ج45.وج46.عمدة القاري شرح صحيح البخاري بدر الدين العيني{من 6901 - الي7439 }
-------
أولا :
ج45.عمدة القارئ{عمدة القاري شرح صحيح البخاري بدر الدين العيني}
---
6901 - حدثنا
( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ل ( يث ) عن ( ابن شهاب ) أن ( سهل بن سعد الساعدي )
أخبره أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله ومع رسول الله مدرى يحك به رأسه فلما
رآه رسول الله قال لو أعلم أن تنتظرني لطعنت به في عينيك قال رسول الله إنما جعل
الإذن من قبل البصر
انظر الحديث 5924 وطرفه
الكلام في وجه الترجمة مثل الكلام في الحديث السابق والحديث مضى في باب الاستئذان
ومضى الكلام فيه
قوله في جحر بضم الجيم وسكون الحاء وهو البخش أو الشق في الباب قوله في باب رسول
الله وفي رواية الكشميهني من باب رسول الله وكذلك من جحر عنده قوله مذرى بكسر
الميم وسكون الذال المعجمة وبالراء مقصورا منونا حديدة يسوى بها شعر الرأس وقيل هي
شبيهة بالمشط قوله تنتظرني أي تنتظرني يعني ماطعنت لأني كنت مترددا بين نظره ووقفه
غير ناظر قوله من قبل البصر بكسر القاف وفتح الباء الموحدة يعني إنما شرع
الاستئذان في دخول الدار من جهة البصر لئلا يطلع على عورة أهلها وفي رواية
الكشميهني من جهة النظر
6902 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو الزنادد ) عن (
الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال ( أبو القاسم ) لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن
فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح
انظر الحديث 6888
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لم يكن عليك جناح أي حرج
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو الزناد بالزاي والنون
عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمان بن هرمز
قال الكرماني والحديث مضى في باب بدء السلام وليس فيه هذا وقال صاحب التوضيح وقد
سلف في باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان وليس كذلك أيضا وإنما الذي سلف فيه عن
أنس بن مالك وذكره المزي في الأطراف عن البخاري في كتاب الديات ولم يذكر شيئا غيره
قوله فخذفته بالخاء والذال المعجمتين أي رميته قيد بالحصاة لأنه لو رماه بحجر ثقيل
أو سهم مثلا تعلق به القصاص وفي وجه للشافعية لا ضمان مطلقا ولو لم يندفع إلا بذلك
جاز قوله جناح أي خرج كما ذكرنا وعند مسلم من هذا الوجه ما كان عليك من جناح
واستدل به على جواز رمي من يتجسس ولو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل وأنه إن
أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر وذهب المالكية إلى القصاص واعتلوا بأن المعصية لا تدفع
بالمعصية ورد بأن المأذون فيه إذا ثبت الإذن لا يسمى معصية وهل يشترط الإنذار قبل
الرمي فيه وجهان للشافعية قيل يشترط كدفع الصائل وأصحهما لا
24 -
( باب العاقلة )
أي هذا باب في بيان العاقلة وهو جمع عاقل وهو دافع الدية وسميت الدية عقلا تسمية
بالمصدر لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل
على الدية ولو لم يكن إبلا وقيل اشتقاقها من عقل يعقل إذا تحمل فمعناه أنه يحمل
الدية عن القاتل وقيل من عقل يعقل إذا منع ودفع يدفع وذلك أنه كان في الجاهلية كل
من قتل التجأ إلى قومه لأنه يطلب ليقتل فيمنعون عنه القتل فسميت عاقلة أي مانعة
وقال ابن فارس عقلت القتيل أي أعطيت ديته وعقلت عنه إذا التزمت ديته فأديتها عنه
والعاقلة أهل الديوان وهم أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان
وعند مالك والشافعي وأحمد هم أهل العشيرة وهي العصبات وعن بعض الشافعية عاقلة
الرجل من قبل الأب وهم عصبته وقال الكرماني العاقلة أولياء النكاح وقال أصحابنا إن
لم يكن القاتل من أهل الديوان فعاقلته أهل حرفته وإن لم يكن فأهل حلفه
(24/65)
6903 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( ابن عيينة )
حدثنا ( مطرف ) قال سمعت ( الشعبي ) قال سمعت ( أبا جحيفة ) قال سألت عليا رضي
الله عنه هل عندكم شيء ما ليس في القرآن وقال مرة ما ليس عند الناس فقال والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في
الصحيفة قلت وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر
مطابقته للترجمة في قوله العقل وهي الدية وابن عيينة سفيان ومطرف بوزن اسم فاعل من
التطريف بالطاء المهملة ابن طريف بالطاء المهملة أيضا والشعبي هو عامر بن شراحيل
وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبالفاء اسمه وهب بن عبد الله السوائي
والحديث مضى في كتاب العلم في باب كتابة العلم فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن
وكيع عن سفيان عن مطرف الخ
قوله قال مطرف كذا في رواية أبي ذر وفي رواية الباقين حدثنا مطرف وكذا هو في رواية
الحميدي عن ابن عيينة قوله ليس في القرآن أي ما كتبتموه عن النبي سواء حفظتموه أو
لا وليس المراد تعميم كل مكتوب أو مضبوط لكثرة الثابت عن علي رضي الله تعالى عنه
من مرويه عن النبي مما ليس في الصحيفة المذكورة قوله فلق الحب أي شقها قوله وبرأ
النسمة أي خلق الإنسان قوله إلا فهما استثناء منقطع أي لكن الفهم عندنا هو الذي
أعطيه الرجل وقيل حرف العطف مقدر أي وفهم وقد مر في كتاب العلم أنه قال لا إلا
كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو مافي هذه الصحيفة والفهم بالسكون والحركة وهو
ما يفهم من فحوى كلامه ويستدرك من باطن معانيه التي هي غير الظاهر عن نصه ويدخل
فيه جميع وجوه القياس قاله الخطابي قوله يعطى رجل بضم الياء على صيغة المجهول قوله
في كتابه أي في كتاب الله عز و جل قوله قلت القائل هو أبو جحيفة قوله العقل أي
الدية أي أحكام الدية قوله وفكاك الأسير بالكسر والفتح قال الكرماني مر في كتاب
الحج في باب حرم المدينة أن فيها أيضا المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا الحديث
وأجاب بأن عدم التعريض ليس تعرضا للعدم فلا منافاة قوله وأن لا يقتل المسلم بكافر
احتج به عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والثوري وابن شبرمة ومالك والشافعي وأحمد
وإسحاق وأبو ثور على أن المسلم لا يقتل بالكافر وإليه ذهب أهل الظاهر وقال ابن حزم
في المحلى وإن قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا عمدا أو خطأ فلا قود عليه ولا
دية ولا كفارة لكن يؤدب في العمد خاصة ويسجن حتى يتوب كفا لضرره وقال الشعبي
وإبراهيم النخعي ومحمد بن أبي ليلى وعثمان البتي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر
فيما ذكره الرزاي يقتل المسلم بالكافر وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن
مسعود وأجابوا عن ذلك بأن المراد لا يقتل مؤمن بكافر غير ذي عهد وقد بسطنا الكلام
فيه في شرحنا لمعاني الآثار وللطحاوي فليرجع إليه
25 -
( باب جنين المرأة )
أي هذا باب في بيان حكم جنين المرأة والجنين على وزن قتيل حمل المرأة ما دام في
بطنها سمي بذلك لاستتاره فإن خرج حيا فهو ولد وإن خرج ميتا فهو سقط سواء كان ذكرا
أو أنثى ما لم يستهل صارخا
6904 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) وحدثنا ( إسماعيل ) حدثنا (
مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله
عنه أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله فيها بغرة
عبد أو أمة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه عن مالك عن شيخين أحدهما عن عبد الله بن يوسف عنه
والآخر عن إسماعيل بن أبي أويس عنه وسقطت رواية إسماعيل هنا لأبي ذر
ومضى الحديث في الطب عن قتيبة عن مالك وأخرجه مسلم عن يحيى
(24/66)
بن يحيى عن مالك وأخرجه النسائي عن أبي الطاهر عن
مالك
قوله أن امرأتين هما كانتا ضرتين تحت حمل بن مالك بن النابغة الهذلي من هذيل بن
مدركة بن إلياس بن مضر نزل البصرة ذكره مسلم في تسمية من روى عن النبي قلت حمل
بفتح الحاء المهملة والميم ويقال حمله قوله رمت إحداهما الأخرى وفي رواية يونس
وعبد الرحمان بن خالد فرمت إحداهما الأخرى بحجر وزاد عبد الرحمان فأصاب بطنها وهي
حامل وروى أبو داود من طريق حمل بن مالك فضربت إحداهما الأخرى بمسطح وعند مسلم من
طريق عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى
فقتلتها وفي رواية أبي داود من حديث بريدة أن امرأة حذفت امرأة أخرى فطرحت جنينها
وفي رواية عبد الرحمان بن خالد فقتلت ولدها في بطنها وفي رواية يونس فقتلتها قوله
غرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وقال ابن الأثير الغرة العبد نفسه أو الأمة
وأصل الغرة البياض الذي يكون في وجه الفرس وكان أبو عمرو بن العلاء يقول الغرة عبد
أبيض أو أمة بيضاء وسمي غرة لبياضه فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء
وليس ذلك شرطا عند الفقهاء وإنما الغرة عندهم ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد
والإماء قوله عبد أو أمة قال الإسماعيلي قراءة العامة بالإضافة يعني بإضافة الغرة
إلى العبد وغيرهم بالتنوين قلت على هذا الوجه يكون العبد بدلا من الغرة وحكى
القاضي عياض الاختلاف وقال التنوين أوجه لأنه بيان للغرة ما هي وقال الباجي يحتمل
أن يكون أو شكا من الراوي في تلك الواقعة لمخصوصة ويحتمل أن يكون للتنويع وهو
الأظهر وقيل المرفوع من الحديث قوله بغرة وأما قوله عبد أو أمة فمن الراوي وقال
ابن الأثير وقد جاء في بعض الروايات في هذا الحديث بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل
وقيل إن الفرس والبغل غلط من الراوي ثم إن الغرة إنما تجب في الجنين إذا سقط ميتا
وإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة
6905 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن (
المغيرة بن شعبة ) عن ( عمر ) رضي الله عنه أنه استشارهم في إملاص المرأة فقال
المغيرة قضى النبي بالغرة عبد أو أمة قال ائت من يشهد معك فشهد محمد بن مسلمة أنه
شهد النبي قضى به
الحديث 6906 - طرفه في 6908 7318
مطابقته للترجمة ظاهرة ووهيب هو ابن خالد وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن
الزبير
والحديث أخرجه أبو داود في الديات أيضا عن موسى بن إسماعيل عن وهيب
قوله استشارهم أي استشار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفي رواية مسلم عن هشام عن
أبيه عن المسور بن مخرمة استشار الناس قوله في إملاص المرأة بكسر الهمزة وهو إلقاء
المرأة ولدها ميتا وسيجيء في الاعتصام من طريق أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن
المغيرة سأل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن إملاص المرأة وهي التي تضرب
بطنها فتلقي جنينها فقال أيكم سمع من النبي فيه شيئا قوله فقال المغيرة فيه تجريد
لأن السياق يقتضي أن يقول فقلت
قوله فشهد محمد بن مسلمة بفتح الميم واللام الخزرخي البدري الكبير القدر مات سنة
ثلاث وأربعين قوله أنه شهد النبي أي حضره وفي الحديث الذي يأتي قال ائت بمن شهد
معك أي قال النبي للمغيرة بن شعبة ائت من يشهد معك قيل خبر الواحد حجة يجب قبوله
فلم طلب الشاهد وأجيب للتثبيت والتأكيد ومع هذا فشهادته لم تخرج عن خبر الواحد
6907 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( هشام ) عن أبيه أن عمر نشد الناس من سمع
النبي قضي في السقط وقال المغيرة أنا سمعته قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال ائت من
يشهد معك على هاذا فقال محمد بن مسلمة أنا أشهد على النبي بمثل هاذا
انظر الحديث 6906 وطرفه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهذا في حكم الثلاثيات لأن هشاما تابعي
قوله عن أبيه عن عمر هذا صورته
(24/67)
الإرسال لأن عروة لم يسمع عمر لكن تبين من الرواية
السابقة واللاحقة أن عروة حمله عن المغيرة عن عمر وإن لم يصرح به في هذه الرواية
قوله فقال المغيرة كذا في رواية أبي ذر بالفاء وفي رواية غيره بالواو قوله ائت من
يشهد كذا بصيغة الأمر من الإتيان ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني آنت بألف
ممدودة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق بصيغة استفهام المخاطب على إرادة
الاستثبات أي اأنت تشهد ثم استفهمه ثانيا من يشهد معك
قوله بمثل هذا أي بمثل ما شهد المغيرة
6908 - حدثني ( محمد بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن سابق ) حدثنا ( زائدة ) حدثنا
( هشام بن عروة ) عن أبيه أنه سمع ( المغيرة بن شعبة ) يحدث عن ( عمر ) أنه
استشارهم في إملاص المرأة مثله
هذا طريق آخر أخرجه عن محمد بن عبد الله هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي عن
محمد بن سابق الفارسي البغدادي روى عنه البخاري بدون واسطة في باب الوصايا فقط وهو
يروي عن زائدة من الزيادة ابن قدامة بضم القاف الثقفي الخ
قوله مثله أي مثل الحديث المذكور وهو رواية وهيب المذكورة
26 -
( باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد )
أي هذا باب في بيان حكم جنين المرأة وفي بيان أن العقل أي الدية أي دية المرأة
المقتولة على الوالد أي على والد القاتلة وعلى عصبته وذكر لفظ الوالد إشارة إلى ما
ورد في بعض طرق القصة قوله لا على الولد قال ابن بطال يريد أن ولد المرأة إذا لم
يكن من عصبتها لا يعقل عنها لأن العقل على العصبة دون ذوي الأرحام ولذلك لا تعقل
الإخوة من الأم قال ومقتضى الخبر أن من يرثها لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها
ثم قال قال ابن المنذر وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور وكل من أحفظ عنهم
6909 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن
المسيب ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد
أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله أن ميراثها
لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها
قيل لا مطابقة بين الترجمة والحديث لأنه ليس فيه إيجاب العقل على الوالد وأجيب بأن
لفظ الوالد قد ورد في بعض طرق الحديث وعادته أنه يترجم بمثل هذا
وأخرجه عن عبد الله بن يوسف عن الليث بن سعد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخ
وقد مضى في الفرائض عن قتيبة ومضى الكلام فيه
قوله من بني لحيان بكسر اللام وسكون الحاء المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وهم
بطن من هذيل فلا منافاة بينه وبين قوله فيما تقدم إنها من هذيل قوله بغرة عبد أو
أمة بالإضافة أو الوصف كما ذكرناه عن قريب واختلفوا لمن تكون هذه الغرة فذكر ابن
حبيب أن مالكا اختلف فيه قوله فمرة قال إنها لأمه وهو قول الليث ومرة قال إنها بين
الأبوين الثلثان للأب والثلث للام وهو قول أبي حنيفة والشافعي قوله وأن العقل أي
الدية أي وقضى أن عقل المرأة التي توفيت على عصبتها وهي التي قضى عليها بالغرة هي
المتوفاة حتف أنفها
6910 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب )
عن ( ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال
اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلتها وما في بطنها فاختصموا
إلى النبي فقضى أن دية جنينها
(24/68)
غرة عبد أو وليدة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها
هذا وجه آخر في حديث أبي هريرة المذكور وأخرجه عن أحمد بن صالح أبي جعفر المصري
عبد الله بن وهب المصري عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
سلمة بن عبد الرحمان بن عوف إلى آخره
قوله وما في بطنها أي وقتل ما في بطن المرأة وهو الجنين قوله غرة بالرفع لأنه خبر
إن واسمها قوله دية جنينها قوله على عاقلتها هي عصبتها
27 -
( باب من استعان عبدا أو صبيا )
أي هذا باب في بيان من استعان من الاستعانة وهي طلب العون هكذا في رواية الأكثرين
استعان بالنون وفي رواية النسفي والإسماعيلي استعار بالراء من الاستعارة وهي طلب
العارية ووجه ذكر هذا الباب في كتاب الديات هو أنه إذا هلك العبد في الاستعمال تجب
الدية واختلفوا في دية الصبي وفي التوضيح إن استعان حرا بالغا متطوعا أو بإجارة
وأصابه شيء فلا ضمان عليه عند الجميع إن كان ذلك العمل لا غرر فيه وإنما يضمن من
جنى وتعدى واختلف إذا استعمل عبدا بالغا في شيء فعطب فقال ابن القاسم إن استعمل
عبدا في بئر يحفرها ولم يأذن له سيده في الإجارة فهو ضامن إن عطب وذلك إذا بعثه
إلى سفر بكتاب وروى ابن وهب عن مالك لا ضمان عليه سواء أذن له سيده في الإجارة أو
لم يأذن مما أصاب إلا أن يستعمله في غرر كبير لأنه لم يؤذن له فيه
ويذكر أن أم سلمة بعثت إلى معلم الكتاب ابعث إلي غلمانا ينفشون صوفا ولا تبعث إلي
حرا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأم سلمة زوج النبي واسمها هند قوله قوله معلم الكتاب وفي
رواية النسفي معلم كتاب وهو بضم الكاف وتشديد التاء قال الجوهري الكتاب الكتبة
والكتاب أيضا والمكتب واحد والجمع الكتاتيب والمكاتب قوله ينفشون بالفاء من نفشت
القطن أو الصوف أنفشه نفشا وعهن منفوش قوله ولا تبعث إلي بكسر الهمزة وتشديد الياء
كذا في رواية الجمهور وذكره ابن بطال بلفظ إلا التي هي حرف الاستثناء وشرحه على
ذلك وهذا عكس معنى رواية الجمهور واشتراط أم سلمة أن لا يرسل إليها حرا لأن
الجمهور قائلون بأن من استعان صبيا حرا لم يبلغ أو عبدا بغير إذن مولاه فهلكا في
ذلك العمل فهو ضامن لقيمة العبد ولدية الصبي الحر على عاقلته وقال الداودي يحتمل
فعل أم سلمة لأنها أمهم وقال الكرماني ولعل غرضها من منع الحر إكرام الحر وإيصال
العوض لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا يضمنه بخلاف العبد فإن الضمان عليها
لو هلك به وهذا التعليق رواه وكيع بن الجراح عن معمر عن سفيان عن ابن المنكدر عن
أم سلمة وهو منقطع لأن محمد بن المنكدر لم يسمع من أم سلمة فلذلك ذكره البخاري
بصيغة التمريض
6911 - حدثنا ( عمرو بن زرارة ) أخبرنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) عن ( عبد العزيز )
عن ( أنس ) قال لما قدم رسول الله المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول
الله فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في الحضر والسفر
فوالله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هاذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه قوله لم لم تصنع
هذا هاكذا
انظر الحديث 2768 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن الخدمة مستلزمة للاستعانة فيطابق الجزء الأخير من
الترجمة
وعمرو بن زرارة بضم الزاي وفتح الراء الأولى النيسابوري وإسماعيل بن إبراهيم هو
ابن علية وعبد العزيز هو ابن صهيب
والحديث مضى في الوصايا عن يعقوب بن إبراهيم ومضى الكلام فيه
قوله حدثنا عمرو وفي بعض النسخ حدثني بالإفراد قوله أخذ
(24/69)
أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم رضي
الله تعالى عنها قوله كيس بفتح الكاف وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وبالسين
المهملة أي طريف وقيل أي عاقل والكيس خلاف الأحمق قوله فليخدمك بضم الميم
وفيه حسن خلق النبي وأنه ما اعترض عليه لا في فعل ولا في ترك
28 -
( باب المعدن جبار والبئر جبار )
أي هذا باب يذكر فيه المعدن جبار بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة أي هدر لا شيء
فيه ومعنى المعدن جبار هو أن يحفر معدنا في موات أو في ملكه فيهلك فيه الأجير أو
غيره ممن يمر به فلا ضمان عليه في ذلك وقال الترمذي المعدن جبار إذا احتفر الرجل
معدنا فوقع فيها إنسان فلا غرم عليه ذكره في تفسير حديث الباب قوله والبئر جبار
يعني إذا احتفر بئر للسبيل في ملك أو موات فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها
ويقال المراد بالبئر هنا العادية القديمة التي لا يعلم لها مالك تكون في البادية
فيقع فيها إنسان أو دابة فلا شيء في ذلك على أحد
6912 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( سعيد
بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال العجماء
جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس
مطابقته للترجمة من حيث إن الترجمة بعض الحديث وهذا الحديث أخرجه بقية الأئمة
السنة فمسلم عن يحيى بن يحيى وغيره وأبو داود عن مسدد والترمذي عن أحمد بن منيع
والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ببعضه وعن هشام بن
عمار ومحمد بن ميمون بباقيه وكلهم قالوا فيه عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وهكذا
قال الإمام مالك بن أنس وخالفهم يونس بن يزيد فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة كلاهما عن أبي هريرة رواه كذلك مسلم والنسائي وقول
الليث ومالك أصح ويجوز أن يكون ابن شهاب الزهري سمعه من الثلاثة جميعا
قوله العجماء مبتدأ أو قوله جرحها بدل منه وخبره قوله جبار والجرح هنا بفتح الجيم
مصدر والجرح بالضم اسم قال القاضي إنما عبر بالجرح لأنه الأغلب أو هو مثال منه على
ما عداه وأما الرواية التي لم يذكر فيها لفظ الجرح فمعناه إتلاف العجماء بأي وجه
كان بجرح أو غيره جبار أي هدر لا شيء فيه والعجماء تأنيث الأعجم وهي البهيمة وقال
الترمذي فسره بعض أهل العلم فقالوا العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت
في انفلاتها فلا غرم على صاحبها انتهى واحتج به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على
أنه لا ضمان فيما أتلفته البهائم مطلقا سواء فيه الجرح وغيره وسواء فيه الليل
والنهار وسواء كان معها أو لا إلا أن يحملها الذي معها على الإتلاف أو يقصده
فحينئذ يضمن لوجود التعدي منه وهو قول داود وأهل الظاهر وقال مالك والشافعي وأحمد
إن كان معها أحد من مالك أو مستأجر أو مستعير أو مودع أو وكيل أو غاصب أو غيرهم
وجب عليه ضمان ما أتلفته وحملوا الحديث على ما إذ لم يكن معها أحد فأتلفت شيئا
بالنهار أو انفلتت بالليل بغير تفريط من مالكها فأتلفت شيئا وليس معها أحد وأجاب
أصحاب أبي حنيفة بأن الحديث مطلق عام فوجب العمل بعمومه وأما التعدي فخارج عنه
قوله والبئر جبار قد مر تفسيره آنفا وفي رواية مسلم والبئر جرحها جبار والمراد
بجرحها ما يحصل للواقع فيها من الجراحة وقال ابن العربي اتفقت الروايات المشهورة
على التلفظ بالبئر وجاءت رواية شاذة بلفظ النار جبار بنون وألف ساكنة قبل الراء
ومعناه عندهم أن من استوقد نارا مما يجوز له فتعدت حتى أتلفت شيئا فلا ضمان عليه
قال وقال بعضهم صحفها بعضهم لأن أهل اليمن يكتبون النار بالياء لا بالألف فظن
بعضهم البئر بالباء الموحدة النار بالنون فرواها كذلك قوله والمعدن جبار قد مر
تفسيره قوله وفي الركاز الخمس بكسر الراء وهو ما وجد من دفن الجاهلية مما تجب فيه
الزكاة من ذهب أو فضة أي مقدار ما تجب فيه الزكاة وهو النصاب فإنه يجب فيه الخمس
على سبيل الزكاة الواجبة كذا
(24/70)
قال شيخنا في شرح الترمذي ثم قال هذا عند جمهور
العلماء وهو قول مالك والشافعي وأحمد وفيه حجة على أبي حنيفة وغيره من العراقيين
حيث قالوا الركاز هو المعدن وجعلوهما لفظين مترادفين وقد عطف الشارع أحدهما على
الآخر وذكر لهذا حكما غير الحكم الذي ذكره في الأول انتهى قلت المعدن هو الركاز
فلما أراد أن يذكر له حكما آخر ذكره بالاسم الآخر وهو الركاز ولو قال وفيه الخمس
بدون أن يقول وفي الركاز الخمس لحصل الالتباس باحتمال عود الضمير إلى البئر وقد
أورد أبو عمر في التمهيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وقال النبي
في كنز وجده رجل إن كنت وجدته في قرية مسكونة أو في غير سبيل أو في سبيل ميتاء
فعرفه وإن كنت وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو في غير سبيل ميتاء
ففيه وفي الركاز الخمس وقال القاضي عياض وعطف الركاز على الكنز دليل على أن الركاز
غير الكنز وأنه المعدن كما يقوله أهل العراق فهو حجة لمخالف الشافعي وقال الخطابي
الركاز وجهان فالمال الذي يوجد مدفونا لا يعلم له مالك ركاز وعروق الذهب والفضة
ركاز قلت وعن هذا قال صاحب الهداية الركاز يطلق على المعدن وعلى المال المدفون
وقال أبو عبيد الهروي اختلف في تفسير الركاز أهل العراق وأهل الحجاز فقال أهل
العراق هي المعادن وقال أهل الحجاز هي كنوز أهل الجاهلية وكل محتمل في اللغة والأصل
فيه قولهم ركز في الأرض إذا ثبت أصله
29 -
( باب العجماء جبار )
أي هذا باب يذكر فيه العجماء جبار وإنما أعاد ذكر هذا بترجمة أخرى لما فيها من
التفاريع الزائدة على البئر والمعدن
وقال ابن سيرين كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان
أي قال محمد بن سيرين كانوا أي العلماء من الصحابة والتابعين لا يضمنون بالتشديد
من التضمين من النفحة بفتح النون وسكون الفاء وبالحاء المهملة وهي الضربة بالرجل
يقال نفحت الدابة إذا ضربت برجلها ويضمنون من رد العنان بكسر العين المهملة وتخفيف
النون وهو ما يوضع في فم الدابة ليصرفها الراكب لما يختار وذلك لأن في الأول لا
يمكنه التحفظ بخلاف الثاني وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن هشيم حدثنا ابن عون
عن محمد بن سيرين
وقال حماد لا تضمن النفحة إلا أن ينخس إنسان الدابة
أي قال حماد بن أبي سليمان الأشعري واسم أبي سليمان مسلم قوله لا تضمن على صيغة
المجهول والنفحة مرفوع به لأنه مفعول قام مقام الفاعل قوله إلا أن ينخس بضم الخاء
المعجمة وفتحها وكسرها من النخس وهو غرز مؤخر الدابة أو جنبها بعود ونحوه
وقال شريح لا تضمن ما عاقب أن يضربها فتضرب برجلها
أي قال شريح بن الحارث الكندي القاضي المشهور قوله ما عاقب يروى بالتذكير والتأنيث
فالمعنى على التذكير لا يضمن ضارب الدابة ما دام في تعاقبها بالضرب وهي أيضا تضرب
برجلها على سبيل المعاقبة أي المكافأة منها وأما على معنى التأنيث فقوله لا تضمن
أي الدابة بإسناد الضمان إليها مجازا والمراد ضاربها قوله أن يضربها قال الكرماني
أن يضربها فتضرب برجلها إما مجرور بجار مقدر أي بأن يضربها أو مرفوع خبر مبتدأ
محذوف أي بأن يضربها أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي وهو أن يضربها وفي قول شريح هذا
قلاقة قل من يفسرها كما ينبغي وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة من طريق محمد بن سيرين
عن شريح قال يضمن السائق والراكب ولا تضمن الدابة إذا عاقبت قلت وما عاقبت قال إذا
ضربها رجل فأصابته
(24/71)
وقال الحكم وحماد إذا ساق المكاري حمارا عليه امرأة
فتخر لا شيء عليه
الحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الدار وحماد هو ابن أبي سليمان قوله فتخر
بالخاء المعجمة أي فتسقط لا شيء عليه أي على المكاري أي لا ضمان
وقال الشعبي إذا ساق دابة فأتعبها فهو ضامن لما أصابت وإن كان خلفها مترسلا لم
يضمن
الشعبي هو عامر بن شراحيل الكوفي ونسبته إلى شعب من همدان أدرك غير واحد من
الصحابة ومات أول سنة ست ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة قوله فأتعبها من الإتعاب
ويروى فاتبعها من الإتباع قوله خلفها أي وراءها ويروى خلفها بتشديد اللام بماضي
التفعيل قوله مترسلا نصب على أنه خبر كان أي متسهلا في السير موقوفا بها لا يسوقها
ولا يبعثها لم يضمن شيئا مما أصابته ووصله ابن أبي شيبة من طريق إسماعيل بن سالم
عن عامر الشعبي فذكره
6913 - حدثنا ( مسلم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( محمد بن زياد ) عن ( أبي هريرة ) رضي
الله عنه عن النبي قال العجماء عقلها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز
الخمس
مطابقته للترجمة ظاهرة ومسلم هو ابن إبراهيم الأزدي القصاب البصري ومحمد بن زياد
من الزيادة بتخفيف الياء الجمحي بضم الجيم البصري
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وعن ابن بشار عن شعبة
قوله عقلها أي ديتها قيل جرحها هدر لا ديتها وأجيب بأنهما متلازمان إذ معناه لا
دية لها
30 -
( باب إثم من قتل ذميا بغير جرم )
أي هذا باب في بيان إثم من قتل ذميا بغير موجب شرعي لقتله
6914 - حدثنا ( قيس بن حفص ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الحسن ) حدثنا ( مجاهد
) عن ( عبد الله بن عمرو ) عن النبي قال من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة
وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما
انظر الحديث 3166
مطابقته للترجمة غير ظاهرة لأن الترجمة بالذمي وهو كتابي عقد معه عقد الجزية وأجاب
الكرماني بأن المعاهد أيضا ذمي باعتبار أن له ذمة المسلمين وفي عهدهم والذمي أعم
من ذلك
وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري وهو من أفراد البخاري مات سنة تسع وعشرين
ومائتين وعبد الواحد هو ابن زياد والحسن هو ابن عمرو الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف
والحديث مضى في الجزية عن قيس أيضا وأخرجه ابن ماجه في الديات عن أبي كريب
قوله معاهدا ويروى معاهدة وهو الظاهر لأن التأنيث باعتبار النفس والأول باعتبار
الشخص ويجوز فتح الهاء وكسرها والمراد به من له عهد بالمسلمين سواء كان بعقد جزية
أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم قوله لم يرح بفتح الراء وكسرها أي لم يجد رائحة
الجنة ولم يشمها وزعم أبو عبيد أنه يقال يرح ويرح أي بالضم من أرحت وعند الهروي
يروى بثلاثة أوجه يرح يرح يرح وقال الجوهري راح الشيء يراحه ويريحه أي وجد ريحه
وقال الكرماني المؤمن لا يخلد في النار وأجاب بأنه لم يجد أول ما يجدها سائر
المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر وهو وعيد تغليظا ويقال ليس على الحتم والإلزام
وإنما هذا لمن أراد الله عز و جل إنفاذ الوعيد فيه قوله يوجد على صيغة المجهول
ويروى ليوجد باللام المفتوحة والأول رواية الكشميهني قوله أربعين عاما كذا وقع في
رواية الجميع ووقع في رواية عمرو بن عبد الغفار عن الحسن بن عمرو سبعين عاما هذا
في رواية الإسماعيلي ومثله في حديث أبي هريرة عند الترمذي من طريق محمد بن عجلان عن
أبيه عنه ولفظه وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا وفي الأوسط للطبراني من طريق
محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ من مسيرة مائة عام
(24/72)
وللطبراني عن أبي بكرة خمسمائة عام وفي حديث لجابر
ذكره صاحب الفردوس إن ريح الجنة يدرك من مسيرة ألف عام وهذا اختلاف شديد وتكلم
الشراح في هذا كلاما كثيرا غالبه بالتعسف وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي إن
الجمع بين هذه الروايات باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم وقال الكرماني
يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصودا بل المقصود المبالغة والتكثير
31 -
( باب لا يقتل المسلم بالكافر )
أي هذا باب يذكر فيه لا يقتل المسلم بمقابلة الكافر
6915 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( مطرف ) أن ( عامرا ) حدثهم
عن ( أبي جحيفة ) قال قلت لعلي وحدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة حدثنا مطرف
قال سمعت الشعبي يحدث قال سمعت أبا جحيفة قال سألت عليا رضي الله عنه هل عندكم شيء
مما ليس في القرآن وقال ابن عيينة مرة ما ليس عند الناس فقال والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة قلت
وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وزهير هو
ابن معاوية الكوفي ومطرف بتشديد الراء المكسورة بن طريف على وزن كريم الكوفي وعامر
بن شراحيل الشعبي وأبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله
السوائي
والحديث مضى عن قريب في باب العاقلة فإنه أخرجه هناك عن صدقة بن الفضل عن سفيان بن
عتبة عن مطرف الخ وقد وقع في بعض النسخ هنا حدثنا صدقة بن الفضل الخ بعد قوله
حدثنا أحمد بن يونس قيل الصواب أن طريق أحمد بن يونس تقدم في الجزية قلت وقد تقدم
في باب العاقلة كما ذكرنا الآن عن صدقة بن الفضل وتقدم في كتاب العلم عن محمد بن
سلام
قوله وقال ابن عيينة هو سفيان بن عيينة في بعض النسخ قال أحمد عن سفيان بن عيينة
أي قال أحمد بن يونس الراوي عن سفيان بالسند المذكور وقد مضى الكلام فيه غير مرة
32 -
( باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب )
أي هذا باب في بيان ما إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب ماذا يكون حكمه ولم يذكره
ولكن تقديره لم يجب عليه شيء لأنه لم يذكر في حديث الباب القصاص فلو كان فيه قصاص
لبينه وهو قول جماعة الفقهاء وفي التوضيح هذه المسألة إجماعية لأن الكوفيين لا
يرون القصاص في اللطمة ولا الأدب إلا أن يجرحه ففيه الأرش
ورواه أبو هريرة عن النبي
أي روى أبو هريرة حديث لطم المسلم اليهودي عن النبي وقد تقدم موصولا في قصة موسى
في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومضى شرحه هناك
6916 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن عمرو بن يحياى عن أبيه عن أبي سعيد
عن النبي قال لا تخيروا بين الأنبياء
المطابقة بين الترجمة وبين هذا الحديث في تمامه فإنه أخرجه مختصرا وتمامه جاء رجل
من اليهود فقال يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك الحديث قال لا تخيروا بين
الأنبياء ويجيء أيضا في الحديث الذي يليه
وكذا أخرجه أبو داود
(24/73)
مختصرا نحوه وقد مضى في الأشخاص عن موسى بن وهيب وفي
التفسير وفي أحاديث الأنبياء وفي التوحيد على ما سيجيء عن محمد بن يوسف وأخرجه
مسلم في أحاديث الأنبياء عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه هنا عن أبي نعيم
الفضل بن دكين عن سفيان الثوري عن ( عمرو بن يحيى ) بن عمارة بن أبي الحسن المازني
الأنصاري المدني عن أبيه يحيى عن ( أبي سعيد ) سعد بن مالك سنان الخدري
قوله لا تخيروا أي لا تقولوا بعضهم خير من بعض فإن قلت سيدنا محمد أفضلهم لأنه قال
أنا سيد ولد آدم قلت قال ذلك تواضعا أو يقال قال ذلك قبل علمه بأنه أفضل وقيل
معناه لا تخيروا بحيث يلزم نقص على الآخر أو بحيث يؤدي إلى الخصومة
6917 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن يحياى المازني ) عن
أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) قال جاء رجل من اليهود إلى النبي قد لطم وجهه فقال يا
محمد إن رجلا من أصحابك من الأنصار قد لطم في وجهي قال ادعوه فدعوه قال لم لطمت
وجهه فقال قال يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول والذي اصطفى موسى على
البشر قال قلت وعلى محمد قال فأخذتني غضبة فلطمته قال لا تخيروني من بين الأنبياء
فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من
قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة الطور
هذا طريق آخر في حديث أبي سعيد بأتم من الطريق الأول الذي أورده مختصرا وقد ذكرنا
المواضع التي مضى فيها
قوله جاء رجل قوله قد لطم على صيغة المجهول وهي جملة حالية قوله إن رجلا قوله لم
لطمت وجهه ويروى ألطمت بهمزة الاستفهام قوله قال قلت وعلى محمد ويروى فقلت أعلى
محمد بهمزة الاستفهام قوله لا تخيروني قد مر تفسيره الآن قوله يصعقون من صعق إذا
غشي عليه من الفزع ونحوه قوله فإذا أنا كلمة إذا للمفاجأة قوله بآخذ اسم فاعل من
أخذ قوله بقائمة هي كالعمود للعرش وفيه أن العرش جسم وأنه ليس بعلم كما قال سعيد
بن جبير لأن القائمة لا تكون إلا جسما قوله فلا أدري أفاق قبلي قد مر في كتاب
الخصومات لا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله أي في قوله تعالى ونفخ في
الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم
قيام ينظرون والتلفيق بينهما أن المستثنى قد يكون نفس موسى عليه السلام ولا أدري
أي هذه الثلاثة الإفاقة أو الاستثناء أو المجازاة كان قوله جزي بضم الجيم وكسر
الزاي هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره جوزي بالواو بعد الجيم قال بعضهم هو
أولى قلت لم يقم دليل على الأولولية وقال الجوهري جزيته بما صنع وجازيته بمعنى فلا
تفاوت بينهما
( كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم )
أي هذا كتاب في بيان استتابة المرتدين أي الجائرين عن القصد الباغين الذين يردون
الحق مع العلم به كذا في رواية الفربري وسقط لفظ كتاب في رواية المستملي وفي رواية
النسفي كتاب المرتدين ثم ذكر التسمية ثم قال باب استتابة المرتدين والمعاندين وإثم
من أشرك الخ قوله والمعاندين كذا في رواية الأكثرين بالنون وفي رواية الجرجاني
بالهاء بدل النون
(24/74)
1 -
( باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة )
أي هذا باب في ذكر إثم من أشرك بالله الخ وفي رواية القابسي حذف لفظ باب وقوله إثم
من أشرك بالله بعد قوله وقتالهم
قال الله تعالى وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم
عظيم
ذكر الآية الأولى لأنه لا إثم أعظم من الشرك وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه
فالمشرك أصل من وضع الشيء في غير موضعه لأنه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود
مساويا فنسب النعمة إلى غير المنعم بها وأما الآية الثانية فإنه خوطب بها النبي
ولكن المراد غيره والإحباط المذكور مقيد بالموت على الشرك لقوله تعالى يسألونك عن
الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدعن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام
وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى
يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولائك حبطت
أعمالهم في الدنيا والأخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ووقع في بعض النسخ
ولئن أشركت ليحبطن عملك بالواو فيه لعطف هذه الآية على الآية التي قبلها تقديره
وقال الله تعالى لئن أشركت
حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة
) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال لما نزلت هاذه الآيةالذين ءامنوا ولم بلبسوا
إيمانهم بطلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون شق ذالك على أصحاب النبي وقالوا أينا لم
يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله إنه ليس بذاك ألا تسمعون إلى قول لقمان وإذ قال
لقمان لابنه وهو يعظه يبني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم للعبيد
مطابقته للترجمة ظاهرة وجرير بفتح الجيم هو ابن عبد الحميد الرازي أصله من الكوفة
والأعمش هو سليمان يروي عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب ظلم دون ظلم ومضى الكلام فيه
قوله إنه ليس بذاك ويروى بذلك أي بالظلم مطلقا بل المراد به ظلم عظيم يدل عليه
التنوين وهو الشرك فإن قلت كيف يجتمع الإيمان والشرك قلت كما اجتمع في الذين قالوا
هؤلاء الآلهة شفعاؤنا عند الله الكبير وآمنوا بالله وأشركوا به
6919 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( بشر بن المفضل ) حدثنا ( الجريري ) وحدثني ( قيس بن
حفص ) حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) أخبرنا ( سعيد الجريري ) حدثنا ( عبد الرحمان
بن أبي بكرة ) عن أبيه رضي الله عنه قال قال النبي أكبر الكبائر الإشراك بالله
وعقوق الوالدين وشهادة الزورر وشهادة الزور ثلاثا أو قول الزور فما زال يكررها حتى
قلنا ليته سكت
مطابقته للترجمة في قوله الإشراك بالله
والجريري بضم الجيم وفتح الراء مصغر الجر نسبة إلى جرير بن عباد بضم العين وتخفيف
الباء الموحدة واسمه سعيد بن إياس البصري وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن علية
وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة
والحديث قد مضى في الشهادات وفي كتاب الأدب في عقوق الوالدين ومضى الكلام فيه
قوله أو قول الزور شك من الراوي قوله ليته سكت قيل تمنوا سكوته وكلامه لا يمل منه
عليه الصلاة و السلام وأجيب بأنهم أرادوا استراحته وما ورد من قوله القتل من أكبر
الكبائر وكذا الزنا ونحوه فوارد في كل مكان بمقتضى المقام وما يناسب حال الحاضرين
لذلك المقام
(24/75)
6920 - حدثني ( محمد بن الحسين بن إبراهيم ) أخبرنا (
عبيد الله بن موسى ) أخبرنا ( شيبان ) عن ( فراس ) عن ( الشعبي ) عن ( عبد الله بن
عمرو ) رضي الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي فقال يا رسول الله ما الكبائر قال
الإشراك بالله قال ثم ماذا قال ثم عقوق الوالدين قال ثم ماذا قال اليمين الغموس
قلت وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع مال امرىء مسلم هو فيها كاذب
انظر الحديث 6675 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله الإشراك بالله
وعبيد الله هو ابن موسى العبسي الكوفي وهو أحد مشايخ البخاري روى عنه في الإيمان
بلا واسطة وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالسين
المهملة ابن يحيى المكتب والشعبي هو عامر بن شراحيل وعبد الله بن عمرو بن العاص
والحديث مضى في النذور عن محمد بن مقاتل وفي الديات عن ابن بشار عن غندر ومضى
الكلام فيه
قوله الإشراك بالله قيل هو مفرد كيف طابق السؤال بلفظ الجمع وأجيب بأنه لما قال ثم
ماذا علم أنه سائل عن أكثر من الواحد وقيل فيه مضاف مقدر تقديره ما أكبر الكبائر
قيل قد تقدم في أول كتاب الديات قريبا أنه قال ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك
وأجيب لعل حال ذلك السائل يقتضي تغليظ أمر القتل والزجر عنه وحال هذا تغليظ أمر
العقوق قوله الغموس أي يغمس صاحبها في الإثم أو النار قوله يقتطع أي يأخذ قطعة من
ماله لنفسه وهو على سبيل المثال وأما حقيقتها فهي اليمين الكاذبة التي يتعمدها
صاحبها عالما أن الأمر بخلافه قوله قلت قال الكرماني إما لعبد الله وإما لبعض
الرواة عنه
6921 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) حدثنا ( سفيان ) عن ( منصور والأعمش ) عن ( أبي وائل
) عن ( ابن مسعود ) رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في
الجاهلية قال من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في
الإسلام أخذ بالأول والآخر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر لأن منهم من
قال المراد بالإساءة في الإسلام الارتداد من الدين فيدخل في قوله في إثم من أشرك
بالله
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي
سكن مكة وسفيان الثوري ومنصور هو ابن المعتمر والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن
سلمة
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان عن جرير
قوله أؤاخذ الهمزة فيه للاستفهام ونؤاخذ على صيغة المجهول من المؤاخذة يقال فلان
أخذ بذنبه أي حبس وجوزي عليه وعوقب به قوله من أحسن في الإسلام الإحسان في الإسلام
الاستمرار على دينه وترك المعاصي قوله ومن أساء الإساءة في الإسلام الارتداد عن
دينه قوله أخذ بالأول أي بما عمل في الكفر قوله والآخر أي بما عمل في الإسلام وقال
الخطابي ظاهره خلاف ما أجمع عليه الأمة من أن الإسلام يجب ما قبله وقال تعالى قل
للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد نضت سنت الأولين
وتأويله أن يعير بما كان منه في الكفر ويبكت به كأنه يقال له أليس قد فعلت كذا
وكذا وأنت كافر فهلا منعك إسلامك من معاودة مثله إذا أسلمت ثم يعاقب على المعصية
التي اكتسبها أي في الإسلام وقال الكرماني يحتمل أن يكون معنى أساء في الإسلام ألا
يكون صحيح الإسلام أو لا يكون إيمانه خالصا بأن يكون منافقا ونحوه
2 -
( باب حكم المرتد والمرتدة )
أي هذا باب في بيان حكم الرجل المرتد وحكم المرأة المرتدة هل حكمهما سواء أم لا
(24/76)
وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم تقتل المرتدة
أي قال عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلم الزهري وإبراهيم النخعي تقتل المرأة المرتدة
فعلى هذا لا فرق بين المرتد والمرتدة بل حكمهما سواء وأثر ابن عمر أخرجه ابن أبي
شيبة عن وكيع عن سفيان عن عبد الكريم عمن سمع ابن عمر وقال صاحب التلويح ينظر في
جزم البخاري به على قول من قال المجزوم صحيح وأثر الزهري وصله عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري في المرأة تكفر بعد إسلامها قال تستتاب فإن تابت وإلا قتلت وأثر إبراهيم
أخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم مثله
واختلف النقلة عن إبراهيم فإن قلت أخرج ابن أبي شيبة عن حفص عن عبيدة عن إبراهيم
لا تقتل قلت عبيدة ضعيف فالأول أولى وروى أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه عن عاصم عن
أبي ذر عن ابن عباس لا تقتل النساء إذا هن ارتددن
واستتابتهم
كذا ذكره بعد ذكر الآثار المذكورة وفي رواية أبي ذر ذكره قبلها وفي رواية القابسي
واستتابتهما بالتثنية على الأصل لأن المذكور اثنان المرتد والمرتدة وأما وجه الذكر
بالجمع فقال بعضهم جمع على إرادة الجنس قلت هذا ليس بشيء بل هو على من يرى إطلاق
الجمع على التثنية كما في قوله تعالى إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن
تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجيريل وصالح المؤمنين والملاكة بعد ذلك طهير
والمراد قلباكما
وقال الله تعالى إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم
وأولائك هم الضآلون إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض
ذهبا ولو افتدى به أولائك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم كل الطعام كان حلا لبنى
إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة
فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولائك هم الظالمون
قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين إن أول بيت وضع للناس
للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين
آل عمران86 - 90
هذه خمس آيات متواليات من سورة آل عمران في رواية أبي ذر قال الله تعالى
إلى آخرها وفي رواية القابسي بعد قوله حق إلى قولهإن تقبل توبته وؤولئك هم
الظالمون وساق في رواية كريمة والأصيلي ما حذف من الآية لأبي ذر وقال ابن جرير
بإسناده إلى عكرمة عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد وأخفى الشرك
ثم ندم فأرسل إلى قومه أرسلوا إلى رسول الله هل لي من توبة قال فنزلت إلى قوله
غفور رحيم فأرسل إليه قومه فأسلم وهكذا رواه النسائي وابن حبان والحاكم من طريق
داود بن أبي هند به وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه قوله وجاءهم البينات أي
قامت عليهم الحجج والبراهين على ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى
ظلمة الشرك فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية ولهذا قال والله
لا يهدي القوم الظالمين قولهخالدين فيها أي في اللعنة قولهإلا الذين تابوا الآية
هذا من لطفه ورحمته ورأفته على خلقه أنه من تاب إليه تاب عليه قوله إن الذين
كفرواالآية توعد من الله وتهدد لمن كفر بعد إيمانه قوله ثم ازدادوا كفروا يعني
استمروا عليه إلى الممات لا تقبل لهم توبة عند مماتهم قولهوأولئك هم الظالمون
الخارجون عن منهج الحق إلى طريق الغي
وقاليااأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد
إيمانكم كافرين هذه الآية في سورة آل عمران أيضا يحذر الله تعالى عباده المؤمنين
عن أن يطيعوا فريقا أي طائفة من الذين أوتوا
(24/77)
الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من
فضله وما منحهم به من إرسال رسوله وقال عكرمة هذه الآية نزلت في شماس بن قيس
اليهودي دس على الأنصار من ذكرهم بالحروب التي كانت بينهم فكادوا يقتتلون فأتاهم
النبي فذكرهم فعرفوا أنها من الشيطان فتعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا سامعين مطيعين
فنزلت وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس موصولا
وقال الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرالم يكن الله ليغفر
لهم ولا ليهديهم سبيلا
هذه الآية الكريمة في سورة النساء وسيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة وفي رواية
أبي ذر هكذا إن الذين آمنوا ثم كفروا إلى سبيلا وفي رواية النسفي ثم كفروا ثم
آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا الآية أخبر الله تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع
واستمر على ضلالته وازداد حتى مات بأنه لا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه
فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى ولهذا قال لم يكن الله ليغفر لهم وروى ابن أبي
حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال
يستتاب المرتد ثلاثا ثم تلى هذه الآيةإن الذين آمنوا الآية
وقالياأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم
ذلك فضل الله يؤتيه لمن يشاء والله واسع عليم
هذه الآية الكريمة في المائدة ساقها بتمامها في رواية كريمة وأولها يا أيها الذين
آمنوا من يرتد الآية ووقع في رواية أبي ذر من يرتدد بفك الإدغام وهي قراءة ابن
عامر ونافع ويقال إن الإدغام لغة تميم والإظهار لغة الحجاز وقال محمد بن كعب
القرظي نزلت في الولاة من قريش وقال الحسن البصري نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر
الصديق قولهبقوم يحبهم ويحبونه قال الحسن هو والله أبو بكر وأصحابه رواه ابن أبي
حاتم وقال أبو بكر بن أبي شيبة سمعت أبا بكر بن عياش يقول هم أهل القادسية وعن
مجاهد هم قوم من سبأ وقال ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس قال ناس من أهل اليمن
ثم من كندة ثم من السكون قوله أذلة جمع ذليل وضمن الذل معنى الحنو والعطف فلذلك
قيل أذلة على المؤمنين كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع وقرىء أذلة
وأعزة بالنصب على الحال
وقال من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح
بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
هذه الآيات كلها في سورة النحل متوالية سيقت كلها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر
من شرح بالكفر إلى قوله ولكن من شرح بالكفر صدرا أي طاب به نفسا فاعتقده قوله ذلك
إشارة إلى الوعيد وأن العضب والعذاب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة
قوله وأولئك هم الغافلون الكاملون في الغفلة الذين لا أحد أغفل منهم قوله لا جرم
بمعنى حقا وجرم فعل عند البصريين واسم عند الكوفيين بمعنى حقا وتدخل اللام في
جوابه نحو لا جرم لآتينك وقال تعالى ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن
لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون فعلى قول البصريين لا رد لقول الكفار
وجرم معناه عندهم كسب أي كسب كفرهم النار لهم
(24/78)
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذينمن قبلكم
لعلكم تتقون
هذه الآية الكريمة في سورة البقرة سبق كلها هكذا في رواية كريمة وفي رواية أبي
ذرولا يزالزن يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا إلى قولهوأولئك هم أصحاب
النار هم فيها خالدون قوله حتى يردوكم يعني مشركي مكة قوله يعني حتى يصرفوكم قوله
مجزوم لأنه معطوف على ما قبله ولو كان جوابا لكان منصوبا قوله أي بطلت أعمالهم أي
حسناتهم وفي هذه الآية تقييد مطلق ما في قوله الآية أي شرط حبط الأعمال عند
الارتداد أن يموت وهو كافر
6922 - حدثنا ( أبو النعمان محمد بن الفضل ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن
( عكرمة ) قال أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذالك ابن عباس فقال لو
كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله
من بدل دينه فاقتلوه
انظر الحديث 3017
مطابقته للترجمة في قوله من بدل دينه فاقتلوه والذي يبدل دينه هو المرتد
وأيوب هو السختياني وعكرمة مولى عبد الله بن عباس
والحديث مضى في الجهاد عن علي بن عبد الله ومر الكلام فيه
قوله أتي على صيغة المجهول قوله بزنادقة جمع زنديق بكسر الزاي فارسي معرب وقال
سيبويه الهاء في زنادقة بدل من ياء زنديق وقد تزندق والاسم الزندقة واختلف في
تفسيره فقيل هو المبطن للكفر المظهر للإسلام كالمنافق وقيل قوم من الثنوية
القائلين بالخالقين وقيل من لا دين له وقيل هو من تبع كتاب زردشت المسمى بالزند
وقيل هم طائفة من الروافض تدعى السبائية ادعوا أن عليا رضي الله تعالى عنه إلاه
وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ بفتح السين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وكان أصله
يهوديا قوله فأحرقهم قد مضى في كتاب الجهاد في باب لا يعذب بعذاب الله من طريق
سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند أن عليا رضي الله عنه حرق قوما وروى الحميدي عن
سفيان بلفظ حرق المرتدين وروى ابن أبي شيبة كان أناس يعبدون الأصنام في السر وروى
الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة أن عليا رضي الله تعالى عنه بلغه أن قوما
ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا فحفروا حفيرة ثم
أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال صدق الله
ورسوله وروى الإسماعيلي حديث عكرمة ولفظه أن عليا أتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام
أو قال بزنادقة ومعهم كتب لهم فأمر بنار فانضجت ورماهم فيها وروي عن قتادة أن عليا
أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم فقال ابن عباس الحديث قوله فبلغ ذلك ابن
عباس أي بلغ ما فعله علي من الإحراق بالنار وكان ابن عباس حينئذ أميرا على البصرة
من قبل علي رضي الله تعالى عنه قوله لنهي رسول الله لا تعذبوا بعذاب الله أي لنهيه
عن القتل بالنار بقوله لا تعذبوا وهذا يحتمل أن يكون ابن عباس قد سمعه من النبي
ويحتمل أن يكون قد سمعه من بعض الصحابة واختلف في الزنديق هل يستتاب فقال مالك
والليث وأحمد وإسحاق يقتل ولا تقبل توبته وقول أبو حنيفة وأبي يوسف مختلف فيه فمرة
قالا بالاستتابة ومرة قالا لا قلت روي عن أبي حنيفة أنه قال إن أتيت بزنديق
أستتيبه فإن تاب وإلا قتلته وقال الشافعي يستتاب كالمرتد وهو قول عبد الله بن
الحسن وذكر ابن المنذر عن علي رضي الله تعالى عنه مثله وقيل لمالك لم تقتله ورسول
الله لم يقتل المنافقين وقد عرفهم
(24/79)
فقال لأن توبته لا تعرف وقال ابن الطلاع في أحكامه لم
يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه قتل مرتدا ولا زنديقا وقتل الصديق امرأة يقال
لها أم قرفة ارتدت بعد إسلامها
حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن قرة بن خالد قال حدثني حميد بن هلال حدثنا أبو بردة
عن أبي موسى قال أقبلت إلى النبي ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر
عن يساري ورسول الله يستاك فكلاهما سأل فقال يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس
قال قلت والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان
العمل فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت فقال لن أو لا نستعمل على عملنا من
أراده ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن ثم اتبعه معاذ
بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال انزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هاذا قال
كان يهوديا فأسلم ثم تهود قال اجلس قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث
مرات فأمر به فقتل ثم تذاكرا قيام الليل فقال أحدهما أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في
نومتي ما أرجو في قومتي
مطابقته للترجمة في قوله فأمر به فقتل
و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان وقرة بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد السدوسي و (
أبو بردة ) بضم الباء الموحدة اسمه عامر وقيل الحارث واسم ( أبي موسى ) عبد الله
بن قيس الأشعري
والحديث مضى مختصرا ومطولا في الإجارة وسيجيء في الأحكام ومضى الكلام فيه
قوله ومعي رجلان لم يدر اسمهما وفي مسلم رجلان من بني عمي وكلاهما أي كلا الرجلين
المذكورين سأل كذا بحذف المسؤول وبينه أحمد في روايته سأل العمل يعني الولاية قوله
أو يا عبد الله بن قيس شك من الراوي بأيهما خاطبه قوله قلصت أي انزوت ويقال قاص أي
ارتفع قوله فقال لن أو لا شك من الراوي أي لن نستعمل على عملنا من أراده أو لا
نستعمل من أراده أي من أراد العمل وفي رواية أبي العميس من سألنا بفتح اللام قوله
أو يا عبد الله شك من الراوي قوله ثم اتبعه بسكون التاء المثناة من فوق قوله معاذ
بن جبل بالنصب أي ثم اتبع رسول الله أبا موسى معاذ بن جبل أي بعثه بعده ويروى ثم
أتبعه بتشديد التاء فعلى هذا يكون معاذ مرفوعا على الفاعلية وتقدم في المغازي بلفظ
بعث النبي أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا ويحمل على أنه أضاف
معاذا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته لكن قبل توجهه وصاه قوله فلما قدم عليه مضى في
المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما إذا سار في أرضه فقرب من
صاحبه أحدث به عهدا وفي رواية أخرى هناك فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى قوله
ألقى له وسادة بكسر الواو وهي المخدة وقال بعضهم ومعنى ألقى وسادة فرشها له قلت
هذا غير صحيح والوسادة لا تفرش وإنما المعنى وضع الوسادة تحته ليجلس عليها وكانت
عادتهم وضع الوسادة تحت من أرادوا إكرامه مبالغة فيه قوله انزل أي فاجلس على
الوسادة قوله فإذا رجل كلمة إذا للمفاجأة قوله موثق أي مربوط بقيد وفي رواية
الطبراني فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال يا أخي أبعثت تعذب الناس إنما بعثنا
نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم فقال إنه أسلم ثم كفر فقال والذي بعث محمدا بالحق
لا أبرح حتى أحرقه بالنار قوله قضاء الله بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذا قضاء الله
أي حكم الله وقال بعضهم ويجوز النصب ولم يبين وجهه قوله ثلاث مرات أي كررا هذا
الكلام ثلاث مرات وفي رواية أبي داود أنهما كررا القول فأبو موسى يقول
(24/80)
اجلس ومعاذ يقول لا أجلس فعلى هذا قوله ثلاث مرات من
كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ قوله فأمر به فقتل وفي رواية أيوب فقال والله لا
أقعد حتى تضرب عنقه فضرب عنقه وفي رواية الطبراني التي مضت الآن فأتى بحطب فألهب
فيه النار فكتفه وطرحه فيها ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في
النار ويؤخذ منه أن معاذا وأبا موسى كانا يريان جواز التعذيب بالنار وإحراق المرتد
بالنار ومبالغة في إهانته وترهيبا من الاقتداء به وقد مر أن عليا رضي الله تعالى
عنه أحرق الزنادقة بالنار وقال الداودي إحراق علي رضي الله تعالى عنه الزنادقة ليس
بخطأ لأنه قال لقوم إن لقيتم فلانا وفلانا فأحرقوهم بالنار ثم قال إن لقيتموهما
فاقتلوهما فإنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله ولم يكن يقول في الغضب والرضا إلا حقا
قال الله تعالى وما ينطق عن الهوى قوله فأرجو في نومتي بالنون أي نومي ما أرجو في
قومتي بالقاف أي في قيامي بالليل وفي رواية سعيد وأحتسب في نومتي ما أحتسب في
قومتي كما مر في المغازي وحاصله أن يرجو الأجر في ترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له
في القيام
3 -
( باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة )
أي هذا باب في بيان جواز قتل من أبى أي امتنع من قبول الفرائض أي الأحكام الواجبة
قوله وما نسبوا إلى الردة قال الكرماني ما نافية وقيل مصدرية أي ونسبتهم إلى الردة
قلت الأظهر أنها موصولة والتقدير وقتل الذين نسبوا إلى الردة والله أعلم
وهذا مختلف فيه
فمن أبى أداء الزكاة وهو مقر بوجوبها فإن كان بين ظهرانينا ولم يطلب حربا ولا
امتنع بالسيف فإنها تؤخذ منه قهرا وتدفع للمساكين ولا يقتل وإنما قاتل الصديق رضي
الله تعالى عنه مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا بالسيف ونصبوا الحرب للأمة وأجمع
العلماء على أن من نصب الحرب في منع فريضة أو منع حقا يجب عليه لآدمي وجب قتاله
فإن أبى القتل على نفسه فدمه هدر
وأما الصلاة فمذهب الجماعة أن من تركها جاحدا فهو مرتد فيستتاب فإن تاب وإلا قتل
وكذلك جحد سائر الفرائض واختلفوا فيمن تركها تكاسلا وقال لست أفعلها فمذهب الشافعي
إذا ترك صلاة واحدة حتى أخرجها عن وقتها أي وقت الضرورة فإنه يقتل بعد الاستتابة
إذا أصر على الترك والصحيح عنده أنه يقتل حدا لا كفرا ومذهب مالك أنه يقال له صل
ما دام الوقت باقيا فإن صلى ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل ثم اختلفوا فقال
بعضهم يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال بعضهم يقتل لأن هذا حد الله عز و جل يقام عليه
لا تسقطه التوبة بفعل الصلاة وهو بذلك فاسق كالزاني والقاتل لا كافر وقال أحمد
تارك الصلاة مرتد كافر وماله فيء ويدفن في مقابر المسلمين وسواء ترك الصلاة جاحدا
أو تكاسلا وقال أبو حنيفة والثوري والمزني لا يقتل بوجه ولا يخلى بينه وبين الله
تعالى قلت المشهور من مذهب أبي حنيفة أنه يعزر حتى يصلي وقال بعض أصحابنا يضرب حتى
يخرج الدم من جلده
6924 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أن ( أبا هريرة ) قال لما توفي النبي
واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال
رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله فمن قال لا إلاه إلا
الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله قال أبو بكر والله لأقاتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا
يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها قال عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد
شرح الله صدر أبي بكر للقتال
(24/81)
فعرفت أنه الحق
مطابقته للترجمة ظاهرة وعقيل بضم العين ابن خالد
والحديث مضى في الزكاة عن أبي اليمان عن شعيب وسيجيء في الاعتصام عن قتيبة عن
الليث ومضى الكلام فيه
قوله حتى يقولوا لا إلاه إلا الله وفي رواية مسلم من وحد الله وكفر بما يعبد من
دونه حرم دمه وماله قوله من فرق بتشديد الراء وتخفيفها والمراد بالفرق من أقر
بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدا أو مانعا مع الاعتراف قوله فإن الزكاة حق المال يشير
إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة فمن صلى عصم
نفسه ومن زكى عصم ماله فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من
ماله قهرا وإن نصب الحرب لذلك قوتل قوله عناقا بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من
ولد المعز ووقع في رواية قتيبة عن الليث عند مسلم عقالا وفي رواية عبد الله بن
صالح عن الليث عناقا أصح ويؤيده ما في رواية ذكرها أبو عبيد لو منعوني جديا أذوط
صغير الفك والذقن قوله فعرفت أي بالدليل الذي أقامه الصديق وغيره إذ لا يجوز
للمجتهد أن يقلد المجتهد
4 -
( باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي ولم يصرح نحو قوله السام عليك )
أي هذا باب فيما عرض بتشديد الراء من التعريض وهو خلاف التصريح وهو نوع من الكناية
قوله وغيره أي وغير الذمي نحو المعاهد ومن يظهر الإسلام قوله بسب النبي أي بتنقيصه
ولكن لم يصرح بل بالتعريض نحو قوله السام بفتح السين المهملة وتخفيف الميم وهو
الموت قوله عليك هكذا بالإفراد في رواية الكشميهني وفي رواية غيره عليكم فقيل ليس
فيه تعريض السب وأجيب بأنه لم يرد به التعريض المصطلح عليه وهو أن يستعمل لفظا في
حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده والظاهر أن البخاري اختار في هذا مذهب الكوفيين
فإن عندهم أن من سب النبي أو عابه فإن كان ذميا عزر ولا يقتل وهو قول الثوري وقال
أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إن كان مسلما صار مرتدا بذلك وإن كان ذميا لا ينتقض
عهده وقال الطحاوي وقول اليهودي لرسول الله السام عليك لو كان مثل هذا الدعاء من
مسلم لصار به مرتدا يقتل ولم يقتل الشارع القائل به من اليهود لأن ما هم عليه من
الشرك أعظم من سبه فإن قلت من أين يعلم أن البخاري اختار في هذا مذهب الكوفيين ولم
يصرح بالجواب في الترجمة قلت عدم تصريحه يدل على ذلك إذ لو اختار غيره لصرح به ويؤيده
أن حديث الباب لا يدل على قتل من يسبه من أهل الذمة فإنه لم يقتله فإن قلت إنما لم
يقتله لمصلحة التأليف أو لعدم قيام البينة بالتصريح قلت لم يقتلهم بما هو أعظم منه
وهو الشرك كما ذكرناه على أن قوله السام عليك الدعاء بالموت والموت لا بد منه فإن
قلت قتل النبي كعب بن الأشرف فإنه قال من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله
ووجه إليه من قتله غيلة وقتل أبا رافع قال البزار كان يؤذي رسول الله ويعين عليه
وفي حديث آخر أن رجلا كان يسبه فقال من يكفيني عدوي فقال خالد أنا فبعثه إليه
فقتله قال ابن حزم وهو حديث صحيح مسند رواه عن النبي رجل من بلقين وقال ابن
المديني وهو اسمه وبه يعرف وذكر عبد الرزاق أنه سبه رجل فقال من يكفيني عدوي فقال
الزبير أنا فقتله قلت الجواب في هذا كله أنه لم يقتلهم بمجرد سبهم وإنما كانوا
عونا عليه ويجمعون من يحاربونه ويؤيده ما رواه البزار عن ابن عباس أن عقبة بن أبي
معيط نادى يا معاشر قريش ما لي أقتل من بينكم صبرا فقال له بكفرك وافترائك على
رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على أن هؤلاء كلهم لم يكونوا من أهل
الذمة بل كانوا مشركين يحاربون الله ورسوله
(24/82)
6926 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا (
عبد الله ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( هشام بن زيد بن أنس بن مالك ) قال سمعت ( أنس بن
مالك ) يقول مر يهودي برسول الله فقال السام عليك فقال رسول الله وعليك فقال رسول
الله أتدرون ما يقول قال السام عليك قالوا يا رسول الله ألا تقتله قال لا إذا سلم
عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم
انظر الحديث 6258
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وهشام بن زيد يروي عن جده
أنس بن مالك
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن زيد بن حزم
قوله السام عليك هكذا عليك بالإفراد ولم يختلف أحد أن لفظ عليك بالإفراد في حديث
أنس وكذا في رواية الكشميهني في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وهذا الحديث الذي
يليه وفي رواية غيره عليكم وكذا الخلاف في حديث ابن عمر الذي بعده قوله ألا نقتله
كلمة ألا للتحضيض قوله قال لا أي قال رسول الله لا تقتلوه
وفيه حجة ظاهرة للكوفيين منهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه فإن قلت الواو في
وعليك تقتضي التشريك قلت معناه وعليك ما تستحق من اللعنة والعذاب أو ثمة مقدر أي
وأنا أقول وعليك أو الموت مشترك أي نحن وأنتم كلنا نموت قاله الكرماني
6927 - حدثنا ( أبو نعيم ) عن ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة
) رضي الله عنها قالت استأذن رهط من اليهود على النبي فقالوا السام عليك فقلت بل
عليكم السام واللعنة فقال يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله قلت أو لم
تسمع ما قالوا قال قلت وعليكم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين يروي عن سفيان بن عيينة
عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن هشام عن عائشة
والحديث مضى في الأدب في باب الرفق في الأمر كله ومضى الكلام فيه وأخرجه مسلم في
الاستئذان عن عمر والناقد وزهير بن حرب وأخرجه الترمذي فيه والنسائي في التفسير
وفي اليوم والليلة جميعا عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان
قوله رهط قد ذكرنا غير مرة أن الرهط من الرجال ما دون العشرة ولا تكون فيهم امرأة
ولا واحد له من لفظه وجمعه أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع
6928 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى بن سعيد عن سفيان ومالك بن أنس قالا حدثنا عبد
الله بن دينار قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله إن اليهود إذا
سلموا على أحدكم إنما يقولون سام عليك فقل عليك
انظر الحديث 6257
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن سعيد ) القطان وسفيان بن عيينة
والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن قتيبة بن سعيد والحارث بن مسكين
قوله سام عليك ويروى السام عليكم قوله فقل عليك ويروى عليكم قال الكرماني قوله فقل
المقام يقتضي أن يقال فليقل أمرا غالبا وأجاب بأن قوله أحدكم فيه معنى الخطاب لكل
أحد
5 -
( باب
(
أي هذا باب ذكر بغير ترجمة على عادته في مثل هذا فهو كالفصل لما قبله من الباب
ولفظ باب محذوف عند ابن بطال وألحق حديث ابن مسعود في الباب الذي قبله
(24/83)
5 -
( باب
(
أي هذا باب ذكر بغير ترجمة على عادته في مثل هذا فهو كالفصل لما قبله من الباب
ولفظ باب محذوف عند ابن بطال وألحق حديث ابن مسعود في الباب الذي قبله
6929 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( شقيق ) قال
قال ( عبد الله ) كأني أنظر إلى النبي يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه فهو
يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
انظر الحديث 3477
وجه ذكر هذا الحديث هنا من حيث إنه ملحق بالباب المترجم الذي فيه ترك النبي قتل
ذاك القائل بقوله السام عليك وكان هذا من رفقه وصبره على أذى الكفار والأنبياء
عليهم السلام كانوا مأمورين بالصبر قال الله تعالى فاصب كما صبر أهل العزم من
الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ
فهل يهلك إلا القوم الفاسقون وفي هذا الحديث بيان صبر نبي من الأنبياء الذين أنفع
غيره منهم وأخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن شقيق بن
سلمة أبي وائل وكلهم كوفيون
والحديث مضى في بني إسرائيل بهذا السند وأخرجه مسلم وابن ماجه كلاهما عن محمد بن
نمير فمسلم في المغازي وابن ماجه في الفتن
قوله قال عبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قوله يحكي نبيا النبي هو
الحاكي والمحكي عنه ويحتمل أن يكون هذا النبي هو نوح عليه السلام لأن قومه كانوا
يضربونه حتى يغمى عليه ثم يفيق فيقول اهد قومي فإنهم لا يعلمون أخرجه ابن عساكر في
تاريخ دمشق في ترجمة نوح عليه السلام من حديث الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير به
قوله أدموه بفتح الميم أي جرحوه بحيث جرى عليه الدم
( باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم )
أي هذا باب في بيان قتل الخوارج الخ وهو جمع خارجة أي طائفة خرجوا عن الدين وهم
قوم مبتدعون سموا بذلك لأنهم خرجوا على خيار المسلمين وقال الشهرستاني في الملل
والنحل كل من خرج على الإمام الحق فهو خارجي سواء في زمن الصحابة أو بعدهم وقال
الفقهاء الخوارج غير الباغية وهم الذين خالفوا الإمام بتأويل باطل ظنا والخوارج
خالفوا لا بتأويل أو بتأويل باطل قطعا وقيل هم طائفة من المبتدعة لهم مقالات خاصة
مثل تكفير العبد بالكبيرة وجواز كون الإمام من غير قريش سموا به لخروجهم على الناس
بمقالاتهم قوله والملحدين أي وقتل الملحدين وهو جمع ملحد وهو العادل عن الحق
المائل إلى الباطل قوله بعد إقامة الحجة عليهم يشير البخاري بذلك إلى أنه لا يجب
قتال خارجي ولا غيره إلا بعد الاعذار عليه ودعوته إلى الحق وتبيين ما التبس عليه
فإن أبى عن الرجوع إلى الحق وجب قتاله بدليل الآية التي ذكرها
وقول الله تعالىوما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم مايتقون إن الله
بكل شيء عليم
أشار بهذه الآية الكريمة إلى أن قتال الخوارج والملحدين لا يجب إلا بعد إقامة
الحجة عليهم وإظهار بطلان دلائلهم والدليل عليه هذه الآية لأنها تدل على أن الله
لا يؤاخذ عباده حتى يبين لهم ما يأتون وما يذرون وهكذا فسرها الضحاك وقال مقاتل
والكلبي لما أنزل الله تعالى الفرائض فعمل بها الناس جاء ما نسخها من القرآن وقد
مات ناس وهم كانوا يعملون الأمر الأول من القبلة والخمر وأشباه ذلك فسألوا عنه
رسول الله فأنزل الله تعالىوما كان الله ليضل قوما يعني وما كان الله ليبطل عمل
قوم عملوا بالمنسوخ حتى يبين لهم الناسخ وقال الثعلبي أي ما كان الله ليحكم عليكم
بالضلال بعد استغفاركم للمشركين قبل أن يقدم إليكم بالنهي أي ما كان الله ليوقع
الضلالة في قلوبكم بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون أي ما يخافون ويتركون وقال
الزمخشري المراد مما يتقون ما يجب اتقاؤه للنهي
وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار
فجعلوها على المؤمنين
مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة ووصله الطبري في تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد
الله بن الأشج أنه سأل
(24/84)
نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية قال كان يراهم
شرار خلق الله انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين انتهى قلت
الحرورية هم الخوارج وإنما سموا حرورية لأنهم نزلوا في موضع يسمى حروراء بالمد
والقصر وهو موضع قريب من الكوفة وكان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها وقال ابن الأثير
الحرورية طائفة من الخوارج وهم الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
وكان عندهم من التشدد في الدين ما هو معروف وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء بفتح
الكاف وتشديد الواو وبالمد اليشكري وعدة الخوارج عشرون فرقة
وقال ابن حزم وأسوؤهم حالا الغلاة وهم الذين ينكرون الصلوات الخمس ويقولون الواجب
صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ومنهم من يجوز نكاح بنت الابن وبنت ابن الأخ والأخت
ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن وأن من قال لا إلاه إلا الله فهو مؤمن
عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه وأقربهم إلى قول أهل الحق الإباضية وقد بقيت منهم
بقية بالغرب وقال الجوهري الإباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن إباض التيمي
وهو بكسر الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالضاد المعجمة وهو في الأصل الحبل الذي
يشد به رسغ البعير إلى عضده حتى ترتفع يده عن الأرض
قوله شرار خلق الله قال الكرماني أي شرار المسلمين لأن الكفار لا يؤولون كتاب الله
قوله فجعلوها أي أولوها وصيروها وكان ابن عمر يكره القدرية أيضا ويراهم من الشرار
وفي التوضيح عن كتاب الإسفرايني كان عبد الله بن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى
وجابر وأنس بن مالك وأبو هريرة وعقبة بن عامر وأقرانهم رضي الله تعالى عنهم يوضون
إلى أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يعودوهم ولا يصلوا خلفهم ولا يصلوا
عليهم إذا ماتوا
6930 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( خيثمة )
حدثنا ( سويد بن غفلة ) قال علي رضي الله عنه إذا حدثتكم عن رسول الله حديثا
فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم
فإن الحرب خدعة وإني سمعت رسول الله يقول سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان
سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم
يوم القيامة
انظر الحديث 3611 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن القوم المذكورين فيه هم الخوارج والملحدون
أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث بكسر الغين المعجمة وتخفيف الياء آخر
الحروف وبالثاء المثلثة عن سليمان الأعمش عن خيثمة بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء
آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح السين المهملة
وسكون الباء الموحدة الجعفي لأبيه وجده صحبة عن سويد بضم السين المهملة بن غفلة
بفتح الغين المعجمة والفاء واللام الجعفي من كبار التابعين ومن المخضرمين عاش مائة
وثلاثين سنة وقيل إن له صحبة
والحديث قد مضى في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان الأعمش
إلى آخره وكذا مضى بهذا السند في فضائل القرآن ومضى الكلام فيه
قوله حدثنا عمر بن حفص ويروى حدثني بالإفراد قوله حدثنا خيثمة قال الإسماعيلي خالف
عيسى بن يونس فقال عن الأعمش حدثني عمرو بن مرة عن خيثمة به وهذا يبين أن فيه
انقطاعا قلت قد صرح الأعمش بالتحديث عن خيثمة فلعله سمعه من خيثمة مرة ومرة من
عمرو بن مرة قوله قال علي هو ابن أبي طالب وفيه لفظ قال آخر مقدر تقديره قال قال
علي أي قال سويد بن غفلة قال علي وقد مضى في آخر فضائل القرآن من رواية الثوري عن
الأعمش بهذا السند قال
(24/85)
قال علي وعند النسائي من هذا الوجه عن علي رضي الله
تعالى عنه وقال الدارقطني لم يصح لسويد بن غفلة عن علي مرفوع إلا هذا وقيل ماله في
الكتب الستة غيره
قوله لأن أخر أي أسقط قوله خدعة بتثليث الخاء المعجمة والمعنى إذا حدثتكم عن النبي
لا أكني ولا أعرض ولا أواري وإذا حدثتكم عن غيره أفعل هذه الأشياء لأخدع بذلك من
يحاربني فإن الحرب ينقضي أمره بخدعة واحدة قوله سيخرج قوم في آخر الزمان وفي رواية
النسائي من حديث أبي برزة يخرج في آخر الزمان قوم قيل هذا يخالف حديث أبي سعيد
المذكور في الباب بعده لأن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي رضي الله تعالى عنه
ولذا أكثرت الأحاديث الواردة في أمرهم وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة
واعترض عليه بعضهم بقوله لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا
قبل ذلك بأكثر من ستين سنة ثم أجاب بقوله ويمكن الجمع بأن المراد من آخر الزمان
آخر زمان خلافة النبوة فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره
مرفوعا الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان
في أواخر خلافة علي سنة ثمان وثلاثين بعد النبي بدون الثلاثين بنحو سنتين انتهى
قلت يسقط السؤال من الأول إن قلنا بتعدد خروج الخوارج وقد وقع خروجهم مرارا قوله
حداث الأسنان بضم الحاء وتشديد الدال هكذا في رواية المستملي والسرخسي وفي أكثر
الروايات أحداث الأسنان جمع حدث بفتحتين وهو صغير السن وقال ابن الأثير حداثة السن
كناية عن الشباب وأول العمر وقال ابن التين حداث بالضم جمع حديث مثل كرام جمع كريم
وكبار جمع كبير والحديث الجديد من كل شيء ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار والمراد
بالأسنان العمر يعني أنهم شباب قوله سفهاء الأحلام يعني عقولهم رديئة والأحلام جمع
حلم بكسر الحاء وكأنه من الحلم بمعنى الأناءة والتثبت في الأمور وذلك من شعار
العقلاء وأما بالضم فعبارة عما يراه النائم قوله يقولون من خير قول البرية قيل هذا
مقلوب والمراد من قول خير البرية هو القرآن وقال الكرماني من خير قول البرية أي
خير أقوال الناس أو خير من قول البرية وهو القرآن فعلى هذا ليس بمقلوب قوله لا
يجاوز إيمانهم حناجرهم وفي رواية الكشميهني لا يجوز والحناجر بالحاء المهملة في
أوله جمع حنجرة وهي الحلقوم والبلعوم وكله يطلق على مجرى النفس مما يلي الفم وفي
رواية مسلم من رواية زيد بن وهب عن علي لا تجاوز صلاتهم تراقيهم فكأنه أطلق
الإيمان على الصلاة وفي حديث أبي ذر لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم والمراد أنهم
يؤمنون بالنطق لا بالقلب قوله يمرقون من الدين من المروق وهو الخروج يقال مرق من
الدين مروقا خرج منه ببدعته وضلالته ومرق السهم من الغرض إذا أصابه ثم نفذه ومنه
قيل للمرق مرق لخروجه من اللحم وفي رواية سويد بن غفلة عند النسائي والطبري يمرقون
من الإسلام وفي رواية للنسائي يمرقون من الحق قوله من الرمية بفتح الراء وكسر
الميم وتشديد الياء آخر الحروف وهو الشيء يرمى ويطلق على الطريدة من الوحش إذا
رماها الرامي وقال الكرماني الرمية فعيلة من الرمي بمعنى المرمية أي الصيد مثلا
فإن قلت الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث فلم أدخل التاء فيه قلت
هذا النقل الوصفية إلى الإسمية وقيل ذلك الاستواء إذا كان الموصوف مذكورا معه وقيل
ذلك الدخول غالبا للذي لم يقع بعد يقال خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح وإذا وقع
عليها الفعل فهي ذبيح
6931 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( عبد الوهاب ) قال سمعت يحياى بن سعيد قال
أخبرني محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدري
فسألاه عن الحرورية أسمعت النبي قال لا أدري ما الحرورية سمعت النبي يقول يخرج في
هاذه الأمة ولم يقل منها قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم يقرأون القرآن
(24/86)
لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم يمرقون من الدين مروق
السهم من الرمية فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتماراى في الفوقة هل
علق بها من الدم شيء
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الحرورية هم الخوارج وقد مر عن قريب
وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي و ( يحيى بن سعيد ) هو الأنصاري و ( محمد بن
إبراهيم ) هو التيمي وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمان بن عوف وعطاء بن يسار ضد اليمين
وفي السند ثلاثة من التابعين على نسق واسم أبي سعيد الخدري سعد بن مالك
والحديث مر في مواضع كثيرة في علامات النبوة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن
أبي سلمة عن أبي سعيد وهذا السياق على لفظ أبي سلمة وحده ومضى في الأدب عن عبد
الرحمان بن إبراهيم وفي فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف
قوله عن الحرورية قد مضى تفسيره عن قريب قوله أسمعت الهمزة للاستفهام على سبيل
الاستخبار والخطاب لأبي سعيد قوله النبي منصوب بقوله أسمعت والمسموع محذوف كذا في
رواية الجميع وقد بينه ابن ماجه في روايته عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قلت لأبي
سعيد هل سمعت رسول الله يذكر الحرورية قوله قال لا أدري ما الحرورية فإن قلت سيجيء
حديث أبي سعيد أيضا في أول الباب الذي يلي الباب المذكور وفيه وأشهد أن عليا رضي
الله تعالى عنه قتلهم وأنا معه الحديث فهؤلاء الذين قتلهم وهو معه هم الحرورية
فكيف قال هنا لا أدري قلت معنى قوله هنا لا أدري أنه لم يحفظ فيهم بطريق النص بلفظ
الحرورية وإنما وصف صفتهم التي سمعها من النبي وتلك الصفات لوجودها في الحرورية
تدل على أنهم هم المراد ممن وصفهم النبي قوله يخرج في هذه الأمة أي أمة النبي قوله
ولم يقل منها أي ولم يقل النبي من هذه الأمة بكلمة من قوله قوم مرفوع لأنه فاعل
يخرج فإن قلت وقع في رواية الطبراني من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ من أمتي ووقع في
حديث مسلم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه سيكون بعدي من أمتي قوم وله أيضا من طريق
زيد بن وهب عن علي رضي الله تعالى عنه يخرج قوم من أمتي قلت المراد بالأمة في حديث
أبي سعيد أمة الإجابة وفي رواية مسلم أمة الدعوة وأما حديث الطبراني فضعيف وقال
الثوري فيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ وفيه إشارة من أبي سعيد إلى
تكفير الخوارج وأنهم من غير هذه الأمة قوله يحقرون بفتح الياء أي يستقلون والضمير
فيه يرجع إلى قوم ولو قيل تحقرون بالخطاب فله وجه وقد روى الطبراني عن محمد بن
عمرو عن أبي سلمة يتعبدون يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم قوله فينظر
الرامي الخ تمثيل لحال هؤلاء بحال الرامي المذكور بهذه الصفة في عدم حصول الفائدة
من عبادتهم كعدم حصول مقصود هذا الرامي من الرمية قوله إلى نصله وهو حديدة السهم
قوله إلى رصافه بكسر الراء وبالصاد المهملة جمع الرصفة وهو العصب الذي يكون فوق
مدخل النصل وقال الكرماني قال بعضهم محتجين بهذا التركيب بوقوع بدل الغلط في
الكلام البليغ قوله فيتمارى أي فيشك في الفوقة بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم
وفي المخصص وجمعه أفواق وفوق وفوقة بكسر الفاء وعن أبي حنيفة فوق وفوقة وقد يجعل
الفوق واحدا ويجمع أفواقا يريد أنهم لما تأولوا القرآن على غير الحق لم يحصل لهم
بذلك أجر ولم يتعلقوا بسببه بالثواب لا أولا ولا وسطا ولا آخرا قوله هل علق بكسر
اللام
6932 - حدثنا ( يحيى بن سليمان ) حدثني ( ابن وهب ) قال حدثني ( عمر ) أن أباه
حدثه عن ( عبد الله بن عمر ) وذكر الحرورية فقال قال النبي يمرقون من الإسلام مروق
السهم من الرمية
هذا بعض حديث أبي سعيد المذكور غير أن في حديثه يمرقون من الدين وهنا من الإسلام
أخرجه عن يحيى بن سليمان أبي سعيد الجعفي الكوفي نزل مصر عن عبد الله بن وهب عن
عمر بضم العين كذا ذكر عند الجميع بغير نسبة وهو عمر بن
(24/87)
محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد مضى في
كتاب التفسير في تفسير سورة لقمان رواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب حدثني عمر بن
محمد بن زيد عن عبد الله بن عمر
قوله حدثني عمر بالإفراد وفي رواية أبي ذر حدثنا بالجمع قوله وذكر الحرورية جملة
حالية
7 -
( باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفر الناس عنه )
أي هذا باب في بيان من ترك قتال الخوارج للتألف أي لأجل الإلفة قوله وأن لا ينفر
الناس عنه عطف على ما قبله أي ولأجل أن لا ينفر الناس عنه أي عن التارك دل عليه
قوله ترك وفي بعض النسخ ولئلا ينفر الناس عنه وقال الداودي قوله من ترك قتال
الخوارج ليس بشيء لأنه لم يكن يومئذ قتال ولو قال لم يقتل لأصاب وتسميتهم ذا
الخويصرة من الخوارج ليس بشيء لأنه لم يكن يومئذ هذا الاسم وإنما سموا به لخروجهم
على علي رضي الله تعالى عنه وقال المهلب التألف إنما كان في أول الإسلام إذ كانت
الحاجة ماسة إليه لدفع مضرتهم فأما اليوم فقد أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف
إلا أن ينزل بالناس جميعهم حاجة لذلك فلإمام الوقت ذلك وقال ابن بطال لا يجوز ترك
قتال من خرج على الأمة وشق عصاها وأما ذو الخويصرة فإنما ترك الشارع قتله لأنه
عذره لجهله وأخبر أنه من قوم يخرجون ويمرقون من الدين فإذا خرجوا وجب قتالهم
6933 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري )
عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي سعيد ) قال بينا النبي يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة
التميمي فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك من يعدل إذا لم أعدل قال عمر بن الخطاب
دعني أضرب عنقه قال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر
في نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نضيه فلا
يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل إحدى يديه أو قال ثدييه مثل ثدي المرأة
أو قال مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد أشهد سمعت من
النبي وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي قال
فنزلت فيهومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم
يسخطون
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الحديث في ترك القتل إلى آخره والترجمة في
القتال وأجيب بأن ترك القتل يوجد من ترك القتال من غير عكس
وعبد الله بن محمد هو الجعفي المسندي بفتح النون وهشام هو ابن يوسف الصنعاني ومعمر
بفتح الميمين هو ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمان
بن عوف وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري
وحديثه قد مضى قبل هذا الباب
قوله بينا أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت بينا وقد يقال بينما بزيادة الميم
وكلاهما يحتاج إلى جواب وهو قوله جاء عبد الله قوله يقسم بفتح أوله من القسمة وجاء
هنا هكذا بحذف المفعول وقال الكرماني أي يقسم مالا ولم يبين المقسوم ما هو ولا متى
كانت القسمة أما المقسوم فكان تبرا بعثه علي بن أبي طالب من اليمن وتقدم هكذا في
الأدب عن أبي سعيد وأما القسمة فكانت يوم حنين قسمه رسول الله بين أربعة نفر
الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن حصن الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري وزيد الخير
الطائي قوله عبد الله بن ذي الخويصرة بضم الخاء المعجمة مصغر الخاصرة وقد تقدم في
باب علامات النبوة
(24/88)
فأتى ذو الخويصرة رجل من تميم وفي جل النسخ بل في
كلها عبد الله بن ذي الخويصرة بزيادة الابن وأخرج الثعلبي ثم الواحدي في أسباب
النزول من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق فقال ابن ذي الخويصرة التميمي
وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج وقد اعتمد على ذلك ابن الأثير فترجم لذي الخويصرة
في الصحابة وذكر الطبري حرقوص بن زهير في الصحابة وذكر أن له في فتوح العراق أثرا
وأنه الذي افتتح سوق الأهواز ثم كان مع علي في حرورية ثم صار مع الخوارج فقتل معهم
قوله ويلك كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره ويحك قوله قال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه دعني أضرب عنقه قيل سبق في المغازي في باب بعث علي رضي الله عنه إلى
اليمن أن القائل به خالد بن الوليد وأجاب الكرماني بقوله لا محذور في صدور هذا
القول منهما وفي التوضيح وفي قول عمر هذا دليل على أن قتله كان مباحا لأن الشارع
لم ينكر عليه وأن إبقاءه جائز لعلة قوله ينظر على صيغة المجهول قوله في قذذه بضم
القاف وفتح الذال المعجمة الأولى جمع قذة وهو ريش السهم قوله في نصله قد مر تفسيره
عن قريب وكذا تفسير الرصاف قوله في نضيه بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد
الياء آخر الحروف وهو عود السهم بلا ملاحظة أن يكون له نصل وريش وفي التوضيح وحكي
فيه كسر النون قوله قد سبق الفرث والدم يعني جاوزهما الفرث وهو السرجين ما دام في
الكرش وحاصل المعنى أنه مر سريعا في الرمية وخرج لم يعلق به من الفرث والدم شيء
فشبه خروجهم من الدين ولم يتعلقوا منه بشيء بخروج ذلك السهم قوله آيتهم أي علامتهم
قوله إحدى يديه بفتح الياء آخر الحروف وفتح الدال تثنية يد قوله أو قال ثدييه شك
من الراوي وهو بفتح الثاء المثلثة تثنية ثدي قوله البضعة بفتح الباء الموحدة
القطعة من اللحم قوله تدردر يعني تضطرب تجيء وتذهب وأصله تتدردر من باب التفعلل
فحذفت إحدى التائين قوله على حين فرقة أي على زمان افتراق الناس قال الداودي يعني
ما كان يوم صفين وقال ابن التين رويناه بالحاء المهملة والنون وفي رواية الكشميهني
على خير فرقة بالخاء المعجمة وفي آخره راء أي أفضل طائفة في عصره وقال عياض هم علي
وأصحابه أو خير القرون وهم الصدر الأول وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق حين فترة من
الناس بفتح الفاء وسكون التاء المثناة من فوق قوله وأشهد أن عليا قتلهم وفي رواية
شعيب أن علي بن أبي طالب قاتلهم ووقع في رواية أفلح بن عبد الله وحضرت مع علي رضي
الله عنه يوم قتلهم بالنهروان ونسبة قتلهم إلى علي لكونه كان القائم في ذلك قوله
جيء بالرجل أي بالرجل الذي قال رجل إحدى يديه وقد علم أن النكرة إذا أعيدت معرفة
تكون عين الأول وهو ذو الثدية بفتح الثاء المثلثة مكبرا وبضمها مصغرا قوله على
النعت الذي نعته النبي أي على الوصف الذي وصفه وهو قوله وآيتهم رجل إحدى يديه إلى
قوله تدردر وفي رواية مسلم قال أبو سعيد وأنا أشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله
تعالى عنه قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على
نعت رسول الله الذي نعته قوله فنزلت فيه أي في الرجل المذكور وفي رواية السرخسي
فنزلت فيهم أي نزلت الآية وهي قوله عز و جل ومنهم ما يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها
رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون
اللمز العيب أي يعيبك في قسم الصدقات
6934 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( الشيباني ) حدثنا
( يسير بن عمرو ) قال قلت لسهل بن حنيف هل سمعت النبي يقول في الخوارج شيئا قال
سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الواحد هو ابن زياد والشيباني هو أبو إسحاق سليمان
ويسير بضم الياء آخر الحروف وفتح السين مصغر يسر ضد العسر ويقال له أسير أيضا بضم
الهمزة ابن عمرو وهو من بني محارب بن ثعلبة نزل الكوفة ويقال
(24/89)
إن له صحبة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد
وسهل بن حنيف بن واهب الأنصاري البدري
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في
فضائل القرآن عن محمد بن آدم
قوله وأهوى بيده أي مدها جهة العراق قوله يخرج منه قوم هؤلاء القوم خرجوا من نجد
موضع التميمين قوله مروق السهم أي كمروق السهم
8 -
( باب قول النبي لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعوتهما واحدة )
أي هذا باب في ذكر قول النبي وترجمه بلفظ الخبر قوله فئتان أي جماعتان هما فئة علي
بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وفئة معاوية بن أبي سفيان قوله دعوتهما ويروى
دعواهما والمراد بالدعوى الإسلام على القول الراجح وقيل المراد اعتقاد كل منهما
أنه على الحق وصاحبه على الباطل بحسب اجتهادهما وفيه معجزة للنبي وقال الداودي
هاتان الفئتان هما إن شاء الله أصحاب الجمل زعم علي بن أبي طالب أن طلحة والزبير
بايعاه فتعلق بذلك وزعم طلحة والزبير أن الأشتر النخعي أكرههما على المشي إلى علي
رضي الله تعالى عنه وقد جاء في الكتاب والسنة الأمر بقتال الفئة الباغية إذا تبين
بغيها وقال الله تعالىوإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت
إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا
بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين
6935 - حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن (
أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان
دعواهما واحدة
الترجمة عين الحديث كما ذكرنا غير أن فيها طائفتان في بعض النسخ وفي الحديث فئتان
أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد
بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة
والحديث بهذا السند من أفراده
9 -
( باب ما جاء في المتأولين )
أي هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في حق المتأولين ولا خلاف بين العلماء أن كل
متأول معذور بتأويله غير ملوم فيه إذا كان تأويله ذلك سائغا في لسان العرب أو كان
له وجه في العلم ألا يرى أنه لم يعنف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في تلببه
بردائه على ما يجيء الآن في حديثه وعذره في ذلك لصحة مراد عمر واجتهاده وكذلك يجيء
في بقية أحاديث الباب
6936 - قال ( أبو عبد الله ) وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمان بن عبد القاري أخبراه
أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول
الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤوها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله كذلك
فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلم ثم لببته بردائه أو بردائي فقلت من أقرأك
هذه السورة قال أقرأنيها رسول الله قلت له كذبت فوالله إن رسول الله أقرأني هاذه
السورة التي سمعتك تقرؤوها فانطلقت أقوده إلى رسول الله فقلت يا رسول الله إني
سمعت هاذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني
(24/90)
سورة الفرقان فقال رسول الله أرسله يا عمر اقرأ يا
هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها قال رسول الله هاكذا أنزلت ثم قال رسول
الله اقرأ يا عمر فقرأت فقال هاكذا أنزلت ثم قال إن هاذا القرآن أنزل على سبعة أحرف
فاقرؤوا ما تيسر منه
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي لم يؤاخذ عمر بتكذيبه هشاما ولا بكونه لببه
بردائه وأراد الإيقاع به بل صدق هشاما في نقله وعذر عمر في إنكاره
وأبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس هذا في كثير من النسخ بل قال بعد الترجمة وقال
الليث هذا تعليق منه
ومضى هذا الحديث في الأشخاص في باب كلام الخصوم بعضهم في بعض أخرجه عن عبد الله بن
يوسف عن ملك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه قال
سمعت عمر بن الخطاب الخ وليس فيه ذكر المسور بن مخرمة ومضى الكلام فيه
ووصل هذا التعليق الإسماعيلي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه ويونس شيخ الليث
فيه هو ابن يزيد وقد تقدم في فضائل القرآن وغيره من رواية الليث أيضا موصولا لكن
عن عقيل لا عن يونس وقال بعضهم وهم مغلطاي ومن تبعه في أن البخاري رواه عن سعيد بن
عفير عن الليث عن يونس قلت أراد بقوله ومن تبعه صاحب التوضيح وهو شيخه وقد أدمج
ذكره هنا
قوله أساوره بالسين المهملة أي أواثبه وأحمل عليه وأصله من السورة وهو البطش قوله
ثم لببته من التلبيب وهو جمع الثياب عند الصدر في الخصومة والجد قوله أو بردائي شك
من الراوي قوله على سبعة أحرف أي على سبعة لغات هي أفصح اللغات وقيل الحرف الإعراب
يقال فلان يقرأ بحرف عاصم أي بالوجه الذي اختاره من الإعراب وقيل توسعة وتسهيلا لم
يقصد به الحصر وفي الجملة قالوا هذه القراءات السبع ليس كل واحدة منها واحدة من
تلك السبع بل يحتمل أن تكون كلها واحدة من اللغات السبعة
6937 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) أخبرنا ( وكيع ) ح وحدثنا يحياى حدثنا وكيع عن
الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هاذه
الآيةالذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون شق ذالك
على أصحاب النبي وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله ليس كما تظنون إنما هو
كما قال لقمان لابنه وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابنى لا تشرك بالله إن الشرك
لظلم عظيم
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يؤاخذ الصحابة رضي الله تعالى عنهم بحملهم الظلم في
الآية على عمومه حتى يتناول كل معصية بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل ثم بين لهم
المراد بقوله ليس كما تظنون الخ
وأخرجه من طريقين أحدهما عن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه عن وكيع بن
الجراح عن سليمان الأعمش والآخر عن ( يحيى ) بن موسى بن عبد ربه يقال له خت وهو من
أفراده عن ( وكيع ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) النخعي عن ( علقمة ) بن قيس
والإسناد كلهم كوفيون ومضى الحديث في أول كتاب استتابة المرتدين
6938 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) أخبرني
( محمود بن الربيع ) قال سمعت ( عتبان بن مالك ) يقول غدا علي رسول الله فقال رجل
أين مالك بن
(24/91)
الدخشن فقال رجل منا ذاك منافق لا يحب الله ورسوله
فقال النبي لا تقولوه يقول لا إلاه إلا الله يبتغي بذالك وجه الله تعالى قال بلى
قال فإنه لا يوافي عبد يوم القيامة به إلا حرم الله عليه النار
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يؤاخذ القائلين في حق مالك بن الدخشن بما قالوا بل
بين لهم أن إجراء أحكام الإسلام على الظاهر دون الباطن
وأخرجه عن عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك
المروزي الخ والحديث مضى في الصلاة في باب المساجد في البيوت ومضى الكلام فيه
قوله الدخشن بضم الدال المهملة وسكون الخاء المعجمة وضم الشين المعجمة ثم نون وجاء
الدخشم أيضا بالميم موضع النون وقد يصغر قوله ذاك منافق ويروى ذلك منافق قوله لا
تقولوه بصيغة النهي كذا في رواية المستملي والسرخسي وفي رواية الكشميهني ألا
تقولوه وقال ابن التين جاءت الرواية كذا والصواب تقولونه أي تظنونه قلت حذف النون
من الجمع بلا ناصب ولا جازم لغة فصيحة ويحتمل أن يكون خطابا للواحد وحدثت الواو من
إشباع الضمة وقال بعضهم وتفسير القول بالظن فيه نظر والذي يظهر أنه بمعنى الرؤية
أو السماع انتهى قلت القول بمعنى الظن كثير أنشد سيبويه
أما الرحيل فدون بعد غد
فمتى تقول الدار تجمعنا
يعني متى تظن الدار تجمعنا والبيت لعمر بن أبي ربيعة المخزومي ونقل صاحب التوضيح
عن ابن بطال أن القول بمعنى الظن كثير بشرط كونه في المخاطب وكونه مستقبلا ثم أنشد
البيت المذكور مضافا إلى سيبويه قوله لا يوافي ويروى لن يوافي أي لا يأتي أحد بهذا
القول إلا حرم الله عليه النار 21 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن
حصين عن فلان قال تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية فقال أبو عبد الرحمن لحبان
لقد علمت ما الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا قال ما هو لا أبا لك قال شيء
سمعته يقوله قال ما هو قال بعثني رسول الله والزبير وأبا مرثد وكلنا فارس قال
انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج قال أبو سلمة هكذا قال أبو عوانة حاج فإن فيها امرأة
معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فاتوني بها فانطلقنا على أفراسنا
حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله تسير على بعير لها وكان كتب إلى أهل مكة بمسير
رسول الله إليهم فقلنا أين الكتاب الذي معك قالت ما معي كتاب فأنخنا بها بعيرها
فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا فقال صاحباي ما نرى معها كتابا قال فقلت لقد
علمنا ما كذب رسول الله ثم حلف علي والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك فأهوت
إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة فأتوا بها رسول الله فقال عمر يا رسول
الله قد خان الله رسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه فقال رسول الله يا حاطب ما حملك
على ما صنعت قال يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ولكني أردت أن
يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي وما لي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من
قومه من يدفع الله
(24/92)
به عن أهله وماله قال صدق لا تقولوا له إلا خيرا قال
فعاد فعمر فقال يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه قال
أو ليس من أهل بدر وما يدريك لعل الله اطلع عليهم فقال اعملوا ما شئتم فقد أوجبت
له الجنة فاغرورقت عيناه فقال الله ورسوله أعلم )
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي عذره في تأويله وشهد بصدقه وأخرجه عن موسى بن
إسماعيل عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن حصين بضم الخاء وفتح الصاد المهملتين ابن
عبد الرحمن السلمي عن فلان قال الكرماني هو سعد بن عبيدة بضم العين المهملة مصغرا
أبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي ختن أبي عبد الرحمن السلمي انتهى قلت وقع فلان
هنا مبهما وسمي في رواية هشام في الجهاد وعبد الله بن إدريس في الاستئذان سعد بن
عبيدة وكان الكرماني ما اطلع عليه ذاهلا حتى قال قيل سعد بن عبيدة وسعد تابعي روى
عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر والبراء رضي الله تعالى عنه قوله تنازع أبو عبد
الرحمن هو السلمي المذكور وصرح به في رواية عفان قوله وحبان بكسر الحاء المهملة
وتشديد الباء الموحدة وحكى أبو علي الجياني أن بعض رواة أبي ذر ضبطه بفتح أوله قال
بعضهم وهو وهم قلت حكى المزي أن ابن ماكولا ذكره بالكسر وأن ابن الفرضي ضبطه
بالفتح وكذا ذكره في المطالع قوله لقد علمت ما الذي كذا في رواية الكشميهني وكذا
في أكثر الطرق وفي رواية الحموي والمستملي من الذي ويروى لقد علمت الذي بدون ما
ومن ووقع في الجهاد في باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة بلفظ ما
الذي قوله جرأ بفتح الجيم وتشديد الراء وبالهمزة من الجرأة وهو الإقدام على الشيء
قوله يعني عليا أي يعني بقوله من الذي جرأ علي بن أبي طالب قال الكرماني فإن قلت
كيف جاز نسبة الجرأة على القتل إلى علي رضي الله تعالى عنه قلت غرضه أنه لما كان
جاز ما بأنه من أهل الجنة عرف أنه إن وقع منه خطأ فيما اجتهد فيه عفي عنه يوم
القيامة قطعا قوله قال ما هو أي قال حبان ما هو الذي جرأه قوله لا أبا لك بفتح
الهمزة جوزوا هذا التركيب تشبيها له بالمضاف وإلا فالقياس لا أب لك وهذا إنما
يستعمل دعامة للكلام ولا يراد به الدعاء عليه حقيقة وقيل هي كلمة تقال عند الحث
على الشيء والأصل فيه أن الإنسان إذا وقع في شدة عاونه أبوه فإذا قيل لا أبا لك
فمعناه ليس لك أب جد في الأمر جد من ليس له معاون ثم أطلق في الاستعمال في موضع
استبعاد ما يصدر من المخاطب من قول أو فعل قوله شيء مرفوع لأنه فاعل جرأ قوله
يقوله جملة وقعت صفة لقوله شيء والضمير المنصوب فيه يرجع إلى شيء وكذا بالضمير في
رواية المستملي وفي رواية الكشميهني يقول بحذف الضمير قوله قال ما هو أي قال حبان
المذكور ما هو أي ذلك الشيء قوله قال بعثني أي قال أبو عبد الرحمن قال علي بعثني
وسقطت قال الثانية على عادتهم بإسقاطها في الخط والتقدير قال أبو عبد الرحمن قال
علي رضي الله تعالى عنه بعثني رسول الله قوله والزبير بالنصب عطف على نون الوقاية
لأن محلها النصب وفي مثل هذا العطف خلاف بين البصريين والكوفيين قوله وأبا مرثد
بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة واسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون
وبالزاي الغنوي بالغين المعجمة وتقدم في غزوة الفتح من طريق عبيد الله بن أبي رافع
عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد ومضى في الجهاد في باب إذا اضطروا الزبير وفي باب
الجاسوس بعثني أنا والزبير والمقداد قال الكرماني ذكر القليل لا ينفي الكثير قوله
فارس أي راكب فرس قوله روضة حاج بالحاء المهملة وبالجيم وهو موضع قريب من مكة قاله
في التوضيح وقال النووي وهي بقرب المدينة وقال الواقدي هي بالقرب من ذي الحليفة
وقيل من المدينة نحو اثني عشر ميلا قوله قال أبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ
البخاري المذكور فيه قوله هكذا قال أبو عوانة هو أحد الرواة حاج بالحاء المهملة
والجيم قال النووي قال العلماء هو غلط من أبي عوانة
(24/93)
وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال فيه ذات حاج بالحاء المهملة والجيم وهو موضع بين المدينة والشام يسلكه الحاج وزعم السهيلي أن هشيما كان يقولها أيضا حاج بالحاء المهملة والجيم وهو وهم أيضا والأصح خاخ بمعجمتين قوله تسير من السير جملة وقعت حالا من المرأة التي معها الكتاب وفي رواية محمد بن فضيل عن حصين تشتد من الاشتداد بالشين المعجمة قوله فابتغينا أي طلبنا قوله فقال صاحباي وهما الزبير وأبو مرثد ويروى فقال صاحبي بالإفراد باعتبار أن واحدا منهما قال قوله لقد علمنا وفي رواية الكشميهني لقد علمتما بالخطاب لصاحبيه قوله ثم حلف علي والذي يحلف به أي قال والله لأن الذي يحلف به هو لفظة الله قوله أو لأجردنك أي أنزع ثيابك حتى تكوني عريانة وكلمة أو هنا بمعنى إلى وينتصب المضارع بعدها بأن مضمرة نحو قوله لألزمنك أو تقضيني حقي أي إلى أن تقضيني حقي وفي رواية ابن فضيل أو لأقتلنك ويروى لأجزرنك بجيم ثم زاي أي أصيرك مثل الجزور إذا ذبحت ويروى لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال ابن التين كذا وقع بكسر القاف وفتح الياء آخر الحروف وتشديد النون قال والياء زائدة وقال الكرماني هو بكسر الياء وفتحها كذا جاء في الرواية بإثبات الياء والقواعد التصريفية تقتضي حذفها لكن إذا صحت الرواية فلتحمل على أنها وقعت على طريق المشاكلة لتخرجن وهذا توجيه الكسرة وأما الفتحة فتحمل على خطاب المؤنثة الغائبة على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة قال ويجوز فتح القاف على البناء للمجهول فعلى هذا فترفع الثياب واختلف هل كانت هذه المرأة مسلمة أو على دين قومها فالأكثر على الثاني فقد عدت فيمن أهدر النبي دمهم يوم الفتح وكانت مغنية فأهدر دمها لأنها كانت تغني بهجائه وهجاء أصحابه وذكر الواقدي أنها من مزينة وأنها من أهل العرج بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالجيم وهي قرية بين مكة والمدينة وذكر الثعلبي أنها كانت مولاة أبي صيفي بن عمرو بن هاشم بن عبد مناف وقيل عمران بدل عمرو وقيل مولاة بني أسد ابن عبد العزى وقيل كانت من موالي العباس وفي تفسير مقاتل بن حبان أن حاطبا أعطاها عشرة دنانير وكساها برداء وقال الواحدي أنها قدمت المدينة فقال لها النبي جئت مسلمة قالت لا ولكن احتجت قال فأين أنت عن شباب قريش وكانت مغنية قالت ما طلبت من بعد وقعة بدر شيئا من ذلك فكساها وحملها فأتاها حاطب فكتب معها كتابا إلى أهل مكة أن رسول الله يريد أن يغزو فخذوا حذركم قوله فأهوت أي مالت قوله إلى حجزتها بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالزاي وهي معقد الإزار قوله وهي محتجزة بكساء من احتجز بإزاره شده على وسطه وقد مر في باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها أي من شعورها قال الكرماني لعلها أخرجته من الحجزة أولا وأخفته في الشعر ثم اضطرت إلى الإخراج منه أو بالعكس قوله فاتوا بها أي بالصحيفة قوله رسول الله ويروى فاتوا بها إلى رسول الله قوله فإذا فيه أي في الكتاب من حاطب إلى ناس من المشركين من أهل مكة سماهم الواقدي في روايته سهيل بن عمرو العامري وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وصفوان بن أمية الجمحي قوله ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله وفي رواية المستملي ما بي أن لا أكون بالباء الموحدة بدل اللام وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب أما والله ما ارتبت منذ أسلمت في الله وفي رواية ابن عباس قال والله إني لناصح لله ورسوله قوله يد أي منة أدفع بها عن أهلي ومالي وفي رواية أعشى ثقيف والله ورسوله أحب إلي من أهلي ومالي وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب ولكني كنت امرأ غريبا فيكم وكان لي بنون وأخوة بمكة فكتبت لعلي أدفع عنهم قوله هنالك وفي رواية المستملي هناك قوله قال صدق أي قال رسول الله صدق حاطب فيحتمل أن يكون قد عرف صدقه من كلامه ويحتمل أن يكون بالوحي قوله فعاد عمر أي إلى كلامه الأول في حاطب وفيه إشكال حيث عاد إلى كلامه الأول بعد أن صدق النبي حاطبا وأجيب عنه بأنه ظن أن صدقه في عذره لا يدفع عنه ما وجب عليه من القتل قوله فلأضرب عنقه قال الكرماني فلأضرب بالنصب وهو في تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني فتركك للضرب وبالجزم
(24/94)
والفاء زائدة على مذهب الأخفش واللام للأمر ويجوز
فتحها على لغة سليم وتسكينها مع الفاء عند قريش وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح
قليل الاستعمال وبالرفع أي فوالله لأضرب قوله أو ليس من أهل بدر وفي رواية الحارث
أليس قد شهد بدرا وهو استفهام تقرير وجزم في رواية عبيد الله بن أبي رافع أنه شهد
بدرا وزاد الحارث فقال عمر رضي الله تعالى عنه بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك
قوله لعل الله اطلع عليهم أي على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة
قال العلماء معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد أو غيره
أقيم عليه في الدنيا ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد قال وضرب النبي
مسطحا الحد وكان بدريا وفي التوضيح وقد اعترض بعض أهل البدع بهذا الحديث على قضية
مسطح حين جلد في قذف عائشة رضي الله تعالى عنها وكان بدريا قالوا وكان ينبغي أن لا
يحد كحاطب والجواب أن المراد غفر لهم عقاب الآخرة دون الدنيا وقد قام الإجماع على
أن كل من ارتكب من أهل بدر ذنبا بينه وبين الله فيه حد وبينه وبين الخلق من القف
أو الجراح أو القتل فإن عليه فيه الحد والقصاص وليس يدل عفو العاصي في الدنيا
وإقامة الحدود عليه على أنه يعاقب في الآخرة لقوله في ماعز والغامدية لقد تاب توبة
لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم قوله فاغرورقت عيناه أي عينا عمر رضي الله تعالى
عنه وهو من الاغريراق
( قال أبو عبد الله خاخ أصح ولكن كذا قال أبو عوانة حاج وحاج تصحيف وهو موضع وهشيم
يقول خاخ )
أبو عبد الله هو البخاري نفسه خاخ أصح يعني بخاءين معجمتين قوله ولكن كذا قال أبو
عوانة وهو الوضاح اليشكري أحد رواة حديث الباب قوله وحاج تصحيف يعني بالحاء
المهملة والجيم مصحف وقد مر بيانه عن قريب قوله وهو موضع يعني حاج بالحاء المهملة
وبالجيم اسم موضع وقد ذكرناه قوله وهشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير
الواسطي يقول خاخ يعني بالمعجمتين يعني في قول الأكثرين وقيل بل هو أيضا يقول مثل
قول أبي عوانة وبه جزم السهيلي ويؤيده أن البخاري لما أخرجه من طريقه في الجهاد
عبر بقوله روضة كذا فلو كان بالمعجمتين لما كنى عنه -
89 -
( كتاب الإكراه )
أي هذا كتاب في بيان حكم الإكراه والإكراه بكسر الهمزة هو إلزام الغير بما لا
يريده وهو يختلف باختلاف المكره والمكره عليه والمكره به
وقول الله تعالىمن كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن
من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
وقول الله عز و جل بالجر عطف على لفظ الإكراه وهذه الآية الكريمة في سورة النحل
وأولها الآية واختلف النحاة في العامل في قوله ومن كفر وفي قوله من شرح بالكفر
صدرا فقالت نجاة الكوفة جوابهما واحد في قوله فعليهم غضب لأنهما جزءان اجتمعا أحدهما
منعقد بالآخر فجوابهما واحد كقول القائل من يأتنا من يحسن نكرمه يعني من يحسن ممن
يأتينا نكرمه وقالت نحاة البصرة قوله من كفر مرفوع بالرد على الذين في قوله إنما
يفتري الكذب الآية ومعنى الكلام إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ثم
استثنى من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح
بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
وقال ابن عباس نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر لأن الكفار أخذوه وقالوا له اكفر
بمحمد
(24/95)
فطاوعهم على ذلك وقلبه كاره ذلك مطمئن بالإيمان ثم جاء
إلى رسول الله وهو يبكي فأنزل الله تعالى هذه الآية قوله من شرح بالكفر صدرا أي
طاب نفسه بذلك وأتى به على اختيار وقبول
وقال لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله
في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير وهي تقية
هذا من آية أولهالا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك
فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير
أي تقية وكلاهما بمعنى واحد أشار إليه البخاري بقوله وهي تقية والمعنى إلا أن
تتقوا منهم تقية وهي الحذر عن إظهار ما في الضمير من العقيدة ونحوها عند الناس
وقال إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين
في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وسآءت
مصيرا
إلى قولهوساءت مصيرا
أي وقال الله عز و جل فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين هكذا وقع
في بعض النسخ وفيه تغيير لأن قوله فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان
ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن
العالمين إلى قوله فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين من آية
وتمامها إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين
فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت
مصيرا قوله من آية أخرى متقدمة على الآية المذكورة وأولها قوله وما لكم لا تقاتلون
فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من
هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا والصحيح
هو الذي وقع في بعض النسخ ونسب إلى أبي ذر وهو إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي
أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا إلى قوله فأولائك عسى الله أن يعفو
عنهم وكان الله عفوا غفورا قال فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا
غفورا هاتان آيتان الأولى هي قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا
فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا إلى قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم
قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا وهي أيضا آيتان الثانية قوله وما
لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون
ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من
لدنك نصيرا إلى قوله وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال
والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا
من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا وهي متقدمة على الآية الأولى وأولها قوله
وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين
يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا
من لدنك نصيرا الآية أشار إليه بقوله وقال أي وقال الله تعالى المستضعفين إلى آخره
وقد اختلف الشراح في هذا الموضع حتى خرج بعضهم عن مسلك الصواب فقال ابن بطال إن
الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض
قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا إلى
قوله فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا وقال انتهى قلت ذكر هنا
آيتين متواليتين أولاهما هي قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم
كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا إلى قوله وتمامها إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا والأخرى هي قوله إن الذين توفاهم
الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن
أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا إلا المستضعفين من
الرجال والنسآء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا وليس فيه تغيير
للتلاوة وقال بعضهم إلا أن فيه تصرفا فيما ساقه المصنف قلت فيما ساقه أيضا نظر لا
يخفى وقال ابن التين قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم
قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك
مأواهم جهنم وسآءت مصيرا إلى قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا
فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا ليس التلاوة كذلك لأن قوله إن الذين توفاهم الملائكة
ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله
واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا قبل هذا قال ووقع في بعض
النسخ إلى قوله غفور رحيم وفي بعضها فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا
غفورا وقال إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا
يهتدون سبيلا إلى قوله من لدنك نصيرا وهذا على سبيل التنزيل وقال بعضهم كذا قال
فأخطأ فالآية التي آخرها أولها المستضعفين بالواو لا بلفظ إلا وقال صاحب التوضيح
ووقع في الآيتين تخليط في شرح ابن التين قلت والصواب ما ذكرنا ثم نذكر شرح الآيات
المذكورة
فقوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين
فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت
مصيرا روى ابن حاتم بإسناده إلى عكرمة عن ابن عباس قال كان قوم من أهل مكة أسلموا
وكانوا يخفون إسلامهم فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم قال المسلمون كان
أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى
أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا الآية قوله إن الذين توفاهم
الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن
أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا أي بترك الهجرة
قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى
الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت
مصيرا مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة قالوا كنا مستضعفين في
(24/96)
الأرض أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في
الأرض إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين
فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت
مصيرا الآية وقال أبو داود بإسناده إلى سمرة بن جندب أما بعد قال رسول الله من جاء
مع المشرك وسكن معه فإنه مثله قوله إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان لا
يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا الآية عذر من الله عز و جل لهؤلاء في ترك الهجرة
وذلك لأنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون
الطريق ولهذا قال فأولائك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا وقال عكرمة
يعني نهوضا إلى المدينة وقال السدي يعني مالا وقال الضحاك يعني طريقا قوله فأولائك
عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا أي يتجاوز عنهم تركهم الهجرة وعسى من
الله موجبة قوله وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء
والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك
وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا أي في الجهاد قوله المستضعفين أي وفي المستضعفين أي
في استنقاذهم قوله وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء
والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك
وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا كلمة من بيانية قوله من هذه القرية يعني مكة ووصفها
بقوله الظالم أهلها قوله وليا أي ناصرا
فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به والمكره لا يكون إلا
مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به
قوله فعذر الله أي جعلهم معذورين قوله غير ممتنع غرضه أن المستضعف لا يقدر على
الامتناع من الفعل فهو فاعل لأمر المكره فهو معذور
وقال الحسن التقية إلى يوم القيامة
أي قال الحسن البصري التقية ثابتة إلى يوم القيامة لم تكن مختصة بعصره ووصله ابن
أبي شيبة عن هشيم عن وكيع عن قتادة عنه
وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشيء
أي قال عبد الله بن عباس فيمن يكرهه اللصوص على طلاق امرأته فيطلق امرأته قوله ليس
بشيء أي لا يقع طلاقه وهذا كأنه مبني على أن الإكراه يتحقق من كل قادر عليه وهو
قول الجمهور وقال أبو حنيفة لا إكراه إلا من سلطان وأثر ابن عباس أخرجه عبد الرزاق
بسند صحيح عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئا وذكر ابن وهب عن
عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئا وذكره ابن المنذر عن
ابن الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم ومالك والأوزاعي
والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأجازت طائفة طلاقه روي ذلك عن الشعبي والنخعي
وأبي قلابة والزهري وقتادة وهو قول الكوفيين
وبه قال ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن
أي وبقول ابن عباس قال عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعامر بن شراحيل
الشعبي والحسن البصري وعن الشعبي إن أكرهه اللصوص فليس بطلاق وإن أكرهه السلطان
فهو طلاق قلت هو مذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه كما ذكرناه
وقال النبي الأعمال بالنية
هذا الحديث قد مضى في أول الكتاب مطولا موصولا وقد بينا هناك اختلاف لفظ العمل ثم
وجه إيراد هذا الحديث هنا الإشارة إلى الرد على من فرق في الإكراه بين القول
والفعل وهو مذهب الظاهرية فإنهم فرقوا بينهما قال ابن حزم الإكراه قسمان إكراه على
كلام وإكراه على فعل فالأول لا يجب به شيء كالكفر والقذف والإقرار بالنكاح والرجعة
والطلاق والبيع والابتياع والنذور والأيمان والعتق والهبة وغير ذلك والثاني على
قسمين
(24/97)
أحدهما ما تبيحه الضرورة كالأكل والشرب فهذا يبيحه
الإكراه فمن أكره على شيء من ذلك فلا يلزمه شيء لأنه أتى مباحا له إتيانه والآخر
ما لا تبيحه كالقتل والجراح والضرب وإفساد الأموال فهذا لا يبيحه الإكراه فمن أكره
على شيء من ذلك لزمه وفي التوضيح وقالت طائفة الإكراه في القول والفعل سواء إذا
أسر الإيمان روي ذلك عن عمر بن الخطاب وهو قول مكحول ومالك وطائفة من أهل العراق
ثم وجه الاستدلال بالحديث المذكور على التسوية بين القول والفعل وهو الذي عليه
الجمهور هو أن العمل يتناول فعل الجوارح والقلوب والأقوال فإن قلت إذا كان كذلك
يحتاج كل فعل إلى نية والمكره لا نية له فلا يؤاخذ قلت له نية وهي نية عدم الفعل
الذي أكره عليه فإن قلت ينبغي على هذا أن لا يؤاخذ الناس والمخطىء في الطلاق
والعتاق ونحوهما لأنه لا نية لهما قلت بل يؤاخذ فيصح طلاقه حتى لو قال اسقني فجرى
على لسانه أنت طالق وقع الطلاق لأن القصد أمر باطني لا يوقف عليه فلا يتعلق الحكم
لوجود حقيقته بل يتعلق بالسبب الظاهر الدال وهو أهليته والقصد بالبلوغ والعقل فإن
قلت ينبغي على هذا أن يقع طلاق النائم قلت المانع هو قوله عليه السلام رفع القلم
عن ثلاث
6940 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( خالد بن يزيد ) عن ( سعيد بن
أبي هلال ) عن ( هلال بن أسامة ) أن ( أبا سلمة بن عبد الرحمان ) أخبره عن ( أبي
هريرة ) أن النبي كان يدعو في الصلاة اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام
والوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر
وابعث عليهم سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة من حيث إن هؤلاء الذين كان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
يدعو لهم كانوا مكرهين في مكة أو من حيث إن المكره لا يكون إلا مستضعفا
وخالد بن يزيد من الزيادة الجمحي الإسكندراني الفقيه وسعيد بن أبي هلال الليثي
المدني وهلال بن أسامة منسوب إلى جده هو هلال بن علي ويقال له هلال بن أبي ميمونة
ويقال ابن أبي هلال
والحديث مضى في الاستسقاء عن قتيبة عن مغيرة بن عبد الرحمان عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الخ
قوله في الصلاة أي في القنوت وكان هذا سبب القنوت وعياش بفتح العين المهملة وتشديد
الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن أبي ربيعة من بني مخروم وسلمة بن هشام أخو
أبي جهل والوليد بن الوليد ابن عم أبي جهل والمستضعفين من المؤمنين من بعدهم من
باب ذكر العام بعد الخاص قوله وطأتك الوطأة الدوس بالقدم وهذا مجاز عن الأخذ
بالقهر والشدة قوله على مضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة أبو قريش
1 -
( باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر )
أي هذا باب في بيان من اختار في الإكراه الضرب والقتل والهوان أي الذلة والتضعف
والتحقر
6941 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي ) حدثنا ( عبد الوهاب أيوب ) عن
( أبي قلابة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول الله ثلاث من كن فيه وجد
حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا
لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث من حيث إنه سوى بين كراهية الكفر وبين كراهة
دخول النار والقتل والضرب والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار فيكون أسهل من
الكفر إن اختار الأخذ بالشدة
وعبد الوهاب بن عبد المجيد
(24/98)
الثقفي وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد
الله بن زيد الجرمي
والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب حلاوة الإيمان بهذا السند غير أن شيخه هناك
محمد بن المثنى ومضى الكلام فيه
قوله ثلاث أي ثلاث خصال قال الكرماني والجملة بعده إما صفة أو خبر له قلت على قوله
صفة كلامه ظاهر وأما على قوله أو خبر ففيه نظر قوله أن يكون كلمة أن مصدرية وهو
خبر لمبتدأ محذوف تقديره أو الثلاث كون الله ورسوله في محبته إياهما أكثر محبة من
محبة سواهما قوله وأن يحب المرء أي والثاني أن يحب المرء بالتقدير المذكور قوله
وأن يكره أي والثالث أن يكره وقال الكرماني قال لمن قال ومن عصاهما فقد غوي بئس
الخطيب أنت ثم أجاب بقوله ذمه لأن الخطبة ليس محل الاختصار فكان غير موافق لمقتضى
المقام
6942 - حدثنا ( سعيد بن سليمان ) حدثنا ( عباد ) عن ( إسماعيل ) سمعت ( قيسا )
سمعت ( سعيد بن زيد ) يقول لقد رأيتني وإن عمر موثقي على الإسلام ولو انقض أحد مما
فعلتم بعثمان كان محقوقا أن ينقض
انظر الحديث 3862 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث إن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه اختار القتل على
الإتيان بما يرضي القتلة فاختياره على الكفر بالطريق الأولى
وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد يلقب بسعدويه وعباد بفتح العين المهملة وتشديد
الباء الموحدة ابن العوام بتشديد الواو والواسطى وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو
ابن أبي حازم بالحاء المهملة وبالزاي وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو ابن عم عمر
بن الخطاب بن نفيل
والحديث قد مضى في باب إسلام سعيد بن زيد فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن
سفيان عن إسماعيل عن قيس قال سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة
يقول والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحدا
انقض للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض
قوله لقد رأيتني أي لقد رأيت نفسي وهو من خصائص أفعال القلوب قوله وإن عمر أي عمر
بن الخطاب رضي الله عنه الواو فيه للحال قوله موثقي اسم فاعل من الإيثاق وهو
الإحكام وأراد به يثبتني على الإسلام وأصل هذا من الوثاق وهو حبل أو قيد يشد به
الأسير والدابة قوله ولو انقض من الانقضاض بالقاف وهو الانصداع والانشقاق وفي
الرواية المتقدمة انفض بالفاء قوله أحد بضمتين وهو الجبل المعروف بالمدينة قوله
مما فعلتم أي بسبب ما فعلتم بعثمان بن عفان من المخالفة له والخروج عن طاعته وهو
أمير المؤمنين ثم حصرهم إياه ثم قتلهم له ظلما وعدوانا قوله محقوقا أي جديرا أن
ينقض أي ينشق وينصدع
6943 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال
شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا
تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء
بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما
يصده ذالك عن دينه والله ليتمن هاذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا
يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولاكنكم تستعجلون
انظر الحديث 3612 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث دلالة طلب خباب دعاء من النبي على الكفار لكونهم تحت قهرهم
وأذاهم كالمكرهين بما لا يريدون
و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( إسماعيل ) هو ابن أبي خالد و ( قيس ) هو ابن
أبي حازم المذكوران عن قريب وخباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى
ابن الأرت بفتح الهمزة وتشديد التاء المثناة من فوق ابن جندلة مولى خزاعة
والحديث مضى في علامات النبوة عن محمد بن المثنى عن يحيى وفي مبعث النبي ومضى
(24/99)
الكلام فيه
قوله بردة له ويروى متوسد بردة في ظل الكعبة وهو كساء أسود مربع والجمع برود
وأبراد قوله ألا في الموضعين للتحضيض قال ابن بطال إنما يجب النبي سؤال خباب ومن
معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون
عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى
ليؤجروا عليها وأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لعدم اطلاعهم
على ما اطلع عليه النبي وقال بعضهم وليس في الحديث تصريح بأنه لم يدع لهم بل يحتمل
أنه قد دعا قلت هذا احتمال بعيد لأنه لو كان دعا لهم لما قال قد كان من كان قبلكم
الخ وقوله هذا تسلية لهم وإشارة إلى الصبر على ذلك لينقضي أمر الله عز و جل ثم قال
هذا القائل وإلى ذلك الإشارة يعني إلى ما قاله من الاحتمال بقوله ولكنكم تستعجلون
قلت هذا لا يدل على أنه دعا لهم بل هذا يدل على أنهم لا يستعجلون في إجابة الدعاء
في الدنيا على أن الظاهر منه ترك الاستعجال في هذا الوقت ولو كان يجاب لهم فيما
بعد قوله يؤخذ يعني منهم قوله بالمنشار بكسر الميم وسكون النون وهي الآلة التي
ينشر بها الأخشاب ويروى الميشار بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف من وشر الخشبة
إذا نشرها غير مهموز وفيه لغة بالهمزة من أشر الخشبة قوله ما دون لحمه وعظمه أي من
تحتهما ويروى من دون لحمه قوله فما يصده أي فما يمنعه قوله هذا الأمر أي الإسلام
قوله من صنعاء بالمد وهي قاعدة اليمن ومدينتها العظمى وحضرموت بفتح الحاء وسكون
الضاد المعجمة وفتح الراء والميم وبضم الميم أيضا وبالهمزة بلدة أيضا باليمن وهو
كبعلبك في الإعراب قوله والذئب بالنصب عطف على لفظة الله أي ولا يخاف الذئب على
غنمه فافهم
2 -
( باب في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره )
أي هذا باب في بيان بيع المكره قوله ونحوه المضطر قوله في الحق أي في المالي قوله
وغيره أي غير الحق قيل لا دخل لهذه اللفظة فيه لأن الحديث في بيع اليهود وهو إكراه
بحق وأجاب الكرماني بأن المراد بالحق المالي وغيره الجلاء بالجيم أو المراد بالحق
الجلاء والمراد بغير مثل الجنايات
6944 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( الليث ) عن ( سعيد المقبري ) عن
أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول
الله فقال انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي فناداهم
يا معشر يهود أسلموا تسلموا فقالوا قد بلغت يابا القاسم فقال ذالك أريد ثم قالها
الثانية فقالوا قد بلغت يابا القاسم ثم قال الثالثة فقال اعلموا أن الأرض لله
ورسوله وإني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض
لله ورسوله
انظر الحديث 3167 وطرفه
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الحديث أشبه ببيع المضطر فإن المكره على
البيع هو الذي يحمل على بيع الشيء أراد أو لم يرد واليهود شحوا على أموالهم
فاختاروا بيعها فصاروا كأنهم اضطروا إلى بيعها فصاروا كالمضطرب إلى بيع ماله عند
تضييق دائنه عليه فيكون جائزا ولو أكره عليه لم يجز وأجيب بأنه لو كان الإلزام
بالبيع من جهة الشرع لجاز على أنا قد ذكرنا أن المراد بقوله في الترجمة ببيع
المكره ونحوه هو المضطر وقيل ترجم بالحق وغيره ولم يذكر إلا الشق الأول وأجيب بأن
مراده بالحق الدين وبغيره ما عداه مما يكون بيعه لازما لأن اليهود أكرهوا على بيع
أموالهم لا لدين عليهم
وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني يروي عن الليث بن سعد عن سعيد
المقبري عن أبيه كيسان عن أبي هريرة
والحديث مضى في الجزية عن عبد الله بن يوسف عن الليث وسيجيء في الاعتصام عن قتيبة
عن الليث وأخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في السير جميعا عن
قتيبة
قوله يهود غير منصرف قوله بيت المدراس بكسرالميم وبالسين المهملة
(24/100)
على وزن مفعال وزن الآلة وهو الموضع الذي كانوا
يقرأون فيه التوراة وقال ابن الأثير مفعال غريب في المكان والظاهر أنه للمبالغة
وقال الكرماني وإضافة البيت إليه من إضافة العام إلى الخاص نحو شجر الأراك قوله
فناداهم وفي رواية الكشميهني فنادى قوله أسلموا بكسر اللام أمر و تسلموا من
السلامة جوابه قوله يا أبا القاسم أصله يا أبا القاسم حذفت الهمزة للتخفيف قوله
ذلك أريد أي بقولي أسلموا يعني إن اعترفتم أنني بلغتكم سقط عني الحرج قوله اعلموا
أن الأرض وفي رواية الكشميهني إنما الأرض في الموضعين قوله ورسوله قال الداودي لله
افتتاح كلام وقوله ورسوله حقيقة لأنها فيما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب
وقال غيره المراد أن الحكم لله في ذلك وللرسول لكونه المبلغ عنه القائم بتنفيذ
أوامره قوله أجليكم بضم الهمزة من الإجلاء وهو الإخراج عن أرضهم قوله فمن وجد منكم
بماله قال الكرماني الباء فيه للمقابلة
3 -
( باب لا يجوز نكاح المكره )
أي هذا باب في بيان أنه لا يجوز نكاح المكره
وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما
ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من مال الله الذى ءاتاكم ولا
تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيواة الدنيا ومن يكرههن
فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم
قال صاحب التوضيح إدخال البخاري هذه الآية في هذا الباب لا أدري ما وجهه ثم استدرك
ما ذكره بما فيه الجواب وهو أنه إذا نهى عن الإكراه فيما لا يحل فالنهي عن الإكراه
فيما يحل بالطريق الأولى قال الثعلبي هذه الآية نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد
الله بن أبي المنافق كان يكرههما على الزنا بضريبة يأخذها منهما وكذلك كانوا
يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة إن هذا
الأمر الذي نحن فيه لا يخل من وجهين فإن يكن خيرا فقد استكثرنا منه وإن يكن شرا
فقد آن لنا أن ندعه فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية قوله فتياتكم أي إماءكم
جمع فتاة قوله على البغاء أي على الزنا وقال ابن الأثير يقال بغت المرأة تبغي بغيا
بالكسر إذا زنت فهي بغي فجعلوا البغاء على زنة العيوب كالحران والشراد لأن الزنى
عيب قوله إن أردن كلمة إن هنا بمعنى إذا أردن وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز
إكراههن على الزنى إن لم يردن تحصنا نظيرها قوله تعالى الم والتحصن التعفف قوله
ومن يكرههن أي بعد النهي لهن فإن الله غفور رحيم والوزر على المكره
6945 - حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عبد
الرحمان ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها
زوجها وهي
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن قزعة ) بفتح القاف والزاي والعين المهملة
الحجازي من أفراد البخاري وعبد الرحمان بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن
أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومجمع على وزن اسم الفاعل من التجمع ابن يزيد
بن جارية بالجيم وبالياء آخر الحروف قال أبو عمر يزيد بن جارية والد عبد الرحمان
شهد خطبة الوداع وروى منها ألفاظا وخنساء بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين
المهملة وبالمد بنت خذام بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الذال المعجمة ابن وديعة
الأنصارية من الأوس
والحديث مضى في النكاح في باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها ومضى
الكلام فيه
قوله وهي ثيب كذا في رواية ( مالك ) وروى محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه
عن جدته خنساء بنت خذام قال وكانت أيما من رجل فزوجها أبوها رجلا من بني عوف
الحديث وقال محمد بن سحنون جمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة قالوا ولا
يجوز المقام عليه لأنه لم ينعقد وقال ابن القاسم
(24/101)
لا يلزم المكره ما أكره عليه من نكاح أو طلاق أو عتق
أو غيره وقال محمد بن سحنون وأجاز أهل العراق نكاح المكره
6946 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي
مليكة ) عن ( أبي عمرو ) وهو ( ذكوان ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قلت يا
رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال نعم قلت فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت
قال سكاتها إذنها
انظر الحديث 5137 وطرفه
مطابقته للترجمة من حيث يفهم منه أن نكاح البكر لا يجوز إلا برضاها وبغير رضاها
يكون حكمها حكم المكره
ومحمد بن يوسف يجوز أن يكون الفريابي وشيخه سفيان الثوري ويجوز أن يكون البيكندي
البخاري وشيخه سفيان بن عيينة فإن كلا من السفيانين مشهور بالرواية عن ابن جريج
وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ولكن جزم أبو نعيم أن هذا الحديث إنما هو عن
الفريابي فإنه إذا أطلق سفيان ولم ينسبه فهو الثوري وإذا أراد سفيان بن عيينة نسبه
وابن أبي مليكة هو عبيد الله بن عبد الله أو عبد الرحمان بن أبي مليكة بضم الميم
واسمه زهير التيمي المكي الأحول القاضي على عهد ابن الزبير وأبو عمرو بفتح العين
اسمه ذكوان مولى عائشة رضي الله تعالى عنها وكانت قد دبرته
ومضى الحديث في النكاح
قوله تستأمر على صيغة المجهول يعني تستشار النساء في عقد نكاحها قوله في إبضاعهن
قال الكرماني جمع بضع قلت ليس كذلك وليس بجمع بل هو بكسر الهمزة من أبضعت المرأة
إبضاعا إذا زوجتها قوله فتستحي بياء واحدة وفيه لغة أخرى فتستحيي بياءين قوله
سكاتها وفي رواية الإسماعيلي سكوتها وفي الرواية التي تقدمت في النكاح بلفظ صمتها
4 -
( باب إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أكره الرجل حتى وهب عبده لشخص أو باعه له لم يجز أي لم
يصح لا الهبة ولا البيع والعبد باق على ملكه
وبه قال بعض الناس
أي بالحكم المذكور قال بعض الناس وهو عدم جواز هبة المكره عبده وكذا بيعه قلت إن
أراد ببعض الناس الحنفية فمذهبهم ليس كذلك فإن مذهبهم أن شخصا إذا أكره على بيع
ماله أوهبته لشخص أو على إقراره بألف مثلا لشخص ونحو ذلك فباع أو وهب وأقر ثم زال
الإكراه فهو بالخيار إن شاء أمضى هذه الأشياء وإن شاء فسخها لأن الملك ثبت بالعقد
لصدوره من أهله في محله إلا أنه قد شرط الحل وهو التراضي فصار كغيره من الشروط
المفسدة حتى لو تصرف فيه تصرفا لا يقبل النقض كالعتق والتدبير ونحوهما لا ينفذ
وتلزمه القيمة وإن أجازه جاز لوجود التراضي بخلاف البيع الفاسد لأن الفساد لحق
الشرع
فإن نذر المشتري فيه نذرا فهو جائز بزعمه
أراد بهذا الكلام التشنيع على هؤلاء البعض من الناس وإثبات تناقضهم في كلامهم أي
قال هؤلاء البعض فإن نذر المشتري يعني المشتري من المكره في الذي اشتراه نذرا فهو
جائز قوله بزعمه أي بقوله
وكذلك إن دبره
أي وكذلك قال هؤلاء البعض إن دبر المشتري من المكره العبد الذي اشتراه وبيان
التناقض الذي زعمه البخاري فيما قاله الكرماني قال قال المشايخ إذا قال البخاري
بعض الناس يريد به الحنفية وغرضه أن يبين أن كلامهم متناقض
(24/102)
لأن بيع الإكراه هل هو ناقل للملك إلى المشتري أم لا
فإن قالوا نعم فصح منه جميع التصرفات ولا يختص بالنذر والتدبير وإن قالوا لا فلا
يصحان هما أيضا وأيضا فيه تحكم وتخصيص قلت أولا ليس مذهب الحنفية في هذا كما زعمه
البخاري كما ذكرنا وثانيا إنا نمنع هذا الترديد في نقل الملك وعدمه بل الملك يثبت
بالعقد لصدوره من أهله في محله إلا أنه قد شرط الحل وهو التراضي فصار كغيره من
الشروط المفسدة حتى لو تصرف فيه تصرفا لا يقبل النقض كالعتق والتدبير ونحوهما ينفذ
وتلزمه القيمة وإن أجازه جاز لوجود التراضي بخلاف البيع الفاسد لأن الفساد لحق
الشرع
6947 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو بن دينار ) عن (
جابر ) رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار دبر مملوكا ولم يكن له مال غيره فبلغ ذلك
رسول الله فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم النحام بثمانمائة درهم قال فسمعت جابرا
يقول عبدا قبطيا مات عام أول
قال الداودي ما حاصله أنه لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه لا إكراه فيه ثم قال
إلا أن يراد أنه باعه وكان كالمكره له على بيعه
وأبو النعمان محمد بن الفضل والحديث مضى في العتق
قوله أن رجلا اسمه أبو مذكور والمملوك اسمه يعقوب والمشتري نعيم بضم النون وفتح
العين المهملة وقد وقع في بعض النسخ نعيم بن النحام والصواب نعيم النحام بدون لفظ
الابن لأنه قال سمعت في الجنة نحمة نعيم أي سعلته فهو صفته لا صفة أبيه قوله عبدا
قبطيا أي من قبط مصر
وفيه جواز بيع المدبر قيل هو حجة على الحنفية في منع بيع المدبر وأجابوا بأن هذا
محمول على المدبر المقيد وهو يجوز بيعه إلا أن يثبتوا أنه كان مدبرا مطلقا ولا
يقدرون على ذلك وكونه لم يكن له مال غيره ليس علة لجواز بيعه لأن المذهب فيه أن
يسعى في قيمته وجواب آخر أنه محمول على بيع الخدمة والمنفعة لا بيع الرقبة لما روى
الدارقطني بإسناده عن أبي جعفر أنه قال شهدت الحديث من جابر إنما أذن في بيع خدمته
وأبو جعفر ثقة
5 -
( باب من الإكراه كره وكره واحد )
أي هذا باب في جملة ما ورد في أمر الإكراه مما تضمنته الآية المذكور في الباب
وفيها لفظ كرها بفتح الكاف أشار البخاري بأن لفظ كره بالفتح وكره بالضم واحد في
المعنى قوله كره وكره بالرفع ويروى كرها وكرها على ما في الآية وهو الأوجه ولم يقع
هذا في رواية النسفي وقيل الكره بالضم ما أكرهت نفسك عليه وبالفتح ما أكرهك عليه
غيرك
6948 - حدثنا ( حسين بن منصور ) حدثنا ( أسباط بن محمد ) حدثنا ( الشيباني سليمان
بن فيروز ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) وقال ( الشيباني ) وحدثني ( عطاء أبو
الحسن السوائي ) ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما ياأيها الذين
ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النسآء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض مآ ءاتيتموهن
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا
ويجعل الله فيه خيرا كثيرا الآية قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته
إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجها وإن شاؤوا لم يزوجها فهم أحق بها من أهلها
فنزلت هاذه الآية بذلك
انظر الحديث 4579
مطابقته للترجمة في قوله كرها في الآية
وحسين بن منصور النيسابوري ما له في البخاري إلا هذا الموضع مات سنة ثمان وثلاثين
ومائتين وأسباط بلفظ الجمع ابن محمد القرشي الكوفي وعطاء أبو الحسن السوائي بضم
السين المهملة وخفة الواو وبالهمزة بعد الألف نسبة إلى سواء بن عامر بن صعصعة بن
معاوية بن بكر بن هوازن بطن كبير وهو من أفراد البخاري
والحديث مر تفسيره في سورة النساء
قوله قال كان ويروى كانوا وهي الأصح قوله فهم أي أهل الرجل ويروى
(24/103)
وهم بالواو قوله في ذلك ويروى بذلك
وقال المهلب فائدة هذا الباب والله أعلم التعريف بأن كل من أمسك امرأة لأجل الإرث
منها طمعا أن تموت فلا يحل له ذلك بنص القرآن
6 -
( باب إذا استكرهت المرأة على الزنى فلا حد عليها )
أي هذا باب يذكر فيه إذا استكرهت المرأة على الزنى فلا يجب الحد عليها لأنها مكرهة
لقوله تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون
الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من مال الله الذى
ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحيواة الدنيا
ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم
ويروى في قوله تعالى والأول أصوب وجه مناسبة الآية للترجمة من حيث إن فيها دلالة
على أن لا إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحد قوله ومن يكرههن
أي بعد النهي بقوله تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من
مال الله الذى ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض
الحيواة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم قوله غفور رحيم أي
لهن وقد قرىء في الشاذ فإن الله من بعد إكراهن لهن غفور رحيم وهي قراء ابن مسعود
وجابر وسعيد بن جبير ونسبت أيضا إلى ابن عباس وقال الطيبي يستفاد منه الوعيد
الشديد للمكرهين لهن وفي ذكر المغفرة والرحمة تعريض وتقديره انتهوا أيها المكرهون
فإنهن مع كونهن مكرهات قد يؤاخذن لولا رحمة الله ومغفرته فكيف بكم أنتم
6949 - وقال ( الليث ) حدثني ( نافع ) أن ( صفية بنت أبي عبيد ) أخبرته أن عبدا من
رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها حتى افتضها فجلده عمر الحد ونفاه
ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها
مطابقته للترجمة ظاهرة وتعليق الليث بن سعد الذي رواه عن نافع مولى ابن عمر وصله
أبو القاسم البغوي عن العلاء بن موسى عن الليث وصفية بنت أبي عبيد الثقفية امرأة
عبد الله بن عمر ويروى ابنة أبي عبيد
قوله الإمارة بكسر الهمزة أي من مال الخليفة وهو عمر رضي الله عنه
قوله من الخمس أي من مال خمس الغنيمة الذي يتعلق التصرف فيه بالإمام ومعنى قوله
وقع على وليدة زنا بها قوله افتضها أي أزال بكارتها ومادته قاف وضاد معجمة مأخوذة
من القضة بكسر القاف وهي عذرة البكرة
وفيه إن عمر كان يرى نفي الرقيق كالحر من البلد يعني يغربه نصف سنة لأن حده نصف حد
الحر في الجلد واختلفوا في وجوب الصداق لها فقال عطاء والزهري نعم وهو قول مالك
وأحمد وإسحاق وأبي ثور وقال الشعبي إذا أقيم عليها الحد فلا صداق لها وهو قول
الكوفيين
قال الزهري في الأمة البكر يفترعها الحر يقيم ذالك الحكم من الأمة العذراء بقدر
قيمتها ويجلد وليس في الأمة الثيب في قضاء الأئمة غرم ولكن عليه الحد
أي قال محمد بن مسلم الزهري إلى آخره قوله يفترعها بالفاء والراء والعين المهملة
أي يفتضها قوله يقيم قال الكرماني ويقيم إما بمعنى يقوم وإما من قامت الأمة مائة دينار
إذا بلغت قيمتها قوله ذلك أي الاقتراع قوله الحكم بفتحتين أي الحاكم قوله العذراء
أي البكر قوله بقدر قيمتها أي على الذي افتضها ويروى بقدر ثمنها والمعنى أن الحاكم
يأخذ من المفترع دية الافتراع نسبة قيمتها أي أرش النقص وهو التفاوت بين كونها
بكرا وثيبا وفائدة قوله ويجلد دفع توهم من يظن أن الغرم يغني عن الجلد قوله غرم أي
غرامة وقول مالك كقول الزهري كما نقل عن المهلب
6950 - حدثنا ( أبو اليمان ) حدثنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج )
عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله هاجر إبراهيم بسارة دخل بها قرية فيها ملك من
الملوك أو جبار من الجبابرة فأرسل إليه أن أرسل إلي بها فأرسل بها فقام إليها
فقامت توضأ وتصلي فقالت
(24/104)
اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي الكافر
فغط حتى ركض برجله
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إنه كما لا ملامة عليها في الخلوة معه إكراها فكذلك
المستكرهة في الزنا لا حد عليها كذا قاله الكرماني وصاحب التوضيح قلت الأقرب أن
يقال وجه المطابقة من حيث إنه أكره إبراهيم عليه السلام على إرسالها إليه
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله
بن ذكوان والأعرج عبد الرحمان بن هرمز
ومضى الحديث في آخر البيع وفي أحاديث الأنبياء عليهم السلام
قوله هاجر إبراهيم عليه السلام قال الكرماني من العراق إلى الشام قلت قال أهل
السير من بيت المقدس إلى مصر وسارة أم إسحاق عليهما السلام قوله دخل بها قرية قال
الكرماني هي حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون وهي كانت مدينة عظيمة
تعدل ديار مصر في حد الجزيرة بين الفرات ودجلة واليوم هي خرابة قيل كان مولد
إبراهيم بها وقول الكرماني قرية هي حران فيه نظر والذي ذكره أهل السير هي مصر ومما
يؤيد هذا الذي ذكره قول من قال إن حران هي التي ولد فيها إبراهيم عليه السلام قوله
أو جبار شك من الراوي قوله فأرسل إليه أي أرسل ذلك الجبار إلى إبراهيم عليه السلام
فأرسل بها إبراهيم عليه السلام كرها قوله توضأ بضم الهمزة أصله تتوضأ فحذفت منه
إحدى التاءين قوله إن كنت ليس على الشك لأنها لم تكن شاكة في إيمانها وإنما هو على
خلاف مقتضى الظاهر فيؤول بنحو إن كنت مقبولة الإيمان قوله فغط بضم الغين المعجمة
وتشديد الطاء المهملة أي خنق وصرع وقال الداودي ورويناه هنا بالعين المهملة ويحتمل
أن يكون من العطعطة وهي حكاية صوت وقال الشيباني العطوط المغلوب ذكره الجوهري في باب
العين المهملة قوله حتى ركض برجله أي حركه ودفع وجمع ولم يذكر البخاري حكم إكراه
الرجل على الزنى فذهب الجمهور إلى أنه لا حد عليه وقال مالك وجماعة عليه الحد لأنه
لا تنتشر الآلة إلا بلذة وسواء أكرهه سلطان أو غيره وعن أبي حنيفة لا يحد إن أكرهه
سلطان وخالفه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
7 -
( باب يمين الرجل لصاحبه إنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوهوكذالك كل مكره يخاف
فإنه يذب عنه الظالم ويقاتل دونه ولا يخذلهفإن قاتل دون المظلوم فلا قود عليه ولا
قصاص )
أي هذا باب في بيان يمين الرجل أنه أخوه إذا خاف عليه القتل بأن يقتله ظالم إن لم
يحلف اليمين الذي أكرهه الظالم عليها قوله أو نحوه أي أو نحوه القتل مثل قطع اليد
أو قطع عضو من أعضائه قوله فإنه يذب بفتح الياء آخر الحروف وضم الذال المعجمة أي
يدفع عنه الظالم ويروى المظالم جمع مظلمة ويروى ويدرء عنه الظالم أي يدفعه ويمنعه
منه قوله ويقاتل دونه أي يقاتل عنه ولا يخذله له أي لا يترك نصرته قوله فإن قاتل
دون المظلوم أي عن المظلوم قوله فلا قود عليه ولا قصاص قال صاحب التوضيح يريد ولا
دية لأن الدية تسمى أرشا وقال الكرماني لم كرر القود إذ هو القصاص بعينه ثم أجاب
بأنه لا تكرار إذ القصاص أعم من أن يكون في النفس ويستعمل غالبا في القواد أو هو
تأكيد قلت في الجواب الثاني نظر لا يخفى وقال ابن بطال ذهب مالك والجمهور إلى أن
من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم أنه لا حنث عليه وقال الكوفيون
يحنث لأنه كان له أن يوري فلما ترك التورية صار قاصدا لليمين فيحنث
وإن قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لتبيعن عبدك أو تقر بدين أو تهب هبة
وكل عقدة أو لنقتلن أباك أو أخاك في الإسلام وسعه ذالك لقول النبي المسلم أخو
المسلم
(24/105)
أي إن قيل لرجل يعني لو قال رجل لرجل لتشربن الخمر
وأكرهه على ذلك أو قال لتأكلن الميتة وأكرهه على ذلك أو قال له لتبيعن عبدك وأكرهه
على ذلك وهذه الألفاظ الثلاثة كلها مؤكدة بالنون الثقيلة وباللامات المفتوحة في
أوائلها قوله أو تقر أي أو قال له لتقر بدين لفلان وأكرهه على ذلك أو قال له تهب
هبة لفلان وأكرهه على ذلك قوله وكل عقدة لفظ كل مضافة إلى لفظ عقدة وهو مبتدأ
وخبره محذوف أي كذلك نحو أن يقول لتقرضن أو لتؤجرن ونحوهما ويروى أو تحل عقدة عطف
على ما قبله وتحل فعل مضارع مخاطب من الحل بالحاء المهملة قال الكرماني المراد بحل
العقدة فسخها قوله أباك أو أخاك في الإسلام إنما قيد بالإسلام ليجعله أعم من الأخ
القريب من النسب قوله وسعه ذلك أي جاز له له لنقتلن أباك أو قال أي الأكل والشرب
والإقرار والهبة لتخليص الأب والأخ في الدين يعني المؤمن عن القتل وقال ابن بطال
مراد البخاري أن من هدد بقتل والده أو بقتل أخيه في الإسلام إن لم يفعل شيئا من
المعاصي أو يقر على نفسه بدين ليس عليه أو يهب شيئا لغيره بغير طيب نفس منه أو يحل
عقدا كالطلاق والعتاق بغير اختياره فله أن يفعل جميع ما هدده به لينجو أبوه من
القتل وكذا أخوه المسلم قوله لقول النبي دليل قوله أو أخاك في الإسلام وقد تقدم
هذا الحديث في باب المظالم
وقال بعض الناس لو قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لتقتلن ابنك أو أباك
أو ذا رحم محرم لم يسعه لأن هاذا ليس بمضطر ثم ناقض فقال إن قيل له لنقتلن أباك أو
ابنك أو لتبيعن هاذا العبد أو تقر بدين أو تهب يلزمه في القياس ولاكنا نستحسن
ونقول البيع والهبة وكل عقدة في ذالك باطل فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير
كتاب ولا سنة
قيل أراد ببعض الناس الحنفية قوله لو قيل له أي قال ظالم لرجل وأراد قتل والده
لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة قوله أو لنقتلن ابنك أي أو قال لنقتلن ابنك إن لم
تفعل ما أقول لك قوله أو ذا رحم محرم أي أو قال لنقتلن ذا رحم محرم لك إن لم تفعل
كذا والمحرم هو من لا يحل نكاحها أبدا لحرمته قوله لم يسعه أي لم يسعه أن يفعل ما
أمره به لأنه ليس بمضطر في ذلك لأن الإكراه إنما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في
خاصة نفسه لا في غيره وليس له أن يدفع بها معاصي غيره فإن فعل يأثم وعند الجمهور
لا يأثم وقال الكرماني يحتمل أن يقال إنه ليس بمضطر لأنه مخير في أمور متعددة
والتخيير ينافي الإكراه وقال بعضهم قوله في أمور متعددة ليس كذلك بل الذي يظهر أن
أو فيه للتنويع لا للتخيير وأنها أمثلة لأمثال واحد قلت ما الذي يظهر أن أو فيه
للتنويع بل هي للتخيير لأنها وقعت بعد الطلب قوله ثم ناقض الضمير فيه يرجع إلى بعض
الناس بيان التناقض على زعمه أنهم قالوا بعدم الإكراه في الصورة الأولى وقالوا به
في الصورة الثانية من حيث القياس ثم قالوا ببطلان البيع ونحوه استحسانا فقد ناقضوا
إذ يلزم القول بالإكراه وقد قالوا بعدم الإكراه قلت هذه المناقضة ممنوعة لأن
المجتهد يجوز له أن يخالف قياس قوله بالاستحسان والاستحسان حجة عند الحنفية قوله
فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة أراد به أن مذهب الحنفية في ذي
الرحم بخلاف مذهبهم في الأجنبي فلو قيل لرجل لتقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن
كذا ففعل لينجيه من القتل لزمه البيع ولو قيل له ذلك في ذي رحم محرم لم يلزمه ما
عقده قلت هذا أيضا بطريق الاستحسان وهو غير خارج عن الكتاب والسنة أما الكتاب
فقوله تعالى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولائك الذين هداهم الله وأولائك
هم أولو الالباب وأما السنة فقوله ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وقال
الكرماني وما ذكره البخاري من أمثال هذه المباحث غير مناسب لوضع هذا الكتاب إذ هو
خارج عن فنه قلت أنكر عليه بعضهم هذا الكلام فقال للبخاري أسوة بالأئمة الذين سلك
طريقهم كالشافعي وأبي ثور والحميدي وأحمد وإسحاق فهذه طريقتهم في البحث انتهى قلت
لم يسلك أحد منهم فيما جمعه من الحديث خاصة هذا المسلك وإنما ذكروا في مؤلفات
مشتملة على الأصول والفروع وإن ذكر أحد
(24/106)
منهم هذه المباحث في كتب الحديث خاصة فالكلام عليه
أيضا وارد على أن أحدا لا ينازع أن البخاري لا يساوي الشافعي في الفقه ولا في
البحث عن مثل هذه المباحث
وقال النبي قال إبراهيم لامرأته هاذه أختي وذالك في الله
هذا استشهد به البخاري على عدم الفرق بين القريب والأجنبي في هذا الباب وبيان ذلك
أن إبراهيم عليه السلام قال لامرأته وهي سارة وكذا في رواية الكشميهني هذه أختي
يعني في الإسلام فإذا كانت أخته في الإسلام وجبت عليه حمايتها والدفع عنها قوله
وذلك في الله من كلام البخاري يعني قوله هذه أختي لإرادة التخلص فيما بينه وبين
الله قلت فرقهم بين القريب والأجنبي أيضا استسحان لأنه إذا وجبت حماية أخيه المسلم
في الدين على ما قالوا فحماية قريبه أوجب
وقال النخعي إذا كان المستخلف ظالما فنية الحالف وإن كان مظلوما فنية المستحلف
أي قال إبراهيم النخعي إذا كان المستحلف ظالما فالمعتبر نية الحالف وإن كان مظلوما
فالمعتبر نية المستحلف قيل كيف يكون المستحلف مظلوما وأجيب بأن المدعي المحق إذا
لم تكن له نية ويستحلفه المدعى عليه فهو مظلوم وأثر إبراهيم هذا وصله محمد بن
الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عنه بلفظ إذا استحلف الرجل وهو مظلوم
فاليمين على ما نوى وعلى ما روى وإذا كان ظالما فاليمين على نية من استحلفه وقال
ابن بطال قول النخعي يدل على أن النية عنده نية المظلوم أبدا أو إلى مثله ذهب مالك
والجمهور وعند أبي حنيفة النية نية الحالف أبدا وقال غيره ومذهب الشافعي أن الحلف
إذا كان عند الحاكم فالنية نية الحاكم وهي راجعة إلى نية صاحب الحق وإن كان في غير
الحاكم فالنية نية الحالف
6951 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أن (
سالما ) أخبره أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله قال
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته
انظر الحديث 2442
مطابقته للترجمة من حيث إن المسلم تجب عليه حماية أخيه المسلم
والحديث قد مر في كتاب المظالم بعين هذا الإسناد بأتم منه
قوله ولا يسلمه من الإسلام وهو الخذلان قوله في حاجته أي في قضاء حاجته
6952 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) حدثنا ( سعيد بن سليمان ) حدثنا ( هشيم )
أخبرنا ( عبيد الله بن أبي بكره بن أنس ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال قال رسول
الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما
أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره
انظر الحديث 2443 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الرحيم البزاز بمعجمتين الملقب بصاعقة وهو من
طبقة البخاري في أكثر شيوخه وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد وهو أيضا من شيوخ
البخاري وقد روى عنه بغير واسطة في مواضع وهشيم مصغر هشيم ابن بشير مصغر بشر الواسطي
وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس يروي عن جده أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
والحديث مر في كتاب المظالم من حديث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس وحميد الطويل
سمعا أنس بن مالك يقول قال رسول الله انصر أخاك ظالما أو مظلوما انتهى هذا المقدار
وأخرجه فيه أيضا عن مسدد عن معتمر عن حميد عن أنس قال قال رسول الله انصر أخاك
ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما
(24/107)
فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يده
قوله أفرأيت أي أخبرني والفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة وفيه نوعان من المجاز
أطلق الرؤية وأراد الإخبار وأطلق الاستفهام وأراد الأمر والعلاقتان ظاهرتان وكذا
القرينة قوله إذا كان ظالما كيف أنصره أي كيف أنصره على ظلمه قوله تحجزه بالحاء
المهملة والجيم والزاي تمنعه ويروى تحجره بالراء موضع الزاي من الحجر وهو المنع
قوله أو تمنعه شك من الراوي قوله فإن ذلك أي منعه عن الظلم نصره
( كتاب الحيل )
أي هذا كتاب في بيان الحيل وهو جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى المقصود بطريق خفي
وقال الجوهري الحيلة بالكسر اسم من الاحتيال ذكره في فصل الياء ثم قال وهو من
الواو ويقال هو أحيل منك وأحول منك أي أكثر حيلة وما أحيله لغة فيما أحوله
1 -
( باب في ترك الحيل )
أي هذا باب في بيان ترك الحيل قيل أشار بلفظ الترك إلى دفع توهم جواز الحيل في
الترجمة الأولى قلت الترجمة الأولى بعمومها تتناول الحيلة الجائزة والحيلة الغير
الجائزة وأطلقها لأن من الحيل ما لا يمنع منها وفي هذه الترجمة بين أحد النوعين
وهو الترك
وأن لكل امرىء ما نوي في الأيمان وغيرها
أي هذا في بيان أن لكل امرىء ما نوى وهذا قطعة من الحديث الذي يأتي الآن وأيضا مضى
في أول الكتاب وهو قوله إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى الحديث ومضى
الكلام فيه مبسوطا قوله في الأيمان وغيرها من كلام البخاري والأيمان بفتح الهمزة
جمع يمين قوله وغيرها وفي رواية الكشميهني قيل وجه ذلك إرادة اليمين المستفادة من
الأيمان وفيه نظر لا يخفى وهذا الحديث محمول على العبادات والبخاري عمم في ذلك
بحيث يشتمل كلامه على المعاملات أيضا
6953 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن يحياى بن سعيد عن محمد بن
إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب قال سمعت
النبي يقول يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية وإنما لامرىء ما نوى فمن كانت هجرته
إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة
يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
مطابقته للترجمة من حيث إن مهاجر أم قيس جعل الهجرة حيلة في تزويج أم قيس
وأبو النعمان محمد بن الفضل و ( يحيى بن سعيد ) القطان و ( محمد بن إبراهيم )
التيمي وقد شرحت هذا الحديث في أول الكتاب لم يشرح أحد مثله من الشراح المتقدمين
والمتأخرين واحتج بهذا الحديث من قال بإبطال الحيل ومن قال بإعمالها لأن مرجع كل
من الفريقين إلى نية العامل وفي المحيط كتاب الحيل ومشروعيته بقوله تعالى في قصة
أيوب عليه السلام وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه
أواب وهي الفرار والهروب عن المكروه والاحتيال للهروب عن الحرام والتباعد عن
الوقوع في الآثام لا بأس به بل هو
(24/108)
مندوب إليه وأما الاحتيال لإبطال حق المسلم فإثم
وعدوان وقال النسفي في الكافي عن محمد بن الحسن قال ليس من أخلاق المؤمنين الفرار
من أحكام الله بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق
2 -
( باب في الصلاة )
أي هذا باب في بيان دخول الحيلة في الصلاة
6954 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) عن (
أبي هريرة ) عن النبي قال لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
انظر الحديث 135
وقال الكرماني فإن قلت ما وجه تعلق الحديث بالكتاب قلت قالوا مقصود البخاري الرد
على الحنفية حيث صححوا صلاة من أحدث في الجلسة الأخيرة وقالوا إن التحلل يحصل بكل
ما يضاد الصلاة فهم متحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحدث ووجه الرد أنه محدث في
الصلاة فلا تصح لأن التحلل منها ركن فيها لحديث وتحليلها التسليم كما أن التحريم
بالتكبير ركن منها وحيث قالوا المحدث في الصلاة يتوضأ ويبني وحيث حكموا بصحتها عند
عدم النية في الوضوء بعلة أنه ليس بعبادة انتهى
وقال ابن المنير أشار البخاري بهذه الترجمة إلى رد قول من قال بصحة صلاة من أحدث
عمدا في أثناء الجلوس الأخير ويكون حدثه كسلامه بأن ذلك من الحيل لتصحيح الصلاة مع
الحدث انتهى وقال ابن بطال فيه رد على من قال إن من أحدث في القعدة الأخيرة إن
صلاته صحيحة انتهى وقيل التحريم يقابله التسليم لحديث تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم فإذا كان أحد الطرفين ركنا كان الطرف الآخر ركنا
قلت لا مطابقة بين الحديث والترجمة أصلا فإنه لا يدل أصلا على شيء من الحيل وقول
الكرماني فهم متحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحدث كلام مردود غير مقبول أصلا لأن
الحنفية ما صححوا صلاة من أحدث في القعدة الأخيرة بالحيلة وما للحيلة دخل أصلا في
هذا بل حكموا بذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لابن مسعود رضي الله تعالى
عنه إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك رواه أبو داود في سننه ولفظه إذا قلت
هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد ورواه أحمد
في مسنده وابن حبان في صحيحه وهذا ينافي فرضية السلام في الصلاة لأنه خير المصلي
بعد القعود بقوله إن شئت أن تقوم إلى آخره وهو حجة على الشافعي في قوله السلام فرض
وما حملهم على هذا الكلام الساقط إلا فرط تعصبهم الباطل
وقوله وجه الرد أنه محدث في صلاته فلا تصح غير صحيح لأن صلاته قد تمت وقوله لحديث
وتحليلها التسليم استدلال غير صحيح لأنه خبر من أخبار الآحاد فلا يدل على الفرضية
وكذلك استدلالهم على فرضية تكبيرة الافتتاح بقوله تحريمها التكبير غير صحيح لما
ذكرنا بل فرضيته بقوله تعالى وربك فكبر المراد به في الصلاة إذ لا يجب خارج الصلاة
بإجماع أهل التفسير ولا مكان يجب فيه إلا في افتتاح الصلاة وقوله بعلة أنه لبس
بعبادة كلام ساقط أيضا لأن الحنفية لم يقولوا إن الوضوء ليس بعبادة مطلقا بل قالوا
إنه عبادة غير مستقلة بذاتها بل هو وسيلة إلى إقامة الصلاة وقول ابن المنير أيضا
بأن ذلك من الحيل لتصحيح الصلاة مردود كما ذكرنا وجهه وقول ابن بطال فيه رد الخ
كذلك مردود لأن الحديث لا يدل على ما قاله قطعا وقول من قال فإذا كان أحد الطرفين
ركنا كان الطرف الآخر ركنا غير سديد ولا موجة أصلا لعدم استلزام ذلك على ما لا
يخفى
قوله حدثني إسحاق ويروى حدثنا إسحاق وهو ابن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري كان
ينزل بالمدينة بباب سعد يروي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن همام
بتشديد الميم ابن منبه الأبناوي الصنعاني
والحديث مضى في الطهارة ومضى الكلام فيه
3 -
( باب في الزكاة )
(24/109)
أي هذا باب في بيان ترك الحيل في إسقاط الزكاة وفيه
خلاف سيأتي
وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة
أي وفي بيان أن لا يفرق إلى آخره وهو لفظ الحديث الأول في الباب وهو قطعة من حديث
طويل مضى في الزكاة بالسند المذكور ومضى الكلام فيه
6955 - حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) حدثنا أبي حدثنا ( ثمامة بن عبده الله
بن أنس ) أن ( أنسا ) حدثه أن ( أبا بكر ) كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله
ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن المثنى بن أنس
بن مالك الأنصاري يروي عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس وثمامة بضم الثاء المثلثة
وتخفيف الميم
قوله ولا يجمع عطف على فريضة أي لو كان لكل شريك أربعون شاة فالواجب شاتان لا يجمع
بينهما ليكون الواجب شاة واحدة ولا يفرق كما لو كان بين الشريكين أربعون لئلا تجب
فيه الزكاة لأنه حيلة في إسقاطها أو تنقيصها
6956 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( أبي سهيل ) عن أبيه عن (
طلحة بن عبيد الله ) أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال يا رسول الله
أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا فقال
أخبرني بما فرض الله علي من الصيام قال شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا قال أخبرني بما
فرض الله علي من الزكاة قال أخبره رسول الله شرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا
أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله أفلح إن صدق أو دخل
الجنة إن صدق
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة لا يتأتى إلا بالتعسف وأبو سهيل مصغر السهل اسمه
نافع بن مالك وطلحة بن عبيد الله مصغرا التيمي أحد العشرة المبشرة بالجنة قتله
مروان بن الحكم يوم الجمل
والحديث مضى في الإيمان ومضى الكلام فيه
قوله شرائع الإسلام أي واجبات الزكاة وغيرها وقال الكرماني مفهوم الشرط يوجب أنه
إن تطوع لا يفلح قلت شرط اعتبار مفهوم المخالفة عدم مفهوم الموافقة وهاهنا مفهوم
الموافقة ثابت إذ من تطوع يفلح بالطريق الأولى
وقال بعض الناس في عشرين ومائة بعير حقتان فإن أهلكها متعمدا أو وهبها أو احتال
فيها فرارا من الزكاة فلا شيء عليه
قيل أراد بعض الناس أبا حنيفة والتشنيع عليه لأن مذهبه أن كل حيلة يتحيل بها أحد
في إسقاط الزكاة فأثم ذلك عليه وأبو حنيفة يقول إذا نوى بتفويته الفرار من الزكاة
قبل الحول بيوم لم تضره النية لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول ولا يتوجه إليه
معنى قوله خشية الصدقة إلا حينئذ وقد قام الإجماع على جواز التصرف قبل دخول الحول
كيف شاء وهو قول الشافعي أيضا فكيف يريد بقوله بعض الناس أبا حنيفة على الخصوص
وقيل أراد به أبا يوسف فإنه قال في عشرين ومائة
(24/110)
بعير إلى آخره وقال لا شيء عليه لأنه امتناع عن
الوجوب لا إسقاط الواجب وقال محمد يكره لم فيه من القصد إلى إبطال حق الفقراء بعد
وجود سببه وهو النصاب
6957 - حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال قال رسول الله يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه صاحبه
فيطلبه ويقول أنا كنزك قال والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه
0ا - نظر الحديث 1403ف
6958 - وقال رسول الله إذا ما رب النعم لم يعط حقها تسلط عليه يوم القيامة تخبط
وجهه بأخفافها
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه منع الزكاة بأي وجه كان من الوجوه المذكورة
وإسحاق قيل إنه ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقال الكرماني قال
الكلاباذي يروي البخاري عن إسحاق بن منصور وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن
إبراهيم السعدي عن عبد الرزاق انتهى قلت مقتضى كلام الكرماني أن إسحاق هنا يحتمل
أن يكون أحد الثلاثة المذكورين بغير تعيين والحديث مضى في الزكاة
قوله كنز أحدكم الكنز المال الذي يخبأ ولا تؤدى زكاته قوله شجاعا من المثلثات وهو
حية والأقرع بالقاف أي المتناثر شعر رأسه لكثرة سمه قوله لن يزال وفي رواية
الكشميهني لا يزال قوله حتى يبسط يده أي صاحب المال قوله فيلقمها أي يده
قوله وقال رسول الله وهو موصول بالسند المذكور قوله إذا ما رب النعم كلمة ما زائدة
والرب المالك والنعم بفتحتين الإبل والبقر والغنم والظاهر أن المراد به هنا هو
الإبل بقرينة ذكر أخفافها لأنه للإبل خاصة وهو جمع خف والخف للإبل كالظلف للشاة
وقال بعض الناس في رجل له إبل فخاف أن تجب عليه الصدقة فباعها بإبل مثلها أو بغنم
أو ببقر أو بدراهم فرارا من الصدقة بيوم احتيالا فلا بأس عليه وهو يقول إن زكى
إبله قبل أن يحول الحول بيوم أو بسنة جازت عنه
قال بعض الشراح أراد البخاري ببعض الناس أبا حنيفة يريد به التشنيع عليه بإثبات
التناقض فما قاله بيان ما يريده من التناقض هو أنه نقل ما قاله في رجل له إبل إلى
آخره ثم قال وهو يقول أي والحال أن بعض الناس المذكور يقول إن زكى إبله الخ يعني
جاز عنده التزكية قبل الحول بيوم فكيف يسقطه في ذلك اليوم وقال صاحب التلويح ما
ألزم البخاري أبا حنيفة من التناقض فليس بتناقض لأنه لا يوجب الزكاة إلا بتمام
الحول ويجعل من قدمها كمن قدم دينا مؤجلا وقد سبقه بهذا ابن بطال
6959 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ل ( يث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة ) عن ( ابن عباس ) أنه قال استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول
الله في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله اقضه عنها
انظر الحديث 2761 وطرفه
مطابقته للترجمة تظهر بتعسف من كلام المهلب حيث قال في هذا الحديث حجة على أن
الزكاة لا تسقط بالحيلة ولا بالموت لأن النذر لما لم يسقط بالموت والزكاة أوكد منه
فلا تسقط قلت فيه نظر لا يخفى أما الحديث فإنه لا يدل على حكم الزكاة لا بالسقوط
ولا بعدم السقوط وأما قياس عدم سقوط النذر بالموت فقياس غير صحيح لأن النذر حق
(24/111)
معين لواحد والزكاة حق الله وحق الفقراء فمن أين
الجامع بينهما ومع هذا فهذا الحديث والحديثان اللذان قبله لا تطابق الترجمة إذا
حققت النظر فيها وأنها بمعزل عنها
ورجال الحديث المذكور ذكروا غير مرة والحديث مضى في كتاب الأيمان والنذور
وقال بعض الناس إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه فإن وهبها قبل الحول أو
باعها فرارا واحتيالا لإسقاط الزكاة فلا شيء عليه وكذالك إن أتلفها فمات فلا شيء
في ماله
أراد بقوله بعض الناس أبا حنيفة أو الحنفية كما ذكرنا والكلام فيه مثل الكلام في
الفرعين المتقدمين وهو أن الحنفية إنما قالوا لا شيء عليه في هذه الثلاثة لأنه إذا
أزال عن ملكه قبل الحول فمن أين يكون عليه شيء فلا يرد عليهم ما زعمه البخاري
فحينئذ لا فائدة في تكرار هذه الفروع وذكرها مفرقة فإن قلت قال الكرماني إنما
كررها لإرادة زيادة التشنيع ولبيان مخالفتهم لثلاثة أحاديث قلت التشنيع على
المجتهدين الكبار لا يجوز وليس فيما ذهبوا إليه مخالفة لأحاديث الباب كما تراه وهي
بمعزل عما ذهبوا إليه ومن له إدراك دقيق في دقائق الكلام يقف على هذا ويظهر له
الحق الباطل والصواب من الخطأ والله ولي العصمة والتوفيق
4 -
( باب الحيلة في النكاح )
أي هذا باب في بيان ترك الحيلة في النكاح
6960 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحياى بن سعيد ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع
) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه أن رسول الله نهاى عن الشغار قلت لنافع ما الشغار
قال ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير
صداق
انظر الحديث 5112
لا مطابقة أصلا بين الترجمة والحديث حتى قيل إن إدخال البخاري الشغار في باب
الحيلة في النكاح مشكل لأن القائل بالجواب يبطل الشغار ويوجب مهر المثل
وعبيد الله بالتصغير ابن عمر العمري وعبد الله هو ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
والحديث مضى في النكاح ومضى الكلام فيه
وقال بعض الناس إن احتال حتى تزوج على الشغار فهو جائز والشرط باطل
وقال في المتعة النكاح فاسد والشرط باطل
وقال بعضهم المتعة والشغار جائز والشرط باطل
أراد ببعض الناس الحنفية على ما قالوا إن في كل موضع قال البخاري قال بعض الناس
فمراده الحنفية أو أبو حنيفة وحده وهذا غير وارد عليهم لأنهم قالوا بصحة العقدين
فيه وبوجوب مهر المثل لوجود ركن النكاح من أهله في محله والنهي في الحديث لإخلاء
العقد عن المهر فصار كالعقد بالخمر قوله إن احتال لم يذكر أحد من الحنفية أنهم
احتالوا في الشغار وإنما قالوا صورة نكاح الشغار أن يقول الرجل إني أزوجك ابنتي
على أن تزوجني ابنتك أو أختك فيكون أحد العقدين عوضا عن الآخر فالعقدان جائزان
ولكل منهما مهر مثلها وقال مالك والشافعي وأحمد نكاح الشغار باطل لظاهر الحديث
قوله وقال في المتعة أي وقال بعض الناس في نكاح المتعة النكاح فاسد والشرط باطل وصورته
أن يتزوج المرأة بشرط أن يتمتع بها أياما ثم يخلي سبيلها هكذا ذكره الكرماني وعند
أبي حنيفة صورته أن يقول متعيني نفسك أو أتمتع بك مدة معلومة طويلة أو قصيرة فتقول
متعتك نفسي ولا بد من لفظ التمتع فيه هذا مجمع عليه
قوله وقال بعضهم الخ لم أر أحدا من الشراح بين من هؤلاء البعض وقال صاحب التوضيح
المراد به بعض أصحاب أبي حنيفة قلت لم يذكر أحد من أصحاب أبي حنيفة شيئا من هذا
وقال بعضهم كأنه يشير إلى ما نقل عن زفر أنه أجاز الموقت وألغى الشرط لأنه شرط
فاسد
(24/112)
والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة انتهى قلت مذهب زفر
ليس كذلك بل عنده ما صورته أن يتزوج امرأة إلى مدة معلومة فالنكاح صحيح ويلزم
واشتراط المدة باطل وعند أبي حنيفة وصاحبيه النكاح باطل
6961 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحيى عن عبيد الله بن عمر حدثنا الزهري عن الحسن وعبد
الله ابني محمد بن علي عن أبيهما أن عليا رضي الله عنه قيل له إن ابن عباس لا يرى
بمتعة النساء بأسا فقال إن رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية
هذا أيضا غير مطابق لعدم التعرض إلى الحيلة في المتعة وإنما صورتها ما ذكرنا
و ( يحيى ) هو القطان و ( عبيد الله بن عمر ) العمري ومحمد بن علي هو المعروف بابن
الحنفية وعلي هو ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في كتاب النكاح ومضى الكلام فيه
وقال بعض الناس إن احتال حتى تمتع فالنكاح فاسد
وقال بعضهم النكاح جائز والشرط باطل
لا مناسبة لذكر هذا هنا لأن بطلان المتعة مجمع عليه وقوله إن احتال ليس له دخل في
المتعة وإنما ذكره ليشنع به على الحنفية من غير وجه
قوله وقال بعضهم الخ قال بعضهم إنه قول زفر وليس كذلك وإنما قول زفر قد بيناه عن
قريب فافهم
5 -
( باب ما يكره من الاحتيال في البيوع ولا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ )
أي هذا باب في بيان ما يكره من الاحتيال في البيوع ولم يذكر فيه حديثا وقال
الكرماني هو من قبيل ما ترجم له ولم يلحق الحديث به هذا هو الغالب قلت لما لم يظفر
بحديث يتعلق بالترجمة كان تركها هو الأوجه قوله ولا يمنع فضل الماء الخ التقدير
فيه وباب في بيان لا يمنع الخ ويجيء الكلام فيه الآن
6962 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن (
أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلإ
انظر الحديث 2353 وطرفه
الجزء الثاني من الترجمة هو عين حديث الباب قال الكرماني كيفية تعلقه بكتاب الحيل
هو إرادة صيانة الكلأ المباح للكل المشترك فيه فيحيل بصيانة الماء لتلزم صيانته
وإسماعيل هو بن أويس وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد
الرحمان بن هرمز
والحديث مضى في كتاب الشرب
قوله لا يمنع على صيغة المجهول يعني لا يمنع فضل الماء عنه بوجه من الوجوه لأنه
إذا لم يمنع بسبب غيره فأحرى أن يمنع بسبب نفسه وفي تسميته فضلا إشارة إلى أنه إذا
لم يكن زيادة عن حاجة صاحب البئر جاز لصاحب البئر منعه صورته رجل له بئر وحولها
كلأ مباح وهو بفتح الكاف واللام المخففة وبالهمزة وهو ما يرعى فأراد الرجل الاختصاص
به فيمنع فضل ماء بئره أن يرده نعم غيره للشرب وهو لا حاجة له في الماء الذي يمنعه
وإنما حاجته إلى الكلأ وهو لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له فيمنع الماء
فيتوفر له الكلأ وأمر الشارع صاحب البئر أن لا يمنع فضل الماء لئلا يكون مانعا
للكلأ
6 -
( باب ما يكره من التناجش )
أي هذا باب في بيان ما يكره من التناجش وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة فيه ليوقع
الغير فيه وأنه ضرب من التحيل في تكثير
(24/113)
الثمن والمراد من الكراهة كراهة التحريم
6963 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن رسول
الله نهى عن النجش انظر الحديث 2142
مطابقته للترجمة ظاهرة ودخوله في كتاب الحيل من حيث إن فيه نوعا من الحيلة لإضرار
الغير
والحديث مضى في كتاب البيوع ومضى الكلام فيه
7 -
( باب ما ينهاى من الخداع في البيوع )
أي هذا باب في بيان ما جاء في النهي من الخداع ويقال له الخدع بالفتح والكسر ورجل
خادع وفي المبالغة خدوع وخداع قوله من الخداع وفي رواية الكشميهني عن الخداع
وقال أيوب يخادعون الله كما يخادعون آدميا لو أتوا الأمر عيانا كان أهون علي
أيوب هو السختياني قوله كما يخادعون ويروى كأنما يخادعون قوله عيانا قال الكرماني
لو علموا هذه الأمور بأن أخذ الزائد على الثمن معاينة بلا تدليس لكان أسهل لأنه ما
جعل الدين آلة له وقول أيوب هذا رواه وكيع عن سفيان بن عيينة عن أيوب
6964 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد الله
بن عمر ) رضي الله عنهما أن رجلا ذكر للنبي أنه يخدع في البيوع فقال إذا بايعت فقل
لا خلابة
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس والحديث مضى في البيوع
قوله أن رجلا هو حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن منقذ على صيغة
اسم الفاعل من الإنقاذ بالذال المعجمة قوله يخدع على صيغة المجهول قوله لا خلابة
بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبالباء الموحدة ومعناه لا خديعة وقال المهلب
معنى قوله لا خلابة أي لا تخلبوني أي لا تخدعوني فإن ذلك لا يحل وقال لا يدخل في
الخداع الثناء على السلعة والإطناب في مدحها فإنه متجاوز عنه ولا ينقض به البيع
8 -
( باب ما ينهاى عن الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة وأن لا يكمل صداقها )
أي هذا باب في بيان ما ينهى عن الاحتيال للولي في اليتيمة التي يرغب وليها فيها
وفي بيان ما ينهى أن لا يكمل صداقها ويروى أن لا يكمل لها صداقها
6965 - حدثنا ( أبو اليمان ) حدثنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال كان عروة يحدث أنه
سأل عائشة وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى
وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذالك أدنى ألا تعولوا
قالت هي اليتيمة في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بأدنى من
سنة نسائها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ثم استفتى الناس
رسول الله بعد فأنزل الله ويستفتونك فى النسآء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم
فى الكتاب فى يتامى النسآء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن
والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان
به عليما فذكر الحديث
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة
والحديث مضى في التفسير في مواضع في سورة النساء ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله في حجر وليها بفتح الحاء المهملة وكسرها قوله بأدنى من سنة نسائها أي أقل من
(24/114)
مهر مثل أقاربها قوله فنهوا على صيغة المجهول قوله
إلا أن يقسطوا بضم الياء من الإقساط وهو العدل قوله فذكر الحديث أي باقي الحديث
واليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة
المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء قلت فكما يتركونها مرغوبين عنها فليس
لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق
9 -
( باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت فقضي بقيمة الجارية الميتة ثموجدها صاحبها فهي
له وترد القيمة ولا تكون القيمة ثمنا )
أي هذا باب مترجم بما إذا غصب رجل جارية لشخص يعني أخذها قهرا فلما ادعى عليه
المغصب منه زعم أي الغاصب أن الجارية ماتت فقضي على صيغة المجهول ويجوز أن يكون
على صيغة المعلوم أي فقضى الحاكم بقيمة تلك الجارية التي زعم الغاصب أنها ماتت ثم
وجدها صاحبها وهو المغصوب منه فهي أي الجارية له أي للمالك ويرد القيمة التي حكم
بها إلى الغاصب ولا تكون القيمة ثمنا إذ ليس ذلك بيعا إنما أخذ القيمة لزعم هلاكها
فإذا زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل
وقال بعض الناس الجارية للغاصب لأخذه القيمة وفي هاذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل
لا يبيعها فغصبها واعتل بأنها ماتت حتى يأخذ ربها قيمتها فيطيب للغاصب جارية غيره
أراد ببعض الناس أبا حنيفة وليس لذكر هذا الباب هنا وجه لأنه ليس موضعه وإنما أراد
به التشنيع على الحنفية وليس هذا من دأب المشايخ قوله لأخذه أي صاحبها قوله واعتل
أي تعلل واعتذر
قال النبي أموالكم عليكم حرام ولكل غادر لواء يوم القيامة
هذان طريقان للحديثين المذكورين ذكرهما في معرض الاحتجاج على ما ذكره وليس فيهما
ما يدل على دعواه أما الأول فمعناه أن أموالكم عليكم حرام إذا لم يوجد التراضي
وهنا قد وجد التراضي بأخذ المالك القيمة وأما الثاني فلا يقال للغاصب في اللغة إنه
غادر لأن الغدر ترك الوفاء والغصب هو أخذ شيء قهرا أو عدوانا وقول الغاصب إنها
ماتت كذب ثم أخذ المالك القيمة رضا فالحديث الأول وصله البخاري مطولا من حديث أبي
بكر في أواخر الحج وقال الكرماني قوله أموالكم عليكم مقابلة الجمع بالجمع وهي تفيد
التوزيع فيلزم أن يكون مال كل شخص حراما عليه وأجاب بأن هذا مثل قولهم بنو تميم
قتلوا أنفسهم أي قتل بعضهم بعضا فهو مجاز أو إضمار فيه للقرينة الصارفة عن ظاهرها
كما علم من القواعد الشرعية والحديث الثاني ذكره موصولا هنا على ما يجيء الآن
6966 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( عبد
الله بن عمر ) رضي الله عنهما عن النبي قال لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به
أبو نعيم هو الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري والحديث من أفراده
10 -
( باب )
أي هذا باب كذا وقع في رواية الأكثرين بغير ترجمة وقد مر أمثال هذا فيما مضى وقد
ذكرنا أنه كالفصل لما قبله وحذفه النسفي والإسماعيلي وابن بطال ولم يذكروه أصلا
وأضاف ابن بطال مسألة الباب إلى الباب الذي قبله وأما الكرماني فإنه لا يذكر غالب
التراجم
6967 - حدثنا ( محمد بن كثير ) عن ( سفيان ) عن ( هشام ) عن ( عروة ) عن ( زينب
ابنة ) أم ( سلمة ) عن أم ( سلمة ) عن النبي قال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي
ولعل
(24/115)
بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو ما
أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار
لما كان هذا الباب غير مترجم وهو كالفصل يكون حديثه مضافا إلى الباب الذي قبله
ووجه التطابق ظاهر لنهيه عن أخذ مال الغير إذا كان يعلم أنه في نفس الأمر للغير
ومحمد بن كثير بالثاء المثلثة وسفيان هو الثوري وهشام هو ابن عروة بن الزبير وزينب
ابنة أم سلمة تروي عن أمها أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية
والحديث مضى في المظالم عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الشهادات عن القعنبي وسيأتي
في الأحكام عن أبي اليمان عن شعيب
قوله إنما أنا بشر يعني كواحد منكم ولا أعلم الغيب وبواطن الأمور كما هو مقتضى
الحالة البشرية وأنا أحكم بالظاهر قوله ولعل استعمل هنا استعمال عسى قوله ألحن
أفعل التفضيل من لحن بكسر الحاء إذا فطن والمراد أنه إذا كان أفطن كان قادرا على
أن يكون أقدر من حجته من الآخر وفي رواية المظالم بلفظ أبلغ بحجته قوله على نحو ما
اسمع كلمة ما موصولة هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره على نحو مما أسمع
قوله من حق أخيه ويروى من أخيه وتفسيره من حق أخيه قوله فلا يأخذ وفي رواية
الكشميهني فلا يأخذه قوله قطعة من النار قال الكرماني حرام عليه ومرجعه إلى النار
وقيل معناه إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار
11 -
( باب شهادة الزور في النكاح )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة الزور في النكاح وقد مضى عن قريب في باب الحيلة في
النكاح وذكر فيه الشغار والمتعة وأتى بهذا الباب هنا لبيان حكم شهادة الزور كما
ذكرنا
6968 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( هشام ) حدثنا ( يحيى بن أبي كثير ) عن (
أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى
تستأمر فقيل يا رسول الله كيف إذنها قال إذا سكتت
انظر الحديث 5136 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو الدستوائي والحديث قد مر في النكاح
قوله لا تنكح على صيغة المجهول أي لا تزوج قوله حتى تستأذن على صيغة المجهول أيضا
أي حتى يؤخذ منها الإذن قوله حتى تستأمر على صيغة المجهول أيضا أي حتى تستشار
وقال بعض الناس إذا لم تستأذن البكر ولم تزوج فاحتال رجل فأقام شاهدي زور أنه
تزوجها برضاها فأثبت القاضي نكاحها والزوج يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها
وهو تزويج صحيح
أراد به أيضا أبا حنيفة وأراد به التشنيع عليه ولا وجه له في ذكره هاهنا قوله إذا
لم تستأذن وفي رواية الكشميهني إن لم تستأذن قوله شاهدي زور بإضافة شاهدي إلى زور
ويروى فأقام شاهدين زورا قوله والزوج يعلم الواو فيه للحال وأبو حنيفة إمام مجتهد
أدرك صحابة ومن التابعين خلقا كثيرا وقد تكلم في هذه المسألة بأصل وهو أن القضاء
لقطع المنازعة بين الزوجين من كل وجه فلو لم ينفذ القضاء بشهادة الزور باطنا كان
تمهيدا للمنازعة بينهما وقد عهدنا بنفوذ مثل ذلك في الشرع ألا ترى أن التفريق
باللعان ينفذ باطنا وأحدهما كاذب بيقين والقاضي إذا حكم بطلاقها بشاهدي زور وهو لا
يعلم أنه يجوز أن يتزوجها من لا يعلم ببطلان النكاح ولا يحرم عليه بالإجماع وقال
بعض المشنعين هذا خطأ في القياس ثم مثل لذلك بقوله ولا خلاف بين
(24/116)
الأئمة أن رجلا لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها
أمته وحكم الحاكم بذلك لا يجوز له وطؤها فكذلك الذي شهد على نكاحها هما في التحريم
سواء قلت هذا القياس الذي فيه الخطأ الظاهر يفرق بين القياسين من له إدراك مستقيم
6969 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم
أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة فأرسلت إلى شيخين من
الأنصار عبد الرحمان ومجمع ابني جارية قالا فلا تخشين فإن خنساء بنت خذام أنكحها
أبوها وهي كارهة فرد النبي ذالك
قال سفيان وأما عبد الرحمان فسمعته يقول عن أبيه إن خنساء
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عينية و (
يحيى بن سعيد ) الأنصاري و ( القاسم ) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله
تعالى عنه
والحديث مضى في النكاح في باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحها مردود
قوله أن امرأة من ولد جعفر وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان أن امرأة من آل جعفر
أخرجه الإسماعيلي ولم يدر اسم المرأة وقال بعضهم ويغلب على الظن أنه جعفر بن أبي
طالب ثم قال وتجاسر الكرماني فقال المراد به جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان
القاسم بن محمد جد جعفر الصادق لأمه انتهى ثم قال وخفي عليه أن القصة المذكورة
وقعت وجعفر الصادق صغير لأن مولده سنة ثمانين وكانت وفاة عبد الرحمان بن يزيد بن
جارية في سنة ثلاث وتسعين من الهجرة وقد وقع في الحديث أنه أخبر المرأة بحديث
خنساء بنت خذام فكيف تكون المرأة المذكورة في مثل تلك الحالة وأبوها ابن ثلاث عشرة
سنة أو دونها انتهى قلت هو أيضا تجاسر حيث قال بغلبة الظن إنه جعفر بن أبي طالب
والكرماني لم يقل هذا من عنده وإنما نقله عن أحد فلا ينسب إليه التجاسر ويمكن أن
يكون جعفر غير ما قالا قوله وهي كارهة الواو فيه للحال قوله عبد الرحمان بالجر ومجمع
على وزن اسم الفاعل من التجميع عطف عليه وهما ابنا يزيد بن جارية بالجيم وهنا قد
نسبا إلى جدهما وتقدم في النكاح أنهما نسبا إلى أبيهما ولقد صحف من قال حارثة
بالحاء المهملة والثاء المثلثة قوله فلا تخشين قال الكرماني بلفظ الجمع خطاب
للمرأة المتخوفة وأصحابها وقال ابن التين صوابه بكسر الباء وتشديد النون ولو كان
بلا نون التأكيد لحذفت النون في النهي على ما عرف قوله فإن خنساء بفتح الخاء
المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة وبالمد بنت خذام بكسر الخاء المعجمة وبالذال
المعجمة الخفيفة ابن وديعة الأنصارية من الأوس وقال أبو عمر اختلفت الأحاديث في
حالها في ذلك الوقت فرواية مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمان
ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء أنها كانت ثيبا ورواية ابن المبارك عن الثوري
عن عبد الرحمان بن القاسم عن عبد الله بن يزيد ابن وديعة عن خنساء بنت خذام أنها
كانت يومئذ بكرا والصحيح نقل مالك إن شاء الله تعالى
قوله قال سفيان وأما عبد الرحمان يعني ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله
تعالى عنه قوله فسمعته يقول عن أبيه عن خنساء أراد أنه أرسله فلم يذكر فيه عبد
الرحمان بن يزيد ولا أخاه
6970 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( شيبان ) عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال
قال رسول الله لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا كيف
إذنها قال أن تسكت
انظر الحديث 5136 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وشيبان هو ابن عبد الرحمان النحوي
و ( يحيى ) هو ابن أبي كثير وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في النكاح
قوله الأيم هي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا لكن المراد منها هنا الثيب بقرينة
المقابلة للبكر والأفعال هنا كلها على صيغة المجهول ومضى الكلام
(24/117)
فيه في النكاح
وقال بعض الناس إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها فأثبت
القاضي نكاحها إياه والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط فإنه يسعه هاذا النكاح ولا بأس
بالمقام له معها
أراد به التشنيع أيضا على أبي حنيفة قوله يسعه أي يجوز له ويحل له قال الكرماني
وهذا تشنيع عظيم لأنه أقدم على الحرام البين عالما بالتحريم متعمدا لركوب الإثم
انتهى وقد ذكرنا أن أبا حنيفة بنى هذه الأشياء على أن حكم الحاكم بشاهدي زور ينفذ
ظاهرا وباطنا
6971 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( ذكوان ) عن
( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال رسول الله البكر تستأذن قلت إن البكر تستحي قال
إذنها صماتها
انظر الحديث 5137 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد وابن جريج هو عبد الملك بن عبد
العزيز بن جريج وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم
واسمه زهير وذكوان بفتح الذال المعجمة وبالواو مولى عائشة رضي الله عنها والحديث
قد مضى في النكاح
وقال بعض الناس إن هوي رجل جارية يتيمة أو بكرا فأبت فاحتال فجاء بشاهدي زور على
أنه تزوجها فأدركت فرضيت اليتيمة فقبل القاضي شهادة الزور والزوج يعلم ببطلان ذلك
حل له الوطء
هذا تشنيع آخر على الحنفية وقوله هذا تكرار بلا فائدة لأن حاصل هذه الفروع الثلاثة
واحد وذكره إياها واحدا بعد واحد لا يفيد شيئا لأنه قد علم أن حكم الحاكم ينفذ
ظاهرا وباطنا ويحلل ويحرم وقال الكرماني فائدة التكرار كثرة التشنيع قوله إن هوي
بكسر الواو يعني أحب قوله جارية هي الفتية من النساء يتيمة أو بكرا ويروى عن
الكشميهني ثيبا أو بكرا قوله فأدركت ظاهرة أنها بعد الشهادة بلغت ورضيت ويحتمل أن
يريد أنه جاء بشاهدين على أنها أدركت ورضيت فتزوجها فيكون داخلا تحت الشهادة
والفاء للسببية فقبل القاضي بشهادة الزور كذا في رواية الأكثرين بشهادة بالباء
الموحدة وفي رواية الكشميهني بحذف الباء قوله جاز له الوطء ويروى حل له الوطء
12 -
( باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما نزل على النبي في ذلك )
أي هذا باب في بيان ما يكره الخ كلمة موصولة والضرائر جمع ضرة بفتح الضاد المعجمة
وتشديد الراء قوله وما نزل أي وفي بيان ما نزل على النبي قوله في ذلك أي فيما ذكر
من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وأراد بقوله وما نزل قوله تعالى يا أيها النبي
لا تحرم ما أحل الله لك وذلك لما قال شربت عسلا ولن أعود وقبل إنما حرم جاريته
مارية فحلف أن لا يطأها وأسر ذلك إلى حفصة فأفشته إلى عائشة ونزل القرآن في ذلك
6972 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن (
عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يحب الحلواء ويحب العسل وكان إذا صلى
العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس
فسألت عن ذلك فقال لي أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله منه شربة فقلت
أما والله لنحتالن له
(24/118)
فذكرت ذلك لسودة قلت إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك
فقولي له يا رسول الله أكلت مغافير فإنه سيقول لا فقولي له ما هاذه الريح وكان
رسول الله يشتد عليه أن يوجد منه الريح فإنه سيقول سقتني حفصة شربة عسل فقولي له
جرست نحله العرفط وسأقول ذالك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قلت تقول سودة
والذي لا إلاه إلا هو لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب فرقا منك
فلما دنا رسول الله قلت يا رسول الله أكلت مغافير قال لا قلت فما هاذه الريح قال
سقتني حفصة شربة عسل قلت جرست نحله العرفط فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ودخل على
صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت له يا رسول الله ألا أسقيك منه قال
لا حاجة لي به قالت تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه قالت قلت لها اسكتي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله والله لنحتالن له
وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم
المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
والحديث قد مضى في الأطعمة عن إسحاق بن إبراهيم وفي الأشربة عن عبد الله بن أبي
شيبة وفيه وفي الطب عن علي بن عبد الله وهنا عبيد بن إسماعيل أربعتهم عن أبي أسامة
وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه
قوله الحلواء بمد وبقصر قال الداودي يريد التمر وشبهه قوله أجاز أي تمم النهار
وأنفده يقال جاز الوادي جوازا وأجازه إذا قطعه وقال الأصمعي جاز مشى فيه وأجازه
قطعه وذكره ابن التين بلفظ جاز قال كذا وقع في المجمل وقال الضحاك جزت الموضع سرت
فيه وأجزته خلفته وقطعته قوله عكة بالضم الآنية من الجلد قوله فسقت رسول الله شربة
يعني حفصة قال صاحب التوضيح هذه غلط لأن حفصة هي التي تظاهرت مع عائشة في هذه
القصة وإنما شربه عند صفية بنت حيي وقيل عند زينب والأصح أنها زينب وقال الكرماني
تقدم في كتاب الطلاق أنه شرب في بيت زينب والمتظاهرتان على هذا القول عائشة وحفصة
ثم قال لعله شرب في بيتهما فهما قضيتان قوله لنحتالن من الاحتيال فإن قلت كيف جاز
على أزواجه الاحتيال قلت هذه من مقتضيات الطبيعة للنساء وقد عفى عنهن قوله مغافير
جمع مغفور بالغين المعجمة وبالفاء والواو والراء وهو صبغ كالعسل له رائحة كريهة
قوله جرست بالجيم والراء وبالسين المهملة أي لحست باللسان وأكلت قوله العرفط بضم
العين المهملة والفاء وإسكان الراء وبالطاء المهملة وهو شجر خبيث الثمر وقيل
العرفط موضع وقيل شجر من العضاء وثمرته بيضاء مدحرجة وقال الجوهري ثمرة كل العضاء
صفراء إلا أن العرفط ثمرته بيضاء قوله أن أبادره من المبادرة ويروى أن أبادئه
بالباء الموحدة من المبادأة يقال أبادئهم أمرهم أي أظهره ويروى أن أناديه بالنون
موضع الباء قوله ألا أسقيك بضم الهمزة وفتحها وفي الصحاح سقيته وأسقيته قوله
حرمناه أي منعناه من العسل
13 -
( باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون )
أي هذا باب في بيان ما يكره من الاحتيال في الفرار أي الهروب من الطاعون قال
الكرماني هو بثر مؤلم جدا يخرج غالبا في الآباط مع لهيب وخفقان وقيء ونحوه
6973 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد الله بن
عامر بن ربية ) أن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه خرج إلى الشأم فلما جاء بسرغ
بلغه أن الوباء وقع
(24/119)
بالشأم فأخبره عبد الرحمان بن عوف أن رسول الله قال
إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه
فرجع عمر من سرغ
وعن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمان
انظر الحديث 5729 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وإذا وقع بأرض الخ
وعبد الله بن مسلمة القعنبي يروي عن مالك بن أنس عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حي من اليمن ولد على عهد رسول الله وروى عنه
وقبض النبي وهو ابن أربع أو خمس سنين ومات في سنة تسع وثمانين وقيل خمس وثمانين
وذكره الذهبي في الصحابة وقال ولد سنة ست من الهجرة روى عنه الزهري وغيره وقد وعى
عن النبي
والحديث مضى في الطب عن عبد الله بن يوسف ومضى الكلام فيه
قوله خرج إلى الشام كان خروج عمر رضي الله تعالى عنه إلى الشام في ربيع الثاني سنة
ثماني عشرة قوله يسرغ بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالغين المعجمة منصرف وغير
منصرف وهي قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز وقال البكري سرغ مدينة بالشام افتتحها
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه هي واليرموك والجابية والرمادة متصلة قوله
أن الوباء بالمد والقصر وجمع المقصور أوباء وجمع الممدود أوبئة وهو المرض العام
قوله فلا تقدموا بفتح الدال قيل لا يموت أحد إلا بأجله ولايتقدم ولا يتأخر فما وجه
النهي عن الدخول والخروج وأجيب بأنه لم ينه عن ذلك حذرا عليه إذ لا يصيبه إلا ما
كتب عليه بل حذرا من الفتنة في أن يظن أن هلاكه كان من أجل قدومه عليه وأن سلامته
كانت من أجل خروجه وفي التوضيح ولا يتحيل في الخروج في تجارة أو زيارة أو شبههما
ناويا بذلك الفرار منه ويبين هذا المعنى قوله إنما الأعمال بالنيات قال والمعنى في
النهي عن الفرار منه كأنه يفر من قدر الله وقضائه وهذا لا سبيل إليه لأحد لأن قدره
لا يغلب
قوله وعن ابن شهاب موصول بما قبله قوله عن سالم بن عبد الله يعني ابن عمر بن
الخطاب وأشار بهذا إلى أن انصراف عمر رضي الله تعالى عنه من سرغ كان من حديث عبد
الرحمان بن عوف وروي أن انصرافه كان من أبي عبيدة بن الجراح وذلك أنه لما استقبل
عمر فقال جئت بأصحاب رسول الله تدخلهم أرضا فيها الطاعون الذين هم أئمة يقتدى بهم
فقال عمر رضي الله تعالى عنه يا أبا عبيدة أشككت فقال أبو عبيدة كأني يعقوب إذ قال
لبنيهلا تدخلوا من باب واحد فقال عمر والله لأدخلنها فقال أبو عبيدة والله لا
تدخلها فرده
وفيه قبول خبر الواحد وفيه أنه يوجد عند بعض العلماء ما ليس عند أكبر منه قيل وفيه
دليل على تقدم خبر الواحد على القياس وموضعه في كتب الأصول
حدثنا ( أبو اليمان ) حدثنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) حدثنا ( عامر بن سعد بن أبي
وقاص ) أنه سمع ( أسامة بن زيد ) يحدث سعدا أن رسول الله ذكر الوجع فقال رجز أو
عذاب عذب به بعض الأمم ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع بأرض فلا
يقدمن عليه ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه
انظر الحديث 3473 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث مضى في ذكر بني إسرائيل عن عبد العزيز بن عبد الله عن مالك ومضى الكلام
فيه هناك
قوله ذكر الوجع أي الطاعون قوله رجز بكسر الراء وضمها العذاب قوله أو عذاب شك من
الراوي قوله فيذهب المرة أي لا يكون دائما بل في بعض الأوقات قوله فلا يقدمن بفتح
الدال وبالنون المؤكدة الثقيلة
14 -
( باب في الهبة والشفعة )
(24/120)
أي هذا باب فيما يكره من الاحتيال في الرجوع عن الهبة
والاحتيال في إسقاط الشفعة
وقال بعض الناس إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك ثم
رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما فخالف الرسول في الهبة وأسقط الزكاة
أراد به التشنيع أيضا على أبي حنيفة من غير وجه لأن أبا حنيفة في أي موضع قال هذه
المسألة على هذه الصورة بل الذي قاله أبو حنيفة هو أن الواهب له أن يرجع في هبته
ولكن لصحة الرجوع قيود الأول أن يكون أجنبيا والثاني أن يكون قد سلمها إليه لأنه
قبل التسليم يجوز مطلقا والثالث أن لا يقترن بشيء من الموانع وهي مذكورة في موضعها
واستدل في جواز الرجوع بقوله من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها أي ما لم
يعوض رواه أبو هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم
أما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه في الأحكام من حديث عمرو بن دينار عن أبي
هريرة وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني من حديث عطاء عنه قال قال رسول الله من
وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم من حديث
سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر أن النبي قال من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب
منها وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فكيف يحل أن يقال في حق هذا
الإمام الذي علمه وزهده لا يحيط بهما الواصفون أنه خالف الرسول وكيف خالفه وقد
احتج فيما قاله بأحاديث هؤلاء الثلاثة من الصحابة الكبار وأما الحديث الذي احتج به
مخالفوه وهو ما رواه البخاري الذي يأتي الآن ورواه أيضا الجماعة غير الترمذي عن
قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي قال العائد في هبته كالكلب يعود في
قيئه فلم ينكره أبو حنيفة بل عمل بالحديثين معا فعمل بالحديث الأول في جواز الرجوع
وبالثاني في كراهة الرجوع لا في حرمه الرجوع كما زعموا وقد شبه النبي رجوعه بعود
الكلب في قيئه وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وهو يقول به لأنه مستقبح ولقائل
أن يقول للقائل الذي قال إن أبا حنيفة خالف الرسول أنت خالفت الرسول في الحديث
الذي يحتج به على عدم الرجوع لأن هذا الحديث يعم منع الرجوع مطلقا سواء كان الذي
يرجع منه أجنبيا أو والدا له فإن قلت روى أصحاب السنن الأربعة عن حسين المعلم عن
عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمرو بن عباس رضي الله تعالى عنهم عن النبي قال لا
يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده قلت هذا
بناء على أصلهم أن للأب حق التملك في مال الابن لأنه جزؤه فالتمليك منه كالتمليك
من نفسه من وجه قوله واحتال في ذلك فسره بعضهم بقوله بأن تواطأ مع الموهوب له على
ذلك قلت لم يقل أحد من أصحاب أبي حنيفة إن أبا حنيفة أو أحدا من أصحابه قال ذلك
وإنما هذا اختلاق لتمشية التشنيع عليهم
6975 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أيوب السختياني ) عن ( عكرمة ) عن
( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
ليس لنا مثل السوء
مطابقته للجزء الأول من الترجمة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري والحديث
مضى في كتاب الهبة
قوله وليس لنا مثل السوء أي الصفة الرديئة
6976 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( أبي سلمة ) عن ( جابر بن عبد الله ) قال إنما جعل النبي الشفعة في
كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي
والحديث مضى في البيوع عن محمد بن محبوب وعن محمود عن عبد الرزاق وفيه وفي الشفعة
وفي الشركة عن مسدد
قوله في كل ما لم يقسم أي ملكا مشتركا مشاعا
(24/121)
بين الشركاء قوله وصرفت بالتخفيف والتشديد أي منعت
وقال ابن مالك أي خلصت وثبتت من الصرف وهو الخالص قال ولا شفعة لأنه صار مقسوما
وصار في حكم الجوار وخرج عن الشركة وقد ذكرنا فيه من الخلاف وغيره غير مرة
وقال بعض الناس الشفعة للجوار ثم عمد إلى ما شدده فأبطله وقال إن اشترى دارا فخاف
أن يأخذها الجار بالشفعة فاشترى سهما من مائة سهم ثم اشترى الباقي وكان للجار
الشفعة في السهم الأول ولا شفعة له في باقي الدار وله أن يحتال في ذالك
هذا تشنيع آخر على أبي حنيفة وهو غير صحيح لأن هذه المسألة فيها خلاف بين أبي يوسف
ومحمد فأبو يوسف هو الذي يرى ذلك وقال محمد يكره ذلك وبه قال الشافعي قوله للجوار
بكسر الجيم وضمها وهو المجاورة قوله ثم عمد إلى ما شدده بالشين المعجمة ويروى
بالمهملة وأراد به إثبات الشفعة للجار قوله فأبطله يعني أبطل ما شدده ويريد به
إثبات التناقض وهو أنه قال الشفعة للجار ثم أبطله حيث قال في هذه الصورة لا شفعة
للجار في باقي الدار وناقض كلامه قلت لا تناقض هنا أصلا لأنه لما اشترى سهما من
مائة سهم كان شريكا لمالكها ثم إذا اشترى منه الباقي يصير هو أحق بالشفعة من الجار
لأن استحقاق الجار الشفعة إنما يكون بعد الشريك في نفس الدار وبعد الشريك في حقها
قوله إن اشترى دارا أي إذا أراد اشتراءها
6977 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إبراهيم بن ميسرة ) قال
سمعت ( عمرو بن الشريد ) قال جاء المسور بن مخرمة فوضع يده على منكبي فانطلقت معه
إلى سعد فقال أبو رافع للمسور ألا تأمر هاذا أن يشتري مني بيتي الذي في داري فقال
لا أزيده على أربعمائة إما مقطعة وإما منجمة قال أعطيت خمسمائة نقدا فمنعته ولولا
أني سمعت النبي يقول الجار أحق بسقبه ما بعتكه أو قال ما أعطيتكه
قلت لسفيان إن معمرا لم يقل هاكذا قال لاكنه قال لي هاكذا
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن
عيينة وإبراهيم بن ميسرة ضد الميمنة الطائفي وعمرو بن الشريد بالشين المعجمة وكسر
الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة الثقفي والمسور بكسر الميم وسكون
السين المهملة وبالواو ثم بالراء ابن مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن
نوفل القرشي ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان
وقبض النبي وهو ابن ثمان سنين وسمع من النبي وحفظ عنه وفي حصار الحصين بن نمير مكة
لقتال ابن الزبير أصابه حجر من حجر المنجنيق وهو يصلي في الحجر فقتله وذلك في
مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين وصلى عليه ابن الزبير بالحجون وهو ابن اثنتين
وستين وأبوه مخرمة من مسلمة الفتح وهو أحد المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه منهم
مات بالمدينة سنة أربع وخمسن وقد بلغ مائة سنة وخمس عشرة سنة وسعد هو ابن أبي وقاص
وهو خال المسور المذكور وأبو رافع مولى رسول الله واسمه أسلم القبطي
قوله ألا تأمر هذا يعني سعد بن أبي وقاص والمراد أنه يسأله أو يشير عليه قال
الكرماني وفيه أن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء قوله بيتي الذي في داري
كذا في رواية الأكثرين بالإفراد وفي رواية الكشميهني بيتي اللذين بالتثنية قوله
إما مقطعة
(24/122)
وإما منجمة ويروى مقطعة أو منجمة بالشك من الراوي
والمراد أنها مؤجلة على نقدات مفرقة والنجم الوقت المعين المضروب قوله أعطيت على
صيغة المجهول والقائل هو أبو رافع قوله بسقبه ويروى بصقبه بالصاد وبفتح القاف
وسكونها وهو القرب يقال سقبت داره بالكسر والمنزل سقب والساقب القريب ويقال للبعيد
أيضا جعلوه من الأضداد وقال إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث الصقب بالصاد ما
قرب من الدار ويجوز أن يقال سقب بالسين واستدل به أصحابنا أن للجار الشفعة بعد
الخليط في نفس المبيع وهو الشريك ثم للخليط في حق المبيع كالشرب بالكسر والطريق
وهو حجة على الشافعي حيث لم يثبت الشفعة للجار قوله ما بعتكه أي الشيء وفي رواية
المستملي ما بعتك بحذف المفعول قوله أو قال ما أعطيتكه شك من الراوي قيل هو سفيان
ويروى ما أعطيتك بحذف الضمير
قوله قلت لسفيان القائل هو علي بن عبد الله شيخ البخاري قوله أن معمرا لم يقل هكذا
يشير به إلى ما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن
الشريد عن أبيه بالحديث دون القصة
أخرجه النسائي وابن ماجه عن حسين المعلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رجلا قال يا
رسول أرضي ليس فيها لأحد شرك ولا قسم إلا الجوار فقال إنما الجار أحق بسقبه ما كان
وأخرجه الطحاوي أيضا وهذا صريح بوجوب الشفعة لجوار لا شركة فيه انتهى قلت الشريد
بن سويد الثقفي عداده في أهل الطائف له صحبة النبي ويقال إنه من حضرموت ويقال إنه
من همدان حليف لثقيف روى عنه عمرو والمراد على هذا بالمخالفة إبدال الصحابي بصحابي
آخر وقال الكرماني يريد أن معمرا لم يقل هكذا أي إن الجار أحق بالشفعة بزيادة لفظ
الشفعة ورد عليه بأن الذي قاله لا أصل له ولم يعلم مستنده فيه ما هو بل لفظ معمر الجار
أحق بصقبه كرواية أبي رافع سواء قوله لكنه أي قال سفيان لكن إبراهيم بن ميسرة قال
لي هكذا وحكى الترمذي عن البخاري إن الطريقين صحيحان والله أعلم
وقال بعض الناس إذا أراد أن يبيع الشفعة فله أن يحتال حتى يبطل الشفعة فيهب البائع
للمشتري الدار ويحدها ويدفعها إليه ويعوضه المشتري ألف درهم فلا يكون للشفيع فيها
شفعة
هذا تشنيع على الحنفية بلا وجه على ما نذكره قوله أن يبيع الشفعة من البيع قال
الكرماني لفظ الشفعة من الناسخ أو المراد لازم البيع وهو الإزالة قلت في رواية
الأصيلي وأبي ذر عن غير الكشميهني إذا أراد أن يقطع الشفعة ويروى إذا أراد أن يمنع
الشفعة قوله ويحدها أي يصف حدودها التي تميزها وقال الكرماني ويروى في بعض النسخ
ونحوها وهو أظهر وإنما سقطت الشفعة في هذه الصورة لأن الهبة ليست معاوضة محضة
فأشبهت الإرث
6978 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إبراهيم بن ميسرة ) عن ( عمرو
بن الشريد ) عن ( أبي رافع ) أن سعدا ساومه بيتا بأربعمائة مثقال فقال لولا أني
سمعت رسول الله يقول الجار أحق بصقبه لما أعطيتك
أي هذا حديث أبي رافع المذكور ذكره مختصرا من طريق سفيان الثوري عن إبراهيم بن
ميسرة وأورده في آخر كتاب الحيل بأتم منه
سعد هو ابن أبي وقاص قيل ذكر البخاري في هذه المسألة حديث أبي رافع ليعرفك إنما
جعله النبي حقا للشفيع لقوله الجار أحق بصقبه لا يحل إبطاله انتهى قلت ليس في
الحديث ما يدل على أن البيع وقع والشفيع لا يستحق إلا بعد صدور البيع فحينئذ لا
يصح أن يقال لا يحل إبطاله وقال صاحب التوضيح إنما أراد البخاري أن يلزم أبا حنيفة
التناقض لأنه يوجب الشفعة للجار ويأخذ في ذلك بحديث الجار أحق بصقبه فمن اعتقد هذا
وثبت ذلك عنده من قضائه وتحيل بمثل هذه الحيلة في إبطال شفعة الجار فقد أبطل السنة
التي اعتقدها انتهى قلت هذا الذي قاله كلام
(24/123)
من غير إدراك ولا فهم لأنه لا جار في هذه الصورة لأن
الذي فيها الشريك في نفس المبيع والجار لا يتقدم عليه ولا يستحق الجار الشفعة إلا
بعده بل وبعد الشريك في حق المبيع أيضا فكيف يحل لهذا القائل أن يفتري على هذا
الإمام الذي سبق إمامه وإمام غيره وينسب إليه أبطال السنة
وقال بعض الناس إن اشتراى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة وهب لابنه الصغير ولا
يكون عليه يمين
هذا أيضا تشنيع على الحنفية قوله وهب أي ما اشتراه لابنه الصغير ولا يكون عليه
يمين في تحقق الهبة ولا في جريان شروطها وقيد بالصغير لأن الهبة لو كانت للكبير
وجب عليه اليمين فتحيل إلى إسقاطها بجعلها للصغير وأشار باليمين أيضا إلى أن لو
وهب لأجنبي فإن للشفيع أن يحلف الأجنبي أن الهبة حقيقية وأنها جرت بشروطها والصغير
لا يحلف لكن عند المالكية أن أباه الذي يقبل له يحلف وعن مالك لا تدخل الشفعة في
الموهوب مطلقا كذا ذكره في المدونة
15 -
( باب احتيال العامل ليهدى له )
أي هذا باب في بيان كراهة حيلة العامل لأجل أن يهدى له على صيغة المجهول والعامل
هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة عامل
6979 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن (
أبي حميد الساعدي ) قال استعمل رسول الله رجلا على صدقات بني سليم يدعاى ابن
اللتبية فلما جاء حاسبه قال هاذا مالكم وهاذا هدية فقال رسول الله فهلا جلست في
بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثناى عليه ثم
قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هاذا
مالكم وهاذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا
يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحدا منكم
لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رئي
بياض إبطيه يقول اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وهذا هدية قال المهلب حيلة العامل ليهدى له تقع بأن
يسامح بعض من عليه الحق فلذلك قال هلا جلس في بيت أبيه وأمه لينظر هل يهدى له
ويقال احتيال العامل هو بأن ما أهدي له في عمالته يستأثر به ولا يضعه في بيت المال
وهدايا العمال والأمراء هي من جملة حقوق المسلمين
وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أبي
حميد بضم الحاء عبد الرحمان وقيل المنذر الساعدي الأنصاري
والحديث مضى في الهبة عن عبد الله بن محمد وفي النذور عن أبي اليمان وفي الزكاة عن
يوسف بن موسى ومضى الكلام فيه في الزكاة
قوله ابن اللتبيه بضم اللام وسكون التاء المثناة من فوق وبالباء الموحدة وياء
النسبة وقيل بفح التاء المثناة من فوق وقيل بالهمزة المضمومة بدل اللام واسمه عبد
الله قوله فلا أعرفن نهي للمتكلم صورة وفي المعنى نهي لقوله أحدا ويروى فلأعرفن أي
والله لأعرفن قوله رغاء هو صوت ذات الخف قوله تيعر بالكسر وقيل بالفتح من اليعار
بضم الياء آخر
(24/124)
الحروف وتخفيف العين المهملة وهو صوت الشاة قوله بياض
إبطيه ويروى بالإفراد قوله بصر عيني بلفظ الماضي وكذلك لفظ سمع أي أبصرت عيناي
رسول الله ناطقا ورافعا يديه وسمعت كلامه وهو قول أبي حميد الراوي له وقال عياض
ضبط أكثرهم بسكون الصاد وبسكون الميم وفتح الراء والعين مصدرين مضافين وهو مفعول بلغت
وهو مقول رسول الله
6980 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إبراهيم بن ميسرة ) عن ( عمرو بن
الشريد ) عن ( أبي رافع ) قال قال النبي الجار أحق بصقبه
هذا الحديث والذي يأتي في آخر الباب يتعلقان بباب الهبة والشفعة فلا وجه لذكرهما
في هذا الباب ومن هذا قال الكرماني كان موضعهما المناسب قيل باب احتيال العامل
لأنه من بقية مسائل الشفعة وتوسيط هذا الباب بينهما أجنبي ثم قال ولعله من جملة
تصرفات النقلة عن الأصل ولعله كان في الحاشية ونحوها فنقلوه إلى غير مكانه ورجاله
قد ذكروا عن قريب وكذلك شرحه
وقال بعض الناس إن اشترى دارا بعشرين ألف درهم فلا بأس أن يحتال حتى يشتري الدار
بعشرين ألف درهم وينقده تسعة آلاف درهم وتسعمائة درهم وتسعة وتسعين وينقده دينارا
بما بقي من العشرين الألف فإن طلب الشفيع أخذها بعشرين ألف درهم وإلا فلا سبيل له
على الدار فإن استحقت الدار رجع المشتري على البائع بما دفع إليه وهو تسعة آلاف
درهم وتسعمائة وتسعة وتسعون درهما ودينار لأن البيع حين استحق انتقض الصرف في
الدينار فإن وجد بهاذه الدار عيبا ولم تستحق فإنه يردها عليه بعشرين ألف درهم قال
فأجاز هذا الخداع بين المسلمين وقال قال النبي لا داء ولا خبثة ولا غائلة
هذا أيضا تشنيع بعد تشنيع بلا وجه قوله إن اشترى دارا أي أراد اشتراء دار بعشرين
ألف درهم قوله فلا بأس أن يحتال أي على إسقاط الشفعة حتى يشتري الدار بعشرين ألف
درهم قوله وينقده أي ينقد البائع تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعين وينقده
دينارا بما بقي أي بمقابلة ما بقي من العشرين الألف ويروى من العشرين ألفا يعني
مصارفه عنها قوله فإن طلب الشفيع أي أخذها بالشفعة قوله أخذها بصيغة الماضي أي
أخذها بعشرين ألف درهم يعني بثمن الذي وقع عليه العقد قوله وإلا فلا سبيل له على
الدار يعني وإن لم يرض أخذها بعشرين ألفا فلا سبيل له على الدار لسقوط الشفعة
لكونه امتنع من بدل الثمن الذي وقع عليه العقد قوله فإن استحقت على صيغة المجهول
يعني إذا ظهرت الدار مستحقة لغير البائع قوله لأن البيع أي لأن المبيع قوله حين
استحق أي للغير قوله انتقض الصرف أي الذي وقع بين البائع والمشتري في الدار
المذكورة بالدينار وهي رواية الكشميهني أعني في الدينار وفي رواية غيره في الدار
والأول أوجه قوله فإن وجد بهذه الدار أي الدار المذكورة عيبا قوله ولم تستحق الواو
فيه للحال أي والحال أنها لم تخرج مستحقة فإنه يردها أي الدار عليه أي على البائع
بعشرين ألفا قال وهذا تناقض بين لأن الأمة مجمعة وأبو حنيفة معهم على أن البائع لا
يرد في الاستحقاق والرد بالعيب إلا ما قبض فكذلك الشفيع لا يشفع إلا بما نقد
المشتري وما قبضه من البائع لا بما عقد وأشار إلى ذلك بقوله قال فأجاز هذا الخداع
بين المسلمين أي أجاز الحيلة في إيقاع الشريك في العين إن أخذ الشفعة وإبطال حقه
بسبب الزيادة في الثمن باعتبار العقد لو تركها والضمير في قال يرجع إلى
(24/125)
البخاري وفي أجاز إلى بعض الناس فإن كان مراده من
قوله فأجاز أي أبو حنيفة ففيه سوء الأدب فحاشا أبو حنيفة من ذلك فدينه المتين وورعه
المحكم يمنعه عن ذلك قوله وقال قال النبي أي قال البخاري قال النبي وأراد بهذا
الحديث المعلق الذي مضى موصولا بأتم منه في أوائل كتاب البيوع الاستدلال على حرمة
الخداع بين المسلمين في معاقداتهم قوله لا داء أي لا مرض ولا خبثة بكسر الخاء
المعجمة أي لا يكون وحكى الضم أيضا وقال الهروي الخبثة أن يكون البيع غير طيب كأن
يكون من قوم لم يحل سبيهم لعهد تقدم لهم وقال ابن التين وهذا في عهد الرقيق قيل
إنما خصه بذلك لأن الخبر إنما ورد فيه قوله ولا غائلة وهو أن يأتي أمرا سوءا
كالتدليس ونحوه وقال الكرماني الغائلة الهلاك أي لا يكون فيه هلاك مال المشتري
والأصل عنده من يرى هذا الاحتيال في هذه الصورة وغيرها هو أن إبطال الحقوق الثابتة
بالتراضي جائز
6981 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى عن سفيان قال حدثني إبراهيم بن ميسرة عن عمرو
بن الشريد أن أبا رافع ساوم سعد بن مالك بيتا بأربعمائة مثقال وقال لولا أني سمعت
النبي يقول الجار أحق بصقبه ما أعطيتك
قد مر الكلام فيه عن قريب عند قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان الخ وهو بعين ذلك
الحديث غير أنه أخرجه هنا عن مسدد عن ( يحيى ) القطان عن ( سفيان ) الثوري وهناك
عن أبي نعيم عن سفيان عن إبراهيم الخ ومضى الكلام فيه
بسم الله الرحمان الرحيم
ثبتت البسملة هنا لجميع الرواة
( كتاب التعبير )
أي هذا كتاب في بيان التعبير وقال الكرماني قالوا الفصيح العبارة لا التعبير وهي
التفسير والإخبار بما يؤول إليه أمر الرؤيا والتعبير خاص بتفسير الرؤيا وهي العبور
من ظاهرها إلى باطنها وقيل هو النظر في الشيء فتعبير بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه
وأصله من العبر بفتح العين وسكون الباء وهو التجاوز من حال إلى حال والاعتبار
والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد ويقال عبرت
الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرتها بالتشديد لأجل المبالغة في ذلك
1 -
( باب أول ما بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة )
أي هذا باب فيه أول ما بدىء به وهكذا وقع في رواية النسفي والقابسي وكذا وقع لأبي
ذر مثله إلا أنه سقط له عن غير المستملي لفظ باب ووقع لغيرهم باب التعبير وأول ما
بدىء به الخ والرؤيا ما يراه الشخص في منامه وهي على وزن فعلى وقد تسهل الهمزة
وقال الواحدي هو في الأصل مصدر كالبشري فلما جعلت اسما لما يتخيله النائم أجريت
مجرى الأسماء وقال ابن العربي الرؤيا إدراكات يخلقها الله عز و جل في قلب العبد
على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعبارتها وإما تخليط
ونظيرها في اليقظة الخواطر فإنها قد تأتي على نسق في قصد وقد تأتي مسترسلة غير
محصلة
وروى الحاكم والعقيلي من رواية محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
قال لقي عمر عليا رضي الله عنهما فقال يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما
يصدق ومنها ما يكذب قال نعم سمعت رسول الله يقول ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلىء
نوما إلا يخرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق
والذي يستيقظ دون العرش فتلك التي تكذب قال الذهبي في تلخيصه هذا حديث منكر ولم
يصححه المؤلف ولعل الآفة من
(24/126)
الراوي عن ابن عجلان انتهى الراوي عن ابن عجلان هو
أزهر بن عبد الله الأزدي الخرساني ذكره العقيلي في ترجمته وقال إنه غير محفوظ قوله
الرؤيا الصادقة قد ذكرنا أن الرؤيا في المنام والرؤية هي النظر بالعين والرأي
بالقلب والصادقة هي رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن تبعهم من الصالحين وقد
تقع لغيرهم بندور والأحلام الملتبسة أضغاث وهي لا تندر بشيء
6982 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) ح
وحدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) حدثنا ( معمر ) قال ( الزهري )
( فأخبرني عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أنها قالت أول ما بدىء به رسول الله
من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح فكان
يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذالك ثم يرجع إلى
خديجة فتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال فقال له
النبي فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ع فقلت
ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ع فقلت ما
أنا بقارىء فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذى
خلق حتى بلغ علم الإنسان ما لم يعلم فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال
زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر وقال
قد خشيت على نفسي فقالت له كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم
وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى
أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخو أبيها وكان
امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء
الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة أي ابن عم اسمع من ابن أخيك
فقال ورقة ابن أخي ماذا تراى فأخبره النبي ما رأى فقال ورقة هاذا الناموس الذي
أنزل على موسى يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك فقال رسول الله أو مخرجي
هم فقال ورقة نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا
مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي فيما بلغنا حزنا غدا
منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفاى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه
تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذالك جأشه وتقر نفسه فيرجع
فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذالك فإذا أوفاى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال
له مثل ذالك
وقال ابن عباس فالق
(24/127)
الإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل
ف
هذا الحديث قد مر في أول الكتاب ومضى الكلام فيه مستوفى
وعائشة لم تدرك هذا الوقت فإما أنها سمعته من النبي أو من صحابي آخر
وأخرجه هنا من طريقين أحدهما عن يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عن
الليث بن سعد المصري عن عقيل بضم العين ابن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
والآخر عن عبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي عن عبد الرزاق بن همام عن
معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري وكتب بين الإسناد حرف ح إشارة إلى التحويل من
إسناد قبل ذكر الحديث إلى إسناد آخر وقال الكرماني أو الإشارة إلى صح أو إلى
الحائل أو إلى الحديث
قوله فأخبرني عروة ذكر حرف الفاء إشعارا بأنه روى له حديثا ثم عقبه بهذا الحديث
فهو عطف على مقدر ووقع عند مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله لكن فيه
وأخبرني بالواو لا بالفاء قوله الصادقة وفي رواية الصالحة وهما بمعنى واحد بالنسبة
إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء عليهم السلام وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا
فالصالحة أخص فرؤيا النبي صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة إلى
الدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد وأما رؤيا غير الأنبياء عليهم السلام فبينهما
عموم وخصوص إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير وإن فسرناها بأنها غير
الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا وقيل الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في
المنام أو يخبر به من لا يكذب والصالحة ما يسر وقال الكرماني الصالحة ما صلح
صورتها أو ما صلح تعبيرها والصادقة المطابقة للواقع قوله جاءت هكذا رواية
الكشميهني وفي رواية غيره جاءته قوله فلق الصبح بفتح الفاء ضوء الصبح وشقه من
الظلمة وافتراقها منه وجه التشبيه بفلق الصبح دون غيره هو أن شمس النبوة كانت
الرؤيا مبادىء أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس فمن كان باطنه
نوريا كان في التصديق بكريا كأبي بكر ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا
كأبي جهل وبقية الناس بين هاتين المنزلتين كل منهم بقدر ما أعطي من النور قوله
جراء بكسر الحاء وبالمد وهو الأفصح وحكى بتثليث أوله مع المد والقصر والصرف وعدمه
فتجتمع فيه عدة لغات مع قلة أحرفه ونظيره قباء والخطابي جزم بأن فتح أوله لحن وكذا
ضمه وكذا قصره قيل الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كانت تمكنه فيه
رؤية الكعبة فتجتمع فيه لمن يخلو فيه ثلاث عبادات الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت
وقيل إن قريشا كانت تفعله وأول من فعل ذلك من قريش عبد المطلب وكانوا يعظمونه
لجلالته وكبر سنه فتبعه على ذلك من كان يتأله وكان يخلو بمكان جده وسلم له ذلك
أعمامه لكرامته عليهم قوله وهو التعبد تفسير للتحنث الذي في ضمن يتحنث وهو إدراج
من الراوي قوله الليالي ذوات العدد قال الكرماني الليالي مفعول يتحنث وذوات بالكسر
أي كثيرة وقال الكرماني الليالي ذوات العدد يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى
العدد وقال غيره المراد به الكثرة لأن العدد على قسمين فإذا أطلق أريد به مجموع
القلة والكثرة فكأنها قالت ليالي كثيرة أي مجموع قسم العدد قوله فتزود لمثلهاكذا
في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فتزوده بالضمير وقوله لمثلها أي لمثل الليالي
وقيل يحتمل أن يكون للمرة أو الفعلة أو الخلوة أو العبادة وقال بعض من عاصرناه إن
الضمير للسنة فذكر من رواية ابن إسحاق كان يخرج إلى غار حراء في كل عام شهرا من
السنة يتنسك فيه يطعم من جاءه من المساكين قال وظاهره التزود لمثلها كان في السنة
التي تليها لا لمرة أخرى من تلك السنة واعترض عليه بعض تلامذته بأن مدة الخلوة
كانت شهرا كان يتزود لبعض ليالي الشهر فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله فيتزود قدر
ذلك من جهة أنهم لم يكونوا في سعة بالغة من العيش وكان غالب زادهم اللبن واللحم
وذلك لا يدخر منه كفاية الشهر لئلا يسرع إليه الفساد ولا سيما وقد وصف بأنه كان
يطعم من يرد عليه قوله حتى فجئه الحق كلمة حتى هنا على أصلها لانتهاء الغاية
والمعنى انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك وترك ذلك وفجئه بفتح الفاء وكسر الجيم
وبهمزة فعل ماض أي جاءه الوحي بغتة وقال الطيبي الحق أي أمر الحق وهو الوحي أو
رسول الحق وهو جبريل
(24/128)
عليه السلام وقيل الحق الأمر البين الظاهر أو المراد الملك بالحق أي الأمر الذي بعث به قوله فجاءه الفاء فاء التفسيرية وقيل يحتمل أن تكون للتعقيب وقيل يحتمل أن تكون سببية قوله فيه أي في الغار وهذا يرد قول من قال إن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه والنبي داخل الغار والملك على الباب والملك هنا جبريل عليه السلام وقيل اللام فيه لتعريف الماهية لا للعهد إلا أن يكون المراد به ما عهده عليه السلام قبل ذلك لما كلمه في صباه وكان سن النبي حين جاءه جبريل عليه السلام في غار حراء أربعين سنة على المشهور وكان ذلك يوم الاثنين نهارا في شهر رمضان في سابع عشرة وقيل في سابعه وقيل في رابع عشرين وقيل كان في سابع عشرين شهر رجب وقيل في أول شهر ربيع الأول وقيل في ثامنه قوله فقال اقرأ ظاهره أنه لم يتقدم من جبريل شيء قبل هذه الكلمة ولا السلام وقيل يحتمل أنه سلم وحذف ذكره وروى الطيالسي أن جبريل سلم أولا ولم ينقل أنه سلم عند الأمر بالقراءة قوله فقال اقرأ قيل دلت القصة على أن مراد جبريل عليه السلام أن يقول النبي نص ما قاله وهو قوله اقرأ وإنما لم يقل له قل اقرأ لئلا يظن أن لفظة قل أيضا من القرآن فإن قلت ما الذي أراد باقرأ قلت هو المكتوب الذي في النمط كذا في رواية ابن إسحاق فلذلك قال ما أنا بقارىء يعني أنا أمي لا أحسن قراءة الكتب فإن قلت ما كان المكتوب في ذلك النمط قلت الآيات الأول من اقرأ باسم ربك الذى خلق وقيل ويحتمل أن يكون ذلك جملة القرآن نزل باعتبار ثم نزل منجما باعتبار آخر وفيه إشارة إلى أن أمره تكمل باعتبار الجملة ثم تكمل باعتبار التفصيل فغطني من الغط بالغين المعجمة وهو العصر الشديد والكبس وقال ابن الأثير قيل إنما غطه ليختبره هل يقول من تلقاء نفسه شيئا وقيل لتنبيهه واستحضاره ونفي منافيات القراءة عنه وقال السهيلي تأويل الغطات الثلاث أنها كانت في النوم أنه ستقع له ثلاث شدائد يبتلى بها ثم يأتي الوحي وكذا كانت الأولى في الشعب لما حصرتهم قريش فإنه لقي ومن تبعه شدة عظيمة الثانية لما خرجوا توعدوهم بالقتل حتى فروا إلى الحبشة والثالثة لما هموا به ما هموا من المكر به كما قال تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين الآية فكانت له العاقبة في الشدائد الثلاث وقال من عاصرنا من المشايخ ما ملخصه إن هذه المناسبة حسنة ولا يتعين للنوم بل يكون بطريق الإشارة في اليقظة وقال ويمكن أن تكون المناسبة أن الأمر الذي جاء به ثقيل من حيث القول والعمل والنية أو من جهة التوحيد والأحكام والإخبار بالغيب الماضي والآتي وأشار بالإرسالات الثلاث إلى حصول التيسير والتسهيل والخفيف في الدنيا والبرزخ والآخرة عليه وعلى أمته قوله حتى بلغ مني الجهد بضم الجيم الطاقة وبفتحها الغاية ويجوز فيه رفع الدال ونصبها أما الرفع فعلى أنه فاعل بلغ وهي القراءة التي عليها الأكثرون وهي المرجحة وأما النصب فعلى أن فاعل بلغ هو الغط الذي دل عليه قوله غطني والتقدير بلغ مني الغط جهده أي غايته وقال الشيخ التوربشتي لا أرى الذي قاله بالنصب إلا وهما فإنه يصير المعنى أنه غطه حتى استفرغ الملك قوته في ضغطه بحيث لم يبق فيه مزيد وهو قول غير سديد فإن البنية البشرية لا تطيق استنفاد القوة الملكية لا سيما في مبتدأ الأمر وقد صرح في الحديث بأنه دخله الرعب من ذلك انتهى وقيل لا مانع أن يكون الله قواه على ذلك ويكون من جملة معجزاته وقال الطيبي في جوابه بأن جبريل لم يكن حينئذ على صورته الملكية فيكون استفراغ جهده بحسب صورته التي جاء بها حين غطه وقال وإذا صحت الرواية اضمحل الاستبعاد انتهى وفيه تأمل قوله فرجع بها أي مصاحبا بالآيات المذكورة الخمس قوله ترجف بوادره جملة حالية والبوادر جمع البادرة وهي اللحمة بين العنق والمنكب وقد تقدم في بدء الوحي بلفظ فؤاده قيل الحكمة في العدول عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب فإذا حصل الرجفان للفؤاد حصل لما فيه قوله الروع بفتح الراء الفزع قوله مالي أي ما كان الذي حصل لي قوله قد خشيت على نفسي هكذا رواية الكشمهيني وفي رواية غيره خشيت علي بالتشديد يعني من أن يكون مرضا أو عارضا من الجن وقال الكرماني قالوا الأولى خشيت أني لا أقوى على تحمل أعباء الرسالة ومقاومة الوحي قوله فقالت له كلا أي فقالت خديجة للنبي كلا أي ليس الأمر كما زعمت بل لا خشية عليك
(24/129)
وأصل كلمة كلا للردع والإبعاد وقد يجيء بمعنى حقا
قوله أبشر خطاب من خديجة للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو أمر من البشارة
بكسر الباء وضمها وهو اسم والمصدر بشر وبشور من بشرت الرجل أبشره بالضم أي أدخلت
له سرورا وفرحا ولم يعين فيه المبشر به ووقع في دلائل النبوة للبيهقي من طريق أبي
ميسرة مرسلا مطولا وفي آخر فأبشر فإنك رسول الله حقا وفيه لا يفعل الله بك إلا
خيرا قوله لا يخزيك الله أبدا من الخزي بالمعجمتين وهو الذل والهوان وفي رواية
الكشميهني لا يحزنك الله من الحزن بالحاء المهملة والنون قوله الكل أي ثقل من
الناس قوله على نوائب الحق جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات
والحوادث قوله وهو ابن عم خديجة رضي الله تعالى عنها أخو أبيها كذا وقع هنا وأخو
صفة للعم فكان حقه أن يذكر مجرورا وكذا وقع في رواية ابن عساكر أخي أبيها ووجه
رواية الرفع أنه مبتدأ محذوف أي هو أخو أبيها فائدته دفع المجاز في إطلاق العم
عليه قوله تنصر أي دخل في دين النصرانية قوله في الجاهلية أي قبل البعثة المحمدية
قوله بالعبرانية بكسر العين وكذلك العبري قال الجوهري هو لغة اليهود وقد ذكرنا في
أول الكتاب في هذا الحديث أن العبراني نسبة إلى العبر وزيدت فيه الألف والنون في
النسبة على غير القياس وقال ابن الكلبي ما أخذ على غربي الفرات في قرية العرب يسمى
العبر وإليه ينسب العبريون من اليهود لأنهم لم يكونوا عبروا الفرات قوله اسمع من
ابن أخيك إنما قالته تعظيما وإظهارا للشفقة لأنه لم يكن ابن أخي ورقة قوله هذا
الناموس هو صاحب السر يعني جبريل عليه السلام وقد مر الكلام فيه مطولا قوله جذعا
بفتح الجيم والذال المعجمة وهو الشاب القوي وانتصابه على تقدير ليتني أكون جذعا أو
هو منصوب على مذهب من ينصب بليت الجزأين أو حال قاله الكرماني قلت لا يكون حالا
إلا بالتأويل قوله أو مخرجي هم الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعدها وهم
مبتدأ ومخرجي مقدما خبره وأصله مخرجين فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون قوله
بما جئت به وفي رواية الكشميهني بمثل ما جئت به قوله إلا عودي على صيغة المجهول من
المعاداة قوله نصرا مؤزرا بالهمزة في رواية الأكثرين من التأزير وهو التقوية وأصله
من الأزر وهو القوة وقال القزاز الصواب موازرا بغير همز من وازرته إذا عاونته ومنه
أخذ وزير الملك ويجوز حذف الألف فتقول نصرا موزرا ويرد عليه قول الجوهري أزرت
فلانا عاونته والعامة تقول وازرته قوله ثم لم ينشب بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث
قوله حزن النبي من الحزن بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحها قوله عدا بالعين المهملة
من العدو وهو الذهاب بسرعة ومنهم من أعجمها فيكون من الذهاب غدوة قوله يتردى أي
يسقط قوله شواهق الجبال الشواهق جمع شاهق وهو المرتفع العالي من الجبل قوله فلما
أوفى بذروة جبل أي فلما أشرف بذروة جبل بكسر الذال المعجمة وبفتحها وضمها والضم
أعلى وذروة كل شيء أعلاه قوله تبدى له أي ظهر له وفي رواية الكشميهني بدا له وهو
بمعنى ظهر أيضا قوله جاشه بالجيم والشين المعجمة وهو النفس والاضطراب
قوله وقال ابن عباس الخ ذكره هذا المعلق عن ابن عباس لأجل ما وقع في حديث الباب
إلا جاءت مثل فلق الصبح ثبت هذا للنسفي ولأبي زيد المروزي ولأبي ذر عن المستملي
والكشميهني ووصله الطبري من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله فالق الإصباح
يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل واعترض على البخاري بأن ابن
عباس فسر الإصباح لا لفظ فالق الذي هو المراد هنا وأجيب عنه بأن مجاهدا فسر قوله
اقرأ باسم ربك الذى خلق بأن الفلق الصبح فلعى هذا فالمراد بفلق الصبح إضاءته
والفالق اسم فاعل من ذلك
2 -
( باب رؤيا الصالحين )
أي هذا باب في بيان عامة رؤيا الصالحين وهي التي يرجى صدقها لأنه قد يجوز على
الصالحين الأضغاث في رؤياهم لكن الأغلب عليهم الصدق والخير وقلة تحكم الشيطان
عليهم في النوم أيضا لما جعل الله عليهم من الصلاح وبقي سائر الناس
(24/130)
غير الصالحين تحت تحكم الشيطان عليهم في النوم مثل
تحكمه عليهم في اليقظة في أغلب أمورهم وإن كان قد يجوز منهم الصدق في اليقظة فكذلك
يكون في رؤياهم صدق أيضا
وقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شآء الله
ءامنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا
قريبا
وقوله بالجر عطف على الصالحين والتقدير وفي بيان قوله عز و جللقد صدق الله لآية
وسيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة وأخرج عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال أري النبي وهو بالحديبية أنه دخل مكة هو
وأصحابه محلقين فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه أين رؤياك فنزلت وقوله فجعل
من دون ذلك فتحا قريبا قال النحر بالحديبية فرجعوا ففتحوا خيبر والمراد بالفتح فتح
خيبر قال ثم اعتمر بعد ذلك فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة وكانت الحديبية سنة
ست وفي قوله إن شاء الله أقوال فقيل هل هو مما خوطب العباد أن يقولوه مثل الآية
والاستثناء لمن مات منهم قبل ذلك أو قتل أو هو حكاية لما قيل لرسول الله في منامه
6983 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
) عن ( أنس بن مالك ) أن رسول الله قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة
وأربعين جزءا من النبوة
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه النسائي في تعبير الرؤيا عن قتيبة وغيره
وأخرجه ابن ماجه فيه عن هشام بن عمار
قوله الحسنة هي إما باعتبار حسن ظاهرها أو حسن تأويلها وقسموا الرؤيا إلى الحسنة
ظاهرا وباطنا كالتكلم مع الأنبياء عليهم السلام أو ظاهرا لا باطنا كسماع الملاهي
وإلى رديئة ظاهرا وباطنا كلدغ الحية أو ظاهرا لا باطنا كذبح الولد قوله من الرجل
ذكر للغالب فلا مفهوم له فإن المرأة الصالحة كذلك قاله ابن عبد البر قوله جزء من
ستة وأربعين جزءا من النبوة قال الكرماني قوله من النبوة أي في حق الأنبياء دون
غيرهم وكان الأنبياء يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة وقيل معناه أن
الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة وقال الزجاج تأويل قوله
جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة أن الأنبياء عليهم السلام يخبرون بما سيكون
والرؤيا تدل على ما يكون وقال الخطابي ناقلا عن بعضهم ما ملخصه إن أول ما بدىء به
الوحي إلى أن توفي ثلاث وعشرون سنة أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وكان
يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر وهي نصف سنة فصارت هذه المدة جزءا
من ستة وأربعين جزءا من النبوة بنسبتها من الوحي في المنام ثم اعلم أن قوله جزء من
ستة وأربعين جزءا هو الذي وقع في أكثر الأحاديث وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة
جزء من خمسة وأربعين وفي رواية له من حديث ابن عمر جزء من سبعين جزءا وكذا أخرجه
ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفا وأخرجه الطبراني عنه من وجه آخر مرفوعا
وللطبراني من وجه آخر عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وأخرجه ابن عبد البر من طريق
عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعا جزء من ستة وعشرين وأخرج أحمد وأبو
يعلى حديثا في هذا الباب وفيه قال ابن عباس إني سمعت العباس بن عبد المطلب يقول
سمعت رسول الله يقول الرؤيا الصالحة من المؤمن جزء من خمسين جزءا من النبوة وأخرجه
الترمذي والطبري من حديث أبي ذر بن العقيلي جزء من أربعين وأخرجه الطبري من وجه
آخر عن ابن عباس أربعين وأخرج الطبري أيضا من حديث عبادة جزء من أربعة وأربعين
وأخرج أيضا أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص جزء من تسعة وأربعين وذكر
القرطبي في المفهم بلفظ سبعة بتقديم السين فحصلت من هذه عشرة أوجه ووقع في شرح
النووي
(24/131)
وفي رواية عبادة أربعة وعشرون وفي رواية ابن عمر ستة
وعشرون وقيل جاء فيه اثنان وسبعون واثنان وأربعون وسبعة وعشرون وخمسة وعشرون فعلى
هذا ينتهي العدد إلى ستة عشر وجها وأجاب من تكلم في بيان وجه الاختلاف الأعداد
بأنه وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه النبي بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد
مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت
الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم
بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وأما ما عدا ذلك من
الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين يحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية
السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت والله أعلم
3 -
( باب الرؤيا من الله )
أي هذا باب يذكر فيه الرؤيا من الله وإضافة الرؤيا إلى الله للتشريف كما في قوله
تعالى فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها والرؤيا المضافة إلى الله لا يقال لها
حلم والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها رؤيا وهذا تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا
6984 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا يحيى هو ابن سعيد قال سمعت
أبا سلمة قال سمعت أبا قتادة عن النبي قال الرؤيا من الله والحلم من الشيطان
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا على هذه الرواية من غير ذكر الوصف للرؤيا وهي رواية
أحمد بن ( يحيى ) الحلواني عن أحمد بن يونس شيخ البخاري ويروى الرؤيا الصادقة من
الله وفي رواية الكشميهني الرؤيا الصالحة وهي التي وقعت في معظم الروايات
وأحمد بن يونس هو أحمد بن يونس اليربوعي الكوفي وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة
الكوفي ويحيى هو ( ابن سعيد ) الأنصاري وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف وأبو
قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري
والحديث مضى في الطب عن خالد بن مخلد وأخرجه بقية الجماعة
قوله والحلم بضم الحاء واللام قال ابن التين كذا قرأناه وفي ضبط الجوهري بسكون
اللام وهو ما يراه النائم وحلم بفتح الحاء واللام كضرب تقول حلمت بكذا وحلمته وقال
ابن سيده في مثلثه ويجمع على أحلام لا غير وقال الزمخشري الحالم النائم يرى في
منامه شيئا وإذا لم ير شيئا فليس بحالم وقال الزجاج الحلم بالضم ليس بمصدر وإنما
هو اسم وحكى ابن التياني في الموعب عن الأصمعي في المصدر حلما وحلما والحلم بالكسر
الأناءة يقال منه حلم بضم اللام قوله من الشيطان أضيفت إليه لكونها على هواه
ومراده وقيل لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها في نفس الأمر
6985 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( ابن الهاد ) عن ( عبد
الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) أنه سمع النبي يقول إذا رأى أحدكم رؤيا
يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذالك مما يكره
فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره
الحديث 6985 طرفه في 7045
مطابقته للترجمة في قوله فإنما هي من الله وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن
أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي وعبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة
وتشديد الباء الموحدة الأولى الأنصاري وأبو سعيد بن مالك الخدري
والحديث أخرجه الترمذي والنسائي في الرؤيا واليوم والليلة جميعا عن قتيبة
قوله وليحدث بها هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره وليتحدث بها قوله فليستعذ
وفي بعض النسخ فليستعذ بالله قوله لا تضره وفي رواية
(24/132)
الكشميهني فإنها لن تضره
4 -
( باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )
أي هذا باب يذكر فيه الرؤيا الصالحة إلى آخره وسقطت هذه الترجمة للنسفي وذكر
أحاديثها في الباب الذي قبله
6986 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وأثنى عليه خيرا )
وقال ل ( قيته باليمامة ) عن أبيه حدثنا ( أبو سلمة ) عن ( أبي قتادة ) عن النبي
قال الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم فليتعوذ منه وليبصق عن
شماله فإنها لا تضره
وعن أبيه قال حدثنا عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي مثله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن يحيى بن أبي كثير ضد القليل اليماني وقال
الكرماني لم يتقدم ذكره
قوله وأثنى عليه خيرا أي وأثنى مسدد على عبد الله بن يحيى خيرا وهي جملة حالية أي
أثنى عليه خيرا حال كونه حدث عنه وقد أثنى عليه أيضا إسحاق بن إسرائيل فيما أخرجه
الإسماعيلي من طريقه قال حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وكان من خيار الناس
وأهل الورع والدين قوله لقيته باليمامة أي قال مسدد لقيت عبد الله بن يحيى
باليمامة بتخفيف الميم قال الجوهري اليمامة بلاد كان اسمها الجو بالجيم وتشديد
الواو وقال الكرماني بين مكة واليمن وقال الجوهري اليمامة اسم جارية زرقاء كانت
تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام يقال أبصر من زرقاء اليمامة فسميت البلاد
المذكورة باسم هذه الجارية لكثرة ما أضيف إليها وقيل جو اليمامة قوله عن أبيه هو
يحيى بن أبي كثير واسم أبي كثير صالح بن المتوكل وقيل غير ذلك روى عن أبي سلمة بن
عبد الرحمان بن عوف وروى عنه ابنه عبد الله المذكور وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي
وقد مضى عن قريب قوله فإذا حلم بفتح اللام قوله فليتعوذ منه أي من الشيطان لأنه
ينسب إليه قوله وليبصق أمر بالبصق عن شماله طرد للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة
وتحقيرا له واستقذارا وخص الشمال لأنه محل الأقذار والمكروهات ويروى فلينفث ويروى
أيضا فليتفل وأكثر الروايات على الثاني وادعى بعضهم أن معناها واحد ولعل المراد
بالجميع النفث وهو نفخ بلا ريق ويكون التفل والبصق محمولين مجازا
قوله وعن أبيه هو عطف على السند الذي قبله وهذا يدل على أن مسددا له طريقان في الحديث
المذكور أحدهما عن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن أبي سلمة وهو المذكور والآخر عن
عبد الله بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة عن النبي
وكذا أخرجه الإسماعيلي عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي سلمة قوله
مثله أي مثل الحديث المذكور وقال الكرماني قال أصحاب علوم الحديث إذا روى الراوي
حديثا بسنده ثم اتبعه بإسناد آخر له وقال في آخره مثله أو نحوه فهل يجوز رواية لفظ
الحديث الأول بالإسناد الثاني فقال شعبة لا وقال الثوري نعم وقال ابن معين يجوز في
مثله ولا يجوز في نحوه
6987 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن (
أنس بن مالك ) عن ( عبادة بن الصامت ) عن النبي قال رؤيا المؤمن جزء من ستة
وأربعين جزءا من النبوة
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر هو محمد بن جعفر
والحديث أخرجه مسلم في تعبير الرؤيا أيضا عن بندار وأبي موسى كلاهما عن غندر وغيره
وأخرجه الترمذي في الرؤيا عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن
مسعود ومضى الكلام فيه عن قريب
(24/133)
6988 - حدثنا ( يحيى بن قزعة ) حدثنا ( إبراهيم بن
سعد ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول
الله قال رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
الحديث 6988 - طرفه في 7017
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث من أفراده
ورواه ثابت وحميد وإسحاق بن عبد الله وشعيب عن أنس عن النبي
أي روى الحديث المذكور هؤلاء الأربعة عن أنس بن مالك أما رواية ثابت بن حميد
البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون فقد وصلها البخاري عن معلى بن أسد وسيأتي
في باب من رأى النبي وأما رواية حميد الطويل فوصلها أحمد عن محمد بن أبي عدي عنه
وأما رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فقد مضت عن قريب وأما رواية شعيب هو ابن
الحبحاب فوصلها أبو عبد الله بن منده من طريق عبد الله بن سعيد
6989 - حدثني ( إبرهيم بن حمزة ) حدثني ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد )
عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) أنه سمع رسول الله يقول الرؤيا
الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن حمزة وأبو إسحاق القرشي وابن أبي حازم هو عبد
العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد
والدراوردي بفتح الدال نسبة إلى داراورد قرية من قرى خراسان ويزيد من الزيادة هو
المعروف بابن الهاد والسند كله مدنيون وتقدم الكلام فيه
قوله من النبوة كذا في جميع الطرق وليس فيه شيء منها بلفظ من الرسالة بدل من
النبوة وكان السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بتبليغ الأحكام للمكلفين بخلاف
النبوة المجردة فإنها اطلاع على بعض المغيبات
5 -
( باب المبشرات )
أي هذا باب في بيان المبشرات وهي بكسر الشين جمع مبشرة قال بعضهم وهي البشرى قلت
ليس كذلك لأن البشرى اسم بمعنى البشارة والمبشرة اسم فاعل للمؤنث من التبشير وهو
إدخال السرور والفرح على المبشر بفتح الشين والمراد بالمبشرة هنا الرؤيا الصالحة
وقد ورد في قوله تعالى لهم البشرى في الحيواة الدنيا وفى الاخرة لا تبديل لكلمات
الله ذالك هو الفوز العظيم هي الرؤيا الصالحة أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه
الحاكم من رواية أبي سلمة عن عبد الرحمان عن عبادة بن الصامت
6990 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) حدثني ( سعيد بن
المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال سمعت رسول الله يقول لم يبق من النبوة إلا المبشرات
قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث من أفراده
قوله لم يبق قال الكرماني قوله لم يبق فإن قلت هو في معنى الماضي لكن المراد منه
الاستقبال إذ قبل زمانه وحال زمانه كان غيرها باقيا منها فالمراد بعد قلت صدق في
زمانه أنه لم يبق لأحد غيره نبوة فإن قلت هل يقال لصاحب الرؤيا الصالحة له شيء من
النبوة قلت جزء النبوة ليس بنبوة إذ جزء الشيء غيره أو لا هو ولا غيره فلا نبوة له
فإن قلت الرؤيا الصالحة أعم لاحتمال أن تكون منذرة إذا الصلاح قد يكون باعتبار
تأويلها قلت فيرجع إلى المبشر نعم يخرج منها ما لا صلاح لها لا صورة ولا تأويلا
وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتي ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون
إلا الرؤيا فإن قيل يرد عليه الإلهام لأن
(24/134)
فيه إخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي
كالرؤيا ويقع في غير الأنبياء كما تقدم في مناقب عمر رضي الله تعالى عنه قد كان
فيمن مضى من الأمم محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء وقد أخبر كثير
من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا وأجيب بأن الحصر في المنام لكونه يشمل
آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فإنه مختص بالبعض ومع كونه مختصا فإنه نادر وقال
المهلب ما حاصله إن التعبير بالمبشرات خرج للأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي
صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه
6 -
( باب رؤيا يوسف عليه السلام )
أي هذا باب في بيان رؤيا يوسف عليه السلام كذا وقع للأكثرين ووقع للنسفي يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمان صلوات الله عليهم وسلامه
وقوله تعالى إذ قال يوسف لابيه ياأبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم
لى ساجدين قال يابنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان
عدو مبين وكذالك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى ءال
يعقوب كمآ أتمهآ على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم وقوله تعالى
ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هاذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها
ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان
بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتنى من الملك
وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى
مسلما وألحقنى بالصالحين
وقوله بالجر عطف على ما قبله وسيقت هذه الآيات كلها إلى قوله بالصالحين في رواية
كريمة وفي رواية أبي ذر والنسفي ساق إلى ساجدين ثم قال إلى قوله عليم حكيم قوله إذ
قال أي اذكر حين قال يوسف لأبيه يعني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قوله
أحد عشر كوكبا نصب على التمييز وأسماؤها جرثان والطارق والذيال وذو الكتفين وذو
القابس ووثاب وعمودان والفليق والمصبح والضروج وذو الفرغ قوله رأيتهم لي ساجدين
ولم يقال رأيتها ساجدة لأنه لما وصفها الله بما هو خاص بالعقلاء وهو السجود أجرى
عليها حكمهم كأنها عاقلة ورأى يوسف عليه السلام هذا وهو ابن اثني عشرة سنة وقيل
كان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة وقيل ثمانون قوله على إخوتك وهم
يهوذا وروبيل وريالون وشمعون ولاوي ويشجر ودينه دان ونفتال وجاد وآشر قوله فيكيدوا
لك أي فيبغوا لك الغوائل ويحتالوا في هلاكك قوله يجتبيك أي يصطفيك قوله من تأويل
الأحاديث يعني تعبير الرؤيا قوله ويتم نعمته عليك يعني يوصل لك نعم الدنيا بنعمة
الآخرة قوله وعلى آل يعقوب أي أهله وهم نسله وغيرهم قوله أبويك أراد بهما الجد
وأبا الجد قوله هذا تأويل رؤياي وهو قوله إني رأيت أحد عشر كوكبا قوله أحسن بي
يقال أحسن إليه وبه قوله من البدو أي من البادية لأنهم كانوا أهل عمل وأصحاب مواش
ينتقلون في المياه والمناجع قوله من بعد أن نزغ الشيطان أي أفسد بيننا وأغوى قوله
لطيف ذو لطف وصنع لما يشاء عالم بدقائق الأمور قوله من الملك أي ملك مصر وتأويل
الأحاديث تعبير الرؤيا قوله فاطر السموات يعني يا فاطر السموات والأرض أنت وليي أي
متولي أمري قوله توفني يعني اقبضني إليك وألحقني بالصالحين يعني بآبائي الأنبياء
عليهم السلام ثم توفاه الله تعالى بمصر ودفن في النيل في صندوق من رخام ومات وعمره
مائة وعشرون سنة
(24/135)
قال أبو عبد الله فاطر والبديع والمبتدع والباريء
والخالق واحد
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار إلى أن معنى هذه الألفاظ الأربعة واحد وأشار
بالفاطر إلى المذكور في قوله رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث
فاطر السماوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين
وغيرها وقيل دعوى البخاري الوحدة في معنى هذه الألفاظ ممنوعة عند المحققين ورد
عليه بعضهم بأن البخاري لم يرد بذلك أن حقائق معانيها متوحدة وإنما أراد أنها ترجع
إلى معنى واحد وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن قلت قوله واحد ينافي هذا التأويل
ومعنى الفاطر من الفطر وهو الابتداء والاختراع قاله الجوهري ثم قال ابن عباس كنت
لا أدري ما معنى فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال
أحدهما أنا فطرتها أي أنا ابتدأتها قوله والبديع معناه الخالق المخترع لا عن مثال
سابق فعيل بمعنى مفعل يقال أبدع فهو مبدع وكذا في بعض النسخ مبدع قوله والبارىء
والخالق قال الطيبي قيل الخالق البارىء المصور ألفاظ مترادفة وهو وهم لأن الخالق
من الخلق وأصله التقدير المستقيم والبارىء مأخوذ من البرء وأصله خلوص الشيء عن
غيره إما على سبيل التقصي منه وعليه قولهم برىء من مرضه وإما على سبيل الإنشاء منه
ومنه برأ الله النسمة وهو البارىء لها وقيل البارىء هو الذي خلق الخلق بريئا من
التفاوت والتنافر قوله البارىء ويروى البادىء وقيل لبعضهم البارىء بالراء ولأبي ذر
والأكثر البادىء بالدال بدل الراء والهمز ثابت فيهما وزعم بعض من عاصرناه من
الشراح أن الصواب بالراء ورواية الدال وهم ورد عليه بعضهم بأنه وقع في بعض طرق
الأسماء الحسنى المبدىء وفي سورة العنكبوت أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده
إن ذالك على الله يسير ثم قال قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله
ينشىء النشأة الاخرة إن الله على كل شىء قدير فاسم الفاعل من الأول مبدىء ومن
الثاني بادىء انتهى قلت في هذا الرد نظر لا يخفى
من البدو بادئة
أشار به إلى ما ذكر آنفا من قوله ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت
هاذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجآء
بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو
العليم الحكيم أي من البادية وقد ذكرناه
7 -
( باب رؤيا إبراهيم عليه السلام )
أي هذا باب في بيان رؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام كذا وقع لأبي ذر وسقط لفظ باب
لغيره
وقوله تعالى فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا
ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شآء الله من الصابرين فلما أسلما وتله
للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيآ إنا كذلك نجزى المحسنين
وقوله مجرور عطف على ما قبله وسيقت الآيات كلها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر
فلما بلغ منه السعي إلى قوله نجزي المحسنين وسقط للنسفي قوله السعي أي بلغ أن يسعى
مع أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق ببلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعي ولا
بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بيانا كأنه قال لما قال فلما
بلغ معه السعي قوله فلما أسلما سيجيء تفسيره وكذا تفسير قوله وتله
قال مجاهد أسلما سلما ما أمرا به وتله وضع وجهه بالأرض
وصل الفريابي في تفسيره تعليق مجاهد عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكره وليس
في هذا الباب وفي الباب الذي قبله حديث واكتفى بالقرآن وقال بعضهم وقول الكرماني
إنه كان في كل منهما بياض ليلحق به حديثا يناسبه محتمل مع بعده قلت لم يقل
الكرماني هكذا أصلا وإنما قال وهذان البابان مما ترجمهما البخاري ولم يتفق له
إثبات حديث فيهما
8 -
( باب التواطؤ على الرؤيا )
(24/136)
أي هذا باب في بيان التواطؤ أي توافق جماعة على رؤيا
واحدة وإن اختلفت عباراتهم
6991 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن (
سالم بن عبد الله ) عن ( بن عمر ) رضي الله عنهما أن أناسا أروا ليلة القدر في
السبع الأواخر وأن أناسا أروها أنها في العشر الأواخر فقال النبي التمسوها في
السبع الأواخر
انظر الحديث 1158 وطرفه
للترجمة ظاهرة ولكن اعترضه الإسماعيلي فقال اللفظ الذي ساقه خلاف التواطؤ وحديث
التواطؤ أرى رؤياكم قد تواطأت على العشر الأواخر ورد عليه بأنه لم يلتزم إيراد
الحديث بلفظ التواطؤ وإنما أراد بالتواطؤ التوافق وهو أعم من أن يكون الحديث بلفظه
أو بمعناه
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم والحديث من أفراده
قوله أن أناسا وفي رواية الكشميهني أن ناسا قوله أروا على صيغة المجهول أي في
المنام قوله الأواخر جمع والسبع مفرد فلا مطابقة وأجيب بأنه اعتبر الآخرية بالنظر
إلى كل جزء منها
9 -
( باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك )
أي هذا باب في بيان رؤيا أهل السجون وهو جمع سجن بالكسر وهو الحبس وبالفتح مصدر
وقد سجنه يسجنه من باب نصر أي حبسه قوله والفساد أي رؤيا أهل الفساد يعني أهل
المعاصي قوله والشرك يعني رؤيا أهل الشرك ووقع في رواية أبي ذر بدل الشرك الشراب
بضم الشين المعجمة وتشديد الراء جمع شارب أو بفتحتين مخففا أي وأهل الشراب وأريد
به الشراب المحرم وعطفه على الفساد من عطف الخاص على العام وأشار بهذا إلى أن
الرؤيا الصالحة معتبرة في حق هؤلاء بأنها قد تكون بشرى لأهل السجن بالخلاص وإن كان
المسجون كافرا تكون بشرى له بهدايته إلى الإسلام كما كانت رؤيا الفتيين اللذين
حبسا مع يوسف عليه السلام صادقة وقال أبو الحسن بن أبي طالب وفي صدق رؤيا الفتيين
حجة على من زعم أن الكافر لا يرى رؤيا صادقة وأما رؤيا أهل الفساد فتكون بشرى لهم
بالتوبة والرجوع عما هم فيه وأما رؤيا الكافر فتكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان
لقوله تعالى ودخل معه السجن فتيان قال أحدهمآ إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى
أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال
لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذالكما مما علمنى ربى
إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون واتبعت ملة ءابآءي إبراهيم
وإسحاق ويعقوب ما كان لنآ أن نشرك بالله من شىء ذالك من فضل الله علينا وعلى الناس
ولاكن أكثر الناس لا يشكرون ياصاحبى السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد
القهار
وقال الفضيل عند قوله يا صاحبي السجن لبعض الأتباع يا عبد الله ياصاحبى السجن
ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسمآء سميتموهآ
أنتم وءابآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا
إياه ذالك الدين القيم ولاكن أكثر الناس لا يعلمون ياصاحبى السجن أمآ أحدكما فيسقى
ربه خمرا وأما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الامر الذى فيه تستفتيان وقال
للذى ظن أنه ناج منهما اذكرنى عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع
سنين وقال
(24/137)
الملك إنى أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع
سنبلات خضر وأخر يابسات ياأيها الملأ أفتونى فى رؤياى إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا
أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة
أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع
عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون
سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتى من بعد ذالك
سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتى من بعد ذالك عام فيه
يغاث الناس وفيه يعصرون وقال الملك ائتونى به فلما جآءه الرسول قال ارجع إلى ربك
فاسأله ما بال النسوة الاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم
سيقت هذه الآيات كلها في رواية كريمة وهي ثلاث عشرة آية وفي رواية أبي ذر من قوله
ودخل معه السجن فتيان ثم قال إلى قوله إرجع إلى ربك قوله لقوله تعالى وفي بعض
النسخ وقوله تعالى بدون لام التعليل والأول أولى لأنه يحتج بقوله ودخل معه إلى
آخره على اعتبار الرؤيا الصالحة في حق أهل السجن والفساد والشرك وهو أيضا يوضح حكم
الترجمة فإنه لم يتعرض فيها إلى بيان الحكم قوله ودخل معه أي مع يوسف فتيان وهما
غلامان كانا للوليد بن ريان ملك مصر الأكبر أحدهما خبازه وصاحب طعامه واسمه مجلث
والآخر ساقيه صاحب شرابه واسمه نبوء غضب عليهما الملك فحبسهما وكان يوسف لما دخل
السجن قال لأهله إني أعبر الأحلام فقال أحد الفتيين لصاحبه فلنجرب هذا العبد
العبراني فتراءيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا فقال أحدهما إني أراني أعصر
خمرا أي عنبا بلغة عمان وقيل لأعرابي معه عنب ما معك قال خمر وقرأ ابن مسعود عصر
عنبا وقيل إنما قال خمرا باعتبار ما يؤول إليه قولهنبئنا بتأويله أي أخبرنا
بتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا قولهإنل نراك من المحسنين أي من العالمين
الذين أحسنوا العلم قاله الفراء وقال ابن إسحاق المحسنين إلينا إن قلت ذلك قوله لا
يأتيكما طعام ترزقانه إنما قال ذلك لأنه كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك
من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره فقال لهما لا يأتيكما طعام
ترزقانه في نومكما إلا نبأتكما بتأويله أي بتفسيره وألوانه أي طعام أكلتم وكم
أكلتم ومتى أكلتم من قبل أن يأتيكما فقالا له هذا من فعل العرافين والكهنة فقال
يوسف ما أنا بكاهن وإنما ذلكما العلم ما علمني ربي ثم أعلمهما أنه مؤمن فقال إني
تركت ملة أي دينهم وشريعتهم قولهواتبعت ملة آبائي إبراهيم هي الملة الحنيفية قوله
ذلك أي التوحيد والعلم من فضل الله فأراهما دينه وعلمه وفطنته ثم دعاهما إلى
الإسلام فأقبل عليهما وعلى أهل السجن وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله
فقال إلزاما للحجةيا صاحبي السجن جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه فقالأأرباب
متفرقون يعني شتى لا تضر ولا تنفعخير أم الله الواحد القهار قوله وقال الفضيل إلى
قوله القهار وقع هنا عند كريمة ووقع عند أبي ذر بعد قوله إرجع إلى ربك ووقع عند
غيرهما بعد قوله الأعناب والدهن والذي عند كريمة هو أليق قوله ما تعبدون أي من دون
الله إلا أسماء يعني لا حقيقة لها قوله من سلطان أي حجة وبرهان قولهذلك الدين أي ذلك
الذي دعوتكم إليه من التوحيد وترك الشرك هو الدين القيم أي المستقيم ثم فسر
رؤياهما بقوله يا صاحبي السجن الخ ولما سمعا قول يوسف قالا ما رأينا شيئا كنا نلعب
فقال يوسف أي قضي الأمر أي فرغ الأمر الذي سألتهما ووجب حكم الله عليكما بالذي
أخبرتكما به وقال يوسف عند ذلك للذي ظن أي علم أنه تاج وهو الساقيأذكرني عند ربك
أي سيدك قوله فأنساه الشيطان أي أنسى يوسف الشيطان ذكر ربه حتى ابتغى الفرج من
غيره واستعان بالمخلوق فلذلك لبث في السجن بضع سنين واختلف في معناه فقال أبو
عبيدة هو ما بين الثلاثة إلى الخمسة وقال مجاهد ما بين ثلاث إلى سبع وقال قتادة
والأصمعي
(24/138)
ما بين الثلاثة إلى التسع وقال ابن عباس ما دون
العشرة وأكثر المفسرين هاهنا أن البضع سبع سنين ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر
الأكبر رؤيا عجيبة هالته وقال إني أرى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس يأكلهن سبع
بقرات عجاف أي مهازيل فابتلعنهن فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيء ورأى سبع سنبلات
خضر قد انعقد حبها وأخر يابسات قد احتصدت وأفركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى
غلبن عليهن فجمع السحرة والكهنة والحازة والقافة وقصها عليهم وقال أيها الملأ أي
الأشراف أفتوني في رؤياي فاعبروها إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا هذا الذي رأيته
أضغاث أحلام أي أحلام مختلطة مشتبهة أباطيل والأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة من أنواع
الحشيش قوله وقال الذي نجا منهما هو الساقي قوله واذكر أي تذكر حاجة يوسف وهو قوله
اذكرني عند ربك قوله بعد أمة أي بعد حين وعن عكرمة بعد قرن وعن سعيد بن جبير بعد
سنين وسيجيء مزيد الكلام فيه قوله أنبئكم أي أخبركم بتأويله قوله فأرسلون يعني إلى
يوسف فأرسلوه إليه فقال يوسف يعني يا يوسف أيها الصديق وهو الكثير الصدق قوله
أفتنا إلى قوله هههها من كلام الساقي المرسل إلى يوسف قوله لعلهم يعلمون أي تأويل
رؤيا الملك وقيل يعلمون فضلك وعلمك قوله قال تزرعون أي قال يوسف إرجع إلى ربك أي
كعادتكم قاله الثعلبي وقال الزمخشري دأبا مصدر دأب في العمل وهو حال من المأمورين
أي دائبين أي إما على تدأبون دأبا وإما على إيقاع المصدر حالا يعني ذوي دأب قوله د
أي اتركوه في سنبله إنما قال ذلك ليبقى ولا يفسد قوله 0 يعني سبع سنين جدب وقحط
قوله ك ل أي تحرسون وتدخرون قوله هه من الغوث أو من الغيث وهو المطر أي يمطرون منه
قوله هه أكثر المفسرين على معنى يعصرون العنب خمرا والزيتون زيتا والسمسم دهنا
وقال أبو عبيدة يعصرون ينجون من الجدب والكرب العصر والعصرة النجاة والملجأ وقيل
يعصرون يمطرون دليله وأنزلنا من المعصرات مآء ثجاجا ثم إن الساقي لما رجع إلى
الملك وأخبره بما أفتاه يوسف من تأويل رؤياه فلما جاءه الرسول أي بيوسف أي لما جاء
يوسف الرسول وقال أجب الملك قال يوسف أرجع إلى ربك أي سيدك الملك فأسأله ما بال
النبوة الآية وإنما قال ذلك حتى يظهر عذره ويعرف صحة أمره من قبل النسوة وتمام
القصة في موضعها
وادكر افتعل من ذكر أمة قرن وتقرأ أمه نسيان وقال ابن عباس يعصرون الأعناب والدهن
تحصنون تحرسون
أشار بهذا إلى تفسير بعض الألفاظ التي وقعت في الآيات المذكورة منها قوله وادكر
فإنه على وزن افتعل لأن أصله اذكر بالذال المعجمة فنقلت إلى باب الافتعال فصار
اذتكر ثم قلبت التاء دالا مهملة فصار اذدكر ثم قلبت الذال المعجمة دالا مهملة ثم
أدغمت الدال في الدال فصار ادكر قال الزمخشري هذا هو الفصيح وعن الحسن بالذال المعجمة
وقوله افتعل من ذكر رواية الكشميهني وفي رواية غيره افتعل من ذكرت ومنها قوله أمة
فإنه فسرها بقوله قرن قوله ويقرا أمه بفتح الهمزة وتخفيف الميم وبالهاء المنونة
فسره بقوله نسيان وأخرجه الطبري عن عكرمة وتنسب هذه القراءة في الشواذ إلى ابن
عباس والضحاك يقال رجل مأموه ذاهب العقل يقال أمهت آمه أمها بسكون الميم ومنها
قوله يعصرون إشارة إلى تفسيره بقوله وقال ابن عباس يعصرون الأعناب والدهن ووصله
هكذا ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومنها قوله تحصنون ففسره
بقوله يحرسون وقد مر الكلام فيه
6992 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) حدثنا ( جويرية ) عن ( مالك ) عن (
الزهري ) أن ( سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه
قال قال رسول الله لو لبثت
(24/139)
في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وعبد الله هو ابن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي سمع
عمه جويرية بن أسماء وهما اسمان علمان مشتركان بين الذكور والإناث وأبو عبيد بالضم
اسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمان بن الأزهر بن عوف
والحديث مضى في التفسير وفي أحاديث الأنبياء بهذا السند
قوله ما لبث أي مدة لبثه قوله ثم أتاني الداعي أي من الملك يدعوني إليه لأسرعت في
الإجابة ولبادرت إليه ولا اشترطت شرطا لإخراجي وقد كان يوسف لما أتاه الداعي يدعوه
إلى الملك قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ولا يلزم من
ذلك تفضيل يوسف على النبي لأنه قال ذلك تواضعا أو بيانا للمصلحة إذ لعل في الخروج
مصالح الإسراع بها أولى
10 -
( باب من رأى النبي في المنام )
أي هذا باب في بيان أمر من رأى النبي في منامه
6993 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( يونس ) عن ( الزهري ) حدثني (
أبو سلمة ) أن ( أبا هريرة ) قال سمعت النبي يقول من رآني في المنام فسيراني في
اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي
قال أبو عبد الله قال ابن سيرين إذا رآه في صورته
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها أن رؤية النبي في المنام صحيحة لا تنكر وليست
بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان يؤيده قوله فقد رأى الحق أي الرؤيا الصحيحة
وذكر أبو الحسن عن علي بن أبي طالب في مدخله الكبير رؤية سيدنا رسول الله تدل على
الخصب والأمطار وكثرة الرحمة ونصر المجاهدين وظهور الدين وظفر الغزاة والمقاتلين
ودمار الكفار وظفر المسلمين بهم وصحة الدين إذ رئي في الصفات المحمودة وربما دل
على الحوادث في الدين وظهور الفتن والبدع إذا رئي في الصفات المكروهة
وعبدان شيخ البخاري لقب عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك
المروزي ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري هو محمد بن مسلم وأبو سلمة بن عبد
الرحمان بن عوف رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في التعبير عن أبي الطاهر بن السرح وغيره وأخرجه أبو داود في
الأدب عن أحمد بن صالح
قوله فسيراني في اليقظة زاد مسلم من هذا الوجه أو فكما رآني في اليقظة هكذا بالشك
ومعنى لفظ البخاري أن المراد أهل عصره أي من رآه في المنام وفقه الله للهجرة إليه
والتشرف بلقائه أو يرى تصديق تلك الرؤيا في الدار الآخرة أو يراه فيها رؤية خاصة
في القرب منه والشفاعة قوله ولا يتمثل الشيطان بي أي لا يحصل له مثال صورتي ولا
يتشبه بي قالوا كما منع الله الشيطان أن يتصور بصورته في اليقظة كذلك منعه في
المنام لئلا يشتبه الحق بالباطل
قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لم يثبت للنسفي ولأبي ذر وثبت عند غيرهما وأبو عبد
الله هو البخاري نفسه قال محمد بن سيرين إذا رآه في صورته أراد أن رؤيته إياه لا
تعتبر إلا إذا رآه على صفته التي وصف بها وهذا التعليق رواه إسماعيل بن إسحاق
القاضي عن سليمان بن حرب من شيوخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب قال كان محمد
يعني ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي قال صف الذي رأيته فإن وصف له بصفة
لا يعرفها قال لم يره وهذا سند صحيح فإن قلت يعارضه ما أخرجه ابن أبي عاصم من وجه
آخر عن أبي هريرة قال قال رسول الله من رآني في المنام فقد رآني فإني أرى في كل
صورة قلت في سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه وهو من رواية من سمع منه
بعد الاختلاط
6994 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( عبد العزيز بن مختار ) حدثنا ( ثابت البناني
) عن ( أنس )
(24/140)
رضي الله عنه قال قال النبي من رآني في المنام فقد
رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
انظر الحديث 6983
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله كلهم بصريون والحديث أخرجه الترمذي في الشمائل عن
عبد الله بن عبد الرحمان عن معلى بن أسد به
قوله فقد رآني قيل معناه أن رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من تشبيهات الشيطان
ويعضده في بعض طرقه فقد رأى الحق وقال الطيبي هنا اتحد الشرط والجزاء فدل على أن
الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وقيل هو في معنى الإخبار أي من
رآني فأخبره بأنها رؤية حق ليست أضغاث أحلام ولا تخيلات الشيطان ورؤيته سبب
الإخبار قيل كيف يكون ذلك وهو في المدينة والرائي في الشرق والغرب وأجيب بأن
الرؤية أمر يخلقه الله تعالى ولا يشترط فيها عقلا مواجهة ولا مقابلة ولا مقارنة
ولا خروج شعاع ولا غيره ولهذا جاز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس وقيل كثيرا يرى على
خلاف صفته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين والجسم الواحد لا يكون
إلا في مكان واحد وأجاب النووي حاكيا عن بعضهم ذلك ظن الرائي أنه رآه كذلك وقد يظن
الظان بعض الخيالات مرئيا لكونه مرتبطا بما يراه عادة فذاته الشريفة هي مرئية قطعا
لا خيال ولا ظن فيه لكن هذه الأمور العارضة قد تكون متخيلة للرآئي قوله فإن
الشيطان لا يتمثل بي ومضى في حديث أبي هريرة في كتاب العلم فإن الشيطان لا يتمثل
في صورتي وفي حديث جابر عند ابن ماجه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي وفي لفظ
مسلم أن يتشبه بدل أن يتمثل وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي وابن ماجه إن الشيطان
لا يستطيع أن يتمثل بي وفي حديث أبي قتادة على ما يجيء وأن الشيطان لا يتراءاى بي
بالراء ومعناه لا يستطيع أن يصير مرئيا بصورتي وفي رواية أبي ذر لا يتزايا بالزاي
وبعد الألف ياء آخر الحروف وفي حديث أبي سعيد في آخر الباب فإن الشيطان لا يتكونني
6995 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عبيد الله بن
أبي جعفر ) قال أخبرني ( أبو سلمة ) عن ( أبي قتادة ) قال قال النبي الرؤيا
الصالحة من الله والحلم من الشيطان فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا
وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره وإن الشيطان لا يتزايا بي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وإن الشيطان لا يتزايا بي
والثلاثة الأول من السند مصريون وعبد الله بن أبي جعفر الأموي القرشي واسم أبي
جعفر يسار وكان عبيد الله بقية في زمانه وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف وأبو
قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري
والحديث مضى في الطب عن خالد بن مخلد وفي التعبير عن أحمد بن يونس ومضى الكلام فيه
قوله لا يتزايا بالزاي أي لا يقصدني لأن يصير مرئيا بصورتي
6996 - حدثنا ( خالد بن خلي ) حدثنا ( محمد بن حرب ) حدثني ( الزبيدي ) عن (
الزهري ) قال ( أبو سلمة ) قال ( أبو قتادة ) رضي الله عنه قال النبي من رآني فقد
رأى الحق
مطابقته للترجمة ظاهر وخالد بن خلي بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وتشديد الياء
أبو القاسم الحمصي قاضيها وهو من أفراد البخاري ومحمد بن حرب أبو عبد الله النسائي
روى عنه البخاري في آخر الاعتصام والزبيدي نسبة إلى زبيد بضم الزاي وفتح الباء
الموحدة وسكون الياء والدال المهملة واسمه محمد بن الوليد بن عامر الشامي الحمصي
وحديث أبي قتادة قد مر عن قريب غير مرة
قوله فقد رأى الحق أي الرؤية الصحيحة الثابتة لا أضغاث أحلام ولا خيالات باطلة
وقال الطيبي الحق هنا مصدره مؤكد أي فقد رأى رؤية الحق
(24/141)
تابعه يونس وابن أخي الزهري
أي تابع الزبيدي في رواية عن الزهري يونس بن يزيد وابن أخي الزهري وهو محمد بن عبد
الله بن مسلم ووصلها مسلم من طريقهما وساقها على لفظ يونس وأحال برواية ابن أخي الزهري
عليه
6997 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( ابن الهاد ) عن ( عبد
الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) سمع النبي يقول من رآني فقد رأى الحق فإن
الشيطان لا يتكونني
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة وعبد الله بن خباب
بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى وقد مر ذكره عن قريب والحديث من
أفراده
قوله فإن الشيطان لا يتكونني لتتميم المعنى والتعليل للحكم ومعناه لا يتكون كونا
مثل كوني أو لا يتخذ كوني أي لا يتشكل بشكلي وقال الكرماني التكون لازم فما وجهه
ثم أجاب بقوله لزومه غير لازم أو معناه لا يتكون كوني فحذف المضاف وأوصل المضاف
إليه بالفعل
11 -
( باب رؤيا الليل )
أي هذا باب في بيان الرؤيا التي تكون بالليل هل تساوي الرؤيا التي تكون بالنهار أو
يتفاوتان قيل كأنه يشير إلى حديث أبي سعيد أصدق الرؤيا بالأسحار أخرجه أحمد مرفوعا
وصححه ابن حبان وذكر نصر بن يعقوب الدينوري أن الرؤيا أول الليل تبطىء بتأويلها
ومن النصف الثاني تسرع بتفاوت أجزاء الليل وأن أسرعها تأويلا رؤيا السحر ولا سيما
عند طلوع الفجر وعن جعفر الصادق أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة
رواه سمرة
أي روى حديث رؤيا الليل سمرة بن جندب الفزاري الصحابي المشهور وسيأتي حديثه في آخر
كتاب التعبير إن شاء الله تعالى
6998 - حدثنا ( أحمد بن المقدام العجلي ) حدثنا ( محمد بن عبد الرحمان الطفاوي )
حدثنا ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت
بالرعب وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي قال
أبو هريرة فذهب رسول الله وأنتم تنتقلونها
مطابقته للترجمة في قوله وبينما أنا نائم البارحة
والطفاوي بضم الطاء وتخفيف الفاء وبالواو نسبة إلى بني طفاوة أو إلى طفاوة موضع
وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين والحديث من أفراده
قوله مفاتيح الكلم أي لفظ قليل يفيد معاني كثيرة وهذا غاية البلاغة وستأتي رواية
أخرى بعثت بجوامع الكلم وقال البخاري بلغني أن جوامع الكلم هو أن الله تعالى يجمع
الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الوحد والأمرين أو نحو ذلك
قوله ونصرت بالرعب بضم الراء وسكون العين الفزع أي ينهزمون من عسكر الإسلام بمجرد
الصيت ويخافون منهم أو ينقادون بدون إيجاف خيل ولا ركاب قوله البارحة اسم لليلة
الماضية وإن كان قبل الزوال قوله أتيت على صيغة المجهول قوله في يدي إما حقيقة
وإما مجاز باعتبار قوله تنتقلونها من الانتقال من النقل بالنون والقاف ويروى
تنتفلونها بالفاء موضع القاف أي تغتنمونها ويروى تنتثلونها بالثاء المثلثة موضع
الفاء أي تستخرجونها وذلك كاستخراجهم خزائن كسرى ودفائن قيصر
(24/142)
6999 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن (
نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال أراني الليلة عند
الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من
اللمم قد رجلها تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من
هاذا فقيل المسيح ابن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة
طافية فسألت من هذا فقيل المسيح الدجال
مطابقته للترجمة في قوله أراني الليلة عند الكعبة
والحديث مضى في اللباس عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى
قوله أراني الليلة أي أرى نفسي والليلة نصب على الظرفية وسيأتي في باب الطواف
بالكعبة من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة قوله من
أدم الرجال بضم الهمزة وسكون الدال جمع آدم وهو الأسمر قال الداودي هو إلى السمرة
أميل وقال أبو عبد الملك الأدم فوق الأسمر يعلوه سواد قليل قوله له لمة بكسر اللام
وتشديد الميم وهو الشعر المجاوز شحمة الأذن واللمم بالكسر أيضا جمع لمة فإذا بلغ
المنكبين فهي جمة والوفرة دون ذلك قوله رجلها بتشديد الجيم أي سرحها قوله يقطر ماء
جملة حالية قوله متكئا حال من قوله قوله رجلا وهو نكرة ولكنه وصف بالأوصاف
المذكورة فصار حكمه حكم المعرفة قوله أو على عواتق رجلين شك من الراوي وهو جمع
عاتق وهو اسم لما بين المنكب والعنق وقيل هذا جمع فكيف أضيف إلى المثنى وأجيب بأنه
نحو قوله إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه
وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذالك ظهير وجاز مثله إذ لا التباس قوله جعد
أي غير سبط أو قصير قوله قطط وهو المبالغ في الجعودة قوله طافية ضد الراسبة وقال
ابن الأثير الطافية هي الحبة التي قد خرجت عن حد نبت أخواتها فظهرت من بينها
وارتفعت وقيل أراد به الحبة الطافية على وجه الماء شبه عينه بها ويقال طفا الشيء
على الماء يطفو إذا علا فعين الدجال طافية على وجهه قد برزت كالعنبة وقال ابن بطال
من قرأ طافئة بالهمزة فمعناه أن عينه مفقوءة ذهب ضوؤها كأنها عنبة نضجت فذهب ماؤها
ومن قرأ بغير همز فمعناه أنها برزت وخرج الباطن الأسود فيها لأن كل شيء ظهر فقد
طفا قوله المسيح الدجال وفي تسمية الدجال بالمسيح خمسة أقوال وفي تسميته بالدجال
عشرة أقوال ذكرناها كلها في كتابنا الموسوم بزين المجالس وكذلك ذكرنا في تسمية
عيسى ابن مريم بالمسيح ثلاثة وعشرين وجها اختصرنا هنا ذكره خوفا من السآمة ومختصره
معنى المسيح في عيسى عليه السلام كونه لا يمسح ذا عاهة إلا برىء ومعناه في الدجال
كونه ممسوح إحدى العينين وقيل فيه بالخاء المعجمة
7000 - حدثنا يحيى حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أنص
ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله فقال إني أريت الليلة في المنام وساق
الحديث
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى ) بن عبد الله بن بكير ينسب إلى جده و ( عبيد الله
بن عبد الله ) بن عتبة بن مسعود الهذلي
قوله إني أريت على صيغة المجهول ويروى رأيت وقد اقتصر البخاري على هذا المقدار من
الحديث وسيأتي بتمامه بهذا السند في باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب
وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى
وتابعه سليمان بن كثير وابن أخي الزهري وسفيان بن حسين عن الزهري عن عبيد الله عن
ابن عباس عن النبي
(24/143)
أي تابع الزهري في روايته عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس سليمان بن كثير ووصل هذه المتابعة مسلم وقال حدثنا عبد الله بن عبد
الرحمان الدارمي أخبرنا محمد بن كثير حدثنا سليمان وهو ابن كثير عن الزهري عن عبيد
الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله كان يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا
فليقصها أعبرها له قال جاء رجل فقال يا رسول الله إني رأيت ظلمة فأحاله على ما
قبله قوله وابن أخي الزهري أي تابعه أيضا ابن أخي الزهري وهو محمد بن عبد الله بن
مسلم وقال بعضهم وصمها الذهلي في الزهريات ولا أعلم صحته قوله وسفيان بن حسين أي
وتابعه أيضا سفيان بن حسين الواسطي ووصلها أحمد عن يزيد بن هارون عنه
وقال الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة عن النبي
أي وقال محمد بن الوليد بن عامر الحمصي عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة فذكره بالشك ووصله مسلم وقال حدثنا حاجب بن
الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أخبرني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن
ابن عباس أو أبا هريرة كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم ثم ساق الحديث بسند آخر
وقال شعيب وإسحاق بن يحياى عن الزهري كان أبو هريرة يحدث عن النبي وكان معمر لا
يسنده حتى كان بعد
شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي وإسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي وقال بعضهم وصلها
الذهلي في الزهريات ولا أعلم صحته قوله وكان معمر أي ابن راشد لا يسند الحديث
المذكور حتى أسنده بعد ذلك قال عبد الرزاق كان معمر يحدث به فيقول كان ابن عباس يعني
ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله في السند حتى جاء زمعة بكتاب فيه عن الزهري عن
عبيد الله عن ابن عباس فكان لا يشك فيه بعد
12 -
( باب الرؤيا بالنهار )
أي ها باب في بيان أمر الرؤيا الواقعة بالنهار وفي رواية أبي ذر رؤيا النهار
وقال ابن عون عن ابن سيرين رؤيا النهار مثل رؤيا الليل
أي قال عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين ووصله عن علي بن أبي طالب القيرواني في
كتاب التعبير من طريق مسعدة بن اليسع عن عبد الله بن عون وفي التوضيح قال أبو
الحسن علي بن أبي طالب في كتابه نور البستان وربيع الإنسان لا فرق بين رؤيا النهار
والليل وحكمهما واحد في العبارة وكذا رؤيا النساء ورؤيا الرجال
7001 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) يقول كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان
وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول
الله ثم استيقظ وهو يضحك
قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال
(24/144)
ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج
هاذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة شك إسحاق قالت فقلت يا رسول
الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك
فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال
في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين
فركبت البر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت
مطابقته للترجمة في قوله فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك
والحديث مضى في الجهاد عن عبد الله بن يوسف أيضا وفي الاستئذان عن إسماعيل وأخرجه
مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى ومضى الكلام فيه
قوله يدخل على أم حرام بنت ملحان بكسر الميم وقيل بفتحها وهي خالة أنس بن مالك
ووجه دخوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عليها أنها كانت خالته من الرضاع قوله
تفلي على وزن ترمي أي تفتش عن القمل قوله ثبج هذا البحر بفتح الثاء المثلثة والباء
الموحدة وبالجيم أي وسطه قوله في زمان معاوية احتج بعضهم على صحة خلافة معاوية ولا
يصح لأنه كان في زمنه وهو أمير بالشام والخليفة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه
ولئن سلمنا أن ذلك كان في زمن دعواه الخلافة لا يصح لقوله الخلافة بعدي ثلاثون سنة
ومعاوية ومن بعده يسمون ملوكا ولو سموا خلفاء
13 -
( باب رؤيا النساء )
أي هذا باب في بيان رؤيا النساء قال ابن بطال الاتفاق على أن رؤيا المؤمنة الصالحة
داخلة في قوله رؤيا المؤمن الصالح جزء من أجزاء النبوة
7003 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) حدثني ( الليث ) حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( خارجة بن زيد بن ثابت ) أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت رسول الله
أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة قالت فطار لنا عثمان بن مظعون وأنزلناه في
أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه فلما توفي غسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله قالت
فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال رسول الله وما
يدريك أن الله أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال رسول الله
أما هو فوالله لقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير ووالله ما أدري وأنا رسول
الله ماذا يفعل بي فقالت والله لا أزكي بعده أحدا أبدا
هذا مضى في الجنائز وفيه فرأيت لعثمان عينا تجري فأخبرت رسول الله فقال ذلك عمله
ويأتي أيضا الآن وهذا هو وجه مطابقة الحديث للترجمة
وأم العلاء ابنة الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة ابن حلاس بن أمية الأنصارية من
المبايعات وكان رسول الله يعودها في مرضها
قوله أنهم أي أن الأنصار اقتسموا المهاجرين يعني أخذ كل منهم واحدا من المهاجرين
حين قدموا المدينة قوله فطار لنا أي وقع في سهمنا عثمان بن مظعون بالظاء المعجمة
والعين المهملة قوله فوجع بكسر الجيم أي مرض ويجوز ضم الواو وقال ابن التين بالضم
رويناه قوله أبا السائب بالسين المهملة كنية عثمان بن مظعون قوله فشهادتي مبتدأ
وعليك صلته والجملة الخبرية خبره وهي لقد أكرمك الله أي شهادتي عليك قولي لقد
أكرمك الله قوله بأبي أنت أي مفدى بأبي أنت قوله أما هو بفتح الهمزة وتشديد الميم
وقسمه قوله والله ما أدري وأنا رسول الله وأما مقدر نحوه للرجال نصيب مما ترك الوالدان
والاقربون وللنسآء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا
مفروضا إن لم يكن عطفا على الله قال الكرماني فإن قلت معلوم أنه مغفور له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر وله من المقامات المحمودة ما ليس لغيره قلت
(24/145)
هو نفي للدراية التفصيلية والمعلوم هو الإجمالي قوله
ما يفعل بي وفي الحديث الآتي ما يفعل به قال الداودي الأول ليس بصحيح والصحيح هذا
لأن الرسول لا يشك قال أو قال ذلك قبل أن يخبر بأن أهل بدر يدخلون الجنة
7004 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) بهذا وقال ما أدري ما يفعل
به قالت وأحزنني فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري فأخبرت رسول الله فقال ذلك عمله
هذا هو من الحديث الماضي أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع الخ قوله بهذا أي
بالحديث المذكور قوله ذلك ويروى ذاك
14 -
( باب الحلم من الشيطان )
أي هذا باب يذكر فيه الحلم من الشيطان والحلم بضم الحاء وقد سبق معناه وقد حذف ابن
بطال وغيره هذا الباب لأن سبق مع الكلام عليه
فإذا حلم فليبصق عن يساره وليستعذ بالله عز و جل
حلم بفتح اللام وهذه الترجمة ببعض ألفاظ الحديث
7005 - حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة أن أبا
قتادة الأنصاري وكان من أصحاب النبي وفرسانه قال سمعت رسول الله يقول الرؤيا من
الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله
منه فلن يضره
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى في باب من رأى النبي عن ( يحيى بن بكير ) عن الليث
عن عبد الله بن أبي جعفر عن ( أبي سلمة ) عن أبي قتادة الحديث وبينهما بعض اختلاف
في رجال السند وفي المتن من زيادة ونقصان
قوله وكان من أصحاب النبي ذكر هذا تعظيما له وافتخارا به وتعليما للجاهل وإن كان
من الصحابة المشهورين قوله وفرسانه أي ومن فرسان النبي ومن فروسيته أنه قتل يوم
خيبر عشرين رجلا فنفله الشارع سلبهم قوله الرؤيا من الله أي المنام المحبوب من
الله تعالى والحلم المكروه من الشيطان أي على طبعه وإلا فالكل من الله تعالى قوله
فإذا حلم بفتح اللام وقد مر آنفا
15 -
( باب اللبن )
أي هذا باب في حكم رؤية اللبن إذا رآه في المنام بماذا يعبر به
6007 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) أخبرني
( حمزة بن عبد الله ) أن ( ابن عمر ) قال سمعت رسول الله يقول بينا أنا نائم أتيت
بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي يعني عمر
قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها ويبين تعبير اللبن
وعبدان بن لقب عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس
هو ابن يزيد وحمزة بالزاي ابن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم يروي عن أبيه
عبد الله
والحديث مضى في العلم عن سعيد بن عفير
قوله لأرى الري اللام فيه للتأكيد والري بكسر الراء وتشديد الياء الاسم وبالفتح
مصدر قال الجوهري روينا من الري بالكسر أروي ريا ورواه أيضا قوله يخرج من أظفاري
ويروى يجري
(24/146)
من أظافيري وهو جمع أظفار جمع ظفر قال الداودي قد
يراه من تحت الجلد أو يحسه فيكون هذا ريا وقال الكرماني الخروج يستعمل بعن قلت
معناه خرج عن البدن حاصلا أو ظاهرا في الأظافير فليس صلته أو باعتبار أن بين
الحروف معاوضة انتهى قلت هذا السؤال والجواب على كون اللفظ يخرج في أظافيري على ما
في بعض النسخ على رواية الأكثرين وأما على نسخة يخرج من أظفاري على رواية
الكشميهني فلا يحتاج إلى هذا التكلف وقال الكرماني أيضا إن الري معنى والخروج
للأعيان قلت هو بمعنى ما يروى به أو ثمة مقدر يعني أثر الري أو نحوه
16 -
( باب إذا جراى اللبن في أطرافه أو أظافيره )
أي هذا باب يذكر فيه إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره يعني في المنام
7007 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح
) عن ( ابن شهاب ) حدثني ( حمزة بن عبد الله بن عمر ) أنه سمع ( عبد الله بن عمر )
رضي الله عنهما يقول قال رسول الله بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى
إني لأراى الري يخرج من أطرافي فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله فما أولت
ذالك يا رسول الله قال العلم
هذا هو الحديث الذي سبق قبله في باب اللبن غير أنه أخرجه هنا عن علي بن عبد الله
المديني عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن
عوف عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخ ومضى الكلام فيه
17 -
( باب القميص في المنام )
أي هذا باب في رؤية القميص
26 - ( حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي عن صالح عن ابن
شهاب قال حدثني أبو أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله
بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما
يبلغ دون ذلك ومر علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا ما أولت يا رسول الله قال
الدين )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله هم المذكورون في الباب السابق غير أن هناك بعد ابن
شهاب حمزة بن عبد الله وهنا أبو أمامة بن سهل واسمه أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري
أدرك النبي ويقال أنه سماه وكناه باسم جده وكنيته ولم يسمع من النبي وسمع أباه
وأبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما والحديث مضى في العلم في باب تفاضل أهل
الإيمان قوله رأيت الناس قال بعضهم رأيت من الرؤية البصرية وقوله يعرضون حال ويجوز
أن يكون من الرؤية العلمية ويعرضون مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز
فيه الرفع انتهى قلت في هذا التفصيل نظر ويعرضون حال على كل تقدير ولم يبين وجه
رفع الناس قوله علي بتشديد الياء وليس هذا اللفظ في كثير من النسخ ولكن هو مقدر
قوله قمص بضم القاف والميم جمع قميص ومناسبته بالدين أنه يستر العورة كما أن الدين
يستر الأعمال السيئة قيل جر القميص منهي عنه الجواب المنهي هو الذي يجر للخيلاء لا
القميص الأخروي الذي هو لباس التقوى قوله الثدي بفتح الثاء المثلثة وسكون الدال
ويجمع على ثدي بضم الثاء وكسر الدال
(24/147)
وتشديد الياء وظاهر الكلام أن الثدي يكون للرجل وقال
الجوهري الثدي للرجل والمرأة وقال ابن فارس الثدي للمرأة الجمع الثدي يذكر ويؤنث
وثندوة الرجل كثدي المرأة وأصل ثدي ثدوي على وزن فعول فاجتمع حرفا علة وسبق الأول
بالسكون فقلبت ياء وأدغمت الياء في الياء التي بعدها وكسرت الدال لأجل الياء التي
بعدها ويقال أيضا بكسر الثاء المثلثة قوله ومر علي بتشديد الياء والواو في وعليه للحال
وكذا يجره حال وفي رواية عقيل يجتر قوله ما أولت كذا في رواية الكشميهني وفي رواية
غيره ما أولته بالضمير ومضى في الإيمان بلفظ فما أولت ذلك ووقع عند الحكيم الترمذي
فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه على ما تأولت هذا يا رسول الله -
18 -
( باب جر القميص في المنام )
أي هذا باب في بيان حكم جر القميص في المنام
7009 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) حدثني ( الليث ) حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( أبو أمامة بن سهل ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أنه قال سمعت
رسول الله يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ
الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره قالوا فما
أولته يا رسول الله قال الدين
مطابقته للترجمة في قوله وعليه قميص يجتره وهذا هو الحديث الذي مضى في الباب
السابق أخرجه من وجه آخر عن ابن شهاب وفيه فضيلة عمر رضي الله تعالى عنه
19 -
( باب الخضر في المنام والروضة الخضراء )
أي هذا باب في بيان رؤية الخضر في المنام والخضر بضم الخاء المعجمة وسكون الضاد
المعجمة جمع أخضر وهو اللون المعروف من أصول الألوان ووقع في رواية النسفي وأبي
أحمد الجرجاني باب الخضرة قوله والروضة الخضراء قال القيرواني الروضة التي لا يعرف
نبتها تعبر بالإسلام لنضارتها وحسن بهجتها وتعبر أيضا بكل مكان فاضل يطاع الله فيه
كقبر رسول الله وحلق الذكر وجوامع الخير وقبور الصالحين وقال ما بين قبري ومنبري
روضة من رياض الجنة وقال ارتعوا من رياض الجنة يعني حلق الذكر وقال القبر روضة من
رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وقد تدل الروضة على المصحف وعلى كتاب العلم
كقولهم الكتب رياض الحكماء
7010 - حدثني ( عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( حرمي بن عمارة ) حدثنا ( قرة بن
خالد ) عن ( محمد بن سيرين ) قال قال قيس بن عباد كنت في حلقة فيها سعد بن مالك
وابن عمر فمر عبد الله بن سلام فقالوا هاذا رجل من أهل الجنة فقلت له إنهم قالوا
كذا وكذا فقال سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم إنما رأيت
كأنما عمود وضع في روضة خضراء فنصب فيها وفي رأسها عروة وفي أسفلها منصف والمنصف
الوصيف فقيل ارقه فرقيت حتى أخذت بالعروة فقصصتها على رسول الله فقال رسول الله
يموت عبد الله وهو
(24/148)
آخذ بالعروة الوثقى
انظر الحديث 2813 وطرفه
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة في قوله في روضة خضراء
وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي والجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة
وبالفاء نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج وقال الجوهري أبو قبيلة من اليمن
والنسبة إليه كذلك وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وبالميم وياء النسبة وهو اسم
بلفظ النسب وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وقرة بضم القاف وتشديد الراء
ابن خالد السدوسي وقيس بن عباد بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة البصري
التابعي الثقة الكبير له إدراك قدم المدينة خلافة عمر رضي الله تعالى عنه ووهم من
عده من الصحابة وقد مضى ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث ومضى له حديث
آخر في تفسير سورة الحج وغزوة بدر أيضا وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين
قوله في حلقة بسكون اللام ويجمع على حلق بكسر الحاء كقصعة وقصع وقال الجوهري جمع
الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس قوله فيها سعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص رضي
الله تعالى عنه قوله هذا رجل من أهل الجنة إنما قالوا ذلك لأنهم سمعوا رسول الله
يقول إنه لا يزال متمسكا بالإسلام حتى يموت قوله فقلت له أي لعبد الله بن سلام
والقائل هو قيس بن عباد قوله فقال سبحان الله أي فقال عبد الله بن سلام سبحان الله
للتعجب إنما أنكر عبد الله عليهم للتواضع وكراهة أن يشار إليه بالأصابع فيدخله
العجب قال الكرماني الأولى أن يقال إنما قاله لأنهم لم يسمعوا ذلك صريحا بل قالوه
استدلالا واجتهادا فهو في مشيئة الله تعالى إنما رأيت الخ التئام هذا الكلام بما
قبله هو أنه لما أنكر عليهم ما قالوه ذكر المنام المذكور فهذا يدل على أنه إنما
أنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل الإخبار بأنه من أهل الجنة وهكذا يكون شأن
المراقبين الخائفين المتواضعين قوله كأنما عمود وضع في روضة خضراء وفي رواية ابن
عون في وسط الروضة ولم يذكر وصف الروضة هنا ومضى في المناقب من رواية ابن عون رأيت
كأني في روضة ذكره من سعتها وخضرتها وقال الكرماني يحتمل أن يراد بالروضة جميع ما
يتعلق بالدين وبالعمود الأركان الخمسة وبالعروة الوثقى الدين وفي التوضيح والعمود
دال على كل ما يعتمد عليه كالقرآن والسنن والفقه في الدين ومكان العمود وصفات
المنام تدل على تأويل الأمر وحقيقة التعبير وكذلك العروة الإسلام والتوحيد وهي
العروة الوثقى قال تعالى لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر
بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم
فأخبر الشارع بأن ابن سلام يموت على الإيمان ولما في هذه الرؤيا من شواهد ذلك حكم
له الصحابة بالجنة بحكم الشارع بموته على الإسلام وقال الداودي قالوا لأنه كان
بدريا وفيه القطع بأن كل من مات على الإسلام والتوحيد لله دخل الجنة وإن نالت
بعضهم عقوبات قوله فنصب فيها أي العمود نصب في الروضة ونصب بضم النون وكسر الصاد
المهملة من النصب وهو ضد الخفض وفي المطالع وفي رواية العذري انتصب والأول هو
الصواب وقال الكرماني ويروى نيص من ناص بالمكان أي أقام فيه وهو بالنون في أوله
وفي رواية المستملي والكشميهني قبضت بفتح القاف والباء الموحدة وسكون الضاد
المعجمة وبتاء الخطاب وقال الكرماني ويروى قبضت بلفظ مجهول القبض وهو بإعجام الضاد
قوله وفي رأسها أي وفي رأس العمود وإنما أنث الضمير لأن العمود إما مؤنث سماعي
وإما باعتبار معنى العمدة وقيل المراد منه عمودة وحيث استوى فيه التذكير والتأنيث
لم تلحقه التاء قوله منصف بكسر الميم وهو الوصيف بالصاد المهملة أي الخادم وقد فسره
في الحديث بقوله والمنصف الوصيف وهو مدرج تفسير ابن سيرين وقال ابن التين روينا
منصف بفتح الميم وقال الهروي يقال نصفت الرجل أنصفه نصافة إذا خدمته والمنصف
الخادم والمراد هنا بالوصيف عون الله له قوله ارقه أي قيل لعبد الله بن سلام ارقه
وهو أمر من رقى يرقى من باب علم يعلم إذا صعد ومصدره رقي قوله فرقيت بكسر القاف
على الأفصح قوله حتى أخذت بالعروة وتقدم في المناقب فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت
بالعروة فاستمسكت فاستيقظت وإنها لفي يدي ووقع في رواية خرشة عند مسلم حتى أتى
(24/149)
بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض أعلاه حلقة
فقال لي اصعد فوق هذا قال قلت كيف أصعد فأخذ بيدي فزجل بي بزاي وجيم أي رفعني فإذا
أنا متعلق بالحلقة ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت قوله فقصصتها
أي الرؤيا والباقي ظاهر
20 -
( باب كشف المرأة في المنام )
أي هذا باب في بيان كشف الرجل المرأة في المنام بأن كشف وجهها ليراه ليتزوج بها
7011 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن (
عائشة ) رضي الله عنها قالت قال رسول الله أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في
سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هاذا من عند الله
يمضه
مطابقته للترجمة في قوله فأكشفها وعبيد مصغر عبد ابن إسماعيل الهباري القرشي
الكوفي واسمه في الأصل عبد الله أبو محمد وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وهشام
هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب
قوله أريتك بضم الهمزة وكسر الراء والكاف خطاب لعائشة قوله مرتين وقع عند مسلم
مرتين أو ثلاثا بالشك قيل يحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على مرتين
لأنه محقق قوله إذا رجل يحملك يأتي في الباب الذي يليه فإذا ملك يحملك والتوفيق
بينهما أن الملك يتشكل بشكل الرجل والمراد به جبريل عليه السلام قوله في سرقه بفتح
السين المهملة وفتح الراء والقاف أي في قطعة من حرير وفي التوضيح السرقة شقة
الحرير وقوله من حرير تأكيد كقوله أساور من ذهب والأساور لا تكون إلا من ذهب وإن
كان من فضة تسمى قلبا وإن كانت من قرون أو عاج تسمى مسكة قوله فأكشفها بلفظ
المتكلم قوله فإذا هي أنت قال القرطبي يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة
فكانت هي المراد بالرؤيا لا غيرها قوله يمضه مجزوم لأنه جواب الشرط أي ينفذه ويكمله
وقال الكرماني يحتمل أن تكون هذه الرؤيا قبل النبوة وأن تكون بعدها وبعد العلم فإن
رؤياه وحي فعبر عما علمه بلفظ الشك ومعناه اليقين إشارة إلى أنه لا دخل له فيه
وليس ذلك باختياره وفي قدرته انتهى قلت بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه
أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت وهذا يدفع
الاحتمال الذي ذكره الكرماني
21 -
( باب ثياب الحرير في المنام )
أي هذا باب في بيان رؤية ثياب الحرير في المنام
7012 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( أبو معاوية ) أخبرنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة
) قالت قال رسول الله أريتك قبل أن أتزوجك مرتين رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير
فقلت له اكشف فكشف فإذا هي أنت فقلت إن يكن هاذا من عند الله يمضه ثم أريتك يحملك
في سرقة من حرير فقلت اكشف فكشف فإذا هي أنت فقلت إن يك هاذا من عند الله يمضه
هذا هو الحديث المذكور قبل هذا الباب
ومحمد شيخ البخاري قال الكلاباذي محمد بن سلام أو محمد بن المثنى كل منهما
(24/150)
يروي عن أبي معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة
والزاي وجزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه محمد بن العلاء أبو كريب ومضى الكلام
فيه
قوله اكشف فكشف قد مر في الرواية الماضية اكشفها فالكاشف رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم ثمة وهنا الملك والتوفيق بينهما أنه يحتمل أن يراد بقوله اكشفها أمرت
بكشفها أو كشف كل منهما شيئا وقيل نسبة الكشف إليه لكونه الآمر به وأن الذي باشر
الكشف هو الملك
وقال ابن بطال رؤية المرأة في المنام تحتمل وجوها منها أن تدل على امرأة تكون له
في اليقظة تشبه التي رآها في المنام كما كانت رؤية الشارع هذه ومنها أنه قد تدل
على الدنيا والمنزلة فيها والسعة في الرزق وهو أصل عند المعبرين في ذلك ومنها أنه
قد تدل على فتنة بما يقترن بها من دلائل ذلك وثياب الحرير واتخاذها للنساء في
الرؤيا تدل على النكاح وعلى الأزواج وعلى العز والغناء ولبس الذهب والفضة واللباس
دال على حشم لابسه لأنه محله ولا خير في ثياب الحرير للرجل والله أعلم
22 -
( باب المفاتيح في اليد )
أي هذا باب في بيان رؤية المفاتيح في اليد وقال أهل التعبير المفتاح مال وعز
وسلطان وصلاح وعلم وحكمة فمن رأى أنه يفتح بابا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من
له يد وإن رأى أن في يده مفتاحا فإنه يصيب سلطانا عظيما فإن كان مفتاح الجنة فإنه
يصيب سلطانا عظيما في الدين أو عملا كثيرا من أعمال البر أو يجد كنزا أو مالا حلالا
ميراثا وإن كان مفتاح الكعبة حجب سلطانا أو إماما وقس على هذا سائر المفاتيح وقال
الكرماني وقد يكون إذا فتح به بابا دعا دعاء يستجاب له
7013 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) حدثنا ( الليث ) حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( سعيد ابن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال سمعت رسول الله يقول بعثت بجوامع
الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي
قال محمد وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في
الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك
مطابقته للترجمة في قوله أتيت بمفاتيح خزائن الأرض
ورجاله قد مروا تقريبا وبعيدا والحديث مضى في الجهاد عن يحيى بن بكير ومضى الكلام
فيه
قوله قال محمد ويروى قال أبو عبد الله قلت قال محمد رواية كريمة وقوله أبو عبد
الله رواية أبي ذر قيل هو البخاري لأن اسمه محمد وكنيته أبو عبد الله وقال بعضهم
الذي يظهر أن الصواب ما عند كريمة فإن هذا الكلام ثبت عن الزهري واسمه محمد بن
مسلم وقد ساقه البخاري هنا من طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه انتهى قلت
سبق بهذا الكلام صاحب التوضيح ولا يخلو عن تأمل قوله يجمع الأمور الكثيرة الخ قال
الهروي يعني القرآن
23 -
( باب التعليق بالعروة والحلقة )
أي هذا باب في بيان من رأى في منامه أنه يتعلق بالعروة أو بالحلقة وقال أهل
التعبير الحلقة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بها على قوته في دينه وإخلاصه فيه
7014 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( أزهر ) عن ( ابن عون ) وحدثني ( خليفة
) حدثنا ( معاذ ) حدثنا ( ابن عون ) عن ( محمد ) حدثنا ( قيس بن عباد ) عن ( عبد
الله بن سلام ) قال رأيت كأني في روضة وسط الروضة عمود في أعلاى العمود عروة فقيل
لي ارقه قلت لا أستطيع فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت فاستمسكت بالعروة فانتبهت وأنا
مستمسك بها فقصصتها على النبي
(24/151)
فقال تلك الروضة روضة الإسلام وذالك العمود عمود
الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فاستمسكت بالعروة وهو الحديث الذي مر عن قريب في باب
الخضر في المنام والروضة الخضراء ومضى الكلام فيه
وأخرجه هنا من طريقين الأول عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن أزهر بفتح
الهمزة وسكون الزاي ابن سعد السمان البصري عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن
قيس بن عباد والثاني عن خليفة بن خياط بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف
عن معاذ بن معاذ بضم الميم فيهما التميمي عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن
قيس بن عباد الخ
قوله حدثني ويروى حدثنا قوله ارقه إلها فيه هاء السكت قوله وصيف بفتح الواو وهو
الخادم قوله وأنا مستمسك بها قيل كيف كانت العروة بعد الانتباه في يده وأجيب يعني
انتبهت حال الاستمساك حقيقة بعده لشمول قدرة الله عز و جل له
24 -
( باب عمود الفسطاط تحت وسادته )
أي هذا باب في ذكر من رأى في منامه عمود الفسطاط تحت وسادته والعمود معروف وجمعه
أعمدة وعمد بضمتين وبفتحتين وهو ما ترفع به الأخبية من الخشب والعمود يطلق أيضا
على ما يرفع به البيوت من حجارة كالرخام والصوان ويطلق أيضا على ما يعتمد عليه من
حديد أو غيره وعمود الصبح ابتداء ضوئه والفسطاط بضم الفاء وبكسرها وبالطاء المهملة
مكررة هو الخيمة العظيمة وقال الكرماني هو السرادق ويقال له الفستات والفستاط
والفساط وقال الجوالقي هو فارسي معرب قوله تحت وسادته وفي رواية النسفي عند وسادته
وهي بكسر الواو المخدة وهذه الترجمة ليس فيها حديث وبعده باب الاستبرق ودخول الجنة
في المنام وهكذا عند الجميع إلا أنه سقط لفظ باب عند النسفي والإسماعيلي وأما ابن
بطال فإنه جمع الترجمتين في باب واحد فقال باب عمود الفسطاط تحت وسادته ودخول
الجنة في المنام وفيه حديث ابن عمر الآتي وقال ابن بطال سألت المهلب كيف ترجم
البخاري بهذا الباب ولم يذكر فيه حديثا فقال لعله رأى حديث ابن عمر أكمل إذ فيه أن
السرقة كانت مضروبة في الأرض على عمود كالخباء وأن ابن عمر اقتلعها فوضعها تحت
وسادته وقام هو بالسرقة بمسكها وهي كالهودج من استبرق فلا يرى موضعا من الجنة إلا
طار إليه ولما لم يكن هذا بسنده لم يذكره لكنه ترجم به ليدل على أن ذلك مروي أو
ليبين سنده فيلحقه بها فأعجلته المنية عن تهذيب كتابه والله أعلم
25 -
( باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام )
أي هذا باب في بيان رؤية الاستبرق وهو الغليظ من الديباج وهو فارسي معرف بزيادة
القاف وقد يعبر الحرير في المنام بالشرف في الدين والعلم لأن الحرير من أشرف ملابس
الدنيا وكذلك العلم بالدين أشرف العلوم قوله ودخول الجنة في المنام عطف على
الاستبرق أي وفي بيان رؤية الدخول في الجنة في المنام ورؤية دخول الجنة في المنام
تدل على دخولها في اليقظة ويعبر أيضا بالدخول في الإسلام الذي هو سبب لدخول الجنة
7015 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( وهيب ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن
عمر ) رضي الله عنهما قال رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير لا أهوي بها إلى
مكان في الجنة إلا طارت بي إليه
7016 - ( فقصصتها على حفصة ) ( فقصتها حفصة على ) النبي فقال إن أخاك رجل صالح أو
قال إن عبد الله رجل صالح
(24/152)
مطابقته للجزء الأول للترجمة تؤخذ من قوله رأيت في
المنام كأن في يدي سرقة من حرير وتؤخذ للجزء الثاني من قوله لا أهوي بها إلى مكان
في الجنة إلا طارت بي إليه فإن قلت ليس فيه ما يطابق الجزء الأول من الترجمة فإنها
لفظ الإستبرق وليس فيه قلت قد مر أن السرقة قطعة من الحرير وقيل شقة منه الإستبرق
أيضا نوع من الحرير
وشيخ البخاري معلى بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد
العمي أبو الهيثم البصري أخو بهز بن أسد ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري وأيوب هو
السختياني ونافع يروي عن مولاه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
والحديث مضى في صلاة الليل عن أبي النعمان عن حماد ومضى الكلام فيه
قوله أهوي بها بضم الهمزة من الإهواء وثلاثيه هوى أي سقط وقال الأصمعي أهويت
بالشيء إذا رميت به ويقال أهويت له بالسيف قوله إلا طارت بي إليه طيران السرقة قوة
يرزقه الله تعالى على التمكن من الجنة حيث يشاء
قوله أو إن عبد الله شك من الراوي ووقع في رواية حماد عند مسلم إن عبد الله رجل
صالح بالجزم وزاد الكشميهني في روايته عن الفربري لو كان يصلي من الليل ووقع في
رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال نعم الفتى أو قال نعم الرجل ابن
عمر كان يصلي من الليل رواه مسلم
26 -
( باب القيد في المنام )
أي هذا باب في بيان من رأى أنه مقيد في المنام ولم يذكر ما يكون تعبيره اكتفاء بما
ذكر في الحديث
7017 - حدثنا ( عبد الله بن صباح ) حدثنا ( معتمر ) قال سمعت ( عوفا ) حدثنا (
محمد بن سيرين ) أنه سمع ( أبا هريرة ) يقول قال رسول الله إذا اقترب الزمان لم
تكد تكذب رؤيا المؤمن ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وما كان من
النبوة فإنه لا يكذب
قال محمد وأنا أقول هاذه قال وكان يقال الرؤيا ثلاث حديث النفس وتخويف الشيطان
وبشراى من الله فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل قال وكان يكره
الغل في النوم وكان يعجبهم القيد ويقال القيد ثبات في الدين
انظر الحديث 6988
مطابقته للترجمة في قوله وكان يعجبهم القيد الخ
وعبد الله بن الصباح بتشديد الباء الموحدة العطار البصري ومعتمر بن سليمان وعوف
الأعرابي والحديث من أفراده
قوله إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن هكذا في رواية أبي ذر عن غير
الكشميهني وفي رواية غيره إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وقال الخطابي
فيه قولان أحدهما أن المعنى إذا تقارب زمان الليل وزمان النهار وهو وقت استوائهما
أيام الربيع وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا والثاني أن المراد من اقتراب
الزمان انتهاء مدته إذا دنا قيام الساعة وقال ابن بطال الصواب هو الثاني وقال
الداودي المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي ومراده بالنقص سرعة
مرورها وذلك قرب قيام الساعة وقيل معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد
تكذب أنها تقع غالبا على الوجه المرئي لا تحتاج إلى التعبير فلا يدخلها الكذب
والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا كما في
الحديث بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا أخرجه مسلم فيقل أنس المؤمن ومعينه في ذلك
الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة وقيل المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط
العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق وقال القرطبي المراد والله أعلم بآخر الزمان
المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى ابن مريم صلوات الله عليهما
وسلامه بعد قتله الدجال قوله ورؤيا المؤمن جزء الحديث معطوف على جملة الحديث قبله
وهذا إذا اقترب الزمان الحديث فهو مرفوع أيضا وقد مر الكلام فيه عن قريب
قوله قال محمد هو ابن سيرين قوله وأنا أقول هذه إشارة إلى الجملة
(24/153)
المذكورة وقال الكرماني هذه أي المقالة وقوله وأنا أقول هذه كذا هو في رواية أبي ذر وفي جميع الطرق ووقع في شرح ابن بطال وأنا أقول هذه الأمة وذكره عياض كذلك وقال خشي ابن سيرين أن يتأول أحد معنى قوله وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أنه إذا تقارب الزمان لم يصدق إلا رؤيا الرجل الصالح وأنا أقول هذه الأمة يعني أن رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها ليكون صدق رؤياهم زجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر انتهى وقال بعضهم وهذا مرتب على ثبوت هذه الزيادة وهي لفظ الأمة ولم أجدها في شيء من الأصول انتهى قلت عدم وجدانه ذلك لا يستلزم عدم وجدانه عند غيره قوله قال وكان يقال الرؤيا ثلاث الخ أي قال محمد بن سيرين الرؤيا على ثلاثة أقسام ولم يعين ابن سيرين القائل بهذا من هو قالوا هو أبو هريرة وقد رفعه بعض الرواة ووقفه آخرون وقد أخرجه أحمد عن هوذة بن خليفة عن عوف بسنده مرفوعا الرؤيا ثلاث الحديث مثله وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تخويف من الشيطان وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين مرفوعا أيضا بلفظ الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله والباقي نحوه قوله حديث النفس أي أولها حديث النفس وهو ما كان في اليقظة في خيال الشخص فيرى ما يتعلق به عند المنام قوله وتخويف الشيطان وهو الحلم أي المكروهات منه قوله وبشرى أي الثالث بشرى من الله أي المبشرات وهي المحبوبات ووقع في حديث عوف بن مالك عند ابن ماجه بسند حسن رفعه الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما بهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قيل ليس الحصر مرادا من قوله ثلاث لثبوت أربعة أنواع أخرى الأول حديث النفس وهو في حديث أبي هريرة في الباب الثاني تلاعب الشيطان وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال جاء أعرابي فقال يا رسول الله رأيت في المنام كان رأسي قطع فأنا أتبعه وفي لفظ فتدحرج فاشتددت في إثره فقال لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام وفي رواية له إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس والثالث رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص الرابع الأضغاث قوله قال وكان يكره أي قال ابن سيرين كان أبو هريرة يكره الغل في النوم لأنه من صفات أهل النار لقوله تعالى إذ الاغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون الآية وقد تدل على الكفر وقد تدل على امرأة تؤذي يعني يعبر بها والغل بضم الغين المعجمة وتشديد اللام هو الحديد الذي يجعل في العنق وقالوا إن انضم الغل إلى القيد يدل على زيادة المكروه وإذ جعل الغل في اليدين حمد لأنه كف لهما عن الشر وقد يدل الغل على البخل بحسب الحال وقالوا أيضا إن رأى أن يديه مغلولتان فإنه بخيل وإن رأى أنه قيد وغل فإنه يقع في سجن أو شدة وقال الكرماني اختلفوا في قوله وكان يقال إلى قوله في الدين فقال بعضهم كله كلام الرسول وقيل كله كلام ابن سيرين وقيل القيد ثبات في الدين هو كلام رسول الله وقيل وكان يكره فاعله رسول الله وهو كلام أبي هريرة انتهى قلت أخذ الكرماني هذا من كلام الطيبي قوله وكان يعجبهم كذا ثبت هنا بلفظ الجمع والإفراد في يكره ونقول وقال الطيبي ضمير الجمع لأهل التعبير وكذا قوله وكان يقال القيد ثبات في الدين قال المهلب روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم القيد ثبات في الدين من رواية قتادة ويونس وآخرين وتفسير ذلك أنه يمنع الخطايا ويقيد عنها وروى ابن ماجه من حديث وكيع عن أبي بكر الهذلي عن ابن سيرين فذكر قصة القيد مرفوعة
(24/154)
وروى قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن
أبي هريرة عن النبي وأدرجه بعضهم كله في الحديث وحديث عوف أبين وقال يونس لا أحسبه
إلا عن النبي في القيد
أي روى أصل الحديث قتادة بن دعامة ويونس بن عبيد أحد أئمة البصرة وهشام بن حسان
الأزدي وأبو هلال محمد بن سليم بالضم الراسبي وقال الكرماني لم يسبق ذكره كل هؤلاء
رووه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قوله وأدرجه بعضهم كله أي كل المذكور
من لفظ الرؤيا ثلاث إلى في الدين أي جعله كله مرفوعا والمراد به رواية هشام بن أبي
عبد الله الدستوائي عن قتادة وقال مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا معاذ حدثني
أبي عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله وأدرجه في الحديث قوله
وأكره الغل الخ ولم يذكر الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قوله وحديث عوف
أبين أي وحديث عوف الأعرابي أظهر حيث فصل المرفوع عن الموقوف وقال الكرماني أبين
أي في أن لا يكون ذلك من الحديث قوله وقال يونس لا أحسبه أي لا أحسب الذي أدرجه
بعضهم إلا عن النبي في القيد يعني أنه شك في رفعه
وقال أبو عبد الله لا تكون الأغلال إلا في الأعناق
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وأشار بهذا الكلام إلى رد قول من قال قد يكون الغل
في غير العنق كاليد والرجل ولكن لا ينهض هذا الرد لما قال أبو علي القالي الغل ما
يربط به اليد وقال ابن سيده الغل خاصة تجعل في العنق أو اليد والجمع أغلال ويد
مغلولة جعلت في الغل قال تعالى وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما
قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء وليزيدن كثيرا منهم مآ أنزل إليك من ربك
طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة كلمآ أوقدوا نارا
للحرب أطفأها الله ويسعون فى الارض فسادا والله لا يحب المفسدين
27 -
( باب العين الجارية في المنام )
أي هذا باب في بيان رؤية العين الجارية في المنام وقال المهلب العين الجارية تحتمل
وجوها فإن كان ماؤها صافيا عبرت بالعمل الصالح وإلا فلا وقيل العين الجارية عمل
جار من صدقة أو معروف لحي أو ميت وقيل عين الماء نعمة وبركة وخير وبلوغ أمنية إن
كان صاحبها مستورا وإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكي لها أهل داره
7018 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن (
خارجة بن زيد بن ثابت ) عن أم ( العلاء ) وهي امرأة من نسائهم بايعت رسول الله
قالت طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين
فاشتكى فمرضناه حتى توفي ثم جعلناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله فقلت رحمة الله
عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله قال وما يدريك قلت لا أدري والله قال
أما هو فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير من الله والله ما أدري وأنا رسول الله
ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء فوالله لا أزكي أحدا بعده قالت ورأيت لعثمان في
النوم عينا تجري فجئت رسول الله فذكرت ذالك له فقال ذاك عمله يجري له
مطابقته للترجمة في قوله ورأيت لعثمان في النوم إلى آخره
وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي
والحديث قد مضى في باب رؤيا النساء ومضى الكلام فيه وأم العلاء والدة خارجة بن زيد
الراوي عنها هنا واسمها كنيتها
قوله وهي امرأة من نسائهم أي من الأنصار وهو من كلام الزهري الراوي عن خارجة
قوله طار لنا
(24/155)
يعني وقع لنا في سهمنا قوله حين اقترعت وفي رواية أبي
ذر عن غير الكشميهني حين أقرعت بحذف التاء قوله فاشتكى أي مرض قوله فمرضناه بتشديد
الراء أي قمنا بأمره في مرضه قوله حتى توفي كانت وفاته في شعبان سنة ثلاث من
الهجرة قوله ذاك عمله يجري له يعني شيء من عمله بقي له ثوابه جاريا كالصدقة وأنكر
صاحب التلويح أن يكون له شيء من الأمور الثلاثة التي ذكرها مسلم من حديث أبي هريرة
رفعه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث الحديث ورد عليه بأنه كان له ولد صالح
شهد بدرا وما بعدها وهو السائب مات في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فهو أحد
الثلاثة وقد كان عثمان من الأغنياء فلا يبعد أن يكون له صدقة استمرت بعد موته فقد
أخرج ابن سعد من مرسل أبي بردة بن أبي موسى قال دخلت امرأة عثمان بن مظعون على
نساء النبي فرأين هيئتها فقلن مالك فما في قريش أغنى من بعلك فقالت أما ليله فقائم
الحديث
28 -
( باب نزع الماء من البئر حتى يرواى الناس )
أي هذا باب في بيان من يرى أنه ينزع الماء أي يستخرج الماء من البئر حتى يروى بفتح
الواو من روى يروي من باب علم يعلم قوله الناس بالرفع فاعله
رواه أبو هريرة عن النبي
أي روى نزع الماء من البئر أبو هريرة وسيأتي موصولا في الباب الثاني
7019 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم بن كثير ) حدثنا ( شعيب بن حرب ) حدثنا ( صخر بن
جويرية ) حدثنا ( نافع ) أن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما حدثه قال قال رسول الله
بينا أنا على بئر أنزع منها إذ جاءني أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوبا
أو ذنوبين وفي نزعه ضعف فغفر الله له ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت
في يده غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن
مطابقته للترجمة ظاهرة ويعقوب بن إبراهيم بن كثير بالثاء المثلثة الدورقي وشعيب بن
حرب المدائني يكنى أبا صالح كان أصله من بغداد فسكن المداين فنسب إليها ثم انتقل
إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها وماله في البخاري سوى هذا الحديث وصخر بفتح الصاد
المهملة وسكون الخاء المعجمة وبالراء ابن جويرية مصغر جارية بالجيم
والحديث مضى في فضائل أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن أحمد بن سعيد
قوله بينا قد ذكرنا غير مرة أن أصل بينا بين فأشبعت فتحة النون فصارت بينا ويقال
أيضا بينما ويضاف إلى جملة قوله إذ جاءني جوابه وكلمة إذ للمفاجأة قوله ذنوبا بفتح
الذال المعجمة وهو الدلو الممتلىء قوله أو ذنوبين شك من الراوي قوله وفي نزعه ضعف
بفتح الضاد وضمها لغتان قوله ثم أخذها ابن الخطاب أي ثم أخذ الدلو عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه قوله من يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه فيه إشارة إلى أن عمر
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر بخلاف أبي بكر فإن خلافته لم تكن بعهد صريح من النبي
ولكن وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب من الصريح قوله فاستحالت أي تحولت في
يد عمر رضي الله تعالى عنه قوله غربا بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالباء
الموحدة وهو الدلو العظيمة المتخذة من جلود البقر فإذا فتحت الراء فهو الماء الذي
يسيل بين البئر والحوض قوله عبقريا بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح
القاف وهو الكامل الحاذق في عمله قوله يفري بسكون الفاء وكسر الراء قوله فريه بفتح
الفاء وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف أي يعمل عمله جيدا صالحا عجيبا قوله حتى
ضرب
(24/156)
الناس بعطن بفتح المهملتين وآخره نون وهو ما يعد
للشرب حول البئر من مبارك الإبل والعطن للإبل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول
الحوض وقال ابن الأثير في حديث ضرب الناس بعطن أي رويت إبلهم حتى بركت وأقامت
مكانها
29 -
( باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف )
أي هذا باب في بيان نزع الذنوب وهو الدلو الممتلىء كما ذكرناه الآن قوله بضعف أي
مع ضعف
7020 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( زهير ) حدثنا موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه
عن رؤيا النبي في أبي بكر وعمر قال رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو
ذنوبين وفي نزعه ضعف
(24/157)
والله يغفر له ثم قام عمر بن الخطاب فاستحالت غربا
فما رأيت من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن
هذا الحديث هو الذي مضى في الباب السابق غير أنه أخرجه من طريق آخر عن أحمد بن
يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي عن زهير بن معاوية الجعفي عن ( موسى بن
عقبة ) عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد مضى الكلام فيه
7021 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب
) أخبرني ( سعيد ) أن ( أبا هريرة ) أخبره أن رسول الله قال بينما أنا نائم رأيتني
على قليب وعليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها
ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم استحالت غربا فأخذها عمر بن الخطاب
فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو مثل حديث ابن عمر أخرجه عن سعيد بن عفير عن الليث بن
سعد عن عقيل بن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن
جده
قوله رأيتني أي رأيت نفسي قوله على قليب هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي قوله
ابن أبي قحافة هو أبو بكر الصديق واسم أبي قحافة عبد الله بن عثمان رضي الله تعالى
عنه قوله والله يغفر له ليس له نقص فيه ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كانوا
يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة وكذا ليس في قوله وفي نزعه ضعف حط من فضيلته
وإنما هو إخبار عن حال ولايتهما وقد كثر انتفاع الناس في ولاية عمر رضي الله تعالى
عنه لطولها واتساع الإسلام والفتوحات وتمصير الأمصار
30 -
( باب الاستراحة في المنام )
أي هذا باب في بيان أمر الاستراحة في المنام قال أهل التعبير إن كان المستريح
مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره وتكون الدنيا تحت يده لأن الأرض أقوى ما يستند
إليه بخلاف ما إذا كان منبطحا فإنه لا يدري ما وراءه
7022 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام )
أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله عنه يقول قال رسول الله بينما أنا نائم رأيت إني
على حوض أسقي الناس فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني فنزع ذنوبا أو
ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له فأتى ابن الخطاب فأخذ منه فلم يزل ينزع حتى
تولى الناس والحوض يتفجر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ليريحني
وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه ويحتمل أن يكون إسحاق بن إبراهيم بن نصر
السعدي لأن كلا منهما يروي عن عبد الرزاق ومعمى بفتح الميمين ابن راشد وهمام
بتشديد الميم الأولى ابن منبه والحديث من أفراده
قوله على حوض وفي رواية المستملي والكشميهني على حوضي بياء المتكلم وقال الكرماني
قوله على حوض فإن قلت سبق على بئر وعلى قليب قلت لا منافاة انتهى قلت هذا ليس
بجواب يرضي سائله بل الذي يقال هنا كأنه كان يملأ من البئر فيسكب في الحوض والناس
يتناولون الماء لأنفسهم ولبهائمهم فإن قلت ما الفرق بين قوله على حوض وقوله على
حوضي قلت على حوض أولى يعني على حوض من الأحواض وأما على حوضي بالياء فيراد به
حوضه الذي أعطاه الله عز و جل وذكره في القرآن وقيل يحتمل أن يكون له حوض في
الدنيا لا حوضه الذي في الآخرة قوله حتى تولى الناس أي حتى أعرض الناس والواو في
والحوض للحال قوله يتفجر أي يتدفق ويسيل
31 -
( باب القصر في المنام )
أي هذا باب في بيان رؤية القصر أو الدخول في القصر في المنام قال أهل التعبير
القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق وقد يعبر عن دخول القصر
بالتزويج
7023 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) حدثني ( الليث ) حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال
أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال بينا نحن جلوس عند رسول الله قال
بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر
قالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا قال أبو هريرة فبكى عمر بن الخطاب
ثم قال أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا عن قريب والحديث مضى في صفة الجنة وفي
فضائل عمر رضي الله تعالى عنه عن سعيد بن أبي مريم
قوله فإذا امرأة تتوضأ ونقل عن الخطابي وابن قتيبة أن قوله تتوضأ تصحيف والأصل
فإذا امرأة شوهاء يعني حسناء قاله ابن قتيبة قال والوضوء لغوي ولا مانع منه وقال
الكرماني الجنة ليست دار التكليف فما وجه هذا الوضوء ثم أجاب بقوله لا يكون على
وجه التكليف وقال القرطبي إنما توضأت لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا
قذرا إذ الجنة منزهة عن ذلك وقيل يحتمل أن يكون وضوءا حقيقة ولا يمنع من ذلك كون
الجنة ليست دار التكليف لجواز أن يكون على غير وجه التكليف وقيل كانت هذه المرأة
أم سليم وكانت في قيد الحياة حينئذ فرآها النبي في الجنة إلى جانب قصر عمر رضي
الله تعالى عنه فيكون تعبيرها أنها من أهل الجنة لقول الجمهور من أهل التعبير إن
من رأى أنه دخل الجنة فإنه يدخلها فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق وأما
وضوؤها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى وطهارتها جسما وحكما وأما كونها إلى قصر عمر رضي
الله تعالى عنه ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته وكان كذلك قوله أعليك بأبي أنت
وأمي يا رسول الله أغار قيل إنه مقلوب لأن القياس أن يقول أعليها أغار منك وقال
الكرماني لفظ عليك ليس متعلقا بأغار بل التقدير مستعليا عليك أغار عليها قال ودعوى
القياس المذكور ممنوعة إذ لا يخرج إلى ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه ويحتمل
أن يكون أطلق علي وأراد من كما قيل إن حروف الجر تتناوب قلت يجيء على بمعنى من كما
في قوله تعالى الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون قوله بأبي أنت وأمي جملة
معترضة أي أنت مفدى بأبى وأمي
(24/158)
7024 - حدثنا ( عمر بن علي ) حدثنا ( معتمر بن سليمان
) حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( محمد بن المنكدر ) عن ( جابر بن عبد الله ) قال
قال رسول الله دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا فقالوا لرجل من قريش
فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من غيرتك قال وعليك أغار يا رسول
الله
انظر الحديث 3679 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن علي بن بحر بن كثير أبو حفص الباهلي البصري
الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا ومعتمر بن سليمان بن طرخان البصري وعبيد الله بن عمر بن
حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
والحديث مضى في النكاح عن محمد بن أبي بكر المقدمي وأخرجه النسائي في المناقب عن
عمرو بن علي به
قوله لرجل من قريش قيل إنه عرف من الرواية الأخرى أنه عمر رضي الله تعالى عنه
والأحسن ما قاله الكرماني علم النبي أنه عمر إما بالقرائن وإما بالوحي
32 -
( باب الوضوء في المنام )
أي هذا باب في بيان رؤية الوضوء في المنام قال أهل التعبير رؤية الوضوء في المنام
وسيلة إلى سلطان أو عمل فإن أتمه في النوم حصل مراده في اليقظة وإن تعذر لعجز
الماء مثلا أو توضأ بما لا يجوز الصلاة به فلا والوضوء للخائف أمان ويدل على حصول
الثواب وتكفير الخطايا
7025 - حدثني ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) قال بينما نحن جلوس عند رسول الله قال
بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هاذا القصر
فقالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا فبكى عمر وقال عليك بأبي أنت وأمي يا رسول
الله أغار
مطابقته للترجمة في قوله فإذا امرأة تتوضأ ورجال هذا قد مروا عن قريب وفيما مضى
أيضا مكررا والحديث مضى في الباب السابق غير أنه هناك عن جابر وهنا عن أبي هريرة
ومضى الكلام فيه
33 -
( باب الطواف بالكعبة في المنام )
أي هذا باب في بيان من رأى أنه يطوف بالكعبة في المنام قال أهل التعبير الطواف يدل
على الحج وعلى التزويج وحصول أمر مطلوب من الإمام وعلى بر الوالدين وعلى خدمة عالم
والدخول في أمر الإمام فإن كان الرائي رقيقا دل على نصحه لسيده
7026 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( سالم بن عبد
الله بن عمر ) أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله بينما أنا
نائم رأيتني أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء فقلت من
هذا قالوا ابن مريم فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى
كأن عينه عنبة طافية قلت من هذا قالوا هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن وابن
قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة
مطابقته للترجمة في قوله رأيتني أطوف بالكعبة
وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مضى في باب رؤيا الليل ومضى أيضا في أحاديث
الأنبياء عليهم السلام في أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم
ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ومضى
الكلام فيه مستوفى
قوله سبط الشعر
(24/159)
بسكون الباء الموحدة وكسرها قوله ينطف بضم الطاء
وكسرها قال المهلب النطف الصب وكان ينطف لأن تلك الليلة كانت ماطرة وقال الكرماني
يحتمل أن يكون ذلك أثر غسله بزمزم ونحوه أو الغرض منه بيان لطافته ونظافته لا
حقيقة النطف وقال أبو القاسم الأندلسي وصف عيسى عليه السلام بالصورة التي خلقه
الله عليها ورآه يطوف وهذه رؤيا حق لأن الشيطان لا يتمثل في صورة الأنبياء عليهم
السلام ولا شك أن عيسى في السماء وهو حي ويفعل الله في خلقه ما يشاء وقال الكرماني
مر في الأنبياء في باب مريم وأما عيسى فأحمر جعد قلت ذاك ليس في الطواف بل في وقت
آخر أو يراد به جعودة الجسم أي اكتنازه قوله فذهبت ألتفت إلى آخره قال أبو القاسم
المذكور وصف الدجال بصورته قال ودل هذا الحديث على أن الدجال يدخل مكة دون المدينة
لأن الملائكة الذين على أنقابها يمنعونه من دخولها قال صاحب التوضيح أنكروا ذلك
وقالوا في هذا الدليل نظر وقال الكرماني الدجال لا يدخل مكة وقت ظهور شوكته وأيضا
لا يدخل في المستقبل قوله ابن قطن اسمه عبد العزى ابن قطن بن عمرو بن حبيب بن سعيد
بن عائد بن مالك بن خزيمة وهو المصطلق بن سعد أخي كعب وعدي أولاد عمرو بن ربيعة
وهو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا وقال الزهري ابن قطن رجل من خزاعة هلك في
الجاهلية
34 -
( باب إذا أعطى فضله غيره في المنام )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أعطى شخص ما فضل منه من اللبن لشخص غيره في المنام وفي
بعض النسخ في النوم
7027 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب )
أخبرني ( حمزة بن عبد الله بن عمر ) أن ( عبد الله بن عمر ) قال سمعت رسول الله
يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري ثم أعطيت فضله
عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى في هذا الكتاب في باب اللبن وفي باب إذا جرى
اللبن في أطرافه ومضى الكلام فيه
قوله الري بكسر الراء وتشديد الياء ما يروى به يعني اللبن أو هو إطلاق على سبيل
الاستعارة وإسناد الخروج إليه قرينة وقيل اسم من أسماء اللبن
( باب الأمن وذهاب الروع في المنام )
أي هذا باب في بيان حصول الأمن وذهاب الروع في المنام والروع بفتح الراء وسكون
الواو وبالعين المهملة الخوف وأما الروع بضم الراء فهو النفس قال أهل التعبير من رأى
أنه قد أمن من شيء فإنه يخاف منه
7028 - حدثني ( عبيد الله بن سعيد ) حدثنا ( عفان بن مسلم ) حدثنا ( صخر بن جويرية
) حدثنا ( نافع ) أن ( ابن عمر ) قال إن رجالا من أصحاب رسول الله كانوا يرون
الرؤيا على عهد رسول الله فيقصونها على رسول الله فيقول فيها رسول الله ما شاء
الله وأنا غلام حديث السن وبيتي المسجد قبل أن أنكح فقلت في نفسي لو كان فيك خير
لرأيت مثل ما يراى هاؤلاء فلما اضطجعت ليلة
(24/160)
قلت اللهم إن كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا فبينما أنا
كذالك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا
بينهما أدعو الله اللهم أعوذ بك من جهنم ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد
فقال لن تراع نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير
جهنم فإذا هي مطوية كطي البئر له قرون كقرن البئر بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من
حديد وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم عرفت فيها رجالا من قريش
فانصرفوا بي عن ذات اليمين
فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله فقال رسول الله إن عبد الله رجل صالح
فقال نافع لم يزل بعد ذالك يكثر الصلاة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لن تراع
وعبيد الله بن سعيد أبو قدامة اليشكري وعفان بن مسلم الصفار البصري روى عنه
البخاري في الجنائز بلا واسطة وصخر مر عن قريب
والحديث ذكره المزي في سند حفصة أخرجه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن محمد وفي
مناقب ابن عمر عن إسحاق بن نصر وفي صلاة الليل عن يحيى بن سليمان ومضى الكلام فيه
قوله فيقول فيها أي يعبرها قوله حديث السن أي صغير السن وفي رواية الكشميهني حدث
السن قوله وبيتي المسجد أي كنت أسكن في المسجد قبل أن أتزوج قوله فلما اضطجعت ليلة
وفي رواية الكشميهني ذات ليلة قوله فأرني رؤيا غير منصرف قوله مقمعة بكسر الميم وسكون
القاف والجمع مقامع قال الكرماني هي العمود أو شيء كالمحجن يضرب به رأس الفيل وقال
غيره هي كالسوط من حديد رأسها معوج وأغرب الداودي وقال المقمعة والمقرعة واحد قوله
يقبلان بي من الإقبال ضد الإدبار أو من أقبلته الشيء إذا جعلته يلي قبالته قوله لن
تراع هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره لم ترع أي لم تفزع ووقع عند كثير من
الرواة لن ترع بحرف لن مع الجزم والجزم بلن لغة قليلة حكاها الكسائي قوله له قرون
جمع قرن وفي رواية الكشميهني لها قرون وهي جوانبها التي تبنى من حجارة توضع عليها
الخشبة التي تعلق فيها البكرة والعادة أن لكل بئر قرنان قوله رؤوسهم أسفلهم يعني
منكسين قوله ذات اليمين أي جهة اليمين
36 -
( باب الأخذ على اليمين في النوم )
أي هذا باب فيمن أخذ في نومه وسير به على يمينه يعبر له بأنه من أهل اليمين ويروى
باب الأخذ باليمين
7030 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أخبرنا ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) قال كنت غلاما شابا عزبا في عهد النبي وكنت
أبيت في المسجد وكان من رأى مناما قصه على النبي فقلت اللهم إن كان لي عندك خير
فأرني مناما يعبره لي رسول الله فنمت فرأيت ملكين أتياني فانطلقا بي فلقيهما ملك
آخر فقال لي لن تراع إنك رجل صالح فانطلقا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر
وإذا فيها ناس قد عرفت بعضهم فأخذا بي ذات اليمين فلما أصبحت ذكرت ذلك لحفصة فزعمت
حفصة أنها قصتها على النبي فقال إن عبد الله رجل صالح لو
(24/161)
كان يكثر الصلاة من الليل
قال الزهري وكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فأخذا بي ذات اليمين
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي والحديث مضى الآن في الباب السابق
قوله عزبا بفتح العين المهملة وفتح الزاي وبالباء الموحدة ويقال له الأعزب بقلة في
الاستعمال وهو من لا أهل له ويقال من لا زوجة له قوله فأخذا بي بالباء الموحدة بعد
قوله أخذا أي الملكان ويروى أخذاني بالنون
وفيه جواز المبيت في المسجد للعزب كما ترجم عليه في أحكام المساجد وجواز النيابة
في الرؤيا وقبول خبر الواحد العدل
37 -
( باب القدح في النوم )
أي هذا باب في ذكر من أعطي قدحا في نومه قال أهل التعبير القدح في النوم امرأة أو
مال من جهة امرأة وقدح الزجاج يدل على ظهور الأشياء الخفية وقدح الذهب والفضة ثناء
حسن
7032 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن (
حمزة بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله
يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا
فما أولته يا رسول الله قال العلم
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى عن قريب في باب إذا أعطى فضله غيره في المنام
ومضى الكلام فيه
38 -
( باب إذا طار الشيء في المنام )
أي هذا باب يذكر فيه إذا طار الشيء من الرائي في منامه الذي ليس من شأنه أن يطير
وجواب إذا محذوف تقديره يعبر بحسب ما يليق له والترجمة ليست فيما إذا رأى أنه يطير
قال المعبرون من رأى أنه يطير فإنه كان إلى جهة السماء من غير تعريج ناله ضرر فإن
غاب في السماء ولم يرجع مات وإن رجع أفاق من مرضه وإن كان يطير عرضا سافر ونال
رفعة بقدر طيرانه فإن كان بجناح فهو مال أو سلطان يسافر في كنفه وإن كان بغير جناح
فهو يدل عل التعزير فيما يدخل فيه
7033 - حدثني ( سعيد بن محمد ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح )
عن ( أبي عبيدة بن نشيط ) قال قال عبيد الله بن عبد الله سألت عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما عن رؤيا رسول الله التي ذكر
فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول الله قال بينما أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي سواران
من ذهب ففظعتهما وكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان فقال
عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة
مطابقته للترجمة في قوله فنفختهما فطارا وسعيد بن محمد الجرمي بفتح الجيم وإسكان
الراء الكوفي ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمان بن عوف كان على قضاء بغداد وصالح هو ابن كيسان وابن عبيدة بضم العين اسمه
عبد الله بن عبيدة بن نشيط بفتح النون وكسر الشين المعجمة على وزن عظيم ووقع في
رواية الكشميهني عن أبي عبيدة بالكنية والصواب ابن عبيدة عبد الله أخو موسى بن
عبيدة يقال بينهما في الولادة ثمانون سنة وعبد الله الأكبر قتله الحرورية بقديد
سنة ثلاثين ومائة ويقال فيهما الربذي بفتح الراء والباء الموحدة وبالذال المعجمة
(24/162)
القرشي العامري مولاهم وينسبون أيضا إلى اليمن وليس
لعبد الله هذا في البخاري غير هذا الحديث وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
أحد الفقهاء السبعة
ومضى الحديث بهذا السند في أواخر المغازي في قصة العنسي ومضى الكلام فيه
قوله ذكر لي على صيغة المجهول قال الكرماني فإن قلت فما حكم هذا الحديث حيث لم
يصرح باسم الذاكر قلت غايته الرواية عن صحابي مجهول الاسم ولا بأس به لأن الصحابة
كلهم عدول
قوله سواران تثنية سوار وقال الكرماني ويروى إسوران وفي التوضيح وقع هنا إسوران
بالألف وفيما مضى ويأتي بدون الألف وهو الأكثر عند أهل اللغة وقال ابن التين في
باب النفخ قوله فوضع في يده سوارين كذا عند الشيخ أبي الحسن وعند غيره إسوران وهو
الصواب قال صاحب التوضيح والذي في الأصول سواران بحذف الألف وإن كان ابن بطال ذكره
بإثباتها وقال أبو عبيدة السوار بالضم والكسر قوله ففظعتهما بكسر الظاء المعجمة أي
استعظمت أمرهما قوله كذابين قال المهلب أولهما بالكذابين لأن الكذب إخبار عن الشيء
بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه والسوار في يده ليس في موضعه لأنه ليس من حلي
الرجال وكونه من ذهب مشعر بأنه شيء يذهب عنه ولا بقاء له والطيران عبارة عن عدم
ثبات أمرهما والنفخ إشارة إلى زوالها بغير كلفة شديدة لسهولة النفخ على النافخ
قوله فقال عبيد الله هو المذكور في السند قوله العنسي بفتح العين المهملة وسكون
النون اسمه الأسود الصنعاني وكان يقال له ذو الحمار لأنه علم حمارا إذا قال له
اسجد يخفض رأسه قتله فيروز الديلمي ومسيلمة بن حبيب الحنفي اليماني وكان صاحب
نيرنجات وهو أول من أدخل البيضة في القارورة قتله وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى
عنه ومضى الكلام فيه في علامات النبوة مستوفى
39 -
( باب إذا رأى بقرا تنحر )
أي هذا باب يذكر فيه إذا رأى في المنام بقرا تنحر وجواب إذا محذوف تقديره إذا رأى
أحد بقرا تنحر يعبر بحسب ما يليق به والنبي لما رأى بقرا تنحر كان تأويل رؤياه قتل
الصحابة الذين قتلوا بأحد وقال المهلب وفي رؤياه بقرا ضرب المثل لأنه رأى بقرا
تنحر فكانت البقر أصحابه فعبر عن حال الحرب بالبقر من أجل ما لها من السلاح
والقرون شبهت بالرماح ولما كان طبع البقر المناطحة والدفاع عن أنفسها بقرونها كما
يفعل رجال الحرب وشبه النحر بالقتل
7035 - حدثني ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن جده ( أبي
بردة ) عن ( أبي موسى أراه ) عن النبي قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى
أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت فيها
بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله به من الخير
وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر
مطابقته للترجمة في قوله ورأيت فيها بقرا فإن قلت ترجم بقيد النحر ولم يقع ذلك في
حديث الباب قلت كأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وهو ما رواه أحمد من
حديث جابر أن النبي قال رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا تنحر الحديث وقال
الثوري بهذه الزيادة على ما في الصحيحين يتم تأويل الرؤيا فنحر البقر هو قتل
الصحابة الذين قتلوا بأحد
وشيخ البخاري هو أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الكوفي وهو شيخ مسلم وأبو أسامة
حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء ابن عبد الله يروي
عن جده أبي بردة اسمه الحارث وقيل عامر يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري واسمه عبد
الله بن قيس
والحديث مضى بهذا السند بتمامه في علامات النبوة وفرق منه
(24/163)
في المغازي بهذا السند أيضا وعلق فيها منه قطعة في
الهجرة فقال وقال أبو موسى وذكر بعضه هنا وبعضه بعد أربعة أبواب ولم يذكر بعضه
قوله أراه بضم الهمزة أي أظنه قيل إن القائل بهذه اللفظة هو البخاري وقال الكرماني
هو قول الراوي عن أبي موسى ورواه مسلم وغيره عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ
البخاري بالسند المذكور بدون هذه اللفظة بل جزموا برفعه قوله فذهب وهلي يعني وهمي
وقال ابن التين رويناه بفتح الهاء والذي ذكره أهل اللغة بسكونها تقول وهلت بالفتح
أهل وهلا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره ووهل يوهل وهلا بالتحريك إذا فزع وقال
النووي يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا بسكونها مثل ضرب يضرب ضربا إذا غلط
وذهب وهمه إلى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أو هل وهلا بالتحريك فمعناه فزعت
والوهل بالفتح الفزع وضبطه النووي هنا بالتحريك وقال معناه الوهم وصاحب النهاية جزم
أنه بالسكون قوله اليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم الأولى وهي بلاد
الجو بين مكة واليمن قوله أو هجر كذا وقع بدون الألف واللام في رواية كريمة ووقع
في رواية أبي ذر والأصيلي أو الهجر بالألف واللام وهجر بفتحتين قاعدة أرض البحرين
وقيل بلد باليمن قوله يثرب كان اسم مدينة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في
الجاهلية قوله ورأيت فيها أي في الرؤيا قوله والله خير مبتدأ أو خبر أي ثواب الله
للمقبولين خير لهم من بقائهم في الدنيا أو صنع الله خير لكم قيل والأولى أن يقال
إنه من جملة الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤياه البقر بدليل تأويله لها بقوله فإذا
الخير ما جاء الله به قوله بعد بدر هو فتح خيبر ثم فتح مكة ووقع في رواية بعد
بالضم أي بعد أحد قال الكرماني ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة وبعد أي بعد الخير
والثواب والخير حصلا في يوم بدر
40 -
( باب النفخ في المنام )
أي هذا باب يذكر فيه النفخ في المنام قال المعبرون النفخ يعبر بالكلام وقال ابن
بطال يعبر بإزالة الشيء المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ على النافخ
7036 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر )
عن ( همام بن منبه ) قال ( هذا ما ) حدثنا ( به أبو هريرة ) عن رسول الله قال نحن
الآخرون السابقون وقال رسول الله بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي
سوارن من ذهب فكبر علي وأهماني فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما
الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه قوله حدثني في
رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حدثنا
ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وهمام بالتشديد ابن منبه اسم فاعل من التنبيه
قوله هذا ما حدثنا به أبو هريرة أشار بهذا إلى أن هماما ما روى هذا عن أبي هريرة
على ما هو المعهود في الروايات واحترز بهذا عن روايته عن أبي هريرة صحيفة كانت
تعرف بصحيفة همام والحديث كان عند إسحاق من رواية همام بهذا السند وأول الحديث نحن
الآخرون السابقون مضى في الجمعة وبقية الحديث معطوفة عليه بلفظ وقال رسول الله
وكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدأ بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما
يريد وتقدم هذا الحديث في باب وفد بني حنيفة في أواخر المغازي عن إسحاق بن نصر عن
عبد الرزاق بهذا الإسناد لكن قال في روايته عن همام أنه سمع أبا هريرة ولم يبدأ
إسحاق بن نصر فيه بقوله نحن الآخرون السابقون قوله إذا أتيت خزائن الأرض من
الإتيان يعني المجيء في رواية أبي ذر وعند غيره إذ أوتيت بزيادة الواو من الإيتاء
بمعنى الإعطاء وفي رواية أحمد وإسحاق بن
(24/164)
نصر عن عبد الرزاق أوتيت بخزائن الأرض بإثبات الباء
قوله في يدي وفي رواية إسحاق بن نصر في كفي قوله فكبرا علي بضم الباء الموحدة أي
عظم أمرهما وشق علي وقال القرطبي إنما عظما عليه لكون الذهب من حلية النساء ومما
حرم على الرجال قوله وأهماني أي أحزناني وأقلقاني قوله فأوحي إلي على بناء المجهول
وفي رواية الكشميهني في رواية إسحاق بن نصر فأوحى الله إلى قوله فطارا في رواية
المقبري زاد فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن قوله اللذين أنا بينهمالأنهما كانا
حين قص الرؤيا موجودين فإن قلت وقع في رواية ابن عباس يخرجان بعدي قلت قال النووي
إن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة وقال بعضهم فيه
نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياة النبي فادعي النبوة وعظمت شوكته وحارب
المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي وأما مسيلمة
فكان ادعى النبوة في حياة النبي لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي
بكر رضي الله تعالى عنه انتهى قلت في نظره نظر لأن كلام ابن عباس يصدق على أن خروج
مسيلمة بعد النبي وأما كلامه في حق الأسود فمن حيث أن أتباعه ومن لاذ به تبعوا
مسيلمة وقووا شوكته فأطلق عليه الخروج من بعد النبي بهذا الاعتبار
41 -
( باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة فأسكنه موضعا آخر )
أي هذا باب فيه إذا رأى في نومه أنه أخرج الشيء من كورة بضم الكاف وسكون الواو وهي
الناحية ووقع في رواية أبي ذر من كوة بضم الكاف وتشديد الواو المفتوحة وقال
الجوهري الكوة بالفتح ثقب البيت وقد تضم الكاف قوله فأسكنه أي أسكن ذلك الشيء في
موضع آخر
7038 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) حدثني ( أخي عبد الحميد ) عن ( سليمان بن
بلال ) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن أبيه أن النبي قال رأيت
كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس أخرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة فأولتها
أن وباء المدينة نقل إليها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أخرجت موضع خرجت لأن في رواية ابن أبي الزناد أخرجت
على صيغة المجهول وهو يقتضي المخرج اسم الفاعل ويصدق عليه أنه أخرج الشيء من ناحية
وأسكنه في موضع آخر
وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس يروي عن أخيه
والحديث أخرجه الترمذي في التعبير عن محمد بن بشار وأخرجه النسائي فيه عن يوسف بن
سعيد وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن بشار به
قوله ثائرة الرأس أي شعر الرأس وفي رواية أحمد وأبي نعيم ثائرة الشعر من ثار الشيء
إذا انتشر قوله بمهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف وبالعين
المهملة وفسرها بقوله وهي الجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء وهي ميقات
المصريين قيل هذا التفسر مدرج من قول موسى بن عقبة قوله فأولتها أن وباء المدينة
وفي رواية ابن جريج فأولتها وباء بالمدينة فنقل إلى الجحفة والوباء مقصور وممدود
وقال المهلب هذه الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل
42 -
( باب المرأة السوداء )
أي هذا باب في ذكر رؤيا المرأة السوداء في المنام
7039 - حدثنا ( أبو بكر المقدمي ) حدثنا ( فضيل بن سليمان ) حدثنا ( موسى ) حدثني
( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما في رؤيا النبي في
المدينة رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة فتأولتها
أن وباء المدينة
(24/165)
نقل إلى مهيعة وهي الجحفة
انظر الحديث 7038 وطرفه
مطابقته لترجمة ظاهرة وهو الحديث المذكور قبل هذا الباب أخرجه عن محمد بن أبي بكر
بن علي بن عطاء بن مقدم المعروف بالمقدمي البصري وقال الكرماني فإن قلت ما حكم هذا
الحديث حيث لم يقل قال رسول الله قلت لزم من التركيب إذ معناه قال رأيت فهو مقدر
في حكم الملفوظ
43 -
( باب المرأة الثائرة الرأس )
أي هذا باب فيه ذكر رؤية المرأة الثائرة الرأس
7040 - حدثني ( إبراهيم بن المنذر ) حدثني ( أبو بكر بن أبي أويس ) حدثني ( سليمان
) عن ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم ) عن أبيه أن النبي قال رأيت امرأة سوداء ثائرة
الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة فأولت أن وباء المدينة ينقل إلى مهيعة وهي
الجحفة
انظر الحديث 7038 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الحديث هو الحديث الماضي غير أنه أخرجه عن ثلاث شيوخ
فوضع لكل واحد ترجمة
وأبو بكر بن أبي أويس هو عبد الحميد المذكور آنفا وسليمان هو ابن بلال المذكور في
باب إذا رأى أنه أخرج الشيء وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر
إلى آخره
44 -
( باب إذا هز سيفا في المنام )
أي هذا باب فيه إذا هز سيفا في منامه وجواب إذا محذوف يقدر فيه بما يليق للذي يهزه
لأن للسيف وجوها في التعبير
7041 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله بن
أبي بردة ) عن جده ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) ( أراه ) عن النبي قال رأيت في
رؤيا أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته
أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن العلاء أبو كريب مر عن قريب وأبو أسامة حماد بن
أسامة ويريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر أو الحارث
عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس
والحديث مضى في غزوة أحد وهو طرف من حديث مضى في علامات النبوة بكماله وقال المهلب
هذه الرؤيا من ضرب المثل ولما كان النبي يصول بأصحابه عبر عن السيف بهم وبهزه عن
أمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم وفي الهزة الأخرى لما عاد إلى حالته من
الاستواء عبر به عن اجتماعهم والفتح عليهم
45 -
( باب من كذب في حلمه )
أي هذا باب في بيان إثم من كذب في حلمه بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم
7042 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن (
ابن عباس ) عن النبي قال من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل
ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة
(24/166)
ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ
قال سفيان وصله لنا أيوب
انظر الحديث 2225 وطرفه
مطابقته للترجمة في قوله من تحلم بحلم وإنما قال في الترجمة من كذب في حلمه ولفظ
الحديث من تحلم إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه وهو ما أخرجه الترمذي من حديث علي
رضي الله تعالى عنه رفعه من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة وصححه الحاكم
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأيوب هو السختياني
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وأخرجه الترمذي في اللباس عن قتيبة
بالقصة الأولى والقصة الثالثة وفي الرؤيا عن محمد بن بشار بالقصة الثانية وأخرجه
النسائي في الزينة عن قتيبة بالقصة الأولى وأخرجه ابن ماجه في الرؤيا عن بشر بن
هلال بالقصة الثانية
قوله من تحلم أي من تكلف الحلم لأن باب التفعل للتكلف قوله لم يره جملة وقعت صفة
لقوله تحلم قوله كلف على صيغة المجهول أي كلف يوم القيامة أي يعذب بذلك وذلك
التكليف نوع من العذاب والاستدلال به ضعيف في جواز تكليف ما لا يطاق كيف وأنه ليس
بدار التكليف قوله ولن يفعل أي ولن يقدر على ذلك قوله وهم له أي لمن استمع كارهون
لا يريدون استماعه قوله أو يفرون منه شك من الراوي قوله الآنك بالمد وضم النون
وبالكاف وهو الرصاص المذاب قوله وكلف يحتمل أن يكون عطفا تفسيريا لقوله عذب وأن
يكون نوعا آخر قوله أن ينفخ فيها أي أن ينفخ الروح في تلك الصورة قوله وليس بنافخ
أي ليس بقادر على النفخ
قوله قال سفيان هو ابن عيينة وصله لنا أي وصل الحديث المذكور في الرواة إنما قال
ذلك لأن الحديث في الطرق الآخر التي بعده موقوف غير مرفوع إلى النبي
وقال قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة قوله من كذب في رؤياه
وقال شعبة عن أبي هاشم الرماني سمعت عكرمة قال أبو هريرة رضي الله عنه قوله من صور
ومن تحلم ومن استمع
هذه ثلاث طرق معلقة موقوفة الأول قوله وقال قتيبة هو ابن سعيد أحد مشايخه حدثنا
أبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري عن قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة
ورواية قتيبة هذه وصلها في نسخته عن أبي عوانة رواية النسائي عنه من طريق علي بن
محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية عن النسائي ولفظه عن أبي
هريرة قال من كذب في رؤياه كلف أن يعقد بين طرفي شعيرة ومن استمع الحديث ومن صور
الحديث
الثاني قوله وقال شعبة عن أبي هاشم اسمه يحيى بن دينار ووقع في رواية المستملي
والسرخسي عن أبي هشام قيل إنه غلط والرماني بضم الراء وتشديد الميم نسبة إلى قصر
الرمان بواسط كان ينزل قصر الرمان بوسط الثالث قوله قال أبو هريرة إلى آخره كذا
وقع في الأصل مختصرا على أطراف الأحاديث الثلاثة وجزاء هذه الشروط المذكورة هو كلف
وصب وعذب كما تقدم وكذا وصله الإسماعيلي في مستخرجه من طريق عبيد الله بن معاذ
العنبري عن أبيه عن شعبة بن أبي هاشم بهذا السند مقتصرا على قوله عن أبي هريرة
حدثنا إسحاق حدثنا خالد عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال من استمع ومن تحلم ومن
صور نحوه
إسحاق هو ابن شاهين وخالد شيخه هو ابن عبد الله الطحان وخالد شيخه هو الحذاء كذا
أخرجه مختصرا وأخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن منبه عن خالد بن عبد الله فذكره
بهذا السند إلى ابن عباس عن النبي فرفعه ولفظه من استمع إلى حديث قوم وهم له
كارهون صب في أذنه الآنك ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة يعذب بها
(24/167)
وليس بفاعل ومن صور صورة عذب حتى يعقد بين شعيرتين
وليس عاقدا
تابعه هشام عن عكرمة عن ابن عباس قوله
أي تابع خالدا الحذاء هشام بن حسان في روايته عن عكرمة عن ابن عباس قوله قوله يعني
قول ابن عباس يعني موقوفا عليه
7043 - حدثنا ( علي بن مسلم ) حدثنا ( عبد الصمد ) حدثنا ( عبد الرحمان بن عبد
الله بن دينار ) مولى ( ابن عمر ) عن أبيه عن ( ابن عمر ) أن رسول الله قال من
أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن مسلم الطوسي نزيل بغداد مات قبل البخاري بثلاث سنين
وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد وقد أدركه البخاري بالسن وعبد الرحمن بن
دينار مختلف فيه قال ابن المديني صدوق وقال يحيى بن معين في حديثه عندي ضعف ومع
ذلك عمدة البخاري فيه على شيخه علي على أنه لم يخرج له البخاري شيئا إلا وله فيه
متابع أو شاهد والحديث من أفراده
قوله من أفرى الفرى بفتح الهمزة وسكون الفاء أفعل التفضيل أي أكذب الكذبات والفرى
بكسر الفاء والقصر جمع فرية وهي الكذبة العظيمة التي يتعجب منها ويروى أن من أفرى
الفرى قوله أن يري بضم الياء وكسر الراء من الإراءة وهو فعل وفاعل وقوله عينيه
بالنصب مفعوله الأول وقوله ما لم تر مفعول ثان أي الذي لم تره ويروى ما لم يريا
بالتثنية باعتبار رؤية عينيه مثنى وقال الكرماني فإن قلت هو لا يرى عينيه بل ينسب
إليهما الرؤية قلت المقصود نسبته إليهما وإخباره عنهما بالرؤية فإن قلت الكذب في
اليقظة أكثر ضررا لتعديه إلى غيره ولتضمنه المفاسد فما وجه تعظيم الكاذب في رؤياه
بذلك قلت هو لأن الرؤيا جزء من النبوة والكاذب فيها كاذب على الله وهو أعظم الفرى
وأولى بعظيم العقوبة
46 -
( باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها )
أي هذا باب يذكر فيه إذا رأى أحد في منامه ما يكرهه فلا يخبر بها أحدا ولا يذكرها
وجمع في الترجمة بين لفظي الحديثين لكن في الترجمة فلا يخبر بها ولفظ الحديث فلا
يحدث وهم متقاربان
7044 - حدثنا ( سعيد بن الربيع ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد ربه بن سعيد ) قال سمعت
( أبا سلمة ) يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت
لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت النبي يقول الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما
يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر
الشيطان ولينقل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره
مطابقته للترجمة في قوله لا يحدث بها أحدا وقد ذكرنا الآن أن لفظي الإخبار
والتحديث متقاربان
وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي كان يبيع الثياب الهروية من أهل البصرة وعبد ربه
بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف
وحديث أبي سلمة عن أبي قتادة مر في باب من رأى النبي وفي باب الحلم من الشيطان
وأبو قتادة الأنصاري في اسمه أقوال فقيل الحارث وقيل النعمان وقيل عمر قوله
فتمرضني بضم التاء من الأمراض قوله كنت لأرى الرؤيا كذا باللام في رواية المستملي
وفي رواية غيره بدون اللام قال بعضهم بدون اللام أولى قلت ليت شعري ما وجه
الأولوية قوله فلا يحدث به إلا من يحب أي من يحبه لأنه إذا حدث بها من لا يحب فقد
يفسرها له بما لا يحب
(24/168)
إما بغضا وإما حسدا فقد يقع على تلك الصفة والمحب لا
يعبرها إلا بخير والعبارة لأول عابر وقال الرؤيا لأول عابر وكان أبو هريرة يقول لا
تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح قوله وليتفل أي ليبصق وذاك لطرد الشيطان
واستقذاره من تفل بالتاء المثناة من فوق وبالفاء يتفل بضم الفاء وكسرها قوله ثلاثا
أي ثلاث مرات قوله فإنها لن تضره قال الداودي يريد ما كان من الشيطان وأما ما كان
من الله من خير أو شر فهو واقع لا محالة
7045 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) حدثني ( ابن أبي حازم والدراوردي ) عن ( يزيد )
عن ( عبد الله بن خباب ) عن ( أبي سعيد الخدري ) أنه سمع رسول الله يقول إذا رأى
أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك
مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره
انظر الحديث 6985
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن حمزة أبو إسحاق الزبير الأسدي المدني يروي عن
عبد العزيز بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة بن دينار والدراوردي عبد
العزيز بن محمد وقد تقدم في باب الرؤيا من الله وكذلك الحديث مضى فيه
47 -
( باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب )
أي هذا باب فيه من لم ير إلى آخره وقال الكرماني المعتبر في أقوال العابرين قول
العابر الأول فيقبل إذا كان مصيبا في وجه العبارة أما إذا لم يصب فلا يقبل إذ ليس
المدار إلا على إصابة الصواب فمعنى الترجمة من لم يعتقد أن تفسير الرؤيا هو للعابر
الأول إذا كان مخطئا ولهذا قال للصديق اخطأت بعضا كأنه يشير إلى حديث أنس قال قال
رسول الله فذكر حديثا فيه والرؤيا لأول عابر وهو حديث ضعيف فيه يزيد الرقاشي ولكن
له شاهد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين
العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت لفظ أبي داود في
رواية الترمذي سقطت انتهى قلت هذا الذي قاله غير مناسب لمعنى الترجمة يفهمه من له
أدنى إدراك وذوق
6407 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن (
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلا
أتى رسول الله فقال إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأراى الناس
يتكففون منها فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به
فعلوت ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فقال أبو بكر يا
رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها فقال النبي اعبرها قال أما الظلة
فالإسلام وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن
والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به
فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه
رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت
(24/169)
أم أخطأت قال النبي أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال فوالله
يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت
قال لا تقسم 0انظر الحديث 7000
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث وأخرجه مسلم في التعبير عن حرملة وعن آخرين
وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن محمد بن يحيى وغيره وأخرجه النسائي في
الرؤيا عن محمد بن منصور وأخرجه ابن ماجه فيه عن يعقوب بن حميد قوله ظلة بضم الظاء
المعجمة أي سحابة لها ظلة وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي وقال
ابن فارس الظلة أول شيء يظل وفي رواية ابن ماجه ظلة بين السماء والأرض قوله تنطف
أي تقطر من نطف الماء إذا سال ويجوز الضم والكسر في الطاء قوله يتكففون أي يأخذون
بأكفهم وفي رواية ابن وهب بأيديهم وفي رواية الترمذي يستقون أي يأخذون بالأسقية
قوله فالمستكثر مرفوع على الابتداء وخبره محذوف أي فيهم المستكثر في الأخذ أي يأخذ
كثيرا قوله والمستقل أي ومنهم المستقل في الأخذ أي يأخذ قليلا قوله سبب أي حبل
قوله واصل من الوصول وقيل هو بمعنى الموصول كقوله فهو فى عيشة راضية أي مرضية قوله
فعلوت من العلو وفي رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله قوله ثم أخذ به كذا في رواية
الأكثرين ويروى ثم أخذه قوله وصل على بناء المجهول وفي رواية شيبان بن حصين ثم وصل
له قوله بأبي أنت وأمي أي مفدى بهما هكذا في رواية معمر وفي رواية غيره بأبي فقط
قوله لتدعني بفتح اللام للتأكيد أي لتتركني وفي رواية سليمان ائذن لي قوله فأعبرها
في رواية ابن وهب فلأعبرنها بزيادة لام التأكيد والنون ومثله في رواية الترمذي
قوله اعبر أمر من عبر يعبر قوله ثم يأخذ به رجل من بعدك أي ثم يأخذ بالحبل رجل وهو
أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ويقوم بالحق في أمته بعده قوله ثم يأخذ رجل آخر
فيعلو به وهو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به
وهو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قوله ثم يوصل له قال المهلب الخطأ فيه حيث
زاد له والوصل لغيره وكان ينبغي له أن يقف حيث وقفت الرؤيا ويقول ثم يوصل على نص
الرؤيا ولا يذكر الموصول له ومعنى كتمانه موضع الخطأ لئلا يحزن الناس بالعارض
لعثمان فهو الرابع الذي انقطع له ثم وصل أي الخلافة لغيره وقال القاضي عياض قيل
خطؤه في قوله ويوصل له وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل وليس فيها له ولذلك لم توصل
لعثمان وإنما وصلت الخلافة لعلي رضي الله تعالى عنه وقال بعضهم لفظة له ثابتة في
رواية ابن وهب وغيره كلهم عن يونس عند مسلم وغيره ثم لفق الكلام وقال المعنى أن
عثمان كاد أن ينقطع به الحبل عن اللحوق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا
التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم فعبر عنه بأن
الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم انتهى قلت هذا خلاف ما يقتضيه معنى قوله ثم يوصل له
فيعلو به قوله فأخبرني يا رسول الله بأبي يعني أنت مفدى بأبي قوله أصبت بعضا
وأخطأت بعضا أما الذي أصاب فهو تعبير أن تكون الظلة نعمة الإسلام إلى قوله ثم يوصل
له فيعلو به وأما الذي أخطأ فاختلفوا فيه فقال المهلب موضع الخطأ في قوله ثم يوصل
له وقد ذكرناه الآن وقال الإسماعيلي الخطأ هو أن الرجل لما قص على النبي رؤياه كان
النبي أحق بتعبيرها من غيره فلما طلب أبو بكر تعبيرها كان ذلك خطأ وهذا نقله
الإسماعيلي عن ابن قتيبة ووافقه على ذلك جماعة وتعقبه النووي تبعا لغيره فقال هذا
فاسد لأنه قد أذن له في ذلك فقال له اعبر قيل فيه نظر لأنه لم يأذن له ابتداء بل
بادر هو فسأل أن يأذن له في تعبيرها فأذن له فقال أخطأت في مبادرتك للسؤال بأن
تتولى تعبيرها لا أنه أخطأت في تعبيرك وقيل أخطأ في تفسيره لها بحضرة النبي ولو
كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه وقال الطحاوي الخطأ لكونه المذكور في الرؤيا
شيئين العسل والسمن ففسرهما بشيء واحد وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة وقيل
المراد بقوله أخطأت وأصبت أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظان يخطىء ويصيب وقال
الكرماني فإن قلت لم يبين رسول الله موضع الخطأ فلم تبينون أنتم قلت هذه احتمالات
لا جزم فيها أو لأنه كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم زال ذلك قوله لا تقسم
قال الداودي أي
(24/170)
لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك وقيل معناه أنك إذ تفكرت
فيما أخطأت به علمته وقال الكرماني فإن قلت قد أمر النبي بإبرار القسم قلت ذلك
مخصوص بما لم تكن فيه مفسدة وهاهنا لو أبره لزم مفاسد مثل بيان قتل عثمان ونحوه أو
مما يجوز الاطلاع عليه بأن لا يكون من أمر الغيب ونحوه أو بما لا يستلزم توبيخا
على أحد بين الناس بالإنكار مثلا على مبادرته أو على ترك تعيين الرجال الذين
يأخذون بالسبب وكان في بيانه أعيانهم مفاسد وفي التوضيح وكذا إذا أقسم على ما لا
يجوز أن يقسم عليه كشرب الخمر والمعاصي ففرض عليه ألا يبره
وفيه جواز فتوى المفضول بحضرة الفاضل إذا كان مشارا إليه بالعلم والإمامة وفيه أن
العالم قد يخطىء وقد يصيب
48 -
( باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح )
أي هذا باب في بيان تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح قيل فيه إشارة إلى ضعف ما رواه
عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمان عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على
امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير
إن المستحب أن يكون التعبير من بعد طلوع الشمس إلى الرابعة ومن العصر إلى قبل
الغروب فإن الحديث يدل على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس وقال المهلب ما ملخصه
إن تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب
عهده بها ولحضور ذهن العابر فيما يقوله
7047 - حدثنا ( مؤمل بن هشام أبو هشام ) حدثنا ( إسماعيل بن إبراهيم ) حدثنا ( عوف
) حدثنا ( أبو رجاء ) حدثنا ( سمرة بن جندب ) رضي الله عنه قال كان رسول الله مما
يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص
وإنه قال لنا ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي
انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا
هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا
يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى
قال قلت لهما سبحان الله ما هاذان قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا
على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه
فيشرشر شدقة إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال وربما قال أبو رجاء فيشق
قال ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك
الجانب حتى يصح ذالك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى
قال قلت سبحان الله ما هاذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل
التنور قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال
ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذالك اللهب ضوضؤوا قال قلت
لهما ما هاؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان
يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع
عنده حجارة كثيرة وإذا ذالك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذالك الذي قد جمع عنده
الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح
(24/171)
ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا
قال قلت لهما ما هاذان قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه
المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة وإذا عنده نار يحشها ويسعاى حولها قال قلت لهما
ما هاذا قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور
الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أراى رأسه طولا في السماء وإذا حول
الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هاذا ما هاؤلاء قال قالا لي انطلق
انطلق قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن قال
قالا لي ارقه فيها قال فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة
فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن
ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال
وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا
قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال قالا لي هذه جنة عدن هاذاك منزلك
قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هاذاك منزلك قال قلت
لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله قال قلت لهما
فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هاذا الذي رأيت قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما
الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام
عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى
قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما
الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل
الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكرية
المرأة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الولدان الذين
حوله فكل مولود مات على الفطرة قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد
المشركين فقال رسول الله وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا
وشطر منهم قبيحا فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ذات غداة لأن الغداة ما قبل طلوع الشمس قال الجوهري
الغدوة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس ولفظ ذات مقحم أو هو من إضافة المسمى إلى
اسمه
ومؤمل على وزن محمد ابن هشام أبو هاشم كذا لأبي ذر عن بعض مشايخه وقال الصواب أبو
هشام وكذا هو عند غير أبي ذر وهو ممن وافق كنيته اسم أبيه وهو ختن إسماعيل بن
إبراهيم المشهور بابن علية اسم أمه وهو الذي يروي عنه مؤمل المذكور وعوف هو
المشهور بالأعرابي
(24/172)
وأبو رجاء بفتح الراء والجيم المخففة اسمه عمران
العطاردي والرجال كلهم بصريون
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في الصلاة وفي الجنازة وفي البيوع وفي الجهاد وفي بدء
الخلق وفي صلاة الليل في الأدب عن موسى بن إسماعيل وفي الصلاة وفي أحاديث الأنبياء
وفي التفسير وهنا عن مؤمل ولم يخرجه تاما إلا هنا وفي أواخر كتاب الجنائز وأخرجه
مسلم في الرؤيا عن محمد بن بشار مختصرا وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به مختصرا
وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى وفي التفسير عن بندار بأكثره وقد مضى
الكلام في أكثره في كتاب الجنائز ولنذكر هنا شرح الألفاظ التي لم تذكر هناك
قوله حدثنا مؤمل بن هشام وفي رواية غير أبي ذر حدثني قوله كان رسول الله مما يكثر
أن يقول لأصحابه وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني كان رسول الله يعني مما يكثر وله
عن غيره بإسقاط يعني كذا وقع عند الباقين وفي رواية النسفي مما يقول لأصحابه وقال
الطيبي قوله مما يكثر خبر كان وما موصولة ويكثر صلته وأن يقول فاعل يكثر قوله هل
رأى أحد منكم هو المقول قوله فيقص بفتح الياء وضم القاف يقال قصصت الرؤيا على فلان
إذا أخبرته بها أقصها قصا والقص البيان قوله من شاء الله هكذا في رواية النسفي وفي
رواية غيره ما شاء الله وكلمة من للقاص وكلمة ما للمقصوص قوله الليلة بالنصب على
الظرفية قوله آتيان تثنية آت من الإتيان ويروى اثنان من التثنية وعند ابن أبي شيبة
اثنان أو آتيان بالشك وفي رواية جرير رأيت رجلين وفي رواية علي رأيت ملكين وسيأتي
في آخر الحديث أنهما جبريل وميكائيل عليهما السلام قوله ابتعثاني بسكون الباء
الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق وبعد العين المهملة ثاء مثلثة أي أرسلاني قال
الجوهري يقال بعثته وابتعثته أرسلته وفي رواية الكشميهني انبعثا بي بنون ساكنة
وياء موحدة قوله مضطجع وفي رواية جرير مستلق على قفاه قوله وإذا آخر أي وإذا رجل
آخر وكلمة إذ للمفاجأة قوله بصخرة وفي رواية جرير بفهر أو صخرة قوله يهوي بفتح
الياء وسكون الهاء وكسر الواو من هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل وضبطه ابن
التين بضم الياء من الإهواء يقال أهوى من بعد وهوى بفتح الواو من قرب قوله فيثلغ
بفتح الياء وسكون الثاء المثلثة وفتح اللام وبالغين المعجمة أي يشدخ والشدخ كسر
الشيء الأجوف وقال ابن الأثير الثلغ ضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى يتشدخ
قوله فيتدهده الحجر أي ينحط من علو إلى أسفل يقال تدهده يتدهده وفي رواية
الكشميهني فيتدأدأ بهمزتين بدل الهاءين وفي رواية النسفي فيتدهدأ بهمزة في آخره
بدل الهاء والكل بمعنى قوله هاهنا أي إلى جهة الضارب قوله حتى يصح رأسه وفي رواية
جرير حتى يلتئم وعند أحمد عاد رأسه كما كان وفي حديث علي رضي الله عنه فيقع دماغه
جانبا وتقع الصخرة جانبا قوله ثم يعود عليه وفي رواية جرير يعود إليه قوله انطلق
انطلق كذا في المواضع كلها بالتكرير وسقط في بعض الروايات التكرار وأما في رواية
جرير فليس فيها سبحان الله فيها انطلق مرة واحدة قوله بكلوب بفتح الكاف وضم اللام
المشددة وجاء الضم في الكاف ويقال الكلاب والجمع كلاليب وهو المنشال من حديد ينشل
بها اللحم من القدر وقال الداودي هو كالسكين ونحوها قوله فيشرشر شدقه إلى قفاه أي
يقطعه والشدق جانب الفم وقال صاحب العين شرشره قطع شرشره وشق أيضا قوله أبو رجاء
هو راوي الحديث أراد أن أبا رجاء قال يشق شدقه قوله مثل التنور وفي رواية محمد بن
جعفر مثل بناء التنور وزاد جرير أعلاه ضيق وأسفله واسع قوله لغط أي جلبة وصيحة لا
يفهم معناها قوله لهب هو لسان النار وقال الداودي هو شدة الوقيد والاشتعال قوله
حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وفي رواية جرير بن حازم على نهر من دم ولم يقل حسبت
قوله يسبح أي يعوم قوله ضوضؤوا أي ضجوا وصاحوا قال الكرماني ضوضؤوا بفتح المعجمتين
وسكون الواوين بلفظ الماضي وقال الجوهري هو غير مهموز أصله ضوضوا استثقلت الضمة
على الواو فحذفت فاجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى لاجتماع الساكنين وقال ابن
الأثير ضوضوا وضبط بالهمزة أي ضجوا واستغلوا والضوضأة أصوات
(24/173)
الناس وغلبتهم وهو مصدر قوله يفغر له فاه أي يفتحه يقال فغر فاه وفغر فوه يتعدى ولا يتعدى ومادته فاء وغين معجمة وراء قوله فيلقمه بضم الياء من الإلقام قوله كلما رجع إليه وفي رواية المستملي كما رجع إليه فغر له فاه أي فتح قوله كريه المرآة بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث أي كريه المنظر وأصلها المراية تحركت الياء وانفتح ماقبلها فقلبت ألفا ووزنها مفعلة بفتح الميم والمرآة بكسر الميم الآلة التي ينظر فيها قوله يحشها بفتح الياء وضم الحاء المهملة وتشديد الشين المعجمة أي يحركها لتتقد يقال حشيت النار أحشها حشا إذا أوقدتها وجمعت الحطب إليها وحكى في المطالع بضم أوله من الإحشاش وفي رواية جرير بن حازم يحششها بسكون الحاء وضم الشين المعجمة المكررة ويسعى حولها أي حول النار قوله معتمة بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث ويروى بفتح التاء وتشديد الميم من أعتم النبت إذا كثر وقال الداودي أعتمت الروضة غطاها الخصب وأورد ابن بطال مغنة فقط بالغين المعجمة والنون ثم قال ابن دريد وأدغن ومغن إذا كثر شجره ولا يعرف الأصمعي الأغن وحده وقال صاحب العين روضة غناء كثيرة العشب والذباب وقرية غناء كثيرة الأهل قوله من كل نور الربيع بفتح النون وهو نور الشجر أي زهره ونورت الشجرة أخرجت نورها وقوله نور الربيع رواية الكشميهني وفي رواية غيره من كل لون الربيع بالواو والنون قوله بين ظهري الروضة تثنية ظهر وفي رواية يحيى بن سعيد بين ظهراني الروضة معناهما وسطها قوله طولا نصب على التمييز قوله وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال الطيبي شيخ شيخي أصل هذا الكلام وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم ونظيره قوله بعد ذلك لم أر روضة قط أعظم منها ولما كان هذا التركيب متضمنا معنى النفي جازت زيادة من وقط التي تختص بالماضي المنفي وقال ابن مالك جاء استعمال قط في المثبت في هذه الرواية وهو جائز وغفل أكثرهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفي وقال الكرماني يحتمل أنه اكتفي بالمنفي الذي لزم من التركيب إذ معناه ما رأيته أكثر من ذلك أو يقال إن النفي مقدر قوله إلى روضة وفي رواية أحمد والنسائي وأبي عوانة والإسماعيلي إلى درجة وهي الشجرة الكبيرة قوله ارقه أمر من رقى يرقى والهاء فيه للسكت قوله إلى مدينة من مدن بالمكان إذا أقام به على وزن فعيلة ويجمع على مدائن بالهمزة وقيل هي مفعلة من دنت أي ملكت فعلى هذا لا يهمز جمعها فإذا نسبت إلى مدينة الرسول قلت مدني وإلى مدينة منصور قلت مديني وإلى مدينة كسرى قلت مدايني قوله بلبن ذهب بفتح اللام وكسر الباء جمع لبنة وهي من الطين النيء قوله شطر أي نصف من خلقهم بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف أي هيئتهم قوله شطر مبتدأ وقوله كأحسن خبره والكاف زائدة والجملة صفة رجال قوله فقعوا بفتح القاف وضم العين أمر للجماعة بالوقوع أصله أوقعوا لأنه من وقع يقع حذفت الواو تبعا لحذفها في المضارع واستغني عن الهمزة فبقي قعوا على وزن علوا فافهم قوله معترض أي يجري عرضا قوله المحض بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة هو اللبن الخالص من الماء حلوا كان أو حامضا وقد بين جهة التشبيه بقوله في البياض هكذا رواية النسفي والإسماعيلي في البياض وفي رواية غيرهما من البياض قوله فذهب ذلك السوء عنهم أي صار الشطر القبيح كالشطر الحسن فلذلك قال فصاروا في أحسن صورة قوله جنة عدن أي إقامة وأشار بقوله هذه إلى المدينة قوله فسما بصري بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أي نظر إلى فوق قوله صعدا بضم المهملتين أي ارتفع كثيرا قال الكرماني صعدا بمعنى صاعدا وقيل صعدا بضم الصاد وفتح العين المهملتين وبالمد ومنه تنفس الصعداء أي تنفس تنفسا ممدودا وكذا ضبطه ابن التين قوله فإذا قصر كلمة إذ للمفاجاة قوله مثل الربابة بفتح الراء وتخفيف الباءين الموحدتين وهي السحابة البيضاء وقال الخطابي السحابة التي ركب بعضها بعضا وقال صاحب العين الرباب السحاب واحدها ربابة ويقال إنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب قد يكون أبيض وقد يكون أسود وقال الداودي الربابة السحابة البعيدة في السماء قوله ذراني أي دعاني واتركاني وهو بفتح الذال المعجمة
(24/174)
وتخفيف الراء أمر للاثنين من يذر أصله يوذر حذفت
الواو لوقوعها بين الياء والكسرة والأمر منه ذر وأصله أوذر حدفت الواو منه تبعا
لحذفها في المضارع واستغني عن الهمزة فقيل ذر على وزن فل وأميت ماضي هذا الفعل فلا
يقال وذر قوله فأدخله جواب الأمر ويجوز في اللام النصب والرفع والجزم أما النصب
فعلى تقدير أن أدخله وأما الرافع فعلى تقدير أنا أدخله وأما الجزم فلأنه جواب
الأمر وفي غالب النسخ أدخله بدون الفاء قوله وأنت داخله يعني في المستقبل وفي
رواية جرير بن حازم قلت دعاني أدخل منزلي قالا إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو
استكملت أتيت منزلك قوله أما إنا سنخبرك كلمة أما بفتح الهمزة وتخفيف الميم و إنا
بكسر الهمزة وتشديد النون قوله فيرفضه بكسر الفاء وقيل بضمها أي يتركه ولما رفض
أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه قوله يغدو أي يخرج من بيته مبكرا
فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وفي رواية جرير بن حازم مكذوب يحدث بالكذبة تحمل عنه حتى
تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة قوله العراة جمع عار قوله والزناة جمع زان
ومناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا بالخلوة فعوقبوا
بالهتك والحكمة في العذاب لهم من تحتهم كون جنايتهم ومن أعضائهم السفلى قوله الذي
عنده النار هكذا في رواية الكشميهني عنده وفي رواية غيره الذي عند النار قوله وأما
الرجل وفي رواية جرير ابن حازم والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام وإنما
اختص إبراهيم عليه السلام بذلك لأنه أبو المسلمين قال تعالى وجاهدوا فى الله حق
جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم
المسلمين من قبل وفى هاذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهدآء على الناس
فأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير
قوله مولود مات على الفطرة وفي رواية النضر بن شميل ولد على الفطرة وهو أشبه بقوله
في الرواية الأخرى وأولاد المشركين وقد مضى الكلام في هذا الفصل في كتاب الجنائز
قوله الذين كانوا شطر منهم حسنا يرفع شطر ونصب حسنا كذا في رواية غير أبي ذر ووجهه
أن كان تامة والجملة حال وإن كان بدون الواو كقوله تعالى فأزلهما الشيطان عنها
فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى
حين وفي رواية أبي ذر الذين كانوا شطرا منهم حسن ووجهه ظاهر وفي رواية النسفي
والإسماعيلي بالرفع في الجميع وعليه اقتصر الحميدي في جمعه وزاد جرير بن حازم في
روايته والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين وهذه الدار دار الشهداء وأنا
جبريل وهذا ميكائيل
بسم الله الرحمان الرحين
92 -
( كتاب الفتن )
أي هذا كتاب في بيان الفتن بكسر الفاء جمع فتنة وهي المحنة والفضيحة والعذاب ويقال
أصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه ثم أطلقت
على كل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة والفجور وغير ذلك وفي بعض النسخ
البسملة ذكرت بعد قوله كتاب الفتن وهي رواية كريمة والأصيلي
1 -
( باب ما جاء في قول الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة
واعلموا أن الله شديد العقاب )
أي هذا باب في ذكر ما جاء إلى آخره ذكر أحمد في تفسيره وهو ما عزاه إليه ابن
الجوزي في حدائقه حدثنا أسود حدثنا جرير سمعت الحسن قال قال الزبير بن العوام رضي
الله تعالى عنه نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله فجعلنا نقول ما هذه
الفتنة وما نشعر أنها تقع حيث وقعت وعنه أنه قال يوم الجمل لما لقي ما لقي ما
توهمت أن هذه الآية نزلت فينا أصحاب محمد اليوم وقال الضحاك هي في أصحاب محمد خاصة
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أمر الله المؤمنين أن لا يقروا منكرا بين
ظهورهم وأنذرهم بالعذاب وقيل إنه تعم الظالم وغيره وقال المبرد إنها نهي بعد نهي
لأمر الفتنة والمعنى في النهي للظالمين أن لا يقربوا الظلم وروى الطبري من طريق
الحسن البصري قال قال الزبير لقد خوفنا بهذه الآية ونحن مع رسول الله وما ظننا أن
خصصنا بها وأخرجه
(24/175)
النسائي من هذا الوجه وأخرجه الطبري من طريق السدي قال
نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل
وما كان النبي يحذر من الفتن
عطف على ما قبله أي وفي بيان ما كان النبي يحذر أصحابه من الفتن ويحذر من التحذير
وأشار بهذا إلى ما تضمنته أحاديث الباب من الوعيد على التبديل والإحداث
7048 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( بشر بن السري ) حدثنا ( نافع بن عمر )
عن ( ابن أبي مليكة ) قال قالت ( أسماء ) عن النبي قال أنا على حوضي أنتظر من يرد
علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا على القهقرى
قال ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن
انظر الحديث 6593
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن
السري بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف البصري سكن مكة وكان
يلقب بالأفوه ثقة كان صاحب مواعظ وليس له في البخاري سوى هذا الموضع ونافع بن عمر
بن عبد الله القرشي من أهل مكة وقال أبو داود مات سنة تسع وستين ومائة وابن أبي
مليكة اسمه عبد الله واسم أبي مليكة زهير وكان عبد الله قاضي مكة أيام عبد الله بن
الزبير وأسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما
والحديث مضى في ذكر الحوض عن سعيد بن أبي مريم ومضى الكلام فيه
قوله أنا على حوضي يعني يوم القيامة قوله انتظر من يرد علي بتشديد الياء أي من
يحضرني ليشرب قوله من دوني أي من عندي قوله فيقول أي فيقول الله عز و جل ويروى
فيقال قوله لا تدري خطاب للنبي قوله مشوا على القهقرى والقهقرى مقصور وهو الرجوع
إلى خلف فإذا قلت رجعت القهقرى كأنك قلت رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم لأن
القهقرى ضرب من الرجوع وقال الأزهري معنى الحديث الارتداد عما كانوا عليه قوله أو
نفتن على صيغة المجهول
7049 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( مغيرة ) عن ( أبي وائل
) قال قال ( عبد الله ) قال النبي أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم حتى
إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك
انظر الحديث 6575 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري ومغير بضم
الميم وكسرها ابن المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد
الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في ذكر الحوض عن عمرو بن علي
قوله فرطكم بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي أنا أتقدمكم والفرط من يتقدم
الواردين فيهيىء لهم الإرشاء والدلاء وعدد الحياض ويسقي لهم وهو على وزن فعل بمعنى
فاعل كبيع بمعنى بائع قوله ليرفعن على صيغة المجهول المؤكد بالنون الثقيلة قوله
إذا أهويت أي ملت وامتددت قوله اختلجوا على صيغة المجهول أي سلبوا من عندي يقال
خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه قوله ما أحدثوا أي من الأمور التي لا يرى الله بها
وجميع أهل البدع والظلم والجور داخلون في معنى هذا الحديث
7049 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( مغيرة ) عن ( أبي وائل
) قال قال ( عبد الله ) قال النبي أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم حتى
إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك
انظر الحديث 6575 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري ومغير بضم
الميم وكسرها ابن المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد
الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في ذكر الحوض عن عمرو بن علي
قوله فرطكم بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي أنا أتقدمكم والفرط من يتقدم
الواردين فيهيىء لهم الإرشاء والدلاء وعدد الحياض ويسقي لهم وهو على وزن فعل بمعنى
فاعل كبيع بمعنى بائع قوله ليرفعن على صيغة المجهول المؤكد بالنون الثقيلة قوله
إذا أهويت أي ملت وامتددت قوله اختلجوا على صيغة المجهول أي سلبوا من عندي يقال
خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه قوله ما أحدثوا أي من الأمور التي لا يرى الله بها
وجميع أهل البدع والظلم والجور داخلون في معنى هذا الحديث
7050 - حدثنا يحياى بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم قال سمعت سهل
بن سعد يقول سمعت النبي يقول أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب
(24/176)
منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ليرد علي أقوام
أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش
وأنا أحدثهم هاذا فقال هاكذا سمعت سهلا فقلت نعم قال وأنا أشهد على أبي سعيد
الخدري لسمعته يزيد فيه قال إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما بدلوا بعدك فأقول سحقا
سحقا لمن بدل بعدي
انظر الحديث 6584
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن بكير ) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي
المصري ويعقوب بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله القاري من قارة حي من العرب
أصله مدني سكن الإسكندرية وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار والنعمان
بن أبي عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة واسم أبي عياش زيد بن الصامت
الزرقي الأنصاري المدني وسهل بن سعد الأنصاري الساعدي
والحديث أخرجه مسلم في فضل النبي عن قتيبة
قوله من ورده شرب وفي رواية الكشميهني من ورده يشرب قوله لم يظمأ قيل هو كناية عن
أنه يدخل الجنة لأنه صفة من يدخلها وقال الكرماني فإن قلت قال أولا من ورده شرب
وآخرا ليردن علي أقوام ثم يحال قلت الورود في الأول إنما هو على الحوض وفي الثاني
عليه قلت فيه نظر لا يخفى قوله ما بدلوا وفي رواية الكشميهني ما أحدثوا واعلم أن
حال هؤلاء المذكورين إن كانوا من ارتدوا عن الإسلام فلا إشكال في تبري النبي منهم
وإبعادهم وإن كانوا ممن لم يرتدوا ولكن أحدثوا معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة
من أعمال القلب فقد أجابوا بأنه يحتمل أنه أعرض عنهم ولم يسمع لهم اتباعا لأمر
الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم ثم لا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لأهل الكبائر
من أمته فيخرجون عند إخراج الموحدين من النار قوله سحقا أي بعدا وكرر لفظ سحقا من
سحق الشيء بالضم فهو سحيق أي بعيد وأسحقه الله أي أبعده
2 -
( باب قول النبي سترون بعدي أمورا تنكرونها )
أي هذا باب في ذكر قول النبي إلى آخره وهذه الترجمة بعض متن الحديث الذي يأتي في
أحاديث الباب
وقال عبد الله بن زيد قال النبي اصبروا حتى تلقوني على الحوض
عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري العاصمي وحديثه هذا طرف من حديث وصله البخاري في
غزوة حنين من كتاب المغازي
7052 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا الأعمش حدثنا زيد بن وهب
سمعت عبد الله قال قال لنا رسول الله إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا
فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا حقكم
انظر الحديث 3603
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى بن سعيد القطان ) والأعمش سليمان و ( زيد بن وهب )
أبو سليمان الهمداني الجهني الكوفي من قضاعة خرج إلى النبي فقبض النبي وهو في
الطريق و ( عبد الله ) هو ابن مسعود
والحديث مضى في علامات النبوة عن محمد بن كثير ومضى الكلام فيه
قوله أثرة بفتح الهمزة والثاء المثلثة الاستئثار في الحظوظ الدنيوية والاختيار
لنفسه والاختصاص بها قوله وأمورا تنكرونها يعني من أمور الدين وسقطت الواو في
وأمورا في بضع الروايات فعلى هذا يكون أمورا تنكرونها بدلا من أثرة قوله أدوا
إليهم حقهم أي أدوا الأمراء حقهم أي الذي لهم المطالبة به ووقع في رواية الثوري
تؤدون الحقوق التي عليكم أي بذل المال الواجب في الزكاة والنفس الواجب في الخروج
إلى الجهاد عند التعيين ونحوه قوله وسلوا الله حقكم قال الداودي سلوا الله أن يأخذ
لكم حقكم ويقيض
(24/177)
لكم من يؤديه إليكم وقال زيد يسالون الله سرا لأنهم
إذ سالوه جهرا كان سبا للولاة ويؤدي إلى الفتنة
7053 - حدثنا ( مسدد ) عن ( عبد الوارث ) عن ( الجعد ) عن ( أبي رجاء ) عن ( ابن
عباس ) عن النبي قال من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات
ميتة جاهلية
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث
وعبد الوارث هو ابن سعيد والجعد بفتح الجيم وسكون العين المهملة هو أبو عثمان
الصيرفي وأبو رجاء بالجيم عمران العطاردي
والحديث أخرجه البخاري في الأحكام أيضا عن سليمان بن حرب وأخرجه مسلم في المغازي
عن حسن بن الربيع وغيره
قوله من خرج من السلطان أي من طاعته قوله فليصبر يعني فليصبر على ذلك المكروه ولا
يخرج عن طاعته لأن في ذلك حقن الدماء وتسكين الفتنة إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف
دعوة الإسلام فلا طاعة لمخلوق عليه وفيه دليل على أن السلطان لا ينعزل بالفسق
والظلم ولا تجوز منازعته في السلطنة بذلك قوله شبرا أي قدر شبر وهو كناية عن خروجه
ولو كان بأدنى شيء قال بعضهم شبرا كناية عن معصية السلطان ومحاربته وقال صاحب
التوضيح شبرا يعني في الفتنة التي يكون فيها بعض المكروه قلت في كل من التفسيرين
بعد والأوجه ما ذكرناه قوله مات ميتة بكسر الميم كالجلسة لأن باب فعلة بالكسر
للحالة وبالفتح للمرة قوله جاهلية أي كموت أهل الجاهلية حيث لم يعرفوا إماما مطاعا
وليس المراد أنه يموت كافرا بل أنه يموت عاصيا
7054 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( الجعد أبي عثمان ) حدثني
( أبو رجاء العطاردي ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله عنهما عن النبي قال من رأى
من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة
جاهلية
انظر الحديث 7053 وطرفه
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور أخرجه عن أبي النعمان محمد بن الفضل بن
النعمان السدوسي البصري إلى آخره
قوله فإنه فإن الشان من فارق الجماعة إلى آخره قيل المراد بالمفارقة السعي في حل
عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ
في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق قوله فمات إلا مات ميتة جاهلية وقال الكرماني
ما ملخصه إن إلا زائدة قال الأصمعي إلا تقع زائدة أو تكون حرف عطف وما بعدها يكون
معطوفا على ما قبلها
7055 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثني ( ابن وهب ) عن ( عمرو ) عن ( بكير ) عن ( بسر بن
سعيد ) عن ( جنادة بن أبي أمية ) قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا
أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي قال دعانا النبي فبايعنا فقال
فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا
وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه
برهان
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وإسماعيل هو ابن أبي أويس وابن وهب هو عبد
الله بن وهب المصري وعمرو هو ابن الحارث وبكير مصغر بكر هو ابن عبد الله بن الأشج
وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة
وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون ابن أبي أمية الدوسي وقيل السدوسي وهو الصواب واسم
أبي أمية كثير مات جنادة سنة سبع وستين
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أحمد بن عبد الرحمان
قوله وهو
(24/178)
مريض الواو فيه للحال قوله فقلنا أصلحك الله يحتمل
أنه أراد الدعاء بالصلاح في جسمه ليعافى من مرضه أو أعم من ذلك وهي كلمة اعتادوها
عند افتتاح الطلب قوله فبايعنا بفتح العين أي فبايعنا رسول الله صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم ولفظ بايع ماض وفاعله الضمير الذي فيه ونا مفعوله ويروى فبايعنا
بإسكان العين أي فبايعنا نحن رسول الله
قوله فقال فيما أخذ علينا أي فيما اشترط علينا قوله أن بايعنا بفتح العين وكلمة أن
بفتح الهمزة مفسرة قوله على السمع والطاعة أي لله ولرسوله قوله في منشطنا بفتح
الميم وسكون النون وفتح الشين المعجمة أي في حالة نشاطنا وقال ابن الأثير المنشط
مفعل من النشاط وهو الأمر الذي ينشط له ويخف إليه ويؤثر فعله وهو مصدر بمعنى
النشاط قوله ومكرهنا أي ومكروهنا وقال الداودي أي في الأشياء التي تكرهونها قلت
المكره أيضا مصدر وهو ما يكره الإنسان ويشق عليه قوله وعسرنا ويسرنا أي في حالة
العسر وحالة اليسر قوله وأثرة علينا بفتح الهمزة والثاء المثلثة أي على استئثار
الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها بأنفسهم وحاصل الكلام أن طواعيتهم لمن يتولى
عليهم لا يتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم قوله وأن لا
ننازع الأمر أهله عطف على قوله أن بايعنا والمراد بالأمر الملك والإمارة وزاد أحمد
من طريق عمير بن هانىء عن جنادة وإن رأيت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الرأي
بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة قوله إلا أن تروا كفرا أي
بايعنا قائلا إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام إذ عند ذلك
تجوز المنازعة بالإنكار عليهم وقال النووي المراد بالكفر هنا المعاصي وقال
الكرماني الظاهر أن الكفر على ظاهره والمراد من النزاع القتال قوله بواحا بفتح
الباء الموحدة وتخفيف الواو وبالحاء المهملة أي ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء
يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال إنما يجوز
بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم الباء والهمزة الممدودة وقال النووي هو في معظم النسخ
من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء وقال الخطابي من رواه بالراء فهو قريب من هذا
المعنى وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان
يقال برح الخفاء إذا ظهر ووقع في رواية حبان أبي النضر إلا أن يكون معصية لله بوحا
ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا بضم
الصاد المهملة ثم بالراء قوله برهان أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل وقال
الداودي الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم
وجب وإلا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فإن أحدث جورا
بعد أن كان عدلا اختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب
الخروج عليه
7057 - حدثنا ( محمد بن عرعرة ) حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك )
عن ( أسيد بن حضير ) أن رجلا أتى النبي فقال يا رسول الله استعملت فلانا ولم
تستعملني قال إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني
انظر الحديث 3792
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه
ومحمد بن عرعرة القرشي البصري وأسيد مصغر أسد وحضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد
المعجمة ابن سماك بن عتيك أبي عبيد الأنصاري الأشهلي
والحديث مضى في فضائل الأنصار عن بندار ومضى الكلام فيه
قوله استعملت فلانا أي قلدته عملا قوله إنكم سترون إلى آخره قال الداودي هو كلام
ينفي بعضه وهو كلام ليس من الأول إلا أنه أخبر عن هذا الرجل ممن يرى الأثرة
وأوصاهم بالصبر وقال صاحب التوضيح إنه كلام وإنه جواب لما ذكر انتهى قلت هذا ليس
بشيء وكيف هو جواب يطابق كلام الرجل بل الذي يقال إن غرضه أن استعمال فلان ليس
لمصلحته خاصة بل لك ولجميع المسلمين نعم نصير بعدي الاستعمالات خاصة فيصدق
(24/179)
أنه لفلان وليس لي فظهرت المطابقة هذا كلام الكرماني
وتحرير الكلام أن جوابه للرجل عن طلب الولاية بقوله قوله سترون بعدي أثرة إرادة
نفي ظنه أنه أثر الذي ولاه عليه فبين له أن ذلك لا يقع في زمانه وأنه لم يخص الرجل
بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين وأن الاستئثار للحظ الدنيوي إنما يقع بعده
وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر
3 -
( باب قول النبي هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء )
أي هذا باب يذكر فيه قول النبي إلى آخره وفي بعض النسخ من قريش وهو في رواية أبي
ذر ولم يقع لغيره وروى أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة بلفظ
إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش قوله أغيلمة تصغير غلمة جمع غلام وواحد
الجمع المصغر غليم بالتشديد يقال للصبي من حين يولد إلى أن يحتلم غلام وجمعه غلمان
وغلمة وأغيلمة وقد يطلق لفظ غلام على الرجال المستحكم القوة تشبيها له بالغلام في
قوته وقال ابن الأثير المراد بالأغيلمة هنا الصبيان ولذلك صغرهم
7058 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد )
قال أخبرني جدي قال كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي بالمدينة ومعنا مروان
قال أبو هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش فقال
مروان لعنة الله عليهم غلمة فقال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان
لفعلت فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشأم فإذا رآهم غلمانا أحداثا
قال لنا عسى هاؤلاء أن يكونوا منهم قلنا أنت أعلم
انظر الحديث 3604 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله هلكة أمتي على يدي غلمة ولكن ليس في الحديث لفظ
سفهاء قال الكرماني لعله بوب ليستذكره فلم يتفق له أو أشار إلى أنه ثبت في الجملة
لكنه ليس بشرطه قلت قد ذكرنا الآن لفظ سفهاء عند أحمد والنسائي
والحديث مضى في علامات النبوة عن أحمد بن محمد المكي أخرجه مسلم
قوله أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية وعمر بن سعيد هو
المعروف بالأشدق قتله عبد الملك بن مروان لما خرج عليه بدمشق بعد السبعين قوله كنت
جالسا مع أبي هريرة كان ذلك زمن معاوية قوله ومعنا مروان هو ابن الحكم بن العاص بن
أمية الذي ولي الخلافة وكان يلي لمعاوية إمرة المدينة تارة وسعيد بن العاص والد
عمر ويليها لمعاوية تارة قوله الصادق المصدوق أي الصادق في نفسه والمصدوق من عند
الله أو بمعنى المصدق من عند الناس قوله هلكة أمتي الهلكة بفتحتين بمعنى الهلاك
وفي رواية إكمال هلاك أمتي قال بعضهم هو المطابق للترجمة قلت إذا كان الهلكة بمعنى
الهلاك يحصل المطابقة والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة
إلى يوم القيامة قوله على يدي غلمة كذا في رواية الأكثرين بالتثنية وفي رواية
السرخسي والكشميهني على أيدي بالجمع قوله لعنة الله عليهم غلمة بنصب غلمة على
الاختصاص وفي رواية عبد الصمد لعنة الله عليهم من أغيلمة والعجب من لعن مروان
الغلمة المذكورين مع أن الظاهر أنهم من ولده فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه
ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم يتعظون وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان
وما ولد أخرجها الطبراني وغيره قوله فكنت أخرج مع جدي قائل ذلك عمرو بن يحيى قوله
حين ملكوا بالشام إنما خص الشام مع أنهم لما ولوا الخلافة ملكوا غير الشام أيضا
لأنها كانت مساكنهم من عهد معاوية قوله أحداثا جمع حديث أي شبانا وأولهم يزيد عليه
ما يستحق وكان غالبا ينزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها
(24/180)
الأصاغر من أقاربه قوله قال لنا القائل هو جد عمرو بن
يحيى قوله قلنا أنت أعلم القائل ذلك له أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك
4 -
( باب قول النبي ويل للعرب من شر قد اقترب )
أي هذا باب في ذكر قول النبي ويل الخ وإنما خص العرب بالذكر لأنهم أول من دخل في
الإسلام والإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك إليهم أسرع
7059 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( ابن عيينة ) أنه سمع ( الزهري ) عن (
عروة ) عن ( زينب بنت ) أم ( سلمة ) عن أم ( حبيبة ) عن ( زينب ابنة جحش ) رضي
الله ( عنهن ) أنها قالت استيقظ النبي من النوم محمرا وجهه يقول لا إلاه إلا الله
ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هاذه وعقد سفيان
تسعين أو مائة قيل أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن الترجمة قطعة منه
وابن عيينة سفيان وفيه ثلاث من الصحابيات زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي وأمها أم
سلمة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأم حبيبة زوج النبي اسمها رملة بنت
أبي سفيان وزينب بنت جحش أم المؤمنين تزوجها النبي سنة ثلاث وقال الكرماني قالوا
هذا الإسناد منقطع وصوابه كما في صحيح مسلم زينب عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب
بزيادة حبيبة وهذا من الغرائب اجتمع فيه أربع صحابيات زوجتان لرسول الله وربيبتان
لرسول الله ثم قال الكرماني يحتمل أن زينب سمعت من حبيبة ومن أمها وكلاهما صواب
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء عليهم السلام وفي علامات النبوة عن أبي اليمان
وأخرجه بقية الجماعة ما خلا أبا داود وقد مضى الكلام فيه مستقصى
قوله ويل للعرب لفظ ويل مثل ويح إلا أن ويلا يقال لمن وقع في هلكة يستحقها وويحا
يقال لمن لا يستحقها وأراد بالعرب أهل دين الإسلام وإنما خص بذكرهم لأن معظم شرهم
راجع إليهم قوله قد اقترب أي قرب قوله فتح على صيغة المجهول اليوم نصب على الظرفية
قوله من ردم يأجوج ومأجوج الردم السد الذي بيننا وبينهم وقال الكرماني يقال إن
يأجوج هم الترك وجرى ما جرى ببغداد منهم قلت هذا القول غير صحيح لأن الترك ما لهم
ردم والردم بيننا وبين يأجوج ومأجوج وهما من بني آدم من أولاد يافث بن نوح عليه
السلام والذي جرى ببغداد كان من هلاكو من أولاد جنكيز خان فإنه هو الذي قتل
الخليفة المستعصم بالله العباسي وأخرب بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة قوله وعقد
سفيان تسعين ومائة كذا هنا وفي رواية حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها وفي لفظ عقد
سفيان بيده عشرة وفي حديث أبي هريرة وعقد وهيب بيده تسعين وقيل المراد التقريب
بالتمثيل لا حقيقة التحديد وقال الداودي في رواية سفيان يعني جعل طرف السبابة في
وسط الإبهام وليس كما ذكره وقد علم من مقالة أهل العلم بالحساب أن صفة عقد التسعين
أن يثني السبابة حتى يعود طرفها عند أصلها من الكف ويعلق عليه الإبهام قوله وفينا
الصالحون الواو فيه للحال قوله إذا كثر الخبث بفتح الخاء والباء الموحدة فسروه
بالفسوق كلها أو بالزنى خاصة
7060 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) وحدثني
( محمود ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن (
أسامة بن زيد ) رضي الله عنهما قال أشرف
(24/181)
النبي على أطم من آطام المدينة فقال هل ترون ما أرى
قالوا لا قال فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه
وأخرجه من طريقين الأول عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان بن عيينة عن محمد بن
مسلم الزهري عن عروة عن أسامة والثاني عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق إلى آخره
والحديث أخرجه البخاري في الحج عن علي وفي المظالم عن عبد الله بن محمد وفي علامات
النبوة عن أبي نعيم وأخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره
قوله أشرف من الإشراف وهو الاطلاع من علو وفي رواية عند الإسماعيلي أو في قوله على
أطم بضمتين وهو الحصن والقصر قوله خلال بيوتكم أي أوساطها وقيل الخلال النواحي
قوله كوقع المطر هكذا في رواية المستملي والكشميهني وفي رواية غيرهما كوقع القطر
وهو المطر أيضا والتشبيه في الكثرة والعموم لا خصوصية لها بطائفة وفيه إشارة إلى
الحروب الجارية بينهم كقتل عثمان رضي الله عنه ويوم الحرة بفتح الحاء المهملة
وتشديد الراء وفيه معجزة ظاهرة للنبي
5 -
( باب ظهور الفتن )
أي هذا باب في بيان ظهور الفتن وهو جمع فتنة
7061 - حدثنا ( عياش بن الوليد ) أخبرنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( سعيد ) عن ( أبي هريرة ) عن النبي قال يتقارب الزمان وينقص العمل
ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج قالوا يا رسول الله أيم هو قال القتل القتل
مطابقته للترجمة في قوله وتظهر الفتن
وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد
الرقام البصري وعبد الأعلى بن الأعلى السامي بالسين المهملة البصري ومعمر بن راشد
والزهري محمد بن مسلم وسعيد بن المسيب
والحديث أخرجه مسلم في القدر وابن ماجه في الفتن كلاهما عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله يتقارب الزمان كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي الزمن وهي لغة وكذا
في رواية مسلم وقال الخطابي يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر وهو كالجمعة وهي
كاليوم وهو كالساعة وهو من استلذاذ العيش كأنه والله أعلم يريد خروج المهدي وبسط
العدل في الأرض وكذلك أيام السرور قصار وقال الكرماني هذا لا يناسب أخواته من ظهور
الفتن وكثرة الهرج وقيل تقارب الزمان اعتدال الليل والنهار وقيل إذا دنا قيام
الساعة وقيل الساعات الأيام والليالي تقصر وقال الطحاوي قد يكون معناه تقلب أحوال
أهله في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم
لتفاوت درجاته قال تعالى فبدأ بأوعيتهم قبل وعآء أخيه ثم استخرجها من وعآء أخيه
كذالك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشآء الله نرفع درجات من
نشآء وفوق كل ذى علم عليم وإنما يتساوون إذا كانوا جهالا وقال البيضاوي يحتمل أن
يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول في الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب
زمانهم وتتدانى أيامهم وقال ابن بطال معناه والله أعلم تفاوت أحواله في أهله في
قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور
أهله وقد جاء في الحديث لا يزال الناس بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف الله
يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم ويؤخذ بقولهم وآثارهم قوله
وينقص العمل قيل نقص العمل الحسي ينشأ عن نقص الدين ضرورة وأما المعنوي فسببه ما
يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة المساعد على العمل والنفس ميالة إلى الراحة
قوله ويلقى الشح أي البخل والحرص ويلقى بضم الياء من الإلقاء والمراد إلقاؤه في
قلوب الناس على اختلاف أحوالهم وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودا وقال
الحميدي المحفوظ في الروايات يلقى بضم أوله ويحتمل أن يكون بفتح اللام وتشديد
القاف أي يتلقى ويتعلم ويتواصى به ويقال يحتمل أن يكون إلقاء الشح عاما في الأشخاص
والمحذور من ذلك ما يترتب
(24/182)
عليه مفسدة والشحيح شرعا هو من منع ما وجب عليه وهو
مثلث الشين قال الكرماني وذلك ثابت في جميع الأزمنة ثم قال المراد غلبته وكثرته
بحيث يراه جميع الناس فإن قلت تقدم في نزول عيسى في كتاب الأنبياء عليهم السلام
أنه يفيض المال حتى لا يقبله أحد وفي كتاب الزكاة لا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم
بصدقته لا يجد من يقبلها قلت كلاهما من أشراط الساعة لكن كل منهما في زمان غير
زمان الآخر قوله وتظهر الفتن المراد كثرتها وانتشارها وعدم التكاتم بها والله
المستعان قوله أيم هو أي الهرج وأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف وضم
الميم وأصله أيما أي أي شيء الهرج قال القتل القتل مكررا وضبطه بعضهم بتخفيف الياء
كما قالوا أيش في موضع أي شيء وفي رواية الإسماعيلي وما هو وفي رواية أبي داود أيش
هو قال القتل القتل
7062 - 7063 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( الأعمش ) عن ( شقيق ) قال كنت مع
عبده الله وأبي موسى فقالا قال النبي إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل
ويرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج والهرج القتل
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه والأعمش سليمان وشقيق بن سلمة وعبد الله بن مسعود
وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنهما ووقع هنا عن أبي ذر عن
شيوخه في نسخة معتمدة حدثنا مسدد حدثنا عبيد الله بن موسى وسقط في بعض النسخ الغير
المعتمدة وقال عياض ثبت للقابسي عن أبي زيد المروزي وسقط للباقين وهو الصواب
قوله لأياما وفي رواية الكشميهني بحذف اللام قوله ينزل فيها الجهل نزول الجهل
تمكنه في الناس برفع العلم ورفع العمل بموت العلماء وهو معنى قوله ويرفع فيها
العلم
7064 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( شقيق ) قال ( جلس
عبد الله وأبو موسى فتحدثا ) فقال ( أبو موسى ) قال النبي إن بين يدي الساعة أياما
يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج والهرج القتل
انظر الحديث 7063 وطرفه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث إلى آخره
قوله أياما ويروى لأياما وقد فسر الهرج في هذه الروايات الثلاث بالقتل فتدل صريحا
على أن تفسير الهرج مرفوع ولا يعارض ذلك مجيئه في غير هذه الروايات موقوفا ولا
كونه بلسان الحبشة
7065 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) قال إني
لجالس مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبو موسى سمعت النبي مثله والهرج
بلسان الحبشة القتل
انظر الحديث 7063 وطرفه
هذا طريق آخر أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن سليمان الأعمش عن
أبي وائل شقيق بن سلمة
قوله فقال أبو موسى سمعت النبي قيل قوله فقال أبو موسى يدل على أن القائل هو أبو
موسى وحده في الروايات الماضية التي قال فيها وقالا لاحتمال أن أبا وائل سمعه من
عبد الله أيضا لدخوله في قوله في رواية الأعمش فقال قالا قلت أكثر الرواة اتفقوا
عن الأعمش على أنه عن عبد الله وأبي موسى معا فإن قلت رواه أبو معاوية عن الأعمش
فقال إنه عن أبي موسى ولم يذكر عبد الله أخرجه مسلم قلت أشار ابن أبي خيثمة إلى
ترجيح قول الجماعة قوله والهرج بلسان الحبشة القتل قال الكرماني هو إدراج من أبي
موسى وقال صاحب التوضيح قد عرفت أن تفسير الهرج ذكر غير مرة ما ظاهره الرفع ومرة
من كلام أبي موسى رضي الله تعالى عنه وأنه بلغة الحبشة وكذا ساقه الجرمي في غريبه
من كلام أبي موسى
(24/183)
قال الحبش يدعون القتل الهرج وقيل في ذلك إن أصل
الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس إذا خلطوا واختلفوا وهرج القوم في
حديثهم إذا أكثروا وخلطوا وأخطأ من قال فنسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم
من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية
بمعنى القتل إلا على طريق المجاز لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرا إلى القتل
وكثيرا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه وكيف يدعى على مثل أبي موسى الأشعري
الوهم في تفسير لفظة لغوية بل الصواب معه واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا
يمنع كونها لغة الحبشة وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف لحديث معقل بن
يسار رفعه العبادة في الهرج لهجرة إلي أخرجه مسلم
7066 - حدثنا ( محمد ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( واصل ) عن ( أبي وائل )
عن ( عبد الله ) وأحسبه رفعه قال بين يدي الساعة أيام الهرج يزول فيها العلم ويظهر
فيها الجهل قال أبو موسى والهرج القتل بلسان الحبشة
انظر الحديث 7062
هذا طريق آخر في حديث أبي موسى أخرجه عن محمد ولم ينسبه أكثر الرواة ونسبه أبو ذر
في روايته وقال محمد بن بشار وقال الكلاباذي محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ومحمد
بن الوليد رووا عن غندر في الجامع قلت يشير بذلك إلى أن محمدا الذي ذكر هنا غير
منسوب يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين ولكن أبو ذر نسبه فقال محمد بن بشار
وهو الظاهر لأنه كثيرا ما يروي عن غندر وهو محمد بن جعفر وواصل هو ابن حبان بفتح
الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف يروي عن أبي وائل شقيق عن عبد الله بن
مسعود
قوله وأحسبه رفعه أي قال أبو وائل أحسب عبد الله رفع الحديث إلى النبي
7067 - وقال ( أبو عوانة ) عن ( عاصم ) عن ( أبي وائل ) عن ( الأشعري ) أنه قال
لعبد الله تعلم الأيام التي ذكر النبي أيام الهرج نحوه
أبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف نون اسمه الوضاح بن عبد
الله اليشكري وعاصم هو ابن أبي النجود القارىء المشهور يروي عن أبي وائل شقيق عن
أبي موسى الأشعري
قوله نحوه أي نحو الحديث المذكور بين يدي الساعة أيام الهرج
قال ابن مسعود سمعت النبي يقول من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء
في بعض النسخ فقال ابن مسعود يعني بالسند المذكور وقال ابن التين هذا إخبار عن أن
الكفار والمنافقين شرار الخلق وهم حينئذ أحياء إذ ذاك وقال ابن بطال وهو وإن كان
لفظه العموم فالمراد به الخصوص ومعناه أن الساعة تقوم في الأغلب والأكثر على شرار
الناس بدليل قوله لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من ناوأها حتى
تقوم الساعة فدل هذا الخبر على أن الساعة أيضا تقوم على قوم فضلاء وأنهم في صبرهم
على دينهم كالقابض على الجمر
6 -
( باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه )
أي هذا باب يذكر فيه لا يأتي زمان إلى آخره
7068 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزبير بن عدي ) قال ( أتينا
أنس بن مالك ) فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان
إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم
(24/184)
الترجمة المذكورة هي عين الحديث المذكور في الباب
ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وسفيان هو ابن عيينة والزبير بن عدي
الكوفي الهمداني بسكون الميم من صغار التابعين ولي قضاء الري وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث
والحديث أخرجه الترمذي في الفتن عن ابن بشار به
قوله ما نلقى من الحجاج هو ابن يوسف الثقفي الأمير المشهور ويروى شكونا إليه ما
يلقون فيه الثقات ووقع في رواية الكشميهني فشكوا ووقع عند أبي نعيم نشكوا بنون
ومعناه شكوا ما يلقون من ظلمه لهم وتعديه وذكر الزبير في الموفقيات من طريق مجالد
عن الشعبي قال كان عمر رضي الله تعالى عنه فمن بعده إذا أخذوا العاصي أقاموه للناس
ونزعوا عمامته فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط ثم زاد مصعب بن الزبير حلق
اللحية فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار فلما قدم الحجاج قال هذا كله
لعب فقتل بالسيف قوله اصبروا أي عليه وكذا وقع في رواية عبد الرحمان بن مهدي قوله
فإنه أي فإن الشان والحال قوله زمان وفي رواية عبد الرحمان عام قوله إلا والذي
بعده كذا لأبي ذر بالواو وسقطت في رواية الباقين قوله شر منه كذا في رواية
الأكثرين وفي رواية أبي ذر والنسفي أشر وعليه شرح ابن التين يقال كذا وقع أشر بوزن
أفعل وقد قال الجوهري فلان شر من فلان ولا يقال أشر إلا في لغة رديئة قلت إن صحت
الرواية بأفعل التفضيل لا يلتفت إلى ما قاله الجوهري وغيره فإن قلت هذا الإطلاق
مشكل لأن بعض الأزمنة يكون في الشر دون الذي قبله وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله
تعالى عنه بعد الحجاج بيسير وقد اشتهر خيرية زمانه بل قيل إن الشر اضمحل في زمانه
قلت حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد
الحجاج فقال لا بد للناس من تنفيس وقيل إن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر فإن
عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا
والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله خير القرون قرني وهو في
الصحيحين وقوله أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون أخرجه مسلم
فإن قلت ما تقول في زمن عيسى عليه السلام فإنه بعد زمان الدجال قلت قال الكرماني
إن المراد بالزمان الزمان الذي يكون بعد عيسى عليه السلام أو المراد جنس الزمان
الذي فيه الأمراء وإلا فمعلوم من الدين بالضرورة أن زمان النبي المعصوم لا شر فيه
قوله حتى تلقوا ربكم أي حتى تموتوا قوله سمعته من نبيكم وفي رواية أبي نعيم سمعت
ذلك
7069 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) ح وحدثنا ( إسماعيل )
حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( هند
بنت الحارث الفراسية ) أن أم ( سلمة ) زوج النبي قالت استيقظ رسول الله ليلة فزعا
يقول سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب
الحجرات يريد أزواجه لكي يصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وماذا أنزل من الفتن أي الشرور فتكون تلك الليلة
التي استيقظ فيها النبي أشر من الليلة التي قبلها
وأخرجه من طريقين أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد
بن مسلم بن شهاب الزهري عن هند والآخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد
عن سليمان بن بلال عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية بكسر الفاء وتخفيف
الراء وبالسين المهملة نسبة إلى بطن من كنانة وهم إخوة قريش وكانت هند زوج معبد بن
المقداد وقد قيل إن لها صحبة
والحديث مضى في كتاب العلم والعظة في الليل
لة نصب على الظرفية قوله فزعا بفتح الفاء وكسر الزاي وبالعين المهملة أي خائفا وهو
نصب على الحال قوله يقول في موضع الحال وفي رواية
(24/185)
سفيان فقال سبحان الله قوله ماذا أنزل الله هكذا في
راية الكشميهني وفي رواية غيره ماذا أنزل بضم الهمزة من الخزائن أي الخيرات وهو
جمع خزانة وهو الموضع أو الوعاء الذي يحفظ فيه الشيء قوله وماذا أنزل من الفتن أي
الشرور وقوله من يوقظ صواحب الحجرات كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية سفيان
أيقظوا بصيغة الأمر ندب بعض خدمه لذلك والصواحب جمع صاحبة والحجرات جمع حجرة وهو
الموضع المنفرد في الدار قوله يريد أزواجه لكي يصلين وفي رواية شعيب حتى يصلين
وخلت سائر الروايات من هذه الزيادة قوله رب كاسية وفي رواية سفيان فرب كاسية بفاء
في أوله وفي رواية ابن المبارك يا رب كاسية وفي رواية هشام كم من كاسية وهذا يؤيد
ما قال ابن مالك رب أكثر ما يرد للتكثير وهذا بخلاف ما قال أكثر النحويين إن رب
للتقليل وأن معنى ما يصدر بها المضي والصحيح أن معناها في الغالب التكثير وهو
مقتضى كلام سيبويه فإنه قال في باب كم واعلم أن كم في الخبر لا تعمل إلا ما تعمل
فيه رب لأن المعنى واحد إلا أن كم اسم ورب غير اسم ومعنى كاسية في الدنيا عارية في
الآخرة كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل
في الدنيا وقيل كاسية في الدنيا لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة
بالعري جزاء على ذلك وقيل كاسية من النعم عارية من الشكر فهي عارية في الآخرة من
الثواب
7 -
( باب قول النبي من حمل علينا السلاح فليس منا )
أي هذا باب فيه قول النبي من حمل الخ
7070 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن
عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله قال من حمل علينا السلاح فليس منا
انظر الحديث 6874
الترجمة عين الحديث والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي
في المحاربة عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ومعنى الحديث من حمل السلاح على
المسلمين لقتالهم به بغير حق قوله فليس منا أي ليس على طريقتنا أو ليس متبعا
طريقتنا لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح
عليه لإرادة قتاله أو قتله وقال الكرماني أي ليس ممن اتبع سنتنا وسلك طريقتنا إلا
أنه يريد ليس من ديننا قال فما قولك في الطائفتين إحداهما باغية ثم أجاب بقوله
الباغية ليست متبعة سنة النبي
7071 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة )
عن أبي موسى عن النبي قال من حمل علينا السلاح فليس منا
هذا أيضا مثل ما قبله أخرجه عن أبي كريب محمد بن العلاء عن أبي أسامة حماد بن
أسامة عن بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله عن جده أبي بردة عامر أو
حارث عن أبيه ( أبي موسى ) الأشعري عبد الله بن قيس
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كريب وأبي عامر وأخرجه الترمذي في الحدود عن
أبي كريب وأبي السائب وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمود بن غيلان وغيره
7072 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) سمعت ( أبا
هريرة ) عن النبي قال لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان
ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإن فيه معنى الحمل
عليه
أخرجه عن محمد قال
(24/186)
الكرماني هو الذهلي وكذا جزم به أبو علي الجياني بأنه
محمد بن يحيى الذهلي وقال بعضهم يحتمل أن يكون محمد بن رافع فإن مسلما أخرج هذا
الحديث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق قلت الاحتمال بعيد فإن إخراج مسلم هذا
الحديث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق لا يستلزم إخراج البخاري كذلك ومعمر بفتح
الميمين ابن راشد وهمام بالتشديد ابن منبه
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن محمد بن رافع
قوله لا يشير نفي ويجوز لا يشر بصورة النهي قوله فإنه أي فإن الذي يشير لا يدري
لعل الشيطان ينزغ بالغين المعجمة قال الخليل في الغين نزغ الشيطان بين القوم نزغا
حمل بعضهم على بعض بالفساد ومنه ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت
هاذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجآء
بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو
العليم الحكيم وفي رواية الكشميهني بالعين المهملة ونقل عياض عن جميع رواة مسلم
بالعين المهملة ومعناه يرمي بيده ويحقق الضربة ومن رواه بالمعجمة قال هو من
الإغراء أي يزين له تحقق الضربة قوله فيقع في حفرة من النار كناية عن وقوعه في المعصية
التي تفضي به إلى دخول النار
وفي الحديث النهي عما يفضي إلى المحذور وإن لم يكن المحذور محققا سواء كان ذلك في
جد أو هزل وروى الترمذي من رواية خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا من
أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة وقال حديث حسن صحيح غريب
7073 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال قلت ل ( عمرو ) يا أبا محمد
سمعت ( جابر بن عبد الله ) يقول مر رجل بسهام في المسجد فقال له رسول الله أمسك
بنصالها قال نعم
انظر الحديث 451 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أمسك بنصالها فإن في تركه ربما يحصل خدش وهو في معنى
حمل السلاح على المسلمين
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث مضى في الصلاة عن قتيبة في أول المساجد
قوله قال نعم القائل هو عمرو جوابا لقول سفيان وأبو محمد كنية عمرو
7074 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو بن دينار ) عن (
جابر ) أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها فأمر أن يأخذ بنصولها لا يخدش
مسلما
انظر الحديث 451 وطرفه
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن أبي النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي
قوله بأسهم جمع سهم قوله قد أبدى أي أظهر والنصول جمع نصل وهو حديدة السهم قوله
فأمر على صيغة المجهول والآمر هو الشارع قوله لا يخدش بالخاء والشين المعجمتين من
خدش يخدش من باب ضرب يضرب خدشا بالفتح وخدش الجلد قشره بعود أو نحوه وهو أول
الجراح
7075 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة )
عن أبي موسى عن النبي قال إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على
نصالها أو قال فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء
انظر الحديث 452
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فليمسك على نصالها كما ذكرناه عن قريب
وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء ابن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر
أو حارث عن ( أبي موسى ) الأشعري عن النبي
والحديث مضى في الصلاة عن موسى بن إسماعيل ومضى الكلام فيه هناك
قوله فليقبض بكفه أي على النصال قوله ومعه نبل جملة حالية والنبل بفتح النون
السهام قوله أن يصيب كلمة أن مصدرية أي كراهة الإصابة أو كلمة لا فيه مقدرة نحو
يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما
ترك وهو يرثهآ إن لم يكن لهآ ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن
كانوا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل
شىء عليم
8 -
( باب قول النبي لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )
أي هذا باب في ذكر قول النبي لا ترجعوا الخ وهذه الترجمة بلفظ ثاني أحاديث الباب
(24/187)
7076 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثني أبي حدثنا (
الأعمش ) حدثنا ( شقيق ) قال قال ( عبد الله ) قال النبي سباب المسلم فسوق وقتاله
كفر
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث بالتعسف
وأخرجه عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن
سلمة عن عبد الله بن مسعود والحديث قد مضى في الإيمان
قوله سباب المسلم بكسر السين مصدر من سبه يسبه سبا وسبابا قوله كفر يعني إذا كان
مستحلا له أو هو للتغليظ
7077 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( شعبة ) أخبرني ( واقد ) ( بن محمد ) عن
أبيه عن ( ابن عمر ) أنه سمع النبي يقول لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
الترجمة عين الحديث وأخرجه في أول الديات ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله لا ترجعوا بصيغة النهي وهو المعروف وفي رواية أبي ذر لا ترجعون بصيغة الخبر
قوله كفارا في معناه أقوال كثيرة قد ذكرنا أكثرها هناك منها المراد منه الستر يعني
لا ترجعوا بعدي ساترين الحق لأن معنى الكفر في اللغة الستر ومنها أن الفعل المذكور
يفضي إلى الكفر وقال الداودي معناه لا تفعلوا بالمؤمنين ما تفعلون بالكفار ولا
تفعلوا بهم ما لا يحل وأنتم ترونه حراما قوله يضرب بالجزم جوابا للأمر وبالرفع
استئنافا أو حالا وقال صاحب التلويح من جزم أوله على الكفر ومن رفع لا يجعله
متعلقا بما قبله بل حالا أو مستأنفا
7078 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحيى حدثنا قرة بن خالد حدثنا ابن سيرين عن عبد
الرحمان بن أبي بكرة عن أبي بكرة وعن رجل آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمان بن
أبي بكرة عن أبي بكرة أن رسول الله خطب الناس فقال ألا تدرون أي يوم هاذا قالوا
الله ورسوله أعلم قال حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بيوم النحر قلنا
بلاى يا رسول الله قال أي بلد هاذا أليست بالبلدة قلنا بلاى يا رسول الله قال فإن
دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هاذا في شهركم هاذا في
بلدكم هاذا ألا هل بلغت قلنا نعم قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب
مبلغ يبلغه من هو أوعاى له فكان كذالك
قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين
حرقه جارية بن قدامة قال أشرفوا على أبي بكرة فقالوا هاذا أبو بكرة يراك قال عبد
الرحمان فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها قطعة منه و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( ابن
سيرين ) محمد بن سيرين والسند كله بصريون
ومضى الحديث في كتاب الحج في باب الخطبة أيام منى
قوله عن ( أبي بكرة ) هو نفيع مصغر نفع ابن الحارث الثقفي نزل البصرة وتحول إلى
الكوفة قوله وعن رجل آخر هو حميد بن عبد الرحمان بن عوف صرح به في كتاب الحج قوله
خطب الناس يعني يوم النحر صرح به في الحج قوله وأعراضكم جمع عرض وهو الحسب وموضع
المدح والذم من الإنسان قوله وأبشاركم جمع البشر وهو ظاهر الجلد قوله في شهركم قال
الكرماني لم يذكر أي شهر في هذه
(24/188)
الرواية مع أنه قال بعد في شهركم هذا فكيف شبهه به
فيما قال في شهركم ثم أجاب بقوله كان السؤال لتقرير ذلك في أذهانهم وحرمة أشهر
كانت متقررة عندهم فإن قلت فكذا حرمة البلدة قلت هذه الخطبة كانت بمنى وربما قصد
دفع وهم من يتوهم أنها خارجة عن الحرم أو دفع من يتوهم أن البلدة لم تبق حراما
لقتاله فيها يوم الفتح أو اقتصره الراوي اعتمادا على سائر الروايات مع أنه لا يلزم
ذكره في صحة التشبيه قوله رب مبلغ قال الكرماني بكسر اللام وكذا يبلغه والضمير
الراجع إلى الحديث المذكور مفعول أول له ومن هو أوعى مفعول ثان له واللفظان من
التبليغ أو من الإبلاغ وقال بعضهم رب مبلغ بفتح اللام الثقيلة ويبلغه بكسرها قلت
الصواب ما قاله الكرماني قوله من هو وفي رواية الكشميهني لمن هو قوله أوعى له أي
أحفظ وزاد في الحج منه قوله فكان كذلك جملة موقوفة من كلام محمد بن سيرين تخللت
بين الجمل المرفوعة أي وقع التبليغ كثيرا من الحافظ إلا الأحفظ
قوله قال لا ترجعوا بالسند المذكور من رواية محمد بن سيرين عن عبد الرحمان بن أبي
بكرة قوله فلما كان يوم حرق على صيغة المجهول من التحريق وضبط الحافظ الدمياطي
أحرق من الإحراق وقال هو الصواب وقال بعضهم وليس الآخر بخطأ بل جزم أهل اللغة
باللغتين أحرقه وحرقه والتشديد للتكثير انتهى قلت هذا كلام من لا يذوق من معاني
التراكيب شيئا وتصويب الدمياطي باب الأفعال لكون المقصود حصول الإحراق وليس المراد
المبالغة فيه حتى يذكر باب التفعيل قوله ابن الحضرمي هو عبد الله بن عمرو بن
الحضرمي وأبوه عمر وهو أول من قتل من المشركين يوم بدر ولعبد الله رؤية على هذا
وذكره بعضهم في الصحابة واسم الحضرمي عبد الله بن عمار وكان حالف بني أمية في
الجاهلية والعلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور عم عبد الله قوله حين حرقه جارية
بجيم وياء آخر الحروف ابن قدامة بضم القاف وتخفيف الدال ابن مالك بن زهير بن
الحصين التميمي السعدي وكان السبب في ذلك ما ذكره العسكري في الصحابة قال كان
جارية يلقب محرقا لأنه أحرق أبي الحضرمي بالبصرة وكان معاوية وجه ابن الحضرمي إلى
البصرة يستنفرهم على قتال علي رضي الله تعالى عنه فوجه على جارية بن قدامة فحصره
فتحصن منه ابن الحضرمي في دار فأحرقها جارية عليه وذكر الطبري في حوادث سنة ثمان
وثلاثين هذه القضية وفيها بعث علي رضي الله تعالى عنه جارية بن قدامة فحصر ابن
الحضرمي في الدار التي نزل فيها ثم أحرق الدار عليه وعلى من معه وكانوا سبعين رجلا
أو أربعين ونقل الكرماني عن المهلب قال ابن الحضرمي رجل امتنع عن الطاعة فأخرج
إليه جارية بن قدامة جيشا فظفر به في ناحية من العراق كان أبو بكرة الثقفي الصحابي
يسكنها فأمر جارية بصلبه فصلب ثم ألقي في النار في الجذع الذي صلب فيه قلت العمدة
على ما ذكره العسكري والطبري وما ذكره المهلب ليس له أصل قوله قال أشرفوا على أبي
بكرة إلى آخره جواب قوله فلما كان إلى آخره وذلك أن جارية لما أحرق ابن الحضرمي
أمر جيشه أن يشرفوا على أبي بكرة هل هو على الاستسلام والانقياد أم لا فقال له
جيشه هذا أبو بكرة يراك وما صنعت بابن الحضرمي وما أنكر عليك بكلام ولا بسلاح فلما
سمع أبو بكرة ذلك وهو في غرفة له قال لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة بكسر الهاء وسكون
الشين المعجمة وفي رواية الكشميهني بفتح الهاء وهما لغتان والمعنى ما دفعتهم بقصبة
ونحوها فكيف أن أقاتلهم لأني ما أرى الفتنة في الإسلام ولا التحريك إليها مع إحدى
الطائفتين قوله قال عبد الرحمان هو ابن أبي بكرة الراوي وهو موصول بالسند المذكور
قوله حدثتني أمي هي هالة بنت غليظ العجيلة ذكر كذلك خليفة بن خياط في تاريخه
وجماعة وقال ابن سعد هي هولة والله أعلم قوله علي بتشديد الياء
7079 - حدثنا ( أحمد بن إشكاب ) حدثنا ( محمد بن فضيل ) عن أبيه عن ( عكرمة ) عن (
ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال النبي لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم
(24/189)
رقاب بعض
انظر الحديث 1739
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها قطعة منه وأحمد بن إشكاب بكسر الهمزة وسكون الشين
المعجمة وبالباء الموحدة بعد الألف الصفار الكوفي ومحمد بن فضيل مصغر الفضل بالضاد
المعجمة يروي عن أبيه فضيل بن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي
قوله لا ترتدوا تقدم في الحج من وجه آخر عن فضيل بلفظ لا ترجعوا وسياقه هناك أتم
7080 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( علي بن مدرك ) سمعت ( أبا
زرعة بن عمرو بن جرير ) عن جده ( جرير ) قال قال لي رسول الله في حجة الوداع
استنصت الناس ثم قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن مدرك على صيغة اسم الفاعل من الإدراك الكوفي وأبو
زرعة بضم الزاي اسمه هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي وليس
لأبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في البخاري إلا هذا الحديث ومضى الحديث في كتاب
العلم
قوله لا ترجعوا كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لا ترجعن بضم العين
والنون المثقلة وكفارا جمع كافر نصب على الحال
(
( تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم )
أي هذا باب يذكر فيه تكون إلى آخره وهذه الترجمة بعض الحديث
7080 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( علي بن مدرك ) سمعت ( أبا
زرعة بن عمرو بن جرير ) عن جده ( جرير ) قال قال لي رسول الله في حجة الوداع
استنصت الناس ثم قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن مدرك على صيغة اسم الفاعل من الإدراك الكوفي وأبو
زرعة بضم الزاي اسمه هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي وليس
لأبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في البخاري إلا هذا الحديث ومضى الحديث في كتاب
العلم
قوله لا ترجعوا كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لا ترجعن بضم العين
والنون المثقلة وكفارا جمع كافر نصب على الحال
(
( تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم )
أي هذا باب يذكر فيه تكون إلى آخره وهذه الترجمة بعض الحديث
7080 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( علي بن مدرك ) سمعت ( أبا
زرعة بن عمرو بن جرير ) عن جده ( جرير ) قال قال لي رسول الله في حجة الوداع
استنصت الناس ثم قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن مدرك على صيغة اسم الفاعل من الإدراك الكوفي وأبو
زرعة بضم الزاي اسمه هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي وليس لأبي
زرعة بن عمرو بن جرير عن جده في البخاري إلا هذا الحديث ومضى الحديث في كتاب العلم
قوله لا ترجعوا كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني لا ترجعن بضم العين
والنون المثقلة وكفارا جمع كافر نصب على الحال
(
( تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم )
أي هذا باب يذكر فيه تكون إلى آخره وهذه الترجمة بعض الحديث
7081 - حدثنا ( محمد بن عبيد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن ( أبي
سلمة بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة )
قال ( إبراهيم ) وحدثني ( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب )
عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم
فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها
ملجأ أو معاذا فليعذبه
انظر الحديث 3601 وطرفه
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبيد الله مصغرا ابن محمد مولى عثمان بن عفان
الأموي وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف عن عمه
أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة
والحديث أخرجه مسلم في الفتن أيضا عن إسحاق بن منصور
قوله ستكون فتن وفي رواية المستملي فتنة والمراد جميع الفتن وقيل هي الاختلاف الذي
يكون بين أهل الإسلام بسبب افتراقهم على الإمام ولا يكون المحق فيها معلوما بخلاف
علي ومعاوية قوله القاعد فيها أي في الفتن خير من القائم إشارة إلى أن شرها يكون
بحسب التعلق بها وزاد الإسماعيلي والنائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من
القاعد ولمسلم اليقظان فيها خير من النائم وللبزار ستكون فتن ثم تكون فتن بزيادة
والمضطجع خير من القاعد فيها ولأبي داود المضطجع فيها خير من الجالس والجالس خير
من القائم ومعنى القاعد خير من القائم الذي لا يستشرفها وقال الداودي الظاهر أنه
إنما أراد أن يكون فيها قاعدا وحكى ابن التين عنه أن الظاهر أن المراد من يكون
مباشرا لها في الأحوال كلها يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض فأعلاهم في ذلك
الساعي فيها بحيث يكون سببا لإثارتها ثم من يكون قائما بأسبابها وهو الماشي ثم من
يكون مباشرا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد ثم من
يكون محسنا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شيء من
ذلك ولكنه راض وهو النائم والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرا ممن
فوقه على التفصيل المذكور قوله من تشرف بفتح التاء المثناة من فوق والشين المعجمة
وتشديد الراء على وزن تفعل أي تطلع لها بأن يتصدر ويتعرض
(24/190)
لها ولا يعرض عنها وقال الكرماني ويروى من يشرف من
الإشراف قوله تستشرفه أي تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك يقال استشرفت الشيء علوته
وأشرفت عليه قوله ملجأ أي موضعا يلتجأ إليه من شرها قوله أو معاذا بفتح الميم
وبالعين المهملة وبالذال المعجمة أي موضع العوذ وهو بمعنى الالتجاء أيضا وقال ابن
التين رويناه بالضم يعني بضم الميم قوله فليعذبه جواب قوله فمن وجد
7082 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) أخبرني ( أبو سلمة بن
عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) قال قال رسول الله ستكون فتن القاعد فيها خير من
القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه فمن
وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به
انظر الحديث 3601 وطرفه
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي
حمزة عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره
قد ذكرنا أن المراد من قوله فتن جميع الفتن فإن قلت إذا كان المراد جميع الفتن فما
تقول في الفتن الماضية وقد علمت أنه نهض فيها من خيار التابعين خلق كثير وإن كان
المراد بعض الفتن فما معناه وما الدليل على ذلك قلت أجاب الطبري بأنه قد اختلف
السلف في ذلك فقيل المراد به جميع الفتن وهي التي قال الشارع فيها القاعد فيها خير
من القائم وممن قعد فيها من الصحابة حذيفة ومحمد بن سلمة وأبو ذر وعمران بن حصين
وأبو موسى الأشعري وأسامة بن زيد وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو
بكرة ومن التابعين شريح والنخعي وقالت طائفة بلزوم البيت وقالت طائفة بلزوم التحول
عن بلد الفتن أصلا ومنهم من قال إذا هجم عليه شيء من ذلك يكف يده ولو قتل ومنهم من
قال يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور إن قتل أو قتل وقيل إذا بغت طائفة
على الإمام فامتنعت عن الواجب عليها ونصبت الحرب وجب قتالها وكذلك لو تحاربت
طائفتان وجب على كل قادر الأخذ على المخطىء ونصر المظلوم وهذا قول الجمهور وقال
الطبري والصواب أن يقال إن الفتنة أصلها الابتلاء وإنكار المنكر واجب على كل من
قدر عليه فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطىء أخطأ وأن أشكل الأمر فهي الحالة
التي ورد النهي عن القتال فيها وذهب آخرون إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين
وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك وقيل إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان حيث يحصل
التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك قلت يدخل فيها الترك أصحاب مصر حيث لم
يكن بينهم قتال إلا لطلب الملك
10 -
( باب إذا التقاى المسلمان بسيفيهما )
أي هذا باب يذكر فيه إذا التقى المسلمان بسيفيهما وجواب إذا محذوف لم يذكره اكتفاء
بما ذكر في الحديث وهو قوله فكلاهما من أهل النار وقوله في الحديث إذا تواجه
المسلمان بسيفيهما في معنى إذا التقيا
7083 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) حدثنا ( حماد ) عن ( رجل ) لم ( يسمه )
عن ( الحسن ) قال خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال أين تريد قلت
أريد نصرة ابن عم رسول الله قال قال رسول الله إذا تواجه المسلمان بسيفيهما
فكلاهما من أهل النار قيل فهاذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه
قال حماد بن زيد فذكرت هاذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به
فقالا
(24/191)
إنما رواى هاذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي
بكرة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا تواجه المسلمان بسيفيهما وقد ذكرنا أن معناه إذا
التقيا
وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري من أفراد البخاري وحماد هو ابن
زيد وقد نسبه في أثناء الحديث
قوله عن رجل قال بعضهم هو عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة وكان سيىء الضبط قاله الحافظ
المزي في التهذيب وقال صاحب التلويح هو هشام بن حسان أبو عبد الله القردوسي وتبعه
على ذلك صاحب التوضيح وكذا قاله الكرماني ناقلا عن قوم وقال بعضهم فيه بعد قلت ليت
شعري ما وجه البعد ووجه البعد فيما قاله ويؤيد ما قاله هؤلاء ما قاله الإسماعيلي
في صحيحه حدثنا الحسن حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا هشام عن الحسن
فذكره وتوضحه رواية النسائي عن علي بن محمد عن خلف بن تميم عن زائدة عن هشام عن
الحسن الحديث والحسن هو البصري قوله ليالي الفتنة أراد بها الحرب التي وقعت بين
علي ومن معه وعائشة ومن معها كذا قال بعضهم قلت ما معنى إبهامه ذلك والمراد به
وقعة الجمل ووقعة صفين قوله فاستقبلني أبو بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي قوله قلت
أريد نصرة ابن عمر رسول الله وهو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وفي رواية
مسلم أريد نصر ابن عم رسول الله يعني عليا رضي الله تعالى عنه قال فقال لي يا أحنف
ارجع قوله قال قال رسول الله وفي رواية مسلم قال سمعت رسول الله قوله إذا تواجه
المسلمان ويروى توجه وقال الكرماني تواجه أي ضرب كل واحد منهما وجه الآخر أي ذاته
قوله فكلاهما من أهل النار وفي رواية الكشميهني في النار وفي رواية مسلم فالقاتل
والمقتول في النار قوله أهل النار أي مستحق لها وقد يعفو الله عنه وقال الكرماني
علي رضي الله تعالى عنه ومعاوية كلاهما كانا مجتهدين غاية ما في الباب أن معاوية
كان مخطئا في اجتهاده ونحوه انتهى قلت كيف يقال كان معاوية مخطئا في اجتهاده فما
كان الدليل في اجتهاده وقد بلغه الحديث الذي قال ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية
وابن سمية هو عمار بن ياسر وقد قتله فئة معاوية أفلا يرضى معاوية سواء بسواء حتى
يكون له أجر واحد وروى الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال ما وجدت في
نفسي من شيء ما وجدت أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله فإن قلت كان
عبد الله بن عمرو ممن روى الحديث المذكور وأخبر معاوية بهذا فكيف كان مع فئة
معاوية قلت روي عنه أنه قال لم أضرب بسيف ولم أطعن برمح ولكن رسول الله قال أطع
أباك فأطعته وقيل لإبراهيم النخعي من كان أفضل علقمة أو الأسود فقال علقمة لأنه
شهد صفين وخضب سيفه بها وقيل كان أويس القرني رضي الله تعالى عنه مع علي رضي الله
تعالى عنه في الرجالة قاله إبراهيم بن سعد وقال الكرماني مساعدة الإمام الحق ودفع
البغاة واجبة فلم منع أبو بكرة الحسن عن حضوره مع فئة علي رضي الله تعالى عنه
وأجاب بقوله لعل الأمر لم يكن بعد ظاهرا عليه قوله قيل فهذا القاتل القائل هو أبو
بكرة فقوله القاتل مبتدأ وخبره محذوف أي هذا القاتل يستحق النار فما بال المقتول
أي فما ذنبه قال إنه أي إن المقتول أراد قتل صاحبه وتقدم في الإيمان أنه كان حريصا
على قتل صاحبه فإن قلت مريد المعصية إذا لم يعملها كيف يكون من أهل النار قلت إذا
جزم بعملها وأصر عليه يصير به عاصيا ومن يعص الله ورسوله يدخله نارا
قوله قال حماد بن زيد هو موصول بالسند المذكور قوله قلت لأيوب هو السختياني ويونس
بن عبيد بن دينار القيسي البصري قوله فقالا أي أيوب ويونس إنما روى هذا الحديث
الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة يعني أن عمرو بن عبيد أخطأ في حذف الأحنف بين
الحسن وأبي بكرة والأحنف بن قيس السعدي التميمي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه
وعرف به ودعا له النبي مات سنة سبع وستين بالكوفة وقال أبو عمر الأحنف بن قيس أدرك
النبي ولم يره ودعا له وإنما ذكرناه في الصحابة لأنه أسلم على عهد النبي
حدثنا سليمان حدثنا حماد بهاذا وقال مؤمل حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب
(24/192)
ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي
بكرة عن النبي سليمان هذا هو ابن حرب وحما هو ابن زيد وأشار بقوله بهذا إلى الحديث
المذكور الذي رواه آنفا وليس فيه ذكر الأحنف ثم قال وقال مؤمل يعني ابن هشام أحد
مشايخ البخاري عن علقمة عن حماد بن زيد وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وهشام بن
حسان ومعلى بن زياد إلى آخره
وأخرجه الإسماعيلي حدثنا موسى حدثنا يزيد بن سنان حدثنا أيوب ويونس إلى آخره وقال
الدارقطني رواه أيوب ويونس هشام ومعلى عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة وقال أبو
خلف عبد الله بن عيسى ومحبوب بن الحسن عن موسى عن الحسن عن أبي بكرة ورواه قتادة
وجسر بن فرقد ومعروف الأعور عن الحسن عن أبي بكرة ولم يذكروا فيه الأحنف والصحيح
حديث أيوب حدث به عنه حماد بن زيد
ورواه معمر عن أيوب
أي روى الحديث المذكور معمر عن أيوب وأخرجه الإسماعيلي عن ابن ياسين حدثنا زهير بن
محمد والرمادي قالا حدثنا عبد الرزاق نا معمر عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس
عن أبي بكرة سمعت رسول الله فذكر الحديث دون القصة
ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة
بكار بن عبد العزيز رواه عن أبيه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي بكرة وليس له ولا
لولده بكار في البخاري إلا هذا الحديث ووصله الطبري من طريق خالد بن خداش بكسر
الخاء المعجمة وبالدال المهملة وبالشين المعجمة قال حدثنا بكار بن عبد العزيز
بالسند المذكور ولفظه سمعت النبي أن فتنة كائنة القاتل والمقتول في النار إذ
المقتول قد أراد قتل القاتل
وقال غندر حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة عن النبي ولم يرفعه
سفيان عن منصور
غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وبالراء ابن حراش لقب محمد بن جعفر
ومنصور هو ابن المعتمر وربعي بكسر الراء وإسكان الباء الموحدة وكسر العين المهملة
وتشديد الياء ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة الأعور
الغطفاني التابعي المشهور وهذا التعليق وصله الإمام أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر
وهو غندر بهذا السند مرفوعا ولفظه إذا التقى المسلمان حملا أحدهما على صاحبه
السلاح فهما على حرف جهنم فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار قوله ولم يرفعه
سفيان أي لم يرفع الحديث المذكور سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر بالسند المذكور
ووصله النسائي من رواية يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري بالسند المذكور عن أبي بكرة
قال إذا حمل الرجلان المسلمان السلاح أحدهما على الآخر فهما في النار قال العلماء
معنى كونهما في النار أنهم يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله عز و جل إن شاء
عاقبهما في النار كسائر الموحدين وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلا وقيل هو
محمول على من استحل ذلك
11 -
( باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة )
أي هذا باب يذكر فيه كيف أمر المسلم يعني ماذا يفعل في حال الاختلاف والفتنة إذا
لم تكن أي إذا لم توجد وكان تامة وجماعة أي مجتمعون على خليفة وحاصل معنى الترجمة
أنه إذا وقع اختلاف ولم يكن خليفة فكيف يفعل المسلم من قبل أن يقع الاجتماع على
خليفة وفي حديث الباب بين ذلك وهو أنه يعتزل الناس كلهم ولو بأن يعض بأصل شجرة حتى
يدركه الموت وذلك خير له من دخوله بين طائفة لا إمام لهم خشية ما يؤول من عاقبة
ذلك من فساد الأحوال باختلاف الأهواء وبسبب الآراء
(24/193)
7084 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( الوليد بن
مسلم ) حدثنا ( ابن جابر ) حدثني ( بسر بن عبيد الله الحضرمي ) أنه سمع ( أبا
إدريس الخولاني ) أنه سمع ( حذيفة بن اليمان ) يقول كان الناس يسألون رسول الله عن
الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية
وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر
من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر
قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه
فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما
تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة
ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت
على ذلك
انظر الحديث 3606 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام إلى آخره
وابن جابر بالجيم وكسر الباء الموحدة هو عبد الرحمان بن زيد بن جابر كما صرح به
مسلم في روايته عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه وبسر بضم الباء الموحدة وسكون
السين المهملة ابن عبد الله الحضرمي بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وأبو
إدريس عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني بفتح الخاء المعجمة
والحديث مضى في علامات النبوة عن يحيى بن موسى وأخرجه مسلم في الفتن عن محمد بن
المثنى به وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد ببعضه
قوله مخافة أي لأجل مخافة أن يدركني أي الشر وكلمة أن مصدرية قوله في جاهلية وشر
يشير به إلى ما كان قبل الإسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب بعضهم بعضا وارتكاب
الفواحش قوله بهذا الخير يعني الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش قوله
دخن بفتح الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وهو الدخان وأراد به ليس خيرا خالصا بل
فيه كدورة بمنزلة الدخان من النار وقيل أراد بالدخن الحقد وقيل الدغل وقيل فساد في
القلب وقيل الدخن كل أمر مكروه وقال النووي المراد من الدخن أن لا تصفو القلوب
بعضها لبعض كما كانت عليه من الصفاء قوله يهدون بفتح أوله قوله بغير هديي بياء
الإضافة عند الأكثرين وبياء واحدة بالتنوين في رواية الكشميهني وفي رواية الأسود
تكون بعدي أئمة يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي قوله تعرف منهم أي من القوم
المذكورين وتنكر يعني من أعمالهم وقال القاضي الخير بعد الشر أيام عمر بن عبد
العزيز رضي الله تعالى عنه والذي تعرف منهم وتنكرهم الأمراء بعده ومنهم من يدعو
إلى بدعة وضلالة كالخوارج وقال الكرماني يحتمل أن يراد بالشر زمان قتل عثمان رضي
الله تعالى عنه وبالخير بعده زمان خلافة علي رضي الله تعالى عنه والدخن الخوارج
ونحوهم والشر بعده زمان الذين يلعنونه على المنابر قوله دعاة بضم الدال جمع داع
على أبواب جهنم قال ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم قوله من جلدتنا أي من قومنا
ومن أهل لسانا وملتنا وفيه إشارة إلى أنهم من العرب وقال الداودي أي من بني آدم
وقال القاضي معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون وجلدة الشيء ظاهره
وهي في الأصل غشاء البدن قوله وإمامهم بكسر الهمزة أي أميرهم وفي رواية الأسود
تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك قوله وأن تعض بفتح العين المهملة وتشديد الضاد
المعجمة من عضض يعضض من باب علم يعلم أي ولو كان الاعتزال من تلك الفرق بالعض فلا
تعدل عنه ولفظ تعض منصوب عند الرواة كلهم وجوز بعضهم
(24/194)
الرفع ولا يجوز ذلك إلا إذا جعل أن مخففة من المثقلة
وقال البيضاوي المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل
شدة الزمان وعض أصل الشجرة كناية عن مكايدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة
الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر عضوا عليها بالنواجذ قوله وأنت على
ذلك أي على العض الذي هو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وإطاعة سلاطينهم ولو جاروا
وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك القيام على أئمة الحق
لأنه أمر بذلك ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم
واختلفوا في صفة الأمر بذلك فقال بعضهم هو أمر إيجاب بلزوم الجماعة وهي السواد
الأعظم واحتجوا برواية ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا إن بني إسرائيل افترقت على
إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة
وهي الجماعة وقال آخرون الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة العلماء لأن
الله عز و جل جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في دينها وهم تبع لها وهم
المعنيون بقوله إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة وقال آخرون هم جماعة الصحابة الذين
قاموا بالدين وقال آخرون إنها جماعة أهل الإسلام ما داموا مجتمعين على أمر واجب
على أهل الملل فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين وقال الإمام أبو محمد
الحسن بن أحمد بن إسحاق التستري في كتابه افتراق الأمة أهل السنة والجماعة فرقة
والخوارج خمس عشرة فرقة والشيعة ثلاث وثلاثون والمعتزلة ستة والمرجئة اثنا عشر
والمشبهة ثلاثة والجهمية فرقة واحدة والضرارية واحدة والكلابية واحدة وأصول الفرق
عشرة أهل السنة والخوارج والشيعة والجهمية والضرارية والمرجئة والنجارية والكلابية
والمعتزلة والمشبهة وذكر أبو القاسم الفوراني في كتابه فرق الفرق إن غير
الإسلاميين الدهرية والهيولي أصحاب العناصر الثنوية والديصانية والمانوية
والطبائعية والفلكية والقرامطة
12 -
( باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم )
أي هذا باب في بيان من كره أن يكثر من الإكثار أو من التكثير قوله سواد الفتن
والظلم أي أهلهما والسواد بفتح السين المهملة وتخفيف الواو الأشخاص
7085 - حدثنا ( عبد الله بن يزيد ) حدثنا ( حيوة وغيره ) قالا حدثنا ( أبو الأسود
) وقال ( الليث ) عن ( أبي الأسود ) قال قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه
فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني أشد النهي ثم قال أخبرني ابن عباس أن أناسا من
المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله فيأتي السهم فيرمى
فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله فأنزل الله تعالى إن الذين توفاهم الملائكة
ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله
واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وسآءت مصيرا
انظر الحديث 4596
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقري وحيوة بن شريح التجيبي
والحديث مضى في التفسير عن عبد الله بن يزيد أيضا وأخرجه النسائي في التفسير عن
زكريا بن يحيى
وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمان الأسدي يتيم عروة بن الزبير قوله وغيره قال صاحب
التوضيح قيل المراد به ابن لهيعة وقيل كأنه يريد ابن لهيعة فإنه رواه عن أبي
الأسود محمد بن عبد الرحمان وقد رواه عنه الليث أيضا وقال الكرماني ويروى وعبدة ضد
الحرة والأول أصح قوله قطع على أهل المدينة بعث أي أفرد عليهم بعث بفتح الباء
الموحدة وهو الجيش ومنه كان إذا أراد أن يقطع بعثا قال ابن الأثير أي يفرد قوما
يبعثهم في الغزو ويعينهم من غيرهم قوله فاكتتبت فيه على صيغة المجهول قال الكرماني
وبالمعروف يقال اكتتبت أي كتبت نفسي في ديوان السلطان قوله يكثرون من الإكثار أو
التكثير قوله فيرمى أي فيرمى به ويروى كذلك قيل هو من القلب والتقدير
(24/195)
فيرمى بالسهم فيأتي وقال الكرماني وفي بعض الروايات
لفظ فيرمى مفقود وهو ظاهر وقيل يحتمل أن تكون الفاء الثانية زائدة وثبت كذلك لأبي
ذر في سورة النساء فيأتي السهم يرمى به قوله أو يضربه معطوف على فيأتي لا على
فيصيب أي يقتل إما بالسهم وإما بالسيف قوله فأنزل الله تعالى إن الذين توفاهم
الملائكة ظالمي أنفسهم
13 -
( باب إذا بقي في حثالة من الناس )
أي هذا باب فيه إذا بقي مسلم في حثالة من الناس بضم الحاء المهملة وتخفيف الثاء
المثلثة وهي رديء كل شيء وما لا خير فيه وجواب إذا مقدر وهو ماذا يصنع قيل هذه
الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبري وصححه ابن حبان من طريق العلاء بن عبد الرحمان بن
يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كيف
بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم
واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه قال فما تأمرني قال عليك بخاصتك ودع عنك
عوامهم وقال ابن بطال أشار البخاري إلى هذا الحديث ولم يخرجه لأن العلاء ليس من
شرطه فأدخل معناه في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه
7086 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) حدثنا ( الأعمش ) عن ( زيد بن وهب
) حدثنا ( حذيفة ) قال حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا
أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا
عن رفعها قال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت
ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط
فتراه منتبرا وليس فيه شيء ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال
إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه
مثقال حبة خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما
رده علي الإسلام وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه وأما اليوم فما كنت أبايع إلا
فلانا وفلانا
انظر الحديث 6497 وطرفه
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وقد ذكرنا أن ابن بطال قال أدخل البخاري معنى حديث
أبي هريرة الذي ذكرناه الآن في حديث حذيفة وهذا الحديث بعينه سندا ومتنا مضى في
كتاب الرقاق في باب رفع الأمانة فراجعه لأن الكلام فيه قد بسطناه
قوله وحدثنا عن رفعها هو الحديث الثاني وفيه علم من أعلام نبوته لأن فيه الإخبار
عن فساد أديان الناس وقلة أمانتهم في آخر الزمان والجذر بفتح الجيم وكسرها وسكون
الذال المعجمة الأصل أي كانت لهم بحسب الفطرة وحصلت لهم بالكسب من الشريعة والوكت
بفتح الواو وسكون الكاف وبالتاء المثناة من فوق الأثر اليسير وقيل السواد وقيل
اللون المخالف للون الذي قبله والمجل بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها هو التنفط
الذي يحصل في اليد من العمل ونفط بكسر الفاء ولم يؤنث الضمير باعتبار العضو
ومنتبرا مفتعلا من الانتبار وهو الارتفاع ومنه المنبر والأمانة ضد الخيانة وقيل هي
التكاليف الإلاهية ومعنى المبايعة هنا البيع والشراء أي كنت أعلم أن الأمانة في
الناس فكيف أقدم على معاملة من اتفق غير مبال بحاله وثوقا بأمانته أو أمانة الحاكم
عليه فإنه إن كان مسلما فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله
(24/196)
على أدائها وإن كان كافرا وذكر النصراني على سبيل
التمثيل فساعيه أي المولى عليه يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ويستخرج حقي منه
وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أئتمنه على بيع أو شراء إلا
فلانا وفلانا يعني أفرادا من الناس قلائل
14 -
( باب التعرب في الفتنة )
أي هذا باب في بيان التعرب بفتح العين المهملة وضم الراء المشددة وبالباء الموحدة
وهو الإقامة بالبادية والتكلف في صيرورته أعرابيا وقيل التعرب السكنى مع الأعراب
وهو أن ينتقل المهاجر من البلد الذي هاجر إليه فيسكن البادية فيرجع بعد هجرته
أعرابيا وكان ذلك محرما إلا أن يأذن له الشارع في ذلك وقيده بالفتنة إشارة إلى ما
ورد من الإذن في ذلك عند حلول الفتن ووقع في رواية كريمة التعزب بالزاي وبينهما
عموم وخصوص وقال صاحب المطالع وجدته بخط البخاري بالزاي وأخشى أن يكون وهما فإن صح
فمعناه البعد والاعتزال
7087 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( حاتم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة
بن الأكوع ) أنه دخل على الحجاج فقال يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت قال لا
ولكن رسول الله أذن لي في البدو
مطابقته للترجمة ظاهرة وحاتم بالحاء المهملة هو ابن إسماعيل الكوفي ويزيد من
الزيادة ابن أبي عبيد بضم العين مولى سلمة بن الأكوع
والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة كلاهما عن قتيبة كالبخاري قوله
على الحجاج هو ابن يوسف الثقفي وذلك لما ولي الحجاج إمرة الحجاز بعد قتل ابن
الزبير فسار من مكة إلى المدينة وذلك في سنة أربع وسبعين وقيل إن سلمة مات في آخر
خلافة معاوية سنة ستين ولم يدرك زمن إمارة الحجاج قوله ارتددت على عقبيك كأنه أشار
بهذا إلى ما جاء من حديث ابن مسعود أخرجه النسائي مرفوعا لعن الله آكل الربا
وموكله الحديث وفيه والمرتد بعد هجرته إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد قوله
قال لا أي لم أسكن البادية رجوعا عن هجرتي ولكن بالتشديد والتخفيف قوله في البدو
أي في الإقامة فيه والبدو البادية
وعن يزيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة
وتزوج هناك امرأة وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى أقبل قبل أن يموت بليال فنزل
المدينة
هو موصول بالسند المذكور قوله إلى الربذة بفتح الراء والباء الموحدة والذال
المعجمة موضع بالبادية بين مكة والمدينة قاله بعضهم قلت الربذة هي التي جعلها عمر
رضي الله تعالى عنه حمى لإبل الصدقة وهي بالقرب من المدينة على ثلاث مراحل منها
قريب من ذات عرق قوله فلم يزل بها وفي رواية الكشميهني هناك قوله فنزل المدينة
هكذا فنزل بالفاء في رواية المستملي والسرخسي وفي رواية غيرهما نزل بلا فاء وهذا
يشعر بأن سلمة لم يمت بالبادية كما جزم به يحيى بن عبد الوهاب بن مندة في معرفة
الصحابة وقال يحيى بن بكير وغيره مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة
7088 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الرحمان بن عبد الله
بن أبي صعصعة ) عن أبيه عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أنه قال قال رسول
الله يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها سعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه
من الفتن
مطابقته للترجمة تؤخذ من آخر الحديث وتقدم في الإيمان في باب من الدين الفرار من
الفتن فإنه أخرجه هناك عن
(24/197)
عبد الله بن سلمة عن مالك إلى آخر وتقدم أيضا في باب
العزلة من كتاب الرقاق
قوله سعف الجبال بالسين والعين المهملتين وبالفاء رأس الجبل وأعلاه قوله ومواقع
القطر أي المطر والمواقع جملة حالية من الضمير المستتر في يتبع
15 -
( باب التعوذ من الفتن )
أي هذا باب في بيان التعوذ من الفتن قال ابن بطال في مشروعية ذلك الرد على من قال
اسألوا الله الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين وزعم أنه ورد في حديث لا يثبت رفعه بل
الصحيح خلافه وقد أخرج أبو نعيم من حديث علي رضي الله تعالى عنه بلفظ لا تكرهوا
الفتنة في آخر الزمان فإنها تعبير المنافقين وفي سنده ضعيف ومجهول
7089 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) حدثنا ( هشام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله
عنه قال سألوا النبي حتى أحفوه بالمسألة فصعد النبي ذات يوم المنبر فقال لا
تسألوني عن شيء إلا بينت لكم فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاث رأسه في
ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي فقال
أبوك حذافة ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ
بالله من سوء الفتن فقال النبي ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي
الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط
قال قتادة يذكر هاذا الحديث عند هاذه الآية ياأيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن
أشيآء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم عفا الله عنها
والله غفور حليم
مطابقته للترجمة في قوله نعوذ بالله من شر الفتن ومعاذ بضم الميم ابن فضالة بفتح
الفاء وتخفيف الضاد المعجمة وهشام هو الدستوائي والحديث مضى في الدعوات عن حفص بن
عمر
قوله حتى أحفوه بالحاء المهملة أي ألحوا عليه في السؤال وبالغوا قوله ذات يوم
المنبروفي رواية الكشميهني على المنبر قوله لاث رأسه هكذا في رواية الكشميهني وفي
رواية غيره فإذا كل رجل رأسه في ثوبه ولاث بالثاء المثلثة من اللوث وهو الطي
والجمع ومنه لثت العمامة ألوثها لوثا قوله فأنشأ رجل أي بدأ بالكلام قوله كان إذا
لاحى بالحاء المهملة أي إذا جادل وخاصم يدعى إلى غير أبيه يعني يقولون له يا ابن
فلان وهو خلاف أبيه قوله فقال أبوك حذافة في رواية معتمر سمعت أبي عن قتادة عند
الإسماعيلي واسم الرجل خارجة وقيل قيس بن حذافة وقيل المعروف أن القائل عبد الله
بن حذافة أخو خارجة قوله من سوء الفتن بضم السين وبالهمزة وفي رواية الكشميهني من
شر الفتن بفتح الشين المعجمة وتشديد الراء قوله صورت على صيغة المجهول وفي رواية
الكشميهني صورت لي قوله دون الحائط أي عنده
قوله قال قتادة يذكر بضم الياء وسكون الذال وفتح الكاف ووقع في رواية الكشميهني
يذكر على صيغة المعلوم وهذا أوجه
7090 - وقال ( عباس النرسي ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) حدثنا ( قتادة
) أن ( أنسا ) حدثهم أن نبي الله بهذا وقال كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي وقال
عائذا بالله من سوء الفتن أو قال أعوذ بالله من سوء الفتن
عباس بالباء الموحدة والسين المهملة ابن الوليد بن نصر الباهلي البصري النرسي بفتح
النون وسكون الراء وبالسين المهملة وقال الكلاباذي نرس لقب جدهم كان اسمه نصرا
فقال له بعض النبط نرس بدل نصر فبقي لقبا عليه فنسب ولده إليه وقيل نهر من أنهار
الفرات بالعراق يقال له نهر النرس تضاف إليه الثياب النرسية وهو يروي عن يزيد بن
زريع مصغر زرع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة إلى آخره
بهذا أي بهذا الحديث الماضي وصله أبو نعيم في
(24/198)
المستخرج من رواية محمد بن عبد الله بن رسته بضم
الراء وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة المفتوحة قال حدثنا العباس بن الوليد
به قوله وقال كل رجل أي قال أنس كل رجل كان هناك حال كونه لافا بتشديد الفاء رأسه
في ثوبه يبكي ويروى لاف وهو الأوجه وقوله يبكي خبر قوله كل رجل لأنه مبتدأ ولما
ألحوا على رسول الله في المسألة كره مسائلهم وعز على المسلمين الإلحاح والتعنت
عليه وتوقعوا نزول عقوبة الله عليهم فبكوا خوفا منها فمثل الله تعالى الجنة والنار
له وأراه كل ما يسأله عنه قوله وقال أي كل رجل قال عائذا بالله أي حال كونه
مستعيذا بالله من سوء الفتن قوله أو قال أعوذ بالله شك من الراوي ويحتمل أن يكون
الشك بين قوله عائذا بالله وقوله أعوذ بالله ويحتمل أن يكون بين قوله من سوء الفتن
وقوله من شر الفتن
7091 - وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد ومعتمر عن أبيه عن قتادة أن
أنسا حدثهم عن النبي بهاذا وقال عائذا بالله من شر الفتن
أي قال البخاري قال لي خليفة هو ابن خياط بطريق المذاكرة عن يزيد بن زريع عن سعيد
بن أبي عروبة ومعتمر بن سليمان بن طرخان عن قتادة إلى آخره قوله بهذا أي بالحديث
المذكور قال عائذ بالله من شر الفتن بالشين المعجمة والراء المشددة
16 -
( باب قول النبي الفتنة من قبل المشرق )
أي هذا باب في ذكر قول النبي الفتنة من قبل المشرق بكسر القاف وفتح الباء الموحدة
أي من جهته
7092 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) عن ( معمر ) عن (
الزهري ) عن ( سالم ) عن أبيه عن النبي أنه قام إلى جنب المنبر فقال الفتنة هاهنا
الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي ومعمر بفتح الميمين ابن
راشد وسالم هو ابن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي
والحديث أخرجه الترمذي في الفتن عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق
قوله حدثني عبد الله ويروى حدثنا قوله قرن الشيطان ذهب الداودي إلى أن للشيطان
قرنين على الحقيقة وذكر الهروي أن قرنيه ناحيتي رأسه وقيل هذا مثل أي حينئذ يتحرك
الشيطان ويتسلط وقيل القرن القوة أي تطلع حين قوة الشيطان وإنما أشار إلى المشرق
لأن أهله يومئذ كانوا أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذلك كانت وهي
وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق
وكانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين قتل عثمان رضي الله تعالى عنه
وكان يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه وذلك من دلالات نبوته قوله أو قرن الشمس شك
من الراوي وقال الجوهري قرن الشمس أعلاها
7093 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ل ( يث ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي
الله عنهما أنه سمع رسول الله وهو مستقبل المشرق يقول ألا إن الفتنة هاهنا من حيث
يطلع قرن الشيطان
هذا عن عبد الله بن عمر أيضا أخرجه عن قتيبة عن ليث بن سعيد إلى آخره
(24/199)
7094 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( أزهر بن
سعد ) عن ( ابن عون ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) قال ذكر النبي اللهم بارك لنا في
شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا قال اللهم بارك لنا
في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في
الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان
انظر الحديث 1037
مطابقته للترجمة في قوله وهناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان وأشار بقوله
هناك إلى نجد ونجد من المشرق قال الخطابي نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان
نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل النجد ما ارتفع من الأرض
وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة اليمن
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وأزهر بن سعد السمان البصري يروي عن عبد الله بن
عون بالنون ابن أرطبان البصري
والحديث مضى في الاستسقاء عن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في المناقب عن بشر بن
آدم ابن بنت أزهر السمان عن جده أزهر به وقال حسن صحيح غريب والفتن تبدو من المشرق
ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج والدجال وقال كعب بها الداء العضال وهو الهلاك في
الدين وقال المهلب إنما ترك الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في
جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن
7095 - حدثنا ( إسحاق الواسطي ) حدثنا ( خالد ) عن ( بيان ) عن ( وبرة بن عبد
الرحمان ) عن ( سعيد بن جبير ) قال خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا
حديثا حسنا قال فبادر إليه رجل فقال يا أبا عبد الرحمان حدثنا عن القتال في الفتنة
والله يقول وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا
على الظالمين وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله
بما يعملون بصير فقال هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك إنما كان محمد يقاتل المشركين
وكان الدخول في دينهم فتنة وليس كقتالكم على الملك
مطابقته للترجمة من حيث إن فيها الفتنة من قبل المشرق سألوا هنا عن ابن عمر أن
يحدثهم بحديث حسن فيه ذكر الرحمة فحدثهم بحديث الفتنة
وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي يروي عن خالد بن عبد الله الطحان ووقع في بعض النسخ
خلف بدل خالد وما أظن صحته وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء وبعد الألف نون
بن بشر بالشين المعجمة الأحمسي بالمهملتين ووبرة بفتح الواو والباء الموحدة والراء
ابن عبد الرحمان الحارثي والباء مفتوحة عند الجميع وبه جزم ابن عبد البر وقال عياض
ضبطناه في مسلم بسكون الباء
والحديث مضى في التفسير عن أحمد بن يونس
قوله حديثا حسنا أي حسن اللفظ يشمل على ذكر الرحمة والرخصة قوله فبادرنا بفتح
الراء فعل ومفعول وقوله رجل فاعله واسمه حكيم قوله إليه أي إلى ابن عمر قوله فقال
يا عبد الرحمان أصله يا أبا فحذفت الألف للتخفيف وأبو عبد الرحمان كنية عبد الله
بن عمر قوله والله يقول يريد الاحتجاج بالآية على مشروعية القتال في الفتنة وأن
فيها الرد على من ترك ذلك كابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال ابن عمر ثكلتك أمك
بكسر الكاف أي عدمتك أمك وهو وإن كان على صورة الدعاء عليه لكنه ليس مقصودا وقد
مرت قصته في سورة البقرة وهي أنه قيل له في فتنة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما
ما يمنعك أن تخرج وقال تعالى والفتنة هي الكفر وكان قتالنا على الكفر وقتالكم على
الملك أي في طلب الملك وأشار به إلى ما وقع بين مروان ثم عبد الملك ابنه وبين ابن
الزبير وما أشبه ذلك وكان رأي عبد الله بن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن
إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة
(24/200)
17 -
( باب الفتنة التي تموج كموج البحر )
أي هذا باب في بيان الفتنة التي تموج كموج البحر قيل أشار به إلى ما أخرجه ابن أبي
شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه في هذه الأمة خمس فتن فذكر
الأربعة ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح الناس فيها كالبهائم أي لا عقول
لهم
وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهاذه الأبيات عند الفتن
قال امرؤ القيس
( الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول )
( حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها
ولت عجوزا غير ذات حليل )
( شمطاء ينكر لونها وتغيرت
مكروهة للشم والتقبيل )
أي قال سفيان بن عيينة عن خلف بالخاء واللام المفتوحتين ابن حوشب بفتح الحاء
المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبالباء الموحدة كان من أهل الكوفة روى عن
جماعة من كبار التابعين وأدرك بعض الصحابة لكن لا يعلم روايته عنهم وكان عابدا من
عباد أهل الكوفة وثقه العجلي وقال النسائي لا بأس به وأثنى عليه ابن عيينة وليس له
في البخاري إلا هذا الموضع قوله كانوا أي السلف قوله عند الفتن أي عند نزولها قوله
قال امرؤ القيس كذا وقع عند أبي ذر في نسخته والمحفوظ أن هذه الأبيات لعمرو بن معد
يكرب الزبيدي وقد جزم به المبرد في الكامل وتعليق سفيان هذا وصله البخاري في
التاريخ الصغير عن عبد الله بن محمد المسندي حدثنا سفيان بن عيينة قوله فتية بفتح
الفاء وكسر التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف أي شابة ويجوز فيه ضم
الفاء بالتصغير ويجوز فيه الرفع والنصب وأما الرفع فعلى أنه خبر وذلك أن الحرب
مبتدأ وأول ما تكون بدل منه وما مصدرية وتكون تامة تقديره أول كونها وفتية خبر
المبتدأ وقال الكرماني وجاز في أول وفتية أربعة أوجه نصبهما ورفعهما ونصب الأول
ورفع الثاني والعكس وكان إما ناقصة وإما تامة ثم سكت ولم يبين وجه ذلك قلت وجه
نصبهما أن يكون الأول منصوبا على الظرف وفتية مرفوعا على الخبرية وتكون ناقصة
والتقدير الحرب في أول حالها فتية ووجه العكس أن يكون الأول مبتدأ ثانيا أو بدلا
من الحرب ويكون تامة وقد خبط بعضهم في هذا المكان يعرفه من يقف عليه قوله بزينتها
بكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وبالنون ورواه سيبويه ببزتها بالباء الموحدة
والزاي المشددة والبزة اللباس الجيد قوله حتى إذا اشتعلت بشين معجمة وعين مهملة
يقال اشتعلت النار إذا ارتفع لهيبها وإذا يجوز أن يكون ظرفية ويجوز أن يكون شرطية
وجوابها قوله ولت قوله وشب بالشين المعجمة والباء الموحدة المشددة يقال شبت الحرب
إذا اتقدت قوله ضرامها بكسر الضاد المعجمة وهو ما اشتعل من الحطب قوله غير ذات
حليل بفتح الحاء المهملة وكسر اللام وهو الزوج ويروى بالخاء المعجمة وهو ظاهر قوله
شمطاء من شمط بالشين المعجمة اختلاط الشعر الأبيض بالشعر الأسود ويجوز في إعرابه
النصب على أن يكون صفة لعجوز ويجوز فيه الرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي
شمطاء قوله ينكر على صيغة المجهول ولونها مرفوع به أي بدل حسنها بقبح ووقع في
رواية الحميدي والسهيلي في الروض
شمطاء جزت رأسها
قوله مكروهة نصب على الحال من الضمير الذي في تغيرت والمراد بالتمثيل بهذه الأبيات
استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك فيصدهم عن
الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولا
7096 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) حدثنا أبي حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا
( شقيق ) سمعت
(24/201)
( حذيفة ) يقول نحن جلوس عند عمر إذ قال أيكم يحفظ
قول النبي في الفتنة قال فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة
والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليس عن هاذا أسألك ولاكن التي تموج
كموج البحر قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا قال
عمر أيكسر الباب أم يفتح قال بل يكسر قال عمر إذا لا يغلق أبدا قلت أجل قلنا
لحذيفة أكان عمر يعلم الباب قال نعم كما أعلم أن دون غد ليلة وذالك أني حدثته
حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب فأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب
قال عمر
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن
شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان
والحديث مضى في الصلاة في باب المواقيت مطولا وفي الزكاة عن قتيبة عن جرير وفي
الصوم عن علي بن عبد الله ومضى الكلام فيه
قوله ليس عليك وفي رواية الكشميهني عليكم بالجمع قوله بينك وبينها بابا مغلقا قيل
قال هذا ثم قال آخرا هو الباب وأجيب بأن المراد بين زمانك وحياتك وبينها أو الباب
بدل عمر وهو بين الفتنة وبين نفسه قوله أيكسر الباب أم يفتح قال ابن بطال أشار
بالكسر إلى قتل عمر وبالفتح إلى موته وقال عمر إذا كان بالقتل فلا تسكن الفتنة
أبدا قوله كما أعلم أن دون غد ليلة أي علما ضروريا قوله بالأغاليط جمع الأغلوطة
وهي الكلام الذي يغالط به ويغالط فيه قوله فأمرنا أي قلنا أو طلبنا
وفيه أن الأمر لا يشترط فيه العلو والاستعلاء
7097 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شريك بن عبد الله
) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( أبي موسى الأشعري ) قال خرج النبي يوما إلى حائط من
حوائط المدينة لحاجته وخرجت في إثره فلما دخل الحائط جلست على بابه وقلت لأكونن
اليوم بواب النبي ولم يأمرني فذهب النبي وقضاى حاجته وجلس على قف البئر فكشف عن
ساقيه ودلاهما في البئر فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل فقلت كما أنت حتى أستأذن
لك فوقف فجئت إلى النبي فقلت يا نبي الله أبو بكر يستأذن عليك قال ائذن له وبشره
بالجنة فدخل فجاء عن يمين النبي فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فجاء عمر فقلت كما
أنت حتى أستأذن لك فقال النبي ائذن له وبشره بالجنة فجاء عن يسار النبي فكشف عن
ساقيه فدلاهما في البئر فامتلأ القف فلم يكن فيه مجلس ثم جاء عثمان فقلت كما أنت
حتى استأذن لك فقال النبي ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه فدخل فلم يجد معهم
مجلسا فتحول حتى جاء مقابلهم على شفة البئر فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر
فجعلت أتمنى أخا لي وأدعو الله أن يأتي
قال ابن المسيب فتأولت ذالك قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه وهذا من جملة الفتن
التي تموج كموج البحر ولهذا خصه
(24/202)
بالبلاء ولم يذكر ما جرى على عمر رضي الله تعالى عنه
لأنه لم يمتحن مثل ما امتحن عثمان من التسلط عليه ومطالبة خلع الإمامة والدخول على
حرمه ونسبة القبائح إليه
وشريك بن عبد الله هو ابن أبي نمر ولم يخرج البخاري عن شريك بن عبد الله النخعي
القاضي شيئا
والحديث مضى في فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن محمد وكسر الراء وسكون الياء
آخر الحروف وبالسين المهملة قوله ولم يأمرني يعني بأن أعمل بوابا وقال الداودي في
الرواية الأخرى أمرني بحفظ الباب وهو اختلاف وليس المحفوظ إلا أحدهما ورد عليه بإمكان
الجمع بأنه فعل ذلك ابتداء من قبل نفسه فلما استأذن أولا لأبي بكر وكان كشف عن
ساقيه أمره بحفظ الباب قوله على قف البئر وفي رواية الكشميهني وجلس في قف البئر
والقف ما ارتفع من متن الأرض وقال الداودي ما حول البئر وقال الكرماني القف بضم
القاف وهو البناء حول البئر وحجر في وسطها وشفيرها ومصبها قوله ودلاهما أي أرسلهما
فيها قوله كما أنت أي قف واثبت كما أنت عليه قوله معها بلاء هو البلية التي صار
بها شهيد الدار قوله مقابلهم اسم مكان فتحا واسم فاعل كسرا قوله فتأولت وفي رواية
الكشميهني فأولت أي فسرت ذلك بقبورهم وذلك من جهة كونهما مصاحبين له مجتمعين عند
الحضرة المباركة التي هي أشرف البقاع على وجه الأرض لا من جهة أن أحدهما عن اليمين
والآخر عن اليسار قوله وانفرد عثمان يعني لم يدفن معهما ودفن في البقيع
حدثني ( بشر بن خالد ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) سمعت (
أبا وائل ) قال قيل لأسامة ألا تكلم هاذا قال قد كلمته ما دون أن أفتح بابا أكون
أول من يفتحه وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرا على رجلين أنت خير بعد ما
سمعت من رسول الله يقول يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه
فيطيف به أهل النار فيقولون أي فلان ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهاى عن المنكر
فيقول إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهاى عن المنكر وأفعله
انظر الحديث 3267
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ بالتعسف من كلام أسامة وهو أنه لم يرد فتح الباب
بالمجاهرة بالتنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك من كونه فتنة ربما تؤول إلى
أن تموج كموج البحر
وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد اليشكري وسليمان هو الأعمش
وأبو وائل شقيق بن سلمة وأسامة هو ابن زيد حب رسول الله
والحديث مضى في صفة النار عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى
بن يحيى وغيره
قوله قيل لأسامة ألا تكلم هذا لم يبين هنا من هو القائل لأسامة ألا تكلم هذا ولا
المشار إليه بقوله هذا من هو وقد بين في رواية مسلم قيل له ألا تدخل على عثمان رضي
الله تعالى عنه وتكلمه في شأن الوليد بن عقبة وما ظهر منه من شرب الخمر وقال
الكرماني ألا تكلم فيما يقع بين الناس من الغيبة والسعي في إطفاء إثارتها قوله قال
قد كلمته ما دون أن أفتح بابا أي كلمته شيئا دون أن أفتح بابا من أبواب الفتن أي
كلمته على سبيل المصلحة والأدب والسر دون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوها وكلمة
ما موصوفة قوله أكون أول من يفتحه وفي رواية الكشميهني أول من فتحه بصيغة الماضي
قوله وأنت خير في رواية الكشميهني ائت خيرا بكسر الهمزة والتاء بصيغة الأمر من
الإيتاء وخيرا بالنصب على المفعولية قوله يجاء برجل على صيغة المجهول وكذلك فيطرح
قوله فيطحن على بناء المعلوم قوله كطحن الحمار وفي رواية الكشميهني كما يطحن قوله
فيطيف به أهل النار أي يجتمعون حوله يقال أطاف به القوم إذا حلقوا حوله حلقة قوله
أي فلان يعني
(24/203)
يا فلان فإن قلت ما مناسبة ذكر أسامة هذا الحديث هنا
قلت ذكره ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه وقال قد كلمته سرا دون أن
أفتح باب الإنكار على الأئمة علانية خشية أن تفترق الكلمة ثم عرفهم بأنه لا يداهن
أحدا ولو كان أميرا بل ينصح له في السر جهده
18 -
( باب )
كذا وقع لفظ باب من غير ترجمة وسقط لابن بطال وقد ذكرنا غير مرة أن هذا كالفصل
للكتاب ولا يعرب إلا إذا قلنا هذا باب لأن الإعراب لا يكون إلا في المركب
7099 - حدثنا ( عثمان بن الهيثم ) حدثنا ( عوف ) عن ( الحسن ) عن ( أبي بكرة ) قال
لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال لن
يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
انظر الحديث 4425
مطابقته للكتاب من حيث إن أيام الجمل كانت فتنة شديدة ووقعتها مشهورة كانت بين علي
وعائشة رضي الله تعالى عنهما وسميت وقعة الجمل لأن عائشة كانت على جمل
وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة وعوف هو
الأعرابي والحسن هو البصري كلهم بصريون
والحديث مضى في المغازي
قوله لقد نفعني الله أخرج الترمذي والنسائي عن أبي بكرة بلفظ عصمني الله بشيء
سمعته من رسول الله قوله إن فارسا مصروف في النسخ وقال ابن مالك الصواب عدم الصرف
وقال الكرماني يطلق على الفرس وعلى بلادهم فعلى الأولى يجب الصرف إلا أن يقال
المراد القبيلة وعلى الثاني جاز الأمران قوله ابنه كسرى كسرى هذا شيرويه بن إبرويز
بن هرمز وقال الكرماني كسرى بكسر الكاف وفتحها ابن قباذ بضم القاف وتخفيف الباء
الموحدة واسم ابنته بوران بضم الباء الموحدة وبالراء والنون وكانت مدة ملكها سنة
وستة أشهر قوله لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة قوم مرفوع لأنه فاعل لن يفلح وامرأة
نصب على المفعولية وفي رواية حميد ولي أمرهم امرأة بالرفع لأنه فاعل ولي وأمرهم
بالنصب على المفعولية واحتج به من منع قضاء المرأة وهو قول الجمهور وخالف الطبري
فقال يجوز أن تقتضي فيما تقبل شهادتها فيه وأطلق بعض المالكية الجواز
7100 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا يحياى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش
حدثنا أبو حصين حدثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال لما صار طلحة والزبير
وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعد
المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا
إليه فسمعت عمارا يقول إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في
الدنيا والآخرة ولاكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي
انظر الحديث 3772 وطرفه
هذا مطابق للحديث السابق من حيث المعنى فالمطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء
وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي و ( يحيى بن آدم ) بن سليمان الكوفي صاحب
الثوري و ( أبو بكر بن عياش ) بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين
المعجمة المقري و ( أبو حصين ) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين اسمه عثمان بن
عاصم الأسدي وأبو مريم عبد الله بن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف
الأسدي الكوفي وثقه العجلي والدارقطني وما له في البخاري إلا هذا الحديث
(24/204)
قوله لما سار طلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة
والزبير هو ابن العوام أحد العشرة وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم وأصل
ذلك أن عائشة كانت بمكة لما قتل عثمان ولما بلغها الخبر قامت في الناس تحضهم على
القيام بطلب دم عثمان وطاوعوها على ذلك واتفق رأيهم في التوجه إلى البصرة ثم خرجوا
في سنة ست وثلاثين في ألف من الفرسان من أهل مكة والمدينة وتلاحق بهم آخرون فصاروا
إلى ثلاثين ألفا وكانت عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية رجل من عرينة
بمائتي دينار فدفعه إلى عائشة وكان علي رضي الله تعالى عنه بالمدينة ولما بلغه
الخبر خرج في أربعة الآف فيهم أربعمائة ممن بايعوا تحت الشجرة وثمانمائة من
الأنصار وهو الذي ذكره البخاري بعث علي عمار بن ياسر وابنه الحسن فقدما الكوفة
فصعدا المنبر يعني عمارا والحسن صعدا منبر جامع الكوفة فكان الحسن بن علي فوق
المنبر لأنه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم قوله فسمعت
عمارا القائل أبو مريم الراوي يقول سمعت عمارا يقول إن عائشة قد سارت إلى البصرة
والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة أراد بذلك عمار رضي الله تعالى عنه أن
الصواب مع علي وإن صدرت هذه الحركة عن عائشة فإنها بذلك لم تخرج عن الإسلام ولا عن
كونها زوجة النبي في الجنة ولكن الله ابتلاكم ليعلم على صيغة المجهول أي ليميز
قوله إياه الضمير يرجع إلى علي قوله أم هي أي أم تطيعون هي يعني عائشة ووقع في
رواية ابن أبي شيبة من طريق بشر بن عطية عن عبد الله بن زياد قال قال عمار إن أمنا
سارت مسيرها هذا وإنها والله زوج محمد في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلانا بها
ليعلم إياه نطيع أو إياها انتهى إنما قال هي وكان المناسب أن يقول إياها لأن
الضمائر يقوم بعضها مقام البعض والذي يفهم من كلام الشراح أن قوله ليعلم على بناء
المعلوم فلذلك قال الكرماني فإن قلت إن الله تعالى عالم أبدا وأزلا وما هو كائن
وسيكون قلت المراد به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز عن
التمييز لأن التمييز لازم للعلم انتهى ثم إن وقوع الحرب بين الطائفتين كان في
النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ولما تواثب الفريقان بعد استقرارهم في
البصرة وقد كان مع علي نحو عشرين ألفا ومع عائشة نحو ثلاثين ألفا كانت الغلبة
لعسكر علي وقال الزهري ما شوهدت وقعة مثلها فني فيها الكماة من فرسان مضر فهرب ابن
الزبير فقتل بوادي السباع وجاء طلحة سهم غرب فحملوه إلى البصرة ومات وحكى سيف عن
محمد وطلحة قالا كان قتلى الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب
عائشة وقيل قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي ألف
وقيل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف وقيل سبعون شيخا من بني
عدي كلهم قراء القرآن سوى الشباب
( باب )
للإسماعيلي وسقط في رواية الباقين لأن فيه الحديث الذي قبله وإن كان فيه زيادة في
القصة
7101 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( ابن أبي غنية ) عن ( الحكم ) عن ( أبي وائل )
قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذكر مسيرها وقال إنها زوجة نبيكم في الدنيا
والآخرة ولاكنها مما ابتليتم
انظر الحديث 3772 وطرفه
أبو نعيم الفضل بن دكين وابن أبي غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء
آخر الحروف وهو عبد الملك بن حميد الكوفي أصله من أصفهان وليس له في البخاري إلا
هذا الحديث والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الدار وأبو وائل شقيق بن سلمة
قوله قام عمار على منبر الكوفة هذا طرف من الحديث الذي قبله وأراد البخاري بإيراده
(24/205)
تقوية حديث أبي مريم لكونه مما انفرد به أبو حصين
ولكنها أي ولكن عائشة قوله مما ابتليتم على صيغة المجهول أي امتحنتم بها
7102 7103 7 - 1 - 0 - 4 - حدثنا ( بدل بن المحبر ) حدثنا ( شعبة ) أخبرني ( عمرو
) سمعت ( أبا وائل ) يقول دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث بعثه علي إلى أهل
الكوفة يستنفرهم فقالا ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا من إسراعك في هاذا الأمر
منذ أسلمت فقال عمار ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن
هاذا الأمر وكساهما حلة حلة ثم راحوا إلى المسجد
الحديث 7102 - طرفه في 7106 0الحديث 7103 - طرفه في 7105 0الحديث 7104 - طرفه في
7107
بدل بفتح الباء الموحدة والدال المهملة ابن المحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة
وتشديد الباء الموحدة وبالراء من التحبير اليربوعي البصري وقيل الواسطي وهو من
أفراده وعمرو هو ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو موسى
الأشعري عبد الله بن قيس وأبو مسعود عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف وبالباء
الموحدة ابن عامر البدري الأنصاري
قوله حيث بعثه علي وفي رواية الكشميهني حين بعثه قوله يستنفرهم أي يطلب منهم
الخروج لعلي على عائشة وفي رواية الإسماعيلي يستنفر أهل الكوفة على أهل البصرة
قوله فقالا أي أبو موسى وأبو مسعود قوله ما رأيناك الخطاب لعمار وجعل كل منهم
الإبطاء والإسراع عيبا بالنسبة لما يعتقده والباقي ظاهر قوله وكساهما أي كسى أبو
مسعود والدليل على أن الذي كسى أبو مسعود ماصرح به في الرواية الآتية وإن كان
الضمير المرفوع في كساهما هاهنا محتملا قوله وكان أبو مسعود موسرا جوادا وقال ابن
بطال كان اجتماعهم عند أبي مسعود في يوم الجمعة فكسى عمارا حلة ليشهد بها الجمعة لأنه
كان في ثياب السفر وهيئة الحرب فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب وكره أن يكسوه
بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى فكسى أبا موسى أيضا والحلة اسم لثوبين من أي ثوب
كان إزارا ورداء قوله ثم راحوا إلى المسجد أي ثم راح عمار وأبو موسى وعقبة إلى
مسجد الجامع بالكوفة
7105 7106 7 - 1 - 0 - 7 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن (
شقيق بن سلمة ) قال ( كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار ) فقال ( أبو مسعود
) ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي
أعيب عندي من استسراعك في هاذا الأمر قال عمار يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من
صاحبك هاذا شيئا منذ صحبتما النبي أعيب عندي من إبطائكما في هاذا الأمر فقال أبو
مسعود وكان موسرا يا غلام هات حلتين فأعطاى إحداهما أبا موسى والأخراى عمارا وقال
روحا فيه إلى الجمعة
انظر الأحاديث 7102 و7103 و7104
عبدان لقب عبد الله بن عثمان وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون
والأعمش سليمان وشقيق بن سلمة أبو وائل
قوله لقلت فيه أي لقدحت فيه بوجه من الوجوه قوله أعيب أفعل التفضيل من العيب وفيه
رد على النحاة حيث قالوا أفعل التفضيل من الألوان والعيوب لا يستعمل من لفظه قال
الكرماني الإبطاء فيه كيف يكون عيبا قلت لأنه تأخر عن مقتضى إنما المؤمنون إخوة
فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون
19 -
( باب إذا أنزل الله بقوم عذابا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أنزل الله بقوم عذابا وجواب إذا محذوف اكتفى به بما ذكر
في الحديث
7108 - حدثنا ( عبد الله بن عثمان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن (
الزهري ) أخبرني ( حمزة
(24/206)
بن عبد الله بن عمر ) أنه سمع ( ابن عمر ) رضي الله
عنهما يقول قال رسول الله إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم
بعثوا على أعمالهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن عثمان هو عبدان المذكور فيما قبل الباب وعبد
الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد والزهري محمد بن مسلم وحمزة بن عبد
الله يروي عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن حرملة
قوله من كان فيهم كلمة من من صيغ العموم يعني يصيب الصالحين منهم أيضا لكن يبعثون
يوم القيامة على حسب أعمالهم فيثاب الصالح بذلك لأنه كان تمحيصا له ويعاقب غيره
20 -
( باب قول النبي للحسن بن علي إن ابني هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من
المسلمين )
أي هذا باب قول النبي الخ قوله لسيد اللام فيه للتأكيد وفي رواية المروزي
والكشميهني سيد بغير لام
7109 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( إسرائيل أبو موسى )
ولقيته بالكوفة وجاء إلى ابن شبرمة فقال أدخلني على عيساى فأعظه فكأن ابن شبرمة
خاف عليه فلم يفعل قال حدثنا الحسن قال لما سار الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى
معاوية بالكتائب قال عمرو بن العاص لمعاوية أراى كتيبة لا تولي حتى تدبر أخراها
قال معاوية من لذراري المسلمين فقال أنا فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمان بن
سمرة نلقاه فنقول له الصلح
قال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة قال بينا النبي يخطب جاء الحسن فقال النبي إن ابني
هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله بن المديني وسفيان هو ابن عيينة وإسرائيل
هو ابن موسى وكنيته أبو موسى وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه وهو بصري كان يسافر في
التجارة إلى الهند وأقام بها مدة
قيته بالكوفة قائل هذا سفيان والجملة حالية قوله وجاء ابن شبرمة هو عبد الله قاضي
الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور ومات في زمنه سنة أربع وأربعين ومائة وكان صارما
عفيفا ثقة فقيها قوله أدخلني على عيسى فأعظه عيسى هو ابن موسى بن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس ابن أخي المنصور وكان أميرا على الكوفة إذ ذاك و أعظه بفتح
الهمزة وكسر العين المهملة وفتح الظاء المعجمة من الوعظ فكأن بالتشديد أي فكان ابن
شبرمة خاف عليه أي على إسرائيل فلم يفعل أي فلم يدخله على عيسى بن موسى ولعل سبب
خوفه عليه أنه كان ناطقا بالحق فخشي أن لا يتلطف بعيسى فيبطش به لما عنده من عزة
الشباب وعزة الملك وفيه دلالة على أن من خاف على نفسه سقط عند الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر قوله بالكتائب جمع كتيبة على وزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجمع
وهي فعيلة بمعنى مفعولة لأن أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في
ديوانه قوله لا تولي بالتشديد أي لا تدبر أخراها أي الكتيبة التي لخصومهم قوله قال
معاوية من لذراري المسلمين أي من يتكفل لهم حينئذ والذراري بالتشديد والتخفيف جمع
ذرية قوله فقال عبد الله بن عامر بن كريز مصغر الكرز بالراء والزاي العبشمي وعبد
الرحمان بن سمرة نلقاه أي نجتمع به ونقول له نحن نطلب الصلح وهذا ظاهره أنهما بدأ
بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح أن معاوية هو الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا
أنفسهما فوافقهما وآخر الأمر وقع
(24/207)
الصلح فقيل في سنة أربعين وقيل في سنة إحدى وأربعين
والأصح أنه تم في هذه السنة ولهذا كان يقال له عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على
معاوية
قوله قال الحسن أي البصري وهو موصول بالسند المتقدم قوله ولقد سمعت أبا بكرة هو
نفيع بن الحارث الثقفي وفيه تصريح بسماع الحسن عن أبي بكرة قوله ابني هذا أطلق
الابن على ابن البنت قوله ولعل الله استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء
والأشهر في خبر لعل بغير أن كقوله تعالى ياأيها النبى إذا طلقتم النسآء فطلقوهن
لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن
يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل
الله يحدث بعد ذلك أمرا قوله فئتين زاد عبد الله بن محمد في روايته عظيمتين وحديث
الحسن هذا قد مضى في كتاب الصلح بأتم منه
وفيه من الفوائد علم من أعلام النبوة ومنقبة للحسن بن علي لأنه ترك الخلافة لا
لعلة ولا لذلة ولا لقلة بل لحقن دماء المسلمين وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود
الأفضل لأن الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في
الحياة وهما بدريان قاله ابن التين وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك
صلاحا للمسلمين وجواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه بأن يكون
المنزول له أولى من النازل وأن يكون المبذول من مال الباذل
7110 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال قال ( عمرو ) أخبرني ( محمد
بن علي ) أن حرملة مولى أسامة أخبره قال عمرو وقد رأيت حرملة قال أرسلني أسامة إلى
علي وقال إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك فقل له يقول لك لو كنت في شدق الأسد
لأحببت أن أكون معك فيه ولاكن هذا أمر لم أره فلم يعطني شيئا فذهبت إلى حسن وحسين
وابن جعفر فأوقروا إلي راحلتي
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله فذهبت إلى حسن وحسين إلى آخره فإن فيه دلالة
على غاية كرم الحسن وسيادته لأن الكريم يصلح أن يكون سيدا
وأخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد
بن علي بن الحسين بن علي أبي جعفر الباقر عن حرملة مولى أسامة بن زيد
وفي هذا السند ثلاثة من التابعين في نسق عمرو وأبو جعفر وحرملة وهذا الحديث من
أفراده
قوله أرسلني أسامة إلى علي أي من المدينة إلى علي وهو بالكوفة ولم يذكر مضمون
الرسالة ولكن قوله فلم يعطني شيئا دل على أنه كان أرسله يسأل عليا شيئا من المال
قوله وقال إنه أي وقال أسامة لحرملة إنه أي عليا سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك
أي ما السبب في تخلفه عن مساعدتي قوله فقل له أي لعلي يقول لك أسامة لو كنت في
شدقه الأسد لأحببت أن أكون معك فيه أي في شدق الأسد وهو بكسر الشين المعجمة ويجوز
فتحها وسكون الدال المهملة وبالقاف وهو جانب الفم من داخل ولكل فم شدقان إليهما
ينتهي شدقه الفم وهذا الكلام كناية عن الموافقة في حالة الموت لأن الذي يفترسه
الأسد بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك قوله ولكن هذا أمر لم أره يعني قتال
المسلمين وكان قد تخلف لأجل كراهته قتال المسلمين وسببه أنه لما قتل مرداسا وعاتبه
النبي على ذلك قرر على نفسه أن لا يقاتل مسلما قوله فلم يعطني شيئا هذه الفاء فاء
الفصيحة والتقدير فذهبت إلى علي رضي الله تعالى عنه فبلغته ذلك فلم يعطني شيئا
قوله فأوقروا إلي راحلتي أي حملوا إلي على راحلتي ما أطاقت حمله ولم يعين جنس ما
أعطوه ولا نوعه والراحلة الناقة التي صلحت للركوب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وأكثر
ما يطلق الوقر بكسر الواو على ما يحمل البغل والحمار وأما حمل البعير فيقال له
الوسق
21 -
( باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال أحد عند قوم شيئا ثم خرج من عندهم فقال بخلاف ما قاله
وفي التوضيح معنى الترجمة إنما هو في خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ورجوعهم عن
بيعته وما قالوا له وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته
7111 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع )
قال لما خلع أهل
(24/208)
المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده إني
سمعت النبي يقول ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هاذا الرجل على
بيع الله ورسوله وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم
ينصب له القتال وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هاذا الأمر إلا كانت
الفيصل بيني وبينه
مطابقته للترجمة من حيث إن في القول في الغيبة بخلاف ما في الحضور نوع غدر
وأيوب هو السختياني والحديث مضى في الجزية وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي الربيع
قوله حشمه أي خاصته الذين يغضبون له قوله لكل غادر من الغدر وهو ترك الوفاء بالعهد
قوله لواء أي راية قوله وإنا قد بايعنا هذا الرجل أي يزيد قوله على بيع الله
ورسوله أي على شرط ما أمر الله به من البيعة قوله من أن يبايع من المبايعة وأصله
من البيعة وهي الصفقة من البيع وذلك أن من بايع سلطانه فقد أعطاه الطاعة وأخذ منه
العطية فأشبهت البيع الذي فيه المعاوضة من أخذ وعطاء قوله ثم ينصب له القتال بفتح
أوله وفي رواية مؤمل نصب له القتال قوله ولا أعلم أحدا منكم خلعه أي يزيد عن
الخلافة ولم يبايعه فيها قوله ولا تابع بالتاء المثناة من فوق كذا قاله الكرماني قلت
هذا قول الأكثرين وفي رواية الكشميهني ولا بايع بالباء الموحدة وبالياء آخر الحروف
قوله إلا كانت الفيصل إنما أنث كانت باعتبار الخلعة والمتابعة ويروى إلا كان
بالتذكير وهو الأصل والفيصل بفتح الصاد الحاجز والفارق والقطاع وقيل هو بمعنى
القطع والياء فيه زائدة لأنه من الفصل وهو القطع يقال فصل الشيء قطعه
7112 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو شهاب ) عن ( عوف ) عن ( أبي المنهال )
قال لما كان ابن زياد ومروان بالشأم ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة
فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية
له من قصب فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال يا أبا برزة ألا ترى ما وقع
فيه الناس فأول شيء سمعته تكلم به إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء
قريش إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة وإن
الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد حتى بلغ بكم ما ترون وهاذه الدنيا التي أفسدت بينكم
إن ذاك الذي بالشأم والله إن يقاتل إلا على الدنيا وإن هؤلاء الذين بين أظهركم
والله إن يقاتلون إلا على الدنيا
( الحديث 7112 - طرفه في 7271
مطابقته للترجمة من حيث إن الذي عليهم أبو برزة كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل
القيام بأمر الدين ونصر الحق وكانوا في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي
وهو شيخ مسلم أيضا وأبو شهاب هو عبد ربه بن نافع المدايني الحناط بالحاء المهملة
والنون وهو أبو شهاب الأصغر وعوف بالفاء المشهور بالأعرابي وأبو المنهال بكسر
الميم وسكون النون سيار بن سلامة
قوله لما كان ابن زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن أبي سفيان الأموي
بالاستلحاق ومروان هو ابن الحكم بن أبي العاص ابن عم عثمان رضي الله تعالى عنه
قوله وثب ابن الزبير الواو فيه للحال أي وثب على الخلافة عبد الله بن الزبير ظاهر
الكلام أن وثوب ابن الزبير وقع بعد قيام ابن زياد ومروان بالشام وليس كذلك وإنما
وقع في الكلام حذف وتحريره ما وقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن عوف قال
حدثنا أبو المنهال قال لما كان زمن خروج ابن زياد يعنى من البصرة وثب مروان بالشام
ووثب ابن الزبير بمكة ووثب الذين يدعون القراء بالبصرة غم أبي غما شديدا وتصحيح ما
وقع في رواية ابن شهاب بأن يزاد
(24/209)
واو قبل قوله وثب ابن الزبير بأن ابن زياد لما أخرج
من البصرة توجه إلى الشام فقام مع مروان قلت فلذلك وقع الواو في بعض النسخ قبل
قوله وثب ابن الزبير ووقع في بعض النسخ بدون زيادة الواو فإن قلت ما جواب لما في
قوله لما كان ابن زياد ومروان بالشام قلت على عدم زيادة الواو هو قوله وثب وعلى
تقدير الواو يكون الجواب قوله فانطلقت مع أبي والفاء يدخل في جوابه كقوله تعالى
وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد
وما يجحد بئاياتنآ إلا كل ختار كفور قوله ووثب القراء بالبصرة والقراء جمع قارىء
وهم طائفة سموا أنفسهم توابين لتوبتهم وندامتهم على ترك مساعدة الحسين رضي الله
تعالى عنه وكان أميرهم سليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء الخزاعي كان
فاضلا قارئا عابدا وكان دعواهم إنا نطلب دم الحسين ولا نريد الإثارة غلبوا على
البصرة ونواحيها وهذا كله عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية قوله فانطلقت مع أبي
قائله أبو المنهال وأبو سلامة الرياحي قوله إلى أبي برزة بفتح الباء الموحدة
وإسكان الراء وبالزاي واسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الأسلمي الصحابي
غزا خراسان فمات بها قوله هو جالس الواو فيه للحال قوله في ظل علية بضم العين
المهملة وكسرها وتشديد اللام والياء آخر الحروف وهي الغرفة ويجمع على علالي وأصل
علية عليوة فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء قوله فأنشأ أبي أي جعل أبي
يستطعمه الحديث أي يستفتحه ويطلب منه التحديث قوله فقال يا با برزة فحذفت الألف
للتخفيف قوله إني احتسبت عند الله أي تقربت إليه وفي رواية الكشميهني احتسب قيل
معناه أنه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله الأجر على ذلك لأن الحب في
الله والبغض في الله من الإيمان قوله ساخطا حال ويروى لائما قوله على أحياء قريش
أي على قبائلهم قوله إنكم معشر العرب وفي رواية ابن المبارك العريب قوله كنتم على
الحال الذي علمتم وفي رواية يزيد بن زريع على الحال التي كنتم عليها في جاهليتكم
قوله حتى بلغ بكم ما ترون أي من العزة والكثرة والهداية قوله إن ذاك الذي بالشام
يعني مروان بن الحكم والله إن يقاتل أي ما يقاتل إلا على الدنيا
وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا وإن هاؤلاء الذين بين أظهركم
والله إن يقاتلون إلا على الدنيا
هذا أيضا من جملة كلام أبي برزة ولا يوجد إلا في بعض النسخ قوله وإن ذاك الذي بمكة
أراد به عبد الله بن الزبير قوله وإن هؤلاء الذين بين أظهركم أراد بهم القراء
توضحه رواية ابن المبارك إن الذين حولكم الذين يزعمون أنهم قراؤهم قوله إن بكسر
الهمزة وسكون النون بعد قوله والله كلمة النفي
7113 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( شعبة ) عن ( واصل الأحدب ) عن ( أبي
وائل ) عن ( حذيفة بن اليمان ) قال إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي
كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون
مطابقته للترجمة من حيث إن جهرهم بالنفاق وشهر السلاح على الناس بخلاف ما بذلوه من
الطاعة حين بايعوا أولا
وواصل هو ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الأسدي الكوفي يقال
له بياع السابري بضم الباء الموحدة وأبو وائل هو شقيق بن سلمة
والحديث أخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم
قوله على عهد النبي يتعلق بمقدر وهو نحو تاءين إذ لا يجوز أن يقال هو متعلق
بالضمير القائم مقام المنافقين إذا الضمير لا يعمل قيل إنما كان شرا لأن سرهم لا
يتعدى إلى غيرهم وقال ابن التين أراد أنهم أظهروا من السر ما لم يظهر أولئك فإنهم
لم يصرحوا بالكفر وإنما هو التفث يلقونه بأفواههم فكانوا يعرفون به
7114 - حدثنا ( خلاد ) حدثنا ( مسعر ) عن ( حبيب بن أبي ثابت ) عن ( أبي الشعثاء )
عن ( حذيفة ) قال إنما كان النفاق على عهد النبي فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد
الإيمان
(24/210)
مطابقته للترجمة من حيث إن المنافق في هذا اليوم قال
بكلمة الإسلام بعد أن ولد فيه وعلى فطرته ثم أظهر كفرا فصار مرتدا فدخل في الترجمة
من جهة قوليه المختلفين
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام وبالدال المهملة ابن يحيى بن صفوان أبو
محمد السلمي الكوفي سكن مكة ومسعر بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن كدام الكوفي
وحبيب ضد العدو واسم أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي وأبو الشعثاء بفتح الشين
المعجمة وسكون العين المهملة وبالثاء المثلثة مؤنث الأشعث واسمه سليم مصغر سلم ابن
أسود المحاربي قيل ليس في الكتب الستة لأبي الشعثاء عن حذيفة إلا هذا الحديث
معنعنا
قوله إنما كان النفاق أي موجودا على عهد النبي قوله فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد
الإيمان كذا في رواية الأكثرين وفي رواية فإنما هو الكفر أو الإيمان وكذا حكى
الحميدي في جمعه أنهما روايتان قوله إنما هو الكفر لأن المسلم إذا أبطن الكفر صار
مرتدا هذا ظاهره لكن قيل غرضه أن التخلف عن بيعة الإمام جاهلية ولا جاهلية في
الإسلام أو هو تفرق وقال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة
الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا
حفرة من النار فأنقذكم منها كذالك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون وهو غير
مستور اليوم فهو الكفر بعد الإيمان
22 -
( باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور )
أي هذا باب فيه لا تقوم الساعة حتى يغبط على صيغة المجهول الغبطة تمني مثل حال المغبوط
من غير إرادة زوالها عنه بخلاف الحسد فإن الحاسد يتمنى زوال نعمة المحسود تقول
غبطته أغبطه غبطا وغبطة وتغبيط أهل القبور تمني الموت عند ظهور الفتن إنما هو لخوف
ذهاب الدين لغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر
7115 - حدثنا ( إسماعيل ) حدثني ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن (
أبي هريرة ) عن النبي قال لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني
مكانه
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبي أويس اسمه عبد الله وأبو الزناد بالزاي
والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة قوله يا ليتني مكانه يعني يا ليتني كنت ميتا
وقد مر الوجه في ذلك الآن وعن ابن مسعود قال سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم فيه
الموت يباع لاشتراه
23 -
( باب تغيير الزمان حتى يعبدوا الأوثان )
أي هذا باب في بيان تغيير الزمان عن حاله الأول قوله حتى يعبدوا الأوثان وسقوط
النون فيه من غير جازم لغة ويروى حتى تعبد الأوثان وهو جمع وثن وهو كل ما له جثة
معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو الحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب فيعبد
والصنم الصورة بلا جثة ومنهم من لم يفرق بينهما
7116 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال قال ( سعيد بن
المسيب ) أخبرني ( أبو هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى
تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في
الجاهلية
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن ذا الخلصة اسم صنم لدوس وعبادتهم إياها من تغيير الزمان
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة والهري محمد بن مسلم والحديث من
أفراده
قوله أخبرني أبو هريرة ويروى إن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم يقول قوله حتى تضطرب أي يضرب بعضها بعضا وقال ابن التين فيه الإخبار بأن نساء
دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور فهو المراد باضطراب ألياتهن
والألياة بفتح الهمزة واللام جمع ألية وهي العجيزة وجمعها أعجاز وقال الكرماني
معناه لا تقوم الساعة حتى تضطرب أي تتحرك أعجاز نسائهم من الطواف حول ذي الخلصة أي
حتى يكفرن ويرجعن إلى عبادة الأصنام قوله طاغية دوس بفتح الدال قبيلة أبي هريرة
(24/211)
وذو الخلصة بفتح الخاء المعجمة وفتح اللام وقيل
بسكونها وقيل بضمها وهو موضع ببلاد دوس كان فيه صنم يعبدونه اسمه الخلصة والطاغية
الصنم ولفظ البخاري يشعر بأن ذا الخلصة هي الطاغية نفسها إلا أن يقال كلمة فيها أو
كلمة هي محذوفة لكن تقدم في كتاب الجهاد في باب حرق الدور بأنه بيت في خثعم تسمى
كعبة اليمانية
7117 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثني ( سليمان ) عن ( ثور ) عن ( أبي
الغيث ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان
يسوق الناس بعصاه
انظر الحديث 3517
مطابقته للترجمة من حيث إن سوق رجل من قحطان الناس بعصاه إنما يكون في تغيير
الزمان وتبديل أحوال الإسلام لأن هذا الرجل ليس من رهط الشرف الذين جعل الله فيهم
الخلافة ولا من فخذ النبوة وبهذا يرد على الإسماعيلي في قوله هذا ليس من ترجمة
الباب في شيء
وسلميان هو ابن بلال وثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد الديلمي وأبو الغيث بفتح
الغين وسكون الياء آخر الحروف اسمه سالم والسند كلهم كوفيون
والحديث قد مضى في مناقب قريش وأخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة به
قوله من قحطان هو قبيلة وهو أبو اليمن وقال الرشاطي قحطان بن عابر بن شالخ بن
أرفخشذ بن سام بن نوح وقال القرطبي قوله يسوق الناس بعصاه كناية عن غلبته عليهم
وانقيادهم له ولم يرد نفس العصا وقيل إنه يسوقهم بعصاه حقيقة كما يساق الإبل
والماشية لشدة عنفه على الناس
24 -
( باب خروج النار )
أي هذا باب في خروج النار من أرض الحجاز
وقال أنس قال النبي أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا التعليق وصله في إسلام عبد الله بن سلام من طريق حميد
عن أنس ولفظه وأول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ووصله في أحاديث
الأنبياء عليهم السلام من وجه آخر عن حميد والأشراط العلامات واحدها شرط بفتحتين
وقال ابن التين يريد بقوله أول أشراط الساعة أنها تخرج من اليمن حتى تؤديهم إلى
بيت المقدس فإن قلت جاء في حديث حذيفة بن أسيد لا تقوم الساعة حتى تكون عشر فعدها
وعد في الأولى خروج الدجال وفي آخره وأخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى
محشرهم وفي التوضيح وقد جاء في حديث إن النار آخر أشراط الساعة قلت يجوز أن يقال
لكل واحد أول لتقارب بعضه من بعض أو إن الأول أمر نسبي يطلق على ما بعده باعتبار
الذي يليه
7118 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال ( سعيد بن المسيب
) أخبرني ( أبو هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تخرج
نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله عن قريب ذكروا والحديث من أفراده
قوله قال سعيد بن المسيب وفي رواية أبي نعيم عن سعيد بن المسيب قوله نار من أرض
الحجاز قال القرطبي في التذكرة خرجت نار بالحجاز بالمدينة وكان بدؤها زلزلة عظيمة
في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت
إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت وظهرت النار بقريظة عند قاع التنعيم بطرف الحرة
ترى في صور البلد العظيم عليها سور محيط بها عليه شراريف كشراريف الحصون وأبراج
ومآذن ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته
(24/212)
ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوي كدوي
الرعد يأخذ الصخور والجبال بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي فاجتمع من ذلك
ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة ومع ذلك فكان يأتي ببركة
النبي المدينة نسيم بارد وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر وانتهت إلى قرية من قرى
اليمن فأحرقتها وقال بعض أصحابنا لقد رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام من
المدينة وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى وقال النووي تواتر العلم بخروج هذه
النار عند جميع أهل الشام وقال أبو شامة في ذيل الروضتين وردت في أوائل شعبان سنة
أربع وخمسين كتب من المدينة فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصحيحين
فذكر هذا الحديث وفي بعض الكتب ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقي المدينة
نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض وسال منها واد من نار حتى
حاذى جبل أحد وفي كتاب آخر سال منها واد مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال
يجري على وجه الأرض يخرج منها مهاد وجبال صغار وفي كتاب آخر ظهر ضوؤها إلى أن
رأوها من مكة قوله تضيء أعناق الإبل تضيء فعل وفاعل وأعناق الإبل مفعوله وتضيء
يأتي لازما ومتعديا قوله ببصرى بضم الباء الموحدة وإسكان الصاد المهملة وبالراء
مقصورا مدينة معروفة وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل
7119 - حدثنا ( عبد الله بن سعيد الكندي ) حدثنا ( عقبة بن خالد ) حدثنا ( عبيد
الله ) عن ( خبيب بن عبد الرحمان ) عن جده ( حفص بن عاصم ) عن ( أبي هريرة ) قال
قال رسول الله يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا
قال عقبة وحدثنا عبيد الله حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي مثله
إلا أنه قال يحسر عن جبل من ذهب
مطابقته للترجمة من حيث إنه ذكر عقيب الحديث السابق وبنيهما مناسبة في كون كل
منهما من أشراط الساعة والمناسب للشيء مناسب لذلك الشيء
وشيخه عبد الله بن سعيد هو أبو سعيد الأشج مشهور بكنيته وصفته وهو من الطبقة
الوسطى الثالثة من شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري سنة واحدة ومات سنة سبع وخمسين
ومائتين وعقبة بالقاف ابن خالد الكوفي وعبد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر
بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم المشهور بالعمري وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح
الباء الموحدة ابن عبد الرحمان بن خبيب بن يساف الأنصاري
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن سهل بن عثمان عن عقبة وأخرجه أبو داود في الملاحم
والترمذي في صفة الجنة جميعا عن أبي سعيد عن عبد الله بن سعيد بن الأشج به
قوله عن جده حفص بن عاصم أي ابن عمر بن الخطاب والضمير لعبيد الله بن عمر لا لشيخه
قوله يوشك أي يقرب وهو بكسر الشين المعجمة قوله الفرات نهر مشهور بالتاء المجرورة
وقيل يجوز أن يكتب بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه قوله أن يحسر
بفتح أوله وسكون الحاء المهملة وكسر السين المهملة وفتحها أي ينكشف عن الكنز لذهاب
مائه وهو لازم ومتعد قوله فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن
بأن يكون دنانير أو قطعا أو تبرا ولكن وجه منع الأخذ لأنه مستعقب للبليات وهو آية
من الآيات وقال ابن التين إنما نهى عن الأخذ منه لأنه للمسلمين فلا يؤخذ إلا بحقه
واعترض عليه بأنه غير ظاهر وإنما النهي لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه
وأخرج مسلم من حديث أبي بن كعب سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول يوشك
أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب فإذا سمع الناس ساروا إليه فيقتلون عليه فيقتل من كل
مائة تسعة وتسعون فإن قلت وقع عند ابن ماجه فيه فيقتل من كل عشرة تسعة قلت هذه
رواية شاذة والمحفوظ رواية مسلم ويمكن الجمع باختلاف تقسيم الناس إلى طائفتين
قوله قال عقبة هو ابن
(24/213)
خالد المذكور وهو موصول بالسند المذكور حدثنا عبيد
الله هو العمري المذكور وأشار بهذا إلى أن لعبيد الله المذكور إسنادين أحدهما فيه
عن كنز من ذهب والآخر عن جبل من ذهب رواه عبيد الله عن أبي الزناد بالزاي والنون
عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة
25 -
( باب )
أي هذا باب وهو كالفصل لما قبله ووقع بلا ترجمة عند جميع الرواة وسقط من شرح ابن
بطال وذكر أحاديثه في الباب الذي قبله
7120 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا معبد سمعت حارثة بن وهب قال سمعت
رسول الله يقول تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها
قال مسدد حارثة أخو عبيد الله بن عمر لأمه قاله أبو عبد الله
انظر الحديث 1411 وطرفه
لما كان هذا الباب المجرد كالفصل كانت أحاديثه ملحقة بالباب المترجم الذي قبله
والمطابقة بينهما ظاهرة
و ( يحيى ) هو ابن سعيد القطان و ( معبد ) بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء
الموحدة ابن خالد بن العاص وحارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة ابن وهب الخزاعي
يعد في الكوفيين
والحديث مضى في الزكاة عن علي وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره
قوله فلا يجد من يقبلها لكثرة الأموال وقلة الرغبات للعلم بقرب قيام الساعة وقصر
الآمال
قوله أخو عبيد الله لأمه هي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم
الخزاعية ذكرها ابن سعد قال وكان الإسلام فرق بينها وبين عمر قوله قاله أبو عبد
الله ليس بمذكور في أكثر النسخ وأبو عبد الله هو البخاري نفسه
7121 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( عبد
الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان
عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من
ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان
وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال
من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به وحتى يتطاول الناس
في البنيان وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه وحتى تطلع الشمس من
مغربها فإذا اطلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان
ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن
لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد
رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها
هذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد تكرر جدا قربا وبعدا
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله
بن ذكوان وعبد الرحمان هو ابن هرمز الأعرج والحديث من أفراده
قوله فئتان عظيمتان قال الكرماني طائفتان علي ومعاوية وعن ابن منده أخرجه ابن
عساكر في ترجمة معاوية من طريقه ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي
(24/214)
أبي زرعة الرازي قال جاء رجل إلى عمي فقال له إني
أبغض معاوية قال لم قال لأنه قاتل عليا بغير حق فقال له أبو زرعة رب معاوية رب
رحيم وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما وقيل الفئتان الخوارج وعلي بن أبي
طالب رضي الله تعالى عنه قوله دعوتهما واحدة أي يدعيان الإسلام ويتأول كل منهما
أنه محق قوله حتى يبعث أي حتى يظهر دجالون جمع دجال أي خلاطون بين الحق والباطل
مموهون والفرق بينهم وبين الدجال الأكبر أنهم يدعون النبوة وهو يدعي الإلاهية
لكنهم كلهم مشتركون في التمويه وادعاء الباطل العظيم وقد وجد كثير منهم فضحهم الله
وأهلكهم قوله قريب مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي عددهم قريب قال الكرماني أو
منصوب مكتوب بلا ألف على اللغة الربيعية وقد وقع في حديث ثوبان بالجزم أنهم ثلاثون
وهو سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي
أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان وروى أبو يعلى من حديث عبد الله بن عمرو
بين يدي الساعة ثلاثون دجالا كذابا وكذا رواه أحمد من حديث علي رضي الله عنه
والطبراني من حديث ابن مسعود وروى أحمد والطبراني من حديث سمرة المصدر بالكسوف
وفيه ولا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال وروى الطبراني من
حديث عبد الله بن عمر ولا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا وسنده ضعيف وكذا عن
أبي يعلى من حديث أنس وهو أيضا ضعيف وهو وإن ثبت فمحمول على المبالغة في الكثرة لا
على التحديد وروى أحمد بسند جيد عن حذيفة يكون في أمتي دجالون كذابون سبعة وعشرون
منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين ولا نبي بعدي قوله وكلهم يزعم أنه رسول الله
ظاهره يدل على أن كلا منهم يدعي النبوة وهذا هو السر في قوله ويقبض العلم يعني
يقبض العلماء وقد تقدم في كتاب العلم من أشراط الساعة أن يرفع العلم وفي رواية أن
يقل العلم قوله وتكثر الزلازل وقد استمرت الزلزلة في بلدة من بلاد الروم التي هي للمسلمين
ثلاثة عشر شهرا قوله ويتقارب الزمان أي أهله بأن يكون كلهم جهالا ويحتمل الحمل على
الحقيقة بأن يعتدل الليل والنهار دائما وذلك بأن تنطبق منطقة البروج على معدل
النهار قوله حتى يكثر فيكم المال إشارة إلى ما وقع من الفتوح واقتسامهم أموال
الفرس والروم في زمن الصحابة قوله فيفيض من الفيضان وهو أن يكثر حتى يسيل كالوادي
وهذا إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز لأنه وقع في زمنه أن الرجل كان
يعرض ماله للصدقة فلا يجد من يقبل صدقته قوله حتى يهم بضم الياء وكسر الهاء قال
ابن بطال رب هو مفعول و من يقبل فاعله ويهمه أي يحزنه وقال النووي بضم الياء وكسر
الهاء وبفتح الياء وضم الهاء وحينئذ يكون رب فاعلا أي يقصده قوله من يقبل قال
الكرماني ظاهره أن يقال من لا يقبل قلت يريد به من شأنه أن يكون قابلا لها قوله لا
أرب بفتحتين أي لا حاجة لي به وهذا إشارة إلى ما سيقع في زمن عيسى عليه السلام
قوله به للمبالغة قوله لقحته بكسر اللام القريبة العهد بالولادة والناقة الحلوب
قوله فلا يطعمه أي فلا يشربه قوله هو يليط يقال لاط ويليط إذ طينه وأصلحه وألصقه
يقال لاط حبه بقلبي يليط ويلوط ليطا ولوطا ولياطة وقال الجوهري لطت الحوض بالطين
ألواطه لوطا أي طينته وقال الهروي كل شيء لصق بشيء فقد لاط به يلوط لوطا ويليط
أيضا قوله أكلته بضم الهمزة وهي اللقمة وبفتحها المرة الواحدة إلى فيه أي إلى فمه
26 -
( باب ذكر الدجال )
أي هذا باب في بيان ذكر الدجال وقد مضى الكلام فيه عن قريب
7122 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا يحياى حدثنا إسماعيل حدثني قيس قال قال لي المغيرة بن
شعبة ما سأل أحد النبي عن الدجال ما سألته وإنه قال لي ما يضرك منه قلت لأنهم
يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذالك
(24/215)
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( يحيى ) هو القطان و (
إسماعيل ) هو ابن أبي خالد
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن شهاب بن عباد وآخرين وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد
بن عبد الله بن نمير
قوله الدجال قال الكرماني هو شخص بعينه ابتلى الله عباده به وأقدره على أشياء من
مقدورات الله تعال من إحياء الميت واتباع كنوز الأرض وإمطار السماء وإنبات الأرض
بأمره ثم يعجزه الله عز و جل بعد ذلك فلا يقدر على شيء من ذلك وهو يكون مدعيا
للإلاهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله من انتقاصه بالعور وعجزه عن إزالته
عن نفسه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه فإن قلت إظهار المعجزة على يد الكذاب
ليس يمكن قلت إنه يدعي الإلاهية واستحالته ظاهرة فلا محذور فيه بخلاف مدعي النبوة
فإنها ممكنة فلو أتى الكاذب فيها بمعجزة لالتبس النبي بالمتنبي وفائدة تمكينه من
هذه الخوارق امتحان العباد قوله وإنه أي وإن النبي قال لي ما يضرك منه أي من
الدجال قوله لأنهم أي لأن الناس ويروى أنهم وهو رواية المستملي قال الكرماني هو
متعلق بمقدر يناسب المقام وقدر بعضهم الخشية منه مثلا وفيه تأمل قوله جبل وفي
رواية مسلم معه جبال من خبز ولحم قوله ونهر بسكون الهاء وفتحها قوله هو أهون على
الله من ذلك قال القاضي هو أهون على الله من أن يجعل ذلك سببا لضلال المؤمنين بل
هو ليزداد الذين آمنوا إيمانا وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك
7123 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( نافع ) عن (
ابن عمر أراه ) عن النبي قال أعور العين اليمناى كأنها عنبة طافية
مطابقته للترجمة ظاهرة ووهيب مصغر وهب ابن خالد وأيوب هو السختياني
قوله أراه بضم الهمزة القائل به هو البخاري وقد سقط قوله أراه إلى آخره في رواية
المستملي وأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني فصارت صورته موقوفة وبذلك جزم
الإسماعيلي والحديث في الأصل مرفوع فقد أخرجه مسلم من رواية حماد بن زيد عن أيوب
فقال فيه عن النبي قوله أعور العين اليمنى أي أعور عين الجهة اليمنى وفي رواية أبي
ذر أعور عين اليمنى بلا ألف ولام قوله طافئة بالهمزة وهي التي ذهب نورها وبلا همزة
الناتئة الشاخصة
7124 - حدثنا ( سعد بن حفص ) حدثنا ( شيبان ) عن يحياى عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة عن أنس بن مالك قال النبي يجىء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ثم ترجف
المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي وشيبان هو أبو معاوية
النحوي و ( يحيى ) هو ابن أبي كثير بالثاء المثلثة والحديث من أفراده
قوله حتى ينزل في ناحية المدينة ويأتي عن قريب بعد باب ينزل بعض السباخ التي تلي
المدينة وفي رواية حماد بن سلمة عن إسحاق عن أنس فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه
فيخرج إليه كل منافق ومنافقة والجرف بضم الجيم والراء وبالفاء مكان بطريق المدينة
من جهة الشام على ميل وقيل ثلاثة أميال والرواق الفسطاط وفي رواية ابن ماجه من
حديث أبي أمام