي تكلفه بعض الشراح فقال إن في اللفظ مجازا وهو كون الداء في أحد الجناحين فهو إما من مجاز الحذف والتقدير فإن في أحد جناحيه سبب داء وإما مبالغة بأن يجعل كل الداء في أحد جناحيه لما كان سببا له وقال الخطابي هذا مما ينكره من لم يشرح الله قلبه

(21/293)


بنور المعرفة ولم يتعجب من النحلة جمع الله فيها الشفاء والسم معا فتعسل من أعلاها وتسم من أسفلها بحمتها والحية سمها قاتل ولحمها مما يستشفى به من الترياق الأكبر من سمها فريقها داء ولحمها دواء ولا حاجة لنا مع قول رسول الله الصادق الصدوق إلى النظائر وأقوال أهل الطب الذين ما وصلوا إلى علمهم إلا بالتجربة والتجربة خطر والله على كل شيء قدير وإليه التوكل والمصير
بسم الله الرحمان الرحيم
77 -
( كتاب اللباس )
أي هذا في كتاب بيان أنواع اللباس وأحكامها واللباس ما يلبس وكذلك الملبس واللبس بالكسر واللبوس أيضا ما يلبس وأورد ابن بطال هذا الكتاب بعد الاستئذان ولا وجه له
وقول الله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ( الأعراف23 )
وقول الله بالجر عطفا على اللباس وهذا المقدار من الآية المذكورة قد ذكر في رواية الأكثرين وزاد أبو نعيم والطيبات من الرزق وفي رواية النسفي قال الله تعالى قل من حرم زينة الله الآية وهذه الآية عامة في كل مباح وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها وقال الفراء كانت قبائل العرب لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل الله الآية وكذا روي عن ابراهيم النخعي والسدي والزهري وقتادة وآخرين أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت وهم عراة قوله والطيبات أي المستلذات من الطعام وقيل الحلال من الرزق
وقال النبي كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة
هذا التعليق في رواية المستملي والسرخسي فقط ولم يذكر في رواية الباقين ووصل هذا التعليق ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون أنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله فذكره قوله من غير إسراف يتعلق بالمجموع والإسراف صرف الشيء زائدا على ما ينبغي قوله ولا مخيلة بفتح الميم الكبر من الخيلاء التكبر وقال ابن التين المخيلة على وزن مفعلة من اختال إذا تكبر وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة فإن السرف في كل شيء يضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذا كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال والمخيلة تضر بالنفس حيث يكسبها العجب ويضر بالآخرة حيث تكسب الإثم وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس
وقال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس قوله ما خطئتك كذا وقع لجميع الرواة بإثبات الهمزة بعد الطاء وأورده ابن التين بحذفها ثم قال والصواب إثباتها وقال الجوهري يقال خطئت ولا يقال خطيت ومعناه كل ما شئت من الحلال وألبس ما شئت من الحلال ما دامت أخطأتك أي تجاوزتك اثنتان أي خصلتان وقال الكرماني ما أخطأتك أي ما دام تجاوز عنك خصلتان والإخطاء التجاوز من الصواب أو ما نافية أي لم يوقعك في الخطأ اثنتان والخطء الإثم وقال بعضهم وفيه بعد ورواية معمر ترده حيث قال ما لم يكن سرف أو مخيلة قلت لا بعد فيه لأن معناه صحيح لا يخفى ذلك على من يتأمله قوله سرف أو مخيلة بيان لقوله اثنتان وكان القياس أن يقال سرف ومخيلة بالواو ولكن أو تجيء بمعنى الواو كما في قوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( الإنسان 24 ) على تقدير النفي إذ انتفاء الأمرين لازم فيه
5783 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم

(21/294)


يخبرونه ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء
مطابقة هذا الحديث ابن عباس الذي قبله ظاهرة لأن في ذاك ذم المخيلة وفي هذا جر الثوب خيلاء وهو أيضا من المخيلة وحديث ابن عباس أيضا مطابق للحديث الذي قبله من هذه الحيثية وهو أيضا مطابق للآية المذكورة على ما لا يخفى
والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن يحيى بن يحيى وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة بن سعيد وغيره
قولهيخبرونه أي هؤلاء الثلاثة نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم يخبرون مالكا عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله من جر ثوبه يدخل فيه الإزار والرداء والقميص والسراويل والجبة والقباء وغير ذلك مما يسمى ثوبا بل ورد في الحديث دخول العمامة في ذلك كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة قوله لا ينظر الله نفي نظر الله تعالى هنا كناية عن نفي الرحمة فعبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر متجبر مقته فالنظر إليه في تلك الحالة اقتضى الرحمة أو المقت قوله خيلاء بالضم والكسر وهو الكبر والعجب يقال اختال فهو مختال وانتصابه على الحال بالتأويل
2 -
( باب من جر إزاره من غير خيلاء )
أي هذا باب في بيان حكم من جر إزاره من غير قصد التخييل فإنه لا بأس به من غير كراهة وكذلك يجوز لدفع ضرر يحصل له كأن يكون تحت كعبيه جراح أو حكة أو نحو ذلك إن لم يغطها تؤذيه الهوام كالذباب ونحوه بالجلوس عليها ولا يجد ما يسترها به إلا إزاره أو ردائه أو قميصه وهذا كما يجوز كشف العورة للتداوي وغير ذلك من الأسباب المبيحة للترخص وقال شيخنا زين الدين وأما جوازه لغير ضرورة لا لقصد الخيلاء فقال النووي إنه مكروه وليس بحرام وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه التفرقة بين وجود الخيلاء وعدمه وهذه الترجمة سقطت لابن بطال رحمه الله
5784 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن أبيه رضي الله عنه عن النبي قال من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذالك منه فقال النبي لست ممن يصنعه خيلاء
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وقال أبو بكر رضي الله عنه الخ وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وزهير مصغر زهر بن معاوية أبو خيثمة وسالم هو ابن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه عن النبي
والحديث مضى في فضائل أبي بكر رضي الله عنه فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن موسى بن عقبة إلى آخره
قولهإن أحد شقي إزاري كذا بالتثنية في رواية النسفي والكشميهني وفي رواية غيرهما شق بالإفراد والشق بكسر الشين المعجمة الجانب ويطلق أيضا على النصف قوله يسترخي بالخاء المعجمة وسبب استرخائه كون أبي بكر رجلا أحنى نحيفا لا يستمسك فإزاره يسترخي عن حقويه وقال الكرماني يصح أحنى بالحاء المهملة والجيم يقال رجل أحنى الظهر بالمهملة ناقصا أي في ظهره أحد يداب ورجل أجنأ بالجيم مهموزا أي أحدب الظهر ثم إن الاسترخاء يحتمل أن يكون من طرف القدام نظرا إلى الإحديداب وأن يكون من اليمين أو الشمال نظرا إلى النحافة إذ الغالب أن النحيف لا يستمسك إزاره على السوء قوله إلا أن أتعاهد ذلك منه الاستثناء من قوله يسترخي يعني يسترخي إلا عند التعاهد بذلك وحين غفلت عنه يسترخي قوله لست ممن يصنعه أي لست أنت يا أبا بكر ممن يصنع جر الإزار خيلاء وفي رواية زيد بن أسلم لست منهم وفيه أنه لا حرج على من يجر إزاره بغير قصد كما ذكرناه فإن قلت روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يكره جر الإزار على كل حال قلت قال ابن بطال هو من تشديداته وإلا فقد روى هو حديث الباب فلم يخف عليه الحكم

(21/295)


ح ( دثني محمد ) أخبرنا ( عبد الأعلى ) عن ( يونس ) عن ( الحسن ) عن ( أبي بكرة ) رضي الله عنه قال خسفت الشمس ونحن عند النبي فقام يجر ثوبه مستعجلا حتى أتى المسجد وثاب الناس فصلى ركعتين فجلي عنها ثم أقبل علينا وقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشفها
مطابقته للترجمة في قوله فقام يجر ثوبه مستعجلا ومحمد شيخ البخاري ذكر مجردا فقال الكرماني هو ابن يوسف البخاري البيكندي لأنه ممن روى عن عبد الأعلى وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن عبد الأعلى فيحتمل أن يكون هو أباه وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري ويونس هو ابن عبيد البصري والحسن هو البصري وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث الثقفي
والحديث قد مضى في أول أبواب الكسوف فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن عون عن خالد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه ومنضى الكلام فيه
قولهفقام يجر ثوبه مستعجلا حالان متداخلان قوله يجر حال من الضمير الذي في قام ومستعجلا حال من الضمير الذي في بحر وفيه دلالة على أن جر الإزار إذا لم يكن خيلاء جاز وليس عليه بأس قوله وثاب الناس بالثاء المثلثة والباء الموحدة يعني رجعوا إلى المسجد بعد أن كانوا خرجوا منه قوله فجلي بضم الجيم وتشديد اللام المكسورة أي فكشف عنها أي عن الشمس قوله حتى يكشفها أي حتى يكشف الله الشمس
3 -
( باب التشمير في الثياب )
أي هذا باب في بيان التشمير في الثياب والتشمير بالشين المعجمة من شمر إزاره إذا رفعه وشمر في أمره أي خف وقال بعضهم باب التشمر في الثياب هو بالشين المعجمة وتشديد الميم رفع أسفل الثوب قلت جعله من باب التفعل وليس كذلك بل هو من باب التفعيل كما ذكرنا والذي ذكره مخالف للنسخ المعمتد عليها وللفظ الحديث أيضا فإنه ذكر فيه مشمرا وهو من باب التشمير لا من باب التشمر ولم يفرق بين البابين
5786 - حدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( ابن شميل ) أخبرنا ( عمر بن أبي زائدة ) أخبرنا ( عون بن أبي جحيفة ) عن أبيه ( أبي جحيفة ) قال فرأيت بلالا جاء بعنزة فركزها ثم أقام الصلاة فرأيت رسول الله خرج في حلة مشمرا فصلى ركعتين إلى العنزة ورأيت الناس والدواب يمرون بين يديه من وراء العنزة
مطابقته للترجمة في قوله خرج في حلة مشمرا وإسحاق شيخه قال الكرماني إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور قلت ابن إبراهيم هو ابن راهويه وابن منصور هو إبراهيم بن منصور بن كوسج المروزي وقال بعضهم هو ابن راهويه جزم بذلك أبو نعيم في ( المستخرج ) قلت الظاهر أنه ابن راهويه والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر شمل بالشين المعجمة وعمر بضم العين ابن أبي زائدة واسمه خالد وهو أخو زكريا بن أبي زائدة الهمداني الكوفي وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي من صغار الصحابة قيل مات رسول الله وهو لم يبلغ الحلم نزل الكوفة
والحديث مضى في الصلاة في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن عون إلى آخره
قولهبعنزة بفتح العين والنون والزاي وهو أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زج قوله في حلة وهي إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين وتجمع على حلل وهي برود اليمن
وفيه أن التشمير في الصلاة مباح وعند المهنة والحاجة إليه وهو من التواضع ونفي التكبر والخيلاء
4 -
( باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار )

(21/296)


أي هذا باب يذكر فيه ما أسفل من الكعبين فهو في النار ويذكر معناه في الحديث لأن قوله ما أسفل من الكعبين من لفظ الحديث وقوله فهو في النار ليس لفظ الحديث هكذا بل هو ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار واقتصر في الترجمة في الجزء الثاني وأطلقها ولم يقيدها بلفظ الإزار قصدا للتعميم في الإزار والقيمص ونحو ذلك وقال بعضهم باب منون قلت ليس كذلك لأن التنوين علامة الإعراب والإعراب لا يكون إلا في المركب وكيف يقول باب بالتنوين نعم لو قال تقديره هذا باب مثل ما قلنا لكان منونا
5787 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار
مطابقته للجزء الأول من للترجمة ظاهرة لأنه عينها
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي عن شعبة به وفي ( التوضيح ) وفي الحديث تقديم وتأخير معناه ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار وقيل يعني ما أسفل من الكعبين من الرجلين فأما الثوب فلا ذنب له وروى عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي داود عن نافع أنه سئل عن قوله في هذا الحديث ما أسفل من الكعبين ففي النار من الثياب ذلك قال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين وقال الخطابي يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين من رجله في النار كنى بالثوب عن بدن لابسه وقد أولوا على وجهين إن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له أو إن فعله ذلك محسوب في جملة أفعال أهل النار وقال الكرماني كلمة ما موصولة وبعض صلته محذوف وهو كان وأسفل خبره ويجوز أن يرفع أسفل أي ما هو أسفل وهو أفعل ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا وهذا مطلق يجب حمله على المقيد وهو ما كان للخيلاء قوله ففي النار إنما دخلت الفاء لتضمن كلمة ما معنى الشرط ويروى بدون الفاء وهكذا في غالب نسخ البخاري ورواه النسائي بالفاء
5 -
( باب من جر ثوبه من الخيلاء )
أي هذا باب في بيان من جر ثوبه لأجل الخيلاء وكلمة من للتعليل وقد مر تفسيره
5788 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث من أفراده وقد مر تفسير لا ينظر الله عن قريب
قولهمن يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص فلذلك سألت أم سلمة عند ذلك بقولها فكيف تصنع النساء بذيولهن على ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر قال قال رسول الله من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن فقال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه وقال الترمذي هذا حديث صحيح وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن وقال شيخنا زين الدين رحمه الله الظاهر أن المراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران وهو الذراع الذي يقاس به الحصر اليوم والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث ابن عمر في ترخيصه لأمهات المؤمنين في إرخائه شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا آخر قوله بطرا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون بفتحتين ويكون مصدرا ومعناه طغيانا وتكبرا والآخر أن يكون بكسر الطاء ويكون منصوبا على الحال وقال الراغب البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها
5789 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( محمد بن زياد ) قال سمعت ( أبا هريرة ) يقول قال

(21/297)


النبي أو قال أبو القاسم بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن المشي في حلة من إعجاب النفس معنى جر الثوب خيلاء
والحديث أخرجه مسلم أيضا في اللباس عن عبيد الله بن معاذ وغيره
قولهقال النبي أو قال أبو القاسم الشك من آدم شيخ البخاري قوله بينما قد ذكرنا غير مرة أن أصل بينما بين فزيدت فيه ما ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى خبر وخبره هنا قوله إذ خسف الله به قوله رجل قال الكرماني هذا الرجل يحتمل أن يكون من هذه الأمة وسيقع بعد وأن يكون من الأمم السالفة فيكون إخبارا عما وقع وقيل هو قارون وقال السهيلي إن اسمه هيزن من أعراب فارس وجزم الكلاباذي والجوهري أنه قارون قوله يمشي في حلة وفي رواية لمسلم بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبرداه إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة وفي رواية له من حديث الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد أعجبته نفسه الحديث والحلة ثوبان وقد ذكرناه عن قريب قوله مرجل من الترجيل بالجيم وهو تسريح شعر الرأس قوله جمته بضم الجيم وتشديد الميم مجتمع شعر الرأس وهو أكبر من الوفرة ويقال هو الشعر الذي يتدلى من الرأس إلى المنكبين وإلى أكثر من ذلك وأما الذي لا يتجاوز الأذنين فهو الوفرة قوله يتجلجل من التجلجل بالجيمين وهو الحركة والمعنى أنه يتحرك وينزل مضطربا وحكى عياض أنه روى يتجلل بجيم واحدة ولام ثقيلة بمعنى يتغطى أي تغطية الأرض وحكى أيضا يتخلخل بخاءين معجمتين واستبعدها
5790 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن أباه حدثه أن رسول الله قال بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في باب ما ذكر عن بني إسرائيل
تابعه يونس عن الزهري ولم يرفعه شعيب عن أبي هريرة
أي تابع ( عبد الرحمن بن خالد ) يونس بن يزيد في روايته عن محمد بن مسلم الزهري وذكر هذه المتابعة في أواخر باب ما ذكر عن بني إسرائيل حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني سالم أن ابن عمر حدثه أن النبي قال بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة قوله ولم يرفعه أي لم يرفع الحديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ووصله الإسماعيلي عن أبي اليمان حدثنا محمد بن مسلم وأنبانا القاسم حدثنا ابن زنجويه قالا حدثنا أبو اليمان عن شعيب عن الزهري أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر قال بينا امرء جر إزاره الحديث
ح ( دثني عبد الله بن محمد ) حدثنا ( وهب بن جرير ) أخبرنا أبي عن ( عمه جرير بن زيد ) قال ( كنت مع سالم بن عبد الله بن عمر على باب داره ) فقال سمعت ( أبا هريرة ) سمع النبي نحوه ( انظر الحديث 3485 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله نحوه أي نحو حديث ابن عمر السابق فيكون له مطابقة مثل مطابقته
ووهب بن جرير يروي عن أبيه جرير بن حازم بن زيد الأزدي عن عمه جرير بن زيد أبي سلمة البصري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن عبيد الله بن عبد العظيم القرشي عن علي بن المديني عن وهب بن جرير بن حازم نحوه بينما رجل ممن قبلكم يمشي في حلة له فذكره وقال المزي رواه الزهري وغيره عن

(21/298)


سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي وهو المحفوظ وذكر أبو القاسم في ترجمة عبد الله بن عمر عن أبي هريرة وهو وهم ليس فيه ابن عمر إنما هو عن سالم عن أبي هريرة وكذلك هو في رواية أبي الحسن بن حمويه وأبي علي السيوطي عن النسائي على الصواب وقيل قد خالف جرير بن زيد الزهري فقال عن سالم عن أبي هريرة والزهري يقول عن سالم عن أبيه ولكن قوي عند البخاري أنه عن سالم عن أبيه وعن أبي هريرة جميعا والدليل على صحة رواية جرير بن زيد أنه قال في روايته كنت مع سالم على باب داره فقال سمعت أبا هريرة فهذه قرينة قوية في حفظه عن سالم عن أبي هريرة
5791 - حدثنا ( مطر بن الفضل ) حدثنا ( شبابة ) حدثنا ( شعبة ) قال ل ( قيت محارب بن دثار على فرس ) وهو ( يأتي مكانه ) الذي ( يقضي فيه فسألته ) عن هاذا الحديث فحدثني فقال سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقلت لمحارب أذكر إزاره قال ما خص إزارا ولا قميصا
مطابقته للترجمة ظاهرة وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن سوار الفزاري ومحارب على وزن اسم الفاعل من حارب ابن دثار بكسر الدال المهملة وتخفيف الثاء المثلثة وبالراء السدوسي قاضي الكوفة
والحديث رواه مسلم في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن المثنى به
قوله مخيلة بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة أي كبرا وعجبا قوله فقلت لمحارب أذكر القائل هو شعبة سأل عن محارب هل ذكر عبد الله بن عمر في حديثه إزاره فقال ما خص إزارا ولا قميصا وحاصله أن التعبير بالثوب أشمل يتناول الإزار وغيره
تابعه جبلة بن سحيم وزيد بن أسلم وزيد بن عبد الله عن ابن عمر عن النبي
أي تابع محارب بن دثار جبلة بفتح الجيم والباء الموحدة ابن سحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين وتابعه أيضا زيد بن أسلم وزيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم يعني هؤلاء الثلاثة تابعوا محاربا في روايته عن ابن عمر بلفظ الثوب لا بلفظ الإزار
أما متابعة جبلة فأخرجها مسلم حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محارب ابن دثار وجبلة بن سحيم عن ابن عمر عن النبي بمثل حديثهم فأحاله على ما قبله وهو حديث نافع وغيره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة وأما متابعة زيد بن أسلم فأخرجها مسلم أيضا حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن ابن عمر أن رسول الله قال لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء وأما متابعة زيد بن عبد الله فلم يظفر بها صريحا ولكن روى أبو عوانة من رواية ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله عن أبيه بلفظ إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة
وقال الليث عن نافع عن ابن عمر مثله
أي قال الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر مثل الحديث المذكور ووصل ( هذا ) التعليق مسلم عن قتيبة وابن رمح عن الليث بن سعد الحديث أحاله مسلم على ما روي قبله ولفظه لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء
وتابعه موسى بن عقبة وعمر بن محمد وقدامة بن موسى عن سالم عن ابن عمر عن النبي من جر ثوبه خيلاء
أي تابع نافعا في روايته بلفظ الثوب موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني وتابعه أيضا عمر بن محمد بن زيد بن ( عبد الله بن عمر ) وقدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي المدني التابعي الصغير وليس له في البخاري

(21/299)


إلا هذا الموضع
أما متابعة موسى بن عقبة فذكرهاالبخاري مسندا في أول أبواب اللباس عن أحمد بن يونس عن زهير عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي قال من جر ثوبه خيلاء الحديث وأما متابعة عمر بن محمد فوصلها مسلم حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله أخبرنا عمر بن محمد عن أبيه عن سالم بن عبد الله ونافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء الحديث وأما متابعة قدامة بضم القاف وتخفيف الدال المهملة ابن موسى الجمحي فوصلها أبو عوانة في ( صحيحه ) بلفظ حديث مالك المذكور في أول الباب
6 -
( باب الإزار المهدب )
أي هذا باب في بيان حكم لبس الإزار المهدب بضم الميم وفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وبالباء الموحدة على صيغة اسم المفعول وهو الإزار الذي له هدب جمع هدبة وهي الخملة وما على أطراف الثوب قاله الكرماني وقال غيره المهدب الذي له هدب وهي أطراف من سدى بغير لحمة وربما يقصد بها التجمل وقد تفتل صيانة لها من الفساد وقال الداودي هي ما يبقى من الخيوط من أطراف الأردية
ويذكر عن الزهري وأبي بكر بن محمد وحمزة بن أبي أسيد ومعاوية بن عبد الله بن جعفر أنهم لبسوا ثيابا مهدبة
الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة وحمزة بن أبي أسيد مصغر أسد الأنصاري الساعدي ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب المدني التابعي ما له في البخاري سوى هذا الموضع قال ابن بطال الثياب المهدبة من لبس السلف وأنه لا بأس به وليس ذلك من الخيلاء وروى أبو داود من حديث جابر رأيت النبي وهو محتب بشملة قد وقع هدبها على قدمه وفيه وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة
5792 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها زوج النبي قالت جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله وأنا جالسة وعنده أبو بكر فقالت يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمان بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هاذه الهدبة وأخذت هدبة من جلبابها فسمع خالد بن سعيد قولها وهو بالباب لم يؤذن له قالت فقال خالد يا أبا بكر ألا تنهي هاذه عما تجهر به عند رسول الله فلا والله ما يزيد رسول الله على التبسم فقال لها رسول الله لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فصارت سنة بعد
مطابقته للترجمة في قوله إلا مثل هذه الهدبة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة
والحديث قد مر في كتاب الطلاق في باب من أجاز طلاق الثلاث فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله لا أي لا يجوزلك أن ترجعي إلى رفاعة حتى يذوق عسيلتك والعسيلة كناية عن لذة الجماع والعسل يؤنث في بعض اللغات قوله فصارت سنة بعد من كلام الزهري أي صارت هذه القضية شريعة بعد ذلك يعني أن المطلقة ثلاثا لا تحل للزوج الأول إلا بعد جماع الزوج الثاني قوله بعد بضم الدال هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره بعده بالضمير
7 -
( باب الأردية )

(21/300)


أي هذا باب في ذكر الأردية وهو جمع رداء بالمد وهو ما يوضع على العاتق أو بين الكتفين من الثياب على أي صفة كان
وقال أنس جبذ أعرابي رداء النبي
هذا التعليق طرف من حديث أخرجه في باب البرود والحبرة على ما يجيء في هذا بعد تسعة أبواب قوله جبذ بالجيم والباء الموحدة والذال المعجمة وهو بمعنى جذب
5793 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) أخبرني ( علي بن حسين ) أن ( حسين بن علي ) أخبره أن ( عليا ) رضي الله عنه قال فدعا النبي بردائه فارتدى به ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن فأذنوا لهم
مطابقته للترجمة في قوله فدعا النبي بردائه فارتدى به وعبدان لقب عبد الله بن عثمان وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد
والحديث مضى مطولا في باب فرض الخمس فإنه أخرجه هناك أيضا بهذا الإسناد بعينه عن عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني علي بن الحسين أن الحسين بن علي أخبره أن عليا رضي الله عنه قال كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر إلى آخره
قوله فيه حمزة هو ابن عبد المطلب قوله فأذنوا لهم كذا هو في رواية الأكثرين بصيغة الجمع والمراد حمزة ومن كان معه وفي رواية المستملي فاذن بالإفراد أي فأذن حمزة رضي الله عنه
8 -
( باب لبس القميص )
أي هذا باب في بيان لبس القميص أراد أن لبسه ليس بحادث وإن كان الشائع في العرب لبس الإزار والرداء
وقول الله تعالى حكاية عن يوسف اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( يوسف93 )
وقول الله مجرور عطفا على قوله لبس القميص ذكر هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن القميص قديم وقال ابن بطال إن لبس القميص من الأمر القديم
5794 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب فقال النبي لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس ما هو أسفل من الكعبين
مطابقته للترجمة في قوله لا يلبس المحرم القميص وحماد هو ابن زيد وأيوب هو السختياني
والحديث مضى في كتاب العلم في باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله ومضى أيضا في كتاب الحج في باب ما ينهى عن الطيب للمحرم ومضى الكلام فيه هناك
5795 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) أخبرنا ( ابن عيينة ) عن ( عمر وسمع جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما قال أتى النبي عبد الله بن أبي بعدما أدخل قبره فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه والله أعلم
مطابقته للترجمة في قوله وألبسه قميصه وعبد الله بن محمد هو المسندي وابن عيينة هو سفيان بن عيينة وعمرو بن دينار
والحديث مضى بأتم منه في الجنائز في باب هل يخرج الميت من القبر ومضى الكلام فيه وعبد الله بن أبي بن سلول المنافق والله أعلم بالحكمة في هذا الإحسان إليه
قوله ركبتيه بالتثنية ويروى ركبته بالإفراد
5796 - حدثنا ( صدقة ) أخبرنا يحياى بن سعيد عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن عبد الله قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله فقال يا رسول الله أعطني قميصك

(21/301)


أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه وقال له إذا فرغت منه فآذنا فلما فرغ آذنه به فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر فقال أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( التوبة80 ) فنزلت ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ( التوبة84 ) فترك الصلاة عليهم
مطابقته للترجمة في قوله أعطني قميصك وفي قوله فأعطاه قميصه
وصدقة هو ابن الفضل و ( يحيى بن سعيد ) القطان و ( عبيد الله ) بن عمر العمري
والحديث مضى في سورة براءة ومضى الكلام فيه
وقال ابن العربي لم أر للقميص ذكرا صحيحا إلا في الآية المذكورة وقصة ابن أبي ولم أر لهما ثالثا فيما يتعلق بالنبي ورد عليه بأنه جاء ذكر القميص في عدة أحاديث أخر منها حديث عائشة الذي مضى في الجنائز كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ومنها حديث أم سلمة رواه الترمذي كان أحب الثياب إلى رسول الله القميص ومنها حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت كان كم رسول الله إلى الرسغ رواه الترمذي أيضا ومنها حديث أبي هريرة قال كان رسول الله إذا لبس قميصا بدأ بميامنه رواه الترمذي أيضا ثم قال رواه غير واحد عن شعبة ولم يرفعه وإنما رفعه عبد الصمد بن عبد الوهاب عن شعبة ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ومنها حديث أبي سعيد أخرجه الترمذي أيضا كان إذا استجد ثوبا سماه باسم عمامة أو قميصا أو رداء وذكر أبو داود أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب أرسلاه
9 -
( باب جيب القميص من عند الصدر وغيره )
أي هذا باب في ذكر جيب القميص الكائن من عند الصدر وكأنه أشار بهذا إلى ما وقع في حديث الباب من قوله ويقول بإصبعه هكذا في جيبه فإن الظاهر أنه كان لابس قميص وكان في طوقه فتحة إلى صدره وعن هذا قال ابن بطال كان الجيب في ثياب السلف عند الصدر واعترض الإسماعيلي فقال كان أبا عبد الله أورد الخبر فيصير ما يوضع فيه شيء في الصدر وليس هو كذلك وإنما الجيب الذي يحيط بالعنق جيب في الثوب أي جعل فيه ثقب وإدخاله إصبعيه من الجيب حيث يلي الصدر قلت الجيب بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وهو ما يقور من الثوب ليخرج منه رأس اللابس ويسمى ذلك الموضع المقور جيبا وقال الجوهري الجيب للقميص تقول جبت القميص أجوبة وأجيبه إذا قورت جيبه وذكره في باب معتل العين من الواو وفي ( المطالع ) وقيل هو من ذوات الياء
5797 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( أبو عامر ) حدثنا ( إبراهيم بن نافع ) عن ( الحسن ) عن ( طاووس ) عن ( أبي هريرة ) قال ضرب رسول الله مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها قال أبو هريرة فأنا رأيت رسول الله يقول بإصبعه هاكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ويقول بإصبعه هكذا في جيبه وتمام الكلام مر آنفا وعبد الله بن محمد هو المنسدي وأبو عامر عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف وإبراهيم بن نافع المخزومي والحسن هو ابن مسلم بن يناق المكي
والحديث قد مرفى الزكاة في باب مثل المتصدق والبخيل فإنه أخرجه هناك من طريقين وأخرجه أيضا في الجهاد عن موسى بن إسماعيل مثل البخيل والمتصدق شبههما برجلين أراد كل منهما أن يلبس درعا فجعل مثل المنفق مثل من لبسها سابغة فاسترسلت عليه

(21/302)


حتى سترت جميع بدنه وزيادة ومثل البخيل كرجل يده مغلولة إلى عنقه ملازمة لتر قوته وصارت الدرع ثقلا ووبالا عليه لا يتسع بل تنزوي عليه من غير وقاية له قوله عليهما جبتان بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة تثنية جبة قوله إلى ثديهما بضم الثاء المثلثة وكسر الدال المهملة جمع ثدي والثدي يذكر ويؤنث وهو للمرأة والرجل والجمع أثد وثدي على فعول وثدي أيضا بكسر الثاء لما بعدها من الكسر قوله وتراقيهما تثنية ترقوة بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الراء وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق قوله حتى تغشى أي حتى تغطي أنامله وهي رؤوس الأصابع واحدها أنملة وفيها تسع لغات بتثليث الهمزة مع تثليث الميم قوله وتعفو أثره أي تمحو آثار مشية لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها قوله قلصت بالقاف والصاد المهملة أي تأخرت وانضمت وانزوت قوله كل حلقة بسكون اللام وكذا حلقة الباب والقوم وجمعها حلق على غير قياس يعني بفتح اللام وحكى عن أبي عمرو أن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالفتح وقال الشيباني ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا جمع حالق قوله يقول بإصبعه هكذا في جيبه بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني وحده جبته بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ضمير والأول أولى لموافقته للترجمة وكذا في رواية مسلم وعليه اقتصر الحميدي وفيه دلالة على أن جيبه كان في صدره لأنه لو كان في يده لم تضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه قوله فلو رأيته جوابه محذوف نحو لتعجبت منه أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب قوله يوسعها أي يوسع البخيل الجبة التي عليه يعني كلما يعالج أن يوسعها فلا تتوسع بل تزداد ضيقا ولزاما
تابعه ابن طاووس عن أبيه وأبو الزناد عن الأعرج في الجبتين وقال حنظلة سمعت طاووسا سمعت أبا هريرة يقول جبتان وقال جعفر عن الأعرج جنتان
أي تابع الحسن بن مسلم ابن طاووس يعني عبد الله عن أبيه طاووس عن أبي هريرة في روايته جبتان بالجيم والباء الموحدة وأخرج البخاري هذه المتابعة مسندة في كتاب الزكاة في باب مثل المتصدق والبخيل رواه عن موسى عن وهيب عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة الحديث وفيه جبتان بالباء الموحدة المشددة قوله وأبو الزناد أي وتابعه أيضا أبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأخرج هذه المتابعة أيضا في الباب المذكور عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة وفيه أيضا جبتان بالباء الموحدة قوله وقال حنظلة هو ابن أبي سفيان إلى آخره وفيه أيضا جبتان بالباء الموحدة وقد مر في الزكاة أيضا قوله وقال جعفر عن الأعرج جنتان أي قال جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج جنتان بالنون تثنية جنة وهي الوقاية هكذا في رواية الأكثرين جعفر بن ربيعة وهو الصواب ووقع في رواية أبي ذر جعفر بن حيان وكذا وقع عند ابن بطال وهو خطأ وقد ذكرها في الزكاة وقال الليث حدثني جعفر عن ابن هرمز سمعت أبا هريرة عن النبي جنتان
10 -
( باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر )
أي هذا باب يذكر فيه من لببس جبة وقد ترجم في كتاب الصلاة بقوله الصلاة في الجبة الشامية وفي الجهاد الجبة في السفر والحرب
5798 - حدثنا ( قيس بن حفص ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( أبو الضحى ) قال حدثني ( مسروق ) قال حدثني ( المغيرة بن شعبة ) قال انطلق النبي لحاجته ثم أقبل فتلقيته بماء فتوضأ وعليه جبة شأمية فمضمض واستنشق وغسل وجهه فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفيه
مطابقته للترجمة ظاهرة وقيس بن حفص الدارمي البصري من أفراد البخاري مات سنة سبع وعشرين ومائتين

(21/303)


أو نحوها قاله البخاري وعبد الواحد هو ابن زياد والأعمش هو سليمان وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح
والحديث قد مر في الوضوء في المسح على الخفين
قوله شامية بتشديد الياء ويجوز تخفيفها قوله فأخرج يديه من تحت الجبة ووقع في رواية على ابن السكن من تحت بدنه بفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة بعدها نون أي جبته والبدن درع ضيقة الكمين
11 -
( باب لبس جبة الصوف في الغزو )
أي هذا باب في لبس جبة الصوف وفي بعض النسخ بلفظ لبس جبة الصوف وليس في بعض النسخ لفظ في الغزو وأراد بلفظ الغزو السفر وعن مالك لا أكره لبس الصوف لمن لم يجد غيره وأكرهه لمن يجد غيره لأن غيره أبعد من الشهرة منه
5799 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( زكريا ) عن ( عامر ) عن ( عروة بن المغيرة ) عن أبيه رضي الله عنه قال كنت مع النبي ذات ليلة في سفر فقال أمعك ماء قلت نعم فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه الإداوة فغسل وجهه ويديه وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه ثم أهويت لإنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما
مطابقته للترجمة في قوله وعليه جبة من صوف وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وزكريا هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي وعروة بن المغيرة يروي عن أبيه المغيرة بن شعبة
والحديث قد مضى في الوضوء في باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان وأخرجه بعين هذا الإسناد عن أبي نعيم إلى آخره ولكن هذا أتم من ذاك ومضى الكلام فيه هناك
12 -
( باب القباء وفروج حرير وهو القباء ويقال هو الذي له شق من خلفه )
أي هذا باب فيه ذكر القباء بفتح القاف وتخفيف الباء الموحدة وبالمد فارسي معرب وقال ابن دريد هو مأخوذ من قبوت الشيء إذا جمعته قوله وفروج بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وبالجيم قوله حرير بالجر صفته قوله وهو القباء أي الفروج هو القباء قوله ويقال هو الذي أي الفروج هو الذي له شق بفتح الشين المعجمة من خلفه وقال القرطبي القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلفه يلبس في السفر والحرب لأنه أعون على الحركة وقال ابن بطال القباء من لبس الأعاجم
5800 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( المسور بن مخرمة ) أنه قال قسم رسول الله أقبية ولم يعط مخرمة شيئا فقال مخرمة يا بني انطلق بنا إلى رسول الله فانطلقت معه فقال ادخل فادعه لي قال فدعوته له فخرج إليه وعليه قباء منها فقال خبأت هاذا لك قال فنظر إليه فقال رضي مخرمة
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مليكة بضم الميم عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والمسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وبالراء ابن مخرمة بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء كلاهما صحابيان ومخرمة بن نوفل الزهري كان من رؤساء قريش ومن العارفين بالنسب وأنصاب الحرم وتأخر إسلامه إلى الفتح وشهد حنينا وأعطى من تلك الغنيمة مع المؤلفة ومات مخرمة سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وخمس عشرة سنة ذكره ابن سعد
والحديث قد مضى في الهبة في باب كيف يقبض العبد والمتاع بعين هذا الإسناد والمتن ومضى في الشهادات أيضا والخمس
قولهادخل

(21/304)


فادعه لي وفي رواية حاتم بن وردان فقام أبي على الباب فتكلم فعرف النبي صوته وقال ابن التين لعل خروج النبي عند سماع صوت مخرمة صادف دخول المسور إليه قوله فخرج أي النبي وعليه قباء منها أي من تلك الأقبية ظاهره استعمال الحرير قيل ويجوز أن يكون قبل النهي ويجوز أن يكون خرج وقد نشرها على يديه فيكون قوله وعليه من إطلاق الكل على الجزء وقد وقع في رواية حاتم فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه قوله قال رضي مخرمة قال الداودي هذا من كلام النبي وقيل من كلام مخرمة وقد مضى الكلام فيه بأبسط من هذا
5801 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة ابن عامر ) رضي الله عنه أنه قال أهدي لرسول الله فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له ثم قال لا ينبغي هاذا للمتقين ( انظر الحديث 375 )
مطابقته للترجمة في قوله فروج حرير ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب واسمه سويد المصري وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني
والحديث مضى في الصلاة في باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث إلى آخره
قولهفروج حرير بالإضافة وفي رواية أحمد فروج من حرير وفي ( التوضيح ) الفروج بفتح الفاء وضمها وقال ابن فارس هو قميص صغير قال ويقال هو القباء وفي بعض الروايات مخفف الراء وفي بعضها بالتشديد ويحتمل أن يريد بأن أحدهما غير مضاف والآخر مضاف كثوب حرير وباب حديد وفي بعض الكتب ضبط أحدهما بفتح الفاء والآخر بضمها والفتح أوجه فافهم قوله نزعا شديدا وزاد في رواية أحمد عنيفا أي بقوة ومبادرة لذلك على خلاف عادته في الرفق ويجوز أن يكون ذلك لأجل وقوع التحريم حينئذ قوله هذا يجوز أن يكون إشارة إلى اللبس وأن يكون إشارة للحرير لكونه حرم حينئذ وقال ابن بطال يمكن أن يكون نزعه لكونه كان حريرا صرفا ويمكن أن يكون نزعه لأنه من جنس لباس الأعاجم وقال القرطبي المراد بالمتقين المؤمنون لأنهم هم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له
تابعه عبد الله بن يوسف عن الليث وقال غيره فروج حرير
أي تابع قتيبة بن سعيد في روايته عن الليث عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ورواه عن الليث ومر هذا مسندا في كتاب الصلاة في باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر إلى آخره قوله وقال غيره أي غير عبد الله بن يوسف قال فروج يعني أن لفظ حرير مرفوع صفة لفروج وقد روى هذه الرواية أحمد عن حجاج بن محمد ومسلم والنسائي عن قتيبة والحارث عن يونس بن محمد المؤدب كلهم عن الليث
واختلفوا في المغايرة بين الروايتين على خمسة أوجه الأول التنوين والإضافة كما تقول ثوب خز بالإضافة وثوب خز بالصفة الثاني ضم الفاء فيه وفتحها حكاه ابن التين من حيث الرواية قال والفتح أوجه لأن فعولا لم يرد إلا في سبوح وقدوس وفروخ فرخ الدجاج وحكى عن أبي العلاء المغربي جواز الضم وقال القرطبي حكي الضم والفتح والضم هو المعروف الثالث تشديد الراء وتخفيفها حكاه عياض الرابع هل هو بجيم في آخره أو بخاء معجمة حكاه عياض أيضا الخامس ما حكاه الكرماني فقال الأول فروج من حرير بزيادة من والثاني بحذفها وقال بعضهم وزيادة من ليس في ( الصحيحين ) قلت ما ادعى الكرماني أنها في ( الصحيحين ) وهي رواية عن أحمد
13 -
( باب البرانس )
أي هذا باب يذكر فيه لبس البرانس وهو جمع برنس بضم الباء الموحدة والنون وبينهما راء ساكنة وبالسين المهملة وهي القلنسوة وقد مضى الكلام فيه في الحج
5802 - وقال لي ( مسدد ) حدثنا ( معتمر ) قال سمعت أبي قال رأيت على أنس برنسا أصفر من خز

(21/305)


مسدد هو شيخ البخاري كأنه أخذ هذا عنه مذاكرة ولكنه موصول لقوله قال لي ولم يقع في رواية النسفي لفظ لي فيكون معلقا ووصله ابن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال رأيت على أنس بن مالك برنس خز ومعتمر الذي هو أخ الحاج يروي عن أبيه سليمان التيمي
قوله برنسا ذكر عبد الله بن أبي بكر ما كان أحد من القراء إلا له برنس يغدو فيه وخميصة يروح فيها وسئل مالك عن لبسها أتكرهها فإنه يشبه لباس النصارى قال لا بأس بها وقد كانوا يلبسونها هنا قوله من خز بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي وهو ما غلظ من الديباج وأصله من وبر الأرنب ويقال لذكر الأرنب خذر بوزن عمر وقال الكرماني الخز هو المنسوج من الإبريسم والصوف وفي ( التوضيح ) هو حرير يخلط بوبر وشبهه وقال ابن العربي هو ما أحد نوعيه السدى أو اللحمة حرير والآخر سواه فقد لبسه جماعة من السلف وكرهه آخرون فممن لبسه الصديق وابن عباس وأبو قتادة وابن أبي أوفى وسعد بن أبي وقاص وجابر وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن الزبير وعائشة رضي الله عنهم ومن التابعين ابن أبي ليلى وشريح والشعبي وعروة وأبو بكر بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز أيام إمارته وزاد ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) القاسم بن محمد وعبيد الله بن عبد الله والحسين بن علي وقيس بن أبي حازم وشبيل بن عزرة وأبا عبيد بن عبد الله ومحمد بن علي بن حسين وعلي بن حسين وسعيد بن المسيب وعلي بن زيد وابن عون وعن خيثمة أن ثلاثة عشر من أصحاب محمد كانوا يلبسون الخز وقال ابن بطال روي عن مالك أنه قال لا يعجبني لبس الخز ولا أحرمه وقال الأبهري إنما كرهه لأجل السرف ولم يحرمه من أجل من لبسه وقد كرهه ابن عمر وسالم والحسن ومحمد وابن جبير وعند أبي داود من حديث عبد الله بن سعيد عن أبيه قال رأيت رجلا ببخارى على بغلة عليه عمامة خز سوداء فقال كسانيها رسول الله قال النسائي قال بعضهم قيل إن هذا الرجل عبد الله بن حازم السلمي أمير خراسان ولما ذكره البخاري في ( تاريخه ) قال ما أرى أنه أدرك سيدنا رسول الله قلت ذكره الذهبي في ( تجريد الصحابة ) وقال عبد الله بن حازم بن أسماء بن الصلت أبو صالح السلمي أمير خراسان بطل مشهور قليل له صحبة وتمت له حروب كثيرة أوردناها في التاريخ الكامل
5803 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) أن رجلا قال يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب قال رسول الله لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا الورس
مطابقته للترجمة في قوله ولا البرانس وإسماعيل هو ابن أبي أويس
والحديث قد مضى في الحج في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع إلى آخره وأخرجه في آخر كتاب العلم عن نافع عن ابن عمر وعن الزهري عن سالم عن ابن عمر الحديث ومضى الكلام فيه مستوفى
14 -
( باب السراويل )
أي هذا باب يذكر فيه السراويل وقال الجوهري السراويل معروف يذكر ويؤنث والجمع السراويلات وقال سيبويه سراويل واحدة هي عجمية عربت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فهي مصروفة في النكرة ومن النحويين من لا يصرفه أيضا في النكرة ويزعم أنه جمع سروال وسروالة وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى روينا من حديث أبي هريرة مرفوعا أن أول من لبس السروايل إبراهيم عليه السلام رواه أبو نعيم الأصبهاني وقيل هذا هو السبب في كون أول من يكسى يوم القيامة كما ثبت في ( الصحيحين ) من حديث ابن عباس فلما كان أول من أتخذ هذا النوع من اللباس الذي هو أستر للعورة من سائر الملابس جوزي بأن يكون أول من يكسى يوم القيامة
وفيه استحباب لبس السراويل وقد روى الترمذي من حديث سويد بن قيس قال جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فجاءنا النبي فسادومنا بسراويل الحديث ورواه أبو يعلى في ( مسنده ) من حديث أبي هريرة مطولا وفيه إخباره صلى الله

(21/306)


عليه وسلم عن نفسه أنه يلبس السراويل وروى الترمذي أيضا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وكمه صوف وجبة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت والكمة القلنسوة الصغيرة
5804 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمر ) وعن ( جابر بن زيد ) عن ( ابن عباس ) عن النبي قال من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين
مطابقته للترجمة في قوله فليلبس سراويل وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وجابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي الجوفي بالجيم ناحية عمان البصري ومضى الحديث في الحج في باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل
5805 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) قال قام رجل فقال يا رسول الله ما تأمرنا أن نلبس إذا أحرمنا قال لا تلبسوا القميص والسراويل والعمائم والبرانس والخفاف إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه زعفران ولا ورس
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر الماضي في الباب الذي قبله وذكر الكلام فيه في الحج مستقصى
15 -
( باب العمائم )
أي هذا باب فيه ذكر العمائم وهو جمع عمامة وعممته ألبسته العمامة وعمم الرجل سود لأن العمائم تيجان العرب كما قيل في العجم توج واعتم بالعمامة وتعمم بها بمعنى ولم يذكر البخاري في هذا الباب شيئا من أمور العمامة فكأنه لم يثبت عنده على شرطه في العمامة شيء وفي ( كتاب الجهاد ) لابن أبي عاصم حدثنا أبو موسى حدثنا عثمان بن عمر عن الزبير ابن جوان عن رجل من الأنصار قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن العمامة سنة فقال نعم قال رسول الله لعبد الرحمن بن عوف إذهب فاسدل عليك ثيابك وألبس سلاحك ففعل ثم أتى النبي فقبض ما سدل بنفسه ثم عممه فسدل من بين يديه ومن خلفه وقال ابن أبي شيبة حدثنا الحسن بن علي حدثنا ابن أبي مريم عن رشد عن ابن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن وأفضل له من بين يديه مثل هذه وفي رواية عن نافع عن ابن عمر قال عمم رسول الله ابن عوف بعمامة سوداء كرابيس وأرخاها من خلفه قدر أربع أصباع وقال هكذا فاعتم وقال مالك العمة والاحتباء والانتعال من عمل العرب وسئل مالك عن الذي يعتم بالعمامة ولا يجعلها من تحت حلقه فأنكرها وقال ذلك من عمل النبط وليست من عمة الناس إلا أن تكون قصيرة لا تبلغ أو يفعل ذلك في بيته أو في مرضه فلا بأس به قيل له ) فيرخي بين الكتفين قال لم أر أحدا ممن أردركته يرخي بين كتفيه إلا عامر بن عبد الله بن الزبير وليس ذلك بحرام ولكن يرسلها بين يديه وهو أكمل وروى أبو داود من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال رأيت النبي على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه وروى الترمذي من حديث ابن عمر كان النبي إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه قال نافع وكان ابن عمر يفعله وقال عبد الله بن عمر رأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك وروى الطبراني في ( الأوسط ) من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه وفيه الحجاج بن رشد وهو ضعيف وفي حديث أبي عبيدة الحمصي عن عبد الله بن بشر قال بعث رسول الله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر فعممه بعمامة سوداء أرسلها من ورائه وعن منكبه اليسرى وقال شيخنا زين الدين رحمه الله إذا

(21/307)


وقع إرخاء العذبة من بين اليدين كما يفعله طائفة الصوفية وجماعة من أهل العلم فهل المشروع فيه إرخاؤها من الجانب الأيسر كما هو المعتاد أو إرسالها من الجانب الأيمن لشرفه ولم أر ما يدل على تعيين الجانب الأيمن إلا في حديث أبي أمامة ولكنه ضعيف وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في ( الكبير ) من رواية جميع بن ثوب عن أبي سفيان الرعيني عن أبي أمامة قال كان رسول الله لا يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن وجميع بن ثوب ضعيف وقال شيخنا وعلى تقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها من الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم إلا أنه شعار الإمامية وقال ما المراد بسدل عمامته بين كتفيه هل المراد سدل الطرف الأسفل حتى تكون عذبة أو المراد سدل الطرف الأعلى بحيث يغرزها ويرسل منها شيئا خلفه يحتمل كلا من الأمرين ولم أر التصريح بكون المرخي من العمامة عذبة إلا في حديث عبد الأعلى بن عدي رواه أبو نعيم في ( معرفة الصحابة ) من رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن بشر عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن أخيه عبد الأعلى بن عدي أن رسول الله دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غد يرخم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال هكذا فاعتموا فإن العمائم سيماء الإسلام وهي الحاجز بين المسلمين والمشركين وقال الشيخ مع أن العذبة الطرف كعذبة السوط وكعذبة اللسان أي طرفه فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة وإن كان مخالفا للإصطلاح العرفي الآن وفي بعض طرق حديث ابن عمر ما يقتضي أن الذي كان يرسله بين كتفيه من الطرف الأعلى رواه أبو الشيخ وغيره من رواية أبي عبد السلام عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قلت لابن عمر كيف كان رسول الله يعتم قال كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرخي له ذؤابة بين كتفيه
5806 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم ) عن أبيه عن النبي قال لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوبا مسه زعفران ولا ورس ولا الخفين إلا لمن لم يجد النعلين فإن لم يجدهما فليقطعهما أسفل من الكعبين
مطابقته للترجمة في قوله ولا العمامة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان هو ابن عيينة والزهري محمد بن مسلم وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
والحديث قد مضى فيما قبل باب السراويل غير أنه أخرجه هنا من غير الطريق الذي أخرجه هناك ومضى الكلام فيه
16 -
( باب التقنع )
أي هذا باب في بيان التقنع بفتح التاء المثناة من فوق والقاف وضم النون المشددة وبالعين المهملة وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره
وقال ابن عباس خرج النبي وعليه عصابة دسماء
هذا طرف من حديث أخرجه مسندا في مواضع منها في مناقب الأنصار في باب قول النبي اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم حدثنا أحمد بن يعقوب حدثنا ابن الغسيل سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس يقول خرج رسول الله ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء الحديث والدسماء بمهملتين والمد ضد النظيفة قلت هذا تفسير فيه بشاعة فلا ينبغي أن يفسر عصابة النبي بضد النظافة وقال الكرماني ودسماء قيل المراد بها سوداء ويقال ثوب دسم أي وسخ وجزم ابن الأثير أن دسماء سوداء وفي ( التوضيح ) والتقنع للرجل عند الحاجة مباح وقال ابن وهب سألت مالكا عن التقنع بالثوب فقال أما الرجل الذي يجد الحر والبرد أو الأمر الذي له فيه عذر فلا بأس به وأما لغير ذلك فلا وقال الأبهري إذا تقنع لدفع مضرة فمباح ولغيره فمكروه

(21/308)


فإنه من فعل أهل الريب ويكره أن يفعل شيئا يظن به الريبة
وقال أنس عصب النبي على رأسه حاشية برد
هذا أيضا طرف من حديث أخرجه في الباب المذكور في مناقب الأنصار من طريق هشام بن زيد بن أنس سمعت أنس بن مالك يقول فذكر الحديث وفيه فخرج النبي وقد عصب على رأسه حاشية برد قوله عصب بتشديد الصاد وقال الجوهري حاشية البرد جانبه وقال القزاز حاشية الثوب ناحيتاه اللتان في طرفهما المهدب واعترض الإسماعيلي بأن ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنع لأن التقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة وأجاب بعضهم بقوله الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة قلت في كل من الاعتراض والجواب نظر أما في الاعتراض فلأن قوله والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة ليس كذلك بل العصابة شد الرأس بخرقة مطلقا وأما في الجواب فلأن قوله زائد لا فائدة فيه وكذلك قوله فوق العمامة لأنه يلزم من أنه إذا كانت تحت العمامة لا تسمى عصابة
5807 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين وتجهز أبو بكرة مهاجرا فقال النبي على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر أو ترجوه بأبي أنت وأمي قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على النبي ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قال عروة قالت عائشة فبينا نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة فقال قائل لأبي بكر هاذا رسول الله مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فدا له بأبي وأمي والله إن جاء به في هاذه الساعة إلا لأمر فجاء النبي فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر أخرج من عندك قال إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج قال فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله قال نعم قال فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال النبي بالثمن قالت فجهزناهما أحث الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب ولذالك كانت تسمى ذات النطاقين ثم لحق النبي وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيرحل من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذالك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذالك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث
مطابقته للترجمة في قوله هذا رسول الله مقبلا متقنعا
وهشام هو ابن يوسف ومعمر بن راشد
والحديث بعين هذا الإسناد مضى في الإجارة مختصرا في باب استئجار المشركين عند الضرورة ومضى أيضا في باب هجرة النبي مطولا جدا أخرجه عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل قال ابن شهاب فاخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين ويروى هاجر إلى الحبشة

(21/309)


من المسلمين قال الكرماني من المسلمين صفة أي هاجر رجال من المسلمين أو هو فاعل بمعنى بعض المسلمين جوزه بعض النحاة قوله على رسلك بكسر الراء أي على هينتك قوله أو ترجوه الاستفهام فيه على سبيل الإستخبار أي أو ترجو الإذن يدل عليه قوله أن يؤذن لي قوله بأبي أنت أي مفدى أنت بأبي قوله ليصحبه أي لأن يصحبه ويروى لصحبته قوله راحلتين تثنية راحلة وهي من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيها للمبالغة وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله للنجابة وتمام الخلقة وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت قوله السمرة بضم الميم وهو شجر الطلح قوله جلوس أي جالسون قوله في نحر الظهيرة أي في أول الهاجرة قوله مقبلا أي أقبل أوجاء حال كونه مقبلا والعامل فيه معنى الإشارة في قوله هذا قوله مقنعا من الأحوال المترادفة أو المتداخلة قوله فدالة هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فدالك وفي ( التوضيح ) أن كسرت الفاء مددت وإن فتحت قصرت قال ابن التين وهو الذي قرأناه قوله إن جاء به كلمة أن نافية هذا على رواية الكشميهني واللام فيه مكسورة للتعليل وفي رواية غيره لأمر بفتح اللام وبالرفع وهي لام التأكيد وكلمة إن على هذه مخففة من المثقلة قوله فأذن له على صيغة المجهول قوله أخرج من عندك أمر من الإخراج ومن عندك في محل النصب على المفعولية قوله فالصحبة منصوب تقديره أطلب الصحبة أو أريدها ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير فاختياري أو مقصودي الصحبة والجهاز بالفتح والكسر أسباب السفر والحث التحضيض والإسراع قوله أحث الجهاز بالحاء المهملة والثاء المثلثة وفي رواية الكشميهني بالباء الموحدة قيل إنه تصحيف قوله سفرة بالضم طعام يعمل للمسافر ومنه سميت السفرة التي يؤكل عليها قوله في جراب بكسر الجيم فيه أفصح من فتحه قال الجوهري والعامة تفتحه قوله من نطاقها قال الجوهري النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان وقال الهروي نحوه وزاد وبه سميت أسماء ذات النطاقين لأنها كانت لها نطاقا على نطاق وقال ابن التين شقت نصف نطاقها للسفرة وانتطقت بنصفه وقال الداودي النطاق المئزر وقال ابن فارس هو إزار فيه تكة تلبسه النساء وقال الكرماني سميت ذات النطاقين لأنها جعلت قطعة من نطاقها للجراب الذي فيه السفرة وقطعة للسقاء كما جاء في بعض الروايات أو لأنها جعلت نطاقين نطاقا للجراب وآخر لنفسها قوله فأوكت أي شدت والوكاء هو الذي يشد به رأس القربة قوله ثور باسم الحيوان المشهور وهو الغار الذي بات فيه النبي قوله لقن بفتح اللام وكسر القاف وبالنون وهو سريع الفهم وجاء بسكون القاف قوله ثقف بكسر القاف وسكونها أي حاذق فطن قوله فيرحل ويروى فيدخل من الدخول قوله كبائت أي كأنه بائت بمكة قوله يكادان به على صيغة المجهول أي يمكران به والضمير فيه يرجع إلى النبي وإلى أبي بكر رضي الله عنه وحاصله مهما يتكلم به قريش في حقهما من الأمور التي يريدون فعلها يضبطه عبد الله ويحفظه ثم يبلغ به إليهما قوله وعاه من الوعي وهو الحفظ قوله ويرعى عليهما أي على النبي وأبي بكر قوله منحة بكسر الميم وهي الشاة التي تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها عليك قوله فيريحها أي فيردها إلى المراح هكذا رواه الكشميهني وفي رواية غيره فيريحه بتذكير الضمير أي يريح الذي يرعاه قوله في رسلها بكسر الراء اللبن هكذا رواية الكشميهني بإفراد الضمير وفي رواية غيره في رسلهما بضمير التثنية وكذا عند الكشميهني حتى ينعق بها بالإفراد وعند غيره بهما بالتثنية يقال نعق الراعي بغنمه ينعق بالكسر أي صاح بها
17 -
( باب المغفر )
أي هذا باب يذكر فيه المغفر بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء وفي آخره راء وقال الكرماني هو زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة قلت هكذا المنقول عن الأصمعي وقال الداودي يعمل على الرأس والكتفين وقال ابن بطال المغفر من حديد وهو من آلات الحرب وقال ابن الأثير المغفر هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه
5808 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( مالك ) عن ( الزهري ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن النبي صلى الله

(21/310)


عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي
والحديث مضى في الحج عن عبد الله بن يوسف وفي الجهاد عن إسماعيل بن أبي أويس وفي المغازي عن يحيى بن قزعة والكل عن مالك
قولهدخل أي مكة وفي بعض النسخ لفظ مكة مذكور والواو في وعلى رأسه للحال فإن قلت كيف الجمع بين هذا الحديث وبين حديث جابر أنه دخل يومئذ وعليه عمامة سوداء قلت لا مانع من لبسهما معا فقد يكون عليه عمامة سوداء وفوقها المغفر أسفل والعمامة فوقه أو نقول إنه كان أولا دخل وعليه المغفر ثم نزعه ولبس العمامة السوداء في بقية دخوله ويدل عليه أنه خطب وعليه عمامة سوداء وإنما خطب عند باب الكعبة بعد دخوله وقال ابن بطال دخوله بالمغفر يوم الفتح كان في حال القتال ولم يكن محرما كما قال ابن شهاب وقد عد هذا الحديث في أفراد مالك عن الزهري وإنما الصحيح أنه دخلها يوم الفتح وعليه عمامة سوداء كما أخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر ثم قال حسن ولم يكن عليه مغفر لكن في حديث الزهري للنسائي أن الأوزاعي رواه عن الزهري كما رواه مالك بذكر المغفر ثم وفق بين الحديثين بما ذكرناه الآن
18 -
( باب البرود والحبرة والشملة )
أي هذا باب يذكر فيه البرود وهو جمع بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة وهي كساء أسود مربع فيه صغر تلبسه الأعراب وقال الداودي البرود كالأردية والميازر وبعضها أفضل من بعض وقال ابن بطال النمرة والبردة سواء قوله والحبرة بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة المفتوحة على وزن عنبة وهي البرد اليماني وقال الداودي هي الخضراء لأنها لباس أهل الجنة ولذلك يستحب في الكفن وسجى رسول الله بها والبياض خير منها وفيه كفن رسول الله وقيل أحد أكفانه حبرة والأول أكثر وقال الهروي الموشية المخططة وقال ابن بطال البرود هي برود اليمن تصنع من قطن وهي الحبرات يشتمل بها وهي كانت أشرف الثياب عندهم ألا ترى أنه سجى بها حين توفي ولو كان شيء أفضل من البرود لسجي به قوله والشملة بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وهي كساء يشتمل بها أي يلتحف بها قاله الجوهري وقال الداودي هي البردة
وقال خباب شكونا إلى النبي وهو متوسد بردة له
خباب بفتح الخاء المعجمة وبباءين موحدتين الأولى منهما مشددة ابن الأرت قوله شكونا أي من الكفار وإيذائهم لنا قوله بردة له هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره بردته وهذا طرف من حديث موصول وقد مضى في المبعث النبوي في باب ما لقي النبي وأصحابه بمكة ومضى الكلام فيه هناك
5809 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن إسحااق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية أدركه أعربي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله ثم ضحك ثم أمر له بعطاء ( انظر الحديث 3149 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وعليه برد نجراني و ( إسماعيل بن عبد الله ) هو إسماعيل بن أبي أويس
والحديث قد مضى في الخمس عن يحيى بن بكير وسيأتي في الأدب عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي
قولهوعليه برد وفي رواية الأوزاعي وعليه رداء قوله نجراني نسبة إلى نجران بفتح النون وسكون الجيم وبالراء والنون وهي بلدة من اليمن قوله فأدركه

(21/311)


أعرابي زاد همام من أهل البادية قوله فجبذه أي فجذبه وهما بمعنى واحد لغتان مشهورتان قوله في صحفة عاتق وفي رواية مسلم عنق وكذا في رواية الأوزاعي وصفح الشيء وصفحته جهته وجانبه قوله أثرت بها كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أثرت فيها وفي رواية همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه وزاد أن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي إلى حجرته والتوفيق بين الروايتين بأنه لقيه خارج المسجد فأدركه لما كاد يدخل فكلمه وأمسك بثوبه لما دخل المسجد فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذه قوله مرلي وفي رواية الأوزاعي أعطني قوله ثم ضحك وفي رواية الأوزاعي فتبسم وفي رواية همام فأمر له بشيء
وفيه بيان حلمه وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز عن جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة من بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن
5810 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال جاءت امرأة ببردة قال سهل هل تدري ما البردة قال نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها قالت يا رسول الله إني نسجت هاذه بيدي أكسوكها فأخذها رسول الله محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها لإزاره فجسها رجل من القوم فقال يا رسول الله اكسنيها قال نعم فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يرد سائلا فقال الرجل والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت كفنه
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يعقوب بن عبد الرحمن ) بن محمد بن عبد الله القاري من القارة وهي حي من العرب أصله مدني سكن الإسكندرية وأبو حازم سلمة بن دينار
والحديث مضى في الجنائز في باب من استعد الكفن في زمن النبي فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن سلمة عن ( أبي حازم ) عن أبيه عن سهل ومضى الكلام فيه هناك
قوله هل تدري ويروى هل تدرون وفي رواية أتدرون قوله منسوج يعني كانت لها حاشية وفي نسجها مخالفة لنسج أصلها لونا ودقة ورقة قوله محتاجا إليها ويروى محتاج بالرفع فالنصب على الحال والرفع على تقدير وهو محتاج إليها قوله فحبسها بالجيم وتشديد السين المهملة أي مسها بيده ويروى فحسنها من التحسين بالمهملتين
5811 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه قال ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله سبقك عكاشة
مطابقته للترجمة في قوله يرفع نمرة له والنمرة بفتح النون وكسر الميم هي الشملة التي فيها خطوط ملونة كأنها أخذت من جلد النمر لا شتراكهما في التلون
وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث من أفراده
قوله إضاءة القمر أي كإضاءة القمر قوله سبقك عكاشة يعني بالدعاء له قيل قد مر في كتاب الطب أن عكاشة قال ذلك في قصة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وأجيب بأن القصة واحدة فلا منافاة بينهما
5812 - حدثنا ( عمرو بن عاصم ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) قال قلت له أي الثياب

(21/312)


أي كان أحب إلى النبي قال الحبرة
مطابقته للترجمة في قوله الحبرة وقد مر تفسيرها عن قريب وعمرو بن عاصم القيسي البصري وهمام هو ابن يحيى
والحديث أخرجه مسلم وأبو داود جميعا في اللباس عن هدبة بن خالد وإنما كانت الحبرة أحب الثياب إلى النبي لأنه ليس فيها كثير زينة ولأنها أكثر احتمالا للوسخ
5813 - حدثني ( عبد الله بن أبي الأسود ) حدثنا ( معاذ ) قال حدثني أبي عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال كان أحب الثياب إلى النبي أن يلبسها الحبرة ( انظر الحديث 5812 )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن محمد بن أبي الأسود حميد البصري الحافظ عن معاذ بن هشام الدستوائي يروي عن أبيه هشام بن أبي عبد الله عن قتادة إلى آخره
5814 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها زوج النبي ( أخبرته ) أن رسول الله حين توفي سجي ببردد حبرة
مطابقته للترجمة في آخر الحديث
والحديث أخرجه مسلم في الجنائز عن عبدالله بن عبد الرحمن وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي في الوفاة عن أبي داود الحراني
قوله حين سجي بضم السين المهملة وتشديد الجيم المكسورة أي حين توفي غطي ببرد حبرة بالإضافة والصفة ومر الكلام فيه عن قريب
تم بعون الله وحسن توفيقه طبع الجزء الحادي والعشرين من ( عمدة القارىء ) شرح ( صحيح البخاري ) ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني والعشرون وأوله باب الأكسية والخمائص وفقنا الله لتمام طبعه وألهم المسلمين لما فيه خيرهم وصلاحهم آمين

(21/313)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الثاني والعشرون
عمدة القاري 22
19 -
( باب الأكسية والخمائص )
أي هذا باب في ذكر الأكسية جمع كساء وأصله كسا ولأنه من كسوت إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف قلبت همزة والخمائص جمع خميصة بالخاء المعجمة والصاد المهملة وهو كساء من صوف أسود أو خز مربعة لها أعلام ولا يسمى الكساء خميصة إلا إن كان لها علم وقيل الخميصة كساء لها علم من حرير وكانت من لباس السلف
5816 - حدثني يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذالك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا
مطابقته للترجمة في قوله يطرح خميصة له و ( يحيى بن بكير ) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري و ( عقيل ) بضم العين ابن خالد و ( ابن شهاب ) هو محمد بن مسلم الزهري
قوله عن عبيد اللهإلى آخره ووقع في بعض النسخ عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عائشة وابن عباس قال الجياني وقع هذا في رواية أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني وقال هذا وهم والصواب بدون لفظ أبيه
والحديث مضى عن عائشة وحدها بطريق آخر في الجنائز في باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ومضى الكلام فيه
قوله لما نزل على صيغة المجهول والمراد نزول الموت قوله طفق بكسر الفاء أي جعل الخميصة على وجهه من الحمى فإذا اغتم أي احتبس نفسه كشفها قوله وهو كذلك الواو فيه للحال قوله يحذر جملة حالية لأنه بالتدريج يصير مثل عبادة الأصنام
34 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) قالت ( صلى ) رسول الله في خميصة له لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما سلم قال اذهبوا بخميصتي هاذه إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وائتوني بأنبجانية أبي جهم ابن حذيفة بن غانم من بني عدي بن كعب ( انظر الحديث 373 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله إذهبوا بخميصتي هذه وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث مضى في الصلاة في باب إذا صلى في ثوب له أعلام فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن إبراهيم بن سعد إلى آخره

(22/2)


ومضى الكلام فيه هناك
قوله أبي جهم بفتح الجيم وسكون الهاء عامر بن حذيفة إلى آخره قوله أبي جهم هو آخر الحديث والبقية مدرجة من كلام ابن شهاب وقال أبو عمر كان أبو جهم من المعمرين عمل في الكعبة مرتين مرة في الجاهلية حين بناها قريش وكان غلاما قويا ومرة في الإسلام حين بناها ابن الزبير وكان شيخا فانيا وهو أهدى إلى رسول الله خميصة شغلته في الصلاة فردها عليه وقيل إن رسول الله أتي بخميصتين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم ثم بعد الصلاة بعث إليه التي لبسها وطلب الأخرى منه والأنبجانية بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وخفة الجيم وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وبتخفيفها أيضا وهو الكساء الغليظ وقيل إذا كان فيه علم فهو خميصة وإذا لم يكن فأنبجانية
5818 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( أيوب ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( أبي بردة ) قال أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت قبض روح النبي في هاذين ( انظر الحديث 3108 )
مطابقته للترجمة في قوله كساء وإسماعيل هو ابن علية وأيوب هو السختياني وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر ابن أبي موسى الأشعري والحديث مضى في الخمس عن ابن بشار ومضى الكلام فيه
10 -
( باب اشتمال الصماء )
أي هذا باب يذكر فيه حكم اشتمال الصماء بالمد وهو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا وإنما قيل لها صماء لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع والفقهاء يقولون هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته
5819 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( خبيب ) عن ( حفص ابن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال نهى النبي عن الملامسة والمنابذة وعن صلاتين بعد الفجر حتى ترتفع الشمس وبعد العصر حتى تغيب وأن يحتبي بالثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السماء وأن يشتمل الصماء
مطابقته للترجمة في قوله وأن يشتمل الصماء وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي وقال المزي في ( التهذيب ) وقع في بعض النسخ عبد الوهاب بن عطاء وفيه نظر لأن ابن عطاء لا يعرف له رواية عن عبيد الله بن عمر العمري وليس لعبد الوهاب ابن عطاء ذكر في رجال البخاري وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبباء موحدة أخرى ابن عبد الرحمن الأنصاري وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
والحديث مضى في الصلاة في باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس ومضى الكلام فيه
5820 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عامر بن سعد ) أن ( أبا سعيد الخدري ) قال نهاى رسول الله عن لبستين وعن بيعتين نهاى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذالك بيعهما عن غير نظر ولا تراض واللبستين اشتمال الصماء والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واللبسة الأخراى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء

(22/3)


مطابقته للترجمة في قوله اشتمال الصماء ويونس هو ابن يزيد وعامر بن سعد بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك
والحديث مضى في البيوع مختصرا في باب بيع الملامسة
قوله لبستين بكسر اللام قوله وبيعتين بفتح الباء الموحدة قوله ولا يقلبه إلا بذلك أي لا يتصرف فيه إلا بهذا القدر وهو اللمس يعني لا ينشره ولا ينظر إليه فجعل اللمس مقام النظر قوله ولا تراض أي لفظ يدل عليه وهو الإيجاب والقبول وإلا فلا شك أنه لا بد من التراضي إذ بيع المكره باطل اتفاقا والظاهر أن تفسير البيعتين بما ذكر في الكتاب إدراج من الزهري قوله فيبدو أي فيظهر قوله احتباؤه قال الجوهري احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته وقيل هو أن يقعد الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب ونحوه وقال الخطابي هو أن يحتبي الرجل بالثوب ورجلاه متجافيتان عن بطنه والظاهر أن تفسيرهما أيضا للزهري
21 -
( باب الاحتباء في ثوب واحد )
أي هذا باب في بيان حكم الاحتباء في ثوب واحد وقد مر الآن تفسيره
5821 - حدثنا اسمااعيل قال حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى رسول الله عن لبستين أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء وأن يشتمل بالثوب الواحد ليس على أحد شقيه وعن الملامسة والمنابذة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه عن ( إسماعيل ) بن أبي أويس عن ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) إلى آخره وقد مر في الباب الذي قبله عن أبي هريرة من وجه آخر ومر الكلام فيه
5822 - حدثني ( محمد ) قال أخبرني ( مخلد ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أن النبي نهى عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه عن محمد بن سلام عن مخلد بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما وبالدال المهملة ابن يزيد من الزيادة الحراني بالحاء المهملة والراء والنون عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بفتحها عن أبي سعيد الخدري وقد مر في الباب الذي قبله عن أبي سعيد من وجه آخر ومر الكلام فيه
22 -
( باب الخميصة السوداء )
أي هذا باب في ذكر الخميصة السوداء وما فعل بها وقد مر تفسيرها عن قريب
5823 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( إسحاق بن سعيد ) عن أبيه ( سعيد بن فلان ) هو ( عمرو بن سعيد ابن العاص ) عن أم ( خالد بنت خالد ) قالت أتي النبي بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال من ترون نكسو هاذه فسكت القوم قال ائتوني بأم خالد فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال أبلي وأخلقي وكان فيها علم أخضر أو أصفر فقال يا أم خالد هاذا سناه وسناه بالحبشية حسن
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النوم الفضل بن دكين وإسحاق بن سعيد بن عمرو بن العاص أبو خالد

(22/4)


ابن سعيد الأموي القرشي يروي عن أبيه عن أم خالد اسمها أمة بفتح الهمزة والميم بنت خالد بن سعيد بن العاص كنيت بولدها خالد بن الزبير بن العوام وكان الزبير تزوجها فكان الها منه خالد وعمر وابنا الزبير وذكر ابن سعد أنها ولدت بأرض الحبشة وقدمت مع أبيها بعد خيبر وهي تعقل وأخرج من طريق أبي الأسود المدني عنها قالت كنت ممن أقرأ النبي من النجاشي السلام وأبوها خالد بن سعيد بن العاص أسلم قديما ثالث ثلاثة أو رابع أربعة واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم
والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في باب من تكلم بالفارسية عن حبان بن موسى عن عبد الله عن خالد بن سعيد عن أبيه عن أم خالدإلى آخره وأخرجه أيضا في باب هجرة الحبشة أخرجه عن الحميدي عن سفيان عن إسحاق بن سعيد إلى آخره وسيأتي في الأدب أيضا
قوله فأتي بها تحمل كلاهما على صيغة المجهول وتحمل جملة حالية وإنما حملت لصغر سنها ولكن لا يمنع أن تكون مميزة قوله وقال أبلي ويروى قال بدون الواو وأبلي من أبليت الثوب إذا جعلته عتيقا وأخلقي بمعناه وإنما جاز عطفه عليه باعتبار تغاير اللفظين وقال ابن الأثير وفي حديث أم خالد قال لها أبلي وأخلقي يروى بالقاف والفاء فالقاف من إخلاق الثوب تقطيعه وقد خلق الثوب وأخلق وأما الفاء فبمعنى العوض والبدل وهو الأشبه قوله أو أصفر شك من الراوي ووقع في رواية أبي داود بأحمر بدل أخضر قوله سناه وسناه وقد تقدمت رواية خالد بن سعيد في الجهاد فقال سنه سنه ومضى الكلام فيه هناك وإنما كان غرض رسول الله من التكلم بهذه الكلمة الحبشية استمالة قلبها لأنها كانت ولدت بأرض الحبشة قاله الكرماني
23 -
( باب ثياب الخضر )
أي هذا باب في ذكر ثياب الخضر بإضافة الثياب إلى الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين من قبيل مسجد الجامع هذا هكذا رواية المستملي والسرخسي وفي رواية الكشميهني باب الثياب الخضر على الوصف

(22/5)


42 - ( حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب أخبرنا أيوب عن عكرمة أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي قالت عائشة وعليها خمار أخضر فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها فلما جاء رسول الله والنساء ينصر بعضهن بعضا قالت عائشة ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات لجلدها أشد خضرة من ثوبها قال وسمع أنها قد أتت رسول الله فجاء ومعه ابنان له من غيرها قالت والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة فقال رسول الله فإن كان ذلك لم تحلي له أو لم تصلحي له حتى يذوق من عسيلتك قال وأبصر معه ابنين فقال بنوك هؤلاء قال نعم قال هذا الذي تزعمين ما تزعمين فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب )
مطابقته للترجمة في قوله وعليها خمار أخضر وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وأيوب السختياني وعكرمة مولى ابن عباس والحديث من أفراده قوله إن رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء ابن شموال القرظي من بني قريظة قال ابن عبد البر ويقال رفاعة بن رفاعة وهو أحد العشرة الذين نزلت فيهم ولقد وصلنا لهم القول الآية كما رواه الطبراني في معجمه وابن مردويه في تفسيره من حديث رفاعة بإسناد صحيح قلت لم يقع في رواية البخاري ولا في بقية الكتب الستة تسمية امرأة رفاعة وقد سماها مالك في روايته تميمة بنت وهب وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ولا أعلم لها غير قصتها مع رفاعة بن شموال حديث العسيلة من جهة مالك في الموطأ وقال الطبراني لها ذكر في قصة رفاعة ولا حديث لها وأما زوجها الثاني فهو عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة ابن باطا وقيل باطيا وقتل الزبير في غزوة بني قريظة هذا هو الصواب فإن عبد الرحمن بن الزبير من بني قريظة وقال شيخنا زين الدين رحمه الله وأما ما ذكره ابن منده وأبو نعيم في كتابيهما معرفة الصحابة من أنه من الأنصار من الأوس ونسباه أنه عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن مالك بن الأوس فغير جيد قوله فشكت إليها أي إلى عائشة وفيه التفات أو تجريد قوله وأرتها بفتح الهمزة من الإراءة أي أرت امرأة رفاعة عائشة رضي الله عنها خضرة بجلدها وتلك الخضرة إما كانت لهزالها وإما لضرب عبد الرحمن لها قوله والنساء ينصر بعضهن بعضا هذه جملة معترضة بين قوله فلما جاء رسول الله وبين قوله قالت عائشة وهي من كلام عكرمة قوله لجلدها اللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة قوله قال وسمع أنها قد أتت أي قال عكرمة وسمع أنها أي أن امرأة رفاعة رضي الله تعالى عنه قد أتت إلى رسول الله قوله ومعه ابنان الواو فيه للحال وفي رواية وهيب بنون له قوله إلا أن ما معه أي آلة الجماع ليس بأغنى أي ليس دافعا عني شهوتي تريد قصوره عن الجماع قوله من هذه أشارت به إلى هدبة وفسرتها بقولها وأخذت هدبة من ثوبها بضم الهاء وسكون الدال المهملة وتخفيف الباء الموحدة وهي طرف الثوب الذي لم ينسج شبهوها بهدب العين وهي شعر الجفن قوله فقال كذبت أي فقال رفاعة كذبت يعني امرأته قوله إني لأنفضها من النفض بالنون والفاء والضاد المعجمة وهو كناية عن كمال قوة المباشرة قوله نفض الأديم أي كنفض الأديم قوله ناشز من النشوز وهو امتناع المرأة من زوجها إنما قال ناشز ولم يقل ناشزة لأنها من خصائص النساء كحائض وطامث فلا حاجة إلى التاء الفارقة قوله لم تحلي بكسر الحاء ويروى لا تحلين ووجه هذه الرواية أن لم بمعنى لا والمعنى أيضا عليه لأن لا للاستقبال وقال الأخفش أن لم تجيء بمعنى لا وأنشد
لولا فوارس من قيس وأسرتهم
يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

(22/6)


قوله والأسرة بضم الهمزة الرهط قوله أو لم تصلحي له شك من الراوي أي لرفاعة قوله حتى يذوق فإن قلت كيف يذوق والآلة كالهدبة قلت قد قبل أنها كالهدبة في رقتها وصغرها بقرينة الابنين اللذين معه ولقوله أنفضها ولإنكاره عليها قوله عسيلتك قد مر الكلام فيه في كتاب النكاح وهو مصغر عسلة لأن العسل فيه لغتان التأنيث والتذكير وقيل إنما أنثه لأنه أراد النطفة وضعفه النووي قال لأن الإنزال ليس بشرط وإنما هي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته وقد ورد حديث مرفوع من حديث عائشة أن النبي قال العسيلة الجماع قوله فقال بنوك فيه إطلاق اللفظ الدال على الجمع على التثنية وقد ذكرنا آنفا أن في رواية وهيب بنون له قوله هذا الذي تزعمين ما تزعمين ويفسره رواية وهيب هذا الذي تزعمين أنه كذا وكذا وهو كناية عما ادعت عليه من العنة قوله فوالله لهم أشبه به أي للابنين أشبه به أي بعبد الرحمن من الغراب بالغراب وأثبت النبي فيه الحكم بالدليل حيث استدل بشبههما له على كذبها ودعواها وفيه أن للزوج ضرب زوجته عند نشوزها عليه وإن أثر ضربه في جلدها ولا حرج عليه في ذلك وفيه أن للنساء أن يطالبن أزواجهن عند الإمام بقلة الوطىء ولا غار عليهن في ذلك وفيه أن للزوج إذا ادعى عليه بذلك أن يخبر بخلافه ويعرب عن نفسه ألا ترى إلى قوله يا رسول الله والله إني لأنفضها نفض الأديم وهذه الكناية من الفصاحة العجيبة وهي أبلغ في المعنى من الحقيقة وفيه دليل على الحكم بالقافة والحنفية منعوه واستدلوا في ذلك بقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وخبر الواحد لا يعارض نص القرآن -
24 -
( باب الثياب البيض )
أي هذا باب فيه ذكر الثياب البيض وهي من أفضل الثياب وهي لباس الملائكة الذين نصروا رسول الله يوم أحد وغيره وكان يلبس البياض ويحض على لباسه ويأمر بتكفين الأموات فيه وقد صح عن ابن عباس أن رسول الله قال البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم أيضا
5826 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ) أخبرنا ( محمد بن بشر ) حدثنا ( مسعر ) عن ( سعد بن إبراهيم ) عن أبيه عن ( سعد ) قال رأيت بشمال النبي ويمينه رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد ما رأيتهما قبل ولا بعد ( انظر الحديث 4054 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه ومحمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة العبدي ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة وبالعين المهملة والراء ابن كدام الكوفي وسعد بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن سعد بن أبي وقاص
والحديث قد مضى في غزوة أحد في باب ( 3 ) إذ همت طائفتان منكم ( آل عمران122 ) فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن سعد بن أبي وقاص إلى آخره
قوله رجلين قالوا هما جبرائيل وميكائيل وقال الكرماني وإسرافيل وقال بعضهم ولم يصب زعم أن أحدهما إسرافيل قلت هذا منع باليد من غير برهان وكان الملكان تشكلا بشكل رجلين يومئذ قوله قبل مبنى على الضم وكذلك بعد لأنهما إذا حذف منهما المضاف إليه يبنيان على الضم تقديره قبل ذلك ولا بعد ذلك
5827 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( الحسين ) عن ( عبد الله بن بريدة ) عن ( يحياى ابن يعمر ) حدثه أن ( أبا الأسود الدؤلي ) حدثه أن ( أبا ذر ) رضي الله عنه حدثه قال أتيت النبي وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال ما من عبد قال لا إلاه إلا الله ثم مات على ذالك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق

(22/7)


قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على زعم أنف أبي ذر وكان أبوا ذر إذا حدث بهاذا قال وإن رغم أنف أبي ذر
قال أبو عبد الله هاذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال لا إلاه إلا الله غفر له
مطابقته للترجمة في قوله أتيت النبي وعليه ثوب أبيض وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد البصري وعبد الوارث بن سعيد والحسين هو المعلم وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء القاضي بمرو ويحيى بن يعمر بلفظ مضارع العمارة بفتح الميم كان أيضا قاضيا بها وأبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي بضم الدال المهملة وفتح الهمزة وهو أول من تكلم في النحو بإشارة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
والرجال كلهم بصريون وأبو ذر جندب ابن جنادة
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب وغيره
قوله وعليه ثوب أبيض الواو فيه للحال وفائدته ذكر الثوب والنوم والاستيقاظ لتقرير التثبت والاتقان فيما يرويه في آذان السامعين ليتمكن في قلوبهم قوله وإن زنى حرف الاستفهام فيه مقدر والمعاصي نوعان ما يتعلق بحق الله تعالى كالزنا وبحق الناس كالسرقة قوله على رغم أنف أبي ذر من رغم إذا لصق بالرغام وهو التراب ويستعمل مجازا بمعنى كره أو ذل إطلاقا لإسم السبب على المسبب وأما تكرير أبي ذر فلاستعظام شأن الدخول مع مباشرة الكبائر وتعجبه منه وأما تكرير النبي فلإنكار استعظامه وتحجيره واسعا فإن رحمته واسعة على خلقه وأما حكاية أبي ذر قول رسول الله على رغم أنف أبي ذر فللشرف والافتخار
وفيه أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان وأنها لا تحبط الطاعة وأن صاحبها لا يخلد في النار وأن عاقبته دخول الجنة قال الكرماني مفهوم الشرط أن من لم يزن لم يدخل الجنة وأجاب بقوله هذا الشرط للمبالغة فالدخول له بالطريق الأولى نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله هذا أشار به إلى قوله ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وأراد به تفسير هذا الحديث وهو أنه محمول على أن من وحد ربه ومات على ذلك تائبا من الذنوب التي أشير إليها في الحديث دخل الجنة وقال ابن التين قول البخاري هذا خلاف ظاهر الحديث ولو كانت التوبة شرطا لم يقل وإن زنى وإن سرق والحديث على ظاهره وإن مات مسلما دخل الجنة قبل النار أو بعدها انتهى قلت نعم ظاهر قول البخاري أنه لم يوجب المغفرة إلا لمن تاب فظاهر هذا يوهم إنفاذ الوعيد لمن لم يتب وأيضا يحتاج تفسير البخاري إلى تفسير آخر وذلك أن التوبة والندم إنما ينفع في الذنب الذي بين العبد وربه وأما مظالم العباد فلا تسقطها عنه التوبة إلا بردها إليهم أو عفوهم ومعنى الحديث أن من مات على التوحيد دخل الجنة وإن ارتكب الذنوب ولا يخلد في النار
وفيه رد على المبتدعة من الخوارج والمعتزلة الذين يدعون وجوب خلود من مات من مرتكبي الكبائر من غير توبة في النار
25 -
( باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه )
أي هذا باب في بيان حكم لبس الحرير وفي بيان حكم افتراشه قوله للرجال يتعلق بالاثنين جميعا وهو قيد يخرج النساء قوله وقدر أي في بيان قدر ما يجوز استعماله للرجال قوله منه أي من الحرير ولم يذكر في ( شرح ابن بطال ) زيادة افتراشه لأنه ترجم للافتراش مستقلا كما سيأتي بعد أبواب والحرير معروف وهو عربي وسمي بذلك لخلوصه يقال لكل خالص محرر وحررت الشيء مخلصته من الاختلاط بغيره وقيل هو فارسي معرب
5828 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( قتادة ) قال سمعت ( أبا عثمان النهدي ) قال أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذر بيجان أن رسول الله نهاى عن الحرير إلا هاكذا وأشار بإصبعيه اللتي تليان الإبهام قال فيما علمنا أنه يعني الأعلام
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وسكون الهاء وعتبة بضم العين المهملة

(22/8)


وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة ابن فرقد بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة السلمي أبو عبد الله قال أبو عمر له صحبة ورؤية وكان أميرا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على بعض فتوحات العراق وروى شعبة عن حصين عن امرأة عتبة بن فرقد أن عتبة غزا مع رسول الله غزوتين
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أحمد بن يونس وعن مسدد وعن الحسن بن عمر في هذا الباب عن كلهم وأخرجه مسلم أيضا في اللباس عن أحمد بن يونس وعن جماعة آخرين وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وأخرجه ابن ماجه في الجهاد وفي اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة
وأذربيجان هو الإقليم المعروف وقال الكرماني ما وراء العراق قلت ليس كذلك بل العراق جنوبيها عند ظهر حلوان وشيء من حدود الجزيرة وشماليها جبال العقيق وغربيها حدود بلاد الروم شيء من الجزيرة وشرقيها بلاد الجيل وتمامه بلاد الديلم وهي إسم لبلاد تبريز وتبريز أجل مدنها وهي بفتح الألف المقصورة وسكون الذال المعجمة وكسر الراء والباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الجيم ثم ألف ونون وقال الكرماني وأهلها يقولون بفتح الهمزة والمد وفتح وإسكان الراء وفتح الموحدة وبالألف وبالجيم والألف والنون وضبطه المحدثون بوجهين بفتح الهمزة بغير المد وإسكان المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتانية وبمد الهمزة وفتح المعجمة المعجمة قلت العمدة في ذلك على ضبط أهلها
وقال النووري هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخاري وقال لم يسمعه أبو عثمان من عمر رضي الله عنه بل أخبر عن كتابه وهذا الاستدراك باطل فإن الصحيح جواز العمل بالكتاب وروايته عنه وذلك معدود عندهم في المتصل وكان رسول الله يكتب إلى أمرائه وعماله ويفعلون ما فيها وكتب عمر إلى عتبة بن فرقد وفي الجيش خلائق من الصحابة فدل على حصول الاتفاق منهم وأبو عثمان هذا أسلم على عهد النبي وصدق إليه ولم يلقه وروى عن جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم
قوله نهى عن الحرير أي لبس الحرير قوله وأشار أي النبي قوله اللتين تليان الإبهام يعني السبابة والوسطى وصرح بذلك في رواية عاصم قوله قال فيما علمنا أي قال أبو عثمان حصل في علمنا أنه يريد بالمستثنى الأعلام بفتح الهمزة جمع علم وهو ما يجوزه الفقهاء من التطريف والتطريز ونحوهما ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي قال أبو عثمان فيما عتمنا أنه يعني الأعلام وعتمنا بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق يقال عتم إذا أبطأ وتأخر يعني ما أبطأ في معرفة أنه أراد به الأعلام التي في الثياب
واختلفوا في الحكمة في تحريم الحرير على الرجل فقيل السرف وقيل الخيلاء وقيل للتشبه بالنساء وحكى ابن دقيق العيد عن بعضهم أن تعليل التحريم التشبه بالكفار ويدل عليه قوله في حديث هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة وقال ابن العربي والذي يصح من ذلك ما هو فيه السرف وقال شيخنا السرف منهي عنه في حق الرجال والنساء وإنما هو من زينة النساء وقد أذن للنساء في التزين ونهى الرجال عن التشبه بهن ولعن الشارع الرجال المتشبهين بالنساء وهذا الحديث حجة للجمهور بأن الحرير حرام على الرجال وقال النووي الإجماع انعقد على ذلك
وحكى القاضي أبو بكر بن العربي في المسألة عشرة أقوال الأول أنه حرام على الرجال والنساء وهو قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما الثاني أنه حلال للجميع الثالث حرام إلا في الحرب الرابع أنه حرام إلا في السفر الخامس أنه حرام إلا في المرض السادس أنه حرام إلا في الغزوة السابع أنه حرام إلا في العلم الثامن أنه حرام في الأعلى دون الأسفل أي افتراشه التاسع أنه حرام وإن خلط بغيره العاشر أنه حرام إلا في الصلاة عند عدم غيره وفيه حجة على إباحة قدر لإصبعين في الأعلام ولكن وقع عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول في هذا الحديث أن النبي نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة وروى مسلم من حديث سويد بن غفلة بفتح الغين المعجمة

(22/9)


والفاء واللام الخفيفتين أن عمر رضي الله عنه خطب فقال نهى رسول الله عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثا أو أربعا وكلمة أو هنا للتنويع والتخيير وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا يعني إصبعين وثلاثا وأربعا وقال شيخنا في حديث عمر رضي الله عنه حجة لما قاله أصحابنا من أنه لا يرخص في التطريز والعلم في الثوب إذا زاد على أربعة أصابع وأنه تجوز الأربعة فما دونها وممن ذكره من أصحابنا البغوي في ( التهذيب ) وتبعه الرافعي والنووي انتهى وذكر الزاهدي من أصحابنا الحنفية أن العمامة إذا كانت طرتها قدر أربع أصابع من إبريسم بأصابع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك قيس شبرنا يرخص فيه والأصابع لا مضمومة كل الضم ولا منشورة كل النشر وقيل أربع أصابع كما هي على هيئتها وقيل أربع أصابع منشورة وقيل التحرز عن مقدار المنشورة أولى والعلم في مواضع قال بعضهم يجمع وقيل لا يجمع وإذا كان نظره إلى الثلج يضره فلا بأس أن يشد على عينيه خمارا أسود من إبر يسم قال وفي العين الرمدة أولى وقيل لا يجوز وعن أبي حنيفة رضي الله عنه لا بأس بالعلم من الفضة في العمامة قدر أربع أصابع ويكره من الذهب وقيل لا يكره والذهب المنسوج في العلم كذلك وعن محمد لا يجوز وفي ( جامع مختصر ) الشيخ أبي محمد قيل لمالك ملاحف أعلامها حرير قدر إصبعين قال لا أحبه وما أراه حراما
5829 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) قال ( كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان ) أن النبي نهاى عن لبس الحرير إلا هاكذا وصف لنا النبي إصبعيه ورفع زهير الوسطى والسبابة
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن أحمد بن يونس وهو أحمد بن عبد الله بن يوسف نسب لجده وهو بذلك أشهر يروي عن زهير بن معاوية بن أبي خيثمة الجعفي عن عاصم بن سليمان الأحول عن أبي عثمان عبد الرحمن المذكور
قوله كتب إلينا عمر هكذا في رواية الأكثر وكذا في رواية مسلم وفي رواية الكشميهني كتب إليه أي إلى عتبة بن فرقد وكلتا الروايتين صحيحة لأنه كتب إلى الأمير لأنه هو الذي يخاطب به وكتب إليهم أيضا بالحكم قوله ورفع زهير السبابة والوسطى وزاد مسلم في روايته وضمهما
5830 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن التيمي عن أبي عثمان قال كنا مع عتبة فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن النبي قال لا يلبس الحرير في الدنيا إلا لم يلبس منه شيء في الآخرة
هذا طريق آخر أخرجه عن مسدد عن ( يحيى ) القطان عن سليمان بن طرخان ( التيمي ) إلى آخره
قوله لا يلبس على صيغة المجهول وكذلك قوله لم يلبس وهذا هكذا في رواية المستملي والسرخسي في الموضعين وللنسفي في الأخيرة منه وفي رواية الكشميهني على صيغة بناء الفاعل في الموضعين والتقدير لا يلبس الرجل الحرير ويروى لا يلبس أحد الحرير في الدنيا إلا لم يلبس منه شيئا في الآخرة وفي رواية لمسلم لا يلبس الحرير إلا من ليس له منه شيء في الآخرة وقال بعضهم وأورده الكرماني بلفظ إلا من لم يلبس قال وفي الأخرى إلا من ليس يلبس منه قلت لفظ الكرماني هكذا قوله إلا من لم يلبس وفي بعضها إلا ليس يلبس
حدثنا الحسن بن عمر حدثنا معتمر حدثنا أبي حدثنا أبو عثمان وأشار أبو عثمان بإصبعيه المسبحة والوسطى
هذا طريق آخر أخرجه عن الحسن بن عمر بن شقيق الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء ( أبي عثمان ) البلخي هكذا نص

(22/10)


عليه الكلاباذي وآخرون وعن ابن عدي هو ابن عمرو بن إبراهيم العبدي وليس بشيء ومعتمر يروي عن أبيه سليمان التيمي وسليمان عن أبي عثمان المذكور وأبو عثمان يروي عن كتاب عمر ضي الله عنه وزاد هذه الزيادة المسبحة بكسر الباء الموحدة المشددة وهي السبابة وهي التي تلي الإبهام وسميت بالسبابة لأن الناس يشيرون بها عند السبب وسميت بالمسبحة لأن المصلي يشير بها إلى التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشريك
5831 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( ابن أبي ليلى ) قال كان حذيفة بالمداين فاستسقاى فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة فرماه به وقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته قال رسول الله الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة
مطابقته للترجمة من حيث إن المفهوم منه عدم جواز استعمال هذه الأشياء للرجال وقد تمسك به من منع استعمال النساء للحرير والديباج لأن حذيفة استدل به على تحريم الشرب في الإناء الفضة وهو حرام على النساء والرجال جميعا فيكون الحرير كذلك وأجيب بأن الخطاب بلفظ المذكر ودخول المؤنث فيه مختلف فيه قيل الراجح عند الأصوليين عدم دخولهن قلت هذا الجواب ليس بمقنع بل الأولى أن يقال قد جاءت إباحة الذهب والحرير للنساء كما سيأتي إن شاء الله تعالى
والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الباب وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار ضد اليمين وكان عبد الرحمن قاضي الكوفة وحذيفة هو ابن اليمان
والحديث مضى في الأشربة في باب الشرب في آنية الذهب فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن الحكمإلى آخره
قوله فاستسقى أي طلب سقي الماء والمدائن إسم مدينة كانت دار مملكة الأكاسرة والدهقان بكسر الدال على المشهور وبضمها وقيل بفتحها وهو غريب وهو زعيم الفلاحين وقيل زعيم القرية وهو عجمي معرب وقيل بأصالة النون وزيادتها قوله ولهم أي وللكفار قال الكرماني هذا بيان للواقع لا تجويز لهم لأنهم مكلفون بالفروع وفيه خلاف وظاهر الحديث يدل على أنهم ليسوا بمكلفين بالفروع
5832 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( عبد العزيز بن صهيب ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) قال ( شعبة ) فقلت أعن النبي فقال شديدا عن النبي فقال من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يوضحها لأن الترجمة ليس فيها بيان الحكم والحديث من أفراده
قوله قال شعبة فقلت أي فقلت لعبد العزيز أعن النبي أي أسمع أنس عن النبي ووقع في رواية علي بن الجعد شعبة سألت عبد العزيز بن صهيب عن الحرير فقال سمعت أنسا فقلت عن النبي فقال شديدا أي قال عبد العزيز على سبيل الغضب الشديد في سؤاله عن النبي يعني لا حاجة إلى هذا السؤال إذ القرينة أو السؤال مشعر بذلك قاله الكرماني وقال بعضهم يحتمل أن يكون تقريرا لكونه مرفوعا أي أحفظه حفظا شديدا ثم نقل ما ذكرناه عن الكرماني ثم قال كذا ووجهه غير وجيه قلت الذي قاله هو غير وجيه قلت الذي قاله هو غير وجيه والأوجه ما ذكره الكرماني ليتأمله من له أدنى تامل قوله فلن يلبسه في الآخرة هو على تقدير إما ينساه أو تزال شهوته من نفسه أو يكون ذلك في وقت دون وقت
5833 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) قال سمعت ( ابن الزبير ) يخطب يقول قال محمد من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة

(22/11)


نه
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا الآن وثابت هو البناني وابن الزبير هو عبد الله
والحديث أخرجه النسائي في الزينة وفي التفسير عن قتيبة عن حماد بن زيد به
قوله يخطب زاد النسائي وهو على المنبر وفي رواية أحمد عن عفان عن حماد بلفظ يخطبنا قوله قال محمد هذا مرسل ابن الزبير ومراسيل الصحابة محتج بها عند الجمهور من الذين لا يحتجون بالمراسيل لأنه إما أن يكون عند الواحد منهم عن النبي أو عن صحابي آخر فإن قلت يحتمل أن يكون عن تابعي لوجود بعض الرواية عن بعض الصحابة عن بعض التابعين قلت هذا نادر والنادر كالمعدوم قوله لم يلبسه بكلمة لم وقال بعضهم لن يلبسه في الآخرة كذا في جميع الطرق عن ثابت يعني بكلمة لن وهو اوضح في النفي قلت وجدت في غالب النسخ لم يلبسه بكلمة لم
5834 - حدثنا ( علي بن الجعد ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( أبي ذبيان خليفة بن كعب ) قال سمعت ( ابن الزبير ) يقول سمعت ( عمر ) يقول قال النبي من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
وقال لنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن يزيد قالت معاذة أخبرتني أم عمرو بنت عبد الله سمعت عبد الله بن الزبير سمع عمر سمع النبي نحوه
هذا طريق آخر أخرجه عن علي بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن عبيد الجوهري البغدادي روى البخاري عنه في كتابه اثني عشر حديثا قال البخاري مات ببغداد آخر رجب سنة ثلاثين ومائتين وأبو ذبيان بضم الذال المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة وبالياء آخر الحروف وبالنون واسمه خليفة بن كعب التميمي البصري وماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد وثقه النسائي ووقع في رواية علي بن السكن عن الفربري عن أبي ظبيان بظاء معجمة بدل الذال قالوا هو خطأ وأشد خطأ منه في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري عن أبي دينار بكسر الدال المهملة وبالياء آخر الحروف الساكنة ونون وبعد الألف راء وقد نبه على ذلك أبو محمد الأصيلي
قوله سمعت ابن الزبير يقول سمعت عمر يقول وقع في رواية النضر بن شميل عن شعبة حدثنا خليفة بن كعب سمعت عبد الله بن الزبير يقول لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر رضي الله عنه أخرجه النسائي من طريق جعفر بن ميمون عن خليفة بن كعب فلم يذكر عمر في إسناده وشعبة أحفظ من جعفر بن ميمون قوله لم يلبسه وفي رواية الكشميهني لن يلبسه والمحفوظ من هذا الوجه لم وكذا أخرجه مسلم والنسائي وزاد النسائي في رواية جعفر بن ميمون في آخره ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة قال الله تعالى ( 22 ) ولباسهم فيها حرير ( الحج23 وفاطر33 ) قيل هذه الزيادة مدرجة في الخبر وهي موقوفة على ابن الزبير بين ذلك النسائي أيضا من طريق شعبة فذكر مثل سند حديث الباب وفي آخره قال ابن الزبير فذكر الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن الجعد عن شعبة ولفظه فقال ابن الزبير من رأيه ومن لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة وذلك لقوله تعالى ولباسهم فيها حرير
قوله وقال لنا أبو معمر هذا طريق آخر من رواية ابن الزبير عن عمر رضي الله عنه أخرجه عن أبي معمر عبد الله بن عمر بن الحجاج أحد شيوخه بطريق المذاكرة حيث لم يصرح بالتحديث عنه
وعبد الوارث هو ابن سعيد ويزيد من الزيادة قال الغساني هو يزيد الرشك بكسر الراء وبسكون الشين المعجمة وبالكاف ومعناه القسام كان يقسم الدور ويمسح بمكة مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة بالبصرة ومعاذة بضم الميم وبالعين المهملة وبالذال المعجمة بنت عبد الله العدوية البصرية وأم عمر وبنت عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدية سمعت أباها عبد الله بن الزبير وابن الزبير سمع عمر رضي الله عنه وعمر سمع النبي وفي رواية الإسماعيلي سمعت من عبد الله بن الزبير يقول في خطبته إنه سمع عمر بن الخطاب قوله نحوه أي نحو الحديث المذكور وعند الإسماعيلي بلفظ فإنه لا يكساه في الآخرة وله من طريق شيبان بن فروخ عن عبد الوارث فلا كساه الله في

(22/12)


الآخرة وروى أحمد من حديث جابر عن خالته أم عثمان عن جويرية قالت قال رسول الله من لبس ثوب حرير ألبسه الله عز و جل ثوبا من النار يوم القيامة
5835 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عثمان بن عمر ) حدثنا ( علي بن المبارك ) عن ( يحياى بن أبي كثير ) عن ( عمران بن حطان ) قال سألت عائشة عن الحرير فقالت ائت ابن عباس فسله قال فسألته فقال سل ابن عمر قال فسألت ابن عمر فقال أخبرني أبو حفص يعني عمر بن الخطاب أن رسول الله قال إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة فقلت صدق وما كذب أبو حفص على رسول الله
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها وعثمان بن عمر بن فارس البصري العبدي وعلي بن المبارك الهنائي البصري وعمران بكسر العين المهملة ابن حطان بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة وبالنون السدوسي كان رئيس الخوارج وشاعرهم وهو الذي مدح ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالأبيات المشهورة فإن قلت كان تركه من الواجبات وكيف يقبل قول من مدح قاتل علي رضي الله عنه قلت قال بعضهم إنما أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متدينا انتهى قلت ليس للبخاري حجة في تخريج حديثه ومسلم لم يخرج حديثه ومن أين كان له صدق اللهجة وقد أفحش في الكذب في مدحه ابن ملجم اللعين والمتدين كيف يفرح بقتل مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى يمدح قاتله وليس له في البخاري إلا هذا الموضع
قوله من لا خلاق له أي لا نصيب له في الآخرة وقيل لا حرمة له قوله فقلت صدقإلى آخره القائل هو عمران بن حطان المذكور
وقال عبد الله بن رجاء حدثنا حرب عن يحيى حدثني عمران وقص الحديث
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن رجاء بالجيم والمد أحد شيوخه مذاكرة ولم يصرح بالتحديث عنه وأراد بهذه الرواية تصريح يحيى بتحديث عمران له بهذا الحديث وحرب ضد الصلح قال الكرماني قال صاحب ( الكاشف ) حرب هو ابن ميمون أبو الخطاب روى عنه ابن رجاء وقال بعضهم حرب هو ابن شداد دورد على الكرماني ما ذكره بقوله وهو عجيب فإن صاحب ( الكاشف ) لم يرقم لحرب بن ميمون علامة البخاري ولا يلزم من كون عبد الله بن رجاء روى عنه أن لا يروي عن حرب بن شداد بل روايته عن حرب بن شداد موجودة في غير هذا قلت العجيب هو ما ذكره من وجهين
أحدهما أن قول صاحب ( الكاشف ) لم يرقم لحرب بن ميمون علامة البخاري غير مسلم لم لا يجوز أن يكون قد رقمه وانمحى ولم يطلع هو عليه أو يكون قد نسي الرقم له
الثاني أن قوله ولا يلزمإلى آخره غير مقنع في الجواب لأن له أن يقول ولا يلزم من كون عبد الله بن رجاء روى عنه أن لا يروي عن حرب بن ميمون ويحيى هو ابن أبي كثير وعمران وهو ابن حطان المذكور
قوله وقص الحديث أي الحديث المذكور وهو ما ساقه النسائي موصولا عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رخاء بلفظ من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة
26 -
( باب من مس الحرير من غير لبس )
أي هذا باب في بيان من مس الحرير وتعجب منه ولم يلبسه وأراد البخاري بهذه الترجمة الإشارة إلى أن الحرير ولبسه حرام فمسه غير حرام وكذا بيعه والانتفاع بثمنه
ويروى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي

(22/13)


أي يروى في مس الحرير من غير لبس عن محمد بن الوليد الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال نسبة إلى زبيد وهو منبه بن صعب وهو زبيد الأكبر وإليه ترجع قبائل زبيد والزبيدي هذا صاحب الزهري محمد بن مسلم وذكر الدارقطني حديثه في ( كتاب الأفراد والغرائب ) أن رسول الله أهديت له حلة من استبرق فجعل ناس يلمسونها بأيديهم ويتعجبون منها فقال النبي تعجبكم هذه فوالله لمناديل سعد في الجنة أحسن منها وقال الدارقطني تفرد به محمد بن الوليد عن الزهري ولم يروه غير عبد الله بن سالم الحمصي
5836 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال أهدي للنبي ثوب حرير فجعلنا نلمسه ونتعجب منه فقال النبي أتعجبون من هاذا قلنا نعم قال مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هاذا
مطابقته للترجمة في قوله فجعلنا نلمسه ونتعجب منه وعبيد الله بن موسى أبو محمد العبسي الكوفي وإسرائيل هو ابن يونس ابن أبي إسحاق عمرو السبيعي وإسرائيل يروي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب
والحديث مر في باب مناقب سعد ابن معاذ فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاقإلى آخره أما الثوب المذكور فقد أهداه إلى النبي أكيدر صاحب دومة وأما وجه تخصيص سعد بن معاذ بالذكر فلكونه سيد الأنصار ولعل اللامسين المتعجبين من الأنصار أو كان يحب ذلك الجنس من الثوب وأما تخصيص المناديل بالذكر فلكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى
27 -
( باب افتراش الحرير )
أي هذا باب في بيان حكم افتراش الحرير هل هو حرام كلبسه أم لا وحكمه أنه حرام كلبسه وفيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى وحديث الباب يوضح الحكم في الترجمة
وقال عبيدة هو كلبسه
عبيدة بفتح العين ابن عمرو السلماني بسكون اللام ومذهبه أنه لا فرق بين لبس الحرير وافتراشه فإنهما في الحرمة سواء ووصل تعليقه هذا الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سيرين قال قلت لعبيدة افتراش الحرير كلبسه قال نعم
5837 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( وهب بن جرير ) حدثنا أبي قال سمعت ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن أبي ليلى ) عن ( حذيفة ) رضي الله عنه قال نبهانا النبي أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والدباج وأن نجلس عليه
مطابقته للترجمة في قوله وأن نجلس عليه وعلي هو ابن المديني ووهب بن جرير يروي عن أبيه جرير بن حازم بالمهملة والزاي الأزدي وابن أبي نجيح اسمه عبد الله وأبو نجيح بفتح النون وكسر الجيم اسمه يسار ضد اليمين وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار مثل إسم أبي نجيح
والحديث مضى في الأطعمة وفي الأشربة في موضعين وفي اللباس في موضعين ومضى الكلام فيه وليس في هذا كله لفظ وأن نجلس عليه إلا ههنا
وهو من مفردات البخاري ولهذا لم يذكره الحميدي واحتج به الجمهور من المالكية والشافعية على تحريم الجلوس على الحرير وأجازه أبو حنيفة رضي الله عنه وابن الماجشون وبعض الشافعية وعبد العزيز بن أبي سلمة وابنه عبد الملك فإنهم احتجوا بما رواه وكيع عن مسعر عن راشد مولى بني تميم قال رأيت في مجلس ابن عباس رضي الله عنهما مرفقة حرير وروى ابن سعد أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا عمرو بن أبي المقدام عن مؤذن بني وداعة قال دخلت على ابن عباس وهو متكىء على مرفقة حرير وسعيد ابن جبير عند رجليه وهو يقال له انظر كيف تحدث عني فإنك حفظت عني كثيرا وأجابوا بأن لفظ نهى ليس صريحا

(22/14)


في التحريم ويحتمل أن يكون النهي ورد عن مجموع اللبس والجلوس لا عن الجلوس بمفرده وأيضا فإن الجلوس ليس بلبس فإن قالوا في حديث أنس فقمت إلى حصير لناقد أسود من طول ما لبس قلنا معناه من طول ما استعمل لأن لبس كل شيء بحسبه والمرفقة بكسر الميم الوسادة
28 -
( باب لبس القسي )
أي هذا باب في بيان لبس الثوب القسي بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة وتشديد الياء وقال الكرماني القسي منسوب إلى بلد يقال له القس قلت القس كانت بلدة على ساحل البحر الملح بالقرب من دمياط كان ينسج فيها الثياب من الحرير واليوم خرابة وقال أبو عبيد وأصحاب الحديث يقولون القسي بكسر القاف وأهل مصر يفتحونها وقال ابن سيده القس والقس موضع ينسب إليه ثياب تجلب من نحو مصر وذكر الحسن بن محمد المهلبي المصري أن القس لسان خارج من البحر عنده حصن يسكنه الناس بينه وبين الفرما عشرة فراسخ من جهة الشام قلت الفرما كذا وقال الكرماني قيل إنه القزي بالزاي موضع السين من القز الذي هو غليظ الإبر سم ورديئة وفي ( التوضيح ) القس قرية من تنيس بكسر التاء المثناة من فوق وتشديد النون المكسورة وسكون الياء آخر الحروف وبسين مهملة بلدة كانت في جزيرة بساحل بحر دمياط وقد خربت وفي ( سنن أبي داود ) القس قرية بالصعيد
وقال عاصم عن أبي بردة قال قلت لعلي ما القسية قال ثياب أتينا من الشأم أو من مصر مضلعة فيها حرير وفيها أمثال الأترنج والميثرة كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف يصفرنها
عاصم هو ابن كليب الجرمي بالجيم والراء مات سنة ثلاثين ومائة وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وعلي هو ابن أبي طالب رضي الله عنه
وهذا التعليق طرف من حديث وصله مسلم من طريق عبد الله بن إدريس سمعت عاصم بن كليب عن أبي بردة وهو ابن أبي موسى الأشعري عن علي رضي الله عنه قال نهانا رسول الله عن لبس القسي وعن المياثر قال فأما القسي فثياب مضلعة الحديث قوله أتتنا من الشام أو من مصر وفي رواية مسلم من مصر والشام قوله مضلعة فيها حرير أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع وقال الكرماني وتضليع الثوب جعل وشيه على هيئة الأضلاع غليظة معوجة قوله الأترج بتشديد الجيم ويقال له الأترنج أيضا بتخفيف الجيم قبلها نون ساكنة قوله والميثرة بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة من الوثارة وهي اللين ووزنها مفعلة وأصلها موثرة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ويجمع على مياثر ومواثر قوله كانت النساء تصنعه لبعولتهن أي لأزواجهن والبعولة جمع بعل وهو الزوج توضع على السروج يكون من الحرير ويكون من الصوف قوله مثل القطائف جمع قطيفة وهي الكساء المخمل وقيل هي الدثار قوله يصفرنها من التصغير ويروى يصفونها أي يجعلونها كالصفة من التصفية أي صفة السرج قال أبو عبيد هي كانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير وقال الهروي الميثرة مرفقة تتخذ لصفة السرج وكانوا يحمرونها وفي ( المحكم ) الميثرة الثوب يجلل بها الثياب فتعلوها وقيل هي أغشية السروج تتخذ من الحرير ويكون من الصوف وغيره وقيل هي شيء كالفراش الصغير يتخذ من الحرير ويحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل
وقال جرير عن يزيد في حديثه القسية ثياب مضلعة يجاء بها من مصر فيها الحرير والميثرة جلود السباع قال أبو عبد الله عاصم أكثر وأصح في الميثرة
اختلف الشراح في جرير هذا وفي شيخه فقال الكرماني جرير هذا بالجيم هو ابن حازم المذكور آنفا يعني المذكور في سند الحديث الذي مضى قبل هذا الباب وهو قوله حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي وأبوه هو جرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي وقال بعضهم هو جرير بن عبد الحميد وأما شيخه فضبطه الحافظ الدمياطي رحمه الله بخط يده على حاشية نسخته بضم الباء

(22/15)


الموحدة وفتح الراء وهو بريد بن عبد الله بن أبي موسى الأشعري وضبطه الحافظ المزي في ( تهذيبه ) بالياء آخر الحروف وقال إنه يزيد بن أبي زياد القرشي وذكر أن البخاري روى له معلقا وروى له في رفع اليدين والأدب وروى له مسلم مقرونا بغيره وأن أحمد وابن معين ضعفاه وأن العجلي قال هو جائز الحديث وأنه كان بآخره يلقن وقال الكرماني ويزيد من الزيادة ابن رومان بضم الراء وسكون الواو وبالميم والنون مولى آل الزبير بن العوام ونسب بعضهم الوهم إلى الدمياطي في ضبطه بريد بالباء الموحدة ورد على الكرماني في ضبطه جرير بن حازم وفي ضبط شيخه بأنه يزيد بن رومان وادعى أن جريرا هو ابن عبد الحميد وأن شيخه هو يزيد بن أبي زياد واعتمد فيما قاله على حديث وصله إبراهيم الحربي في ( غريب الحديث ) له عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهل قال القسية ثياب مضلعة الحديث قلت كل من الحافظين المذكورين صاحب ضبط واتقان فلا يظن فيهما إلا أنهما حررا هذا الموضع كما ينبغي وأما الكرماني فإنه أيضا لم يقل ما ذكره من عند رأيه ولم يكن إلا وقف على نسخة معتمدة أو على كتاب من هذا الفن ومع هذا الاحتمال باق في الكل والله أعلم
قوله والميثرة جلود السباع هذا لا يوجد إلا في بعض نسخ البخاري وقال النووي تفسير الميثرة بالجلود قول باطل مخالف للمشهور الذي أطبق عليه أهل الحديث وقال الكرماني جلود السباع لم تكن منهية وأجاب بقوله إما أن يكون فيها الحرير وإما أن يكون من جهة إسراف فهيا وإما لأنها من زي المترفين وكان كفار العجم يستعملونها قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله عاصم أكثر أي رواية عاصم بن كليف المذكور أكثر طرقا وأصح من رواية يزيد المذكور وهذا أعني قوله وقال أبو عبد اللهإلى آخره لم يقع في رواية أبي ذر ولا في رواية النسفي
5838 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( أشعث بن أبي الشعثاء ) حدثنا ( معاوية بن سويد بن مقرن ) عن ( البراء بن عازب ) قال نهانا النبي عن المياثر الحمر والقسي
مطابقته للترجمة في قوله وعن القسي ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي وسفيان هو الثوري
والحديث طرف من حديث أوله أمرنا بسبع ونهانا عن سبعوسيأتي تمامه بعد أبواب
قوله نهانا في رواية الكشميهني نهى قوله عن المياثر الحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم ذكره لبيان ما كان هو الواقع وقال أبو عبيد المياثر الحمر المنهي عنها كانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير وقال ابن بطال كلامه يدل على أنها إذا لم تكن من حرير أو ديباج وكانت من صوف أحمر فإنه يجوز الركوب عليها وليس النهي عنها كالنهي عنها إذا كانت منهما وقال ابن وهب سئل مالك عن ميثرة أرجوان يركب عليها قال ما أعلم حراما ثم قرأ ( 7 ) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ( الأعراف32 ) والأرجوان صبغ أحمر وقال الخطابي وذكر قوله لا أركب الأرجوان وقال الأرجوان الأحمر وأراه أراد به المياثر الحمر وقد تتخذ من ديباج وحرير وقد ورد فيها النهي لما في ذلك من السفه وليست من لباس الرجال وروى أبو داود من حديث قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي قال لا أركب الأرجواز ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير وروى أبو يعلى الموصلي في ( مسنده ) من حديث ابن عباس قال نهى النبي عن خواتيم الذهب والقسية والميثرة الحمراء المصبغة من العصفر
29 -
( باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة )
أي هذا باب فيه بيان ما يرخص للرجال من لبس الحرير لأجل الحكة أي الجرب
5839 - حدثني ( محمد ) أخبرنا ( وكيع ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) قال رخص النبي للزبير وعبد الرحمان في لبس الحرير لحكة بهما
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام كذا وقع في رواية علي بن السكن ووقع في رواية الأكثرين محمد مجردا عن

(22/16)


نسبة
والحديث مضى في الجهاد عن مسدد وأخرجه مسلم في اللباس عن أبي بكر عن وكيع وعن غيره
قوله للزبير وهو الزبير بن العوام وعبد الرحمن هو ابن عوف قوله لحكة بهما أي لأجل حكة حصلت بهما أي بأبدانهما ووقع في ( الوسيط ) للغزالي أن الذي رخص له في لبس الحرير هو حمزة بن عبد المطلب وهو غلط وعن الشافعي في وجه أن الرخصة خاصة بالزبير وعبد الرحمن وفي ( التوضيح ) ومن الغريب حكاية صاحب ( التنبيه ) وجها أنه لا يجوز لبسه للحاجة المذكورة ولم يحكه الرافعي وصاحب ( البيان ) إلا عنه وقد تعلل على بعده باختصاص الرخصة للمذكورين وفرق بعض أصحابنا فجوزه في السفر دون الحضر لرواية مسلم أن ذلك كان في السفر وهذا الوجه خصه في ( الروضة ) بالقمل وليس كذلك فقد نقله الرافعي في الحكة والأصح جوازه سفرا وحضرا وأبعد من قال باختصاصه بالسفر وإن اختاره ابن الصلاح لظاهر الحديث الذي رواه مسلم والبخاري أنه أرخص لهما لما شكيا القمل في غزاة لهما والله أعلم
30 -
( باب الحرير للنساء )
أي هذا باب في بيان استعمال الحرير في اللبس للنساء
58 - ( حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة ح وحدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كساني النبي حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فرأيت الغضب إلى آخره وأخرجه من طريقين ( الأول ) عن سليمان بن حرب عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة إلى آخره ( والثاني ) عن محمد بن بشار عن غندر وهو لقب محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف ثم سين مهملة الهلالي أبي زيد الزراد بزاي وراء مشددة وزيد بن وهب الجهني الثقة المشهور من كبار التابعين وما له في البخاري عن علي سوى هذا الحديث والحديث مضى في الهبة في باب ما يكره لبسه فإنه أخرجه عن حجاج بن منهال عن شعبة قال أخبرني عبد الملك بن ميسرة قال سمعت زيد بن وهب عن علي رضي الله تعالى عنه إلى آخره ومضى أيضا في النفقات في باب كسوة المرأة بالمعروف فإنه أخرجه فيه أيضا عن حجاج عن شعبة إلى آخره قوله عن زيد بن وهب كذا لأكثر الرواة ووقع في رواية علي بن السكن وحده عن النزال بن سبرة بدل زيد بن وهب قالوا إنه وهم كأنه انتقل من حديث إلى حديث لأن رواية عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن علي رضي الله تعالى عنه إنما هي في الشرب قائما وقد تقدم في الأشربة قوله حلة سيراء قد مر غير مرة أن الحلة إزار ورداء وقال ابن الأثير الحلة ثوبان إذا كانا من جنس واحد والسيراء بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف والراء مع المد قال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد والعنباء لغة في العنب وقال مالك هو الوشي من الحرير والوشي بفتح الواو وسكون الشين المعجمة بعدها ياء آخر الحروف وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز وإنما قيل لها سيراء لتسيير الخطوط فيها وقال الخليل ثوب مضلع بالحرير وقيل مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور وقال الجوهري برد فيه خطوط صفر واختلف في حلة سيراء هل هو بالإضافة أم لا فوقع عند الأكثرين تنوين حلة على أن السيراء عطف بيان أو صفة وجزم القرطبي بأنه الرواية وقال الخطابي قالوا حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء ونقل عياض عن أبي مروان بن سراج أنه بالإضافة قال عياض وكذا ضبطناه عن متقني شيوخنا وقال النووي أنه قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء إلى صفته كما قالوا ثوب خز قوله فخرجت فيها وفي رواية أبي صالح عن علي فلبستها قوله فرأيت الغضب في وجهه أي في وجه رسول الله وزاد مسلم في رواية أبي صالح فقال إني لم أبعثها إليك لتلبسها وإنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء وفي أخرى شققتها خمرا بين الفواطم وقال ابن قتيبة المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي وفاطمة بنت

(22/17)


أسد بن هاشم أم علي رضي الله تعالى عنهما ولا أعرف الثالثة وقد روى الطحاوي حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا يعقوب بن حميد قال حدثنا عمران بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن جعدة عن علي رضي الله تعالى عنه قال أهدى أمير أذربيجان إلى النبي حلة مسيرة بحرير إما سداها وإما لحمتها فبعث بها إلي فأتيته فقلت يا رسول الله ألبسها قال لا أكره لك ما أكره لنفسي اجعلها خمرا بين الفواطم قال فقطعت منها أربع خمر خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب وخمارا لفاطمة بنت رسول الله وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وخمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها انتهى وقال عياض لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة وقيل بنت عتبة بن ربيعة قوله فشققتها بين نسائي أي قطعتها ففرقتها عليهن خمرا بضم الخاء المعجمة والميم جمع خمار بكسر أوله والتخفيف وهو ما تغطي به المرأة رأسها والمراد بنسائي ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال بين الفواطم قاله هكذا بعضهم قلت المراد بنسائي النساء اللاتي يقربن منه وهي الفواطم المذكورة ولهذا ذكره بالإضافة إلى نفسه -
5841 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثني ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) أن عمر رضي الله عنه رأى حلة سيراء تباع فقال يا رسول الله لو ابتعتها تلبسها للوفد إذا أتوك والجمعة قال إنما يلبس هاذه من لا خلاق له وأن النبي بعث بعد ذالك إلى عمر حلة سيراء حريرا كساها إياه فقال عمر كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت فقال إنما بعثت إليك لتبيعها أو وتكسوها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أو تكسوها لأن معناها لتعطيها غيرك من النساء بالهبة ونحوها فهذا يدل على أنها حلال للنساء
وجويرية مصغر الجارية ابن أسماء الضبعي بضم الضاد المعجمة والاسمان مشتركان بين الذكور والإناث
والحديث قد مضى في الجمعة في باب يلبس أحسن ما يجد فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع إلى آخره بأتم منه ومضى أيضا في أول العيدين أخرجه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد اللهإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله للوفد وفي رواية جرير بن حازم لوفود العرب قوله والجمعة وفي رواية سالم للعيد بدل الجمعة وجمع ابن إسحاق عن نافع ما تضمنته الروايتان أخرجه النسائي بلفظ فتجملت بها لوفود العرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس في يوم عيد أو غيره وتخصيص العرب بالذكر لكثرة وفودهم قوله من لا خلاق له أي من لا نصيب له يوم القيامة أو من لا حظ له قوله كساها إياه أي كسى النبي الحلة المذكورة إياه أي عمر هذا الإطلاق باعتبار ما فهم عمر من ذلك وإلا فقد ظهر من بقية للحديث أنه لم يبعث بها إليه ليلبسها قوله أو تكسوها قد مر تفسيره آنفا وزاد مالك في آخر الحديث فكساها عمر خاله بمكة مشركا وعند النسائي أخا له من أمه
5842 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أنس بن مالك ) أنه رأى على أم كلثوم عليها السلام بنت رسول الله برد حرير سيراء
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن عمران بن بكار عن أبي اليمان به وأخرجه الطحاوي من خمس طرق وفي الطريق الخامس رأيت على زينب بنت النبي بردا سيراء من حرير
وأم كلثوم بضم الكاف وسكون اللام وبالمثلثة زوج عثمان رضي الله عنهما ماتت في حياة النبي في سنة سبع من الهجرة وزينب بنت النبي هي أكبر بنات النبي وهي التي ردها على زوجها أبي العاص بن الربيع حين أسلم قيل بنكاح جديد وقيل بنكاحها الأول ماتت ثمان من الهجرة في حياة النبي فإن قلت حديث أنس مضطرب قلت لا نسلم لأن عادة الأخوات أن تلبس زيا واحدا فإن قلت كيف تجوز رؤية أنس بنات النبي قلت كان ذلك قبل بلوغ أنس مبلغ الرجال وكان بلوغه في حياة النبي بالإجماع أو كان قبل نزول الحجاب فإن قلت قال الطحاوي إن

(22/18)


كان أنس رأى ذلك في زمن النبي فيعارض حديث عقبة وهو الذي أخرجه النسائي وابن حبان وصححه أن النبي كان يمنع أهله الحرير والحلية وإن كان بعد النبي كان دليلا على نسخ حديث عقبة قلت قد طعن بعضهم على الطحاوي في هذا الترديد بما ملخصه أنه خفي عليه موت أم كلثوم فإنها ماتت في حياة النبي كما ذكرناه آنفا فدعوى المعارضة مردودة وكذا دعوى النسخ انتهى ويمكن أن يوجه كلام الطحاوي بأن يقال معنى قوله وإن كان بعد النبي أي وإن كان إخباره بذلك بعد النبي فعلى هذا يصح دعوى النسخ ثم إن الطاعن المذكور قال الجمع بينهما أي بين حديث أنس وحديث عقبة بن عامر واضح يحمل النهي في حديث عقبة على التنزيه قلت حديث أنس لا يعارضه حديث عقبة لأن تصحيح البخاري أقوى من تصحيح غيره فالمعارضة تقتضي المساواة والله أعلم
31 -
( باب ما كان النبي يتجوز من اللباس والبسط )
أي هذا باب في بيان ما كان النبي يتجوز من التجوز وهو التخفيف وحاصل معناه أنه كان يتوسع فلا يضيق بالاقتصار على صنف واحد من اللباس وقيل ما يطلب النفيس والعالي بل يستعمل ما تيسر ووقع في رواية الكشميهني ما يتجزى ضبطه بعضهم بجيم وزاي مفتوحة مشددة بعدها ألف وما أظنه صحيحا إلا بالحاء المهملة والراء قوله والبسط ضبطه بعضهم بالباء الموحدة المفتوحة ثم قال وهو ما يبسط ويجلس عليه وقال الكرماني البسط جمع البساط فحينئذ لا تكون الباء إلا مضمومة وما أظن الصحيح إلا هذا
61 - ( حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي فجعلت أهابه فنزل يوما منزلا فدخل الأراك فلما خرج سألته فقال عائشة وحفصة ثم قال كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي فقلت لها وإنك لهناك قالت تقول هذا لي وابنتك تؤذي النبي فأتيت حفصة فقلت لها إني أحذرك أن تعصي الله ورسوله وتقدمت إليها في أذاه فأتيت أم سلمة فقلت لها فقالت أعجب منك يا عمر قد دخلت في أمورنا فلم يبق إلا أن تدخل بين رسول الله وأزواجه فرددت وكان رجل من الأنصار إذا غاب عن رسول الله وشهدته أتيته بما يكون وإذا غبت عن رسول الله وشهد أتاني بما يكون من رسول الله وكان من حول رسول الله قد استقام له فلم يبق إلا مالك غسان بالشأم كنا نخاف أن يأتينا فما شعرت إلا بالأنصاري وهو يقول إنه قد حدث أمر قلت له وما هو أجاء الغساني قال أعظم من ذاك طلق رسول الله نساءه فجئت فإذا البكاء من حجرهن كلها وإذا النبي قد صعد في مشربة له وعلى باب المشربة وصيف فأتيته فقلت استأذن لي فأذن لي فدخلت فإذا النبي على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه مرفقة من أدم حشوها ليف وإذا أهب معلقة وقرظ فذكرت الذي قلت لحفصة

(22/19)


وأم سلمة والذي ردت علي أم سلمة فضحك رسول الله فلبث تسعا وعشرين ليلة ثم نزل )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإذا النبي على حصير إلى قوله ليف والحديث مضى مطولا جدا في المظالم في باب الغرفة والعلية ومضى أيضا في التفسير في سورة التحريم فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان بن بلال عن يحيى عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس إلى آخره ومضى في النكاح أيضا وسيجيء أيضا في خبر الواحد ومضى الكلام فيه في المظالم قوله تظاهرتا أي تعاضدتا وهما عائشة وحفصة قوله فدخل في الأراك بفتح الهمزة وتخفيف الراء وهو الشجر المالح المرأى دخل بينهما لقضاء الحاجة قوله فأغلظت لي ويروى على قوله وإنك لهناك أي إنك في هذا المقام ولك جرأة أن تغلظي علي قوله أن تعصي الله ويروى أن تغضبي من الإغضاب قوله وتقدمت إليها في أذاه أي تقدمت إليها أولا قبل الدخول على غيرها في قصة أذى رسول الله وشأنه أو تقدمت إليها في أذى شخصها وإيلام بدنها بالضرب ونحوه قوله فأتيت أم سلمة وهي زوج رسول الله واسمها هند وإنما أتاها عمر رضي الله تعالى عنه لأنها قريبته قيل إنها خالته قوله أعجب بلفظ المتكلم قوله فرددت من الترديد ويروى فردت من الرد ويروى فبرزت من البروز أي الخروج قوله وكان من حول رسول الله أي من الملوك والحكام وغسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة قال الدارقطني اسم قبيلة قوله فما شعرت إلا بالأنصاري وهو يقول ويروى فما شعرت بالأنصاري إلا وهو يقول وكلاهما منقول عن الكشميهني وقال الكرماني في جل النسخ أو في كلها وهو يقول بدون كلمة الاستثناء ووجهه أن إلا مقدرة والقرينة تدل عليه أو كلمة ما زائدة أو مصدرية ويقول مبتدأ وخبره بالأنصاري أي شعوري ملتبس بالأنصاري قائلا قوله أعظم انتهى قلت الأحسن أن يقال ما مصدرية والتقدير شعوري بالأنصاري حال كونه قائلا أعظم من ذلك وقول الكرماني ويقول مبتدأ فيه نظر لأن الفعل لا يقع مبتدأ إلا بالتأويل قوله إنه أي الشأن قوله أجاء الغساني الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أعظم من ذلك أي من مجيء الغساني وهو أن النبي طلق نساءه فإن قلت كيف كان الطلاق أعظم من توجه العدو واحتمال تسلطه عليهم قلت لأن فيه ملالة خاطر رسول الله وأما بالنسبة إلى عمر رضي الله تعالى عنه فظاهر لأن مفارقة رسول الله بنته أعظم الأمور إليه ولعلمهم بأن الله تعالى يعصم رسول الله من الناس ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فإن قلت كيف قال طلق ورسول الله ما طلق نساءه قلت اعتزل عنهن فقال بالظن بأن الاعتزال تطليق قوله من حجرهن بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة ويروى من حجره أي من حجر رسول الله قوله في مشربة بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها وبالباء الموحدة وهي الغرفة قوله وصيف أي خادم وهو غلام دون البلوغ قوله مرفقة بكسر الميم وهي الوسادة قوله أهب بفتحتين جمع إهاب وهو الجلد ما لم يدبغ قوله وقرظ بفتح القاف والراء وبالمعجمة ورق شجر يدبغ به -
62 - ( حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرتني هند بنت الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت استيقظ النبي من الليل وهو يقول لا إله إلا الله ماذا أنزل الليل من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة قال الزهري وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها )
وجه ذكر هذا الحديث في هذا الباب من حيث أنه حذر أهله وجميع المؤمنات من لباس رقيق الثياب الواصفة لأجسامهن بقوله كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة وفهم منه أن عقوبة لابسة ذلك أن تعرى يوم القيامة وفيما حكاه الزهري عن هند ما يؤيد ذلك على ما يجيء وعبد الله بن محمد هو المسندي وهشام هو ابن يوسف الصنعاني ومعمر هو ابن راشد

(22/20)


والزهري هو محمد بن مسلم وهند بنت الحرث الفراسية وقيل القرشية كانت تحت معبد بن المقداد بن الأسود وأم سلمة زوج النبي واسمها هند والحديث مضى في كتاب العلم في باب العلم والعظة بالليل فإنه أخرجه هناك عن صدقة عن ابن عيينة عن معمر إلى آخره ومضى في صلاة الليل وسيجيء في الفتن أيضا قوله ماذا استفهام متضمن لمعنى التعجب والتعظيم أي رأى في المنام أنه ستقع بعده الفتن ويفتح لهم الخزائن أو عبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى خزائن رحمة ربك وعن العذاب بالفتن لأنها أسباب مؤدية إليه قوله الحجرات ويروى الحجر باعتبار الجنس قوله عارية بالجر أي كم كاسية عارية عرفتها وبالرفع أي اللابسات رقيق الثياب التي لا تمنع من إدراك لون البشرة معاقبات في الآخرة بفضيحة التعري أو اللابسات للثياب النفيسة عاريات من الحسنات في الآخرة فهو حض على ترك السرف بأن يأخذن أقل الكفاية ويتصدقن بما سوى ذلك قوله قال الزهري موصول بالإسناد المذكور إليه قوله لها أزرار جمع الزر كذا وقع للأكثرين ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني إزار براء واحدة وقيل هو غلط والمعنى أنها كانت تخشى أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كميها فكانت تزرر ذلك لئلا يبدو منه شيء فتدخل في قوله كاسية عارية وقال الكرماني ما غرض الزهري من نقل هذه الحالة ثم أجاب بقوله لعله أراد بيان ضبطه وتثبيته وفيه بعد -
32 -
( باب ما يدعاى لمن لبس ثوبا جديدا )
أي هذا باب في بيان ما يدعى للذي يلبس ثوبا جديدا
5845 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ) قال حدثني أبي قال ( حدثتني ) أم ( خالد بنت خالد ) قالت أتي رسول الله بثياب فيها خميصة سوداء قال من ترون نكسوها هاذه الخميصة فأسكت القوم قال ائتوني بأم خالد فأتي بي النبي فألبسها بيده وقال أبلي وأخلقي مرتين فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إلي ويقول أم خالد هاذا سناه والسنا بلسان الحبشية الحسن
قال إسحاق حدثتني امرأة من أهلي أنها رأته على أم خالد
مطابقته للترجمة في قوله أبلي وأخلقي وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأم خالد بن الزبير بن العوام بنت خالد بن سعيد بن العاص
والحديث مضى في باب الخميصة السوداء عن قريب
قوله فأسكت من الإسكات بمعنى السكوت ويقال تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف وإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت اسكت وقال صاحب ( التوضيح ) وأسكت بضم الهمزة قلت ليس كذلك قوله أبلى من الإبلاء وهو جعل الثوب عتيقا وأخلقي من الإخلاق والخلوقة وهما بمعنى واحد قال الكرماني قال هنا خميصة سوداء وقال في الجهاد قميص أصفر ثم قال لا يمتنع الجمع بينهما إذ لا منافاة في وجودهما
شقوله قال إسحاق ابن سعيد المذكور وهو موصول بالسند المذكور قوله رأيته أي الثوب وأرادت به الخميصة المذكورة فهذا دل على أنها بقيت زمانا طويلا وروى النسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر قال رأى النبي على عمر ثوبا فقال إلبس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا وأعله النسائي وصححه ابن حبان وروى أبو داود والترمذي وصححه من حديث أبي سعيد كان رسول الله إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وأخرجه الحاكم أيضا وصححه وروى الترمذي أيضا من حديث عمر رفعه من لبس ثوبا جديدا فقال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في حفظ الله وفي كنف الله حيا وميتا وروى أحمد والترمذي وحسنه من حديث معاذ بن أنس رفعه من لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه ولم

(22/21)


يرو البخاري حديثا منها لأنها لم تثبت على شرطه
33 -
( باب التزعفر للرجال )
أي هذا باب في بيان حكم التزعفر أي في الجسد للرجال واحترز به عن النساء فإنه يجوز لها وفي بعض النسخ باب النهي عن التزعفر للرجل وهذا أوضح وأحسن
64 - ( حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال نهى النبي أن يتزعفر الرجل )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوارث بن سعيد البصري وعبد العزيز بن صهيب والحديث بهذا السند من أفراده قوله أن يتزعفر الرجل هكذا قيده بالرجل وكذا رواه إسماعيل بن علية وحماد بن زيد عند مسلم وأصحاب السنن ورواه شعبة عن ابن علية عند النسائي مطلقا فقال نهى عن التزعفر وكأنه اختصره والمطلق محمول على المقيد وقال ابن بطال وابن التين هذا النهي خاص بالجسد ومحمول على الكراهة لأن تزعفر الجسد من الرفاهية التي نهى الشارع عنها بقوله البذاذة من الإيمان والدليل على كون النهي محمولا على الكراهة دون التحريم حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف قدم على رسول الله وبه أثر صفرة وروى وضر صفرة وزاد حماد بن سلمة عن ثابت وبه ردع من زعفران فقال مهيم الحديث فلم ينكر عليه النبي ولا أمره بغسلها فدل على أن نهيه عنه لمن لم يكن عروسا إنما هو محمول على الكراهة فإن قلت روى أبو داود من حديث عمار قال قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران فغدوت على رسول الله فسلمت عليه فلم يرد علي ولم يرحب بي فقال اذهب فاغسل عنك هذا فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه ردع فسلمت فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل عنك هذا فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت فرد علي ورحب بي وقال إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب قلت قيل هو معلول لأن في سنده مجهولا قلت أخرجه أبو داود من طريقين أحدهما عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر وهذا صحيح والآخر عن نصر بن علي الخ وفيه المجهول ومع هذا فالصحيح منه لا يقاوم صحيح البخاري فافهم -
34 -
( باب الثوب المزعفر )
أي هذا باب في بيان حكم الثوب المزعفر أي المصبوغ بالزعفران
5847 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال نهاى النبي أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو بزعفران
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان بن عيينة والحديث مضى في الحج مطولا والورس بفتح الواو وسكون الراء وبالسين المهملة نبت يكون باليمن والتقييد بالمحرم يدل على جواز لبس الثوب المزعفر للحلال وقال ابن بطال أجاز مالك وجماعة لباس الثوب المزعفر للحلال وقالوا النهي في حق المحرم خاصة وحمله الشافعي والكوفيون على المحرم وغير المحرم وحديث ابن عمر الآتي في باب النعال السبتية يدل على الجواز فإن فيه أن النبي وكان يصبغ بالصفرة وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران وفي سنده عبد الله ابن مصعب بن الزبير وفيه ضعف
35 -
( باب الثوب الأحمر )
أي هذا باب حكم لبس الثوب الأحمر ولم يبين الحكم في الترجمة اكتفاء بما في حديث الباب
66 - ( حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحق سمع البراء رضي الله عنه يقول كان النبي

(22/22)


مربوعا وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو يوضح الحكم الذي أبهمه في الترجمة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وأبو اسحق عمرو بن عبد الله السبيعي سمع البراء بن عازب حال كونه يقول كان النبي مربوعا أي بين الطويل والقصير يقال رجل ربعة ومربوع وجاء في صفته أطول من المربوع ومضى الحديث في صفة النبي عن حفص بن عمر مطولا ومضى تفسير الحلة عن قريب والحديث أخرجه أبو داود في اللباس عن أبي موسى وبندار وأخرجه الترمذي في الاستئذان والأدب عن بندار ببعضه في الشمائل بتمامه وأخرجه النسائي في الزينة عن علي بن الحسين الدرهمي وغيره فإن قلت أكثر أصحاب أبي اسحق رووه عن أبي اسحق عن البراء وخالفهم أشعث فقال عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة أخرجه النسائي وأعله وأخرجه الترمذي وحسنه قلت نقل عن البخاري أنه قال حديث أبي اسحق عن البراء وعن جابر بن سمرة صحيحان فإن قلت رويت أحاديث في المنع عن لبس الأحمر منها أن أنسا روى أن رسول الله كان يكره الحمرة وقال الجنة ليس فيها حمرة ومنها حديث عباد بن كثير عن هشام عن أبيه أن النبي كان يحب الخضرة ولا يحب الحمرة ومنها حديث خارجة بن مصعب عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه مثله ( ومنها ) حديث الحسن ابن أبي الحسن أن النبي قال الحمرة زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة قلت هذا كله غير مستقيم الإسناد وأكثرها مراسيل فإن قلت أخرج ابن ماجة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما نهى رسول الله عن المفدم بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر قلت هذا محمول على أنه يصبغ كله بلون واحد ومع هذا لا يقاوم حديث البراء واعلم أن في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال الأول الجواز مطلقا جاء عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وجماعة من التابعين الثاني المنع مطلقا للأحاديث المذكورة الثالث يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغة خفيفا روي ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد الرابع يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ويجوز في البيوت والمهنة جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخامس يجوز لبس ما صبغ غزله ثم نسج ويمنع ما صبغ بعد النسج ومال إليه الخطابي السادس اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر لورود النهي عنه ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ السابع تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها -
36 -
( باب الميثرة الحمراء )
أي هذا باب في بيان حكم استعمال الميثرة الحمراء وقد تقدم تفسيرها
5849 - حدثنا ( قبيصة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أشعث ) عن ( معاوية بن سويد بن مقرن ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال أمرنا النبي بسبع عبادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونهانا عن لبس الحرير والديباج والقسي والاستبرق ومياثر الحمر
مطابقته للترجمة في قوله ومياثر الحمر وقبيصة هو ابن عقبة وسفيان هو ابن عيينة وأشعث هو ابن أبي الشعثاء
والحديث مضى عن قريب مختصرا في باب لبس القسي ومضى مطولا في الجنائز في باب الأمر باتباع الجنائز ومضى الكلام فيه
قوله وتشميت العاطس بإعجام الشين وإهمالها والأربعة الباقية هي إجابة الداعي وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإبرار المقسم والديباج فارسي معرب وهو الرقيق من الحري والاستبرق الغليظ منه ولما صارا جنسين مستقلين خصصهما بالذكر ومر الكلام في القسي والميثرة وإنما قيد بالحمر مع أنها منهي عنها إذا كانت من الحرير سواء كانت حمراء أو غيرها لبيان الواقع فلا اعتبار لمفهومه والإثنان المكملان للسبع هما خواتيم الذهب وأواني الفضة

(22/23)


37 -
( باب النعال السبتية وغيرها )
أي هذا باب في بيان النعال وهو جمع نعل وفي ( المحكم ) النعل والنعلة ما وقيت به القدم وقال ابن الأثير النعل هي التي تسمى الآن تاسومة وقال ابن العربي النعل لباس الأنبياء عليهم السلام وإنما اتخذ الناس غيرها لما في أرضهم من الطين وقد تطلق النعل على كل ما بقي القدم قوله السبتية صفة النعال بكسر السين المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف نسبة إلى ما سبت عنها الشعر أي حلق وقطع وقيل هي المدبوغة بالقرظ وكانت عادة العرب لباس النعال بشعرها وغير مدبوغة وقال أبو عبيد وكانوا في الجاهلية لا يلبس النعال المدبوغة إلا أهل السعة ونقل عن الأصمعي أن السبتية المدبوغة وعن أبي عمر والشيباني بالقرظ وقيل إنما قالوا السبتية لأنها تسبتت أي لانت قوله وغيرها أي وغير النعال السبتية مما يشابهها
5850 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) عن ( سعيد أبي مسلمة ) قال سألت أنسا أكان النبي يصلي في نعليه قال نعم ( انظر الحديث 386 ) ح
مطابقته للترجمة تؤخذ منه وحماد هو ابن زيد وفي بعض النسخ صرح به وسعيد هو ابن يزيد بالزاي أبو مسلمة الأزدي البصري
والحديث قد مضى في الصلاة في باب الصلاة في النعال فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن سعيد أبي سلمة ومضى الكلام فيه
5851 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( سعيد المقبري ) عن ( عبيد بن جريج ) أنه قال ل ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال ما هي يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين ورأيتك تلبس النعال السبتية ورأيتك تصبغ بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية فقال له عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله يمس إلا اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث به راحلته
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الطهارة فإنه أخرجه هناك في باب غسل الرجلين في النعلين عن عبد الله بن يوسف عن مالكإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله إلا اليمانيين بالتخفيف وهو الذي فيه الحجر الأسود والذي يليه من جهة اليمن ويقال لهما اليمانيان تغليبا قوله يصبغ بضم الباء الموحدة والمراد به صبغ الثوب وقيل الشعر قوله أهل أي أحرم والهلال هو هلال ذي الحجة ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة
5852 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال نهى رسول الله أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس وقال من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين
مطابقته للترجمة في قوله ومن لم يجد نعلين والحديث قد مضى في الحج في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب

(22/24)


5853 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن دينار بن جابر بن زيد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي من لم يكن له إزار فليلبس السراويل ومن لم يكن له نعلان فليلبس خفين
مطابقته للترجمة في قوله ومن لم يكن له نعلان وسفيان هو الثوري وجابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي البصري الفقيه ومضى الحديث في الحج عن حفص بن عمر وأبي الوليد وآدم فرقهم ثلاثتهم عن شعبة
38 -
( باب يبدأ بالنعل اليمنى )
أي هذا باب يذكر فيه أن الرجل إذا لبس نعليه يلبس أولا نعله اليمنى قوله يبدأ ضبط على صيغة المجهول والأولى أن يكون على صيغة المعلوم
5854 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( أشعث بن سليم ) سمعت أبي يحدث عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان النبي يحب التيمن في طهوره وترجله وتنعله
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وأشعث بالثاء المثلثة في آخره يروي عن أبيه سليم بن الأزدي المحاربي الكوفي ومسروق بن الأجدع
والحديث مضى في الوضوء في باب التيمن في الوضوء والغسل فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلى آخره والترجل تسريح الشعر
39 -
( باب ينزع نعل اليسرى )
أي هذا باب يذكر فيه أن الرجل إذا نزع نعليه ينزع أولا نعله اليسرى قوله ينزع على صيغة المعلوم قوله نعل اليسرى أي نعل الرجل اليسرى وفي بعض النسخ ينزع نعله اليسرى وفيه اليسرى صفة للنعل وفي الأول صفة الرجل المقدرة
5855 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في اللباس عن القعنبي وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى
قوله إذا انتعل أي إذا لبس النعل قوله باليمين أي بيمين المنتعل ويروى باليمنى أي بالنعل اليمنى قوله أولهما خبر الكون وقوله تنعل على صيغة المجهول جملة حالية وقال الطيبي أولهما يتعلق بقوله تنعل وهو خبر كان ذكره بتأويل العضو وهو مبتدأ وتنعل خبره والجملة خبر كان
وفيه تفضيل اليمين على الشمال
93 -
( باب لا يمشي في نعل واحد )
أي هذا باب يذكر فيه لا يمشي الرجل في نعل واحد وإنما وصف النعل بالمذكر مع أنها مؤنثة على ما يجيء لأن تأنيثها غير حقيقي
5856 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا
مطابقته للترجمة ظاهرة
والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى
قوله لا يمشي أحدكم في نعل واحدة قال ابن الأثير النعل مؤنثة

(22/25)


وهي التي تلبس في المشي انتهى وتصغيرها نعيلة تقول نعلت وانتعلت إذا احتذيت من الحذاء بالحاء المهملة وهو النعل قال الخطابي نهيه عن المشي في النعل الواحدة لمشقة المشي على مثل هذه الحالة ولعدم الأمن من العثار مع سماجته في الشكل وقبح منظره في العيون إذ كان يتصور ذلك عند الناس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى وعن ابن العربي أنها مشية الشيطان وعن البيهقي لما فيه من الشهرة وامتداد الأبصار إلى من يرى ذلك منه قوله ليحفهما من الإحفاء بالحاء المهملة أي ليجردهما يقال حفي يحفي أي يمشي بلا خف ونعل قوله أو لينعلهما ضبطه النووي بضم أوله من أفعل ورد عليه شيخنا زين الدين رحمه الله بأن أهل اللغة قالوا نعل بفتح العين وحكى كسرها وانتعل أي لبس النعل قلت قال أهل اللغة أيضا إذا أنعل رجله أي ألبسها نعلا وأنعل دابته جعل لها نعلا وقال صاحب ( المحكم ) نعل الدابة والبعير ونعلهما بالتشديد ويدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين وأخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى والتردي على أحد المنكبين دون الأخرى قاله الخطابي وقال في ( المعونة ) يجوز ذلك في المشي الخفيف إذا كان هناك عذر وهو أن يمشي في إحداهما متشاغلا لإصلاح الأخرى وإن كان الاختيار أن يقف إلى الفراغ منها وروى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة أن النبي قال إذا انقطع شسع أحدكم يمشي في الأخرى حتى يصلحها وفي ( الجعديات ) من حديث ابن الزبير عن جابر قال رسول الله إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في نعل واحد حتى يصلح شسعه ولا يمشي في الخف الواحد فإن قلت روى ابن شاهين في ناسخه من حديث جبارة بن المغلس حدثنا مندل يعني ابن علي عن ليث عن نافع عن ابن عمر قال ربما انقطع شسع رسول الله فيمشي في نعل واحد حتى يصلحها أو تصلح له قلت هذا حديث واه كذا قاله صاحب ( التوضيح ) ولكن في ( علل الترمذي ) من حديث ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ربما مشى النبي في نعل واحدة وروى ابن علية والثوري عن عبد الرحمن عن أبيه عنها أنها مشت في خف واحد قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال الصحيح عن عائشة موقوف وروى ابن أبي شيبة عن ابن إدريس عن ليث عن نافع أن ابن عمر كان لا يرى بأسا أن يمشي في نعل واحدة إذا انقطع شسعه ما بينه وبين أن تصلح ومن حديث رجل من مزينة رأيت عليا رضي الله عنه يمشي في نعل واحد بالمدائن وعن زيد بن محمد أنه رأى سالما يمشي في نعل واحدة بالمدائن وقال ابن عبد البر لم يأخذ أهل العلم برأي عائشة في ذلك والذي روى من هؤلاء أن النهي عندهم نهي تنزيه ويحتمل أن النهي ما بلغهم والله أعلم
41 -
( باب قبالان في نعل ومن رأى قبالا واحدا واسعا )
أي هذا باب يذكر فيه قبالان كائنان في نعل واحد وقبالان تثنية قبال بكسر القاف زمام النعل وهو السير الذي يكون بين الإصبعين الوسطى والتي تليها يقال أقبل نعله وقابلها إذا عمل لها قبالا وفي الحديث قابلوا النعال أي اعملوا عليها القبال وقال الجوهري الزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة بعدها عين مهملة وهو أحد سيور النعل الذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام وقال عباض جمعه شسوع قوله ومن رأى قبالا واحدا واسعا يعني جائزا وأشار بهذا إلى أن قبالين أو قبالا واحدا مباح وليس في ذلك شيء لا يجزي غيره
5857 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) حدثنا ( أنس ) رضي الله عنه أن نعلي النبي كان لهما قبالان ( انظر الحديث 3107 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهمام هو ابن يحيى العوذي البصري ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري هشام بدل همام والصواب هو الأول
والحديث أخرجه أبو داود في اللباس أيضا عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق ابن منصور وغيره وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن معمر البصري وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن أبي بكر

(22/26)


ابن أبي شيبة
قوله أن نعلي النبي كذا بالتثنية في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بالإفراد قوله لهما وفي رواية الكشميهني لها بالإفراد والذي ثبت في الصحيح في حديث أنس أنه كان لنعليه قبالان ليس فيه زيادة على وصفهما بذلك وزاد ابن سعد في ( الطبقات ) عن عفان عن همام من سبت قال أي ليس عليها شعر قال والمسبوت ما ليس عليه شعر وإسناده صحيح وفي حديث ابن عباس كان شراكهما مثنيا وهو صحيح الإسناد إلا أنه ورد مرسلا من رواية عبد الله ابن الحارث دون ذكر ابن عباس وفي حديث عمرو بن حريث وأبي ذر أنهما مخصوفتان والمخصوفة المطرقة التي يطرق بعضها على بعض وحديث عمرو بن حريث رواه الترمذي في الشمائل وحديث أبي ذر رواه أبو الشيخ من رواية حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال رأيت رسول الله يصلي في نعلين مخصوفتين من جلود البقر وروى أبو الشيخ أيضا بإسناده إلى يزيد بن أبي زياد قال رأيت نعل النبي مخصرة ملسنة ليس لها عقب خارج والمخصرة التي لها خصر دقيق قال الجوهري والملسن من النعال الذي فيه طول ولطافة على هيئة اللسان وقال صاحب ( النهاية ) وقيل هي التي جعل لها لسان ولسانها الهيئة الناتئة في مقدمها
5858 - حدثني ( محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عيسى بن طهمان ) قال خرج إلينا أنس بن مالك بنعلين لهما قبالان فقال ثابت البناني هاذه نعل النبي ( انظر الحديث 3107 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعيسى بن طهمان بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء وبالنون البكرى الكوفي
قوله خرج ويروى أخرج إلينا هذا الحديث صورته صورة إرسال لأن ثابتا لم يصرح بأن أنسا أخبره بذلك وقال الإسماعيلي هذا مرسل
42 -
( باب القبة الحمراء من أدم )
أي هذا باب يذكر فيه القبة الحمراء من أدم بفتحتين وهو الجلد المدبوغ وصبغ بحمرة قبل أن يتخذ منه القبة وفي ( المغرب ) القبة الحزكاهة وكذا كل بناء مدور ويجمع على قباب قلت القبة من الأدم يستعملها أهل البادية ومن البناء يستعملها أهل المدن
5859 - حدثنا ( محمد بن عرعرة ) قال حدثني ( عمر بن أبي زائدة ) عن ( عون بن أبي جحيفة ) عن أبيه قال أتيت النبي وهو في قبة حمراء من أدم ورأيت بلالا أخذ وضوء النبي والناس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء اسمه وهب ابن عبد الله السوائي
والحديث مر في كتاب الصلاة في باب الصلاة إلى العنزة وفي باب السترة بمكة وغيرها
قوله وضوء النبي بفتح الواو قوله يبتدرون أي يتسارعون
5860 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( أنس بن مالك ) ( ح ) وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال أرسل النبي إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم
قيل الترجمة القبة الحمراء من أدم وهنا قبة من أدم فقط ولم يذكر الحمراء فلا تدل على أنها حمراء وأجيب بأنه يدل على

(22/27)


بعض الترجمة وكثيرا يقصد البخاري ذلك قاله الكرماني وقال بعضهم لعله حمل المطلق على المقيد وذلك لقرب العهد فإن القصة التي ذكرها أنس كانت في غزوة خيبر والتي ذكرها أبو جحيفة كانت في حجة الوداع وبينهما نحو سنتين فالظاهر أنها هي تلك القبة لأنه ما كان يتأنق في مثل ذلك حتى يستبدل فإذا وصفها أبو جحيفة بأنها حمراء في الوقت الثاني فلأن تكون حمرتها موجودة في الوقت الأول أولى انتهى قلت هذا الذي ذكره غير موجه وذلك أن قوله حمل المطلق على المقيد لا يصح أن يكون في مثل هذا الموضع على ما لا يخفى على المتأمل مع ما فيه من الخلاف وبقية كلامه احتمال بعيد والأحسن أن يقال إن أنسا رضي الله تعالى عنه اختصر فيه وترك ذكر لفظ الحمراء ثم إنه أخرج حديث أنس من طريقين الأول عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه والثاني علقه عن الليث عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب وهو الزهري وساق الحديث على لفظ الليث ووصله الإسماعيلي من طريق الرمادي حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني يونس فذكره وطريق شعيب قد مر في فرض الخمس مطولا وفيه فجمعهم في قبة من أدمالحديث
43 -
( باب الجلوس على الحصير ونحوه )
أي هذا باب فيه ذكر الجلوس على الحصير وهو الذي يتخذ من سعف النخل وغيره قوله ونحوه إشارة إلى الأشياء التي تبسط ويجلس عليها مما ليس له قدر
5861 - حدثني ( محمد بن أبي بكر ) حدثنا ( معتمر ) عن ( عبيد الله ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن النبي كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل فقال يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى ما دام وإن قل
مطابقته للترجمة في قوله فيجلس عليه أي على الحصير ومحمد بن أبي بكر هو المقدمي ومعتمر هو ابن سليمان وعبيد الله هو ابن عمر العمري وسعيد هو المقبري وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهؤلاء الثلاثة من التابعين المدنيين
والحديث مضى في الصلاة في باب صلاة اليل عن إبراهيم بن المنذر ومضى في الإيمان في باب أحب الدين إلى الله من غير هذا الوجه
قوله يحتجر أي يتخذ حجرة لنفسه يقال احتجر الأرض إذا ضرب عليها ما يمنعها به عن غيره وفي رواية الكشميهني يحتجز بزاي في آخره قوله يثوبون بالثاء المثلثة أي يجتمعون قاله الكرماني والأحسن أن يقال يرجعون لأنه من ثاب إذا رجع قوله فأقبل أي النبي قوله لا يمل من الملال وهو كناية عن عدم القبول والمعنى فإن الله يقبل أعمالكم حتى تملوا فإنه لا يقبل ما يصدر منكم على سبيل الملالة وأطلق الملال على طريق المشاكلة وقال الخطابي هو كناية عن الترك أي لا يترك الثواب ما لم تتركوا العمل وهذا أحسن من الأول قوله ما دام أي دواما عرفيا إذ حقيقة الدوام وهو شمول جميع الأزمنة غير مقدور ووقع في رواية الكشهميهني ما دوام فإن قلت يعارض حديث الباب ما رواه ابن أبي شيبة من طريق شريح بن هانىء أنه سأل عائشة أكان النبي يصلي على الحصير والله يقول ( 71 ) وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( الإسراء8 ) فقالت لم يكن يصلي على الحصير قلت هذا ضعيف لا يقاوم ما في الصحيح وأيضا يمكن الجمع بأن يحمل النفي على المداومة وقال بعضهم لكن يخدش فيه ما ذكره شريح من الآية قلت لا خدش فيه أصلا لأن معنى الآية حصيرا أي محبسا يقال للسجن محصر وحصير
44 -
( باب المزرر بالذهب )
أي هذا باب في ذكر لبس الثياب المزررة بالذهب وهو المشدود بالأزرار
5862 - وقال الليث حدثني ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن أباه مخرمة قال له يا بني

(22/28)


إنه بلغني أن النبي قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا فوجدنا النبي في منزله فقال لي يا بني ادع لي النبي فأعظمت ذالك فقلت أدعو لك رسول الله فقال يا بني إنه ليس بجبار فدعوته فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب فقال يا مخرمة هاذا خبأناه لك فأعطاه إياه
مطابقته للترجمة في قوله من ديباج مزرر من ذهب وقد أخرجه عن الليث معلقا لأنه لم يدرك عصره وقد تقدم موصولا عن قريب في باب القباء وفروج حرير عن قتيبة بن سعيد عن الليث ومضى الكلام فيه هناك
قوله يا بني وفي رواية الكشميهني قال له قوله فأعظمت ذلك أي قوله ادع لي النبي لأن مقامه لا يقتضى ذلك قوله فقلت أدعو لك رسول الله قال ذلك لأبيه على وجه الإنكار فلما قال مخرمة إنه أي إن رسول الله ليس بجبار دعاه فخرج والحال أن عليه قباء إلى آخره وبقية الكلام مرت هناك
44 -
( باب المزرر بالذهب )
أي هذا باب في ذكر لبس الثياب المزررة بالذهب وهو المشدود بالأزرار
5862 - وقال الليث حدثني ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن أباه مخرمة قال له يا بني إنه بلغني أن النبي قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا فوجدنا النبي في منزله فقال لي يا بني ادع لي النبي فأعظمت ذالك فقلت أدعو لك رسول الله فقال يا بني إنه ليس بجبار فدعوته فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب فقال يا مخرمة هاذا خبأناه لك فأعطاه إياه
مطابقته للترجمة في قوله من ديباج مزرر من ذهب وقد أخرجه عن الليث معلقا لأنه لم يدرك عصره وقد تقدم موصولا عن قريب في باب القباء وفروج حرير عن قتيبة بن سعيد عن الليث ومضى الكلام فيه هناك
قوله يا بني وفي رواية الكشميهني قال له قوله فأعظمت ذلك أي قوله ادع لي النبي لأن مقامه لا يقتضى ذلك قوله فقلت أدعو لك رسول الله قال ذلك لأبيه على وجه الإنكار فلما قال مخرمة إنه أي إن رسول الله ليس بجبار دعاه فخرج والحال أن عليه قباء إلى آخره وبقية الكلام مرت هناك
45 -
( باب خواتيم الذهب )
أي هذا باب في بيان حكم لبس خواتيم الذهب وهو جمع خاتم وفيه أربع لغات خاتم بفتح التاء وبكسرها وخيتام وخاتام والجمع الخواتيم والخواتم بلا ياء وخياتيم بياء بدل الواو وخياتم بلا ياء أيضا وذكر بعض أهل اللغة أن فيه ثمان لغات وهي خاتام وخاتم وخاتم وختام وخايتام وخيتوم وخيتام
5863 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( أشعث بن سليم ) قال سمعت ( معاوية بن سويد بن مقرن ) قال سمعت ( البراء بن عازب ) رضي الله عنهما يقول نهانا النبي عن سبع نهاى عن خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب وعن الحرير والاستبرق والديباج والميثرة الحمراء والقسي وآنية الفضة وأمرنا بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ورد السلام وإجابة الداعي وإبرار المقسم ونصر المظلوم
مطابقته للترجمة في قوله عن خاتم الذهب والحديث تقدم في أول باب من أبواب الجنائز عن أبي الوليد عن شعبةالخ وفيه تقديم الأوامر على النواهي ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
5864 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( النضر بن أنس ) عن ( بشير بن نهيك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي أنه نهاى عن خاتم الذهب
وقال عمرو أخبرنا شعبة عن قتادة سمع النضر سمع بشيرا مثله
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر لقب محمد بن جعفر وفي بعض النسخ صرح به والنضر بسكون الضاد المعجمة ابن أنس بن مالك الأنصاري وبشير ضد النذير ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء السدوسي البصري
والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن محمد بن المثنى وغيره وأخرجه النسائي في الزينة عن أحمد بن حفص وغيره
قوله وقال عمرو وأي عمرو بن رمزوق الباهلي وأشار به إلى إثبات سماع قتادة عن النضر وسماع النضر عن بشير وهذا التعليق وصله أبو عوانة في ( صحيحه ) عن أبي قلابة الرقاشي عن عمرو بن مرزوق به قوله مثله أي مثل المذكور قبله
5865 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله رضي الله عنه أن

(22/29)


رسول الله اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه فاتخذه الناس فرمى به واتخذ خاتما من ورق أو فضة
مطابقته للترجمة في قوله اتخذ خاتما من ذهب و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( عبيد الله ) هو ابن عمر العمري
والحديث أخرجه مسلم أيضا في اللباس عن زهير بن حرب
قوله اتخذ خاتما يعني أمر بصياغته فصيغ له فلبسه أو وجده مصوغا فاتخذه قوله فصه بفتح الفاء والعامة تقول بالكسر قوله فاتخذه الناس أي فاتخذ الناس الخاتم من ذهب قوله واتخذ أي النبي خاتما من ورق بكسر الراء وهو الفصة قوله أو فضة شك من الراوي
وهذا الحديث والذي قبله يدلان على تحريم خاتم الذهب على الرجال وقال النووي وأجمعوا على تحريمه على الرجال إلا ما حكي عن ابن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم فإنه أباحه وعن بعضهم أنه مكروه لا حرام قلت روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم لبسوه فمن الصحابة أنس بن مالك والبراء بن عازب وجابر بن سمرة وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم وزيد بن حارثة وسعد ابن أبي وقاص وصهيب بن سنان وطلحة بن عبيد الله و ( عبد الله ) بن يزيد وأبو أسيد ومن التابعين عكرمة مولى ابن عباس وأبو بكر محمد بن عمرو بن حزم وآخرون
وأجيب عن فعل الصحابة رضي الله عنهم بجوابين أحدهما أنه لعلهم لم يبلغهم النهي والثاني لعلهم حملوا النهي على التنزيه وإن طرحه بخاتم الذهب للتنزه عن الدنيا كما كان ينهى أهله عن الحلية مع أنها كانت مباحة للنساء
فإن قلت أحد من روى النهي فيه البراء بن عازب كما مر حديثه الآن قلت قال شيخنا رحمه الله الجواب عنه أن هذا ليس عملا للبراء محضا فإما أنه كان البراء صغيرا حين الأذن ونحن نقول بجواز اللباس لغير البالغ على الخلاف المعروف فيه عندنا وإما أن نجعلهما حديثين متعارضين فيحتمل أن يكون الإذن متقدما على المنع فإن عرف التاريخ بذلك كان الحكم للنهي وإلا فيرجع إلى الترجيح ولا شك أن حديث النهي أصح لأنه متفق عليه في الصحيحين والحديث الذي يستند إليه البراء في تختمه بالذهب هو ما رواه أحمد في ( مسنده ) من رواية محمد بن مالك وقال رأيت على البراء خاتما من ذهب وكان الناس يقولون لم تختم بالذهب وقد نهى عنه رسول الله فقال البراء بينا نحن عند رسول الله وبين يديه غنيمة يقسمها سبي وحربي فقال فقسمها حتى بقي هذا الخاتم فرفع طرفه إلى أصحابه ثم خفض ثم رفع طرفه فنظر إليهم ثم خفض ثم رفع طرفه فنظر إليهم ثم قال أي براء فجئته حتى قعدت بين يديه فأخذ الخاتم ثم قبض على كرسوعي ثم قال خذ إلبس ما كساك الله ورسولهالحديث وقال شيخنا محمد بن مالك راويه عن البراء تفرد به عنه وقد ذكره ابن حبان في ( الضعفاء ) وقال وكان يخطىء كثيرا لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ومع هذا فقد ذكره ابن حبان أيضا في ( الثقات ) إلا أنه قال لم يسمع من البراء شيئا قال شيخنا لكن ظاهر هذا الحديث يثبت سماعه منه وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال فيه لا بأس به قال ولعل البراء فهم التخصيص بإذنه له في لبسه ومع ذلك فالصحيح الذي عليه الجمهور أن العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه انتهى قلت العبرة عندنا بما رآه على ما عرف في موضعه والله أعلم
46 -
( باب خاتم الفضة )
أي هذا باب فيه ذكر خات الفضة وجواز استعماله والإضافة فيه مثل إضافة ثوب خز
5866 - حدثنا ( يوسف بن موسى ) حدثنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي باطن كفه ونقش فيه محمد رسول الله فاتخذ الناس مثله فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال لا ألبسه أبدا ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة
قال ابن عمر فلبس الخاتم بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان في بئر أريس

(22/30)


مطابقته للترجمة في قوله ثم اتخذ خاتما من فضة ويوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد ومات بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين وهو من أفراد البخاري وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله بن عمر العمري
والحديث أخرجه أبو داود في الخاتم عن نصير بن الفرج به على ما نذكره قوله فصه بفتح الفاء وتقوله العامة بكسرها قوله مما يلي باطن كفه في رواية الكشنيهني وفي رواية الحموي والمستملي بطن كفه وزاد جويرية عن نافع إذا لبس قوله مثله أي مثل ما اتخذ النبي من ذهب ويوضحه ما في رواية أبي داود حيث قال في روايته عن نصير بن الفرج عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر اتخذ النبي خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي بطن كفه ونقش محمد رسول الله فاتخذ الناس خواتيم الذهب فلما رآهم قد اتخذوها رمى بهالحديث وقال بعضهم يحتمل أن يكون المراد بالمثلية كونه من فضة وكونه على صورة النقش المذكورة ويحتمل أن يكون لمطلق الاتخاذ انتهى قلت هذا كله لا يجدي شيئا فقوله كونه من فضة غير مستقيم على ما لا يخفى وكذا قوله ويحتمل أن يكون لمطلق الاتخاذ لأن النهي اتخاذ من ذهب لا مطلق الاتخاذ والمعنى الصحيح ما ذكرناه كما بينه ما رواه أبو داود قوله فلما رآهم قد اتخذوها الضمير المنصوب في رآهم يرجع إلى الناس والذي في اتخذوها يرجع إلى الخواتيم التي اتخذوها من ذهب فالقرينة تدل عليه وفي رواية أبي داود قد صرح به كما ذكرنا قوله رمى به جواب لما أي رمى بالخاتم الذي اتخذ من ذهب وحصل له ما حصل من ذلك حتى قال لا ألبسه أبدا
قوله قال ابن عمر فلبس الاتم بعد النبي أبو بكر يعني في أيام خلافته ثم لبسه عمر في أيام خلافته ثم لبسه عثمان حتى وقع أي إلى أن وقع في بئر أريس بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الباء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وهي حديقة بالقرب من مسجد قبا ينصرف ولا ينصرف والأصح الصرف وعند ابن منجويه الذي وقع منه الخاتم رجل من الأنصار الذي اتخذ عثمان على خاتمه وفي ( العلل ) لأبي جعفر ذهب يوم الدار فلا يدري أين ذهب وعند ابن منجويه هلك من يد معيقيب الدوسي
47 -
( باب )
هكذا هو مجرد وهو كالفصل للباب الذي قبله
5867 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال كان رسول الله يلبس خاتما من ذهب فنبذه فقال لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم
هذا الحديث من أفراده قوله عن مالك عن عبد الله بن دينار كذا رواه عن مالك عن عبد الله بن دينار ورواه سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار وبأتم منه وساقه نحو رواية نافع التي قبلها قوله فنبذه أي طرحه
5868 - حدثني ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( أنس ابن مالك ) رضي الله عنه أنه رأى في يد رسول الله خاتما من ورق يوما واحدا ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها فطرح رسول الله خاتمه فطرح الناس خواتيمهم
مطابقته لترجمة باب خاتم الفضة ظاهرة والباب المجرد لا عمدة عليه ورواة هذا الحديث على الترتيب المذكور وقد مضوا غير مرة
والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن محمد بن عبد الله بن نمير نحو رواية البخاري في المتن
قوله فطرح رسول الله خاتمه قيل لم طرح الخاتم الذي من ورق وهو حلال قال النووي ناقلا عن عياض قال جميع أهل الحديث هذا وهم من ابن شهاب لأن المطروح ما كان إلا خاتم الذهب ومنهم من تأوله ولفق بينه وبين سائر الروايات وقال الضمير راجع إلى خاتم الذهب يعني لما أراد تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة فهم أيضا اصطنعوا لأنفسهم خواتم فضة فبعد

(22/31)


ذلك طرح خاتم الذهب واستبدل الفضة فطرحوا الذهب واستبدلوا الفضة وقال الكرماني ليس في الحديث أن الختم المطروح كان من الورق بل هو مطلق فيحمل على خاتم من ذهب وقد طول بعضهم هنا وذكر كلاما كثيرا وفيما ذكرنا كفاية والله أعلم
تابعه إبراهيم بن سعد وزياد وشعيب عن الزهري وقال ابن مسافر عن الزهري أرى خاتما من ورق
أي تابع يونس إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وكذا تابعه زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن سعد الخراساني نزيل مكة ثم اليمن مات بها وكذا تابعه شعيب بن أبي حمزة الحمصي في روايته عن محمد ابن مسلم الزهري أما متابعة إبراهيم فوصلها مسلم حدثنا أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه أبصر في يد رسول الله خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس الخواتيم من ورق فلبسوه فطرح النبي خاتمه فطرح الناس خواتيمهم وأما متابعة زياد فوصلها أيضا مسلم حدثني محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني زياد أن ابن شهاب أخبره أن أنس بن مالك أخبره أنه رأى في يد رسول الله خاتما من ورق يوما واحداالحديث نحو المذكور غير أن فيه اضطربوا بدل اصطنعوا وأما متابعة شعيب فوصلها الإسماعيلي عن الفضل بن عبد الله حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري قوله وقال ابن مسافر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر أبو خالد الفهمي المصري وإليها مولى الليث من أفراد البخاري وحديثه رواه الإسماعيلي عن إبراهيم بن موسى أخبرنا أبو الأحوص حدثنا ابن عفير حدثنا الليث عنه وليس فيه لفظ أرى قيل كأنه من البخاري
48 -
( باب فص الخاتم )
أي هذا باب فيه ذكر فص الخاتم قد ذكرنا أن الفاء فيه مفتوحة وقال الجوهري وبكسرها تقول العامة قيل وأثبتها غيره لغة وزاد بعضهم الضم وعليه جرى ابن مالك في ( المثلث ) وقال ابن السكيت كل ملتقى عظمين فهو فص وفص الأمر مفصله
5869 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( يزيد بن زريع ) أخبرنا ( حميد ) قال ( سئل أنس ) هل اتخذ النبي خاتما قال أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه قال إن الناس قد صلوا وناموا وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله انظر إلى وبيص خاتمه لأن الوبيص لا يكون إلا من الفص غالبا سواء كان فصه منه أم لا ويجيء مزيد الكلام فيه
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع أي حرث وحميد هو ابن أبي حميد الطويل
والحديث من أفراده وقد مضى في الصلاة في باب وقت العشاء إلى نصف الليل ومضى الكلام فيه هناك
قوله إلى شطر الليل أي إلى نصفه قوله إلى وبيص بفتح الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالصاد المهملة وهو البريق واللمعان
5870 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( معتمر ) قال سمعت ( حميدا ) يحدث عن ( أنس ) رضي الله عنه أن النبي كان خاتمه من فضة وكان فصه منه
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن راهويه كذا في بعض الحواشي وقال الغساني لم أجده منسوبا لأحد من الرواة وقد روى مسلم في ( صحيحه ) عن إسحاق بن إبراهيم عن معتمر وقال الحافظ المزي بعد أن علم
( ح ) في اللباس عن إسحاق هو

(22/32)


ابن إبراهيم قلت في مشايخ البخاري إسحاق بن إبراهيم بن يزيد السامي وإسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن البغوي سكن بغداد وإسحاق بن إبراهيم الصواف البصري والذي قاله المزي يحتمل أن يكون واحدا من هؤلاء ولكن الغالب أنه إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد القاضي
قوله وكأن فصه منه أي من الخاتم الذي هو من الفضة فإن قلت في حديث معيقيب عند أبي داود والنسائي كان خاتم رسول الله من حديد ملوي بفضة فكيف يجمع بينه وبين حديث الباب مع ذمه الخاتم الحديد قلت أجيب عنه بأوجه الأول أن لا مانع أن يكون له خاتم من فضة وخاتم من حديد ملوي الثاني أنه يحتمل أن يكون خاتم الحديد الملوي بفضة كان له قبل أن ينهى عن خاتم الحديد الثالث أنه لما كان خاتم الحديد قد لوي على ظاهره فضة صار لا يرى منه إلا الظاهر فظن أنه كله فضة
وقال يحيى بن أيوب حدثني حميد سمع أنسا عن النبي
يحيى بن أيوب هو الغافقي المصري أبو العباس وأراد البخاري بهذا التعليق بيان سماع حميد عن أنس
49 -
( باب خاتم الحديد )
أي هذا باب يذكر فيه الخاتم من حديد ولا يفهم من هذه الترجمة ولا من حديث الباب كيف الحكم في الخاتم من الحديد واعتذر بعضهم عنه بأنه ليس فيه حديث على شرطه فلذلك لم يذكر فيه شيئا قلت لما كان الأمر كذلك لم يبق فائدة في إيراده حديث الباب إلا التنبيه على اختلاف إسناده واختلاف بعض المتن وأما الذي ورد في منع خاتم الحديد فمنه ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبي وعليه خاتم من شبه فقال مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه فقال يا رسول الله من أي شيء أتخذ قال اتخذ من ورق ولا تتمة مثقالا وفي سنده أبو طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة اسمه عبد الله بن مسلم المروزي قال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به قلت أخرج ابن حبان حديثه وصححه ومن ذلك ما رواه أحمد في ( مسنده ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لبس خاتما من ذهب فنظر إليه رسول الله كأنه كرهه فطرحه ثم لبس خاتما من حديد فقال له هذا أخبث وأخبث فطرحه ثم لبس خاتما من ورق فسكت عنه وفي سنده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف ومن ذلك ما رواه أحمد أيضا من حديث عمار بن عمار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال إن رسول الله رأى في يد رجل خاتما من ذهب فقال إلق ذا فتختم بخاتم من حديد فقال ذا شر منه فتختم من فضة فسكت قال شيخنا رواية عمار بن عمار عن عمر مرسلة
5871 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن أبيه أنه سمع ( سهلا ) يقول ( جاءت امرأة إلى ) النبي فقالت جئت أهب نفسي فقامت طويلا فنظر وصوب فلما طال مقامها فقال رجل زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة قال عندك شيء تصدقها قال لا قال انظر فذهب ثم رجع فقال والله إن وجدت شيئا قال إذهب فالتمس ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع قال لا والله ولا خاتما من حديد وعليه إزار ما عليه رداء فقال أصدقها إزاري فقال النبي إزارك إن لبسته لم يكن عليك منه شيء وإن لبسته لم يكن عليها منه شيء فتنحى الرجل فجلس فرآه النبي موليا فأمر به فدعي فقال ما معك من القرآن قال سورة كذا وكذا لسور عددها قال قد ملكتكها بما معك من القرآن

(22/33)


مطابقته للترجمة في قوله ولو خاتما من حديد وعبد العزيز بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي يروي عن أبيه سلمة ابن دينار الأعرج القاص من عباد أهل المدينة وزهادهم يروي عن سهل بن سعد الأنصاري
والحديث مضى في النكاح في باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله وصوب أي خفض رأسه قوله مقامها بفتح الميم أي قيامها قوله إن وجدت شيئا أي ما وجدت شيئا قوله تصدقها من الإصداق وكذلك قوله أصدقها
50 -
( باب نقش الخاتم )
أي هذا باب في بيان نقش الخاتم وكيفيته
5872 - حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن نبي الله أراد أن يكتب إلى رهط أو أناس من الأعاجم فقيل له إنهم لا يقبلون كتابا عليه خاتم فاتخذ النبي خاتما من فضة نقشه محمد رسول الله فكأني بوبيص أو ببصيص الخاتم في إصبع النبي أو في كفه
مطابقته للترجمة في قوله نقشه محمد رسول الله وعبد الأعلى هو ابن حماد وسعيد هو ابن أبي عروبة
والحديث أخرجه أبو داود في الخاتم عن عبد الرحيم بن مطرف وغيره
قوله أو أناس شك من الراوي قوله من الأعاجم في رواية شعبة عن قتادة يأتي بعد باب إلى الروم قوله فقيل له في مرسل طاووس عند ابن سعد أن قريشا هم الذين قالوا ذلك للنبي لا يقبلون ويروى لا يقرأون قوله نقشه محمد رسول الله زاد ابن سعد من مرسل ابن سيرين بسم الله محمد رسول الله ولم يتابع على هذه الزيادة قوله فكأني بوبيص بفتح الواو وكسر الباء الموحدة يقال وبص الشيء وبيصا إذا برق وتلألأ قوله أو ببصيص شك من الراوي بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة من بص الشيء بصيصا إذا برق مثل وبص قوله أو في كفه شك من الراوي قالوا إن الخاتم إنما اتخذ ليطبع به على الكتب حفظا للأسرار أن تنتشر وسياسة للتدبير أن لا ينخرم وفي الحديث أنه لا بأس على الخاتم ذكر الله وقد كره ذلك ابن سيرين وهذا الباب حجة عليه وقد أجاز ابن المسيب أن يلبس ويستنجى به وقيل لمالك إن كان في الخاتم ذكر الله ويلبس في الشمال أيستنجى به قال أرجو أن يكون خفيفا هذه رواية ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنه لا يجوز ذلك وليخلعه أو ليجعله في يمينه وهو قول ابن نافع وأكثر أصحاب مالك قلت هذا قولي أيضا بل الأدب أن لا يستنجى والخاتم الذي عليه ذكر الله معه
وقال مالك لا خير أن يكون نقش فصه تمثالا وقد ذكر عبد الرزاق آثارا بجواز اتخاذ التماثيل في الخواتيم وليست بصحيحة منها ما رواه عن معمر عن محمد بن عبد الله بن عقيل أنه أخرج خاتما فيه تمثال أسد وزعم أن النبي كان يتختم به وما رواه معمر عن الجعفي أن نقش خاتم ابن مسعود إما شجرة وإما شيء بين ذبابتين وابن عقيل تركه مالك والجعفي متروك وروى عن معمر عن قتادة عن أنس وعن أبي موسى الأشعري أنه كان نقش خاتمه كركيا له رأسان فهذا وإن كان صحيحا فلا حجة فيه لترك الناس العمل به ولنهيه عن الصور ولا يجوز مخالفة النهي وفي ( التوضيح ) روي عن علي رضي الله عنه أنه كان له أربع خواتيم يتختم بها ياقوت لقلبه نقشه لا إله إلا الله الملك الحق المبين وفيروزج لنصره ونقشه الله الملك وخاتم من حديد صيني لقوته نقشه العزة لله جميعا وعقيق لحرزه نقشه ما شاء الله لا قوة إلا بالله قال حديث مختلف رواته مأمونون سوى أبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي فلا أعرف عدالته فكأنه هو واضعه
5873 - حدثني ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( عبد الله بن نمير ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر )

(22/34)


رضي الله عنهما قال اتخذ رسول الله خاتما من ورق وكان في يده ثم كان بعد في يد أبي بكر ثم كان بعد في يد عمر ثم كان بعد في يد عثمان حتى وقع بعد في بئر أريس نقشه محمد رسول الله
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد الله بن نمير مصغر النمر الذي هو الحيوان المشهور وعبيد الله بن عمر العمري والحديث مضى في باب خاتم الفضة
51 -
( باب الخاتم في الخنصر )
أي هذا باب في بيان أن موضع الخاتم عند التختم في الخنصر دون غيره من السبابة والوسطى وروى مسلم وأبو داود والترمذي من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن علي رضي الله عنه قال نهاني رسول الله أن ألبس خاتما في هذه وهذه يعني السبابة الوسطى
5874 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال صنع النبي خاتما قال إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد قال فإني لأراى بريقه في خنصره
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمر والمنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد وهو راويه
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن عمران بن موسى
قوله فلا ينقش نفي وفي رواية الكشميهني فلا ينقشن بالنون الثقيلة وسبب النهي فيه هو أنه إنما اتخذوه ونقش فيه ليختم به كتبه إلى الملوك فلو نقش غيره مثله لحصل الخلل ولبطل المقصود قوله بريقه بفتح الباء الموحدة وكسر الراء أي لمعانه قوله في خنصره وهو الأصبع الأصغر والحكمة في كونه فيه أنه أبعد عن الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفا ولأنه لا يشغل اليد عما تناوله من إشغالها ولم يبين فيه هل هو خنصر اليد اليمنى أو اليسرى وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى
52 -
( بابه اتخاذ الخاتم ليختم الشيء أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم )
أي هذا باب في بيان أن الخاتم إنما يتخذ لأجل ختم الشيء به أو لأجل ختم الكتاب الذي يرسل إلى أهل الكتاب وغيرهم وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر
5875 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال لما أراد النبي أن يكتب إلى الروم قيل له إنهم لن يقرأوا كتابك إذا لم يكن مختوما فاتخذ خاتما من فضة ونقشه محمد رسول الله فكأنما أنظر إلى بياضه في يده
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث والحديث مضى عن قريب في باب نقش الخاتم وربما يحتج به من لا يرى استعمال الخاتم لغير الحاكم منهم أبو الحصين وأبو عامر وأحمد في رواية واحتجوا أيضا بحديث أبي ريحانة أخرجه الطحاوي وأبو داود والنسائي قال نهى رسول الله عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان وخالفهم آخرون فأباحوه واحتجوا بحديث أنس المتقدم أن النبي لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم فهذا يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد من ليس ذا سلطان قال الطحاوي ملخصه أن قائلا إذا قال كيف يحتج بهذا وهو منسوخ يقال له المنسوخ لبس خاتم الذهب ثم روي أن الحسن والحسين كانا يتختمان في يسارهما وكان في خواتيمهما ذكر الله سبحانه وأن خاتم عمران بن حصين رجلا متقلدا بسيف وأن قيس بن أبي حازم وعبد الله بن الأسود

(22/35)


وقيس بن ثمامة والشعبي تختموا في يسارهم وأن نقش خاتم إبراهيم النخعي نحن بالله وله قال فهؤلاء من الصحابة والتابعين كانوا يتختمون وليس لهم سلطان وقال بعضهم ولم يجب الطحاوي عن حديث أبي ريحانة قلت ماذا يقول وهو حديث صحيح عنده لأن رواته ثقات والذي يظهر من سكوته أن العمل به لا على طريق الوجوب بل على الأولوية وإن تركه أولى لغير ذي سلطان لأنه نوع من التزين واللائق بالرجال خلافه وأبو ريحانة اسمه شمعون بن زيد الأزدي حليف الأنصار ويقال له مولى رسول الله
53 -
( باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه )
أي هذا باب في بيان من جعل فص خاتمه عند لبسه في بطن كفه وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وقال ابن بطال ليس في كون فص الخاتم في بطن الكف ولا ظهرها أمر ونهي وكل ذلك مباح ويقال إن السر فيه أن جعل الفص في باطن الكف أبعد من أن يظن أن فعله للتزين والتزين لا يليق للرجال وقد روى أبو داود عن ابن إسحاق قال رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى فقلت ما هذا قال رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا وجعل فصه على ظهرها قال ولا أخال إلا قال رأيت رسول الله يلبس خاتمه كذلك وقال الترمذي قال البخاري حديث ابن إسحاق عن الصلت حسن
5876 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله ) حدثه أن النبي اصطنع خاتما من ذهب وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه فاصطنع الناس خواتيم من ذهب فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه فنبذه فنبذ الناس قال جويرية ولا أحسبه إلا قال في يده اليمنى
مطابقته للترجمة في قوله وجعل فصه في باطن كفه وجويرية مصغر جارية ابن أسماء وكلاهما مشتركان في المذكر والمؤنث والحديث من أفراده
قوله وجعل فصه كذا للأكثرين جعل بلفظ الماضي وفي رواية المستملي والسرخسي ويجعل بلفظ المضارع ومضى شرح الحديث في باب خاتم الذهب قوله فنبذه أي فطرحه قوله قال جويرية موصول بالإسناد المذكور وقال أبو ذر في روايته لم يقع في البخاري موضع الختم من أي اليدين إلا في هذا
وقد وردت أحاديث كثيرة في التختم في اليمنى منها حديث ابن عباس رأيت رسول الله يتختم في يمينه رواه الترمذي ومنها حديث عبد الله بن جعفر قال كان النبي يتختم في يمينه ورواه الترمذي أيضا وأبو داود وأبو الشيخ والطبراني في ( الكبير ) ومنها حديث علي رضي الله عنه أن النبي كان يتختم في يمينه أخرجه أبو داود والنسائي ومنها حديث عائشة أن النبي كان يتختم في يمينه أخرجه أبو داود والبزار وأبو الشيخ ومنها حديث أنس أن النبي كان يتختم في يمينه أخرجه النسائي والترمذي في الشمائل ومنها حديث أبي أمامة أن النبي كان يتختم في يمينه أخرجه الطبراني في ( الكبير ) وأبو الشيخ في ( كتاب الأخلاق ) ومنها حديث أبي هريرة أن النبي لم يزل يتختم في يمينه حتى قبضه الله إليه أخرجه الدارقطني في ( غرائب مالك )
ووردت أحاديث أخرى في التختم في اليسار منها حديث أبي سعيد الخدري أن النبي كان يلبس خاتمه في يساره وأخرجه أبو الشيخ وإسناده ضعيف ومنها حديث ابن عمر أن النبي كان يتختم في يساره وكان فصه في باطن كفه أخرجه أبو داود وهذا يخالف حديث الباب ومنها ما رواه الترمذي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال كان الحسن والحسين يتختمان في يسارهما وقال هذا حديث صحيح وقد جاء في بعض طرقه عن الحسن والحسين رفع ذلك إلى النبي وأبي بكر وعمرو وعلي رضي الله عنهم رواه أبو الشيخ في ( كتاب أخلاق النبي ) والبيهقي في ( كتاب الأدب ) من رواية سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه قال كان رسول الله

(22/36)


وأبو بكر وعمرو وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم يتختمون في اليسار
وقد اختلف الرواة عن أنس هل كان يتختم في يمينه أو يساره وقد رواه عنه ثابت البناني وثمامة بن عبد الله وحميد الطويل وشريك بن بيان على الشك فيه وعبد العزيز بن صهيب وقتادة ومحمد بن مسلم الزهري فأما ثمامة وحميد وشريك بن بيان وعبد العزيز بن صهيب فليس في رواياتهم تعرض لذكر اليمين أو اليسار وأما رواية ثابت وقتادة والزهري ففيها التعرض لذلك فأما رواية ثابت فأخرجها مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان خاتم النبي في هذه وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى وأما رواية قتادة فاختلف عليه فيها فقال سعيد بن أبي عروبة عنه عن أنس كان يتختم في يمينه وقال شعبة وعمرو بن عامر عن قتادة عنه كان يتختم في يساره وأما رواية الزهري فرواها طلحة ويحيى الزرقي وسليمان بن بلال عن يونس عن الزهري عن أنس أن النبي لبس خاتم فضة في يمينه ورواه ابن وهب ومعتمر ابن سليمان عن يونس عن الزهري عن أنس من غير تعرض لذكر لبسه له في يمينه
وقال ابن أبي حاتم سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك فقال لا يثبت هذا ولا هذا ولكن في يمينه أكثر ورجح الشافعية اليمين وهو الأشهر عندهم وقال شيخنا في ( شرح الترمذي ) في الأحاديث استحباب التختم في اليمين وهو أصح الوجهين لأصحاب الشافعي أن التختم في اليمين أفضل منه في اليسار وذهب مالك إلى استحباب التختم في اليسار وكره التختم في اليمين وقال إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه فكيف يريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل قيل له أفيجعل الخاتم في اليمين للحاجة يذكرها قال لا بأس بذلك وأما مذهب الحنفية فقد ذكر في الأجناس وينبغي أن يلبس خاتمه في خنصره اليسرى ولا يلبسه في اليمين ولا في غير خنصر اليسرى من أصابعه وسوى الفقيه أبو الليث في ( شرح الجامع الصغير ) بين اليمين واليسار وقال بعض أصحابنا هو الحق لاختلاف الروايات ويقال جاءت أحاديث صحيحة في اليمين ولكن استقر الأمر على اليسار قلت يدل على ذلك ما قاله البغوي في ( شرح السنة ) إنه تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين وقال بعضهم والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف القصد فإن كان القصد للتزين به فاليمين أفضل وإن كان للتختم به فاليسار أفضل انتهى قلت إخفاء هذا كان أولى من ظهوره ومن أين هذا التفصيل والحال أن التختم للزينة مكروه لا يليق للرجال بل تركه أولى مطلقا إلا لذي حكم كما ذكرناه فإن قلت إذا تختم في غير خنصره ما يكون حكمه قلت يكره أشد الكراهة وفيه مخالفة للسنة حكى صاحب ( الكافى ) من الشافعية وجهين في جواز لبسه في غير خنصره وذكر الرافعي أن المرأة قد تتختم في غير الخنصر فإن قلت إذا كان التختم بغير الفضة ماذا يكون حكمه قلت أما من الذهب فحرام على الرجال وأما من الحديد والرصاص والنحاس ونحوها فكذلك حرام مطلقا وأما العقيق فلا بأس بالتختم به وروى أصحابنا أثرا فيه وهو أنه كان يتختم بالعقيق وقال تختموا به فإنه مبارك قلت فيه نظر ولكن ابن منجويه روى عن إبراهيم أنه قال من تختم بالياقوت الأصفر لن يفتقر والزمرد ينفي الفقر وقال من ليس العقيق لم يقض له إلا بالذي هو أسعد فإنه مبارك وصلاة في خاتم عقيق بثمانين صلاة وقال صاحب ( التوضيح ) ولا أصل لذلك وروى عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله من تختم بالعقيق ونقش عليه وما توفيقي إلا بالله وفقه الله لكل خير وأحبه الملكان الموكلان به ذكره ابن الجوزي في ( الموضوعات )
54 -
( باب قول النبي لا ينقش على نقش خاتمه )
أي هذا باب يذكر فيه قول رسول الله إلى آخره
5877 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماد ) عن ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه محمد رسول الله وقال إني اتخذت خاتما من

(22/37)


ورق ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقشن أحد على نقشه
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وحماد هو ابن زيد والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وغيره
قوله ونقشت فيه محمد رسول الله هذا هو المعروف ونقل ابن التين عن الشيخ أبي محمد أنه قيل فيه زيادة لا إله إلا الله وقال ابن سيرين كان في خاتم رسول الله باسم الله محمد رسول الله وقد ورد في حديث غريب أخرجه أبو الشيخ عن أنس أنه كان فص خاتم رسول الله حبشيا مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله سطر ومحمد سطر ورسول الله سطر وإسناده جيد ولكنه شاذ لمخالفته الأحاديث الصحيحة في زيادة الأولى من كلمتي الشهادة واستدل به على جواز نقش بعض القرآن على الخاتم يعني بعض آية من القرآن وقد كره بعضهم نقش الآية بتمامها على الخاتم رواه ابن أبي شيبة عن عطاء والشعبي وإبراهيم النخعي وروى عن الحسن جوازها فإن قلت نهيه أن ينقش مثل نقشه خاص بحياته أو يعم ذلك حياته وبعدها قلت الظاهر الأول ويدل عليه لبس الخلفاء الخاتم بعده ثم جدد عثمان خاتما آخر بعد وقوع ذلك الخاتم في بئر أريس ونقش عليه ذلك النقش فإن قلت نقشه هذا كان برأيه أو بوحي إليه قلت روى ابن عدي في ( الكامل ) من حديث ابن عباس أن النبي أراد أن يكتب إلى العجم كتابا فذكر الحديث وفيه وأمر بخاتم يصاغ له من ورق فجعله في إصبعه فأقره جبريل عليه السلام وأمر النبي أن ينقش عليه محمد رسول اللهالحديث وأخرج الدارقطني في ( الأفراد ) من حديث سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال أنا صنعت للنبي خاتما لم يشركني فيه أحد نقش فيه محمد رسول الله وقال بعضهم يستفاد منه إسم الذي صاغ خاتم النبي ونقشه قلت نعم يستفاد أنه صاغه ولكن لا يستفاد منه أنه نقشه إذ لو كان هو نقشه لقال نقشت فيه فلا يفهم منه نفس الناقش أصلا وروى الطبري في ( الكبير ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي قال كان فص خاتم سليمان بن داود عليهما السلام سماويا فألقى إليه فأخذه فوضعه في خاتمه وكان نقشه أنا الله لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي
55 -
( باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر )
أي هذا باب يقال فيه هل يجعلإلى آخره ولم يذكر الجواب الذي هو الحكم اكتفاء بما في حديث الباب وليس كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطرا واحدا وكل ذلك مباح
5878 - حدثني ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثني أبي عن ( ثمامة ) عن ( أنس ) أن ( أبا بكر ) رضي الله عنه لما استخلف كتب له وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول والله سطر
مطابقته للترجمة من حيث إنه بين الحكم الذي لم يبين فيها ومحمد بن عبد الله بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس أبو عبد الله البصري وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس عم عبد الله بن المثنى الراوي عنه كلهم بصريون أنصاريون أنسيون
والحديث أخرجه الترمذي في اللباس أيضا عن محمد بن بشار وغيره
قوله كتب له أي لأنس أراد به مقادير الزكوات قوله ثلاثة أسطر قال صاحب ( التوضيح ) وكنا نبحث قديما هل الجلالة فوق والرسول في الوسط والباقي أسفل وبالعكس وقيل إن كتابته كانت من أسفل إلى فوق حتى إن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في أسفلها وقال الإسماعيلي محمد سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله ورسول بالرفع والتنوين على سبيل الحكاية ولفظ الله بالرفع والجر
5879 - و ( زاد أحمد ) حدثنا ( الأنصاري ) قال حدثني أبي عن ( ثمامة ) عن ( أنس ) قال كان خاتم النبي في يده وفي يد أبي بكر بعده وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان جلس على بئر أريس قال فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فننزح البئر فلم نجده

(22/38)


وفي بعض النسخ قال أبو عبد الله وزادني أحمد وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وأحمد هو ابن محمد بن حنبل الإمام قاله الحافظ المزي وكذا قاله الكرماني وقال بعضهم هذه الزيادة موصولة قلت ظاهره التعليق والمراد بالأنصاري هو محمد ابن عبد الله قوله فلما كان عثمان يعني في الخلافة قوله جلس على بئر أريس وكان ذلك في السنة السابعة من خلافته وكان الخاتم في يده ست سنين قوله فجعل يعبث به قال الكرماني يعني يحركه ويدخله ويخرجه وذلك صورته صورة العبث وإلا فالشخص إنما يعمل ذلك عند تفكره في الأمور قوله فسقط أي في البئر قوله فاختلفنا ثلاثة أيام أي في الصدور والورود والمجيء والذهاب والتفتيش قوله فننزح البئر من نزحت البئر إذا استفيت كلها ويروى ينزح بدون الفاء ويروى فنزح بالفعل الماضي أي نزح عثمان البئر أي بنزحها قوله فلم نجده بنون المتكلم ويروى فلم يجده بالياء علامة المضارع للواحد أي لم يجده عثمان قيل كان في خاتمه سر مما كان في خاتم سليمان عليه السلام لأن سليمان عليه السلام لما فقد خاتمه ذهب ملكه وعثمان رضي الله عنه لما فقد خاتم النبي انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان
56 -
( باب الخاتم للنساء )
أي هذا باب في بيان حكم الخاتم للنساء وقال ابن بطال الخاتم للنساء من جملة الحلي الذي أبيح لهن
وكان على عائشة خواتيم ذهب
هذا التعليق وصله ابن سعد من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال سألت القاسم بن محمد فقال لقد رأيت والله عائشة تلبس المعصفر وتلبس خواتيم الذهب
5880 - حدثنا ( أبو عاصم ) أخبرنا ( ابن جريج ) أخبرنا ( الحسن بن مسلم ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما شهدت العيد مع النبي فصلى قبل الخطبة
قال أبو عبد الله وزاد ابن وهب عن ابن جريج فأتى النساء فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال
مطابقته للترجمة في قوله والخواتيم وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والحسن بن مسلم بن يناق المكي
والحديث إلى قوله وزاد ابن وهب مضى في صلاة العيد في باب الخطبة بعد العيد ولفظه شهدت العيد مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة
قوله فصلى قبل الخطبة وسقط لفظ فصلى في رواية المستملي والسرخسي وهي مرادة ثابتة وإنما قال قبل الخطبة لبيان أن الصلاة قبل الخطبة لا بعدها تقديره شهدت صلاة العيد حال كونها قبل الخطبة قوله وزاد ابن وهب أي عبد الله بن وهب يعني زاد ابن وهب عن ابن جريج بهذا السند وقد تقدم بالزيادة موصولا في تفسير سورة الممتحنة من رواية هارون بن معروف عن ابن وهب قوله الفتخ بفتح الفاء والتاء المثناة من فوق وبالخاء المعجمة جمع الفتخة بالتحريك وهي الحلقة من الفضة لا فص فيها وقد مر الكلام فيه في أبواب العيدين مستوفى
57 -
( باب القلائد والسخاب للنساء يعني قلادة من طيب وسك )
أي هذا باب في ذكر القلائد والسخاب الكائنة للنساء والقلائد جمع قلادة والسخاب بكسر السين المهملة وبالخاء المعجمة وبعد الألف موحدة وقال ابن الأثير السخاب ينظم فيه خرز وتلبسه الصبيان والجواري وقيل هو قلادة تتخذ من قرنفل وطيب وسك ونحوه وليس فيها من اللؤلؤ والجواهر شيء قوله يعني قلادة من طيب وسك أراد بهذا تفسير السخاب يعني السخاب قلادة من طيب يعني تتخذ من طيب وسك بضم السين المهملة وتشديد الكاف وهو طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل وفي ( التوضيح ) السك من طيب عربي فيكون قوله على هذا من طيب وسك واحدا قلت على قوله هذا يلزم عطف الشيء على نفسه إلا إذا قيل اختلاف اللفظين جوز ذلك والذي قلناه هو الصحيح وفي رواية الكشميهني ومسك بكسر الميم وسكون السين وتخفيف الكاف

(22/39)


5881 - حدثنا ( محمد بن عرعرة ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال خرج النبي يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد ثم أتى النساء فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تصدق بخرصها وسخابها
مطابقته للترجمة في قوله وسخابها والحديث مضى في العيدين عن سليمان بن حرب وأبي الوليد فرقهما وفي الزكاة عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه بقية الجماعة وقد مر الكلام فيه في العيدين
قوله تصدق أصله تتصدق فحذفت إحدى التاءين قوله بخرصها بضم الخاء المعجمة حلقة الذهب والفضة تكون في الأذن وفي ( الصحاح ) أنه بالضم والكسر أيضا وفي ( البارع ) هو القرط يكون فيه حبة واحدة في حلقة واحدة والخرص بالفتح الكذب قال تعالى ( 6 ) إن هم إلا يخرصون ( الأنعام116 ) ويقال الحرص بالكسر إسم الشيء المقدر وبالفتح إسم للفعل وقيل هما لغتان في الشيء المخروص
58 -
( باب استعارة القلائد )
أي هذا باب في بيان استعارة القلائد
5882 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) حدثنا ( عبدة ) حدثنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت هلكت قلادة لأسماء فبعث النبي في طلبها رجالا فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء فذكروا ذلك للنبي فأنزل الله آية التيمم
زاد ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة استعارت من أسماء
مطابقته للترجمة في قوله استعارت أي القلادة من أسماء وهي أخت عائشة رضي الله عنها من أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وعبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن سليمان
والحديث مضى في كتاب التيمم في باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا قوله فأنزل الله آية التيمم وآية التيمم في النساء وفي المائدة
قوله زاد ابن نمير هو عبد الله بن نمير يعني زاد بسنده المذكور أنها استعارت من أسماء ولفظه عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله الحديث
59 -
( باب القرط للنساء )
أي هذا باب في بيان القرط الكائن للنساء وهو بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة وهو ما يحلى به الأذن من ذهب أو فضة صرفا أو مع لؤلؤ وياقوت ونحوهما ويعلق غالبا في شحمة الأذن
وقال ابن عباس أمرهن النبي بالصدقة فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن
هذا المعلق طرف من حديث وصله البخاري في العيدين في باب العلم الذي في المصلى قوله أمرهن أي النساء قوله يهوين بضم الياء من الإهواء وهو القصد والإشارة قال الكرماني فإن قلت الإشارة إلى الآذان بقصد التصدق بالقرط فلماذا أشار إلى الحلق قلت قد يكون لبعض نساء العرب شيء كالقلادة في رقبتهن أو يراد بها نفس القلادة التي في الصدر المجاورة للحلق
5883 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عدي ) قال سمعت ( سعيدا ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما أن النبي صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها
مطابقته للترجمة في قوله تلقي قرطها وعدي هو ابن ثابت الأنصاري التابعي وسعيد هو ابن جبير
والحديث مضى مطولا في العيدين في باب موعظة الإمام النساء يوم العيد عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم
قوله تلقي

(22/40)


من الإلقاء وهو الرمي والطرح
60 -
( باب السخاب للصبيان )
أي هذا باب في بيان السخاب الكائن للصبيان وقد مر تفسير السخاب عن قريب
5884 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ) أخبرنا يحياى بن آدم حدثنا ورقاء بن عمر عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت مع رسول الله في سوق من أسواق المدينة فانصرف فانصرفت فقال أين لكع ثلاثا إدع الحسن بن علي فقام الحسن بن علي يمشي وفي عنقه السخاب النبي بيده هاكذا فقال الحسن بيده هاكذا فالتزمه فقال اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه
قال أبو هريرة فما كان أحد أحب إلي من الحسن بن علي بعدما قال رسول الله ما قال ( انظر الحديث 2122 )
مطابقته للترجمة في قوله وفي عنقه السخاب وإسحاق هو ابن راهويه و ( يحيى بن آدم ) بن سليمان الكوفي وورقاء مؤنث الأوراق ابن عمر الخوارزمي المدائني وعبيد الله بتصغير العبد ابن أبي يزيد من الزيادة المكي و ( نافع بن جبير ) بضم الجيم ابن مطعم النوفلي
والحديث مضى في البيوع في باب ما ذكر في الأسواق
قوله في سوق هو سوق بني قينقاع قوله أين لكع بضم اللام وفتح الكاف وبالعين المهملة منصرفا وهو الصغير يعني به الحسن رضي الله عنه وبقية الكلام مرت هناك
61 -
( باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال )
أي هذا باب في بيان ذم الرجال المتشبهين بالنساء وبيان ذم النساء المتشبهات بالرجال ويدل على ذلك ذكر اللعن في حديث الباب وتشبه الرجال بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء مثل لبس المقانع والقلائد والمخانق والأسورة والخلاخل والقرط ونحو ذلك مما ليس للرجال لبسه وتشبه النساء بالرجال مثل لبس النعال الرقاق والمشي بها في محافل الرجال ولبس الأردية والطيالسة والعمائم ونحو ذلك مما ليس لهن استعماله وكذلك لا يحل للرجال التشبه بهن في الأفعال التي هي مخصوصة بهن كالانخناث في الأجسام والتأنيث في الكلام والمشي وأما من كان ذلك في أصل خلقته فإنه يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم ولا سيما إذا بدا منه ما يدل على الرضا وهيئة اللباس قد تختلف باختلاف عادة كل بلد فربما قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم لكن تمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار وصنفان من الرجال والنساء في هذا الباب يستحقان من الذم والعقوبة أشد مما استحق هؤلاء المذكورون أما من الرجال فهو الذي يؤتي من دبره وأما من النساء فهي التي تتعاطى السحق بغيرها من النساء وقيل المراد بالتشبه في الزي وبعض الصفات والحركات لا التشبه في أمور الخير عرف ذلك بالأدلة الأخرى
5885 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر هو محمد بن جعفر وقع في رواية أبي ذر التصريح باسمه
والحديث أخرجه أبو داود في اللباس أيضا عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن أبي بكر بن خلاد
تابعه عمرو أخبرنا شعبة
أي تابع غندرا عمرو بن مرزوق الباهلي البصري في روايته عن شعبة ووصل هذه المتابعة أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق

(22/41)


يوسف القاضي قال حدثنا عمرو بن مرزوق
62 -
( باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت )
أي هذا باب في بيان وجوب إخراج الرجال المتشبهين بالنساء من البيوت وفي الرواية للنسفي باب إخراجهم وكذا عند الإسماعيلي وأبي تميم
5886 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) حدثنا ( هشام ) عن يحياى عن عكرمة عن ابن عباس قال لعن النبي المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم قال فأخرج النبي فلانا وأخرج عمر فلانا ( انظر الحديث 5885 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعاذ بضم الميم وبالذال المعجمة ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة أبو زيد البصري وهشام هو الدستوائي و ( يحيى ) هو ابن أبي كثير ضد القليل
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسلم بن إبراهيم به وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن الحسن بن علي الخلال وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن إسحاق بن منصور وغيره
قوله المخنثين قال الكرماني المخنثين بكسر النون هو القياس وبفتحها هو المشهور وهو مشتق من الانخناث وهو التثني والتكسر والاسم الخنث بالضم قال الجوهري ومنه سمي المخنث وتخنث في كلامه وفي ( المغرب ) تركيب الخنث يدل على لين وتكسر ومنه المخنث وتخنث في كلامه أي تكلم بكلام هو الذي يشبه النساء في أقواله وأفعاله وتارة يكون هذا خلقيا وتارة تكلفيا وهذا هو المذموم الملعون لا الأول انتهى قلت وأما في هذا الزمان فالمخنث هو الذي يؤتي ويلاط به قوله والمترجلات أي المتكلفات في الرجولية المتشبهات بالرجال في حمل السيف والرمح وما كان فوق ذلك فالسحق قاله الداودي قوله أخرجوهم من الإخراج وإنما أمرنا بإخراجهم لأنه قد يؤدي فعلهم إلى ما يفعله شرار النساء من السحق وهو عظيم قوله فأخرج النبي فلانا وأخرج الطبراني عن واثلة بن الأسقع مثل حديث ( ابن عباس ) وفيه وأخرج النبي الأنجشة وهو العبد الأسود الأسقع الذي كان يحدو بالنساء كذا وقع فلانا في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر فلانة بالتأنيث قوله وأخرج عمر رضي الله عنه فلانا لم يدر من هو
5887 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( هشام بن عروة ) أن ( عروة ) أخبره أن ( زينب ابنة أبي سلمة أخبرته ) أن أم ( سلمة أخبرتها ) أن النبي كان ( عندها وفي البيت مخنث ) فقال ل ( عبد الله أخي ) أم ( سلمة ) ( يا عبد الله ) إن ( فتح لكم غدا الطائف فإني أدلك على بنت غيلان فإنها ) تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي ( لا يدخلن هاؤلاء عليكن ) ( ( انظر ) الحديث 4324 ( وطرفه ) )
( مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ) ( لا يدخلن هؤلاء عليكن ) ل ( أن معناه أخرجه من البيت ومنعه بعد ذلك من الدخول ) عليهن هو ( وغيره من المخنثين )
وزهير مصغر زهر ابن معاوية الجعفي ( وزينب بنت أبي سلمة ) ( وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الأسد ) ( وزينب بنته ربيبة ) النبي ( أخت عمر بن أبي سلمة وأمهما ) أم ( سلمة ) زوج النبي ( واسمها هند بنت أبي أمية ) ( والحديث مضى في أول ) ( باب غزوة الطائف ) فإنه ( أخرجه ) عن ( الحميدي ) عن ( سفيان ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( زينب ) ( إلى آخره ) ( ومضى ) أيضا ( في أواخر كتاب النكاح في ) ( باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء عند الناس ) فإنه ( أخرجه هناك ) عن ( عثمان بن أبي شيبة ) عن ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) ( إلى آخره ) ( ومضى الكلام فيه ) ( قوله ) ( وفي البيت مخنث ) ( واسمه هيت بكسر الهاء وإسكان الياء آخر الحروف ) وبالتاء المثناة من فوق ( وقيل ) ( هنب ) ( بالنون والباء الموحدة )

(22/42)


( قوله ) ل ( عبد الله ) هو ( ابن أبي أمية بن المغيرة أخو ) أم ( سلمة ) أم المؤمنين ( وأمه عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم ) ( أسلم وحسن إسلامه وشهد مع ) رسول الله ( فتح مكة مسلما وشهد حنينا والطائف ورمي يوم الطائف ) بسهم فقتل ومات يومئذ وقال ( أبو عمر ) هو ( المخنث ) الذي قال ( في بيت ) أم ( سلمة ) ( يا عبد الله ) إن ( فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلك على بنت غيلان ) الحديث ( قوله ) ( بنت غيلان ) ( بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وإسمها ) بادية ضد الحاضرة وقيل ( بادنة من البدن ) ( قوله ) ( تقبل بأربع ) أي ( بأربع عكن جمع عكنة وهي الطي ) الذي ( بالبطن من السمن ) أي ل ( ها أربع عكن تقبل بهن من كل ناحية اثنتان ولكل ) واحدة طرفان ( فإذا أدبرت صارت الأطراف ثمانية ) ( وإنما ) قال ( ثمان ) مع أن ( مميزه ) هو ( الأطراف مذكر لأنه إذا ) لم ( يكن المميز مذكورا جاز في العدد التذكير والتأنيث ) ( قوله ) ( لا يدخلن هؤلاء ) قال ( بعضهم بضم أوله وتشديد النون ) قلت ل ( يس كذلك ) ( بل بفتح الياء والنون فيه مخففة ) ( ويروى مثقلة ) ( وهؤلاء ) ( فاعله ) ( قوله ) ( عليكن ) ( خطاب للنساء ) ( وفي رواية المستملي والسرخسي ) ( عليكم ) ( بصيغة جمع المذكر فإن صحت فوجهه ) أن ( يكون هناك صبيان وصفان فجمع جمع المذكر بطريق ) التغليب
قال ( أبو عبد الله ) ( تقبل بأربع وتدبر ) يعني ( أربع عكن بطنها فهي تقبل بهن ) ( وقوله ) ( وتدبر بثمان ) يعني ( أطراف هاذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنبين حتى لحقت ) ( وإنما ) قال ( بثمان ) ( ولم يقل بثمانية وواحد الأطرف طرف ) وهو ذكر ل ( أنه ) لم ( يقل ) ( ثمانية أطراف )
( ( باب قص الشارب ) )
أي هذا باب في بيان سنية قص الشارب بل وجوبه وهذا الباب وما بعدهإلى آخر كتاب اللباس أحد وأربعون بابا ذكر ما في كتاب اللباس قيل لا تعلق لها بكتاب اللباس وتعسف بعضهم بأن لها تعلقا باللباس من جهة الاشتراك في الزينة قلت يطلق اللباس ليس للزينة على ما لا يخفى ومع هذا فيه أبواب بمعزل عن الزينة وهي باب المتشبهين بالنساء والباب الذي بعده وباب خاتم الحديد وباب الجلوس على الحصير وباب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا وباب اشتمال الصماء وباب من لبس جبة ضيقة الكمين والباب الذي بعده ولكن ذكرنا لكل باب منها مناسبة لحديثه والأحسن الأوجه أن نذكر مناسبة لكل من باب قص الشارب والأبواب التي بعده إن ظفرنا بها ولو كانت بشيء يسير والباب الذي لا يوجد له مناسبة ما نسكت عنه أما مناسبة ذكر باب قص الشارب في كتاب اللباس فيمكن أن يقال إن في قص الشارب زينة فناسب الأبواب التي فيها وجود الزينة
وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد ويأخذ هاذين يعني بين الشارب واللحية
كذا وقع بلفظ ابن عمر ويعني عبد الله بن عمر هذا في رواية أبي ذر والنسفي وعليها العمدة ووقع في رواية الباقين وكان عمر يعني ابن الخطاب وخطؤوا هذه الرواية وهذا التعليق وصله الطحاوي من خمس طرق الأول عن أبي داود حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن عمر أنه كان يحفي شاربه حتى يرى بياض الجلد وفي لفظ يحفى شاربه كأنه ينتفه وفي لفظ من حديث عقبة بن مسلم قال ما رأيت أحدا أشد إحفاء لشاربه من ابن عمر كان يحفيه حتى إن الجلد ليرى قوله يحفي من الإحفاء بالحاء المهملة والفاء يقال أحفى شعره إذا استأصله حتى يصير كالحلق ولكون إحفاء الشارب أفضل من قصه عبر الطحاوي بقوله باب حلق الشارب قوله ويأخذ هذين ويروى ويأخذ من هذين يعني بين الشارب واللحية وقوله بين كذا هو لجميع الرواة إلا أن عياضا

(22/43)


ذكر أن محمد بن أبي صفرة رواه بلفظ من التي للتبعيض والأول هو العمدة وقال الكرماني هذين يعني طرفي الشفتين اللذين هما بين الشارب واللحية وملتقاهما كما هو العادة عند قص الشارب في أن ينظف الزاويتان أيضا من الشعر ويحتمل أن يراد بهما
5888 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) عن ( حنظلة ) عن ( نافع ) قال ( أصحابنا ) عن ( المكي ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال من الفطرة قص الشارب ( انظر الحديث 5889 - طرفه في 5890 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والمكي بن إبراهيم بن بشير الحنظلي البلخي قال البخاري مات سنة أربع عشرة ومائتين وقال الكرماني مكي منسوب إلى مكة وليس كذلك بل هو علم له فإنه ظن أنه نسبة وحنظلة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة وباللام ابن أبي سفيان واسمه الأسود بن عبد الرحمن الجمحي القرشي المكي ونافع مولى ابن عمر
قوله قال أصحابنا عن المكي عن ابن عمر عن النبي كذا وقع عند جميع الرواة قال صاحب ( التوضيح ) معنى قوله قال أصحابنا عن المكي عن حنظلة عن نافع أنه رواه عنه عن ابن عمر موقوفا على نافع وأصحابه أي أصحاب البخاري وصلوه عنه عن ابن عمر مرفوعا وقال الكرماني قال البخاري روى أصحابنا منقطعا قالوا حدثنا المكي عن ابن عمر بطرح الراوي الذي بينهما انتهى قلت الذي يقتضيه ظاهر كلام البخاري هو ما قاله الكرماني وقريب منه ما قاله صاحب ( التوضيح ) والعجب من بعضهم أنه نقل كلام البخاري وقال وهو ظاهر ما أورده البخاري ثم نقل عن بعض من عاصره أنه قال يحتمل أنه رواه مرة عن شيخه مكي عن نافع مرسلا ومرة عن أصحابه عن مكي موصولا عن ابن عمر ويحتمل أن بعضهم نسب الراوي عن ابن عمر إلى أنه المكي ثم قال هذا الثاني هو الذي جزم به الكرماني وهو مردود قلت الذي قاله هو المردود عليه لأنه نسب الرجل إلى غير ما قاله يظهر ذلك لمن يتأمله قوله من الفطرة أي من السنة قص الشارب والقص من قصصت الشعر قطعته ومنه طير مقصوص الجناح وفي هذا الباب خلاف
فقال الطحاوي ذهب قوم من أهل المدينة إلى أن قص الشارب هو المختار على الاخفاء قلت أراد بالقوم هؤلاء سالما وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث فإنهم قالوا المستحب هو أن يختار قص الشارب على إحفائه وإليه ذهب حميد بن هلال والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وهو مذهب مالك أيضا وقال عياض ذهب كثير من السلف إلى منع الحلق والاستئصال في الشارب وهو مذهب مالك أيضا وكان يرى حلقه مثلة ويأمر بأدب فاعله وكان يكره أن يأخذ من أعلاه والمستحب أن يأخذ منه حتى يبدو الإطار وهو طرف الشفة وقال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يستحب إحفاء الشوارب ونراه أفضل من قصها قلت أراد بقوله الآخرون جمهور السلف منهم أهل الكوفة ومكحول ومحمد بن عجلان ونافع مولى ابن عمر وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله فإنهم قالوا المستحب إحفاء الشارب وهو أفضل من قصها وروي ذلك عن فعل ابن عمر وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله وأبي أسيد وعبد الله بن عمر وذكر ذلك كله ابن أبي شيبة بإسناده إليهم فإن قلت جاء في الحديث أنه قال في الخوارج سيماهم التسبيد وهو حلق الشارب من أصله قلت قال ابن الأثير معناه الحلق واستئصال الشعر ولم يقيد بالشارب وهو أعم منه ومن غيره وقال أيضا قيل التسبيد هو ترك التدهن وغسل الرأس قلت يدل على صحته حديث آخر وهو قوله سبماهم التحليق والتسبيد بعطف التسبيد على التحليق وهو غيره ومادة التسبيد السين والدال المهملتان بينهما الباء الموحدة
5889 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) قال ( الزهري ) حدثنا عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة رواية ) الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب (

(22/44)


مطابقته للترجمة في قوله وقص الشارب وعلي هو ابن عبد الله المديني وسفيان هو ابن عيينة قوله قال الزهري حدثنا عن سعيد بن المسيب هو من تقديم الراوي على الصيغة وهو شائع ذائع قوله رواية كناية عن قول الراوي قال رسول الله أو نحوها وقول الراوي رواية أو يرويه ويبلغ به ونحو ذلك محمول على الرفع
والحديث أخرجه مسلم في الطهارة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمر والناقد وزهير بن حرب جميعا عن سفيان قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال الفطرة خمس أو خمس من الفطرة إلى آخره وأخرجه أبو داود حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبي الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الحديث وأخرجه النسائي أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال الفطرة خمس الختان إلى آخره وأخرجه ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان الحديث
قوله الفطرة خمس أي خمسة أشياء وأراد بالفطرة السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم السلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جلى فطروا عليه قوله أو خمس من الفطرة شك من الراوي وذكر الخمس لا ينافي الزائد وقد روى مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة وزاد قتيبة قال وكيع انتقاص الماء يعني الاستنجاء به وأخرجه بقية الجماعة غير البخاري قلت الانتقاص انتقاص البول بالماء إذا غسل المذاكير به وقيل هو الانتضاح بالماء وروي بالفاء ومادة الانتقاص الألف والنون والتاء والقاف والصاد المهملة وروى أبو داود من حديث عمار بن ياسر أن رسول الله قال من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط والاستحداد وغسل البراجم والانتضاح والختان وقال البخاري هذا حديث منقطع لأن في سنده سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر يروي عن جده وهو لم ير جده عمارا ولا يعرف له سماع منه ورواه الطحاوي أيضا ولفظه الفطرة عشرة فذكر قص الشارب قوله الختان قيل الختان فرض لأنه شعار الدين كالكلمة وبه يتميز المسلم من الكافر ولولا أنه فرض لم يجز كشف العورة له والنظر إليها والأربعة الباقية سنة فما وجه الجمع بينهما وأجيب بأنه لا يمتنع قران الواجب مع غيره كقوله عز و جل ( 6 ) كلوا من ثمرهيوم حصاده ( الأنعام141 ) قوله والاستحداد هو استعمال الحديد في حلق العانة قوله ونتف الإبط بسكون الباء الموحدة فإن حلقه فقد خالف السنة وفي رواية الكشميهني الآباط بالجمع قوله وقص الشارب سواء قصه بنفسه أو بيد غيره لحصول المقصود بخلاف الإبط والعانة فلا يوليهما غيره
64 -
( باب تقليم الأظفار )
أي هذا باب في بيان سنية تقليم الأظفار والتقليم تفعيل من القلم وهو القطع ووقع في حديث الباب في رواية وقص الأظفار والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وسكونها وحكي عن أبي زيد كسر الظاء وأنكره ابن سيده وقد قيل إنه قراءة الحسن وعن أبي السماك أنه قرىء بكسر أوله وثانيه ويستحب الاستقصاء في إزالتها بحيث لا يحصل ضرر على الإصبع ولم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث ولكن ذكر النووي في ( شرح مسلم ) أنه يستحب البداءة بمسبحة اليمنى ثم بالوسطى ثم بالبنصر ثم الخنصر ثم الإبهام وفي اليسرى البداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام ويبدأ في الرجلين يختصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ولم يذكر للاستحباب مستندا وقال في ( شرح المهذب ) بعد أن نقل

(22/45)


ذلك عن الغزالي وقال وأما الحديث الذي ذكره الغزالي فلا أصل له ثم اعلم أن تقليم الأظفار لا يتوقت والضابط في ذلك الاحتياج فأي وقت يحتاج إلى تقليمه يقلمه وأخرج البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال كان رسول الله يستحب أن يأخذ من أظفاره يوم الجمعة وروى ابن الجوزي من حديث عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قلم أظفاره يوم السبت خرج منه الداء ودخل فيه الشفاه ومن قلم أظفاره يوم الأحد خرجت منه الفاقة ودخل فيه الغنى ومن قلم أظفاره يوم الإثنين خرجت منه العلة ودخلت فيه الصحة ومن قلم أظفاره يوم الثلاثاء خرج منه البرص ودخل فيه العافية ومن قلم أظفاره يوم الأربعاء خرج منه الوسواس والخوف ودخل فيه الأمن والصحة ومن قلم أظفاره يوم الخميس خرج منه الجذام ودخل فيه العافية ومن قلم أظفاره يوم الجمعة دخلت فيه الرحمة وخرجت منه الذنوب ثم قال هذا حديث موضوع على رسول الله وهو من أقبح الموضوعات وأبردها وفي سنده مجهولون ومتروكون وضعفاء
589 - حدثنا ( أحمد بن أبي رجاء ) حدثنا ( إسحاق بن سليمان ) قال سمعت حنظلة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب ( انظر الحديث 5888 )
مطابقته للترجمة في قوله وتقليم الأظفار وأحمد بن أبي رجاء بالجيم وللمد واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي مات بهراة في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبره مشهور يزار وإسحاق بن سليمان الراوي كوفي الأصل مات سنة مائتين وحنظلة بن أبي سفيان وقد مر عن قريب قوله من الفطرة ونقل النووي أنه وقع بلفظ من السنة قوله وقص الشارب وقع في رواية الإسماعيلي وأخذ الشارب
5892 - حدثنا ( محمد بن منهال ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( عمر بن محمد بن زيد ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) عن النبي قال خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب
وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه
محل هذا الحديث في الباب الذي قبله ولا يناسب ذكره هنا ومحمد بن منهال بكسر الميم وسكون النون البصري الضرير وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن سهل بن عثمان عن يزيد بن زريع
قوله خالفوا المشركين أراد بهم المجوس يدل عليه رواية مسلم خالفوا المجوس لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ومنهم من كان يحلقها وقوله وفروا بتشديد الفاء أمر من التوفير وهو الإبقاء أي اتركوها موفرة واللحى بكسر اللام وضمها بالقصر والمد جمع لحية بالكسر فقط وهي إسم لما نبت على الخدين والذقن قاله بعضهم قلت على الخدين ليس بشيء ولو قال على العارضين لكان صوابا قوله واحفوا أمر من الإحفاء في القص قد مر عن قريب وقال الطبري فإن قلت ما وجه قوله اعفوا اللحى وقد علمت أن الإعفاء الإكثار وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر قوله اعفوا اللحى فيتفاحش طولا وعرضا ويسمج حتى يصير للناس حديثا ومثلا قيل قد ثبتت الحجة عن رسول الله على خصوص هذا الخبر وأن اللحية محظور إعفاؤها وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده فقال بعضهم حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولا وأن ينتشر عرضا فيقبح ذلك وروي عن عمر رضي الله

(22/46)


عنه أنه رأى رجلا قد ترك لحيته حتى كبرت فأخذ يجذيها ثم قال ائتوني بحلمتين ثم أمر رجلا فجزما تحت يده ثم قال إذهب فأسلح شعرك أو أفسده يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل وعن ابن عمر مثله وقال آخرون يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش ولم يجدوا في ذلك حدا غير أن معنى ذلك عندي ما لم يخرج من عرف الناس وقال عطاء لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كبرت وعلت كراهة الشهرة وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به واستدل بحديث عمر بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب وسمعت محمد بن إسماعيل يقول عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس له أصل أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث قال ورأيته حسن الرأي في عمر بن هارون وسمعت قتيبة يقول عمر بن هارون كان صاحب حديث وكان يقول الإيمان قول وعمل
قوله وكان ابن عمر إذا حج إلى آخره موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في ( الموطأ ) عن نافع بلفظ كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قوله فما فضل بفتح الفاء والضاد المعجمة وحكى كسر الصاد كعلم والفتح أشهر وقال الكهرماني وما فضل أي من قبضة اليد قطعه تقصيرا ولعل ابن عمر جمع بين حلق الرأس وتقصير اللحية اتباعا لقوله تعالى ( 84 ) محلقين رؤوسكم ومقصرين ( الفتح27 ) هذا هو المقدار الذي قاله الكرماني وقد نقل عنه بعضهم ما لم يقله ثم طول الكلام بما لا يستحق سماعه فذلك تركته وقال النووي يستثني من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة
65 -
( باب إعفاء اللحى )
أي هذا باب في بيان إعفاء اللحى قال بعضهم استعمله من الرباعي وهو بمعنى الترك قلت لا يسمى هذا رباعيا في الاصطلاح وإنما يسمى مزيد الثلاثي
عفوا كثروا وكثرت أموالهم
ليس هذا بموجود في بعض النسخ وأشار به إلى تفسير قوله تعالى في الأعراف ( 7 ) حتى عفوا وقالوا قد مس آباءناالضراء والسراء ( الأعراف 95 ) وفسر قوله عفوا بمعنى كثروا وكثرت أموالهم وذكر في الترجمة الإعفاء وهو من المزيد كما قلنا ثم ذكر عفوا وهو من الثلاثي المجرد فكأنه أشار بهذا إلى أن هذه المادة في الحديث جاءت لمعنيين فعلى الأول تكون همزة إعفوا همزة قطع وعلى الثاني همزة وصل وقال ابن التين وبهمزة قطع أكثر
5893 - حدثني ( محمد ) أخبرنا ( عبدة ) أخبرنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال رسول الله انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى ( انظر الحديث 5892 )
مطابقته للترجمة في قوله واعفوا اللحى ومحمد هو ابن سلام وعبدة بفتح العين وسكون الباء ابن سليمان وعبيد الله بن عمر العمري وقد مر عن قريب
والحديث أخرجه مسلم ولفظه احفوا الشوارب واعفو مأمورا به فلم أخذ ابن عمر من لحيته وهو راوي الحديث وأجيب بأنه لعله خصص بالحج أو أن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم
66 -
( باب ما يذكر في الشيب )
أي هذا باب في بيان ما الذي يذكر في أمر السيب هل يترك على حاله أو يخضب والشيب بياض الرأس عن الأصمعي وغيره وقال الجوهري الشيب والمشيب واحد والأشيب المبيض الرأس وقد شاب رأسه شيبا وشيبة وهو أشيب على غير قياس ويجمع على شيب بكسر الشين فإن قلت ما وجه ذكر هذا الباب ههنا قلت لأجل المناسبة بينه وبين الباب الذي قبله ووجه ذكر الأبواب الثلاثة التي قبله هنا هو ما فيها من نوع الزينة فتدخل في كتاب اللباس
5894 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( وهيب ) عن ( محمد بن سيرين ) قال سألت ( أنسا )

(22/47)


أخضب النبي فقال لم يبلغ الشيب إلا قليلا ( انظر الحديث 3550 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ومعلى بضم الميم إسم مفعول من التعلية ابن أسد العمي أبو الهيثم البصري ووهيب مصغر وهب ابن خالد وأيوب هو السختياني
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره
قوله أخضب الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله لم يبلغ الشيب أي لم يبلغ النبي الشيب وفي رواية مسلم بإسناد البخاري فقال له لم ير من الشيب إلا قليلا واختلف في القليل فقيل كان تسع عشرة شعرة بيضاء وقيل عشرون وقال أبو القاسم في ( كتاب الشيب ) عن أنس خمس عشرة وعند ابن سعد سبع عشرة أو ثمان عشرة وفي حديث الهيثم بن دهر ثلاثون شعرة عددا وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه ما كان في رأسه ولحيته من الشيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن وأراهن الدهن وكل اتفق على أنه قد كان شيب وقال أبو بكر وأبو جحيفة تراك يا رسول الله قد شبت قال ومالي لا أشيب وقال أبو جحيفة أكثرها في عنفقته زاد غيره وصدغيه والعنفقة الشعر الذي بين الشفة والذقن وقال القاضي اختلف في خضابه فمنعه الأكثرون منهم أنس وأثبته بعضهم لحديث أم سلمة وابن عمر أنه رأى النبي يصبغ بالصفرة وجمع بينهما بأن ذلك كان طيبا فظنه من رآه صبغا
5895 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) قال ( سئل أنس ) عن ( خضاب ) النبي فقال إنه لم يبلغ ما يخضب لو شئت أن أعد شمطاته في لحيته ( انظر الحديث 3550 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وثابت هو البناني
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي لم يبلغ ما يخضب وكلمة ما مصدرية أي لم يبلغ الخضاب ويؤيده رواية مسلم عن ابن سيرين قال سألت أنس بن مالك هل كان النبي خضب فقال لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض قوله لو شئت جواب لو محذوف تقديره لو شئت أن أعد شمطاته لعددتها وذلك لقلتها وفي رواية مسلم أنه لم يكن رأى من الشيب إلا قليلا قوله شمطاته بالحركات الثلاث قال في ( المطالع ) شمطاته أي شيبه ثم قال وهذا يصحح قول الأصمعي إذا رأى الرجل البياض في رأسه فهو أشمط وفي ( المغرب ) الشمط بياض شعر الرأس يخالط سواده وعن الليث الشمط في الرجل شيب اللحية وهذا هو الذي يناسب حديث الباب والجمع بين إثبات الشيب ونفيه أنه كان قليلا فمن أثبته اعتبره ومن نفاه لم يعتبره بالنسبة إلى بقية الشعر
5896 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( عثمان بن عبد الله بن موهب ) قال أرسلني أهلي إلى أم سلمة زوج النبي بقدح من ماء وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من فضة فيه شعر من شعر النبي وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبه فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله شعرات حمر لأنه يدل على الشيب ومالك بن إسماعيل هو ابن غسان النهدي وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وعثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم والهاء الأعرج التيمي مولى آل طلحة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سبق في الحج وأم سلمة زوج النبي هند بنت أبي أمية
والحديث أخرجه ابن ماجه في اللباس أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله أهلي يحتمل أن يكون امرأته قوله وقبض إسرائيل ثلاث أصابع إسرائيل هو الراوي المذكور وقال بعضهم فيه إشارة إلى صغر القدح قال وزعم الكرماني أنه عبارة عن عدد إرسال عثمان إلى أم سلمة وهو بعيد انتهى قلت الذي قاله هذا القائل هو البعيد لأن القدح قدر ثلاث أصابع صغير جدا فماذا يسع فيه من الماء حتى يرسل به والتصرف بالأصابع غالبا يكون في العدد قوله من فضة بكسر الفاء وتشديد

(22/48)


الضاد المعجمة وهي صفة لقدح قوله فيه بتذكير الضمير رواية الكشميهني وفي رواية غيره فيها بالتأنيث ووجهه أن القدح إذا كان فيه مائع يسمى كاسا والكأس مؤنث هكذا قيل وفيه تأمل قال الكرماني فإن قلت القدح من الفضة حرام على الرجال والنساء قلت أي مموه بالفضة وقال بعضهم هذا ينبني على أن أم سلمة كانت لا تجيز استعمال آنية الفضة في غير الأكل والشرب ومن أين له ذلك وقد أجاز جماعة من العلماء استعمال الإناء الصغير من الفضة في غير الأكل انتهى قلت قوة دين أم سلمة وشدة تورعها يقتضي أنها لا تجيز استعمال الآنية من الفضة مطلقا فكيف يقول ومن أين له ذلك أنها تجيز استعمال الإناء من الفضة وله أن يقول له ومن أين لك أنها لا تجيز استعمال الإناء من الفضة الخالصة في غير الأكل وأما المموه فحكم الفضة فيه حكم العدم إلا إذا كان يخلص شيء من ذلك بعد الإذابة وقوله وقد أجاز جماعة إلى آخره لا يستلزم تجويز أم سلمة ما أجازه هؤلاء ومن هم هؤلاء الجماعة المبهمة حتى يكون سندا لدعواه وقالت الشراح اختلف في ضبط فضة هل هو بفاء مكسورة وضاد معجمة أو بقاف مضمومة وصاد مهملة وقال بعضهم فإن كان بالقاف والمهملة فهو من صفة الشعر على ما في التركيب من قلق ولهذا قال الكرماني عليك بتوجيهه ويظهر أن من سبية أي أرسلني بقدح من ماء بسبب قصة فيها شعر انتهى قلت أما الكرماني فإنه اعترف بعجزه على حل هذا وأما هذا القائل فإنه اعترف أن في هذا التركيب قلق ثم فسره بما هو أقلق من ذاك وأبعد من المراد مثل بعد الثرى من الثريا لأن قوله من سبية غير صحيح بل هي بيانية تبين جنس القدح الذي أرسله أهل عثمان بن عبد الله إلى أم سلمة وفيه شعر من شعر النبي وبيان ذلك على التحرير أن أم سلمة كان عندها شعرات من شعر النبي حمر في شيء مثل الجلجل وكان الناس عند مرضهم يتبركون بها ويستشفون من بركتها ويأخذون من شعره ويجعلونه في قدح من الماء فيشربون الماء الذي فيه الشعر فيحصل لهم الشفاء وكان أهل عثمان أخذوا منها شيئا وجعلوه في قدح من فضة فشربوا الماء الذي فيه فحصل لهم الشفاء ثم أرسلوا عثمان بذلك القدح إلى أم سلمة فأخذته أم سلمة ووضعته في الجلجل فاطلع عثمان في الجلجل فرأى فيه شعرات حمرا قوله وكان إذا أصاب الإنسان إلى آخره كلام عثمان بن عبد الله بن موهب أي كان أهلي كذا فسره الكراني وقال بعضهم وكان أي الناس إذا أصاب الإنسان أي منهم والذي قاله الكرماني أصوب يبين به أن الإنسان إذا أصابه عين أو شيء من الأمراض بعث أهله إليها أي إلى أم سلمة مخضبة بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة وبالباء الموحدة وهي الإجانة ويجعل فيها ماء وشيء من الشعر المبارك ويجلس فيها فيحصل له الشفاء ثم يرد الشعر إلى الجلجل وهو بضم الجيمين واحد الجلاجل شيء يتخذ من الفضة أو الصفر أو النحاس وقيل يروى الجحل بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفسر بالسقاء الضخم الظاهر أنه تصحيف وأما القصة بالقاف والصاد المهملة التي أشكلت على الشراح
5897 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( سلام ) عن ( عثمان بن عبد الله بن موهب ) قال دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرا من شعر النبي مخضوبا
5898 - وقال لنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( نصير ابن أبي الأشعث ) عن ( ابن موهب ) أن أم سلمة أرته شعر النبي أحمر ( انظر الحديث 5896 وطرفه )
هذا وجه آخر في حديث عثمان بن عبد الله المذكور أخرجه عن موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي عن سلام بتشديد اللام ابن أبي مطيع نص عليه المزي وابن السكن وقال الكلاباذي سلام بن مسكين النمري بالنون البصري مات سنة سبع وستين ومائة والأول هو الأصوب ووقع في رواية ابن ماجه أيضا سلام بن أبي مطيع الخزاعي يكنى أبا سعيد البصري
قوله مخضوبا صفة الشعر وفي رواية يونس مخضوبا بالحناء والكتم
قوله وقال لنا أبو نعيم كذا هو بالوصل عند الأكثرين وفي رواية أبي ذر وقال أبو نعيم وهو الفضل بن دكين يروي عن نصير بضم النون

(22/49)


وفتح الصاد المهملة مصغر نصر بن أبي الأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة القرادي بضم القاف وبالراء وبالدال المهملة وليس لنصير في البخاري سوى هذا الوضع وابن موهب هو عثمان بن عبد الله بن موهب
قوله أرته من الإراءة
67 -
( باب الخضاب )
أي هذا باب في بيان تغيير لون الشيب في الرأس واللحية بالخضاب وقال الجوهري الخضاب ما يختضب به وقد خضبت الشيء أخضبه خضبا واختضبت بالحناء ونحوه وكف خضيب ووجه ذكر هذا الباب هنا لأن فيه نوع زينة
5899 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( الزهري ) عن ( أبي سلمة وسليمان بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال النبي إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ( انظر الحديث 3462 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فخالفونهم لأن مخالفتهم بالخضاب والحمدي قد تكرر ذكره وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد أحد أجداده وسفيان هو ابن عيينة والزهري محمد بن مسلم وأبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف وسليمان بن يسار ضد اليمين
والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود عن مسدد وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم وغيره وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله فخالفوهم يعني بالصبغ وفي رواية مسلم فخالفوا عليهم واصبغوا قيل ثبت أنه كان يوافق أهل الكتاب ما لم ينزل عليه شيء بخلافه ولهذا قيل شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقض الله بالإنكار
وأجيب بأنه كان ذلك في أول الإسلام ائتلافا لهم ومخالفة لعبدة الأوثان فلما أغنى الله عن ذلك وأظهر الإسلام على الدين كله أحب المخالفة وقال ابن أبي عاصم قوله فخالفوهم إباحة منه أن يغير الشيب بكل ما شاء المغير له إذ لم يتضمن قوله فخالفوهم أن اصبغوا بكذا وكذا دون كذا وكذا وروي من حديث الأجلح عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر أن رسول الله قال إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم وفي رواية إنه أفضل وعن ابن عباس وأنس وعبد الله بن بريدة عن أبيه مثله ومن حديث الضحاك ابن حمزة عن غيلان بن جامع وإياد بن لقيط عن أبي رمثة قال رأيت رسول الله وله شعر مخضوب بالحناء والكتم وروى أحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال خرج رسول الله على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب وروى ابن أبي عاصم من حديث هشام عن أبيه عن الزبير بن العوام قال رسول الله غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ورواه الأوزاعي قال اخضبوا فإن اليهود والنصارى لا يخضبون
والكلام في هذا الباب على نوعين
الأول في تغيير الشيب واختلفوا فيه فروى شعبة عن الركين بن الربيع قال سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكره تغيير الشيب وروى الطبراني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة إلا أن ينتفها أو يخضبها وعن ابن مسعود أن النبي كان يكره خصالا فذكر منها تغيير الشيب وقد غير جماعة من الصحابة والتابعين الشيب فروي عن قيس بن أبي حازم قال كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخرج إلينا وكان لحيته ضرام العرفج من الحناء والكتم وأخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر رضي الله عنه بالحناء بحتا بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق أي صرفا خالصا وكان الشعبي وابن أبي مليكة يختضبان به وممن كان يصبغ بالصفرة علي وابن عمر والمغيرة وجرير البجلي وأبو هريرة وعطاء وأبو وائل والحسن وطاووس وسعيد بن المسيب وقال المحب الطبري والصواب عندنا أن الآثار التي رويت عن رسول الله بتغييره والنهي عنه صحاح ولكن بعضها عام وبعضها خاص فقوله خالفوا اليهود وغيروا الشيب المراد منه الخصوص أي غيروا الشيب الذي هو نظير شيبة أبي قحافة وأما من كان أشمط فهو الذي أمره رسول الله أن لا يغيره وقال

(22/50)


من شاب شيبة الحديث لأنه لا يجوز أن يكون من رسول الله قول متضاد ولا نسخ فتعين الجمع فمن غيره من الصحابة فمحمول على الأول ومن لم يغيره فعلى الثاني مع أن تغييره ندب لا فرض أو كان النهي نهي كراهة لا تحريم لإجماع سلف الأمة وخلفها على ذلك وكذلك الأمر فيما أمر به على وجه الندب والطحاوي رحمه الله مال إلى النسخ بحديث الباب وقال ابن العربي وإنما نهى عن النتف دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر ونقل عن أحمد أنه يجب وعنه يجب ولو مرة وعنه لا أحب لأحد أن يترك الخضب ويتشبه بأهل الكتاب
النوع الثاني فيما يصبغ به واختلف فيه فالجمهور على أن الخضاب بالحمرة والصفرة دون السواد لما روي فيه من الأخبار المشتملة على الوعيد فروى عبد الكريم عن ابن جبير عن ابن عباس يرفعه يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة وروى المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال من خضب بالسواد لم ينظر الله إليه وروى الطبراني عن جنادة عن أبي الدرداء يرفعه من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة وروى عن أنس يرفعه غيروا ولا تغيروا بالسواد وذكر ابن أبي العاصم بأسانيد إن حسنا وحسينا رضي الله عنهما كانا يختضبان به أي بالسواد وكذلك ابن شهاب وقال أحبه إلينا أحلكه وكذلك شرحبيل بن السمط وقال عنبسة بن سعيد إنما شعرك بمنزلة ثوبك فاصبغه بأي لون شئت وأحبه إلينا أحلكه وكان إسماعيل بن أبي عبد الله يخضب بالسواد وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر بالخضاب بالسواد ويقول هو تسكين للزوجة وأهيب للعدو وعن ابن أبي مليكة أن عثمان كان يخضب به وعن عقبة بن عامر والحسن والحسين أنهم كانوا يختضبون ومن التابعين علي ابن عبد الله بن عباس وعروة بن الزبير وابن سيرين وأبو بردة وروى ابن وهب عن مالك قال لم أسمع في صبغ الشعر بالسواد نهيا معلوما وغيره أحب إلي وعن أحمد فيها روايتان وعن الشافعية أيضا روايتان والمشهور يكره وقيل يحرم ويتأكد المنع لمن دلس به وذكر الكلبي أن أول من صبغ بالسواد عبد المطلب بن هاشم قلت هذا من العرب وأما أول من صبغ لحيته بالسواد ففرعون موسى عليه السلام وله حكاية ذكرناها في ( تاريخنا )
68 -
( باب الجعد )
أي هذا باب في بيان الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة وهو صفة للشعر وهو خلاف السبط وجه دخول هذا الباب في كتاب اللباس من حيث إنه تابع للباب السابق وقد مر بيان وجه دخوله فالتابع المطابق للشيء ماطبق لذلك الشيء
5900 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك بن أنس ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق وليس بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ( انظر الحديث 3547 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله ولا بالجعد وإسماعيل هو ابن أبي أويس
والحديث قد مضى في صفة النبي عن ابن بكير عن الليث عن خالد عن سعيد عن ربيعة ومضى الكلام فيه
والبائن المفرط المتجاوز حده والأمهق هو الذي يضرب بياضه إلى الزرقة وقيل هو الكريه البياض كلون الجص يعني كان نير البياض والجعد هو المنقبض الشعر كهيئة الحبش والزنج والقطط شديد الجعودة والسبط بكسر الباء الموحدة وفتحها وسكونها الذي يسترسل شعره ولا ينكسر فيه شيء لغلظه كشعر الهنود وبقية الكلام قد مرت عن قريب
5901 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) يقول

(22/51)


ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي قال بعض أصحابي عن مالك إن جمته لتضرب قريبا من منكبيه قال أبو إسحاق سمعته يحدثه غير مرة ما حدث به قط إلا ضحك ( انظر الحديث 3551 وطرفه )
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله إن جمته لتضرب قريبا من منكبيه لأن الجمة شعر فيتناول الجعد والسبط
وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله
والحديث أخرجه الترمذي في الشمائل عن علي بن خشرم وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن عبد الله بن عمار
قوله قال بعض أصحابي أي قال البخاري قال بعض أصحابي وقال الكرماني هو رواية عن المجهول قيل هو يعقوب بن سفيان فإنه كذلك أخرجه عن مالك بن إسماعيل بهذا السند وفيه الزيادة قوله عن مالك هو شيخه مالك بن إسماعيل المذكور قوله إن جمته بضم الجيم وتشديد الميم هي مجتمع شعر الرأس إذا تدلي إلى قريب المنكبين وقال بعده شعبة يبلغ شحمة أذنيه وهما متقاربان لأن شحمة الأذن هي معلق القرط وقال أيضا بين أذنيه وعاتقه لعله نقص منها عندما حلق في حج أو عمرة أو غيرهما وقال ابن فارس اللمة بالكسر الشعر يجاوز شحمة الأذن فإذا بلغ المنكبين فهو جمة قوله قال أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله المذكور سمعته أي البراء يحدثه أي الحديث المذكور غير مرة أي مرارا
تابعه شعبة شعره يبلغ شحمة أذنيه
أي تابع أبا إسحاق شعبة نقلا عن أبي إسحاق شعره يبلغ شحمة أذنيه وقد ذكرنا الآن أنه قريب من قوله ليضرب قريبا إلى منكبيه وإنما نقله عن أبي إسحاق لأنه شيخه قوله تابعه في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر والنسفي قال شعبة شعره يبلغ شحمة أذنيه ووصله البخاري في باب صفة النبي من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله تعالى عنه
5902 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هاذا فقيل المسيح ابن مريم وإذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هاذا فقيل المسيح الدجال
مطابقته للترجمة في قوله برجل جعد والحديث قد مضى بوجوه عن ابن عمر في كتاب الأنبياء في باب مريم عليها السلام
قوله أراني الليلة قوله آدم من الأدمة وهي السمرة الشديدة وقيل هي من أدمة الأرض وهو لونها وبه سمى آدم عليه السلام قوله له لمة بكسر اللام الشعر الذي ألم إلى المنكبين قوله قد رجلها من الترجيل بالجيم وهو أن يبل الرأس ثم يمشط وقال الكرماني رجلها أي سرحها ومشطها قوله متكئا نصب على الحال وكذا قوله يطوف بالبيت حال قوله المسيح ابن مريم فقيل المسيح معرب مسيخا بالسين المهملة والخاء المعجمة وهو بالعبرانية ومعناه المبارك ومن قال إنه عربي مشتق سمي به لأنه يمسح المريض بيده كالأكمه والأبرص فيبرأ وقيل لأنه يمسح الأوزار ويتطهر منها وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن وقد ذكرنا وجوها كثيرة فيه وفي تسمية الدجال مسيحا في ( تاريخنا الكبير ) وقد مر تفسير الجعد والقطط قوله طافية ضد الراسبة وروي بالهمزة وعدمها فالمهموزة هي ذاهبة الضوء وغير المهموزة هي الناتئة البارزة المرتفعة قيل قد ثبت أن الدجال لا يدخل مكة وأجيب بأنه لا يدخل على سبيل الغلبة وعند ظهور شوكته وزمان خروجه أو المراد أنه لا يدخل بعد هذه الرؤيا مع أنه ليس في الحديث

(22/52)


التصريح بأنه رآه بمكة
5903 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( حيان ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس ) أن النبي كان يضرب شعره منكبيه ( انظر الحديث 5903 - طرفه في 5904 )
5905 - حدثني ( عمرو بن علي ) حدثنا ( وهب بن جرير ) قال حدثني أبي عن ( قتادة ) قال سألت ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه عن ( شعر ) رسول الله فقال كان شعر رسول الله رجلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه ( انظر الحديث 5905 - طرفه في 5906 )
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن عمرو بن علي الصيرفي عن وهب بن جرير عن أبيه جرير بن حازم الأزدي عن قتادة وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن شيبان بن فروخ وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمد بن بشار عن وهب بن جرير وأخرجه النسائي في الزينة عن محمد بن المثنى عن وهب بن جرير وأخرجه ابن ماجه في اللباس عن أبي بكر ابن أبي شيبة وألفاظهم مختلفة والمعنى متقارب
قوله رجلا بفتح الراء وكسر الجيم وهو الذي بين الجعودة والسبوطة وقوله ليس بالسبط إلى آخره كالتفسير له
5906 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( جرير ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) قال كان النبي ضخم اليدين لم أر بعده مثله وكان شعر النبي رجلا لا جعد ولا سبط ( انظر الحديث 5905 )
هذا طريق آخر فيه أخرجه مسلم بن إبراهيم البصري عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس
قوله ضخم اليدين أي غليظ اليدين قوله لا جعد ولا سبط مبنيان على الفتح وروي لا جعدا ولا سبطا بالتنوين
5907 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال كان النبي ضخم اليدين والقدمين حسن الوجه لم بعده ولا قبله مثله وكان بسط الكفين
هذا طريق آخر فيه أخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي ويقال له عارم
قوله بسط الكفين أي مبسوطهما خلقة وصورة وقيل أي باسطهما بالعطاء والأول أنسب بالمقام ويروى بسيط اليدين على وزن فعيل ويروي بسط بكسر الباء فقيل هو بمعنى المبسوط كالطحن بمعنى المطحون وقال الجوهري يد بسط أي مطلقة وفي قراءة عبد الله بل يداه بسطان
5909 - حدثني ( عمرو بن علي ) حدثنا ( معاذ بن هانىء ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك )

(22/53)


أو عن ( رجل ) عن ( أبي هريرة ) قال كان النبي ضخم القدمين حسن الوجه لم أر بعده مثله
5910 - وقال ( هشام ) عن ( معمر ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) كان النبي شثن القدمين والكفين
وقال ( أبو هلال ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) أو ( جابر بن عبد الله ) كان النبي ضخم الكفين والقدمين لم أر بعده شبها له
مطابقته للترجمة في قوله جعد وابن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري وابن عون عبد الله
والحديث مضى في الحج بعين هذا الإسناد والمتن في باب التلبية إذا انحدر في الوادي ومضى الكلام فيه هناك
قوله بخلبة بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وبالباء الموحدة هو الليف ويجمع على خلب
69 -
( باب التلبيد )
أي هذا باب في بيان التلبيد وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من الصمغ ليصير شعره مثل اللبد لئلا يقع فيه القمل وقيل

(22/54)


لئلا يشعث في الإحرام ووجه إيراد هذا الباب هنا من حيث إن الأبواب الستة التي قبل هذا الباب كلها في أحوال الشعر وتلبيد الشعر أيضا من جملتها
5915 - حدثني ( حبان بن موسى وأحمد بن محمد ) قالا أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يهل ملبدا يقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد على هاؤلاء الكلمات
مطابقته للترجمة في قوله ملبدا وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وأحمد بن محمد بن موسى السمسار الروزي وعبد الله بن المبارك المروزى ويونس بن يزيد
والحديث مضى في الحج في باب التلبية ومضى الكلام فيه
قوله يهل ملبدا أي يرفع صوته بالإحرام وبالتلبية حال كونه ملبدا
5916 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) عن ( حفصة ) رضي الله عنها زوج النبي قالت قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر
مطابقته للترجمة في قوله لبدت راسي وإسماعيل بن أبي أويس والحديث قد مضى في الحج في باب التمتع والقران بعين هذا الإسناد والمتن وفيه زيادة وهي قوله وحدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالكالخ ومضى الكلام فيه هناك
70 -
( باب الفرق )
أي هذا باب في بيان الفرق بفتح الفاء وسكون الراء وبالقاف أي فرق شعر الرأس وهو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس يقال فرق شعره فرقا بالسكون وأصله من الفرق بين الشيئين والمفرق مكان انقسام الشعر من الجبين إلى دارة الرأس وهو بكسر الراء وفتحها
5917 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال كان النبي يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم

(22/55)


يؤمر فيه وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل النبي ناصيته ثم فرق بعد ( انظر الحديث 3558 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة
والحديث مضى في الهجرة عن عبدان عن عبد الله بن المبارك وفي صفة النبي عن يحيى بن بكير
قوله فيما لم يؤمر فيه أي فيما لم يوح إليه بشيء من ذلك وفيه أنه كان يتبع شرع موسى وعيسى عليها السلام قبل أن ينزل في تلك المسألة وحي إليه قيل قد مر عن قريب أنه قال خالفوهم وأجيب بأنه قال حيث أمر بالمخالفة قوله يسدلون بضم الدال وكسرها من سدل ثوبه إذا أرخاه وشعر منسدل ضد متفرق لأن السدل يستلزم عدم الفرق وبالعكس قيل لم سدل أولا ثم فرق ثانيا وأجيب بأنه كأن يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به فسدل موافقة لهم ثم لما أمر بالفرق فرق قوله يعرفون بسكون الفاء وضم الراء وقد شددها بعضهم من التفريق حكاه عياض قال والأول أشهر وكذا في قوله ثم فرق الأشهر فيه التخفيف والحكمة في محبة موافقتهم أنهم يتمسكون بالشريعة في الجملة فكان يحب موافقتهم ليتألفهم ثم لما أمر بالفرق استمر عليه الحال وادعى بعضهم النسخ وليس بصحيح لأنه لو كان السدل منسوخا لصار إليه الصحابة أو أكثرهم والمنقول عنهم أن منهم من كان يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض والصحيح أنه كانت له لمة فإن انفرقت فرقها وإلا تركها والصحيح أن الفرق مستحب لا واجب وهو قول الجمهور وبه قال مالك وقال النووي الصحيح جواز السدل والفرق
5918 - حدثنا ( أبو الوليد ) ( وعبد الله بن رجاء ) قالا حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق النبي وهو محرم
قال عبد الله في مفرق النبي
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد عبد الملك بن هشام الطيالسي والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار وإبراهيم هو النخعي ويزيد بن الأسود النخعي
قوله وبيص الطيب بإهمال الصاد أي بريقه ولمعانه وكان استعمال الطيب قبل الإحرام قوله في مفارق جمع مفرق وجمع نظرا إلى أن كل جزء منه كأنه مفرق وهذه رواية أبي الوليد ووافقه على هذا محمد بن جعفر غندر عند مسلم والأعمش عند أحمد والنسائي
قوله قال عبد الله هو ابن رجاء المذكور مفرق النبي بالإفراد ووافقه على هذا آدم عند البخاري في الطهارة في باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب ومحمد بن كثير عند الإسماعيلي وعند مسلم من رواية الحسن بن عبيد الله في كتاب الحج وعنده أيضا من رواية الضحاك بن مخلد
71 -
( باب الدوائب )
أي هذا باب في ذكر الذوائب وهو جمع ذؤابة والأصل ذآئب فابدلت الهمزة واوا والذؤابة ما يدلي من شعر الرأس ووجه دخوله في كتاب اللباس من حيث إنها مجموعة من الشعور وبينها وبين كتاب اللباس نوع مناسبة وهي الاشتراك في نوع الزينة كما ذكرناه فيما مضى
5919 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( الفضل بن عنبسة ) أخبرنا ( هشيم ) أخبرنا ( أبو بشر )
( ح ) وحدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( هشيم ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال بت ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي وكان رسول الله عندها في ليلتها

(22/56)


قال فقام رسول الله يصلي من من الليل فقمت عن يساره قال فأخذ بذؤابتي فجعلني عن يمينه
مطابقته للترجمة في قوله فأخذ بذؤابتي وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني والفضل بن عنبسة الفضل بسكون الضاد المعجمة وعنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة أبو الحسن الخزاز الواسطي وهو من أفراده مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وفيه مقال لكنه غير قادح فلذلك أردف روايته بروايته عن قتيبة وليس له في البخاري إلا هذا الموضع
والحاصل أنه أخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما من علي بن عبد الله عن الفضل ابن عنبسة عن هشيم عن بشير كلاهما مصغران الواسطي عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر ابن أبي وحشية إياس الواسطي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس والآخر عن قتيبة بن سعيد عن هشيمإلى آخره والحديث مضى في كتاب العلم في باب السمر بالعلم وفي الصلاة في باب ما يقوم عن يمين الإمام بحذائه وفي باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام
فإن قلت ما الفائدة في هذا الحديث قلت فيه فائدتان الأولى تقريره على اتخاذ الذؤابة والثانية فيه دفع لرواية من فسر الفزع بالذؤابة قاله بعضهم قلت وفي التوضيح إنما يجوز اتخاذ الذؤابة للغلام إذا كان في رأسه شعر غيرها وأما إذا حلق شعره كله وترك له ذؤابة فهو القزع المنهي عنه وفي ( سنن أبي داود ) من حديث ابن عمر أنه نهى عن القزع وهو أن يحلق رأس الصبي ويترك له ذؤابه
حدثني عمرو بن محمد حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر بهاذا وقال بذؤبتي أو برأسي
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمرو بن محمد بن بكير الناقد البغدادي شيخ مسلم أيضا مات ببغداد في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين قوله أو برأسي شك من الراوي
72 -
( باب القزع )
أي هذا باب في بيان حكم القزع بفتح القاف والزاي وبالعين المهملة وهو جمع قزعة وهي القطعة من السحاب وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعا تشبيها بالحساب المتفرق
131 - ( حدثني محمد قال أخبرني مخلد قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني عبيد الله بن حفص أن عمر بن نافع أخبره عن نافع مولى عبد الله أنه سمع ابن عمر رضي لله عنهما يقول سمعت رسول الله ينهى عن القزع قال عبيد الله قلت وما القزع فأشار لنا عبيد الله قال إذا حلق الصبي وترك ههنا شعرة وههنا وههنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه قيل لعبيد الله فالجارية والغلام قال لا أدري هكذا قال الصبي قال عبيد الله وعاودته فقال أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر وليس في رأسه غيره وكذلك شق رأسه هذا وهذا )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام ومخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد بالزاي الحراني وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعبيد الله بن حفص هو عبيد الله بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب نسبه ابن جريج إلى جده وعمر بن نافع روى عن أبيه نافع مولى عبد الله بن عمر والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن زهير بن حرب وآخرين وأخرجه أبو داود في الترجل عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي في الزينة عن عمران بن يزيد وغيره وأخرجه ابن ماجة في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره قوله أن عمر بن نافع أخبره عن نافع وسقط ذكر عمر بن نافع في رواية النسائي وفي رواية ابن عوانة أيضا وقد صرح الدارقطني في العلل بأن حجاج بن محمد وافق مخلد بن يزيد على ذكر عمر بن نافع وأخرجه النسائي من رواية سفيان الثوري على الاختلاف

(22/57)


عليه في إسقاط عمر بن نافع وإثباته وأخرج مسلم وابن ماجة وابن حبان وغيرهم من طرق متعددة عن عبيد الله بن عمر بإثبات عمر بن نافع ورواه سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه والعمدة على من زاد قوله قال عبيد الله هو موصول بالإسناد المذكور وهو عبيد الله بن حفص المذكور قوله وما القزع يعني قال عبيد الله لعمر بن نافع الذي روى عنه ما القزع يعني ما كيفية القزع فظاهر الكلام أن المسؤل عنه هو عمر بن نافع وقال بعضهم بين مسلم أن عبيد الله إنما سأل نافعا لأنه أخرجه عن زهير بن حرب حدثنا يحيى يعني ابن سعيد عن عبيد الله أخبرنا عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله نهى عن القزع قلت لنافع وما القزع قال يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضا قلت نعم هذا صريح أن المسؤل عنه هو نافع ولكن رواية البخاري لا تصريح فيها بالمسؤل عنه ولكن ظاهر الكلام أن المسؤل عنه هو عمر بن نافع ويحتمل أن يكون روى الحديث عن عمر بن نافع وسأل عن نافع ما القزع قوله فأشار لنا عبيد الله إذا حلق الصبي إلى آخره فقوله إذا حلق الصبي إلى قوله فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته كلام عمر بن نافع الذي سأل عنه عبيد الله وذكر لفظ فأشار لنا عبيد الله مرتين الأول فيه حذف تقديره فأشار لنا عبيد الله ناقلا من كلام عمر بن نافع أنه قال القزع إذا حلق الصبي وترك ههنا شعرة وههنا وههنا الثاني وهو قوله فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه من كلام عبيد الله نفسه وفي التركيب قلاقة فلهذا قال الكرماني فإن قلت ما حاصل هذا الكلام قلت حاصله أن عبيد الله قال قلت لشيخي عمر بن نافع ما معنى القزع فقال إنه إذا حلق رأس الصبي يترك ههنا شعر وههنا شعر فأشار عبيد الله إلى ناصيته وطرفي رأسه يعني فسر لفظ ههنا الأول بالناصية ولفظتيه الثانية والثالثة بجانبيها قوله قيل لعبيد الله لم يدر القائل من هو ويحتمل أن يكون ابن جريج الراوي عنه قوله فالجارية والغلام يعني قيل لعبيد الله فالجارية والغلام في ذلك سواء قال لا أدري ذلك هكذا قال الصبي يعني لكن الذي قاله هو لفظ الصبي قال الكرماني ولا شك أنه ظاهر في الغلام ويحتمل أن يقال أنه فعيل يستوي فيه المذكرة والمؤنث أو هو للذات الذي له الصبا قوله وعاودته أي عمر بن نافع فقال أما القصة أي أما حلق القصة وشعر القفا للغلام خاصة فلا بأس بهما ولكن القزع غير ذلك وبينه بقوله أن يترك بناصيته شعر إلى آخره والقصة بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وقال ابن التين هي بفتح القاف وقيل الضم هو الصواب والمراد به هنا شعر الصدغين والمراد بالقفا شعر القفا وهو مقصور يكتب بالألف وربما مد فإن قلت ما الحكمة في النهي عن القزع قلت تشويه الخلقة وقيل زي اليهود وقيل زي أهل الشر والدعارة وقال النووي في شرح مسلم أجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها وهي كراهة تنزيه وقال الغزالي في الأحياء لا بأس بحلق جميع الرأس لمن أراد التنظيف ولا بأس بتركه لمن أراد أن يدهن ويترجل وادعى ابن عبد البر الإجماع على إباحة حلق الجميع وهو رواية عن أحمد وروى عنه أنه مكروه لما روى عنه أنه من وصف الخوارج -
5921 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك ) حدثنا ( عبد الله بن دينار عنب ابن عمر ) أن رسول الله نهى عن القزع ( انظر الحديث 5920 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن المثنى ضد المفرد والحديث من أفراده
73 -
( باب تطييب المرأة زوجها بيديها )
أي هذا باب في بيان تطييب المرأةإلى آخره ووجه إيراد هذا الباب هنا لأنه نوع من الزينة الحاصلة من اللباس
5922 - حدثني ( أحمد بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يحيى بن سعيد ) أخبرنا عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت طيبت النبي بيدي لحرمه وطيبته بمنى قبل أن يفيض

(22/58)


مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن محمد السمسار المروزي وعبد الله هو ابن المبارك ويحيى بن سعيد الأنصاري و ( عبد الرحمن بن القاسم ) يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن ( عائشة ) أم المؤمنين
والحديث أخرجه النسائي في اللباس عن الحسين بن منصور وغيره
قوله بيدي بفتح الدال وتشديد الياء يعني اليدين الثنتين ويروى بيدي بكسر الدال وتخفيف الياء وأرادت به يدها الواحدة قوله لحرمه بضم الحاء المهملة وسكون الراء وهو الإحرام قاله ابن فارس والجوهري والهروي وقال ابن التين الذي قرأناه لحرمه بالكسر قال صاحب ( التوضيح ) واللغة على الضم قيل كيف جاز ذلك وهو في الإحرام وأجيب بأن مرادها قبل طواف الزيادة أي قبل أن يفيض إلى الطواف وهو عند التحلل الأول وهو بعد الرمي يوم النحر والحلق وتحل به جميع المحرمات إلا الجماع وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وعند التحلل الأول قوله قبل أن يفيض بضم الياء من الإفاضة
75 -
( باب الامتشاط )
أي هذا باب في بيان استحباب الامتشاط وهو على وزن افتعال من المشط بفتح الميم وهو تسريح الشعر بالمشط ووجه دخول هذا الباب في كتاب اللباس ظاهر وهو الاشتراك في نوع من الزينة
5924 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( سهل بن سعد ) أن رجلا اطلع من جحر في دار النبي والنبي يحك رأسه بالمدرى فقال لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك إنما جعل الإذن من قبل الأبصار (

(22/59)


مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث أن المدري هو المشط عند البعض على ما نذكره الآن وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن علي بن عبد الله وفي الديات عن قتيبة وأخرجه مسلم في الاستئذان عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن يحيى وأخرجه النسائي في الديات عن قتيبة به
قوله أن رجلا قيل هو الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان وقيل سعد غير منسوب قوله اطلع بتشديد الطاء قوله من جحر بضم الجيم وسكون الحاء الثقبة قوله والنبي الواو فيه للحال قوله بالمدرى بكسر الميم وسكون الدال المهملة وبالراء مقصورا قال ابن بطال المدرى بالكسر عند العرب المشط قال امرىء القيس
( يظل المدارى في مثنى ومرسل )
يريدها أنثى من شعرها وانعطف وما استرسل يصف امرأة بكثرة الشعر وذكر أبو حاتم عن الأصمعي وأبي عبيد وقال المداري الأمشاط وفي ( شرح ابن كيسان ) المدرى العود الذي ترجله المرأة في شعرها لتضم بعضه إلى بعض ومن عادة العرب أن تكون بيده مدرى يحلل بها شعر رأسه ولحيته أو يحك بها جسده وقيل إنها عود لها رأس محدودب وقيل بل هي حديدة يسرح بها الشعر وقيل شبه المشط وقال الجوهري هي شيء كالمسلة تصلح بها الماشطة قرون النساء ويقال مدرت المرأة أي شرحت شعرها وقال الداودي المدرى المشط له الأسنان اليسيرة قوله لو علمت أنك تنظر بصيغة الخطاب للرجل المطلع وهذا هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره تنتظر من الانتظار والأول أولى وفي رواية الإسماعيلي لو علمت أنك تطلع علي قوله من قبل الأبصار بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي من جهة الأبصار والأبصار بفتح أوله جمع بصر وبكسره مصدر من أبصر إبصارا وفي رواية الإسماعيلي من أجل البصر بفتحتين
76 -
( باب ترجيل الحائض زوجها )
أي هذا باب في بيان ترجيل الحائض أي تسريحها شعر زوجها وجه ذكره هنا مثل ما ذكرناه في الباب السابق
5925 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كنت أرجل رأس رسول الله وأنا حائض
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى بعين هذا الإسناد والمتن في كتاب الحيض في باب غسل الحائض زوجها وترجيله وليس في تكرار هذا مزيد فائدة
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة مثله
هذا طريق آخر أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة مثل الحديث المذكور
77 -
( باب الترجيل والتيمن )
أي هذا باب في بيان استحباب الترجيل وهو تسريح شعر اللحية والرأس ودهنه واستحباب التيمن في كل شيء وهو الأخذ بالميامن وفي بعض النسخ باب الترجل من باب التفعل والأول من باب التفعيل وفي التفعل من المبالغة ما ليس في التفعيل والترجل لنفسه والترجيل لغيره ووجه ذكر هذا الباب هنا ما ذكرناه في الأبواب الماضية
5926 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أشعث بن سليم ) عن أبيه عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) عن النبي أنه كان يعجبه التيمن ما استطاع في ترجله ووضوئه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأشعث بالثاء المثلثة يروي عن أبيه سليم بضم السين ابن الأسود المحاربي الكوفي يروي عن مسروق بن الأجدع
والحديث مضى في كتاب الوضوء في باب التيمن في الوضوء والغسل ومضى الكلام فيه قوله ووضوئه بضم الواو
78 -
( باب ما يذكر في المسك )

(22/60)


أي هذا باب في بيان ما يذكر في المسك ووجه ذكر هذا الباب هنا مثل ما ذكرناه
5927 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
مطابقته للترجمة في قوله ريح المسك ومحمد بن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وهشام بن يوسف الصنعاني يروي عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
والحديث مضى في كتاب الصوم من حديث الأعرج عن أبي هريرة بأتم منه ومن طريق أبي صالح الزيات عنه بأطول منه في أوائل الصوم
قوله فإنه لي وأنا أجزي به ظاهر سياقه أنه من كلام النبي وليس كذلك إنما هو من كلام الله عز و جل وهو من رواية النبي عن ربه عز و جل كذلك أخرجه البخاري في التوحيد من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة أن النبي قال يرويه عن ربكم عز و جل قال لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به الحديث وهو من جملة الأحاديث القدسية قيل كل العبادات لله تعالى فما معنى الإضافة له وأجيب بأنه لم يعبد به غيره عز و جل إذ لم يعظم الكفار معبودهم في وقت من الأوقات بالصيام له وقيل لأنه عمل سري لا يدخل الرياء فيه وقيل هو المجازي لكل الأعمال وأجيب بأن الغرض بيان كثرة الثواب إذ عظمة المعطى دليل على عظمة المعطي قوله ولخلوف بضم الخاء على المشهور وهو تغير رائحة الفم قوله أطيب قيل الأطيبية لا تتصور بالنسبة إلى الله تعالى إذ هو منزه عن أمثاله وأجيب بأن الطيب مستلزم للقبول أي خلوفه أقبل عند الله من قبول ريح المسك عندكم أو وهو على سبيل الفرض أي لو تصور الطيب عنده لكان الخلوف أطيب أو المضاف محذوف أي عند ملائكة الله وله أجوبة أخرى مضى منها شيء في كتاب الصيام
79 -
( باب ما يستحب من الطيب )
أي هذا باب في بيان ما يستحب استعماله من الطيب أي ما يوجد من الطيب ولا يستعمل الأدنى مع وجود الأعلى إلا عند الضرورة
5928 - حدثنا ( موسى ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( هشام ) عن ( عثمان بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كنت أطيب النبي عند إحرامه بأطيب ما أجد
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بأطيب ما أجد وموسى هو ابن إسماعيل ووهيب هو ابن خالد وهشام هو ابن عروة يروي عن أخيه عثمان بن عروة
والحديث أخرجه مسلم في الحج عن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور وغيره
قوله بأطيب ما أجد أي أطيب كل طيب أجده من أي نوع كان ولا شك أن المسك أطيب الطيب وفي رواية أبي أسامة بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم وقد روى مالك من حديث أبي سعيد رفعه قال إن المسك أطيب الطيب وكذا رواه مسلم
80 -
( باب من لم يرد الطيب )
أي هذا باب في ذكر من لم يرد الطيب وكأنه يريد بذلك أن النهي عن رده ليس على التحريم
140 - ( حدثنا أبو نعيم حدثنا عزرة بن ثابت الأنصاري قال حدثني ثمامة بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه أنه كان لا يرد الطيب وزعم أن النبي كان لا يرد الطيب )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وعزرة بضم العين المهملة وسكون الزاي وبالراء ابن ثابت بالثاء المثلثة الأنصاري وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم الأولى ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة

(22/61)


يروي عن جده أنس رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في الهبة عن أبي معمر عبد الله بن عمر قوله وزعم أي قال قوله ولا يرد الطيب أي الذي أهدى إليه وأخرج البزار عن أنس ما عرض على النبي طيب قط فرده وإسناده حسن وأخرج أبو داود والنسائي من رواية الأعرج عن أبي هريرة رفعه من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل وأخرجه ابن حبان وصححه وأخرجه مسلم أيضا ولكن وقع عنده ريحان بدل طيب والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة -
81 -
( باب الذريرة )
أي هذا باب يذكر فيه الذريرة بفتح الذال المعجمة وكسر الراء الأولى قال الكرماني أي المسحوقة وقال النووي هي فتات قصب يجاء به من الهند وقال الداودي تجمع مفرداته ثم تسحق وتنخل ثم تذر في الشعر والطوق فلذلك سميت ذريرة وقال بعضهم وعلى هذا فكل طيب مركب ذريرة لكن الذريرة السحق والنخل وقوله كل طيب مركب أعم من أن يكون مسحوقا أو منخولا أو غير مسحوق وغير منخول
5930 - حدثنا ( عثمان بن الهيثم ) أو ( محمد ) عنه عن ( ابن جريج ) أخبرني ( عمر بن عبد الله بن عروة ) سمع ( عروة والقاسم يخبران ) عن ( عائشة ) قالت طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان بن الهيثم المؤذن البصري مات سنة عشرين ومائتين ومحمد هو ابن يحيى الذهلي قاله الغساني وابن جريج هو ابن عبد الملك وقد مر عن قريب وعمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير المدني ذكره ابن حبان في أتباع التابعين من الثقات وهو قليل الحديث ماله في البخاري إلا هذا الحديث وعروة هو ابن الزبير بن العوام والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في الحج عن محمد بن حاتم وعبد بن حميد كلاهما عن محمد بن بكر عن ابن جريجالخ
قوله ومحمد عنه أي أو حدثني محمد عن عثمان قال الكرماني شك البخاري في الرواية عن عثمان أنه بالواسطة أو بدونها ولا انقداح بهذا الشك قلت لأن عثمان شيخه أخرج عنه في مواضع بلا واسطة قوله يخبران في محل النصب على الحال قوله بيدي بفتح الدال وتشديد الياء قوله للحل أي حين تحلل من الإحرام قوله والإحرام أي حين أراد أن يحرم بالنسك
82 -
( باب المتفلجات للحسنن )
أي هذا باب في بيان ذم النساء المتفلجات للحسن أي لأجل الحسن وهي جمع متفلجة قال بعضهم وهي التي تطلب الفلج أو تصنعه والفلج بالفاء واللام والجيم انفراج ما بين الأسنان قلت باب التفعل ليس فيه معنى الطلب وإنما معناه التكلف والمبالغة فيه والمعنى هنا المتفلجة هي التي تتكلف بأن تفرق بين الأسنان لأجل الحسن ولا يتيسر ذلك إلا بالمبرد ونحوه ولا يفعل ذلك إلا في الثنايا والرباعيات ولقد لعن الشارع من صنعت ذلك من النساء لأن فيه تغيير الخلقة الأصلية
5931 - حدثنا ( عثمان ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( عبد الله ) لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى مالي لا ألعن من لعن النبي وهو في كتاب الله وما آتاكم الرسول فخذوه
مطابقته للترجمة ظاهرة وعثمان هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة بن قيس وكل هؤلاء كوفيون وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه
والحديث مضى في التفسير في سورة الحشر عن محمد بن يوسف مطولا وعلي بن عبد الله
قوله لعن الله الواشمات أي النساء الواشمات وهو جمع

(22/62)


واشمة من الوشم بالشين المعجمة وهو غرز الإبرة في اليد ونحوها ثم ذر النيلة عليه وقال الخطابي كانت المرأة تغرز معصمها بإبرة أو مسلة حتى تدميه ثم تحشوه بالكحل فيخضر تفعل ذلك دارات ونقوشا يقال منه وشمت المرأة تشم فهي واشمة قوله والمستوشمات جمع مستوشمة وهي التي تسأل وتطلب أن يفعل ذلك بها وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن منصور بلفظ المستوشمات وهو بكسر الشين التي تفعل ذلك وبفتحها التي تطلب ذلك وفي رواية مسلم من طريق منصور والموشومات وهي من يفعل بها الوشم وقال أبو داود في ( السنن ) الواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها انتهى وذكر الوجه للغالب وأكثر ما يكون في الشفة قوله والمتنمصات جمع متنمصة من التنمص وهو نتف الشعر من الوجه ومنه قيل للمنقاص المنماس والنامصة هي التي تنتف الشعر بالمنماص قوله والمتنمصة هي التي يفعل ذلك بها وقد مر الآن تفسير المتفلجات قوله للحسن اللام فيه للتعليل احترازا عما لو كان للمعالجة ومثلها وهو يتعلق بالأخير ويحتمل أن يكون متنازعا فيه بين الأفعال المذكورة كلها قوله المغيرات خلق الله تعالى كالتعليل لوجوب اللعن قوله مالي استفهام أو نفي قاله الكرماني وفي قوله أو نفي نظر قوله هو أي اللعن في كتاب الله أي موجود فيه وهو قوله عز و جل وما آتاكم الرسول فخذوه ( الحشر7 ) فمعناه إلعنوا من لعنه رسول الله وأخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم شيخي البخاري فيه أتم سياقا منه فقال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته يعني أتت عبد الله بن مسعود فقالت ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشماتإلى آخره فقال عبد الله ومالي لا ألعنالحديث وأم يعقوب لم يدر إسمها ومراجعتها عبد الله بن مسعود تدل على أن لها إدراكا ولكن لم يذكرها أحد في الصحابيات
83 -
( باب الوصل في الشعر )
أي هذا باب في بيان ذم وصل الشعر يعني الزيادة فيه بشعر آخر
5932 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( حميد بن عبد الرحمان بن عوف ) أنه سمع ( معاوية بن أبي سفيان ) عام حج وهو على المنبر وهو يقول وتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي أين علماؤكم سمعت رسول الله ينهاى عن مثل هاذه ويقول إنما هلكت بنوا إسرائيل حين اتخذ هاذه نساؤهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله حين اتخذ هذه نساؤهم أراد به وصل الشعر
وإسماعيل بن أبي أويس
والحديث مضى في آخر ذكر بني إسرائيل فإنه أخرجه هناك حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب قال قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها فخطب فأخرج كبة من شعر فقال ما كنت أرى أن أحدا يفعل هذا غير اليهود وأن النبي سماه الزور يعني الوصال بالشعر وأخرجه بقية الجماعة غير ابن ماجه وقد ذكر في كل واحد منها ما لم يذكره في الآخر فالحديث واحد والمخرج مختلف
قوله قصة من شعر بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الكبة من الشعر كما ذكر فيه قوله حرسي بفتح الحاء المهملة والراء وبالسين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف قال الكرماني أي الجندي وقال الجوهري الحرس هم الذين يحرسون السلطان والواحد حرسي لأنه قد صار إسم جنس فنسب إليه قوله أين علماؤكم السؤال للإنكار عليهم بإهمالهم إنكار مثل هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره وقال بعضهم فيه إشارة إلى قلة العلماء يومئذ بالمدينة قلت فيه بعد يستبعده من له اطلاع في التاريخ وكانت المدينة دار العلم ومعدن الشريعة وإليها يهرع الناس في أمر دينهم فإن قلت إذا كان الأمر كذلك كيف لم يغير أهلها هذا المنكر قلت لا يخلو زمان من ارتكاب المعاصي وقد كان في وقت رسول الله من شرب الخمر وسرق وزنى إلا أنه كان شاذا نادرا فلا يحل لمسلم أن يقول إنه لم يغير المنكر فكذلك أمر القصة بالمدينة كان شاذا ولا يجوز أن يقال إن أهلها جهلوا النهي عنها لأن حديث لعن الواصلة

(22/63)


حديث مدني معروف عندهم مستفيض قوله عن مثل هذه وأشار به إلى قصة الشعر التي تناولها من يد حرسي وبمثلها كانت النساء يوصلن شعورهن قوله إنما هلكت بنو إسرائيلإلى آخره إشارة إلى أن الوصل كان محرما على بني إسرائيل فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه قوله حين اتخذ هذه إشارة أيضا إلى القصة المذكورة وأراد به الوصل وقال بعضهم هذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعرا أو لا ويؤيده حديث جابر رضي الله عنه زجر رسول الله أن تصل المرأة بشعرها شيئا أخرجه مسلم قلت هذا الذي قاله غير مستقيم لأن الحديث الذي أشار به إليه الذي هو حديث معاوية لا يدل على المنع مطلقا لأنه مقيد بوصل الشعر بالشعر فكيف يجعله حجة للجمهور نعم حجة الجمهور حديث جابر فكيف يؤيد المطلق المقيد ونقل أبو عبيد عن كثير من الفقهاء أن المنع في ذلك وصل الشعر بالشعر وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي وبه قال الليث وقال الطبري اختلف العلماء في معنى نهيه عن الوصل في الشعر فقال بعضهم لا بأس عليها في وصلها شعرها بما وصلت به من صوف وخرقة وغير ذلك روي ذلك عن ابن عباس وأم سلمة أم المؤمنين وعائشة رضي الله عنهم وسأل ابن أشوع عائشة ألعن رسول الله الواصلة قالت أيا سبحان الله وما بأس بالمرأة الزعراء أن تأخذ شيئا من صوف فتصل به شعرها فتتزين به عند زوجها إنما لعن المرأة الشابة تبغي في شبيبتها
قالوا هذا الحديث باطل ورواته لا يعرفون وابن أشوع لم يدرك عائشة والزعراء بفتح الزاي وسكون العين المهملة وتخفيف الراء ممدودا وهي التي لا شعر لها وقال قوم لا يجوز الوصل مطلقا ولكن لا بأس أن تضع المرأة الشعر وغيره على رأسها وضعا ما لم تصله روي ذلك عن إبراهيم
5933 - وقال ( ابن شيبة ) حدثنا ( يونس بن محمد ) حدثنا ( فليح ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة
ابن أبي شيبة هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العباسي الكوفي أخو عثمان الكوفي والقاسم روى عنه البخاري ومسلم وروى هنا عنه معلقا ويونس بن محمد أبو محمد المؤدب البغدادي وفليح بضم الفاء وبالحاء المهملة ابن سليمان وكان اسمه عبد الملك وفليح لقبه فغلب على اسمه واشتهر به وزيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وعطاء بن يسار ضد اليمين
ووصل هذا المعلق أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق ابن أبي شيبة
5934 - حدثني ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) قال سمعت ( الحسن بن مسلم بن يناق ) يحدث عن ( صفية بنت شيبة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمعط شعرها فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي فقال لعن الله الواصلة والمستوصلة ( انظر الحديث 5205 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحسن بن مسلم بن يناق بفتح الياء آخر الحروف وتشديد النون وآخره قاف كأنه إسم أعجمي وقال بعضهم يحتمل أن يكون إسم فعال من الأنبق وهو الشيء الحسن المعجب فسهلت همزته ياء قلت فيه بعد عظيم وهذا تصرف من ليس له يد في علم الصرف والحسن المذكور تابعي صغير من أهل مكة ثقة عندهم وكان كثير الرواية عن طاووس ومات قبله وصفية بنت شيبة بن عثمان القرشي الحجي
والحديث قد مضى في النكاح في باب لا تطيع المرأة

(22/64)


زوجها في معصية فإنه أخرجه هناك عن خلاد بن يحيى ومضى الكلام فيه
قوله فتمعط أي تناثر وتساقط شعرها من داء ونحوه قوله أن يصلوها أي يصلوا شعرها
تابعه ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن الحسن عن صفية عن عائشة
ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق وأبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالنون ابن صالح بن عمير القرشي والحسن هو ابن مسلم المذكور وصفية هي بنت شيبة المذكورة
5935 - حدثني ( أحمد بن المقدام ) حدثنا ( فضيل بن سليمان ) حدثنا منصور بن عبد الرحمان قال حدثتني أمي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمرق رأسها وزوجها يستحثني بها أفأصل رأسها فسب رسول الله الواصلة والمستوصلة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن المقدام بكسر الميم وإسكان القاف وبالدال المهملة ابن سليمان أبو الأشعث العجلي البصري وفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة ابن سليمان النميري البصري في حفظه شيء لكن قد تابعه وهيب بن خالد عن منصور عند مسلم وأبو معشر البراء عند الطبراني و ( منصور بن عبد الرحمن ) التيمي يروي عن أمه صفية بنت شيبة الحجيبة
والحديث أخرجه مسلم عن زهير بن حرب
قوله شكوى أي مرض قوله فتمرق بالراء من المروق وهو خروج الشعر من موضعه أو من المرق وهو نتف الصوف هكذا بالراء في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني والحموي فتمزق بالزاي وهو رواية مسلم أيضا وقال ابن التين فانمرق قال وبالزاي قرأناه قال وروي فامرق على صيغة المجهول ولا أعرف وجهه واقتصر ابن بطال على الزاي قوله يستحثني من أحثه على الشيء واستحثه أي حضه عليه قوله فسب بالسين المهملة وتشديد الباء الموحدة أي لعن كما في الرواية الأخرى
5936 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( هشام بن عروة ) عن ( امرأته فاطمة ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) قالت لعن النبي الواصلة والمستوصلة ( انظر الحديث 5935 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث أسماء أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن هشام بن عروة بن الزبير عن امرأته فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام الأسديةإلى آخره
5937 - حدثني ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة
قال نافع الوشم في اللثة
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي وعبيد الله بن عمر العمري
والحديث أخرجه الترمذي في اللباس أيضا عن سويد بن نصر وقال حسن صحيح
قوله في اللثة بكسر اللام وتخفيف الثاء المثلثة وهي ما حول الأسنان من اللحم ولم يرد نافع الحصر بل مراده أنه يقع فيها
5938 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( عمرو بن مرة ) سمعت ( سعيد بن المسيب ) قال قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبة من شعر قال ما كنت أراى أحدا يفعل هذا غير اليهود إن النبي سماه الزور يعني الواصلة في الشعر

(22/65)


حديث معاوية هذا مضى في أول الباب وفيه من الزيادة ما ليس في ذاك
قوله الزور قال ابن الأثير الزور الكذب والباطل والتهمة ومنه سمي شاهد الزور وسمى النبي الوصل زورا لأنه كذب وتغيير خلق الله تعالى وفي ( صحيح مسلم ) نهى عن الزور وفي آخره إلا وهذا الزور قال قتادة يعني ما تكثر به النساء شعورهن من الخرق
84 -
( باب المتنمصات )
أي هذا باب في بيان ذم النساء المتنمصات وهو جمع متنمصة وقال بعضهم المتنمصة التي تطلب النماص قلت ليس كذلك بل معناه التي تتكلف النماص وهو إزالة شعر الوجه وقد مضى الكلام فيه عن قريب وحكى ابن الجوزي المتنمصة بتقديم الميم على النون وهو مقلوب
5939 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب ما هاذا قال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله قالت والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه ( 95 ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( الحشر7 )
مطابقته للترجمة في قوله والمتنمصات وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي وعبد الله بن مسعود
والحديث مضى في أول باب المتفلجات للحسن ومضى الكلام فيه هناك مع بيان أم يعقوب
قوله ما بين اللوحين أي الدفتين أو الذي يسمى بالرحل ويوضع عليه المصحف وهو كناية عن القرآن قوله لئن قرأتيه بياء حاصلة من إشباع الكسرة ومر في سورة الحشر
85 -
( باب الموصولة )
أي هذا باب في بيان ذم المرأة الموصولة
5940 - حدثني ( محمد ) حدثنا ( عبدة الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال لعن النبي الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة
مطابقته للترجمة في قوله المستوصلة وهي الموصولة ومحمد هو ابن سلام وعبدة هو ابن سليمان وعبيد الله هو ابن عمر العمري وقد مر الكلام فيه
5942 - حدثني يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين حدثنا صخر بن جويرية عن نافع

(22/66)


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي أو قال النبي الواشمة والموتشمة والواصلة والمستوصلة يعني لعن النبي
مطابقته للترجمة في قوله والمستوصلة لأنها الموصولة و ( يوسف بن موسى ) بن راشد بن بلال القطان الكوفي سكن بغداد ومات بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين و ( الفضل بن دكين ) بضم الدال المهملة وفتح الكاف كذا في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي كذلك وفي رواية المستملي الفضل بن زهير وفي راية بعض رواة الفربري الفضل بن دكين أو الفضل بن زهير بالتردد ومرة جزم بالفضل بن زهير قال أبو علي الغساني هو الفضل بن دكين بن حماد بن زهير فنسب مرة إلى جد أبيه وهو أبو نعيم شيخ البخاري وقد حدث عنه بالكثير بغير واسطة وحدث هنا وفي مواضع أخرى بالواسطة
والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن محمد بن عبد الله بن بزيع
قوله قال سمعت النبي أو قال النبي شك من الراوي هل قال ( عبد الله بن عمر ) سمعت النبي أو قال قال النبي قوله الواشمة الألفاظ الثلاثة وبعدها مقول القول لأنه عد هذه الأربعة في معرض اللعن ولم يصرح به وأوضحه ابن عمر بقوله يعني لعن النبي وفي بعض الروايات قال ابن عمر سمعت النبي لعن الواشمة وما بعدها وعلى تقدير الرواية قال النبي لعن الله الواشمةإلى آخره فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى ذكر شيء ولم يتعرض أحد من الشراح إلى حل هذا الموضع غير أن بعضهم قال في قوله لعن النبي لم يتجه لي هذا التفسير إلا إن كان المراد لعن الله على لسان نبيه أو لعن النبي للعن الله تعالى قلت ما أبعد ما قاله ولم يتجه له هذا كما قاله قوله والمستوصلة وفي رواية النسائي المؤتصلة
5943 - حدثني ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) عن ( ابن مسعود ) رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله وهو في كتاب الله
حديث ابن مسعود هذا قد مضى في أول الباب غير أنه هناك أخرجه عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن منصور عن إبراهيم وهنا عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم وفي المتن زيادة ونقصان وقد مر تفسيره هناك
86 -
( باب الواشمة )
أي هذا باب في بيان ذم المرأة الواشمة وهي التي تشم
5944 - حدثني يحياى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله العين حق ونهاى عن الوشم ( انظر الحديث 5740 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله عن الوشم لأن الوشم لا يحصل إلا بالواشمة و ( يحيى ) إما ابن يونس وإما ابن جعفر و ( معمر ) بفتح الميمين ابن راشد و ( همام ) بتشديد الميم الأولى ابن منبه
والحديث مضى في الطب عن إسحاق بن نصر
قوله العين حق أي الإصابة بالعين حق لها تأثير
حدثني ابن بشار حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان قال ذكرت لعبد الرحمان بن عابس حديث منصور عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله فقال سمعته من أم يعقوب عن عبد الله مثل حديث منصور
قد مضى هذا الحديث في باب المتنمصات وابن بشار هو محمد بن بشار بتشديد الشين المعجمة وابن مهدي هو عبد الرحمن بن عابس قد ذكر عن قريب والباقي ظاهر

(22/67)


5945 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عون بن أبي جحيفة ) قال ( رأيت أبي ) فقال إن النبي نهاى عن ثمن الدم وثمن الكلب وآكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة
مطابقته للترجمة ظاهرة واسم أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي
والحديث مضى في البيوع عن أبي الوليد وفي الطلاق عن آدم
قوله عن ثمن الدم لأنه نجس أو هو محمول على أجرة الحجام وثمن الكلب سواء كان معلما أو لا جاز اقتناؤه أم لا قاله الكرماني قلت فيه خلاف ذكرناه في البيوع قوله وموكله أي المعطي لأنه شريك في الإثم كما أنه شريك في الفعل
87 -
( باب المستوشمة )
أي هذا باب في بيان ذم المرأة المستوشمة أي طالبة الوشم
5946 - حدثنا ( زهير بن حرب ) حدثنا ( جرير ) عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) قال أتي عمر بامرأة تشم فقام فقال أنشدكم بالله من سمع من النبي في الوشم فقال أبو هريرة فقمت فقلت يا أمير المؤمنين أنا سمعت قال ما سمعت قال سمعت النبي يقول لا تشمن ولا تستوشمن
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولا تستوشمن وجرير هو ابن عبد الحميد وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع ابن شبرمة وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير
قوله تشم من وشم وشما وهو غرز الإبرة في اليد ونحوها وذر الكحل ونحوه فيها قوله أنشدكم بفتح الهمزة وضم الشين تقول أنشدتك أي سألتك بالله كأنك ذكرته إياه قوله لا تشمن بفتح أوله وكسر الشين المعجمة وسكون الميم وبنون الخطاب للجمع المؤنث قوله ولا تستوشمن أي لا تطلبن الوشم وفائدة ذكر أبي هريرة قصة عمر رضي الله عنه إظهار ضبطه وأنه كان عمر يستثبته في الأحاديث مع تشدد عمر رضي الله عنه ولو أنكر عليه عمر ذلك لنقل
5947 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى بن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر قال لعن النبي الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة
مطابقته للترجمة في آخر الحديث و ( يحيى بن سعيد ) القطان و ( عبيد الله ) بن عمر العمري والحديث قد تقدم
5948 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا عبد الرحمان عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله
مطابقته للترجمة في قوله المستوشمات و ( عبد الرحمن ) هو ابن مهدي و ( سفيان ) هو الثوري والبقية قد ذكرت عن قريب والحديث أيضا قد تقدم
88 -
( باب التصاوير )
أي هذا باب في بيان حكم التصاوير من جهة استعمالها واتخاذها وهو جمع تصوير بمعنى الصورة وصورة الشيء حقيقته وهيئته ووجه ذكر هذا الباب والأبواب التسعة التي بعده في كتاب اللباس هو أن الغرض من اللباس الزينة قال تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد ( الأعراف31 ) أي عند كل صلاة والصورة تتخذ للزينة لا سيما إذا كانت في اللباس والأبواب التسعة التي بعده كلها من تعلقات الصورة
5949 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن

(22/68)


عتبة ) عن ( ابن عباس ) عن ( أبي طلحة رضي الله عنهم ) قال قال النبي لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير
مطابقته للترجمة في قوله ولا تصاوير وآدم هو ابن أبي إياس يروي عن محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب بكسر الذال المعجمة واسمه هشام بن سعيد وأبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري وهو رواية الصحابي عن الصحابي
وأخرجه البخاري أيضا فيما مضى في بدء الخلق عن محمد بن مقاتل وفي المغازي عن إبراهيم بن موسى وغيره وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى ومضى الكلام فيه
قوله الملائكة ظاهره العموم ولكن استثنى الحفظة لأنهم لا يفارقون الشخص بكل حال وبذلك جزم ابن وضاح والخطابي والداودي وآخرون وقالوا المراد بالملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي مثل جبريل وإسرافيل وأما الحفظة فإنهم يدخلون كل بيت ولا يفارقون الإنسان أصلا إلا عند الخلاء والجماع كما جاء في حديث فيه ضعف وقيل المراد ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار قوله بيتا المراد به المكان الذي يستقر به الشخص سواء كان بيتا أو خيمة أو غير ذلك قوله فيه كلب الظاهر فيه العموم ومال إليه القرطبي والنووي وقال الخطابي يستثنى منه الكلاب التي أذن في اتخاذها نحو كلاب الصيد والماشية والزرع واختلفوا في وجه امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الكلب فقيل لكونه بخس العين وقيل لكونه من الشياطين وقيل لأجل النجاسة التي تتعلق به فإنه يكثر أكل النجاسة وتتلطخ به قلت كل هذا لا يجدي لأن الخنزير أشد نجاسة منه للنص الوارد فيه ولا يخلو بيت من الشياطين والسنور أيضا يكثر أكل النجاسة ومع هذا لم يرد امتناع الملائكة من الدخول في البيت الذي فيه هرة ولا خنزير وغيرهما إلا في البيت الذي فيه الكلب خاصة من دون سائر الحيوانات النجسة قوله ولا تصاوير وفي الرواية التي تقدمت في بدء الخلق ولا صورة بالإفراد وقال الخطابي المراد من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن بالوطء وأغرب ابن حبان فادعى أن هذا الحكم خاص بالنبي قال وهو نظير الحديث الآخر لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس قال فإنه محمول على رفقة فيها رسول الله إذ محال أن يخرج الحاج أو المعتمر لقصد بيت الله على رواحل لا تصحبها الملائكة وهم وفد الله عز و جل فإن قلت قال الله تعالى عند ذكر سليمان ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل قال مجاهد كانت صورا من نحاس أخرجه الطبراني وقال قتادة كانت من خشب ومن زجاج أخرجه عبد الرزاق قلت كان ذلك جائزا في تلك الشريعة وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصالحين منهم على هيئتهم في عبادتهم ليتعبدوا كعبادتهم ثم جاء شرعنا بالنهي عن ذلك
وقال الليث حدثني يونس عن شهاب أخبرني عبيد الله سمع ابن عباس سمعت أبا طلحة سمعت النبي
هذا التعليق وصله أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق أبي صالح كاتب الليث وفائدة هذا التعليق الإشارة إلى تصريح ابن شهاب وهو الزهري وتصريح شيخه بالتحديث وتصريح بالسماع عبيد الله عن ابن عباس وسماع ابن عباس عن ابن أبي طلحة وسماع أبي طلحة من النبي
89 -
( باب عذاب المصورين يوم القيامة )
أي هذا باب في بيان عذاب المصورين أي الذين يصنعون الصور يوم القيامة
161 - ( حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الأعمش عن مسلم قال كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته تماثيل فقال سمعت عبد الله قال سمعت النبي يقول إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون )

(22/69)


مطابقته للترجمة ظاهرة والحميدي مر عن قريب وسفيان هو ابن عيينة والأعمش هو سليمان ومسلم هو ابن الصبيح أبو الضحى وقال بعضهم وجوز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران البطين ثم قال أنه الظاهر وهو مردود فقد وقع في رواية مسلم في هذا الحديث من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى قلت لم يقل الكرماني هذا بل قال مسلم يحتمل أن يكون أبا الضحى وأن يكون البطين لأنهما يرويان عن مسروق والأعمش يروي عنهما والظاهر هو الثاني ولا قدح بهذا الاشتباه لأن كلا منهما بشرط البخاري والعجب من هذا القائل أنه ينقل غير صحيح ثم يستدل على صحة قوله بما وقع في رواية مسلم وهو استدلال مردود لأن رواية مسلم عن أبي الضحى لا تستلزم رواية البخاري عنه لوجود الاحتمال المذكور ومسروق هو ابن الأجدع ويسار ضد اليمين ابن نمير بالنون الذي سكن الكوفة وكان مولى عمر وخازنه وله رواية عن عمر وغيره وروى عنه أبو وائل وهو من أقرانه وأبو إسحق السبيعي وهو ثقة ولا يظهر له في البخاري غير هذا الموضع والحديث أخرجه مسلم في اللباس عن ابن عمر وآخرين وأخرجه النسائي في الزينة عن أحمد بن حرب وغيره قوله في صفته صفة الدار مشهورة قوله تماثيل جمع تمثال بكسر التاء وهو اسم من المثال يقال مثلت بالتخفيف والتثقيل إذا صورت مثالا وقيل لا فرق بين الصورة والتمثال والصحيح أن بينهما فرقا وهو أن الصورة تكون في الحيوان والتمثال يكون فيه وفي غيره وقيل التمثال ما له جرم وشخص والصورة ما كان رقما أو تزويقا في ثوب أو حائط قوله إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون هكذا وقع في مسند الحميدي عن سفيان يوم القيامة وروى أن أشد الناس عذابا عند الله ويحتمل أن الحميدي حدث به على الوجهين والذي حدث به الحميدي في مسنده هو المطابق للترجمة ومعنى قوله عند الله أي في حكم الله تعالى ووقع لمسلم في رواية من طريق أبي معاوية عن الأعمش أن من أشد أهل النار يوم القيامة عذابا المصورون كذا وقع عند بعض الرواة وعند الأكثرين المصورين ووجه بأن من زائدة واسم أن أشد ووجهها ابن مالك على حذف ضمير الشأن والتقدير أنه من أشد الناس الخ فإن قلت هنا أشكال وهو كون المصور أشد الناس عذابا مع قوله تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب فإنه يقتضي أن يكون المصور أشد عذابا من آل فرعون قلت أجاب الطبري بأن المراد هنا من يصور ما يعبد من دون الله تعالى وهو عارف بذلك قاصد له فإنه يكفر بذلك فلا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون وأما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصيا بتصويره فقط وفيه نظر وقال القرطبي أن الناس الذي أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل الناس بل بعضهم وهم الذين شاركوا في المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد الناس الذين ادعوا الآلهية عذابا ومن يقتدي به في ضلالة كفره أشد عذابا ممن يقتدي به في ضلالة فسقه ومن صور صورة ذات روح للعبادة أشد عذابا ممن يصورها لا للعبادة وقيل الرواية ثابتة بإثبات من وبحذفها محمولة عليها وإذا كان من يفعل التصوير من أشد الناس عذابا كان مشتركا مع غيره وليس في الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب بل هم في العذاب الأشد فكذلك غيرهم يجوز أن يكون في العذاب الأشد وقيل الوعيد بهذه الصيغة أن ورد في حق كافر فلا إشكال فيه لأنه يكون مشتركا في ذلك مع آل فرعون ويكون فيه دلالة على عظم كفر المذكور وإن كان ورد في حق عاص فيكون أشد عذابا من غيره من العصاة ويكون ذلك دالا على عظم المعصية المذكورة وفي التوضيح قال أصحابنا وغيرهم تصوير صورة الحيوان حرام أشد التحريم وهو من الكبائر وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فحرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله وسواء كان في ثوب أو بساط أو دينار أو درهم أو فلس أو إناء أو حائط وأما ما ليس فيه صورة حيوان كالشجر ونحوه فليس بحرام وسواء كان في هذا كله ما له ظل وما لا ظل له وبمعناه قال جماعة العلماء مالك والثوري وأبو حنيفة وغيرهم وقال القاضي إلا ما ورد في لعب البنات وكان مالك يكره شراء ذلك -
5951 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أنس بن عياض ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله ابن عمر ) رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله قال إن الذين يصنعون هاذه الصور يعذبون

(22/70)


يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ( انظر الحديث 5951 - طرفه في 7558 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله بن عمر العمري والحديث أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره
قوله أحيوا ما خلقتم أي اجعلوه حيوانا ذا روح وهذا الأمر يسمى أمر تعجيز ومعنى خلقتم قدرتم وصورتم
90 -
( باب نقض الصور )
أي هذا باب في بيان نقض الصور والنقض بفتح النون وسكون القاف وبالضاد المعجمة من نقض الشيء وهو تغيير هيئته بكسر ونحوه
5952 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) حدثنا ( هشام ) عن يحياى عن عمران بن حطان أن عائشة رضي الله عنها حدثته أن النبي لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه
مطابقته للترجمة ظاهرة ومعاذ بضم الميم وبالعين المهملة والذال المعجمة ابن فضالة بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي و ( يحيى ) هو ابن أبي كثير و ( عمران بن حطان ) بكسر المهملة الأولى وشدة الثانية وبالنون السدوسي
والحديث أخرجه أبو داود في اللباس عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في الزينة عن إسماعيل بن مسعود الجحدري
قوله يترك بالرفع وبالجزم بدلا مما قبله قوله فيه تصاليب قال الكرماني أي التصاوير كالصليب يقال ثوب مصلب أي عليه نقش كالصليب الذي للنصارى وقال بعضهم التصاليب جمع صليب كأنهم سموا ما كانت فيه صورة الصليب تصليبا تسمية بالمصدر قلت على ما ذكره يكون التصاليب جمع تصليب لا جمع صليب ووقع في رواية الكشميهني تصاوير بدل تصاليب قوله نقضه أي كسره وأبطله وغير صورته كذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبان الأقضية بالقاف والضاد المعجمة والباء الموحدة المفتوحات ورجحها بعض شراح ( المصابيح ) ورده الطيبي وقال رواة البخاري أضبط والاعتماد عليهم أولى
5953 - حدثنا ( موسى عبد الواحد ) حدثنا ( عمارة ) حدثنا ( أبو زرعة ) قال دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة فرأى أعلاها مصورا يصور قال سمعت رسول الله يقول ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة ثم دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطيه فقلت يا أبا هريرة أشيء من رسول الله قال منتهى الحلية ( انظر الحديث الحديث 5953 - طرفه في 7559 )
ليس فيه تعرض إلى النقض ولم تبق المطابقة إلا في لفظ الصور فقط وموسى هو ابن إسماعيل وعبد الواحد هو ابن زياد وعمارة بالضم هو ابن القعقاع وأبو زرعة هوا بن عمرو بن جرير
قوله دارا بالمدينة هي لمروان بن الحكم وقع ذلك في رواية مسلم له دارا تبنى لسعيد أو لمروان بالشك وسعيد هو ابن العاص بن سعيد الأموي وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية بن أبي سفيان والرواية الجازمة أولى قوله مصورا أي شخصا مصورا وهو إسم فاعل من التصوير وانتصابه على أنه مفعول رأى قوله أعلاها أي أعلى الدار أراد سقفها قوله يصور على صيغة المعلوم من المضارع في محل النصب على الحال معناه يصنع الصور وقال الكرماني مصورا بلفظ المفعول وبصور بلفظ الجار والمجرور وقال بعضهم هو بعيد قلت لم يبين وجه بعده فلا بعد أصلا بل هو أقرب على ما لا يخفى قوله ومن أظلم ممن ذهب يخلق أي ولا أحد أظلم ممن قصد حال كونه يخلق أي يصنع ويقدر كخلقي وفيه حذف تقديره قال رسول الله قال الله تعالى ومن أظلمإلى آخره ونحوه في رواية ابن فضيل فإن قلت كيف التشبيه في قوله كخلقي قلت التشبيه لا عموم له يعني كخلقي في فعل الصورة لا من كل الوجوه قيل الكافر أظلم منه وأجيب بأن الذي يصور الصنم للعبادة هو كافر فهو هو أو يزيد

(22/71)


عذابه على سائر الكفار لزيادة قبح كفره قوله حبة أي حبة فيها طعم يؤكل وينتفع بها كالحنطة والذرة بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء النملة الصغيرة والغرض تعجيزهم تارة بخلق الجماد وأخرى بخلق الحيوان قوله ثم دعا أي أبو هريرة قوله بتور بفتح التاء المثناة من فوق وهو إناء كالطست قوله من ماء قال بعضهم أي فيه ماء قلت هذا ليس بصحيح بل الصحيح أن كلمة من هنا بمعنى الباء أي دعا بتور بماء وكلمة من تجيء بمعنى الباء كما كان في قوله تعالى ( ينظرون من طرف خفي ) ( الشورى45 ) قوله فغسل يديه غسل اليد كناية عن الوضوء لأن الوضوء مستلزم له قوله إبطية ويروى ابطه بالإفراد قوله فقلت يا أبا هريرة القائل أبو زرعة الراوي قوله أشيء مسمعته أي تبليغ الماء إلى الإبط شيء مسمعته من النبي فقال منتهى الحلية أي التبليغ إلى الإبط منتهى حلية المؤمن في الجنة وفي ( صحيح مسلم ) عن أبي هريرة رضي الله عنه تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وقال الطيبي ضمن يبلغ معنى يتمكن وعدى بمن أي يتمكن من المؤمن الحلية مبلغا بتمكنه الوضوء منه وقال أبو عبيد الحلية هنا التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء وقال غيره هو من قوله تعالى ( 81 ) يحلون فيها من أساور ( الكهف31 والحج23 وفاطر33 )
91 -
( باب ما وطىء من التصاوير )
أي هذا باب في بيان ما وطىء على صيغة المجهول أي ديس بالأقدام وامتهن من التصاوير
5954 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( عبد الرحمان بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل ) منه قال سمعت أبي قال سمعت ( عائشة ) رضي الله عنها قدم رسول الله من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله هتكه وقال أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله قالت فجعلناه وسادة أو سادتين
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وسادة لأنه يرتفق بها ويمتهن وتقدم في باب المظالم قالت فاتخذت منه نمرقتين النمرقة الوسادة التي يتكىء عليها
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
والحديث قد مضى في المظالم في باب هل تكسر الدنان ومضى الكلام فيه
قوله من سفر روى البيهقي أنه كان غزوة تبوك وروى أبو داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر على الشك قوله بقرام بكسر القاف وبالراء هو ستر فيه رقم ونقوش وقيل الستر الرقيق وقيل ثوب من صوف ملون يفرش في الهودج أو يغطى به قوله سهوة بفتح السين المهملة وسكون الهاء وبالواو وهي الصفة تكون بين يدي البيوت وقيل الكوة وقيل الرف والطاق وقيل هو بيت صغير منحدر في الأرض شبيه بالخزانة الصغيرة وقيل أربعة أعواد أو ثلاثة تعارض ببعض يوضع عليها شيء من الأمتعة وقيل إنه يبنى من حائط البيت حائط صغير ويجعل السقف على الجميع فما كان وسط البيت فهو السهوة وما كان داخله فهو مخدع وقيل دخلة في ناحية البيت قوله هتكه أي قطعه ونزعه وفي رواية تاتي فأمرني أن أنزعه فنزعته قوله يضاهون أي يشابهون بخلق الله قوله وسادة أي مخدة
5955 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( عبد الله بن داود ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) قالت قدم النبي من سفر وعلقت درنوكا فيه تماثيل فأمرني أن أنزعه فنزعته
وكنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد
هذا طريق آخر في حديث عائشة أخرجه عن مسدد عن عبد الله بن داود الهمداني الكوفي ثم البصري عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير
قوله درنوكا بضم الدال المهملة وسكون الراء وضم النون وبالكاف ويقال درموك بالميم بدل النون وهو ضرب من الستور له خمل وقيل نوع من البسط وقال الخطابي هو ثوب غليظ له خمل إذا فرش فهو بساط وإذا

(22/72)


علق فهو ستر
قوله وكنت أغتسلإلى آخره أورد هذا عقيب حديث التصوير وهو حديث مستقل قد أفرده في كتاب الطهارة ووجه ذكره عقيب حديث التصوير هو كأنه سمعه على هذا الوجه فأورد مثل ما سمعه وقال الكرماني لعل الدرنوك كان معلقا بباب المغتسل أو بحسب سؤال أو غير ذلك
92 -
( باب من كره القعود على الصور )
أي هذا باب في بيان من كره القعود على شيء عليه صورة ولو كان يداس ويمتهن
5957 - حدثني ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها ( أنها ) اشترت نمرقة فيها تصاوير فقام النبي بالباب فلم يدخل فقلت أتوب إلى الله مما أذنبت قال ما هاذه النمرقة قلت لتجلس عليها وتوسدها قال إن أصحاب هاذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة
مطابقته للترجمة من حيث إنه أنكر على عائشة حين قالت لتجلس عليها وتوسدها فدل ذلك على كراهة القعود على الصور وروي ذلك عن الليث بن سعد والحسن بن حيي وبعض الشافعية وقال الطحاوي ذهب ذاهبون إلى كراهة اتخاذ ما فيه الصور من الثياب وما كان يتوطأ من ذلك ويمتهن وما كان ملبوسا وكرهوا كونه في البيوت واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وبحديث أبي هريرة الذي مضى في الباب السابق
وجويرية في حديث الباب مصغر الجارية بالجيم ابن أسماء بن عبيد وهو من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث وكذلك أسماء
والحديث أخرجه مسلم حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية فقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت فقال رسول الله فما بال هذه النمرقة قالت اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدهاالحديث وفي لفظ له قالت فأخذته فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت
قوله النمرقة بضم النون والراء وبكسرهما وبضم النون وفتح الراء ثلاث لغات الوسادة الصغيرة قوله وتوسدها أصله تتوسدها فحذفت إحدى التاءين وقال الكرماني وتوسدها من التوسيد ويروى من التوسد وقد دل حديث الباب على أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة خلافا لمن استثنى النسج وادعى أنه ليس بتصوير وقال بعضهم وظاهر حديثي عائشة هذا والذي قبله التعارض لأن الذي قبله يدل على أنه استعمل الستر الذي فيه الصورة بعد أن قطع وعملت منه الوسادة وهذا يدل على أنه لم يستعمله أصلا قلت لا تعارض بينهما أصلا لأن هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا من حديث عائشة كما ذكرنا الآن وفيه فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت فهذا يدل على أنه استعمل ما عملت منها وهما المرفقتان غاية ما في الباب أن البخاري لم يرو هذه الزيادة والحديث حديث واحد وقد ذهل هذا القائل عن رواية مسلم فلذلك قال بالتعارض وادعى الداودي أن هذا الحديث ناسخ لجميع الأحاديث الدالة على الرخصة واحتج بأنه خبر والخبر لا يدخله النسخ فيكون هو الناسخ ورد عليه ابن التين بأن الخبر إذا قارنه الأمر جاز دخول النسخ فيه
5958 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( اليث ) عن ( بكير ) عن ( بسر بن سعيد ) عن ( زيد بن خالد ) عن ( أبي طلحة صاحب ) رسول الله قال إن رسول الله قال إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة قال بسر ثم اشتكى زيد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول فقال عبيد الله

(22/73)


ألم تسمعه حين قال إلا رقما في ثوب
هذا الحديث ليس فيه تعرض إلى ما في الترجمة وبكير مصغر بكر بن عبد الله بن الأشج بالمعجمتين وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبالراء ابن سعيد المدني وزيد بن خالد الجهني الصحابي وأبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري الصحابي المشهور
وفي السند تابعيان في نسق وصحابيان في نسق وكلهم مدنيون
والحديث أخرجه البخاري في بدء الخلق عن أحمد عن ابن وهب في باب ذكر الملائكة وأخرجه مسلم وأبو داود كلاهما عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم
قوله فيه صورة كذا في رواية كريمة وغيرها وفي رواية أبي ذر عن مشايخه إلا المستملي فيه صور بصيغة الجمع قوله قلت القائل هو بسر بن سعيد يقول لعبيد الله هو ابن الأسود ويقال ابن أسد ويقال له ربيب ميمونة لأنها كانت ربته وكان من مواليها ولم يكن ابن زوجها وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في الصلاة من روايته عن عثمان رضي الله عنه قوله يوم الأول من إضافة الموصوف إلى صفته والمراد به الوقت الماضي وفي رواية الكشميهني يوم أول قوله حين قال أي زيد بن خالد إلا رقما بفتح الراء وسكون القاف وفتحها النقش والكتابة وقال الخطابي المصور هو الذي يصور اشكال الحيوان والنقاش الذي ينقش أشكال الشجر ونحوها فإني أرجو أن لا يدخل في هذا الوعيد وإن كان جملة هذا الباب مكروها وداخلا فيما يشغل القلب بما لا يعني وقال الطحاوي يحتمل قوله إلا رقما في ثوب إنه أراد رقما يوطأ ويمتهن كالبسط والوسائد انتهى وقالوا كره رسول الله ما كان سترا ولم يكره ما يداس عليه ويوطأ وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة وقال عكرمة فيما يوطأ من الصور هوان لها وهذا أوسط المذاهب وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وإنما نهي الشارع أولا عن الصور كلها وإن كانت رقما لأنهم كانوا حديثي عهد بعبادة الصور فنهى عن ذلك جملة ثم لما تقرر نهيه عن ذلك أباح ما كان رقما في ثوب للضرورة إلى إيجاد الثياب فأباح ما يمتهن لأنه يؤمن على الجاهل تعظيم ما يمتهن وبقي النهي فيما لا يمتهن
وقال ابن وهب أخبرنا عمرو وهو ابن الحارث حدثه بكير حدثه بسر حدثه زيد حدثه أبو طلحة عن النبي
أي قال عبد الله حدثنا ابن وهب إلى آخره فذكره هنا معلقا ووصله في بدء الخلق
93 -
( باب كراهية الصلاة في التصاوير )
أي هذا باب في بيان كراهية الصلاة في البيت الذي فيه الثياب التي فيها التصاوير فإذا كرهت في مث هذا فكراهتها وهو لابسها أقوى وأشد
1959 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال لها النبي أميطي عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ( انظر الحديث 374 )
مطابقته للترجمة من حيث ما ذكرناه الآن وإذا قلنا إن كلمة في الترجمة بمعنى إلى تكون المطابقة حاصلة كما ينبغي
وعمران ابن ميسرة ضد الميمنة وعبد الوارث هو ابن سعيد
والحديث مضى في الصلاة عن أبي معمر
قوله قرام بكسر القاف هو الستر وقد مر عن قريب قوله أميطي من الإماطة وهي الإزالة فإن قلت هذا الحديث يدل على أنه أقره وصلى وحديث عائشة في النمرقة يدل على أنه لم يدخل البيت الذي فيه الستر المصور أصلا حتى نزعه قلت الجمع بينهما بأن هذا كانت فيه تصاوير من ذوات الأرواح وحديث أنس كانت تصاويره من غير الحيوان
وفيه من الفقه ينبغي التزام الخشوع في الصلاة وتفريغ البال لله تعالى وترك التعرض لما يشتغل المصلي عن الخشوع وفيه أيضا أن ما يعرض للشخص في صلاته من الفكرة في أمور

(22/74)


الدنيا لا يقطع صلاته
94 -
( باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة )
أي هذا باب يذكر فيه لا تدخل إلى آخره
5960 - حدثنا يحياى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثني عمر هو ابن محمد عن سالم عن أبيه قال وعد النبي جبريل فراث عليه حتى اشتد على النبي فخرج النبي فلقيه فشكا إليه ما وجد فقال له إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب ( انظر الحديث 3227 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر وسالم شيخه هو عم أبيه وهو ابن عبد الله بن عمر
والحديث مضى في بدء الخلق في باب إذا قال أحدكم آمين فإنه أخرجه عن ( يحيى بن سليمان ) أيضا إلى آخره
قوله جبريل مرفوع لأنه فاعل وعد قوله فراث عليه أي أبطأ عليه وفي رواية مسلم زادت عائشة في ساعة يأتيه فيها قوله فخرج النبي أي من البيت فلقيه أي فلقي جبريل عليه السلام خارج البيت قوله فشكا إليه أي فشكا النبي إلى جبريل عليه السلام قوله ما وجد أي من انتظاره ومكانة مفارقته وكان تحت سرير عائشة جرو كلب وقيل تحت فسطاط لرسول الله
95 -
( باب من لم يدخل بيتا فيه صورة )
أي هذا باب يذكر فيه من لم يدخل بيتا فيه صورة
5961 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( القاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها زوج النبي أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية قالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت قال ما بال هاذه النمرقة فقالت اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله إن أصحاب هاذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد تقدم هذا الحديث في البيوع في باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال ومضى أيضا في أول باب من كره القعود على الصورة ومضى الكلام فيه هناك
وفائدة التكرار فيه وفي أمثاله وضع التراجم واختلاف الرواة
96 -
( باب من لعن المصور )
أي هذا باب يذكر فيه من لعن الذي يصنع الصورة
5962 - حدثني ( محمد بن المثنى ) قال حدثني ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عون بن أبي جحيفة ) عن أبيه أنه ( اشترى غلاما حجاما ) فقال إن النبي نهاى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وغندر هو محمد بن جعفر وفي بعض النسخ صرح باسمه وأبو جحيفة وهب
وقد مضى الحديث في كتاب البيوع في باب ثمن الكلب ومضى أيضا في باب الواشمة ومضى الكلام فيه هناك والبغي الزانية
97 -
( باب من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )
أي هذا باب في بيان ذم من صورإلى آخره وترجم بلفظ الحديث ووقع عند النسفي باب بلا ترجمة وثبتت الترجمة عند الأكثرين وسقط الباب

(22/75)


5963 - حدثنا ( عياش بن الوليد ) حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( سعيد ) قال سمعت ( النضر بن أنس ابن مالك ) يحدث ( قتادة ) قال كنت عند ابن عباس وهم يسألونه ولا يذكر النبي حتى سئل فقال سمعت محمدا يقول من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وأيس بنافخ ( انظر الحديث 2225 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد الرقام وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وسعيد هو ابن أبي عروبة والنضر بالنون والضاد المعجمة الساكنة
والحديث أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة في باب من صور صورة في الدنيا ولفظه عن النضر بن أنس بن مالك قال كنت جالسا عند ابن عباس فجعل يفتي ولا يقول قال رسول الله حتى سأله رجل فقال إني رجل أصور هذه الصورة فقال له ابن عباس أدنه فدنا الرجل فقال ابن عباس سمعت رسول الله يقول من صور صورة الحديث
قوله وليس بنافخ أي لا يقدر على النفخ فيعذب بتكليف ما لا يطاق وفي رواية سعيد بن أبي الحسن فإن الله يعذبه حتى ينفخ الروح وليس بنافخ فيها أبدا واستعمال حتى هنا نظير استعمالها في قوله تعالى ( 7 ) حتى يلج الجمل في سم الخياط ( الأعراف40 ) وقال شيخنا زين الدين رحمه الله فيه دلالة على أن المصور لا ينقطع تعذيبه لأنه كلف أن ينفخ في تلك الصورة الروح وجعل غاية عذابه إلى أن ينفخ في تلك الصورة الروح وأخبر أنه ليس بنافخ فيها وهذا يقتضي تخليده في النار كقول المعتزلة ثم أجاب بأن هذا محمول على من يكفر بالتصوير كالذي يصور الأصنام لتعبد من دون الله فإنه كفر وقال أيضا ما المراد بقوله أن ينفخ فيها الروح هل المراد به وجود الحياة المطلقة حتى تصير تلك الصورة حيوانا أو حتى يصير حيوانا تاما ناطقا الظاهر هو الأول فإن قلت ورد التصريح بالاحتمال الثاني في رواية الطبراني من حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول لا تدخل الملائكة بيتا الحديث وفيه فلا يزالون يعذبون حتى تنطق الصورة ولا تنطق قلت هذا لا يصح فإنه من رواية محمد بن أبي الزعير عنه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس وذكره ابن حبان في ( الضعفاء ) وقال فيه دجال من الدجاجلة وروى له حديثا موضوعا
98 -
( باب الإرتداف على الدابة )
أي هذا باب في بيان جواز الارتداف وهو إركاب راكب الدابة خلفه غيره وقال الكرماني ما وجه مناسبة الباب بالكتاب يعني مناسبة هذا الباب بكتاب اللباس ثم أجاب بقوله الغرض منه الجلوس على لباس الدابة وإن تعدد أشخاص الراكبين عليها والتصريح بلفظ القطيفة في الحديث مشعر بذلك وقال بعضهم بعد أن طول ما لا فائدة فيه إن الذي يرتدف لا يأمن السقوط فينكشف فيتحفظ المرتدف من السقوط وإذا سقط فيبادر إلى الستر قلت هذا جواب في غاية السقوط وما معنى تخصيص المرتدف بعدم الأمن من السقوط وكل منهما مشترك في هذا المعنى بل الراكب وحده أيضا لا يأمن من السقوط غالبا وما قاله الكرماني أوجه وإن كان لا يخلو عن تعسف ما
174 - ( حدثني قتيبة حدثنا أبو صفوان عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة وراءه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي والحديث طرف من حديث طويل مضى في الجهاد عن قتيبة وفي الطب عن يحيى بن بكير وسيأتي في الأدب والاستئذان ومضى الكلام فيه قوله قطيفة وهي الدثار المخمل والفدكية صفتها نسبة إلى فدك بفتح الفاء والدال المهملة وهي قرية بخيبر

(22/76)


وفيه مشروعية الارتداف -
99 -
( باب الثلاثة على الدابة )
أي هذا باب في بيان ركوب الأنفس الثلاثة على دابة واحدة أي في مشروعيته فإن قلت روى الطبراني في ( الأوسط ) عن جابر نهى رسول الله أن يركب ثلاثة على دابة وأخرج الطبري عن أبي سعيد رفعه لا يركب الدابة فوق اثنين وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال لينزل أحدكم فإن رسول الله لعن الثالث ومن طريق أبي بردة عن أبيه نحوه ومن طريق المهاجرين فنفذ
أنه لعن فاعل ذلك وقال إنا قد نهينا أن نركب الثلاثة على الدابة وأخرج الطبري عن علي رضي الله عنه قال إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم قلت حديث جابر ضعيف وحديث أبي سعيد في إسناده لين وحديث زادان مرسل لا يعارض المرفوع المتصل وحديث أبي بردة غير مرفوع وحديث المهاجر ضعيف وحديث علي موقوف
وروي ما يخالف ذلك فأخرج الطبري بسند جيد عن ابن مسعود قال كانوا يوم بدر ثلاثة على بعير وأرج الطبراني عن ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن ابن عمر قال ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا طاقت وقد جمعوا بين مختلف الحديث في ذلك أن النهي محمول على أن الدابة إذا عجزت عن ذلك كالحمار وإن الجواز محمول على أن الدابة إذا أطاقت ذلك كالناقة والبغلة قلت مختصر الجواب أن كل ما جاء من أخبار النهي عن ركوب الثلاثة مرتدفين لا يقاوم حديث الباب وأمثاله
5965 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال لما قدم النبي مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه والآخر خلفه ( انظر الحديث 1798 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد هو ابن مهران الحذاء
والحديث مضى في الحج في باب استقبال الحاج القادمين عن معلى بن أسد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد عن عكرمة إلى آخره
قوله لما قدم النبي مكة يعني في الفتح قوله أغيلمة مصغر أغلمة جمع غلام وهو شاذ والقياس غليمة وقال ابن التين كأنهم صغروا أغلمة على القياس وإن كانوا لم ينطقوا بأغلمة قال ونظيره أصيبة قوله بني عبد المطلب إنما أضافهم إلى عبد المطلب لكونهم من ذريته ويأتي في الحديث الذي بعده تفسير الإثنين المذكورين
100 -
( باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه )
أي هذا باب في بيان حمل صاحب الدابة غيره بين يديه يعني أركبه قدامه
وقال بعضهم صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له
هذا التعليق ثبت للنسفي وهو لأبي ذر عن المستملي وحده والبعض المبهم هو عامر الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه وقد جاء ذلك مرفوعا أخرجه الترمذي من حديث حسين بن علي بن واقد حدثني أبي حدثنا عبد الله بن بريدة بينا رسول الله يمشي إذ جاء رجل ومعه حمار فقال يا رسول الله إركب وتأخر الرجل فقال لأنت أحق بصدر دابتك إلا أن تجعله لي فقال قد جعلته لك فركب ثم قال حسن غريب وأخرجه أبو داود أيضا وأحمد في ( مسنده ) وابن حبان وصححه وأخرجه الحاكم أيضا وهذا الرجل هو معاذ بن جبل بينه حبيب بن الشهيد في روايته عن عبد الله بن بريدة لكنه أرسله أخرجه ابن أبي شيبة وقال صاحب ( التوضيح ) كأن البخاري لم يرض بحديث ابن بريدة وذكر حديث ابن عباس ليدل على معناه قلت الظاهر أنه ما وقف على حديث ابن بريدة وكيف لا يرضى به وقد أخرجه هؤلاء الأئمة الكبار أصحاب الشأن

(22/77)


5966 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( أيوب ) قال ذكر الأشر الثلاثة عند عكرمة فقال قال ابن عباس أتى رسول الله وقد حمل قثم بين يديه والفضل خلفه أو قثم خلفه والفضل بين يديه فأيهم شر أو أيهم خير ( انظر الحديث 1798 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وقد حمل قثم بين يديه وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني
والحديث من أفراده
قوله ذكر على صيغة المجهول قوله إلا أشر الثلاثة أي على الدابة هكذا بالألف واللام في الأشر رواية الحموي وفي رواية المستملي شر الثلاثة بدون الألف واللام وفي رواية الكشميهني اشر بزيادة ألف في أوله وقال الكرماني ما ملخصه إن فيه ثلاثة أشياء غريبة الأول أن المشهور من استعمال هذه الكلمة أن يقال شر وخير ولا يقال أشر وأخير الثاني فيه الإضافة مع لام التعريف على خلاف الأصل والثالث أن أفعال التفضيل لا يستعمل إلا بأحد الوجود الثلاثة ولا يجوز جمع إثنين منها وقد جمع ههنا بينهما الجواب عن الأول أن الأشر والأخير أيضا لغة فصيحة كما جاء في حديث عبد الله بن سلام أخيرنا وابن أخيرنا وعن الثاني أن التعريف فيه كالتعريف في الحسن الوجه والضارب الرجل والواهب المائة وعن الثالث أن الأشر في حكم الشر وروي الأشر الثلاثة برفعهما على الابتداء والخبر أي أشر الركبان هؤلاء الثلاثة وحينئذ فمعنى أيهم أي الركبان أشر أو أيهم أخير قوله قثم بضم القاف وفتح الثاء المثلثة المخففة ابن العباس الهاشمي كان آخر الناس عهدا برسول الله ولي مكة من قبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم سار أيام معاوية إلى سمرقند واستشهد بها وقبره بها وقيل بمرو والأول أصح ووقع في ( الكمال ) للمقدسي ذكره له في غير الصحابة وأن البخاري روى له وليس كما ذكره وإنما وقع ذكره فيه وقثم على وزن عمر معدول عن قاثم وهو المعطي غير منصرف للعدل والعلمية قوله والفضل هو ابن العباس ثبت مع رسول الله يوم حنين حين انهزم الناس مات بالشام سنة ثمان عشرة على الصحيح قوله أو قثم خلفه شك م الراوي قوله فأيهم شر أو أيهم خير هذا كلام عكرمة يرد به على من ذكر له شر الثلاثة وحاصل هذه المذاكرة أنهم ذكروا عند عكرمة أن ركوب الثلاثة على دابة شر وظلم وأن المقدم أشر أو المؤخر فأنكر عكرمة ذلك واستدل بفعل النبي إذ لا يجوز نسبة الظلم إلى أحد منهم لأنهما ركبا بحمله إياهما
101 -
( باب إرداف الرجل خلف الرجل )
أي هذا باب في بيان جواز إرداف الرجل خلف الرجل على الدابة ووقع في كتاب ابن بطال باب بلا ترجمة ومحل حديث الباب الإرداف فلو ذكره فيه مع حديث أسامة كان أولى
5967 - حدثنا ( هدبة بن خالد ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن ( معاذ ابن جبل ) رضي الله عنه قال بينا أنا رديف النبي ليس بيني وبينه إلا آخره الرحل فقال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك فقال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله أن لا يعذبهم

(22/78)


مطابقته للترجمة في قوله أنا رديف رسول الله وهمام بتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري
والحديث أخرجه أيضا في الرقاق عن هدبة وفي الاستئذان عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الإيمان عن هداب ابن خالد وهو هدبة وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عمرو بن علي
قوله بينا قد ذكرنا غير مرة أن أصله بين فزيدت فيه الألف وربما تزاد الميم أيضا وهو مضاف إلى جملة ويحتاج إلى جواب قوله رديف النبي كذا في الأصول وجاء ردف بكسر الراء وسكون الدال والردف والرديف هو الراكب خلف الراكب واصله من ركوبه على الردف وهو العجز وقال ابن سيده وخص به بعضهم عجيزة المرأة وردف كل شيء مؤخره والردف ما تبع الشيء والجمع من كل ذلك أرداف وفي ( الجامع ) للقزاز الردف الذي يركب وراءك وهو ردفك ورديفك وأنكر بعضهم الرديف وقال إنما هو الردف وكل شيء جاء بعدك فقد ردفك وتقول في القوم نزل بهم أمر قد ردف لهم أمر أعظم منه والردف موضع مركب الرديف وهذا يرذون لا يردف ولا يرادف وأنكر بعضهم بردف وقال إنما يقال لا يرادف وأردفته إذا ركبت وراءه وإذا جئت بعده ومنه قوله عز و جل مردفين قالوا والعرب تقول جئت مردفا لفلان أي جئت بعده وجاء القوم مرادفين والرداف جمع رديف وجاء القوم ردافا أي بعضهم في إثر بعض وأرداف الملوك في الجاهلية هم الذين كانوا يخلفون الملوك وترادفت الأشياء إذا تتابعت وفي ( كتاب الأرداف ) لابن منده أردف رسول الله جماعة كثيرة انتهى بهم نحو الثلاثين منهم أولاد العباس وعبد الله بن جعفر وأبو هريرة وقيس بن سعد بن عبادة وصفية وأم حبيب الجهنية قوله ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل المراد به المبالغة في شدة قربه إليه ليكون أوقع في نفس السامع فيضبط قوله وآخرة بوزن فاعلة وهي العودة التي يستند إليها الراكب من خلفه والرحل بفتح الراء وسكون الحاء المهملة الكور هنا وهو للناقة كالسرج للفرس قوله لبيك قد مر تفسيره في الحج قوله وسعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وتكرير قوله يا معاذ لتأكيد الاهتمام بما يخبر به قوله ما حق الله الحق الشيء الثابت ويأتي بمعنى خلاف الباطل ويستعمل بمعنى الواجب والجدير قوله إذا فعلوه أي إذا أدوا حق الله تعالى قوله ما حق العباد على الله يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد حقا شرعيا لا واجبا بالعقل كما تقول المعتزلة وكأنه لما وعد به ووعده الصدق صار حقا من هذه الجهة والثاني أن يكون هذا من باب المشاكلة وهو نوع من أنواع البديع الذي يحسن به الكلام
102 -
( باب إرداف المرأة خلف الرجل )
أي هذا باب في بيان إرداف الرأة خلف الرجل على الدابة هذه الترجمة هكذا هي في رواية النسفي وفي رواية الأكثرين إرداف المرأة خلف الرجل ذا محرم أي حال كون الرجل ذا محرم من المرأة وروى بعض ذي محرم على أنه صفة للرجل
5968 - حدثنا ( الحسن بن محمد بن الصباح ) حدثنا يحياى بن عباد حدثنا شعبة أخبرني يحياى بن أبي إسحاق قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال أقبلنا مع رسول الله من خيبر وإني لرديف أبي طلحة وهو يسير وبعض نساء رسول الله رديف رسول الله إذ عثرت الناقة فقلت المرأة فنزلت فقال رسول الله إنها أمكم فشددت الرحل وركب رسول الله فلما دنأو رأى المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون
مطابقته للترجمة ظاهرة والصباح بتشديد الباء الموحدة البغدادي و ( يحيى بن عباد ) بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي البصري
والحديث قد مضى في الجهاد عن أبي معمر ومضى الكلام فيه هناك
قوله رديف أبي طلحة وهو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس قوله فقلت المرأة بالنصب أي إحفظها وبالرفع جاء أي قلت وقعت المرأة وهي صفية بنت حي أم المؤمنين قوله فنزلت بلفظ المتكلم قوله إنها أمكم إنما

(22/79)


قال ذلك ليذكرهم أنها واجبة التعظيم قوله فشددت الرحل قائله أنس وهو الذي نزل وشد الرحل وفي أواخر الجهاد من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق وفيه أن الذي فعل ذلك أبو طلحة وأن الذي قال المرأة رسول الله والاختلاف فيه على يحيى بن أبي إسحاق راويه عن أنس قال ( شعبة ) عنه ما في هذا الباب وقال عبد الوارث وبشر بن المفضل كلاهما عنه ما ذكره في الجهاد وهو المعتمد فإن القصة واحدة ومخرج الحديث واحد ولا سيما أن أنسا كان إذ ذاك صغيرا يعجز عن تعاطي هذا الأمر ولكن لا يمتنع أن يساعد أبا طلحة زوج أمه على شيء من ذلك فبهذا يرتفع الإشكال
103 -
( باب الإستلقاء ووضع الرجل على الأخراى )
أي هذا باب في بيان استلقاء الرجل على قفاه ووضع إحدى رجليه على الرجل الأخرى وجه ذكر هذه الترجمة في كتاب اللباس وبه ختمه وهو أنه لولا اللباس لانكشفت عورته عند استلقائه أو من جهة مماسة الظهر للباس أو للبساط
5969 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( عباد بن تميم ) عن ( عمه ) أنه ( أبصر ) النبي يضطجع في المسجد رافعا إحدى رجليه على الأخرى ( انظر الحديث 475 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي نسب إلى جده وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف كان على قضاء بغداد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعباد بتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد بن عاصم الأنصاري المدني يروي عن عمه عبد الله بن زيد الأنصاري
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب الاستلقاء في المسجد أخرجه عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميمإلى آخره وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي واحتج بهذا الحديث جماعة منهم الحسن البصري والشعبي وسعيد بن المسيب وأبو مجاز ومحمد ابن الحنفية وخالفهم آخرون فقالوا يكره ذلك منهم محمد بن سيرين ومجاهد وطاووس وإبراهيم النخعي فإنهم احتجوا فيه بما رواه مسلم من حديث جابر أن رسول الله نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره وأجابوا عنه بأنه منسوخ بفعله وهو الذي يدل عليه حديث الباب وفعله على وجه الراحة وكذا فعله الصديق والفاروق وعثمان رضي الله عنهم ولا يجوز أن يخفى عليهم النسخ في ذلك
78 -
( كتاب الأدب )
سقطت البسملة عند البعض قوله كتاب الأدب أي هذا كتاب في بيان الأدب وله أنواع سنذكرها وقد قلنا فيما مضى إن الكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول ولم يذكر في البخاري لفظ فصل غير أنه يذكر في بعض المواضع لفظ باب كذا مجردا وهو عنده بمنزلة الفصل يتعلق بما قبله أما الأدب فقال القزاز يقال أدب الرجل يأدب إذا كان أديبا كما يقال كرم يكرم إذا كان كريما والأدب مأخوذ من المأدبة وهو طعام يتخذ ثم يدعى الناس إليه فكان الأدب مما يدعى كل أحد إليه يقال أدبه المؤدب تأديبا فهو مؤدب بفتح الدال والمعلم مؤدب بكسر الدال وذلك لأنه يردد إليه الدعوة إلى الأدب فكثر الفعل التشديد والأدب الداعي وفي كتاب الواعي ) لأبي محمد سمي الأدب أدبا لأنه يدعوه إلى المحامد وقال ابن طريف في ( الأفعال ) أدب الرجل وأدب بضم الدال وكسرها أدبا صار أديبا في خلق أو علم وقال الجوهري الأدب أدب النفس والدرس تقول منه أدب رجل فهو أديب وفي ( المنتهى ) لأبي المعالي استأدب الرجل بمعنى تأدب والجمع أدباء وعن أبي زيد الأدب إسم يقع على كل رياضة محمودة

(22/80)


يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل وقيل الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وقيل الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع المستحسنات وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك فافهم
1 -
( باب البر والصلة وقول الله تعالى الإنسان بوالديه حسنا ( العنكبوت8 )
أي هذا باب في ذكر البر والصلة والبر والإحسان ومنه البر في حق الوالدين وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم يقال بريبر فهو بار وجمعه بررة وجمع البر أبرار والصلة هي صلة الأرحام وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا وأساؤوا وقطع الرحم قطع ذلك كله يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة وأصل الصلة وصل فحذفت الواو تبعا لفعله وعوضت عنها الهاء فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر وقوله باب البرإلخ هكذا وقع لأكثر الرواة وحذف بعضهم لفظ البر والصلة واقتصر النسفي على قوله كتاب البر والصلةإلى آخره قوله وقول الله بالجر عطفا على ما قبله من المجرور بالإضافة هذه الآية وقعت بهذا اللفظ في العنكبوت وفي الأحقاق أما التي في العنكبوت فهي قوله تعالى ووصينا الإنسانلك به علم ( الأحقاف15 ) وأما التي في الأحقاق فهي قوله تعالى ( 13 ) ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها ( لقمان14 ) وفي لقمان أيضا ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهنالآية
والمراد هنا الآية التي في العنكبوت وسبب نزول هذه الآية ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال نزلت يعني الآية المذكورة في خاصة كنت رجلا بارا بأمي فلما أسلمت قالت يا سعد ما هذا الذي أحدثت لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب ولا يعلني سقف حتى أموت فتعير في فيقال يا قاتل أمه فقلت لا تفعلي يا أماه فإني لا أترك ديني هذا فمكثت يوما وليلة لا تأكل فلما أصبحت جهدت ومكثت يوما آخر وليلة كذلك فلما رأيت ذلك منها قلت تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فكلي إن شئت أو لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فنزلت هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف وأمره أن يرضيها ويحسن إليها ولا يطيعها في الشرك قلت إسم أم سعد المذكورة حمنة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بعدها نون بنت سفيان بن أمية وهي ابنة عم أبي سفيان بن حرب بن أمية ولم يعلم إسلامها واقتضت الآية الكريمة الوصية بالوالدين والأمر بطاعتهما ولو كانا كافرين إلا إذا أمرا بالشرك فتجب معصيتهما في ذلك قوله حسنا نصب بنزع الخافض أي بحسن وقرىء إحسانا على تقدير أن تحسن إحسانا وحسنا أعم في البر
5970 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) قال ( الوليد بن عيزار ) أخبرني قال سمعت ( أبا عمرو الشيباني ) يقول أخبرنا ( صاحب هاذه الدار ) ( وأومأ بيده إلى دار عبد الله ) قال سألت النبي أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن قوله باب البر هو بر الوالدين والآية أيضا في بر الوالدين وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي والوليد بن عيزار بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها زاي ثم راء ووقع لبعض الرواة العيزار بالألف واللام قوله قال الوليد بن عيزار أخبرني هو من تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز وكان شعبة يستعمله كثيرا وأبو عمر والشيباني اسمه سعد بن أبي إياس والشيباني من شيبان بن ثعلبة بن عكامة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أدرك زمان النبي وعاش مائة وعشرين سنة وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه
والحديث مضى في مواقيت الصلاة في باب فضل الصلاة لوقتها بعين هذا الإسناد والمتن فإن قلت تقدم في باب الإيمان إن إطعام الطعام خير أعمال

(22/81)


الإسلام وأحب العمل أدومه فما وجه الجمع بينه وبين حديث الباب قلت الاختلاف بالنظر إلى الأوقات أو الأحوال أو الحاضرين فقدم في كل مقام ما يليق به أو بهم
2 -
( باب من أحق الناس بحسن الصحبة )
أي هذا باب يذكر فيه من أحق الناس أن يصحب بحسن الصحبة يقال صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة بالفتح قال الجوهري والصحابة بالفتح الأصحاب وهو في الأصل مصدر والأصحاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ وجمع الأصحاب أصاحب
5971 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( عمارة بن القعقاع بن شبرمة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال ثم أبوك
قال ابن شبرمة ويحياى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير بن عبد الحميد وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بفتح القافين وإسكان المهملة الأولى ابن شبرمة بضم الشين المعجمة وتسكين الباء الموحدة وضم الراء ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي واعلم أن قوله عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة كذا وقع في رواية الأكثرين ووقع عند النسفي ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة بزيادة واو العطف والصواب حذفها فإن رواية ابن شبرمة ذكرها في آخر الحديث وهو عبد الله بن شبرمة قاضي الكوفة عم عمارة بن القعقاع ابن شبرمة المذكور
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن قتيبة وزهير وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وأخرجه ابن ماجه في الوصايا عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله جاء رجل قال بعضهم يحتمل أن يكون هذا الرجل معاوية بن حيدة لأن البخاري أخرج في ( الأدب المفرد ) من حديثه قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك الحديث وأخرجه أبو داود والترمذي قلت جاءت أحاديث في هذا الباب مما يشبه حديث الباب فلا يتعين في الاحتمال معاوية بن حيدة منها حديث أنس رواه الطبراني في ( الأوسط ) قال أتى رجل النبي فقال إني لأشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال فهل بقي أحد من والديك قال أمي قال قاتل بالله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج معتمر ومجاهد ومنها حديث بريدة رواه الطبراني في ( الصغير ) أن رجلا جاء إلى النبي فقال يا رسول الله إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة لو ألقيت فيها قطعة لحم لنضجت فهل أديت شكرها فقال لعله أن يكون بطلقة واحدة ومنها حديث ابن عباس أخرجه تمام أن رجلا أتى النبي فقال إني نذرت إن فتح الله عز و جل عليك مكة أن آتي البيت فأقبل أسفل الأسكفة فقال قبل قدمي أمك وقد وفيت نذرك ومنها حديث ابن مسعود رواه الطبراني في ( الأوسط ) قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إن لي أهلا وأبا وأما فأيهم أحق بصلتي قال أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك ومنها حديث معاوية بن جاهمة أخرجه النسائي وابن ماجه بلفظ أتيت رسول الله فقلت يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال ويحك أحية أمك قلت نعم قال إرجع فبرها ثم أتيته من الجانب الآخر فذكر الحديث في سؤاله كذلك ثانية فقال إرجع وبرها وسؤاله له كذلك ثالثة قال ويحك إلزم رجلها فشم الجنة اللفظ لابن ماجه قوله إمك إلى قوله قال ابن شبرمة كله مرفوع لجميع الرواة ووقع عند مسلم من هذا الوجه بالنصب وفي آخره ثم أباك وجه الرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره أبوك أحق الناس بحسن الصحبة ويجوز العكس ووجه النصب بإضمار فعل تقديره إلزم أو إحفظ أمك
وفيه دلالة على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون أمثال محبة الأب لأنه كررها ثلاثا وذكر الأب في الرابعة فقط وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان وذلك

(22/82)


أن صعوبة الحمل والوضع والرضاع والتربية تنفرد بها الأم وتشقى بها دون الأب فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب وحديث أبي هريرة يدل على أن طاعة الأم مقدمة وهو حجة على من خالفه وزعم المحاسبي أن تفضيل الأم على الأب في البر والطاعة هو إجماع العلماء وقيل للحسن ما بر الوالدين قال تبذل لهما ما ملكت وتطعيهما فيما أمراك ما لم يكن معصية
قوله قال ابن شبرمة أي قال عبد الله بن شبرمة قاضي الكوفة عم عمارة كما ذكرنا ويحيى بن أيوب حفيد أبي زرعة بن عمرو بن جرير شيخه في هذا الحديث كلاهما رويا بالتعليق عن أبي زرعة المذكور قوله مثله أي مثل الحديث المذكور وأما تعليق ابن شبرمة فوصله مسلم عن أبي شيبة حدثنا شريك عن عمارة وابن شبرمة عن أبي زرعة فذكره وأما تعليق يحيى بن أيوب فوصله الطبراني في ( الأوسط ) من حديثه عن إبراهيم بن محمد عن محمد بن حفص حدثنا سهل بن حماد حدثنا يحيى بن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير حدثنا جدي أبو زرعة به
3 -
( باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين )
أي هذا باب يذكر فيه لا يجاهد الرجل إلا بإذن أبويه
5972 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان وشعبة ) قالا حدثنا ( حبيب )
( ح ) قال وحدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( حبيب ) عن ( أبي العباس ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال قال رجل للنبي أجاهد قال لك أبوان قال نعم قال ففيهما فجاهد ( انظر الحديث 3004 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه ما أمره بالجهاد إلا في أبويه فيفهم منه أنه لا يجاهد إلا إذا أذنا له بالجهاد فيجاهد فيكون جهاده موقوفا على إذنهما
وأخرجه من طريقين الأول عن مسدد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما يرويان عن حبيب بن أبي ثابت الثاني عن محمد بن كثير بالثاء المثلثة عن سفيان الثوري عن حبيب عن أبي العباس السائب الشاعر المكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص والحديث قد مر في الجهاد في باب الجهاد بإذن الأبوين
قوله ففيهما فجاهد الجار والمجرور متعلق بمقدور وهو جاهد والمذكور مفسر له وتقديره إن كان لك أبوان فجاهد فيهما
4 -
( باب لا يسب الرجل والديه )
أي هذا باب يذكر فيه لا يسب الرجل والديه وهذا الإسناد مجازي لأنه صار سببا لسب والديه
5973 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن حميد بن عبد الرحمان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسعد يروي عن ( حميد بن عبد الرحمن ) بن عوف القرشي الزهري
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وآخرين وأخرجه أبو داود في الأدب عن محمد بن جعفر بن زياد وغيره وأخرجه الترمذي في البر عن قتيبة به
قوله من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ولفظ الترمذي من الكبائر أن يشتم الرجل والديه وهذا يقتضي أن سب الرجل والديه كبيرة ورواية البخاري تقتضي أنه من أكبر الكبائر وبينهما فرق من حيث إن الكبائر متفاوتة وبعضها أكبر من بعض وهو قول العلماء وعد أكبر الكبائر في حديث أبي بكرة على ما يجيء ثلاثة الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور وهو شهادة الزور واقتصر في أكبر الكبائر على هذه الثلاثة وزاد في حديث بريدة رواه البزار منع فضل الماء ومنع الفجل فصار كل ذلك خمسة وروى الترمذي من رواية أبي أمامة عن

(22/83)


عبد الله بن أنيس بلفظ إن من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس فصار ستة وحديث عمرو بن حزم الطويل في المائة المنتقاة إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الشرك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمي المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم فصارت اثني عشر وروى الطبراني في ( الأوسط ) من حديث ابن عباس مرفوعا الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر وروى أيضا فيه موقوفا على ( عبد الله بن عمرو ) أعظم الكبائر شرب الخمر ومثله لا يقال من قبل الرأي وروي أيضا في ( الكبير ) من حديث واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله يقول إن من أكبر الكبائر أن يقول الرجل علي ما لم أقل فصار المجموع أربع عشر وأما ما ورد في تعديد الكبائر من غير تقييد بأكبرها ففي ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة عن النبي اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله ما هي قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وروى البزار من حديث ابن عباس بإسناد حسن أن رجلا قال يا رسول الله ما الكبائر قال الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله وروى الحاكم في ( المستدرك ) من رواية عبيد بن عمير عن أبيه أنه حدثه وكانت له صحبة أن رسول الله قال في حجة الوداع الحديث وفيه ويجتنب الكبائر فقال هي تسع وذكر ما في حديث أبي هريرة وزاد استحلال بيت الله الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا وعن ابن عباس قال كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وحكى الطبري عنه قال كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب فهو كبيرة وقال طاووس قيل لابن عباس الكبائر سبغ قال هي إلى السبعين أقرب وقال سعيد ابن جبير قال رجل لابن عباس الكبائر سبغ قال هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث سهل بن أبي خيثمة قال سمعت النبي يقول اجتنبوا السبع الكبائر الحديث وفيه والتغرب بعد الهجرة وروى البيهقي عن ابن عباس قال الكبائر فذكر أشياء منها اليمين الغموس الفاجرة والغلول ومنع الزكاة وكتمان الشهادة وترك الصلاة متعمدا وأشياء مما فرضها الله ونقض العهد وروى ابن أبي الدنيا في ( كتاب التوبة ) عن ابن عباس قال كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة وفيه الربيع بن صبيح وقد اختلف فيه وقال شيخنا زين الدين رحمه الله اجتمع من مجموع هذه الأحاديث المرفوعة والموقوفة نحو أربعين من الكبائر ثم ذكرها فلنذكر ما لم يذكر ههنا وهو ادعاء الرجل إلى غير أبيه وإراءة عينيه والإصرار على الصغيرة والانتفاء من ولد له وبهت المؤمن والحقد والزنا والسرقة والسعاية ببرىء إلى ذي سلطان فيقتله والغلول والغيبة واللواطة ونسيان سورة أو آية من القرآن والنميمة وحكى الرافعي عن جماعة أنهم عدوا من الكبائر غصب المال والهروي شرط في المغصوب كونه نصابا وحكي عن صاحب ( العدة ) أنه أضاف إليها الإفطار في رمضان بلا عذر والخيانة في كيل أو وزن وتقديم الصلاة عن وقتها أو تأخيرها عنه بلا عذر وضرب مسلم بلا حق وسب الصحابة وأخذ الرشوة والدياثة والقيادة من الرجل والمرأة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة وإحراق الحيوان وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب ويقال والوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن ومما عد من الكبائر أكل لحم الخنزير والميتة بلا عذر حكاه الرافعي ونقل عن الشافعي أن الوطء في الحيض كبيرة واختلفوا في سماع الأوتار ولبس الحرير والجلوس عليه ونحوها هل هو من الكبائر أو الصغائر فمال إمام الحرمين إلى أنه من الكبائر وصحح الرافعي أنه من الصغائر والله أعلم قوله قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه هذا استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاطى ذلك بنفسه ولكنه يكون سببا لذلك وفي هذا الزمان من الناس الطعام من يسب والديه بل يضربهما ولقد شاهد جماعة ذلك من العققة الفجرة وربما

(22/84)


ذبح والده أخبرني بذلك جماعة وكثرت هذه المصيبة في الديار المصرية نسأل الله العفو والعافية
5 -
( باب إجابة دعاء من بر والديه )
أي هذا باب يذكر فيه إجابة دعاء أي قبول دعاء من بر والديه أي من أحسن إليهما وقام بطاعتهما
5974 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن رسول الله قال بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها فقال أحدهم أللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي وإنه نأى بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناا فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالخلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذاك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذالك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نراى منها السماء ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء وقال الثاني اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم فقمت عنها أللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذالك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها ففرج لهم فرجة وقال الآخر أللهم إني كنت أستأجرت أجيرا بفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي فقلت اذهب إلى ذاك البقر وراعيها فقال اتق الله ولا تهزأ بي فقلت إني لا أهزأ بك فخذ ذالك البقر وراعيها فأخذه فانطلق بها فإن كنت تعلم أني فعلت ذالك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ففرج الله عنهم
مطابقته للترجمة ظاهرة في الرجل الأول من الثلاثة والحديث قد مضى في كتاب البيوع في باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فإنه أخرجه هناك عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ومضى أيضا في المزارعة في باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن المنذر عن أبي ضمرة عن موسى بن عقبة عن نافع إلى آخره ومضى الكلام فيه ولنذكر بعض شيء لبعد المسافة
قوله ثلاثة نفر النفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة قوله فمالوا إلى غار ويروى فأووا إلى غار وهو الكهف قوله على فم غارهم وفي رواية الكشميهني على باب غارهم قوله فأطبقت في رواية الكشميهني فتطابقت من أطبقت الشيء إذا غطيته وطبق الغيم إذا أصاب مطره جميع الأرض قوله لعله يفرجها بكسر الراء وقال ابن التين وكذا قرأناه قوله صبية جمع صبي وهو الغلام قوله فإذا رحت من الرواح وهو المجيء آخر النهار قوله نأى بي الشجر بالشين المعجمة والجيم عند أكثر الرواة ومعناه تباعد عن مكانتا الشجر التي ترعاها مواشينا وفي رواية الكشميهني السحر بالمهملتين قوله أحلب بضم اللام قوله بالحلاب بكسر الحاء المهملة

(22/85)


وتخفيف اللام وبالباء الموحدة أي المحلوب وقيل هو الإناء التي يحلب فيها قوله أن أوقظهما بضم الهمزة من الإيقاظ قوله يتضاغون بالضاد وبالغين المعجمتين أي يصيحون من ضغا إذا صاح وكل صوت ذليل مقهور يسمى ضغوا تقول ضغا يضغو ضغوا وضغاء وقال الداودي يتضاغون أي يبكون ويتوجعون قيل نفقة الأولاد مقدمة على نفقة الأصول وأجيب بأن دينهم لعله كان بخلاف ذلك أو كانوا يطلبون الزائد على سد الرمق أو كان صياحهم لغير ذلك قوله فافرج لنا فرجة بضم الفاء من فرجة الحائط وهو المراد هنا وأما الفرجة بالفتح فهي عن الكرب والهم قوله حتى يرون وفي رواية الحموي حتى رأوا قوله ما يحب الرجال وفي رواية الكشميهني الرجل بالإفراد قوله لا تفتح الخاتم كناية عن إزالة البكارة قوله اللهم كرر هذه اللفظة لأن هذا المقام أصعب المقامات فإنه ردع لهوى النفس قوله بفرق بفتح الراء وقد تسكن وأنكر القتبي إسكانها وهو مكيل معروف بالمدينة ستة عشر رطلا قوله أرز قد مر فيما مضى أن فيه تسع لغات فإن قلت باب البيوع من ذرة وهنا وفي باب الإجارة فرق أرز قلت لعله كان بعضه من ذرة وبعضه من أرز قوله إذهب إلى ذلك البقر ذكر إسم الإشارة باعتبار السواد المرئي وأنث الضمير الراجع إلى البقر باعتبار جمعية الجنس قوله فأخذه وانطلق بها ذكر الضمير في أخذه وأنثه في بها ووجهه ما ذكرناه ويروى فأخذها وروي فخذ تلك البقر
6 -
( باب عقوق الوالدين من الكبائر )
أي هذا باب في بيان أن عقوق الوالدين من الكبائر وقال بعضهم باب التنوين قلت لا يصح بالتنوين إلا بشيء مقدر لأن شرط الإعراب التركيب والعقوق مشتق من العق وهو الشق والقطع وقد فرق الجوهري بين مصدر قوله عق عن ولده وبين مصدر عق والده فقال وعق عن ولده يعق عقا إذا ذبح عنه يوم أسبوعه وكذلك إذا حلق عقيقته وعق والده عقوقا ومعقة فهو عاق وعقق والجمع عققة مثل كفرة وأما صاحب ( المحكم ) فصدر كلامه بالتسوية بينهما وقال عقه يعقه عقا فهو معقق وعقيق شقه قال وعق عن ابنه يعق ويعق حلق عقيقته أو ذبح عنه شاة واسم تلك الشاة العقيقة قال وعق والده يعقه عقوقا شق عصا طاعته قال ورجل عقق وعقق وعق وعاق وقال ابن الأثير عق والده إذا آذاه وعصاه وخرج عليه قال وهو ضد البر وقال ابن دقيق العيد ضبط الواجب من الطاعة لهما والمحرم من العوق ما لهما فيه عسر ورتب العقوق مختلفة وقال ابن عبد السلام لم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط اعتمد عليه فأيما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما وما يجب للأجانب فهو واجب لهما ولا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء وقال الشيخ تفي الدين السبكي إن ضابط العقوق إيذاؤهما بأي نوع كان من أنواع الأذى قل أو كثر نهيا عنه أو لم ينهيا أو يخالفهما فيما يأمران أو ينهيان بشرط انتفاء المعصية في الكل وحكى قول الغزالي أن أكثر العلماء على وجوب طاعتهما في الشبهات ووافقهما عليه وحكى قول الطرطوسي من المالكية أنهما إذا نهياه عن سنية راتبة المرة بعد المرة أطاعهما وإن كان ذلك على الدوام فلا طاعة لهما فيه لما فيه من إماتة الشرع ووافقه على ذلك أيضا
قاله ابن عمر عن النبي
هذا التعليق وقع في رواية أبي ذر عمر بضم العين ووقع للأصيلي عمر وبفتحها وكذا في بعض النسخ عن أبي ذر وهو المحفوظ ووصله البخاري في كتاب الأيمان والنذور من رواية الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس وأخرج النسائي لابن عمر حديثا في العاق بلفظ ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان وأخرجه البزار أيضا وابن حبان وصححه والحاكم كذلك
5975 - حدثنا ( سعد بن حفص ) حدثنا ( شيبان ) عن ( منصور ) عن ( المسيب ) عن ( وراد ) عن ( المغيرة )

(22/86)


عن النبي قال إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنع وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال
مطابقته للترجمة ظاهرة في عقوق الأمهات والترجمة في عقوق الوالدين ولا اعتراض من هذه الحيثية لأن ذكر الأمهات في الحديث ليس للتخصيص بالحكم بل لأن الغالب ذلك لعجزهن وقيل لأن لعقوق الأمهات مزية في القبح أو اكتفى بذكر أحد الوالدين عن الآخر
وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له الضخم وانفرد به البخاري عن الخمسة وليس في شيوخهم من اسمه سعد سواء مات سنة خمس عشرة ومائتين وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ومنصور هو ابن المعتمر والمسيب على وزن إسم المفعول من التسييب ابن رافع الكاهلي ووراد بفتح الواو وتشديد الراء مولى المغيرة والمغيرة هو ابن شعبة وفي بعض النسخ ذكر والده
والحديث مضى في الزكاة في باب قول الله عز و جل ( 2 ) لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة273 ) ومضى في الاستقراض أيضا عن عثمان عن جرير ومضى الكلام فيه
قوله ومنع وهات أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه وطلب ما ليس لكم أخذه وقيل نهى عن منع الواجب من ماله وأقواله وأفعاله وعن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق ومنع بغير تنوين وقع فيما تقدم قوله وهات بكسر التاء فعل أمر من الإيتاء وقال الخليل أصل هات آت فقلبت الهمزة هاء وقال بعضهم فقلبت الألف وهذا غلط لا يخفى قوله ووأد البنات أي وحرم أيضا وأد البنات وهو دفنهن بالحياة يقال وأدها يئدها وأدا فهي مؤودة ذكرها الله في كتابه وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب على ذلك وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقا إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله وإما من عدم ما ينفقه عليه وقد ذكر الله أمرهم في القرآن وكان صعصعة بن ناجية التميمي جد الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة أول من فدى المؤودة وذلك أنه كان يعمد إلى من يفعل ذلك فيفدي الولد منه بمال يتفقان عليه وإلى ذلك أشار الفرزدق بقوله
( وجدى الذي منع الوائدات
وأحي الوئيد فلم يؤد )
قوله قيل وقال فيه ثلاثة أوجه الأول أن يكون كلاهما مصدرين يقال قال قولا وقيلا وقالا ولم يكتبا بالألف لأنها لغة ربيعة وفي ( التوضيح ) كذا رويناه بغير صرف يعني بغير تنوين ويروى بالتنوين قلت الأصل أن يكون بالتنوين لأنه إسم وقع مفعولا وحقه النصب بالتنوين ومعناه النهي عن كثرة القول فيما لا يعني وكرر للتأكيد الثاني أن يكون كلاهما فعلين الأول مجهول الفعل الماضي والثاني معلوم الماضي وهما مبنيان متضمنان للضمير ومعناه قيل لفلان كذا وقال فلان كذا وذلك للزجر عن الاستكثار الثالث أن يكونا حكاية أقاويل الناس قال فلان كذا وقيل كذا أو في أمور الذين بأن ينقل من غير احتياط ودليل قوله وكثرة السؤال أي في المسائل التي لا حاجة له إليها أو من الأموال أو عن أحوال الناس قوله وإضاعة المال وهو الإسراف في الإنفاق وقيل الإنفاق في الحرام
5976 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( خالد الواسطي ) عن ( الجريري ) عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت
مطابقته للترجمة في قوله وعقوق الوالدين وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي وخالد هو ابن عبد الله الطحاوي الواسطي والجريري بضم الجيم وفتح الراء الأولى نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن

(22/87)


وائل هو سعيد بن إياس البصري و ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) يروي عن أبيه بكرة نفيع مصغر نفع الثقفي
والحديث مضى في الشهادات في باب ما قيل في شهادة الزور فإنه أخرجه هناك من طريقين ومضى الكلام فيه
قوله ألا أنبئكم وفي رواية الإستئذان ألا أخبركم وكلاهما بمعنى واحد وفي رواية الترمذي ألا أحدثكم وفيه دليل على أنه ينبغي للعالم أن يعرض على أصحابه ما يريد أن يخبرهم به إما لأجل الحض على التفريغ والاستماع له وأما السبب يقتضي التحذير مما يحذرهم وإما للحض على الإتيان بما فيه صلاحهم قوله بأكبر الكبائر أي بأعظم الذنوب الكبائر وفي بعض النسخ قال الكبائر ثلاثا أي قالها ثلاث مرات على عادته في التكرير تأكيدا لتنبيه السامع على إحضار قلبه وفهمه الذي يقوله ولا يظن أن المراد به عدد الكبائر وهو بعيد قوله قال الإشراك بالله أي أحد الكبائر الإشراك بالله وهذا ليس على ظاهره من الحصر لأنه قد وردت أحاديث كثيرة تخبر بأكبر الكبائر على ما ذكرناه عن قريب فحينئذ تقدر فيه كلمة من عوض الباء أي من أكبر الكبائر وهكذا جاءت في أحاديث قد ذكرناها وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن يراد بقوله الإشراك بالله مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود قوله وعقوق الوالدين قد مر تفسيره عن قريب قال الكرماني العقوق كبيرة لأنها ما توعد عليها الشارع بخصوصها فما وجه كونه أكبرها وأجاب بقوله لأن الوالد بحسب الظاهر كالموجد له صورة ولهذا قرن الله عز و جل الإحسان إليه بتوحيده فقال وقضى ربكوبالوالدين إحسانا ( الإسراء23 ) قوله وكان متكئا أي قال ما قاله من صدر الحديث حال كونه متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وكلمة لا كلمة تنبيه وتحضيض لضبط ما يقال وفهمه على وجه والزور في الأثل الانحراف وفي الاستعمال هو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق وإنما كرره بهذا الوجه لأن الدواعي إليه كثيرة وأسهل وقوعا على الناس والشرك ينبو عنه المسلم وعقوق الوالدين ينبو عنه الطبع قوله وشهادة الزور عطف على قوله وقول الزور عطف تفسير لأن قول الزور أعم من أن يكون كفرا ومن أن يكون شهادة أو كذبا آخر من الكذبات وقيل المراد بقول الزور هنا الكفر فإن الكافر شاهد بالزور قائل به قلت هذا فهم من قوله الإشراك بالله قوله حتى قلت لا يسكت القائل هو أبو بكرة وفي رواية الترمذي فما زال رسول الله يقولها حتى قلنا ليته سكت إشفاقا عليه
5977 - حدثني ( محمد بن الوليد ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) قال حدثني ( عبيد الله بن أبي بكر ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال ذكر رسول الله الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكبر ظني أنه قال شهادة الزور ( انظر الحديث 2653 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن الوليد عبد الحميد ولقبه حمدان وهو شيخ مسلم أيضا وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس يروي عن جده أنس بن مالك
والحديث مضى في الشهادات عن عبد الله بن منير وسيأتي في الديات عن إسحاق بن منصور
قوله أو سئل عن الكبائر شك من الراوي وفي الشهادات سئل فقط
7 -
( باب صلة الوالد المشرك )
أي هذا باب في بيان مشروعية الصلة من المسلم لوالده المشرك وعبر ابن بطال عنه بالوجوب لأن الله تعالى قال ( 13 ) وصاحبهما في الدنيا معروفا ( لقمان15 ) فأمر الله تعالى في هذه الآية ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف وإن كانا مشركين
9 - ( حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي أخبرتني أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنهما قالت أتتني أمي راغبة في عهد النبي فسألت النبي آصلها قال نعم قال ابن عيينة فأنزل الله تعالى فيها لا ينهاكم الله عن الذين

(22/88)


لم يقاتلوكم في الدين )
مطابقته للترجمة من حيث أنه أمر فيه بصلة الوالدة المشركة فيدخل فيه الوالد بالطريق الأولى والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى وسفيان هو ابن عيينة وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما والحديث قد مضى في الهبة في باب الهدية للمشركين فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه إلى آخره قوله أتتني أمي اسمها قيلة بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف على الأصح بنت عبد العزى وقيل كانت أمها من الرضاعة قوله راغبة بالغين المعجمة وبالباء الموحدة أي راغبة في بري وصلتي وقيل راغبة عن الإسلام كارهة له وذلك كان في معاهدة النبي الكفار مدة مصالحتهم وقيل هو بالميم بدل الباء وقال الطيبي رحمه الله قوله راغبة إن كان بلا قيد فالمراد راغبة في الإسلام لا غير وإذا قرنت بقوله مشركة أو في عهد قريش فالمراد راغبة في صلتي وإن كانت الرواية راغمة بالميم فمعناه كارهة للإسلام قلت في قوله فالمراد راغبة في الإسلام نظر لأنها لو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج أسماء إلى الاستئذان في صلتها قوله قال ابن عيينة هو سفيان الراوي قوله لا ينهاكم الله الآية قال مجاهد هم من آمن وأقام بمكة ولم يهاجر والذين قاتلوهم في الدين كفار مكة وقال أبو صالح خزاعة وقال قتادة الآية منسوخة بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقول سفيان قاله عبد الله بن الزبير -
8 -
( باب صلة المرأة أمها ولها زوج )
أي هذا باب في بيان صلة المرأة أمها والحال أن لها زوجا
5979 - وقال ( الليث ) حدثني ( هشام ) عن ( عروة ععن أسماء ) قالت قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي مع أبيها فاستفتيت النبي فقلت إن أمي قدمت وهي راغبة قال نعم صلي أمك
مطابقته للترجمة ظاهرة وقال الكرماني ذكر في الترجمة ولها زوج فأين في الحديث ما يدل عليه وأجاب بقوله إن كان الضمير في لها راجعا إلى المرأة فهو ظاهر إذ أسماء كانت زوجة للزبير وقت قدومها وإن كان راجعا إلى الأم فذلك باعتبار أن يراد يلفظ أبيها زوج أم أسماء ومثل هذا المجاز سائغ وكونه كالأب لأسماء ظاهر
قوله وقال الليث أورد هذا الحديث عن الليث ابن سعد معلقا ووصله أبو نعيم في ( المستخرج ) قوله في مدتهم أي التي عينوها للصلح وترك المقاتلة قوله مع أبيها أي مع أب أم أسماء قوله قال صلي ويروى قال نعم صلي وهو بكسر الصاد واللام المخففة أمر من وصل يصل أصله أو صلي حذفت الواو تبعا لفعله واستغنيت عن الهمزة فصار صلي على وزن علي فافهم
5980 - حدثنا يحياى حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله ابن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه ف قال فما يأأمركم يعني النبي فقال يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة
مطابقته للترجمة بعموم لفظ الصلة وإطلاقه و ( يحيى ) هو ابن عبد الله بن بكير و ( عقيل ) بضم العين ابن خالد و ( ابن شهاب ) محمد بن مسلم الزهري و ( عبيد الله بن عبد الله ) بن عتبة بن مسعود والحديث طرف من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد مر في أول الكتاب ومر الكلام فيه
11 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار قال

(22/89)


سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول رأى عمر حلة سيراء تباع فقال يا رسول الله ابتع هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود قال إنما يلبس هذه من لا خلاق له فأتي النبي منها بحلل فأرسل إلى عمر بحلة فقال كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت قال إني لم أعطكها لتلبسها ولكن تبيعها أو تكسوها فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث تقدم في كتاب الهبة في باب هدية ما يكره لبسها ومضى أيضا في كتاب اللباس في باب الحرير للنساء ومضى الكلام فيه قوله ولكن تبيعها وفي رواية الكشميهني لتبيعها قوله أو تكسوها أي تعطيها غيرك قوله إلى أخ له قيل إنه عثمان بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأرقص بن مرة بن هلال بن مانح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم حليف بني أمية وبنته أم سعيد بن المسيب وأخته خولة بنت حكيم زوج عثمان بن مظعون ولدت له السائب وعبد الرحمن ولم يكن أخا لعمر رضي الله تعالى عنه إنما كان أخا لأخي عمر زيد بن الخطاب لأمه أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عيسى من بني أسد بن خزيمة وأم عمر رضي الله تعالى عنه حنتمة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وبالتاء المثناة من فوق ويقال خيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة وهو الأشهر والأول أصح وهي بنت هاشم ذي الرمحين ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وذكر النسائي أنه كان أخا لعمر من أمه وفي التوضيح والصواب ما تقدم من أنه أخ لزيد لا لعمر رضي الله تعالى عنه وذكر ابن هشام عن ابن إسحق أن أباه حكيم بن أمية أسلم قديما بمكة -
9 -
( باب صلة الأخ المشرك )
أي هذا باب في بيان صلة المسلم لأخيه المشرك والإضافة في صلة الأخ إضافة إلى المفعول وطوى ذكر الفاعل
10 -
( باب فضل صلة الرحم )
أي هذا باب في بيان فضل صلة الرحم وقال عياض لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها مصيبة كبيرة وللصلة درجات فأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل كل ذي رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت منا كحتها فعلى هذا لا تدخل أولاد الأعمام والأخوال وقيل هو عام في كل ذي رحم من ذوي الأرحام في الميراث قال وهو الصواب
5982 - حدثني ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( ابن عثمان ) قال سمعت ( موسى بن طلحة ) عن ( أبي أيوب ) قال قيل يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ( انظر الحديث 1396 وطرفه )
5983 - وحدثني عبد الرحمان حدثنا بهز حدثنا شعبة حدثنا ابن عثمان بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان بن عبد الله أنهما سمعا موسى بن طلحة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال القوم ماله فقال رسول الله أرب ماله فقال النبي تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها قال كأنه كان على راحلته ( انظر الحديث 1396 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله وتصل الرحم وأخرجه من طريقين الأول عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك عن شعبة عن ابن عثمان وهو محمد بن عثمان وقال الكرماني ويروى عن عثمان وكلاهما صحيح عن موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري الثاني عن ( عبد الرحمن ) بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة النيسابوري عن ( بهز ) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وبالزاي ابن أسد البصري عن ( شعبة ) عن محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم والهاء وسكون الواو وقال الكلاباذي هو عمرو بن عثمان ووهم شعبة في اسمه فقال محمد وقال البخاري بعد

(22/90)


روايته لهذا الحديث في أول الزكاة أخشى أن يكون محمد غير محفوظ إنما هو عمرو
والحديث مر في أول الزكاة ومضى الكلام فيه
قوله ماله استفهام وكرر للتأكيد قوله أرب بفتحتين الحاجة وتقديره له أرب فيكون ارتفاعه على الابتداء وخبره قوله له مقدما وروي بكسر الراء وفتح الباء الموحدة من أرب في الشيء إذا صار ماهرا فيه فيكون معناه التعجب من حسن فظنته والتهدي إلى موضع حاجته قوله ذرها أي أترك الراحلة ودعها كان الرجل كان على الراحلة حين سأل المسألة وفهم رسول الله استعجاله فلما حصل مقصود من الجواب قال له دع الراحلة تمشي إلى منزلك إذ لم يبق لك حاجة فيما قصدته أو كان راكبا وهو كان آخذا بزمام راحلته فقال بعد الجواب دع زمام الراحلة
11 -
( باب إثم القاطع )
أي هذا باب في بيان إثم قاطع الرحم
13 - ( حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن محمد بن جبير بن مطعم قال إن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع النبي يقول لا يدخل الجنة قاطع )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن جبير يروي عن أبيه جبير بن مطعم والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن ابن أبي عمر وغيره وأخرجه أبو داود في الزكاة عن مسدد وأخرجه الترمذي في البر عن ابن أبي عمر وغيره قوله قاطع أي قاطع الرحم قال الكرماني المؤمن بالمعصية لا يكفر فلا بد من أن يدخل الجنة ثم قال حذف مفعول قاطع يدل على عمومه ومن قطع جميع ما أمر الله به أن يوصل كان كافرا أو المراد المستحل أو لا يدخلها مع السابقين -
12 -
( باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم )
أي هذا باب في بيان من بسط على صيغة المجهول له في الرزق بسبب صلة الرحم
14 - ( حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن معن قال حدثني أبي عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن معن بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالنون ابن محمد بن معين بن نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن عمرو المدني الغفاري ونضلة له صحبة كان يسكن في ناحية العرج ومحمد بن معن يروي عن أبيه معن بن محمد وهو ثقة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وكذا أبوه ليس له إلا موضع آخر أو موضعان وسعيد بن أبي سعيد هو المقبري واسم أبي سعيد كيسان والحديث من أفراده قوله وأن ينسأ له من النسأ بفتح النون وسكون السين المهملة وبالهمزة في آخره وهو التأخير أي يؤخر له في أثره أي في أجله وأثر الشيء هو ما يدل على وجوده ويتبعه والمراد به ههنا الأجل وسمي به لأنه يتبع العمر فإن قلت الآجال مقدرة وكذا الأرزاق لا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قلت أجيب عن هذا بوجهين ( أحدهما ) أن هذه الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وصيانته عن الضياع وحاصله أنها بحسب الكيف لا الكم ( والثاني ) أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وإلى ما يظهر له في اللوح المحفوظ بالمحو والإثبات فيه يمحو الله ما يشاء ويثبت كما أن عمر فلان ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإنه يزاد عليه عشرة وهو سبعون وقد علم الله عز و جل بما سيقع له من ذلك فبالنسبة إلى الله تعالى لا زيادة ولا نقصان ويقال له القضاء المبرم وإنما يتصور الزيادة بالنسبة إليهم ويسمى مثله بالقضاء المعلق ويقال المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت وهو إما بالعلم الذي ينتفع به أو الصدقة الجارية أو الخلف الصالح

(22/91)


5986 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( أنس بن مالك ) أن رسول الله قال من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ( انظر الحديث 2067 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تكرر ذكرهم بهذا النسق
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأدب عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده به
وقد ورد في فضل صلة الرحم أحاديث كثيرة منها حديث علي رضي الله عنه رواه عبد الله بن أحمد في ( زوائده على المسند ) والبزار والطبراني والحاكم في ( المستدرك ) بلفظ من سره أن يمدله في عمره ويوسع عليه في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليصل رحمه ومنها حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي أن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر ومنها حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات مرفوعا صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار ومنها حديث أبي هريرة أخرجه أبو موسى المديني في ( كتاب الترغيب والترهيب ) مرفوعا والوالدين يزيد في العمر والكذب ينقص الرزق وبر الوالدين من أعظم صلة الرحم وروي أيضا من حديث ابن عباس وثوبان مسندا عن التوراة ابن آدم اتق ربك وبر والديك وصل رحمك أمد لك في عمرك وروي أيضا عن ثوبان يرفعه لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين ولا يزيد في الرزق إلا صلة الرحم وروي أيضا من حديث محمد بن علي عن أبيه عن جده علي رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال وسأل عن قوله يمحو الله ما يشاء ( الرعد39 ) قال هي الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصطناع المعروف وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء يا علي ومن كانت فيه خصلة واحدة من هذه الأشياء أعطاه الله تعالى هذه الثلاث الخصال وروي من حديث عبد الله بن عمر يرفعه أن الإنسان ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة وأن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فينقص الله عمره حتى لا يبقى منه إلا ثلاثة أيام قال أبو موسى هذا حديث حسن وروي من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله يوما ونحن في صفة بالمدينة فقال إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه قال أبو موسى هذا حديث حسن جدا
13 -
( باب من وصل وصله الله )
أي هذا باب في بيان من وصل رحمه الله يعني يعطف عليه بفضله إما في عاجل دنياه أو آجل آخرته والعرب تقول إذا تفضل رجل على رجل آخر بمال أو وهبه هبة وصل فلان فلانا كذا
5987 - حدثنا ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معاوية بن أبي مزرد ) قال سمعت ( عمي سعيد بن يسار ) يحدث عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذاا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك قال رسول الله فاقرأوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الارض وتقطعوا أرحامكم ( محمد22 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي ومعاوية بن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء المشددة وبالدال المهملة المدني وله حديث آخر وهو ثالث أحاديث الباب عن عائشة وحديث آخر قد مر في الزكاة يروي عن عمه سعيد بن يسار ضد اليمين أبي الحباب مولى شقران مولى رسول الله مات سنة تسع عشرة ومائة
والحديث مضى

(22/92)


في التفسير في سورة محمد فإنه أخرجه هناك عن خالد عن سليمان عن معاوية بن أبي مزردإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله خلق الخلق يحتمل أن يكون المراد خلق جميع المخلوقات ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين قوله حتى إذا فرغ المراد بالفراغ قضاؤه وإتمامه ونحو ذلك بما يشهد بأنه مجاز القول فإن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن أو يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل قوله قالت الرحم يحتمل أن يكون هذا القول بعد خلق السموات والأرض أو بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله ( 7 ) ألست بربكم ( الأعراف172 ) لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر ثم إسناد القول إلى الرحم يحتمل أن يكون بلسان الحال ويحتمل أن يكون بلسان المقال يتكلم كما هي أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا وقيل هو في الحقيقة ضرب مثل واستعادة إذ الرحمن معنى وهو إيصال القربى بين أهل النسب وهي استعارة تمثيلية وهي التي الوجه فيها منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول بما كانت تابعة للمشبه به المحسوس وذلك انه شبهت حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب منها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في المشبه به من الألفاظ بدلائل قرائن الأحوال ويجوز أن يكون استعارة مكنية بأن يشبه الرحم بإنسان يستجير بمن يحميه ويذب عنه ما يؤذيه ثم انعقد على سبيل الإستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الإستعارة بأخذ القول وقال القاضي عياض الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم وإنما هي قرابة ونسب يجمعه رحم والده ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحما والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها بالعرش ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك وتعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظيم إثم قاطعها بعقوقه ولهذا سمي العقوق قطعا والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل قال ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله عز و جل قوله أن أصل من وصلك الوصل من الله تعالى كناية عن عظيم إحسانه والقطع منه كناية عن حرمان الإحسان
5988 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان ) حدثنا ( عبد الله بن دينار ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال إن الرحم شجنة من الرحمان فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب ويقال أبو محمد القرشي التيمي مولى عبد الله بن أبي عتيق واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأبو صالح ذكوان السمان
والحديث من أفراده
قوله شجنة بكسر الشين المعجمة وسكون الجيم بعدها نون وجاء بضم أوله وبفتحه رواية ولغة واصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة قوله من الرحمن أي أخذ اسمها من هذا لإسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله يقول قال الله أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من إسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته رواه أبو داود والترمذي وروى الطبراني من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال رسول الله قال الله تعالى الرحم شجنة مني فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله وقال الإسماعيلي معنى الحديث أن الرحم مشتق اسمها من إسم الرحمن فلها به علقة وليس معناه أنها من ذات الله تعالى تعالى الله عن ذلك
5989 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) قال أخبرني معاوية بن أبي مرزد

(22/93)


عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي عن النبي قال الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الحديث بلفظ حديث أبي هريرة إلا أنه بلفظ الغيبة
14 -
( باب يبل الرحم ببلالها )
أي هذا باب يذكر فيه يبل الرحم ببلالها ولفظ يبل على بناء المعلوم وفاعله محذوف تقديره يبل الشخص المكلف والرحم منصوب على أنه مفعول يبل ويجوز أن يكون يبل على صيغة المجهول مسندا إلى الرحم المرفوع به قوله ببلالها بكسر الباء الموحدة وكل ما يبل به الحلق من الماء واللبن يسمى بلالا وقد يجمع البلة بالكسر وهي النداوة على بلال وقال الخطابي البلال مصدر بللت الرحم أبلة بلالا وبلالا بالكسر والفتح إذا نديتها بآلة
5990 - حدثنا ( عمرو بن عباس ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( إسماعيل بن أبي خالد ) عن ( قيس بن أبي حازم ) أن ( عمرو بن العاص ) قال سمعت النبي جهارا غير سر يقول إن آل أبي فلان قال عمرو في كتاب محمد بن جعفر بياض ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين
زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال سمعت النبي ولاكن لهم رحم أبلها ببلالها يعني أصلها بصلتها
مطابقته للترجمة في قوله أبلها ببلالها وعمرو بفتح العين أبو عثمان البصري ومحمد بن جعفر هو غندر وإسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز وقيس بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه عوف البجلي قدم المدينة بعدما قبض النبي
والحديث أخرجه مسلم في الأيمان عن أحمد بن حنبل عن غندر به
قوله جهارا أي سمعت سماعا جهارا المعنى كان المسموع في حال الجهار دون السر وهذا للتأكيد ويحتمل أن يكون المعنى أقول ذلك جهارا لا سرا قوله يقول أي النبي إن آل أبي فلان هكذا في رواية المستملي وفي رواية غيره إن آل أبي بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية ووقع في رواية مسلم كرواية المستملي وذكر القرطبي أنه وقع في أصل مسلم موضع فلان ولبعضهم أنه قال أبي فلان بالجزم قوله قال عمرو هو ابن عباس شيخ البخاري فيه قوله في كتاب محمد بن جعفر وهو غندر شيخ عمر والمذكور فيه قوله بياض قال عبد الحق في كتاب ( الجميع بين الصحيحين ) الصواب في ضبط هذه الكلمة بالرفع أي وقع في كتاب محمد بن جعفر موضع أبيض يعني بغير كتابة وفهم بعضهم منه أنه الإسم المكني عنه في الرواية فقرأه بالجر على أنه في كتاب محمد بن جعفر أن آل أبي بياض وهو فهم بعيد سيء لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها آل أبي بياض فضلا عن قريش وسياق الحديث يشعر بأنهم من قبيلة النبي وهي قريش بل فيه إشعار بأنهم أخص من ذلك لقوله إن لهم لرحما وأبعد من ذلك من حمله على بني بياضة وهم بطن من الأنصار لما فيه من التغيير والترخيم الذي لا يجوزه الأكثرون وقال عياض إن المكني عنه هو الحكم بن أبي العاص قوله ليسوا بأوليائي كذا في رواية الأكثرين وفي رواية لأبي ذر بأولياء ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم فيكون هذا من إطلاق الكل وإرادة البعض وقال الخطابي الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين قوله وصالح المؤمنين كذا في رواية الأكثرين بإفراد صالح ووقع في رواية البرقاني وصالحو المؤمنين بالجمع وقال الزمخشري هو واحد وأريد به الجمع لأنه جنس ويجوز أن يكون أصله وصالحوا المؤمنين بالواو فكتب بغير اللفظ على الواو وقال النووي معنى الحديث أن وليي

(22/94)


من كان صالحا وإن بعد نسبه مني وليس ولي من كان غير صالح وإن قرب نسبه مني
وقال القرطبي فائدة الحديث انقطاع الولاية بين المسلم والكافر ولو كان قريبا جميعا وقال الطيبي شيخ شيخي المعنى أني لا أوالي أحدا بالقرابة وإنما أحب الله لماله من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كانوا من ذوي رحمي أم لا ولكن أراعي لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم هذا من فحول الكلام ومن فحول العلماء وقد اختلفوا في المراد بقوله تعالى ( 66 ) وصالح المؤمنين ( التحريم4 ) على أقوال الأول الأنبياء أخرجه الطبري عن قتادة الثاني الصحابة أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي الثالث خيار المؤمنين أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك الرابع أبو بكر وعمر وعثمان أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري الخامس أبو بكر وعمر أخرجه الطبري عن ابن مسعود مرفوعا وسنده ضعيف السادس عمر خاصة أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير السابع أبو بكر خاصة ذكره القرطبي عن المسيب بن شريك الثامن علي أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد
قوله زاد عنبسة بن عبد الواحد أي ابن أمية بن عبد الله ابن سعيد بن العاص بن أحيحة بمهملتين مصغرا وكان يعد من الأبدال وماله في البخاري سوى هذا الموضع المعلق ووصله البخاري في كتاب البر والصلة فقال حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة حدثنا جدي فذكره قوله عن بيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون ابن بشر بالشين المعجمة الأحمسي قوله عن قيس هو قيس بن أبي حازم المذكور قوله لهم أي لآل أبي فلان قوله رحم أي قرابة قوله أبلها أي أنديها ببلالها أي بما يجب أن تندى به ومنه بلوا أرحامكم أي ندوها أي صلوها يقال للوصل بلل لأنه يقتضي الاتصال والقطيعة يبس لأنه يقتضي الانفصال قوله يعني أصلها بصلتها هذا التفسير قد سقط من رواية النسفي ووقع عند أبي ذر وحده أبلها ببلالها وبعده في الأصل كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلائها لا أعرف له وجها انتهى حاصل هذا أن البخاري قال وقع في كلام هؤلاء الرواة ببلائها بالهمزة بعد الألف ولو كان ببلالها باللام لكان أجود وأصح يعني قال ولا أعرف لبلائها وجها وقال الكرماني يحتمل أن يقال وجهه أن البلاء جاء بمعنى المعروف والنعمة وحيث كان الرحم مصرفها أضيف إليها بهذه الملابسة فكأنه قال أبلها بمعروفها اللائق بها ووجه أيضا الداودي هذه الرواية على تقدير ثبوتها بأن المراد ما أوصله إليها من الأذى على تركهم الإسلام ورد عليه ابن التين بأنه لا يقال في الأذى أبله وفيه نظر لا يخفى
15 -
( باب ليس الواصل بالمكافىء )
أي هذا باب يذكر فيه ليس الواصل بالكافىء يعني ليس حقيقة الواصل من يكافىء صاحبه بمثل فعله إذ ذاك نوع معاوضة وروى عبد الرزاق عن معمر عمن سمع عكرمة يحدث عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص ولكن الوصل أن تصل من قطعك وهذا حقيقة الوصل الذي وعد الله عباده عليه جزيل الأجر قال تعالى والذين يصلونيوصل ( الرعد21 )
5991 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( الأعمش والحسن بن عمرو وفطر ) عن ( مجاهد ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال ( سفيان ) لم ( يرفعه الأعمش إلى ) النبي ( ورفعه الحسن وفطر ) عن النبي قال ليس الواصل بالمكافىء ولاكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان والحسن بن عمرو الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف وفطر بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة وبالراء ابن خليفة
والحديث أخرجه أبو داود في الزكاة عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري وأخرجه الترمذي في البر عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة
قوله قال سفيان هو الثوري الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور قوله لم يرفعه أي الحديث قوله ورفعه الحسن وفطر هو المحفوظ عن الثوري

(22/95)


ولم يختلفوا أن رواية فطر بن خليفة مرفوعة وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن الحسن بن عمرو وحده مرفوعا ومن رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن الحسن بن عمرو موقوفا قوله ولكن قال الطيبي الرواية فيه بالتشديد ويجوز التخفيف
16 -
( باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم )
أي هذا باب في بيان من وصل رحمه حال كونه في الشرك ثم بعد ذلك هل أسلم يكون له في ذلك ثواب ولم يبين حكمه لوجود الاختلاف فيه
5992 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( حكيم ابن حزام ) أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة هل لي فيها من أجر قال حكيم قال رسول الله أسلمت على ما سلف من خير
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث قد مضى في الزكاة في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم
قوله أرأيت أي أخبرني قوله أتحنث أي أتعبد وحقيقته التجوز عن الحنث وهو الإثم فكأن المتعبد يلقي الإثم عن نفسه بالعبادة
وفيه أن المؤمن من يثاب على أعمال الخير الصادرة عنه حالة الكفر
ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت وقال معمر وصالح وابن المسافر أتحنث وقال ابن إسحاق التحنث التبرر وتابعهم هشام عن أبيه
أي كما حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع المذكور بالحديث المذكور وفيه أتحنث بالثاء المثلثة يقال أيضا عنه أتحنث بالتاء المثناة من فوق بدل الثاء المثلثة ولضعف هذا ذكره بصيغة التمريض وهو في رواية أبي ذر هكذا وفي رواية غيره وقال أيضا عن أبي اليمان فهو من كلام البخاري فيكون فاعل قال هو البخاري نفسه وقال ابن التين أتحنت بالمثناة لا أعلم له وجها ووقع عند الإسماعيلي أتجنب بالجيم والنون والباء الموحدة وبعد أن نقله نسبه إلى البخاري ثم قال والتحنت يعني بالمثناة تصحيف وإنما هو التحنث يعني بالثاء المثلثة مأخوذ من الحنث وهو الإثم فكأنه قال أتوقى ما يؤثم قوله وقال معمر هو ابن راشد وصالح هو ابن كيسان وابن المسافر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي المصري أمير مصر ووقع هنا لمسافر بالألف واللام والشهور فيه بحذفهما قوله أتحنت مقول قول الثلاثة يعني بالتاء المثناة أما تعليق معمر فوصله البخاري في الزكاة في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم وأما تعليق صالح فوصله مسلم من حديث صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنت بها في الجاهلية الحديث وأما تعليق ابن مسافر فوصله الطبراني في ( الأوسط ) من طريق الليث بن سعد عنه قوله وقال ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب السيرة التحنث بالثاء المثلثة التبرر من البر بالباء الموحدة والراء المشددة هكذا ذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية قوله وتابعهم هشام عن أبيه أي تابع هؤلاء المذكورين هشام بن عروة عن أبيه عروة هكذا رواية الكشميهني تابعهم بالجمع وفي رواية غيره وتابعه بالإفراد وهذا أولى لأن المراد بهذه المتابعة خصوص تفسير التحنث بالتبرر ووصل هذه المتابعة البخاري في العتق من طريق أبي أسامة عنه ولفظه أن حكيم بن حزام قالفذكر الحديث وفيه كنت أتحنث بها يعني أتبرر
17 -
( باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو مازحها )
أي هذا باب فيه ذكر من تركإلى آخره قوله حتى تلعب أي تركها إلى أن تلعب ببعض جسده قوله أو قبلها من التقبيل وهذا من تقبيل الشفقة لأن التقبيل على أنواع قوله أو مازحها من الممازحة من باب المفاعلة الذي يقتضي الاشتراك من الجانبين والأوجه أن يكون مازح هنا بمعنى مزح لأن المزح ما يتصور من كل صغير وقال بعضهم والذي

(22/96)


يظهر أن ذكر المزح بعد التقبيل من العام بعد الخاص قلت ليس كذلك لأن لكل واحد من التقبيل والمزاح معنى خاصا وليس بينهما عموم وخصوص والمزح الدعاء به يقال مزح يمزح والإسم المزاح بالضم والمزاحة أيضا وأما المزح بالكسر فهو مصدر
22 - ( حدثنا حبان أخبرنا عبد الله عن خالد بن سعيد عن أبيه عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت أتيت رسول الله مع أبي وعلي قميص أصفر قال رسول الله سنة سنة قال عبد الله وهي بالحبشية حسنة قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي قال رسول الله دعها ثم قال رسول الله أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي قال عبد الله فبقيت حتى ذكر يعني من بقائها )
مطابقته للترجمة في قوله فذهبت ألعب وقال ابن التين ليس المراد في الخبر المذكور في الباب للتقبيل ذكر وأجيب بأنه يحتمل أن يكون أخذه من القياس فإنه لما لم ينهها عن مس جسده صار كالتقبيل وفيه تأمل وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي شيخ مسلم أيضا مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وخالد بن سعيد يروي عن أبيه سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي وهو من أفراد البخاري وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس وهي مشهورة بكنيتها واسمها أمة وأمها أميمة ويقال هميمة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة من خزاعة تزوج أمة بنت خالد بن الزبير بن العوام وخالد بن سعيد المذكور أسلم قديما يقال أنه أسلم بعد أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكان ثالثا أو رابعا وقيل خامسا هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعية وولد له بها ابنه سعيد بن خالد وابنته أم خالد وحديث أم خالد هذه قد تقدم بوجوه مختلفة في الجهاد وهجرة الحبشة وفي اللباس قوله سنة بفتح السين المهملة وتخفيف النون قال الكرماني وقيل بتشديدها قوله بخاتم النبوة هو ما كان مثل زر الحجلة بين كتفي رسول الله قوله فزبرني أي نهرني من الزبر بالزاي في أوله والباء الموحدة وهو الزجر والمنع قوله أبلي وأخلقي كلاهما أمر فأبلي من أبليت الثوب إذا جعلته عتيقا وأخلقي من الأخلاق ومن الثلاثي أيضا بمعناه وقال الداودي يستفاد منه مجيء ثم للمقارنة ومنعه بعض النحاة فقالوا لا تأتي إلا للتراخي وقال ابن التين ما علمت أن أحدا قال أن ثم للمقارنة وإنما هي للترتيب بالمهملة قال وليس في الحديث ما ادعاه من المقارنة لأن الإبلاء يكون بعد الخلق أو الخلف وقال بعضهم لعل الداودي أراد بالمقارنة العاقبة فيتجه بعض اتجاه قلت آفة التصرف من الفهم السقيم فهل المعاقبة إلا المقارنة قلت قد جوز بعض النحاة مجيء ثم بمعنى الواو واستدل بقوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه قوله قال عبد الله هو ابن المبارك المذكور وهو متصل بالإسناد المذكور قوله فبقيت أي أم خالد المذكورة هذه رواية أبي ذر وفي رواية غيره فبقي أي الثوب وهو القميص المذكور قوله حتى ذكر أي القميص أي حتى صار مذكورا بين الناس لخروج بقائه عن العادة قاله الكرماني وقال بعضهم بعد أن ذكر ما قاله الكرماني فإنه قرأ ذكر بضم أوله لكنه لم يقع عندنا في الرواية إلا بالفتح قال ووقع في رواية أبي علي بن السكن حتى ذكر دهرا وهو يؤيد ما قدمته انتهى قلت الذي قاله الكرماني هو الصحيح لأن قوله حتى ذكر مجهول لأن المعنى على هذا وإذا جعل معلوما ما يكون فاعله وكلام ابن السكن يؤيد كلام الكرماني ولا يقرب مما قاله هذا القائل فضلا عن أن يؤيده وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني حتى دكن بدال مهملة وكاف مكسورة وبنون أي حتى صار أدكن أي أسود والمعنى حتى دكن القميص وقال الكرماني أي عاشت أم خالد عيشا طويلا حتى تغير لون قميصها إلى الاسوداد والدكنة لون يضرب إلى السواد قوله يعني من بقائها يعني كون هذا القميص مذكورا دهرا من أجل بقائها أي من أجل بقاء أم خالد زمانا طويلا وفيه معجزة النبي وفيه جواز مباشرة الرجل الصغيرة التي

(22/97)


لا يشتهى مثلها وممازحتها وإن لم تكن منه بذات محرم وكان مزح النبي حقا فمن ذلك يجوز المزح إذا كان حقا وأما إذا كان بغير حق فإنه يؤدي إلى الفاحشة فلا يجوز وفيه تواضع النبي وحلمه حيث لم ينهر أم خالد عن لعب خاتم النبوة -
18 -
( باب رتحمة الولد وتقبيله ومعانقته )
أي هذا باب في بيان رحمة الولد وهي شفقته وتعطفه عليه وجلب المنفعة إليه ودفع المضرة عنه والإضافة فيه إضافة الفعل إلى المفعول وطوى فيه ذكر الفاعل والتقدير رحمة الوالد ولده وكذلك الإضافة في تقبيله ومعانقته قوله وتقبيله أي وفي جواز تقبيل الولد وقال ابن بطال يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه وكذا الكبير عند أكثر العلماء ما لم يكن عورة
وقال ثابت عن أنس أخذ النبي إبراهيم فقبله وشمه
ثابت بالثاء المثلثة هو ابن أسلم البصري أبو محمد البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى نسبة إلى بنانة أمة لسعد بن لؤي بن غالب وهذا التعليق أخرجه البخاري موصولا في الجنائز وهو حديث طويل وإبراهيم هو ابن النبي من ماربة القبطية
5994 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( مهدي ) حدثنا ( ابن أبي يعقوب ) عن ( ابن أبي نعم ) قال كنت شاهدا لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض فقال ممن أنت فقال من أهل العراق قال انظروا إلى هاذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي وسمعت النبي يقول هما ريحانتاي من الدنيا ( انظر الحديث 3753 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هما ريحانتاي من الدنيا والريحان مما يشم والولد مما يشم ويقبل
وموسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي ومهدي هو ابن ميمون الأزدي وذكر هكذا في رواية أبي ذر وابن أبي يعقوب هو محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب الضبي البصري وابن أبي نعم بضم النون وسكون العين المهملة هو عبد الرحمن واسم أبيه لا يعرف وكان ثقة عابدا
والحديث مضى في مناقب الحسن والحسين رضب الله عنهما
قوله كنت شاهدا أي حاضرا قوله وساله رجل عن دم البعوض الواو فيه للحال وفي المناقب سمعت عبد الله بن عمر سأله عن المحرم قال شعبة أحسبه يقتل الذباب قال الكرماني يحتمل أن السؤال كان عنهما جميعا يعني عن البعوض و الذباب وقيل أو أطلق الراوي الذباب على البعوض لقرب شبهه منه قوله ممن أنت يعني من أي البلاد أنت فقال من أهل العراق وفي المناقب فقال أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله يعني الحسين بن علي رضي الله عنهما ولم يذكر لفظ ابنة قوله هما يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما قوله ريحانتاي كذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي والحموي ريحاني بكسر النون والتخفيف على الإفراد وكذا عند النسفي وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني ريحانتي بزيادة التاء التي للتأنيث وقال ابن التين المراد بالريحان هنا الرزق وقال الزمخشري في ( الفائق ) أي هما من رزق الله الذي رزقنيه يقال سبحان الله وريحانه أي أسبح الله واسترزقه ويجوز أني راد بالريحان المشموم يقال حياتي بطاقة ر يحان والمعنى فإنهما مما أكرمني الله به وحباني به لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين قوله من الدنيا أي نصيبي من الريحاني الدنيوي
5995 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عبد الله بن أبي بكر ) أن ( عروة بن الزبير ) أخبره أن ( عائشة ) زوج النبي ( حدثته ) قالت جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت

(22/98)


فخرجت فدخل النبي فحدثته فقال من يلي من هاذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن سترا من النار ( انظر الحديث 1418 )
مطابقته للترجمة من حيث إن المرأة التي معها ابنتان لم تتناول شيئا من تلك التمرة التي أعطتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رحمة وشفقة على بنتيها
وأبو اليمان الحكم بن نافع وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وغيره وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن محمد عن ابن المبارك
قوله فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فإن قلت وقع في رواية عراك بن مالك عن عائشة جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتا ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فأعجبني شأنهاالحديث أخرجه مسلم فما الجمع بينهما قلت قيل يحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى تمرة واحدة فأعطتها ثم وجدت اثنتين ويحتمل تعدد القصة قوله من يلي من الولاية كذا في رو اية الأكثرين وفي رواية الكشميهني من بلي بضم الباء الموحدة من البلاء وفي روايته أيضا بشيء ووقع في رواية الترمذي من ابتلي قوله من هذه البنات شيئا أي بشيء ونصب بنزع الخافض ووقع في رواية مسلم من حديث أنس من عال جاريتين وفي رواية أحمد من حديث أم سلمة من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذاتي قرابة يحتسب عليهما قوله فأحسن اليهن وقع في أكثر الروايات بلفظ الإحسان وفي رواية عبد المجيد فصبر عليهن ومثله في حديث عقبة بن عامر في ( الأدب المفرد ) وكذا في ابن ماجه وزاد وأطعمهن وسقاهن وكساهن وفي حديث ابن عباس عند الطبراني فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن وفي حديث جابر عن أحمد يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وزاد الطبراني فيه ويزوجهن وفي حديث أبي سعيد في ( الأدب المفرد ) فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن وكذا في رواية الترمذي عنه وللترمذي أيضا عنه أن رسول الله قال لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة وروى الطبراني في ( الأوسط ) من حديث أبي هريرة بلفظ من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفلهن دخل الجنة قلنا وواحدة قال وواحدة قوله سترا أي حجابا وكذا وقع في رواية عبد المجيد وفي هذه الأحاديث تأكد حق البنات على حق البنين لضعفهن عن القيام بمصالحهن من الاكتساب وحسن التصرف وجزالة الرأي فإذا تامت رجعت إلى أبيها كما روينا في ( سنن ابن ماجه ) من حديث سراقة بن مالك أن النبي قال ألا أدلك على أفضل الصدقة ابنتك مردودة إليك ليس لها كاسب غيرك
5996 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( الليث ) حدثنا ( سعيد المقبري ) حدثنا ( عمرو بن سليم ) حدثنا ( أبو قتادة ) قال خرج علينا النبي وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها ( انظر الحديث 516 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من فعله وذلك لرحمته وشفقته على ولد الولد وولد الولد ولد لأن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع من زينب بنت النبي
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وعمرو بفتح العين ابن سليم بضم السين الأنصاري وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي الأنصاري
والحديث قد مضى في الصلاة في باب من حمل جارية صغيرة على عنقه
قوله فإذا ركع وضعها وفي كتاب الصلاة إذا سجد وضعها ولا منافاة لاحتمال أن الوضع كان عند الركوع والسجود جميعا وفي ( التوضيح ) وكانت الصلاة فرضا ومضى الكلام فيه هناك
5997 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) حدثنا ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال قبل رسول الله الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله ثم قال

(22/99)


من لا يرحم لا يرحم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث من أفراده
قوله وعنده الأقرع الواو فيه للحال قوله جالسا حال من الأقرع بن حابس التميمي وهو من المؤلفة وحسن إسلامه قوله من لا يرحم لا يرحم بالرفع والجزم فيهما قاله الكرماني قلت الرفع على الخبر والجزم على أن من شرطية وقال السهيلي جعله على الخبر أشبه لسياق الكلام لأنه سيق للرد على من قال إن لي عشرة من الولدإلى آخره أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم ولو كانت شرطية لكان في الكلام بعض انقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف وقيل يجوز الرفع في الجزءين والجزم فيهما والرفع في الأول والجزم في الثاني وبالعكس فيحصل أربعة أوجه
5998 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت جاء أعرابي إلى النبي فقال تقبلون الصبيان فما نقبلهم فقال النبي أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة ابن الزبير رضي الله عنه
والحديث من أفراده
قوله عن هشام عن عروة وفي رواية الإسماعيلي عن هشام بن عروة عن أبيه قوله جاء أعرابي قيل يحتمل أن يكون الأقرع بن حابس ويحتمل أن يكون قيس بن عاصم التميمي ثم السعدي قلت ويحتمل أن يكون عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري لأنه وقع له مثل ذلك قوله تقبلون كذا في رواية الأكثرين بدون حرف الإستهام وثبتت في رواية الكشميهني قوله فما نقبلهم وفي رواية الإسماعيلي فوالله ما نقبلهم وفي رواية مسلم لكن والله لا نقبل قوله أو ملك لك أن نزع الله الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة نحو تقول وقوله أن نزع بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أملك النزع وحاصل المعنى لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه وقيل كلمة أن مكسورة على أنها شرط وجزاء محذوف
28 - ( حدثنا ابن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قدم على النبي سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي أترون هذه طارحة ولدها في النار قلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال الله أرحم بعباده من هذه بولدها )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم وأبو غسان محمد بن مطرف وزيد بن أسلم يروي عن أبيه أسلم الحبشي البجاوي مولى عمر بن الخطاب والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن حسن الحلواني ومحمد بن سهل كلاهما عن ابن أبي مريم قوله قدم على النبي سبي أي أسر من الغلمان والجواري وسبيته سبيا إذا حملته من بلد إلى بلد وقوله قدم على صيغة المعلوم فعل ماض وسبي بالرفع فاعله وفي رواية الكشميهني قدم بسبي على صيغة المجهول وبالباء الموحدة في سبي وكان هذا من سبي هوازن قوله تحلب على وزن تفعل بالتشديد على صيغة المعلوم قوله ثديها بالرفع فاعله ومعناه تهيأ لأن تحلب وثديها بالإفراد في رواية الكشميهني وفي رواية الباقين ثدياها بالتثنية قوله تسقي من السقي بالسين المهملة والقاف وفي رواية المستملي والسرخسي تحلب بضم اللام مضارع حلب وثديها بالنصب وفي رواية الكشميهني بسقي بكسر الباء الموحدة وفتح السين المهملة وكسر الياء آخر الحروف وبالتنوين وفي رواية الباقين تسعى بالعين المهملة من السعي وهو المشي بسرعة وفي رواية مسلم تبتغي من الابتغاء وهو الطلب قال عياض وهو وهم وقال النووي كل منهما صواب لأنها

(22/100)


ساعية وطالبة لولدها قوله إذ وجدت صبيا كلمة إذ ظرف ويجوز أن يكون بدل اشتمال من امرأة وفي بعض النسخ إذا وجدت صبيا إلى قوله فقال لنا معناه إذا وجدت صبيا أخذته فأرضعته فوجدت صبيا فأخذته فألزمته بطنها وعلم من هذا أنها كانت فقدت صبيا وكانت إذا وجدت صبيا أرضعته ليخف عنها اللبن فلما وجدت صبيها بعينه أخذته فالتزمته وألصقته ببطنها من فرحها بوجدانه قوله أترون بضم التاء أي أتظنون قوله وهي تقدر على أن لا تطرحه أي طائقة ذلك قوله لله اللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة وصرح بالقسم في رواية الإسماعيلي فقال والله أرحم إلى آخره قوله بعباده قيل لفظ العباد عام ومعناه خاص بالمؤمنين وهو كقوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون فهي عامة من جهة الصلاحية وخاصة بمن كتبت له والظاهر أنها على العموم لمن سبق له منها نصيب من أي العباد كان حتى الحيوانات على ما يجيء في حديث الباب الآتي حيث قال فيه وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق الحديث -
19 -
( باب جعل الله الرحمة مائة جزء )
أي هذا باب يذكر فيه جعل الله الرحمة مائة جزء والترجمة ببعض الحديث وفي رواية النسفي باب من الرحمة وعند الإسماعيلي باب بغير ترجمة وقال بعضهم باب بالتنوين قلت تكرر هذا القول منه عند ذكر الأبواب المجردة ولا يصح هذا إلا بمقدر لأن الإعراب يقتضي التركيب
6000 - حدثنا ( الحكم بن نافع ألبهراني ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرنا ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال سمعت رسول الله يقول جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذالك الجزء يترعحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه
( انظر الحديث 6000 - طرفه في 6469 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحكم بفتحتين ابن نافع هو أبو اليمان وقد ذكره البخاري في مواضع كثيرة بكنيته وههنا ذكره باسمه ولم يذكر باسمه إلى ههنا إلا في هذا الموضع وذلك على قدر سماعه وهذا السند بهؤلاء الرجال تكرر جدا
والحديث أخرجه مسلم من طريق عطاء عن أبي هريرة أن الله مائة رحمة وله من حديث سلمان أن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض وقال القرطبي يجوز أن يكون معنى خلق اخترع وأوجد ويجوز أن يكون بمعنى قدر قد ورد خلق بمعنى قدر في لغة العرب فيكون المعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السموات والأرض
قوله مائة جزء ويروى في مائة جزء وكلمة في هذه الرواية زائدة كما في قوله
( وفي الرحمن للضعفاء كاف )
أي الرحمن لهم كاف قوله فأمسك عنده وفي رواية عطاء وأخر عنده تسعة وتسعين رحمة قيل رحمة الله غير متناهية لا مائة ولا مائتان وأجيب بأن الرحمة عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة صفة واحدة والتعلق غير متناه فحصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عندنا وتكثيرا لما عنده قوله وأنزل في الأرض كان القياس أن يقال إلى الأرض ولكن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض وفيه تضمين والغرض منه المبالغة يعني أنزلها منتشرة في جميع الأرض فإن قلت ما الحكمة في تعيين المائة من بين الأعداد ولم تجر عادة العرب إلا في السبعين قلت أجيب بأنه أطلق هذا العدد الخاص لإرادة التكثير والمبالغة والسبعون من أجزاء المائة وقيل ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فيؤخذ منه أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله غلبت رحمتي غضبي قوله يتراحم الخلق بالراء من التفاعل الذي يشترك فيه الجماعة قوله حتى ترفع الفرس حافرها الحافر للفرس كالظلف للشاة وخص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركتها مع ولدها ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها وفي رواية عطاء فيها يتعاطفون وبها

(22/101)


يتراحمون وبهذا يعطف الوحش والطير بعضها على بعض قوله أن تصيبه كلمة أن مصدرية أي خشية الإصابة
20 -
( باب قتل الولد خشية أن يأكل معه )
أي هذا باب يذكر فيه قتل الرجل ولده لأجل خشية أكله معه والضمير في معه يرجع إلى المقدر لأن قتل الولد مصدر مضاف إلى مفعوله وذكر الفاعل مطوي ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني باب أي الذنب أعظم
6001 - حدثني ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عمرو بن شرحبيل ) عن ( عبد الله ) قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك قال ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( الفرقان68 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتر وأبو وائل شقيق بن سلمة وعمرو بن شرحبيل بضم الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالياء آخر الحروف أبو ميسرة الهمداني وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث مضى في تفسير سورة الفرقان عن مسدد وعن عثمان بن أبي شيبة ومضى الكلام فيه
قوله ندا بكسر النون وتشديد الدال وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره ويناده أي يخالفه ويجمع على أنداد قوله وهو خلقك الواو فيه للحال قوله خشية أن يأكل قال الكرماني مفهومه أنه إن لم يكن للخشية لم يكن كذلك ثم أجاب بأن هذا المفهوم لا اعتبار له وهو خارج مخرج الأغلب وكانت عادتهم ذلك وأيضا لا شك أن القتل لهذه العلة أعظم من القتل لغيرها قوله حليلة جارك بفتح الحاء المهملة أي زوجته سميت حليلة والزوج حليلا لأن كل واحد منهما يحل عند صاحبه وقال الكرماني تقدم أن أكبر الكبائر قول الزور ثم قال لا خلاف أن أكبر الكل الإشراك بالله ثم اعتبر في كل مقام ما يقتضي حال السامعين زجرا لما كانوا يسهلون الأمر فيه أو قول الزور أكبر المعاصي القولية والقتل أكبر المعاصي الفعلية التي تتعلق بحق الناس والزنا بحليله الحار أكبر أنواع الزنا قوله وأنزل اللهإلى آخره وجه تصديق الآية لذلك حيث أدخل القتل والزنا في سلك الإشراك علم أنها أكبر الذنوب
21 -
( باب وضع الصبي في الحجر )
أي هذا باب في بيان وضع الصبي في الحجر شفقة وتعطفا وفيه الإشعار بتواضع واضعه وحلمه ولو بال عليه
6002 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) أن النبي وضع صبيا في حجره يحنكه فبال عليه فدعا بماء فأتبعه
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة
والحديث قد مضى في كتاب الطهارة في باب بول الصبيان فإنه أخرجه هناك من طريقين ومضى الكلام فيه
قوله في حجره بفتح الحاء وكسرها قوله يحنكه جملة حالية من التحنيك وهو دلك الثمر الممضوغ ونحوه على حنك الصبي قوله فأتبعه أي أتبع البول بالماء
22 -
( باب وضع الصبي على الفخذ )
أي هذا باب في بيان وضع الصبي على الفخذ
6003 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عارم ) حدثنا ( المعتمر بن سليمان ) يحدث عن أبيه قال سمعت ( أبا تميمة ) يحدث عن ( أبي عثمان النهدي يحدثه أبو عثمان ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله عنهما

(22/102)


كان رسول الله يأخذني فيقعدني على ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ثم يقول اللهم ارحمهما فإني أرحمهما ( انظر الحديث 3735 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد هو السندي وعارم بفتح العين المهملة وكسر الراء لقب محمد بن الفضل السدوسي وهو من مشايخ البخاري روى عنه في الإيمان بدون الواسطة والمعتمر بن سليمان بن طرخان يروي عن أبيه وأبو تميمة بفتح التاء المثناة من فوق طريف بفتح الطاء المهملة وكسر الراء ابن مجالد بالجيم الهجمي بضم الهاء وفتح الجيم وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر سيأتي في كتاب الأحكام من روايته عن جندب البجلي وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وسكون الهاء
وسليمان وأبو تميمة وأبو عثمان كلهم من التابعين
والحديث مضى في فضائل أسامة بن زيد عن موسى بن إسماعيل وفي فضائل الحسن عن مسدد ومضى الكلام فيه هناك
قوله يحدثه أبو عثمان أي يحدث أبا تميمة أبو عثمان عبد الرحمن قوله فيقعدني بضم الياء من الإقعاد قوله أللهم ارحمهما الرحمة من الله إيصال الخير ومن العباد الرأفة والتعطف وقال الداودي لا أرى ذلك وقع في وقت واحد لأن أسامة أكبر من الحسن لأن عمره عند وفاة النبي كان ثمان سنين وأسامة كان في حياة النبي رجلا وقد أمره على جيش وفيه عدد كثير فيهم عمر بن الخطاب وأخبر جماعة أن عمره عند وفاة النبي كان عشرين سنة وأجاب بعضهم عن هذا بالاحتمال ما ملخصه أنه أقعده على فخذه لمرض مثلا أصابه ففي تلك الحالة جاء الحسن فأقعده على فخذه الأخرى وقال معتذرا عن ذلك إني أحبهما وفيه تأمل قلت إن كان الخصم يرضى بالجواب الاحتمالي فأقول أيضا يحتمل أن يكون أقعده بحذاء فخذه لينظر في مرضه فعبر أسامة بقوله يقعدني على فخذه إظهار للمبالغة في محبة رسول الله إياه والله أعلم
وعن علي قال حدثنا يحيى حدثنا سليمان عن أبي عثمان قال التيمي فوقع في قلبي منه شيء قلت حدثت به كذا وكذا فلم أسمعه من أبي عثمان فنظرت فوجدته عندي مكتوبا فيما سمعت
علي هو ابن المديني ويحيى هو ابن سعيد القطان وسليمان بن طرخان التيمي هو المذكور فيما قبله وأبو عثمان هو عبد الرحمن النهدي ثم أعلم أن قوله وعن علي معطوف على السند الذي قبله وهو قوله حدثنا بعد الله بن محمد وعن علي إلى آخره قوله قال التيمي هو موصول بالنسد المذكور وهو سليمان قوله فوقع في قلبي منه شيء أي دغدغة هل سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان أو سمعه من أبي عثمان بغير واسطة قوله قلت حدثت بضم الحاء على صيغة المجهول به أي بهذا الحديث قوله كذا وكذا يعني كثيرا فلم أسمعه من أبي عثمان فنظرت في كتابي فوجدته مكتوبا فيما سمعته منه فزالت الدغدغة
23 -
( باب حسن العهد من الإيمان )
أي هذا باب في بيان حسن العهد من كمال الإيمان لأن جميع أفعال البر من الإيمان والعهد هنا رعاية الحرمة قاله أبو عبيد وقال عياض هو الاحتفاظ بالشيء والملازمة له وقال الراغب حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال ولفظ العهد باللاشتراك يطلق على معان كثيرة الزمان والمكان واليمين والذمة والصحبة والميثاق والأمان والنصيحة والوصية والمطر ويقال له العهاد أيضا
6004 - حدثنا ( عبيد بن اسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب وإن كان رسول الله ليذبح الشاة ثم يهدي في خلتها منها
مطابقته للترجمة في حسن العهد وهو إهداء النبي اللحم لإخوان خديجة ومعارفها ورعبا منه لذمامها

(22/103)


وحفظا لعهدها وقد أخرج الحاكم والبيهقي في الشعب من طريق صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت جاءت عجوز إلى النبي فقال كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة وأن حسن العهد من الإيمان
وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة
والحديث مضى في المناقب في باب تزيج خديجة رضي الله عنها
قوله ما غرت كلمة ما فيه نافية وفي ماغرت ثانيا موصولة أي الذي غرت على خديجة قوله لما كنت يتعلق به أي لأجل ما كنت أسمع النبي يذكرها أي خديجة قوله من قصب أي قصب الدر وإصطلاح الجوهريين أن يقولوا قصب من اللؤلؤ كذا وقصب من الجوهر كذا ومن الدر كذا للخيط منه وقيل كان البيت من القصب تفاؤلا بقصب سبقها إلى الإسلام قوله وإن كان كلمة إن هذه مخففة من المثقلة وأصله وإنه كان ليذبح الشاة اللام فيه للتأكيد قوله في خلتها أي في أهل بيتها يعني أخلاءها وأحبابها وقال الخطابي الخلة ههنا بمعنى الأخلاء موضع المصدر وضع الإسم وأراد بالقصب قصب اللؤلؤ وهو المجوف منه ووقع في رواية مسلم ثم يهديها إلى خلائلها وتقدم في المناقب إلى أصدقائها
24 -
( باب فضل من يعول يتيما )
أي هذا باب في بيان فضل من يعول يتيما أي يربيه وينفق عليه ويقوم بمصلحته
6005 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) قال حدثني ( عبد العزيز بن أبي حازم ) قال حدثني أبي قال سمعت سهل بن سعد عن النبي قال أنا وكافل اليتيم في الجنة هاكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى ( انظر الحديث 5304 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري
والحديث مر في الطلاق عن عمرو بن زرارة وأخرجه أبو داود والترمذي
قوله وكافل اليتيم أي القائم بمصالحة المتولي لأموره قوله وقال أي أشار قوله السبابة وفي رواية الكشميهني السباحة بالحاء المهملة موضع الباء الثانية وهي الإصبع التي تلي الإبهام سميت بذلك لأنها يسبح بها في الصلاة ويشار بها في التشهد وسميت السبابة أيضا لأنه يسب بها الشيطان حينئذ قيل درجات الأنبياء عليهم السلام أعلى درجات الخلائق لا سيما درجة نبينا وأجيب بأن الغرض منه المبالغة في رفع درجته في الجنة
25 -
( باب الساعي على الأرملة )
أي هذا باب في بيان فضل الساعي على الأرملة في مصالحها والأرملة من لا زوج لها
6006 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( صفوان بن سليم يرفعه إلى ) النبي قال الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل ( انظر الحديث 5353 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس وصفوان بن سليم مولى حميد بن عبد الرحمن المدني الإمام القدوة ممن يستسقى بذكره يقال إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة وكان لا يقبل جوائز السلاطين وقد مر في الجمعة
وهذا حديث مرسل لأنه تابعي لكن لما قال يرفعه إلى النبي صار مسندا مجهولا ولم يذكر إسم شيخه إما للنسيان أو لغرض آخر ولا قدح بسببه قوله أو كالذي يصوم شك من الراوي وفي كتاب الكرماني وكالذي يصوم بواو والعطف ثم قال ويحتمل أن يكون لفا ونشرا وأن يكون كل واحد ككليهما وفي بعض الروايات أو كالذي بأو الفاصلة لا الواصلة التي هي الواو
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن

(22/104)


مطيع عن أبي هريرة عن النبي مثله
ذكر هذا الحديث عن مالك من طريقين أحدهما عن صفوان بن سليم مرسلا والآخر عن ثور بن زيد مسندا ومضى في النفقات عن يحيى بن قزعة وثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد من الزيادة والديلي بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى ديل في قبائل الأزد وفي ضبة وفي تغلب وأبو الغيث اسمه سالم
قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
26 -
( باب الساعي على المسكين )
أي هذا باب في بيان فضل الساعي على المسكين أي الكاسب لأجل المسكين والقائم بمصلحته ويجوز أن يكون لفظ على هنا للتعليل أي لأجل المسكين كما في قوله تعالى ( 2 ) ولتكبروا الله على ما هداكم ( البقرة185 ) أي لهدايته إياكم وكذلك الكلام في الساعي على الأرملة وذلك لأن معنى على غالبا لاستعلاء ولا يقتضي على هنا هذا المعنى فافهم
6007 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( مالك ) عن ( ثور بن زيد ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال يشك القعنبي كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر ( انظر الحديث 5353 وطرفه )
هذا الحديث هو الذي ذكره قبل هذا الباب عن أبي هريرة وذكره هنا أيضا مقتصرا على المسند دون المرسل
قوله وأحسبه قال أي مالك وفاعل أحسبه هو القعنبي والضمير المنصوب فيه يرجع إلى مالك وقوله كالقائمإلى آخره مقول قال وقوله يشك القعنبي معترض بين القول ومقوله وهو من كلام البخاري والقعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن فعنب شيخ البخاري والراوي عن مالك قوله لا يفتر أي لا ينكسر ولا يضعف من قيام الليل للتعبد والتهجد ولا يفتر صفة للقائم كقوله
ولقد أمر على اللئيم يسبني
27 -
( باب رحمة الناس بالبهائم )
أي هذا باب في بيان فضل رحمة الناس أي الشفقة والتعطف من الناس للبهائم
6008 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أبي سليمان مالك بن الحويرث ) قال أتينا النبي ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا اشتقنا أهلنا وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رقيقا رحيما فقال ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحد
م ثم ليؤمكم أكبركم
مطابقته للترجمة في قوله وكان رقيقا رحيما وإسماعيل هو ابن علية وهو إسم أمه وأبوه وإبراهيم وأيوب هو ابن أبي تميمة السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وأبو سليمان مالك بن الحويرث الليثي سكن البصرة
والحديث مضى من كتاب الصلاة في باب الآذان للمسافرين إذا كانوا جماعة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن أيوبإلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله شببة على وزن فعلة جمع شاب قوله متقاربون أي في السن قوله أهلنا ويروي أهلينا بالجمع وهو من الجموع النادرة قوله وسألنا بفتح اللام قوله رقيقا بقافين من الرقة هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية القابسي والأصيلي والكشميهني رفيقا بفاء ثم قاف من الرفق وانتصابه على أنه خبر كان ويروى بلا لفظ كان فينصب على الحال قوله ومروهم أي بالمأمورات وأعلموهم الصلاة وامروهم بها قوله أكبركم أي أفضلكم أو أسنكم لأنهم كانوا متقاربين في السن

(22/105)


6009 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثني ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هاذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا فقال في كل ذات كبد رطبة أجر
مطابقته الجزء الثاني للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس واسمه عبد الله وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي وأبو صالح ذكوان السمان الزيات
والحديث مضى في الشرب في باب فضل سقي الماء فإنه أخرجه هناك ع عبد الله بن يوسف عن مالك ومضى أيضا في المظالم في باب الآبار على الطرق عن عبد الله بن مسلم عن مالك ومضى الكلام فيه هناك
قوله يلهث أي يخرج لسانه من العطش قوله الثرى بفتح الثاء المثلثة التراب قوله فشكر الله له أي جزاه الله فغفر له قوله في كل ذات كبد أي في إرواء كل حيوان أجر والرطوبة كناية عن الحياة وقيل الكبد إذا ظمئت ترطبت وكذا إذا ألقيت على النار والكبد مؤنث سماعي قيل قد تقدم في آخر كتاب بدء الخلق أن امرأة هي التي فعلت هذه الفعلة وأجيب بأنه لا منافاة لاحتمال وقوعهما وحصوله منها جميعا
6010 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال قام رسول الله في صلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فلما سلم النبي قال للأعرابي لقد حجرت واسعا يريد رحمة الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لقد حجرت واسعا يعني ضيقت ما هو أوسع من ذلك ورحمته وسعت كل شيء
ورجال الإسناد بهذا الطريق قد مروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث من أفراده
قوله قال أعرابي قيل هو الأعرابي الذي بال في المسجد وهو ذو الخويصرة اليماني وقيل الأقرع بن حابس ويؤيد كون الأعرابي هو الذي بال في المسجد ما رواه ابن ماجه من وجه آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال دخل أعرابي المسجد فقال أللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا فقال النبي لقد احتظرت واسعا ثم تنحى الأعرابي فبال في ناحية المسجدالحديث قوله لقد حجرت من الحجر والتحجير يقال حجر القاضي عليه إذا منعه من التصرف يعني ضيقت واسعا وخصصت ما هو عان إذ رحمته وسعت كل شيء واتفقت الروايات على أن حجرت بالراء لكن ابن التين نقل أنها في رواية أبي ذر بالزاي قال وهما بمعنى قوله احتظرت بحاء مهملة وظاء معجمة مأخوذ من الحذار بالكسر وهو الذي يمنع ما وراءه قوله يريد القائل به بعض رواة الحديث وقيل أبو هريرة
41 - ( حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر قال سمعته يقول سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزكرياء هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي والنعمان بن بشير بن

(22/106)


سعد الأنصاري والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأدب عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره قوله في تراحمهم من باب التفاعل الذي يستدعي اشتراك الجماعة في أصل الفعل قوله وتوادهم أصله تواددهم فأدغمت الدال في الدال من المودة وهي المحبة قوله وتعاطفهم كذلك من باب التفاعل أيضا قيل هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف أما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه قوله كمثل الجسد أي بالنسبة إلى جميع أعضائه ووجه التشبيه التوافق في التعب والراحة قوله تداعى أي دعا بعضه بعضا إلى المشاركة في الألم ومنه قولهم تداعت الحيطان أي تساقطت أو كادت أن تتساقط قوله بالسهر والحمى أما السهر فلأن الألم يمنع النوم وأما الحمى فلأن فقد النوم يثيرها وقال الكرماني الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنبث منه في جميع البدن فيشتعل اشتعالا مضرا بالأفعال الطبيعية وفيه تعظيم حقوق المسلمين والحض على معاونتهم وملاطفة بعضهم بعضا -
6012 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتاده ) عن ( أنس بن مالك ) عن النبي قال ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدفة ( انظر الحديث 2320 )
مطابقته للترجمة من حيث إن في غرس المسلم الذي يأكل منه الإنسان والحيوان فيه معنى الترجمة والتعطف عليهم لأن حال المسلم يدل على أنه يقصد ذلك وقت غرسه
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وأبو عوانة بفتح العين المهملة وبالنون بعد الألف اسمه الوضاح اليشكري
والحديث مضى في المزارعة عن قتيبة وعبد الرحمن بن المبارك
قوله أو دابة إن كان المراد به من يدب على الأرض فهو من عطف العام على الخاص وإن كان المراد الدابة العرفية فهو من باب عطف الجنس على الجنس وقال بعضهم وهو الظاهر هنا قلت الظاهر هو الأول للعموم الدال على سائر الأجناس فتدخل جميع البهائم وغيرها في هذا المعنى وفي معنى ذلك التخفيف عن الدواب في أحمالها وتكليفها ما تطيق حمله فذلك من رحمتها والإحسان إليها ومن ذلك ترك التعدي في ضربها وأذاها وتسخيرها في الليل وقد نهينا في العبيد أن نكلفهم الخدمة ليلا فإن لهم الليل ولمواليهم النهار
6013 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( زيد بن وهب ) قال سمعت ( جرير بن عبد الله ) عن النبي قال من لا يرحم لا يرحم ( انظر الحديث 6013 - طرفه في 7376 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من لا يرحم لا يرحم وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث والأعمش هو سليمان وزيد بن وهب أبو سليمان الهدماني وهؤلاء كلهم كوفيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن محمد ابن سلام وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن زهير بن حرب وغيره
قوله من لا يرحم بفتح الياء وقوله لا يرحم بضم الياء على صيغة المجهول ولفظ مسلم من لا يرحم الناس لا يرحمه الله وفي رواية الطبراني من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء وفي لفظ للطبراني في ( الأوسط ) من لم يرحم المسلمين لم يرحمه الله وفي رواية أبي داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمر وبلفظ الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ويجوز في من لا يرحم لا يرحم الرفع وبالجزم قاله الكرماني قلت أما الرفع فعلى كون من موصولة على معنى الذي لا يرحم لا يرحم وأما الجزم فعلى كون من متضمنة معنى الشرط فتجزم الذي دخلت عليه وجوابه وفي إطلاق رحمة العباد في مقابلة رحمة الله نوع مشاكلة
28 -
( باب الوصاءة )
أي هذا باب في بيان الوصاءة بفتح الواو وتخفيف الصاد المهملة والمد والهمزة أي الوصية ويروي الوصاية بالياء

(22/107)


آخر الحروف بعد الألف بدل الهمزة يقال أوصيت له بشيء والإسم الوصاية بالكسر والفتح وأوصيته ووصيته بمعنى والإسم الوصاءة وفي بعض النسخ
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب البر والصلة باب الوصاءة بالجار
هكذا وقع في نسخة صاحب ( التوضيح ) ولما فرغ من شرح حديث جرير في آخر الباب السابق قال هذا آخر كتاب الأدب ثم ذكر ما قلنا من البسملة وما بعدها ورواية النسفي
بسم الله الرحمن الرحيم باب الوصاءة بالجار
وقول الله تعالى ( 4 ) واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا إلى قوله ( 4 ) مختالا فخورا ( النساء36 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله الوصاءة بالجار والمقصود من إيراد هذه الآية والجارذي القربى والجار الجنب والمذكور من الآية المذكورة على هذا الوجه هو رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر من قوله واعبدوا الله إلى قوله إحساناالآية وفي رواية النسفي وقوله تعالى وبالوالدين إحسانا الآية قوله واعبدوا الله أي وحدوه ولا تشركوا به شيئا ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين ثم عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء ثم أوصى بالجار ذي القربى قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الجارذي القربى يعني الذي بينك وبينه قرابة والجار ذي الجنب الذي ليس بينك وبينه قرابة وكذا روي عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومقاتل وابن حبان وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي والجارذي القربى يعني المرأة وقال مجاهد الجار الجنب يعني الرفيق في السفر قوله والصاحب بالجنب قال الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود قالا هي المرأة روي كذلك عن الحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير في رواية وفي رواية أخرى هو الرفيق الصالح وقال زيد بن أسلم هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر قوله وابن السبيل هو الضيف قاله ابن عباس وقال مجاهد والحسن والضحاك هو الذي يمر عليك مجتازا في السفر قوله وما ملكت أيمانكم يعني الأرقاء لأن الرقيق ضعيف الجنبة أسير في أيدي الناس قوله إن الله لا يحب من كان مختالا أي متكبرا معجبا فخورا على الناس يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير وعند الله حقير وعند الناس بغيض
6014 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثني ( مالك ) عن يحياى بن سعيد قال أخبرني أبو بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن سعيد ) الأنصاري و ( أبو بكر بن محمد ) بن عمرو بن حزم و ( عمرة ) بنت عبد الرحمن أم أبي بكر
والسند كله مدنيون والثلاثة من التابعين على نسق واحد أولهم يحيى وهو روى عن عمرة كثيرا وههنا أدخل بينه وبينها واسطة وروايته عن أبي بكر المذكور من الأقران
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن قتيبة عن مالك وعن غير قتيبة وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد وأخرجه الترمذي في البر عن قتيبة عن ليث به وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن محمد بن رمح به وعن أبي بكر بن أبي شيبة به
قوله سيورثه أي سيجعله قريبا وارثا وقيل معناه أي يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار وإسم الجار يشمل المسلم والكافر والعباد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد وقال القرطبي الجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار ويطلق ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب وهو المراد
واختلف في حد الجوار فعن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جاء وقيل من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار وعن ( عائشة ) حق الجوار أربعون دارا من كل جانب وعن الأوزاعي مثله ثم كيفية حفظ حق الجار هي أن يعاشر مع كل واحد من الذين ذكرناهم بما يليق بحاله من إرادة الخير ودفع المضرة والنصيحة ونحو ذلك

(22/108)


6015 - حدثنا ( محمد بن منهال ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( عمر بن محمد ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
مطابقته للترجمة ظاهر وعمر بن محمد يروي عن أبيه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ولفظ هذا الحديث مثل لفظ حديث عائشة المذكور وقد روى هذا المتن أيضا أبو هريرة وهو في ( صحيح ابن حبان ) وعبد الله ابن عمرو بن العاص وهو عند أبي داود والترمذي وأبي أمامة وهو عند الطبراني
29 -
( باب إثم من يأمن جاره بوائقه )
أي هذا باب في بيان من لا يأمن جاره يوائقه وهو جمع بائقة بالباء الموحدة والقاف وهي الداهية والشيء المهلك والأمر الشديد الذي يؤتى بغتة وقال قتادة بوائقه ظلمه وغشه وقال الكسائي غوائله وشره
يوبقهن يهلكهن موبقا مهلكا
أشار بقوله يوبقهن إلى قوله تعالى ( 24 ) أو يوبقهن بما كسبوا ( الشورى34 ) قال أبو عبيدة أي يهلكون وأخذه عنه وأشار بقوله موبقا إلى قوله تعالى ( 81 ) وجعلنا بينهم موبقا ( الكهف52 ) وفسره بقوله مهلكا وهكذا فسره ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
6016 - حدثنا ( عاصم بن علي ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد ) عن ( أبي شريح ) أن النبي قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعاصم بن علي بن عاصم بن صهيب أبو الحسين من أهل واسط مات في سنة إحدى وعشرين ومائتين وهو من أفراده وابن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور محمد بن عبد الرحمن وسعيد هو المقبري وأبو شريح مصغر الشرح بالشين المعجمة والراء وبالحاء المهملة واسمه خويلد وهو المشهور وقيل عمرو وقيل هانىء وقيل كعب الصحابي الخزاعي المدوي الكعبي
والحديث من أفراده
قوله والله لا يؤمن هكذا وقع تكريرها ثلاثا صريحا ووقع عند أحمد والله لا يؤمن ثلاثا ولأبي يعلى من حديث أنس والله ما هو بمؤمن وللطبراني من حديث كعب بن مالك لا يدخل الجنة ولأحمد نحوه عن أنس بسند صحيح والمراد به كمال الإيمان ولا شك أنه معصية والعاصي لا يكون كامل الإيمان قوله ومن يا رسول الله أي ومن الذي لا يؤمن والواو فيه عطف على مقدر أي سمعنا قولك وما عرفنا من هو وقيل يجوز أن تكون زائدة أو استئنافية وبين قوله لا يؤمن ولا يؤمن جناس محرف فالأول من الإيمان والثاني من الأمان
تابعه شبابة وأسد بن موسى
أي تابع عاصم بن علي المذكور شبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى ابن سوار بفتح السين المهملة وبالواو والراء الفزاري في روايته عن ابن أبي ذئب واخرج هذه المتابعة الإسماعيلي قوله ولسد بن موسى أي وتابع اسد أيضا عاصم بن علي وأخرج هذه المتابعة الطبراني في مكارم الأخلاق
وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياس وشعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه
لما خرج البخاري الحديث المذكور عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي شريح وقواه بمتابعة شبابة وأسد بن موسى عاصم بن علي في روايته عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي شريح أشار بما ذكره معلقا عن حميد بن الأسود ومن معه أنهم روو الحديث المذكور عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فعلى هذا

(22/109)


ينبغي أن يرجح رواية هؤلاء ولا سيما أن سعيد المقبري مشهور بالرواية عن أبي هريرة وصنيع البخاري يدل على صحة الوجهين ومع هذا الرواية عنده عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي شريح أصح ولا سيما سمع من ابن أبي ذئب يزيد بن هارون وأبو داود الطيالسي وحجاج بن محمد وروح بن عبادة وآدم بن أبي إياس وكلهم قالوا عن أبي شريح وهو كذلك في ( مسند الطيالسي ) والله أعلم بالصواب وحميد بن الأسود أبو الأسود البصري الكرابيسي وهو من أفراده وعثمان بن عمر بن فارس البصري وأبو بكر بن عياش بالعين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القاري وشعيب بن إسحاق الدمشقي
30 -
( باب لا تحقرن جارة لجارتها )
أي هذا باب يذكر فهي لا تحقرن جارة لجارتها يعني لا تمنع الجارة عن إعطاء شيء حقير لجارتها لأجل قلته
6017 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثنا ( سعيد ) هو ( المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) قال كان النبي يقول يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة ( انظر الحديث 2566 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد المقبري هنا روى عن أبيه كيسان عن أبي هريرة وروى في الحديث الماضي عن أبي هريرة بلا واسطة أبيه وكلاهما صحيح لأن سعيد أدرك أبا هريرة وسمع منه أحاديث ما فاته من أبيه
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن يحيى عن الليث وعن قتيبة عنه
قوله يا نساء المسلمات بنصب نساء وجر المسلمات من باب إضافة الموصوف إلى الصفة أي يا نساء الأنفس المسلمات وقيل يا فاضلات المسلمات كما يقول هؤلاء رجال القوم أي سادتهم وأفاضلهم وبرفعهما ورفع النساء ونصب المسلمات نحو يا زيد العاقل قوله لا تحقرن هذا النهي إما للمعطية أي لا تمنع جارة من الصدقة لجارتها لاستقلالها واحتقارها بل تجود بما تيسر وإن كان قليلا كفر سن شاة وهو خير من العدم وأما للمعطاة والمتصدق عليها والفرسن بكسر الفاء وسكون الراء وكسر السين المهملة وبالنون من البعير بمنزلة الحافر من الدابة وقد يطلق على الغنم استعارة وقيل هو عظم الظلف
31 -
( باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره )
أي هذا باب يذكر فيه من كانإلى آخره
6018 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( أبو الأحوص ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
الترجمة هي جزء الحديث وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي الكوفي وأبو حصين بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وأبو صالح ذكوان السمان الزيات
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة قال أبو بكر لم يرو أبو الأحوص عن أبي حصين غير هذا الحديث
قوله فلا يؤذ جاره الإيذاء معصية لا يلزم منها نفي الإيمان والمراد منه نفي كمال الإيمان وأما تخصيص الإيمان بالله واليوم الآخر من بين سائر ما يجب به الإيمان فللإشارة إلى المبدأ والمعاد يعني إذا آمن بالله الذي خلقه وأنه يجازيه يوم القيامة بالخير والشر لا يؤذ جاره قوله فليكرم ضيفه والأمر بالإكرام يختلف بحسب المقامات وربما يكون فرض عين أو فرض كفاية وأقله أنه من باب مكارم الأخلاق ولا شك أن الضيافة من سنن المرسلين وقال الداودي يزيد في إكرامه على ما كان يفعل في عياله قال الكرماني فإن قلت ما وجه ذكر هذه الأمور الثلاثة قلت هذا الكلام من جوامع الكلم لأنها هي

(22/110)


الأصول إذ الثالث منها إشارة إلى القولية والأولان إلى الفعلية الأول منهما إلى التخلية عن الرذائل والثاني إلى التحلية بالفضائل يعني من كان له صفة التعظيم لأمر الله لا بد له أن يتصف بالشفقة على خلق الله عز و جل إما قولا بالخير أو سكوتا عن الشر وإما فعلا لما ينفع أو تركا لما يضر
6019 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( سعيد المقبري ) عن ( أبي شريح العدوي ) قال سمعت ( أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم ) النبي فقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآ خر فليكرم ضيفه جائزته قال وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذالك فهو صدقة عليه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله كلهم قد ذكروا عن قريب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن أبي الوليد عن الليث وأخرجه مسلم في الأحكام عن قتيبة عن الليث به مختصرا وعن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن القعنبي عن مالك بقصة الضيف مطولة وأخرجه الترمذي في البر عن قتيبة به ولم يذكر قصة الجار وعن ابن أبي عمر بقصة الضيافة وأخرجه النسائي في الرقاق عن قتيبة ببعضه وأخرجه عن غيره أيضا وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة بتمامه وعن ابن عجلان بقصة الضيافة خاصة
قوله سمعت أذناي فائدة ذكره التوكيد قوله جائزته هي العطاء مشتقة من الجواز لأنه حق جوازه عليهم وانتصابه بأنه مفعول ثان للإكرام لأنه من معنى الإعطاء أو هو كالظرف أو منصوب بنزع الخافض أي بجائزته قوله يوم وليلة أي جائزته يوم وليلة وجواز وقوع الزمان خبرا عن الجثة باعتبار أن له حكم الظرف وأما فيه مضاف مقدر تقديره أي زمان جائزته يوم وليلة وقال الخطابي معناه أنه يتكلف له يوما وليلة فيزيده في البر وفي اليومين الآخرين يقدم له ما يحضره فإذا مضى الثلاث فقد مضى حقه وما زاد عليها فهو صدقة قوله والضيافة ثلاثة أيام يحتمل أن يريد به بعد اليوم الأول ويحتمل أن يدخل فيه اليوم والليلة وهو أشبه وقال الهروي في قوله والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه أي يقرى ثلاثة أيام ثم يعطى ما يجوز فيه مسافة يوم وليلة قال وأكثره قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل وقال سحنون الضيافة على أهل القرى دون الحضر وقال الشافعي مطلقا وهي من مكارم الأخلاق وعن مجاهد الضيافة ليلة واحدة فرض قوله أو ليصمت بضم الميم وكسرها
32 -
( باب حق الجوار في قرب الأبواب )
أي هذا باب في بيان حق الجوار في قرب الأبواب أراد أن كل باب كان أقرب إليه كان الحق له
6020 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( أبو عمران ) قال سمعت ( طلحة ) عن ( عائشة ) قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا ( انظر الحديث 2259 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه أن الأقرب للجار هو متعين للحق يعني حق الجواز وأبو عمران عبد الملك الجون بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون البصري وطلحة هو ابن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي وقال الإسماعيلي إخراج البخاري هذا الحديث هنا فيه نظر لأن طلحة لا يدرى من هو وأيضا فيه اضطراب كثير فإن ابن المبارك قال في حديثه سمعت رجلا من قريش يقال له أبو طلحة وقال معاذ عن شعبة سمع طلحة بن عبيد الله بحديث عائشة وقال عيسى بن يونس قال شعبة أظن طلحة سمع عائشة ولم يقل سمعه منها وقال يزيد بن هارون طلحة رجل من قريش وقال غندر طلحة بن عبيد الله رجل من تيم اللات وقال وكيع من تيم الرباب وقال ابن طهمان عن شعبة عبيد الله بن

(22/111)


طلحة فلا يدري سماع طلحة من عائشة إذ لم يعرف من طلحة ورد عليه بأنه قد عرف وهو كما ساقه البخاري في آخر الشفعة وفي الهبة أيضا وبه صرح الدمياطي بخطه
والحديث مضى في كتاب الشفعة في باب أي الجوار أقرب ومضى في الهبة أيضا في باب من يبدأ بالهدية وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وسعيد بن منصور وحد الجوار ذكرناه في باب الوصاءة بالجار
قوله أهدي بضم الهمزة من الإهداء قوله بابا قال الكرماني ولعل السر أنه ينظر إلى ما يدخل داره وأنه أسرع لحوقا به عند الحاجات في أوقات الغفلات وانتصاب بابا على التميز أي أشدهما قربا
6020 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( أبو عمران ) قال سمعت ( طلحة ) عن ( عائشة ) قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا ( انظر الحديث 2259 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه أن الأقرب للجار هو متعين للحق يعني حق الجواز وأبو عمران عبد الملك الجون بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون البصري وطلحة هو ابن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي وقال الإسماعيلي إخراج البخاري هذا الحديث هنا فيه نظر لأن طلحة لا يدرى من هو وأيضا فيه اضطراب كثير فإن ابن المبارك قال في حديثه سمعت رجلا من قريش يقال له أبو طلحة وقال معاذ عن شعبة سمع طلحة بن عبيد الله بحديث عائشة وقال عيسى بن يونس قال شعبة أظن طلحة سمع عائشة ولم يقل سمعه منها وقال يزيد بن هارون طلحة رجل من قريش وقال غندر طلحة بن عبيد الله رجل من تيم اللات وقال وكيع من تيم الرباب وقال ابن طهمان عن شعبة عبيد الله بن طلحة فلا يدري سماع طلحة من عائشة إذ لم يعرف من طلحة ورد عليه بأنه قد عرف وهو كما ساقه البخاري في آخر الشفعة وفي الهبة أيضا وبه صرح الدمياطي بخطه
والحديث مضى في كتاب الشفعة في باب أي الجوار أقرب ومضى في الهبة أيضا في باب من يبدأ بالهدية وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وسعيد بن منصور وحد الجوار ذكرناه في باب الوصاءة بالجار
قوله أهدي بضم الهمزة من الإهداء قوله بابا قال الكرماني ولعل السر أنه ينظر إلى ما يدخل داره وأنه أسرع لحوقا به عند الحاجات في أوقات الغفلات وانتصاب بابا على التميز أي أشدهما قربا
33 -
( باب كل معروف صدقة )
أي هذا باب يذكر فيه كل معروف صدقة والآن يجيء تفسير المعروف
6022 - حدثني ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ) عن أبيه عن جده قال قال النبي على كل مسلم صدقة قالوا فإن لم يجد قال فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قالوا فإن لم يستطع أو لم يفعل قال فيعين ذا الحاجة الملهوف قالوا فإن لم يفعل فيأمر بالخير أو قال بالمعروف قال فإن لم يفعل قال فيمسك عن الشر فإنه له صدقة ( انظر الحديث 1445 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أو قال بالمعروف وسعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري يروي عن أبيه أبي بردة بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وبالدال المهملة واسمه عامر عن جده أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث مضى في الزكاة عن مسلم بن إبراهيم في باب على كل مسلم صدقة ومضى الكلام فيه
قوله أو لم يفعل شك من الراوي قوله الملهوف أي المظلوم يستغيث أو المحزون المكروب قوله فإن لم يفعل أي عجزا أو كسلا قوله أو قال بالمعروف شك من الراوي
وفيه تنبيه للمؤمن المعسر على أن يعمل بيده وينفق على نفسه ويتصدق من ذلك ولا يكون عيالا على غيره وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال يا معشر القراء خذو طريق من كان قبلكم وارفعوا رؤوسكم ولا تكونوا عيالا على المسلمين وفيه إن المؤمن إذا لم يقدر على باب من أبواب الخير ولا فتح له فعليه أن ينتقل إلى باب آخر يقدر عليه فإن أبواب الخير كثيرة والطريق إلى مرضاة الله غير معدومة
34 -
( باب طيب الكلام )
أي هذا باب في بيان ما يحصل من الخير بالكلام الطيب وأصل الطيب ما تستلذه الحواس ويختلف باختلاف م متعلقة وقال ابن بطال طيب الكلام من جليل عمل الخير لقوله تعالى ( 32 ) ادفع بالتي هي أحسن ( المؤمنون96 وفصلت34 ) والدفع قد يكون بالقول كما يكون بالفعل

(22/112)


وقال أبو هريرة عن النبي الكلمة الطيبة صدقة
هذا التعليق طرف من حديث أورده البخاري موصولا في كتاب الصلح وفي كتاب الجهاد ومضى الكلام فيه وقال ابن بطال وجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن إعطاء المال يفرح به قلب الذي يعطاه ويذهب ما في قلبه وكذلك الكلام الطيب فأشبهها من هذه الحيثية
6023 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عمرو ) عن ( خيثمة ) عن ( عدي بن حاتم ) قال ذكر النبي النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثم ذكر النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه قال شعبة أما مرتين فلا أشك ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وعمرو هو ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء وخيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي وعدي بن حاتم الطائي أبو طريف سكن الكوفة وحديثه في أهلها
والحديث مضى في صفة النار عن سليمان بن حرب ومضى الكلام فيه
قوله وأشاح بالشين المعجمة والحاء المهملة أي أعرض وقال الخطابي أشاح بوجهه إذا صرفه عن الشيء فعل الحذر منه الكاره له كأنه يراها ويحذر وهج سعيرها فنحى وجهه منها قوله أما هي التفصيلية وقسيمها محذوف تقديره و أما ثلاث مرات فأشك قوله ولو بشق بكسر الشين أي ولو بنصف تمرة قوله فإن لم يجد بلفظ المفرد قال بعض علماء المعاني ذكر المفرد بعد الجمع هو من باب الالتفات وهو عكس ( 56 ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( الطلاق1 )
35 -
( باب الرفق في الأمر كله )
أي هذا باب في بيان فضل الرفق في الأمر كله والرفق بكسر الراء وسكون الفاء وبالقاف هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف
53 - ( حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي قالت دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا السام عليكم قالت عائشة ففهمتها فقلت وعليكم السام واللعنة قالت فقال رسول الله مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا قال رسول الله قد قلت وعليكم )
مطابقته للترجمة في قوله إن الله يحب الرفق في الأمر كله وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو ابن كيسان والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن الحسن الحلواني وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في التفسير وفي اليوم والليلة عن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم قوله رهط من اليهود الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع قوله السام عليكم السام بتخفيف الميم الموت وقال الخطابي فسروا السام بالموت في لسانهم كأنهم دعوا عليه بالموت قال وكان قتادة يرويه بالمد من السآمة وهو الملل أي تسأمون دينكم وقيل كانوا يعنون أماتكم الله الساعة قوله مهلا معناه تأني وارفقي وانتصابه على المصدرية وقال الجوهري المهل بالتحريك التؤدة والتباطؤ والاسم المهلة وهو اسم فاعل يقال للواحد وللاثنين وللجمع وللمؤنث بلفظ واحد قوله إن الله يحب الرفق في الأمر كله وفي رواية مسلم عن عمرة عن عائشة

(22/113)


إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف قوله أو لم تسمع بهمزة الاستفهام وواو العطف قيل ما معناه والعطف يقتضي التشريك وهو غير جائز وأجيب بأنه المشاركة في الموت أي نحن وأنتم كلنا نموت أو تكون الواو للاستئناف لا للعطف أو تقديره وأقول عليكم ما تستحقونه وإنما اختار هذه الصيغة ليكون أبعد عن الإيحاش وأقرب إلى الرفق واختلف هل يؤتى بالواو في الرد أم لا فقال ابن حبيب لا يؤتى بها لأن فيها اشتراكا وخالفه ابن الجلاب والقاضي أبو محمد وقيل يقول عليك السلام بالكسر وقال طاوس يرد وعلاك السام أي ارتفع وقال النخعي إذا كان له عنده حاجة تبدأ بالسلام ولا ترد عليه كاملا فلا يجب أن يكرم كالمسلم وسمح بعضهم في رد السلام عليكم واحتج بقوله تعالى فاصفح عنهم وقل سلام ولو كان كما قال لقال سلاما بالنصب وإنما يعني بذلك على اللفظ والحكاية وأيضا فقد قيل أن الآية منسوخة بآية السيف واختلف هل يكنى اليهودي فكرهه مالك ورخص فيه ابن عبد الحكم واحتج بقوله انزل أبا وهب -
6025 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس بن مالك ) أن أعرابيا بال في المسجد فقاموا إليه فقال رسول الله لا تزرموه ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه ( انظر الحديث 219 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قول الرسول فإنه رفق به ونهاهم عن قطع بوله
والحديث قد مضى في الطهارة في باب ترك النبي والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله وفي باب صب الماء على البول في المسجد
قوله فقاموا إليه أي ليؤذوه وليضربوه قوله لا تزرموه من الإزرام بالزاي ثم الراء أي لا تقطعوا عليه بوله وزرم البول أي انقطع قوله فصب عليه أي على الموضع الذي بال عليه ومر البحث فيه هناك
36 -
( باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا )
أي هذا باب في بيان فضل معاونة المؤمنين بعضهم بعضا والأجر فيها قوله بعضهم بالجر على أنه بدل من المؤمنين بدل البعض من الكل ويجوز الضم أيضا قوله بعضا قال الكرماني منصوب بنزع الخافض أي للبعض قلت الأوجه أن يكون مفعول مصدر المضاف إلى فاعله وهو لفظ التعاون لأن المصدر يعمل عمل فعله
6026 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي بردة بريد بن أبي بردة ) قال أخبرني جدي ( أبو بردة ) عن أبيه ( أبي موسى ) عن النبي قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه ( انظر الحديث 481 وطرفه )
وكان النبي جالسا إذ جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال اشفعوا تؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه ومحمد بن يوسف الفريابي وسفيان هو الثوري وأبو بردة بضم الباء وسكون الراء كنية بريد مصغر البرد ابن عبد الله بن أبي بردة أيضا واسمه عامر بن موسى عبد الله بن قيس الأشعري فأبو بردة يروي عن جده أبي بردة وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري
والحديث أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان حدثنا سفيان حدثني أبو بردة ابن عبد الله بن أبي بردة فذكره
قوله وكان النبي جالسا إلى آخره مضى في الزكاة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة حدثنا أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه قال كان رسول الله إذا جاءه سائل أو طلبت إليه حاجة قال اشفعوا تؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء وأخرجه أيضا في التوحيد عن أبي كريب ومضى الكلام فيه
قوله المؤمن التعريف فيه للجنس والمراد بعض المؤمن للبعض قوله ويشد بعضه بعضا بيان لوجه التشبيه قوله ثم شبك بين أصابعه كالبيان للوجه أي شدا مثل هذا الشد وقال ابن بطال المعاونة في أمور الآخرة وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها وقد ثبت حديث أبي هريرة والله في عون العبد ما كان البعد في عون أخيه قوله وكان النبي جالسا لفظ

(22/114)


جالسا ليس بموجود في رواية الزكاة وقال بعضهم هكذا وقع في النسخ من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري وفي تركيبه قلق ولعله كان في الأصل كان إذا كان جالسا إذ جاءه رجلإلى آخره فحذف اختصارا أو سقط على الراوي لفظ إذا كان وقد أخرجه أبو نعيم من رواية إسحاق بن زريق عن الفريابي بلفظ كان رسول الله إذا جاءه السائل أو طالب الحاجة أقبل علينا بوجهه الحديث وهذا السياق لا إشكال فيه قلت لا قلق في التركيب أصلا وآفة هذا الكلام من ظن هذا القائل أن جالسا خبر كان وليس كذلك وإنما خبر كان هو قوله أقبل علينا و جالسا نصب على الحال من النبي فافهم قوله تؤجروا رواية كريمة وفي رواية الأكثرين فلتؤجروا والفاء على هذه الرواية هي الفاء السبية التي ينتصب بعدها الفعل المضارع واللام بالكسر بمعنى كي وجاز اجتماعهما لأنهم لأمر واحد وتكون الفاء الجزائية لكونهما جوابا للأمر وزائدة على مذهب الأخفش هي عاطفة على اشفعوا واللام للأمر أو على مقدر أي إشفعوا لتؤجروا فلتؤجروا نحو ( 2 ) إياي فارهبون ( البقرة240 والنحل51 ) وقال الكرماني ما فائدة اللام قلت اشفعوا تؤجروا والشرط متضمن للسببية فإذا ذكرت اللام فقد صرحت بالسببية وقال الطيبي اللام والفاء مقحمان للتأكيد لأنه لو قيل اشفعوا تؤجروا صح أي إذا عرض المحتاج حاجة علي فاشفعوا له إلي فإنكم إذا شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أو لا ويجري الله على لساني ما يشاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها أي إن قضيتها أو لم أقضها فهو بتقدير الله وقضائه قوله وليقض الله كذا ثبت في هذه الرواية وليقض باللام وكذا في رواية أبي أسامة التي بعدها للكشميهني فقط وللباقين بغير لام وفي رواية مسلم من طريق علي بن مسهر وحفص بن غياث فليقض أيضا
37 -
( باب قول الله تعالى من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا ( النساء85 ) كفل نصيب قال أبو موسى كفلين أجرين بالحبشية )
أي هذا باب في قول الله تعالىإلى آخره هكذا في رواية الأكثرين الآية بتمامها وفي رواية أبي ذر من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها وقال مجاهد وغيره نزلت هذه الآية في شفاعة الناس بعضهم لبعض قوله من يشفع شفاعة حسنة يعني في الدنيا يكن له نصيب منها في الآخرة وقيل الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين والسيئة الدعاء عليهم والأجر على الشفاعة ليس على العموم بل مخصوص بما تجوز فيه الشفاعة والشفاعة الحسنة ضابطها ما أذن فيه الشرع دون ما لم يأذن فيه فالآية تدل عليه قوله كفل أي نصيب وكذا فسره البخاري بقوله كفل نصيب وهو تفسير أبي عبيدة وقال الحسن وقتادة الكفل الوزر والإثم وقال ابن فارس الكفل الضعف قوله مقيتا أي شاهدا ومطلعا على كل شيء من أقات الشيء إذا شهد عليه ويقال المقيت خالق الأفوات البدنية والروحانية وموصلها إلى الأشباح والأرواح وقيل المقيت المقتدر بلغة قريش قوله قال أبو موسى هو الأشعري واسمه عبد الله بن قيس ووصل تعليقه ابن أبي حاتم من طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبي موسى الأشعري في قوله تعالى ( 75 ) يؤتكم كفلين من رحمته ( الحديد28 ) قال ضعفين بالحبشية يعني لغتهم في ذلك وافقت لغة العرب
56 - ( حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء ) اعاد الحديث الذي ذكره في الباب السابق عن أبي موسى عقيب الآية المذكورة تنبيها على أن الشفاعة على نوعين في الآية المذكورة كما صرح بذلك ومضى الكلام في رجاله ومعناه قوله أوصاحب الحاجة في رواية الكشمينى صاحب حاجة بدون الالف واللام

(22/115)


38 -
( باب لم يكن النبي فاحشا ولا متفحشا )
أي هذا باب يذكر فيه لم يكن إلى آخره قوله فاحشا من الفحش وهو كل ما خرج من مقداره حتى يستقبح ويدخل فيه القول والفعل والصفة يقال فلان طويل فاحش الطول إذا أفرط في طوله ولكن استعماله في القول أكثر قوله ولا متفحشا كذا في رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين ولا متفاحشا والمتفحش بالتشديد الذي يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه لأن هذا الباب فيه التكلف يعني ليس فيه ذلك أصلا لا ذاتيا ولا عرضيا حاصله لم يكن متكلما بالقبيح أصلا وقال الداودي الفاحش الذي يقول الفحش والمتفحش الذي يستعمل الفحش ليضحك الناس وقال الطبري الفاحش بذيء اللسان
6030 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( عبد الوهاب ) عن ( أيوب ) عن ( عبد الله بن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي فقالوا السام عليكم فقالت عائشة عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم قال مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش قالت أولم تسمع ما قالوا قال أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في
هذا الحديث ذكره في باب الرفق في الأمر كله وأعاده هنا ومن فائدة إعادته أنه لما لم يكن فاحشا ولا متفحشا أمر بالرفق ونهى عن الفحش والعنف وهذا هو وجه ذكره هنا
قوله حدثنا عبد الله بن سلامويروى حدثني وعبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني
والعنف ضد اللطف وحكى عياض عن بعض شيوخه أن عين العنف مثله والمشهور ضمها والفحش التكلم بالقبيح قوله فيستجاب لي لأنه بالحق ولا يستجاب لهم لأنه بالباطل والظلم قوله في بكسر الفاء وتشديد الياء
6031 - حدثنا ( أصبغ ) قال أخبرني ( ابن وهب ) أخبرنا ( أبو يحياى ) هو ( فليح بن سليمان ) عن ( هلال بن أسامة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال لم يكن النبي سبابا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ماله ترب جبينه ( انظر الحديث 6031 - طرفه في 6046 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإصبغ هو ابن الفرج المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري وهلال بن أسامة هو هلال

(22/116)


ابن علي ويقال هلال بن هلال وهلال بن أبي ميمونة المديني والحديث من أفراده
قوله سبابا على وزن فعال بالتشديد وكذلك الفحاش واللعان فإن قلت صيغة فعال بالتشديد لا تستلزم نفي صيغة فاعل والنبي لم يتصف بهذه الأشياء أصلا لا بقليل ولا بكثير قلت هذا مثل قوله تعالى ( 14 ) وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت46 ) وقال الكرماني ما الفرق بين هذه الثلاثة قلت يحتمل أن تكون اللعنة متعلقة بالآخرة لأنها هي البعد عن رحمة الله تعالى والسب يتعلق بالنسب كالقذف والفحش بالحسب قوله عند المعتبة بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وكسرها وبالباء الموحدة وهو مصدر عتبت عليه أعتبه عتبا قال الجوهري عتب عليه وجد تعتب وتعتب ومعتبا والاسم المعتبة والمعتبة وقال الخليل العتاب معاتبة الأول ومذاكرة الموجدة تقول عاتبه معاتبة قال الشاعر
ويبقى الود ما بقى العتاب
قوله ماله استفهام وترب جبينه إذا أصابه التراب ويقال تربت يداك على الدعاء أي لا أصبت خيرا وقال الخطابي هذا الدعاء يحتمل وجهين الأول أن يخر لوجهه فيصيب التراب جبينه والآخر أن يكون دعاء له بالطاعة ليصلي فيتترب جبينه وقيل الجبينان هما اللذان يكتنفان الجبهة فمعناه صرع لجنبه فيكون سقوط رأسه على الأرض من ناحية الجبين وقال الداودي هذه كلمة جرت على لسان العرب ولا يراد حقيقتها
6032 - حدثنا ( عمرو بن عيسى ) حدثنا ( محمد بن سواء ) حدثنا ( روح بن القاسم ) عن ( محمد بن المنكدر ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن رجلا استأذن على النبي فلما رآه قال بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة فلما جلس تطلق النبي في وجهه وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال رسول الله يا عائشة متى عهدتني فحاشا إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره
مطابقته للترجمة في قوله متى عهدتني فحاشا وعمرو بن عيسى أبو عثمان الضبعي البصري وماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في كتاب الصلاة ومحمد بن سواء بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وبالمد أبو الخطاب السدوسي المكفوف له عند البخاري هذا الحديث وآخر في المناقب وروح بفتح الراء ابن القاسم مشهور كثير الحديث ومحمد بن المنكدر على وزن إسم الفاعل من الانكدار
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن صدقة بن الفضل وقتيبة وأخرجه مسلم في الأدب أيضا عن عمرو بن محمد الناقد وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن سفيان به وأخرجه الترمذي في البر عن ابن أبي عمر عن سفيان به
قوله عن عروة عن عائشة وفي رواية ابن عيينة سمعت عروة أن عائشة أخبرته قوله أن رجلا قال ابن بطال هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع فرح بإقباله عليه قبل أن يسلم قومه وجاء حين أقبل على الشرك وترك حديثه مع ابن أم مكتوم فأنزل الله عز و جل وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( عبس12 ) وأخرج عبد الغني من طريق أبي عامر الخزاز عن أبي يزيد المدني عن عائشة قالت جاء مخرمة بن نوفل يستأذن فلما سمع النبي صوته قال بئس أخو العشيرة الحديث وحكى الحافظ المنذري في ( مختصره ) الفولين فقال هو عيينة وقيل مخرمة قوله بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة وفي رواية معمر بئس أخو القوم وقال عباض المراد بالعشيرة الجماعة والقبيلة أي بئس هذا الرجل منها وهو كقولك يا أخا العرب لرجل منهم وهذا الكلام من أعلام النبوة لأنه ارتد بعده وجيء به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله عنه قوله تطلق على وزن تفعل من العلاقة أي انشرح وانبسط ومنه يقال وجه طلق وطليق أي مسترسل منبسط غير عبوس قوله متى عهدتني فحاشا هكذا في رواية الكشميهني فحاشا بصيغة المبالغة وفي رواية غيره فاحشا قوله اتقاء شره أي لأجل الاتقاء عن شره
وفيه

(22/117)


مداراة من يتقى فحشه وجواز غيبة الفاسق المعلن بفسقه ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه وهذا الحديث أصل في المداراة وفي جواز غيبة أهل الكفر والفسق والظلمة وأهل الفساد
39 -
( باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل )
أي هذا باب في بيان حسن الخلق وفي بيان السخاء وفي بيان ما يكره من البخل والخلق بالضم وسكون اللام وبضمها قال الراغب الخلق والخلق يعني بالضم والفتح في الأصل بمعنى واحد كالشرب والشرب لكن خص الخلق الذي بالفتح بالهيآت والصور المدكرة بالبصر وخص الخلق الذي بالضم بالقوى والسجايا المدكرة بالبصيرة وأما السخاء فهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وبذل ما يقتنى بغير عوض وهو من جملة محاسن الأخلاق بل هو من أعظمها وأما البخل فهو ضده وليس من صفات الأنبياء ولا أجلة الفضلاء وقيل البخل منع ما يطلب مما يقتنى وشره ما كان طالبه مستحقا ولا سيما إذا كان من غير مال المسؤول فإن قلت ما معنى قوله وما يكره من البخل وزاد فيه لفظ ما يكره قلت كأنه أشار بهذا إلى أن بعض ما يجوز إطلاق إسم البخل عليه قد لا يكون مذموما
وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان النبي أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان
هذا تعليق وصله البخاري في كتاب الإيمان قوله وأجود ما يكون يجوز بالرفع والنصب قاله الكرماني ولم يبين وجههما قلت أما الرفع فهو أكثر الروايات ووجهه أن يكون مبتدأ وخبره محذوف وكلمة ما مصدرية نحو قولك أخطب ما يكون الأمير قائما أي أجود أكوان الرسول حاصل أو واقع في رمضان وأما النصب فبتقدير لفظ كان أي كان أجود الكون في شهر رمضان وأما كون أكثرية جوده في شهر رمضان فلأنه شهر عظيم وفيه الصوم وفيه ليلة القدر والصوم أشرف العبادات فلذلك قال الصوم لي وأنا أجزي به فلا جرم أنه يتضاعف ثواب الصدقة والخير فيه ولهذا قال الزهري تسبيحه في رمضان خير من سبعين في غيره
وقال أبو ذر لما بلغه مبعث النبي قال لأخيه إركب إلي هاذا الوادي فاسمع من قوله فرجع فقال رأيته يأمر بمكارم الأخلاق
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بمكارم الأخلاق لأن حسن الخلق و السخاء من مكارم الأخلاق وهذا التعليق وصله البخاري في قصة إسلام أبي ذر مطولا قوله إلى هذا الوادي أراد به مكة قوله فرجع فيه حذف تقديره فأتى النبي وسمع منه ثم رجع والفاء فيه فصيحة قوله يأمر بمكارم الأخلاق أي الفضائل والمحاسن لا الرذائل والقبائح قال بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
6033 - حدثني ( عمرو بن عون ) حدثنا ( حماد ) هو ( ابن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) قال كان النبي أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه سيف فقال لقد وجدته بحرا أو إنه لبحر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بفتح العين ابن عون بن أويس السلمي الواسطي نزل البصرة
ومضى الحديث في الجهاد في باب إذا فزعوا بالليل
قوله أحسن الناس ذكر أنس هذه الأوصاف الثلاثة مقتصرا عليها وهي من جوامع الكلم لأنها أمهات الأخلاق فإن في كل إنسان ثلاث قوى الغضبية والشهوية والعقلية فكمال القوة الغضبية الشجاعة وكمال القوة الشهوية الجود وكمال القوة العقلية الحكمة والأحسن إشارة إليه إذ معناه أحسن في الأفعال والأقوال قوله فزع أي خاف أهل

(22/118)


المدينة لما سمعوا صوتا بالليل قوله ذات ليلة لفظ ذات مقحمة قوله قبل الصوت بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة الصوت قوله فاستقبلهم النبي أي بعد أن سبقهم إلى الصوت ثم رجع يستقبلهم قوله وهو يقول الواو وفيه للحال قوله لن تراعوا أي لا تراعوا جحد بمعنى النهي أي لا تفزعوا وهي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيسا وإظهارا للرفق بالمخاطب قوله على فرس اسمه مندوب وكان لأبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس قوله عري بضم العين المهملة وسكون الراء قوله ما عليه سرج تفسير عري قوله بجرا أي واسع الجري مثل البحر
6034 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( ابن المنكدر ) قال سمعت ( جابرا ) رضي الله عنه يقول ما سئل النبي عن شيء قط فقال لا
مطابقة الجزء الثاني للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري يروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن أبي كريب وغيره وأخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار
قوله ما سئل النبي أي ما طلب منه شيء من أموال الدنيا قال الفرزدق
( ما قال لا قط إلا في تشهدهلولا التشهد كانت لاؤه نعم )
قوله عن شيء ويروى شيئا
6035 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق ) عن ( مسروق ) قال كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو ويحدثنا إذ قال لم يكن رسول الله فاحشا ولا متفحشا وإنه كان يقول إن خياركم أحاسنكم أخلاقا
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها يروي عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق بن الأجدع
والحديث مضى في الباب الذي قبله
قوله إن خياركم وفي الرواية المتقدمة إن من خياركم ويروى إن من أخياركم قوله أحاسنكم جمع أحسن وفي رواية الكشميهني أحسنكم بالإفراد وعن أنس رفعه أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا رواه أبو يعلى وعن أبي هريرة رفعه إن من أكمل المؤمنين أحسنهم خلقا رواه الترمذي وحسنه ورواه الحاكم وصححه وعن جابر بن سمرة مثله رواه أحمد وعن جابر رضي الله عنه رفعه إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا رواه الترمذي واخرج ابن حبان والطبراني والحاكم من حديث أسامة بن شريك قالوا يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله قال أحسنهم خلقا
6036 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال جاءت امرأة إلى النبي ببردة فقال سهل للقوم أتدرون ما البردة فقال القوم هي شملة فقال سهل هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت يا رسول الله أكسوك هاذه فأخذها النبي محتاجا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة فقال يا رسول الله ما أحسن هاذه فاكسنيها فقال نعم فلما قام النبي لأمه أصحابه قالوا ما أحسنت حين رأيت النبي أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يسئل شيئا فيمنعه فقال رجوت بركتها حين لبسها النبي لعلي أكفن فيها
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إنه متضمن معنى حسن الخلق والسخاء يفهمه من له فهم ذكي
وأبو غسان محمد بن

(22/119)


مطرف وأبو حازم سلمة بن دينار
والحديث قد مضى في كتاب الجنائز في باب من استعد الكفن في زمن النبي وفيه ذكر البردة والشملة فالبردة كساء أسود مربع تلبسه الأعراب والشملة الكساء الذي يشتمل به وقد فسر في الحديث البردة بالشملة المنسوجة فيها حاشيتها يعني أنها لم تقلع من برد ولكن فيها حاشيتها وقال الداودي البردة تكون من صوف وكتان وقطن وتكون صغيرة كالمئزر وكبيرة كالرداء
قوله سألته إياها فيه استعمال ثاني الضميرين منفصلا وهو المتعين هنا فرارا عن الاستثقال إذ لو كان متصلا لصار هكذا سألتهها وقال ابن مالك والأصل أن لا يستعمل المنفصل إلا عند الضرورة وهو تعذر المتصل لأن الاتصال أخص وأبين لكن إذا اختلف الضمير إن تفاوتا فالأحسن الانفصال نحو هذا فإن اختلفا بالرتبة جاز الاتصال والانفصال مثل اعطيتكه وأعطيتك إياه
6037 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( حميد بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) قال قال رسول لله يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال القتل القتل
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ويلقى الشح وأبو اليمان الحكم بن نافع وقد تكرر هذا الإسناد فيما مضى
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن وأخرجه مسلم في القدر عن عبد الله بن عبد الرحمن وغيره وأخرجه أبو داود في الفتن عن أحمد بن صالح
قوله يتقارب الزمان قال الخطابي أراد به دنو مجيء الساعة أي إذا أدنا كان من أشراطها نقص العمل والشح والهرج أو قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة فيها وذلك من علامات الساعة إذا طلعت الشمس من مغربها أو قصر أزمنة الأعمار أو تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم وقال لفظ العمل إن كان محفوظا ولم يكن منقولا عن العلم إليه فمعناه عمل الطاعات لاشتغال الناس بالدنيا وقد يكون معنى ذلك ظهور الخيانة في الأمانات وقال القاضي البيضاوي يحتمل أن يراد بتقارب الزمان تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض قوله وينقص العمل وقع في رواية الكشميهني وينقص العلم وهو المعروف قوله ويلقى على صيغة المجهول والشح بضم الشين المعجمة وتشديد الحاء المهملة وهو البخل وقيل بينهما فرق وهو أن الشح بخل مع حرص فهو أخص من البخل قوله الهرج بفتح الهاء وسكون الراء وبالجيم وقد فسره في الحديث بقوله القتل ذكره مكررا قال الخطابي هو بلسان الحبشية وقال ابن فارس هو الفتنة والاختلاط وقد هرج الناس يهرجون بالكسر هرجا وكذا ذكره الهروي
6038 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) سمع ( سلام بن مسكين ) قال سمعت ( ثابتا ) يقول حدثنا ( أنس ) رضي الله عنه قال خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على حسن خلق النبي وهو مطابق للجزء الأول للترجمة
وسلام بتشديد اللام ابن مسكين النمري وثابت هو البناني
والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن شيبان ابن فروخ
قوله عشر سنين فإن قلت في حديث مسلم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس والله لقد خدمته تسع سنين قلت إنما خدم أنس رسول الله بعد قدوم المدينة بأشهر فيكون تسع سنين وأشهر ففي رواية تسع سنين ألغى الكسر وفي رواية عشر سنين جبره قوله فما قال لي أف هو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر متكره وفيه ست لغات بالحركات الثلاث بالتنوين وعدمه وذكر أبو الحسن الرماني فيها لغات كثيرة فبلغ تسعا وثلاثين ونقلها ابن عطية وزاد واحدة لتكملة أربعين وقد سردها أبو حيان في تفسيره الممى ( بالبحر ) ولم نذكرها طلبا للاختصار وقال الراغب أصل الأف كل مستقذر من وسخ كقلامة الظفر ونحوها ويستعمل منه الفعل يقال أففت لفلان تأفيفا وأففت به إذا قلت له أف لك وفي رواية مسلم وقع بالتنوين قوله ولا لم صنعت أي ولا قال لي لم صنعت كذا لشيء من

(22/120)


الأشياء قوله ولا ألا صنعت أي ولا قال لي ألا صنعت بتشديد اللام بمعنى هلا صنعت وفي رواية عبد العزيز بن صهيب ما قال لشيء صنعته لم صنعت هذا كذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا كذا
40 -
( باب كيف يكون الرجل في أهله )
أي هذا باب يذكر فيه كيف يكون حال الرجل في أهله يعني إذا كان الرجل في بيته بين أهله كيف يعمل من أعمال نفسه ومن أعمال البيت على ما يجيء في حديث الباب
6039 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) قال سألت ( عائشة ) ما كان النبي يصنع في أهله قالت كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة ( انظر الحديث 676 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح ما كان من الإبهام في الترجمة
والحكم بفتحين ابن عتيبة مصغر العتبة وإبراهيم هو النخعي والأسود بن يزيد خال إبراهيم
والحديث مضى في الصلاة عن آدم وفي النفقات عن محمد بن عرعرة وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد
قوله في مهنة بكسر الميم وفتحها وأنكر الأصمعي الكسر وفسرها بخدمة أهله وعن هشام ابن عروة عن أبيه قلت لعائشة ما كان رسول الله يصنع في بيته قالت يخيط ويخصف فعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم رواه أحمد وصححه ابن حبان ولأحمد من رواية عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر كان يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه
41 -
( باب المقة من الله تعالى )
أي هذا باب في بيان المقة الثابتة من الله عز و جل والمقة بكسر الميم المحبة وهو من ومق يمق مقة أصله ومق حذفت الواو منه تبعا لفعله وعوضت عنها الهاء وهو على وزن علة لأن المحذوف فيه فاء الفعل كعدة أصلها وعد فعل به كذلك
68 - ( حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة عن النبي قال إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فنادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والحديث مضى في بدء الخلق عن محمد بن سلام في باب ذكر الملائكة قوله فأحبه بفتح الباء الموحدة المشددة قوله في أهل السماء وفي حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه في أهل السموات السبع قوله القبول أي قبول قلوب العباد ومحبتهم له وميلهم إليه ورضاهم عنه ويفهم منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله عز و جل وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ومحبة الله إرادة الخير ومحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم خير الدنيا والآخرة له أو ميل قلوبهم إليه وذلك لكونه مطيعا لله تعالى محبوبا له
42 -
( باب الحب في الله )
أي هذا باب في بيان الحب في الله أي في ذات الله لا يشوبه الرياء والهوى
69 - ( حدثنا آدم حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )

(22/121)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لا يحبه إلا لله وآدم هو ابن أبي إياس والحديث قد مر في كتاب الإيمان في باب حب رسول الله من الإيمان عن أبي اليمان وعن يعقوب بن إبراهيم وعن آدم وفي باب حلاوة الإيمان عن محمد بن المثنى وفي باب من كره أن يعود في الكفر ومضى الكلام فيه مستقصى قوله حلاوة الإيمان شبه الإيمان بالعسل بجامع ميل القلب إليهما وأسند إليه ما هو من خواص العسل فهو استعارة قوله المرء بالنصب قوله أحب إليه من أن يرجع فصل بين الأحب وكلمة من لأن في الظرف توسعة قيل المحبة أمر طبيعي لا يدخل تحت الاختيار وأجيب بأن المراد الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره وإن كان خلاف الهوى كالمريض يعاف الدواء ويميل إليه باختياره قوله مما سواهما أي مما سوى الله ورسوله قال الكرماني فإن قلت فما الفرق بينه وبين ما قال لمن قال ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت قلت هو أن المعتبر هو المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما فإنها وحدها ضائعة بخلاف المعصية فإن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية
43 -
( باب قول الله تعالى ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نسآء من نسآء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولائك هم الظالمون ( الحجرات11 )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جلإلى آخره وفي رواية أبي ذر باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم الآية وللنسفي مثل ما ذكر إلى قوله هم الظالمون ولم يذكر الآية في رواية غيرهما وفي نسخة صاحب ( التوضيح ) باب قول الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى إلى ( الظالمون ) قوله يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم قال المفسرون يعني لا يطعن بعضهم على بعض أي لا يستهزىء قوم بقوم عسى أن يكونوا خيرا منهم عند الله قالوا إن بعض الصحابة استهزأ بفقراء الصفة وأزواج النبي عيرن أم سلمة بالقصر وأن صفية بنت حيي أنت النبي فقالت إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين فقال هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وإن زوجي محمد فنزلت هذه الآية قوله ولا تلمزوا أنفسهكم للمز الطعن والضرب باللسان ومعناه لا تفعلوا ما تلمزون به لأن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمن نفسه حقيقة قوله ولا تنابزوا بالألقاب التنابز بالألقاب التداعي بها تفاعل من نبزه والنبز اللقب السوء ولما قدم النبي المدينة وجدهم بألقاب يدعون بها فجعل الرجل يدعو الرجل بلقبه فقيل يا رسول الله إنهم يكرهون هذا فنزلت ولا تنابزوا بالألقاب واللقب المنهي عنه هو اللقب السوء وأما اللقب الذي فيه التنويه بالحسن فلا بأس به كما قيل لأبي بكر عتيق ولعمر فاروق ولعثمان ذو النورين ولعلي أبو تراب ولخالد سيف الله ونحو ذلك قوله بئس الإسم الفسوق أي بئس الإسم أن يقال يا يهودي يا نصراني وقد آمن وهو معنى قوله تعالى بعد الإيمان قوله ومن لم يتب أي من التنابز فأولئك هم الظالمون أي الضارون لأنفسهم بمعصيتهم
6042 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عبد الله بن زمعة ) قال نهاى النبي أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس وقال بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها
وقال الثوري ووهيب وأبو معاوية عن هشام جلد العبد
المناسبة بين الحديث والآية الكريمة هي أن ضحك الرجل مما يخرج من الأنفس فيه معنى الاستهزاء والسخرية
وعلي ابن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عبد الله بن زمعة بالزاي والميم والعين المهملة المفتوحات وقيل بسكون الميم ابن الأسود القرشي توفي النبي وهو ابن خمس عشرة سنة وتمام هذا الحديث على ثلاث قصص القصة الأولى قصة عقر الناقة والثانية قصة النهي عن الضحك

(22/122)


مما يخرج من الإنسان والثالثة قصة النهي عن جلد المرأة وأخرج البخاري في تفسير سورة الشمس وضحاها الثلاثة عن موسى بن إسماعيل وأخرج في أحاديث الأنبياء عليهم السلام بالقصة الأولى عن الحميدي وأخرج هنا بالقصة الثانية والثالثة وأخرج في النكاح القصة الثالثة وأخرج مسلم في صفة النار عن ابن أبي شيبة وغيره وأخرج الترمذي في التفسير عن هارون بن إسحاق وأخرج النسائي في التفسير عن محمد بن رافع وغيره وأخرج ابن ماجه في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة ومضى الكلام في كل موضع منها
قوله مما يخرج من الأنفس أي من الضراط لأنه قد يكون بغير الاختيار ولأنه أمر مشترك بين الكل قوله ضرب الفحل أي كضرب الفحل قوله يعانقها أي يضاجعها
قوله وقال الثوري هو سفيان الثوري وهيب مصغر وهب بن خالد البصري وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي يعني هؤلاء رووا عن هشام بن عروة ضرب العبد مكان ضرب الفحل أما تعليق الثوري فوصله البخاري في النكاح وأما تعليق وهيب فوصله البخاري أيضا في التفسير وأما تعليق أبي معاوية فوصله أحمد وإسحاق كذلك
6043 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يزيد بن هارون ) أخبرنا ( عاصم بن محمد بن زيد ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال النبي بمنى أتدرون أي يعلأم هاذا قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن هاذا يوم حرام أفتدرون أي بلد هاذا قالوا الله ورسوله أعلم قال بلد حرام أتدرون أي شهر هاذا قالوا الله ورسوله أعلم قال شهر حرام قال فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هاذا في شهركم هاذا في بلدكم هاذا
وجه المناسبة بينه وبين الآية المذكورة من حيث إن فيه حرمة العرض التي تتضمنها الآية الكريمة أيضا على ما لا يخفي على الفطن وعاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وعاصم هذا يروي عن أبيه عن جده عبد اللهابن عمر
ومضى هذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن في كتاب الحج في باب الخطبة أيام منى وأخرج مثله أيضا في هذا الباب عن ابن عباس وعن أبي بكرة وأخرج أيضا عنه في كتاب العلم في باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع ومضى الكلام في هذه المواضع
قوله أي يوم هذا هو يوم منى والبلد هو مكة والشهر هو ذو الحجة وهو من الأشهر الحرم قوله أعراضكم جمع عرض بكسر العين المهملة وهو موضع المدح والذم من الإنسان وإنما قدم السؤال عنها تذكارا للحرمة لأنهم لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال
44 -
( باب ما ينهى عنه من السباب واللعن )
أي هذا باب في بيان ما نهى عنه من السباب بكسر السين المهملة ويحتمل هذا أن يكون من باب المفاعلة وأن يكون بمعنى السب أي الشتم وهو التكلم في شأن الإنسان بما يعيبه واللعن هو التبعيد عن رحمة الله عز و جل وكلمة من في قوله من السباب هي رواية أبي ذر والنسفي وفي رواية غيرهما كلمة عن بدل من وهو الأوجه
6044 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( منصور ) قال سمعت ( أبا وائل ) يحدث عن ( عبد الله ) قال قال رسول الله سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
مطابقته للترجمة ظاهرة ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله قوله فسوق أي خروج عن طاعة الله تعالى قوله وقتاله أي المقاتلة الحقيقية أو المخاصمة قوله كفر أي كفران حقوق المسلمين أو مع قيد الاستحلال
تابعه غندر عن شعبة

(22/123)


أي تابع سليمان بن حرب غندر وهو محمد بن جعفر في روايته عن شعبة عن منصور إلى آخره ووصل هذه المتابعة أحمد في ( مسنده ) عن غندر بالإسناد المذكور لكن قال فيه عن شعبة عن زبيد ومنصور زاد فيه زبيدا بضم الزاي وفتح الباء الموحدة ابن الحارث الكوفي
6046 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( فليح بن سليمان ) حدثنا ( هلال بن علي ) عن ( أنس ) قال لم يكن رسول الله فاحشا ولا لعاقا ولا سبابا كان يقول عند المعتبة ماله ترب جبينه ( انظر الحديث 6031 )
هذا الحديث مضى عن قريب في باب لم يكن النبي فاحشا ولا متفحشا فإنه أخرجه هناك عن إصبغ بن وهب عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي هكذا هنا وهناك قال عن هلال بن أسامة وقد مر الكلام فيه هناك مشروحا
6047 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عثمان بن عمر ) حدثنا ( علي بن المبارك ) عن ( يحياى بن أبي كثير ) عن ( أبي قلابة ) أن ( ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة ) حدثه أن رسول الله قال من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال وليس على ابن آدم نذر فيما

(22/124)


لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله
مطابقته للترجمة في قوله ومن لعن مؤمنا ومحمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة ابن عثمان البصري الملقب ببندار وهو شيخ مسلم أيضا وعثمان بن عمر بن فارس البصري وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وثابت بن الضحاك الأشهلي الأنصاري وكان من أصحاب الشجرة أي شجرة الرضوان بالحديبية
وبعض الحديث مضى في كتاب الجنازة في باب ما جاء في قاتل النفس
وهذا الحديث مشتمل على خمسة أحكام الأول في الحلف على غير ملة الإسلام أي كما حلف على طريقة الكفار باللات والعزى مثلا فهو كما قال أي كائن على غير ملة الإسلام إذ اليمين بالصنم تعظيم له وتعظيمه كفر أو كما قال الرجل إن فعل كذا فهو يهودي فهو كما قال ويحتمل أن يراد به التهديد الثاني في النذر بأن نذر بما لا يملك بأن قال مثلا إن شفي الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان الثالث في قتل نفسه فإنه يعذب به أي بمثله يعني يجازي بجنس عمله الرابع في لعن المؤمن فهو كقتله يعني في الإثم لأن اللاعن يقطعه عن منافع الآخرة الخامس في قذفه مؤمنا بقوله يا كافر أو أنت كافر فهو كقتله في الإثم وشبهه لأن القاتل يقطع المقتول من منافع الدنيا وأجمعوا أنه لا يقتل في رميه له بالكفر قاله الطبري
6048 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( عدي بن ثابت ) قال سمعت ( سليمان بن صرد ) رجلا ( من أصحاب ) النبي قال استب رجلان عند النبي فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير فقال النبي إني لا أعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي وقال تعوذ بالله من الشيطان فقال أترى بي بأس أمجنون أنا إذهب ( انظر الحديث 3282 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله استب رجلان وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث الكوفي قاضيها والأعمش سليمان وعدي بن ثابت بالثاء المثلثة وسليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبالدال المهملة الخزاعي الكوفي الصحابي وكان اسمه يسار وضد اليمين في الجاهلية فسماء رسول الله سليمان سكن الكوفة وقتل بموضع يقال له عين الوردة وقيل في الحرب مع مقدمة عبيد الله بن زياد وحمل رأسه إلى مروان بن الحكم وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة
ومضى الحديث في باب صفة إبليس وجنوده فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن عدي بن ثابتإلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله رجلا منصوب على أنه بدل من سليمان قوله حتى انتفخ وجهه وفي الرواية المتقدمة فاحمر وجهه وانتفخت أوداجه وفي رواية مسلم تحمر عيناه وتنفخ أوداجه قوله الذي يجد أي الذي يجده من الغضب قوله أترى بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار وضم التاء أي أتظن قوله بي بأس أي مرض شديد وبأس مبتدأ وخبره قوله بي قوله أمجنون أنا فقوله أنا مبتدأ ومجنون خبره مقدما والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري قوله إذهب أمر من الرجل للرجل الذي أمره بالتعوذ يعني انطلق في شغلك وقال النووي هذا كلام من لم يفقه في دين الله ولم يعرف أن الغضب نزغ من نزغات الشيطان وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجانين ولعله كان من جفاة العرب أو يقال لعله كان كافرا أو منافقا أو شدة الغضب أخرجته عن حيز الاعتدال بحيث زجر الناصح له وقد أخرج أبو داود مرفوعا من حديث عطية السعدي إن الغضب من الشيطان

(22/125)


6049 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( بشر بن المفضل ) عن ( حميد ) قال قال ( أنس ) حدثني ( عبادة بن الصامت ) قال خرج رسول الله ليخبر الناس بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين قال النبي خرجت لأخبركم فتلاحى فلان وفلان وإنها رفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فتلاحى رجلان لأن التلاحي التجادل والتصاخم وهو يفضي في الغالب إلى السباب
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ومضى أيضا في كتاب الصوم في باب تحري ليلة القدر
قوله رجلان هما عبد الله بن حدرد وكعب بن مالك قاله الكرماني وكان لعبد الله دين علي كعب فتنازعا قوله رفعت على صيغة المجهول أي رفعت من قلبي يعني نسيتها قوله فالتمسوها أي فاطلبوها في التاسعة أي في التاسعة والعشرين والسابعة والعشرين والخامسة والعشرين من شهر رمضان بقرينة الأحاديث الآخر
6050 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) عن ( المعرور ) عن ( أبي ذر ) قال رأيت عليه بردا وعلى غلامه بردا فقلت لو أخذت هاذا فلبسته كانت حلة وأعطيته ثوبا آخر فقال كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها فذكرني إلى النبي فقال لي أساببت فلانا قلت نعم قال أفنلت من أمه قلت نعم قال إنك امرؤ فيك جاهلية قلت على حين ساعتي هاذه من كبر السن قال نعم هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن جعل الله أخاه تحت يده فليظعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه
مطابقته للترجمة في قوله أساببت فلانا وعمر بن حفص بن غياث مر عن قريب وكذا الأعمش هو سليمان والمعرور بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الراء الأولى ابن سويد قال الكرماني بتصغير السود قلت ليس كذلك بل بتصغير الأسود وذكر في بعض النسخ عن المعرور هو ابن سويد وإنما قال هو لأنه أراد تعريفه وشيخه لم يذكره فلم يرد أن ينسب إليه
والحديث قد مر في كتاب الإيمان في باب المعاصي من أمر الجاهلية
قوله قال أي المعرور رأيت عليه أي على أبي ذر قوله بردا بضم الباء الموحدة وقد مر تعريفه غير مرة قوله لو أخذت هذا أي البرد الذي على غلامك فلبسته كانت حلة لأن الحلة إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى يكون ثوبين قوله وبين رجل كلام الرجل هو بلال المؤذن واسم أمه حمامة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم قوله فنلت منها أي تكلمت في عرضها وهو من النيل قوله جاهلية أي أنك في تعيير أمه على ما يشبه أخلاق الجاهلية أي أهلها وهي زمان الفترة قبل الإسلام والتنوين في جاهلية للتقليل والتحقير ويحتمل أن يراد بالجاهلية الجهل أي إن فيك جهلا فقال هل في جهل وأنا شيخ كبير قوله هم راجع إلى المماليك أو إلى الخدم أعم من أن يكون مملوكا أو أجيرا ويقال فيه إضمار قبل الذكر لأن لفظ تحت أيديكم قرينة لذلك لأنه مجاز عن الملك قوله ما يغلبه أي ما تصير قدرته فيه مغلوبة أي ما يعجز عنه أي لا يكلفه ما لا يطيق
45 -
( باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير )
أي هذا باب في بيان ما يجوز من ذكر أوصاف الناس نحو قوله فلان طويل وفلان قصير
وقال النبي ما يقول ذو اليدين
ذكر هذا التعليق إشارة إلى أن ذكر اللقب إن كان للتعريف به يجوز ذلك لما قال لما صلى

(22/126)


الظهر ركعتين وسلم فقال ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ما يقول ذو اليدين وقد مر في أوائل كتاب الصلاة في باب تشبيك الأصابع في المسجد ولكن لفظه أكما يقول ذو اليدين وهو المطابق للترجمة المذكورة
وما لا يراد به شين الرجل
أي وفي جواز ما لا يراد به شين الرجل أي غيبه وهو مذهب جماعة ورأى قوم من السلف أن وصف الرجل بما فيه من الصفة غيبة له قال شعبة سمعت معاوية بن قرة يقول لو مر بك أقطع فقلت ذاك الأقطع كانت منك غيبة ولكن مذهب الآخرين أنه إذا كان على وجه التعريف به فلا بأس به كما ذكرناه وهو ظاهر إيراد البخاري بقوله وما لا يراد به شين الرجل وأما إذا كان يراد بالتلقيب عيبه فلا يجوز لأن فيه تنقيصا
46 -
( باب الغيبة )
أي هذا باب في بيان تحريم الغيبة بكسر الغين وهي أن يتكلم خلف إنسان بما يغمه لو سمعه وكان صدقا أما إذا كان كذبا فيسمى بهتانا وفي حكمه الكتابة والإشارة ونحوهما
وقول الله تعالى ( 94 ) ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ( الحجرات12 ) ح
وقول الله بالجر عطفا على قوله الغيبة وفي بعض النسخ ذكر بعده أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه الآية واكتفى البخاري بذكر الآية المصرحة بالنهي عن الغيبة ولم يذكر حكمها في الترجمة كما ذكر في النميمة حكما حيث قال باب النميمة من الكبائر كما يأتي عن قريب
6052 - حدثنا يحياى حدثنا وكيع عن الأعمش قال سمعت مجاهدا يحدث عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر رسول الله على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما هذا فكان لا يستتر من بوله وأما هاذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بعسيب رطب فشقه بإثنين فغرس على هاذا واحدا وعلى هاذا واحدا ثم قال لعله يخفف عنهما ما لع ييبسا

(22/127)


مطابقته للترجمة مع أنها في الغيبة والحديث في النميمة من حيث إن الجامع بينهما ذكر ما يكرهه المقول فيه بظهر الغيب قاله ابن التين وقال الكرماني إن النميمة نوع من الغيبة لأنه لو سمع المنقول عنه أنه نقل عنه لغمه وقيل يحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الغيبة صريحا وهو ما أخرجه في ( الأدب المفرد ) من حديث جابر قال كنا مع النبي فأتى على قبرين فذكر نحو حديث الباب وقال فيه أما أحدهما فكان يغتاب الناس وأخرجه أحمد والطبراني بإسناد صحيح عن أبي بكرة قال مر النبي بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير وبكى وفيه وما يعذبان إلا في الغيبة والبول ولأحمد والطبراني أيضا من حديث يعلى بن شبابة أن النبي مر على قبر يعذب صاحبه فقال إن هذا كان يأكل لحوم الناس الحديث وقال بعضهم الظاهر اتحاد القصة ويحتمل التعدد قلت الظاهر أن الأمر بالعكس
و ( يحيى ) في الإسناد إما ابن موسى الحداني بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وبالنون وإما ابن جعفر البلخي و ( وكيع ) هو ابن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي وهو من أصحاب أبي حنيفة وأخذ عنه كثيرا والأعمس سليمان
والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله ومضى الكلام فيه
قوله لا يستتر أي لا يخفى عن أعين الناس عند قضاء الحاجة قوله بالنميمة هي نقل الكلام على سبيل الإفساد قوله بعسيب بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة وهو سعف لم ينبت عليه الخوص وقيل هو قضيب النخل قوله ما لم ييبسا وجه التأقيت فيه هو محمول على أنه سأل الشفاعة لهما فأجيبت شفاعته بالتخفيف عنهما إلى يبسهما وفيه وجوه أخرى تقدمت هناك
47 -
( باب قول النبي خير دور الأنصار )
أي هذا باب في ذكر قول النبي خير دور الأنصار وهذا من لفظ الحديث لكن ما ذكره كاملا وتمامه بنو النجار فذكر المبتدأ وترك الخبر قيل هذه الترجمة لا تليق ههنا لأنها ليست من الغيبة أصلا وأجيب بأن المفضل عليهم يكرهون ذلك فبهذا القدر يحصل الوجه لإيراد هذه الترجمة ههنا وإن كان هذا المقدار لا يعد غيبة وهذا نحو قولك أبو بكر أفضل من عمر وليس ذلك غيبة لعمر رضي الله عنه ومن هذا القبيل ما فعله يحيى ابن معين وغيره من أئمة الحديث من تخريج الضعفاء وتبين أحوالهم خشية التباس أمرهم على العامة واتخاذهم أئمة وهم غير مستحقين لذلك
48 -
( باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب )
أي هذا باب في بيان جواز اغتياب أهل الفساد والريب بكسر الراء وفتح الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وهو

(22/128)


جمع ريبة وهي الشك والتهمة
6054 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( ابن عيينة ) سمعت ( ابن المنكدر ) سمع ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها ( أخبرته ) قالت ( استأذن رجل على ) رسول الله فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة فلما دخل ألان له الكلام قلت رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه ( انظر الحديث 6032 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة فإنه ذكر الرجل المذكور بهذا الذم وهو غائب عنه فدل على إباحة اغتياب أهل الفساد والشر فإن قلت لم يكن ذلك غيبة وإنما هو نصيحة ليحذر السامع قلت صورة الغيبة موجودة فيه ولكنه لا يتناول الغيبة المذمومة شرعا
وابن عيينة هو سفيان وابن المنكدر محمد وقد مضى هذا الحديث عن قريبة في باب لم يكن النبي فاحشا ولا متفحشا ومضى الكلام فيه هناك مبسوطا
49 -
( باب التميمة من الكبائر )
أي هذا باب يذكر فيه النميمة من الكبائر أي من الذنوب الكبائر وهي جمع كبيرة وكل ذنب تحته ذنب فهو كبيرة
50 -
( باب ما يكره من النميمة )
أي هذا باب في بيان ما يكره من النميمة وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن نقل بعض القول المنقول من شخص على جهة الفساد لا يكره كما إذا كان المنقول عنه كافرا كما يجوز التجسس في بلاد الكفار
وقوله هماز مشاء بنميم ( القلم11 ) وويل لكل همزة لمزة ( الهمزة1 ) يهمز ويلمز يعيب
أي وقول الله عز و جل هماز إلى آخره هماز فعال التشديد من الهمز وفسره البخاري واللمز بقوله يهمز ويلمز يعيب فجعل معنى الإثنين واحدا وقال الليث الهمز من يغتابك بالغيب واللمز من يغتابك في وجهك وحكى النحاس عن مجاهد عكسه قوله مشاء مبالغة ما شيء قوله بنميم من نم الحديث ينمه وينمه بضم النون وكسرها نما والرجل النمام والنم وفي التفسير المشاء بالنميم هو الذي ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض فيفسد بينهم قاله الجمهور وقيل الذي يسعى بالكذب وهو

(22/129)


يفسد في يوم ما لا يفسد الساحر في شهر قوله يعيب بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني يغتاب بالغين المعجمة الساكنة وبالتاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة
6056 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( همام ) قال كنا مع حذيفة فقيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان فقال له حذيفة سمعت النبي يقول لا يدخل الجنة قتات
مطابقته للترجمة في معنى الحديث فإن القتات هو النمام على ما نذكره وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وهمام هو ابن الحارث النخعي الكوفي وحذيفة هو ابن اليمان رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن علي بن حجر وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وأبي بكر وأخرجه الترمذي في البر عن محمد بن يحيى وأخرجه النسائي في التفسير عن إسماعيل بن مسعود
قوله يرفع الحديث إلى عثمان أي عثمان بن عفان رضي الله عنه قوله فقال له في رواية المستملي وفي رواية غيره بغير لفظ له والقتات فعال بالتشديد من قت الحديث يقته بضم القاف قت والرجل قتات أي تمام وقال ابن بطال وقد فرق أهل اللغة بين النمام والقتات فذكر الخطابي أن النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم حديثهم والقتات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم حديثهم ومعنى لا يدخل الجنة يعني إن أنفذ الله عليه الوعيد لأن أهل السنة مجمعون على أن الله تعالى في وعيده بالخيار إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم بفضله أو يؤول على أنه لا يدخلها دخول الفائزين أو يحمل على المستحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم
15
- ( باب قول الله تعالى واجتنبوا قول الزور ( الحج30 )
أي هذا باب في قول الله عز و جل واجتنبوا قول الزور والزور الكذب قيل له ذلك لكونه مائلا عن الحق والزور بالفتح الميل وقال ابن الأثير الزور الكذب والتهمة والباطل
6057 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) عن النبي من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه
قال أحمد أفهمني رجل إسناده ( انظر الحديث 1903 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من لم يدع قول الزور لأن معناه من لم يترك ولم يجتنب وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله ابن يونس اليربوعي الكوفي نسب إلى جده وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام القرشي المدني والمقبري بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة هو سعيد بن أبي سعيد واسمه كيسان كان يسكن عند مقبرة فنسب إليها
والحديث مضى في كتاب الصوم في باب من لم يدع قول الزور فإنه أخرجه هناك عن آدم ابن أبي إياس عن ابن أبي ذئب بهإلى آخره
قوله والعمل به أي بمقتضى قول الزور قوله والجهل بالنصب أي ولم يدع الجهل وهو فعل الجهال أو السفاهة على الناس وجاء الجهل بمعناها قوله فليس لله حاجة مجاز عن عدم القبول
قوله قال أحمد هو ابن يونس المذكور أفهمني رجل إسناده أي إسناد الحديث المذكور كأنه لم يتيقن إسناده من لفظ شيخه ابن أبي ذئب فأفهمه رجل غيره وبعكس هذا قاله أبو داود وذلك أنه لما روى هذا الحديث قال في آخره قال أحمد فهمت إسناده من ابن أبي ذئب وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه وقال الكرماني قال أحمد أفهمني أي كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني رجل إسناده أو أراد رجلا عظيما والتنوين يدل عليه والغرض مدح شيخه ابن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمه انتهى
وقال بعضهم خبط الكرماني هنا قلت هو من الذي خبط من وجوه الأول فيه ترك الأدب في حق من تقدمه في الإسلام والعلم

(22/130)


والتصنيف والثاني ما نقل كلامه مثل ما نقلته بل خبط فيه حيث قال قال أي الكرماني قوله أفهمني أي كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني به رجل أو أراد رجل آخر عظيم لما يدل عليه التنكير والغرض مدح شيخه أو آخر انتهى هذا الذي ذكره هذا القائل ونسبه إلى الكرماني فانظر إلى التفاوت بين الكلامين فالناظر الذي يتأمل فيه يعرف أن التخبيط جاء من أين والثالث أنه فهم من قوله أو رجل آخر أنه يمدح شيخه وليس كذلك بل غرضه أنه يمدح شيخه أو رجلا آخر غيره أفهمه كما صرح
52 -
( باب ما قيل في ذي الوجهين )
أي هذا باب في بيان ما قيل في حق ذي الوجهين وذو الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه كما يجيء عن قريب في حديث أبي هريرة وهذه هي المداهنة المحرمة وسمي ذو الوجهين مداهنا لأنه يظهر لأهل المنكر أنه عنهم راض فيلقاهم بوجه سمح بالترحيب والبشر وكذلك يظهر لأهل الحق ما أظهره لأهل المنكر فيخلطه لكلتا الطائفتين وإظهاره الرضى بفعلهم استحق إسم المداهنة واستحق الوعيد الشديد أيضا روي عن أبي هريرة عن رسول الله قال ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها وروي عن أنس رضي الله عنه أنه روى عن رسول الله أنه قال من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة
86 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال النبي تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هاؤلاء بوجه وهاؤلاء بوجه ( انظر الحديث 3494 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن حفص يروي عن أبي حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان السمان الزيات
قوله تجد من شر الناس وفي رواية الكشميهني من شرار الناس بصيغة الجمع وفي رواية الترمذي إن من شر الناس وفي رواية مسلم تجدون شر الناس وفي رواية أخرى له تجدون من شر الناس ذا الوجهين وفي رواية أبي داود عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ من شر الناس ذو الوجهين وفي رواية الإسماعيلي من طريق ابن شهاب عن الأعمش بلفظ من شر خلق الله ذو الوجهين وهذه الألفاظ متقاربة والروايات التي فيها شر الناس محمولة على الروايات التي فيها من شر الناس مبالغة في ذلك وقال الكرماني وفي بعض الروايات أشر الناس بلفظ أفعل وهو لغة فصيحة وإنما كان أشر لأنه يشبه النفاق فإن قلت ما المراد بالناس قلت يحتمل أن يكون المراد من ذكر من الطائفتين خاصة فهو شرهم كلهم والأولى أن يحمل على عمومه فهو أبلغ بالذم قوله ذا الوجهين منصوب لأنه مفعول قوله تجد قوله يأتي هؤلاء أي يأتي كل طائفة ويظهر عندهم أنه منهم ومخالف للآخرين مبغض لهم إذ لو أتى كل طائفة بالإصلاح ونحوه لكان محمودا
53 -
( باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه )
أي هذا باب في بيان جواز إخبار الرجل صاحبه بما سمع مما يقال فيه أي في حقه ولكن بشرط أن يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويجتنب الأذى ألا يرى أن ابن مسعود رضي الله عنه حين أخبر الشارع بقول الأنصاري فيه هذه قسمة ما أريد بها وجه الله لم يقل له أتيت بما لا يجوز بل رضي بذلك وجاوبه بقوله يرحم الله موسى لقد أو ذي بأكثر من هذا فصبر ولم يكن هذا من النميمة
6059 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( ابن مسعود ) رضي الله عنه قال ( قسم ) رسول الله قسمة فقال رجل من الأنصار والله ما أراد محمد بهاذا وجه الله فأتيت رسول الله فأخبرته فتمعر وجهه وقال رحم

(22/131)


الله موسى لقد أوذي بأكثر من هاذا فصبر
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح ما أبهم فيها وقد بيناه ومحمد بن يوسف الفريابي وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث مضى في الجهاد في باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم ومضى الكلام فيه
قوله قسم أي يوم حنين وقد أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل قوله فتمعر تفعل ماض من التمعر بالعين المهملة والراء أي تغير لونه وفي رواية الكشميهني فتمغر بالغين المعجمة أي صار لونه لون المغرة وصاحب ( التوضيح ) نسب هذه الرواية لأبي ذر
وفيه من الفقه أن أهل الفضل والخبر قد يعز عليهم ما يقال فيهم من الباطل ويكبر عليهم فإن ذلك جبلة في البشر فطرهم الله عليها إلا أن أهل الفضل يتلقون ذلك بالصبر الجميل اقتداء بمن تقدمهم من المؤمنين ألا يرى أنه قد اقتدى في ذلك بصبر موسى صلوات الله وسلامه عليه ومن صبره أنهم قالوا له هو آدر فمر يغتسل عريانا فوضع ثوبه على الحجر فتبعه ففر الحجر فجاز على بني إسرائيل فبرأه مما قالوا ومنه أن قارون قال لامرأة ذات حمال وحسب هل لك أن أشركك في أهلي ومالي إذا جئت في ملأ بني إسرائيل تقولين إن موسى أرادني على نفسي فلما وقفت عليهم بدل الله تعالى قلبها فقالت إن قارون قال لي كذا وكذا فبلغ الخبر موسى عليه السلام وكان شديد الغضب يخرج شعره من ثوبه إذا غضب فدعا الله تعالى وهو يبكي فأوحى الله إليه قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فأقبل إلى قارون فلما رآه قال يا موسى ارحمني قال يا أرض خذيه فساخت به الأرض وبداره إلى الكعبين فقال يا موسى ارحمني فقال خذيه فساخت به وبداره فهو يتجلجل إلى يوم القيامة ومثل هذه كثيرة
54 -
( باب ما يكره من التمادح )
أي هذا باب في بيان ما يكره من التمادح بين الناس الذي فيه الإطراء ومجاوزة الحد وهو المراد من الترجمة لأن الحديث يدل على هذا قال بعضهم هو مدح كل من الشخصين الآخر قلت ليس كذلك هذا الذي قاله باب المفاعلة وهذا من باب التفاعل لمشاركة القوم ومن له أدنى مسكة من الصرف يعرف هذا
6060 - حدثنا ( محمد بن صباح ) حدثنا ( إسماعيل بن زكرياء ) حدثنا ( بريد بن عبد الله بن أبي بردة ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) قال سمع النبي رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة فقال أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ( انظر الحديث 2663 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو أن يفرط في مدح الرجل بما ليس فيه فيدخله من ذلك الإعجاب ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة فلذلك قال رسول الله قطعتم ظهر الرجل حين وصفتموه بما ليس فيه فربما حمله ذلك على العجب والكبر وعلى تضييع العمل وترك الإزدياد والفضل ومن ذلك تأول العلماء في قوله احثوا التراب في وجوه المداحين أن المراد بهم المداحون الناس في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم ولم يرد بهم من مدح رجلا بما فيه فقد مدح رسول الله في الأشعار والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجوه المداحين التراب ولا أمر بذلك وقد قال أبو طالب فيه
( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل )
ومدحه حسان في كثير من شعره وكعب بن زهير وغير ذلك
ومحمد بن صباح بتشديد الباء الموحدة ويقال فيه الصباح بالألف واللام البغدادي فالأول رواية أبي ذر والثاني لغيره وإسماعيل بن زكرياء مقصور أو ممدود الأسدي وبريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الموحدة وأبو بردة اسمه عامر قيل الحارث يروى عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وبريد بن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عن أبي موسى
والحديث قد مر في

(22/132)


الشهادات باب ما يكره من الإطناب في المدح
قوله ويطريه من الإطراء وهو مجاوزة الحد قوله أو قطعتم شك من الراوي وقطع الظهر مجاز عن الإهلاك يعني أوقعتموه في الإعجاب بنفسه الموجب لهلاك دينه
1061 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( خالد ) عن ( عبد الرحمان بن أبي بكرة ) عن أبيه أن رجلا ذكر ( عند ) النبي فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبي ويحك قطعت عنق صاحبك يقوله مرارا إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله ولا يزكي على الله أحدا
وقال وهيب عن خالد ويلك ( انظر الحديث 2662 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وآدم هو ابن أبي إياس وخالد هو ابن مهران الحذاء وأبو بكرة هو نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحارث الثقفي
والحديث مضى في الشهادات عن محمد بن سلام في باب إذا زكى رجل رجلا كفاه
قوله ذكر بلفظ المجهول قوله ويحك كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر وقد ترفع وتضاف فيقال ويح زيد ويحا له وويح له قوله قطعت عنق صاحبك قطع العنق استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك لكن هذا الهلاك في الدين وذاك من جهة الدنيا قوله لا محالة بفتح الميم أي لا بد والميم زائدة قوله إن كان يرى بضم الياء أي يظن ووقع في رواية يزيد بن زريع إن كان يعلم ذلك وكذا في رواية وهيب قوله وحسيبه الله بفتح الحاء وكسر السين المهملة يعني يحاسبه على عمله الذي يعلم بحقيقة حاله وهي جملة اعتراضية وقال الطيبي هي من تتمة القول والجملة الشرطية حال من فاعل فليقل وعلى الله فيه معنى الوجوب والقطع والمعنى فليقل أحسب فلانا كيت وكيت إن كان يحسب ذلك والله يعلم سره فيما فعل فهو يجازيه ولا يقل أتيقن أنه محسن والله شاهد عليه على الجزم وأن الله يجب عليه أن يفعل به كذا وكذا قوله ولا يزكي على صيغة المعلوم وأحدا منصوب به في رواية الكشميهني والضمير في يزكي للمخاطب وعن أبي ذر عن المستملى والسرخسي على صيغة المجهول واحد بالرفع ومعناه لا يقطع على عاقبة أحد ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب عنه قوله ولا يزكي خبر معناه النهي أي لا يزكي أحدا
قوله وقال وهيب مصغر وهب بن خالد البصري عن خالدا لحذاء بسنده المذكور فيما سيأتي قوله ويلك موضع ويحك وكلمة ويلك كلمة حزن وهلاك وقيل ويح وويل بمعنى واحد وتعليق وهيب هذا يأتي موصولا في باب ما جاء في قول الرجل ويلك
55 -
( باب من أثنى على أخيه بما يعلم )
أي هذا باب في بيان جواز ثناء من أثنى على أخيه أي صاحبه بما يعلم فيه ولكن بشرط أن لا يطري ولا يزيد على ما يعلم
وقال سعد ما سمعت النبي يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام
أي قال سعد بن أبي وقاص هذا التعليق قد مضى موصولا في مناقب عبد الله بن سلام قيل عبد الله بن سلام من المبشرين فلا ينحصرون في العشرة وأجيب بأن التخصيص بالعدد لا ينفي الزائد أو المراد بالعشرة الذين بشروا بها دفعة واحدة وإلا فالحسن والحسين وأمهما وأزواج النبي بالاتفاق من أهل الجنة قيل مفهوم التركيب أنه منحصر في عبد الله فقط وأجيب بأن غايته أن سعد لم يسمع ذلك منه أو لم يقل لأحد غيره حال المشي على الأرض
6062 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم ) عن أبيه أن رسول الله ( حين ) ذكر ( في الإزار ما ) ذكر قال ( أبو بكر ) يا رسول الله إن إزاري يسقط من أحد شقيه قال إنك لست منهم

(22/133)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إنك لست منهم لأن فيه مدح أبي بكر رضي الله عنه بما يعلم منه
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان بن عيينة وموسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف وبالباء الموحدة وسالم هو ابن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه أن رسول الله حين ذكر في الإزار وهو قوله من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة مر في أول كتاب اللباس قال أبو بكر يا رسول الله إن إزاري يسقط أحد شقيه يعني يسترخي ويشبه جره فقال إنك لست منهم أي من الذين يجرون ثيابهم خيلاء وفي الرواية المتقدمة في أول كتاب اللباس إنك لست ممن يصنعه خيلاء وهذا فيه مدح لأبي بكر رضي الله عنه بما يعلمه منه
وفيه من الفقه أنه يجوز الثناء على الناس بما فيهم على وجه الإعلام بصفاتهم ليعرف لهم سابقتهم وتقدمهم في الفضل فينزلوا منازلهم ويقدموا على من لا يساويهم ويقتدي بهم في الخير ألا ترى كيف شهد النبي للعشرة بالجنة وقال للصديق كل الناس قالوا لي كذبت وقال لي أبو بكر صدقت وروى معمر عن قتادة عن ابن قلابة قال رسول الله أرحم أمتي أبو بكر وأقواهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم علي وأمين أمتي أبو عبيدة بن الجراح وأعلم أمتي بالحلال معاذ بن جبل وأقرؤهم أبي وأفرضهم زيد رضي الله عنهم
56 -
( باب قول الله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشار والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( النحل90 ) وقوله إنما بغيكم على أنفسكم ( يونس23 ) ثم بغي عليه لينصرنه الله )
أشار البخاري بإيراد هذه الآيات إلى وجوب ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر يدل عليه قوله والإحسان أي إلى المسيء وترك معاقبته على إساءته وفي رواية أبي ذر والنسفي إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية وفي رواية الباقين سيقت إلى تذكرون
ثم في تفسير هذه الآية أقوال الأول أن المراد بالعدل شهادة أن لا إله إلا الله والإحسان أداء الفرائض قاله ابن عباس الثاني العدل الفرائض والإحسان النافلة الثالث العدل استواء السريرة والعلانية والإحسان أن تكون السريرة أفضل من العلانية قاله ابن عيينة الرابع العدل خلع الأنداد والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه الخامس العدل العبادة والإحسان الخشوع فيها السادس العدل الإنصاف والإحسان التفضل السابع العدل امتثال المأموراتوالإحسان اجتناب المنهيات الثامن العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال التاسع العدل بذل الحق والإحسان ترك الظلم العاشر العدل البذل والإحسان العفو قوله وايتاء ذي القربى أي صلة الرحم قوله وينهى عن الفحشاء والمنكر يعني عن كل فعل وقول قبيح وقال ابن عباس هو الزنا والبغي قيل هو الكبر والظلم وقيل التعدي ومجاوزة الحد قوله تذكرون أصله تتذكرون فحذفت إحدى التاءين
قوله إنما بغيكم على أنفسكم قال ابن عيينة المراد بها أن البغي تعجل عقوبته في الدنيا لصاحبه يقال للبغي مصرعة قوله ثم بغى عليه لينصرنه الله كذا في رواية كريمة والأصيلي على وفق التلاوة وكذا في رواية أبي ذر والنسفي ووقع للباقين ومن بغي عليه وهو خلاف ما وقع عليه القرآن وقال بعضهم وهو سبق قلم إما من المصنف وإما ممن بعده قلت الظاهر أنه من الناسخ واستمر عليه في رواية غير هؤلاء المذكورين ثم إن الله عز و جل ضمن نصرة من بغي عليه والأولى لمن بغي عليه أن يشكر الله على ما ضمن من نصره ويقابل ذلك بالعفو عمن بغي عليه وقد كان الانتقام فيه لقوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( النحل126 ) لكن الصفح عنه أولى عملا بقوله ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ( الشورى43 ) وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها أنه كان لا ينتقم لنفسه ويعفو عمن ظلمه
وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر
وترك مجرور عطفا على قوله قول الله تعالى أي وفي بيان وجوب ترك إثارة الشر أي تهييجه على مسلم أو كافر وحال المسلم يقتضي إطفاء الشر عن الناس أجمعين
6063 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله

(22/134)


عنها قالت مكث النبي كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي قالت عائشة قالت عائشة فقال لي ذات يوم يا عائشة إن الله أفتاني في أمر استفتيته فيه أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي ما بال الرجل قال مطبوب يعني مسحورا قال ومن طبه قال لبيد بن أعصم قال وفيم قال في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت رعوفة في بئر ذروان فجاء النبي فأخرج قالت عائشة فقلت يا رسول الله فهلا تعني تنشرت فقال النبي أما الله فقد شفاني وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا قالت ولبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود
وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الآيات المذكورة أن الله لما نهى عن البغي وأعلم أن ضرر البغي يرجع إلى الباغي وضمن النصرة لمن بغي عليه كان حق من بغي عليه أن يشكر الله على إحسانه إليه بأن يعفو عمن بغى عليه ألا يرى أن النبي كيف ابتلي بالسحر ولم يعاقب ساحره مع قدرته على ذلك وأما وجه المطابقة بينه وبين الترجمة الأخرى وهي قوله وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر هو من قوله وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا
والحميدي هو عبد الله بن الزبير ابن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
والحديث قد مضى في كتاب الطب في باب السحر ومضى الكلام فيه مستقصى ونذكر بعض شيء
قوله فيخيل إليه أنه يأتي أهله أي يخيل إليه أنه يباشر أهله ولم يكن ثمة مباشرة قوله ذات يوم أي يوما وهو من باب إضافة المسمى إلى اسمه قوله في أمر أي في أمر التخيل قوله رجلان هما الملكان بصورة الرجلين قوله رجلي مفرد أو مثنى قوله مطبوب فسره بقوله أي مسحور وهذا التفسير مدرج في الخبر قوله ومن طببه أي نسحره قوله وفيم أي في أي شيء قوله في جف بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء طلع النخل ويطلق على الذكر والأنثى قوله ومشاقة بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة وبالقاف وهي ما يغزل من الكتان قوله راعوفة بفتح الراء وضم العين المهملة وفتح الفاء وهي حجر في أسفل البئر قوله ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وبالواو والنون وهو بستان فيه بئر بالمدينة قوله أريتها بضم الهمزة وكسر الراء وضم التاء المثناة من فوق قوله رؤوس الشياطين مثل في استقباح الصورة أي أنها وحشية المنظر سمجة الشكل قوله نقاعة بضم النون وتخفيف القاف وتشديدها ماء ينفع فيه الحناء قوله فأخرج على صيغة المجهول أي أخرج من تحت الرعوفة قوله تنشرت تفسير قوله فهلا وهو أيضا مدرج في الخبر وتنشرت على وزن تفعلت قال الجوهري التنشر من النشرة بضم النون وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وهي كالرقية فإذا نشر المسموم فكأنما نشط من عقال أي يذهب عنه سريعا وفي الحديث لعل طبا أصابه يعني سحرا ثم نشره قل أعوذ برب الناس أي رقاه وكذا قاله القزاز وقال الداودي معناه هلا اغتسلت ورقيت قال صاحب ( التوضيح ) وظاهر الحديث أن تنشرت أظهرت السحر توضحه الرواية الأخرى فهلا استخرجته وروي أنه سئل عن النشرة فقال هي من عمل الشيطان وقال الحسن النشرة من السحر وهو ضرب من الرقي والعلاج يعالج به من كان يظن أن به شيئا من الجن وقال عياض النشرة نوع من التطبب بالاغتسال على هيأة مخصوصة بالتجربة لا يحيلها القياس الظني وقد اختلف العلماء في جوازها وقيل من قال إن تنشرت مأخوذ من النشر أو من نشر الشيء وهو إظهاره كيف يجمع بين قولها فأخرج وبين قولها في الرواية الأخرى فهلا استخرجته وأجيب بأن الإخراج الواقع كان لأصل السحر والاستخراج

(22/135)


المنفي كان لأجزاء السحر قوله من بني زريق بضم الزاي وفتح الراء قوله حليف أي معاهد قوله ليهود وقع في رواية الكشميهني هنا لليهود بزيادة اللام
57 -
( باب ما ينهاى من التحاسد والتدابر وقوله تعالى ومن شر حاسد إذا حسد )
أي هذا باب في بيان النهي وكلمة ما مصدرية قوله من التحاسد ويروى عن التحاسد والأول رواية الكشميهني والتحاسد والتدابر من باب التفاعل والحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه والتدابر هو أن يعطي كل واحد من الناس أخاه بره وقفاه فيعرض عنه ويهجره قاله ابن الأثير وقال الهروي التدابر التقاطع يقال تدابر القوم أي أدبر كل واحد عن صاحبه قوله وقوله تعالى بالجر عطف على قوله ما ينهى وأشار به إلى أن الحسد منهي عنه ولو وقع من جابن واحد قلت هذا كلام رواه من وجهين أحدهما أن قوله من الجانبين غير مستقيم لأن باب التفاعل بين القوم لا بين الإثنين والآخر أنه يصدق على كل واحد من المتحاسدين أنه حاسد فالحسد واقع من كل واحد منهم والوجه ما ذكرنا
6064 - حدثنا ( بشر بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا
6065 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ( انظر الحديث 6065 - طرفه في 6076 )
مطابقته للترجمة في قوله ولا تحاسدوا ولا تدابروا وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد وهما بتشديد الميم الأولى ابن منبه على وزن إسم الفاعل من التنبيه
والحديث من هذا الوجه من أفراده
قوله إياكم والظن أي اجتنبوا الظن قال القرطبي المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها ولذلك عطف عليه ولا تحسسوا وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتحسس وليبحث ويتسمع فنهى عن ذلك وقال الخطابي وغيره ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا ما يقع في القلب بغير دليل وذلك أن أوائل الظنون إنما هو خواطر لا يمكن دفعها وما لا يقدر عليه لا يكلف به قوله فإن الظن كذب الحديث أي أكثر كذبا من الكلام فإن قيل الكذب من صفات الأقوال يجاب بأن المراد به هنا عدم مطابقة الواقع سواء كان قولا أو فعلا قوله ولا تحسسوا بالحاء المهملة ولا تجسسوا بالجيم قال الكرماني كلاهما بمعنى وكذا نقل عن إبراهيم الحربي وقال ابن الأنباري ذكر الثاني تأكيدا كقولهم بعدا وسحقا قلت بينهما فرق لأن كلام الشارع كله معنى فقيل الذي بالجيم البحث عن العورات والذي بالحاء الاستماع لحديث القوم كذا رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أحد صغار التابعين وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين أو الأذن ورجح القرطبي هذا وقيل بالجيم تتبع الشخص لأجل غيره وبالحاء تتبعه لنفسه وهذا اختيار ثعلب ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا كان يخبر ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذار من فوات استدراكه قوله ولا تباغضوا أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض لا يكتسب ابتداء وقيل المراد بالنهي عن الأهواء

(22/136)


المضلة المقتضية للتباغض والمذموم منه ما كان لغير الله تعالى فإنه واجب ويثاب فاعله لتعظيم حق الله عز و جل قوله وكونوا عباد الله يعني يا عباد الله كونوا إخوانا يعني اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا وقال القرطبي المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة
قوله ولا يحل لمسلمإلى آخره فيه التصريح بحرمة الهجران فوق ثلاثة أيام وهذا فيمن لم يجن على الدين جناية فأما من جنى عليه وعصى ربه فجاءت الرخصة في عقوبته بالهجران كالثلاثة المتخلفين عن غزوة تبوك فأمر الشارع بهجرانهم فبقوا خمسين ليلة حتى نزلت توبتهم وقد آل رسول الله من نسائه شهرا وصعد مشربته ولم ينزل إليهن حتى انقضى الشهر واختلفوا هل يخرج بالسلام وحده من الهجران فقالت البغاددة نعم وكذا قول جمهور العلماء إن الهجرة تزول بمجرد السلام ورده وبه قال مالك في رواية وقال أحمد لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا وقال أيضا إن كان ترك الكلام يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام وكذا قال ابن القاسم
58 -
( باب ( 94 ) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ( الحجرات12 )
أي هذا باب في قوله عز و جل يا أيها الذين آمنواإلى آخره هكذا وقع في رواية الأكثرين إلا أن لفظ باب لم يقع في رواية أبي ذر وقال المفسرون نزلت هذه الآية في رجلين من الصحابة اغتابا سلمان رضي الله عنه قوله اجتنبوا أي امتنعوا واحترزوا كثيرا من الظن وقال سعيد بن جبير هو الرجل يسمع من أخيه كلاما لا يريد به سوءا فيراه أخوه المسلم فيظن به سوءا وقال الزجاج هو أن يظن بأهل الخير سوءا وقوله كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم يدل على أنه لم ينه عن جميع الظن والظن على أربعة أوجه محظور ومأمور به ومباح ومندوب إليه
فالمحظور هو سوء الظن بالله تعالى وكذلك الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم عدالة محظور والمأمور به هو ما لم ينصب عليه دليل يوصل إلى العلم به وقد تعبدنا بتنفيذ الحكم فيه والاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم واجب وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول وتحري القبلة وتقويم المستهلكات وأرش الجنايات التي لم يرد مقاديرها بتوقيف من قبل الشرع فهذا ونظائره قد تعبدنا فيه بغالب الظن والظن المباح كالشك في الصلاة إذا كان إماما فإن النبي أمر بالتحري والعمل بغالب الظن فإنه فعله كان مباحا وإن عدل إلى غيره من البناء على اليقين جاز والظن المندوب إليه كإحسان الظن بالأخ المسلم يندب إليه ويثاب عليه
وتفسير ولا تجسسوا قد مضى
6066 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال أياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
وجه المطابقة بين هذا الحديث والآية المذكورة أن البغض والحسد ينشآن عن سوء الظن
وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
والحديث مضى في الباب الذي قبله غير أن هناك زيادة قوله ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام وههنا زيادة قوله ولا تناجشوا من النجش بالنون والجيم والشين المعجمة وهو أن يزيد في ثمن المبيع بلا رغبة ليخدع غيره فيوقعه فيزاد عليه وقد مر هذا في البيوع ووقع في جميع الروايات عن مالك بلفظ ولا تنافسوا وكذا أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى التميمي وأخرج من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ لا تناجشوا كما وقع عند البخاري رحمه الله والمنافسة هي التنافس وهي الرغبة في الشيء والانفراد به وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه
59 -
( باب ما يكون من الظن )

(22/137)


أي هذا باب في بيان ما يكون جوازه من الظن هكذا وقعت هذه الترجمة في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي ولأبي ذر عن الكشميهني باب ما يجوز من الظن وفي رواية القابسي والجرجاني باب ما يكره من الظن ورواية أبي ذر أنسب لسياق الحديث
6067 - حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن عن ( عروة ) عن ( عائشة ) قالت قال النبي ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا قال الليث كانا رجلين من المنافقين ( انظر الحديث 6067 - طرفه في 6068 )
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن في الترجمة إثبات الظن وفي الحديث نفي الظن وأجيب بأن النفي في الحديث لظن النفي لا لنفي الظن فلاتنا في بينهما وقال الكرماني العرف في قول القائل ما أظن زيدا في الدار أظنه ليس في الدار قلت هو حاصل الجواب المذكور وهذا السند قد تكرر مرارا عديدة خصوصا رجاله فردا فردا
والحديث بهذا الوجه من أفراده
قوله قال الليث هن ابن سعد راوي الحديث قال الداودي تأويل الليث بعيد ولم يكن النبي يعرف جميع المنافقين قال الله تعالى ( 8 ) لا تعلمونهم الله يعلمهم ( الأنفال60 ) وفي التوضيح الظن هنا بمعنى اليقين لأنه كان يعرف المنافقين بإعلام الله له بهم في سورة براءة قال ابن عباس كنا نسمي سورة براءة الفاضحة غير أن الله لم يأمره بقتلهم ونحن لا نعلم بالظن مثل ما علمه لأجل نزول الوحي عليه فلم يجب لنا القطع على الظن غير أنه من ظهر منه فعل منكر فقد عرض نفسه لسوء الظن والتهمة في دينه فلا حرج على من أساء الظن به وقد قال ابن عمر كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء والصبح أسأنا به الظن
6068 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث بهاذا ) ( وقالت ) دخل علي النبي يوما وقال يا عائشة ما أظن فلانا وفلانا يعرفان ديننا الذي نحن عليه ( انظر الحديث 6067 )
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الباء الموحدة أبي زكريا المخزومي المصري عن الليث بن سعد بهذا أي بالحديث المذكور
قوله وقالت أي عائشة دخل علي بتشديد الياء والنبي مرفوع لأنه فاعل دخل ويوما نصب على الظرف
60 -
( باب ستر المؤمن على نفسه )
أي هذا باب في بيان ستر المؤمن على نفسه إذا صدر منه ما يعاب
6069 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( ابن أخي ابن شهاب ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) قال سمعت ( أبا هريرة ) يقول سمعت رسول الله يقول كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه
قيل لا مطابقة بين الترجمة وبين الحديث لأن الترجمة عقدت لستر المؤمن على نفسه وفي الحديث ستر الله على المؤمن وأجيب بأن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة فقد أغضب الله تعالى فلم يستره ومن قصد التستر بها حياء من ربه ومن الناس من الله عليه بستره إياه
وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف وهنا روى عن الزهري بواسطة وهو يروي عنه كثيرا بلا واسطة وابن أخي ابن شهاب محمد بن عبد الله بن مسلم يروي عن عمه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة وفي رواية مسلم في آخر الكتاب عن زهير بن حرب ومحمد بن حاتم وعبد بن حميد ثلاثتهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد كلاهما عن ابن أخي الزهري عن عمه عنه به
قوله معافى بضم الميم وفتح الفاء مقصورا إسم مفعول من العافية التي وضعت موضع المصدر يقال عافاه عافية والعافية دفاع الله عن العبد والمعنى هنا عفا الله عنه قوله إلا المجاهرين

(22/138)


كذا في رواية الأكثرين بالنصب وفي رواية النسفي إلا المجاهرون بالرفع على قول الكوفيين لأن الاستثناء منقطع وتكون إلا بمعنىلكن والمعنى لكن المجاهرون وبالمعاصي لا يعافون فالمجاهرون مبتدأ والخبر محذوف ووجه النصب هو الذي اختاره البصريون من أن الأصل في المستثنى أن يكون منصوبا وقال الكرماني حقه النصب على الاستثناء إلا أن يكون العفو بمعنى الترك وهو نوع من النفي والمجاهر هو الذي جاهر بمعصيته وأظهرها والمعنى كل واحد من أمتي يعفى عن ذنبه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن وقال النووي إن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون من لم يجاهر به فإن قلت المجاهر من باب المفاعلة يقتضي الاشتراك قلت معنى جاهر به جهر به كما في قوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم أي أسرعوا وقال بعضهم يحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي قلت فيه نظر لا يخفى قوله وإن من المجانة بفتح الميم والجيم وهو عدم المبالاة بالقول والفعل وفي رواية ابن السكن والكشميهني وإن من المجاهرة ووقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد وإن من الإجهار وكذا عند مسلم وفي رواية له الهجار وفي رواية الإسماعيلي إلا هجار وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) وإن من الجهار وقال عياض وقع للعذري والسجزي في مسلم الإجهار وللفارسي إلا هجار والأهجار والمجاهرة كله صواب بمعنى الظهور والإظهار وأما الإهجار فهو الفحش والخنى وكثرة الكلام وهو قريب من معنى المجانة وأما لفظة الهجار فبعيد لفظا ومعنى لأن الهجار الحبل أو الوتر يشد به يد البعير أو الحلقة التي يتعلم فيها الطعن ولا يصح له هنا معنى وقال بعضهم بل له معنى صحيح أيضا فإنه يقال هجر إذا أفحش في كلامه فهو مثل جهر أو جهر فما صح في هذا صح في هذا ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل أو غيره أن لا يستعمل مصدرامن الهجر بضم الهاء قلت هذا كلام واه جدا أما أولا ففيه إثبات اللغة بالقياس وأما ثانيا فقوله يستعمل مصدرا من الهجر بضم الهاء غير صحيح لأن الهجر بالضم الإسم من الإهجار وهو الإفحاش في المنطق والخنى وكيف يؤخذ المصدر من الإسم والمصدر أيضا مأخوذ منه غير مأخوذ فافهم قوله عملا أي معصية قوله ثم يصبح أي يدخل في الصباح قوله وقد ستره الله الواو فيه للحال قوله عملت بلفظ المتكلم البارحة هي أقرب ليلة مضت من وقت القول قوله يكشف جملة حالية
6070 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( صفوان بن محرز ) أن رجلا سأل ابن عمر كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ويقول عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول إني سترح عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة في ستر المؤمن والحديث في ستر الله عز و جل وأجيب بأن ستر الله مستلزم لستره وقيل هو ستره إذا فعال العبد مخلوقة لله تعالى
وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري وصفوان ابن محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي في آخره المازني البصري ماله في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في بدء الخلق عنه عن عمران بن حصين وقد ذكرهما في عدة مواضع
والحديث مضى في المظالم عن موسى بن إسماعيل وفي التفسير عن مسدد وسيأتي في التوحيد عن مسدد أيضا ومضى الكلام فيه هناك
قوله في النجوى هي المسارة التي تقع بين الله عز و جل وبين عبده المؤمن يوم القيامة قوله يدنو من الدنو وهو القرب الربي لا القرب المكاني قوله كنفه بفتح الكاف والنون بعدهما فاء وهو الساتر أي حتى يحيط به عنايته التامة وقد صحفه بعضهم تصحيفا شنيعا فقال بالتاء المثناة من فوق بدل النون قوله عملت بلفظ الخطاب كذا وكذا مرتين متعلق بالقول لا بالعمل قوله فيقرره أي يجعله مقرا بذلك والحديث من المتشابهات فحكمه التفويض أو التأويل بما يليق به

(22/139)


61 -
( باب الكبر )
أي هذا باب في بيان ذم الكبر بكسر الكاف وسكون الباء الموحدة وهو ثمرة العجب وقد هلك بها كثير من العلماء والعباد والزهاد والكبر والتكبر والاستكبار متقارب والتكبر هو الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق والإذعان له بالتوحيد والطاعة
وقال مجاهد ثاني عطفه ( الحج9 ) مستكبر في نفسه عطفه رقبته ومن طريق السدى ثاني عطفه أي معرض من العظمة وعن مجاهد أنها نزلت في النضر بن الحارث
6071 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) حدثنا ( معبد بن خالد القيسي ) عن ( حارثة بن وهب الخزاعي ) عن النبي قال ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ( انظر الحديث 4988 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وسفيان هو الثوري ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن خالد الجدلي القيسي الكوفي القاضي مات في نسة ثمان عشرة ومائة في ولاية خالد بن عبد الله وحارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة ابن وهب الخزاعي نسبة إلى خزاعة بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة وهي حيي من الأزد
والحديث مضى في تفسير سورة نون ومضى الكلام فيه
قوله كل ضعيف مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو كل ضعيف متضاعف المراد بالضعيف ضعيف الحال لا ضعيف البدن والمتضاعف بمعنى المتواضع ويروى متضعف ومستضعف أيضا والكل يرجع إلى معنى واحد هو الذي يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا أو متواضع متذلل خامل الذكر ولو أقسم يمينا طمعا في كرم الله بإبراره ولأبره وقيل لو دعاه لأجابه قوله عتل هو الغليظ الشديد العنف والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة المنوع أو المختال في مشيته والمراد أن أغلب أهل الجنة وأغلب أهل النار وليس المراد الإستيعاب في الطرفين
6072 - وقال ( محمد بن عيسى ) حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( حميد الطويل ) حدثنا ( أنس بن مالك ) قال كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت
محمد بن عيسى بن الطباع بفتح الطاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالعين المهملة أبو جعفر البغدادي نزل أذنه بفتح الهمزة والذال المعجمة والنون وهي بلدة بالقرب من طرسوس وقال أبو داود كان يحفظ نحو أربعين ألف حديث مات سنة أربع وعشرين ومائتين وقال بعضهم لم أر له في البخاري سوى هذا الموضع قلت قال الذي جمع ( رجال الصحيحين ) روى عنه البخاري في آخر الحج والأدب وقال في الموضعين قال محمد بن عيسى وقال صاحب ( التوضيح ) وهذا يشبه أن يكون البخاري أخذه عن شيخه محمد بن عيسى مذاكرة وقال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة وقال بعض المغاربة يقول البخاري قال لي وقال لنا ما علم له إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ مما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما

(22/140)


يحتجون بها قاله الحافظ الدمياطي وهشيم بن بشير أبو معاوية الواسطي
والحديث من أفراد البخاري وأخرجه أحمد بن حنبل عن هشيم
قوله لتأخذ اللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة والمراد من الأخذ بيده لازمه وهو الرفق والانقياد يعني كان خلق رسول الله على هذه المرتبة هو أنه لو كان لأمة حاجة إلى بعض مواضع المدينة وتلتمس منه مساعدتها في تلك الحاجة واحتاجت بأن يمشي معها لقضائها لما تخلف عن ذلك حتى يقضي حاجتها قوله فتنطلق به حيث شاءت وفي رواية أحمد فتنطلق به في حاجتها وله من طريق علي بن يزيد عن أنس أن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء وتأخذ بيد رسول الله فما تنزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه
وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر وفيه أنواع من المبالغة من جهة أنه ذكر المرأة لا الرجل والأمة لا الحرة وعمم بلفظ الإماء أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت من الأمكنة وعبر عنه بالأخذ باليد الذي هو غاية التصرف ونحوه
62 -
( باب الهجرة )
أي هذا باب في بيان ذم الهجرة بكسر الهاء وسكون الجيم وهي مفارقة كلام أخيه المؤمن مع تلافيهما وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه عند الاجتماع وليس المراد بالهجرة هنا مفارقة الوطن إلى غيره فإن هذه تقدم حكمها
وقول رسول الله لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث
وقول مجرور عطفا على الهجرة أي وفي بيان قول رسول الله وقد وصله في الباب عن أبي أيوب على ما يأتي قوله فوق ثلاث ويروى فوق ثلاث ليال وقد مضى الكلام فيه عن قريب وقال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر ن ثلاث ليال بالنص ويباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفى عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض
6075 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عوف بن مالك بن الطفيل ) هو ( ابن الحارث ) وهو ( ابن أخي عائشة ) زوج النبي ل ( أمها ) أن ( عائشة ) حدثت أن ( عبد بن الزبير ) قال ( في بيع ) أو ( عطاء ) أعطته عائشة والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها فقالت أهو قال هاذا قالوا نعم قالت هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت لا والله لا أشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذالك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمان بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال لهما أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمان مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل قالت عائشة ادخلوا قالوا كلنا قالت نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمان يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت منه ويقولان إن النبي نهاى عما قد علمت من الهجرة فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى

(22/141)


كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذالك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذالك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها ( انظر الحديث 3503 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه متضمن لهجرة عائشة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أكثر من ثلاثة أيام فإن قلت لم هجرت عائشة أكثر من ثلاثة أيام قلت معنى الهجرة المذمومة لا يصدق على هجرتها لأن الهجرة المذمومة هي ترك الكلام عند التلاقي وعائشة لم تكن تلقاه فتعرض عن السلام عليه وإنما كانت من وراء حجاب ولم يكن أحد يدخل عليها إلا بإذن فلم يكن ذلك من الهجرة المذمومة وأيضا إنما ساغ ذلك لعائشة لأنها أم المؤمنين لا سيما بالنسبة إلى ابن الزبير لأنها خالته وذلك الكلام الذي قال في حقها وهو قوله لتنتهين عائشة ولأحجرن عليها كالعقوق لها فهجرتها إياه كانت تأديبا له وهذا من باب الهجران لمن عصى
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وعوف بفتح العين المهملة وسكون الواو والفاء ابن الطفيل بضم الطاء المهملة ابن عبد الله بن الحارث بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالراء ابن جرثومة بضم الجيم وسكون الراء وضم الثاء المثلة وبالميم ابن عائدة بن مرة بن جشم بن أوس بن عامر القرشي وقال ابن أبي خيثمة لا أدري من أي قريش هو وقال أبو عمر ليس من قريش وإنما هو من الأزد وقال الواقدي كانت أم رومان تحت عبد الله بن سخبرة وكان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام فتوفي عن أم رومان وقد ولدت له الطفيل ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله عنه فولدت له عبد الرحمن وعائشة فهما أخو الطفيل هذا لأمه وذكر أبو عمر الطفيل هذا في ( الاستيعاب ) في الصحابة وقال الذهبي الطفيل هذا صحابي روى عنه ربعي بن حراش الزهري وقال في ( جامع الأصول ) عوف بن مالك بن الطفيل وقال الكلاباذي عوف بن الحارث بن الطفيل وفي سند حديث الباب مثل ما قال في ( جامع الأصول ) وقال علي بن المديني هكذا اختلفوا فيه والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل فعلى هذا قول صاحب ( جامع الأصول ) عوف بن مالك بن الطفيل ليس بجيد
قوله حدثت على صيغة المجهول أي أخبرت ويروى حدثته قوله في بيع أو عطاء أعطته عائشة في رواية الأوزاعي في دار لها باعتها فتسخط عبد الله بن الزبير ببيع تلك الدار فقال والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها كلمة أو ههنا بمعنى إلا في الاستثناء فينصب المضارع بعدها بإضمار أن نحو قولهم لأقتلنه أو يسلم والمعنى إلا أن يسلم والمعنى ههنا لتنتهين عائشة عما هي فيه من الإسراف إلا أن أحجر عليها ويحتمل أن يكون أو هنا بمعنى إلى وينصب المضارع بعدها بأن مضمرة نحو لألزمنك أو تعطيني حقي يعني إلى أن تعطيني حقي وفي الرواية المتقدمة في مناقب قريش كان عبد الله ابن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي وأبي بكر وكان أبر الناس بها وكانت لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت به فقال ابن الزبير ينبغي أن يؤخذ على يديها فقالت أيؤخذ على يدي علي نذر إن كلمته وكانت هذه القضية القضية قبل أن يلي عبد الله بن الزبير الخلافة لأن عائشة ماتت سنة سبع وخمسين في خلافة معاوية وكان ابن الزبير حينئذ لم يل شيئا قوله قالت أهو قال هذا أي قالت عائشة أعبد الله بن الزبير قال هذا الكلام قالوا نعم قوله فقالت هو أي الشأن لله على نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا وقال ابن التين تقديره علي نذر إن كلمته وقال الكرماني ويروى أن لا أتكلم بفتح الهمزة وكسرها بزيادة لا والمقصود حلفها على عدم التكلم معه قلت هذا كلام الكرماني بعين ما قاله وقال بعضهم ووقع في بعض الروايات بحذف لا وشرح عليها الكرماني وضبطها بالكسر بصيغة الشرط وليس كما نقله فالذي ذكره الكرماني هو الذي ذكرناه قوله فاستشفع ابن الزبير إليها من الشفاعة وهو السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم قوله حين طالت الهجرة كذا في رواية الأكثرين بلفظ حين وفي رواية السرخسي والمستملي حتى بدل حين وفي رواية فاستشفع عليها بالناس فلم تقبل وفي رواية عبد الرحمن بن خالد فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين وقد أخرج إبراهيم الحربي من طريق حميد بن قيس أن عبد الله بن الزبير استشفع إليها بعبيد بن عمير فقال لها أين حديث أخبرتنيه عن رسول الله صلى الله==

ج42. عمدة القارئ للعيني

عليه وسلم أنه نهى عن الهجرة فوق ثلاث قوله والله لا أشفع فيه بكسر الفاء المشددة أي لا أقبل الشفاعة فيه قوله أبدا هنو رواية الكشميهني وفي رواية غيره أحدا وجمع بين اللفظين في رواية عبد الرحمن بن خالد ورواية معمر قوله ولا اتحنث إلى نذري أي لا أتحنث في نذري منتهيا إليه وفي رواية معمر ولا أحنث في نذري قوله فلما طال ذلك أي هجر عائشة على عبد الله ابن الزبير كلم المسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة الزهري وعبد الرحمن بن أسود بن عبد يغوث الزهري وكانا من أخوال رسول الله قوله أنشدكما الله بضم الدال من أنشدت فلانا إذا قلت له نشدتك الله أي سألتك بالله قوله لما بتخفيف الميم وما زائدة وبتشديدها وهو بمعنى إلا كقوله تعالى ( 68 ) إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق4 ) ومعناه ما أطلب منكما إلا الإدخال قال الزمخشري نشدتك بالله إلا فعلت معناه ما أطلب منك إلا فعلك وفي رواية الكشميهني إلا أدخلتماني وفي رواية الأوزاعي فسألهما أن يشتملا عليه بأرديتهما قوله فإنها أي فإن الحالة وفي رواية الكشميهني فإنه أي فإن الشان قوله تنذر قطيعتي أي قطع صلة الرحم لأن عائشة كانت خالته وهي التي كانت تتولى تربيته غالبا قوله أندخل الهمزة فيه للاستخبار قوله كلنا وفي رواية الأوزاعي قالا ومن معنا قالت ومن معكما قوله وطفق أي جعل يناشدها قوله بناشدانها إلا ما كلمته أي ما يطلبان منها إلا التكلم معه وقبول العذر منه قوله من الهجرة بيان ما قد علمت قوله من التذكرة أي من التذكير بالصلة بالعفو وبكظم الغيظ قوله والتحريج أي التضييق والنسبة إلى الحرج بالحاء المهملة والجيم قوله وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة علم منه أن المراد بالنذر اليمين وفي ( التوضيح ) قول عائشة علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا هذا أنذر في غير الطاعة فلا يجب عليها شيء عند مالك وغيره واختلف إذا قال علي نذر لأفعلن كذا فكفارته كفارة بين وهو قول مالك وغير واحد من التابعين وعن ابن عباس عليه أغلظ الكفارات كالظهار لأنه لم يسم اليمين بالله ولا نواها وقيل إن شاء صام يوما أو أطعم مسكينا أو صلى ركعتين والله أعلم
6076 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس بن مالك ) أن رسول الله قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ( انظر الحديث 6065 )
هذا الحديث مضى في باب ما ينهى عن التحاسد عن أبي هريرة ومضى أيضا عنه في الباب الذي يليه ومضى الكلام فيه مستقصى وهناك روى مالك عن أبي الزناد وهنا روى عن ابن شهاب
6077 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عطاء بن يزيد الليثي ) عن ( أبي أيوب الأنصاري ) أن رسول الله قال لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هاذا ويعرض هاذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ( انظر الحديث 6077 - طرفه في 6237 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أيوب الأنصاري اسمه خالد بن زيد بن كليب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإستئذان عن علي عن سفيان وأخرجه مسلم فيه عن يحيى عن مالك وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك به وأخرجه الترمذي في البر عن محمد بن يحيى وقال الحافظ المزي هكذا رواه غير واحد عن الزهري وهو المحفوظ ورواه عقيل عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي بن كعب ورواه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري عن عبد الله أو عبد الرحمن عن أبي بن كعب وكلاهما خطأ أما رواية عقيل فلم يتابعه عليها أحد ولعله كان في كتابه عن أبي وسقط منه أيوب فظنه أبي بن كعب وأما رواية أحمد بن شبيب عن أبيه فقد رواه ابن وهب عن يونس كرواية الجماعة
قوله فيعرض بضم الياء من إعراض الوجه قوله وخيرهما أي أفضلهما الذي يبدأ بالسلام أي بالسلام عليكم
وفيه أن الهجرة تنتهي بالسلام وقد مضى الكلام فيه عن قريب
63 -
( باب ما يجوز من الهجران لمن عصى )

(22/143)


أي هذا باب في بيان ما يجوز من الهجران لمن عصى وقال المهلب غرض البخاري من هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز وأن ذلك متنوع على قدر الإجرام فمن كان جرمه كثيرا فينبغي هجرانه واجتنابه وترك مكالمته كما جاء في كعب بن مالك وصاحبيه وما كان من المغاضبة بين الأهل والإخوان فالهجران الجائز فيها ترك التحية والتسمية وبسط الوجه كما فعلت عائشة في مغاضبتها مع رسول الله
وقال كعب حين تخلف عن النبي ونهى النبي المسلمين عن كلامنا وذكر خمسين ليلة
أي قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قوله حين تخلف في غزوة تبوك وهو ليس ظرفا لقال بل لمحذوف أي حين تخلف كان كذا وكذا ونهى النبي عن الكلام معه مع صاحبيه مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الثلاثة الذين خلفوا وذكر أن زمان هجر المسلمين عنهم كان خمسين ليلة وهذا الذي ذكره طرف من حديث طويل مستوفى في آخر المغازي
6078 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال رسول الله إني لأعرف غضبك ورضاك قالت قلت وكيف تعرف ذاك يا رسول الله قال إنك إذا كنت راضية قلت بلى ورب محمد وإذا كنت ساخطة قلت لا ورب إبراهيم قالت قلت أجل لست أهاجر إلا اسمك ( انظر الحديث 5228
مطابقته للترجمة في قوله لست أهاجر إلا اسمك وهذا من الهجران الجائز كما ذكرنا عن المهلب الآن صفة الهجران الجائز وقال القاضي مغاضبة عائشة رضي الله عنها هي من الغيرة التي عفى عنها للنساء ولولا ذلك لكان عليها في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب على النبي كبيرة عظيمة وفي قولها إلا إسمك دلالة على أن قلبها مملوء من المحبة وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة
ومحمد هو ابن سلام وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة هو ابن سليمان الكلابي
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن عبد الله بن نمير
قوله أجل بوزن نعم وبمعناه وقال الأخفش إلا أن نعم أحسن من أجل في جواب الاستفهام وأجل أحسن من نعم في التصديق
64 -
( باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشية )
أي هذا باب يذكر فيه هل يزور الشخص صاحبه كل يوم أو يزور في طرفي النهار بكرة وعشية فالبكرة أول النهار من طلوع الشمس إلى نصف النهار والعشية آخره وفي كثير من النسخ وعشيا بدون التاء وقال الجوهري العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة وقيل العشي من الزوال إلى العتمة وقيل إلى الفجر وقال بعضهم وقال ابن فارس والعشاء بالفتح والمد من الزوال إلى العتمة قلت هذا غلط قال الجوهري العشاء بالمد والفتح الطعام بعينه والظاهر أن ابن فارس قال العشاء بالمد والكسر والغلط من الناقل
6079 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر )
( ح ) قال ( الليث ) حدثني ( عقيل ) قال ( ابن شهاب ) ( فأخبرني عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) زوج النبي قالت أم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل هاذا رسول الله في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر ما جاء به في هاذه الساعة إلا أمر قال إني قد أذن لي بالخروج
مطابقته للترجمة في قوله إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية وإبراهيم هو ابن

(22/144)


موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهو شيخ مسلم أيضا وهشام هو ابن يوسف ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد
والحديث قد مضى مطولا في باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة فإنه أخرجه هناك عن يحيى ابن بكير نا الليث عن عقيلإلى آخره وهنا أخرجه عن إبراهيم عن هشام عن معمر عن الزهري ثم تحول إلى إسناد آخر بقوله وقال الليثإلى آخره ووصله في باب الهجرة عن يحيى بن بكير عن الليث كما ذكرناه
قوله يدينان الدين أي كانا مؤمنين متدينين بدين الإسلام قوله ولم يمر يوم إلا يأتينا فيه فإن قلت يعارضه حديث أبي هريرة زرغبا تزدد حبا قلت لا معارضة لأن لكل منهما معنى فحديث الباب جواز زيارة الصديق الملاطف لصديقه كل يوم على قدر حاجته إليه والانتفاع بمشاركته له وحديث أبي هريرة فيمن ليست له خصوصية ولا مودة ثابتة فالإكثار من الزيارة ربما أدت إلى البغضاء فيكون سببا للقطيعة فعلى المعنى الأول قال القائل
إذا حققت من شخص ودادا
فزره ولا تخف منه ملالا
وكن كالشمس تطلع كل يوم
ولاتك في زيارته هلالا
وعلى المعنى الثاني قال القائل
لا تزر من تحب في كل شهر
غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوما
ثم لا تنظر العيون إليه
قال بعضهم كأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور زرغبا تزدد حبا قلت هذا تخمين في حق البخاري لأنه حديث مشهور روي عن جماعة من الصحابة وهم علي وأبو ذر وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وأبو برزة وأنس وجابر وحبيب بن مسلمة ومعاوية بن حيدة وقد جمع أبو نعيم وغيره طرقه ورواه الحاكم في ( تاريخ نيسابور ) والخطيب في ( تاريخ بغداد ) بطريق قوي فإن قلت كان الصديق أولى بالزيارة لدفع مشقة التكرار عنه قلت قال ابن التين لم يكن يجيء إلى أبي بكر لمجرد الزيارة بل لما يتزايد عنده من علم الله وقيل كان سبب ذلك أنه إذا جاء إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه يأمن من أذى المشركين بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه وقيل يحتمل أن أبا بكر كان يجيء إليه في النهار والليل أكثر من مرتين قوله فبينما قد قلنا غير مرة إن أصل بينما بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا وزيدت عليه ما ويضاف إلى جملة قوله جلوس أي جالسون قوله في نحر الظهيرة الظهيرة الهاجرة ونحرها أولها قال الجوهري نحر النهار النهار أوله وقال الكرماني نحر الظهيرة أول الظهر يريد به شدة الحر قوله أذن لي بالخروج يعني من مكة إلى المدينة
65 -
( باب الزيارة ومن زار قوما فطعم عندهم )
أي هذا باب في بيان مشروعية الزيارة وفي بيان من زار قوما فطعم أكل عندهم شيئا ومن تمام الزيارة أن تقدم للزائر ما حضر وقال ابن بطال وهو مما يثبت المودة ويزيد في المحبة وقد ورد في ذلك حديث أخرجه أحمد وأبو يعلى من طريق عبيد الله بن عبد بن عمير قال دخل على جابر بن عبد الله رضي الله عنه نفر من أصحاب النبي فقدم إليهم خبزا وخلا فقال كلوا فإني سمعت رسول الله يقول نعم الإدام الخل إن هلاك الرجل أن يدخل إليه نفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم وهلاك القوم أن يحتقر وأما قدم إليهم
وزار سلمان أبا الدرداء رضي الله عنهما في عهد النبي فأكل عند
أبو الدرداء اسمه عويمر مصغفر عامر الأنصاري وهذا طرف من حديث لأبي جحيفة تقدم في كتاب الصيام
6080 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( عبد الوهاب ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( أنس بن سيرين )

(22/145)


عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله زار أهل بيت من الأنصار فطعم عندهم طعاما فلما أراد أن يخرج أمر بمكان من البيت فنضح له على بساط فصلى عليه ودعا لهم ( انظر الحديث 670 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي وأنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين
والحديث مضى في صلاة الضحى بأتم منه
قوله زار أهل بيت من الأنصار أهل بيت عتبان بن مالك قوله فطعم بكسر العين أي أكل قال الله تعالى فإذا طعمتم فانتشروا ( الأحزاب53 ) وقد يكون بمعنى ذاق قال تعالى ومن لم يطعمه فإنه مني ( البقرة249 ) قوله فنضح له أي رش ويقال نضح له لما شك فيه وقيل صب الماء عليه صبا فيكون كالغسل قوله على بساط أراد به هنا الحصير كما جاء في حديث آخر قوله ودعا لهم فيه أن الزائر إذا أكرمه المزور ينبغي له أن يدعو له ولأهل بيته
66 -
( باب من تجمل للوفود )
أي هذا باب في بيان جواز من تجمل بالأشياء المباحة وهو على وزن تفعل بالتشديد من التجمل وهو تحسين الرجل هيئته بأحسن الثياب والتزين بالزي الحسن قوله للوفود جمع وفد والوفد جمع وافدوهم القوم الذين يجتمعون ويردون البلاد وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك تقول وفد يفد فهو وافد وفدته فوفد
6081 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الصمد ) قال حدثني أبي قال حدثني ( يحياى بن أبي إسحاق ) قال قال لي سالم بن عبد الله ما الإستبرق قلت ما غلظ من الديباج وخشن منه قال سمعت عبد الله يقول رأى عمر على رجل حلة من استبرق فأتى بها النبي فقال يا رسول الله اشتري هاذه فالبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك فقال إنما يلبس الحرير من لا خلاق له فمضى في ذلك ما مضاى ثم إن النبي بعث إليه بحلة فأتى بها النبي فقال بعثت إلي بهذه وقد قلت في مثلها ما قلت قال إنما بعثت إليك لتصيب بها مالا فكان ابن عمر يكره العلم في الثوب لهاذا الحديث
أنكر الداودي مطابقته هذا الحديث للترجمة حيث قال كان ينبغي أن يقول باب التجمل للوفود لأنه لا يقال فعل كذا إلا لمن صدر منه الفعل وليس في الحديث أنه فعل ذلك وأجيب بأن معنى الترجمة من فعل ذلك متمسكا بما دل عليه الحديث المذكور وكذا قال بعضهم قلت هذا معنى بعيد ومعنى الترجمة ما ذكرناه ولكن المطابقة تفهم من كلام عمر رضي الله عنه لأن عادة النبي كانت جارية بالتجمل للوفد لأن فيه تفخيم الإسلام ومباهاة للعدو وغيظا لهم غير أن النبي هنا أنكر على عمر لبس الحرير بقوله إنما يلبس الحرير من لا خلاق له ولم ينكر عليه مطلق التجمل للوفد حتى قالوا وفي هذا الحديث لبس أنفس الثياب عند لقاء الوفود
وعبد الله هو ابن محمد الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وعبد الصمد يروي عن أبيه عبد الوارث وهو يروى عن يحيى ابن أبي إسحاق الحضرمي البصري
والحديث مضى في كتاب اللباس في باب الحرير للنساء ومضى الكلام فيه
قوله وخشن بالخاء والشين المعجمة من الخشونة وروى بعضهم حسن بالمهملتين من الحسن قوله لا خلاق له أي لا نصيب له في الآخرة يعني إذا كان مستحلا قوله لتصيب بها مالا بأن تبيعها مثلا قوله وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكره العلم في الثوب قال الخطابي ذهب ابن عمر في هذا مذهب الورع وكان ابن عباس يقول في روايته إلا علما في ثوب وذلك لأن مقدار العلم لا يقع عليه إسم اللبس وقد مضى في كتاب اللباس من رواية أبي عثمان عن عمر رضي الله عنه في النهي عن لبس

(22/146)


الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع
( باب الإخاء والحلف )
أي هذا باب في بيان مشروعية الإخاء أي المؤاخاة قوله والحلف بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبالفاء وهو العهد يكون بين القوم وقد حالفه أي عاهده
وقال أبوا جحيفة آخى النبي بين سلمان وأبي الدرداء
أبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي نزل الكوفة وابتنى بها دارا وقد مر هذا التعليق في باب كيف آخى النبي بين أصحابه وآخى النبي بين المهاجرين والأنصار أول قدومه المدينة وحالف بينهم وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء والحلف دون ذوي الرحم وقال الحسن كان هذا قبل نزول آية المواريث وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك وقال ابن عباس فلما نزلت ولكل جعلنا موالي ( النساء33 ) يعني ورثة نسخت ويقال إن الحليف كان يرث السدس ممن حالفه حتى نزلت وأولو الأرحام ( الأنفال75 ) وقال الطبري ولا يجوز الحلف اليوم في الإسلام الحديث جبير بن مطعم عن النبي أنه قال لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة وقال ابن عباس نسخ الله حلف الجاهلية وحلف الإسلام بقوله وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ورد المواريث إلى القرابات
وقال عبد الرحمان بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي بيني وبين سعد بن الربيع
هذا التعليق طرف من حديث مضى موصولا في فضائل الأنصار
6081 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الصمد ) قال حدثني أبي قال حدثني ( يحياى بن أبي إسحاق ) قال قال لي سالم بن عبد الله ما الإستبرق قلت ما غلظ من الديباج وخشن منه قال سمعت عبد الله يقول رأى عمر على رجل حلة من استبرق فأتى بها النبي فقال يا رسول الله اشتري هاذه فالبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك فقال إنما يلبس الحرير من لا خلاق له فمضى في ذلك ما مضاى ثم إن النبي بعث إليه بحلة فأتى بها النبي فقال بعثت إلي بهذه وقد قلت في مثلها ما قلت قال إنما بعثت إليك لتصيب بها مالا فكان ابن عمر يكره العلم في الثوب لهاذا الحديث
أنكر الداودي مطابقته هذا الحديث للترجمة حيث قال كان ينبغي أن يقول باب التجمل للوفود لأنه لا يقال فعل كذا إلا لمن صدر منه الفعل وليس في الحديث أنه فعل ذلك وأجيب بأن معنى الترجمة من فعل ذلك متمسكا بما دل عليه الحديث المذكور وكذا قال بعضهم قلت هذا معنى بعيد ومعنى الترجمة ما ذكرناه ولكن المطابقة تفهم من كلام عمر رضي الله عنه لأن عادة النبي كانت جارية بالتجمل للوفد لأن فيه تفخيم الإسلام ومباهاة للعدو وغيظا لهم غير أن النبي هنا أنكر على عمر لبس الحرير بقوله إنما يلبس الحرير من لا خلاق له ولم ينكر عليه مطلق التجمل للوفد حتى قالوا وفي هذا الحديث لبس أنفس الثياب عند لقاء الوفود
وعبد الله هو ابن محمد الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وعبد الصمد يروي عن أبيه عبد الوارث وهو يروى عن يحيى ابن أبي إسحاق الحضرمي البصري
والحديث مضى في كتاب اللباس في باب الحرير للنساء ومضى الكلام فيه
قوله وخشن بالخاء والشين المعجمة من الخشونة وروى بعضهم حسن بالمهملتين من الحسن قوله لا خلاق له أي لا نصيب له في الآخرة يعني إذا كان مستحلا قوله لتصيب بها مالا بأن تبيعها مثلا قوله وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكره العلم في الثوب قال الخطابي ذهب ابن عمر في هذا مذهب الورع وكان ابن عباس يقول في روايته إلا علما في ثوب وذلك لأن مقدار العلم لا يقع عليه إسم اللبس وقد مضى في كتاب اللباس من رواية أبي عثمان عن عمر رضي الله عنه في النهي عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع
( باب الإخاء والحلف )
أي هذا باب في بيان مشروعية الإخاء أي المؤاخاة قوله والحلف بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبالفاء وهو العهد يكون بين القوم وقد حالفه أي عاهده
وقال أبوا جحيفة آخى النبي بين سلمان وأبي الدرداء
أبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي نزل الكوفة وابتنى بها دارا وقد مر هذا التعليق في باب كيف آخى النبي بين أصحابه وآخى النبي بين المهاجرين والأنصار أول قدومه المدينة وحالف بينهم وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء والحلف دون ذوي الرحم وقال الحسن كان هذا قبل نزول آية المواريث وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك وقال ابن عباس فلما نزلت ولكل جعلنا موالي ( النساء33 ) يعني ورثة نسخت ويقال إن الحليف كان يرث السدس ممن حالفه حتى نزلت وأولو الأرحام ( الأنفال75 ) وقال الطبري ولا يجوز الحلف اليوم في الإسلام الحديث جبير بن مطعم عن النبي أنه قال لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة وقال ابن عباس نسخ الله حلف الجاهلية وحلف الإسلام بقوله وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ورد المواريث إلى القرابات
وقال عبد الرحمان بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي بيني وبين سعد بن الربيع
هذا التعليق طرف من حديث مضى موصولا في فضائل الأنصار
6082 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن حميد عن أنس قال لما قدم علينا عبد الرحمان فآخاى النبي بينه وبين سعد بن الربيع فقال النبي أو لم ولو بشاة يحيى ) هو القطان و ( حميد ) هو ابن أبي حميد الطويل والحديث فيه اختصار ومر في أول البيع مطولا وإنما قال أو لم لأنه تزوج بعد الحلف
6083 - حدثنا ( محمد بن صباح ) حدثنا ( إسماعيل بن زكرياء ) حدثنا ( عاصم ) قال قلت ل ( أنس بن مالك ) ( أبلغك ) أن النبي قال لا حلف في الإسلام فقال قد حالف النبي بين قريش والأنصار في داري ( انظر الحديث 2294 وطرفه )
عاصم هو ابن سليمان الأحول والحديث مضى في الكفالة بعين هذا الإسناد والمتن وسيجيء في الاعتصام
قوله لا حلف في الإسلام لأن الحلف للانفاق والإسلام قد جمعهم وألف بين القلوب فلا حاجة إليه وكانوا يتحالفون في الجاهلية لأن الكلمة منهم لم تكن مجتمعة قوله قد حالف النبي ليس بين قوله قد حالف وبين قوله لا حلف في الإسلام منافاة لأن المنفي هو المعاهدة الجاهلية والمثبت هو المؤاخاة وقال النووي لا حلف في الإسلام معناه حلف التورات وما يمنع الشرع منه وأما المؤاخاة والمحالفة على طاعة الله والتعاون على البر فلم ينسخ إنما المنسوخ ما يتعلق بالجاهلية
68 -
( باب التبسم والضحك )
أي هذا باب في بيان إباحة التبسم والضحك التبسم ظهور الأسنان عند التعجب بلا صوت وإن كان مع الصوت فهو إما بحيث يسمع جيرانه أم لا فإن كان فهو القهقهة وإلا فهو الضحك وقال أصحابنا الضحك أن يسمع هو نفسه فقط والقهقهة أن يسمع غيره والتبسم لا يسمع هو ولا غيره فالضحك يفسد الصلاة لا الوضوء والقهقهة تفسد الصلاة والوضوء جميعا والتبسم لا يفسدهما ويقال التبسم في اللغة مبادىء الضحك والضحك انبساط الوجه التي تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فالضحك وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك

(22/147)


وقالت فاطمة عليها السلام أسر إلي النبي فضحكت
هذا التعليق طرف من حديث لعائشة عن فاطمة رضي الله عنها قد مضى في وفاة النبي وكان النبي قال لها حين أشرف على الموت إنك أول من يتبعني من أهلي
وقال ابن عباس إن الله هو أضحك وأبكى
لأنه لا مؤثر في الوجود إلا الله كما هو مذهب الأشاعرة وهذا التعليق طرف من حديث لابن عباس قد مضى في الجنائز
6084 - حدثنا ( حبان بن موسى ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجها بعده عبد الرحمان بن الزبير فجاءت النبي فقالت يا رسول الله إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجها بعده عبد الرحمان بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هاذه الهدبة لهدبة أخذتها من جلبابها قال وأبو بكر جالس عند النبي وابن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليوذن له فطفق خالد ينادي يا أبا بكر يا أبا بكر ألا تزجر هاذه عما تجهر به عند رسول الله وما يزيد رسول الله على التبسم ثم قال لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك
مطابقته للترجمة في قوله وما يزيد رسول الله على التبسم وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وبمثل هذا الحديث عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة مضى في الطلاق في باب من قال لامرأته أنت علي حرام
قوله رفاعة بكسر الراء القرظي بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة نسبة إلى قريظة بن الخزرج وقريظة أخو النضير قوله فبت أي قطع بتطليق الثلاث قوله عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة قوله الهدبة بضم الهاء هي ما على طرف الثوب من الخمل قوله ليؤذن له على صيغة المجهول قوله وابن سعيد هو خالد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي قوله لا حتى تذوقي أي لا رجوع لك إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته أي عسيلة عبد الرحمن بن الزبير والعسيلة تصغير عسل والعسل يذكر ويؤنث وكنى بها عن لذة الجماع قيل كيف تذوق والآلة كالهدبة وأجيب بأنها كالهدبة في الرقة والدقة لا في الرخاوة وعدم الحركة قلت هذا قاله الكرماني ولكنه ما هو ظاهر فالظاهر أنها أرادت أنه لا يقدر على الجماع أصلا فإذا كان كذلك فالمراد من قوله حتى تذوقي عسيلته يعني إذا قدر على الجماع فلا بد من صبرها على ذلك إن أقامت في عصمة عبد الرحمن بن الزبير وإلا فلا بد من زوج آخر وجماعها معه ومع هذا فيكتفي بالإدخال والإنزال ليس بشرط
6085 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( إبراهيم ) عن ( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد الحميد ابن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب ) عن ( محمد بن سعد ) عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب فأذن له النبي فدخل والنبي يضحك فقال أضحك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي فقال عجبت من هاؤلاء اللاتي

(22/148)


كن عندي لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب فقال أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم أقبل عليهن فقال يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولم تهبن رسول الله فقلن أنت أفظ وأغلظ من رسول الله قال رسول الله إيه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ( انظر الحديث 3294 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله والنبي يضحك فقال أضحك الله سنك وإسماعيل هو ابن أبي أويس نص عليه الحافظ المزي وقال الغساني لعله ابن أبي أويس الأصبحي وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وصالح بن كيسان يفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة والنون أبو محمد مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز وابن شهاب هو الزهري محمد بن مسلم وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي كان واليا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على الكوفة ومحمد بن أبي وقاص يروي عن أبيه سعد وكل هؤلاء مدنيون
والحديث مضى في فضل عمر عن عبد العزيز بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الله فرقهما كلاهما عن إبراهيم بن سعد وفي باب إبليس أيضا ومضى الكلام فيه
قوله وعنده نسوة الواو فيه للحال وكذلك الواو في قوله فدخل والنبي يضحك قوله يسألنه أيضا حال قوله عالية نصب على الحال ويجوز الرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره وهن عالية وأصواتهن مرفوع به قوله بأبي أنت وأمي أي مفدى إيه بكسر الهمزة وسكون الياء وكسر الهاء إسم الفعل تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل إيه وإن وصلت نونت قوله فجا بفتح الفاء وتشديد الجيم الطريق الواسع بين الجبلين وقال ابن فارس الفج الطريق الواسع ولم يقيده بقوله بين الجبلين
6086 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمر ) وعن ( أبي العباس ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال لما كان رسول الله بالطائف قال إنا قافلون غدا إن شاء الله فقال ناس من أصحاب رسول الله لا نبرح أو نفتحها فقال النبي فاغدوا على القتال قال فغدوا فقاتلوهم قتالا شديدا وكثر فيهم الجراحات فقال رسول الله إنا قافلون غدا إن شاء الله قال فسكتوا فضحك رسول الله
قال الحميدي حدثنا سفيان كله بالخبر ( انظر الحديث 4325 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فضحك رسول الله وكان ضحكه هنا للتعجب
وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وأبو العباس السائب بن فروخ الشاعر الأعمى المكي وعبد الله بن عمرو بفتح العين ابن العاص هذا في رواية الحموي وحده وفي رواية الأكثرين عبد الله بن عمر بن الخطاب وقال الحافظ المزي منهم من قال عن عبد الله بن عمرو وكان القدماء من أصحاب سفيان يقولون عن عبد الله بن عمر كما وقع للبخاري في عامة النسخ وكان المتأخرون منهم يقولون عن عبد الله بن عمرو كما وقع عند مسلم والنسائي في أحد الموضعين ومنهم من لم ينسبه كما وقع عند النسائي في الموضع الآخر والاضطراب فيه من سفيان وقال أبو عوانة قال يعقوب بن إسحاق الإسفرايني بلغني أن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره قالوا عبد الله بن عمرو ورواه عنه يعني عن سفيان من أصحابه من يفهم ويضبط فقالوا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
والحديث مضى في المغازي في غزوة الطائف ومضى الكلام فيه
قوله لا نبرح أو نفتحها وكلمة أو نفتحها بالنصب أي لا نفارق إلى أن نفتحها
قوله قال الحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى قوله كله بالخبر أي حدثنا كل الحديث بلفظ الخبر لا بلفظ العنعنة ويروى بالخبر كله أي حدثنا بجميع هذا الخبر وهذه رواية الأكثرين والأولى رواية الكشميهني

(22/149)


6087 - حدثنا موسى حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل النبي فقال هلكت وقعت على أهلي في رمضان قال أعتق رقبة قال ليس لي قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال فأطعم ستين مسكينا قال لا أجد فأتي بعرق فيه تمر قال إبراهيم العرق المكتل فقال أين السائل تصدق بها قال على أفقر مني والله ما بين لأبتيها أهل بيت أفقر منا فضحك النبي حتى بدت نواجده قال فأنتم إذا
مطابقته للترجمة في قوله فضحك النبي حتى بدت نواجذه
و ( موسى ) هو ابن إسماعيل و ( إبراهيم ) هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى هنا عن ( ابن شهاب ) الزهري بلا واسطة ويروي عنه أيضا بواسطة مثل صالح بن كيسان وغيره و ( حميد بن عبد الرحمن ) الحميري
والحديث مضى في كتاب الصوم في باب المجامع في رمضان
قوله قال إبراهيم هو إبراهيم بن سعد وهو موصول بالسند الأول وفيه بيان لما أدرجه غيره فجعل تفسير العرق من نفس الحديث والعرق بفتح العين المهملة والراء السعيفة المنسوجة من الخوص قال الكرماني فإن صحت الرواية بالفاء فالمعنى أيضا صحيح إذا العرق مكيال يسع خمسة عشر رطلا قوله لأبتيها أي لأبتي المدينة واللابة بتخفيف الباء الموحدة الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي أرض ذات حجارة سود والمدينة بين الحرتين قوله تصدق بها أمر قوله حتى بدت نواجذه النواجذ بالذال المعجمة أخريات الأسنان الأضراس أولها في مقدم الفم الثنايا ثم الرباعيات ثم الأنياب ثم الضواحك ثم النواجذ فإن قلت بين هذا وبين حديث عائشة الذي يأتي عن قريب ما رأيته مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته تعارض ومنافاة قلت لا تعارض ولا منافاة لأن عائشة إنما نفت رؤيتها وأبو هريرة أخبر بما شاهده والمثبت مقدم على النافي أو نقول عدم رؤية عائشة رضي الله تعالى عنها لا تستلزم نفي رؤية أبي هريرة وكل واحد منهما أخبر بما شاهده والخبران مختلفان ليس بينهما تضاد وفيه وجه آخر أن من الناس من يسمي الأنياب والضواحك النواجذ ووقع في الصيام حتى بدت أنيابه فزال الاختلاف بذلك وهذا يرد ما روي عن الحسن البصري أنه كان لا يضحك وكان ابن سيرين يضحك ويحتج على الحسن ويقول الله هو الذي أضحك وأبكى وكانت الصحابة يضحكون وروي عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال سئل ابن عمر هل كان أصحاب رسول الله يضحكون قال نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال انتهى ولا يوجد أحد زهده كزهد سيد الخلق وقد ثبت عنه أنه ضحك وفي رسول الله وأصحابه المهديين الأسوة الحسنة وأما المكروه من هذا الباب فهو الإكثار من الضحك كما قال لقمان عليه السلام لابنه إياك وكثرة الضحك فإنها تميت القلب والإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه وهو من أهل السفه والبطالة قوله فأنتم إذا جواب وجزاء أي إن لم يكن أفقر منكم فكلوا أنتم حينئذ منه
6088 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ) حدثنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) قال كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عانق النبي وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء ( انظر الحديث 3149 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله فضحك وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس

(22/150)


ابن مالك
والحديث مضى في الخمس عن يحيى بن بكير وفي اللباس عن إسماعيل بن أبي أويس
قوله برد البرد بضم الباء الموحدة نوع من الثياب معروف قوله نجراني بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلدة معروفة بين الحجاز واليمن قوله فأدركه أعرابي زاد همام من أهل البادية قوله فجبذ وفي رواية الأوزاعي فجذب قوله جبذة شديدة وفي رواية عكرمة حتى رجع النبي في نحر الأعرابي قوله إلى صفحة عاتق وفي رواية مسلم إلى صفحة عنق قوله أثرت بها هي في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فيها وفي رواية همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه وزاد أن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي إلى حجرته قوله مر لي وفي رواية الأوزاعي أعطنا قوله فضحك وفي رواية الأوزاعي فتبسم ثم قال مرواله وفي رواية همام مرواله بشيء
وفيه دلالة على قوة حلمه وشدة صبره على الأوذى في النفس والمال والتجاوز عن جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن
6091 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( زينب بنت ) أم ( سلمة ) عن أم ( سلمة ) أن أم ( سليم ) قالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة غسل إذا احتلمت قال نعم إذا رأت الماء فضحكت أم سلمة فقالت أتحتلم المرأة فقال النبي فبم شبه الولد
مطابقته للترجمة في قوله فضحكت أم سلمة وقد وقع ذلك بحضرة النبي ولم ينكر عليها ضحكها وإنما أنكر عليها إنكارها احتلام المرأة
ويحيى هو القطان وهشام يروي عن أبيه عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي وأم سليم بضم السين أم أنس واسمها الرميصاء مصغر مؤنث الأرمص بالمهملة زوج أبي طلحة الأنصاري
والحديث مضى في كتاب الطهارة في أبواب الغسل في باب إذا احتلمت المرأة
قوله إذا رأت الماء أي المني أي يجب الغسل إذا احتلمت وأنزلت قوله فبم شبه الولد فبأي شء وصل شبه الولد بالأم أو يشبه الأم ويروى فيم بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف أي في أي شيء المشابهة بينهما لولا أن لها ماء ينعقد منه قالوا في ماء الرجل قوة عاقدة وفي ماء المرأة قوة منعقدة
6092 - حدثنا يحياى بن سليمان قال حدثني ابن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت النبي مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم ( انظر الحديث 4828 )

(22/151)


مطابقته للترجمة في قوله إنما كان يتبسم و ( يحيى بن سليمان ) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر يروي عن عبد الله بن وهب عن أبي ( عمرو ) بن الحارث عن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة عن ( سليمان بن يسار ) ضد اليمين
والحديث مضى في تفسير سورة الأحقاف ومضى الكلام فيه
قوله مستجمعا أي مجتمعا وهو لازم وضاحكا تمييز أي مجتمع من جهة الضحك يعني ما رأيته يضحك تماما لم يترك منه شيئا قوله لهواته جمع لهاة وهي الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم وقيل هي اللحمة التي فيها وقال الجوهري اللهوات جمع اللهاو يجمع على لهيات أيضا وقال الداودي هي ما دون الحنك إلى ما يلي الحلق وما فوق الأضراس من اللحم
6093 - حدثنا ( محمد بن محبوب ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس )
وقال لي ( خليفة ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي يوم الجمعة وهو يخطب بالمدينة فقال قحط المطر فاستسق ربك فنظر إلى السماء وما ترى من سحاب فاستسقى فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة فما زالت إلى الجمعة المقبلة ما تقلع ثم قام ذلك الرجل أو غيره والنبي يخطب فقال غرقنا فادع ربك يحسهبا عنا فضحك ثم قال أللهم حوالينا ولا علينا مرتين أو ثلاثا فجعل السحاب يتصدع عن المدينة يمينا وشمالا يمطر ما حوالينا ولا يمطر منها شيء يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته
مطابقته للترجمة في قوله فضحك ومحمد بن محبوب أبو عبد الله البناني البصري وقال صاحب ( التوضيح ) ومحمد بن محبوب هذا هو محمد بن الحسن ولقب الحسن محبوب بن هلال أبو جعفر وقيل أبو عبد الله القرشي البناني البصري روى عنه أبو داود والترمذي مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين وقال بعضهم محمد بن محبوب شيخ البخاري غير محمد بن الحسن الذي لقبه محبوب ووهم من وحدهما كشيخنا ابن الملقن فإنه جزم بذلك وزعم أن البخاري روى عنه هنا وروى عن رجل عنه وليس كذلك بل هما إثنان أحدهما في عداد شيوخ الآخر وشيخ البخاري اسمه محمد واسم أبيه محبوب والآخر اسمه محمد واسم أبيه الحسن ومحبوب لقب محمد لا لقب الحسن وقد أخرج له البخاري في كتاب الأحكام حديثا واحدا قال فيه حدثنا محبوب بن الحسن وسبب الوهم أنه وقع في بعض الأسانيد حدثنا محمد بن الحسن محبوب فظنوا أنه لقب الحسن وليس كذلك قلت أراد بشيخه ابن الملقن سراج الدين عمر بن نور الدين علي الأنصاري الشافعي الذي شرح البخاري شرحا مطولا وسماء ( التوضيح لشرح الجامع الصحيح ) وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي
والحديث مضى في كتاب الاستسقاء في باب الاستسقاء على المنبر فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن أبي عوانةإلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
69 - باب قول الله تعالى ( 9 ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا معع الصادقين ( التوبة119 ) وما ينهاى عن الكذب
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل يا أيها الذين آمنواالآية قوله وكونوا مع الصادقين أي مثلهم أو منهم والصادقون هم الذين يصدقون في قولهم وعملهم وقيل في أيمانهم يوفون بما عاهدوا قوله وما ينهى أي الباب أيضا في باب ما ينهى عن الكذب

(22/152)


6094 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه عن النبي قال إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا
وجه المطابقة بينه وبين الآية المذكورة ظاهر وهو أن الصدق يهدي إلى الجنة والآية فيها أيضا الأمر بالكون مع الصادقين والكون معهم أيضا يهدي إلى الجنة
وعثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم وهو جد عثمان لأنه ابن محمد بن إبراهيم وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضا عن عثمان وعن أخيه أبي بكر بن أبي شيبة
قوله يهدي من الهداية وهي الدلالة الموصلة إلى البغية قوله إلى البر بكسر الباء الموحدة وتشديد الراء وهو العمل الصالح الخالص من كل مذموم وهو إسم جامع للخيرات كلها قوله صديقا بكسر الصاد وتشديد الدال وهو صيغة المبالغة قوله إلى الفجور وهو الميل إلى الفساد وقيل الانبعاث في المعاصي وهو جامع للشرور وهما متقابلان قال الله عز و جل إن الأبرار لفي نعيملفي جحيم ( الانفطار1314 ) قوله حتى يكتب أي يحكم له وفي رواية الكشميهني حتى يكون والمراد الإظهار للمخلوقين إما للملأ الأعلى وإما أن يلقى ذلك في قلوب الناس وألسنتهم وإلا فحكم الله أزلي والغرض أنه يستحق وصف الصديقين وثوابهم وصفة الكذابين وعقابهم وكيف لا وإنه من علامات النفاق ولعله لم يقل في الصديق بلفظ يكتب إشارة إلى أن الصديق من جملة الذين قال الله فيهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ( النساء69 ) فإن قلت حديث عبد الله هذا يعارضه حديث صفوان بن سليم الذي رواه مالك عنه أنه قيل للنبي أيكون المؤمن كذابا قال لا وحديث يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب قلت المراد بالمؤمن في حديث صفوان المؤمن الكامل أي لا يكون المؤمن المستكمل لأعلى درجات الإيمان كذابا حتى يغلبه الكذب لأن كذابا وزنه فعال وهو من أبنية المبالغة لمن يكثر الكذب منه ويتكرر حتى يعرف به وكذلك لكذوب وكذلك الكلام في الحديث الآخر
6095 - حدثنا ( ابن سلام ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان
مطابقته لقوله وما ينهى عن الكذب الذي هو جزء الترجمة من حيث إن معناه يستلزم النهي عن الكذب على ما لا يخفى
وابن سلام هو محمد بن سلام وإسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري كان ببغداد مات سنة ثمانين ومائة وسهيل بضم السين المهملة وفتح الهاء مصغر سهل واسمه نافع يروي عن أبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي جد مالك بن أنس
والحديث مر في كتاب الإيمان في باب علامات المنافق ومر الكلام فيه هناك
قوله آية المنافق أي علامته وقال الكرماني الإجماع منعقد على أن المسلم لا يحكم بنفاقه الموجب لكونه في الدرك الأسفل من النار بواسطة الكذب وأخويه وأجاب بأن المراد به أنه يشابه المنافق أو إذا كان معتادا بذلك أو للتغليظ أو الذين كانوا في عهد النبي من المنافقين أو كان منافقا خاصا أو لا يريد به النفاق الإيماني بل النفاق العرفي
6096 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جرير ) حدثنا ( أبو رجاء ) عن ( سمرة بن جندب ) رضي الله عنه قال قال النبي رأيت الليلة رجلين أتياني قالا الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يكذب

(22/153)


بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة
وجه المطابقة مثل الذي ذكرناه في الحديث السابق وجرير هو ابن حازم وأبو رجاء بالجيم اسمه عمران العطاردي
وهذا طرف من حديث مطول رواه مقطعا في الصلاة وفي الجنائز وفي البيوع وفي الجهاد وفي بدء الخلق وفي صلاة الليل وهنا عن موسى بن إسماعيل وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير وفي التعبير عن مؤمل بن هشام
قوله رأيت أي في المنام وليس في كثير من النسخ لفظه قوله الذي رأيته يشق شدقه وكان رأى رجلا جالسا ورجلا قائما بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيصنع مثله قلت ما هذا فقالا الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يصنع به إلى يوم القيامة قوله فكذاب فإن قيل شرط الموصول الذي يدخل في خبره الفاء أن يكون مبهما بل عاما قيل له جعل المعين كالعام حتى جاز دخول الفاء في الخبر وإنما جعل عذابه في موضع المعصية وهو فمه الذي كان يكذب به
70 -
( باب في الهدي الصالح )
أي هذا باب في بيان الهدي الصالح والهدي بفتح الهاء وسكون الدال المهملة وقال ابن الأثير الهدي السيرة والهيئة والطريقة وفي الحديث واهد والهدي عمار أي رأي سيروا بسيرته وتهيئوا بهيئته يقال هدى هدي فلان إذا سار بسيرته وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رفعه الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة وأخرجه أبو داود وأحمد أيضا
6097 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال قلت ل ( أبي أسامة ) ( حدثكم الأعمش ) سمعت ( شقيقا ) قال سمعت حذيفة يقول إن أشبه الناس دلا وسمتا وهديا برسول الله لابن أم عبد من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا ( انظر الحديث 3762 )
مطابقته للترجمة في قوله وهديا وإسحاق بن إبراهيم هو إسحاق بن راهويه قاله بعضهم قلت يحتمل أن يكون إسحاق ابن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري لأن كلا منهما قد روى عن أبي أسامة فالجزم بأنه ابن راهويه من أين ويروي عنه البخاري في غير موضع في كتابه مرة يقول حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر ومرة يقول حدثنا إسحاق ابن نصر فينسبه إلى جده وأبو أسامة حماد بن أسامة والأعمش سليمان وشقيق أبو وائل وحذيفة بن اليمان العبسي والحديث من أفراده
قوله حدثكم ويروى أحدثكم بهمزة الاستفهام والسكوت عن الجواب قائم مقام التصديق والتسليم عند القرائن قوله دلا بفتح الدال المهملة وتشديد اللام قال الكرماني الدل قريب المعنى من الهدي وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل والهدي هو السيرة والسمت بفتح السين المهملة وإسكان الميم الطريق والمقصد وهيئة أهل الخير قوله لابن أم عبد بفتح اللام للتأكيد وابن أم عبد الله بن مسعود وأمه أم عبد بنت عبدود ولها صحبة وكان أصحابه يدخلون عليه فينظرون إليه قولا وفعلا حركة وسكونا حالا وملكة وغيرها فيتشبهون به رضي الله عنه قوله من حين يخرج من بيتهإلى آخره أراد بذلك أنه يشاهد ما قاله عن عبد الله بن مسعود من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه أي إلى بيته ثم قال لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا بهم لأنه ربما ينبسط بهم ولم يرد بذلك إثبات نقص في حق عبد الله فافهم
وفيه من الفقه أنه ينبغي للناس الاقتداء بأهل الفضل والصلاح في جميع أحوالهم في هيئتهم وتواضعهم للخلق ورحمتهم وإنصافهم من أنفسهم وفي مأكلهم ومشربهم واقتصادهم في أمورهم تبركا بذلك
6098 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( مخارق ) قال سمعت طارقا قال قال عبد الله إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد

(22/154)


مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك ومخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة وكسر الراء ابن عبد الله وقيل ابن عبد الرحمن وقيل ابن خليفة بن جابر أبو سعيد الأحمسي بالمهملتين وهو من أفراد البخاري وطارق بكسر الراء ابن شهاب الأحمسي رأى النبي وقال أبو عمر طارق بن شهاب بن عبد شمس أبو عبد الله أدرك الجاهلية وروى بإسناده عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال رأيت رسول الله وغزوت في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاثا وأربعين بين غزوة وسرية والحديث من أفراده ومر تفسير الهدي وهو بفتح الهاء كما ذكرنا ويروى بضمها ضد الضلال
71
- ( باب الصبر على الأذى )
أي هذا باب في بيان فضيلة الصبر على الأذى أي أذى الناس والصبر حبس النفس على المطلوب حتى يدرك وأصل الصبر الحبس ومنه سمي الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح ومنه نهى النبي من صبر البهائم يعني من حبسها للتمثيل بها ورميها كما ترمي الأغراض والصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقمعها عن شهوتها ومنعها عن تطاولها وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين وإن كان الله قد جعل النفوس مجبولة على تألمها من الأذى ومشقته
وقول الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( الزمر10 )
وقول الله مجرور عطفا على الصبر على الأذى أراد بالصابرين الذين صبروا على البلايا وقيل الذين صبروا على مفارقة أوطانهم وعشائرهم في مكة وهاجروا إلى المدينة وقيل نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين لم يتركوا دينهم قوله بغير حساب يعني لا يهتدى إليه عقل ولا يوصف
6099 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى بن سعيد عن سفيان قال حدثني الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمان السلمي عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم ( انظر الحديث 6099 - طرفه في 7378 )
مطابقته للترجمة في قوله ليس شيء أصبر على أذى وإطلاق الصبر على الله بمعنى الحلم يعني حبس العقوبة عن مستحقها إلى زمن آخر وتأخيرها
و ( يحيى بن سعيد ) هو القطان و ( سفيان ) هو النوري و ( الأعمش ) سليمان وأبو عبد الرحمن عبد الله ابن حبيب السلمي بضم السين وفتح اللام وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن عبدان وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي بكر وغيره وأخرجه النسائي في البعوت عن عمرو بن علي وفي التفسير عن محمد بن عبد الله
قوله أو ليس شيء شك من الراوي قوله ليس شيء أصبر فسروا الصبر في حق الله بالحلم وقد ذكرناه الآن قوله من الله كلمة من صلة لقوله أصبر قوله ليدعون له أي لله واللام فيه مفتوحة للتأكيد يعني ينسبون إليه ما هو منزه عنه وهو يحسن إليهم بما يتعلق بأنفسهم وهو المعافاة وبأموالهم وهو الرزق
6100 - حدثني ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت ( شقيقا ) يقول قال ( عبد الله ) قسم النبي قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الأنصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله قلت أما لأقولن للنبي فأتيته وهو في أصحابه فساررته فشق ذالك على النبي وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من ذالك فصبر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه
والحديث قد مضى في أحاديث الأنبياء عليهم السلام عن أبي الوليد ويأتي في الدعوات عن حفص

(22/155)


ابن عمر الحوضي وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله قسم يعني يوم حنين وأعطى ناسا من أشراف العرب ولم يعط الأنصار قوله فقال رجل من الأنصار زعم بعضهم أنه حرقوص بن زهير ورد عليه وقد مر بيانه في غزوة حنين قوله أما أنا بالتخفيف حرف التنبيه ووقع في بعض الروايات بتشديد الميم وليس ببين قوله في أصحابه أي بين أصحابه كما في قوله تعالى ( 98 ) فادخلي في عبادي ( الفجر29 ) أي بين عبادي قوله لم أكن ويروى لم أك بحذف النون قوله بأكثر من ذلك أي من الذي قاله الأنصاري الذي تأذى به النبي وقد ذكرنا عن قريب من جملة ما أوذي به موسى عليه الصلاة و السلام
72 -
( باب من لم يواجه الناس بالعتاب )
أي هذا باب في بيان من لم يواجه الناس بالعتاب حياء منهم
6101 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( مسلم ) عن ( مسروق ) قالت ( عائشة ) صنع النبي شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذالك النبي فخطب فحمد الله ثم قال ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية ( انظر الحديث 6101 - طرفه في 7301 )
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة هي أن الترجمة في عدم مواجهة الناس بالعتاب وكذلك الحديث في عتاب قوم من غير مواجهتهم وقال ابن بطال إنما كان لا يواجه الناس بالعتاب إذا كان في خاصة نفسه كالصبر على جهل الجهال وجفاء الأعراب ألا يرى أنه ترك الذي جبذ البردة من عنقه حتى أثرت جبذته فيه وأما إذا انتهكت من الدين حرمة فإنه لا يترك العتاب عليها والتقريع فيها ويصدع بالحق فيما يجب على منتهكها ويقتص منه
وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش ومسلم على صيغة إسم الفاعل من أسلم قال بعضهم هو ابن صبيح أبو الضحى ووهم من زعم أنه ابن عمران البطين قلت غمز بذلك على الكرماني فإنه لم يجزم بأنه مسلم بن عمران البطين بل قال مسلم إما مسلم بن عمران البطين وإما مسلم بن صبيح مصغر صبح وكلاهما بشرط البخاري يرويان عن مسروق والأعمش يروي عنهما وابن عمران يقال له ابن أبي عمران وابن أبي عبد الله
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عمر بن حفص وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن إسحاق بن إبراهيم وآخرين وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن بندار
قوله صنع النبي شيئا لم يعلم ما هو قوله فرخص فيه من الترخيص وهو خلاف التشديد يعني سهل فيه من غير منع قوله فتنزه عنه قوم يعني احترزوا عنه ولم يقربوا إليه وفي رواية مسلم فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه قوله فبلغ ذلك أي تنزههم النبي فقال ما بال قوم يتنزهون أي يحترزون وفي رواية مسلم فبلغ ذلك النبي فغضب حتى بان الغضب في وجهه قوله عن الشيء أصنعه وفي رواية جرير بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه وفي رواية أبي معاوية يرغبون عما رخصت فيه قوله إني لأعلمهم إشارة إلى القوة العلمية قوله وأشدهم له خشية إشارة إلى القوة العملية
وفيه الحث على الاقتداء به والنهي عن التعمق وذم التنزه عن المباح
6102 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) سمعت ( عبد الله ) هو ( ابن أبي عتبة ) مولى ( أنس ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال كان النبي أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه ( انظر الحديث 3562 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه لشدة خيائه لا يعاقب أحدا في وجهه وإذا رأى شيئا يكرهه يعرف في وجهه وإذا عاتب

(22/156)


لا يعين أحدا ممن فعله بل كان عتابه بالعموم وهو من باب الرفق لأمته والستر عليهم
وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك وعبد الله بن أبي عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق مولى أنس ين مالك البصري وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في صفة النبي عن مسدد وغيره ومضى الكلام فيه
قوله من العذراء هي البكر لأن عذرتها بافية وهي جلدة البكارة والخدر ستر يجعل للبكر في جنب البيت
وفيه أن للشخص أن يحكم بالدليل لأنهم عرفوا كراهته للشيء بتغير وجهه كما كانوا يعرفون قراءته في الصلاة السرية باضطراب لحيته
73 -
( باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال )
أي هذا باب في بيان من كفر أخاه أي دعاة كافرا أو نسبه إلى الكفر قوله بغير تأويل يعني في تكفيره قيد به لأنه إذا تأول في تكفيره يكون معذورا غير آثم ولذلك عذر النبي عمر رضي الله عنه في نسبة النفاق إلى حاطب بن بلتعة لتأويله وذلك أن عمر بن الخطاب ظن أنه صار منافقا بسبب أنه كاتب المشركين كتابا فيه بيان أحوال عسكر رسول الله قوله فهو كما قال جواب كلمة من المتضمنة معنى الشرط يعني أن الذي قاله يرجع إليه وكفر نفسه لأن الذي كفره صحيح الإيمان ولم يتأول فيه بشيء يخرجه من الإيمان فظهر أنه أراد برميه له بالكفر فقد كفر نفسه فافهم
6103 - حدثنا ( محمد وأحمد بن سعيد ) قالا حدثنا ( عثمان بن عمر ) أخبرنا ( علي بن المبارك ) عن ( يحياى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إذ قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما
6104 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما وعند الرجوع لفتح الباري 10514 وصحيح البخاري النسخة اليونينية 832 والنسخة الأميرية 826 وجدنا هذا الحديث مثبتا فأثبتناه
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ومحمد هو إما ابن بشار بالشين المعجمة المشددة وإما ابن المثنى ضد المفرد كذا نقله الكرماني عن الغساني وقال بعضهم محمد هو ابن يحيى الذهلي قلت إن صح ما قاله هذا القائل فالسبب في ذكره مجردا أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ كان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسم أبيه بل في بعض المواضع يقول حدثنا محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده وأحمد بن سعيد بن صخر بن سليمان أبو جعفر الدارمي المروزي وعثمان بن عمر بن فارس العبدي البصري وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والحديث من أفراده
قوله لأخيه المراد بالأخوة أخوة الإسلام قوله فقد باء به أحدهما أي رجع به أحدهما لأنه إن كان صادقا في نفس الأمر فالمقول له كافر وإن كان كاذبا فالقائل كافر لأنه حكم بكون المؤمن كافرا أو الإيمان كفر قيل لا يكفر المسلم بالمعصية فكذا بهذا القول وأجيب بأنهم حملوه على المستحل لذلك وقيل معناه رجع عليه التكفير إذ كأنه كفر نفسه لأنه كفر من هو مثله وقال الخطابي باء به القائل إذا لم يكن له تأويل وقال ابن بطال يعني باء بإثم رميه لأخيه بالكفر أي رجع وزر ذلك عليه إن كان كاذبا وقيل يرجع عليه إثم الكفر لأنه إذا لم يكن كافرا فهو مثله في الدين فيلزم من تكفيره تكفير نفسه لأنه مساويه في الإيمان فإن كان ما هو فيه كفرا فهو أيضا فيه ذلك وإن كان استحق المرمي به بذلك كفرا فيستحق الرامي أيضا وقيل معناه أنه يؤول به إلى الكفر لأن المعاصي تزيد الكفر ويخاف على المكثر منها أن تكون عاقبة شؤمها المصير إليه
وقال عكرمة بن عمار عن يحياى عن عبد الله بن يزيد سمع أبا سلمة سمع أبا هريرة عن النبي مثله
عكرمة بن عمار بتشديد الميم الحنفي اليمامي كان مجاب الدعوة ويحيى هو ابن كثير وعبد الله بن يزيد من الزيادة مولى الأسود بن سفيان المخزومي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث المعلق وحديث آخر موصول مضى

(22/157)


في التفسير وقد وصل هذا المعلق الحارث بن أبي أسامة وأبو نعيم في ( مستخرجه ) من طريقه عن النضر بن محمد اليمامي عن عكرمة بن عمار به
6105 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( ثابت بن الضحاك ) عن النبي قال من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله
هذا أيضا في المطابقة مثل الحديث السابق وهيب مصغر وهب ابن خالد وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وثابت بالثاء المثلثة ابن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري قال أبو عمر ولد سنة ثلاث من الهجرة يكنى أبا يزيد سكن الشام وانتقل إلى البصرة ومات بها سنة خمس وأربعين روى عنه من أهل البصرة أبو قلابة وعبد الله بن مغفل
والحديث مضى في الجنائز عن مسدد ومضى الكلام فيه هناك وأخرجه بقية الجماعة
قوله من حلف بملة غير الإسلام قال ابن بطال هو مثل أن يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي فهو كما قال أي كاذب لا كافر لأنه ما تعمد بالكذب الذي حلف عليه التزام الملة التي حلف بها بل كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له فهو وعيد وقال القاضي البيضاوي ظاهره أنه يختل بهذا الحلف إسلامه ويصير يهوديا كما قال ويحتمل أن يراد به التهديد والمبالغة في الوعيد كأنه قال فهو مستحق لمثل عذاب ما قاله قوله عذب به إشارة إلى أن عذابه من جنس عمله قوله ولعن المؤمن كقتله أي ف يالتحريم أو في التأثم أو في الإبعاد فإن اللعن تبعيد من رحمة الله تعالى والقتل تبعيد من الحياة قوله ومن رمى مؤمنا بكفر مثل قوله يا كافر قوله فهو أي الرمي الذي يدل عليه قوله رمى كقتله وجه المشابهة هنا أظهر لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله نسأل الله العصمة
74 -
( باب من لم ير إكفار من قال ذالك متأولا أو جاهلا )
أي هذا باب في بيان من لم ير إكفار بكسر الهمزة من قال ذلك إشارة إلى قوله في الترجمة السابقة من كفر أخاه بغير تأويل يعني من قال ذلك القول حال كونه متأولا بأن ظنه كذا أو قاله حال كونه جاهلا بحكم ما قاله أو بحال المقول فيه
وقال عمر لحاطب إنه منافق فقال النبي وما يدرك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال قد غفرت لكم
مطابقته هذا التعليق للترجمة ظاهرة وذلك أن عمر رضي الله عنه إنما قال لحاطب إنه منافق لأنه ظن أنه صار منافقا بسبب كتابه إلى المشركين كما ذكرناه عن قريب وهذا التعليق طرف من حديث علي رضي الله عنه في قصة حاطب قد تقدم موصولا في تفسير سورة الممتحنة قوله إنه منافق رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين إنه نافق بصيغة الفعل الماضي قوله وما يدريك أي شيء جعلك داريا بحال حاطب
6106 - حدثنا ( محمد بن عبادة ) أخبرنا ( يزيد ) أخبرنا ( سليم ) حدثنا ( عمرو بن دينار ) حدثنا ( جابر ابن عبد الله ) أن ( معاذ بن جبل ) رضي الله عنه كان يصلي مع النبي ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ بهم البقرة قال فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذالك معاذا فقال إنه منافق فبلغ ذالك الرجل فأبى النبي فقال يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا وإن معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت فزعم أني منافق فقال النبي يا معاذ أفتان

(22/158)


أنت ثلاثا اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي عذر معاذا في قوله إنه منافق لأنه كان متأولا وظنا أن التارك للجماعة منافق
ومحمد بن عبادة بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة الواسطي ويزيد هو ابن هارون وسليم بفتح السين المهملة وكسر اللام ابن حيان من الحياة أو من الحين منصرفا وغير منصرف
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة وفي باب من شكا إمامه إذا طول مطولا ومر الكلام فيه
قوله فيصلي به الصلاة ويروى صلاة وكانت هذه الصلاة صلاة العشاء ولأبي داود والنسائي أنها كانت المغرب وقال البيهقي روايات العشاء أصح قوله فتجوز بالجيم أي خفف وقال ابن التين يحتمل أن يكون بالحاء أي انحاز وصلى وحده ويؤيد هذا رواية مسلم فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده ثم انصرف وقال البيهقي قوله فسلم لا أدري هل حفظت أم لا لكثرة من رواه عن سفيان بدونها وانفرد بها محمد بن عبادة عن سفيان قوله بنواضحنا جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى عليه قوله ثلاثا أي فقال أفتان يا معاذ ثلاث مرات
وقال صاحب ( التوضيح ) صلاة معاذ بقومه فيه دلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل وانتصر ابن التين لمذهبه فقال يحتمل أن يكون جعل صلاته مع رسول الله نافلة ويحتمل أن يكون لم يعلم الشارع بذلك وما أبعدها وكيف يظن بمعاذ أن يؤخر الفرض ليصليها بقومه ويؤثر النفل خلفه وكيف يدعي أن الشارع لم يعلم بذلك مع أنه اشتكى إليه وقال أفتان أنت يا معاذ انتهى قلت هذا الكلام غير موجه لأنه التبس بفوت الفضيلة معه في سائر أئمة مساجد المدينة وفضيلة النافلة خلفه مع أن أداء الفرض مع قومه يقوم مقام أداء الفريضة خلفه وامتثال أمر النبي في إمامة قومه زيادة طاعة
والحديث المذكور منسوخ قال الطحاوي يحتمل أن يكون ذلك وقت كانت الفريضة تصلي مرتين فإن ذلك كان يفعل في أول الإسلام ثم ذكر حديث ابن عمر لا يصلي صلاة في يوم مرتين قيل لا يثبت النسخ بالاحتمال وأجيب بأنه إذا كان ناشئا عن دليل يعمل به وقد ذكر الطحاوي بإسناده أنهم كانوا يصلون الفريضة الواحدة في اليوم مرتين حتى نهوا عن ذلك وهكذا ذكره المهلب والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة
6107 - حدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( أبو المغيرة ) حدثنا ( الأوزاعي ) حدثنا ( الزهري ) عن ( حميد ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله من حلف منكم فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة وهو قوله جاهلا ظاهره وقال ابن بطال عذر من حلف من أصحابه باللات والعزي لقرب عهدهم بجري ذلك على ألسنتهم في الجاهلية وروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه حلف بذلك فأتى رسول الله وقال يا رسول الله إن العهد كان قريبا فحلفت باللات والعزى فقال قل لا إله إلا الله فعلمهم النبي أن من نسي أو جهل فحلف بذلك فكفارته أن يشهد بشهادة التوحيد
إسحاق جزم بعضهم بأنه ابن راهويه فكأنه أخذه من ابن السكن فإنه قال إسحاق هذا ابن راهويه وقال الكلاباذي هو ابن منصور وأبو المغيرة بضم الميم وكسرها هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي وهو من شيوخ البخاري وروى عنه هنا بالواسطة والأوزاعي عبد الرحمن والزهري محمد بن مسلم وحميد مصغر حمد ابن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه
والحديث مضى في تفسير سورة النجم عن عبد الله بن محمد وأخرجه في النذور كذلك وفي الاستئذان أيضا عن يحيى بن بكير وأخرجه بقية الجماعة
قوله فليقل لا إله إلا الله لأنه تعاطى تعظيم صورة الأصنام حين حلف بها فأمر أن يتداركه بكلمة التوحيد قوله ومن قال لصاحبهإلى آخره إنما قرن القمار بذكر الصنم تأسيا بقوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب أي فكفارة الحلف بالصنم تجديد كلمة الشهادة وكفارة الدعوة إلى المقامرة التصدق بما تيسر مما

(22/159)


ينطلق عليه إسم الصدقة وقيل بمقدار ما أمر أن يقامر به وقيل لما أراد الداعي إلى القمار إخراج المال بالباطل أمر بإخراجه في الحق قوله تعال أمر وأقامرك مجزوم قوله فليتصدق جواب من المتضمنة لمعنى الشرط ولهذا دخلت الفاء فيه
6108 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أنه أدرك عمر ابن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله وإلا فليصمت
مطابقته للجزء الأول للترجمة وهو قوله متأولا ظاهرة وذلك أن النبي عذر عمر رضي الله عنه في حلفه بأبيه لتأويله بالحق الذي للآباء
وقتيبة هو ابن سعيد والليث هو ابن سعد
والحديث أخرجه مسلم في النذور عن قتيبة ومحمد ابن رمح
قوله وهو يحلف الواو فيه للحال قوله ألا كلمة تنبيه فتدل على تحقق ما بعدها وهي بفتح الهمزة وتخفيف اللام قوله أن تحلفوا بآبائكم فإن قلت ثبت في الحديث أنه عليه الصلاة و السلام قال أفلح وأبيه والجواب أن هذا من جملة ما يزاد في الكلام للتقرير ونحوه ولا يراد به القسم والحكمة في النهي أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله وحده فلا يضاهى به غيره فإن قيل قد أقسم الله تعالى بمخلوقاته وأجيب بأن له تعالى أن يقسم بما شاء تنبيها على شرفه
75 -
( باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله وقال الله تعالى ( 9 ) جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ( التوبة73 والتحريم9 )
أي هذا باب في بيان جواز الغضب والشدة لأجل أمر الله وأشار بهذا إلى أن صبر النبي على الأذى إنما كان في حق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه كان يمتثل فيه أمر الله تعالى وقد قال تعالى جاهد الكفار الآية قوله جاهد الكفار أي السيف وجاهد المنافقين بالاحتجاج وعن قتادة مجاهدة المنافقين بإقامة الحدود عليهم وعن مجاهد بالوعيد قوله واغلظ عليهم أي استعمل الغلظة والخشونة على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والاحتجاج
6109 - حدثنا ( يسرة بن صفوان ) حدثنا ( إبراهيم ) عن ( الزهري ) عن ( القاسم ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت دخل علي النبي وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقالت قال النبي من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هاذه الصور
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فتلون وجهه فإن ذلك كان من غضبه لله تعالى
ويسرة بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة والراء ابن صفوان اللخمي بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف يروي عن محمد بن مسلم الزهري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة رضي الله عنهم
والحديث مضى في أواخر اللباس في باب ما وطىء من التصاوير وكذلك أخرجه مسلم في اللباس عن منصور بن أبي مزاحم عن إبراهيم ابن سعد به وعن غيره وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم
قوله قرام بكسر القاف وتخفيف الراء وهو الستر قوله صور جمع صورة قوله ثم تناول الستر وهو القرام المذكور قوله فهتكه أي خرقه قوله من أشد الناس ويروى إن من أشد الناس ومضى الكلام فيه في كتاب اللباس في الباب المذكور
6110 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال أتى رجل النبي فقال إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا قال فما رأيت رسول الله قط أشد غضبا في موعظة

(22/160)


منه يومئذ قال فقال يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فما رأيت رسول الله قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ
و ( يحيى ) هو القطان وأبو مسعود هو عقبة بن عامر البدري
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب تخفيف الإمام في القيام فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن زهير عن إسماعيل عن قيس إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله منه أي من النبي وهو مفضل باعتبار ومفضل عليه باعتبار آخر قوله فأيكم ما صلى كلمة ما زائدة للتأكيد قوله فليتجوز أي فليخفف قوله الكبير أي الشيخ الهرم
6111 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال بينا النبي يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده فتغيظ ثم قال إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة
مطابقته للترجمة في قوله فتغيظ وجويرية هو ابن أسماء وهذان العلمان مما يشترك فيه الذكور والإناث
والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب حك البزاق باليد من المسجد
قوله بينا أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفا وهو ظرف مضاف إلى جملة وهي هنا قوله النبي يصلى وهي جملة إسمية قوله نخامة بضم النون وهي النخاعة قوله حيال وجهه بكسر الحاء المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف أي مقابل وجهه وفي كتاب الصلاة فإن الله قبل وجهه وفي ( التوضيح ) حيال وجهه أي يراه وأصله الواو فقلبت ياء لانكسار ما قبلها ويروى قبل وجهه ويروى قبلته وقال الكرماني الله منزه عن الجهة والمكان ومعناه التشبيه على سبيل التنزيه أي كان الله تعالى في مقابل وجهه وقال الخطابي معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين القبلة
6112 - حدثنا ( محمد ) حدثنا ( اسماعيل بن جعفر ) أخبرنا ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( يزيد ) مولى ( المنبعث ) عن ( زيد بن خالد الجهني ) أن رجلا سأل رسول الله عن اللقطة فقال عرفها سنة ثم أعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه قال يا رسول الله فضالة الغنم قال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب قال يا رسول الله فضالة الإبل قال فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه ثم قال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها
مطابقته للترجمة في قوله فغضب رسول الله ومحمد هو ابن سلام وهؤلاء كلهم مدنيون إلا ابن سلام
والحديث مضى في اللقطة عن عبد الله بن يوسف وفي الشرب عن إسماعيل بن عبد الله كلاهما عن مالك وفي اللقطة أيضا عن قتيبة وعن محمد بن يوسف وعن عمرو بن العباس وفي العلم عن عبد الله بن محمد ومضى الكلام فيها
قوله وكائها بكسر الواو وبالمد ما يسد به رأس الكيس والعفاص بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبالصاد المهملة وهو ما يكون فيه النفقة قوله ثم استنفق أي تمتع بها وتصرف فيها قوله فضالة الغنم من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ما حكمها قوله وجنتاه تثنية وجنة وهي ما ارتفع من الخد قوله أو أحمر وجهه شك من الراوي قوله ما لك ولها أي لم تأخذها فإنها مستقلة بمعيشتها ومعها أسبابها قوله حذاؤها بكسر الحاء وبالمد وهو ما وطىء عليه البعير من خفه قوله وسقاؤها بالكسر والمد وهو ظرف اللبن والماء كالقربة
( وقال المكي حدثنا عبد الله بن سعيد ح حدثني محمد بن زياد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا

(22/161)


عبد الله بن سعيد قال حدثني سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال احتجر رسول الله حجيرة مخصفة أو حصيرا فخرج رسول الله يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤا يصلون بصلاته ثم جاؤا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم مغضبا فقال لهم رسول الله ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )
مطابقته للترجمة في قوله فخرج إليهم مغضبا والغضب في أمر الله واجب لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقام الإجماع على أن ذلك فرض على الأئمة أن يقوموا به ويأخذوا على أيدي الظالمين وينصفوا المظلومين ويحفظوا أمور الشريعة حتى لا تتغير ولا تنتهك والمكي هو ابن إبراهيم قال الكرماني المكي منسوب إلى مكة المشرفة قلت هذا اسمه وليس بنسبة وقد أخرج هذا الحديث من طريقين أولهما معلق عن مكي بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري وقد وصله أحمد والدارمي في مسنديهما عن المكي بن إبراهيم بتمامه والآخر مسند أخرجه عن محمد بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن عبيد الله بن الربيع بن زياد الزيادي البصري وقال ابن عساكر روى عنه البخاري كالمقرون بغيره وروى عنه ابن ماجه مات سنة اثنين وخمسين ومائتين كذا بخط الدمياطي وفي التهذيب في حدود سنة خمسين ومائتين وما له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن جعفر هو غندر وعبد الله بن سعيد قال حدثني سالم أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبالراء المديني يروي عن زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري والحديث مضى في الصلاة عن عبد الأعلى بن حماد ومضى الكلام فيه هناك قوله وحدثني محمد بن زياد فيه التحديث بصيغة الإفراد وما قبله حرف ( ح ) إشارة إلى التحويل من إسناد إلى إسناد آخر وقال الكرماني أو إشارة إلى الحديث أو إلى صح أو إلى الحائل قوله احتجر بالحاء المهملة وبالجيم والراء أي اتخذ لنفسه حجرة وقال ابن الأثير يقال حجرت الأرض واحتجرتها إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك قوله حجيرة تصغير حجرة وهو الموضع المنفرد ويروى حجيرة بفتح الحاء وكسر الجيم قوله مخصفة بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة المفتوحة وبالفاء وهي المعمولة بالخصفة وهي ما يجعل به جلال التمر من السعف ونحوه ويروى بخصفة بحرف الجر الداخل على الخصفة وقال النووي الخصفة والحصير بمعنى واحد والمعنى احتجر حجرة أي حوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر عليه أحد ويتوفر عليه فراغ القلب وقال ابن بطال حجيرة مخصفة يعني ثوبا أو حصيرا اقتطع به مكانا من المسجد واستتر به وأراه يقال خصفت على نفسي ثوبا أي جمعت بين طرفيه بعود أو خيط قوله أو حصيرا شك من الراوي قوله فتتبع إليه أي إلى رسول الله من التتبع وهو الطلب ومعناه طلبوا موضعه واجتمعوا إليه قوله ثم جاؤا ليلة أي ليلة ليصلوا مع النبي فلم يخرج إليهم النبي فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب أي رموه بالحصباء وهي الحصى الصغيرة قوله فخرج أي رسول الله إليهم حال كونه مغضبا وسبب غضبه أنهم اجتمعوا بغير أمره ولم يكتفوا بالإشارة منه لكونه لم يخرج إليهم وبالغوا حتى حصبوا بابه وقيل كان غضبه لكونه تأخر إشفاقا عليهم لئلا يفرض عليهم وهم يظنون غير ذلك وقال الكرماني إنما غضب عليهم لأنهم صلوا في مسجده الخاص بغير إذنه وقال

(22/162)


بعضهم وأبعد من قال صلوا في مسجده بغير إذنه قلت غمز به على الكرماني ولا بعد فيه أصلا بل الأقرب هذا على ما لا يخفى قوله مازال بكم أي ملتبسا بكم صنيعكم أي مصنوعكم والمراد به صلاتهم قوله حتى ظننت أي حتى خفت من الظن بمعنى الخوف هنا قوله سيكتب عليكم أي سيفرض عليكم فلا تقوموا بحقه فتعاقبوا عليه قوله إلا المكتوبة أي الفريضة وفيه أن أفضل النافلة ما كان منها في البيوت وعند الستر عن أعين الناس إلا ما كان من شعار الشريعة كالعيد وحكى ابن التين عن قوم أنه يستحب أن يجعل في بيته من فريضة والحديث يرد عليه فإن قلت ورد قوله اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا قلت هو محمول على النافلة
76 -
( باب الحذر من الغضب )
أي هذا باب في بيان الحذر من أجل الغضب وهو غليان دم القلب لإرادة الانتقام
لقول الله تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( الشورى37 ) وقوله الذين ينفقون فى السرآء والضرآء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ( آل عمران134 ) ح
احتج للحذر من الغضب بالآيتين الكريمتين كذا سوق الآيتين في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر ساق إلى قوله والكاظمين الغيظ ثم قال الآية وقال بعضهم وليس في الآيتين دلالة على التحذر من الغضب إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان في ذلك إشارة إلى المقصود قلت ليس كما قال بل في كل منهما دلالة على التحذر من الغضب أما الآية الأولى ففي مدح الذين يجتنبون كبائر الإثم قال ابن عباس هو الشرك والفواحش قال السدي يعني الزنا وقال مقاتل يعني موجبات الحدود وإذا ما غضبوا هم يغفرون بمعنى يتجاوزون ويحلمون وقد قيل إن هذه وما قبلها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإذا كان ما ذكر فيها مدحا يكون ضده أن لا يتجاوز الشخص إذا غضب فدل ذلك بالضرورة على التحذر من الغضب المذموم وأما الآية الأخرى ففي مدح المتقين الذين وصفهم الله بهذه الأوصاف المذكورة فيها فيدل ضد هذه الأوصاف على الذم ومن الذم عدم كظم الغيظ وعدم العفو عن الناس وعدم كظم الغيظ هو عين الغضب فدل ذلك أيضا على التحذر من الغضب فافهم والله أعلم
6114 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإغراء على الحذر من الغضب
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن الحارث بن مسكين
قوله بالصرعة بضم الصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الرجال مكثرا فيه وهو بناء المبالغة كالحفظة بمعنى كثيرا الحفظ وقال ابن التين ضبطناه بفتح الراء وقرأه بعضهم بسكونها وليس بشيء لأنه عكس المطلوب قال وضبط أيضا في بعض الكتب بفتح الصاد وليس بشيء لأنه عكس المطلوب لأن الصرعة بسكون الراء من يصرعه غيره كثيرا وهذا غير مقصود ههنا
6115 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( عدي بن ثابت ) حدثنا ( سليمان بن صرد ) قال استب رجلان عند النبي ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول النبي قال إني لست بمجنون ( انظر الحديث 3282 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد فإن من قال هذه الكلمة لحذر عن الغضب

(22/163)


وسكن غضبه
وجرير هو ابن عبد الحميد والأعمش سليمان
والحديث قد مضى في باب صفة إبليس وجنوده وفي باب السباب واللعن ومضى الكلام فيه
قوله إني لست بمجنون أما هذا فكان منافقا أو أنف من كلام أصحابه دون كلام رسول الله
6116 - حدثني يحياى بن يوسف أخبرنا أبو بكر هو ابن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي أوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب
مطابقته للترجمة من حيث إنه حذره من الغضب بقوله لا تغضب
و ( يحيى بن يوسف ) الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم وليس له في البخاري إلا عن أبي بكر بن عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة القاري الكوفي وأبو حصين بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وأبو صالح ذكوان الزيات السمات
والحديث أخرجه الترمذي في البر عن أبي كريب بأتم منه
قوله أن رجلا قيل إنه جارية بالجيم ابن قدامة أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني من حديثه مبهما ومفسرا ويحتمل غيره قوله لا تغضب إنما قال لا تغضب لأنه كان مكاشفا بأوضاع الخلق فيأمرهم بما هو الأولى بهم ولعل الرجل كان غضوبا فوصاه بتركه وقال البيضاوي لعله لما رأى أن جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته وغضبه والشهوة مكسورة بالنسبة إلى ما يقتضيه الغضب فلما سأله الرجل الإرشاد إلى ما يتوسل به إلى التحرز عن القبائح وعن الغضب الذي هو أعظم ضررا وأكثر وزرا وأنه إذا ملكها كان قهر أقوى أعدائه أمره بها وقال الخطابي معنى لا تغضب لا تتعرض لأسباب الغضب وللأمور التي تجلب الغضب إذ نفس الغضب مطبوع في الإنسان لا يمكن إخراجه من جبلته أو معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب ويخملك عليه من الأقوال والأفعال
77 -
( باب الحياء )
أي هذا باب في بيان فضل الحياء وهو بالمد فسروه بأنه تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم
6117 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أبي السوار العدوي ) قال سمعت عمران بن حصين قال قال النبي الحياء لا يأتي إلا بخير
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو السوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو وبالراء حسان بن حريث مصغر الحرث الزرع على الصحيح وقيل حجير بن الربيع وقيل غير ذلك
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن ابن المثنى وابن بشار كلاهما عن غندر عن شعبة
قوله الحياء لا يأتي إلا بخير معناه أن من استحى من الناس أن يروه يأتي بالفجور وارتكاب المحارم فذلك داعيه إلى أن يكون أشد حياء من الله تعالى ومن استحى من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه والحياء يمنع من الفواحش ويحمل على البر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور ويبعده عن المعاصي ويحمله على الطاعات فصار الحياء كالإيمان لمساواته له في ذلك وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن ولهذا قال الحياء من الإيمان أي من أسبابه وأخلاق أهله وقال الكرماني صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يعظمه أو يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق ثم أجاب بأن هذا عجز وروى أحمد من رواية خالد بن رباح عن أبي السوار عن عمران بن حصين الحياء خير كله وروى الطبراني من رواية قرة بن إياس قيل يا رسول الله الحياء من الدين قال بل هو الدين كله
فقال بشير بن كعب مكتوب في الحكمة إن من الحياء وقارا وإن من الحياء سكينة فقال له عمران أحدثك عن رسول الله وتحدثني عن صحيفتك

(22/164)


بشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن كعب العدوي البصري التابعي الجليل
قوله في الحكمة وهي العلم الذي يبحث فيه عن أحوال حقائق الموجودات وقيل العلم المتقن الوافي قوله وقارا الوقار بفتح الواو الحلم والرزانة قوله سكينة وفي رواية الكشميهني السكينة بالألف واللام وهي الدعة والسكون قوله فقال له عمران أي فقال لبشير المذكور وعمران بن حصين أحدثك من التحديث وإنما قال عمران ذلك مغضبا لأن الحجة إنما هي في سنة رسول الله لا فيما يروي عن كتب الحكمة لأنه لا يدري ما في حقيقتها ولا يعرف صدقها فإن قلت لم غضب عمران وليس في ذكر الوقار والسكينة ما ينافي كونه خيرا قلت كان غضبه لزيادة في الذي ذكره بشير وهي في رواية أبي قتادة العدوي أن منه سكينة ووقار الله ومنه ضعف وقيل يحتمل أن يكون غضبه من قوله منه لأن التبعيض يفهم منه أن منه ما يضاد ذلك وهو قد روى أنه خير كله
6118 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( عبد العزيز بن أبي سلمة ) حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( سالم ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال مر النبي على رجل وهو يعاتب في الحياء يقول إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضر بك فقال رسول الله دعه فإن الحياء من الإيمان ( انظر الحديث 24 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي وعبد العزيز بن أبي سلمة بفتحتين الماجشون وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة واسمه دينار والحديث من أفراده
قوله يعاتب بضم الياء على صيغة المجهول يعني يلام ويذم ويوعظ قوله لتستحي بباء واحدة وبياءين فإذا جزم يجوز أن يبقى بدونها وقال ابن التين هو من استحي بياء واحدة وقال الجوهري أصل استحيت استحييت فاعلوا الياء الأولى تقلب ألفا لتحركها وقال المازني لم تحذف لالتقاء الساكنين لأنها لو حذفت لذلك لما ردوها إذا قالوا هو يستحي ولقالوا هو يستح وقال الأخفش استحى بياء واحدة لغة تميم وبباءين لغة أهل الحجاز قوله دعه أي اتركه وهو أمر من يدع قوله فإن الحياء من الإيمان أي من كمال الإيمان قاله أبو عبد الملك وقال الهروي جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو الاكتساب لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن لم يكن له نية فصار كالإيمان القاطع بينه وبينها
6119 - حدثنا ( علي بن الجعد أخبيرنا شعبة ) عن ( قتادة ) عن مولى ( أنس ) قال ( أبو عبد الله ) ( اسمه عبد الله بن عتبة ) سمعت ( أبا سعيد ) يقول كان النبي أشد من العذراء في خدرها ( انظر الحديث 3562 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى عن قريب في باب من لم يواجه الناس بالعتاب فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد اللهإلى آخره
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه وعتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق وفسر البخاري مولى أنس بقوله اسمه عبد الله وقيل عبيد الله وقيل عبد الرحمن والصحيح أنه عبد الله مكبرا ومضى الكلام فيه
78 -
( باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت )
أي هذا باب في ذكر قول النبي إذا لم تستح فاصنع ما شئت وقد أوقع هذه الترجمة عين الحديث
6120 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( منصور ) عن ( ربعي بن حراش ) حدثنا ( أبو مسعود ) قال قال النبي إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستبح فاصنع ما شئت ( انظر الحديث 3483 وطرفه )
قد ذكرنا أن الترجمة لفظ الحديث وزهير اليربوعي هو ابن معاوية أبو خيثمة ومنصور هو ابن المعتمر وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء

(22/165)


وبالشين المعجمة الغطفاني الأعور وأبو مسعود عقبة بن عامر البدري
والحديث قد مضى في باب مجرد بعد حديث الغار فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن غير أنه ليس فيه لفظ الأولى وفيه فافعل ما شئت
قوله الناس مرفوع والعائد إلى ما محذوف أي ما أدركه الناس ويجوز النصب والعائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ وإذا لم تستح إسم للكلمة المشبهة بتأويل هذا القول أي إن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء السالفة وإنه باق لم ينسخ فالأولون والآخرون فيه أي في استحسانه على منهاج واحد قوله فاصنع ما شئت قال الخطابي الأمر فيه للتهديد نحو اعملوا ما شئتم فإن الله يجزيكم أو أراد به إفعل ما شئت مما لا يستحي منه ولا تفعل ما تستحي منه أو الأمر بمعنى الخبر أي إذا لم يكن لك حياء يمنعك من القبيح صنعت ما شئت قلت المعنى الثاني أشار إليه النووي حيث قال في ( الأربعين ) الأمر فيه للإباحة وهو ظاهر منه
79 -
( باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين )
أي هذا باب في بيان ما لا يستحي وهو على صيغة المجهول حاصل معنى هذه الترجمة أن الحياء لا يجوز في السؤال عن أمر الدين وجميع الحقائق التي تعبد الله عباده بها وإن الحياء في ذلك مذموم وأشار بهذه الترجمة إلى أن قوله الحياء خير كله عام مخصوص
6121 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( زينب ابنة أبي سلمة ) عن أم ( سلمة ) رضي الله عنها قالت جاءت أم سليم إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة غسل إذا احتلمت فقال نعم إذا رأت الماء
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وذلك أن أم سليم ما استحيت في سؤالها المذكور لأنه كان لأجل الدين
والحديث مضى في كتاب العلم في باب الحياء في العلم من وجه آخر ومضى أيضا في كتاب الغسل في باب إذا احتلمت المرأة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك وأخرجه هنا عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد وأم سلمة زوج النبي واسمها هند بنت أبي أمية وأم سليم بضم السين أم أنس بن مالك اختلف في اسمها وقد ذكرناه في كتاب الغسل
6122 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( محارب بن دثار ) قال سمعت ( ابن عمر ) يقول قال النبي مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات فقال القوم هي شجرة كذا هي شجرة كذا فأردت أن أقول هي النخلة وأنا غلام شاب فاستحييت فقال هي النخلة
وعن شعبة حدثنا خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن ابن عمر مثله وزاد فحدثت به عمر فقال لو كنت قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا
قيل لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة لأن الترجمة فيما لا يستحي وفي الحديث استحى يعني عبد الله قلت تفهم المطابقة من كلام عمر لأن عبد الله كان صغيرا فاستحى أن يتكلم عند الأكابر وقول عمر رضي الله عنه يدل على أن سكوته غير حسن لأنه لو كان حسنا لقال له أصبت فبالنظر إلى كلام عمر يدخل في باب ما لا يستحي فافهم
ومحارب بكسر الراء ابن دثار بكسر الدال وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة ابن عبد الرحمن بن خبيب أبو الحارث الأنصاري المدني وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ومضى هذا الحديث في كتاب العلم من وجوه كثيرة ومضى شرحه مستقصى
قوله وعن شعبة موصول بالإسناد المذكور وأراد به الإشارة إلى قوله فحدثت به عمر رضي الله تعالى عنه قوله لكان أحب إلي من كذا وكذا أي من حمر النعم كما تقدم صريحا ووجه الشبه في قوله كمثل شجرة خضراء كثرة خيرها

(22/166)


ومنافعها من الجهات وقيل إذا قطع رأسها أو غرقت ماتت ولا تحمل حتى تلقح ولطلعها رائحة المني وتعشق كالإنسان
6123 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( مرحوم ) سمعت ( ثابتا ) أنه سمع ( أنسا ) رضي الله عنه يقول جاءت امرأة إلى النبي تعرض عليه نفسها فقالت هل لك حاجة في فقالت ابنته ما أقل حياءها فقال هي خير منك عرضت على رسول الله نفسها ( انظر الحديث 5120 )
مطابقته للترجمة من حيث إن المرأة المذكورة لم تستحي فيما سألته لأن سؤالها كان للتقرب إلى رسول الله وتصير من أمهات المؤمنين المتضمنة لسعادات الدارين
ومرحوم بالراء والحاء المهملتين ابن عبد العزيز العطار البصري وثابت بالثاء المثلثة هو البناني
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن مرحومإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله تعرض عليه نفسها أي ليتزوجها رسول الله قوله في بكسر الفاء وتشديد الياء أي في نكاحي قوله ابنته أي ابنة أنس ما أقل حياء هذه المرأة فقال أنس هي خير منك حيث رغبت في رسول الله لتصير من أمهات المؤمنين
80 -
( باب قول النبي يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف واليسر على الناس )
أي هذا باب في ذكر قول النبي يسروا ولا تعسروا وهذا يأتي موصولا في الباب قوله وكانإلى آخره أخرجه مالك في ( الموطأ ) عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا في صلاة الضحى وفيه وكان يحب ما خف على الناس
6124 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( النضر ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( سعيد بن أبي بردة ) عن أبيه عن جده قال لما بعثه رسول الله ومعاذ بن جبل قال لهما يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا قال أبو موسى يا رسول الله إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له الينع وشراب من الشعير يقال له المزر فقال رسول الله كل مسكر حرام
مطابقته للترجمة في قوله يسرا ولا تعسرا وإسحاق قال الكرماني إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور قلت هو قول الكلاباذي وقال أبو نعيم هو إسحاق بن راهويه والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر الشمل وسعيد بن أبي بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وسعيد هذا يروي عن أبيه عامر وعامر يروي عن أبيه أبي موسى المذكور ولا شك أنه عن أبيه عن جده
والحديث مضى في أواخر كتاب المغازي في بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قبل حجة الوداع
قوله وتطاوعا أي توافقا في الأمور قوله بأرض يريد بها أرض اليمن قوله البتع بكسر الباء الموحدة وسكون التاء المثناة من فوق وبالعين المهملة قوله المزر بكسر الميم وسكون الزاي وبالراء
6125 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي التياح ) قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا ( انظر الحديث 69 وطرفه )
الترجمة مأخوذة من هذا الحديث وآدم هو ابن أبي إياس وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري
والحديث مضى في العلم في باب ما كان النبي يتخولنا بالموعظة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن شعبةإلى آخره
قوله يسروا أمر بالتيسير لينشطوا قوله ولا تعسروا نهى عن التعسير وهو التشديد في الأمور لئلا ينفروا قوله وسكنوا أمر بالتسكين وهو في اللغة خلاف التحريك ولكن المراد هنا عدم تنفيرهم قوله ولا تنفروا كالتفسير له أي لسابقه ومبنى كل ذلك

(22/167)


إن هذا الدين مبني على اليسر لا على العسر ولهذا قال لم أبعث بالرهبانية وإن خير الدين عند الله الحنفية السمحة وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد شددوا فشدد الله عليهم
6126 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها ( أنها ) قالت ما خير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إلا أخذ أيسرهما والحديث مضى في صفة النبي ومضى الكلام فيه
قوله ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما يريد في أمر دنياه لقوله ما لم يكن إثما والإثم لا يكون إلا في أمر الآخرة قال الكرماني كيف خير رسول الله بين أمرين أحدهما إثم ثم أجاب بقوله التخيير إن كان من الكفار فظاهر وإن كان من الله تعالى أو من المسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير بين المجاهدة في العبادة والإقتصاد فيها فإن المجاهدة بحيث تنجر إلى الهلاك غير حائزة وقال عياض يحتمل أن يخيره الله تعالى فيما فيه عقوبتان ونحوه وأما قولها ما لم يكن إثما فيتصور إذا خيره الكفار قوله إلا أن تنتهك حرمة الله يعني انتهاك ما حرمه وهو استثناء منقطع يعني إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك
6127 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( الأزرق بن قيس ) قال كنا على شاطىء نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها ثم جاء فقضى صلاته وفيما رجل له رأي فأقبل يقول انظروا إلى هاذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس فأقبل فقال ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله وقال إن منزلي متراخ فلو صليت وتركت لم آت أهلي إلي الليل وذكر أنه صحب النبي فرأى من تيسيره ( انظر الحديث 1211 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ومن قوله فرأى من تيسيره أي رأى من التسهيل ما حمله على ذلك إذ لا يجوز له أن يفعله من تلقاء نفسه دون أن يشاهد مثله من النبي
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الذي يقال له عارم مات سنة أربع وعشرين ومائتين والأزرق بن قيس الحارثي البصري وأبو برزة بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وبالزاي نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن عبيد بن الحارث الأسلمي بفتح الهمزة واللام سكن البصرة وسمع النبي
والحديث مضى في أواخر كتاب الصلاة في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن الأزرق بن قيسإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله بالأهواز بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالواو وبالزاي موضع بخورستان بين العراق وفارس قوله نضب بفتح النون والضاد المعجمة وبالباء الموحدة أي غاب وذهب في الأرض قوله وتبعها ويروى واتبعها قوله فقضى صلاته أي أداها والفضاء يأتي بمعنى الأداء كما في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة10 ) أي فإذا أديت قوله وفينا رجل كان هذا الرجل يرى رأي الخوارج قوله متراخ بالخاء المعجمة أي متباعد قوله وتركت أي الفرس ويروى وتركتها والفرس يقع على الذكر والأنثى لكن لفظه مؤنث سماعي قوله فرأى من تيسيره أي من تيسير النبي وقد مر تفسيره عن قريب
152 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح وقال الليث حدثني يونس عن ابن

(22/168)


شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة أخبره أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين الأول عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري ( والآخر ) عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب وهو الزهري إلى آخره والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب صب الماء على البول في المسجد فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله فثار إليه من الثوران وهو الهيجان قوله ليقعوا به أي ليؤذوه قوله دعوه أي اتركوه إنما قال ذلك لمصلحتين وهي أنه لو قطع عليه بوله لتضرر وإن التنجس قد حصل في جزء يسير فلو أقاموه في أثنائه لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد قوله وأهريقوا أي صبوا ويروى هريقوا وأصله أريقوا من الإراقة فأبدلت الهاء من الهمزة قوله ذنوبا بفتح الذال المعجمة وضم النون وهو الدلو الملآن قوله أو سجلا شك من الراوي والسجل بفتح السين المهملة وسكون الجيم الدلو فيه الماء قل أو كثر
81 -
( باب الإنبساط إلى الناس )
أي هذا باب في بيان جواز الانبساط إلى الناس وفي رواية الكشميهني مع الناس والمراد به أن يتلقى الناس بوجه بشوش وينبسط معهم بما ليس فيه ما ينكره الشرع وما يرتكب فيه الإثم وكان النبي أحسن الأمة أخلاقا وأبسطهم وجها وقد وصفه الله عز و جل بذلك بقوله وإنك لعلى خلق عظيم فكان ينبسط إلى النساء والصبيان ويداعبهم ويمازحهم وقد قال إني لأمزح ولا أقول إلا حقا فينبغي للمؤمن الاقتداء بحسن أخلاقه وطلاقة وجهه
وقال ابن مسعود رضي الله عنه خالط الناس ودينك لا نكلمنه
ذكر هذا التعليق عن عبد الله بن مسعود إشارة إلى أن الانبساط مع الناس والمخالطة بهم مشروع ولكن بشرط أن لا يحصل في دينه خلل ويبقى صحيحا وهو معنى قوله ودينك لا تكلمنه من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح ويجوز في دينك الرفع والنصب أما الرفع فعلى أنه مبتدأ ولا تكلمنه خبره وأما النصب فعلى شريطة التفسير والتقدير لا تكلمن دينك وفسر المذكور المقدر فافهم وقد وصل التعليق المذكور الطبراني في ( الكبير ) من طريق عبد الله بن بابا بباءين موحدتين عن ابن مسعود خالطوا الناس وصافوهم بما يشتهون ودينكم فلا تكلمنه
والدعابة مع الأهل
والدعابة بالجر عطفا على الانبساط وهي من بقية الترجمة وهي بضم الدال وتخفيف العين المهملة وبعد الألف باء موحدة وهي الملاطفة في القول بالمزاح من دعب يدعب فهو دعاب قال الجوهري أي لعاب والمداعبة الممازحة وأما المزاح فهو بضم الميم وقد مزح يمزح والاسم المزاح بالضم والمزاحة أيضا وأما المزح بكسر الميم فهو مصدر وروى الترمذي من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تلاعبنا إني لا أقول إلا حقا وحسنه الترمذي فإن قلت قد أخرج من حديث ابن عباس رفعه لا تمار أخاك أي لا تخاصمه ولا تمازحه الحديث قلت يجمع بينهما بأن المنهي عنه فيه إفراط أو مداومة عليه لأنها تؤول إلى الإيذاء والمخاصمة وسقوط المهابة والوقار والذي يسلم من ذلك هو المباح فافهم
6129 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( أبو التياح ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه

(22/169)


يقول إن كان النبي يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا با عمير ما فعل النعير ( انظر الحديث 6129 - طرفه في 6203 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو التياح مضى عن قريب في باب قول النبي يسروا
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وفي الاستئذان وفي فضائل النبي عن أبي الربيع الزهراني وأخرجه الترمذي في الصلاة وفي البر عن هناد عن وكيع وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن إسماعيل بن مسعود وغيره وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن علي بن محمد الطنافسي
قوله يخالطنا أي يلاطفنا بطلاقة الوجه والمزح قوله يابا عمير أصله يا أبا عمير حذفت الألف للتخفيف وعمير تصغير عمرو هو ابن أبي طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل وهو أخو أنس بن مالك لأمه وأمهما أم سليم مات على عهد رسول الله وكان يداعب معه النبي ويقول يا با عمير ما فعل النغير بضم النون وفتح الغين المعجمة مصغر نغر بضم النون وفتح الغين وهو جمع نغرة طير كالعصفور محمر المنقار وبتصغيره جاء الحديث والجمع نغران كصرد وصردان ومعنى ما فعل النغير أي ما شأنه وحاله وقال الراغب الفعل التأثير من جهة مؤثرة والعمل كل فعل يكون من الحيوان بقصد وهو أخص من الفعل لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد وقد ينسب إلى الجمادات
6130 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( أبو معاوية ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كنت ألعب بالبنات عند النبي وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي
مطابقته للترجمة من حيث إن رسول الله كان ينبسط إلى عائشة حيث يرضى بلعبها بالبنات ويرسل إليها صواحبها حتى يلعبن معها وكانت عائشة حينئذ غير بالغة فلذلك رخص لها والكراهة فيها قائمة للبوالغ
ومحمد هو ابن سلام وجوز الكرماني أن يكون محمد بن المثنى وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب عن أبي معاوية
قوله بالبنات وهي التماثيل التي تسمى لعب البنات وهي مشهورة وقال الداودي يحتمل أن يكون الباء بمعنى مع والبنات الجواري قوله صواحب جمع صاحبة وهي الجواري من أقرانها قوله إذا دخل أي البيت قوله ينقمعن منه أي يذهبن ويستترن من النبي وهو من الانقماع من باب الانفعال وهو رواية الكشميهني وعند غيره يتقمعن من التقمع من باب التفعل ومادته قاف وميم وعين مهملة وقال أبو عبيد يتقمعن يعني يدخلن البيت ويغبن ويقال الإنسان قد انقمع وتقمع إذا دخل في الشيء وقال الأصمعي ومنه سمي القمع الذي يصب فيه الدهن وغيره لدخوله في الإناء قوله فيسربهن بالسين المهملة أي يرسلهن من التسريب وهو الإرسال والتسريح والسارب الذاهب يقال سرب عليه الخيل وهو أن يبعث عليه الخيل قطعة بعد قطعة قوله إلي بتشديد الياء المفتوحة واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور اللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدربهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن قال ذهب بعضهم إلى أنه منسوخ وإليه مال ابن بطال وقد ترجم له ابن حبان الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب وترجم له النسائي إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات ولم يقيد بالصغر وفيه نظر وجزم ابن الجوزي بأن الرخصة لعائشة في ذلك كان قبل التحريم وقال المنذري إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة وقال الخطابي في هذا الحديث إن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد وإنما أرخص لعائشة رضي الله عنها فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ
82 -
( باب المداراة مع الناس )

(22/170)


أي هذا باب في بيان مندوبية المداراة وهي لين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وهي من أخلاق المؤمنين والمداهنة محرمة والفرق بينهما أن المداهنة هي أن يلقى الفاسق المعلن بفسقه فيؤالفه ولا ينكر عليه ولو بقلبه والمداراة هي الرفق بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي واللطف به حتى يرده عما هو عليه وقال بعضهم المداراة مع الناس بغير همز وأصله الهمز لأنه من المدافعة والمراد به الدفع بالرفق قلت قوله لأنه من المدافعة غير صحيح بل يقال من الدرء وهو الدفع وقال ابن الأثير المداراة في حسن الخلق والصحبة غير مهموز وقد يهمز
ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم
ذكر هذا عن أبي الدرداء عويمر بن مالك بصيغة التمريض قوله لنكشر بسكون الكاف وكسر الشين المعجمة من الكشر وهو ظهور الأسنان وأكثر ما يطلق عند الضحك والإسم الكشرة كالعشرة وفي ( التوضيح ) الكشر ظهور الأسنان عند الضحك وكاشره إذا ضحك في وجهه وانبسط إليه وعبارة ابن السكيت الكشر التبسم قوله لتلعنهم اللام فيه مفتوحة للتأكيد وهو من اللعن كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لتقليهم أي لتبغضهم من القلى بكسر القاف مقصورا وهو البغض يقال قلاه يقليه قلاو وقلا قال ابن فارس وقد قالوا قليته أقلاه وفي ( الصحاح ) يقلاه لغة طيء وهي من النوادر لأن فعل يفعل بالفتح فيهما بغير حرف حلق نادر وهذا الأثر أخرجه موصولا ابن أبي الدنيا من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نغير عن أبي الدرداء فذكر مثله
6131 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن المنكدر ) حدثه عن ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة أخبرته ) أنه استأذن على النبي رجل فقال ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخوا العشيرة فلما دخل ألان له الكلام فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول فقال أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه ( انظر الحديث 6032 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة يروي عن محمد بن المنكدر عن عروة
وأخرجه البخاري أيضا عن صدقة ابن الفضل في باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد ومضى الكلام فيه هناك وعن عمرو بن عيسى وأخرجه مسلم في الأدب عن عمرو بن محمد وآخرين عن سفيان وعن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن المنكدر وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن سفيان به وأخرجه الترمذي في البر عن ابن أبي عمر عن سفيان
قوله رجل قال الكرماني هو عيينة بن حفصن قوله فبئس ابن العشيرة أي بئس هذا الرجل من القبيلة قوله أي عائشة أي يا عائشة قوله أو ودعه شك من الراوي أي تركه وهذا يرد قول أهل الصرف وأماتوا ماضي يدع ويذر قوله اتقاء فحشه أي للتجنب عن فحشه وقال الكرماني الكافر أشر منزلة منه وأجاب بأن المراد من الناس المسلمون وهو للتغليظ
وفيه جواز غيبة الفاسق المعلن ولمن يحتاج الناس إلى التحذير منه وكان الرجل المذكور كما قاله لأنه كان ضعيف الإيمان في حياته فارتد بعدها وقال ابن بطال كان مأمورا بأن لا يعامل الناس إلا بما ظهر منهم دون غيره وكان يظهر الإسلام فقال قبل الدخول ما كان يعلمه وبعده كان ظاهرا منه عند الناس
6132 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) أخبرنا ( ابن علية ) أخبرنا ( أيوب ) عن ( عبد الله بن أبي مليكة ) أن النبي أهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه وعزل منها واحدا لمخرمة فلما جاء قال خبأت هاذا لك قال أيوب بثوبه أنه يريد إياه وكان في خلقه شيء

(22/171)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وكان في خلقه شيء أي في خلق مخرمة شيء أي نوع من الشكاسة
وابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهو إسماعيل بن إبراهيم وعلية إسم أمه وأيوب هو السختياني وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم وفتح اللام واسمه زهير القرشي وعبد الله هذا تابعي وحديثه مرسل ومخرمة بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة والد المسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وكلاهما صحابي وقد مر حديثهما في كتاب اللباس في باب القباء وفروج حرير
قوله أقبية جمع قباء من ديباج وهو الثوب المتخذ من الإبر يسم وهو فارسي معرب قوله مزررة من التزرير وهو جعلك للثياب أزرارا قوله بالذهب يتعلق بالمزررة قوله فقسمها في ناس أي قسم النبي الأقبية المذكورة بين ناس وكلمة في بمعنى بين كما في قوله تعالى ( 98 ) فادخلي في عبادي ( الفجر29 ) أي بين عبادي قوله واحدا أي ثوبا واحدا من الأقبية لأجل مخرمة وكان غائبا قوله فلما جاء أي مخرمة قال خبأت هذا لك وفي رواية الكشميهني قد خبأت قوله قال أيوب موصول بالسند المذكور وقال هنا بمعنى أشار لأن لفظ القول يطلق ويراد به الفعل أي أشار أيوب إلى ثوبه ليستحضر فعل النبي قائلا إنه أي إن النبي يريه إياه أي يري مخرمة الثوب الذي خباه له يطيب قلبه به لأنه كان في خلقه شيء كما ذكرنا ويروى وأنه يريه إياه بالواو
ورواه حماد بن زيد عن أيوب وقال حاتم بن وردان حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن المسور قدمت على النبي أقبية
أي روى الحديث المذكور حماد بن زيد عن أيوب السختياني ورواه البخاري موصولا في باب قسمة الإمام ما يقدم عليه أخرجه عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة أن النبي أهديت له أقبية الحديث قوله وقال حاتم بالحاء المهملة ابن وردان البصريإلى آخره وقد تقدم في باب قسمة الإمام ما يقدم عليه وهذا تعليق وصورة رواية حماد إرسال ولكن الحديث في الأصل موصول وتعليق حاتم وصله البخاري في الشهادات في باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه عن زياد بن يحيى حدثنا حاتم بن وردان حدثنا أيوب عن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال قدمت على النبي أقبية الديباجالحديث
83 -
( باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )
أي هذا باب في ذكر قول النبي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين غير أن في الحديث من جحر واحد واللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة ما يكون من ذوات السموم واللذع بالذال المعجمة والعين المهملة ما يكون من النار والجحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة
وقال معاوية لا حليم إلا ذو تجربة
معاوية هو ابن أبي سفيان ومناسبة ذكر أثره للحديث الذي هو الترجمة هي أن الحليم الذي ليس له تجربة قد يقع في أمر مرة بعد أخرى فلذلك قيد الحليم بذي التجربة قوله لا حليم إلا ذو تجربة وفي رواية أبي ذر لا حلم بكسر الحاء وسكون اللام إلا بتجربة والحلم عبارة عن التأني في الأمور المقلقة والمعنى أن المرء لا يوصف بالحلم حتى يجرب الأمور وقيل إن من جرب الأمور وعرف عواقبها آثر الحلم وصبر على قليل الأذى ليدفع به ما هو أكثر منه وتعليق معاوية وصله أبو بكر بن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال معاوية لا حلم إلا بالتجارب
6133 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة )

(22/172)


رضي الله عنه عن النبي أنه قال لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين
الحديث هو عين الترجمة وعقيل بضم العين المهملة وفتح القاف ابن خالد عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب وأبو داود في الأدب كلاهما عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن محمد بن الحارث المصري
قوله لا يلدغ على صيغة المجهول والمؤمن مرفوع به على صيغة الخبر وقال الخطابي هذا لفظه خبر ومعناه أمر أي لكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فينخدع مرة بعد أخرى وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر قال وقد روي بكسر الغين في الوصل فيتحقق معنى النهي فيه وقال ابن التين وكذلك قرأنا وقال أبو عبيد معناه لا ينبغي للمؤمن إذا نكث من وجه أن يعود إليه وقيل المراد بالمؤمن في هذا الحديث الكامل الذي قد وقفته معرفته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارا وهذا الكلام مما لم يسبق إليه وأول ما قاله لأبي غرة الجمحي وكان شاعرا فأسر ببدر فشكى عائلة وفقرا فمن عليه النبي وأطلقه بغير فداه فظفر به بأحد فقال من علي وذكر فقره وعياله فقال لا تمسح عارضيك بمكة وتقول سخرت بمحمد مرتين وأمر به فقتل
( باب حق الضيف )
أي هذا باب في بيان إقامة الضيف وسيأتي بيان حقه إن شاء الله تعالى والضيافة من سنن المرسلين وعباد الله الصالحين
6133 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي أنه قال لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين
الحديث هو عين الترجمة وعقيل بضم العين المهملة وفتح القاف ابن خالد عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب وأبو داود في الأدب كلاهما عن قتيبة وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن محمد بن الحارث المصري
قوله لا يلدغ على صيغة المجهول والمؤمن مرفوع به على صيغة الخبر وقال الخطابي هذا لفظه خبر ومعناه أمر أي لكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فينخدع مرة بعد أخرى وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر قال وقد روي بكسر الغين في الوصل فيتحقق معنى النهي فيه وقال ابن التين وكذلك قرأنا وقال أبو عبيد معناه لا ينبغي للمؤمن إذا نكث من وجه أن يعود إليه وقيل المراد بالمؤمن في هذا الحديث الكامل الذي قد وقفته معرفته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارا وهذا الكلام مما لم يسبق إليه وأول ما قاله لأبي غرة الجمحي وكان شاعرا فأسر ببدر فشكى عائلة وفقرا فمن عليه النبي وأطلقه بغير فداه فظفر به بأحد فقال من علي وذكر فقره وعياله فقال لا تمسح عارضيك بمكة وتقول سخرت بمحمد مرتين وأمر به فقتل
( باب حق الضيف )
أي هذا باب في بيان إقامة الضيف وسيأتي بيان حقه إن شاء الله تعالى والضيافة من سنن المرسلين وعباد الله الصالحين
6134 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( حسين ) عن ( يحيى ابن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال ( دخل علي ) رسول الله فقال ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قلت بلى قال فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإنك عسى أن يطول بك عمر وإن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن بكل حسنة عشر أمثالها فذلك الدهر كله قال فشددت علي فقلت فإني أطيق غير ذالك قال فصم من كل جمعة ثلاثة أيام قال فشددت فشدد علي قلت إني أطيق غير ذالك قال فصم صوم نبي الله داود قلت وما صوم نبي الله داود قال نصف الدهر
مطابقته للترجمة في قوله وإن لزورك عليك حقا والزور بفتح الزاي وسكون الواو وبالراء بمعنى الزائر وهو الضيف وحقه يوم وليلة واختلف في وجوبها فأوجبها الليث بن سعد فرضا ليلة واحدة وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما في يده واحتج بحديث عقبة وقالت جماعة من أهل العلم الضيافة من مكارم الأخلاق في باديته وحاضرته وهو قول الشافعي وقال مالك ليس على أهل الحضر ضيافة وقال سحنون إنما الضيافة على أهل القرى وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافرون وحديث عقبة كان في أول الإسلام حين كانت المواساة واجبة فأما إذا أتى الله بالخير والسعة فالضيافة مندوب إليها وقوله جائزته في يوم وليلة دليل على أن الضيافة ليست بفريضة والجائزة في لسان العرب المنحة والعطية وذلك تفضل وليس بواجب وحسين في السند هو المعلم
والحديث قد مضى في كتاب الصوم في باب حق الضيف في الصوم ومضى الكلام فيه مشروحا
قوله دخل علي بتشديد الياء وفاعل دخل هو النبي قوله ألم أخبر بلفظ المجهول قوله أن يطول بك عمر يعني عسى أن تكون طويل العمر فتبقى ضعيف القوى كليل الحواس نهيك النفس فلا تقدر على المداومة عليه وخير الأعمال ما دام وإن قل قوله وإن من حسبك أي من كفايتك ويروى وأن حسبك أي كافيك ويحتمل زيادة من علي رأي الكوفيين قوله الدهر بالرفع والنصب أما الرفع فعلى تقدير هو الدهر كله وأما النصب فعلى تقدير أن تصوم الدهر

(22/173)


( باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله ضيف إبراهيم المكرمين ( الذاريات 24 )
أي هذا باب في بيان مندوبية إكرام الضيف والإكرام مصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل تقديره إكرام الرجل ضيفه وخدمته إياه أي الضيف بنفسه وهذا تخصيص بعد التعميم لأن إكرام الضيف أعم من أن يكون بنفسه أو بأحد من خدمه وفيه زيادة تأكيد لا تخفى قوله ضيف إبراهيم المكرمين ( الذاريات 24 ) إنما ذكر هذا إشارة إلى أن لفظ الضيف يطلق على الواحد والجمع ولهذا وقع المكرمين صفة الضيف وجمع القلة منه أضياف وجمع الكثرة ضيوف وضيفان يقال ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني
قال أبو عبد الله يقال هو زور وهاؤلاء زور وضيف ومعناه أضيافه وزواره لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل ويقال ماء غور وبئر غور وما آن غور ومياه غور ويقال الغور الغائر لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة تزاور تميل من الزور الأزور الأميل
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وقوله هذا إلى قوله ومياه غور إنما ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني فقط قوله يقال هو زور أراد به أن لفظ زور يطلق على الواحد والجمع يقال هو الزور للواحد وهؤلاء القوم زور للجمع والحاصل أن لفظ زور مصدر وضع موضع الإسم كصوم بمعنى الصائم ونوم معنى نائم وقد يكون جمع زائر كركب جمع راكب قوله ومعناه أي معنى هؤلاء زور هؤلاء أضيافه وزواره بضم الزاي وتشديد الواو وهو جمع زائر قوله لأنها مصدر مثل قوم المثلية بينهما في إطلاق زور على زوار كإطلاق لفظ قوم على جماعة وليست المثلية في المصدرية لأن لفظ قوم إسم وليس بمصدر بخلاف لفظ زور فإنه في الأصل مصدر قوله رضا وعدل يعني يقال قوم رضا بمعنى مرضيون وقوم عدل بمعنى عدول وتوصيفه بالمفرد باعتبار اللفظ لأنه مفرد وفي المعنى جمع قوله ويقال ماء غور بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وبالراء ومعناه غائر أي الذاهب إلى أسفل أرضه يقال غار الماء يغور غؤورا وغورا والغور في الأصل مصدر فلذلك يقال ماء غور وما آن ومياه غور قوله ويقال الغور الغائر أي الذاهب بحيث لا تناله الدلاء وهكذا فسره أبو عبيدة قوله كل شيء غرت فيه أي ذهبت فيه يسمى مغارة ويسمى غارا وكهفا وإنما قال فهي بالتأنيث نظرا للمغارة قوله تزاور أشار به إلى قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف وترى الشمسعن كهفهم ( الكهف 17 ) أي تميل وهو من الزور بفتح الواو بمعنى الميل والأزور هو أفعل أخذ منه بمعنى الأميل وتزاور أصله تتزاور فأدغمت إحدى التائين في الزاي
6134 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( حسين ) عن ( يحيى ابن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال ( دخل علي ) رسول الله فقال ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قلت بلى قال فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإنك عسى أن يطول بك عمر وإن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن بكل حسنة عشر أمثالها فذلك الدهر كله قال فشددت علي فقلت فإني أطيق غير ذالك قال فصم من كل جمعة ثلاثة أيام قال فشددت فشدد علي قلت إني أطيق غير ذالك قال فصم صوم نبي الله داود قلت وما صوم نبي الله داود قال نصف الدهر
مطابقته للترجمة في قوله وإن لزورك عليك حقا والزور بفتح الزاي وسكون الواو وبالراء بمعنى الزائر وهو الضيف وحقه يوم وليلة واختلف في وجوبها فأوجبها الليث بن سعد فرضا ليلة واحدة وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما في يده واحتج بحديث عقبة وقالت جماعة من أهل العلم الضيافة من مكارم الأخلاق في باديته وحاضرته وهو قول الشافعي وقال مالك ليس على أهل الحضر ضيافة وقال سحنون إنما الضيافة على أهل القرى وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافرون وحديث عقبة كان في أول الإسلام حين كانت المواساة واجبة فأما إذا أتى الله بالخير والسعة فالضيافة مندوب إليها وقوله جائزته في يوم وليلة دليل على أن الضيافة ليست بفريضة والجائزة في لسان العرب المنحة والعطية وذلك تفضل وليس بواجب وحسين في السند هو المعلم
والحديث قد مضى في كتاب الصوم في باب حق الضيف في الصوم ومضى الكلام فيه مشروحا
قوله دخل علي بتشديد الياء وفاعل دخل هو النبي قوله ألم أخبر بلفظ المجهول قوله أن يطول بك عمر يعني عسى أن تكون طويل العمر فتبقى ضعيف القوى كليل الحواس نهيك النفس فلا تقدر على المداومة عليه وخير الأعمال ما دام وإن قل قوله وإن من حسبك أي من كفايتك ويروى وأن حسبك أي كافيك ويحتمل زيادة من علي رأي الكوفيين قوله الدهر بالرفع والنصب أما الرفع فعلى تقدير هو الدهر كله وأما النصب فعلى تقدير أن تصوم الدهر
( باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله ضيف إبراهيم المكرمين ( الذاريات 24 )
أي هذا باب في بيان مندوبية إكرام الضيف والإكرام مصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل تقديره إكرام الرجل ضيفه وخدمته إياه أي الضيف بنفسه وهذا تخصيص بعد التعميم لأن إكرام الضيف أعم من أن يكون بنفسه أو بأحد من خدمه وفيه زيادة تأكيد لا تخفى قوله ضيف إبراهيم المكرمين ( الذاريات 24 ) إنما ذكر هذا إشارة إلى أن لفظ الضيف يطلق على الواحد والجمع ولهذا وقع المكرمين صفة الضيف وجمع القلة منه أضياف وجمع الكثرة ضيوف وضيفان يقال ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني
قال أبو عبد الله يقال هو زور وهاؤلاء زور وضيف ومعناه أضيافه وزواره لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل ويقال ماء غور وبئر غور وما آن غور ومياه غور ويقال الغور الغائر لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة تزاور تميل من الزور الأزور الأميل
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وقوله هذا إلى قوله ومياه غور إنما ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني فقط قوله يقال هو زور أراد به أن لفظ زور يطلق على الواحد والجمع يقال هو الزور للواحد وهؤلاء القوم زور للجمع والحاصل أن لفظ زور مصدر وضع موضع الإسم كصوم بمعنى الصائم ونوم معنى نائم وقد يكون جمع زائر كركب جمع راكب قوله ومعناه أي معنى هؤلاء زور هؤلاء أضيافه وزواره بضم الزاي وتشديد الواو وهو جمع زائر قوله لأنها مصدر مثل قوم المثلية بينهما في إطلاق زور على زوار كإطلاق لفظ قوم على جماعة وليست المثلية في المصدرية لأن لفظ قوم إسم وليس بمصدر بخلاف لفظ زور فإنه في الأصل مصدر قوله رضا وعدل يعني يقال قوم رضا بمعنى مرضيون وقوم عدل بمعنى عدول وتوصيفه بالمفرد باعتبار اللفظ لأنه مفرد وفي المعنى جمع قوله ويقال ماء غور بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وبالراء ومعناه غائر أي الذاهب إلى أسفل أرضه يقال غار الماء يغور غؤورا وغورا والغور في الأصل مصدر فلذلك يقال ماء غور وما آن ومياه غور قوله ويقال الغور الغائر أي الذاهب بحيث لا تناله الدلاء وهكذا فسره أبو عبيدة قوله كل شيء غرت فيه أي ذهبت فيه يسمى مغارة ويسمى غارا وكهفا وإنما قال فهي بالتأنيث نظرا للمغارة قوله تزاور أشار به إلى قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف وترى الشمسعن كهفهم ( الكهف 17 ) أي تميل وهو من الزور بفتح الواو بمعنى الميل والأزور هو أفعل أخذ منه بمعنى الأميل وتزاور أصله تتزاور فأدغمت إحدى التائين في الزاي
6135 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي شريح الكعبي ) أن رسول الله قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذالك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه
مطابقته للترجمة في قوله فليكرم ضيفه وأبو شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبالحاء المهملة واسمه خويلد بن عمرو وقيل غير ذلك وهو من بني عدي بن عمرو بن لحي أخي كعب بن عمرو فلذلك قيل له الكعبي مات سنة ثمان وستين بالمدينة
والحديث قد مضى في أوائل كتاب الأدب في باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره
قوله جائزته على وزن فاعله من الجواز وهي العطاء لأنه حق جوازه عليهم وقدرها الشارع بيوم وليلة لأن عادة المسافرين ذلك وقال السهيلي روي جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح وبالنصب على بدل الاشتمال أي يكرم جائزته يوما وليلة قوله والضيافة ثلاثة أيام اختلف في أنه هل اليوم والليلة التي هي الجائزة داخلة في الثلاث أم لا وإذا قلنا بدخولها يقدم له في

(22/174)


اليوم الأول ما يقدم عليه من البر والألطاف وفي اليومين الآخرين ما يحضره وإذا قلنا بخروجها فهل هي قبل الثلاثة أو بعدها فقد روى مسلم وأحمد من رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح بلفظ الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة فهذا يدل على المغايرة بين الضيافة والجائزة ويدل على أن الجائزة بعد الضيافة ابن بطال قسم أمر الضيف ثلاثة أقسام يتحفه في اليوم الأول ويتكلف له في اليوم الثاني وفي الثالث يقدم إليه ما يحضره ويخير بعد الثالث كما في الصدقة وقال ابن بطال أيضا سئل عنه مالك فقال يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة فهذا يدل على أن اليوم والليلة قبل الضيافة بثلاثة أيام قوله ولا يحل له أن يثوي عنده من الثوى وهو الإقامة في المكان وفي التوضيح أن يثوي بفتح أوله وكسر الواو وبالفتح في الماضي ثوى إذا قام وأثويت عنده لغة في ثويت أي لا يقيم عنده بعد الثلاث قوله حتى يحرجه من الإحراج ومن التحريج أيضا فعلى الأول بالتخفيف وعلى الثاني بالتشديد أي لا يضيق صدره بالإقامة عنده بعد الثلاثة وفي رواية لمسلم حتى يؤثمه يعني يوقعه في الإثم لأنه قد يغتابه لطول مقامه أو يظن به ظنا سيئا وفي رواية لأحمد عن أبي شريح قيل يا رسول الله وما يؤثمه قال يقيم عنده لا يجد شيئا يقدمه
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك مثله وزاد من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن أسماعيل بن أبي أويس عن مالك مثله يعني بإسناده وزاد فيه من كان يؤمنإلى آخره أي من كان إيمانه إيمانا كاملا فينبغي أن يكون هذا حاله وصفته قوله أو ليصمت ضبطه النووي بضم الميم وقال بعضهم قال الطوفي بكسرها وهو القياس كضرب قلت ما للقياس تعلق هنا وهو كلام واه والأصل في هذا السماع فإن سمع أنه من باب فعل يفعل بالفتح في الماضي والكسر في المضارع فلا كلام أو يكون قد جاء من بابين من باب نصر ينصر ومن باب ضرب يضرب قيل التخيير فيه مشكل لأن المباح إن كان في أحد الشقين لزم أن يكون مأمورا به فيكون واجبا أو منهيا فيكون حراما وأجيب بأن كلا من ليقل وليصمت أمر مطلق بتناول المباح وغيره فيلزم من ذلك أن يكون المباح حسنا لدخوله في الخير وفيه تأمل
6136 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( ابن مهدي ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
مطابقته للترجمة في قوله فليكرم ضيفه وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي يروي عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان الأسدي عن أبي صالح ذكوان الزيات
والحديث قد مضى في باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومضى الكلام فيه
6137 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة بن عامر ) رضي الله عنه أنه قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى فقال لنا رسول الله إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم ( انظر الحديث 2461 )

(22/175)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا لأنه يفهم منه إكرام الضيف
ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب المصري واسم أبي حبيب سويد وأبو الخير مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة ابن عبد الله اليزني
والحديث قد مضى في المظالم في باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه ومضى الكلام فيه
قوله فلا يقروننا بالإدغام والفك قوله فخذوا أي خذوا أخذا قهريا وهذا لا يكون إلا عند الاضطرار وبالثمن حالا أو مؤجلا
6138 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هذا حديث أبي هريرة مضى في هذا الباب وأعاده هنا عن عبد الله بن محمد المسندي عن هشام بن يوسف عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرةإلى آخره وفيه زيادة قوله ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه وصلة الرحم تشريك ذوي القرابات في الخيرات والله أعلم
86 -
( باب صنع الطعام والتكلف للضيف )
أي هذا باب في بيان صنع الطعام لأجل الضيف والتكلف لمن قدر عليه لأجل الضيف لأنه من سنن المرسلين ألا يرى أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه ذبح لضيفه عجلا سمينا فقال أهل التأويل كانوا ثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام فتكلف لهم ذبح عجل وقربه إليهم وقصته مشهورة
6139 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( جعفر بن عون ) حدثنا ( أبوا العميس ) عن ( عون بن أبي جحيفة ) عن أبيه قال آخى النبي بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبوا الدرداء يقوم فقال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان آخر الليل قال سلمان قم الآن قال فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي فذكر ذالك له فقال النبي صدق سلمان
أبو جحيفة وهب السوائي يقال وهب الخير
مطابقته للترجمة في قوله فصنع له طعاما وجعفر بن عون بالنون المخرومي وأبو العميس بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة واسمه عتبة بسكون التاء المثناة من فوق ابن عبد الله المسعودي الكوفي وعون بالنون أيضا ابن أبي جحيفة يروي عن أبي أبي جحيفة مصغر بالجيم والحاء المهملة واسمه وهب ذكره البخاري في آخر الحديث واسم أبي الدرداء عويمر وسلمان هو الفارسي
والحديث قد مضى في كتاب الصوم في باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد والمتن ومضى الكلام فيه
قوله أم الدرداء قالالنووي لأبي الدرداء زوجتان كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء الكبرى صحابية وهي خيرة بفتح الخاء المعجمة

(22/176)


والصغرى تابعية وهي هجيمة مصغر الهجمة بالجيم
قوله متبذلة يعني لابسة ثياب البذلة والخدمة بلا تجمل وتكلف بما يليق بالنساء من الزينة ونحوها قوله أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا عممت بلفظ في الدنيا للاستحياء من أن تصرح بعدم حاجته إلى مباشرتها
وفي الحديث زيارة الصديق ودخول داره في غيبته والإفطار للضيف وكراهية التشدد في العبادة وأن الأفضل التوسط وأن الصلاة آخر الليل أولى ومنقبة لسلمان حيث صدقه رسول الله
قوله وأبو جحيفةإلى آخره لم يثبت في رواية أبي ذر
87 -
( باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف )
أي هذا باب في بيان ما يكره إلى آخره والغضب غليان دم القلب لأجل الانتقام والجزع بفتح الزاي نقيض الصبر
6140 - حدثنا ( عياش بن الوليد ) حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( سعيد الجريري ) عن ( أبي عثمان ) عن عبد الرحمان بن أبي بكر رضي الله عنهما أن ( أبا بكر تضيف رهطا ) فقال لعبد الرحمان دونك أضيافك فإني منطلق إلى النبي فافرغ من قراهم قبل أن أجيء فانطلق عبد الرحمان فأتاهم بما عنده فقال اطعموا فقالوا أين رب منزلنا قال اطعموا قالوا ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا قال اقبلوا عنا قراكم فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه فأبوا فعرفت أنه يجد علي فلما جاء تنحيت عنه فقال ما صنعتم فأخبروه فقال يا عبد الرحمان فسكت ثم قال يا عبد الرحمان فسكت فقال يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت فخرجت فقلت سل أضيافك فقالوا صدق أتانا به قال فإنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة فقال الآخرون والله لا نطعمه حتى تطعمه قال لم أر في الشر كالليلة ويلكم ما أنتم لم لا تقبلوا عنا قراكم هات طعامك فجاءه فوضع يده فقال باسم الله الأولى للشيطان فأكل وأكلوا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إنه يجد علي أي يغضب علي ويجد من الموجدة وهي الغضب ووقع التصريح بالغضب في الطريق الذي بعد هذا
وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد وأبو الوليد الرقام البصري مات سنة ست وعشرين ومائتين وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وسعيد بن إياس الجريري وقال الحافظ الدمياطي مات سنة أربع وأربعين ومائة والجريري قال الكرماني الجريري مصغر الجر بالجيم والراء المشددة قلت هذا وهم عظيم والجرير نسبة إلى جرير بضم الجيم وفتح الراء ابن عباد بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة أخي الحارث ابن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل وأبو عثمان ( عبد الرحمن ) بن مل النهدي بفتح النون
والحديث مضى في باب علامات النبوة فإنه أخرجه هناك بأطول منه عن موسى بن إسماعيل عن معتمر عن أبيه عن أبي عثمان عن عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ومضى الكلام فيه هناك
قوله تضيف أي اتخذ الرهط ضيفا قوله دونك أضيافك أي خذهم والزمهم من قراهم القرى بكسر القاف الضيافة وإضافة القرى إليهم مثل الإضافة في قول الشاعر
( لتغني عني ذا نابك أجمعا )
قوله لنلقين منه أي الأذى وما يكرهنا قوله إنه يجد علي أي يغضب كما ذكرنا قوله تنحيت عنه أي جعلت نفسي في ناحية بعيدة عنه قوله غنثر بضم الغين المعجمة والنون الساكنة وفتح الثاء المثلثة وبالراء ومعناه الجاهل وقيل اللئيم وقيل الثقيل وروى يا عنتر بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وهو الذباب وشبهه حين حقره بالذباب قوله لما جئت بمعنى ألاجئت أي لأطلب منك إلا مجيئك وقال الكرماني ما زائدة قوله كالليلة أي لم أر ليلة في الشر قوله ويلكم لم يكن مقصوده منه الدعاء عليهم قوله ما أنتم كلمة ما استفهامية قوله

(22/177)


الأولى للشيطان أي الحالة الأولى أو الكلمة القسمية وقال ابن بطال الأولى يعني اللقمة الأولى ترغيم للشيطان لأنه هو الذي حمله على الحلف وباللقمة الأولى وقع الحنث فيها وقال وإنما حلف لأنه ترغيم للشيطان وأنه اشتد عليه تأخير عشائهم ثم لما لم يسعه مخالفة أضيافه ترك التمادي في الغضب فأكل معهم استمالة لقلوبهم قال الكرماني كيف جاز مخالفة اليمين ثم أجاب بأنه إتيان بالأفضل كما ورد في الحديث
88 -
( باب قول الضيف لصاحبه والله لا آكل حتى تأكل )
أي هذا باب ما وقع في الحديث من قول الضيفإلى آخره
فيه حديث أبي جحيفة عن النبي
أي في هذا الباب حديث أبي جحيفة عن النبي وهو الحديث الذي قال فيه سلمان لأبي الدرداء ما أنا بآكل حتى يأكل وقد مر عن قريب في باب صنع الطعام والتكلف للضيف ولم تقع هذه الترجمة ولا التعليق المذكور في رواية أبي ذر وإنما ساق هذا الحديث الذي في هذا الباب عقيب الحديث الذي في الباب السابق
89 -
( باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال )
أي هذا باب في بيان إكرام الكبير لما روى الحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا وأخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر وذكر عبد الرزاق أن في الحديث من تعظيم جلال الله أن يوفر ذو الشيبة في الإسلام قوله ويبدأ الأكبر بالكلام لأنه من آداب الإسلام ومحاسن الأخلاق ولكن ليس

(22/178)


هذا على العموم لأنه إنما يبدأ الأكبر به فيما إذا استوى فيه علم الصغير والكبير وإذا علم الصغير ما يجهل الكبير فالصغير يقدم حينئذ ولا يكون هذا سوء أدب ولا نقص في حق الكبير قوله والسؤال أي ويبدأ الأكبر أيضا بالسؤال وهذا أيضا إذا استوى الكبير مع الصغير وإذا كان الصغير أعلم يقدم على الكبير وكان ابن عباس رضي الله عنهما يسأل وهو صبي وهناك مشيخة
6142 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) هو ( ابن زيد ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( بشير ابن يسار ) مولى ( الأنصار ) عن ( رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة أنهما حدثاهأن عبد ) الله بن سهل ومحيصة بن مسعود أتيا خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فجاء عبد الرحمان ابن سهل وحويصة ابنا مسعود إلى النبي فتكلموا في أمر صاحبهم فبدأ عبد الرحمان وكان أصغر القوم فقال النبي كبر الكبر قال يحيى ليلي الكلام الأكبر فتكلموا في أمر صاحبهم فقال النبي أتستحقون قتيلكم أو قال صاحبكم بأيمان خمسين منكم قالوا يا رسول الله أمر لم نره قال فتبرئكم يهود في أيمان خمسين منهم قالوا يا رسول الله قوم كفار فوداهم رسول الله من قبله قال سهل فأدركت ناقة من تلك إلابل فدخلت مربدا لهم فركضتني برجلها
مطابقته للترجمة في قوله كبر الكبر وفي قوله ليلي الكلام الأكبر
ويحيى بن سعيد الأنصاري وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن يسار ضد اليمين ورافع بن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال وبالجيم ابن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأوسي المديني سمع النبي مات سنة ثلاث وقيل أربع وسبعين وكان يوم مات ابن ست وثمانين سنة وسهل بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة واسمه عامر بن ساعدة بن عامر أبو يحيى وقيل أبو محمد الأنصاري الحارثي المديني سمع النبي عندهما ويقال قبض النبي وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه وعبد الله بن سهل الأنصاري أخو عبد الرحمن بن سهل الأنصاري ابني أخي حويصة ومحيصة ابني مسعود بن عامر بن عدي
ومضى الحديث في آخر الجهاد في باب الموادعة والمصالحة مع المشركين فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن بشر بن المفضل عن يحيى عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمةإلى آخره وبينهما تفاوت في الطول والقصر واختلاف بعض الألفاظ
قوله ابنا مسعود بكسر الهمزة تثنية ابن قوله في أمر صاحبهم أي مقتولهم وهو عبد الله قوله كبر الكبر بضم الكاف وسكون الباء الموحدة وهو جمع الأكبر أي قدم الأكبر للتكلم وإنما أمر أن يتكلم الأكبر في السن ليحقق صورة القضية وكيفيتها لا أنه يدعيها إذا حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن قوله قال يحيى هو يحيى بن سعيد الراوي قال في روايته ليلى الكلام الأكبر بالرفع أي ليتولى الأكبر الكلام قوله تستحقون قتيلكمأي دية قتيلكم قوله أو قال صاحبكم شك من الراوي وأراد بالصاحب المقتول قوله بأيمان خمسين منكم بإضافة أيمان إلى خمسين أي بأيمان خمسين رجلا منكم ويروى بأيمان بالتنوين في الموضعين أي خمسين يمينا صادرة منكم وبالرواية الأولى احتجت الحنفية حيث اعتبروا العدد في الرجال قوله أمر لم نره أي لم نشاهده وكيف تحلف عليه قوله فتبرئكم أي فتخلصكم من اليمين واعلم أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي وقال الكرماني الوارث هو الأخ وهو المدعي لا أبناء العم فلم عرض اليمين عليهم وأجاب بأنه كان معلوما عندهم أن اليمين يختص بالوارث فأطلق الخطاب لهم وأراد من يختص به ومن جهة أنها خمسون يمينا وذلك لتعظيم أمر الدماء وبدأ رسول الله صلى الله عليه

(22/179)


وسلم بالمدعين فلما تكلموا رد على المدعى عليه ولما لم يرضوا بأيمانهم من جهة أنهم كفار لا يبالون بذلك عقله من عنده لأنه عاقلة المسلمين وإنما عقله قطعا للنزاع وجبرا لخاطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت قوله فوداهم أي أعطى لهم ديته من قبله بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي من عنده ويحتمل أن يراد به من خالص ماله أو من بيت المال
قوله مربدا لهم المربد بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة أي الموضع الذي يجتمع فيه الإبل قوله فركضتني أي رفستني وأراد بهذا الكلام ضبط الحديث وحفظه حفظا بليغا
وفيه أنه ينبغي للإمام مراعاة المصالح العامة والاهتمام بإصلاح ذات البين وإثبات القسامة وجواز اليمين بالظن وصحة يمين الكافر
قال الليث حدثني يحيى عن بشير عن سهل قال يحيى حسبت أنه قال مع رافع بن خديج
أي قال الليث بن سعد حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بضم الباء الموحدة وهو المذكور عن قريب عن سهل بن أبي حثمةإلى آخره هذا التعليق وصله مسلم والترمذي والنسائي من حديث الليث به
وقال ابن عيينة حدثنا يحيى عن بشير عن سهل وحده
6144 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) حدثني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها فوقع في نفسي إنها النخلة فكرهت أن أتكلم وثم أبو بكر وعمر فلما لم يتكلما قال النبي هي النخلة فلما خرجت مع أبي قلت يا أبتاه وقع في نفسي إنها النخلة قال ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا قال ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت
أي قال سفيان بن عيينة حدثنا يحيى هو ابن سعيد أيضا عن نافع عن عبد الله بن عمرإلى آخره وهذا التعليق وصله مسلم والنسائي من حديث ابن عيينة وقد مر هذا الحديث عن قريب في باب ما لا يستحي من الحق ومضى أيضا في العلم وإيراد هذا هنا لأجل أن فيه توقير الأكابر
قوله ولا تحت ورقها أي لا تسقط قوله فكرهت أي التكلم مع وجود الأكابر
90 -
( باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه )
أي هذا باب في بيان ما يجوز أن ينشد من الشعر وهو كلام موزون مقفى بالقصد والرجز بفتح الراء والجيم وبالزاي وهو نوع من الشعر عند الأكثرين وقيل ليس بشعر لأنه يقال راجز ولا يقال شاعر وسمي به لتقارب أجزائه وقلة حروفه والحداء بضم الحاء وتخفيف الدال المهملتين يمد ويقصر وحكى الأزهري وغيره كسر الحاء أيضا وهو مصدر يقال حدوت الإبل حداء وإحداء مثل دعوت دعاء ويقال للشمال حد ولأنه يحدو السحاب وهو سوق الإبل والغناء لها وغالبا يكون بالرجز وقد يكون بغيره من الشعر وأول من حدا الإبل عبد لمضر بن نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر فضربه مضر على يده فأوجعه فقال يا يدياه وكان حسن الصوت فأسرعت الإبل لما سمعته في السير فكان ذلك مبدأ الحداء أخرجه ابن سعد بسند صحيح عن طاووس مرسلا وأورده البزار موصولا عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله وما يكره منه أي وفي بيان ما يكره إنشاده من الشعر وهو قسيم قوله ما يجوز
وقوله تعالى والشعرآء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم فى كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون ( الشعراء 224227 ) ح

(22/180)


سيقت هذه الآيات الأربعة كلها في رواية كريمة والأصيلي ووقع في رواية أبي ذر بين قوله يهيمون وبين قوله وإنهم يقولون ما لا يفعلون لفظ وقوله وهو حشو بلا فائدة وذكر هذه الآيات مناسب لقوله وما يكره منه لأنها في ذم الشعراء الذين يهجون الناس ويلحقهم الشعراء الذين يمدحون الناس بما ليس فيهم ويبالغون حتى إن بعضهم يخرج عن حد الإسلام ويأتون في أشعارهم من الخرافات والأباطيل قوله تعالى والشعراء جمع شاعر مرفوع على الابتداء وقوله يتبعهم الغاوون خبره وقرىء والشعراء بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وقال أهل التأويل منهم ابن عباس وغيره إنهم شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن ويروون شعرهم لأنه الغاوي لا يتبع إلا غاويا مثله وعن الضحاك تهاجر رجلان على عهد النبي أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين ومع كل واحد منهما غواة من قومه وهما السفهاء فنزلت هذه الآية وقال السهيلي نزلت الآية في الثلاثة وإنما وردت بالإبهام ليدخل معهم من اقتدى بهم وقال الثعلبي أراد بهؤلاء شعراء الكفار عبد الله بن الزبعري وهبيرة ابن أبي وهب ومسافع بن عبد مناف وعمرو بن عبد الله وأمية بن أبي الصلت كانوا يهجون رسول الله فيتبعهم الناس قوله ألم تر أنهم معناه إنك رأيت آثار فعل الله فيهم أنهم في كل واد من أودية الكلام وقيل يأخذون في كل فن من لغو وكذب فيمدحون بباطل ويذمون بباطل يهيمون حائرين وعن طريق الخير والرشد والحق جائرين وقال الكسائي الهائم الذاهب على وجهه وقال أبو عبيدة الهائم المخالف للقصد قوله وأنهم يقولون ما لا يفعلون أي يقولون فعلنا ولم يفعلوا قوله إلا الذين آمنوا استثنى به الشعراء المؤمنين الصالحين الذين لا يتلفظون فيها بذنب وقال أهل التفسير لما نزلت هذه الآية والشعراء يتبعهم الغاوون جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت إلى رسول الله وهم يبكون فقالوا يا رسول الله أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء فقال اقرأوا ما بعدها إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية وعن ابن عباس إلا الذين آمنوا يعني ابن رواحة وحسانا قوله وذكروا الله كثيرا أي في شعرهم وقيل في خلال كلامهم وقيل لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله تعالى قوله وانتصروا من بعده ما ظلموا أي من المشركين لأنهم بدأوا بالهجاء وكذبوا النبي وأخرجوا المسلمين من مكة وقوله وسيعلم الذين ظلموا أي أشركوا وهجوا النبي والمؤمنين قوله أي منقلب ينقبلون أي مرجع يرجعون إليه بعد مماتهم يعني ينقلبون إلى جهنم يخلدون فيها والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه والمرجع العود من حال إلى حال فكل مرجع منقلب وليس كل منقلب مرجعا
وقال ابن عباس في كل واد يهيمون في كل لغو يخوضون
يعني قال ابن عباس في تفسير قوله في كل واد يهيمون في كل لغو يخوضون ووصل هذا التعليق ابن أبي حاتم والطبراني من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله في كل واد قال في كل لغو وفي قوله يهيمون قال يخوضون
168 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله قال إن من الشعر حكمة )
مطابقته للترجمة من حيث أن الشعر فيه حكمة فالحكمة إذا كانت في شعر من الأشعار يجوز إنشاد هذا الشاعر ويجيء الآن أن المراد بالحكمة هو القول الصادق المطابق للواقع وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وفي هذا الإسناد أربعة من التابعين قريشيون مدنيون على نسق واحد وهم من الزهري إلى أبي بن كعب

(22/181)


ولمروان وعبد الرحمن مزية إدراك النبي ولكنهما من حيث الرواية معدودان من التابعين والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه جميعا في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة عن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري به قوله حكمة قد مر تفسيرها الآن وقيل أصل الحكمة المنع والمعنى أن من الشعر كلاما نافعا يمنع من السفه فقال ابن التين مفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك لأن من تبعيضيه وقال ابن بطال ما كان في الشعر والرجز ذكر الله تعالى وتعظيمه ووحدانيته وإيثار طاعته والاستسلام له فهو حسن يرغب فيه وهو المراد في الحديث بأنه حكمة وما كان كذبا وفحشا فهو المذموم وقال الطبري في هذا الحديث رد على كثرة الشعر مطلقا وأخرج الطبري عن جماعة من الصحابة ومن كبار التابعين أنهم قالوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه وروى الترمذي وابن أبي شيبة من حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال كان أصحاب رسول الله يتذاكرون الشعر وحديث الجاهلية عند رسول الله فلا ينهاهم وربما تبسم
6146 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأسود بن قيس ) قال سمعت جندبا يقول بينما النبي يمشي إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه فقال هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ( انظر الحديث 2802 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة
والحديث مضى في الجهاد عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة
قوله بينما النبي يمشي وفي رواية أبي عوانة كان في بعض المشاهد وفي رواية شعبة عن الأسود خرج إلى الصلاة أخرجه الطيالسي وأحمد وفي رواية ابن عيينة عن الأسود عن جندب كنت مع النبي في غار قوله فعثر بفتح العين المهملة والثاء المثلثة أي سقط يقال عثر عثارا من باب طلب قوله فدميت إصبعه بفتح الدال وكسر الميم قال الكرماني أما التاء ففي الرجز مكسورة وفي الحديث ساكنة وقال بعضهم فيه نظر قلت في نظره نظر لأن غيره قال إن النبي تعمد إسكانهما ليخرج القسمين عن الشعر واختلف هل قاله النبي متمثلا أو قاله من قبل نفسه لإنشائه فخرج موزونا وإلى الأول مال الطبري وغيره وبه جزم ابن التين وقال إنهما من شعر عبد الله بن رواحة واختلف أيضا في جواز تمثل النبي بالشعر وإنشاده حاكيا عن غيره فالصحيح جوازه وقال الطبري الصحي في ذلك أنه كان يتمثل أحيانا بالبيت فقال
( هل أنت إلا إصبع )
إلى آخره
وقال أصدق كلمة قالها الشاعر
ألا كل شيء مما خلا الله باطل
على ما يجيء الآن وقالت عائشة رضي الله عنها كان النبي يتمثل من العشر
( ويأتيك بالأخبار من لم تزود )
فإن قلت قد روي عن جبير بن مطعم عن النبي أنه كان إذا افتتح الصلاة يستعيذ من الشيطان من همزة ونفخه ونفثه وفسره عمرو بن مرة راويه قال نفثه الشعر ونفخة الكبر وهمزه الموته أي الجنون وروي عن أبي أمامة الباهلي أنه قال لما نزل إبليس إلى الأرض قال يا رب إجعل لي قرآنا قال الشعر وروي ابن لهيعة عن أبي قبيل المغافري قال سمعت عبد الله ابن عمر يقول من قال ثلاثة أبيات من الشعر من تلقاء نفسه لم يدخل الفردوس وقال ابن مسعود الشعر مزامير الشيطان قلت قال الطبري هذه أخبار واهية
6147 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن مهدي ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الملك ) حدثنا ( أبو سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال النبي أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم ( انظر الحديث 3841 وطرفه )

(22/182)


مطابقته للترجمة من حيث تلفظ النبي بالشعر وشيخ البخاري هو محمد بن بشار بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وفي بعض النسخ صرح باسمه وابن مهدي هو عبد الرحمن وعبد الملك هو ابن عمير الكوفي وأبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف
والحديث قد مضى في أيام الجاهلية عن أبي نعيم
قوله كلمة لبيد بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن ربيعة بفتح الراء العامري الصحابي عاش مائة وأربع وخمسين سنة مات في خلافة عثمان رضي الله عنه وقوله هذا من قصيدة من بحر الطويل ذكرناها بوجوهها في ( شرح الشواهد الأكبر والأصغر ) وأمية بن أبي الصلت الثقفي واسم أبي الصلت ربيعة بن وهب بن علاج بن أبي سلمة من ثقيف قاله الزبير بن بكار وقال الحافظ ابن عساكر إسم أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة أبو عثمان شاعر جاهلي وقيل إنه كان صالحا وقال الواقدي إنه كان تنبأ في الجاهلية في أول زمانه وأنه كان في أول أمره على الإيمان ثم زاغ عنه وهو الذي أراد الله بقوله واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ( الأعراف 175 ) الآية قلت المشهور أن هذه الآية نزلت في بلعم بن باعوراء وفي المرآة وكان شعر أمية ينشد بين يدي النبي ويعجبه وقال هشام كان أمية قد آمن برسول الله وهو بالشام فقدم الحجاز ليأخذ ماله من الطائف ويهاجره فلما نزل ببدر قيل له إلى أين يا أبا عثمان فقال إلى الطائف آخذ مالي وأعود إلى المدينة اتبع محمدا فقيل له هل تدري ما في هذا القليب قال لا قيل فيه شيبة وعتبة ابنا خالك وفيه فلان وفلان ابنا عمك وعدو له أقاربه فجذع أنف ناقته وهلب ذنبها وشق ثيابه وبكى فذهب إلى الطائف ومات بها وذكر في ( المرآة ) وفاته في السنة الثانية من الهجرة
6148 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( حاتم بن إسماعيل ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ابن الأكوع ) قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك قال وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول
( اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا )
( فاغفر فداء لك ما اقتفينا
وثبت الأقدام إن لا فينا )
( وألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا )
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله من هاذا السائق قالوا عامر بن الأكوع فقال يرحمه الله فقال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به قال فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله فتحها عليهم فلما أمسى الناس اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال رسول الله ما هاذه النيران على أي شيء توقدون قالوا على لحم على أي لحم قالوا على لحم حمر إنسية فقال رسول الله أهرقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها قال أو ذاك فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به يهوديا ليضربه ويرجع ذ باب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله شاحبا فقال لي ما لك فقلت فدى لك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال من قاله قلت قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري فقال رسول الله

(22/183)


كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي نشأ بها مثله
مطابقته للترجمة ظاهرة لاشتماله على الشعر والرجوز والحداء وحاتم بن إسماعيل الكوفي سكن المدينة ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع
والحديث مضى في باب غزوة خيبر الحديث الثاني منه أخرجه عن عبد الله بن مسلمة عن حاتم بن إسماعيلإلى آخره وبين المتنين تفاوت بالزيادة والنقصان
قوله خرجنا مع رسول الله وهناك مع النبي قوله ألا تسمعنا من الإسماع قوله من هنيهاتك جمع هنيهة ويروى هنياتك بتشديد الياء آخر الحروف بعد النون قال الكرماني جمع الهنية مصغر الهنة إذا صلها هنو وهي الشيء الصغير المراد بهما الأراجيز وقال الجوهري هن على وزن أخ كلمة كناية ومعناه شيء وأصله هنو وتقول للمرأة هنة وتصغيرها هنية تردها إلى الأصل وتأتي بالهاء وقد تبدل من الياء الثانية هاء فنقول هنيهة وقال ابن الأثير في حديث ابن الأكوع ولا تسمعنا من هناتك أي من كلماتك أو من أراجيزك وفي رواية من هنياتك على التصغير وفي أخرى من هنيهاتك على قلب الياء هاء قوله شاعرا ويروى حداء قوله يحدو أي يسوق قوله اللهم هكذا الرواية قال الكرماني والموزون لا هم وقال ابن التين هذا ليس بشعر ولا رجز لأنه ليس بموزون وقال بعضهم ليس كما قال بل هو رجز موزون وإنما زيد في أوله سبب خفيف ويسمى الخزم بالمعجمتين قوله فداء لك بكسر الفاء وبالمد والتنوين أي لرسولك وقال المازري لا يقال لله تعالى فداء لك لأنه إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله للشخص فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه فهو إما مجاز عن الرضا كأن قال نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت في البين خطابا لسامع الكلام وقال الكرماني ولفظ فدى ممدود ومقصور ومرفوع ومنصوب وقال ابن بطال فدى لك أي من عندك فلا تعاقبني واللام للتبيين نحو لام هيت لك قوله ما اقتفينا أي اتبعنا أمره ومادته قاف وفاء وفي المغازي ما أبقينا من الإبقاء ومادته باء وقاف أي أفدنا من عقابك فداء ما أبقينا من الذنوب أي ما تركناه مكتوبا علينا وروى ما اتقينا من الاتقاء وما اقتنينا من الاقتناء ويروى ما آتينا من الإتيان قوله أبينا من الإباء عن الفرار أو عن الباطل قوله وبالصياح عولوا علينا أي حملوا علينا بالصياح لا بالشجاعة قال الكرماني قد تقدم في الجهاد أنه كان يقولها في حفر الخندق وأنها من أراجيز ابن رواحة ثم أجاب بأنه لا منافاة في وقوع الأمرين ولا محذور أن يحدو الشخص بشعر غيره قوله وجبت أي الشهادة وقال أبو عمر كانوا قد عرفوا أنه إذا استغفر لأحد عند الوقعة وفي المشاهد يستشهد البتة فلما سمع عمر رضي الله عنه ذلك قال يا رسول الله لولا أمتعتنا بعامر أي لو تركته لنا فبارز يومئذ فرجع سيفه على ساقه فقطع كحله فمات منها قوله جمر بضمتين جمع حمار قوله إنسية بكسر الهمزة وسكون النون وبفتحهما وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته قوله أهريقوها ويروى هريقوها أي أريقوها ففي الرواية الأولى الهاء زائدة وفي الثانية منقلبة عن الهمزة قوله أو ذاك أي أهريقوها واغسلوها قوله ويرجع بالرفع قوله ذباب سيفه أي طرفه قوله شاحبا أي متغير اللون يقال شحب يشحب سحوبا فهو شاحب وقال صاحب التوضيح ولا يصح أن يكون بالجيم كما قاله ابن التين وليست هذه اللفظة في رواية المغازي قوله حبط بكسر الباء الموحدة أي بطل عمله قوله وأسيد بضم الهمزة وفتح السين مصغر أسد بن الحضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة قوله إن له لأجرين وهما أجر الجهد في الطاعة وأجر المجاهدة في سبيل الله وقيل أحد الأجرين موته في سبيل الله والآخر لما كان يحدو به القوم من شعره ويدعو الله في ثباتهم عند لقاء عدوهم قوله لجاهد مجاهد كلاهما بلفظ إسم الفاعل الأول من الثلاثي والثاني من المزيد فيه والمعنى لجاهد في الأجر ومجاهد للمبالغة فيه يعني مبالغ في سبيل الله ويروى بلفظ الماضي في الأول وبلفظ جمع المجهدة في الثاني قوله قل عربي نشأ بها قل عربي نشأ في الدنيا بهذه الخصلة والهاء عائدة إلى الحرب أو بلاد العرب أي قليل من العرب نشأ بها

(22/184)


6149 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال أتى النبي على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال ويحك يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير قال أبو قلابة فتكلم النبي بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه قوله سوقك بالقوارير
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه حدو أنجشة بالنساء وإسماعيل هو ابن علية وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي الربيع الزهراني وغيره وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن قتيبة به
قوله أتى النبي على بعض نسائه في رواية حماد بن زيد على ما يأتي عن أيوب أن رسول الله كان في سفر وفي رو اية شعبة عن ثابت عن أنس كان في منزله فحدا الحادي وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق شبة بلفظ وكان معهم سائق وحاد وفي رواية أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه كان أنجشة يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال وفي رواية قتادة عن أنس كان للنبي حاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت وفي رواية وهيب وأنجشة غلام النبي يسوق بهن وفي رواية حميد عن أنس فاشتد بهن في السياقة أخرجها أحمد عن ابن أبي عدي عنه قوله ومعهن أم سليم بضم السين وفتح اللام وهي أم أنس رضي الله عنه وفي رواية وهيب عن أيوب كما سيأتي كانت أم سليم في النقل وفي رواية سليمان التيمي عن أنس كانت أم سليم مع نساء النبي أخرجه مسلم من طريق يزيد بن زريع وحكى عياض أن في رواية السمرقندي في مسلم أم سلمة بدل أم سليم قيل إنه تصحيف لأن الروايات تظاهرت بأنها أم سليم قوله ويحك قد مر غير مرة أن كلمة ويحك كلمة ترحم وتوجع يقال لمن يقع في أمر لا يستحقه وانتصابه على المصدرية وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحا له وويح له قوله يا أنجشة بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة ثم بهاء التأنيث ووقع في رواية وهيب يا أنجش بالترخيم قال البلاذري كان أنجشة حبشيا يكنى أبا مارية وفي التوضيح أنجشة غلام أسود للنبي ذكروه في الصحابة قلت ذكره أبو عمر في الاستيعاب أنجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود بنساء النبي عام حجة الوداع وكان حسن الصوت وكان إذا حدا اعتنقت الإبل فقال يا أنجشة رويدك بالقوارير وأخرج الطبراني من حديث واثلة أنه كان ممن نفاهم النبي من المخنثين قوله رويدك كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية سليمان التيمي رويدا وفي رواية شعبة أرفق ووقع في رواية حميد رويدك أرفق جمع بينهما ووقع في رواية عن حميد كذاك سوقك وهي بمعنى كفاك وقال عياض رويدا منصوب على أنه صفة لمحذوف أي سق سوقا رويدا أو أحد حدوا رويدا أو على المصدر أي أرود رويدا مثل أرفق رفقا أو على الحال أي سر رويدا ورويدك منصوب على الإغراء أو مفعول بفعل مضمر أي إلزم رفقك وقال الراغب رويدا من أرود يرود كأمهل يمهل وزنه ومعناه وهو من الرود بفتح أول وسكون ثانيه وهو الترود في طلب الشيء برفق راد وارتاد والرائد طالب الكلأ ورادت المرأة ترود إذا مشت على هينتها وقال الرامهرمزي رويدا تصغير رود وهو مصدر فعل الرائد وهو المبعوث في طلب الشيء ولم يستعمل في معنى المهلة إلا مصغرا قال وذكر صاحب ( العين ) أنه إذا أريد به معنى الترديد في الوعيد لم ينون قوله سوقك كذا في رواية الأكثرين وفي رواية حميد سيرك وهو بالنصب على نزع الخافض أي أرفق في سوقك وقال القرطبي رويد أي أرفق وسوقك مفعول به ووقع في رواية مسلم سوقا وقيل رويدك إما مصدر والكاف في محل خفض وإما إسم فعل والكاف حرف خطاب وسوقك بالنصب على الوجهين والمراد به حدوك إطلاقا لإسم المسبب على السبب وقال ابن مالك رويدك إسم فعل بمعنى أرود أي أمهل والكاف المتصلة به حرف الخطاب وفتحة داله بنائية ولك أن تجعل

(22/185)


رويدك مصدرا مضافا إلى الكاف ناصبها سوقك وفتحة داله على هذا إعرابية قوله بالقوارير جمع قارورة من الزجاج سميت بها لاستقرار الشراب فيها وفي رواية هشام عن قتادة رويدك سوقك ولا تكسر القوارير وزاد حماد في روايته عن أيوب قال أبو قلابة يعني النساء وفي رواية همام عن قتادة لا تكسر القوارير قال قتادة يعني ضعفة النساء وقال ابن الأثير شبه النساء بالقوارير من الزجاج لأنه يسرع إليها الكسر وكان أنجشة يحدو وينشد القريض والرجز فلم يأمن أن يصيبهن أو يقع في قلوبهن حداؤه فأمره بالكف عن ذلك وفي المثل الغناء رقية الزنا وقيل أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن من شدة الحركة وقال الرامهرمزي كنى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية وقيل سقهن كسوقك القوارير لو كانت محمولة على الإبل وقيل شبههن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء كالقوارير يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر وقال الطيبي هي استعارة لأن المشبه به غير مذكور والقرينة حالية لا مقالية ولفظ الكسر ترشيح لها قوله قال أبو قلابة هو الراوي عن أنس تكلم النبي بكلمة وهي سوق القوارير قوله لو تكلم بها أي بهذه الكلمة بعضكم لعبتموها عليه أي على الذي تكلم بها وقال الكرماني فإن قلت هذه استعارة لطيفة بليغة فلم تعاب قلت لعله نظر إلى أن شرط الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليا بين الأقوام وليس بين القارورة والمرأة وجه الشبه ظاهرا والحق أنه كلام في غاية الحسن والسلام عن العيوب ولا يلزم في الاستعارة أن يكون جلاء الوجه من حيث ذاتهما بل يكفي الجلاء الحاصل من القرائن الجاعلة للوجه جليا ظاهرا كما في المبحث ويحتمل أن يكون قصد أبي قلابة أن هذه الاستعارة تحسن من مثل رسول الله في البلاغة ولو صدرت ممن لا بلاغة له لعبتموها وهذا هو اللائق بمنصب أبي قلابة والله أعلم
91 -
( باب هجاء المشركين )
أي هذا باب في بيان جواز الهجاء للمشركين وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه من حديث أنس رضي الله عنه رفعه جاهدوا المشركين بألسنتكم وروى الطبراني من حديث عمار بن ياسر لما هجانا المشركون قال لنا رسول الله قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه إماء أهل المدينة فلأجل ذلك وضع البخاري هذه الترجمة وأشار بها إلى أن بعض الشعر قد يكون مستحبا والهجاء والهجو بمعنى وهو الذم في الشعر وقال الجوهري الهجاء خلاف المدح وقد هجوته هجوا وهجاء وتهجاء فهو مهجو ولا تقل هجيته
6150 - حدثنا ( محمد ) حدثنا ( عبدة ) أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت استأذن حسان بن ثابت رسول الله في هجاء المشركين فقال رسول الله فكيف بنسبي فقال حسان لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة هو ابن سليمان
والحديث مضى في المغازي عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه مسلم في الفضائل عن عثمان أيضا
قوله فكيف بنسبي أي كيف تهجوهم ونسبي المهذب الشريف فيهم فربما يصيبني من الهجو نصيب قوله لأسلنك أي لا تلطفن في تخليص نسبك من هجوهم بحيث لا يبقى جزء من نسبك فيما ناله الهجو كالشعرة إذا انسلت من العجين لا يبقى شيء منه عليها
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال ذهبت أسب حسان عند عائشة فقالت لا تسبه فإنه كان ينافح عن رسول الله
هذا موصول بالسند المذكور قوله ذهبت أسب حسان لأنه كان موافقا لأهل الإفك قوله ينافح بالحاء المهملة أي يدافع عنه ويخاصم عنه والمنافح المدافع يقال نافحت عن فلان أي دافعت عنه

(22/186)


6151 - حدثنا ( أصبغ ) قال أخبرني ( عبد الله بن وهب ) قال أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) أن ( الهيثم بن أبي سنان ) أخبره أنه سمع ( أبا هريرة في قصصه يذكر ) النبي يقول إن أخا لكم لا يقول الرفث يعني بذاك ابن رواحة قال
( وفينا رسول الله يتلوا كتابه
إذا انشق معروف من الفجر ساطع )
( أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقنات أن ما قال واقع )
( يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا استثقلت بالكافرين المضاجع )
( انظر الحديث 1155 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله
إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
فإن هذا ذم لهم وهو عين الهجو وإصبغ بالغين المعجمة ابن الفرج أبو عبد الله المصري وهو من أفراده والهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى
والحديث مضى في التهجد في باب فضل من تعار من الليل فصلى فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهابالخ
قوله في قصصه بفتح القاف وكسرها فبالفتح الإسم وبالكسر جمع قصة والقص في الأصل البيان قوله الرفث أي الفحش قوله ابن رواحة هو عبد الله بن رواحة والأبيات المذكورة من البحر الطويل والساطع المرتفع والعمى الضلال قوله بالكافرين في رواية الكشميهني بالمشركين قوله استثقلت من الثقل بالثاء المثلثة والقاف وفي البيت الأول إشارة إلى علم رسول الله وفي الثالث إلى عمله فهو كامل علما وعملا وفي الثاني إلى تكميل الغير فهو كامل مكمل
تابعه عقيل عن الزهري
أي تابع يونس عقيل بضم العين ابن خالد في روايته الحديث المذكور عن محمد بن مسلم الزهري وقد مر بيان متابعته في التهجد في الباب المذكور هناك
وقال الزبيدي عن الزهري عن سعيد والأعرج عن أبي هريرة
الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة هو محمد بن الوليد الشامي صاحب الزهري وسعيد هو ابن المسيب والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وهذا أيضا قد مر في التهجد في الباب المذكور
175 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح وحدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة فيقول يا أبا هريرة نشدتك بالله هل سمعت رسول الله يقول يا حسان أجب عن رسول الله اللهم أيده بروح القدس قال أبو هريرة نعم )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أجب عن رسول الله وأخرجه من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري والآخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق واسمه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه التيمي القرشي المدني عن ابن شهاب إلى آخره والحديث قد مضى في الصلاة في باب الشعر في المسجد قوله نشدتك بالله أي أقسمت عليك بالله وسألتك به قوله أجب أي دافعا عنه قوله أيده من التأييد وهو التقوية قوله بروح القدس بضم الدال وسكونها هو جبريل عليه السلام

(22/187)


6153 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( البراء ) رضي الله عنه أن النبي قال ل ( حسان ) أهجهم أو قال هاجهم وجبريل معك
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في بدء الخلق عن حفص بن عمر وفي المغازي عن حجاج بن منهال ومضى الكلام فيه
قوله أوهاجهم شك من الراوي قوله وجبريل معك أي بالتأييد والمعاونة وقال ابن بطال هجو الكفار من أفضل الأعمال وكفى بقوله أللهم أيده فضلا وشرفا للعمل والعامل به وهذا إذا كان جوابا عن سبهم للمسلمين بقرينة ما قال أجب
92 -
( باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن )
أي هذا باب في بيان كراهة كون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده أي يمنعه عن ذكر الله ومذاكرة العلم وقراءة القرآن وقال الكرماني الغالب بالرفع والنصب قلت أما الرفع فعلى أن يكون إسم كان وخبره قوله الشعر وأما النصب فعلى العكس وهو أن يكون الشعر هو اسمه والغالب خبره
6154 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) أخبرنا ( حنظلة ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلىء شعرا
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه لأن امتلاء الجوف بالشعر كناية عن كثرة الاشتغال به حتى يكون وقته مستغرقا به فلا يتفرغ لذكر الله عز و جل ولا لقراءة القرآن وتحصيل العلم وهذا هو المذموم وفيه إشارة إلى أن ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم إذا كانت غالبة عليه فلا يدخل تحت هذا الذم
وعبيد الله بن موسى هو أبو محمد العبسي الكوفي وحنظلة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة وباللام ابن أبي سفيان الجمحي القرشي من أهل مكة واسم أبي سفيان الأسود وسالم هو ابن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه
والحديث أخرجه الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب قال سمعت حنظلة قال سمعت سالم بن عبد الله يقول سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن رسول الله مثله وهذا السند أقوى من سند البخاري على ما لا يخفى ويونس هو ابن عبد الأعلى الصدفي المصري شيخ مسلم والنسائي وابن ماجه
قوله لأن يمتلىء اللام فيه للتأكيد وأن مصدرية وهو في محل الرفع على الابتداء وخبره هو قوله خير له قوله قيحا نصب على التمييز وهو الصديد الذي يسيل من الدمل والجرح ويقال هو المدة التي لا يخالطها الدم وروى الطحاوي أيضا بإسناده عن عمرو بن حريث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله قال لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء مشعرا وأخرجه البزار ثم قال وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن إسماعيل عن عمرو بن حريث عن عمر رضي الله عنه موقوفا ولا نعلم أحدا أسنده إلا خلاد عن سفيان وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا موقوفا وأخرج الطحاوي أيضا بإسناده من حديث محمد بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء مشعرا وأخرجه مسلم أيضا وروى الطحاوي أيضا عن أبي هريرة على ما نذكره عن قريب وروى أيضا من حديث عوف بن مالك قال سمعت رسول الله يقول لأن يمتلىء جوف أحدكم من عانته إلى لهاته قيحا يتخضخض خير له من أن يمتلىء شعرا ولما أخرج الترمذي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال وفي الباب عن أبي سعيد وأبي الدرداء قلت حديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم قال بينما نحن نسير مع رسول الله بالعرج إذ عرض علينا شاعر ينشد فقال رسول الله احذروا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلىء جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلىء مشعرا وحديث أبي الدرداء أخرجه الطبراني من حديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء قال

(22/188)


قال رسول الله لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا ولما أخرج الطحاوي الأحاديث المذكورة قال فكره قوم رواية الشعر واحتجوا بهذه الآثار قلت أراد بالقوم هؤلاء مسروقا وإبراهيم النخعي وسالم بن عبد الله والحسن البصري وعمرو بن شعيب فإنهم قالوا يكره رواية الشعر وإنشاده واحتجوا في ذلك بهذه الأحاديث المذكورة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس برواية الشعر الذي لا قذع فيه قلت أراد بالآخرين الشعبي وعامر بن سعد ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب والقاسم والقوري والأوزاعي وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد وأبا يوسف ومحمدا وإسحاق بن راهويه وأبا ثور وأبا عبيد فأنهم قالوا لا بأس برواية الشعر الذي ليس فيه هجاء ولا نكت عرض أحد من المسلمين ولا فحش وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب والبراء بن عازب وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس وعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان وعمران بن الحصين والأسود بن سريع وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين قوله لا قذع فيه بفتح القاف وسكون الذال المعجمة وبعين مهملة وهو الفحش والخنى ثم أجاب الطحاوي عن الأحاديث المذكورة بما ملخصه قيل لعائشة إن أبا هريرة يقول لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء مشعرا فقالت عائشة يرجم الله أبا هريرة حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره إن المشركين كانوا يهجون رسول الله فقال لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا من مهاجاة رسول الله وقوله جوف أحدكم ظاهره الجوف مطلقا بما فيه من القلب وغيره ويحتمل أن يراد القلب خاصة وهذا هو الأظهر لأن القلب إذا وصل إليه شيء منه وإن كان يسيرا فإنه يموت لا محالة بخلاف غير القلب وقوله شعرا ظاهره العموم لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا لرسول الله وما يشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه
6155 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال سمعت ( أبا صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لأن يمتلىء جوف رجل قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق للترجمة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات عن أبي هريرة
والحديث أخرجه مسلم في آخر الطب وابن ماجه في الأدب جميعا عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله حتى يريه زاد هذه اللفظة أبو ذر في روايته عن الكشميهني وكذا في رواية النسفي ونسبه بعضهم إلى الأصيلي أيضا ورواه الطحاوي من حديث عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة بدون هذه اللفظة ثم رواه من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي وزاد حتى يريه ولسائر رواة الصحيح قيحا يريه بإسقاط حق وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو عوانة وابن حبان من طرق عن الأعمش في أكثرها حتى يريه وقال ابن الجوزي وقع في حديث سعد عند مسلم حتى يريه وفي حديث أبي هريرة عند البخاري بإسقاط حتى فعلى ثبوتها يقرأ يريه بالنصب وعلى حذفها بالرفع ويريه بفتح الياء آخر الحروف وكسر الراء من الوري وهو الداء يقال ورى يري فهو موري إذا أصاب جوفه الداء وقال الأزهري الوري مثل الرمي داء بداخل الجوف يقال رجل موري بغير همز وقال الفراء هو الوري بفتح الراء وقال ثعلب هو بالسكون مصدر وبالفتح إسم وقال الجوهري ورى القيح جوفه يريه وريا أكله وقال قوم حتى يصيب رئته وأنكره غيرهم لأن الرئة مهموزة وإذا بنيت فعلا قلت رأه يرآه وقال الأزهري إن الرئة أصلها من ورى وهي محذوفة منه تقول وريت الرجل فهو موري إذا أصبت رئته والمشهور في الرئة الهمز

(22/189)


93 -
( باب قول النبي تربت يمينك وعقرى حلقى )
أي هذا باب في ذكر قول النبي تربت يمينك قال ابن السكيت أصل تربت افتقرت ولكنها كلمة تقال ولا يراد بها الدعاء وإنما يراد التحريض على الفعل وإنه إن خالف أساء وقال النحاس معناه إن لم تفعل لم يحصل في يديك إلا التراب وقال ابن كيسان هو مثل جرى على أنه إن فانك ما أمرتك به افتقرت إليه فكأنه قال افتقرت إن فاتك فاختصر وقال الداودي معناه افتقرت من العلم وقيل هي كلمة تستعمل في المدح عند المبالغة كما قالوا للشاعر قاتله الله لقد أجاد وقال ابن الأثير ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب إذا استغنى وقيل معناه لله درك قوله وعقرى حلقى أي عقرها الله وحلقها يعني أصابها وجع في حلقها خاصة وهكذا يرويه المحدثون غير منون بوزن غضبي حيث هو جاء على المؤنث والمعروف في اللغة التنوين على أنه مصدر فعل متروك اللفظ تقديره عيرها الله عقرا وحلقها حلقا ويقال للأمر الذي يتعجب منه عقرا حلقا ويقال أيضا للمرأة إذا كانت مؤذية مشؤمة وقال الكرماني وعقرى أي عقر الله جسدها وحلقى أصابها وجع في حلقها وربما قالوا عقرى حلقى بلا تنوين فهو نعت وقيل مصدر كدعوى وقيل جمع عقير وحليق وقال الأصمعي يقال لما يتعجب منه ذلك
6156 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) قالت إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما نزل الحجاب فقلت والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولاكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولاكن أرضعتني امرأته قال ائذني له فإنه عمك تربت يمينك
قال عروة فبذالك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب
مطابقته الجزء الأول للترجمة وهو قوله تربت يمينك
قوله إن أفلح على وزن أفعل من الفلاح قال أبو عمر أفلح ابن أبي القعيس ويقال أخو أبي القعيس والأصح ما قاله مالك ومن تابعه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة جاء أفلح أخو أبي القعيس هكذا أيضا رواية البخاري كما ترى ورواية مالك مضت في كتاب النكاح في باب لبن الفحل وأبو القعيس بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة وقال أبو عمر قد قيل إن اسمه الجعد قوله استأذن علي بفتح الياء المشددة قوله فإنه عمك أي أفلح عمك أي من الرضاع
وفيه تحريم لبن الفحل وهو قول أكثر العلماء وقد مرت بقية الكلام في كتاب النكاح في الباب المذكور
6157 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( الحكم ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت أراد النبي أن ينفر فرأى صفية على باب خبائها كئيبة حزينة لأنها حاضت فقال عقرى حلقى لغة قريش إنك لحابستنا ثم قال كنت أفضت يوم النحر يعني الطواف قالت نعم قال فانفري إذا
مطابقة الجزء الثاني للترجمة ظاهرة وآدم بن أبي إياس والحكم بفتحتين ابن عتيبة تصغير عتبة الدار وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد النخعي الكوفي
والحديث قد مضى في الحج في باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت ومضى الكلام فيه
قوله أن ينفر أي يرجع من الحج قوله خبائها بكسر الخاء المعجمة وبالمد الخيمة قوله كئيبة من الكآبة وهي سوء الحال

(22/190)


والانكسار من الحزن قوله لغة قريش بالإضافة أي هذه اللفظة أعني عقرى حلقى لغة قريش يطلقونها ولا يريدون حقيقتها ويروى لغة لقريش أي لغة كائنة لقريش قوله يعني الطواف أراد به طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة وطواف الركن قوله فانفري أي فارجعي إذا بالتنوين أي حينئذ لأن حجها قد تم ولا يجب عليها الوقوف لطواف الوداع لأنه ليس بفرض والله أعلم
94 -
( باب ما جاء في زعموا )
أي هذا باب في بيان ما جاء في قول زعموا والأصل في زعم أنه يقال في الأمر الذي لا يوقف على حقيقته وقال ابن بطال يقال زعم إذا ذكر خبرا لا يدري أحق هو أم باطل وقد روى في الحديث زعموا في الأمر بئس الرجل ومعناه أن من أكثر الحديث بما لا يعلم صدقه لم يؤمن عليه الكذب وقال ابن الأثير وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا يثبت فيه وإنما يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ وقال غيره كثر استعمال الزعم بمعنى القول وقد أكثر سيبويه في كتابه في أشياء يرتضيها زعم الخليل وقال ابن الأثير والزعم بالضم والفتح قريب من الظن
6158 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي النضر ) مولى ( عمر بن عبيد الله ) أن ( أبا مرة ) مولى أم ( هانىء بنت أبي طالب ) أخبره أنه سمع أم ( هانىء بنت أبي طالب تقول ) ذهبت إلى رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال من هاذه فقلت أنا أم هانىء بنت أبي طالب فقال مرحبا بأم هانىء فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء قالت أم هانىء وذاك ضحى
مطابقته للترجمة في قوله زعم ابن أمي وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني وأبو مرة بضم الميم وتشديد الراء مولى أم هانىء بكسر النون وقيل بالهمز واسمها فاختة بالفاء والخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق بنت أبي طالب
والحديث قد مضى في أول كتاب الصلاة في باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالكإلى آخره ومضى أيضا في كتاب التهجد في باب صلاة الضحى في السفر ومضى الكلام فيه في كتاب الصلاة
قوله مرحبا أي لقيت رحبا وسعة وقيل معناه رحب الله بك مرحبا فجعل المرحب موضع الترحيب قوله ثماني بكسر النون وفتح الياء قال الكرماني بفتح النون والأول أصح قوله فلما انصرف أي من صلاته قوله زعم أي قال ابن أمي وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا إن زعم قد تستعمل في القول المحقق قوله قاتل إسم فاعل بمعنى الاستقبال قوله أجرته بقصر الهمزة أي أمنته وجعلته في أمن قوله فلان بن هبيرة أي ذلك الرجل هو فلان بن هبيرة قيل اسمه الحارث بن هشام المخزومي قوله وذاك ويروى وذلك ضحى بضم الضاد وتنوين الحاء واعلم أن معنى الضحاء بالفتح والضحوة والضحى أما الضحى فهو إذا علت الشمس إلى ربع السماء فما بعده وأما الضحوة فهو ارتفاع أول النهار وأما الضحى فما فوقه
95 -
( باب ما جاء في قول الرجل ويلك )
أي هذا باب في بيان قول الرجل لآخر ويلك قال سيبويه ويلك كلمة يقال لمن وقع في هلكة وويحك ترحم وكذا قال الأصمعي وزاد وويس بغير هاء أي إنها دونها وقيل هما بمعنى وقيل ويل تحسر وويح ترحم وويس استصغار وعن الترمذي أن ويلا وويحا بمعنى واحد وقال أكثر أهل اللغة إن لفظ ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة

(22/191)


6159 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن النبي ( رأى ) رجلا ( يسوق بدنة ) فقال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال إركبها ويلك ( انظر الحديث 1690 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله اركبها ويلك وهمام بتشديد الميم الأولى ابن يحيى الشيباني البصري
والحديث مضى في الحج في باب ركوب البدن ومضى الكلام فيه والبدنة ناقة تنحر بمكة يعني أنها هدي يساق إلى الحرم
6161 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماأ ) عن ( ثابت البناني ) عن ( أنس بن مالك )
ح ( وأيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس بن مالك ) قال كان رسول الله في سفر وكان معه غلام له أسود يقال له أنجشة يحدوا فقال له رسول الله ويلك يا أنجشة رويدك بالقوارير
مطابقته للترجمة في قوله ويلك يا أنجشة ويروى ويحك يا أنجشة فلا مطابقة على هذه الرواية وأخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن مسدد عن حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس والآخر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد الله بن زيد عن أنس رضي الله عنه وقد تقدم عن قريب في آخر باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء فإنهأخرجه هناك عن مسدد عن إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وتقدم الكلام فيه مبسوطا
وكلمة ح بين قوله عن أنس بن مالك وبين قوله أيوب إشارة إلى التحويل أو الحديث أوضح قوله وأيوب هو شيخ حماد أي قال حماد عن أيوب السختياني وأيوب لا ينصرف وحالة الجر فيه تتبع النصب تقديره حدثنا حماد عن أيوب
6162 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) عن ( خالد ) عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه قال أثنى رجل على رجل عند النبي فقال ويلك قطعت عنق أخيك ثلاثا من كان منكم مادحا لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا إن كان يعلم ( انظر الحديث 2662 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله ويلك قطعت عنق أخيك ووهيب مصغر وهب بن خالد البصري وخالد هو ابن مهران الحذاء و ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) يروي عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي
والحديث مضى في الشهادات عن محمد بن سلام ومضى أيضا عن قريب في باب ما يكره من التمادح فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن خالد عن عبد الرحمنإلى آخره
قوله قطعت عنق أخيك وهناك عنق صاحبك وقطع العنق مجاز عن القتل فهما مشتركان في الهلاك وإن كان هذا دينيا وذاك دنيويا قوله لا محالة بفتح الميم أي لا بد قوله حسيبه أي محاسبه على عمله قوله ولا أزكي أي لا أشهد على الله بالجزم أنه عند الله كذا وكذا لأني لا أعرف باطنه أي لا أقطع به لأن عاقبة أمره لا يعلمها إلا الله وهاتان الجملتان معترضتان قوله إن كان يعلم متعلق بقوله فليقل

(22/192)


6163 - حدثني عبد الرحمان بن إبراهيم حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك عن أبي سعيد الخدري قال بينا النبي يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم يا رسول الله اعدل قال ويلك من يعدل إذا لم أعدل فقال عمر ائذن لي فلأضرب عنقه قال لا إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كمروق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء سبق الفرث والدم يخرجون على خير فرقة من الناس آيتهم رجل إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر
قال أبو سعيد أشهد لسمعته من النبي وأشهد أني كنت مع علي حين قاتلهم فالتمس في القتلى فأتي به على النعت الذي نعت النبي
مطابقته للترجمة في قوله قال ويلك من يعدل و ( عبد الرحمن بن إبراهيم ) أبو سعيد المعروف بدحيم اليتيم الدمشقي و ( الوليد ) هو ابن مسلم أبو العباس الدمشقي و ( الأوزاعي ) هو عبد الرحمن بن عمرو و ( الزهري ) هو محمد بن مسلم وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والضحاك بتشديد الحاء ابن شراحبيل وقيل شرحبيل المشرقي بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وبالقاف منسوب إلى بطن من همدان وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه
والحديث مضى في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن ( أبي سعيد الخدري ) ومضى الكلام فيه هناك
قوله يقسم كانت القسمة في ذهيبة بعثها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله قوله الخويصرة تصغير الخاصرة بالخاء المعجمة والصاد المهملة والراء وسبق ذكر صفته من أنه غائر العينين مشرف الوجنتين كث اللحية محلوق الرأس في كتاب الأنبياء في باب هود قوله قال عمر إئذن لي فلأضرب عنقه قد ذكر هناك قال أبو سعيد أحسب الرجل الذي سأل قتله خالد بن الوليد رضي الله عنه الجواب أنه هناك لم يقطع بأنه خالد بن الوليد بل قال على سبيل الحسبان مع احتمال أن كلا منهما قصد ذلك وقوله فلأضرب بالنصب والجزم ويروى فأضرب بالنصب فقط والفاء فيه زائدة قاله الأخفش أو هي فاء السبية التي ينصب بعدها الفعل المضارع واللام بالكسرى بمعنى كي وجاز اجتماعهما لأنهما لأمر واحد وهو الجزائية لكونهما جوابا للأمر قوله يمرقون أي يخرجون قوله من الرمية بفتح الراء فعيلة من الرمي للمفعول وهو المرمي كالصيد قوله إلى نصله هو حد يد السهم قوله رصافة جمع الرصفة بالراء والصاد المهملة والفاء وهي عصبة تلوى فوق مدخل النصل قوله فلا يوجد فيه شيء أي من أثر النفوذ في الصيد من الدم ونحوه قوله نضيه بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف وهو القدح أي عود السهم وقيل هو ما بين النصل والريش قوله إلى قذذة جمع القذة بضم القاف وتشديد الذال المعجمة وهو ريش السهم قوله سبق الفرث والدم بحيث لم يتعلق به شيء منهما ولم يظهر أثرهما فيه والفرث ما يجتمع في الكرش وقيل إنما يقال فرث ما دام في الكرش قاله الجوهري والقزاز وهذا تشبيه أي طاعاتهم لا يحصل لهم منها ثواب لأنهم مرقوا من الدين بحسب اعتقاداتهم وقيل المراد من الدين طاعة الإمام وهم الخوارج قوله يخرجون على خير فرقة أي أفضل طائفة وهذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره يخرجون على حين فرقة بالحاء المهملة والنون أي على زمان افتراق الأمة قوله آيتهم أي غلامتهم قوله إحدى يديه مثنى اليد ويروى ثدييه بالثاء المثلثة تثنية ثدي قوله البضعة بفتح الباء الموحدة القطعة من اللحم قوله تدردر بالدالين المهملتين وتكرار الراء أي تضطرب وتتحرك وأصله تتدردر بالتاءين فحذفت إحداهما للتخفيف وهذا الشخص إما

(22/193)


أميرهم وإما رجل منهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو قاتلهم بالنهروان بقرب المدائن قوله فالتمس على صيغة المجهول
وفيه معجزة للنبي ومنقبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
6164 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( ابن شهاب ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رجلا ( أتى ) رسول الله فقال يا رسول الله هلكت قال ويحك قال وقعت على أهلي في رمضان قال أعتق رقبة قال ما أجدها قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال فأطعم مسكينا قال ما أجد فأتى بعرق فقال خذه فتصدق به فقال يا رسول الله أعلى غير أهلي فوالذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة أحوج مني فضحك النبي حتى بدت أنيابه قال خذه ثم قال أطعمه أهلك
مطابقته للترجمة في قوله عن الزهري ويلك على ما يأتي الآن وعبد الله هو ابن المبارك
والحديث مضى في كتاب الصيام في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء وفي الباب الذي يليه أيضا وفي الباب الذي قبله عن عائشة رضي الله عنها ومضى عن قريب أيضا في باب التبسم والضحك وتكرر الكلام فيه ونذكر هنا بعض شيء
فقوله قال ويحك أي ويحك ماذا فعلت قال وقعت على أهلي أي جامعتها قوله فأتى على صيغة المجهول أي أتى النبي بعرق بفتح العين المهملة والراء وهو زنبيل منسوج من نسائج الخوص وكل شيء مضفور فهو عرف وعرقة بفتح الراء فيهما قوله طنبى المدينة الطنب بضم الطاء المهملة وسكون النون الناحية وأرادنا حيتي المدينة وقال ابن التين ضبط في رواية الشيخ أبي الحسن بفتحتين وفي رواية أبي ذر بضمتين والأصل ضم النون وتسكن تخفيفا وأصل الطنب حبل الخباء والجمع الأطناب قال الكرماني شبه المدينة بفسطاط مضروب وحرتاها بالطنبين أراد ما بين لابتيها أحوج منه ويروى أفقر مني وهي رواية الكشميهني قوله فضحك النبي حتى بدت أنيابه وقد تقدم قريبا في باب التبسم أنه ضحك حتى بدت نواجذه والأنياب في وسط الأسنان والنواجذ في آخرها والجواب بأنه لا منافاة بينهما وأيضا قد يطلق كل منهما على الآخر قوله قال خذه ثم قال أطعمه أهلك في رواية الكشميهني
تابعه يونس عن الزهري
أي تابع الأوزاعي يونس بن يزيد في روايته عن الزهري وقد وصل البيهقي هذه المتابعة من طريق عتبة بن خالد عن الزهري بتمامه فقال في روايته ويحك وما ذاك
وقال عبد الرحمان بن خالد عن الزهري ويلك
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي وكان أمير مصر لهشام بن عبد الملك قال ابن يونس مات في سنة سبع وعشرين ومائة يعني قال عبد الرحمن هذا ويلك بدل ويحك وهذا التعليق وصله الطحاوي من طريق الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب الزهري بسنده المذكور فيه فقال مالك ويلك قال وقعت على أهليالحديث
6165 - حدثنا ( سليمان بن عبد الرحمان ) حدثنا ( الوليد ) حدثنا ( أبوا عمرو الأوزاعي ) قال حدثني ( ابن شهاب الزهري ) عن ( عطاء بن يزيد الليثي ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أن ( أعرابيا ) قال يا رسول الله أخبرني عن الهجرة فقال ويحك إن شأن الهجرة شديدة فهل لك من إبل قال نعم قال فهل تؤدي صدقتها قال نعم قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا

(22/194)


لا تتوجه المطابقة بين هذا الحديث والترجمة إلا على قول من يقول إن لفظ ويل وويح كلاهما بمعنى واحد كما ذكرناه عن قريب
والوليد هو ابن مسلم الدمشقي وأبو عمرو وهو عبد الرحمن الأوزاعي
والحديث مضى في الهجرة عن علي بن عبد الله وعن محمد بن يوسفإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله أخبرني عن الهجرة وهي ترك الوطن إلى المدينة قوله ويحك إن شاء الهجرة شديد قيل كان هذا قبل الفتح فيمن أسلم من غير أهل مكة كأنه يحذره شدة الهجرة ومفارقة الأهل والوطن وكانت هجرته وصوله إلى رسول الله قوله فهل لك من إبل قال نعم قال فهل تؤدي صدقتها أي زكاتها ولم يسأل عن غيرها من الأعمال الواجبة عليه لأن حرص النفوس على المال أشد من حرصها على الأعمال البدنية قوله فاعمل من وراء البحار بالباء الموحدة والحاء المهملة وهو جمع بحرة وهي القرية سميت بحرة لاتساعها والمعني فاعمل من وراء القرى فإن الله لن يترك ووقع في رواية الكشميهني بالتاء المثناة من فوق وبالجيم وهو تصحيف قوله لن يترك أي ينقصك قال الله تعالى ولن يتركم أعمالكم ( محمد 35 ) ومادته من وتر يترترة إذا نقصه واصل يتر يوتر حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ويروى لن يترك من الترك والكاف أصلية وحاصل المعنى أن القيام بحق الهجرة شديد فاعمل الخير حيث ما كنت لأنك إذا أديت فرض الله فلا تبال أن نقيم في بيتك وإن كان أبعد البعيد من المدينة فإن الله لا يضيع أجر عملك
6166 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) حدثنا ( خالد بن الحارث ) حدثنا ( شعبة ) عن ( واقد بن محمد بن زيد ) قال سمعت أبي عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال ويلكم أو ويحكم قال شعبة شك هو لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقال النضر عن شعبة ويحكم وقال عمر بن محمد عن أبيه ويلكم أو ويحكم
بقته للترجمة في قوله ويلكم وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وخالد بن الحارث الهجيمي وواقد بالقاف ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والنضر بسكون الضاد المعجمة ابن سهيل وعمر بن محمد أخو واقد
وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع في أواخر المغازي في باب حجة الوداع أخرجه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن عمر بن محمد أن أباه حدثه عن ابن عمرإلى آخره مطولا وأخرجه أيضا مطولا في باب قوله تعالى ( 94 ) يا أيها الذينمن قوم ( الحجرات 11 ) وأخرجه أيضا في الديات عن أبي الوليد وفي الفتن عن حجاج بن منهال وفي الحدود عن محمد بن عبد الله
قوله أو ويحكم شك من الراوي قوله قال شعبة شك هو يعني شيخه واقد بن محمد قوله لا ترجعوا بعدي كفارا يعني بتكفير الناس كفعل الخوارج إذا استعرضوا الناس وقيل هم أهل الردة قتلهم الصديق رضي الله عنه وقيل الخوارج يكفرون بالزنا والقتل ونحوهما من الكبائر وقيل أراد إذا فعله كل واحد مستحلا لقتل صاحبه فهو كافر قوله وقال النضر عن شعبة يعني بهذا السند ويحكم لم يشك قوله وقال عمر بن محمد هو أخو واقد المذكور عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده ابن عمر ويلكم أو ويحكم يعني مثل ما قال أخوه واقد فدل على أن الشك من محمد بن زيدبن عبد الله بن عمر أو ممن فوقه
6167 - حدثنا ( عمرو بن عاصم ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) أن ( رخلا من أهل البادية أتى ) النبي فقال يا رسول الله متى الساعة قائمة قال ويلك وما أعددت لها قال ما أعددت لها إلا إني أحب الله ورسوله قال إنك مع من أحببت فقلنا ونحن كذالك قال نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني فقال إن أخر فقال إن أخر هاذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم

(22/195)


الساعة
واختصره شعبة عن قتادة سمعت أنسا عن النبي
مطابقته للترجمة في قوله ويلك وما أعددت لها وعمرو بن عاصم القيسي البصري وهمام هو ابن يحيى الأزدي
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن هارون بن عبد الله بالقصة الأخيرة مر غلام للمغيرة ولم يذكر أول الحديث
قوله إن رجلا من أهل البادية وفي رواية الزهري عن أنس عند مسلم أن رجلا من الأعراب قال متى الساعة قائمة قال الكرماني قائمة بالنصب ولم يبين وجهه وقال بعضهم يجوز فيه الرفع والنصب ولم يبين وجههما قلت أما النصب فعلى الحال تقديره متى وقعت الساعة حال كونها قائمة وأما الرفع فعلى أنه خبر الساعة ومتى ظرف متعلق به قوله ويلك ما أعددت لها قال شيخ شيخي الطيبي سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة وأجاب بقوله ما أعددت لها يعني إنما يهمك أن تهتم بأهبتها وتعتني بما ينفعك عند قيامها من الأعمال الصالحة فقال هو ما أعددت لها قوله إنك مع من أحببت أي ملحق بهم وداخل في زمرتهم وقال الكرماني ولفظ إلا إني أحب الله يحتمل أن يكون استثناء متصلا ومنقطعا وسبب فرحهم أن كونهم مع رسول الله يدل على أنهم من أهل الجنة ثم قال فإن قلت درجته في الجنة أعلى من درجاتهم فكيف يكونون معه قلت المعية لا تقتضي عدم التفاوت في الدرجات انتهى قلت لو فسر قوله مع من أحببت بما فسرناه لما احتاج إلى هذا السؤال ولا إلى هذا الجواب قوله للمغيرة يعني المغيرة بن شعبة الثقفي قوله وكان من أقراني أي سنه مثل سني وقال ابن التين القرن المثل في السن وهو بفتح القاف وكسرها المثل في الشجاعة قال وفعل بفتح أوله وسكون ثانيه إذا كان صحيحا لا يجمع على أفعال إلا ألفاظا لم يعدوا هذا منها وقال ابن بشكوال إسم هذا الغلام محمد واحتج بما أخرجه مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا سأل رسول الله متى تقوم الساعة وغلام من الأنصار يقال له محمدالحديث قال وقيل اسمه سعد ثم أخرج من طريق الحسن عن أنس أن رجلا سأل عن الساعة فذكر حديثا قال فينظر إلى غلام من دوس يقال له سعد وهذا أخرجه الماوردي في ( الصحابة ) قلت الظاهر أن القصة لها تعدد قوله إن آخر هذا أي لم يمت هذا في صغره ويعيش لا يهرم حتى تقوم الساعة قوله فلن يدركه هذا هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره فلم يدركه وفي رواية مسلم كرواية الكشميهني وقال بعضهم وهي أولى وليت شعري ما وجه الأولوية وقال الكرماني ما توجيه هذا الخبر إذ هو من المشكلات ثم أجاب بقوله هذا تمثيل لقرب الساعة ولم يرد منه حقيقته أو الهرم لأحد له أو الجزاء محذوف وقال القاضي عياض المراد بالساعة ساعتهم أي موت أولئك القرن أو أولئك المخاطبون وقال النووي يحتمل أنه علم أن هذا الغلام لا يؤخر ولا يعمر ولا يهرم
قوله واختصره شعبة أي اختصر الحديث شعبة وأشار بهذا إلى شيئين أولهما أن شعبة اختصر من الحديث ما زاده همام من قوله فقلنا ونحن كذلك قال نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا والآخر تصريح سماع قتادة عن أنس رضي الله عنه
96 -
( باب علامة حب الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان علامة حب الله عز و جل وفي بعض النسخ باب علامة الحب في الله تعالى وقال الكرماني هذا اللفظ يحتمل أن يراد به محبة الله تعالى للعبد فهو المحب وأن يراد محبة العبد لله تعالى فهو المحبوب قلت هذا الترديد ينشأ من إضافة حب الله فإن كانت الإضافة للفاعل والمفعول مطوي فهو المراد الأول وإن كانت إلى المفعول وذكر الفاعل مطوي فهو المراد الثاني والمحبة من الله إرادة الثواب ومن العبد إرادة الطاعة وهنا وجه آخر على ما ذكره الكرماني وهو أن يراد المحبة بين العباد في ذات الله تعالى وجهته لا يشوبه الرياء والهوى
لقوله ) إن كنتم تحبونيحببكم الله ( آل عمران 31 )
أراد بإيراد هذه الآية الكريمة أن علامة حب الله أن يحبوا رسول الله فإذا اتبعوا رسول الله في شريعته وسنته يحبهم الله عز و جل فيقع الاستدلال بها في الوجهين المذكورين باعتبار الإضافة في حب الله تعالى وعن الحسن وابن

(22/196)


جريج زعم أقوام على عهد رسول الله أنهم يحبون الله فقالوا يا محمد إنا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية قل يا محمد إن كنتم تحبون الله فاتبعوني فيما آمر وأنهى يحبكم الله عز و جل ( آل عمران 31 )
6168 - حدثنا ( بشر بن خالد ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) عن النبي أنه قال المرء مع من أحب ( انظر الحديث 6168 - طرفه في 6169 )
نقل بعضهم عن الكرماني بأنه قال يحتمل أن يراد بالترجمة محبة الله تعالى للعبد ومحبة العبد لله أو المحبة بين العباد في ذات الله عز و جل ثم قال ولم يتعرض لمطابقة الحديث للترجمة وقد توقف فيه غير واحد ثم أطال الكلام بما لا يجدي شيئا ولو كان توقف فيه مثل غيره لكان أولى فأقول وبالله التوفيق إن مطابقة الحديث للترجمة تؤخذ معنى الحديث لأن قوله مع من أحب أعم من أن يحب الله ورسوله وأن يحب عبدا في ذات الله تعالى بالإخلاص فكما أن الترجمة تحتمل العموم على ما ذكرنا من الأوجه الثلاثة فكذلك لفظ الحديث يحتمل تلك الأوجه المذكورة فتحصل المطابقة بينهما والدليل على عمومه كلمة من فإنها تقتضي العموم وضمير المفعول في أحب محذوف تقديره من أحبه وهو يرجع إلى كلمة من فيكتسب العموم منها فافهم فإنه موضع دقيق لاح لي من الأنوار الربانية
وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبو محمد العسكري الفرائضي وهو شيخ مسلم أيضا مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين ومحمد بن جعفر هو غندر وسليمان هو الأعمش وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن بشر بن خالد أيضا وعن غيره
قوله مع من أحب أي في الجنة يعني هو ملحق بهم داخل في زمرتهم ألحقه بحسن النية من غير زيادة عمل بأصحاب الأعمال الصالحة
وقال ابن بطال فيه أن من أحب عبدا في الله تعالى فإن الله يجمع بينهما في جنته وإن قصر في عمله وذلك لأنه لما أحب الصالحين لأجل طاعتهم أثابه الله تعالى ثواب تلك الطاعة إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم
6169 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) قال قال ( عبد الله ابن مسعود ) رضي الله عنه جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم فقال رسول الله المرء مع من أحب ( انظر الحديث 6168 )
مطابقته هذا ومطابقة الحديثين الذين بعده مثل مطابقة الحديث السابق وجرير هو ابن عبد الحميد الرازي قوله ولم يلحق بهم أي في العمل والفضيلة
تابعه جرير بن حازم وسليمان بن قرم وأبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي
أي تابع جرير بن عبد الحميد جرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي البصري وسليمان بن قرم بفتح القاف وسكون الراء الضبي وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري أما متابعة جرير بن حازم فوصلها أبو نعيم في كتاب المحبين من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم حدثنا أبي سمعت الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله فذكره ولم ينسب عبد الله وأما متابعة سليمان بن قرم فوصلها مسلم من طريق أبي الجواب عمار بن رزيق بتقديم الراء عنه عن عبد الله وعطفها على رواية شعبة فقال مثله وأما متابعة أبي عوانة فوصلها أبو عوانة يعقوب والخطيب في كتاب ( المكمل ) من طريق يحيى بن حماد عنه قال فيه أيضا عن عبد الله ولم ينسبه
6170 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( أبي موسى ) قال قيل

(22/197)


للنبي الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم قال المرء من أحب
أبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان الثوري وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الأدب عن أبي بكر وأبي كريب وغيرهما وقال المزي رواه غير واحد عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود وروى عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل فقال مرة عن عبد الله وقال مرة عن أبي موسى قلت الطريقان كلاهما صحيحان وكذا قال أبو عوانة في ( صحيحه )
قوله ولما يلحق بهم وفي الرواية السابقة ولم يلحق بهم قال الكرماني في كلمة لما إشعار بأنه يتوقع اللحوق يعني هو قاصد لذلك ساع في تحصيل تلك المرتبة
تابعه أبو معاوية ومحمد بن عبيد
يعني تابع سفيان أبو معاوية محمد بن خازم بالمعجمتين ومحمد بن عبيد في روايتهما عن الأعمش وهذه المتابعة وصلها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عنهما وقال في رواية عن أبي موسى
6171 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا أبي عن ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( أنس بن مالك ) أن رجلا ( سأل ) النبي متى الساعة يا رسول الله قال ما أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولاكني أحب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت
عبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي يروي عن أبيه عثمان بن جبلة عن شعبة عن عمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء عن سالم بن أبي الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة واسمه رافع الكوفي عن أنس رضي الله عنه
والحديث قد مضى في الباب الذي قبله ومضى الكلام فيه
قوله ما أعددت لها من أسلوب الحكيم وقد ذكرناه هناك
97 -
( باب قول الرجل للرجل إخسأ )
أي هذا باب في بيان قول الرجل الآخر إخسأ بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح السين المهملة وبالهمزة الساكنة وقال ابن بطال إخسأ زجر للكلب وإبعاد له هذا أصل هذه الكلمة واستعملتها العرب في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي له مما يسخط الله تعالى
6172 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( سلم بن زرير ) سمعت ( أبا رجاء ) سمعت ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال رسول الله ل ( ابن صائد ) قد خبأت لك خبيئا فما هو قال الدخ قال إخسأ
مطابقته للترجمة في قوله قال إخسأ وأبو الوليد هشام بن عبد الملك وسلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن زرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى وقيل بضم الزاي وفتح الراء البصري وأبو رجاء بالجيم عمران العطاردي والحديث من أفراده
قوله لابن صائد ويروى لابن صياد وهو الأشهر قوله خبيئا بفتح الخاء وكسر الباء الموحدة على وزن فعيل وهو الشيء المخبوء من الخبأ وهو كل شيء غائب مستور يقال خبأت الشيء أخباه إذا خفيته قوله الدخ بضم الدال المهملة وتشديد الخاء المعجمة وهو الدخان قوله إخسأ أي قال النبي أسكت صاغرا مطرودا ويروى إخس بحذف الهمزة
6173 - حدثني ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عمر ) أخبره أن ( عمر بن الخطاب ) انطلق مع رسول الله في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ثم قال أتشهد أني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد أتشهد أني رسول الله فرضه

(22/198)


النبي ثم قال آمنت بالله ورسله ثم لابن صياد ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب قال رسول الله خلط عليك الأمر قال رسول الله إني خبأت لك خبيئا قال هو الدخ قال إخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله إن يكن هو لا تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله قال سالم فسمعت عبد الله بن عمر يقول انطلق بعد ذالك رسول الله وأبي ابن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسولخ الله طفق رسول الله يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد أي صاف وهو اسمه هاذا محمد فتناهى ابن صياد قال رسول الله لو تركته بين
قال سالم قال عبد الله قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه لقد أنذره نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور )
مطابقته للترجمة في قوله اخسأ فلن تعدو قدرك وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس عن الزهري عن سالم إلى آخره ومضى الكلام فيه مبسوطا قوله قبل ابن صياد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهته قوله في أطم بضم الهمزة والطاء المهملة وهو الحصن قوله بني مغالة بفتح الميم وبالغين المعجمة وفي المطالع أرض المدينة على صنفين لبطنين من الأنصار بنو معاوية وبنو مغالة وقال الكرماني مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد رسول الله قوله الحلم أي البلوغ قوله الأميين أي العرب قوله فرضه النبي بالضاد المعجمة أي دفعه حتى وقع وتكسر وبالصاد المهملة إذا قرب بعضه من بعض قال تعالى كأنهم بنيان مرصوص وقال الخطابي إعجام الصاد غلط والصواب رصه بالمهملة أي قبض عليه بثوبه وضم بعضه إلى بعض قوله خلط على صيغة المجهول من التخليط قوله خبيئا ويروى خبئا وقد مر تفسيره عن قريب قوله إن يكن هو لفظ هو تأكيد للضمير المستتر أو وضع هو موضع إياه وهو راجع إلى الدجال وإن لم يتقدم ذكره لشهرته قوله ائذن لي فيه أضرب عنقه بالجزم ويروى تأذن لي فيه أضرب بالرفع وإنما منع عمر من ضرب عنقه والحال أنه ادعى النبوة لأنه كان غير بالغ أو كان في أيام مهادنة اليهود وقيل كان يرجى إسلامه وفي التوضيح قيل أنه أسلم قاله الداودي وأورده ابن شاهين في الصحابة وقال هو عبد الله بن صياد كان أبوه يهوديا فولد عبد الله أعور مجنونا وقيل أنه الدجال ثم أسلم فهو تابعي له رؤية وقال أبو سعيد الخدري صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لقد هممت أن آخذ حبلا فأوثقه إلى صخرة ثم أختنق مما يقول الناس في الحديث وهو في مسلم قوله يؤمان أي يقصدان قوله وهو يختل بسكون الخاء المعجمة وكسر التاء المثناة من فوق أي يطلب مستغفلا له ليسمع شيئا من كلامه الذي يقوله هو في خلوته ليظهر للصحابة حاله في أنه كاهن قوله في قطيفة وهي كساء مخمل قوله رمرمة بالراء المكررة وهي الصوت الخفي وكذا بالزاي ويروى رمزة أي إشارة ويروى زمرة من المزمار قوله أي صاف أي يا صاف بالصاد المهملة

(22/199)


والفاء قوله لو تركته أمه بحيث لا يعرف قدوم رسول الله بين لكم باختلاف كلامه ما يهون عليكم أمره وشأنه قوله لقد أنذره نوح عليه السلام قومه ووجه التخصيص به وقد عمم أولا حيث قال ما من نبي لأنه أبو البشر الثاني وذريته هم الباقون في الدنيا قوله ليس بأعور قال الكرماني كونه غير إله معلوم بالبراهين القاطعة فما فائدة ذكره أنه ليس بأعور قلت هذا مذكور للقاصرين عن إدراك المعقولات
( قال أبو عبد الله خسأت الكلب بعدته خاسئين مبعدين )
ثبت هذا في رواية المستملي وحده وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وكذا فسر أبو عبيدة وقال في قوله كونوا قردة خاسئين أي قاصين معبدين يقال خسأته عني وخسأ هو يعني يتعدى ولا يتعدى وقال في قوله تعالى ينقلب إليك البصر خاسئا أي مبعدا -
98
- ( باب قول الرجل مرحبا )
أي هذا باب في بيان قول الرجل الآخر مرحبا هكذا هذه الترجمة في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي باب قول النبي مرحبا وقال الأصمعي معنى مرحبا لقيت رحبا وسعة وقال الفراء نصب على المصدر وفيه معنى الدعاء بالرحب والسعة وقيل هو مفعول به أي لقيت سعة لا ضيقا
وقالت عائشة قال النبي لفاطمة عليها السلام مرحبا بابنتي
هذا التعليق طرف من حديث تقدم موصولا في علامات النبوة عن مسروق عن عائشة قالت أقبلت فاطمة تمشيالحديث
وقالت أم هانىء جئت إلى النبي فقال مرحبا بأم هانىء
هذا التعليق مضى موصولا عن قريب في باب ما جاء في زعموا أو إسم أم هانىء فاختة بنت أبي طالب وأخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه
6176 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( أبوا التياح ) عن ( أبي جمرة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال لما قدم وفد عبد القيس على النبي قال مرحبا بالوفد الذين جاؤوا غير خزايا ولا ندامى فقالوا يا رسول الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك مضر وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل ندخل به الجنة وندعو به من وراءنا فقال أربع وأربع أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا خمس ما غنمتم ولا تشربوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت
مطابقته للترجمة في قوله قال مرحبا وعمران بن ميسرة ضد الميمنة وعبد الوارث بن سعيد الثقفي وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة واسمه يزيد بن حميد الضبعي البصري وأبو جمرة بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري
والحديث قد مضى في كتاب الإيمان في باب أداء الخمس من الإيمان فإنه أخرجه هناك عن علي بن الجعد عن شعبة عن أبي جمرةإلى آخره ومضى أيضا في كتاب الأشربة
قوله عبد القيس من أولاد ربيعة كانوا ينزلون حوالي القطيف قوله غير خزايا جمع الخزيان وهو المفتضح أو الذليل أو المستحي والندامى جمع ندمان بمعنى النادم قوله مضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبالراء قبيلة قوله في الشهر الحرام يعني رجبا وذا القعدة وذا الحجة ومحرما وذلك لأن العرب كانوا لا يقاتلون فيها قوله فصل فاصل بين الحق والباطل قوله أربع وأربع أي الذي آمركم به أربع والذي أنهاكم عنه أربع قوله وصوموا رمضان ويروى وصوم رمضان قوله واعطوا خمس ما غنمتم إنما ذكره لأنهم كانوا أصحاب الغنائم ولم يذكر الحج إما لأنه لم يفرض حينئذ ولعلمه بأنهم لا يستطيعونه قوله في الدباء بتشديد الباء الموحدة وبالمد اليقطين

(22/200)


وحكي فيه القصر وهو جمع دباءة قوله والحنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وهي جرار خضر وقال ابن حبيب هي الجر وهو كل ما كان من فخار أبيض وأخضر وأنكره بعض العلماء وقال الحنتم ما طلي وهو المعمول من الزجاج وغيره ويعجل الشدة في الشراب بخلاف ما لم يطل والنقير أصل النخلة يجوف وينبذ فيه وهو على وزن فعيل بمعنى مفعول يعني المنقور والمزفت الذي يطلى بالزفت
99
- ( باب ما يدعى الناس بآبائهم )
أي هذا باب في بيان ما يدعى الناس بآبائهم أي بأسماء آبائهم يوم القيامة وكلمة ما يجوز أن تكون مصدرية أي باب دعاء الناس والمصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف أي دعاء الداعي الناس بأسماء آبائهم ووقع لابن بطال باب هل يدعى الناس بآبائهم
6177 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال الغادر يرفع له لواء يوم القيامة يقال هاذه غدرة فلان بن فلان
مطابقته للترجمة في قوله فلان بن فلان كناية عن إسم يسمى به المحدث عنه خاص غالب وفي غير الناس يقال الفلان والفلانة بالألف واللام
ويحيى هو القطان وعبيد الله بن عبد الله العمري
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن زهير بن حرب
قوله الغادر ويروى أن الغادر هو الناقض للعهد الغير الوافي به قوله يرفع له وفي رواية الكشميهني ينصب له والنصب والرفع هاهنا بمعنى واحد قوله لواء وهو العلم كان الرجل في الجاهلية إذا غدر يرفع له لواء أيام الموسم ليعرفه الناس فيجتنبوه قوله هذه غدرة فلان يعني باسمه المخصوص وباسم أبيه كذلك قال ابن بطال الدعاء لآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز فإن قلت روى أبو داود من حديث أبي الدرداء رفعه إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم ورواه ابن حبان وصححه فلم ترك البخاري هذا وهو أصرح بالمقصود قلت لأن في سنده انقطاعا بين عبد الله ابن أبي زكرياء راويه عن أبي الدرداء فإنه لم يدركه وتركه لأنه ليس على شرطه وفي حديث الباب رد لقول من يزعم أنه لا يدعى الناس يوم القيامة إلا بأمهاتهم لأن في ذلك سترا على آبائهم وفيه جواز الحكم بظواهر الأمور
6178 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) أن رسول الله قال إن الغادر ينصب له لواء يعلأم القيامة فيقال هاذه غدرة فلان بن فلان
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو ظاهر
100 -
( باب لا يقل خبثت نفسي )
أي هذا باب في بيان أن الأدب أن لا يقول أحد خبثت نفسي لأجل كراهة لفظ الخبث حرام على المؤمنين وخبث بفتح الخاء المعجمة وضم الباء الموحدة ويقال بفتحها والضم صواب قال الراغب الخبيث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقالة والقبح في الفعال وقال ابن بطال ليس النهي على سبيل الإيجاب وإنما هو من باب الأدب وقد قال في الذي يعقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد أصبح خبيث النفس كسلان
6179 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها عن النبي قال لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولاكن ليقل لقست نفسي
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة
والحديث أخرجه مسلم في الأدب وأخرجه النسائي في اليوم والليلة جميعا بالإسناد المذكور
قوله لقست بكسر القاف وبالسين المهملة هو أيضا بمعنى حبثت لكن كره لفظ الخبث كما ذكرنا وقال الخطابي لقست وخبثت

(22/201)


واحد في المعنى ولكنه استقبح لفظ خبثت فاختار لفظا بريئا من البشاعة سليما منها وكان من سننه تبديل الإسم القبيح بالحسن
6180 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( أبي أمامة بن سهل ) عن أبيه عن النبي قال لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولاكن ليقل لقست نفسي
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي ويونس بن يزيد الأيلي وأبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري وإسم أبي أمامة أسعد أدرك النبي ويقال إنه سماه وكناه باسم جده وكنيته
والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضا عن أبي الطاهر وحرملة وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن صالح وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن وهب بن بيان وغيره قوله مثله أي مثل الحديث المذكور
قوله قال إلى آخره تفسير لقوله مثله
تابعه عقيل
أي تابع يونس بن يزيد عقيل بن خالد في روايته عن الزهري بسنده المذكور والمتن وأخرج هذه المتابعة من طريق نافع ابن يزيد عن عقيل قوله تابعه عقيل ليست في رواية أبي ذر وإنما هي في رواية النسفي والباقين والله أعلم
101
- ( باب لا تسبوا الدهر )
أي باب فيه المنع عن سب الدهر وذكره في الترجمة بقوله لا تسبوا الدهر فإنه في لفظ مسلم هكذا حيث قال حدثني زهير بن حرب حدثني جرير عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال لا تسبوا الدهر قإن الله الدهر وروى مسلم هذا الحديث بطرق مختلفة ومتون متباينة
202 - ( حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة قال قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله قال الله يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله يسب بنو آدم الدهر لأن معناه في الحقيقة يرجع إلى لفظ لا تسبوا الدهر ويؤيد هذا رواية مسلم المصرحة بذلك كما ذكرناه والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن وهب بن بيان قوله يسب بنو آدم الدهر إلى آخره قال الخطابي كانت الجاهلية تضيف المصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو من الليل والنهار وهم في ذلك فرقتان فرقة لا تؤمن بالله ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار اللذان هما محل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار فتنسب المكاره إليه على أنها من فعله ولا ترى أن لها مدبرا غيره وهذه الفرقة هي الدهرية الذين حكى الله عنهم في قوله وما يهلكنا إلا الدهر وفرقة تعرف الخالق وتنزهه من أن تنسب إليه المكاره فتضيفها إلى الدهر والزمان وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه فيقول القائل منهم يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر فقال لهم مبطلا ذلك لا يسبن أحد منكم الدهر فإن الله هو الدهر يريد والله أعلم لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنيع بكم فالله هو الفاعل له فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السب إلى الله تعالى وانصرف إليه ومعنى قوله أنا الدهر أنا مالك الدهر ومصرفه فحذف اختصارا للفظ واتساعا في المعنى وقال غيره معنى قوله أنا الدهر أي المدبر أو صاحب الدهر أو مقلبه أو مصرفه ولهذا عقبه بقوله بيدي الليل والنهار وقال الكرماني لم عدل عن الظاهر ثم قال الدلائل العقلية موجبة للعدول ويروى بنصب الدهر على معنى أنا باق أو ثابت في الدهر وروى أحمد عن أبي هريرة بلفظ لا تسبوا الدهر فإن الله قال أنا الدهر الأيام والليالي أوجدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك

(22/202)


6182 - حدثنا ( عياش بن الوليد ) حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لا تسموا العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر ( انظر الحديث 6182 - طرفه في 6183 )
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن عياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف والشين المعجمة ابن الوليد البصري الرقام عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة
قوله لا تسموا العنب الكرم قال الخطابي نهى عن تسمية العنب كرما لتوكيد تحريم الخمر ولتأبيد النهي عنها بمحو اسمها قوله ولا تقولوا خيبة الدهر كذا هو لأكثر الرواة وفي رواية النسفي يا خيبة الدهر وفي رواية غير البخاري واخيبة الدهر والخيبة بفتح الخاء المعجمة وإسكان الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة وهي الحرمان وانتصاب الخيبة على الندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعا عليه أو متوجعا منه وقال الداودي هو دعاء على الدهر بالخيبة وهو كقولهم قحط الله نوأها يدعون على الأرض بالقحط وهي كلمة هذا أصلها ثم صارت تقال لكل مذموم ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ وادهراه وادهراه
102
- ( باب قول النبي إنما الكرم قلب المؤمن )
أي هذا باب في ذكر قول النبي إنما الكرم قلب المؤمن هذا قطعة من آخر حديث رواه أبو هريرة ويأتي الآن في هذا الباب من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ورواه مسلم من رواية الأعرج عنه قال قال النبي لا يقولن أحدكم الكرم فإن الكرم قلب المؤمن وله من رواية ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي رواية له من حديث علقمة إن وائل عن أبيه أن النبي قال لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة قوله إنما الكرم قلب المؤمن أي لما فيه من نور الإيمان والتقوى قال الله تعالى ( 94 ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( الحجرات 13 ) وقال في الباب الذي قبله لا تسموا العنب الكرم وقال هنا إنما الكرم قلب المؤمن قالت العلماء سبب كراهة ذلك أن لفظ الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرما لكونها متخذة منها ولأنها تحمل على الكرم والسخاء فكره الشارع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظ فربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فيقعوا فيها أو قاربوا وقال إنما يستحق هذا الإسم قلب المؤمن لأنه منبع الكرم والتقوى والنور والهدى والمشهور في اللغة أن الكرم بسكون الراء العنب قال الأزهري سمى العنب كرما لكرمه وذلك لأنه ذلل لقاطعه ويحمل الأصل عنه مثل ما تحمل النخلة وأكثر وكل شيء كثر فقد كرم وقال ابن الأنباري سمي كرما لأن الخمر منه وهي تحث على السخاء وتأمر بمكارم الأخلاق كما سموها راحا وذلك قال لا تسموا العنب كرما كره أن يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم وجعل المؤمن الذي يتقي شربها ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الإسم الحسن تأكيدا لحرمته وأسقط الخمر عن هذه الرتبة تحقيرا لها
وقد قال المفلس الذي يفلس يوم القيامة كقوله إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب كقوله لا ملك إلا الله فوصفه بانتهاء الملك ثم ذكر الملوك أيضا فقال إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ( النمل34 ) ح
مقصود البخاري من ذكر هذا الكلام الذي فيه أدوات الحصر أن الحصر فيه ادعائي لا حقيقي فكذلك الحصر في قوله إنما الكرم قلب المؤمن فكأن الكرم الحقيقي القلب لا الشجر وإنما هو على سبيل الادعاء لا على الحقيقة ألا ترى أنه يطلق على

(22/203)


غيره قوله إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة ومعنى الحديث كما أخرجه الترمذي ولكن ليس فيه أداة الحصر قال حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا يا رسول الله لا درهم له ولا متاع قال رسول الله المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم يطرح في النار وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح قوله كقوله إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب أراد أن قوله إنما المفلس كقوله إنما الصرعة وهذا حديث رواه أبو هريرة وقد مضى قبل هذا الباب بخمسة وعشرين بابا قوله كقوله لا ملك إلا الله أراد أن فيه الحصر كما فيما قبله لأن كلمة لا وكلمة لا صريح في النفي والإثبات فمقتضاه حصر لفظ بفتح الميم وكسر اللام على الله لكن قد أطلق على غيره وفي نفس الأمر الملك حقيقة هو الله تعالى والباقي بالتجوز وروى لا ملك إلا لله بضم الميم وسكون اللام قوله فوصفه بانتهاء الملك وهو عبارة عن انقطاع الملك عنده أي لا ملك بعده قوله فقال ( 72 ) إن الملوك إذاأفسدوها ( النمل 34 ) وهو جمع ملك وفي القرآن شيء كثير من هذا القبيل كقوله تعالى ( 21 ) وقال الملك ( يوسف 50 ) في صاحب يوسف وغيره ولكن كما ذكرنا كل ذلك بطريق التجوز لا بطريق الحقيقة
6183 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله ويقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن ( انظر الحديث 6182 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضا عن عمرو الناقد
قوله ويقولون الكرم بالرفع مبتدأ وخبره محذوف تقديره يقولون الكرم شجر العنب ويجوز أن يكون الكرم خبر مبتدأ محذوف تقديره ويقولون شجر العنب الكرم وكان الواو فيه عاطفة على شيء محذوف تقديره لا يقولون الكرم قلب المؤمن ويقولون الكرم شجر العنب وقد رواه ابن أبي عمر في ( مسنده ) عن سفيان بغير واو وكذا رواه الإسماعيلي من طريقه
103
- ( باب قول الرجل فداك أبي وأمي )
أي هذا باب في ذكر قول الرجل بين كلامه فداك أبي وأمي الفداء بكسر الفاء وبالمد وبفتح الفاء يقصر يعني أنت مفدى بأبي وأمي والفداء فكاك الأسير فداء يفديه فداء وفدى وفاداه يفاديه مفاداة إذا أعطى فداءه وأنقذه وفداه بنفسه فداء إذا قال له جعلت فداك وقيل المفاداة أن يفك الأسير بأسير مثله
فيه الزبير عن النبي
أي في قول الرجل فداك أبي وأمي قال الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي وقد روى البخاري هذا في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن الزبير قال جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الأحزاب في النساء الحديث وفيه فلما رجعت جمع لي النبي أبويه فقال لي فداك أبي وأمي
6184 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) حدثني ( سعد بن إبراهيم ) عن ( عبد الله بن شداد ) عن ( علي ) رضي الله عنه قال ما سمعت رسول الله يفدي أحدا غير سعد سمعته يقول إرم فداك أبي وأمي أظنه يوم أحد
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وسعد بن إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله ابن شداد على وزن فعال بالتشديد ابن الهاد الليثي المدني
والحديث مضى في الجهاد عن قبيصة وفي المغازي عن أبي نعيم
قوله

(22/204)


يفدي بفتح الياء وسكون الفاء في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بضم الياء وفتح الفاء وبالتشديد أي يقول له فداك أبي وأمي قوله غير سعد هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قوله أظنه أي أظن هذا الكلام كان يوم أحد وقد تقدم في رواية إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بالجزم في غزوة أحد
104
- ( باب قول الرجل جعلني الله فداءك )
أي هذا باب في بيان قول الرجل لآخر جعلني الله فداءك هل يباح ذلك أو يكره وقد جمع أبو بكر بن عاصم الأخبار الدالة على الجواز وجزم بجواز ذلك للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه ولو كان ذلك محظورا لنهي النبي قائل ذلك
وقال أبو بكر للنبي فديناك بآبائنا وأمهاتنا
قال بعضهم هو طرف من حديث لأبي سعيد رضي الله عنه قلت ليس كذلك بل هذا تنويه للطالب لأن الذي في مناقب أبي بكر رضي الله عنه عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال خطب رسول الله الناسالحديث وليس فيه لفظ فديناك بآبائنا وأمهاتنا وإنما هذه الألفاظ في حديث رواه عبيد بن حنين عن أبي سعيد الخدري في باب هجرة النبي ولفظه أن رسول الله جلس على المنبر فقال إن عبدا خيره اللهالحديث وفيه لفظ فديناك بآبائنا وأمهاتنا
105
- ( باب أحب الأسماء إلى الله عز و جل )
أي هذا باب في بيان أحب الأسماء إلى الله عز و جل ولفظه باب مضافة إلى لفظ الأحب وقال بعضهم ورد بهذا اللفظ حديث

(22/205)


أخرجه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر رفعه إن أحب الأسماء إلى الله عز و جل عبدا الله وعبد الرحمن قلت هذا غير لفظ الترجمة بعينها ولكن يعلم منه أن أحب الأسماء إلى الله عز و جل عبد الله وعبد الرحمن وقال القرطبي يلحق بهذين الإسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد وإنما كانت أحب إلى لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله تعالى وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية وقيل الحكمة في الاقتصار على الإسمين وهما لفظة الله ولفظ الرحمن لأنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى إسم من أسماء الله تعالى غيرهما قال الله تعالى وأنه لما قام عبد الله يدعوه ( الجن19 ) وقال في آية أخرى ( 52 ) وعباد الرحمن ( الفرقان63 ) ويؤيده قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( الإسراء 110 )
6186 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( ابن عيينة ) حدثنا ( ابن المنكدر ) عن ( جابر ) رضي الله عنه قال ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقلنا لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة فأخبر النبي فقال سم ابنك عبد الرحمان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سم ابنك عبد الرحمن لأن عبد الرحمن من أحب الأسماء إلى الله عز و جل كما مضى الآن في حديث مسلم ولأنه لو كان إسم أحب منه لأمره بذلك والغالب أنه لا يأمر إلا بالأكمل ولقد تعسف الكرماني في وجه المطابقة حيث قال جاء في رواية أخرى أحب الأسماء إلى الله عبد الرحمن وهذا كما ترى بيان وجه المطابقة من حديث غير حديث الباب وقال أيضا أو الأحب بمعنى المحبوب وهذا خروج عن ظاهر معنى اللفظ
وابن عيينة هو سفيان ابن عيينة وابن المنكدر هو محمد بن المنكدر
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن عمرو الناقد وغيره
قوله ولا كرامة بالنصب أي لا نكرمك كرامة قوله فأخبر النبي بضم الهمزة على البناء للمجهول ويروى بالبناء للفاعل
106
- ( باب قول النبي سموا بإسمي ولا تكتنوا بكنيتي قاله أنس عن النبي )
أي هذا باب في بيان قول النبي سموا أمر من سمى يسمي تسمية ولا تكتنوا من الاكتناء والكنية كل مركب إضافي صدره أب أو أم كأبي بكر وأم كلثوم قوله قاله أنس أي قال أنس ما قاله النبي ومضى هذا التعليق موصولا في كتاب البيوع في باب ما ذكر في الأسواق قال البخاري حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي في السوق فقال رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي فقال إنما دعوت هذا فقال النبي سموا بإسمي ولا تكتنوا بكنيتي وهذا الباب فيه خلاف
وقد عقد الطحاوي في هذا بابا وطول فيه من الأحاديث والمباحث الكثيرة فأول ما روى حديث علي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إن ولد لي ولد أسميه بإسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم قال وكانت رخصة من رسول الله لعلي رضي الله عنه ثم قال فذهب قوم إلى أنه لا بأس بأن يكتني الرجل بأبي القاسم وأن يتسمى مع ذلك بمحمد واحتجوا بالحديث المذكور قلت أراد بالقوم هؤلاء محمد بن الحنفية ومالكا وأحمد في رواية ثم افترق هؤلاء فرقتين فقالت فرقه وهم محمد ابن سيرين وإبراهيم النخعي والشافعي لا ينبغي لأحد أن يتكنى بأبي القاسم كان اسمه محمدا أو لم يكن وقالت فرقة أخرى وهم الظاهرية وأحمد في رواية لا ينبغي لمن تسمى بمحمد أن يتكنى بأبي القاسم ولا بأس لمن لم يتسم بمحمد أن يتكنى بأبي القاسم وفي حديث الباب عن جابر على ما يأتي النهي عن الجمع بينهما أعني بين الإسم والكنية وقيل المنع في حياته للإيذاء وأبعد بعضهم فمنع التسمية بمحمد وروى سالم بن أبي الجعد كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة لا تسموا باسم نبي وروى أبو داود عن الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس رفعه تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنوه وقال الطبري يحمل النهي على الكراهة دون التحريم وصحح الأخبار كلها ولا تعارض ولا نسخ وكان إطلاقه لعلي رضي الله عنه في

(22/206)


ذلك إعلاما منه أمته ليفيد جوازه مع الكراهة وترك الإنكار عليه دليل الكراهة
6188 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أيوب ) عن ( ابن سيرين ) سمعت ( أبا هريرة ) قال قال ( أبو القاسم ) سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني يروي عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة
والحديث مضى في صفة النبي وفي قول أبي هريرة قال أبو القاسم ولم يقل قال النبي أو قال الرسول لطيفة وهي أنه يرى منع الاكتناء بأبي القاسم فذكره بأبي القاسم إشعارا بأنه لا يرى التكنية بأبي القاسم
6189 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( ابن المنكدر ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنه ( ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم ) ( فقالوا ) لا نكنيك بأبي القاسم ولا ننعمك عينا فأتى النبي فذكر ذالك له فقال إسم ابنك عبد الرحمان
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه منع التكنية بأبي القاسم لأن الرجل الذي منع من ذلك لما أتى النبي وذكر له ذلك لم يقل له كن ولا قال له سم محمدا وإنما قال إسم ابنك عبد الرحمن وبظاهره احتج من منع التكنية بأبي القاسم والتسمية بمحمد
وهذا الحديث قد مر في الباب الذي قبله فإنه أخرجه هناك عن صدقة بن الفضل عن ابن عيينة وهنا أخرجه عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان وهو ابن عيينة عن محمد بن المنكدر
قوله ولا ننعمك عينا من الإنعام أي لا نقر عينك بذلك قوله أي الرجل المذكور أتى النبي قوله فذكر ذلك أي ما قالوا من قولهم لا نكنيك بأبي القاسم قوله أسم بفتح الهمزة أمر من الإسماء بكسر الهمزة ويروى سم بفتح السين وتشديد الميم من التسمية وروي أن النبي نهى عن أربع كنى أبو عيسى وأبو الحكم وأبو مالك وأبو القاسم لمن اسمه محمد
107 - باب اسم الحزن
أي هذا باب في ذكر من اسمه الحزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وهو في الأصل ما غلظ من الأرض ضد السهل واستعمل في الخلق يقال فلان في خزونة أي في خلقه غلظ وقساوة والحزن بالضم الهم
6190 - حدثنا ( اسحاق بن نصر ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب )

(22/207)


عن أبيه أن أباه ( جاء إلى ) النبي فقال ما اسمك قال حزن قال أنت سهل قال لا أغير اسما سمانيه أبي قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد ( انظر الحديث 6190 - طرفه في 6193 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري وعبد الرزاق بن همام اليماني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وابن المسيب هو سعيد بن المسيب هو سعيد بن المسيب أما سعيد فهو من كبار التابعين وسيدهم روى عن قريب من أربعين صحابيا ولد اسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومات في سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وأما أبوه المسيب فإنه ممن بايع تحت الشجرة قالوا لم يرو عن المسيب إلا سعيد قال الكرماني فيه خلاف لما هو المشهور من شرط البخاري أنه لم يرو عن أحد ليس له إلا راو واحد وأما جده حزن بن أبي وهب بن عمير بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي فكان من المهاجرين ومن أشراف قريش في الجاهلية قال الكلاباذي روى عن حزن ابنه المسيب حديثا واحدا في الأدب وحديثا آخر موقوفا في ذكر أيام الجاهلية والحديث من أفراده
قوله قال أنت سهل وفي رواية الإسماعيلي من طريق محمود بن غيلان قال بل اسمك سهل قوله لا أغير إسما في رواية أحمد بن صالح لا السهل يوطأ ويمتهن والتوفيق بين الروايتين بأنه قال كلا من الكلامين فنقل بعض الرواة ما لم ينقل الآخر قوله فما زالت الحزونة فينا بعد وفي رواية أحمد بن صالح فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة وقال ابن التين معنى قول ابن المسيب ما زالت فينا الحزونة يريد امتناع التسهيل فيما يرونه وقال الداودي يريد الصعوبة ويقال يشير بذلك إلى الشدة التي بقيت في أخلاقهم وذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم قوله بعد ويروى بعده أي بعدما قال لا أغير إسما سمانيه أبي
حدثنا علي بن عبد الله ومحمود قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده بهاذا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني ومحمود بن غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب عن جده حزن قوله بهذا أي بهذا الحديث
زم108
( باب تحويل الإسم إلى إسم أحسن منه )
أي هذا باب في بيان تحويل الإسم القبيح إلى إسم أحسن منه وروى ابن أبي شيبة من مرسل عروة كان النبي إذا سمع الإسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه وفي الحديث إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أبائكم فأحسنوا أسماءكم وقال الطبري لا ينبغي لأحد أن يسمى باسم قبيح المعنى ولا باسم معناه التزكية والمدح ونحوه ولا باسم معناه الذم والسب بل الذي ينبغي أن يسمى به ما كان حقا وصدقا
6190 - حدثنا ( اسحاق بن نصر ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( ابن المسيب ) عن أبيه أن أباه ( جاء إلى ) النبي فقال ما اسمك قال حزن قال أنت سهل قال لا أغير اسما سمانيه أبي قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد ( انظر الحديث 6190 - طرفه في 6193 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري وعبد الرزاق بن همام اليماني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وابن المسيب هو سعيد بن المسيب هو سعيد بن المسيب أما سعيد فهو من كبار التابعين وسيدهم روى عن قريب من أربعين صحابيا ولد اسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومات في سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وأما أبوه المسيب فإنه ممن بايع تحت الشجرة قالوا لم يرو عن المسيب إلا سعيد قال الكرماني فيه خلاف لما هو المشهور من شرط البخاري أنه لم يرو عن أحد ليس له إلا راو واحد وأما جده حزن بن أبي وهب بن عمير بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي فكان من المهاجرين ومن أشراف قريش في الجاهلية قال الكلاباذي روى عن حزن ابنه المسيب حديثا واحدا في الأدب وحديثا آخر موقوفا في ذكر أيام الجاهلية والحديث من أفراده
قوله قال أنت سهل وفي رواية الإسماعيلي من طريق محمود بن غيلان قال بل اسمك سهل قوله لا أغير إسما في رواية أحمد بن صالح لا السهل يوطأ ويمتهن والتوفيق بين الروايتين بأنه قال كلا من الكلامين فنقل بعض الرواة ما لم ينقل الآخر قوله فما زالت الحزونة فينا بعد وفي رواية أحمد بن صالح فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة وقال ابن التين معنى قول ابن المسيب ما زالت فينا الحزونة يريد امتناع التسهيل فيما يرونه وقال الداودي يريد الصعوبة ويقال يشير بذلك إلى الشدة التي بقيت في أخلاقهم وذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم قوله بعد ويروى بعده أي بعدما قال لا أغير إسما سمانيه أبي
حدثنا علي بن عبد الله ومحمود قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده بهاذا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني ومحمود بن غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب عن جده حزن قوله بهذا أي بهذا الحديث
زم108
( باب تحويل الإسم إلى إسم أحسن منه )
أي هذا باب في بيان تحويل الإسم القبيح إلى إسم أحسن منه وروى ابن أبي شيبة من مرسل عروة كان النبي إذا سمع الإسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه وفي الحديث إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أبائكم فأحسنوا أسماءكم وقال الطبري لا ينبغي لأحد أن يسمى باسم قبيح المعنى ولا باسم معناه التزكية والمدح ونحوه ولا باسم معناه الذم والسب بل الذي ينبغي أن يسمى به ما كان حقا وصدقا
6191 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ) قال أتي بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس فلها النبي بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي فاستفاق النبي فقال أين الصبي فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول الله قال ما اسمه قال فلان قال ولاكن اسمه المنذر فسماه يومئذ المنذر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولكن اسمه المنذر وذلك لأنه لما سأل عن اسمه فقال أبو أسيد فلان قال ولكن اسمه المنذر فكان الذي سماه أبوه قبيحا فغيره النبي إلى المنذر وقال الداودي سماه به تفاؤلا أن يكون له

(22/208)


علم ينذر به وقيل سماه باسم المنذر بن عمر والساعدي الخزرجي الصحابي المشهور من رهط أبي أسيد وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة اسمه محمد بن مطرف بكسر الراء المشددة وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج وسهل هو ابن سعد الساعي وأبو أسيد بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف واسمه مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضا عن أبي بكر بن إسحاق ومحمد بن سهل
قوله فوضعه أي فوضعه النبي على فخذاه إكراما قوله فلهي النبي بكسر الهاء وفتحها أي اشتغل بشيء كان بين يديه فاحتمل أي رفع قوله فاستفاق أي فرغ من اشتغاله كما يقال أفاق من مرضه ولم ير الصبي فقال أين الصبي فقال أبو أسيد قلبناه أي صرفناه إلى البيت وذكر ابن التين أنه وقع في رواية أقلبناه بزيادة همزة في أوله قال والصواب حذفها وأثبته غيره لغة وقال الكرماني أقلبناه لغة في قلبناه فلا سهو في زيادة الألف قوله ولكن قد علم أنه للاستدراك فأين المستدرك منه وأجيب بأن تقديره ليس ذلك الذي عبر عنه بفلان اسمه بل هو المنذر
6192 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( عطاء بن أبي ميمونة ) عن ( أبي رافع ) عن ( أبي هريرة ) أن ( زينب ) كان ( اسمها برة فقيل ) تزكي نفسها فسماها رسول الله زينب
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه تحويل إسم برة إلى زينب ومحمد بن جعفر هو غندر وعطاء بن أبي ميمونة مولى أنس بن مالك وأبو رافع نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ المدني ثم البصري
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله أن زينب هي بنت جحش أم المؤمنين كان اسمها برة بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء أو هي زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي فغير النبي إسم كل منهما إلى زينب وروى مسلم عن زينب بنت أم سلمة قالت سميت برة فقال النبي لا تزكوا أنفسكم فالله أعلم بأهل البر منكم فقالوا ما نسميها قال سموها زينب
6193 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) حدثنا ( هشام ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( عبد الحميد ابن جبير بن شيبة ) قال جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده حزنا قدم على النبي فقال ما اسمك قال اسمي حزن قال بل أنت سهل قال ما أنا بمغير إسما سمانيه أبي قال ابن المسيب فما زالت فينا الحزونة بعد ( انظر الحديث 6190 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن موسى بن زيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام هو ابن يوسف الصنعاني وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعبد الحميد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن شيبة بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة الحجي
قوله حدثنا هشام ويروى أخبرنا هشام قوله أن جده حزنا قال الكرماني هذا الإسناد مقطوع انقطع رجل من البين والأولى أي الرواية الأولى وهي التي سبقت قبل هذه أولى لأنه روى عن أبيه عن جده قيل هذا على قاعدة الشافعي إن المرسل إذا جاء موصولا من وجه آخر يبين صحة مخرج المرسل
109
- ( باب من سمي بأسماء الأنبياء )
أي هذا باب في بيان من سمى ابنه أو أحدا من جهته باسم نبي من الأنبياء عليهم السلام وهو جائز وقد قال سعيد بن المسيب أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء عليهم السلام وقد قال سموا باسمي وهذا يرد قول من كره التسمية بأسماء الأنبياء وهي رواية جاءت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق قتادة عن سالم بن أبي الجعد وذكر الطبري وحجة هذا القول حديث الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس رفعه تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم والحكم هذا ضعيف ذكره البخاري في الضعفاء قال وكان أبو الوليد يضعفه

(22/209)


وقال أنس قبل النبي إبراهيم يعني ابنه
هذا تعليق في رواية أبي ذر عن الكشميهني وكذا في رواية النسفي وأخرجه البخاري موصولا في الجنائز
6194 - حدثنا ( ابن نمير ) حدثنا ( محمد بن بشر ) حدثنا ( إسماعيل ) قلت ل ( ابن أبي أوفى ) رأيت إبراهيم بن النبي قال مات صغيرا ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه لكن لا نبي بعده
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن نمير بضم النون وفتح الميم هو محمد بن عبد الله بن نمير نسب لجده ومحمد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة العبدي وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجلي وكل هؤلاء كوفيون وابن أبي أوفى عبد الله الصحابي ابن الصحابي واسم أبي أوفى علقمة
والحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز عن ابن نمير شيخ البخاري عن محمد بن بشر
قوله مات صغيرا كان عمره حين مات ثمانية عشر شهرا وكان موته في ذي الحجة سنة عشر ودفن بالبقيع قال الكرماني المفهوم من جوابه إن ظاهره لا يطابق السؤال لأنه قال رأيت إبراهيم يعني هل رأيته فقال مات صغيرا فهذا ليس جوابه ثم أجاب بقوله الظاهر أنه رآه مات صغيرا قوله ولو قضي على صيغة المجهول أي لو قدر الله أن يكون بعده نبيا لعاش ولكنه خاتم النبيين
6195 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( عدي بن ثابت ) قال سمعت ( البراء ) قال لما مات إبراهيم عليه السلام قال رسول الله إن له مرضعا في الجنة ( انظر الحديث 1312 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الجنائز عن أبي الوليد وفي صفة الجنة عن حجاج بن منهال وهو من أفراده
قوله مرضعا قال الخطابي بضم الميم أي من يتم رضاعه وبفتحها أي إن له رضاعا في الجنة وفي ( الصحاح ) امرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فهي مرضعة بضم أوله فإن وصفتها بإرضاعه قلت مرضعة يعني بفتح الميم قيل المعنى يصح ولكن لم يروه أحد بفتح الميم وفي رواية الإسماعيلي أن له مرضعا ترضعه في الجنة
6196 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( حصين بن حصين بن عبد الرحمان ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) عن ( جابر بن عبد الله الأنصاري ) قال قال رسول الله سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم أقسم بينكم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سموا باسمي وآدم هو ابن أبي إياس وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
والحديث مضى عن قريب في باب قول النبي سموا باسمي ومضى الكلام فيه
قوله أنا قاسم إشارة إلى أن هذه الكنية تصدق على النبي لأنه يقسم مال الله بين المسلمين وغيره ليس بهذه المرتبة
وفيه إشعار بأن الكنية إنما تكون بسبب وصف صحيح في المكنى به
ورواه أنس عن النبي
أي روى هذا الحديث أنس بن مالك عن النبي ومضى الكلام فيه في باب قول النبي سموا باسمي
6197 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبوا عوانة ) حدثنا ( أبو حصين ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار

(22/210)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سموا بإسمي فإنه يدل على جواز التسمية باسم النبي وغيره من الأنبياء عليهم السلام
وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان وأبو صالح ذكوان الزيات وقد مضى صدر الحديث عن قريب
قوله بكنيتي وقع في رواية المستملي والسرخسي هنا بكنوتي قوله ومن رآنيإلى آخره حديثان جمعهما الراوي مع الحديث الأول بالإسناد المذكور وكيفية هذه الرؤية أن الله عز و جل يخلق الرؤية بإرادته وليست مشروطة بمواجهة ومقابلة وشرط وقال الغزالي رحمه الله ليس معناه أنها رأى جسمي بل رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلا آلة النفس فالحق إنما يرى مثال حقيقة روحه المقدسة قيل من أين يعلم الرائي أنه رسول الله لا غيره وأجيب بأن الله عز و جل يخلق فيه علما ضروريا أنه هو قوله فقد رآني ليس بجزاء للشرط حقيقة بل لازمه نحو فليستبشر فإنه قد رآني قوله لا يتمثل بي ويروى لا يتمثل صورتي قوله فليتخذ يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه موضعا لمقامه وقال المحققون هذا الحديث متواتر في العلم
6198 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله بن أبي بردة ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) قال ولد لي غلام فأتيت به النبي فسماه إبراهيم فحنكة بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى ( انظر الحديث 5467 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر وقيل الحارث عن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
والحديث مضى في العقيقة عن إسحاق بن نصر وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة
110
- ( باب تسمية الوليد )
أي هذا باب في ذكر ما جاء من تسمية الوليد وغرضه من وضع هذه الترجمة الرد على ما ءواه الطبراني من حديث ابن مسعود نهى رسول أن يسمى الرجل عبده أو ولده حربا أو مرة أو وليدا فإنه حديث ضعيف جدا وعلى ما رواه عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا ابن عياش وهو إسماعيل قال حدثنا الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ولد لأخي أم سلمة زوج النبي غلام فسموه الوليد فقال رسول الله سميتموه الوليد بأسماء فرا عينكم ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر على هذه الأمة من فرعون لقومه وقال أبو حاتم بن حبان هذا خبر باطل ما قال رسول الله هذا ولا رواه عمر ولا حدث به سعيد ولا الزهري

(22/211)


ولا هو من حديث الأوزاعي بهذا الإسناد قال ابن حبان لما كبر إسماعيل تغير حفظه فكثر الخطأ في حديثه وهو لا يعلم وقد رواه وهو مختلط وقال ابن الجوزي قد رأيت في بعض الروايات عن الأوزاعي أنه قال سألت الزهري عن هذا الحديث فقال إن استخلف الوليد بن يزيد وإلا فهو الوليد بن عبد الملك وهذه الرواية لا أعلم صحتها قلت فإن صحت دلت على ثبوت الحديث والوليد بن يزيد أولى به لأنه كان مشهورا بالإلحاد مبارزا بالعناد وإنما قال أسماء فرا عينكم لأن فرعون موسى اسمه الوليد ولما لم يكن هذان الحديثان وأمثالهما على شرط البخاري لم يذكر شيئا منهما وأورد في الباب الحديث الذي يدل على الجواز
6200 - حدثنا ( أبو نعيم الفضل بن دكين ) حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد ) عن ( أبي هريرة ) قال لما رفع النبي رأسه من الركعة قال أللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة ابن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة من المؤمنين أللهم اشدد وطأتك على مضر أللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله الوليد بن الوليد فإنه أوضح الإبهام الذي في الترجمة ودل على جواز تسمية الوليد
وابن عيينة هو سفيان وسعيد هو ابن المسيب والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب يهوى بالتكبير ومر الكلام فيه
قوله والمستضعفين من عطف العام على الخاص والوطأة الدوس بالقدم والمراد بها هنا الإهلاك أي خذهم أخذا شديدا ومضر قبيلة قريش قوله كسني يوسف وجه التشبيه بسني يوسف هو في امتداد القحط والمحنة والبلاء والشدة والضراء وسقطت النون من سني يوسف للإضافة
111
- ( باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا )
أي هذا باب في بيان من دعا صاحبه بأن خاطبه بالنداء فنقص من اسمه حرفا مثل قولك يا مال في مالك وهذا عبارة عن الترخيم وهو حذف آخر المنادى لأجل التخفيف وإنما اختص بالآخر لأنه محل التغيير في حذفه في جزم المعتل وشرط الترخيم في المنادى أن لا يكون مضافا ولا مستغاثا ولا جملة وفي غير المنادى لا يجوز إلا لضرورة الشعر
وقال أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لي النبي يا أبا هر
أبو حازم بالحاء المهملة والزاي اسمه سلمان الأشجعي الكوفي وهذا التعليق وصله البخاري في الأطعمة وأوله أصابني جهد شديد الحديث وفيه فإذا رسول الله قائم على رأسي فقال يا أبا هر قال ابن بطال هذا لا يطابق الترجمة لأنه ليس من الترخيم وإنما هو نقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير وذلك أنه كناه أبا هريرة وهريرة تصغير هرة فخاطبه باسمها مذكرا فهو نقصان في اللفظ وزيادة في المعنى انتهى وقال بعضهم هو نقص في الجملة لكن كون النقص منه حرفا فيه نظر قلت لا ينبغي للشخص أن يتكلم في فن وليس له يد فيه فليت شعري هذا الذي قاله هل يرد كلام ابن بطال
6201 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها زوج النبي قالت قال رسول الله يا عائشة هاذا جبريل يقرئك السلام قلت وعليه السلام ورحمة الله قالت وهو يرى ما لا نرى
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مضى في بدء الخلق عن عبد الله بن محمد ومضى الكلام فيه
قوله يا عائش ترخيم عائشة يجوز فيه الفتح وعليه الأكثر والضم قوله يقرئك السلام هذا وقرأ

(22/212)


عليك السلام بمعنى واحد قوله قلت ويروى قالت قيل جبريل جسم فإذا كان حاضرا في المجلس فكيف تختص رؤيته بالبعض دون الآخر وأجيب بأن الرؤية أمر يخلقه الله تعالى في الحي فإن خلقها فيه رأى وإلا فلا قوله ما لا نرى ويروى ما لا أرى
6202 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال كانت أم سليم في الثقل وأنجشة غلام النبي يسوق بهن فقال النبي يا أنجش رويدك سوقك بالقوارير
مطابقته للترجمة في قوله يا أنجش فإنه مرخم وأصله يا أنجشة ويجوز فيه الفتح والضم على ما هو قاعدة المرخمات
ووهيب هو ابن خالد وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد
والحديث مضى عن قريب في باب ما يجوز من الشعر
قوله كانت أم سليم وهي أم أنس رضي الله عنهما قوله في الثقل بفتح الثاء المثلثة والقاف وهو متاع المسافر وحشمه وروي بكسر الثاء قال ابن التين الأول هو الذي قرأناه قوله رويدك أي لا تستعجل في سوق النساء فإنهن كالقوارير في سرعة الانفعال والتأثر وقد مرت مباحثه مستقصاة
112
- ( باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل )
أي هذا باب في بيان جواز الكنية للصبي وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عجلوا بكنى أولادكم لا تسرع إليهم ألقاب السوء وقال العلماء كانوا يكنون الصبي تفاؤلا بأنه سيعيش حتى يولد له وللأمن من التقليب لأن الغالب أن من يذكر شخصا فيعظمه أن لا يذكره باسمه الخاص به فإذا كانت له كنية أمن من تلقيبه وقالوا الكنية للعرب كاللقب للعجم قوله وقبل أن يولد أي وفي جواز الكنية أيضا قبل أن يولد للرجل أي قبل أن يجيء له ولد وفي رواية الكشميهني قبل أن يلد الرجل وقد روى الطحاوي وأحمد وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث صهيب أن عمر رضي الله عنه قال له مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد قال إن النبي كناني وروى ابن أبي شيبة عن الزهري قال كان رجال من الصحابة يكتنون قبل أن يولد لهم وأخرج الطبراني بسند صحيح عن علقمة عن ابن مسعود أن النبي كناه أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له
6203 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس ) قال كان النبي أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيم وكان إذا جاء قال يا أبا عمير ما فعل النغير نغر كان يلعب به فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا ( انظر الحديث 6129 )
مطابقة الجزء الأول للترجمة ظاهرة وقال بعضهم والركن الثاني مأخوذ بالإلحاق بل بطريق الأولى قلت هذا كلام غير موجه لأن جواز التكني للصبي لا يستلزم جواز التكني للرجل قبل أن يولد له فكيف يصح الإلحاق به فضلا عن الأولوية والظاهر أنه لم يظفر بحديث على شرطه مطابقا للجزء الثاني فلذلك لم يذكر له شيئا
وعبد الوارث هو ابن عبد المجيد الثقفي وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد
والحديث مر مختصرا في باب الانبساط إلى الناس أخرجه عن آدم عن شعبة عن أبي التياح عن أنس والحديث دل على جواز تكني الصغير وأبو عمير مصغر عمر
قوله أحسبه أي أظنه فطيم أي مفطوم انتهى رضاعه وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند أحمد كان لي أخ صغير وهو أخو أنس من أمه وارتفاع فطيم بأنه صفة لقوله لي أخ وقوله أحسبه

(22/213)


معترض بين الصفة والموصوف ويروى ) فطيما بالنصب على أنه مفعول ثان لأحسبه قوله وكان إذا جاء أي وكان النبي إذا جاء يعني إلى أم سليم فيما زح الصغير فيقول له يا با عمير ما فعل النغير وكان قد مات قوله نغر يعني النغير مصغر نغر بضم النون وفتح الغين المعجمة وهو طير صغير كالعصافير حمر المناقير قوله فربما حضر الصلاة أي ربما حضر النبي إلى آخره قد مر في كتاب الصلاة
113
- ( باب التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى )
أي هذا باب في بيان جواز التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى قبل ذلك وهذا في قصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد تقدمت بأتم من ذلك في مناقبه
114
- ( باب أبغض الأسماء إلى الله )
أي هذا باب يذكر فيه أبغض الأسماء إلى الله عز و جل ولم يبين ما هو أبغض الأسماء اكتفاء بما بينه في حديث الباب
6205 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( أبو شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة )

(22/214)


قال قال رسول الله أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ( انظر الحديث 6205 - طرفه في 6206 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أخنى الأسماء لأن أخنى أفعل من الخنى وهو الفحش من القول وكل فحش قبيح وكل قبيح مبغوض
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة وأبو الزناد بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث من أفراده
قوله أخنى الأسماء كذا وقع في رواية شعيب للأكثرين ووقع في رواية المستملي أخنع أما الأخنى فهو من الخنى بفتحتين مقصورا وقد فسرناه وأما أخنع فهو من الخنوع وهو الذل وقد فسره الحميدي عند روايته به بقوله الأخنع الأذل وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال سألت أبا عمر والشيباني يعني إسحاق اللغوي عن أخنع فقال أوضع والخانع الذليل من خنع الرجل إذا ذل وورد عند مسلم بلفظ أخبث الأسماء وبلفظ أغيظ الأسماء ووقع لابن أبي شيبة عن مجاهد بلفظ أكره الأسماء وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن جابر قال أكره الأسماء إلى الله ملك الأملاك وإنما كان ملك الأملاك أبغض إلى الله وأكره إليه أن يسمى به مخلوق لأنه صفة الله تعالى ولا يليق بمخلوق صفات الله وأسماؤه لأن العباد لا يوصفون إلا بالذل والخضوع والعبودية وقد روى عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعا لا تسموا أبناءكم حكيما ولا أبا الحكم فإن الله هو الحكيم العليم وقال الداودي في الحديث أبغض الأسماء إلى الله خالد ومالك وذلك أن أحدا ليس يخلد والمالك هو الله عز و جل ثم قال وما أراه محفوظا لأن بعض الصحابة كان اسمه خالدا أو مالكا قال صاحب ( التوضيح ) وهذا عجب ففي الصحابة خالد فوق السبعين ومالك في الصحابة فوق المائة وعشرة والعباد وإن كانوا يموتون فالأرواح لا تفنى ثم تعود الأجسام التي كانت في الدنيا وتعود فيها تلك الأرواح ويخلد كل فريق في أحد الدارين وفي التنزيل ( 34 ) ونادوا يا مالك ( الزخرف77 ) الخازن النار واعترض عليه بعضهم بقوله احتجاجه بجواز التسمية بخالد بما ذكر من أن الأرواح لا تفنى فعلى تقدير التسليم ليس بواضح لأن الله سبحانه قد قال لنبيه ( 12 ) وما جعلنا لبشرالخلد ( الأنبياء34 ) والخلد البقاء الدائم بغير موت فلا يلزم من كون الأرواح لا تفنى أن يقال لصاحب تلك الروح خالد انتهى قلت اعتراضه غير واضح ولا وارد لأن نفي الخلد لبشر من قبل النبي إنما هو في الدنيا قوله والخلد البقاء الدائم بغير موت في الدنيا أيضا والنتيجة التي بناها على تلك المقدمة الفاسدة عقيمة وهي قوله فلا يلزمإلى آخره بل يلزم ذلك في الآخرة فافهم قوله ملك الأملاك بكسر اللام من ملك والأملاك جمع ملك بكسر اللام أيضا وقيل التحق بذلك قاضي القضاة وإن كان اشتهر في بلاد المشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة وقد سلم أهل الغرب من ذلك واسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة قلت أول من تسمى قاضي القضاة أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة وفي زمنه كان أساطين الفقهاء والعلماء والمحدثين فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك نعم يمتنع أن يقال أقضى القضاة لأن معناه أحكم الحاكمين والله سبحانه هو أحكم الحاكمين وهذا أبلغ من قاضي القضاة لأنه أفعل التفضيل ومن جهلاء هذا الزمان من مسطري سجلات القضاة يكتبون للنائب أقضى القضاة وللقاضي الكبير قاضي القضاة
6206 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة رواية ) قال أخنع إسم عند الله وقال سفيان غير مرة أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك قال سفيان يقول غيره تفسيره شاهان شاه ( انظر الحديث 6205 )
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قوله رواية أي عن النبي وانتصابه به على التمييز أي من حيث الرواية عن النبي قوله وقال سفيان أي الراوي المذكور قوله غير مرة أي مرارا متعددة قوله يقول غيره أي غير أبو الزناد شاهان شاه ومعناه بالعربي ملك الأملاك لأن شاهان الأملاك لأنه جمع شاه

(22/215)


ويجمع عندهم بالألف والنون في بنى آدم وشاه مفرد ومعناه الملك ولكن من قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف وتقديم الصفة على الموصوف وشاهان بسكون النون لا بكسرها
115
- ( باب كنية المشرك )
أي هذا باب فيه هل يجوز كنية المشرك ابتداء وإذا كانت له كنية هل يجوز خطابه بها وهل يجوز ذكره بها إذا كان غائبا
وقال مسور سمعت النبي يقول إلا أن يريد ابن أبي طالب
هذا التعليق سقط من رواية النسفي وثبت للباقين قوله مسور كذا هو مجرد عن الألف واللام ووقع في رواية أبي نعيم المسور وهو الأشهر بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن مخرمة الزهري وقد تعدد ذكره ووصل البخاري هذا التعليق بتمامه في باب ذب الرجل عن ابنته في أواخر كتاب النكاح حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله يقول وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهمالحديث
6207 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) وحدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) أن ( أسامة بن زيد ) رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارب بن الخزرج قبل وقعة بدر فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذالك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المسلمين عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال لا تغيروا علينا فسلم رسول الله عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا فمن جاءك فقصص عليه قال عبد الله بن رواحة بلاى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذالك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب رسول الله دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال رسول الله أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا فقال سعد بن عبادة أي رسول الله بأبي أنت اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هاذه البحرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذالك بالحق الذي أعطاك شرق بذالك فذالك الذي فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله وكان رسول الله وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما

(22/216)


أمرهم الله ويصبرون على الأذاى قال الله تعالى ( 3 ) ولتسمعن من الذينالكتاب ( آل عمران 186 ) الآية وقال ( 2 ) ود كثيرالكتاب ( البقرة 109 ) فكان رسول الله يتأول في العفو عنهم ما أمره الله به حتى أذن له فيهم فلما غزا رسول الله بدرا فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار وسادة قريش فقفل رسول الله وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفار وسادة قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان هاذا أمر قد توجه فبايعوا رسول الله على الإسلام فأسلموا
مطابقته للترجمة في قوله أبو حباب فإنه كنية عبد الله بن أبي وهو بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره باء موحدة أيضا وهو إسم الشيطان ويقع على الحية أيضا وقيل الحباب حية بعينها والحباب بفتح الحاء الطل الذي يصبح على النبات وحباب الماء نفاخاته التي تطفو عليه
وأخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة والآخر عن إسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق واسمه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن أسامة بن زيد بن حارثة
والحديث مضى في الجهاد مختصرا في باب الردف على الحمار ومضى في تفسير سورة آل عمران بطوله ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء
فقوله قطيفة هي الكساء نسبة إلى فدك بفتح الفاء والدال المهملة والكاف وهي قرية بقرب المدينة قوله من بني الحارث ويروى من بني حارث بدون الألف واللام قوله ابن سلول بالرفع لأنه صفة لعبد الله وسلول إسم أمه قوله واليهود عطف على العبدة أو على المشركين قوله عجاجة الدابة بفتح العين المهملة وتخفيف الجيم الأولى وهي الغبار قوله خمر عبد الله أي غطى قوله لا تغبروا علينا أي لا تثيروا الغبار قوله لا أحسن أفعل التفضيل أي لا أحسن من القرآن إن كان حقا ويجوز أن يكون إن كان حقا شرطا وقوله فلا تؤذنا جزاؤه قيل قاله استهزاء قوله يتثاورون أي يتواثبون قوله أي سعد يعني يا سعد قوله بأبي أنت أي أنت مفدى بأبي قوله هذه البحرة أي البلدة ويروى البحيرة بالتصغير قوله وتوجوه أي جعلوه ملكا وعصبوا رأسه بعصابة الملك وهذا كناية ويحتمل إرادة الحقيقة أيضا قوله شرق بفتح الشين المعجمة وكسر الراء أي غص به وبقي في حلقه لا يصعد ولا ينزل كأنه يموت قوله يتأول من التأول والتأويل ما يؤول إليه الشيء قوله من صناديد الكفار جمع الصنديد وهو السيد الشجاع قوله فقفل رسول الله أي رجع قوله قد توجه أي أقبل على التمام ويقال توجه الشيخ أي كبر قوله وبايعوا بلفظ الأمر أولا والماضي ثانيا
6208 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) حدثنا ( عبد الملك ) عن ( عبد الله بن الحارث بن نوفل ) عن ( عباس بن عبد المطلب ) قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ( انظر الحديث 3883 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله أبا طالب فإنه كنية عبد مناف وهو شقيق عبد الله والد النبي
وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وعبد الملك هو ابن عمير وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب يروي عن عم جده العباس بن عبد المطلب
والحديث مضى في ذكر أبي طالب فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن سفيان عن عبد الملك عن عبد الله بن الحارث إلى آخره ومضى أيضا في صفة الجنة والنار عن مسدد عن أبي عوانة به مختصرا ومضى الكلام

(22/217)


فيه
قوله يحوطك من حاطه إذا حفظه ورعاه قوله في ضحضاح بإعجام الضادين وإهمال الحاءين القريب القعر أي رقيق خفيف ويقال الضحضاح من النار ومن الماء ومن كل شيء وهو القليل الرقيق منه قوله لكان في الدرك الأسفل وهي الطبقة السفلى من أطباق جهنم وقيل الدرك الأسفل توابيت من نار تطبق عليهم وقال ابن مسعود توابيت من حديد تغلق عليهم والأدراك في اللغة المنازل
وقال ابن بطال وفيه جواز تكنية المشرك على وجه التألف وغيره من المصالح وقيل هذه التكنية ليست للإكرام في نفس الأمر وأما تكنية أبي طالب فلاشتهاره بكنيته دون اسمه فإن قيل ما وجه تكنية أبي لهب أجيب بأجوبة الأول أن وجهه كان يتلهب جمالا فجعل الله ما كان يفتخر به في الدنيا ويتزين به سببا لعذابه الثاني للإشارة إلى أنه ( 111 ) سيصلى نارا ذات لهب ( المسد3 ) الثالث أن اسمه عبد العزى وكنيته أبو عتبة وأما أبو لهب فلقب لقب به لجماله وليست بكنية الرابع قاله الزمخشري إن هذه التكنية ليست للإكرام بل للإهانة إذ هي كناية عن الجهنمي إذ معناه تبت يدا جهنمي واعترض عليه بعضم بأن التكنية لا ينظر فيها إلى مدلول اللفظ بل الإسم إذا صدر باب أو أم فهو كنية انتهى قلت كثير من الأسماء المصدرة بالأب أو الأم لم يقصد بها الكنية وإنما يقصد بها إما العلم وإما اللقب ولا يقصد بها الكنية فمن ذلك يقال لرجل من إياد وقيل من نزار أبو أرب يضرب به المثل في كثرة الجماع فيقال أنكح من أبي أرب يقال إنه افتض في ليلة واحدة سبعين عذراء ذكره ابن الأثير في كتاب سماه ( مرصعا ) ومن ذلك أبو براقش ليس له إسم غيرها ويقال أم الأبرد للنمرة من قولهم ثوب أبرد فيه لمع بياض وسواد وأم إحدى وعشرين للدجاجة وأم أحراد بالحاء المهملة بئر مكة عند باب البصريين حفرها خلف بن أسعد الخزاعي وأمثال هذه كثيرة وفيه دلالة على أن الله تعالى قد يعطي الكافر عوضا من أعماله التي مثلها يكون قربة لأهل الإيمان بالله تعالى لأنه أخبر أن عمه نفعته تربيته إياه وحياطته له التخفيف الذي لو لم ينصره في الدنيا لم يخفف عنه فعلم بذلك أنه عوض نصرته لا لأجل قرابته منه فقد كان لأبي لهب من القرابة مثل ما كان لأبي طالب فلم ينفعه ذلك
116
- ( باب المعاريض مندوحة عن الكذب )
قال بعضهم باب منونا قلت ليس كذلك لأن شرط الإعراب التركيب وإنما يكون معربا إذا قلنا هذا باب فيه المعاريض مندوحة كذا وقع في الأصول المعاريض بالياء وكذا أورده ابن بطال وأورده ابن التين بلفظ المعارض بدون الياء ثم قال كذا التبويب والصواب المعاريض كما في رواية أبي ذر والمعاريض جمع معراض من التعريض وهو خلاف التصريح من القول وهو التورية بالشيء عن الشيء ومعنى مندوحة متسعة يقال منه انتدح فلان بكذا ينتدح به انتداحا إذا اتسع به وقال ابن الأنباري يقال ندحت الشيء وسعته قال الطبري يقال انتدحت الغنم في مرابضها إذا تبددت واتسعت من البطنة وانتدح بطن فلان إذا استرخى واتسع وحاصل المعنى المعاريض يستغنى بها الرجل عن الاضطرار إلى الكذب وهذه الترجمة ذكرها الطبري بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وأخرجه ابن أبي عدي عن قتادة مرفوعا ووهاه
وقال إسحاق سمعت أنسا مات ابن لأبي طلحة فقال كيف الغلام قالت أم سليم هدأ نفسه وأرجو أن يكون قد استراح وظن أنها صادقة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله هدأ نفسه وأرجو أن يكون قد استراح فإن أم سليم ورت بكلامها هذا أن الغلام انقطع بالكلية بالموت وأبو طلحة فهم من ذلك أنه تعافى وإسحاق هذا ابن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري وأبو طلحة اسمه زيد وهو زوج أم سليم أم أنس وهذا التعليق سقط من رواية النسفي وهو طرف من حديث مطول أخرجه البخاري في الجنائز في باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة قال حدثني بشر بن الحكم قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا

(22/218)


إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقولالحديث قوله هدأ نفسه من هدأ بالهمز هدوءا إذا سكن ونفسه بفتح الفاء مفرد الأنفاس وبسكونها مفرد النفوس أرادت به سكون النفس لا يسمى كذبا بالموت والاستراحة من بلاء الدنيا ولم تكن صادقة فيما ظنه أبو طلحة وفهمه من ظاهر كلامها ومثل هذا لا يسمى كذبا على الحقيقة بل يسمى مندوحة عن الكذب
6209 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( ثابت البناني ) عن ( أنس بن مالك ) قال كان النبي في مسير له فحدا الحادي فقال النبي ارفق يا أنجشة ويحك بالقوارير
مطابقته للترجمة في قوله إرفق يا أنجشة بالقوارير فإنه ورى بذلك عن النساء ومضى الحديث عن قريب في باب ما يجوز من الشعر
6210 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس وأيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن النبي كان في سفر وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشه فقال النبي رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير قال أبو قلابة يعني النساء
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق وأخرجه من طريقين أحدهما عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس والآخر عن سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد الله بن زيد عن أنس وقد مر في باب ما يجوز من الشعر قوله بالقوارير متعلق بقوله رويدك
6211 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( حبان ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) قال كان ل ( لنبي ) حاد يقال له أنجشه وكان حسن الصوت فقال له النبي رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير قال قتادة يعني ضعفة النساء
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إسحاق قال الغساني لعله ابن منصور عن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالنون ابن هلال الباهلي وهمام هو ابن يحيى بن دينار قوله لا تكسر بالجزم والرفع شبه ضعفه النساء بالقوارير لسرعة التأثير فيهن
6212 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن شعبة قال حدثني قتادة عن أنس بن مالك قال كان بالمدينة فزع فركب رسول الله فرسا لأبي طلحة فقال ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا
قيل ليس حديث الفرس من المعاريض وكذلك حديث القوارير بل هما من باب المجاز قلت نعم كذلك ولكن تعسف من قال لعل البخاري لما رأى ذلك جائزا قال والمعاريض التي هي حقيقة أولى بالجواز
و ( يحيى ) في السند هو ابن سعيد القطان والحديث مضى في الجهاد عن بندار عن غندر وعن أحمد بن محمد عن ابن المبارك
قوله فزع بفتحتين والأصل في الفزع الخوف فوضع موضع الإغاثة والنصر والمعنى هنا أن أهل المدينة استغاثوا فركب النبي فرسا اسمه مندوب كانت لأبي طلحة زيد بن سهل زوج أم أنس قوله وإن وجدناه كلمة إن مخففة من الثقيلة قوله لبحرا أي لواسع الجري شبه جريه بالبحر لسعته وعدم انقطاعه واللام فيه للتأكيد
117
- ( باب قول الرجل للشيء ليس وهو ينوي أنه ليس بحق )

(22/219)


أي هذا باب في بيان قول الرجل للشيء الموجود ليس بشيء والحال أنه ينوي أنه ليس بحق وهذا غالبا يكون مبالغة في النفي كما يقال لمن عمل عملا غير متقن ما عملت شيئا أو قال قولا غير سديد ما قلت شيئا وليس هذا بكذب
وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي للقبرين يعذبان بلا كبير وإنه لكبير
مطابقته للترجمة من حيث إن قوله بلا كبير نفي وقوله وإنه لكبير إثبات فكأنه قول للشيء ليس بشيء وهذا تعليق مر في كتاب الطهارة موصولا بتمامه وهو مر رسول الله بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي في النميمة أي ليس التحرز عنهما بشاق عليكم وهو عظيم عند الله عز و جل وقد مرت مباحثه هناك
6213 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( مخلد بن يزيد ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال ( ابن شهاب ) أخبرني يحياى بن عروة أنه سمع عروة يقول قالت عائشة سأل أناس رسول الله عن الكهان فقال لهم رسول الله ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة
مطابقته للترجمة في قوله ليسوا بشيء قال الخطابي أي فيما يتعاطونه من علم الغيب أي ليس قولهم بشيء صحيح يعتمد كما يعتمد قول النبي الذي يخبر عن الوحي
ومخلد بفتح الميم واللام بينهما خاء مساكنة ابن يزيد من الزيادة وابن جريج عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري و ( يحيى بن عروة ) بن الزبير بن العوام
ومضى الحديث في كتاب الطب في باب الكهانة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن يحيى بن ( عروة ) إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله يكون حقا أي واقعا موجودا قوله فيقرها بفتح القاف وضم الراء قوله قر الدجاجة أي كقر الدجاجة والقر ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه تقول قررته فيه أقره قرا وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته يقال قرت تقر قرأ وقريرا فإن رددته قلت قر قرت قرقرة وفي ( الصحاح ) قر الحديث في أذنه يقره صبه فيها وضبطه بضم القاف وقال ابن الأثير ويروى فيقذفها موضع فيقرها وقال الكرماني والدجاجة بفتح الدال قلت ذكر ابن السكت الكسر أيضا وقال الكرماني ولعل الصواب قر الزجاجة بالزاي ليلائم معنى القارورة الذي في الحديث الآخر قلت قال ابن الأثير ويروى كقر الزجاجة بالزاي أي كصوتها إذا صب فيها الماء قلت حينئذ لا فائدة في قول الكرماني ولعل الصواب ولو اطلع على هذا لم يقل هكذا بكلمة لعل قوله فيها أي في الكلمة الحق أي الواقع
118
- ( باب رفع البصر إلى السماء )
أي هذا باب في بيان جواز رفع البصر إلى السماء وفيه الرد على من قال لا ينبغي النظر إلى السماء تخشعا وتذللا لله تعالى وهو بعض الزهاد وروى عن عطاء السلمي أنه مكث أربعين سنة لا ينظر إلى السماء فحانت منه نظرة فخر مغشيا عليه فأصابه فتق في بطنه وذكر الطبري عن إبراهيم التيمي أنه كره أن يرفع البصر إلى السماء في الدعاء وإنما نهى عن ذلك المصلي في دعاء كان أو غيره كما تقدم في كتاب الصلاة عن أنس رفعه ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهين عن ذلك أو ليخطفن أبصارهم وفي رواية مسلم عن جابر نحوه وفي رواية ابن ماجه عن ابن عمر نحوه وقال أن تلتمع وصححه ابن حبان
وقوله تعالى ( 88 ) أفلا ينظرون إلىكيف رفعت ( الغاشية 1718 )

(22/220)


وقوله بالجر عطف على رفع البصر وفي رواية أبي ذر إلى قوله كيف خلقت وزاد الأصيلي وغيره وإلى السماء كيف رفعت وهذا أولى لأن الاستدلال في جواز رفع البصر إلى السماء بقوله وإلى السماء كيف رفعت أي ولا ينظرون إلى السماء كيف رفعت وهي قائمة على غير عمد وقد ذكر المفسرون في تخصيص الإبل بالذكر وجوها كثيرة منها ما قاله الكلبي إنها تنهض بحملها وهي باركة ومنها ما قاله مقاتل إنها عيس العرب وأعز الأموال عندهم ومنها ما قاله الحسن حين سئل عن هذه الآية وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة إن العرب بعيدة العهد فلا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها ومنها ما قيل إنها في عظمها للحمل الثقيل تنقاد للقائد الضعيف وقال قتادة ذكر الله ارتفاع سرر الجنة وفرشها فقالوا كيف نصعدها فأنزل الله تعالى هذه الآية
وقال أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة رفع النبي رأسه إلى السماء
لم يثبت هذا التعليق إلا لأبي ذر عن الكشميهني والمستملي وهو طرف من حديث أوله مات رسول الله في بيتي ويومي وبين سحري ونحريالحديث وفيه فرفع بصره إلى السماء وقال الرفيق الأعلى أخرجه هكذا أحمد عن إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة وقد مضى للبخاري في الوفاة النبوية من طريق حماد بن زيد عن أيوب بتمامه لكن فيه فرفع رأسه إلى السماء وأخرج مسلم من حديث أبي موسى كان رسول الله كثيرا ما يرفع بصره إلى السماء وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن سلام كان رسول الله إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع رأسه إلى السماء
6215 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( شريك ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال بت في بيت ميمونة والنبي عندها فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد فنظر إلى السماء فقرأ ( 3 ) إن في خلق السماواتلأولي الألباب ( آل عمران190 )
مطابقته للترجمة في قوله فنظر إلى السماء وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري وروى عن محمد ابن جعفر بن أبي كثير عن شريك بفتح الشين المعجمة ابن عبد الله بن أبي نمر بن عبد الله عن كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس وميمونة زوجة النبي
والحديث مضى في باب التهجد في أواخر الصلاة
قوله الآخر ويروى الأخير قوله أو بعضه شك من الراوي ويروى أو بعده والله أعلم
119
- ( باب من نكت العود في الماء والطين )
أي هذا باب في ذكر من نكت العود من النكت بالنون والتاء المثناة من فوق يقال نكت في الأرض إذا أثر فيها
6216 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن عثمان بن غياث حدثنا أبو عثمان عن أبي موسى

(22/221)


أنه كان مع النبي في حائط من حيطان المدينة وفي يد النبي وعود يضرب به بين الماء والطين فجاء رجل يستفتح فقال النبي إفتح وبشره بالجنة فذهبت فإذا أبو بكر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال إفتح له وبشره بالجنة فإذا عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر وكان متكئا فجلس فقال إفتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه أو تكون فذهبت فإذا عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فأخبرته بالذي قال قال الله المستعان
مطابقته للترجمة في قوله عود يضرب به بين الماء والطين وفي رواية الكشميهني في الماء والطين
و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( عثمان بن غياث ) بن بكسر الغين المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة البصري قال الكرماني وفي بعض النسخ يحيى بن عثمان وهو سهو فاحش و ( أبو عثمان ) عبد الرحمن بن مل النهدي وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه واسمه عبد الله بن قيس
ومضى الحديث مطولا في مناقب أبي بكر رضي الله عنه وفي مناقب عمر رضي الله عنه وفي مناقب عثمان رضي الله عنه ومضى الكلام فيه هناك
قوله على بلوى بدون التنوين البلية والحائط هو البستان وفيه بئر أريس بفتح الهمزة وكسر الراء وبإسكان الياء آخر الحروف وبالسين المهملة وكانت عادة العرب أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام والمحافل والخطبة وهي مأخوذة من أصل كريم ومعدن شريف ولا ينكرها إلا جاهل وقد جمع الله لموسى عليه السلام في عصاه من البارهين العظام ما آمن به السحرة المعاندون له واتخذها سليمان بن داود عليهما السلام لخطبته وموعظته وطول صلاته وكان ابن مسعود صاحب عصا رسول الله وكان يخطب بالقضيب وكفى بذلك شرفا للعصا وعلى ذلك كانت الخلفاء والخطباء وذكر أن الشعوبية تنكر على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني وهم طائفة تبغض العرب وتذكر مثالبها وتفضل عليها العجم وفي استعمال الشارع المخصرة الحجة البالغة على من أنكرها
120
- ( باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض )
أي هذا باب في ذكر الرجل ينكت بيده في الأرض
6217 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ومنصور ) عن ( سعد بن عبيدة ) عن أبي عبد الرحمان السلمي عن علي رضي الله عنه قال كنا مع النبي في جنازة فجعل ينكت في الأرض بعود فقال ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ من مقعده من الجنة والنار فقالوا أفلا نتكل قال إعملوا فكل ميسرة ( 29 ) فأما من أعطى واتقى ( لليل5 ) الآية
مطابقته للترجمة في قوله فجعل ينكت في الأرض وابن أبي عدي هو محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري وسليمان قال الكرماني هو التيمي وليس هو الأعمش ومنصور هو ابن المعتمر وسعد بن عبيدة أبو حمزة الكوفي السلمي ختن ( أبي عبد الرحمن السلمي ) واسمه عبد الله المقري الكوفي و ( علي ) بن أبي طالب رضي الله عنه
والحديث مضى في الجنائز بأتم منه ومضى الكلام فيه
قوله فرغ بلفظ المجهول أي حكم عليه بأنه من أهل الجنة والنار وقضى عليه بذلك في الأزل قوله أفلا نتكل أي أفلا نعتمد عليه إذا لمقدر كائن سواء عملنا أم لا فرد عليهم النبي وقال اعملوا فكل ميسر أي فكل واحد منكم ميسر له فإن كان الذي قدر عليه بأنه من أهل الجنة يسر الله عليه عمل أهل الجنة وإن كان من الذي قدر عليه بأنه من أهل النار يسر الله عليه عمل أهل النار قوله فأما من أعطىالآية أشار بها إلى بيان الفريقين المذكورين في قوله فكل ميسر أحدهما هو قوله فأما من أعطى أي ماله في سبيل الله واتقى ربه واجتنب محارمه وصدق بالحسنى يعني

(22/222)


بالخلف يعني أيقن بأن الله سيخلف عليه وهي رواية ابن عباس قوله فسيسره أي فسنهيئه لليسرى أي للحالة اليسرى وهو العمل بما يرضاه الله تعالى والفريق الآخر هو قوله وأما من بخل أي بالنفقة في الخير واستغنى أي عن ربه فلم يرغب في ثوابه فسنيسره للعسرى أي للعمل بما لا يرضاه الله حتى يستوجب النار وقيل سندخله في جهنم والعسر إسم لجهنم
121
- ( باب التكبير والتسبيح عند التعجب )
أي هذا باب في بيان استحباب التكبير بأن يقول الله أكبر واستحباب التسبيح بأن يقول سبحان الله عند التعجب يعني عند استعظام الأمر وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى رد من منع ذلك وقال ابن بطال التسبيح والتكبير معناهما هنا تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن السوء وفيه تمرين اللسان على ذكر الله تعالى
6218 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) حدثني ( هند بنت الحارث ) أن أم سلمة رضي الله عنها قالت استيقظ النبي فقال سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن وماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب الحجر يريد به أزواجه حتى يصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة
مطابقته للترجمة في قوله سبحان الله وأبو اليمان الحكم بن نافع وهند منصرف وغير منصرف بنت الحارث الفراسية بكسر الفاء وبالراء وبالسين المهملة وقيل القرشية وكانت تحت معبد بن المقداد بن الأسود وأم سلمة أم المؤمنين واسمها هند بنت أبي أمية
والحديث مضى في العلم في باب العلم والموعظة فإنه أخرجه هناك عن صدقة عن ابن عيينةالخ وفي صلاة الليل عن محمد بن مقاتل وفي اللباس وفي علامات النبوة ومضى الكلام فيه
قوله من الخزائن أريد بها الرحمة عبر عن الرحمة بالخزائن كقوله خزائن رحمة ربي قوله من الفتن أي العذاب عبر عن العذاب بالفتن لأنها أسباب مؤدية إلى العذاب أو هو من المعجزات لما وقع من الفتن بعد ذلك وفتح الخزائن حين تسلط الصحابة على فارس والروم قوله الحجر جمع حجرة قوله رب فيه لغات وفعله محذوف أي رب كاسية عرفتها والمراد أن اللاتي تلبس رقيق الثياب التي لا تمنع من إدراك لون البشرة معاقبات في الآخرة بقضية التعري أو إن اللابسات للثياب النفيسة عاريات عن الحسنات
واعلم أن هذا الحديث وقع في بعض النسخ قبل هذا الباب أعني باب التكبير وحينئذ لا يناسب ترجمة ذلك الباب قال ابن بطال قلت للمهلب ليس حديث أم سلمة مناسبا للترجمة وقال إنما هو مقو للحديث السابق يعني لما ذكر أن لكل نفس بحكم القضاء والقدر مقعدا من الجنة أو النار أكد التحذير من النار بأقوى أسبابها وهي الفتن والطغيان والبطر عند فتح الخزائن ولا تقصير في أن يذكر ما يوافق الترجمة ثم يتبعه بما يوافق معناه قلت هذه تكلفات وحديث الباب مطابق للترجمة والله أعلم
وقال ابن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر قال قلت للنبي طلقت نساءك قال لا قلت الله أكبر
مطابقته للترجمة في قوله الله أكبر واسم ابن أبي ثور عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور بلفظ الحيوان المشهور من بني نوفل وهذا التعليق طرف من حديث طويل تقدم موصولا في كتاب العلم
6219 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري )
( ح ) وحدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( علي بن الحسين ) أن ( صفية بنت حيي ) زوج النبي ( أخبرته ) أنها جاءت رسول الله تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الغوابر من رمضان فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت تنقلب فقام معها النبي

(22/223)


يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد الذي عند مسكن أم سلمة زوج النبي مر بهما رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله ثم نفذا فقال لهما رسول الله على رسكما إنما هي صفية بنت حيي قالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما ما قال قال إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما
مطابقته للترجمة في قولهما سبحان الله وأخرجه من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري والآخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين عن صفية بنت حي أم المؤمنين
والحديث مضى في الاعتكاف في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه ومضى في صفة إبليس أيضا وفي الخمس أيضا ومضى الكلام فيه
قوله تزوره جملة حالية والواو في وهو معتكف للحال قوله الغوابر أي الباقيات والغابر لفظ مشترك بين الضدين يعني الباقي والماضي قوله تنقلب حال أي تنصرف إلى بيتها قوله يقلبها حال أيضا أي يصرفها إلى بيتها قوله حتى إذا بلغت أي إلى أن بلغت صفية قوله ثم نفذا بالذال المعجمة يقال رجل نافذ في أمره أي ماضي والمعنى نفذا مسرعين من قولهم نفذ السهم من الرمية قوله على رسلكما بكسر الراء أي على هنيتكما ويقال إفعل كذا على رسلك أي اتئذ فيه ولا تستعجل قوله فقالا سبحان الله أي الرجلان المذكوران وقولهما سبحان الله إما حقيقة بمعنى تنزه الله تعالى أن يكون رسوله متهما بما لا ينبغي وإما كناية عن التعجب من هذا القول قوله وكبر بضم الباء الموحدة أي عظم وشق عليهما هذا القو قوله قال أي النبي إن الشيطان يجريإلى آخره قوله مبلغ الدم أي في موضع مبلغ الدم وهو في نفس الأمر تشبيه ووجه الشبه عدم المفارقة وكمال الاتصال قوله ويقذف أي يقذف الشيطان شيئا في قلوبكما تهلكان بسببه لأن مثل هذه التهمة في حقه تكاد تكون كفرا نعوذ بالله
122 -
( باب النهي عن الخذف )
أي هذا باب في بيان النهي عن الخذف بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين وبالفاء وهو رمي الحصى بالأصابع وقال ابن بطال هو الرمي بالسبابة والإيهام والمقصود النهي عن أذى المسلمين
6220 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) قال سمعت ( عقبة بن صهبان الأزدي ) يحدث عن ( عبد الله بن مغفل المزني ) قال نهى النبي عن الخذف وقال إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه يفقأ العين ويكسر السن ( انظر الحديث 4841 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن صهبان بضم الصاد وتخفيف الباء الموحدة وبالنون الأزدي بفتح الهمزة وسكون الزاي وبالدال المهملة نسبة إلى أزدين الغوث قبيلة وعبد الله بن المغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة المزني نسبة إلى مزينة بنت كلب قبيلة كبيرة
والحديث قد مضى في تفسير سورة الفتح عن علي بن عبد الله عن شبابة وفي الصيد والذبائح أيضا
قوله ولا ينكأ أي لا يقتل العدو من النكاية وهو قتل العدو وجرحه قوله يفقأ بالفاء والقاف من الفقء بالهمزة وهو القلع
123
- ( باب الحمد للعاطس )
أي هذا باب في بيان مشروعية الحمد لله للعاطس

(22/224)


124 -
( باب تشميت العاطس إذا حمد الله )
أي هذا باب في بيان مشروعية تشميت العاطس بشرط أن يحمد الله تعالى ولم يعين الحكم اكتفاء بما جاء من حديث الباب
فيه أبو هريرة
أي في تشميت العاطس جاء حديث أبي هريرة يحتمل أن يكون الحديث الذي يأتي في الباب الذي بعده ويحتمل أن يريد به الحديث الذي ذكر في الباب وهو قوله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته
6222 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الأشعث بن سليم ) قال سمعت ( معاوية ابن سويد بن مقرن ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال أمرنا النبي بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإجابة الداعي ورد السلام ونصر المظلوم وإبرار المقسم ونهانا عن سبع عن خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب وعن لبس الحرير والديباج والسندس والمياثر

(22/225)


مطابقته للترجمة في قوله وتشميت العاطس وقال ابن بطال ما ملخصه إن الترجمة مقيدة بالحمد والحديث مطلق وظاهره أن كل عاطس يشمت على التعميم والمناسب للترجمة حديث أبي هريرة لأنه مقيد بالحمد وكان ينبغي أن يقدم حديث أبي هريرة ثم يذكر حديث البراء ثم اعتذر عنه بأن هذا من الأبواب التي أعجلته المنية عن تهذيبها وقال بعضهم نصرة للبخاري ما ملخصه إنه يرد عذره المذكور وإنه إنما الذي فعله إما إشارة إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده وإما في حديث آخر وعد العلماء ذلك من دقيق فهمه وحسن تصرفه فإن إيثار الأخفى على الأجلى شحذا للذهن وبعثا للطالب على تتبع طرق الحديث انتهى قلت أما كلام ابن بطال فإنه غير جلي لأنه لو قدم المقيد على المطلق لأورد عليه بأن المقيد جزء المطلق وتقديم المتضمن للجزء أولى والذي قصده يفهم من هذا الوضع على أن الترتيب ليس بشرط وأما كلام بعضهم فلا يجدي شيئا لأن من وقف على حديث من أحاديث الكتاب يتعسر عليه أن يقف على ما وقع في بعض طرقه وفي تحصيل حديث آخر وقوله فإن في إيثار الأخفىإلى آخره تنويه للناظر وإحالة على تتبع أمر مجهول وهذا ليس بدأب عند العلماء
وحديث البراء هذا مضى في الجنائز عن أبي الوليد وفي المظالم عن سعيد بن الربيع وفي اللباس عن آدم وفي الطب عن حفص بن عمر وفي النكاح عن الحسن بن الربيع وسيأتي في النذور
قوله وتشميت العاطس ظاهر الأمر فيه يدل على أنه واجب وكذلك أحاديث أخر في هذا الباب يدل ظاهرها على الوجوب وبه قال ابن المزين من المالكية وأهل الظاهر وقال بعض الناس إنه فرض عين وعند جمهور العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة إنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إنه مستحب
ثم قوله وتشميت العاطس عام خص به جماعة الأول من لم يحمد وسيأتي في باب مفرد والثاني الكافر وقد أخرج أبو داود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال كانت اليهود يتعاطسون عند النبي رجاء أن يقول يرحمكم وكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم والثالث المزكوم إذا تكرر منه العطاس وزاد على الثلاث وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال شمته واحدة وثنتين وثلاثا فما كان بعد ذلك فهو زكام وأخرجه أبو داود من رواية الليث عن ابن عجلان وقال فيه لا أعلمه إلا رفعه إلى النبي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن العاص شمتوه ثلاثا فإن زاد فهو داء يخرج من رأسه وهو موقوف أيضا ومن طريق عبد الله بن الزبير أن رجلا عطس عنده فشمت ثم عطس فقال في الرابعة أنت مضنوك أي مزكوم والضناك بالضم الزكام قاله ابن الأثير والرابع من يكره التشميت قيل كيف يترك السنة وأجيب بأنها سنة لمن أحبها فأما من كرهها ورغب عنها فلا ويطرد ذلك في السلام والعيادة وقال ابن دقيق العيد والذي عندي أنه لا يمتنع إلا من خاف منه ضررا فأما غيره فيشمت امتثالا للأمر ويناقضه للتكبر في مراده قلت قد جرت العادة عند سلاطين مصر أنه إذا عطس لا يشمته أحد وإذا دخل عليه أحد لا يسلم عليه والذي قاله الشيخ يعمل فيه بالتفصيل المذكور والخامس عند الخطبة يوم الجمعة لأن التشميت يخل بالإنصات المأمور به والسادس من عطس وهو يجامع أو في الخلاء فيؤخر ثم يحمد ويشمته من سمعه فلو خالف فحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت قال بعضهم فيه نظر قلت النظر أنه يشمت لظاهر الحديث
قوله وإبرار المقسم أي تصديق من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله ويروى وإبرار القسم قوله أو قال حلقة الذهب شك من الراوي قوله والسندس هو ما رق من الديباج ورفع قوله والمياثر جمع الميثرة بكسر الميم من الوثارة بالثاء المثلثة والراء وهي مركب كانت النساء تصنعه لأزواجهن على السروج فإن قلت المنهيات خمسة لا سبعة هنا قلت السادس القسي والسابع آنية الفضة ذكرهما في كتاب اللباس
125
- ( باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب )
أي هذا باب في بيان الذي يستحب من العطاس وكراهة التثاؤب وهو بالهمزة على الأصح وقيل بالواو وقيل التثاؤب

(22/226)


على وزن التفاعل وهو النفس الذي ينفتح منه الفم من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل ولذلك أحبه الشيطان وضحك منه والعطاس سبب لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات عنه وصفاء الروح ولذلك كان أمره بالعكس
6223 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) حدثنا ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي إن الله يحب العطاس ويكره التثاوب فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع فإذا قال ها ضحك منه الشيطان ( انظر الحديث 3289 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن سعد القرشي المدني وسعيد المقبري ابن كيسان المدني والمقبري بضم الباء الموحدة وفتحها وكان يسكن عند مقبرة فنسب إليها
والحديث مضى في بدء الخلق عن عاصم بن علي
قوله إن الله يحس العطاس يعني الذي لا ينشأ من الزكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم كذا قاله بعضهم قلت ظاهره التعميم لكن خرج منه الذي يعطس أكثر من ثلاث مرات كما ذكرناه عن قريب قوله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته ظاهره الوجوب ولكن نقل النووي الاتفاق على الاستحباب وقد مر بيان الخلاف فيه ويستدل به على استحباب مبادرة العاطس بالتحميد قوله من الشيطان إنما نسب التثاؤب إليه لأنه هو الذي يزين للنفس شهوتها وهو من امتلاء البدن وكثرة المأكل وقيل ما تثاءب نبي قط لأنه لا يضاف إليه عمل للشيطان فيه حظ قوله فليرده يعني إما بوضع اليد على الفم وإما بتطبيق الشفتين وذلك لئلا يبلغ الشيطان مراده من ضحكه عليه من تشويه صورته أو من دخوله فمه كما جاء في بعض الروايات ويخفض صوته ولا يمده في تثاؤبه وقد كره ذلك في العطاس فضلا عن التثاؤب وقالوا ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطسة صوته وأن يزوجه بالحمد وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه ولا يلوى عنقه يمينا ولا شمالا لئلا يتضرر بذلك وأخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي هريرة قال كان النبي إذا عطس وضع يده على فمه وخفض صوته قوله فإذا قال ها ضحك منه الشيطان ولفظه ها حكاية صوت المتثاوب يعني إذ بالغ في الثوباء ضحك منه الشيطان فرحا بذلك
126
- ( باب إذا عطس كيف يشمت )
أي هذا باب يذكر فيه إذا عطس أحد كيف يشمت على صيغة المجهول أي كيف يشمته السامع يعني ما يقول له وفي الحديث بينه
6224 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد العزيز بن سلمة ) أخبرنا ( عبد الله بن دينار ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله وليلل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح ما أبهمه في الترجمة
وأبو صالح ذكوان الزيات ورجاله كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وهو من رواية تابعي عن تابعي
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن الربيع بن سليمان
قوله فليقل الحمد لله كذا في جميع نسخ البخاري وكذا أخرجه النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم وفي رواية أبي داود عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز المذكور فيه بلفظ فليقل الحمد لله على كل حال قوله وليقل له أخوه أو صاحبه شك من الراوي والمراد بالأخوة أخوة الإسلام وقال ابن بطال ذهب إلى هذا قوم فقالوا يقول له يرحمك الله يخصه بالدعاء وحده وأخرج الطبري عن ابن مسعود قال يقول يرحمنا الله وإياكم

(22/227)


وأخرج البخاري في ( الأدب المفرد ) بسند صحيح عن أبي جمرة بالجيم سمعت ابن عباس إذا شمت يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله وفي ( الموطأ ) عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم قوله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى هذا وذهب الكوفيون إلى أن يقول يغفر الله لنا ولكم وأخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما وقال ابن بطال ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين قوله بالكم أي شأنكم وقيل البال الحال وقيل القلب
127 -
( باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله )
أي هذا باب يذكر فيه لا يشمت العاطس على صيغة المجهول يعني لا يقال له يرحمك الله إذا لم يحمد عند العطسة
6225 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( سليمان التيمي ) قال سمعت ( أنسا ) رضي الله عنه يقول عطس رجلان عند النبي فشمت أحدهما ولم يشمت ااخر فقال الرجل يا رسول الله شمت هاذا ولم تشمتني قال إن هاذا حمد الله ولم تحمد الله ( انظر الحديث 6221 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى عن قريب في باب تشميت العاطس إذا حمد الله عز و جل فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة وهاهنا عن آدم عن شعبة
128
- ( باب إذا تثاوب فليضع يده على فيه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا تثاوب أحد فليضع يده على فيه أي فمه وتثاوب بالواو في أكثر الروايات وفي رواية المستملي التثاؤب بالهمزة بدل الواو وقد وقع الكلام فيه عن قريب
6226 - حدثنا ( عاصم بن علي ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاوب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاوب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ( انظر الحديث 3289 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن عموم الرد بيشمل وضع اليد على الفم وقد روى مسلم وأبو داود من طريق سهل بن أبي صالح عن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن أبيه بلفظ إذا تثاوب أحدكم فليمسك بيده على فمه
والحديث قد مر عن قريب في باب ما يستحب من العطاس ومضى الكلام فيه قيل إذا وقع التثاؤب كيف يرده وأجيب بأن المعنى أذا أراد التثاؤب أو أن الماضي بمعنى المضارع وقيل ضحك الشيطان حقيقة أو هو مجاز عن الرضا به وأجيب بأن الأصل هو الحقيقة فلا ضرورة إلى العدول عنها فإن قلت أكثر روايات ( الصحيحين ) أن التثاؤب مطلق وجاء مقيدا بحالة الصلاة في رواية لمسلم من حديث أبي سعيد إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل قلت قال شيخنا زين الدين رحمه الله يحمل المطلق على المقيد وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته وقيل المطلق إنما يحمل على المقيد في الأمر لا في النهي وقال ابن العربي ينبغي كظم التثاوب في كل حال وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة وقوله في رواية مسلم فإن الشيطان يدخل يحتمل أن يراد به الحقيقة والشيطان وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرا لله عز و جل والمتثاوب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه

(22/228)


79 -
( كتاب الاستئذان )
أي هذا كتاب في بيان أمر الاستئذان وهو طلب الإذن في الدخول في محل لا يملكه المستأذن وذكر ابن بطال في شرح هذا الكتاب قبل كتاب اللباس بعد المرتدين والمحاربين ولم يدر ما كان مراده من ذلك
1
- ( باب بدء السلام )
أي هذا باب في بيان بدء السلام والبدء بفتح الباء الموحدة وسكون الدال المهملة وبالهمزة في آخره بمعنى الابتداء أي أول ما يقع السلام وإنما ترجم بالسلام للإشارة إلى أنه لا يؤذن لمن لم يسلم وقد أخرج أبو داود عن ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن ربعي بن حراش حدثني رجل أنه استأذن على النبي وهو في بيته فقال أألج فقال لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه فقال قل السلام عليكم أأدخلالحديث وصححه الدارقطني
6227 - حدثنا يحياى بن جعفر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي قال خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال إذهب فسلم على أولائك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ( انظر الحديث 3326 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فسلم على أولئك النفر من الملائكة فإن فيه البدء بالسلام
و ( يحيى بن جعفر ) بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي بكسر الباء الموحدة مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين و ( عبد الرزاق ) بن همام و ( معمر ) بفتح الميمين ابن راشد البصري و ( همام ) بتشديد الميم ابن منبه بفتح النون وتشديد الباء الموحدة المكسورة الصنعاني
والحديث قد مضى في خلق آدم عن عبد الله بن محمد وليس فيه لفظ على صورته ولا فيه لفظ النفر ولا لفظ جلوس ولا لفظ بعد والباقي مثله وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاقإلى آخره
قوله على صورته أي على صورة آدم لأنه أقرب أي خلقه في أول الأمر بشرا سويا كامل الخلقة طويلا ستين ذراعا كما هو المشاهد بخلاف غيره فإنه يكون أولا نطفة ثم علقه ثم مضغة ثم جنينا ثم طفلا ثم رجلا حتى يتم طوله فله أطوار وقال ابن بطال أفاد بذلك إبطال قول الدهرية إنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة ولا نطفة إلا من إنسان وقول القدرية إن صفات آدم على نوعين ما خلقها الله تعالى وما خلقها آدم بنفسه قال وقيل إنه مر برجل يضرب عبده في وجهه لطما فزجره عن ذلك وقال خلق الله آدم على صورته فالهاء كناية عن المضروب وجهه قال وقد يقال هو عائد إلى الله تعالى لكن الصورة هي الهيئة وذلك لا يصح إلا على الأجسام فمعنى الصورة الصفة كما يقال عرفني صورة هذا الأمر أي صفته يعني خلق آدم على صفته أي حيا عالما سميعا بصيرا متكلما أو هو إضافة تشريفية نحو بيت الله وروح الله لأنه ابتدأها لا على مثال سابق بل بمحض الاختراع فشرفها بالإضافة إليه قوله طوله ستون ذراعا ولم يبين عرضه هنا وجاء أن عرضه كان سبعة أذرع قوله النفر بفتح الفاء وسكونها عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة وهو مجرور في الرواية ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم النفر من الملائكة وقال بعضهم ويجوز الرفع والنصب قلت لا وجه للنصب إلا بتكلف قوله جلوس جالس وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر ومن حيث العربية يجوز نصبه على الحال قوله فاستمع في رواية الكشميهني فاسمع قوله ما يحيونك من التحية كذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر ما يجيبونك بالجيم من الجواب قوله فإنها أي فإن الكلمات التي يحيون بها قيل المراد من قوله ذريتك المسلمون قوله

(22/229)


السلام عليكم هكذا كان ابن عمر يقول في سلامه وفي رده وقال ابن عباس السلام ينتهي إلى البركة ولا ينبغي أن يقول في السلام سلام الله عليك ولكن عليك السلام أو السلام عليكم وأقل السلام السلام عليكم فإن كان واحدا خاطب والأفضل الجمع لتناوله ملائكته وأكمل منه زيادة ورحمة الله وبركاته اقتداء بقوله عز و جل ( 11 ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( هود11 ) ويكره أن يقول المبتدي عليكم السلام فإن قالها استحق الجواب على الصحيح من أقوال العلماء وقيل لا يستحق روى الترمذي أن النبي قال لأبي جري الهجمي لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى وقال حديث صحيح والأفضل الأكمل في الرد أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بالواو وقال النووي فلو حذفها جاز وكان تاركا للأفضل ولو اقتصر على وعليكم السلام أجزأه ولو اقتصر على وعليكم لم يجزه ولو قال وعليكم بالواو قال النووي ففي إجزائه وجهان لأصحابنا وأقل السلام ابتداء وردا أن يسمع بصاحبه ولا يجزئه دون ذلك ويشترط كون الرد على الفور فإن أخره ثم رد لم يعد جوابا وكان آثما بتركه ولو أتاه سلام من غائب مع رسول أو في ورقة وجب الرد على الفور ويستحب أن يرد على المبلغ أيضا فيقول وعليك وعليه السلام ولو كان السلام على أصم فينبغي الإشارة مع التلفظ ليحصل الإفهام وإلا فلا يستحق جوابا وكذا إذا سلم عليه الأصم وأراد الرد عليه فيتلفظ باللسان ويشير بالجواب ولو سلم على الأخرس فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة استحق الجواب قوله فقالوا السلام عليك ورحمة الله كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني فقالوا وعليك السلام ورحمة الله قوله فكل من يدخل الجنة مبتدأ وقوله على صورة آدم خبره وفي رواية أبي ذر فكل من يدخل يعني الجنة وكان لفظ الجنة سقط من روايته فزاد فيه يعني الجنة قوله ينقص أي طوله
وفيه الإشعار بجواز فناء العالم كله كما جاز فناء بعضه وقال المهلب فيه أن الملائكة يتكلمون بالعربية ويتحيون بتحية الإسلام وفيه الأمر بتعلم العلم من أهله
2 - ياأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذالكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيهآ أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( النور2729 )
هذه ثلاث آيات ساقها الأصيلي وكريمة في روايتهما وفي رواية أبي ذر قوله لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم إلى قوله وما تكتمون وسبب نزول قوله تعالى الله أيها الذين آمنواالآية ما ذكره عدي بن ثابت قال جاءت امرأة من الأنصار فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد والدولا ولد فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحالة فكيف أصنع فنزلت هذه الآية قوله حتى تستأنسوا قال الثعلبي أي تستأذنوا قال ابن عباس إنما هو تستأذنوا ولكن أخطأ الكاتب وكان أبي وابن عباس والأعمش يقرؤونها كذلك حتى تستأذنوا وفي الآية تقديم وتأخير تقديره حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا وقال البيهقي يحتمل أن يكون ذلك في القراءة الأولى ثم نسخت تلاوته معنى ولم يطلع عليه ابن عباس رضي الله عنهما والمراد بالاستئناس الاستئذان بتنحنح ونحوه عند الجمهور وأخرج الطبري عن مجاهد حتى تستأنسوا تتنحنحوا أو تنخموا وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف من حديث أبي أيوب قال قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستئناس قال يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت وأخرج الطبري من طريق قتادة الاستئذان ثلاثا فالأولى ليسمع والثانية ليتأهبوا له والثالثة أن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا أرادوا والاستئناس في اللغة طالب الإيناس وهو من الأنس بالضم ضد الوحشة وقال البيهقي معنى تستأنسوا تستبصروا ليكون الداخل على بصيرة فلا يصادف ما لا يكره صاحب المنزل أن يطلعوا عليه وأخرج من طريق البراء قال الاستئناس في كلام العرب

(22/230)


معناه انظروا من في الدار وقال بعضهم وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان ثم قال وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك قلت هذا قتادة قد فسر الاستئناس بالاستئذان كما ذكرناه الآن فقصد هذا القائل إظهار ما في قلبه من الحقد للحنفية قوله ذلكم أي الاستئذان والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن قوله تذكرون أصله تتذكرون فحذفت إحدى التاءين قوله فإن لم تجدوا فيها أي في البيوت أحدا من الآذنين فلا تدخلوها فاصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم ويحتمل فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها قوله فارجعوا ولا تقفوا على أبوابها ولا تلازموها قوله هو أي الرجوع أزكى أي أطهر وأصلح فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن في طريق الشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة بغير استئذان قوله فيها متاع لكم أي منفعة لكم واختلفوا في هذه البيوت ما هي قال قتادة هي الخانات والبيوت المبنية للسائلة يأوو إليها ويأووا أمتعتهم فيها وقال مجاهد كانوا يضعون بطريق المدينة أقتابا وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد وكانت الطرقات إذ ذاك آمنة فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن وعن محمد بن الحنفية وأبيه علي رضي الله عنهما هي بيوت مكة وقال الضحاك هي الخربة التي يأوي إليها المسافر في الصيف والشتاء وقال عطاء هي البيوت الخربة والمتاع قضاء الحاجة فيها من البول وغيره وقال ابن زيد هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق وقال ابن جريج هي جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن فيها على العموم
وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال إصرف بصرك عنهم قول الله عز و جل ( 42 ) قل للمؤمنينفروجهم ( النور30 ) وقال قتادة عما لا يحل لهم
وجه ذكر هذا عقيب ذكر الآيات الثلاث المذكورة الإشارة إلى أن أصل مشروعية الاستئذان الاحتراز من وقوع النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بلا إذن ثم قوله وقال سعيد بن أبي الحسنإلى آخر ما ذكرناه كذا هو في رواية الكشميهني فالحسن استدل بالآية المذكورة وذكر البخاري أثر قتادة تفسيرا لها وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري تابعي ثقة قال البخاري مات قبل الحسن البصري قوله قال اصرف أي قال الحسن البصري لأخيه إصرف بصرك عنهن قوله قول الله عز و جل ويروى يقول الله تعالى ذكره في معرض الاستدلال ويجوز في قول الله الفرع والنصب أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا قول الله وأما النصب فعلى تقدير إقرأ قول الله عز و جل وأتر قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى ( 42 ) ويحفظوا فروجهم ( النور31 ) إلى آخره وعلى هذه الرواية وهي رواية الأكثرين تكون ترجمة مستأنفة
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن
هذه أيضا من تتمة استدلال الحسن بها غير أن أثر قتادة تخلل بينهما كذا وقع للأكثرين وسقط جميع ذلك من رواية النسفي فقال بعد قوله حتى تستأنسوا الآيتين وقول الله عز و جل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهمالآية وقل للمؤمنات يغضضن
خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه
كذا وقع في رواية الأكثرين بضم النون في قوله ما نهي عنه يعني على صيغة المجهول ووقع في رواية كريمة إلى ما نهى الله عنه قال الله عز و جل ( 04 ) يعلم خائنة الأعين ( غافر19 ) وهي صفة للنظرة أي يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس في قوله تعالى يعلم خائنة الأعين قال هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن به غض بصره وقد علم الله تعالى أنه يود أن لو اطلع على فرجها وإذا قدر عليها الزنى بها وقال الكرماني

(22/231)


وأما خائنة الأعين التي ذكرت في الخصائص النبوية فهي الإشارة بالعين إلى مباح من الضرب ونحوه لكن على خلاف ما يظهره بالقول
وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة
كذا وقع في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني في النظر إلى ما لا يحل من النساء لا يصلح الخ وفي روايته أيضا النظر إليهن أي إلى النساء وأما الضمير الذي في قوله إليه فإنه يرجع إلى شيء منهن ومنه أخذ ابن القاسم أنه لا يجوز للرجل أن يغسل الصغيرة الأجنبية الميتة خلافا لأشهب وهذا الأثر والذي بعده قد سقطا من رواية النسفي
وكره عطاء النظر إلى الجواري التي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري
عطاء هو ابن أبي رباح ووصل أثره ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي قال سئل عطاء بن أبي رباح عن الجواري اللاتي يبعن بمكة فكره النظر إليهن إلا لمن يريد أن يشتري
6228 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سليمان بن يسار ) أخبرني ( عبد الله بن عباس ) رضي الله عنهما قال أردف رسول الله الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبي للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه قال نعم
وجه ذكر هذا الحديث هنا هو أن فيه غض البصر خشية الفتنة وقد تكرر رجاله جدا وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث قد مضى في الحج في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة ومضى الكلام فيه
قوله على عجز راحلته بفتح العين المهملة وضم الجيم وبالزاي أي مؤخرها قوله وضيئا أي لحسن وجهه ونظافة صورته قوله خثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وبالميم وهي قبيلة قوله وضيئة أي حسنة الوجه تضيء من حسنها قوله فطفق الفضل أي جعل الفضل ينظر إليها قوله فأخلف بيده أي مد يده إلى خلفه ويروى فاخلف يده قوله فهل يقضي عنه أي فهل يجزي عنه
3 - ( حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا أبو عامر حدثنا زهير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال إياكم والجلوس بالطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
مناسبة ذكر هذا هنا كون غض البصر فيه صريحا وعبد الله بن محمد هو المسندي وأبو عامر عبد الملك العقدي بفتح

(22/232)


العين المهملة والقاف وزهير مصغر زهر بن محمد التيمي الخراساني وزيد بن أسلم بلفظ أفعل التفضيل أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعطاء بن يسار ضد اليمين وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في المظالم عن معاذ بن فضالة قوله إياكم للتحذير والجلوس بالنصب والباء في بالطرقات بمعنى في وكذا في رواية الكشميهني في الطرقات وفي رواية حفص بن ميسرة على الطرقات وهو جمع طرق بضمتين جمع طريق قوله بد بضم الباء الموحدة وتشديد الدال أي ما لنا من مجالسنا افتراق قوله إذا أبيتم أي إذا امتنعتم هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره فإذا أبيتم بالفاء قوله إلا المجلس بفتح اللام مصدر ميمي أي الجلوس وقد تقدم في المظالم إلى المجلس بكلمة إلى وقبله فإذا أتيتم من الإتيان قوله وكف الأذى من نحو التضيق على المارين واحتقارهم به وعيبهم له وامتناع النساء من الخروج إلى أشغالهن بسبب قعودهم في الطريق والاطلاع على أحوال الناس مما يكرهونه -
3 -
( باب السلام من أسماء الله تعالى )
أي هذا باب يذكر فيه أن السلام من أسماء الله تعالى وارتفاع السلام على أنه مبتدأ وقوله من أسماء الله خبره والتقدير كائن من أسماء الله قال الله عز و جل الملك القدوس السلام وقال الطيبي في تفسير هذا الإسم السلام مصدر نعت به والمعنى ذو السلامة من كل آفة ونقيصة أي الذي سلمت ذاته من الحدوث والعيب وصفاته عن النقص وأفعاله عن الشر المحض فإن ما تراه من الشرور مقضي لا لأنه كذلك بل لما يتضمنه من الخير الغالب الذي يؤدي تركه إلى شر عظيم فالمقضي والمفعول بالذات هو الخير والشر داخل تحت القضاة فعلى هذا يكون من أسماء التنزيه وقال عياض معنى السلام إسم الله أي كلأ الله عليك وحفظه كما يقال الله معك ومصاحبك وقيل معناه أن الله مطلع عليك فيما تفعل وقيل معناه السلامة كما قال تعالى ( 65 ) فسلام لك من أصحاب اليمين ( الواقعة 91 ) وقيل السلام يطلق بإزاء معان منها السلامة ومنها أنه إسم من أسماء الله تعالى وقد يأتي بمعنى السلامة محضا وقد يأتي بمعنى التحية محضا وقد يأتي مترددا بين المعنيين كقوله تعالى ( 4 ) ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ( لنساء94 ) فإنه يحتمل التحية والسلامة وقوله تعالى ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم ولقد زينا السمآء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ( يس5758 ) وهذه الترجمة لفظ بعض حديث مرفوع لكن ليس على شرطه فلذلك أورد ما يؤدي معناه على شرطه وهو حديث في التشهد وفيه فإن الله هو السلام وثبت في القرآن السلام المؤمن وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس موقوفا فالسلام إسم الله وهو تحية أهل الجنة
( 4 ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( النساء86 )
أشار بهذه الآية الكريمة إلى أن عموم الأمر بالتحية مخصوص بلفظ السلام وعليه اتفاق العلماء إلا ما حكى ابن التين عن بعض المالكية إن المراد بالتحية في الآية الهدية وحكى القرطبي أنه قول الحنفية أيضا قلت نسبة هذا إلى الحنفية غير صحيحة وهذا قول يخالف قول المفسرين فإنهم قالوا معنى الآية إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم أو ردوا عليه بمثل ما سلم به فالزيادة مندوبة والمماثلة مفروضة وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيا ذلك بأن الله يقول ( 4 ) فحيو بأحسنردوها وقال قتادة فحيوا بأحسن منها يعني للمسلمين أو ردوها يعني لأهل الذمة وقال ابن كثير وفيه نظر
6230 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق ) عن ( عبد الله ) قال كنا إذا صلينا مع النبي قلنا السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان وفلان فلما انصرعف النبي أقبل علينا بوجهه فقال إن الله هو السلام فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي

(22/233)


ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنه إذا قال ذالك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يتخير بعد من الكلام ما شاء
مطابقته للترجمة في قوله إن الله هو السلام وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود
والحديث مضى في الصلاة في باب التشهد في الأخيرة فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن الأعمش عن شقيقإلى آخره وأخرجه أيضا في باب ما يتخير من الدعاء فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن الأعمشإلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله قبل عباده أي قبل السلام على عباده ويرو قبل بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي من جهة عباده وفيما مضى السلام على الله من عباده وفيما مضى السلام على الله من عباده قوله فلما انصرف أي من الصلاة قوله ويتخير أي يختار والتخير والاختيار بمعنى واحد قاله الكرماني قلت ليس كذلك لأن التخير أن يخير غيره والاختيار أن يختار لنفسه وأيضا يتخير ليس مصدره التخيير وإنما مصدره التخير على وزن التفعل
4 -
( باب تسليم القليل على الكثير )
أي هذا باب في بيان تسليم القليل على الكثير والقلة والكثرة أمر نسبي فالواحد قليل بالنسبة إلى الإثنين والإثنان بالنسبة إلى الثلاث وعلى هذا
6231 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن المبارك ومعمر هو ابن راشد وهمام بتشديد الميم ابن منبه على أنه فاعل من التنبيه
والحديث أخرجه الترمذي في الاستئذان عن سويد بن نصر عن ابن المبارك
قوله يسلم الصغير أي ليسلم لأنه خبر بمعنى الأمر وقد ورد صريحا في رواية عبد الرزاق عن معمر عند أحمد بلفظ ليسلم
5 -
( باب تسليم الراكب على الماشي )
أي هذا باب في بيان تسليم الراكب على الماشي هو رواية الكشميهني وفي رواية غيره باب يسلم الراكب بلفظ المضارع
6232 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( مخلد ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( زياد ) أنه سمع ( ثابتا ) مولى عبد الرحمان بن زيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام بتخفيف اللام في الأصح ومخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد بالزاي الحراني وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وزياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن سعد الخراساني ثم المكي وثابت بالثاء المثلثة ابن عياض مولى ( عبد الرحمن بن زيد ) بن الخطاب وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في المصراة
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن عقبة بن مكرم ومحمد بن مرزوق وأخرجه أبو داود فيه عن يحيى بن حبيب
6
- ( باب تسليم الماشي على القاعد )

(22/234)


أي هذا باب في بيان تسليم الماشي على القاعد
6233 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( زياد ) أن ( ثابتا ) أخبره وهو مولى ( عبد الرحمان بن زيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه وروح بن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة والحديث هو الذي قبله ولكنه أخرجه من وجه آخر
7
- ( باب تسليم الصغير على الكبير )
أي هذا باب يذكر فيه تسليم الصغير على الكبير
6234 - وقال ( إبراهيم ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( صفوان بن سليم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم هو ابن طهمان وثبت كذلك في رواية أبي ذر قال الكرماني وإنما قال بلفظ قال لا بلفظ حدثني ونحوه لأنه سمع منه في مقام المذاكرة لا في مقام التحميل والتحديث قيل هذا غلط لأن البخاري لم يدرك إبراهيم بن طهمان فضلا من أن يسمع منه مات قبل مولد البخاري بست وعشرين سنة ووصله البخاري في ( الأدب المفرد ) وقال حدثني أحمد بن أبي عمر حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان به سواء وأبو عمر هو حفص بن عبد الله ابن راشد السلمي قاضي نيسابور
قوله والمار على القاعد وهذا أبلغ من رواية ثابت التي قبلها بلفظ الماشي لأنه أعم من أن يكون المار راكبا أو ماشيا وروى الترمذي من حديث أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد أن رسول الله قال يسلم الفارس على الماشي والماشي على القائم والقليل على الكثير وقال هذا حديث صحيح وأبو علي الجنبي اسمه عمرو بن مالك وقال بعضهم إذا حمل القائم على المستقر كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو متكئا أو مضطجعا وإذا أضيفت هذه الصور إلى الراكب تعددت الصور قلت هذا كلام لا يصح من حيث اللغة ولا من حيث الاصطلاح ولا من حيث العرف فإن أحدا لا يقول للقائم جالس ولا متكىء ولا مضطجع وإذا تلاقى راكبان أو ماشيان قال المازري يبدأ الأدنى منهما الأعلى إجلالا لفضله وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام
8
- ( باب إفشاء السلام )
أي هذا باب في بيان إفشاء السلام أي إظهاره والمراد نشره بين الناس فيسلم على من يعرف ومن لا يعرف وبه ورد الأثر على ما يأتي عن قريب ولفظ باب هذا ثابت في رواية النسفي وأبي الوقت وليس لغيرهما ذلك
6235 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( الشيباني ) عن ( أشعث بن أبي الشعثاء ) عن ( معاوية ابن سويد بن مقرن ) عن ( البراء بن عازب ) رضي الله عنهما قال ( أمرنا ) رسول الله ( بسبع ) بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشنيت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار المقسم ونهاى عن الشرب في الفضة ونهانا عن تتتم الذهب وعن ركوب المياثر وعن لبس الحرير والديباج والقسي والاستبرق
مطابقته للترجمة في قوله وإفشاء السلام وهي من لفظ الحديث
وقتيبة بن سعيد وجرير بن عبد الحميد والشيباني هو

(22/235)


أبو إسحاق سليمان
والحديث قد مضى في أواخر كتاب الأدب أخرجه عن سليمان بن حرب عن شعبة عن الأشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن المقرن عن البراء وأخرجه في الجنائز عن أبي الوليد وأخرجه في المظالم عن سعيد بن الربيع وفي اللباس عن آدم وعن محمد بن مقاتل وقبيصة وفي الطب في حفص بن عمرو في الأدب عن سليمان بن حرب وفي النذور عن بندار عن غندر وفي النكاح عن الحسن بن الربيع وفي الأشربة عن موسى بن إسماعيل وفي النذور أيضا عن قبيصة
ونبين ما في هذه الروايات من الاختلاف بالزيادة والنقصان أما هنا فإثنان من السبعة نصر الضعيف وعون المظلوم وفي الجنائز ذكر إجابة الداعي ونصر المظلوم ولم يذكر هنا إجابة الداعي وذكر عون المظلوم عوض نصر المظلوم ووجهه أن التخصيص بالعدد في الذكر لا ينفي الغير أو أن الضعيف أيضا داع والنصر إجابة وبالعكس وذكر هنا إفضاء السلام وهناك رد السلام وهما متلازمان شرعا وأما في المظالم فكذلك ذكر إجابة الداعي ونصر المظلوم وهنا ذكر عون المظلوم وعونه هو نصره
وأما في اللباس فمن ثلاث طرق أحدها عن آدم ففيه إجابة الداعي ونصر المظلوم والثاني عن محمد ابن مقاتل فأخرجه مختصرا نهانا النبي عن المياثر الحمر وعن القسي والثالث عن قبيصة أمرنا النبي بسبع عيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونهانا عن لبس الحرير والديباج والقسي والاستبرق ومياثر الحمر وأما في الطب فالنهي مقدم والأمر مؤخر فذكر في النهي ستة السادس الميثرة وذكر في الأمر ثلاثة أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونفشي السلام وأما في الأدب فقدم الأمر وذكر الستة إثنان منها إجابة الداعي ونصر المظلوم وفيه لفظ رد السلام موضع إفشاء السلام وذكر في النهي ستة أيضا آخرها والمياثر وفيه لفظ الديباج والسندس وأما في النذور فعن قبيصة وبندار مختصرا أمرنا النبي بإبرار المقسم وأما في النكاح فقدم الأمر وذكر السبعة وفيها إجابة الداعي وذكر في النهي ستة وفيها عن المياثر والقسي وأما في الأشربة فكذلك قدم الأمر وذكر في النهي خمسة فإذا عد أنواع الحرير يكون سبعة وفيها المياثر والقسي وقد ذكرنا في كل واحد من هذه المواضع بما فيه الكفاية
قوله وإفشاء السلام يدل على عموم التسليم ولكن اختلف في مشروعية السلام على الفاسق وعلى الصبي وفي سلام الرجل على المرأة وعكسه وقال النووي ويستثنى من العموم بابتداء السلام من كان مشتغلا بأكل أو شرب أو جماع أو كان في الخلاء أو الحمام أو نائما أو ناعسا أو مصليا أو مؤذنا ما دام ملتبسا بشيء مما ذكر فلو لم تكن اللقمة في فم الآكل مثلا شرع السلام عليه ويشرع في المتبايعين وسائر المعاملات وتقدم في كتاب الطهارة أن الذي في الحمام إن كان عليه إزار يسلم عليه وإلا فلا ولا يسلم في حال الخطبة فإذا سلم لا يجب الرد لوجوب الإنصات ولا يسلم الخصم على القاضي وإذا سلم لا يجب عليه الرد ولا يسلم على من يلعب بالشطرنج إلا إذا كان قصده التشويش عليهم وفي القنية لا يسلم المتفقة على أستاذه ولو سلم لا يجب رده قلت فيه نظر ولا يسلم على الشيخ الممازح أو الكذاب أو اللاغي ومن يسب الناس وينظر في وجوه النسوان في الأسواق ولا يعرف توبتهم ولا يسلم على المبتدع ولا من اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه ولا يرد عليه السلام وقال ابن عمر لا تسلموا على شربة الخمر والصحيح أن هذا عن عبد الله بن عمرو بالواو ولا يسلم على الظلمة إلا إذا اضطر إليه وقال ابن العربي يسلم وينوي أن السلام إسم من أسماء الله تعالى المعنى الله رقيب عليكم وإذا مر على واحد أو أكثر وغلب على ظنه أنه إذا سلم عليه لا يرده إما لتكبر وإما لإهمال وإما لغير ذلك فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن فقد يخطىء الظن وإن سلم على رجل ظنه مسلما فإذا هو كافر استحب أن يرد سلامه فيقول رد علي سلامي والمقصود من ذلك أن يوحشه ويظهر له أن ليس بينهما إلفة وإذا دخل بيتا وليس فيه أحد يسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما يستحب إذا لم يكن في البيت أحد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قوله المياثر جمع ميثرة قال الجوهري الميثرة السرج غير مهموزة ويجمع على مياثر ومواثر وقال أبو عبيدة وأما المياثر الحمر التي جاء فيها النهي فكانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير وقد مر الكلام فيه غير مرة

(22/236)


9 - ( باب السلام للمعرفة وغير المعرفة )
أي هذا باب في بيان أن السلام سنة للمعرفة أي لأجل معرفة من يعرفه وغير من يعرفه أراد أنه لا يخص السلام بمن يعرفه ويترك من لا يعرفه وروى الطحاوي والطبراني والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعا إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه وأن لا يسلم إلا على من يعرف ولفظ الطحاوي إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة وهذا يوافق الترجمة
6236 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عبد الله ابن عمرو ) أن رجلا ( سأل ) النبي أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف
مطابقته للترجمة ظاهرة ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني والأسناد كله مصريون
ومضى الحديث في كتاب الإيمان في باب إفشاء السلام من الإسلام فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن الليث
قوله أي الإسلام أي أعمال الإسلام
6237 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عطاء بن يزيد الليثي ) عن ( أبي أيوب ) رضي الله عنه عن النبي قال لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هاذا ويصد هاذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام
وذكر سفيان أنه سمعه منه ثلاث مرات ( انظر الحديث 6077 )
مطابقته للجزء الأول للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان بن عيينة وأبو أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه
والحديث مضى في الأدب في باب الهجرة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهابإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله فيصد هذا أي يعرض عنه
10
- ( باب آية الحجاب )
أي هذا باب في بيان نزول آية الحجاب في أمر نساء النبي بالاحتجاب من الرجال
6238 - حدثنا يحياى بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله المدينة فخدمت رسول الله عشرا حياته وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وقد كان أبي بن كعب يسألني عنه وكان أول ما نزل في مبتنى رسول الله بزينب ابنة جحش أصبح النبي بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي منهم رهط عند رسول الله فأطالوا المكث فقام رسول الله فخرج وخرجت معه كي يخرجوا فمشى رسول الله ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن رسول الله أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يتفرقوا فرجع رسول الله ورجعت معه حتى بلغ عتبة حجرة عائشة فظن أن قد خرجوا فرجع ورجعت

(22/237)


معه فإذا هم قد خرجوا فأنزل آية الحجاب فضرب بيني وبينه سترا
مطابقته للترجمة في قوله فأنزل آية الحجاب و ( يحيى بن سليمان ) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزل مصر وروى عن عبد الله ( ابن وهب ) عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه
والحديث قد مضى في تفسير سورة الأحزاب بطرق مختلفة عن أنس ومضى الكلام فيه هناك
قوله أنه كان فيه التفات من التكلم إلى الغيبة أو جرد من نفسه شخصا آخر يحكى عنه قوله مقدم أي وقت قدوم النبي المدينة قوله حياته أي بقية حياته إلى أن مات قوله وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب أي بسبب نزوله وإطلاق مثل ذلك جائز للإعلام لا للإعجاب قوله وقد كان أبي بن كعب يسألني عنه أي عن شأن الحجاب وهو آية الحجاب وهي قوله تعالى ( 33 ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ( الأحزاب 53 ) الآية فيه إشارة إلى اختصاصه بمعرفته لأن أبي بن كعب أعلم منه وأكبر سنا وقدرا ومع جلالة قدره كان يستفيد منه قوله مبتنى على صيغة المفعول من الابتناء وهو الزفاف قوله عروسا هو نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما
6239 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( معتمر ) قال أبي حدثنا ( أبو مجاز ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال لما تزوج النبي زينب دخل القوم فطمعوا ثم جلسوا يتحدثون فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذالك قام فلما قام من قام من القوم وقعد بقية القوم وإن النبي جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقوا فأخبرت النبي فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقاى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ( الأحزاب53 ) الآية
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل المشهور بعارم بالعين المهملة والراء ومعتمر يروي عن أبيه سليمان التيمي وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وبالزاي اسمه لاحق بن حميد
قوله فأخذ أي جعل وشرع كأنه يريد القيام
قال أبو عبد الله فيه من الفقه أنه لم يستأذنهم حين قام وخرجوفيه أنه تهيأ للقيام وهو يريد أن يقوموا
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله فيه أي في حديث أنس المذكور قوله وفيه أي في الحديث المذكور أيضا وهذا لم يثبت إلا للمستملي وحده ولم يذكره غيره ولا داعي إلى ذكره لأنه وضع لذلك ترجمة ستأتي بعد إثنين وعشرين بابا
13 - ( حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي قالت كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله احجب نساءك قالت فلم يفعل وكان أزواج النبي يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال عرفتك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب قالت فأنزل الله عز و جل آية الحجاب )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحق قال الكرماني إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور وجزم أبو نعيم في المستخرج أنه ابن

(22/238)


راهويه وهو إسحاق بن إبراهيم ويعقوب هو ابن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف كان إبراهيم على قضاء بغداد يروي عن أبي صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري والحديث قد مضى في الوضوء في باب خروج النساء إلى البراز قوله قبل المناصع بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة المناصع وهو موضع معروف بالمدينة وفيه فضيلة عمر رضي الله تعالى عنه حيث نزل القرآن على وفق رأيه -
11 -
( باب الإستئذان من أجل البصر )
أي هذا باب في بيان مشروعية الاستئذان لأجل البصر لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه
6241 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال ( الزهري ) ( حفظته كما أنك هاهنا ) عن ( سهل بن سعد ) قال اطلع رجل من جحر في حجر النبي ومع النبي مدرى يحك به رأسه فقال لو أعلم أنك تنتظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ( انظر الحديث 5924 وطرفه )
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان بن عيينة
والحديث مضى في اللباس في باب الامتشاط ومضى الكلام فيه
قوله حفظته أي الحديث المذكور كما أنك هاهنا أي حفظا ظاهرا كالمحسوس بلا شك ولا شبهة فيه قوله من جحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالراء وهي الثقب قوله في حجر النبي بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجرة ووقع في رواية الكشميهني في حجرة النبي بالإفراد قوله مدرى بكسر الميم وسكون الدال المهملة وبالراء مقصور منون لأن وزنه مفعل لا فعلى قال ابن فارس مدرت المرأة شعرها إذا سرحته وهي حديدة يسرح بها الشعر قال الجوهري هو شيء كالمسلة تكون مع الماشطة تصلح بها قرون النساء قوله يحك به وفي رواية الكشميهني بها قوله تنتظر هكذا في رواية الأكثرين على وزن تفتعل وفي رواية الكشميهني تنظر قوله إنما جعل أي إنما شرع الاستئذان في الدخول لأجل أن لا يقع البصر على عورة أهل البيت ولئلا يطلع على أحوالهم
6242 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عبيد الله بن أبي بكر ) عن ( أنس بن مالك ) أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي فقام إليه النبي بمشقص أو بمشاقص فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه (
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك الأنصاري أبو معاذ البصري يروي عن جده أنس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن أبي النعمان محمد بن الفضل وأخرجه مسلم في الاستئذان عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن محمد بن عبيد
قوله بمشقص بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف وبصاد مهملة وهو نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض قوله أو بمشاقص شك من الراوي قوله يختل بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة من فوق أي فطعنه وهو غافل والحاصل أنه يأتيه من حيث لا يشعر حتى يطعنه وهذا مخصوص بمن تعمد النظر وإذا وقع ذلك منه من غير قصد فلا حرج عليه ويستدل به من لا يرى القصاص على من فقأ عين مثل هذا الناظر ويجعلها هدرا وقيل الحديث يدل على هدر المفعول به وجواز رميه بشيء خفيف وقيل هذا على وجه التهديد والتغليظ وقيل هل يجوز الرمي قبل الإنذار فيه وجهان أصحهما نعم
12
- ( باب زنا الجوارح دون الفرج )
أي هذا باب في بيان زنا الجوارح دون الفرج وهي جمع جارحة وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها وأشار

(22/239)


بهذه الترجمة إلى أن الزنا لا يختص إطلاقه بالفرج بل يطلق على ما دون الفرج فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق على ما يأتي بيانه في حديث الباب
6243 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال لم ( أر شيئا أشبه باللمم من قول أبي هريرة )
( ح ) حدثني ( محمود ) أخبرنا ( عبد الرزق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( ابن طاووس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذالك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذالك كله ويكذبه ( انظر الحديث 6243 - طرفه في 6612 )
مطابقته للترجمة في قوله فزنا العين النظرإلى آخره والكلام فيه على أنواع
الأول في رجاله الحميدي هو عبد الله ابن الزبير بن عيسى المنسوب إلى أحد أجداده وحميد مصغر حمد وسفيان هو ابن عيينة وابن طاووس هو عبد الله وطاووس هو ابن كيسان الهمداني ومحمود هو ابن غيلان وعبد الرزاق هو ابن همام ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد
الثاني أنه اقتصر أولا على قول أبي هريرة بقول ابن عباس من طريق سفيان موقوفا ثم عطف عليه رواية معمر عن ابن طاووس فساقه مرفوعا بتمامه
الثالث في معناه فقوله اللمم ما يلم به الشخص من شهوات النفس وقيل هو المقارب من الذنوب وقيل هو صغائر الذنوب قوله كتب أي قدر قوله حظه أي نصيبه مما قدر عليه قوله لا محالة بفتح الميم أي لا حيلة له في التخلص من إدراك ما كتب عليه ولا بد من ذلك قوله المنطق بالميم ويروى النطق بلا ميم قوله تمنى أصله تتمنى فحذفت منه إحدى التاءين كما في قوله تعالى نارا تلظى أي تتلظى قوله والفرج يصدق ذلك المذكور من زنا العين وزنا اللسان والتصديق بالفعل والتكذيب بالترك وقيل التصديق والتكذيب من صفات الإخبار فما معناهما هاهنا وأجيب بأنه لما كان التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب الحكم بعدمها فكأنه هو الموقع أو الدفع فهو تشبيه أو لما كان الإيقاع مستلزما للحكم بها عادة فهو كناية
الرابع فيما يتعلق بالمقصود منه فقوله زنا العين يعني فيما زاد على النظرة الأولى التي لا يملكها فالمراد النظرة على سبيل اللذة والشهوة وكذلك زنا المنطق فيما يلتذ به من محادثة ما لا يحل له ذلك منه والنفس تمنى ذلك وتشتهيه فهذا كله يسمى زنا لأنه من دواعي الزنا الفرج وقال المهلب كل ما كتبه الله عز و جل على ابن آدم فهو سابق في علم الله لا بد أن يدركه المكتوب وأن الإنسان لا يملك دفع ذلك عن نفسه غير أن الله تعالى تفضل على عباده وجعل ذلك لمما وصغائر لا يطالب بها عباده إذا لم يكن للفرج تصديق لها فإذا صدق الفرج كان ذلك من الكبائر واحتيج أشهب بقوله والفرج يصدق ذلك ويكذبه أنه إذا قال زنى يدك أو رجلك لا يحد وخالفه ابن القاسم وفي التوضيح وقال الشافعي إذا قال زنت يدك يحد واعترض عليه بعض من عاصرناه من الشافعية والأصح أن هذا كناية ففي الروضة إذا قال زنت يدك أو عينك أو رجلك أو يداك أو عيناك فكناية على المذهب وبه قطع الجمهور يعني من الشافعية
13
- ( باب التسليم والاستئذان ثلاثا )
أي هذا باب في بيان أن التسليم والاستئذان ينبغي أن يكون ثلاث مرات سواء كانا مقترنين أو مفترقين وقال المهلب وذلك للمبالغة في الإفهام والإسماع وقد أورد الله تعالى ذلك في القرآن فكرر القصص والأخبار والأوامر ليفهم عباده أن يتدبر السامع في الثانية والثالثة ما لم يتدبر في الأولى وليرسخ ذلك في قلوبهم والحفظ إنما هو بتكرير الدراسة للشيء المرة بعد المرة وتكراره الكلمة يحتمل أن يكون تأكيدا أو أن يكون علم أو شك هل فهم عنه فكرر الثانية فزاد الثالثة لاستحبابه الوتر

(22/240)


6244 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( عبد الصمد ) حدثنا ( عبد الله بن المثنى ) حدثنا ( ثمامة بن عبد الله ) عن ( أنس ) رضي الله عنه أن رسول الله كان إذا سلم ثلاثا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا
مطابقته للجزء الأول من الترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن منصور وقال الكرماني هو ابن إبراهيم وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وعبد الله بن المثنى ضد المفرد ابن عبد الله بن أنس وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة يروي عن جده أنس بن مالك
والحديث مضى في العلم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم وقد مر الكلام فيه قبل الحديث وقال ابن بطال وهذه الصيغة تقتضي العموم ولكن المراد الخصوص وهو غالب أحواله وكذا قاله الكرماني وقال بعضهم فيه نظر لأن مجرد الصيغة لا يقتضي المداومة ولا التكرار قلت فعل المضارع فيه يشعر بالتكرار فإن قلت إذا سلم ثلاثا فظن أنه لم يسمع هل له أن يزيد حتى يتحقق قلت ذهب الجمهور إلى أنه لا يزيد على الثلاث واتباع ظاهر الحديث أولى وعن مالك رضي الله عنه أنه يزيد حتى يتحقق
6245 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( يزيد بن خصيفة ) عن ( بسر بن سعيد ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال استأذنت على عمر ثلاثا يؤذن لي فرجعت فقال ما منعك قلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت وقال رسول الله إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال والله لتقيمن عليه بينة أمنكم أحد سمعه من النبي فقال أبي بن كعب والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي قال ذالك ( انظر الحديث 2062 وطرفه )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان بن عيينة ويزيد من الزيادة ابن خصيفة مصغر الخصفة بالخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء كوفي وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين والراء المهملتين ابن سعيد المدني وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان أيضا عن عمرو الناقد وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن عبدة عن سفيان به
قوله إذ كلمة مفاجأة وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري قوله كأنه مذعور بالذال المعجمة يقال ذعرته أي أفزعته وفي رواية عمر والناقد فأتانا أبو موسى فزعا ومذعورا وزاد قلنا ما شأنك فقال إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه قوله فقال ما منعك أي فقال عمر لأبي موسى ما منعك من الدخول وفي الحديث اختصار أي فلم يؤذن له فعاد إلى منزله وكان عمر مشغولا فلما فرغ قال لم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له قيل قد رجع فدعاه فقال ما منعك قلت استأذنت ثلاثا أي ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت وقال أبو موسى قال رسول الله الحديث قوله فقال أي عمر والله لتقيمن عليه أي على ما رويته بينة وفي رواية مسلم وإلا أوجعتك وفي رواية بكير بن الأشج فوالله لا وجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا وفي رواية عبيد بن عمير لتأتيني على ذلك بالبينة وفي رواية أبي نضرة وإلا جعلتك عظة قوله أمنكم أحد الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار سمعه أي سمع ما قاله أبو موسى عن النبي وفي رواية عبيد بن عمير قال فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم وفي رواية أبي نضرة فقال ألم تعلموا أن رسول الله قال الاستئذان ثلاث قال فجعلوا يضحكون فقلت أتاكم أخوكم وقد أفزع فتضحكون قوله فقال أبي بن كعب وليس في بعض النسخ إلا فقال أبي والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم وفي رواية بكير بن الأشج فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت معه فأخبرت عمر رضي الله عنه أن النبي قال ذلك وفي رواية مسلم فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت وفي رواية لمسلم قال يا أبا موسى ما تقول أقد وجدت أي البينة

(22/241)


قال نعم أبي بن كعب قال عدل قال يا أبا الطفيل وفي لفظ له يا أبا المنذر ما يقول هذا قال سمعت رسول الله يقول ذلك يا ابن الخطاب لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله قال أنا سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت وممن وافق أبا موسى على رواية الحديث المرفوع جندب بن عبد الله أخرجه الطبراني عنه بلفظ إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن فليرجع
وقال ابن المبارك أخبرني ابن عيينة حدثني يزيد بن خصيفة عن بسر سمعت أبا سعيد بهاذا
أي قال عبد الله بن المبارك أخبرني سفيان بن عيينة المذكور في الإسناد الأول وأراد بهذا التعليق بيان سماع بسر له من أبي سعيد وقد وصله أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى حدثنا عبد الله بن المبارك فذكره
14
- ( باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن )
أي هذا باب يذكر فيه إذا دعى الرجل بأن دعاه شخص إلى بيته فجاء هل يستأذن ولم يبين الجواب اكتفاء بما أورده في الباب
قال سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي قال هو إذنه
سعيد هذا هو ابن عروبة ويروى قال شعبة بن الحجاج وأبو رافع نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ البصري يقال إنه أدرك الجاهلية كان بالمدينة ثم تحول إلى البصرة وهذا التعليق وصله أبو جعفر الطحاوي عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى عن المعتمر عن ابن عيينة عن سعيد ثم قال وفي لفظ إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذاك إذن له قوله هو إذنه أي الدعاء نفس الإذن فلا حاجة إلى تجديده
6246 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( عمر بن ذر ) وحدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عمر بن ذر ) أخبرنا ( مجاهد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال دخلت مع رسول الله فوجد لبنا في قدح فقال أبا هر إلحق أهل الصفة فادعهم إلي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا ( انظر الحديث 5375 وطرفه )
مطابقته للترجمة لا تتأتى إلا إذا قلنا إن في الترجمة تفصيلا وهو أن قوله فجاء هل يستأذن يعني هل جاء مع الرسول الداعي أو جاء وحده بعد إعلام الرسول إياه بالدعاء ففي مجيئه مع الرسول لا يحتاج إلى الاستئذان
والحديث المعلق محمول عليه فلذلك قال هو إذنه وفي الحديث الثاني هم جاؤوا وحدهم فاحتاجوا إلى الاستئذان فاستأذنوا فأذن لهم والدليل على هذا قوله فاقبلوا ولم يقل فأقبلنا إذ لو كان أبو هريرة جاء معهم لكان قال فأقبلنا وبهذا أيضا اندفع التعارض بين الحديثين في صورة الظاهر فتكون المطابقة بين الحديث الأول وبين الترجمة في المجيى مع الرسول وبين الحديث الثاني وبين الترجمة في عدم مجيء الرسول معهم فيكون التقدير في قوله هل يستأذن نعم لا يستأذن في المجيء مع الرسول ويستأذن في المجيء وحده بدون الرسول
وأخرج هذا الحديث من طريقين أحدهما عن أبي نعيم بضم النون الفضل بن دكين وعمر بن ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني عن مجاهد عن أبي هريرة والآخر عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله ابن المبارك المروزي عن عمر بن ذر عن مجاهد والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن أبي نعيم وحده مطولا وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد بن السري وأخرجه النسائي في الرقائق عن أحمد بن يحيى
قوله أبا هر يعني يا أبا هر قوله الحق أمر من اللحوق قوله أهل الصفة وهي سقيفة كانت في مسجد رسول الله ينزل فيها فقراء الصحابة واللام

(22/242)


في الصفة للعهد وفي ( التوضيح ) اختلف في استئذان الرجل على أهله وجاريته فقال القاضي ( في المعونة ) لا لأن أكثر ما في ذلك أن يصادفهما مكشوفتين
15
- ( باب التسليم على الصبيان )
أي هذا باب في بيان مشروعية التسليم على الصبيان وليس في رواية أبي ذر لفظ باب
20 - ( حدثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن سيار عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال كان النبي يفعله )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن الجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة ابن عبيد أبو الحسن الجوهري البغدادي وسيار بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالراء ابن وردان بفتح الواو وسكون الراء أبو العنز الواسطي وليس له في الصحيحين عن ثابت إلا هذا الحديث وثابت بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون نسبة إلى بنانة امرأة وهي امرأة سعد بن لؤي فأولادها نسبوا إليها والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه الترمذي فيه عن أبي الخطاب وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عمر بن علي قوله يفعله أي يسلم على الصبيان وسلامه على الصبيان من خلقه العظيم وأدبه الشريف وفيه تدريب لهم على تعليم السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة ليبلغوا متأدبين بآدابها وقيل لا يسلم على صبي وضيء إذا خشي الافتتان من السلام عليه ولو سلم الصبي على البالغ وجب عليه الرد في الصحيح -
16
- ( باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال )
أي هذا باب في بيان جواز تسليم الرجالإلى آخره ولكن بشرط أمن الفتنة وأشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال وهو مقطوع أو معضل
6248 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل ) قال ( كنا نفرح يوم الجمعة ) قلت ( ولم ) قال كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة قال ابن مسلمة نخل بالمدينة فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله وما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة
مطابقته للترجمة في قوله ونسلم عليها وابن أبي حازم هو عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار وسهل هو ابن سعد الأنصاري الساعدي
والحديث مضى في الجمعة عن القعنبي ومضى الكلام فيه
قوله بضاعة بضم الباء الموحدة وكسرها وتخفيف الضاد المعجمة وهي بئر بالمدينة بديار بني ساعدة من الأنصار قوله قال ابن مسلمة وهو عبد الله بن مسلمة شيخ البخاري المذكور قوله نخل أي بستان فسره ابن مسلمة هكذا وهي مجرورة إما عطف بيان لقوله بضاعة أو بدل منها قوله وتكركر أي تطحن وأصله من الكر ضوعف لكرار عود الرحى ورجوعها في الطحن مرة بعد أخرى وقد يكون الكركرة بمعنى الصوت والكركرة أيضا شدة الصوت للضحك حتى يفحش وهي فوق القرقرة
22 - ( حدثنا ابن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله يا عائشة هذا جبريل

(22/243)


يقرأ عليك السلام قالت قلت وعليه السلام ورحمة الله ترى ما لا نرى تريد رسول الله )
قال الداودي لا مطابقة بين الترجمة وبين حديث عائشة هذا لأن الملائكة لا يقال لهم رجال ولا نساء ولكن الله خاطب فيهم بالتذكير قلت قد قيل أن جبريل كان يأتي النبي في صورة الرجل فبهذا الاعتبار تتأتى المطابقة وأدنى المطابقة كاف في باب التراحم وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي والحديث مضى في بدء الخلق عن عبد الله بن محمد وفي الأدب وفي الرقاق عن أبي اليمان وفي فضل عائشة عن يحيى بن بكير ومضى الكلام فيه قوله يقرأ عليك السلام ويروى يقرئك السلام يقال أقرأ فلانا السلام واقرأ عليه السلام كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده قوله ترى خطاب لرسول الله قيل الملك جسم فإذا كان في مكان لا تختص رؤيته ببعض الحاضرين وأجيب بأن الرؤية أمر يجعلها الله تعالى في الشخص فهي تابعة لخلقه ولهذا عند الأشعرية أن يرى أعمى الصين بقة أندلس ولا يراها من هو عندها وقال ابن بطال السلام على النساء جائز إلا على الشواب منهن فإنه يخشى أن يكون في مكالمتهن بذلك خائنة الأعين أو نزغات الشياطين هذا قول قتادة وإليه ذهب مالك وطائفة من العلماء وقال الكوفيون لا يسلم الرجل على النساء إذا لم يكن منهن ذوات محارم وقالوا لا يسقط عن النساء الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة ويسقط عنهن رد السلام فلا يسلم عليهن قلت هذا ليس مذهب الحنفية فإن عندهم لا أذان ولا إقامة على النساء
( تابعه شعيب وقال يونس والنعمان عن الزهري وبركاته )
أي تابع معمرا شعيب بن حمزة في روايته عن الزهري في قول عائشة عليه السلام ورحمة الله وبركاته وقال يونس أي ابن يزيد والنعمان بن راشد الخزرجي في روايتهما عن الزهري وبركاته أما تعليق يونس فوصله البخاري في باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال أبو سلمة أن عائشة قالت قال رسول الله يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى تريد رسول الله وأما تعليق النعمان فوصله الإسماعيلي من حديث إبراهيم بن إسحق الشامي حدثنا عبد الله بن المبارك فذكره بلفظ وبركاته -
17
- ( باب إذا قال من ذا فقال أنا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال رجل لمن دق بابه من ذا يعني من ذا الذي يدق الباب فقال الداق أنا ولم يذكر حكمه اكتفاء بما في حديث الباب وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر
6250 - حدثنا ( أبو الوليد هشام بن عبد الملك ) حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن المنكدر ) قال سمعت ( جابرا ) رضي الله عنه يقول أتيت النبي في دين كان على أبي فدققت الباب فقال من ذا فقلت أنا فقال أنا أنا كأنه كرهها ابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن نمير وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سويد بن نصر وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن حميد بن مسعد وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله فدققت بقافين في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي والسرخسي فدفعت من الدفع وفي رواية الإسماعيلي فضربت الباب قوله من ذا أي من ذا الذي يدق الباب فقال جابر أنا فقال أنا أنا كأنه كرهه أي كره ذلك ويروى كأنه كرهها أي هذه اللفظة وأنا الثاني تأكيد للأول وإنما أكده لأنه انفعل من ذلك ولهذا قال جابر كأنه كرهه لأن قوله هذا لا يكون جوابا عما سأل إذ

(22/244)


الجواب المفيد أنا جابر وإلا فلا بيان فيه إلا إذا كان المستأذن يعرف بصوته ولا يلتبس بغيره وفي رواية مسلم فخرج وهو يقول أنا أنا وفي أخرى كأنه كره ذلك وفي رواية أبي داود الطيالسي في ( مسنده ) عن شعبة كره ذلك بالجزم وبهذا يرد قول من يقول إن الحديث لا يدل على الكراهة جزما قال الداودي هذا كان قبل نزول آية الاستئذان
18 -
( باب من رد فقال عليك السلام )
أي هذا باب يذكر فيه من رد على المسلم فقال عليك السلام وبدأ بالخطاب على المسلم ثم ذكر لفظ السلام وهذا الوجه الذي ذكره جاء في حديث عائشة في سلام جبريل عليها وهي ردت بقولها عليه السلام قدمت ذكر المسلم عليه ثم ذكرت السلام وفيه أوجه أخر وهي السلام عليك في الابتداء وفي الرد والسلام عليكم وعليك السلام بواو العاطفة وعليك بغير لفظ السلام وعليك السلام رحمة الله والسلام عليك ورحمة الله وقال بعضهم يحتمل أن يكون يعني البخاري أشار إلى رد من قال غير عليك السلام قلت هذا تخمين فلا يعول عليه وإنما وضع الترجمة في القول بعليك السلام ولم يحصره على هذا لأن المذكور في رد الملائكة السلام عليك والمذكور في حديث الباب وعليك السلام بواو العطف على ما يجيء عن قريب وجاء في القرآن تقديم السلام على إسم المسلم عليه وهو قوله سلام على الياسين ( الصافات 130 ) ( الصافات130 ) سلام على موسى وهارون ( الصافات120 ) وقال في قصة إبراهيم عليه السلام رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( هود73 ) وفي ( التوضيح ) وروى يحيى عن بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا السلام إسم من أسماء الله تعالى فافشوه بينكم فإن صح فالاختيار في التسليم والأدب فيه تقديم إسم الله تعالى على إسم المخلوق
وقالت عائشة وعليه السلام ورحمة الله وبركاته
هذا التعليق طرف من حديث موصول قد مضى عن قريب في باب تسليم الرجال على النساء
وقال النبي رد الملائكة على آدم السلام عليك ورحمة الله
هذا التعلق قد مضى موصولا في أول كتاب الاستئذان في باب بدء السلام
6251 - حدثنا ( إسحاق بن منصور ) أخبرنا ( عبد الله بن نمير ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد ورسول الله جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله وعليك السلام إرجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم فقال وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل فقال في الثانية أو في التي بعدها علمني يا رسول الله فقال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذالك في صلاتك كلها
مطابقته للترجمة في تقديم إسم المسلم عليه على لفظ السلام وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص العمري وسعيد بن أبي سعيد كيسان المدني
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب القراءة في الصلاة ومضى الكلام فيه مستوفى وقال بعض الرواة فيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة كما يجيء الآن قلت هذه رواية يحيى القطان وكلتا الروايتين صحيحة لأن سعيدا يروي عن أبيه عن أبي هريرة ويروي عن أبي هريرة بلا ذكر الأب

(22/245)


وقال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما
أبو أسامة هو حماد بن أسامة قوله في الأخير أي في اللفظ الأخير وهو حتى تطمئن جالسا يعني قال مكانه حتى تستوي قائما والأولى تناسب من قال بجلسة الاستراحة بعد السجود وهذا التعليق وصله البخاري في كتاب الأيمان والنذور
6252 - حدثنا ( ابن بشار ) قال حدثني يحياى عن عبيد الله حدثني سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال قال النبي ثم ارفع حتى تطمئن جالسا
ابن بشار بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة هو محمد بن بشار و ( يحيى ) هو القطان و ( عبيد الله ) هو العمري المذكور آنفا
قوله ( سعيد ) عن أبيه يعني كيسان كما ذكرناه الآن واختصره البخاري هاهنا وساقه في كتاب الصلاة بتمامه
19
- ( باب إذا قال فلان يقرئك السلام )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قالالخ قوله يقرئك بضم الياء من الإقراء وفي رواية الكشميهني يقرأ عليك السلام وهو لفظ حديث الباب
6253 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( كرياء ) قال سمعت ( عامرا ) يقول حدثني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها ( حدثته ) أن النبي قال ل ( ها ) إن جبريل يقرأ عليك السلام قالت وعليه السلام ورحمة الله
مطابقته للترجمة في رواية الكشميهني ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزكريا هو ابن أبي زائدة الأعمى الكوفي وعامر هو الشعبي ومضى شرح الحديث عن قريب
20
- ( باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين )
أي هذا باب في بيان حكم السلام على أهل مجلس فيه أخلاط أي مختلطون من المسلمين والمشركين
6254 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة بن الزبير ) قال أخبرني ( أسامة بن زيد ) أن النبي ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج وذالك قبل وقعة بدر حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفيهم عبد الله ابن أبي ابن سلول وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله ابن أبي أنفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا فسلم عليهم النبي ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء لا أحسن من هاذا إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك منا فاقصص عليه قال ابن رواحة اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذالك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا فلم يزل النبي يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا

(22/246)


قال اعف عنه يا رسول الله واصفح فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ولقد اصطلح أهل هاذه البحرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة فلما رد الله ذالك بالحق الذي أعطاك شرق بذالك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه النبي
مطابقته للترجمة في قوله حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي قوله فسلم عليهم النبي
وإبراهيم بن موسى الفراء وأبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام بن يوسف الصنعاني ومعمر بفتح الميمين ابن راشد
والحديث قد مضى في أواخر كتاب الأدب في باب كنية المشرك ومضى في تفسير سورة آل عمران أيضا ومضى الكلام فيه هناك
قوله ابن سلول بالرفع لأن سلول إسم أم عبد الله ولا يظن أن سلول أبو أبي والقطيفة بفتح القاف الدثار والمخمل نسبة إلى فدك بفتح الفاء والدال المهملة وهي قرية بخيبر والعجاجة بفتح العين المهملة وتخفيف الجيمين الغبار قوله خمر أي غطى قوله لا تغبروا أي لا تثيروا الغبار قوله لا أحسن أي ليس شيء أحسن منه والرحل بالحاء المهملة المنزل وموضع متاع الشخص قوله واغشنا من غشيه غشيانا أي جاء قوله وهموا أي قصدوا التحارب والتضارب والبحرة البلدة ويروى البحيرة بالتصغير والتتويج والتعصيب يحتمل أن يكون حقيقة وأن يكون كناية عن جعله ملكا لأنهما لازمان للملكية قوله شرق بكسر الراء أي غص به يعني بقي في حلقه لا يصعد ولا ينزل
21
- ( باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ولم يرد سلامه حتى تتبين توبتهوإلى متى تتبين توبة العاصي )
أي هذا باب في بيان أمر من لا يسلم على من اقترف أي على من اكتسب ذنبا هذا تفسير الأكثرين وقال أبو عبيدة الاقتراف التهمة هذا حكم وقوله وإلى متى تتبين توبة العاصي حكم آخره فالحكم الأول فيه خلاف فعند الجمهور لا يسلم على الفاسق ولا على المبتدع وقال النووي وإن اشطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم وكذا قال ابن العربي وزاد إن السلام إسم من أسماء الله تعالى فكأنه قال الله رقيب عليكم وقال ابن وهب يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا واحتج بقوله تعالى ( 2 ) وقولوا للناس حسنا ( البقرة83 ) ورد عليه بأن الدليل أعم من المدعى والحكم الثاني هو قوله وإلى متى تتبين توبة العاصي أي إلى متى يظهر صحة توبته وأراد أن مجرد التوبة لا توجب الحكم بصحتها بل لا بد من مضي مدة يعلم فيها بالقرائن صحتها من ندامته على الفائت وإقباله على التدارك ونحوه وقال ابن بطال ليس في ذلك حد محدود ولكن معناه أنه لا تتبين توبته من ساعته ولا يومه حتى يمر عليه ما يدل على ذلك وفيل يستبرأ حاله بسنة وقيل بستة أشهر وقيل بخمسين يوما كما في قصة كعب ورد هذا بأن النبي لم يحده بخمسين يوما وإنما أخر كلامهم إلى أن أذن الله عز و جل فيه وهي واقعة حال لا عموم فيها ويختلف حكم هذا باختلاف الجناية والجاني
وقال عبد الله بن عمر لا تسلموا على شربة الخمر
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة والشربة بفتحتين جمع شارب وقال ابن التين لم يجمعه اللغويون كذلك وإنما قالوا شارب وشرب مثل صاحب وصحب قلت عبد الله من الفصحاء وأي لغوي يدانيه وقد جاء هذا الجمع نحو فسقه في جمع فاسق وكذبة في جمع كاذب وهذا الأثر وصله البخاري في ( الأدب المفرد ) من طريق حبان بن أبي جبلة بفتح الجيم والباء الموحدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ لا تسلموا على شارب الخمر وأخرج الطبري عن علي رضي الله عنه نحوه
6255 - حدثنا ( ابن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( شهاب ) عن عبد الرحمان بن

(22/247)


عبد الله أن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك ونهاى رسول الله عن كلامنا وآتي رسول الله فأسلم عليه فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا حتى كملت خمسون ليلة وآذن النبي بتوبة الله علينا حين صلى الفجر
هذا حديث طويل في قصة توبة كعب بن مالك ساقها في غزوة تبوك واختصره البخاري هنا وذكر القدر المذكور لحاجته إليه هنا وفيه ما ترجم به من ترك السلام تأديبا وترك الرد أيضا فإن قلت قد أمر بإفشاء السلام وهو عام قلت قد خص به هذا العموم عند الجمهور
وابن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير وعقيل بضم العين ابن خالد و ( عبد الرحمن بن عبد الله ) بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المدني يروي عن أبيه ( عبد الله بن كعب ) وعبد الله يروي عن أبيه ( كعب بن مالك ) الأنصاري
قوله وآتي بمد الهمزة فعل المتكلم من المضارع من الإتيان وبين قوله ونهى رسول الله وبين قوله وآتي جمل كثيرة فإذا رجعت إلى هذه في المغازي وقفت عليها وآذن بالمد أي أعلم
22
- ( باب كيف يرد على أهل الذمة السلام )
أي هذا باب في بيان كيفية رد السلام على أهل الذمة وفيه إشعار بأن رد السلام على أهل الذمة لا يمنع فلذلك ترجم بالكيفية وقال ابن بطال قال قوم رد السلام على أهل الذمة فرض لعموم قوله تعالى ( 4 ) وإذا حييتم بتحية ( النساء86 ) الآية وثبت عن ابن عباس أنه قال من سلم عليك فرده ولو كان مجوسيا وبه قال الشعبي وقتادة ومنع من ذلك مالك والجمهور وقال عطاء الآية مخصوصة بالمسلمين فلا يرد السلام على الكافرين مطلقا
6256 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا السام عليك ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة فقال فقال رسول الله مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا قال رسول الله فقد قلت وعليكم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه كيفية رد السلام على أهل الذمة وأبو اليمان الحكم بن نافع وقد مضى الحديث في كتاب الأدب في باب لم يكن النبي فاحشا
قوله السام الموت وقيل الموت العاجل قوله فقلت وعليكم السام واللعنة وفي رواية ابن أبي مليكة عنها فقالت عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم وقد تقدم في أوائل الأدب وفي رواية مسلم من طريق آخر بل عليكم السام والذام بالذال المعجمة وهو لغة في الذم خلاف المدح
6257 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك ( انظر الحديث 6257 - طرفه في 6928 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه كيفية رد السلام على أهل الذمة
قوله فقل وعليك ذكر هنا بالواو وفي ( الموطأ ) بلا واو وقال النووي بالواو على ظاهره أي وعليك الموت أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت وكذا الكلام في وعليكم في الحديث السابق وقيل الواو فيه للاستئناف لا للعطف وتقديره عليكم ما تستحقونه من الذم وقال القاضي البيضاوي معناه وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقونه ولا يكون وعليكم عطفا على عليكم في كلامهم وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم

(22/248)


6258 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( هشيم ) أخبرنا ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ) حدثنا ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال قال النبي إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ( انظر الحديث 6258 - طرفه في 6926 )
مطابقته للترجمة مثل المطابقة المذكورة في الحديث السابق وهشيم مصغر هشم ابن بشير الواسطي وعبيد الله بضم العين ابن أبي بكر بن أنس بن مالك الأنصاري يروي عن جده أنس بن مالك
والحديث من أفراده وقيل يقول وعليكم السلام بكسر السين يعني الحجارة ورده أبو عمر بأنه لم يشرع لنا سب أهل الذمة وروى أبو عمر عن طاووس قال يقول وعلاكم السلام بالألف أي ارتفع ورده أبو عمر أيضا وذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم عليكم السلام كما يرد على المسلم واحتج بعضهم بقوله عز و جل فاصفح عنهم وقل سلام ( الزخرف89 ) وحكاه الماوردي وجها عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله وقيل يجوز مطلقا وعن ابن عباس وعلقمة يجوز ذلك عند الضرورة وعن طائفة من السلف لا يرد السلام أصلا وعن بعضهم التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب
23
- ( باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره )
أي هذا باب في بيان جواز من نظر في كتاب من يحذر على صيغة المجهول من الحذر وفي ( المغرب ) الحذر الخوف وقال الجوهري الحذر التحرز قوله ليستبين أي ليظهر أمره فإن قلت خرج أبو داود من حديث ابن عباس من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار قلت يخص منه ما يتعين طريقا إلى دفع مفسدة هي أكبر من مفسدة النظر على أن هذا حديث ضعيف
6259 - حدثنا ( يوسف بن بهلول ) حدثنا ( ابن إدريس ) قال حدثني ( حصين بن عبد الرحمان ) عن ( سعد بن عبيدة ) عن ( أبي عبد الرحمان السلمي ) عن ( علي ) رضي الله عنه قال بعثني رسول الله والزبير بن العوام وأبا مرثد الغنوي وكلنا فارس فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين قال فأدركناها تسير على جمل لها حيث قال لنا رسول الله قال قلنا أين الكتاب الذي معك قالت ما معي كتاب فأنخنا بها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا قال صاحباي ما نرى كتابا قال قلت لقد علمت ما كذب رسول الله والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك قال فلما رأت الجد مني أهوت بيدها إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الكتاب قال فانطلقنا به إلى رسول الله فقال ما حملك يا حاطب على ما صنعت قال ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله وما غيرت ولا بدلت أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس من أصحابك هناك إلا وله من يدفع الله به عن أهله وماله قال صدق فلا تقولوا له إلا خيرا قال فقال عمر بن الخطاب إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه قال فقال يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة قال فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم
مطابقته للترجمة من حيث إن في بعض طرقه فتح الكتاب والنظر فيه من غير إذن صاحبه ليستبين أمره وهو الذي مضى في

(22/249)


الجهاد في باب الجاسوس فأتينا به أي بالكتاب الذي أرسله حاطب مع المرأة المذكورة فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله
ومضى الحديث أيضا في المغازي في غزوة بدر في باب فضل من شهد بدرا ويوسف بن بهلول بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وضم اللام التيمي الكوفي مات سنة ثمان عشرة ومائتين ولم يرو عنه من الستة إلا البخاري وماله في الصحيح إلا هذا الحديث وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بالزاي الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن وسعد بن عبيدة مصغر عبدة ختن أبي عبد الرحمن وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي بضم السين المهملة وفتح اللام والرجال كلهم كوفيون وأبو مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة اسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون وبالزاي ابن حصين الغنوي بفتح الغين المعجمة والنون وبالواو نسبة إلى غني بن بعصر وقد ذكر في الجهاد المقداد مكان أبي مرثد فلا منافاة لاحتمال الاجتماع بينهما إذ التخصيص بالذكر لا ينفي الغير
قوله خاخ بخاءين معجمتين إسم موضع قوله فإن بها امرأة اسمها سارة بالسين المهملة والراء قوله فابتغينا أي طلبنا في رحلها أي في متاعها قوله أهوت بيدها أي مدتها إلى حجزتها بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم وبالزاي وهي معقد الإزار وحجزه السراويل التي فيها التكة قوله إلا أن أكون بكسر همزة إلا وفتحها قال الكرماني وأكثر الروايات بالكسر للاستثناء قوله وما غيرت أي الدين يعني لم أرتد عن الإسلام قوله يد أي منة ونعمة قوله إعملوا فيه معنى المغفرة لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد أو حق يستوفي منه وقال ابن بطال فيه هتك ستر المذنب وكشف المرأة العاصية والنظر في كتاب الغير إذا كان فيه نميمة على المسلمين إذ حينئذ لا حرمة لكاتب ولا لصاحبه
24
- ( باب كيف يكتب إلى أهل الكتاب )
أي هذا باب في بيان كيفية الكتاب إلى أهل الكتاب
6260 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أن ( ابن عباس ) أخبره أن ( أبا سفيان بن حرب ) أخبره أن هرقل أرسل إليه في نفر من قريش وكانوا تجارا بالشأم فأتوه فذكر الحديث قال ثم دعا بكتاب رسول الله فقرىء فإذا فيه بسم الله الرحمان الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهداى أما بعد
مطابقته للترجمة في قوله بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد اللهإلى آخره فإن فيه إعلاما كيف يكتب إلى أهل الكتاب
ومحمد بن مقاتل المروزي وعبد الله بن المبارك المروزي يروي عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق
والحديث طرف من حديث أبي سفيان واسمه صخر
قوله تجارا بضم التاء وتشديد الجيم جمع تاجر وبكسر التاء وتخفيف الجيم وقد مضى الكلام فيه مستوفى في أول ( الجامع )
25
- ( باب بمن يبدا في الكتاب )
أي هذا باب يذكر فيه بمن يبدأ أي بنفس الكاتب أو المكتوب إليه
6261 - وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل أخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه وقال عمر بن أبي سلمة عن أبيه سمع أبا هريرة قال

(22/250)


النبي نجر خشبة فجعل المال في جوفها وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلان إلى فلان فإن فيه بدء الكاتب بنفسه ثم ذكر المكتوب إليه وهذا التعليق قد ذكرنا من وصله في الكفالة فإنه مضى فيها مطولا وذكره هنا مختصرا وقال المهلب السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه وروى أبو داود من طريق ابن سيرين عن أبي العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي فبدأ بنفسه وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله وعن معمر عن أيوب أنه كان ربما يبدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه وسئل مالك عنه فقال لا بأس به
قوله وقال عمر بن أبي سلمة أي ابن عبد الرحمن بن عوف وعمر هذا مدني صدوق فيه ضعف وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله البخاري في ( الأدب المفرد ) وقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عمر فذكر مثل اللفظ المعلق هاهنا قوله عن أبي هريرة وفي رواية الكشميهني والأصيلي والنسفي وكريمة سمع أبا هريرة قوله نجر أي حفر ونحت وهو بالجيم وفي رواية الكشميهني نقر بالقاف
25
- ( باب بمن يبدا في الكتاب )
أي هذا باب يذكر فيه بمن يبدأ أي بنفس الكاتب أو المكتوب إليه
6261 - وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل أخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه وقال عمر بن أبي سلمة عن أبيه سمع أبا هريرة قال النبي نجر خشبة فجعل المال في جوفها وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلان إلى فلان فإن فيه بدء الكاتب بنفسه ثم ذكر المكتوب إليه وهذا التعليق قد ذكرنا من وصله في الكفالة فإنه مضى فيها مطولا وذكره هنا مختصرا وقال المهلب السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه وروى أبو داود من طريق ابن سيرين عن أبي العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي فبدأ بنفسه وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله وعن معمر عن أيوب أنه كان ربما يبدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه وسئل مالك عنه فقال لا بأس به
قوله وقال عمر بن أبي سلمة أي ابن عبد الرحمن بن عوف وعمر هذا مدني صدوق فيه ضعف وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله البخاري في ( الأدب المفرد ) وقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عمر فذكر مثل اللفظ المعلق هاهنا قوله عن أبي هريرة وفي رواية الكشميهني والأصيلي والنسفي وكريمة سمع أبا هريرة قوله نجر أي حفر ونحت وهو بالجيم وفي رواية الكشميهني نقر بالقاف
26
- ( باب قول النبي قوموا إلى سيدكم )
أي هذا باب في ذكر قول النبي قوموا إلى سيدكم وغرضه من هذه الترجمة بيان حكم قيام القاعد للداخل ولكن لم يجزم بالحكم لمكان الاختلاف فيه
6262 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سعد بن إبراهيم ) عن ( أبي أمامة بن سهل بن حنيف ) عن ( أبي سعيد ) أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد فأرسل النبي إليه فجاء فقال قوموا إلى سيدكم أو قال خيركم فقعد عند النبي فقال هاؤلاء نزلوا على حكمك قال فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم فقال لقد حكمت بما حكم به الملك
قال أبو عبد الله أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد من قول أبي سعيد إلى حكمك
الترجمة من بعض الحديث كما ترى وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وأبو أمامة بضم الهمزة اسمه أسعد بن سهل بن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون الأنصاري وله إدراك وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
والحديث مضى في الجهاد عن سليمان بن حرب وفي فضل سعد بن معاذ عن محمد بن عروة وفي المغازي عن بندار عن غندر ومضى الكلام فيه
قوله قريظة بضم القاف وفتح الراء إسم لقبيلة يهود كانوا في قلعة قوله مقاتلتهم أي الطائفة المقاتلة من الرجال والذراري بتخفيف الياء وتشديدها جمع الذرية أي النساء والصبيان قوله الملك بكسر اللام هو الله تعالى لأنه هو الملك الحقيقي على الإطلاق وهو رواية الأصيلي وروى بفتح اللام أي بحكم جبريل عليه السلام الذي جاء به من عند الله
قوله قال أبو عبد الله هو البخاري نفسه أفهمنيإلى آخره قال الكرماني أي قال البخاري أنا سمعت من أبي الوليد على حكمك وبعض الأصحاب نقلوا عنه إلى حكمك بحرف الانتهاء بدل حرف الاستعلاء
وفيه أمر السلطان والحاكم بإكرام السيد من المسلمين وجواز إكرام أهل الفضل في مجلس السلطان الأكبر والقيام فيه لغيره من أصحابه وإلزام الناس كافة للقيام إلى سيدهم وقد منع من ذلك قوم واحتجوا بحديث أبي أمامة رواه أبو داود وابن ماجه قال خرج النبي متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما تقوم الأعاجم قال الطبري هذا حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن بريدة أخرجه الحاكم أن أباه دخل على معاوية فأخبره أن النبي قال من أحب أن يتمثل له الرجال قياما وجبت له النار وقال الطبري إنما فيه نهي من

(22/251)


يقام له عن السرور بذلك لا من يقوم إكراما له وقال الخطابي في حديث الباب جواز إطلاق السيد على الحبر الفاضل وفيه أن قيام المرؤوس للرئيس الفاضل والإمام العادل والمتعلم للعالم مستحب وإنما يكره لمن كان بغير هذه الصفات وعن أبي الوليد بن رشد أن القيام على أربعة أوجه الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه والثاني مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة والثالث جائز وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها وقال التوربشتي في ( شرح المصابيح ) معنى قوله قوموا إلى سيدكم أي إلى إعانته وإنزاله عن دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم واعترض عليه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للإكرام وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف لأن إلى في هذا المقام فخم من اللام كأنه قيل قوموا وامشوا إليه تلقيا وإكراما وهذا مأخوذ من ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله سيدكم علة للقيام وذلك لكونه شريفا على القدر وقال البيهقي القيام على وجه البر والإكرام جائز كقيام الأنصار لسعد وطلحة لكعب ولا ينبغي لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى إن ترك القيام له حنق عليه أو عاتبه أو شكاه
27
- ( باب المصافحة )
أي هذا باب في بيان مشروعية المصافحة وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه وقال الكرماني المصافحة الأخذ باليد وهو مما يولد المحبة
وقال ابن مسعود علمني النبي التشهد وكفي بين كفيه
مناسبة هذا التعليق للترجمة ظاهرة وسقط من رواية أبي ذر وحده ووصله البخاري في الباب الذي بعده
وقال كعب بن مالك دخلت المسجد فإذا برسول الله فقام إلي طلحة ابن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني
مطابقته للترجمة في قوله حتى صافحني وهذا التعليق قطعة من قصة كعب بن مالك مضت مطولة في غزوة تبوك في أمر توبته قوله فإذا للمفاجأة قوله فقام إلي بتشديد الياء قوله يهرول جملة وقعت حالا من الهرولة وهو ضرب من العدو قوله وهنأني بقبول التوبة ونزول الآية وطلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة
6264 - حدثنا يحياى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني حيوة قال حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( انظر الحديث 3694 وطرفه )

(22/252)


مطابقته للترجمة في قوله وهو آخذ بيد عمر فإنه هو المصافحة وقد سقط هذا من رواية النسفي
و ( يحيى بن سليمان ) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر يروي عن عبد الله بن وهب عن ( حيوة ) بن شريح عن زهرة بفتح الزاي وسكون الهاء ابن معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن ( عبد الله بن هشام ) بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي يعد في أهل الحجاز قال أبو عمر ذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى النبي وهو صغير فمسح برأسه ودعا له ولم يبايعه لصغره
28
- ( باب الأخذ باليدين )
أي هذا باب في بيان أن الأخذ باليدين وسقطت هذه الترجمة وأثرها وحديثها من رواية النسفي وقوله الأخذ باليدين رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي الأخذ باليد بالإفراد وما وقع في بعض النسخ باليمين فليس بصحيح
وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه
ابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام وتفقه على أبي حنيفة وسفيان الثوري وعده أصحابنا من جملة أصحاب أبي حنيفة وقال ابن سعد مات بهيت منصرفا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة وله ثلاث وستون سنة روى له الجماعة وقال البخاري في ترجمة عبد الله بن سلمة المرادي حدثني أصحابنا يحيى وغيره عن أبي إسماعيل بن إبراهيم قال رأيت حماد بن زيد وجاءه ابن المبارك بمكة فصافحه بكلتا يديه ويحيى المذكور هو أبو جعفر البيكندي وقد أخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رفعه من تمام التحية الأخذ باليد وفي سنده ضعف
6265 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سيف ) قال سمعت ( مجاهدا ) يقول حدثني ( عبد الله بن سخبرة أبو معمر ) قال سمعت ( ابن مسعود ) يقول علمني رسول الله وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباده الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي
مطابقته للترجمة في قوله وكفى بين كفيه وهو الأخذ باليدين وأبو نعيم هو الفضل بن دكين وسيف بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء ابن أبي سليمان ويقال ابن سليمان المخزومي مولى بني مخزوم وقال يحيى القطان كان حيا سنة خمسين ومائة وكان عندنا ثقة ممن يصدق ويحفظ وعبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالراء الأزدي الكوفي
وحديث التشهد هذا أخرجه البخاري في كتاب الصلاة في مواضع في باب التشهد في الأخيرة عن أبي نعيم عن الأعمش عن شقيق بن سلمةإلى آخره وفي باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد عن مسدد عن يحيى عن الأعمش عن شقيق وفي باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة عن عمرو بن عيسى عن أبي عبد الصمد العمي عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود ومضى الكلام فيه مبسوطا
قوله التشهد منصوب على أنه مفعول ثان لقوله علمني قوله وكفى بين كفيه جملة حالية معترضة قوله بين ظهرانينا بنونين مفتوحتين بينهما ياء آخر الحروف ساكنة وأصله ظهرينا بالتثنية أي ظهري المتقدم والمتأخر أي بيننا فزيد الألف والنون

(22/253)


للتأكيد قال الجوهري النون مفتوحة لا غير قوله فلما قبضإلى آخره هكذا جاء في هذه الرواية دون الروايات المتقدمة وظاهرها أنهم كانوا يقولون السلام عليك أيها النبي بكاف الخطاب في حياة النبي فلما مات تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة فصاروا يقولون السلام على النبي قوله يعني على النبي القائل بهذا هو البخاري رضي الله عنه
29
- ( باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت )
أي هذا باب في المعانقة مفاعلة من عانق الرجل إذا جعل يديه على عنقه وضمه إلى نفسه وتعانقا واعتنقا والعناق أيضا المعانقة ولم يثبت لفظ المعانقة وواو العطف في رواية النسفي وفي رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي قوله وقول الرجل بالجر عطف على المعانقة أي وفي قول الرجل لآخر كيف أصبحت ونقل الكرماني عن صاحب التراجم ترجم البخاري بالمعانقة ولم يذكر فيها شيئا وإنما ذكرها في كتاب البيوع في باب ما ذكر في الأسواق في معانقة الرجل لصاحبه عند قدومه من السفر وعند لقائه ولعل البخاري أخذ المعانقة من عادتهم عند قولهم كيف أصبحت واكتفى بكيف أصبحت لاقتران المعانقة به عادة أو أنه ترجم ولم يتفق له حديث يوافقه في المعنى ولا طريق مسند آخر لحديث معانقة الحسن ولم ير أن يرويه بذلك السند لأنه ليس عادته إعادة السند الواحد مرارا وقال ابن بطال ترجم بالمعانقة ولم يذكر لها شيئا فبقي الباب فارغا حتى مات وتحته باب قول الرجل كيف أصبحت فلما وجدنا ناسخ الكتاب الترجمتين متواليتين ظنهما واحدة إذ لم يجد بينهما حديثا والأبواب الفارغة في هذا ( الجامع ) كثيرة وقد طول بعضهم هنا كلاما يمزق فكر الناظر بحيث لا يرجع بشيء
6266 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( بشر بن شعيب ) حدثني أبي عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبد الله بن كعب ) أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن ( عليا ) يعني ابن أبي طالب خرج من عند النبي ( ح ) وحدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( عنبسة ) حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبد الله بن كعب بن مالك ) أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن ( علي بن أبي طالب ) رضي الله عنه خرج من عند النبي في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله قال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده العباس فقال ألا تراه أنت والله بعد الثلاث عبد العصا والله إني لأراى رسول الله سيتوفى في وجعه وإني لأعرف في وجوه بني عبح6 المطلب الموت فاذهب بنا إلى رسول الله فنسأله فيمن يكون الأمر فإن كان فينا علمنا ذالك وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصاى بنا قال علي والله لئن سألناها رسول الله فيمنعنا لا يعطيناها الناس أبدا وإني لا أسألها رسول الله أبدا ( انظر الحديث 4447 )
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة تؤخذ من قوله كيف أصبح رسول الله
وأخرجه من طريقين أحدهما عن إسحاق قيل هو ابن راهويه وقال الكرماني لعله ابن منصور فإنه روى عن بشر في باب مرض النبي قلت الأول هو الأظهر وبشر بن شعيب يروي عن أبيه شعيب بن أبي حمزة الحمصي عن محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم والطريق الأخر عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصري عن عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين

(22/254)


المهملة ابن خالد الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهريالخ
والحديث مضى في باب مرض النبي في أواخر المغازي فإنه أخرجه هناك عن إسحاق عن بشر بن شعيب بن أبي حمزة عن أبيه عن الزهريالخ نحوه
قوله بارئا من قولهم برئت من المرض برءا بالهمزة قوله ألا تراه قال ابن التين الضمير في تراه للنبي ورد عليه بأنه ضمير الشأن لأن الرؤية هنا ليست بمعنى الرؤية البصرية قيل قد وقع في سائر الروايات بغير ضمير قوله سيتوفى على صيغة المجهول قوله الأمر أي أمر الخلافة قوله أمرناه قال ابن التين هو بمد الهمزة أي شاورناه قال وقرأناه بالقصر من الأمور وهو المشهور وقال الكرماني أي طلبنا منه الوصية وفيه دلاله على أن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء قوله لا يعطيناها أي الإمارة والخلافة وكذلك تأنيث الضمير في ولئن سألناها ولا أسألها
30
- ( باب من أجاب بلبيك وسعديك )
أي هذا باب في بيان من أجاب لمن يسأله بقوله لبيك ومعناه أنا مقيم على طاعتك من قولهم لب فلان بالمكان إذا أقام به وقيل معناه إجابة بعد إجابة وهذا من المصادر التي حذف فعلها لكونه وقع مثنى وذلك يوجب حذف فعله قياسا لأنهم لما ثنوه صار كأنهم ذكروه مرتين فكأنه قال لبالبا ولا يستعمل إلا مضافا ومعنى لبيك الدوام والملازمة فكأنه إذا قال لبيك قال أدوم على طاعتك وأقيمها مرة بعد أخرى أي شأني الإقامة والملازمة وأما سعديك فمعناه في العبادة أنا متبع أمرك غير مخالف لك فأسعدني على متابعتك إسعادا وأما في إجابة المخلوق فمعناه أسعدك إسعادا بعد إسعاد أي مرة بعد أخرى
6267 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) عن ( معاذ ) قال أنا رديف النبي فقال يا معاذ قلت لبيك وسعديك ثم قال مثله ثلاثا هل تدري ما حق الله على العباد قلت لا قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة فقال يا معاذ قلت لبيك وسعديك قال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذالك قلت لا قال حق العباد على الله إذا فعلوا ذالك أن لا يعذبهم ابقته للترجمة في قوله لبيك وسعديك وهمام بالتشديد هو ابن يحيى البصري ومعاذ هو ابن جبل رضي الله عنه
والحديث مضى في كتاب اللباس في باب إرداف الرجل خلف الرجل فإنه أخرجه هناك عن هدبة بن خالد عن همام عن قتادة عن أنس عن معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى آخره نحوه وقريب منه مضى في كتاب العلم في باب من خص بالعلم قوما بأتم منه ومضى الكلام فيه
قوله أن يعبدوه إشارة إلى العمليات وقوله ولا يشركوا به إلى الاعتقاديات لأن التوحيد أصلها قوله لا يعذبهم أي هو أن لا يعذبهم قيل لا يجب على الله تعالى شيء وأجيب بأن الحق بمعنى الثابت أو هو واجب بإيجابه على ذاته أو هو كالواجب نحو زيد أسد وقال ابن بطال فإن اعترض المرجئة به فجواب أهل السنة لهم أن هذا اللفظ خرج على المزاوجة والمقابلة نحو وجزاء سيئة مثلها ( الشورى40 )
حدثنا هدبة حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس عن معاذ بهاذا
هذا طريق آخر في حديث معاذ أخرجه عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى ومضى هذا الطريق بعينه في كتاب اللباس كما ذكرناه الآن
6268 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( زيد بن وهب ) حدثنا والله

(22/255)


أبو ذر بالربذة قال كنت أمشي مع النبي في حرة المدينة عشاء استقبلنا أحد فقال يابا ذر ما أحب أن أحدا لي ذهبا تأتي علي ليلة أو ثلاث عندي منه دينار لا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هاكذا وهاكذا وهاكذا أو أرانا بيده ثم قال يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك يا رسول الله قال الأكثرون هم الأقلون إلا من قال هاكذا وهاكذا ثم قال لي مكانك لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع فانطلق حتى غاب عني فسمعت صوتا فخشيت أن يكون عرض لرسول الله فأردت أن أذهب ثم ذكرت قول رسول الله لا تبرح فمكثت قلت يا رسول الله سمعت صوتا خشيت أن يكون عرض لع ثم ذكرت قولك فقمت فقال النبي ذاك جبريل أتاني فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت يا رسول الله وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
قلت لزيد إنه بلغني أنه أبو الدرداء فقال أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة
قال الأعمش وحدثني أبو صالح عن أبي الدرداء نحوه
وقال أبو شهاب عن الأعمش يمكث عندي فوق ثلاث
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن زيد بن وهب أبي سليمان الهمداني الجهني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في الطريق مات سنة ست وتسعين وأبو ذر اسمه جندب بن جنادة مات سنة اثنتين وثلاثين بالربذة وأبو الدرداء اسمه عويمر بن زيد مات بدمشق سنة اثنتين وثلاثين أيضا شهد فتح مصر
والحديث قد مضى في كتاب الاستقراض في باب أداء الديون فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن يونس عن أبي شهاب عن الأعمش عن زيد بن وهب عن أبي ذرإلى آخره
قوله والله ذكر القسم تأكيدا أو مبالغة دفعا لما قيل له إن الراوي أبو الدرداء لا أبو ذر يشعر به آخر الحديث قوله في حرة المدينة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء هي الأرض ذات الحجارة السود وهي أرض بظاهر المدينة فيها حجارة سود كثيرة قوله استقبلنا بفتح اللام فعل ومفعول واحد بالرفع فاعله قوله يا با ذر حذفت الهمزة للتخفيف قوله ذهبا منصوب على التمييز قوله لا أرصدة أي لا أعده وهو صفة للدينار ويروى إلا أرصدة بكلمة الاستثناء قوله إلا أن أقول استثناء من أول الكلام استثنار مفرغا والقول في عباد الله الصرف فيهم والإنفاق عليهم قوله هكذا ثلاث مرات أي يمينا وشمالا وقداما قوله الأكثرون أي من جهة المال هم الأقلون ثوابا قوله مكانك بالنصب أي إلزم مكانك قوله عرض على صيغة المجهول أي ظهر عليه أحد أو أصابه آفة قوله فقمت أي فوقفت وقيل معناه فأقمت في موضعي وهو كقوله تعالى ( 2 ) وإذا أظلم عليهم قاموا ( البقرة 20 ) ح
قوله قلت لزيد القائل هو الأعمش وزيد هو ابن وهب المذكور قوله لحدثنيه إنما دخلت اللام عليه لأن الشهادة في حكم القسم قوله بالربذة بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة موضع على ثلاث مراحل من المدينة قريب من ذات عرق
قوله أبو صالح هو ذكوان السمان
قوله أبو شهاب اسمه عبد ربه الحناط بالمهملتين والنون المشددة المدائني
31 -
( باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه )
أي هذا باب يذكر فيه لا يقيم الرجل الرجل الأول فاعل والثاني مفعول هذا من لفظ الحديث وهو خبر معناه النهي وقيل إنه للتحريم وقيل للتنزيه وهو من باب الآداب ومحاسن الأخلاق وقد رواه ابن وهب في ( مسنده ) بلفظ النهي لا يقم ورواه ابن الحسن كذلك ووقع في رواية مسلم لا يقيمن بنون التأكيد

(22/256)


6269 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ( انظر الحديث 911 وطرفه )
الترجمة هي الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس والحديث في ( الموطأ ) من رواية ابن وهب ومحمد بن الحسن وقد مضى في الجمعة في باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه من حديث ابن جريج عن نافع عن ابن عمر نهى النبي أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه قلت لنافع الجمعة قال الجمعة وغيرها
32
- ( باب ( 85 ) إذا قيل لكم تفسحواانشزوا فانشزوا ( المجادلة11 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله عز و جل إذا قيل لكم الآية وفي رواية أبي ذر إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحواالآية وفي رواية غيره إلى قوله فانشزواالآية واختلفوا في معنى الآية فقال ابن بطال قال بعضهم هو مجلس النبي خاصة كذا قاله مجاهد وقتادة وقال الطبري عن قتادة كانوا يتنافسون في مجلس النبي إذا رأوه مقبلا ضيقوا مجلسهم فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف قال نزلت يوم جمعة أقبل جماعة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر فلم يجدوا مكانا فأقام النبي ناسا ممن تأخر إسلامهم وأجلسهم في أماكنهم فشق ذلك عليهم وتكلم المنافقون في ذلك فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فأفسحوا وقال الحسن البصري في الغزو خاصة وقال يزيد بن أبي حبيب أي أثبتوا في الحرب وهذا من مكيدة الحرب وقيل هو عام قوله يفسح الله لكم أي توسعوا يوسع الله عليكم منازلكم في الجنة قوله فانشزوا أي إذا قيل لكم ارتفعوا فارتفعوا وقوموا إلى قتال عدو أو صلاة أو عمل خير وقال الحسن انهزوا إلى الحرب وقال قتادة ومجاهد تفرقوا عن رسول الله فقوموا وقال ابن زيد انشزوا عنه في بيته فإن له حوائج وقال صاحب ( الأفعال ) نشز القوم عن مجلسهم قاموا منه
6270 - حدثنا ( خلاد بن يحياى ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) عن النبي أنه نهاى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر ولاكن تفسحوا وتوسعوا
وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه ( انظر الحديث 911 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله تفسحوا وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان السلمي الكوفي سكن مكة ومات بها قريبا من سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو من أفراده وسفيان هو الثوري وعبيد الله هو العمري والحديث من أفراده
قوله ويجلس فيه آخر أي وأن يجلس فيه شخص آخر واختلف في تأويل نهيه عن أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر فتأوله قوم على الندب وقالوا هو من باب الأدب لأن المكان غير متملك له وتأوله قوم على الوجوب واحتجوا بحديث معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي أنه قال إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به وقال محمد بن مسلم معنى قوله فهو أحق به إذا جلس في مجلس القائم فهو أولى به إذا قام لحاجة فأما إذا قام تاركا فهو ليس أولى به من غيره وقيل إذا قام ليرجع كان أحق وقيل إن رجع عن قرب كان أحق قوله تفسحوا أمر ووجه كونه استدراكا من الخبر بتقدير لفظ قال بعد لكن أو يقال نهى أن يقيم في تقدير لا يقيمن ويحتمل أن يكون من كلام ابن عمر ولا يكون من تتمة الحديث
قوله وكان ابن عمر هو موصول بالسند المذكور وقد روى هذا عن ابن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب بفتح المعجمة وكسر المهملة وفي آخره باء موحدة واسمه زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر جاء رجل إلى النبي فقام له رجل عن مجلسه فذهب

(22/257)


ليجلس فنهاه رسول الله وقال النووي قال أصحابنا هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود إليه كإرادة الوضوء مثلا والشغل يسير ثم يعود لا يبطل حقه في الاختصاص به وله أن يقيم من خلفه وقعد فيه وعلى القاعد أن يطيعه واختلف هل يجب عليه على وجهين أصحهما الوجوب وقيل يستحب وهو مذهب مالك قال أصحابنا وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة دون غيرها قال ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا وقال عياض اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة قالوا من اعتاد الجلوس في شيء منها فهو أحق به حتى يتم غرضه قال وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع وقال القرطبي الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب
33
- ( باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه أو تهيأ للقيام ليقوم الناس )
أي هذا باب يذكر فيه من قام من مجلسه وكان عنده ناس أطالوا الجلوس عنده فاستحيى أن يقول لهم قوموا وهو معنى لم يستأذن أصحابه قوله أو تهيأ أي تجهز للقيام حتى يرى من عنده أنه يريد القيام ليقوموا معه وهذه الترجمة مسبوكة من معنى حديث الباب
6271 - حدثنا ( الحسن بن عمر ) حدثنا ( معتمر ) سمعت ( أبي يذكر ) عن ( أبي مجلز ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال لما تزوج رسول الله زينب ابنة جحش دعا الناس طعموا ثم جلسوا يتحدثون قال فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذالك قام فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة وإن النبي جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقوا قال فجئت فأخبرت النبي أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فأرخى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى ( 33 ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( الأحزاب53 ) إلى قوله إن ذلكم كان عند الله عظيما
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وقد أوضحنا بعضه والحسن بن عمر بن شقيق البصري ومعتمر بضم الميم وسكون العين على وزن إسم الفاعل من الاعتمار يروى عن أبيه سليمان بن طرخان البصري وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وبالزاي اسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري
والحديث مضى عن قريب في باب آية الحجاب فإنه أخرجه عن أبي النعمان عن معتمر عن أبيهإلى آخره وأخرجه قبله بأتم منه عن يحيى بن سليمان ومضى الكلام فيه هناك وكان على خلق عظيم وكان أشد الناس حياء فيما لم يؤمر فيه ولم ينه فإذا أمره الله لم يستح من إنفاذ أمر الله والصدع به وكان جلوسهم عنده بعدما طعموا للحديث أذى له ولأهله قال تعالى ( 33 ) أن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم ( الأحزاب53 ) الآية وقد حرم الله عز و جل أذى رسوله فأنزل الله تعالى من أجل ذلك الآية
34
- ( باب الاحباء باليد وهو القرفصاء )
أي هذا باب في بيان أمر الاحتباء باليد ولم يبين حكمه اكتفاء بما دل عليه حديث الباب والاحتباء مصدر احتبى يحتبي يقال احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامة قاله الكرماني وفسر البخاري الاحتباء بقوله وهو القرفصاء وأخذه من كلام أبي عبيدة فإنه قال القرفصاء جلسة المحتبي ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه وفي رواية الكشميهني وهي القرفصاء بتأنيث الضمير والقرفصاء بضم القاف وسكون الراء وفتح الفاء وضمها وبالصاد المهملة ممدودا ومقصورا ضرب من القعود

(22/258)


وإذا قلت قعد فلان القرفصاء فكأنك قلت قعد قعودا مخصوصا وهو أن يجلس على إليتيه ويلصق فخذه ببطنه ويحتبي بيديه فيضعهما على ساقيه وقيل القرفصاء جلسة المستوفز وقيل جلسة الرجل على إليتيه
6272 - حدثنا ( محمد بن أبي غالب ) أخبرنا ( إبراهيم بن المنذر الحزامي ) حدثنا ( محمد بن فليح ) عن أبيه عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله بفناء الكعبة محتبيا بيده هاكذا
مطابقته للترجمة في قوله محتبيا بيده هكذا وهو من أفراده ومحمد بن أبي غالب بالغين المعجمة وكسر اللام أبو عبد الله القوسي بضم القاف وسكون الواو وبالسين المهملة نزل بغداد وهو من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بست سنين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر في كتاب التوحيد وله شيخ آخر يقال له محمد بن أبي غالب الواسطي نزيل بغداد قال الكلاباذي سمع من هشيم ومات قبل القوسي بست وعشرين سنة وإبراهيم بن المنذر بن عبد الله أبو إسحاق الحزامي بكسر الحاء المهملة وبالزاي نسبة إلى حزام أحد أجداده ومحمد بن فليح يروي عن أبيه فليح بضم الفاء وفتح اللام وبالحاء المهملة ابن سليمان بن أبي المغيرة بن حنين المدني عن نافع عن ابن عمر وهو من أفراده
قوله بفناء الكعبة بكسر الفاء وهو ما امتد من جوانبها قوله محتبيا نصب على الحال من رسول الله قوله محتبيا بيده هكذا كذا وقع مختصرا قيل روى هذا الحديث عن أبي غزية محمد بن موسى الأنصاري القاضي عن فليح نحوه وزاد فأراه فليح فوضع يمينه على يساره موضع الرسغ فالاحتباء قد يكون باليد وقد يكون باليدين فظاهر هذا الحديث أنه كان باليد وأما باليدين فقد رواه أبو داود من حديث أبي سعيد أن رسول الله كان إذا جلس احتبى بيديه ورواه البزار وزاد ونصب ركبتيه وروى البزار أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ جلس عند الكعبة وضم رجليه فأقامهما واحتبى بيديه
35
- ( باب من اتكأ بين يدي أصحابه )
أي هذا باب في بيان من اتكأ قيل الاتكاء الاضطجاع وفي حديث عمر وهو متكىء على سرير أي النبي مضطجع على سرير بدليل قوله قد أثر السرير في جنبه وقال الخطابي كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكىء
وقال خباب أتيت النبي وهو متوسد بردة قلت ألا تدعو الله فقعد
خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ابن الأرت الصحابي المشهور قال بعضهم إيراد البخاري حديث خباب المعلق يشير به إلى أن الاضطجاع اتكاء وزيادة قلت ليس كذلك لأن الاضطجاع هو النوم قاله ابن الأثير وقال الجوهري ضجع الرجل أي وضع جنبه على الأرض واضطجع مثله بل الوجه في إيراد حديث خباب هو كقوله وهو متوسد فإن التوسد يأتي بمعنى الاتكاء ولا سيما على قول الخطابي المذكور آنفا وأما هذا المعلق فإنه طرف من حديث طويل قد مضى موصولا في علامات النبوة قال حدثني محمد بن المثنى أخبرنا يحيى عن إسماعيل أخبرنا قيس عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا الحديث ومضى أيضا في أول باب مبعث النبي
6273 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( بشرخ بن المفضل ) حدثنا ( الجريري ) عن ( عبد الرحمان بن أبي بكرة ) عن أبيه قال قال رسول الله ألا أخبركم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالديننه
6274 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( بشر ) ( مثله

(22/259)


وكان متكئا فجلس ) فقال ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت
مطابقته للترجمة في قوله وكان متكئا وأخرجه من طريقين أحدهما عن علي بن عبد الله المديني عن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن المفضل على صيغة إسم المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة ابن لاحق أبي إسماعيل البصري عن الجريري وهو سعيد بن إياس والجريري نسبة إلى جرير بضم الجيم وفتح الراء ابن عباد أخي الحارث ابن ضبعة بن قيس بن بكر بن وائل وهو يروي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة يروي عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي والطريق الآخر عن مسدد عن بشرإلى آخره
والحديث مضى في أوائل كتاب الأدب في باب عقوق الوالدين من الكبائر فإنه أخرجه هناك عن إسحاق عن خالد الواسطي عن الجريريإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله وعقوق الوالدين قيل العقوق كيف يكون في درجة الإشراك وهو كفر وأجيب إنما أدخل في سلكه تعظيما لأمر الوالدين وتغليظا على العاق أو المراد إن أكبر الكبائر فيما يتعلق بحق الله الإشراك وفيما يتعلق بحق الناس العقوق قوله الزور هو الباطل
وقال المهلب فيه جواز اتكاء العالم بين يدي الناس وفي مجلس الفتوى وكذلك السلطان والأمير في بعض ما يحتاج إليه من ذلك لا لما يجده في بعض أعضائه أو الراحة يرتفق بذلك ولا يكون ذلك في عامة جلوسه
36
- ( باب من أسرع في مشيته لحاجة أو قصد )
أي هذا باب في بيان أمر من أسرع في مشيته بكسر الميم على وزن فعلة بالكسر وهي صيغة تدل على نوع مخصوص من الفعل قوله لحاجة أي لحاجة مقصودة وحكمه أنه لا بأس به وإن كان عمدا لا لحاجة فلا وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسرع المشي ويقول هو أبعد من الزهو وأسرع في الحاجة وقيل فيه اشتغال عن النظر إلى ما لا ينبغي التشاغل به وقال ابن العربي المشي على قدر الحاجة هو السنة إسراعا وبطءا لا التصنع فيه ولا التهور قوله أو قصدا أي أو أسرع لأجل قصد أي مقصود من معروف وقال الكرماني القصد إيثار الشيء والعدل ويروى أو قصد على صيغة الفعل الماضي أي أو قصد المعروف في إسراعه
6275 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عمر بن سعيد ) عن ( ابن أبي مليكة ) أن ( عقبة بن الحارث ) حدثه قال العصر فأسرع ثم دخل البيت
مطابقته للترجمة في قوله فأسرع وكان إسراعه لأجل صدقة أحب أن يفرقها
وأبو عاصم النبيل هو الضحاك بن مخلد البصري وعمر بن سعيد بن أبي حسين القرشي النوفلي المكي يروي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير وعقبة بضم العين وسكون القاف وبالباء الموحدة ابن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي أبو سروعة المكي أسلم يوم فتح مكة
والحديث قطعة من حديث مضى في كتاب الصلاة في باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم حدثنا محمد بن عبيد قال أخبرنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال صليت وراء النبي بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته وأخرجه أيضا في كتاب الزكاة في باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها عن أبي عاصم عن عمر بن سعيد عن ابن أبي مليكة إلى أن قال ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج فقلت أو قيل له فقال كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته
وفيه جواز إسراع السلطان والعالم في حوائجهم والمبادرة إليها وفيه فضل تعجيل إيصال البر وترك تأخيره
37
- ( باب السرير )

(22/260)


أي هذا باب في بيان حكم اتخاذ السرير وهو معروف قال الراغب إنه مأخوذ من السرور لأنه في الغالب لأولي النعمة قال وسرير الميت لشبهه به في الصورة وللتفاؤل بالسرور وقد يعبر عن السرير بالملك ويجمع على أسرة وسرر بضمتين وفيهم من يفتح الراء استثقالا للضمتين قيل ما وجه ذكر هذه الترجمة والبابين اللذين بعده في باب الاستئذان وأجيب بأن الاستئذان يراد به الدخول في المنزل فذكر متعلقات المنزل على سبيل الاستطراد
38
- ( باب من ألقي له وسادة )
أي هذا باب في ذكر من ألقي له على صيغة المجهول وسادة مرفوع به وإنما ذكر الضمير في ألقي لأن تأنيث الوسادة غير حقيقي والوسادة المخدة ويقال لها وساد أيضا وهو بكسر الواو وتقولها هذيل بالهمز بدل الواو
6277 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( خالد )
( ح ) حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عمرو بن عون ) حدثنا ( خالد ) عن ( خالد ) عن ( أبي قلابة ) قال أخبرني ( أبو المليح ) قال ( دخلت مع ) أبيك ( زيد على عبد الله ابن عمرو ) ( فحدثنا ) أن النبي ذكر له صومي فدخل علي فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال لي أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحداى عشرة قلت يا رسول الله قال لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر صيام يوم وإفطار يوم
مطابقته للترجمة في قوله فألقيت له وسادة وأخرجه من طريقين أحدهما عن إسحاق بن شاهين الواسطي عن خالد بن عبد الله الطحان عن خالد بن مهران الحذاء عن أبي قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي عن أبي المليح بفتح الميم وكسر اللام وبالحاء المهملة واسمه عامر وقيل زيد بن أسامة الهذلي والطريق الثاني عن عبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي عن عمرو بن عون بن أوس السلمي الواسطي وهو من شيوخ البخاري روى عنه في الصلاة ومواضع وروى

(22/261)


عنه بالواسطة وروى عمر وهذا عن خالد بن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء الخ وهذا الطريق أنزل من الطريق الأول بدرجة
وتقدم هذا الحديث عن إسحاق بن شاهين بهذا الإسناد في كتاب الصوم في باب صوم داود ومضى أيضا حديث عبد الله بن عمرو في كتاب الصوم في أبواب كثيرة متوالية ومضى الكلام فيه مستقصى
قوله دخلت مع أبيك زيد الخطاب لأبي قلابة وهو عبد الله وأبوه زيد كما ذكرنا وليس لزيد ذكر إلا في هذا الخبر قوله فدخل علي بتشديد الباء والداخل هو النبي قوله قلت يا رسول الله فيه حذف تقديره أطيق أكثر من ذلك يا رسول الله أو لا يكفيني ذلك يا رسول الله قوله قال خمسا أي خمسة أيام وكذلك التقدير في البواقي قوله شطر الدهر أي نصف الدهر وهو منصوب على الاختصاص قوله صيام يوم يجوز نصبه على الاختصاص ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو صيام يوم وإفطار يوم وإنما كان هذا أفضل لزيادة المشقة فيه إذ من سرد الصوم صار له الصوم طبيعة فلا يحصل له مقاساة كثيرة منه
6278 - حدثنا يحياى بن جعفر حدثنا يزيد عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة أنه قدم الشأم
( ح ) وحدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال ذهب علقمة إلى الشأم فأتى المسجد فصلى ركعتين فقال أللهم ارزقني جليسا فقعد إلى أبي الدرداء فقال ممن أنت قال من أهل الكوفة قال أليس فيكم صاحب السر الذي كان لا يعلمه غيره يعني حذيفة أليس فيكم أو كان فيكم الذي أجاره الله على لسان رسوله من الشيطان يعني عمارا أو ليس فيكم صاحب السواك والوساد يعني ابن مسعود كيف كان عبد الله يقرأ ( 29 ) والليل إذا يغشى ( الليل 1 ) قال ( 35 ) والذكر والأنثى ( النجم45 ) فقال ما زال هاؤلاء حتى كادوا يشككوني وقد سمعتها من رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله والوساد و ( يحيى بن جعفر ) بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين و ( يزيد ) من الزيادة هو ابن هارون الواسطي مات بواسط سنة ست ومائتين ومغيرة بضم الميم وكسرها ويقال أيضا المغيرة بن مقسم بكسر الميم وفتح السين المهملة الضبي وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس النخعي وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبو الدرداء اسمه عويمر بن مالك
والحديث مضى في صفة إبليس مختصرا عن مالك ابن إسماعيل وفي باب مناقب عمار وحذيفة وأخرجه فيه من طريقين عن مالك بن إسماعيل وسليمان بن حرب وفي مناقب عبد الله بن مسعود عن موسى عن أبي عوانة
قوله جليسا وقد مر في مناقب عمار جليسا صالحا قوله فقال ممن أنت أي قال أبو الدرداء لعلقمة قوله صاحب السر قال الكرماني أي سر النفاق وهو أنه ذكر أسماء المنافقين وعينهم لحذيفة وخصصه بهذه المنقبة إذ لم يطلع عليه غيره قلت المراد بالسر فيما قيل إنه أسر إلى حذيفة بأسماء سبعة عشر من المنافقين لم يعلمهم لأحد غيره وكان عمر رضي الله عنه إذا مات من يشك فيه رصد حذيفة فإن خرج في جنازته خرج وإلا لم يخرج قوله أو كان فيكم شك من ( شعبة ) قوله الذي أجاره الله على لسان رسوله وذلك أنه دعا بأمان من الشيطان وقال إنه طيب مطيب قوله والوساد وفي رواية الكشميهني والوسادة وكان ابن مسعود رضي الله عنه صاحب سواك رسول الله ووسادته ومطهرته قال الكرماني والمشهور بدل الوسادة السواد بكسر السين المهملة أي السرار أي المسارة قال الخطابي السواد السرار وهو ما روي عنه أنه قال له آذنك علي على أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي وكان يختص عبد الله اختصاصا شديدا لا يحجبه إذا جاءه ولا يرده إذا سال قوله كيف كان عبد الله يقرأ القائل بهذا هو أبو الدرداء قوله والذكر والأنثى يعني قال ( علقمة ) يقرأ عبد الله بن مسعود والليل إذا يغشى

(22/262)


والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى - ومآ أدراك ما القارعة ( الليل12 ) ( 35 ) الذكر والأنثى ( النجم45 ) بدون وما خلق وكان أبو الدرداء أيضا يقرأ كذلك وأهل الشام كانوا يقرؤونه على القراءة المشهورة المتواترة وهي ( 29 ) وما خلق الذكر والأنثى ( الليل3 ) وكانوا يشككونه في قراءته الشاذة قوله وقد سمعتها من رسول الله وقد مر في مناقب عمار وحذيفة والله لقد أقرأ فيها رسول الله من فيه إلى في وفي لفظ قال ما زال هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء مسمعته من رسول الله
39
- ( باب القائلة بعد الجمعة )
أي هذا باب في القائلة بعد صلاة الجمعة والقائلة هي القيلولة وهي النوم بعد الظهيرة وقال ابن الأثير المقيل والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم يقال قال يقيل قيلولة فهو قائل
40
- ( باب القائلة في المسجد )
أي هذا باب في أمر القائلة في المسجد
6280 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( عبد العزيز بن أبي حازم ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال بما كان لعلي إسم أحب إليه من أبي تراب وإن كان ليفرح به إذا دعي بها جاء رسول الله بيت فاطمة عليها السلام فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال رسول الله لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل رسول الله يمسحه عنه وهو يقول قم أبا تراب ثم أبا تراب
مطابقته للترجمة في نوم علي رضي الله عنه في المسجد نوم القيلولة
وعبد العزيز يروي عن أبيه أبي حازم سلمة ابن دينار عن سهل بن سعد وقد ذكر عن قريب
والحديث قد مضى في باب التكني بأبي تراب قبل كتاب الاستئذان بعدة أبواب ومضى الكلام فيه هناك
قوله وإن كان ليفرح كلمة إن مخففة من الثقيلة واللام في ليفرح للتأكيد قوله بها أي بالكنية قوله فلم يقل بكسر القاف من القيلولة قوله قم أبا تراب يعني يا أبا تراب
41
- ( باب من زار قوما فقال عندهم )
أي هذا باب فيه ذكر من زار قوما فقال عندهم من القيلولة أي نام عندهم نصف النهار
6281 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثني أبي عن ( ثمامة ) عن ( أنس ) أن أم سليم كانت تبسط للنبي نطعا فيقيل عندها على ذالك النطع قال فإذا نام النبي أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك قال

(22/263)


فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصاى أن يجعل في حنوطه من ذالك السك قال فجعل في حنوطه
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس الأنصاري والبخاري يروي عنه كثيرا بدون الواسطة وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس يروي عن جده أنس بن مالك والحديث من أفراده
قولهأم سليم هي أم أنس بن مالك وهي بنت ملحان بن خالد بن زيد الأنصارية واسمها الغميصاء وقيل الرميصاء وقيل غير ذلك وقال الداودي كانت أم سليم وأم حرام وأخوهما حرام أخوال رسول الله من الرضاعة وقال ابن وهب أم حرام خالة رسول الله ولم يقل من الرضاعة قوله نطعا فيه أربع لغات كسر النون مع فتح الطاء وسكونها وفتح النون والطاء وفتحها وسكون الطاء والجمع نطوع وانطاع قوله فيقيل من القيلولة قوله في سك بضم السين المهملة وشدة الكاف وهو نوع من الطيب يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل فإن قلت كيف كانت أم سليم تأخذ من شعر النبي وهو نائم قلت ليس معناه ما تبادر الذهن بل هي كانت تجمع من شعره ما كان يتناثر عند الترجل وتجمعه مع عرقه في السك وأحسن من هذا مما يزيل هذا اللبس هو ما رواه محمد بن سعد بسند صحيح عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن النبي لما حلق شعره بمنى أخذ أبو طلحة شعره فأتى به أم سليم فجعلته في سكها وقيل ذكر الشعر في هذا الحديث غريب ولهذا لم يذكره مسلم قوله في حنوطه بفتح الحاء وحكي ضمها وضم النون وهو طيب يصنع للميت خاصة وفيه الكافور والصندل ونحو ذلك وقال ابن الأثير الحنوط والحناط واحد وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة
وفيه جواز القائلة للإجمام والرئيس والعالم عند معارفه وثقاة إخوانه وأن ذلك مما يثبت المودة ويؤكد المحبة وفيه طهارة شعر ابن آدم وإنما أخذت أم سليم شعره وعرفه تبركا به وجعلته مع السك لئلا يذهب إذا كان العرق وحده وجعله أنس في حنوطه تعوذا به من المكاره
6283 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( إسحااق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل يوما فأطعمته فنام رسول الله ثم استيقظ يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله فقال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو قال مثل الملوك على الأسرة شك إسحاق قلت ادع الله أن يجعلني منهم فدعا ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هاذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة فقلت ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين فركبت البحر زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس
والحديث مضى في الجهاد في مواضع في باب فضل من يصرع في سبيل الله وفي باب غزو المرأة في البحر ومضى الكلام فيه
قوله قباء منون مصروف ممدود على الأفصح قوله أم حرام ضد الحلال بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة وهي خالة أنس بن مالك قوله يضحك حال وكذا قوله عزاه وهو جمع غاز قوله ثبج هذا البحر بفتح الثاء المثلثة والباء الموحدة وبالجيم أي وسطه ويقال ظهره والمعنى متقارب قوله ملوكا على الأسرة جمع السرير وملوكا منصوب في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر مرفوع ووجه النصب بنزع الخافض أي مثل ملوك ووجه الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره يركبون ثبج هذا البحر هم ملوك يعني كأنهم

(22/264)


ملوك وقال أبو عمر أراد والله أعلم أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي قوله شك إسحاق هو الراوي عن أنس قوله زمان معاوية يعني في إمارته وليس في زمن ولايته الكبرى وقال ابن الكلبي كانت هذه الغزوة لمعاوية سنة ثمان وعشرين
42
- ( باب الجلوس كيفما تيسر )
أي هذا باب في بيان جواز الجلوس كيفما تيسر ويستثنى منه ما نهى عنه في حديث الباب على ما يأتي الآن وليس في رواية أبي ذر لفظ باب
6284 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عطاء بن يزيد الليثي ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه قال نهاى النبي عن لبستين وعن بيعتين اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرج الإنسان منه شيء والملامسة والمنابذة
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي خص النهي بحالتين فمفهومه أن ما عداهما ليس منهيا عنه لأن الأصل عدم النهي والأصل الجواز فيما تيسر من الهيئات والملابس إذا ستر العورة وعن طاووس أنه كان يكره التربع ويقول هو جلسة مهلكة
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
والحديث قد مر في البيوع عن عياش عن عبد الأعلى عن معمر ومضى الكلام فيه مبسوطا
قوله لبستين بكسر اللام إحداهما اشتمال الصماء بتشديد الميم والمد وهو أن يجعل على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب والأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء قوله والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار والمنابذة ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر
تابعه معمر ومحمد بن أبي حفصة وعبد الله بن بديل عن الزهري
أي تابع سفيان في روايته عن الزهري معمر بن راشد ومحمد بن أبي حفصة البصري مر في كتاب المواقيت وعبد الله ابن بديل بضم الباء الموحدة وفتح الدال مصغر بدل الخزاعي المكي
43
- ( باب من ناجاى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به )
أي هذا باب في بيان من ناجى أي خاطب غيره وحدث معه سرا بين يدي جماعة يقال ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناج قوله ومن لم يخبر أي وفي بيان من لم يخبر بسر صاحبه في حياة صاحبه فإذا مات صاحبه أخبر به للغير والحاصل أن هذه الترجمة مشتملة على شيئين لم يوضح الحكم فيهما اكتفاء بما في الحديث أما الأول فحكمه جواز مساررة الواحدة بحضرة الجماعة وليس ذلك من نهيه عن مناجاة الإثنين دون الواحد لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة وذلك أن الواحد إذا تساروا دونه وقع بنفسه أنهما يتكلمان فيه بالسوء ولا يتفق ذلك في الجماعة وأما الثاني فحكمه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المسر لأن فاطمة رضي الله عنه لو أخبرت بما أسر إليها النبي في ذلك الوقت يعني في مرض موته من قرب أجله لحزنت نساؤه بذلك حزنا شديدا وكذلك لو أخبرتهن بأنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهن واشتد حزنهن ولما أمنت فاطمة بعد موت النبي أخبرت بذلك وهذا حاصل معنى الترجمة المذكورة وبه يتضح أيضا معنى الحديث
6285 - حدثنا ( موسى ) عن ( أبي عوانة ) حدثنا ( فراس ) عن ( عامر ) عن ( مسروق حدثتني عائشة ) أم المؤمنين قالت إنا كنا أزواج النبي عنده جميعا لم تغادر منا واحدة فأقبلت فاطمة

(22/265)


عليها السلام تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله فلما رآها رحب قال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية إذا هي تضحك فقلت لها أنا من بين نسائه خصك رسول الله بالسر من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله سألتها عما سارك قالت ما كنت لأفشي على رسول الله سره فلما توفي قلت لها عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني قالت أما الآن فنعم فأخبرتني قالت أما حين ساربي في الأمر الأول أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين ولا أراى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني الثانية قال يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هاذه الأمة
مطابقته للترجمة تظهر مما ذكرنا الآن في الترجمة وموسى هو ابن إسماعيل أبو سلمة البصري التبوذكي وأبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين المهملة ابن يحيى المكتب الكوفي وعامر هو ابن شراحيل الشعبي ومسروق هو ابن الأجدع
والحديث من رواية مسروق مضى مختصرا في باب كان جبريل عليه السلام بعرض القرآن على النبي ومضى في باب كتاب النبي من حديث عروة عن عائشة قال دعا النبي فاطمةالحديث مختصرا ومضى أيضا من حديث عروة مختصرا في باب علامات النبوة ومضى أيضا من حديثه مختصرا في باب مناقب قرابة رسول الله
قوله أزواج النبي منصوب على الاختصاص قوله لم تغادر على بناء المجهول أي لم تترك من المغادرة وهو الترك قوله مشيتها بكسر الميم وذلك من مشية على وزن فعلة وهي للنوع قوله رحب بتشديد الحاء أي قال لها مرحبا قوله وعن شماله شك من الراوي قوله سارها بتشديد الراء وأصله ساررها أي تكلم معها سرا قوله إذا هي تضحك كلمة إذا للمفاجأة ويروى فإذا هي بالفاء قوله لأفشي بضم الهمزة من الإفشاء وهو الإظهار والنشر قوله عزمت أي أقسمت قوله بمالي الباء فيه للقسم قوله لما أخبرتني بمعنى إلا أخبرتني وكلمة هاهنا حرف استثناء تدخل على الجملة الإسمية نحو قوله تعالى ( 68 ) إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق4 ) فيمن شدد الميم وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو أنشدك الله لما فعلت أي ما أسألك إلا فعلك وهنا أيضا المعنى لا أسألك إلا إخبارك بما سارك رسول الله قوله جزعى الجزع قلة الصبر وقيل نقيض الصبر وهو الأصح وبقية الأبحاث مرت في الأبواب التي ذكرناها
44
- ( باب الاستلقاء )
أي هذا باب في بيان جواز الاستلقاء وهو النوم على القفا ووضع الظهر على الأرض وهذا الباب فيه خلاف وقد وضع الطحاوي لهذا بابا وبين فيه الخلاف فروى حديث جابر من خمس طرق أن رسول الله كره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ورواه مسلم ولفظه أن رسول الله نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره ثم قال الطحاوي فكره قوم وضع إحدى الرجلين على الأخرى واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور قلت أراد بالقوم هؤلاء محمد بن سيرين ومجاهدا وطاووسا وإبراهيم النخعي ثم قال وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسا واحتجوا في ذلك بحديث الباب وهم الحسن البصري والشعبي وسعيد بن المسيب وأبو مجلز لاحق بن حميد ومحمد بن الحنفية رحمهم الله وأطال الكلام في هذا الباب وملخصه أن حديث الباب نسخ حديث جابر وقيل يجمع بينهما بأن يحمل النهي حيث تبدو العورة والجواز

(22/266)


حيث لا تبدو والله أعلم
6287 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( الزهري ) قال أخبرني ( عباد بن تميم ) عن ( عمه ) قال رأيت رسول الله في المسجد مستلقيا واضعا إحداى رجليه على الأخراى ( انظر الحديث 475 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والزهري هو محمد بن مسلم وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن تميم المازني وعمه عبد الله بن زيد الأنصاري
والحديث مضى في الصلاة عن القعنبي عن مالك وفي اللباس عن أحمد بن يونس وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي
قوله مستلقيا حال لأن رأيت من رؤية البصر وقوله واضعا أيضا حال إما مترادفة أو متداخلة
45
- ( باب لا يتناجى إثنان دون الثالث )
أي هذا باب يذكر فيه لا يتناجى أي لا يتخاطب شخصان أحدهما للآخر دون الشخص الثالث إلا بإذنه وقد جاء هذا ظاهرا في رواية معمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى إثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ويشهد له قوله تعالى ( 9 ) إنما النجوىالذين آمنوا ( التوبة51 ) الآية
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتمبالبر والتقوى ( المجادلة إلى قوله وعلى الله فليتوكل كل المؤمنون ( التوبة51 ) وقوله ياأيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم إلى قوله والله خبير بما تعملون ( المجادلة1213 ) ح
هذه أربع آيات من سورة المجادلة الأولى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم الآية وتمامها بعد قوله والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون الآية الثانية قوله إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس يضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون الآية الثالثة قوله تعالى ( 85 ) يا أيها الذين آمنوا إلى قوله ( 85 ) فإن الله غفور رحيم ( المجادلة2 ) الآية الرابعة قوله ( 85 ) أشفقتم أن تقدمواوالله خبير بما تعملون ( المجادلة3 ) وساق الأصيلي وكريمة الآيتين الأوليين بتمامهما وفي رواية أبي ذر وقول الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا إلى قوله المؤمنين وكذا ساق الأصيلي وكريمة الآيتين الأخريين بتمامهما وفي رواية أبي ذر وقول الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة إلى قوله بما تعملون وأشار البخاري بإيراد الآيتين الأوليين إلى أن الجائز المأخوذ من مفهوم الحديث مقيد بأن لا يكون التناجي في الإثم والعدوان قوله يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم قال الزمخشري خطاب المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ويجوز أن يكون للمؤمنين أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا بأولئك في تناجيهم بالشر وتناجوا بالبر والتقوى قوله إنما النجوى أي التناجي من الشيطان أي من تزيينه ليحزن الذين آمنوا بما يبلغهم من إخوانهم الذين خرجوا في السرايا من قتل أو موت أو هزيمة وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله أي بإرادته قوله فقدموا بين يدي نجواكم صدقة عن ابن عباس وذلك أن الناس سألوا رسول الله فأكثروا حتى شقوا عليه فأدبهم الله تعالى وفطمهم بهذه الآية وأمرهم أن لا يناجوه حتى يقدموا الصدقة فاشتد ذلك على أصحاب النبي فنزلت الرخصة وقال مجاهد نهوا عن مناجاة النبي حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي رضي الله عنه قدم دينارا فتصدق به فنزلت الرخصة ونسخ الصدقة وعن مقاتل بن حيان إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ وعن الكلبي ما كانت إلا ساعة من نهار قوله أأشفقتم أي خفتم بالصدقة لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه وإن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء

(22/267)


وإذا لم تفعلوا ما أمرتم به وشق عليكم وتاب الله عليكم فتجاوز عنكم قيل الواو صلة
6288 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك )
( ح ) وحدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى إثنان دون الثالث
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن عمر والآخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك إلى آخره
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن يحيى بن يحيى
قوله إذا كانوا أي المتناجون ثلاثة النصب على أنه خبر كان وفي رواية مسلم إذا كان ثلاثة بالرفع على أن كان تامة قوله دون الثالث يعني منهم لأنه ربما يتوهم أنهما يريدان به غائلة وفيه أدب المجالسة وإكرام الجليس
46
- ( باب حفظ السر )
أي هذا باب في بيان حفظ السر يعني ترك إفشائه وإظهاره لأنه أمانة وحفظ الأمانة واجب وذلك من أخلاق المؤمنين وقال المهلب والذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح إفشاؤه إذا كان على المسر ضرر فيه وأكثرهم يقول إذا مات المسر فليس يلزم من كتمانه ما يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة في دينه وقال الداودي هذا مما لا ينبغي إفشاؤه بعد موته بخلاف سر فاطمة رضي الله عنها لأنه إنما أسر إليها بموته
6290 - حدثنا ( عثمان ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال النبي إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دخلأن الآخر حتى يختلطوا بالناس أجل أن يحزنه

(22/268)


مطابقته للترجمة من حيث إن مفهومه إن لم يكن ثلاثة بل أكثر يتناجى إثنان منهم
وعثمان هو ابن أبي شيبة أخو أبي بكر وجرير بالفتح ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الاستئذان كذلك
قوله دون الآخر لأن الواحد إذا بقي فردا وتناجى إثنان حزن لذلك إذا لم يساراه فيها ولأنه قد يقع في نفسه أن سرهما في مضرته قوله حتى يختلطوا أي حتى يختلط الثلاثة بغيرهم سواء كان الغير واحدا أو أكثر قوله أجل أن يحزنه أي من أجل أن يحزنه قال الخطابي وقد نطقوا بهذا اللفظ بإسقاط من ويروى من أجل أن يحزنه والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الآخر وهو الثالث ويحزنه يجوز أن يكون من حزن ويجوز أن يكون من أحزن فالأول من الحزن والثاني من الإحزان وقيل إنما يكره ذلك في الانفراد لأنه إذا بقي منفردا وتناجى من عداء دونه أحزنه ذلك لظنه إما حقارته وإما مضرته بذلك بخلاف ما إذا كانوا بحضرة الناس فإن هذا المعنى مأمون عند الاختلاط
6291 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( عبد الله ) قال قسم النبي يوما قسمة فقال رجل من الأنصار إن هاذه لقسمة ما أريد بها وجه الله قلت أما والله لآتين النبي فأتيته وهو في ملأ فساررته فغضب حتى احمر وجهه ثم قال رحمة الله على موسى أو ذي بأكثر من هاذا فصبر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قول ابن مسعود فأتيته وهو في ملأ فساررته فإن ذلك دلالة على أن المنع يرتفع إذا بقي جماعة لا يتأذون بالمسارة
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وقد مر مرارا عديدة وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي اسمه محمد بن ميمون السكري يروي عن سليمان الأعمش عن شقيق ابن سلمة عن عبد الله بن مسعود
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء عليهم السلام في باب مجرد عقيب باب طوفان من السيل فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن الأعمشإلى آخره ومضى في الأدب عن حفص بن عمر وفي المغازي عن قبيصة وسيأتي في الدعوات عن حفص بن عمر ومضى الكلام فيه
قوله في ملأ أي في جماعة وقال الكرماني ما وجه مناسبة هذا الباب ونحوه بكتاب الاستئذان قلت من جهة أن مشروعية الاستئذان هو لئلا يطلع الأجنبي على أحوال داخل البيت أو أن الغالب أن المناجاة لا يكون إلا في البيوت والمواضع الخاصة الخالية فذكره على سبيل التبعية للاستئذان قلت فيه ما فيه
48
- ( باب طول النجوى )
أي هذا باب في بيان طول النجوى وهو إسم قام مقام المصدر يعني التناجي يقال ناجاه يناجيه مناجاة
وقوله ( 71 ) وإذ هم نجوى ( الإسراء47 ) مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى يتناجون
أي قوله عز و جل وإذ هم نجوى وهذا من باب المبالغة كما يقال أبو حنيفة فقه قوله مصدر قد ذكرنا أنه إسم مصدر قام مقامه وهذا التفسير في رواية المستملي قوله فوصفهم بها حيث قال وإذ هم نجوى وقال الأزهري أي ذو نجوى
6292 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال أقيمت الصلاة ورجل يناجي رسول الله فما زال يناجيه حتى نام أصحابه ثم قام فصلى ( انظر الحديث 642 وطرفه )

(22/269)


مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ومحمد بن بشار هو بندار ومحمد بن جعفر هو غندر وعبد العزيز بن صهيب
والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة فإنه أخرجه هناك عن أبي معمر عبد الله بن عمرو عن عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنسإلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله ورجل يناجي رسول الله لفظ الحديث هناك والنبي يناجي رجلا في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم
49
- ( باب لا تترك النار في البيت عند النوم )
أي هذا باب يذكر فيه كذا إلى آخره قوله لا تترك على صيغة المجهول والنار مرفوع به ويجوز لا يترك النار على صيغة النفي أي لا يترك أحد الناء في بيته عند نومه والنار منصوب على هذا
64 - ( حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي قال لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وابن عيينة هو سفيان وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم يروي عن أبيه عبد الله عن النبي والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن حنبل وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن ابن أبي عمر وغير واحد وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله لا تتركوا النار عام يدخل فيه نار السراج وغيره وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها إذا أمن الضرر كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها قوله حين تنامون قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالبا
65 - ( حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فحدث بشأنهم النبي قال إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فأطفؤها عنكم )
مطابقته للترجمة في قوله فأطفؤها لأن الطفء عدم تركها في البيت عند النوم ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي وأسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء ابن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة واسمه عامر وقيل الحارث عن أبي موسى والحديث أخرجه مسلم أيضا في الاستئذان عن سعيد بن عمرو وغيره وأخرجه ابن ماجه في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة قوله فحدث على صيغة المجهول من التحديث أي أخبر بشأنهم أي بحالهم قوله عدو يستوي فيه المذكر والمؤنث والمثنى والجمع وقال ابن العربي معنى كون النار عدوا لنا أنها تنافي أبداننا وأموالنا منافاة العدو وإن كانت لنا بها منفعة لكن لا تحصل لنا إلا بواسطة فأطلق أنها عدو لنا لوجود معنى العداوة فيها قلت أوضح منه أن يقال إذا ظفرت بنا في أي وقت كانت وأي مكان كانت تحرقنا ولا تطلقنا
66 - ( حدثنا قتيبة حدثنا حماد عن كثير عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله خمروا الآنية وأجيفوا الأبواب وأطفؤا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت )

(22/270)


مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وحماد هو ابن زيد وكثير ضد قليل ابن شنظير بكسر الشين المعجمة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء الأزدي البصري وفي بعض النسخ صرح به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وموضع آخر في باب لا يرد السلام في الصلاة قبل كتاب الجنائز بعدة أبواب وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث مضى في بدء الخلق عن مسدد في باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم وأخرجه أبو داود في الأشربة عن مسدد وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن قتيبة به قوله خمروا أمر من التخمير بالخاء المعجمة وهو التغطية قوله وأجيفوا أمر من الإجافة بالجيم والفاء وهو الرد يقال أجفت الباب أي رددته قوله فإن الفويسقة تصغير الفاسقة وهي الفارة قوله الفتيلة وهي فتيلة المصابيح وقال القرطبي الأمر والنهي في هذا الحديث للإرشاد قال وقد يكون للندب وجزم النووي أنه للإرشاد لكونه مصلحة دنيوية واعترض عليه بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية وهي حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره وجاء في الحديث سبب الأمر بذلك وسبب الحامل للفويسقة وهي الفارة على جر الفتيلة وهو ما أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال جاءت فارة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال النبي إذا نمتم فأطفؤا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم
50 -
( باب إغلاق الأبواب بالليل )
أي هذا باب في بيان الأمر بإغلاق الأبواب في الليل والإغلاق بكسر الهمزة كذا في رواية الأصيلي والجرجاني وكريمة عن الكشميهني وفي بعض النسخ باب غلق الأبواب بالليل وهو وإن ثبت في اللغة فالأول أفصح
6296 - حدثنا ( حسان بن أبي عباد ) حدثنا ( همام ) عن ( عطاء ) عن ( جابر ) قال قال رسول الله أطفؤوا المصابيح بالليل إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب وأوكوا الأسقية وخمرو الطعام والشراب قال همام وأحسبه قال ولو بعود
هذا طريق آخر في حديث جابر المذكور قبله أخرجه عن حسان بفتح الحاء المهملة وتشديد الشين ابن أبي عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة واسم أبي عباد حسان أيضا أبو علي البصري سكن مكة ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو من أفراد البخاري وهمام بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى وعطاء بن أبي رباح
قوله وأغلقوا الأبواب من الإغلاق وفي رواية المستملي والسرخسي وغلقوا من التغليق قوله وأوكوا من الإيكاء وهو الشد والربط والأسقية جمع سقاء وهي القربة وفائدته صيانته من الشيطان فإنه لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء ومن الوباء الذي ينزل من السماء في ليلة من السنة كما ورد به في الحديث والأعاجم يقولون تلك الليلة في كانون الأول ومن المقذرات والحشرات وقد مر الكلام أيضا في كتاب الأشربة في باب تغطية الإناء قوله قال همام وهو الراوي المذكور أحسبه أي أظن عطاء بأنه قال ولو يعود أي ولو تخمرونه بعود ويروى ولو بعود تعرضه أي تضعه عليه بعرضه ويراد به أن التخمير يحصل بذلك ومن جملة امرء لغلق الأبواب خشية انتشار الشياطين وتسليطهم على ترويع المسلمين وأذاهم وقد جاء في حديث آخر أنه قال إذا جنح الليل فاحبسوا أولادكم فإن الله يبث من حلقه بالليل ما لا يبثه بالنهار وأن للشياطين انتشار أو خطفة
51
- ( باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط )
أي هذا باب في بيان الختان بعد كبر الرجل ويروى بعدما كبر وفي بيان نتف الإبط وقال الكرماني وجه ذكر هذا الباب في كتاب الاستئذان هو أن الختان لا يحصل إلا في الدور والمنازل الخاصة ولا يدخل فيها إلا بالاستئذان
6297 - حدثنا يحياى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن

(22/271)


المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال الفطرة خمس الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار ( انظر الحديث 5889 )
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن قزعة ) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات الحجازي و ( إبراهيم بن سعد ) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث مضى في اللباس في باب قص الشارب ومضى الكلام فيه
قوله الفطرة أي سنة الأنبياء عليهم السلام الذين أمرنا أن نقتدي بهم وأول من أمر بها إبراهيم عليه السلام قال تعالى ( 2 ) وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ( البقرة124 ) والتخصيص بالخمس لا ينافي الرواية القائلة بأنها عشر والسواك والمضمضة والاستنشاق والاستنجاء وغسل البراجم وهذه الخمسة وفيه روايات أخر قوله الختان واجب على ظاهر الأقوال على الرجال والنساء وفي قول سنة فيها وبه قال مالك والكوفيون وفي قول واجب على الرجال دون النساء وقد روي مرفوعا الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء ولكن هذا ضعيف واختلفوا في وقته فقالت الشافعية بعد البلوغ ويستحب في السابع بعد الولادة اقتداء بأمر رسول الله في الحسن والحسين رضي الله عنهما فإنه ختنهما يوم السابع من ولادتهما رواه الحاكم في ( مستدركه ) من حديث عائشة رضي الله عنها وقال صحيح الإسناد وقال الليث الختان للغلام ما بين سبع سنين إلى العشر وقال مالك عامة ما رأيت الختان ببلدنا إذا أشغر وقال مكحول إن إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه ختن ابنه إسحاق لسبعة أيام وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشرة سنة قوله والاستحداد أي استعمال الحديد الحلق العانة وعن الشعبي استحد الرجل إذا نور ما تحت إزاره وهو خلاف المعهود قوله وتقليم الأظفار أي قصها
6298 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب بن أبي حمزة ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة واختتن بالقدوم مخففة ( انظر الحديث 3356 )
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة جدا لأن إبراهيم عليه السلام اختتن بعد الكبر
وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد بكسر الزاي وبالنون المخففة عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث من أفراده
قوله بعد ثمانين سنة وقع في ( الموطأ ) من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا على أبي هريرة أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة واختتن بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وفي ( فوائد ابن السماك ) من طريق أبي أويس عن أبي الزناد بهذا السند مرفوعا وأكثر الروايات على ما وقع في حديث الباب أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة وقد جمع بعضهم بين الروايتين بأن إبراهيم عليه السلام عاش مائتي سنة منها ثمانون غير مختون ومنها مائة وعشرون وهو مختون فمعنى الأول اختتن لثمانين مضت من عمره ومعنى الثاني لمائة وعشرين بقيت من عمره قلت إنما يجمع بينهما إذا كانا متساويين في الصحة وحديث الباب لا يقاومه الآخر لما في صحته من النظر على أن البعض ذهب إلى عدم صحته قوله واختتن بالقدوم بفتح القاف وضم الدال بتخفيفها وفي آخر ميم قيل هي آلة النجار وقيل إسم موضع وقال المهلب القدوم بالتخفيف الآلة وبالتشديد الموضع وقد يتفق لإبراهيم عليه السلام الأمران يعني أنه اختتن بالآلة وفي الموضع وعن يحيى ابن سعيد القدوم الفأس وعن عبد الرزاق بسند صحيح قال القدوم القرية وعن الحازمي قرية كانت عند حلب وقيل كان مجلس إبراهيم عليه السلام قوله مخففة تقديره أعني مخففة الدال
قال أبو عبد الله حدثنا قتيبة حدثنا المغيرة عن أبي الزناد وقال بالقدوم مشددة وهو موضع
أشار البخاري بهذا إلى الروايتين في القدوم ففي رواية شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بالتخفيف وفي رواية المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد بالتشديد أشار إليه بقوله مشددة أعني بتشديد الدال
6299 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) أخبرنا ( عباد بن موسى ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن

(22/272)


( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( سعيد بن جبير ) قال سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض النبي قال أنا يومئذ مختون قال وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك ( انظر الحديث 6299 - طرفه في 6300 )
مطابقته للترجمة في كونه مشتملا على الختان وهذا المقدار كاف ومحمد بن عبد الرحيم الذي يقال له صاعقة البغدادي وعباد بتشديد الباء الموحدة ابن موسى الختلي بضم الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق المشددة من الطبقة السفلى من شيوخ البخاري وإسرائيل هو ابن يونس يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
والحديث من أفراده
قوله مختون أي وقع عليه الختان وهو إسم مفعول من ختن ومراده أنه كان أدرك حين ختن وذلك لقوله وكانوا لا يختنون أي كانت عادتهم أنهم لا يختنون صبيانهم إلا إذا أدركوا وقيل قوله وكانواإلى آخره مدرج ورد بأن الأصل أنه من كلام من نقل عنه الكلام السابق فإن قلت قد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قبض النبي وأنا ابن عشر وروى عنه عبيد الله بن عبد الله أتيت النبي بمنى وأنا قد ناهزت الاحتلام قلت الصحيح المحفوظ أن عمره عند وفاة النبي كان ثلاث عشرة سنة لأن أهل السير قد صححوا أنه ولد بالشعب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وأما قوله وأنا ابن عشر فمحمول على إلغاء الكسر على أنه روى أحمد من طريق آخر عنه أنه كان حينئذ ابن خمس عشرة سنة قوله لا يختنون بفتح التاء المثناة من فوق وبكسرها قوله حتى يدرك أي حتى يبلغ
( وقال ابن إدريس عن أبيه عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قبض النبي وأنا ختين )
هذا طريق وصله الإسماعيلي من طريق ابن إدريس هذا وهو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة الكوفي وقال الكرماني أحد الأعلام كان نسيج وحده وفريد زمانه يروي عن أبيه إدريس وإدريس يروي عن أبي إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي عن سعيد بن جبير
52
- ( باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله )
أي هذا باب ترجمته كل لهو باطل وهي لفظ حديث أخرجه أحمد والأئمة الأربعة من حديث عقبة بن عامر رفعه كل ما يلهو به المرء المسلم باطل إلا رمية بقوسه وتأديب فرسه وملاعبة أهله ولما لم يكن هذا الحديث على شرطه جعل منه ترجمة ولم يخرجه في ( الجامع ) قوله كل لهو كلام إضافي مرفوع على الابتداء قوله باطل خبره قوله إذا شغله الضمير المرفوع فيه يرجع إلى اللهو والمنصوب إلى اللاهي يدل عليه لفظ اللهو وقيد بقوله إذا شغلهالخ لأنه إذا لم يشغله عن طاعة الله يكون مباحا وعليه أهل الحجاز لا يرى أن الشارع أباح للجاريتين يوم العيد الغناء في بيت عائشة من أجل العيد كما مضى في كتاب العيدين وأباح لها النظر إلى لعب الحبشة بالحراب في المسجد ووجه ذكر هذا الباب في كتاب الاستئذان من حيث إن اللهو لا يكون إلا في المنازل ومنه القمار فلا يكون إلا في منزل خاص ودخول المنزل يحتاج إلى الاستئذان
ومن قال لصاحبه تعال أقامرك
هذا عطف على ما قبله ومعناه من قال هذا ما يكون حكمه قوله تعال أمر من تعالى يتعالى تعاليا تقول تعال تعاليا تعالوا تعالي للمرأة تعاليا تعالين ولا يتصرف منه غير ذلك وقال الجوهري ولا يجوز أن يقال منه تعاليت ولا ينهى منه وقال غيره يجوز تعاليت
وقوله تعالى ومن الناسسبيل الله ( لقمان6 )
هذا هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية أبي ذر والأكثرين وقوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية وتمام الآية ( 13 ) ليضل عن سبيلعذاب مهين ( لقمان6 ) ووجه ذكر هذه الآية عقيب الترجمة

(22/273)


المذكورة أنه جعل اللهو فيها قائدا إلى الضلال صادا عن سبيل الله فهو باطل وقيل ذكر هذه الآية لاستنباط تقييد اللهو بالترجمة من مفهوم قوله تعالى ليضل عن سبيل الله بغير علم فإن مفهومه أنه إذا اشتراه لا ليضل لا يكون مذموما وكذا مفهوم الترجمة أنه إذا لم يشغله اللهو عن طاعة الله لا يكون مذموما كما ذكرناه الآن
واختلف المفسرون في اللهو في الآية فقال ابن مسعود الغناء وحلف عليه ثلاثا وقال الغناء ينبت النفاق في القلب وقاله مجاهد أيضا وقيل الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل وقيل ما يلهاه من الغناء وغيره وعن ابن جريج الطبل وقيل الشرك وعن ابن عباس نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا وقيل نزلت في النضر بن الحارث وكان يتجر إلى فارس فيشتري كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا ويقول إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الحيرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن قوله ليضل عن سبيل الله أخذ البخاري منه قوله في الترجمة إذا شغله عن طاعة الله والمراد من سبيل الله القرآن وقيل دين الإسلام وقرى ليضل بضم الياء وفتحها
6301 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( حميد بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) قال قال رسول الله من حلف منكم فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق
مطابقته للترجمة من حيث إن الحلف باللات لهو شاغل عن الحلف بالحق فيكون باطلا
ورجال الحديث قد ذكروا غير مرة
والحديث مضى في التفسير في سورة والنجم عن عبد الله بن محمد عن هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري صورة تعظيم الأصنام حين حلف بها فأمر أن يتداركه بكلمة التوحيد أي كفارته كلمة الشهادة وكفارة الدعوى إلى القمار التصدق بما يطلق عليه إسم الصدقة قوله ومن قال لصاحبهإلى آخره مطابق لقوله في الترجمة كذلك ولم يختلف العلماء في تحريم القمار لقوله تعالى ( 5 ) إنما الخمر والميسر ( المائدة90 ) الآية واتفق أهل التفسير على أن الميسر هنا القمار وكان أهل الجاهلية يجعلون جعلا في المقامرة ويستحقونه بينهم فنسخ الله تعالى أفعال الجاهلية وحرم القمار وأمرهم بالصدقة عوضا مما أرادوا استباحته من الميسر المحرم وكانت الكفارة من جنس الذنب لأن المقامر لا يخلو إما أن يكون غالبا أو مغلوبا فإن غالبا فالصدقة كفارة لما كان يدخل في يده من الميسر وإن كان مغلوبا فإخراجه الصدقة لوجه الله تعالى أولى من إخراجه عن يده شيئا لا يحل له إخراجه
53
- ( باب ما جاء في البناء )
أي هذا باب ما جاء في البناء وذمه من الأخبار والبناء أعم من أن يكون من طين أو حجر أو خشب أو قصب ونحو ذلك وقد ذم الله عز و جل من بنى ما يفضل عما يكنه من الحر والبرد ويستره عن الناس فقال أتبنون بكل ريعلعلكم تخلدون ( الفرقان128 ) يعني قصورا وقد جاء عن رسول الله أنه قال ما أنفق ابن آدم في التراب فلن يخلف له ولا يؤجر عليه وأما من بنى ما يحتاج إليه ليكنه من الحر والبرد والمطر فمباح له ذلك وكذلك كان السلف يفعلون ألا ترى إلى قول ابن عمر رضي الله عنهما بنيت بيتي بيدي يكنني من المطرإلى آخره وروى ابن وهب وابن نافع عن مالك قال كان سليمان يعمل الخوص بيده وهو أمير ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدر والشجر وروى ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر إذا رفع الرجل فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين
قال أبو هريرة عن النبي من أشراط الساعة إذا تطاول رعاء البهم في البنيان
هذا التعليق مضى موصولا مطولا في كتاب الإيمان في باب سؤال جبريل عليه السلام النبي

(22/274)


عن الإيمان فإنه أخرجه هناك عن مسددإلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله من أشراط الساعة أي من علامات يوم القيامة وهو جمع شرط بفتحتين وإنما جمع جمع القلة مع أن العلامات أكثر من العشرة لأن بين الجمعين معارضة أو أن الفرق بينهما في الجموع النكرة لا في المعارف قوله رعاة البهم بضم الراء وبتاء التأنيث في آخره هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني رعاء بكسر الراء وبالهمزة مع المد وقال ابن الأثير الرعاء بالكسر والمد جمع راعي الغنم وقد يجمع على رعاة بالضم والبهم بضم الباء جمع الأبهم وهو الذي يخلط لونه شيء سوى لونه وبفتحها جمع البهمة وهي أولاد الضأن وقيل البهم أيضا المجتمعة منها ومن أولاد المعز وحاصله أن الفقراء من أهل البادية تبسط لهم الدنيا يتباهون في إطالة البنيان وهؤلاء الذين يقولون بلاد مصر والشام كانوا في بلادهم لا يملكون شيئا وهم في أضيق المعيشة وغالبهم كانوا رعاة وأنهم يبنون كل قصر من خزف يصرف عليه أكثر من قنطار من ذهب ويسرفون في المآكل والمشارب والملابس بما لا يرضى الله به ولا رسوله والأمر لله الواحد القهار
6302 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( إسحاق ) هو ( ابن سعيد ) عن ( سعيد ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال رأيتني مع النبي بنيت بيدي بيتا يكنني من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه أحد من خلق الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بنيت بيدي واعترض الإسماعيلي على البخاري فقال أدخل هذا الحديث في البناء بالطين والمدر والخزف إنما هو في بيت الشعر لأنه أخرج هذا الحديث وفي روايته بيتا من شعر ورد عليه بأن هذه الزيادة ضعيفة عندهم وعلى تقدير ثبوتها فليس في الترجمة تقييد بالطين وغيره
وأبو نعيم الفضل بن دكين وإسحاق هو ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي القرشي وإسحاق هذا سكن مكة وقد روى هذا الحديث عن والده وهو المراد بقوله عن سعيد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
والحديث أخرجه ابن ماجه في الزهد عن محمد بن يحيى عن ابن نعيم به
قوله رأيتني ضمير الفاعل والمفعول عبارة عن شخص واحد ومعناه رأيت نفسي قوله مع النبي أي في زمن النبي قوله يكنني بضم الياء من أكن إذا وقى قال ابن الأثير كذا قرأناه وعن الكسائي كننت الشيء سترته وصنته من الشمس وأكننته في نفسي أسررته وقال أبو زيد كننته وأكننته بمعنى واحد في الكن بالكسر وفي النفس جميعا تقول كننت العلم وأكننته وكننت الجارية وأكننتها قوله ما أعانني عليه أي على بناء هذا البيت أحد من الناس وهذا تأكيد لقوله بنيت بيدي بيتا وإشارة إلى خفة مؤنته
6303 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) قال ابن عمر والله ما وضعت لبنة على لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض النبي قال سفيان فذكرته لبعض أهله قال والله لقد بنى قال سفيان قلت فلعله قال قبل أن يبني
مطابقته للترجمة أيضا ما ذكر في الذي قبله وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمر وهو ابن دينار
قوله منذ قبض أي منذ توفي النبي قوله والله لقد بنى أي بيتا وفي رواية الكشميهني لقد بنى بيتا قوله قال سفيان فلعله أي فلعل ابن عمر قال قبل أن يبني يعني قبل البناء وهذا اعتذار حسن من سفيان وقال الكرماني ويروى قبل أن يبتني أي قبل أن يتزوج ويحتمل أنه أراد الحقيقة أي البناء بيده والمباشرة بنفسه ولعله أراد التسبب بالأمر به ونحوه والله أعلم ويحتمل أنه يكون الذي نفاه ابن عمر ما زاد على حاجته والذي أثبته بعض أهله بناء بيت لا بد له منه أو إصلاح ما وهى من بيته والله المتعال أعلم بحقيقة الحال

(22/275)


أي هذا كتاب في بيان الدعوات وهو جمع دعوة بفتح الدال وهو مصدر يراد به الدعاء يقال دعوت الله أي سألته والدعاء واحد الأدعية واصله دعا ولأنه من دعوت إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت والدعاء إلى الشيء الحث على فعله ودعوت فلانا سألته ودعوته استعنته ويطلق أيضا على رفعة القدر كقوله تعالى ليس له دعوة في الدنيا والآخرة في الآخرة ( غافر43 ) ويطلق أيضا على العبادة والدعوى بالقصر الدعاء كما في قوله تعالى وآخر دعواهم ( يونس10 ) والإدعاء كقوله تعالى فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا ( الأعراف5 ) ويطلق الدعاء أيضا على التسمية كقوله عز و جل لا تجعلوا دعاءبعضكم بعضا ( النور63 ) وقال الراغب الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الإسم والدعاء لا يكاد يتجرد
وقوله تعالى ادعوني أستجب لكمجهنم داخرين ( غافر60 )
و لكل نبي دعوة مستجابة
وقوله بالجر عطف على الدعوات وفي بعض النسخ قول الله تعالى ادعوني أستجب لكم برفع قول الله وفي بعضها وقول الله عز و جل ادعوني وفي رواية أبي ذر وقول الله تعالى ادعوني أستجب لكم الآية وفي رواية غيره ساق الآية إلى داخرين وأول الآية قوله تعالى وقال ربكم ادعوني الآية قوله ادعوني أي وحدوني واعبدوني دون غيري أجبكم وأغفر لكم وأثبكم قاله أكثر المفسرين دليله سياق الآية ويقال هو الدعاء والذكر والسؤال قوله عن عبادتي أي توحيدي وطاعتي وقال السدي أي عن دعائي قوله داخرين أي صاغرين أذلاء وظاهر هذه الآية يرجح الدعاء على تفويض الأمر إلى الله تعالى وقالت طائفة الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء وأجابوا عن الآية بأن آخرها دل على أن المراد بالدعاء العبادة لقوله إن الذين يستكبرون عن عبادتي واستدلوا بحديث نعمان بن بشير عن النبي قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتيالآية أخرجه الأربعة وصححه الترمذي والحاكم وشذت طائفة فقالوا المراد بالدعاء في الآية ترك الذنوب وأجاب الجمهور بأن الدعاء من أعظم العبادة فهو كالحديث الآخر الحج عرفة أي معظم الحج وركنه الأكبر ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث أنس رفعه الدعاء مخ العبادة وقد تواترت الآثار عن النبي بالترغيب في الدعاء والحق عليه لحديث أبي هريرة رفعه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم وحديثه رفعه من لم يسأل الله يغضب عليه أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الطيبي شيخ شيخ أبي الروح السرماري إن من لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه والله يحب أن يسأل وأخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رفعه سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وروى الطبراني من حديث عائشة رضي الله عنها إن الله يحب الملحين في الدعاء
قوله ولكل نبي دعوة مستجابة وفي رواية أبي ذر باب بالتنوين ولكل نبي دعوة مستجابة وليس في غير رواية أبي ذر لفظ باب فعلى رواية أبي ذر هذه اللفظة ترجمة مستقلة وعلى رواية غيره من جملة الترجمة الماضية
6304 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال لكل نبي دعوة يدعو بها وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة ( انظر الحديث 6304 - طرفه في 7474 )

(22/276)


مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الله بن هرمز والحديث من أفراده
قوله يدعو بها أي بهذه الدعوة وفي رواية فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة وفي رواية أبي هريرة الآتية في التوحيد فأريد إن شاء الله أن أختبىء وزيادة إن شاء الله في هذه للتبرك ولمسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة إني اختبأت وفي رواية أنس فجعلت دعوتي وزاد يوم القيامة فإن قلت وقع للكثير من الأنبياء عليهم السلام من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا وظاهره أن لكل نبي دعوة مجابة فقط قلت أجيب بأن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة وقيل معنى قوله لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب قلت لا يحسن أن يقال في حق نبي من الأنبياء أن يقال من دعواته ما لا يستجاب والمعنى الذي يليق بحالهم أن قال من دعواتهم ما يستجاب في الحال ومنها ما يؤخر إلى وقت أراده الله عز و جل أن اختبىء أي أدخر وأجعلها خبيئة
6305 - وقال لي ( خليفة ) قال ( معتمر ) سمعت أبي عن ( أنس ) عن النبي قال كل نبي سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة قد دعا بها فاستجيب فجعلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
خليفة هو ابن خياط أبو عمر والعصفري البصري هكذا وقع قال لي خليفة في رواية الأصيلي وكريمة ووقع في رواية الأكثرين وقال معتمر هو ابن سليمان التميمي فعلى الرواية الأولى الحديث متصل وقد وصله أيضا مسلم فقال حدثنا محمد ابن عبد الأعلى أخبرنا المعتمر عن أبيه عن أنس بن مالك أن نبي الله قال فذكر نحو حديث قتادة عن أنس وحديث قتادة عن أنس أن نبي الله قال لكل نبي دعوة دعاها لأمته وأما اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة قوله سؤلا بضم السين وسكون الهمزة المطلوب قوله وقال شك من الراوي
2
- ( باب أفضل الاستغفار )
أي هذا باب في بيان أفضل الاستغفار وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر ووقع لابن بطال فضل الاستغفار وقال الكرماني قوله أفضل الاستغفار فإن قلت معنى الأفضل الأكثر ثوابا عند الله فما وجهه هنا إذ الثواب للمستغفر لا له قلت هو نحو مكة أفضل من المدينة أي ثواب العابد فيها أفضل من ثواب العابد في المدينة فالمراد المستغفر بهذا النوع من الاستغفار أكثر ثوابا من المستغفر بغيره
وقوله تعالى ( 17 ) استغفروا ربكم إنهويجعل لكم أنهارا ( نوح10 ) ( 3 ) والذين إذا فعلوافعلوا وهم يعلمون ( آل عمران135 ) ح
وقوله بالجر عطف على قوله أفضل الاستغفار وفي بعض النسخ واستغفروا بالواو وكذا وقع في رواية أبي ذر والصواب ترك الواو فإن القرآن فقلت استغفروا ربكم وفي رواية أبي ذر أيضا هكذا واستغفروا ربكم إنه كان غفارا الآية وفي رواية غيره ساقها إلى قوله أنهارا كما في كتابنا هذا وأشار بالآيتين إلى إثبات مشروعية الحث على الاستغفار فلذلك ترجم بالأفضلية وأشار بالآية الثانية إلى أن بالاستغفار يحصل كل شيء ويؤيد هذا ما ذكره الثعلبي أن رجلا أتى الحسن البصري رضي الله عنه فشكا إليه الجدوبة فقال له الحسن استغفر الله وأتاه آخر فشكا إليه الفقر فقال له استغفر الله وأتاه آخر فقال ادع الله لي أن يرزقني إبنا فقال استغفر الله وأتاه آخر فشكا إليه جفاف بساتينه فقال له استغفر

(22/277)


الله فقيل له أتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار فقال ما قلت من ذات نفسي في ذلك شيئا إنما اعتبرت فيه قول الله عز و جل حكاية عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه استغفروا ربكم الآية والآية الثانية هكذا في رواية أبي ذر والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم وساق غيره إلى قوله وهم يعلمون كما في كتابنا قوله يرسل السماء أي المطر قوله مدرارا حال من السماء قوله فاحشة أي الزنا
6306 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( الحسين ) حدثنا ( عبد الله بن بريدة ) عن ( بشير ابن كعب العدوي ) قال حدثني ( شداد بن أوس ) رضي الله عنه عن النبي قال سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إلاه إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ( انظر الحديث 6306 - طرفه في 6323 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سيد الاستغفار لأن السيد في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور ولما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استغير له هذا الإسم ولا شك أن سيد القوم أفضلهم وهذا الدعاء أيضا سيد الأدعية وهو الاستغفار
وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث ابن سعيد العنبري البصري والحسين وابن ذكوان المعلم وعبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن الحصيب الأسلمي وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن كعب العدوي وشداد بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المهملة الأولى ابن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بمهملتين الأنصاري ابن أخي حسان بن ثابت الشاعر وشداد صحابي جليل نزل الشام وكنيته أبو يعلى واختلف في صحبة أبيه وليس لشداد في البخاري إلا هذا الحديث
وأخرجه النسائي أيضا في الاستعاذة عن عمرو بن علي وفي اليوم والليلة عنه أيضا
قوله سيد الاستغفار قيل ما الحكمة في كونه سيد الاستغفار وأجيب بأنه وأمثاله من التعبديات والله تعالى أعلم بذلك لكن لا شك أن فيه ذكر الله تعالى بأكمل الأوصاف وذكر نفسه بأنقص الحالات وهو أقصى غاية التضرع ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلا هو قوله أن تقول بصيغة المخاطب وقال بعضهم أن يقول أي العبد واعتمد لما قاله على ما رواه أحمد والنسائي أن سيد الاستغفار أن يقول العبد وذكر أيضا ما رواه الترمذي عن شداد ألا أدلك على سيد الاستغفار قلت رواية أحمد لا تستلزم أن يقدر هنا أي العبد على أن التقدير خلاف الأصل ورواية الترمذي تؤيد ما ذكرنا وتدفع ما قاله على ما لا يخفى لا إله إلا أنت خلقتني ويروى لا إله إلا أنت أنت خلقتني قوله وأنا عبدك قال الطيبي يجوز أن تكون حالا مؤكدة ويجوز أن تكون مقررة أي أنا عابد لك ويؤيده عطف قوله وأنا على عهدك وسقطت الواو منه في رواية النسائي وقال الخطابي يريد أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإصلاح الطاعة لك قوله ما استطعت أي قدر استطاعتي وشرط الاستطاعة في ذلك الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى وقال ابن بطال قوله وأنا علي عهدك ووعدك يريد به العهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية وبالوعد ما قال على لسان نبيه إن من مات لا يشرك بالله شيئا وأدى ما افترض عليه أن يدخله الجنة وقيل وأدى ما افترض عليه زيادة ليست بشرط في هذا المقام قلت إن لم تكن شرطا في هذا فهي شرط في غيره وقال الطيبي يحتمل أن يراد بالعهد والوعد ما في الآية المذكورة قوله أبوء من قولهم باء بحقه أي أقر به وقال الخطابي يريد به الاعتراف ويقال قد باء فلان بذنبه إذا احتمله كرها لا يستطيع دفعه عن نفسه قوله لك ليست في رواية النسائي وقال الطيبي اعترف أولا بأنه أنعم عليه ولم يقيده

(22/278)


ليشمل جميع أنواع النعم مبالغة ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنبا مبالغة في التقصير وهضم النفس قوله من قالها موقنا أي مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها قوله ومن قالها من النهار وفي رواية النسائي فمن قالها قوله فمن أهل الجنة وفي رواية النسائي دخل الجنة وفي رواية عثمان بن ربيعة إلا وجبت له الجنة قيل المؤمن وإن لم يقلها فهو من أهل الجنة وأجيب بأنه يدخلها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن الموقن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصى الله تعالى أو لأن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار
3
- ( باب استغفار النبي في اليوم والليلة )
أي هذا باب في بيان كمية استغفار النبي في اليوم والليلة
6307 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) قال قال ( أبو هريرة ) سمعت رسول الله يقول والله إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح الإجمال الذي في الترجمة من كمية استغفار النبي في اليوم وأنه أكثر من سبعين مرة وإنما كان يستغفر هذا المقدار مع أنه معصوم ومغفور له لأن الاستغفار عبادة أو هو تعليم لأمته أو استغفار من ترك الأولى أو قاله تواضعا أو ما كان عن سهو أو قبل النبوة وقيل اشتغاله بالنظر في مصالح الأمة ومحاربة الأعداء وتأليف المؤلفة ونحو ذلك شاغل عن عظيم مقامه من حضور مع الله عز و جل وفراغه مما سواه فيراه ذنبا بالنسبة إليه وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال فهو نزول عن عالي درجته فيستغفر لذلك وقيل كان دائما في الترقي في الأحوال فإذا رأى ما قبلها دونه استغفر منه كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين وقيل يتجدد للطبع غفلات تفتقر إلى الاستغفار وقال ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر قلت لا نسلم ذلك بل عصموا من الصغائر والكبائر جميعا قبل النبوة وبعدها وشيخ البخاري فيه أبو اليمان هو الحكم بن نافع
قوله أكثر من سبعين مرة وفي حديث أنس إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة يحتمل فيه المبالغة ويحتمل أن يريد العدد بعينه قوله أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر بما روي عن أبي هريرة أيضا بلفظ إني أستغفر الله في اليوم مائة مرة وروى النسائي من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة
4 -
( باب التوبة )
أي هذا باب في بيان التوبة قال الجوهري التوبة الرجوع من الذنب وكذلك التوب وقال الأخفش التوب جمع توبة وتاب إلى الله توبة ومتابا وقد تاب الله عليه وفقه لها واستتابه سأله أن يتوب وقال القرطبي اختلف عبارات المشايخ فيها فقائلا يقول إنها الندم وقائل يقول إنها العزم على أن لا يعود وآخر يقول الإقلاع عن الذنب ومنهم من يجمع بين الأمور الثلاثة وهو أكملها وقال ابن المبارك حقيقة التوبة لها ست علامات الندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود ويؤدي كل فرض ضيعه ويؤدي إلى كل ذي حق حقه من المظالم ويذيب البدن الذي زينه بالسحت والحرام بالهموم والأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم ثم ينشأ بينهما لحما طيبا إن هو نشأ ويذيق البدن ألم الطاعة كما أذاقه لذة المعصية
وقال قتادة توبوا إلى الله توبة نصوحا الصادقة الناصحة
هذا التعليق وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة وفسر قتادة التوبة النصوح بالصادقة الناصحة وقال صاحب

(22/279)


( العين ) التوبة النصوح الصادقة وقيل سميت بذلك لأن العبد ينصح فيها نفسه ويقيها النار وأصل نصوحا منصوحا فيها إلا أنه أخبر عنها باسم الفاعل للنصح على ما ذكره سيبويه عن الخليل في قوله ( 96 ) عيشة راضية ( الحاقة21 ) أي ذات رضى وكذلك توبة نصوحا أي ينصح فيها وقال أبو إسحاق بالغة في النصح وهي الخياطة كان العصيان يخرق والتوبة ترفع والنصاح بالكسر الخيط الذي يخلط به والناصح الخياط والنصيحة الاسم والنصح بالضم المصدر وهو بمعنى الإخلاص الخلوص والصدق وقال الأصمعي الناصح الخالص من العسل وغيره مثل الناصع وكل شيء خلص فقد نصح قال الجوهري نصحتك نصحا ونصاحة يقال نصحه ونصح له وهو باللام أفصح قال الله تعالى ( 7 ) وأنصح لكم ( الأعراف62 ) ورجل ناصح الجيب أي نقي القلب وانتصح فلان أي قبل النصيحة
4 - ( حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الحارث بن سويد حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه ثم قال لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكان فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده )
مطابقته للترجمة في قوله لله أفرح بتوبة عبده وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي وهو قد نسب إلى جده واشتهر به وأبو شهاب اسمه عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون وهو أبو شهاب الحناط الصغير وأما أبو شهاب الحناط الكبير وهو في طبقة شيوخ هذا واسمه موسى بن نافع وليسا أخوين وهما كوفيان وكذا بقية رجال السند والأعمش سليمان وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن عمير بضم العين وفتح الميم التيمي تيم الله من بني تيم اللات بن ثعلبة والحارث بن سويد التيمي تيم الرباب وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد أولهم الأعمش وهو من صغار التابعين والثاني عمارة بن عمير وهو من أوساطهم والثالث الحارث بن سويد وهو من كبارهم والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن عثمان بن أبي شيبة وغيره ولم يذكر أن المؤمن يرى إلى آخر القصة وأخرجه الترمذي في الزهد عن هناد وغيره وأخرجه النسائي في النعوت عن محمد بن عبيد وغيره وذكر قصة التوبة فقط قوله حديثين أحدهما عن النبي والآخر عن نفسه أي نفس ابن مسعود ولم يصرح بالمرفوع إلى النبي وقال النووي وابن بطال أيضا أن المرفوع هو قوله لله أفرح إلى آخره والأول قول ابن مسعود ووقع البيان في رواية مسلم مع أنه لم يسق موقوف ابن مسعود ورواه عن جرير عن الأعمش عن عمارة عن الحارث قال دخلت على ابن مسعود أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله قال سمعت رسول الله يقول لله أشد فرحا الحديث قوله إن المؤمن يرى ذنوبه إلى قوله أن يقع عليه السبب فيه أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ذلك عظم الأمر عليه والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل منه النجاة بخلاف الجبل إذا سقط عليه لا ينجو عادة قوله وإن الفاجر أي العاصي الفاسق قوله كذباب مر على أنفه وفي رواية الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب مر على أنفه أراد أن ذنبه سهل عليه لأن قلبه مظلم فالذنب عنده خفيف قوله فقال به هكذا أي نحاه بيده أو دفعه وذبه وهو من إطلاق القول على الفعل قوله قال أبو شهاب هو موصول بالسند المذكور قوله بيده فوق أنفه تفسير منه لقوله فقال به قوله ثم قال أي عبد الله بن مسعود

(22/280)


رضي الله تعالى عنه قوله لله اللام فيه مفتوحة للتأكيد قوله أفرح وإطلاق الفرح على الله مجاز يراد به رضاه وعبر عنه به تأكيدا لمعنى الرضا عن نفس السامع ومبالغة في تقريره قوله بتوبة عبده وفي رواية أبي الربيع عند الإسماعيلي عبده المؤمن وكذا عند مسلم من رواية جرير وكذا عنده من رواية أبي هريرة قوله وبه أي بالمنزل أي فيه مهلكة بفتح الميم وكسر اللام وفتحها مكان الهلاك ويروى مهلكة على وزن اسم الفاعل وقال بعضهم وفي بعض النسخ بضم الميم وكسر اللام من الرباعي قلت لا يقال لمثل هذا من الرباعي وليس هذا باصطلاح القوم وإنما يقال لمثل هذا من الثلاثي المزيد فيه وقال الكرماني ويروى وبيئة على وزن فعيلة من الوباء وقال بعضهم لم أقف على ذلك في كلام غيره ويلزم عليه أن يكون وصف المذكر وهو المنزل بصفة المؤنث في قوله وبيئة مهلكة انتهى قلت عدم وقوفه على هذا لا يستلزم عدم وقوف غيره ومن أين له الوقوف على كلام القوم كلهم حتى يقول لم أقف ودعواه اللزوم المذكور غير صحيحة لأن المنزل يطلق عليه البقعة قوله عليها طعامه وشرابه وزاد الترمذي في روايته وما يصلحه قوله وقد ذهبت راحلته وفي رواية أبي معاوية فأضلها فخرج في طلبها وفي رواية مسلم فطلبها قوله أو ما شاء الله شك من ابن شهاب واقتصر جرير على ذكر العطش ووقع في رواية أبي معاوية حتى إذا أدركه الموت قوله أرجع بفتح الهمزة بصيغة المتكلم قوله إلى مكان فرجع فنام وفي رواية جرير أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت وفي رواية أبي معاوية أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فرجع إلى مكانه فغلبته عينه قوله فإذا راحلته عنده كلمة إذا للمفاجأة وفي رواية جرير فاستيقظ وعنده راحلته طعامه وشرابه وزاد أبو معاوية في روايته وما يصلحه
( تابعه أبو عوانة وجرير عن الأعمش )
أي تابع أبا شهاب في روايته عن سليمان الأعمش أبو عوانة وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري وجرير بن عبد الحميد أما متابعة أبي عوانة فرواها الإسماعيلي عن الحسن أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا يحيى عن حماد عن أبي عوانة وأما متابعة جرير فرواها البزار حدثنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن الأعمش عن عمارة عن الحارث عن عبد الله رضي الله تعالى عنه فذكره
( وقال أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عمارة سمعت الحارث بن سويد )
أبو أسامة حماد بن أسامة وهذا التعليق وصله مسلم حدثني إسحق بن منصور أخبرنا أبو أسامة حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمر قال سمعت الحارث بن سويد قال حدثني عبد الله حديثين الحديث
( وقال شعبة وأبو مسلم عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد )
أبو مسلم زاد المستملي في روايته عن الفربري اسمه عبيد الله كوفي قائد الأعمش يروي عن الأعمش عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب عن الحارث بن سويد والمقصود من هذا أن شعبة وأبا مسلم خالفا أبا شهاب المذكور ومن تبعه في تسمية شيخ الأعمش فقال الأولون عمارة وقال هذان إبراهيم التيمي وروى النسائي عن محمد بن عبيد بن محمد عن علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث عن عبد الله لله أفرح بتوبة عبده الحديث وأما عبيد الله الذي زاده المستملي فهو عبيد الله بالتصغير ابن سعيد بن مسلم الكوفي ضعفه جماعة لكن لما وافقه شعبة ترخص البخاري في ذكره
( وقال أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن الأسود عن عبد الله وعن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله )
أبو معاوية محمد بن خازم بالمعجمتين والأسود هو ابن يزيد النخعي وعبد الله هو ابن مسعود وأراد بهذا أن أبا معاوية

(22/281)


خالف الجميع فجعل الحديث عند الأعمش عن عمارة بن عمير وإبراهيم التيمي جميعا لكنه عند عمارة عن الأسود بن يزيد وعند إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد وأبو شهاب ومن تبعه جعلوه عند عمارة عن الحارث بن سويد ولما كان هذا الاختلاف اقتصر مسلم فيه على ما قال أبو شهاب ومن تبعه وصدر به البخاري كلامه فأخرجه موصولا وذكر الاختلاف متعلقا على عادته لأن هذا الاختلاف ليس بقادح -
6309 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( حبان ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) حدثنا ( أنس بن مالك ) عن النبي
( ح ) وحدثنا ( هدبة ) حدثنا ( همام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين
الأول عن إسحاق قال الغساني لعله ابن منصور عن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال الباهلي البصري عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس
والثاني عن هدبة بن خالد عن همام إلى آخره
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن هدبة وعن أحمد بن سعيد الدارمي عن حبان
قوله الله بدون لام التأكيد في أوله قوله سقط على بعيره أي وقع عليه وصادفه من غير قصد قوله وقد أضله أي أضاعه والواو فيه للحال قوله فلاة أي مفازة أي أن الله أرضى بتوبة عبده من واجد ضالته بالفلاة
5
- ( باب الضجع على الشق الأيمن )
أي هذا باب في بيان استحباب النوم على الشق الأيمن والضجع بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم مصدر من ضجع الرجل يضجع ضجعا وضجوعا أي وضع جنبه على الأرض فهو ضاجع ويروى باب الضجعة بكسر الضاد لأن الفعلة بالكسر للنوع وبالفتح للمرة ويجوز هنا الوجهان وقد مضى في كتاب الصلاة باب الضجع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر ووجه تعلق هذا الباب بكتاب الدعوات أنه يعلم من سائر الأحاديث أنه كان يدعو عند الاضطجاع
6310 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان النبي يصلي من الليل إحداى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه
مطابقته للترجمة في قوله ثم اضطجع على شقه الأيمن وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي
والحديث مضى في أول أبواب الوتر فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهريإلى آخره
قوله فيؤذنه بضم الياء من الإيذان أي يعلمه بالصلاة
6
- ( باب إذا بات طاهرا )
أي هذا باب في بيان فضل الشخص إذا بات طاهرا وزاد أبو ذر في روايته وفضله ووردت في هذا الباب جملة أحاديث ليست على شرطه منها ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث معاذ مرفوعا ما من مسلم يبيت على ذكر وطهارة فيستعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ووجه تعليقه بكتاب الدعوات هو أن فيه دعاء عظيما

(22/282)


6311 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( معتمر ) قال سمعت ( منصورا ) عن ( سعد بن عبيدة ) قال حدثني ( البراء بن عازب ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل أللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت على الفطرة فاجعلهن آخر ما تقول فقلت أستذكرهن وبرسولك الذي أرسلت قال لا ونبيك الذي أرسلت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع ومعتمر هو ابن سليمان ومنصور هو ابن المعتمر وسعد بن عبيدة بضم العين وفتح الباء الموحدة وفي آخره تاء التأنيث أبو حمزة الكوفي ختن أبي عبد الرحمن مات في ولاية عمر بن هبيرة على الكوفة
والحديث مضى في آخر كتاب الوضوء قبل كتاب الغسل عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن سفيان عن منصور عن سعيد بن عبيد عن البراء ومضى الكلام فيه هناك
قوله مضجعك أي موضع نومك قوله وضوءك بالنصب بنزع الخافض أي كوضوئك للصلاة والأمر فيه للندب وقال الترمذي ليس في الأحاديث ذكر الوضوء عند النوم إلا في هذا الحديث قوله ثم اضطجع أصله اضتجع لأنه من باب الافتعال فقلبت التاء طاء قوله أسلمت نفسي إليك وفي رواية أبي ذر وأبي زيد أسلمت وجهي إليك قيل النفس والوجه هنا بمعنى الذات والشخص أي أسلمت ذاتي وشخصي لك وقيل فيه نظر لأنه جمع بينهما في رواية أبي إسحاق على ما يأتي بعد باب ولفظه أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك فإذا كان كذلك فالمراد بالنفس الذات وبالوجه القصد ويقال معنى أسلمت استسلمت وانقدت والمعنى جعلت نفسي منقادة لك تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا رفع ما يضرها عنها قوله وفوضت من التفويض وهو تسليم الأمر إلى الله تعالى قوله وألجأت ظهري إليك أي اعتمدت عليك في أموري كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يستند إليه قوله رهبة ورغبة أي خوفا من عقابك وطمعا في ثوابك وقال ابن الجوزي أسقط من مع ذكر الرهبة وأعمل إلى مع ذكر الرغبة وهو على طريق الاكتفاء وأخرج النسائي بلفظ من حيث قال رهبة منك ورغبة إليك وانتصابهما على المفعول له على طريق اللف والنشر قوله لا ملجأ بالهمز وجاء تخفيفه و لا منجى بلا همز ولكن لما جمعا جاز أن يهمزا للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الآخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة ونقل بعضهم عن الكرماني أنه قال هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في منك وإن كانا طرفين فلا إذ إسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجى إلا إليك قلت لم يذكر الكرماني هذا في هذا الموضع قوله بكتابك الذي أنزلت يحتمل أن يراد به القرآن وأن يراد به كل كتاب أنزل ووقع في رواية أبي زيد المروزي أنزلته وأرسلته بالضمير المنصوب فيهما قوله وبنبيك الذي أرسلت والرسول نبي له كتاب فهو أخص من النبي وقد بسطنا الكلام فيه ( شرحنا للهداية ) في ديباجته وقال النووي يلزم من الرسالة النبوة لا العكس قوله على الفطرة أي دين الإسلام قوله آخر ما تقول أي آخر أقوالك في تلك الليلة ووقع في رواية أحمد بدل قوله فإن مت مت على الفطرة بنى له بيت في الجنة ووقع في آخر الحديث في التوحيد وإن أصبحت أصبحت خيرا أي صلاحا في الحال وزيادة في الأعمال قوله فقلت أستذكرهن القائل هو البراء كذا في رواية أبي ذر وأبي زيد المروزي وفي رواية غيرهما فجعلت أستذكرهن أي أتحفظهن ووقع في رواية كتاب الطهارة فرددتها أي فرددت تلك الكلمات لأحفظهن وفي رواية مسلم فرددتهن لأستذكرهن قوله لا ونبيك الذي أرسلت قالوا سبب الرد إرادة الجمع بين المنصبين وتعداد النعمتين وقيل هو تخليص الكلام من اللبس إذ الرسول يدخل فيه جبريل عليه السلام ونحوه وقيل هذا ذكر ودعاء فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه لاحتمال أن لها

(22/283)


خاصية ليست لغيرها
7 -
( باب ما يقول إذا نام )
أي هذا باب في بيان ما يقول الشخص إذا نام وسقطت هذه الترجمة عند البعض وثبتت للأكثرين
6312 - حدثنا ( قبيصة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الملك ) عن ( ربعي بن حراش ) عن ( حذيفة ) قال كان النبي إذا أواى إلى فراشه قال باسمك أموت وأحيا وإذا قام قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
هذا أوضح ما أبهمه في الترجمة لأن فيه الإرشاد إلى ما يقول الشخص عند النوم وزيادة ما يقول عند قيامه من النوم
وأخرجه عن قبيصة بن عقبة الكوفي عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة عن حذيفة بن اليمان وفي بعض النسخ لم يذكر اليمان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه أبو داود في الأدب عن أبي بكر عن وكيع وأخرجه الترمذي عن عمر بن إسماعيل وفي الشمائل عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عمرو بن منصور وغيره وأخرجه ابن ماجه في الدعاء عن علي بن محمد عن وكيع
قوله إذا أوى بقصر الهمزة أي إذا دخل في فراشه قوله قال بإسمك أموت أي بذكر إسمك أحيى ما حييت وعليه أموت ويسقط بهذا سؤال من يقول بالله الحياة والموت لا باسمه قيل فيه دلالة على أن الإسم عين المسمى وأجيب بلا ولا سيما أن لفظ الإسم يحتمل أن يكون مقحما كقوله
إلي الحول ثم إسم السلام عليكما
قوله وإليه النشور أي الإحياء للبعث يوم القيامة قيل هذا ليس إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة وأجيب بأن الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهرا فقط وهو النوم ولهذا يقال إنه أخو الموت أو ظاهرا وباطنا وهو الموت المتعارف أو أطلق الإحياء والإماتة على سبيل التشبيه وهو استعارة مصرحة وقال أبو إسحاق الزجاج النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي تزول معها النفس وسمى النوم موتا لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها
ينشرها يخرجها
ثبت هذا في رواية السرخسي وحده وفسر قوله ينشرها بقوله يخرجها وفيه قراءتان قراءة الكوفيين بالزاي من أنشزه إذا رفعه بتدريج وهي قراءة ابن عامر أيضا وقراءة الآخرين بالراء من أنشرها إذا أحياها وأخرجه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ينشرها أي يحييها وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بالزاي
6313 - حدثنا ( سعيد بن الربيع ومحمد بن عرعرة ) قالا حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) سمع ( البراء بن عازب ) أن النبي ( أمر ) رجلا
( ح ) وحدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( أبو إسحاق الهمداني ) عن ( البراء بن عازب ) أن النبي أوصى رجلا فقال إذا أردت مضجعك فقل اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجا ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة
هذا حديث مثل حديث حذيفة أخرجه عن البراء بن عازب من وجهين الأول عن سعيد بن

(22/284)


الربيع ضد الخريف البصري وكان يبيع الثياب الهروية فقيل له الهروي ومحمد بن عرعرة كلاهما رويا عن شعبة عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والآخر عن آدم عن شعبة عن أبي إسحاق كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي عن أبي إسحاق سمعت البراء
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن عبد الله بن بزيغ
قوله أمر رجلا في الطريق الأول وفي الثاني أوصى رجلا وكلاهما في المعنى متقارب
8
- ( باب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن )
أي هذا باب في بيان استحباب وضع النائم يده اليمنى تحت خده الأيمن لفعله كذلك وفي أكثر النسخ تحت الخد اليمنى باعتبار أن تأنيث الخد قد جاء في لغة
6314 - حدثني ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( عبد الملك ) عن ( ربعي ) عن ( حذيفة ) رضي الله عنه قال كان النبي إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول أللهم باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة مقيدة باليد اليمنى والخد الأيمن وليس في الحديث ذلك وأجيب بأنه مستفاد إما من حديث صرح به لم يكن على شرطه وإما مما ثبت أنه كان يحب التيامن في شأنه كله قلت في الأول نظر لا يخفى والثاني لا بأس به
وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله وعبد الملك بن عمير وربعي بن حراش والحديث مر في الباب السابق
9
- ( باب النوم على الشق الأيمن )
أي هذا باب في النوم على الشق الأيمن
6315 - حدثني ( مسدد ) حدثنا ( عبد الواحد بن زياد ) حدثنا ( العلاء بن المسيب ) قال حدثني أبي عن ( البراء بن عازب ) قال كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال أللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت وقال رسول الله من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة
مطابقته للترجمة في قوله نام على شقه الأيمن والعلاء المذكور يروي عن أبيه المسيب بن نافع الكاهلي ويقال للمسيب أبو العلاء وكان من ثقاة الكوفيين وما لولده العلاء في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في غزوة الحديبية
والحديث قد مضى في الباب الذي قبل هذا الباب والناظر يقف على التفاوت الذي بينهما من حيث الزيادة والنقصان
قوله تحت ليلته أي في ليلته
استرهبوهم من الرهبة ملكوت ملك مثل رهبوت خير من رحموت تقول ترهب خير من أن ترحم
هذا لم يقع في بعض النسخ وليس لذكره مناسبة هنا وإنما وقع هذا في ( مستخرج ) أبي نعيم ولفظ استرهبوهم مضى في تفسير سورة الأعراف وذلك في قضية سحرة فرعون وهو في قوله تعالى قال ألقوا فلمابسحر عظيم ( الأعراف116 ) ومعنى استرهبوهم أرهبوهم فأفزعوهم وجاؤوا بسحر عظيم وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا

(22/285)


طوالا فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا قوله ملكوت على وزن فعلوت وفسره بقوله ملك وقال ابن الأثير الملكوت إسم مبني من الملك كالجبروت والرهبوت من الجبر والرهبة وقال الجوهري رهب بالكسر يرهب رهبة ورهبا بالضم ورهبا بالتحريك أي خاف ورجل رهبوت يقال رهبوت خير من رحموت أي لأن ترهب خير من أن ترحم
10
- ( باب الدعاء إذا انتبه بالليل )
أي هذا باب في بيان الدعاء إذا انتبه النائم بالليل أي في الليل وفي رواية الكشميهني من الليل
6316 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( ابن مهدي ) عن ( سفيان ) عن ( سلمة ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال بت عند ميمونة فقام النبي فأتى حاجته غسل وجهه ويديه ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين وضوأين لم يكثر وقد أبلغ فصلى فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه فتوضأت فقام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ وكان يقول في دعائه أللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا قال كريب وسبع في التابوت فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري وذكر خصلتين
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وابن مهدي هو عبد الرحمن بن حسان العنبري البصري وسفيان هو الثوري وسلمة بفتحتين هو ابن كهيل وكريب مولى ابن عباس
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن عبد الله بن هاشم وغيره وفي الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن عثمان عن وكيع به مختصرا وأخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار عن ابن مهدي ببعضه وأخرجه النسائي في الصلاة عن هناد به وأخرجه ابن ماجه في الطهارة عن علي بن محمد وغيره
قوله ميمونة هي بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين خالة ابن عباس قوله غسل وجهه كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر فغسل وجهه بالفاء قوله شناقها بكسر الشين المعجمة وتخفيف النون وبالقاف وهو ما يشد به رأس القربة من رباط أو خيط سمي به لأن القربة تشتق به قوله بين وضوءين أي بين وضوء خفيف ووضوء كامل جامع لجميع السنن قوله ولم يكثر من الإكثار أي اكتفى بمرة واحدة قوله وقد أبلغ من الإبلاغ يعني أوصل الماء إلى مواضع يجب الإيصال إليها ووقع عند مسلم وضوء حسنا قوله أتقيه بالتاء المثناة من فوق المشددة وبالقاف المكسورة كذا في رواية النسفي وآخرين أي أرقبه وانتظره ويروى أنقبه بتخفيف النون وتشديد القاف وبالباء الموحدة من التنقيب وهو التفتيش وفي رواية القابسي أبغيه بسكون الباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وبالياء آخر الحروف الساكنة أي أطلبه والأكثر أرقبه وهو الأوجه قوله عن يساره ويروى عن شماله قوله فتتامت من باب التفاعل أي تمت وكملت قوله فآذنه أي أعلمه بلال رضي الله عنه بالصلاة قوله واجعل لي نورا هذا عام يعد خاص والتنوين فيه للتعظيم أي نورا عظيما قوله وسبع أي سبع كلمات أخرى في التابوت وأراد به بدن الإنسان الذي كالتابوت للروح وفي بدن الذي مآله أن يكون في التابوت أي الذي يحمل عليه الميت وهي العصب واللحم والدم والشعر والبشر والخصلتان الأخريان قال الكرماني لعلهما الشحم والعظم

(22/286)


وقيل هي العظم والقبر قال ابن بطال وجدت الحديث من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه فذكر الحديث مطولا وفيه أللهم اجعل في عظامي نورا وفي قبري نورا وقيل هما اللسان والنفس لأن عقيلا زادهما في روايته عند مسلم وهما من جملة الجسد وجزم الدمياطي في ( حاشيته ) بأن المراد بالتابوت الصدر الذي هو وعاء القلب وكذا قال ابن بطال ثم قال كما يقال لمن لم يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع وقال النووي تبعا لغيره المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها قال وفيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة وقال ابن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق أي سبع مكتوبة في الصندوق عنده ولم يحفظها في ذلك الوقت قوله فلقيت رجلا من ولد العباس القائل بقوله لقيت هو سلمة بن كهيل والرجل من ولد العباس هو علي بن عبد الله بن عباس قاله أبو ذر قوله فذكر عصبى قال ابن التين أي أطناب المفاصل قوله وبشري بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة هو ظاهر الجسد قوله فذكر خصلتين أي تكملة السبعة فإن قلت ما المراد بالنور هنا قلت بيان الحق والتوفيق في جميع حالاته وقال الطيبي معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتتعرى عما عداهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات
6317 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( سليمان بن أبي مسلم ) عن ( طاووس ) عن ( ابن عباس ) كان النبي إذا قام من الليل تهجد قال اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق أللهم لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إلاه إلا أنت أو لا إلاه غيرك
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي وسفيان هو ابن عيينة وسليمان بن أبي مسلم الأحول خال عبد الله بن أبي نجيح سمع طاووس بن كيسان مات بمكة سنة خمس أو ست ومائة
والحديث مضى في أول باب التهجد بالليل في آخر الصلاة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن سليمان بن أبي مسلم عن طاووس ومضى الكلام فيه هناك
قوله تهجد أي صلى وقال ابن التين أي سهر وهو من الأضداد يقال هجد وتهجد إذا نام وهجد وتهجد إذا سهر قاله الجوهري وقال الهروي تهجد إذا سهر وألقى الهجود وهو النوم عن نفسه وهجد نام وقال النحاس التهجد عند أهل اللغة السهر والهجود النوم وقال ابن فارس الهاجد النائم والمتهجد المصلي ليلا قوله قيم السموات والأرض القيم والقيام والقيوم معناها واحد وهو القائم بتدبير الخلق المعطي له ما به قوامه قوله أنبت أي رجعت إليك مقبلا بالقلب عليك قوله وبك خاصمت أي بما أعطيتني من البرهان والسنان خاصمت المعاند قوله وإليك حاكمت من المحاكمة وهي رفع القضية إلى الحاكم أي كل من جحد الحق جعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت الجاهلية تحاكم إليه من صنم أو كاهن قوله أو لا إله غيرك شك من الراوي
11
- ( باب التكبير والتسبيح عند المنام )
أي هذا باب في بيان ثواب التكبير وهو أن يقول الله أكبر والتسبيح أن يقول سبحان الله عند إرادته النوم وكان ينبغي أن يقول والتحميد أيضا لأن حديث الباب يشمل هذه الثلاثة

(22/287)


6318 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( ابن أبي ليلى ) عن ( علي ) أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقاى في يدها من الرحاى فأتت النبي تسأله خادما فلم تجده فذكرت ذالك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين فهاذا خير لكما من خادم
وعن شعبة عن خالد عن ابن سيرين قال التسبيح أربع وثلاثون
مطابقته للترجمة ظاهرة والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار وابن أبي ليلى عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار وعلى ابن أبي طالب رضي الله عنه
والحديث مضى في الخمس في باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله فإنه أخرجه هناك عن بدل بن المحبر عن شعبة عن الحكمإلى آخره ومضى الكلام فيه ومضى أيضا في فضل علي رضي الله عنه عن بندار عن غندر وفي النفقات عن مسدد عن يحيى
قوله شكت ما تلقى في يدها من الرحى وفي رواية بدل بن المحبر مما تطحن وفي رواية الطبري وأرته أثرا في يدها من الرحى وفي رواية عبد الله بن أحمد في ( مسند ) أبيه اشتكت فاطمة مجل يدها بفتح الميم وسكون الجيم وهو التقطيع وروى ابن سعد عن علي أنه قال لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري فقالت أنا والله لقد طحنت حتى مجلت يدي سنوت بفتح السين المهملة والنون أي أستقيت من البئر فكنت مكان السانية وهي الناقة قوله خادما أي جارية تخدمها وهو يطلق على الذكر والأنثى قوله فلم تجده أي فلم تجد فاطمة رسول الله وفي رواية القطان فلم تصادفه وفي رواية بدل بن المحبر فلم توافقه وهو بمعنى تصادفه فإن قلت في رواية أبي الوراد فأتيته فوجدت عنده حداثا بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وبالثاء المثلثة أي جماعة يتحدثون فاستحييت فرجعت قلت يحمل على أنها لم تجده في المنزل بل في مكان آخر كالمسجد وعنده من يتحدث معه قوله مكانك بالنصب أي لزمه وفي رواية غندر مكانكما وفي رواية بدل بن المحبر على مكانكما أي استمرا على ما أنتما عليه قوله فجلس بيننا وفي رواية غندر فقعد بدل جلس وفي رواية النسائي حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة قوله حتى وجدت برد قدميه هكذا هنا بالتثنية وفي رواية الكشميهني بالإفراد قوله على ما هو خير وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالآخرة والخادم بالدنيا والآخرة خير وأبقى وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم وفي رواية السائب ألا أخبركما بخير مما سألتماني قالا بلى فقال كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام قوله أو أخذتما شك من سليمان بن حرب قوله فكبرا ثلاثا وثلاثين كذا في رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في النفقات في الجميع ثلاثا وثلاثين ثم قال في آخره قال سفيان في رواية إحداهن أربع وفي رواية النسائي عن قتيبة عن سفيان لا أدرى أيها أربع وثلاثون وفي رواية الطبري من طريق أبي أمامة الباهلي عن علي في الجميع ثلاثا وثلاثين وأختماها بلا إله إلا الله وفي رواية فكبرا أربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمد أثلاثا وثلاثين وفي رواية هبيرة عن علي رضي الله عنه فتلك مائة باللسان وألف في الميزان وفي رواية للطبري عن علي رضي الله عنه أحمد أربعا وثلاثين وكذا في حديث أم سلمة وله من طريق هبيرة أن التهليل أربع وثلاثون ولم يذكر التحميد قوله كبرا بصيغة الأمر للإثنين وفي حديث أبي هريرة عند مسلم تسبحين بصيغة المضارع وفي رواية غندر للكشميهني بصيغة الأمر وعن غير الكشميهني تكبران بصيغة المضارع

(22/288)


للمثنى بالنون وحذفت في نسخة تخفيفا
قوله عن خالد هو الحذاء عن ابن سيرين وهو محمد قال التسبيح أربع وثلاثون هذا موقوف على ابن سيرين واتفاق الرواة على أن الأربع للتكبير أرجح
12
- ( باب التعوذ والقراءة عند المنام )
أي هذا باب في بيان فضل التعوذ والقراءة عند المنام أي النوم وهو مصدر ميمي وفي بعض النسخ عند النوم
13
- ( باب )
كذا وقع بغير ترجمة في رواية الأكثرين ولم يذكر أصلا في رواية البعض وعليه شرح ابن بطال وقد ذكرنا غير مرة أن هذا كالفصل لما قبله
6320 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) حدثني ( سعيد بن أبي سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ( انظر الحديث 6320 - طرفه في 7393 )
مطابقته للباب المترجم المذكور قبل هذا الباب المجرد ظاهرة والباب المجرد تابع له
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله ابن يونس وشهرته بنسبته إلى جده أكثر وزهير مصغر زهر ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي وعبيد الله بن عمر العمري وسعيد المقبري يروي عن أبيه أبي سعيد واسمه كيسان مولى بني ليث عن أبي هريرة رضي الله عنه
وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم مدنيون الأول عبيد الله بن عمر تابعي صغير والثاني سعيد تابعي وسط وأبوه كيسان هو الثالث تابعي كبير
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الدعوات عن إسحاق بن موسى وغيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن يونس وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن معدان
قوله إذا أوى بقصر الهمزة معناه إذا أتى إلى فراشه لينام عليه قوله بداخلة إزاره المراد بالداخلة طرف الإزار الذي يلي الجسد وسيأتي عن مالك بصنفة ثوبه بفتح الصاد المهملة وكسر النون بعدها فاء وهي الحاشية التي تلي الجلد وفي رواية مسلم عن عبيد الله بن عمر فليحل داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وفي رواية يحيى القطان كما سيأتي فلينزع وقال البيضاوي إنما أمر بالنفض بالداخلة لأن الذي يريد النوم يحل بيمينه خارج الإزار ويبقى الداخلة معلقة فينفض بها قوله ما خلفه عليه بفتح الخاء المعجمة وفتح اللام بلفظ الماضي ومعناه أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك وقال الطيبي معنى ما خلفه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب أو قذارة أو هوام قوله باسمك رب وضعت جنبي أي قائلا أو مستعينا باسمك يا رب وفي رواية يحيى القطان أللهم باسمك وفي رواية أبي ضمرة يقول سبحانك

(22/289)


ربي بك وضعت جنبي قوله إن أمسكت نفسي فارحمها الإمساك كناية عن الموت فلذلك قال فارحمها لأن الرحمة تناسبه وفي رواية الترمذي فاغفر لها قوله وإن أرسلتها من الإرسال وهو كناية عن البقاء في الدنيا وذكر الحفظ يناسبه قوله بما تحفظ به قال الطيبي الباء فيه مثل الباء في قولك كتبت بالقلم وكلمة ما مبهمة وبيانها ما دلت عليه صلتها
تابعه أبو ضمرة وإسماعيل بن زكرياء عن عبيد الله
أي تابع زهير بن معاوية أبو ضمرة أنس بن عياض في إدخال الواسطة بين سعيد المقبري وبين أبي هريرة قوله وإسماعيل أي تابع زهيرا أيضا إسماعيل بن زكرياء أبو زياد الخلقاني الكوفي كلاهما في روايتهما عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أما متابعة أبي ضمرة فرواها مسلم عن أبي إسحاق بن موسى أخبرنا أنس بن عياض هو أبو ضمرة أخبرنا عبيد الله فذكره وأما متابعة إسماعيل بن زكريا فرواها الحارث بن أبي أسامة في ( مسنده ) عن يونس بن محمد عنه
وقال يحياى وبشر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي
يحيى هو ابن سعيد القطان وبشر بكسر الباء الموحدة ابن المفضل بضم الميم وفتح الضاد المعجمة المشددة وعبيد الله هو العمري المذكور أراد أن كليهما رويا عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بدون الواسطة بينه وبين أبي هريرة أما رواية يحيى فرواها النسائي عن عمرو بن علي وابن مثنى وأما رواية بشر فأخرجها مسدد في ( مسنده ) عنه
ورواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي
أي وروى الحديث المذكور مالك بن أنس ومحمد بن عجلان الفقيه المدني أراد أنهما روياه أيضا عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلا واسطة الأب فإن قلت قال هنا رواه مالك وقال قبله قال يحيى قلت الرواية تستعمل عند التحمل والقول عند المذاكرة أما رواية مالك فوصلها البخاري في كتاب التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عنه وأما رواية ابن عجلان فوصلها أحمد عنه ووصلها أيضا الترمذي والنسائي والطبراني في الدعاء من طريق عنه وقد طول الشراح في هذا الموضع كلاما من غير ترتيب بحيث إن الناظر فيه يتشوش ذهنه ولا سيما إذا كان مبتدئا وحط بعضهم على بعض بغير مراعاة الأدب
14
- ( باب الدعاء نصف الليل )
أي هذا باب في بيان فضل الدعاء في نصف الليل إلى طلوع الفجر وقال ابن بطال هو وقت شريف خصه الله عز و جل بالتنزل فيه فيتفضل على عباده بإجابة دعائهم وإعطاء سؤالهم فيه وغفران ذنوبهم وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما على أهل الرفاهية وفي زمن البرد وكذا أهل التعب مع قصر الليل فالسعيد من يغتنم هذا والموفق هو الله عز و جل
6321 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ( انظر الحديث 1145 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عبد الله الأغر بفتح الغين المعجمة وتشديد الراء واسمه سلمان الجهني المدني
والحديث

(22/290)


مضى في باب الصلاة من آخر الليل فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالكالخ ومضى الكلام فيه
قوله يتنزلالخ والحديث من المتشابهات ولا بد من التأويل إذ البراهين القاطعة دلت على تنزهه منه فالمراد نزول ملك الرحمة ونحوه ويروى ينزل قوله ثلث الليل الآخر بكسر الخاء وهو صفة الثلث قيل ذكر في الترجمة نصف الليل وفي الحديث الثلث وأجيب بأنه حين يبقى الثلث يكون قبل الثلث وهو المقصود من النصف وقال ابن بطال عدل المصنف لأنه أخذ الترجمة من دليل القرآن وذكر النصف وقيل أشار البخاري إلى الرواية التي وردت بلفظ النصف وقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ينزل الله إلى سماء الدنيا نصف الليل أو ثلث الليل الآخر وروى الدارقطني من طريق حبيب بن أبي ثابت عن الأغر عن أبي هريرة بلفظ شطر الليل من غير تردد
15
- ( باب الدعاء عند الخلاء )
أي هذا باب في بيان الدعاء عند إرادة الشخض الدخول في الخلاء
16
- ( باب ما يقول إذا أصبح )
أي هذا باب في بيان ما يقول الشخص إذا أصبح أي إذا دخل في الصباح
6323 - حدثني ( مسدد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( حسين ) حدثنا ( عبد الله بن بريدة ) عن ( بشير بن كعب ) عن ( شداد بن أوس ) عن النبي قال سيد الاستغفار أللهم أنت ربي لا إلاه إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أعوذ بك من شر ما صنعت إذا قال حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله ( انظر الحديث 6306 )
مطابقته للترجمة في قوله وإذا قال حين يصبح والحديث قد مضى قريبا في باب أفضل الاستغفار فإنه أخرجه هناك عن أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسينإلى آخره والمسافة قريبة فلا يحتاج إلى الشرح هنا
6324 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( ربعي بن حراش ) عن ( حذيفة ) قال كان النبي إذا أراد أن ينام قال باسمك اللهم أموت وأحيا وإذا إستيقظ من منامه قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وإذا استيقظ من منامه وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان بن عيينة
والحديث مضى عن قريب في باب ما يقول إذا نام فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن سفيانإلى آخره

(22/291)


6325 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( منصور ) عن ( ربعي بن حراش ) عن ( خرشة بن الحر ) عن ( أبي ذر ) رضي الله عنه قال كان النبي إذا أخذ مضجعه من الليل قال أللهم باسمك أموت وأحيا فإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ( انظر الحديث 6325 - طرفه في 7395 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإذا استيقظ وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي ولقب بعبدان وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري ومنصور هو ابن المعتمر وربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة والياء آخر الحروف المشددة ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة وخرشة بفتح الخاء المعجمة وفتح الراء والشين المعجمة ابن الحر ضد العبد الفزاري بالفاء والزاي والراء وأبو ذر جندب الغفاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن سعد بن حفص وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن ميمون بن العباس وقد مضى متن الحديث في باب ما يقول إذا نام أخرجه من طريق ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان ومضى الكلام فيه
17 - باب الدعاء في الصلاة
أي هذا باب في بيان كيفية الدعاء في الصلاة
6326 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( الليث ) قال حدثني ( يزيد ) عن ( أبي الخير ) عن ( عبد الله ابن عمرو ) عن ( أبي بكر الصديق ) رضي الله عنه أنه قال للنبي علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل أللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ( انظر الحديث 834 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب وأبو الخير اسمه مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة ابن عبد الله اليزني وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن عثمان
والحديث مضى في آخر الصلاة في باب الدعاء قبل السلام فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن الليثإلى آخره
وقال عمرو عن يزيد عن أبي الخير إنه سمع عبد الله بن عمرو قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي
عمرو بفتح العين هو ابن الحارث وفي بعض النسخ ذكر ابن الحارث ويزيد هو ابن أبي حبيب وأبو الخير هو مرثد
وهذا التعليق وصله البخاري في التوحيد من رواية عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث فذكره وقال الكرماني وهذا الدعاء من الجوامع إذ فيه اعتراف بغاية التقصير وهو كونه ظالما ظلما كثيرا وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة إذ المغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات فالأول عبارة عن الزحزحة عن النار والثاني إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم أللهم اجعلنا من الفائزين بكرمك يا أكرم الأكرمين
23 - ( حدثنا علي حدثنا مالك بن سعير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أنزلت في الدعاء )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي هو ابن سلمة بفتح اللام اللبقي بفتح اللام وفتح الباء الموحدة وبالقاف النيسابوري قاله الكلاباذي وقال بعضهم علي هو ابن سلمة كما أشرت إليه في تفسير المائدة قلت قد نقله عن الكلاباذي ثم أوهم أنه هو القائل بذلك ومالك بن سعير مصغر السعر التميمي ويروى بالصاد بدل السين قوله في الدعاء أي الدعاء الذي في الصلاة ليوافق الترجمة قاله

(22/292)


الكرماني ولكنه عام يتناول الدعاء الذي في الصلاة وخارج الصلاة -
6328 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال كنا نقول في الصلاة السلام على الله السلام على فلان فقال لنا النبي ذات يوم إن الله هو السلام فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات للهإلى قوله الصالحين فإذا قالها أصاب كل عبد لله في السماء والأرض صالح أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يتخير من الثناء ما شاء
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث مضى في أو أخر صفة الصلاة في باب التشهد في الأخيرة فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن الأعمش عن شقيق بن سلمة ومضى الكلام فيه قوله ذات يوم لفظ الذات مقحم أو من إضافة المسمى إلى اسمه قوله هو السلام هو إسم من أسماء الله الحسنى قوله صالح بالجر صفة لعبد قوله يتخير أي يختار
18
- ( باب الدعاء بعد الصلاة )
أي هذا باب في بيان الدعاء بعد الصلاة المكتوبة
25 - ( حدثني إسحاق أخبرنا يزيد أخبرنا ورقاء عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم قال كيف ذاك قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال قال أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا )
مطابقته للترجمة في قوله تسبحون في دبر كل صلاة إلى آخره وإسحق هو ابن منصور وقيل ابن راهويه ويزيد من الزيادة ابن هرون وورقاء مؤنث الأورق ابن عمر اليشكري وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن وأبو صالح ذكوان الزيات السمان والحديث من أفراده قال صاحب التوضيح هذا الحديث سلف في الصلاة قلت الذي سلف في الصلاة تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين فأين ذا من ذاك قوله أهل الدثور بضم الدال والثاء المثلثة وهي الأموال الكثيرة وقال ابن الأثير الدثور جمع دثر وهو المال الكثير يقع على الواحد والاثنين والجمع وقال الكرماني الدثر الخصب قلت هذا المعنى في غير هذا الحديث وهو في حديث طهنة قوله وابعث راعيها في الدثر وهو الخصب والنبات الكثير قوله بالدرجات جمع درجة قال الجوهري الدرجة واحدة الدرجات وهي الطبقات من المراتب قلت المراد هنا المراتب في الجنة قوله والنعيم أراد به ما أنعم الله عز و جل به عليهم قوله قال كيف ذاك أي قال رسول الله كيف ذاك الذي يقولونه قوله قالوا ويروى قال قوله من فضول أموالهم أي من زيادة أموالهم قوله تسبحون إلى آخره قيل هذه الكلمات مع سهولتها كيف تساوي الأمور الشاقة من الجهاد ونحوه وأفضل العبادات أحمزها وأجيب بأنه إذا أدى حق الكلمات من الإخلاص لا سيما الحمد في حال الفقر وهو من أفضل الأعمال مع أن هذه القضية ليست كلية إذ ليس كل أفضل أحمز ولا العكس وقيل مر في آخر كتاب صلاة الجماعة من سبح أو حمد أو كبر ثلاثا وثلاثين وههنا قال عشرا وأجيب بأن الدرجات كانت ثمة

(22/293)


مقيدة بالعلا وكان أيضا فيه زيادة في الأعمال من الصوم والحج والعمرة زاد في عدد التسابيح والتحاميد والتكبير مع أن مفهوم العدد لا اعتبار له واعلم أن التسبيح إشارة إلى نفي النقائص عن الله تعالى وهو المسمى بالتنزيهات والتحميد إلى إثبات الكمالات
( تابعه عبيد الله بن عمر عن سمي )
أي تابع سميا عبيد الله بن عمر العمري في روايته عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وروى هذه المتابعة مسلم عن عاصم بن النضر حدثنا معتمر بن سليمان عن عبيد الله عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله الحديث بطوله فإن قلت كيف هذه المتابعة وفيه تسبحون وتكبرون وتحمدون في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمد الله ثلاثا وثلاثين وتكبر الله ثلاثا وثلاثين قلت المتابعة في أصل الحديث لا في العدد المذكور وقد قالوا أن ورقاء خالف غيره في قوله عشرا وأن الكل قالوا ثلاثا وثلاثين
( ورواه ابن عجلان عن سمي ورجاء بن حيوة )
أي روى الحديث المذكور محمد بن عجلان عن سمي وعن رجاء بن حيوة ووصله مسلم قال حدثنا قتيبة أخبرنا الليث عن ابن عجلان فذكره مقرونا برواية عبيد الله بن عمر كلاهما عن سمي عن أبي صالح قال ابن عجلان فحدثت به رجاء بن حيوة فحدثني بمثله عن أبي صالح عن أبي هريرة
( ورواه جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء )
أي روى الحديث جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء الأسدي المكي عن أبي صالح عن أبي الدرداء عويمر الأنصاري ووصله النسائي عن إسحق بن إبراهيم عن جرير به قيل في سماع أبي صالح من أبي الدرداء نظر
( ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي )
أي روى الحديث المذكور سهيل مصغر سهل عن أبيه أبي صالح ذكوان عن أبي هريرة ووصله مسلم عن أمية بن بسطام أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله أنهم قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلي والنعيم المقيم إلى آخره ينظر فيه -
6330 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( المسيب بن رافع ) عن ( وراد ) مولى ( المغيرة بن شعبة ) قال كتب المغيرة إلى معاوية بن أبي سفيان أو رسول الله كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
وقال شعبة عن منصور قال سمعت المسيب
مطابقته للترجمة في قوله كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم والمسيب بفتح الياء آخر الحرف المشددة ابن رافع الكاهلي الصوام القوام مات سنة خمسين ومائة ورواد بفتح الواو وتشديد الراء وبالدال المهملة مولى المغيرة بن شعبة وكاتبه
والحديث مضى في الصلاة في باب الذكر بعد الصلاة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة قال أملي علي المغيرة بن شعبة في كتاب أبي معاوية أن رسول الله كان يقولالحديث ومضى الكلام فيه هناك
قوله في دبر كل صلاة في رواية الحموي والمستملي في دبر صلاته قوله منك

(22/294)


أي بذلك وهذه تسمى بمن البدلية كقوله تعالى ( 9 ) أرضيتم بالحياةالآخرة ( التوبة38 ) وقال الخطابي الجد يفسر بالغنى ويقال هو الحظ أو البخت ومن بمعنى البدل أي لا ينفعه حظ بذلك أي بدل طاعتك وقال الراغب الأصفهاني قيل أراد بالجد الأول أبا الأب وأبا الأم أي لا ينفعه أجداد نسبه كقوله تعالى ( 32 ) فلا أنساب بينهم ( المؤمنون101 ) ومنهم من رواه بالكسر وهو الاجتهاد أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده إنما ينفعه رحمتك
قوله وقال شعبة أي بالسند المذكور عن منصور بن المعتمر قال سمعت المسيب بن رافع ورواه أحمد عن محمد بن جعفر أخبرنا شعبة به ولفظه أن رسول الله كان إذا سلم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك لهالحديث
19
- ( باب قول الله تعالى ( 9 ) وصل عليهم ( التوبة103 )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل وصل عليهم هذا المقدار هو المذكور في رواية الجمهور ووقع في بعض النسخ زيادة إن صلاتك سكن لهم واتفق المفسرون على أن المراد بالصلاة هنا الدعاء ومعناه أدع لهم واستغفر ومعنى إن صلاتك سكن لهم أي إن دعوتك تثبيت لهم وطمأنينة
ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه
هو عطف على قول الله أي وفي ذكر من خص أخاه بالدعاء دون نفسه وفيه إشارة إلى رد ما رواه الطبري من طريق سعيد بن يسار قال ذكرت رجلا عند ابن عمر فترحمت عليه فلهز في صدري وقال لي إبدأ بنفسك وما روى أيضا عن إبراهيم النخعي كان يقول إذا دعوت فابدأ بنفسك فإنك لا تدري في أي دعاء يستجاب لك وأحاديث الباب ترد على ذلك وقيل يؤيده ما رواه مسلم وأبو داود من طريق طلحة بن عبد الله بن كريز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك مثل ذلك قلت في الاستدلال به نظر لأنه أعم من أن يكون الداعي خصه أو ذكر نفسه معه وأعم من أن يكون بدأ به أو بدأ بنفسه
وقال أبو موسى قال النبي أللهم أغفر لعبيد أبي عامر أللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه
هذه قطعة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه طويل قد تقدم موصولا في المغازي في غزوة أوطاس وفيه قصة قتل أبي عامر وهو عم أبي موسى المذكور وهو عبد الله بن قيس ودعا النبي لعبيد أولا ثم سأله أبو موسى أن يدعو له أيضا وقال أللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه
6331 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن يزيد بن عبيد مولى سلمة حدثنا سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع النبي إلى خيبر قال رجل من القوم أي عامر لو أسمعتنا من هنيهاتك فنزل يحدو بهم يذكر
( تالله لولا الله ما اهتدينا )
وذكر شعرا غير هاذا ولاكني لم أحفظه قال رسول الله من هاذا السائق قالوا عامر بن الأكوع قال يرحمه الله وقال رجل من القوم يا رسول الله لولا متعتنا به فلما صاف القوم قاتلوهم فأصيب عامر بقائمة سيف نفسه فمات فلما أمسوا أوقدوا نارا كثيرة فقال رسول الله ما هاذه النار على أي شيء توقدون قالوا على حمر إنسية فقال أهريقوا ما فيها وكسروها قال رجل يا رسول الله ألا نهريق ما فيها ونغسلها أو ذاك
مطابقته للترجمة في قوله يرحم الله و ( يحيى ) القطان
والحديث قد مضى في أول غزوة خيبر مطولا ومضى في المظالم مختصرا وفي الذبائح أيضا ومضى الكلام فيه
قوله فقال رجل من القوم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله أي عامر ويروى

(22/295)


يا عامر وكلاهما سواء وعامر هو ابن الأكوع عم ( سلمة ) راوي الحديث وقال الكرماني وقيل أخوه قوله هنيهاتك بضم الهاء وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وبالهاء جمع هنيهة ويروى هنياتك بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف جمع هنية تصغير هنة وأصله هنوة ويروى هناتك بفتح الهاء وبعد الألف تاء الجمع وهو جمع هنة والمراد من الكل الأشعار القصار كالأراجيز القصار قوله يذكر ويروى فذكر قيل المذكور ليس شعرا وأجيب بأن المقصود هو هذا المصراع وما بعده من المصاريع الأخرى على ما مر في الجهاد وقيل قد مر أن الارتجاز بهذه الأراجيز كان في حفر الخندق وأجيب بأنه لا منافاة بينهما لجواز وقوع الأمرين جميعا قوله وذكر شعرا غيره القائل بقوله ذكر هو يحيى راوي الحديث والذاكر هو يزيد بن أبي عبيد قوله لولا متعتنا به أي وجبت الشهادة له بدعائك وليتك تركته لنا وقال ابن عبد البر كانوا قد عرفوا أنه ما استرحم لإنسان قط في غزاة يخصه به إلا استشهد فلما سمع عمر رضي الله عنه ذلك قال لو متعتنا بعامر قوله على حمر أنسية أي أهلية قوله ألا نهريق أي ألا نريق والهاء زائدة قوله أو ذاك أي إفعلوا الإراقة والغسل ولا تكسروا القدور لأنها بالغسل تطهر
6332 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو ) سمعت ابن أبي أوفاى رضي الله عنهما قال كان النبي إذا أتاه رجل بصدقة قال أللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفاى
مطابقته للترجمة في قوله صل على آل فلان قال ابن التين يعني عليه وعلى آله وكان رسول الله يمتثل أمر الله في ذلك قال ( 9 ) وصل عليهمسكن لهم ( التوبة103 ) ولا يحسن ذلك لغير النبي أن يصلي على غيره إلا تبعا له كآلة بني هاشم والمطلب وعن مالك لا يقال لفظ الصلاة في غير الأنبياء عليهم السلام
ومسلم شيخ البخاري هو ابن إبراهيم وعمرو هو ابن مرة واسم ( ابن أبي أوفى ) عبد الله واسم ابن أوفى علقمة ولهما صحبة
والحديث مضى في الزكاة عن حفص بن عمرو في المغازي عن آدم ومضى الكلام فيه
6333 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس ) قال سمعت جريرا قال قال لي رسول الله ألا تريحني من ذي الخلصة وهو نصب كانوا يعبدونه يسمى الكعبة اليمانية قلت يا رسول الله إني رجل لا أثبت على الخيل فصك في صدري فقال أللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فخرجت في خمسين من أحمس من قومي وربما قال سفيان فانطلقت في عصبة من قومي فأتيتها فأحرقتها ثم أتيت النبي فقلت يا رسول الله والله ما أتيتك حتى تركتها مثل الجمل الأجرب فدعا لأحمس وخيلها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فدعا الأحمس لأن معناه أنه قال أللهم صل على أحمس وعلى خيلها
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي الكوفي واسم أبي خالد سعيد ويقال هرمز ويقال كثير وقيس هن ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي وجرير بن عبد الله الأحمسي
والحديث مضى في الجهاد في باب حرق الدور والنخيل عن مسدد ومضى أيضا في المغازي
قوله ألا تريحني من الإراحة بالراء وذو الخلصة بالخاء المعجمة واللام والصاد المهملة المفتوحات موضع كان فيه صنم يعبدونه قوله نصب بضم النون والصاد المهملة الساكنة وبضمها أيضا قال القتبي هو صنم أو حجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده قوله يسمى الكعبة اليمانية وفي رواية الكشميهني كعبة اليمانية بكسر النون وفتح الياء آخر الحروف المخففة وأصلها بالتشديد فخففوها عند النسبة كقولهم يمانون وأشعرون قوله فخرجت في خمسين من قومي

(22/296)


وفي رواية الكشميهني فارسا قوله من أحمس بالحاء والسين المهملتين وهي قبيلة جرير قوله وربما قال سفيان هو ابن عيينة الراوي قوله في عصبة وهي من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين وقال ابن فارس نحو العشرة قوله مثل الجمل الأجرب أي المطلي بالقطران بحيث صار أسود لذلك يعني صارت سودا من الإحراق قوله وخيلها ويروى ولخيلها
6334 - حدثنا ( سعيد بن الربيع ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) قال سمعت ( أنسا ) قال قالت أم سليم للنبي أنس خادمك قال أللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته
مطابقته للترجمة في دعاء النبي لأنس بكثرة المال والولد وبالبركة في رزقه وقد قلنا إن قوله عز و جل ( 9 ) وصل عليهم ( التوبة103 ) أن الصلاة فيه بمعنى الدعاء
وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها وهو من أهل الكوفة
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي موسى
قوله أم سليم بضم السين المهملة وفتح اللام وهي أم أنس رضي الله عنها ويروى قالت أم سليم للنبي قوله أنس خادمك جملة إسمية تعرض بها أم سليم أنه في خدمتك فادع له فدعا له بثلاث دعوات الأولى بكثرة المال فكثر ماله حتى إنه كان له بستان بالبصرة يثمر في كل سنة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك الثانية بكثرة الولد وكان ولد له مائة وعشرون ولدا وقيل ثمانون ولدا ثمانية وسبعون ذكرا وابنتان حفصة وأم عمرو قال ابن الأثير مات وله من الولد ولد الولد مائة وعشرون ولدا وقيل كان يطوف بالبيت ومعه من ذريته أكثر من سبعين نفسا الثالثة دعا له بطول العمر يدل عليه قوله وبارك له فيما أعطيته ومن أبرك ما أعطى له طول عمره فعمر مائة وعشرين سنة إلا سنة رواه أحمد عن معتمر عن حميد عنه وقيل كان عمره مائة سنة وثلاث سنين وقيل مائة وعشر سنين وقيل مائة وسبع سنين
وفيه جواز الدعاء بكثرة المال والولد فإن قلت روى عن النبي أنه قال أللهم من آمن بي وصدق ما جئت به فأقلل له من المال والولد قلت قال الداودي هذا حديث باطل وكيف يصح ذلك وهو يحض على النكاح والتماس الولد فإن قلت كثرة المال تورث الطغيان قال الله تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى ( العلق67 ) والأولاد أعداء للآباء بنص القرآن قلت علم النبي في دعائه لأنس بما ذكر أنه أمن من حصول الضرر منهما
6335 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت سمع النبي رجلا يقرأ في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا
مطابقته للترجمة في قوله رحمه الله وعبدة بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الدال وبتاء التأنيث ابن سليمان يروى عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير
والحديث سبق في فضائل القرآن أخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن عبد الله بن نمير وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن إسحاق بن إبراهيم
قوله أسقطتها أي بالنسيان أي نسيتها قيل كيف جاز نسيان القرآن عليه وأجيب بأن النسيان ليس باختياره وقال الجمهور جاز النسيان عليه فيما ليس طريقه البلاغ بشرط أن لا يقرأ عليه وأما في غيره فلا يجوز قبل التبليغ وأما نسيان ما بلغ كما فيما نحن فيه فهو جائز بلا خلاف قال تعالى سنقرئك فلا تنسى ( 78 ) إلا ما شاء الله ( الأعلى67 )
6336 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) أخبرني ( سليمان ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) قال قسم النبي قسما فقال رجل إن هاذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فأخبرت النبي

(22/297)


فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه وقال يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر
مطابقته للترجمة في قوله يرحم الله موسى وسليمان هو الأعمش وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث مضى في كتاب الأدب في باب الصبر على الأذى فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص بن غياث عن الأعمشالخ وهنا أخرجه عن حفص بن عمر بن الحارث الحوضي الأزدي من أفراد البخاري
قوله قسما أي مالا ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا والمفعول به محذوف قوله وجه الله أي ذات الله أوجهة الله أي لا إخلاص فيه إذ هو منزه عن الوجه والجهة ومضى الكلام فيه هناك
20
- ( باب ما يكره من السجع في الدعاء )
أي هذا باب في بيان كراهة السجع في الدعاء والسجع كلام مقفى من غير مراعاة وزن وقيل هو مراعاة الكلام على روي واحد ومنه سجعت الحمامة إذا رددت صوتها ويقال إنما يكره إذا تكلف السجع أما بالطبع فلا وقال ابن بطال إنما نهى عنه في الدعاء لأن طلبه فيه تكلف ومشقة وذلك مانع من الخشوع وإخلاص التضرع فيه وقد جاء في الحديث أن الله لا يقبل من قلب غافل لاء وطالب السجع في دعائه همته في ترويج الكلام واشتغال خاطره بذلك وهو ينافي الخشوع قيل مر في الجهاد في باب الدعاء على المشركين أللهم منزل الكتاب سريع الحساب إهزم الأحزاب وجاء أيضا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وأجيب بأن المكروه ما يقصد ويتكلف فيه كما ذكرنا وأما ما ورد على سبيل الاتفاق فلا بأس به ولهذا ذم منه ما كان كسجع الكهان
6337 - حدثنا ( يحيى بن محمد بن السكن ) حدثنا ( حبان بن هلال أبو حبيب ) حدثنا ( هارون المقرىء ) حدثنا ( الزبير بن الخريت ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال حدث الناس كل جمعة مرة فإن أبيت فمرتين فإن أكثرت فثلاث مرار ولا تمل الناس هاذا القرآن ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم ولاكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك يعني لا يفعلون إلا ذالك الاجتناب
مطابقته للترجمة في قوله فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه ويحيى بن محمد بن السكن بفتحتين البزار بالباء الموحدة والزاي مر في صدقة الفطر وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وكنيته أبو حبيب ضد العدو الباهلي وهارون ابن موسى المقرىء من الإقراء النحوي الأعور مر في تفسير سورة النحل والزبير بضم الزاي وفتح الباء الموحدة ابن الخريت بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق البصري مر في المظالم
والحديث من أفراده
قوله هذا القرآن مفعول ثان ويجوز أن يكون مفعولان لفعل من غير أفعال القلوب إذا كان أحدهما غير ظاهر ويجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي لا تملهم عن القرآن وكذا فسره الكرماني وتفسيره يدل على ذلك قوله ولا ألفينك بضم الهمزة وسكون اللام وكسر الفاء وبنون التأكيد الثقيلة أي لا أصادفنك ولا أجدنك قوله وهم في حديث الواو فيه للحال وهذا النهي وإن كان بحسب الظاهر للمتكلم لكنه في الحقيقة للمخاطب كقوله لا أرينك هاهنا قوله فتملهم بضم أوله ويجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فظاهر وأما النصب فتقديره بأن تملهم قوله أنصت أمر من الإنصات

(22/298)


وهو السكوت مع الإصغاء قوله أمروك أي فإذا التمسوا منك والحال أنهم يشتهونه أي الحديث قوله فانظر السجع من الدعاء فاجت نبه أي اتركه قال ابن التين المراد المستكره منه وقال الداودي الاستكثار منه قوله لا يفعلون إلا ذلك فسره بقوله يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب ووقع عند الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يحيى بن محمد شيخ البخاري بسنده فيه لا يفعلون ذلك بدون لفظة إلا وهو واضح وكذا أخرجه البزار في ( مسنده ) والطبراني عن البزار
وفيه من الفقه أنه يكره الإفراط في الأعمال الصالحة خوف الملل عنها والانقطاع وكذلك كان النبي يفعل كان يتخول أصحابه بالموعظة كراهية السآمة عليهم وقال تكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وفيه أنه لا ينبغي أن لا يحدث بشيء من كان في حديث حتى يفرغ منه وفيه أنه لا ينبغي نشر الحكمة والعلم ولا التحديث بهما من لا يحرص على سماعهما وتعلمهما لأن في ذلك إذلال العلم وقد رفع الله قدره
21
- ( باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له )
أي هذا باب يذكر فيه ليعزم الشخص من عزمت على كذا عزما وعزيمة إذا أردت فعله وجزمت به قوله المسألة أي السؤال أي الدعاء قوله فإنه أي فإن الشان لا مكره بكسر الراء من الإكراه له أي لله عز و جل
6338 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( إسماعيل ) أخبرنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن أللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له ( انظر الحديث 6338 - طرفه في 7464 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن علية وعبد العزيز هو ابن صهيب
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الدعوات عن أبي بكر وزهير بن حرب وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن إسحاق بن إبراهيم
قوله فليعزم المسألة أي فليقطع بالسؤال ولا يعلق بالمشيئة إذ في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب قوله لا مستكره بالسين وفي حديث أبي هريرة لا مكره له قال بعضهم وهما بمعنى قلت ليس كذلك بل السين تدل على شدة الفعل
6339 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له ( انظر الحديث 3339 - طرفه في 7477 )
أبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه أبو داود أيضا عن عبد الله بن مسلمة في الصلاة وأخرجه الترمذي في الدعوات عن إسحاق بن موسى الأنصاري
قوله ليعزم المسألة أي الدعاء قال الداودي معناه ليجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير
22
- ( باب يستجاب للعبد ما لم يعجل )
أي هذا باب يذكر فيه يستجاب للعبد دعاؤه ما لم يعجل
6340 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي عبيد ) مولى ( ابن أزهر ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عبيد اسمه سعد بن عبيد ومولى ابن أزهر اسمه عبد الرحمن
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الدعوات عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود في الصلاة عن القعنبي وأخرجه الترمذي في الدعوات عن إسحاق ابن موسى الأنصاري وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد
قوله يستجاب أي يجاب لأحدكم دعاؤه وقال الكرماني

(22/299)


يستجاب من الاستجابة بمعنى الإجابة قوله لأحدكم أي كل واحد منكم إذ إسم الجنس المضاف يفيد العموم على الأصح قوله فيقول بالنصب لا غير وفي رواية غير أبي ذر يقول بدون الفاء وقال ابن بطال المعنى أنه يسأم ويترك الدعاء فيكون كالملون بدعائه أو إنه يأتي من الدعاء بما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء وقال الكرماني هنا شرط الاستجابة عدم العجلة وعدم القول أي قوله دعوت فلم يستجب لي فما حكمه في الصور الثلاث الباقية يعني وجودها ووجود المعجلة دون القول والعكس وأجاب بأن مقتضى الشرطية عدم الاستجابة في الأوليين وأما الثالثة فهي غير متصورة ثم قال قوله عز و جل ( 2 ) أجيب دعوةدعان ( البقرة186 ) مطلق لا تقييد فيه وأجاب بأنه يحمل المطلق على المقيد كما هو مقرر في الأصول قلت وفيه نظر لا يخفى ثم قال هذه الأخبار تقتضي إجابة كل الدعوات التي انتفى فيها العدمان لكن ثبت أنه قال سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة وهي لا يذيق بعض أمته بأس بعض وكذا مفهوم كل دعوة مستجابة إن له دعوات غير مستجابة وأجاب بأن التعجيل من جبلة الإنسان قال الله تعالى ( 12 ) خلق الإنسانعجل ( الأنبياء37 ) فوجود الشرط متعذر أو متعسر في أكثر الأحوال
23
- ( باب رفع الأيدي في الدعاء )
أي هذا باب في بيان مشروعية رفع الأيدي في الدعاء وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر
وقال أبو موسى الأشعري دعا النبي ثم رفع يديه وقال ورأيت بياض إبطيه
إسم أبي موسى عبد الله بن قيس وهذا التعليق من حديث طويل في قضية قتل عمه أبي عامر الأشعري وتقدم في المغازي موصولا في غزوة حنين
وقال ابن عمر رفع النبي يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد
خالد هو ابن الوليد رضي الله عنه وهذا التعليق أيضا من حديث فيه قضية خالد في غزوة بني جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة وذلك أنه بعثه إليهم فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا فجعل يقتل ويأسر فذكر ذلك لرسول الله فرفع يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد
6341 - قال أبو عبد الله وقال الأويسي حدثني محمد بن جعفر عن يحيى بن سعيد وشريك سمعا أنسا عن النبي رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ( انظر الحديث 1031 وطرفه )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه والأويسي نسبة إلى أويس مصغر أوس في الأصل ولكن النسبة إلى أوس هو ابن حارثة قبيلة في الأنصار وفي تغلب وفي الأزد وفي خثعم والأويسي هذا نسبة إلى أويس بن سعد بن أبي سرح إلى أن ينتهي إلى غالب ابن فهر واسمه عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمر بن أويس القرشي العامري الأويسي المدني شيخ البخاري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني وشريك بن عبد الله بن نمير القرشي المديني
وهذا الحديث مختصر من حديث الاستسقاء وهذه التعاليق الثلاثة تدل على رفع اليدين في الدعاء ولكن لا تدل على أنه هل كان يجعل كفيه نحو السماء أو نحو الأرض وفي هذا الباب خلاف كثير فمنهم من كره رفع اليدين فإذا دعا الله في حاجته يشير بإصبعه السبابة وروى شعبة عن قتادة قال رأى ابن عمر قوما رفعوا أيديهم فقال من يتناول هؤلاء فوالله لو كانوا على رأس أطول جبل ما ازدادوا من الله قربا وكرهه جبير بن مطعم ورأى شريح رجلا رافعا يديه يدعو فقال من يتناول بها لا أم لك وقال مسروق لقوم رفعوا أيديهم قطعها الله وكان قتادة يشير بإصبعه ولا يرفع يديه ومنهم من اختار بسط كفيه رافعهما ثم اختلفوا في صفته فمنهم من قال يرفعهما حذو صدره بطونهما إلى وجهه روي ذلك عن ابن عمر رضي

(22/300)


الله عنهما وقال ابن عباس إذا رفع يديه حذو صدره فهو الدعاء وكان علي رضي الله عنه يدعو بباطن كفيه وعن أنس مثله واحتجوا بما رواه صالح بن كيسان عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس عن رسول الله إذا سألتم الله عز و جل فاسألوه ببطون كفكم ولا تسألوه بظهورها وامسحوا بها وجوهكم ومنهم من اختار رفع أيديهم إلى وجوههم روي ذلك عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم ومنهم من اختار رفع أيديهم حتى يحاذوا بها وجوههم وظهورهما مما تلي وجوههم ومنهم من يجعل بطونهما إلى السماء في الرغبة وإلى الأرض في الرهبة وقيل يجعل بطونهما إلى السماء مطلقا في كل حال وقال الداودي روي حديث في إسناده نظر أن الداعي يمسح وجهه بيديه عند آخر دعائه قلت كأنه أراد به الحديث الذي رواه محمد بن كعب عن ابن عباس هذا رواه أبو داود بطرق قال الحافظ المزي كلها ضعيفة
24
- ( باب الدعاء غير مستقبل القبلة )
أي هذا باب في بيان الدعاء حال كون الداعي غير مستقبل القبلة
6342 - حدثنا ( محمد بن محبوب ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال بينا النبي يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله ادع الله أن يسقينا فتغيمت السماء ومطرنا حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة فقام ذلك الرجل أو غيره فقال ادع الله أن يصرفه عنا فقد غرقنا فقال أللهم حوالينا ولا علينا فجعل السحاب يتقطع حول المدينة ولا يمطر أهل المدينة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أللهم حوالينا ولا علينا لأنه دعاء النبي وكان على المنبر وظهره إلى القبلة وقال الكرماني موضع الترجمة قوله يخطب إذا لخطيب غير مستقبل القبلة
ومحمد بن محبوب من المحبة أبو عبد الله البصري وهو من أفراده وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبالنون الوضاح اليشكري الواسطي
والحديث مضى في الاستسقاء عن مسدد وفي الأدب أيضا عنه
قوله فتغيمت السماء الفاء فيه فاء الفصيحة الدالة على محذوف أي فدعا فاستجاب الله دعاء فتغيمت يقال تغيمت السماء إذا أطبق عليها الغيم قوله حوالينا بفتح اللام منصوب على الظرفية أي أمطر حوالينا ولا تمطر علينا وقال ابن الأثير معناه أللهم أنزل الغيث في مواضع النبات لا في مواضع الأبنية
25
- ( باب الدعاء مستقبل القبلة )
أي هذا باب في بيان الدعاء حال كون الداعي مستقبل القبلة وقد سقطت هذه الترجمة من رواية أبي زيد المروزي فصار حديثها من جملة الباب الذي قبله
6343 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباد بن تميم ) عن ( عبد الله بن زيد ) قال خرج النبي إلى هذا المصلى يستسقي فدعا واستسقاى ثم استقبل القبلة وقلب رداءه
قيل لا يطابق الحديث الترجمة لأن ظاهره أنه استقبل القبلة بعد الدعاء فلذلك قال الإسماعيلي هذا الحديث مطابق للترجمة التي قبل هذا وقال الكرماني تستفاد الترجمة من السياق حيث قال خرج يستسقي والاستسقاء هو الدعاء ثم قسم الاستسقاء إلى ما قبل الاستقبال وإلى ما بعده انتهى قلت لا دلالة على قسمة الاستسقاء بل الذي يدل عليه الحديث أنه دعا واستسقى ثم بعد الدعاء والاستسقاء استقبل القبلة فلا يدل ذلك على أنه حين دعا كان مستقبل القبلة وقال الإسماعيلي لعل البخاري أراد أنه لما تحول وقلب رداءه دعا حينئذ أيضا وهذا كلامه بعد

(22/301)


اعتراض عليه وفيه نظر لا يخفى والأحسن أن يقال في بعض طرق هذا الحديث أنه لما أراد أن يدعو استقبل وحول رداءه وقد مضى في الاستسقاء وهذا المقدار كاف في التطابق على أنه على رواية أبي زيد المروزي لا يحتاج إلى هذه التعسفات
ووهيب مصغر وهب ابن خالد وعمرو بن يحيى المازني الأنصاري وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن تميم الأنصاري المازني يروي عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري البخاري المازني
وهذا الحديث روي بألفاظ مختلفة والمعنى متقارب ومضى في الاستسقاء فإنه أخرجه هناك عن شيوخ كثيرة وأخرجه بقية الجماعة ومضى الكلام فيه هناك
26
- ( باب دعوة النبي لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله )
أي هذا باب في ذكر دعاء النبي لخادمه أنس بن مالك رضي الله عنه يطول عمره وبكثرة ماله
6344 - حدثنا ( عبد الله بن أبي الأسود ) حدثنا ( حرمي ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قالت أم سليم أمي يا رسول الله خادمك أنس أدع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن قلت من أين الظهور وفي الترجمة ذكر طول العمر وليس في الحديث ذلك قلت قد ذكرنا فيما مضى أن قوله بارك له فيما أعطيته يدل على ذلك لأن الدعاء ببركة ما أعطي يشمل طول العمر لأنه من جملة المعطى وقيل ورد في بعض طرق هذا الحديث وأطل حياته أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) من وجه آخر
وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن الأسود ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ وهو من أفراد البخاري رحمه الله وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وبالميم وتشديد الياء آخر الحروف ابن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم العتكي البصري
قوله أمي إما بدل من أم سليم أو عطف بيان واسم أم سليم الرميصاء
والحديث مضى بما فيه من الشرح في أوائل باب وصل عليهم
27 -
( باب الدعاء عند الكرب )
أي هذا باب في بيان الدعاء عند الكرب بفتح الكاف وسكون الراء وبالباء الموحدة وهو حزن يأخذ بالنفس
6345 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( هشام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أبي العالية ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال كان النبي يدعو عند الكرب يقول لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش العظيم
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله يدعو عند الكربإلى آخره وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي وأبو العالية من العلو اسمه رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة الرياحي بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة فإن قلت قتادة مدلس وقد روى أبو داود في ( سننه ) في كتاب الطهارة عقيب حديث أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية قال شعبة إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون قلت لم يعتبر البخاري هذا الحصر لأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا أن يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه وقد حدث شعبة هذا الحديث عن قتادة فلذلك أورده البخاري معلقا في آخر الترجمة حيث قال وقال وهب حدثنا شعبة عن قتادة مثله على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
قوله كان يدعو عند الكرب أي عند حلول الكرب وفي رواية مسلم كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب قوله لا إله إلا الله العظيم الحليم اشتمل هذا على التوحيد الذي هو أصل التنزيهات المسمات

(22/302)


بالأوصاف الجلالية وعلى العظمة التي تدل على القدرة العظيمة إذ العاجز لا يكون عظيما وعلى الحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل بالشيء لا يتصور منه الحلم وهما أصل الصفات الوجودية الحقيقية المسماة بالأوصاف الإكرامية ووجه تخصيص الذكر بالحليم لأن كرب المؤمن غالبا إنما هو على نوع تقصير في الطاعات أو غفلة في الحالات وهذا يشعر برجاء العفو المقلل للحزن فإن قلت الحلم هو الطمأنينة عند الغضب فكيف تطلق على الله عز و جل قلت تطلق على الله ويراد لازمها وهو تأخير العقوبة فإن قلت هذا ذكر لا دعاء قلت إنه ذكر يستفتح به الدعاء لكشف الكرب قوله رب السموات والأرض خصهما بالذكر لأنهما من أعظم المشاهدات ومعنى الرب في اللغة يطلق على المالك والسيد والمدبر والمربى والمتمم والمنعم ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا قوله رب العرش العظيم ذا أيضا يشتمل على التوحيد والربوبية وعظمة العرش وجه الأول قد ذكرناه ووجه ذكر الثاني أعني لفظ الرب من بين سائر الأسماء الحسنى هو كونه مناسبا لكشف الكرب الذي هو مقتضى التربية ووجه الثالث وهو تخصيص العرش بالذكر لأنه أعظم أجسام العالم فيدخل الجميع تحته دخول الأدنى تحت الأعلى ثم لفظ العظيم صفة للعرش بالجر عند الجمهور ونقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم على أنه نعت للرب ويروى ورب العرش العظيم بالواو
6346 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( هشام بن أبي عبد الله ) عن ( قتادة ) عن ( أبي العالية ) عن ( ابن عباس ) أن رسول الله كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن هشام بن عبد الله الدستوائي إلى آخره وهنا جاء ورب العرش الكريم ولفظ الكريم بالرفع على أنه صفة للرب على ما نقله ابن التين عن الداودي وفي رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش ووصف العرش هنا بالكريم أي الحسن من جهة الكيفية فهو ممدوح ذاتا وصفة وفي الحديث السابق وصفه بالعظمة من جهة الكمية وقال ابن بطال حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث عنه وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجنه فرأيت النبي في المنام وجبريل عليه السلام عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في ( صحيح البخاري ) حتى يفرج الله عنه قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج من السجن وقال الحسن البصري رحمه الله أرسل إلى الحجاج فقلتهن فقال والله أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك فلأنت اليوم أحب إلى من كذا وكذا وزاد في لفظه فسل حاجتك
وقال وهب حدثنا شعبة عن قتادة مثله
وهب هو ابن جرير كذا في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي وحده بالتصغير ابن خالد وفي رواية أبي زيد المروزي وهب بن جرير بن حازم وبهذا يزول الإشكال وقد ذكرنا عن قريب أن البخاري إنما أورد هذا دفعا لما قيل من الحصر إن شعبة قال لم يسمع قتادة عن أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وقد ذكرناها وأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا ما سمعه ذلك المدلس من شيخه وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة وأخرج مسلم هذا الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أبا العالية حدثه وهذا صريح في سماعه له منه
28
- ( باب التعوذ من جهد البلاء )
أي هذا باب في بيان التعوذ من جهد البلاء الجهد بفتح الجيم وبضمها المشقة وكلما أصاب الإنسان من شدة المشقة والجهد

(22/303)


فيما لا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه عن نفسه فهو من جهد البلاء وروي عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن جهد البلاء فقال قلة المال وكثرة العيال والبلاء ممدود فإذا كسرت الباء قصرت
6347 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثني ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) كان رسول الله يتعود من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء
قال سفيان الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي ( انظر الحديث 6347 - طرفه في 6616 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان بن عيينة وسمي بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي وأبو صالح ذكوان الزيات
والحديث أخرجه البخاري أيضا في القدر عن مسدد وأخرجه مسلم في الدعوات عن عمر والناقد وغيره وأخرجه النسائي في الاستعاذة عن قتيبة
قوله قال كان رسول الله يتعوذ كذا هو في رواية الأكثرين ورواه مسدد عن سفيان بسنده هذا بلفظ الأمر تعوذوا قوله ودرك الشقاء بفتح الدال والراء ويجوز سكون الراء وهو الإدراك واللحوق والشقاء بالفتح والمد الشدة والعسر وهو ضد السعادة ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك وقال ابن بطال درك الشقاء ينقسم قسمين في أمر الدنيا والآخرة وكذا سوء القضاء هو عام أيضا في النفس والمال والأهل والخاتمة والمعاد قوله وسوء القضاء أي المقضي إذ حكم الله من حيث هو حكمه كله حسن لا سوء فيه قالوا في تعريف القضاء والقدر القضاء هو الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل والقدر هو الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل في الإنزال قال الله تعالى ( 51 ) وإن من شيءإلا بقدر معلوم ( الحجر21 ) قوله وشماتة الأعداء هي الحزن بفرح عدوه والفرح بحزنه وهو مما ينكأ في القلب ويؤثر في النفس تأثيرا شديدا وإنما دعا النبي بذلك تعليما لأمته وهذه كلمة جامعة لأن المكروه إما أن يلاحظ من جهة المبدأ وهو سوء القضاء أو من وجهة المعاد وهو درك الشقاء إذ شقاوة الآخرة هي الشقاء الحقيقي أو من جهة المعاش وذلك إما من جهة غيره وهو شماتة الأعداء أو من جهة نفسه وهو جهد البلاء
قوله قال سفيان هو ابن عيينة راوي الحديث المذكور وهو موصول بالسند المذكور قوله الحديث ثلاث أي الحديث المرفوع المروي ثلاثة أشياء وقال زدت أنا واحدة فصارت أربعا ولا أدري أيتهن هي أي الرابعة الزائدة وقال الكرماني كيف جاز له أن يخلط كلامه بكلام رسول الله بحيث لا يفرق بينهما ثم أجاب بأنه ما خلط بل استبهت عليه تلك الثلاث بعينها وعرف أنها كانت ثلاثة من هذه الأربعة فذكر الأربعة تحقيقا لرواية تلك الثلاثة قطعا إذ لا تخرج منها
وقال بعضهم وفيه تعقب على الكرماني حيث اعتذر عن سفيان في السؤال المذكور فقال ويجاب عنه بأنه كان يميزها إذا حدث كذا قال وفيه نظر قلت لم يقل الكرماني أصلا ما قاله نقلا عنه وإنما قاله هو الذي ذكرناه وهو اعتذار حسن مع أنه قال عقيب كلامه المذكور وروى البخاري في كتاب القدر الحديث المذكور وذكر فيه الأربعة مسندا إلى رسول الله فلا تردد ولا شك ولا قول بزيادة وفي بعض الروايات قال سفيان أشك أني زدت واحدة منها
29
- ( باب دعاء النبي أللهم الرفيق الأعلى )
أي هذا باب في بيان دعاء النبي عند موته بقوله أللهم الرفيق الأعلى ووقع في رواية الأكثرين لفظ باب مجردا عن الترجمة وفيه أللهم الرفيق الأعلى والرفيق منصوب على تقدير اختبرت الرفيق الأعلى أو أختار أو أريد وقال الداودي الرفيق الأعلى الجنة وقيل الرفيق الأعلى جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين
6348 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أخبرني ( سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل ) العلم أن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان

(22/304)


رسول الله يقول وهو صحيح لن يقبض نبي قط حتى يراى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال أللهم الرفيق الأعلى قلت إذا لا يختارنا وعلمت أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح قالت فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها أللهم الرفيق الأعلى
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن عفير هو سعيد بن محمد بن عفير المصري وعقيل بضم العين وابن شهاب هو محمد ابن مسلم الزهري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن بشر بن محمد وعن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده بإسناده مثله
قوله في رجال من أهل العلم أي أخبره سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في جملة طائفة أخرى أخبروه أيضا به أو في حضور طائفة مستمعين له قوله ثم يخير على صيغة المجهول أي بين الموت والانتقال إلى ذلك المقعد وبين البقاء والحياة في الدنيا قوله فلما نزل به بضم النون وكسر الزاي أي فلما حضره الموت كأن الموت نازل وهو منزول به قوله ورأسه الواو فيه للحال قوله فأشخص أي رفع بصره وأشخصه أزعجه وشخص بصره إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف وشخص ارتفع قوله لا يختارنا بالنصب أي حيث اختار الآخرة تعين ذلك فلا يختارنا بعد ذلك قوله إنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح هو قوله لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعده قوله أللهم الرفيق الأعلى قال الكرماني محلها النصب على العناية أو الرفع بيانا أو بدلا لقوله تلك
30 -
( باب الدعاء بالموت والحياة )
أي هذا باب في كراهة الدعاء بالموت قوله والحياة وفي رواية أبي زيد المروزي وبالحياة أي وفي كراهة الدعاء بالحياة إذا كانت شرا له بل يشرع الدعاء بهما على الوجه المذكور في حديث الباب على ما يجيء الآن
6349 - حدثني ( مسدد ) حدثنا يحياى عن إسماعيل عن قيس قال أتيت خبابا وقد اكتواى سبعا قال لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح الإبهام الذي في الجزء الأول للترجمة
و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( إسماعيل ) هو ابن أبي خالد و ( قيس ) هو ابن أبي حازم وخباب هو ابن الأرت بن جندلة مولى خزاعة
والحديث مضى في الطب عن آدم عن شعبة
قوله وقد اكتوى سبعا أي في بطنه لوجع كان فيه قيل قد نهي عن الكي وأجيب بأن ذلك لمن يعتقد أن الشفاء من الكي
6350 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحياى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس ) قال أتيت خبابا وقد اكتواى سبعا في بطنه فسمعته يقول لولا أن النبي نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به
هذا هو الحديث المذكور عن مسدد وأعاده عن محمد بن المثنى لما في روايته من زيادة وهي قوله في بطنه
6350 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحياى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس ) قال أتيت خبابا وقد اكتواى سبعا في بطنه فسمعته يقول لولا أن النبي نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به
هذا هو الحديث المذكور عن مسدد وأعاده عن محمد بن المثنى لما في روايته من زيادة وهي قوله في بطنه
6351 - حدثني ( ابن سلام ) أخبرنا ( إسماعيل بن علية ) عن ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا للموت فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ( انظر الحديث 5671 وطرفه )
تؤخذ المطابقة منه لجزئي الترجمة بإمعان النظر فيه وابن سلام هو محمد بن سلام بتخفيف اللام وتشديدها قوله حدثني ويروى حدثنا
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضا عن زهير بن حرب وأخرجه الترمذي في الجنائز عن علي بن حجر وأخرجه النسائي فيه وفي الطب عن علي بن حجر
قوله لا يتمنين بالنون المشددة إنما نهى عن التمني لأنه في معنى التبرم

(22/305)


عن قضاء الله تعالى في أمر ينفعه في آخرته ولا يكره التمني لخوف فساد الدين قوله لضر أي لأجل ضر نزل به أي حصل عليه قوله لا بد هو حال وتقديره إن كان أحدكم فاعلا حالة كونه لا بد له من ذلك قيل كيف جوز الفعل بعد النهي وأجيب بأن موضع الضرورة مستثنى من جميع الأحكام والضرورات تبيح المحظورات أو النهي إنما هو عن الموت معينا وهذا تجويز في أحد الأمرين لا على التعيين أو النهي إنما هو فيما إذا كان منجزا مقطوعا به وهذا معلق لا منجز
31
- ( باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم )
أي هذا باب في بيان الدعاء للصبيان بالبركة أي بالنشو الحسن والثبات على التوفيق والشرف وأصل هذه المادة من برك البعير إذا أناخ في موضع فلزمه وتطلق البركة أيضا على الزيادة وقال ابن الأثير والأصل الأول قوله ومسح رؤوسهم فيه حديث عن أبي أمامة أخرجه أحمد والطبراني بلفظ من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا الله كان له بكل شعرة تمريده عليها حسنة وفي سنده ضعف وروى أحمد بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكى إلى النبي قسوة قلبه فقال أطعم المسكين وامسح رأس اليتيم
وقال أبو موسى ولد لي غلام ودعا له النبي بالبركة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري وهذا التعليق طرف من حديث موصول قد مضى في كتاب العقيقة واسم الغلام إبراهيم
6352 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( حاتم ) عن ( الجعد بن عبد الرحمان ) قال سمعت السائب بن يزيد يقول ذهبت بي خالتي إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وجع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلةنه
مطابقته للترجمة ظاهرة وحاتم بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي سكن المدينة والجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة ويقال له الجعيد أيضا بالتصغير ابن عبد الرحمن بن أوس الكندي ويقال التميمي المدني والسائب فاعل من السيب بالسين المهملة والياء آخر الحروف والباء الموحدة ابن يزيد من الزيادة
والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس فإنه أخرجه هناك عن عبد الرحمن بن يونس عن حاتم بن إسماعيلإلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله وجع بلفظ الفعل والإسم ويروى وقع بالقاف موضع الجيم والزر بكسر الزاي وتشديد الراء واحد أزرار القميص والحجلة بفتح الحاء والجيم بيت للعروس كالقبة يزين بالثياب والستور ولها أزرار وقيل المراد بالحجلة القبجة أي الطائر المعروف قدر الدجاجة وزرها بيضها
6353 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( ابن وهب ) حدثنا ( سعيد بن أبي أيوب ) عن ( أبي عقيل ) أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام من السوق أو إلى السوق فيشحري الطعام فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان أشركنا فإن النبي قد دعا لك بالبركة فيشركهم فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل ( انظر الحديث 2502 )
مطابقته للترجمة في قوله فإن النبي قد دعا لك بالبركة وابن وهب المصري وسعيد بن أبي أيوب الخزاعي المصري واسم أبي أيوب مقلاص وأبو عقيل بفتح العين المهملة وكسر القاف واسمه زهرة بضم الزاي وسكون الهاء ابن معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن عبد الله بن هشام القرشي التيمي من بني تيم بن مرة

(22/306)


وعبد الله بن هشام سمع النبي روى عنه ابن ابنه زهرة المذكور وهو من أفراد البخاري
والحديث مضى في الشركة في باب الشركة في الطعام وغيره ومضى الكلام فيه
قوله من السوق أي من جهة دخول السوق والعامل فيه قوله فيلقاه ابن الزبير أي عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قوله أشركنا من الإشراك وهو من الثلاثي المزيد فيه أي اجعلنا من شركائك ومنه قوله تعالى ( 02 ) وأشركه في أمري ( طه32 ) وضبط في بعض الكتب من الثلاثي والأول هو الصحيح لأنه إنما يقال شركته في الميراث والبيع إذا ثبتت الشركة وأما إذا سألته الشركة فإنما يقال له أشركني من الثلاثي المزيد فيه قوله فيشركهم أي فيما اشتراه وإنما جمع باعتبار أن أقل الجمع إثنان قوله فربما أصاب أي ابن هشام الراحلة أي من الربح قوله كما هي أي بتمامها
6354 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( محمود بن الربيع ) وهو الذي مج رسول الله في وجهه وهو غلام من بئرهم
مطابقته للترجمة من حيث أن المج في حكم المسح والدعاء بالبركة فالفعل قائم مقام القول في المقصود
وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمر القرشي العامري الأويسي المديني وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
والحديث مضى مختصرا نحوه في الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس
قوله وهو الذي مج يقال مج لعابه إذا قذفه وقيل لا يكون مجا حتى يباعد به قوله وهو غلام أي صبي صغير وقال أبو عمر حفظ ذلك منه وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين ومات في سنة ست وتسعين والواو في وهو غلام للحال قوله من بئرهم يتعلق بقوله مج
6355 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان النبي يؤتى بالصبيان فيدعو لهم فأتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله ( انظر الحديث
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان قد تكرر ذكره وهو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي
والحديث مضى في الطهارة في باب بول الصبيان من طريقين عن مالك ومضى الكلام فيه
قوله فاتبعه أي فأتبع الماء البول يعني سكب عليه
6356 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبد الله بن ثعلبة بن صعير ) وكان رسول الله قد مسح عنه أنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة ( انظر الحديث 4300 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله قد مسح عنه يفسره ما رواه البخاري معلقا في غزوة الفتح من طريق يونس عن الزهري بلفظ مسح وجهه عام الفتح ووقع في ( الزهريات ) للهذلي عن أبي اليمان شيخ البخاري بلفظ مسح وجهه
وأبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير بضم الصاد المهملة وفتح العين المهملة العذري بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء ويقال ابن أبي صعير ولد قبل الهجرة بأربع سنين وتوفي سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة وقيل إنه ولد بعد الهجرة وأن رسول الله توفي وهو ابن أربع سنين
قوله أنه رأى يتعلق بقوله أخبرني عبد الله قوله وكان رسول الله قد مسح عنه معترض بينهما قوله يوتر بركعة أي يصلي الوتر بركعة واحدة وقد مضى الكلام في الخلاف في عدد الوتر في باب الوتر

(22/307)


32 - ( باب الصلاة على النبي )
أي هذا باب في بيان كيفية الصلاة على النبي وقال بعضهم هذا الإطلاق يحتمل حكمها وفضلها وصفتها ومحلها قلت حديثا الباب يفيدان هذا الإطلاق لأنهما ينبئان عن الكيفية والمطابقة بين الترجمة والحديث مطلوبة ولا تجيء المطابقة إلا بما قلنا هذا باب في بيان كيفية الصلاة
6357 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( الحكم ) قال سمعت عبد الرحمان بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية إن النبي خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال فقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد أللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ( انظر الحديث 3370 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح الإبهام الذي فيها وبين أن المراد كيفية الصلاة
وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن وأصله من خراسان سكن عسقلان والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار و ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) من كبار التابعين وهو والد محمد فقيه أهل الكوفة واسم أبي ليلى يسار خلاف اليمين وقال أبو عمر له صحبة ورواية وهو مشهور بكنيته وكعب بن عجرة البلوي حليف الأنصار شهد بيعة الرضوان
والحديث مضى في تفسير سورة الأحزاب فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن يحيى عن أبيه عن مسعر عن الحكم ومضى الكلام فيه
قوله علمنا أي عرفنا كيفيته وهي أن يقال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
6358 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) حدثنا ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد ) عن ( عبد الله ابن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا أللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ( انظر الحديث 4798 )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق وإبراهيم بن حمزة أبو إسحاق الزبيري المديني وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد ويزيد من الزيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي وعبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى مولى بني عدي ابن النجار الأنصاري وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك
والحديث مضى أيضا في تفسير سورة الأحزاب وقال الكرماني شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى وهاهنا بالعكس لأن رسول الله أفضل من إبراهيم عليه السلام وأجاب بأن هذا التشبيه ليس من باب إلحاق الناقص بالكامل بل من باب بيان حال من لا يعرف بما يعرف فلا يشترط ذلك والتشبيه فيما يستقبل وهو أقوى أو المجموع شبه بالمجموع ولا شك أن آل إبراهيم أفضل من آل محمد إذ فيهم الأنبياء عليهم السلام ولا نبي في آل محمد
33
- ( باب هل يصلى على غير النبي )
أي هذا باب يذكر فيه هل يصلى على غير النبي استقلالا أو تبعا ويدخل في قوله غير النبي الملائكة والأنبياء والمؤمنون وإنما صدر الترجمة بالاستفهام للخلاف في جواز الصلاة على غير النبي فمنهم من أنكر الصلاة على غير النبي مطلقا واحتجوا

(22/308)


بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عثمان بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال ما أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله وحكى القول به عن مالك وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وعن سفيان أيضا ومنهم من جوزها تبعا مطلقا ولا يجوزها استقلالا وبه قال أبو حنيفة وجماعة ومنهم من جوزها مطلقا يعنى استقلالا وتبعا وحجتهم حديث الباب
وأما الصلاة على الأنبياء عليهم السلام فقد ورد فيها أحاديث منها ما رواه ابن عباس مرفوعا أخرجه الطبراني إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني وسنده ضعيف ومنها حديث علي رضي الله عنه في الدعاء بحفظ القرآن وفيه وصل علي وعلى سائر النبيين أخرجه الترمذي والحاكم وأما الصلاة على الملائكة فيمكن أن تؤخذ من الحديث المذكور لأن الله سماهم رسلا وأما المؤمنون فحديث الباب يدل على جواز الصلاة عليهم على الاختلاف الذي ذكرناه
وقول الله تعالى وصل عليهمسكن لهم ( التوبة103 )
صدر بهذه الآية تنبيها على أن الصلاة على غير النبي تجوز وأيضا توضح الإبهام الذي في الترجمة قوله وصل عليهم أي أدع لهم واستغفر لهم لأن معنى الصلاة الدعاء وفي تفسير الثعلبي وهو قول الوالي إذا أخذ الصدقة آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت قوله سكن عن ابن عباس رحمة لهم وعن قتادة وقار وعن الكلبي طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم وعن أبي معاذ تزكية لهم منك وعن أبي عبيدة تثبيت
6359 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) عن ابن أبي أوفاى قال كان إذا أتى رجل النبي بصدقته قال اللهم صل عليه فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفاى
مطابقته للآية التي هي أيضا ترجمة ظاهرة وفيه إيضاح للإبهام الذي في الباب
وعمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء واسم ( ابن أبي أوفى ) عبد الله واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي وكلاهما صحابيان
والحديث مضى في الزكاة في باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن عمرو بن مرةإلى آخره
قوله فأتاه أبي هو أبو أوفى قوله على آل أبي أوفى آل الرجل أهل بيته وقيل لفظ الآل مقحم وتحقيقة قد مر في كتاب الزكاة في الباب المذكور
6360 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر ) عن أبيه عن ( عمرو ابن سليم الزرقي ) قال أخبرني ( أبو حميد الساعدي ) أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ( انظر الحديث 3369 )
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه جواز الصلاة على غير النبي وفيه إيضاح للإبهام الذي في الترجمة
وعبد الله بن أبي بكر يروي عن أبيه أبي بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري وأبو حميد عبد الرحمن الأنصاري المدني الصحابي وفي اسمه واسم أبيه اختلاف
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء عليهم السلام ومضى الكلام فيه
قوله وذريته بضم الذال وحكي بكسرها وهي النسل وقد يختص بالنساء والأطفال وقد يطلق على الأصل وهي من ذرأ بالهمز أي خلق إلا أنها سهلت لكثرة الاستعمال وقيل هي من الذر أي خلقوا وأمثال الذر واستدل به على أن المراد بآل محمد أزواجه وذريته واستدل به بعضهم على أن الصلاة على الآل لا تجب لسقوطها في هذا الحديث ورد هذا بثبوت الأمر بذلك في غير هذا الحديث وأخرج

(22/309)


عبد الرزاق من طريق ابن طاووس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة الحديث المذكور بلفظ صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته
34
- ( باب قول النبي من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة )
أي هذا باب في بيان قول النبي إلى آخره قوله من منصوب محلا على شريطة التفسير والضمير المنصوب في فاجعله يرجع إلى الأذي الذي يدل عليه قوله آذيته والذي في له يرجع إلى من قوله زكاة منصوب على أنه مفعول ثان لأجعل أي طهارة وقيل نموا في الجنة وقيل صلاحا قوله ورحمة عطف على زكاة
6361 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعهيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول اللهم فأيما مومن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وأحمد بن صالح المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن حرملة بن يحيى
قوله فأيما مؤمن الفاء فيه جزائية وشرطها محذوف يدل عليه السياق أي إن كنت سببت مؤمنا فكذا قيل إذا كان مستحقا للسب لم يكن قربة له وأجيب بأن المراد به غير المستحق له بدليل الروايات الأخر الدالة عليه كذا قاله الكرماني قلت من جملة تلك الروايات ما رواه مسلم من حديث إسحاق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال كانت عند أم سليم يتيمةالحديث بطوله وفيه إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة وروى مسلم أيضا عن جابر يقول سمعت رسول الله يقول إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا وروي أيضا من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله أللهم إنما أنا بشر فأيما رجل سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة قيل إذا لم يكن له أثر فما وجه انقلابه قربة وأجيب بأن هذا من جملة خلقه الكريم وكرمه العميم حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالخير والكرامة إنه لعلى خلق عظيم
35
- ( باب التعوذ من الفتن )
أي هذا باب في بيان التعوذ من الفتن بكسر الفاء وفتح التاء المثناة من فوق جمع فتنة وهي في الأصل الامتحان والاختبار يقال فتنته أفتنه فتنا وفتونا إذا امتحنته ويقال فيها أفتنته وهو قليل وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء
55 - ( حدثنا حفص بن عمر حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه سألوا رسول الله حتى أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه فقال يا رسول الله من أبي قال حذافة ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من الفتن فقال رسول الله ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء

(22/310)


الحائط وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم )
مطابقته للترجمة في قوله نعوذ بالله من الفتن وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن معاذ بن فضالة وأخرجه مسلم في الفضائل عن يحيى بن حبيب وعن بندار ومضى الكلام فيه أيضا مختصرا في كتاب العلم عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي الحديث قوله أحفوه بالحاء المهملة والفاء أي ألحوا عليه في السؤال وأكثروا السؤال عنه ويقال أحفيته إذا حملته على أن يبحث عن الخبر ويقال أحفى والحف وقال الداودي يريد سألوه عما يكره الجواب فيه لئلا يضيق على أمته وهذا في مسائل الدين لا في مسائل المال قوله فجعلت أنظر القائل به أنس رضي الله تعالى عنه قوله فإذا كلمة المفاجأة قوله لاف رأسه قال الكرماني لاف بالرفع والنصب قلت أما الرفع فعلى أنه خبر المبتدأ وهو قوله كل رجل وأما النصب فعلى أنه حال من رجل وقوله يبكي على هذا هو خبر قوله فإذا كل رجل وعلى الرفع يكون جملة حالية قوله فإذا رجل اسمه عبد الله قوله إذا لاحى الرجال أي إذا خاصم من الملاحاة وهي المخاصمة والمنازعة قوله يدعى على صيغة المجهول أي كان ينسب إلى غير أبيه فقال يا رسول الله أي فقال الرجل من أبي قال رسول الله أبوك حذافة وحكم بأنه أبوه إما بالوحي أو بحكم الفراسة أو بالقيافة أو بالاستلحاق ولما رجع عبد الله إلى أمه قالت له ما حملك على ما صنعت قال كنا أهل جاهلية وإني كنت لا أعرف أبي من كان قوله ثم أنشأ عمر أي طفق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنة نبينا واكتفينا به عن السؤال وإنما قال ذلك إكراما لرسول الله وشفقة على المسلمين لئلا يؤذوا النبي بالتكثير عليه وفيه أن غضب رسول الله ليس مانعا عن القضاء لكماله بخلاف سائر القضاة وفيه فهم عمر رضي الله تعالى عنه وفضل علمه لأنه خشي أن تكون كثرة سؤالهم كالتعنت له وفيه أنه لا يسأل العالم إلا عند الحاجة قوله كاليوم أي يوما مثل هذا اليوم قوله وراء الحائط أي حائط محراب رسول الله

(22/311)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الثالث والعشرون
عمدة القاري23
63 -
( باب التعوذ من غلبة الرجال )
أي هذا باب في التعوذ من غلبة الرجال أي من قهرهم يقال فلان مغلب من جهة فلان أي مقهور منه ولا يستطيع أن يدفعه عن نفسه وقيل تسلطهم واستيلاؤهم هرجا ومرجا وذلك كغلبة العوام
3636 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( عمرو بن أبي عمرو ) مولى ( المطلب بن عبد الله بن حنطب ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) يقول قال رسول الله لأبي طلحة التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله كلما نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها فكنت أراه يحوي وراءه بعباءة أو كساء ثم يردفها وراءه حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيسا في نطع ثم أرسلني فدعوت رجالا فأكلوا وكان ذلك بناءه بها ثم أقبل حتى بدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه فلما أشرف على المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم
مطابقة للترجمة في قوله وغلبة الرجال وعمرو بن أبي عمرو بالواو وفيهما مولى المطلب بضم الميم وتشديد الطاء وكسر اللام وبالباء الموحدة ابن عبد الله بن حنطب بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الطاء المهملة وبالباء الموحدة المخزومي القرشي
والحديث مضي في الجهاد في باب من غزا بصبي للخدمة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن يعقوب عن عمرو بن أبي عمرو إلى آخره
قوله لأبي طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم أم أنس رضي الله تعالى عنهم قوله يردفني حال من الإرداف قوله من آلهم الهم لمكروه يتوقع والحزن لمكروه واقع والبخل ضد الكرم والجبن ضد الشجاعة وفي بعض النسخ بعد قوله والحزن والعجز والكسل والعجز ضد القدرة والكسل التثاقل عن الأمر ضد الجلادة قوله وضلع الدين بفتحتين نقله وشدته وقوته قوله فلم أزل أخدمه يعني إلى موته قوله وحازها بالحاء المهلمة والزاي أي اختارها من الغنيمة وأخذها لنفسه قوله أراه قال الكرماني بضم الهمزة أبصره
قلت الظاهر أنه أراه بالفتح

(23/2)


لأنه من رؤية العين وأراه بالضم بمعنى أظنه قوله يحوي بضم الياء وفتح الحاء المهملة وكسر الواو المشددة أي يجمع ويدور يعني يجعل العباءة كحوية خشية أن تسقط وهي التي تعمل نحو سنام البعير وقال القاضي كذا رويناه يحوي بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الواو وذكر ثابت والخطابي بفتح الياء وإسكان الحاء وتخفيف الواو ورويناه كذلك عن بعض رواه البخاري وكلاهما صحيح وهو أن يجعل لها حوية وهي كساء محشو بليف يدار حول سنام الراحلة وهو مركب من مراكب النساء وقد رواه ثابت يحول باللام وفسره بيصلح لها عليه مركبا قوله بعباءة وهي ضرب من الأكسية وهي بالمد قوله أو كساء من عطف العام على الخاص قوله الصهباء بالمد موضع بين خيبر والمدينة قوله حيسا بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة وهي تمر يخلط بالسمن والأقط قوله في نطع فيه أربع لغات قوله وبناؤه بها أي زفافه بصفية قوله حتى إذا بدا أي ظهر قوله يحبنا ونحبه المحبة تحتمل الحقيقة لشمول قدرة الله عز و جل وتحتمل المجاز أو فيه إضمار أي يحبنا أهله وهم أهل المدينة قوله مثل ما حرم أي في نفس حرمة الصيدلافي الجزاء ونحوه قال الكرماني فإن قلت ويروى مثل ما حرم به بزيادة به
قلت إما أن يكون مثل منصوبا بنزع الخافض أي بمثل ما حرم به وهو الدعاء بالتحريم أو معناه أحرم بهذا اللفظ وهو أحرم مثل ما حرم به إبراهيم عليه الصلاة و السلام ومضى الكلام في المد والصاع في الزكاة وغيرها
73 -
( باب التعوذ من عذاب القبر )
أي هذا باب في بيان التعوذ من عذاب القبر
4636 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) قال سمعت أم ( خالد بنت خالد ) قال ولم أسمع أحدا سمع من النبي غيرها قالت سمعت النبي يتعوذ من عذاب القبر ( انظر الحديث 6731 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد بضم الحاء وسفيان هو ابن عيينة وموسى بن عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف وأم خالد اسمها أمة بتخفيف الميم بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية من أفراد البخاري وكانت صغيرة في عهد النبي وحفظت عنه وتأخرت وفاتها وتزوجها الزبير ابن العوام وفي الصحابة أيضا أم خالد بنت خالد بن يعيش بن قيس النجارية زوجة حارث بن النعمان وقال ابن سعد تابعية وليس في الصحابة أم خالد بنت خالد غيرهما كذا قاله صاحب ( التوضيح )
قلت ذكر الحافظ الذهبي في الصحابيات أيضا أم خالد بنت الأسود بن عبد يغوث روى عنها عبيد الله بن عبد الله ووضع عليها علامة أبي داود وذكر أيضا أم خالد بنت يعيش وقال ذكرها ابن حبيب
وتعوذه من عذاب القبر تعليم لأمته وإرشاد لهم
83 -
( باب التعوذ من البخل )
أي هذا باب في بيان التعوذ من البخل وهذه الترجمة وقعت هنا للمستملي وحده ولغيره لم تثبت أصلا وعدم ثبوتها أولى بل أوجب لأن هذا الباب بعينه يأتي بعد ثلاثة أبواب فحينئذ يقع هذا مكررا من غير فائدة
5636 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( عبد الملك ) عن ( مصعب ) قال كان ( سعد يأمر بخمس ويذكرهن ) عن النبي أنه كان يأمر بهن اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني فتنة الدجال وأعوذ بك من عذاب القبر

(23/3)


مطابقته للترجمة على صحتها ظاهرة وعبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة الكوفي كان على قضاء الكوفة بعد الشعبي وورد خراسان غازيا مع سعيد بن عثمان بن عفان وهو أول من عبر جيحون نهر بلخ معه على طريق سمرقند وهو من التابعين مات سنة ست وثلاثين ومائة وكان له يوم مات مائة سنة وثلاث سنين ومصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمد بن المثنى وعن فروة بن أبي المغراء وأخرجه النسائي في الاستعاذة وفي اليوم والليلة عن خالد بن الحارث وغيره
قوله كان سعد أي ابن أبي وقاص يأمر وفي رواية الكشميهني يأمرنا بصيغة الجمع قوله بخمس أي بخمسة أشياء وهي مصرحة في الدعاء المذكور قوله أن أرد إلى أرذل العمر أي الهرم حيث ينتكس قال الله تعالى ( 36 ) ومن نعمره ننكسه في الخلق ( يس86 ) قوله يعني فتنة الدجال قالوا إنه من زيادات شعبة
6636 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) قالت دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي إن أهل القبور يعذبون في قبورهم فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما فخرجتا ودخل علي النبي فقلت له يا رسول الله إن عجوزين وذكرت له فقال صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر
مطابقته للترجمة التي قبل هذه الترجمة ظاهرة وقد قلنا إن هذه الترجمة غير صحيحة وهذا الحديث هو من أحاديث تلك الترجمة
جرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل هو شقيق بن سلمة ومسروق هو ابن الأجدع
وكل هؤلاء كوفيون ومنصور من صغار التابعين وشقيق ومسروق من كبار التابعين ورواية أبي وائل عن مسروق من رواية الأقران وقد ذكر أبو علي الجياني أنه قد وقع في رواية المستملي عن الفربري في هذا الحديث منصور عن أبي وائل ومسروق عن عائشة بواو العطف بدل عن قال والصواب الأول ولا يحفظ لأبي وائل عن عائشة رواية قيل كونه صوابا لا نزاع فيه لاتفاق الرواة في البخاري على أنه من رواية أبي وائل عن مسروق وكذا أخرجه مسلم وغيره من رواية منصور وأما قوله ولا يحفظ لأبي وائل عن عائشة رواية فمردود فقد أخرج الترمذي من رواية أبي وائل عن عائشة حديثين أحدهما ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله وهذا أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه من رواية أبي وائل عن مسروق عن عائشة والآخر حديث إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها الحديث أخرجه أيضا من رواية عمرو بن مرة سمعت أبا وائل عن مسروق عن عائشة وهذا أخرجه الشيخان أيضا من رواية منصور والأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها وهذا جميع ما لأبي وائل في الكتب الستة عن عائشة وأخرج ابن حبان في ( صحيحه ) من رواية شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة حديث ما من مسلم يشاك شوكة فما دونها إلا رفعه الله بها درجة
قوله عجوزان العجوز يطلق على الشيخ والشيخة ولا يقال عجوزة إلا على لغة رديئة والعجز بضمتين جمعه قيل قد تقدم في الجنائز أن يهودية دخلت وأجيب لا منافاة بينها قوله ولم أنعم قال بعضهم هو رباعي من أنعم
قلت هو ثلاثي مزيد فيه ولا يقال الرباعي إلا في الأصول أي لم أحسن في تصديقهما ولحاصل أنها ما صدقتهما قوله إن عجوزين حذف خبره للعلم به وهو دخلتا قال بعضهم ظهر لي أن البخاري هو الذي اختصره
قلت الظاهر أن الذي حذفه أحد الرواة قوله وذكرت له قال بعضهم بضم التاء وسكون الراء أي ذكرت له ما قالتا
قلت يجوز أن يكون بفتح الراء وسكون التاء ولا مانع من ذلك لصحة المعنى قوله تسمعه البهائم وتقدم في الجنائز أن صوت الميت يسمعه كل شيء إلا الإنسان وقد مر الكلام فيه هناك قيل العذاب ليس مسموعا وأجيب بأن المقصود صوت المعذب من الإنس ونحوه أو بعض العذاب نحو الضرب فإنه مسموع قوله بعد بني على الضم أي بعد ذلك قوله إلا تعود ويروى إلا يتعوذ بلفظ المضارع

(23/4)


93 -
( باب التعوذ من فتنة المحيا والممات )
أي هذا باب في بيان التعوذ من فتنة زمان المحيا أي الحياة قوله والممات أي من فتنة زمن الممات أي الموت وهو من أول النزع إلى انفصال الأمر يوم القيامة
7636 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( المعتمر ) قال سمعت أبي قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه يقول كان ( نبي الله ) يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات
مطابقته للترجمة ظاهرة والمعتمر يروي عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي البصري عن أنس رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في الجهاد بعين هذا الإسناد والمتن في باب ما يتعوذ من الجبن
قوله والهرم بفتحتين هو أقصى الكبر
04 -
( باب التعوذ من المأثم والمغرم )
أي هذا باب في بيان التعوذ من المأثم أي الإثم قوله والمغرم أي ومن المغرم أي الغرامة وهي ما يلزمك أداؤه كالدين والدية
61 - ( حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب )
مطابقته للترجمة في قوله والمأثم والمغرم ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة والحديث من أفراده قوله ومن فتنة القبر هي سؤال منكر ونكير وعذاب القبر بعده على المجرمين فكان الأول مقدمة للثاني قوله ومن فتنة النار هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ قال تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وعذاب النار بعده قوله ومن شر فتنة الغنى هي نحو الطغيان والبطر وعدم تأدية الزكاة وإنما ذكر فيه لفظ الشر ولم يذكره في الفقر ونحوه تصريحا بما فيه من الشر وأن مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظا على الأغنياء حتى لا يغتروا بغنائهم ولا يغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى صور أخواته الأخر فإنها لا خير فيها بخلاف صورته فإنها قد تكون خيرا قال ذلك كله الكرماني وقال بعضهم بعد أن نقله وكل هذا غفلة عن الواقع والذي ظهر لي أن لفظ الشر ثابت في الموضعين وإنما اختصرها بعض الرواة قلت هذا غفلة من حيث أنه ادعى اختصار بعض الرواة بغير دليل على ذلك ثم قال وسيأتي بعد هذا بلفظ شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر وهذا الكلام لا يساعده فيما قاله لأن للكرماني أن يقول يحتمل أن يكون لفظ شر في فتنة الفقر مدرجا من بعض الرواة على أنه لم ينف مجيء لفظ شر في غير الغنى ولا يلزمه هذا لأنه في صدد بيان هذا الموضع خاصة الذي وقع كذا قوله وأعوذ بك من فتنة الفقر لأنه ربما يحمله على مباشرة ما لا يليق بأهل الدين والمروءة ويهجم على أي حرام كان ولا يبالي وربما يحمله على التلفظ بكلمات تؤديه إلى الكفر قوله ومن فتنة المسيح الدجال المسيح بفتح الميم وكسر السين وبكسرهما مع تشديد السين فمن شدد فهو من ممسوح العين ومن خفف فهو من السياحة

(23/5)


لأنه يمسح الأرض أو لأنه ممسوح العين اليمنى أي أعور وقال ابن فارس المسيح الذي أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب والدجال من الدجل وهو التغطية لأنه يغطي الأرض بالجمع الكثير أو لتغطيته الحق بالكذب أو لأنه يقطع الأرض قوله خطاياي جمع خطيئة وأصل خطايا خطائتي على وزن فعائل ولما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء لأن قبلها كسرة ثم استثقلت والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين قوله بماء الثلج والبرد خصهما بالذكر لنقائهما ولبعدهما من مخالطة النجاسة والبرد بفتح الباء الموحدة والراء حب الغمام تقول منه بردت الأرض قوله ونق أمر من نقى ينقي تنقية وذكره للتأكيد وقال الداودي هو مجاز يعني كما يغسل ماء الثلج وماء البرد ما يصيبه ( قيل ) العادة أنه إذا أريد المبالغة في الغسل يغسل بالماء الحار لا بالبارد ولا سيما الثلج ونحوه وأجاب الخطابي بأن هذه أمثال لم يرد بها أعيان المسميات وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه والثلج والبرد ماآن مقصوران على الطهارة لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما استعمال فكان ضرب المثل بهما أوكد في بيان ما أراده من التطهير وقال الكرماني يحتمل أنه جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لأنها مؤدية إليها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الإطفاء وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء فيه إلى أبرد منه وهو الثلج إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده قوله من الدنس وهو الوسخ قوله وباعد يعني أبعد -
14 -
( باب الإستعاذة من الجبن والكسل )
أي هذا باب في بيان الاستعاذة من الجبن وهو خلاف الشجاعة والكسل وهو التثاقل عن الأمر وهو خلاف الجلادة
كسالى وكسالى واحد
يعني بضم الكاف وفتحها وهما قراءتان قرأ الجمهور بالضم وقرأ الأعجر بالفتح وهي لغة بني تميم وقرأ ابن السميقع بالفتح أيضا لكن أسقط الألف وسكن السين وصفهم بما يوصف به المؤنث المفرد لملاحظة معنى الجماعة وهي كما قرىء وترى الناس سكرى
9636 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان ) قال حدثني ( عمرو بن أبي عمرو ) قال سمعت ( أنسا ) قال كان النبي يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال ح
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسليمان هو ابن بلال ووقع التصريح به في رواية أبي زيد المروزي وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب وقد مرت روايته عن أنس عن قريب في باب التعوذ من غلبة الرجال ومر تفسير هذه الألفاظ كلها عن قريب
24 -
( باب التعوذ من البخل )
أي هذا باب في بيان التعوذ من البخل
البخل والبخل واحد مثل الحزن والحزن
البخل بضم الباء والبخل بفتحها وفتح الخاء واحد في المعنى ونظيره الحزن بالضم والحزن بفتح الحاء والزاي
0736 - ح ( دثنا محمد بن المثنى ) حدثني ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( مصعب بن سعد ) عن ( سعد بن أبي وقاص ) رضي الله عنه كان ( يأمر بهؤلاء الخمس ويحدثهن ) عن النبي أللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى

(23/6)


أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر
مطابقته للترجمة في أول الحديث وغندر هو محمد بن جعفر
والحديث مضى عن قريب في باب التعوذ من عذاب القبر فإنه أخرجه هناك عن آدم عن شعبة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب إلى آخره ومضى الكلام فيه
قوله وأعوذ بك أن أرد ويروى عن السرخسي من أن أرد بزيادة لفظة من قوله وأعوذ بك من فتنة الدنيا قال شعبة سألت عبد الملك بن عمير عن فتنة الدنيا قال الدجال كذا في رواية الإسماعيلي وإطلاق الدنيا على الدجال لكون فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله فذكر الحديث وفيه أنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال أخرجه أبو داود وابن ماجه
34 -
( باب التعوذ من أرذل العمر )
أي هذا باب في بيان التعوذ من أرذل العمر وهو الهرم زمان الخرافة وحين انتكاس الأحوال قال الله تعالى ( 16 ) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا ( النحل07 والحج5 )
أراذلنا أسقاطنا
أشار به إلى قوله تعالى ( 11 ) إلا الذين هم أراذلنا ( هود72 ) وفسره بقوله أسقاطنا وهو جمع ساقط وهو اللئيم في حسبه ونسبه ويروى سقاطنا بضم السين وتشديد القاف ويقال قوم سقطي وإسقاط وسقاط
1736 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( عبد العزيز بن صهيب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال كان رسول الله يتعوذ يقول اللهم إني أعوذ بك من الكسل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل
قيل ليس فيه لفظ الترجمة فلا مطابقة
قلت تؤخذ المطابقة من قوله وأعوذ بك من الهرم لأنه يفسر بأرذل العمر وقد مر عن قريب تفسيره هكذا
وأبو معمر بفتح الميمين اسمه عبد الله بن عمر والمنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد البصري والحديث من أفراده
قوله يتعوذ يقول جملتان محلهما النصب فالأولى على أنها خبر كان والثانية حال
44 -
( باب الدعاء برفع الوباء والوجع )
أي هذا باب في بيان الدعاء برفع الوباء والوجع والوباء بالمد والقصر فجمع المقصور أوباء وجمع الممدود أوبية وهو المرض العام وقيل الموت الذريع وأنه أعم من الطاعون لأن حقيقته مرض عام ينشأ عن فساد الهواء ومنهم من قال الوباء والطاعون مترادفان ورد عليه بعضهم بأن الطاعون لا يدخل المدينة وأن الوباء وقع بالمدينة كما في حديث العرنيين
قلت فيه نظرلأن ابن الأثير قال إنه المرض العام وكذلك الوباء هو المرض العام وقوله الطاعون لا يدخل المدينة يحتمل أن يقال إنه لا يدخل بعد قدوم النبي قوله والوجع أي الدعاء أيضا برفع الوجع وهو يطلق على كل الأمراض فيكون هذا العطف من باب عطف العام على الخاص لكن باعتبار أن منشأ الوباء خاص وهو فساد الهواء بخلاف الوجع فإن له أسبابا شتى وباعتبار أن الوباء يطلق على المرض العام يكون من باب عطف العام على العام
2736 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال النبي اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد وانقل حماها إلى الجحفة اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا
ذكر المطابقة هنا بنوع من التعسف وهو أنها تؤخذ من قول قوله وانقل حماها باعتبار أن تكون الحمى مرضا عاما فتكون

(23/7)


المطابقة للجزء الأول للترجمة وقيل في بعض طرق حديث الباب فقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله
قلت فيه بعد لأن المطابقة لا تكون إلا بين الترجمة وحديث الباب بعينه وسفيان هو الثوري
والحديث مختصر من حديث أوله لما قدم النبي المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله تعالى عنهما وتقدم في آخر كتاب الحج وتقدم الكلام فيه والجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء ميقات أهل مصر والشام في القديم والآن أهل الشام يحرمون من ميقات أهل المدينة وكان سكانها في ذلك الوقت يهود وفيه الدعاء على الكفار بالأمراض والبليات
قوله في مدنا أي فيما نقدر به إذ بركته مستلزمة لبركته والمراد كثرة الأقوات من الثمار والغلات
3736 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) أخبرنا ( ابن شهاب ) عن ( عامر بن سعد ) أن أباه قال ( عادني ) رسول الله في حجة الوداع من شكوى أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي ما تراى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فبشطره قال الثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لاكن البائس سعد بن خولة
قال سعد رثي له رسول الله من أن توفي بمكة
قال بعضهم هذا يتعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الوجع
قلت الترجمة الدعاء برفع الوجع وليس في الحديث هذا والمطابقة ليست متعلقة بمجرد ذكر الوجع حتى يقول هذا القائل ما قاله ويمكن أن يؤخذ وجه المطابقة هنا من قوله اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم فإن فيه إشارة لسعد بالعافية ليرجع إلى دار هجرته وهي المدينة
وذكر هذا الحديث في مواضع في الجنائز عن عبد الله بن يوسف وفي الوصايا عن أبي نعيم عن سفيان وفي المغازي عن أحمد بن يونس وفي الهجرة عن يحيى بن قزعة وفي الطب عن موسى بن إسماعيل وفي الفرائض عن أبي اليمان وهنا أخرجه أيضا عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد
قوله عادني أي زارني لأجل مرض حصل لي قوله من شكوى أي من مرض وهو غير منصرف قوله أشفيت منه أي أشرفت منه على الموت ودنوت منه ومراده به المبالغة في شدة مرضه ويروى أشفيت منها أي من الشكوى وهو الظاهر ورواية منه باعتبار المرض قوله إلا ابنة لي واحدة واسمها عائشة قوله ذو مال أي صاحب مال وكان حصل له من الفتوحات شيء كثير قوله فبشطره أي نصفه وكثير بالثاء المثلثة قوله قوله أن تذر بالذال المعجمة أي أن تترك وقيل لأن تذر قوله عالة هو جمع العائل وهو الفقير قوله يتكففون الناس أي يمدون أكفهم إلى الناس بالسؤال قوله في في امرأتك أي في فم امرأتك قوله أخلف يعني في مكة أبقى بعدهم قوله لن تخلف على صيغة المجهول قوله فتعمل بالنصب عطف عليه قوله ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام فيه إشارة إلى طول عمره وهو من المعجزات فإنه عاش حتى فتح العراق وانتفع به أقوام وأراد بهم المسلمين وقوله ويضر بك على صيغة المجهول آخرون أي أقوام آخرون وأراد بهم المشركين وقيل إن عبيد الله أمر عمر بن سعد ولده على الجيش الذين لقوا الحسين رضي الله تعالى عنه فقتلوه بأرض كربلا وقصته مشهورة قوله أمض بفتح الهمزة يقال أمضيت الأمر أي أنفذته أي تمم الهجرة لهم ولا تنقصها عليهم وقال الداودي

(23/8)


لم يكن للمهاجرين الأولين أن يقيموا بمكة إلا ثلاثة أيام بعد الصدر فدعا لهم بالثبات على ذلك قوله قوله لكن البائس بالباء الموحدة وهو من أصابه البؤس أي الفقر وسوء الحال وقال الكرماني البائس شديد الحاجة وهو منصوب بقوله قوله لكن إن كانت مشددة هو وخبره قوله سعد بن خولة وإن كانت مخففة يكون البائس مبتدأ وخبره سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي من أنفسهم عند البعض وحليف لهم عند آخرين وكان من مهاجرة الحبشة الهجرة الثانية في قول الواقدي وإنما رثي له رسول الله لكونه مات بمكة وهي الأرض التي هاجر منها وفي ( التوضيح ) وإنما رثى له رسول الله لأنه قال كل من هاجر من بلده يكون له ثواب الهجرة من الأرض التي هاجر منها إلى الأرض التي هاجر إليها إلى يوم القيامة فحرم ذلك لما مات بمكة وقيل رجع إلى مكة بعد شهوده بدرا وقد أطال المقام بها بغير عذر ولو كان له عذر لم يأثم وكان موته في حجة الوداع وقد قال ابن مزين من المالكية إنما رثى له رسول الله لأنه أسلم وأقام بمكة ولم يهاجر وأنكروا ذلك عليه لأنه معدود من البدريين عند أهل الصحيح كما ذكره البخاري وغيره
وقوله قال سعد أي سعد بن أبي وقاص رثى له رسول الله يرد قول من زعم أن في الحديث إدارجا وأن قوله رثى له رسول الله من قول الزهري فإن قلت ورد في بعض طرقه وفيه قال الزهري إلى آخره قلت هذا يرجع إلى اختلاف الرواة عن الزهري هل وصل هذا القدر عن سعد أو قال من قبل نفسه والحكم للوصل لأنه مع راويه زيادة علم وهو حافظ قوله رثى له رسول الله أي ترحم عليه ورق له من جهة وفاته بمكة وهو معنى قوله قوله من أن توفي بمكة أي من أجل أنه مات بمكة التي هاجر منها وكان يتمنى أن يموت بغيرها فلم يعط متمناه
54 -
( باب الاستعاذة من أرذل العمرو ومن فتنة الدنيا وفتنة النار )
أي هذا باب في بيان الاستعاذة من أرذل العمر وقد مر تفسيره غير مرة قوله ومن فتنة الدنيا قد ذكرنا أن المراد به الدجال قوله ومن فتنة النار رأي من عذاب النار وفي بعض النسخ كذلك ومن عذاب النار
4736 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( الحسين ) عن ( زائدة ) عن ( عبد الملك ) عن ( مصعب ) عن أبيه قال تعوذوا بكلمات كان النبي يتعوذ بهن اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من البخل وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري وقيل إسحاق بن راهويه والحسين هو ابن علي بن الوليد الجعفي الكوفي وزائدة هو ابن قدامة أبو الصلت الكوفي وعبد الملك هو ابن عمير ومصعب هو ابن سعد يروي عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى عن قريب في باب التعوذ من البخل ومضى الكلام فيه
5736 - حدثنا ( يحيى بن موسى ) حدثنا ( وكيع ) حدثنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) أن النبي كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمغرم والمأثم اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر ومن شر فتنة المسيح الدجال اللهم إغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله والهرم لأنه فسر بأرذل العمر والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضا عن أبي كريب وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد وقد مضى شرحه

(23/9)


64 -
( باب الاستعاذة من فتنة الغنى )
أي هذا باب في بيان الاستعاذة من فتنة الغنى
6736 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( سلام بن أبي مطيع ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( خالته ) أن النبي كان يتعوذ أللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار وأعوذ بك من فتنة القبر وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال طابقته للترجمة في قوله وأعوذ بك من فتنة الغنى وسلام بتشديد اللام ابن أبي مطيع الخزاعي البصري مات سنة سبع وستين ومائة وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ومعنى الحديث قد سبق
قوله من فتنة النار أريد بها مشاهدتها ولا ثم بعدها العذاب
74 -
( باب التعوذ من فتنة الفقر )
أي هذا باب في بيان التعوذ من الفقر والمراد به الفقر المدقع لأنه يخاف حينئذ من فتنته
7736 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( أبو معاوية ) أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان النبي يقول اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال اللهم إغسل قلبي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم إني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم
مطابقته للترجمة في قوله وفتنة الفقر ومحمد هو إما ابن سلام وإما ابن المثنى وأبو معاوية محمد بن خازم بالمعجمتين وقد سبق شرحه
84 -
( باب الدعاء بكثرة المال مع البركة )
أي هذا باب في بيان الدعاء بكثرة المال مع وجود البركة وسقط هذا الباب في رواية السرخسي
8736 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( قتادة ) عن ( أنس ) عن أم ( سليم ) أنها قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر هو محمد بن جعفر والحديث مضى عن قريب في باب دعوة النبي لخادمه ومضى الكلام فيه هناك
9736 - وعن ( هشام بن زيد ) سمعت أنس بن مالك مثله
هشام بن زيد بن أنس بن مالك يروي عن جده وروى عنه وهو معطوف على رواية قتادة وقال الكرماني وروى هشام بن عروة والأول أصح
قوله مثله أي مثل الحديث المذكور ويروى بمثله بزيادة حرف باء الجر

(23/10)


5 -
( باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة )
أي هذا باب في بيان الدعاء بكثرة الولد مع البركة
0836 - 1836 - حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا رضي الله عنه قال قالت أم سليم أنس خادمك قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها وهو من أهل البصرة مات سنة إحدى عشرة ومائتين وقد سبق الحديث وشرحه
05 -
( باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة )
أي هذا باب في بيان الدعاء بكثرة الولد مع البركة
0836 - 1836 - حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا رضي الله عنه قال قالت أم سليم أنس خادمك قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها وهو من أهل البصرة مات سنة إحدى عشرة ومائتين وقد سبق الحديث وشرحه
05 -
( باب الدعاء عند الاستخارة )
أي هذا باب في بيان الدعاء الذي يدعى به عند الاستخارة أي طلب الخيرة في الشيء وهي استفعال ومنه تقول استخر الله يخر لك والخيرة بوزن العنبة اسم من قولك اختاره الله وقال الجوهري الخيرة الاسم من قولك خار الله لك في هذا الأمر
2836 - حدثنا ( مطرف بن عبد الله أبو مصعب ) حدثنا عبد الرحمان بن أبي الموال عن محمد ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال كان النبي يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن إذا هم بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول اللهم إني استخبرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هاذ الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي وإن كنت تعلم أن هاذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ويسمي حاجته ( انظر الحديث 2611 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وبالفاء ابن عبد الله أبو مصعب بلفظ المفعول الأصم المديني مولى ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية وهو صاحب مالك مات سنة عشرين ومائتين وهو من أفراد البخاري و ( عبد الرحمن بن أبي الموال ) واسمه زيد
والحديث مضى في صلاة الليل في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن عبد الرحمن بن أبي الموال إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله في الأمور كلها يعني في دقيق الأمور وجليها لأنه يجب على المؤمن ردا لأمور كلها إلى الله عز و جل والتبرؤ من الحول والقوة إليه قوله إذا هم فيه حذف تقديره كان النبي يعلمنا الاستخارة ويقول إذ هم أحدكم بالأمر أي إذا قصد الإتيان بفعل أو ترك قوله فليقل جواب إذا المتضمن معنى الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء قوله أستخيرك أي أطلب منك الخيرة ملتبسا بعلمك بخيري وشري ويحتمل أن يكون الباء للاستعانة أو للقسم قوله وأستقدرك أي أطلب القدرة منك أن تجعلني قادرا عليه ويقال استقدر الله خيرا أي أسأله أن يقدر له به وفيه لف ونشر غير مرتب قوله فإنك تقدر ولا أقدر إشارة إلى أن القدرة لله وحده وكذلك العلم له وحده قوله إن كنت تعلم إلى آخره قيل كلمة إن للشك ولا يجوز الشك في كون الله عالما وأجيب بأن الشك في أن علمه متعلق بالخير أو الشر لا في أصل العلم قوله في معاشي زاد أبو داود في روايته ومعادي والمراد بمعاشه حياته وبمعاده آخرته قوله أو قال شك من الراوي أو ترديد منه والمراد بينهما يحتمل أن يكون العاجل والآجل مذكورين بدل الألفاظ الثلاثة وأن يكون بدل الأخيرين قيل كيف يخرج الداعي به قلت المدون التالي هو ج43.وج44.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...