حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج33.وج34.عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العين

ج33 وج34.عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني  

ج33 عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني  

دعائه وأنه لم يحل الحول ومنهم أحد غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض قوله قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر قيل لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط فإن عاصما قتله صبرا بأمر النبي بعد أن انصرفوا من بدر قوله مثل الظلة بضم الظاء المعجمة وهي السحابة قوله من الدبر بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وهي الزنابير وقيل ذكور النحل ولا واحد له من لفظه قوله فحمته بفتح الحاء المهملة والميم أي منعته منهم فلم يقدروا منه على شيء وفي رواية شعيب فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمه شيئا وفي رواية أبي الأسود عن عروة فبعث الله عليهم الدبر يطير في وجوههم ويلدغهم فحالت بينهم وبين أن يقطعوا
4087 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) سمع جابرا يقول الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة
سفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله وأبو سروعة بكسر السين المهملة وسكون الراء وفتح الواو والعين المهملة كنية عقبة بن الحارث
4088 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي فقتلوهم فدعا النبي عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المنقري المقعد وعبد الوارث هو ابن سعيد وعبد العزيز هو ابن صهيب قوله لحاجة فسر قتادة الحاجة في الحديث الذي يليه بقوله عن أنس أن رعلا وذكوان وبني لحيان استمدوا رسول الله على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار قوله يقال لهم القراء وفي الحديث الذي يليه كنا نسميهم القراء في زمانهم قوله حيانتثنية حي قوله من بني سليم بضم السين قوله رعل أي أحدهما رعل والآخر ذكوان قوله وذلك بدء القنوت أي ابتداء القنوت في الصلاة وقد تقدم الكلام فيه في الصلاة قوله وما كنا نقنت أي قبل ذلك
قال عبد العزيز وسأل رجل أنسا عن القنوت أبعد الركوع أو عند فراغ من القراءة قال لا بل عند فراغ من القراءة
عبد العزيز هو ابن صهيب المذكور وقول أنس هذا صريح في أن قراءة القنوت قبل الركوع
4088 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال بعث النبي سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي فقتلوهم فدعا النبي عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المنقري المقعد وعبد الوارث هو ابن سعيد وعبد العزيز هو ابن صهيب قوله لحاجة فسر قتادة الحاجة في الحديث الذي يليه بقوله عن أنس أن رعلا وذكوان وبني لحيان استمدوا رسول الله على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار قوله يقال لهم القراء وفي الحديث الذي يليه كنا نسميهم القراء في زمانهم قوله حيانتثنية حي قوله من بني سليم بضم السين قوله رعل أي أحدهما رعل والآخر ذكوان قوله وذلك بدء القنوت أي ابتداء القنوت في الصلاة وقد تقدم الكلام فيه في الصلاة قوله وما كنا نقنت أي قبل ذلك
قال عبد العزيز وسأل رجل أنسا عن القنوت أبعد الركوع أو عند فراغ من القراءة قال لا بل عند فراغ من القراءة
عبد العزيز هو ابن صهيب المذكور وقول أنس هذا صريح في أن قراءة القنوت قبل الركوع
4090 - حدثني ( عبد الأعلى بن حماد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى

(17/169)


الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي ذالك فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك رفع بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا
هذا الحديث قد مضى في كتاب الجهاد في باب العون بالمدد من وجه آخر أخرجه عن محمد بن بشار عن ابن أبي عدي وسهل بن يوسف عن سعيد عن قتادة عن أنس إلى آخره وسعيد هو ابن أبي عروبة ومضى الكلام فيه هناك مستوفى وعصية بضم الغين مصغر عصا قوله وبني لحيان قيل ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم وإنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في قصة الرجيع التي تقدمت قوله قرآنا أراد به تفسير القرآن بالكتاب ولذلك قال في الرواية التي تأتي الآن قرآنا كتابا قوله ثم إن ذلك رفع أراد به نسخ ورواه أحمد عن غندر عن شعبة بلفظ ثم نسخ ذلك بلغوا عنا إلى آخره بيان قوله قرآنا
وعن قتادة عن أنس بن مالك حدثه أن نبي الله قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان
هذه رواية أخرى عن قتادة عن أنس إلى آخره
زاد خليفة حدثنا ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا أنس أن أولئك السبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة
هذه رواية أخرى عن قتادة والحاصل أنه روى عن أنس ثلاث روايات الأولى رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس والثانية رواية سعيد عن قتادة عن أنس والثالثة عن قتادة أيضا عن أنس زاد فيها خليفة بن خياط أحد شيوخ البخاري عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة إلى آخره
قرآنا كتابا نحوه
غرضه تفسير القرآن بالكتاب كما ذكرناه قوله نحوه أي نحو رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد ابن زريع إلى آخره
4091 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني أنس أن النبي بعث خاله أخ لام سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف فطعن عامر في بيت أم فلان فقال غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان قال كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم

(17/170)


قريبا وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله فجعل يحدثهم وأومؤا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام أحسبه حتى أنفذه بالرمح قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله تعالى علينا ثم كان من المنسوخ إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي عليهم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصووا الله ورسوله
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهمام بتشديد الميم هو ابن يحيى بن دينار البصري والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب من ينكب في سبيل الله فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن همام عن إسحاق وفيهما من الزيادة والنقصان
قوله بعث خاله أي خال أنس رضي الله تعالى عنه واسمه حرام ضد حلال ابن ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن مالك النجار الأنصاري شهد بدرا مع أخيه سليم بن ملحان وشهدا أحدا وقال الكرماني قوله خاله الضمير لأنس أو للنبي لأنه كان خاله إما من جهة الرضاعة وإما من جهة النسب وإن كان بعيدا قوله أخ لأم سليم أي هو أخ لأم سليم فيكون ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ويروى أخا لأم سليم بالنصب على أنه بدل من قوله خاله الذي هو مفعول بعث وأم سليم بضم السين بنت ملحان كانت تحت مالك بن النضر أبو أنس بن مالك في الجاهلية فولدت له أنس بن مالك فلما جاء الإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري وقال أبو عمر اختلف في إسم أم سليم فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رمية وقيل مليكة ويقال الغميصاء والرميصاء قوله في سبعين راكبا يتعلق بقوله بعث قوله عامر بن الطفيل بضم الطاء مصغر الطفل ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي براء عامر بن مالك قوله خير على صيغة المعلوم والضمير فيه يرجع إلى عامر والمفعول محذوف أي النبي تعالى عليه السلم وروى البيهقي في الدلائل من رواية عثمان بن سعيد عن ( موسى بن اسماعيل ) شيخ البخاري ولفظه وكان أتى النبي فقال له أخيرك بين ثلاث خصال فذكر الحديث قوله أهل السهل أي البوادي وأهل المدر أهل البلاد قوله بأهل غطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء قال الرشاطي غطفان في قيس غيلان غطفان بن سعد بن قيس وفي حذام غطفان بن سعد إبن إياس بن حرام بن حذام وفي جهينة غطفان بن قيس بن جهينة قال ابن دريد غطفان فعلان من الغطف وهو قلة هدب العينين قوله بألف وألف وفي رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء قوله فطعن عامر بضم الطاء المهملة وكسر العين أي أصابه الطاعون وطلع له في أصل أذنه غدة عظيمة كالغدة التي تطلع على البكر قوله غده بضم الغين المعجمة وتشديد الدال قال الأصمعي من أدواء الإبل الغدة يقال أغد البعير فهو مغد وناقة مغد بغير هاء ويقال جمل مغدود وناقة مغدودة وكل قطعة صلبة بين القصبة والسلعة يركبها الشحم فهي غدة تكون في العنق وفي سائر الجسد قوله البكر بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف وهو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس والأنثى بكرة وقد يستعار للناس قوله في بيت امرأة من آل فلان وقد بينت هي في حديث سهل بن سعد أخرجه الطبراني فقال امرأة من آل سلول وفي حديث أيضا وأن النبي دعا عليه أي على عامر فقال أللهم إكفني عامرا قال فجاء إلى بيت امرأة من آل سلول قلت سلول هي بنت ذهل بن شيبان وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها قوله فانطلق حرام وهو خال أنس رضي الله تعالى عنه قوله وهو رجل أعرج الواو فيه للحال على حسب ما وقع هنا على أن الأعرج صفة حرام وليس كذلك بل الأعرج غيره لأن حراما لم يكن أعرج والأعرج غيره وحرام قتل والأعرج لم يقتل والصواب فانطلق حرام هو ورجل أعرج فكان الكاتب قدم الواو سهوا واسم الأعرج كعب بن زيد من بني دينار بن النجار

(17/171)


قال الذهبي بدري قتل مع النبي يوم الخندق ووقع في رواية عثمان بن سعيد فانطلق حرام ورجلان معه رجل أعرج ورجل من بني فلان وبين ابن هشام أن اسم الرجل الذي من بني فلان المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح الخزرجي قوله كونا أي قال حرام للرجل الأعرج وللرجل الذي من بني فلان وقال الكرماني ويروى كونوا باعتبار أن أقل الجمع اثنان قوله كنتم أي ثبتم و كان تامة فلا تحتاج إلى خبر وقال بعضهم فإن آمنوني كنتم وقع هذا بطريق الاكتفاء قلت إن أراد اكتفاء كان عن الخبر فلا يجوز إلا إذا كان كان تامة ووقع في رواية عثمان بن سعيد فإن آمنوني كنتم كذا ووقع لأبي نعيم في ( المستخرج ) فإن آمنوني كنتم قريبا مني قلت كان ناقصة على هاتين الروايتين على ما لا يخفى قوله فقال أتومنونيأي فقال حرام أتعطوني الأمان والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام ويروى أتومنونني على الأصل قوله أبلغ بالجزم لأنه جواب الاستفهام قوله فجعل يحدثهم أي جعل حرام يحدث المشركين الذين أتى إليهم و جعل من أفعال المقاربة وهو من القسم الثالث منها وهو ما وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ في فعله قوله وأومؤاأي أشاروا قوله قال همام هو المذكور في السند قوله أحسبه أي أظن الطعن أنفذه من جانب إلى جانب قوله بالرمح يتعلق بقوله فطعنه قوله قال الله أكبر فزت ورب الكعبة القائل بهذا هو حرام وقد صرح به في الحديث الذي يليه على ما يأتي ومعنى قوله فزت يعني بالشهادة قوله فلحق الرجل في ضبطه مع معناه ثلاثة أوجه الأول أن يكون لحق على صيغة المعلوم والرجل فاعله والمراد به الرجل الذي كان رفيق حرام ويكون فيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين الثاني أن يكون لحق على صيغة المجهول والتقدير لحق الرجل الذي هو رفيق حرام يعني صار ملحوقا فلم يقدر أن يبلغ المسلمين قبل بلوغ المشركين إليهم الثالث أن يكون لفظ الرجل بسكون الجيم وفتح اللام ويكون جمع الراجل ويكون المعنى فلحق الرجال المشركون بالمسلمين فقاتلوهم وقتل المسلمون كلهم أي قتل السبعون الذين أرسلهم النبي غير الأعرج فإنه كان في رأس جبل وفي رواية حفص بن عمر عن همام تقدم في الجهاد فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل قال همام وآخر معه قوله فأنزل الله علينا المنزل هو قوله إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وقوله ثم كان من المنسوخ جملة معترضة أي مما نسخت تلاوته وقال ابن التين إما أن يكون كان يتلى ثم نسخ رسمه أو كان الناس يكثرون ذكره وهو من الوحي ثم تقادم حتى صار لا يذكر إلا خبرا قوله ثلاثين صباحا يعني في صلاة الفجر وفي ( شرف المصطفى ) لما أصيب أهل بئر معونة جاءت الحمى إلى رسول الله فقال إذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله فاتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل لكل رجل من المسلمين عشرة
4092 - حدثني ( حبان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) قال حدثني ( ثمامة بن عبد الله بن أنس ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هاكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال فزت ورب الكعبة
هذا من تعليق الحديث السابق أخرجه عن حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن معمر بن راشد عن ثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله قاضي البصرة يروي عن جده أنس بن مالك وأخرجه النسائي أيضا في المناقب عن محمد بن حاتم بن نعيم عن حبان بن موسى به
قوله كان خاله أي وكان حرام بن ملحان خال أنس رضي الله تعالى عنه قوله يوم ظرف لقوله طعن قوله قال بالدم هكذا هذا من إطلاق القول على الفعل فمعناه أخذ الدم من موضع الطعن فنضحه أي رشه على وجهه ورأسه
4093 - حدثنا ( عبيد الله بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله

(17/172)


تعالى عنها قالت استأذن النبي أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى فقال له أقم فقال يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك فكان رسول الله يقول إني لأرجو ذالك قالت فانتظره أبو بكر فأتاه رسول الله ذات يوم ظهرا فناداه فقال أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هما ابنتاي فقال أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج فقال يا رسول الله الصحبة فقال النبي الصحبة قال يا رسول الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبي إحداهما وهي الجدعاء فرج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرعاء فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدما المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة
مطابقته للترجمة في قوله فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
قوله في الخروج يعني في الهجرة من مكة إلى المدينة قوله الأذى يعني من كفار مكة قوله أتطمع الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام قوله أن يؤذن على صيغة المجهول قوله ظهرا يعني في وقت الظهر قوله فقال أي النبي أخرج بفتح الهمزة من الإخراج ومن عندك في محل النصب على المفعولية قوله إنما هما ابنتاي أراد بهما أسماء وعائشة رضي الله تعالى عنهما قوله أشعرت معناه إعلم لأن الهمزة هنا خرجت عن الاستفهام الحقيقي ومثله قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك ( الشرح 1 ) أي شرحنا ولهذا عطف عليه ووضعنا قوله قد أذن لي على صيغة المجهول
قوله الصحبة منصوب بفعل محذوف أي أتريد الصحبة أي المرافقة في الهجرة والتقدير في الصحبة الثانية نعم أريد الصحبة قوله هي الجدعاء أي الناقة التي أعطاها النبي هي التي تسمى بالجدعاء وهي المقطوعة الأذن ومنه خطب على ناقته الجدعاء وقال ابن الأثير قيل لم تكن ناقته مقطوعة الأذان وإنما كان هذا اسما لها قوله بثور بفتح الثاء المثلثة وهو جبل معروف بمكة مسمى باسم الحيوان المشهور قوله فتواريا أي اختفيا فيه من التواري قوله عامر بن فهيرة هو أبو عمرو كان مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة فاشتراه أبو بكر فأعتقه وأسلم قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم وكان حسن الإسلام وكان مولدا من مولدي الأزد أسود اللون شهد بدرا وأحدا والآن نذكر وفاته قوله لعبد الله بن طفيل كذا وقع هنا وقال الدمياطي صوابه الطفيل بن عبد الله بن سخبرة بن جرثومة بن عائذة بن مرة بن جشم بن الأوس بن عامر بن حفص بن النمر بن عثمان بن نصر بن زهير ابن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد وقال أبو عمر الطفيل بن عبد الله بن سخبرة القرشي قال ابن أبي خيثمة لا أدري من أي قريش هو قال وهو أخو عائشة لأمها وقال الواقدي وكانت أم رومان أم عائشة تحت عبد الله بن الحارث بن سخبرة الأزدي وكان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام وتوفي عن أم رومان وقد ولدت له الطفيل ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فولدت له عبد الرحمن وعائشة فهما أخوا الطفيل هذا لأمه قوله أخو عائشة لأمها وفي رواية الكشميهني أخي عائشة وجه الأول على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أخو عائشة ووجه الثاني على أنه بدل من قوله عبد الله بن الطفيل منحة بكسر الميم وسكون النون وهي ناقة يدر منها اللبن قوله يروح بها ويغدو أي يروح عامر بالمنحة المذكورة ويروح من الرواح وهو الذهاب والمجيء بعد الزوال ويغدو بالغين المعجمة خلاف الرواح وقد غدا يغدو غدوا قوله فيدلج من الإدلاج من باب الافتعال أي يسير من آخر الليل يقال أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل وادلج بالتشديد إذا سار من آخره والاسم

(17/173)


منه دلجة بالضم والفتح ومنهم من يجعل الإدلاج السير في الليل كله قوله ثم يسرح أي ثم يذهب بها إلى المرعى يقال سرحت الماشية تسرح فهي سارحة وسرحتها أنا لازما ومتعديا قوله فلا يفطن به أي فلا يدري به أحد من الرعاء وهو جمع راع قوله فلما خرجا أي النبي وأبو بكر رضي الله تعالى عنه خرج معهما أي خرج عامر بن فهيرة معهما إلى المدينة قوله يعقبانه بضم الياء وقال بعضهم يعقبانه وفيه يركبانه عقبة وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي وقال الكرماني أي يردفانه بالنوبة يعني كان النبي يردف عامرا نوبة وأبو بكر يردفه نوبة قلت الذي قاله الكرماني أولى وأوجه لأن الذي قاله البعض يستلزم أن يمشي النبي ويركب عامر وهذا لا شك أن عامرا كان لا يرضى بذلك ولا أبو بكر ولا هو من الأدب والمروءة ويؤيد ما قاله الكرماني ما قاله ابن إسحاق لما ركب النبي وأبو بكر أردف أبو بكر عامرا مولاه خلقه ليخدمهما في الطريق قلت هذا لا ينافي إلا عقاب قوله فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة وكان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع وقد مر بيانه
وعن أبي أسامة قال قال لي هشام بن عروة فأخبرني أبي قال لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري قال له عامر بن الطفيل من هاذا فأشار إلى قتيل فقال له عمرو بن أمية هاذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع فأتى النبي خبرهم فنعاهم فقال إن أصحابكم قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به ومنذر بن عمرو وسمي به منذرا
وعن أبي أسامة معطوف على قوله حدثنا عبيد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة وإنما فصله ليميز الموصول من المرسل لأنه ليس في قصة بئر معونة ذكر عائشة بخلاف قصة الهجرة فإن فيها ذكر عائشة كما مضى الآن قبل هذا قوله لما قتل الذين ببئر معونة وهم القراء الذين سبق ذكرهم قوله وأسر عمرو بن أمية بين ذلك عروة في ( المغازي ) من رواية الأسود عنه بعث النبي المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق فقتل المنذر ابن عمرو وأصحابه إلا عمرو بن أمية فإنهم أسروه واستحيوه وفي رواية ابن إسحاق في ( المغازي ) أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه وعند العسكري بعث النبي المنذر بن عمروا اميرا على أربعين من الأنصار ليس فيهم غيرهم الأعمر بن أمية وذلك ان أبا براء بعث ابن أخيه إلى رسول الله في علة وجدها فدعا له بالشفاء وبارك فيما أنفذه إليه فبرىء فبعث إلى رسول الله أن إبعث إلى أهل نجد من شئت فإني جار لهم وفي ( المغازي ) لأبي معشر كان أبو براء كتب إلى النبي إبعث إلي رجالا يعلمون القرآن وهم في ذمتي وجواري فبعث إليه المنذر بن عمرو وفي أربعة عشر رجلا من المهاجرين والأنصار فلما ساروا إليهم بلغهم أن أبا براء مات فبعث المنذر إلى النبي يستمد فأمده بأربعين نفرا أميرهم عمرو بن أمية وقال إذا اجتمع القوم كان عليهم المنذر فلما وصلوا بئر معونة كتبوا إلى ربيعة بن أبي البراء نحن في ذمتك وذمة أبيك فنقدم عليك أم لا قال أنتم في ذمتي فاقدموا وفي آخره قدم عليه خبر بئر معونة وأصحاب الرجيع وبعث محمد بن مسلمة في ليلة واحدة وقال ابن سعد كانت سرية المنذر بن عمرو الساعدي المعتق للموت إلى بشر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة قالوا قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله وأهدى له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك فقال إني أخاف عليهم أهل نجد قال أنا لهم جار فبعث معه سبعين من الأنصار شبيبة يسمون القراء وأمر عليهم المنذر فلما نزلوا بئر معونة قدموا حرام بن ملحان بكتاب سيدنا رسول الله إلى عامر

(17/174)


ابن الطفيل فقتل حراما واستصرخ عليهم بنو عامر فأبوا وقالوا لا تخفر أبا براء فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعل وذكوان ورعب والقارة ولحيان فنفروا معه فقتل الصحابة كلهم رضي الله تعالى عنهم إلا عمرو بن أمية فأخبره جبريل ومنها بخبرهم وخبر مصاب خبيب ومرثد تلك الليلة قلت المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج الأنصاري الساعدي وهو المعروف بالمعتق للموت شهد العقبة وبدرا وأحدا وكان أحد السبعين الذين بايعوا رسول الله ليلة العقبة وأحد النقباء الإثني عشر وكان يكتب في الجاهلية بالعربية وقال أبو عمر وكان على الميسرة يوم أحد وقتل بعد أحد بأربعة أشهر ونحوها وذلك سنة أربع في أولها يوم بئر معونة شهيدا قوله قال له عامر بن الطفيل أي قال لعمرو بن أمية عامر بن الطفيل من هذا كأنه أشار إلى قتيل وقال الواقدي بإسناده عن عروة إن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية هل تعرف أصحابك قال نعم فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم قوله فقال لقد رأيته أي فقال عامر بن الطفيل لقد رأيت عامر بن فهيرة بعدما قتل إلى قوله ثم وضع والفائدة من الرفع والوضع تعظيم عامر بن فهيرة وبيان قدره وتخويف الكفار وترهيبهم قال أبو عمر ويروى عن عامر بن الطفيل أنه قال رأيت أول طعنة طعنت عامر بن فهيرة نورا خرج منها وذكر ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم عامر بن الطفيل على رسول الله قال له من الرجل الذي لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع فقال له عامر بن فهيرة وذكر ابن المبارك وعبد الرزاق جميعا عن معمر عن الزهري عن عروة قال طلب عامر بن فهيرة يومئذ في القتلى فلم يوجد قال عروة فيرون أن الملائكة دفنته أو رفعته قوله فأتى النبي خبرهم وبين في حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل عليه السلام قوله فنعاهم من نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا إذا أذاع موته وأخبر به وإذا أندبه قوله وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء على وزن حمراء ابن الصلت بن حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف وذكره الواقدي في أصحاب بئر معونة وقال حدثني مصعب بن ثابت عن أبي الأسود عن عروة قال حرص المشركون يوم بئر معونة لعروة بن الصلت أن يؤمنوه فأبى وكان داخلة لعامر بن الطفيل مع أن قومه بني سليم حرصوا على ذلك فأبى وقال لا أقبل لهم أمانا ولا أرغب بنفسي عن مصرعهم ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيدا قوله فسمي عروة به أي فسمى عروة بن الزبير بن العوام باسم عروة بن أسماء المذكور يعني أن الزبير بن العوام لما ولد له عروة سماه باسم عروة بن أسماء وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة ابن الزبير بضع عشرة سنة قوله ومنذر بن عمرو أي وأصيب أيضا فيهم منذر بن عمرو بن خنيس الذي ذكرناه عن قريب قوله سمي به أي المنذر بن عمرو المذكور منذر بن الزبير بن العوام أخو عروة قوله منذرا كذا هو بالنصب في النسخ والصواب منذر بالرفع على ما لا يخفى وقال بعضهم يحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل والفاعل محذوف والمراد به الزبير قلت لا يعمل بهذا الاحتمال في إثبات الرواية وفيه أيضا إضمار قبل الذكر فافهم وحاصله أن الزبير سمى ابنه هذا منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا ووجه التسمية فيهما بعروة ومنذر للتفاءل باسم من رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه وأعلم أن أسماء من الأعلام المشتركة فهي اسم أم عروة بن الزبير واسم أبي عروة السلمي المذكور
4094 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( سليمان التيمي ) عن ( أبي مجلز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قنت النبي بعد الركوع شهرا يدعو على رعل وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وسليمان هو ابن طرخان التيمي وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وفي آخره زاي واسمه لاحق بن حميد وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي والحديث قد مر في الوتر عن أحمد بن يونس عن زائدة

(17/175)


4095 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس بن مالك ) قال دعا النبي على الذين قتلوا يعني أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا حين يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس فأنزل الله تعالى لنبيه في الذين قتلوا أصحاب بئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد بلغوا قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب فضل قول الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( آل عمران 169 ) فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه هناك حين يدعو يروى حتى يدعو
4096 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) حدثنا ( عاصم الأحول ) قال سألت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه عن القنوت في الصلاة فقال نعم فقلت كان قبل الركوع أو بعده قال قبله قلت فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعده قال كذب إنما قنت رسول الله بعد الركوع شهرا أنه بعث ناسا يقال لهم القراء وهم سبعون رجلا إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله عهد فقنت رسول الله بعد الركوع شهرا يدعو عليهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الواحد هو ابن زياد والحديث مضى في الوتر في باب القنوت قبل الركوع وبعده فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن عبد الواحد إلى آخره
قوله كذب أي أخطأ قوله عهد عهد وميثاق والعهد يجيء لمعان كثيرة بمعنى اليمين والأمان والذمة والحفظ ورعاية الحرمة والوصية ويستعمل كل معنى في محل يقتضي ذلك المعنى قيل كيف جاز بعث الجيش إلى المعاهدين وأجيب بأن قوله بينهم وبين رسول الله عهد جملة ظرفية حالية وتقدير الكلام بعث إلى ناس من المشركين غير المعاهدين والحال أن بين ناس منهم هم مقابل المبعوث عليهم وبين رسول الله عهد فغلب المعاهدون وغدروا فقتلوا القراء المبعوثين لإمدادهم على عدوهم وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر وقد مر ذكره عن قريب وأن الطائفة الأخرى من بني سليم وهم رعل وذكوان وعصية قوله قبلهم بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي قبل المبعوث عليهم كما ذكرنا أي من جهتهم وقال الكرماني ويروى قبلهم ضد بعدهم ولم يذكر غيره هذا إلا ابن التين قوله فظهر أي غلب
30 -
( باب غزوة الخندق وهي الأحزاب )
أي هذا باب في بيان غزوة الخندق وفي بعض النسخ باب غزوة الخندق والخندق معرب كندة أي جورة محفورة وكان سبب حفر الخندق ما قاله ابن سعد رحمه الله لما أجلى رسول الله بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة شرفها الله تعالى فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج على رسول الله وعاهدوهم على قتاله ثم أتوا غطفان وسليما فوافقوهم على مثل ذلك فتجمعت قريش بمن تبعهم فكانوا أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ووافقهم بنو سليم بمر الظهران في سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس ومعهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وخرجت فزارة يقودها عيينة على ألف بعير

(17/176)


وخرجت أشجع في أربعمائة يقودها مسعود بن رجيلة وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودها الحارث بن عوف فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق عشرة آلاف وكانوا ثلاثة عساكر وعناج الأمر إلى أبي سفيان يعني أنه كان صاحبهم ومدبر أمرهم والقائم بشؤونهم وقال قتادة فيما ذكره البيهقي كان المشركون أربعة آلاف أو ما شاء الله من ذلك والصحابة فيما بلغنا ألف وقال إبن إسحاق فلما سمع بهم رسول الله ضرب الخندق على المدينة وقال ابن هشام يقال إن الذي أشار به سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وقال الطبري والسهيلي أول من حفر الخندق بنو جهر بن أيرج وكان في زمن موسى عليه الصلاة و السلام وقال ابن إسحاق فعمل فيه رسول الله ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون قوله وهي الأحزاب أي غزوة الخندق هي الأحزاب أشار بهذا إلى أن لها اسمين والأحزاب جمع حزب سميت بذلك لاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر سورة الأحزاب
قال موسى بن عقبة كانت في شوال سنة أربع
موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني صاحب المغازي مات في سنة إحدى وأربعين ومائة قوله كانت أي غزوة الخندق في شهر شوال سنة أربع من الهجرة وتابعه على ذلك مالك أخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه وقال ابن إسحاق سنة خمس وقال ابن سعد كانت في ذي القعدة يوم الإثنين لثمان ليال مضين منها سنة خمس واعلم أنه كان بعد أحد حمراء الأسد ثم سرية أبي سلمة ثم سرية عبد الله بن أنيس وبعث الرجيع وقصة بئر معونة ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع ثم غزوة بدة الآخرة ثم غزوة دومة الجندل ثم الخندق وأقام المشركون على الخندق سبعا وعشرين ليلة وقال الواقدي أربعا وعشرين يوما وقال الغنوي بضع عشرة ليلة وقال موسى قريبا من عشرين ليلة ولم يكن فيه قتال إلا ساعة كان بينهم مراماة بالنبال فأصيب أكحل سعد رضي الله تعالى عنه على ما سيجيء إن شاء الله تعالى
4097 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه ( انظر الحديث 2664 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد القطان وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري
والحديث أخرجه أبو داود في الجراح وفي الحدود عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي في الطلاق عن أبي قدامة
قوله عرضه من عرض الجيش إذا اختبر أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك وفي رواية مسلم عرضني يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة قوله فلم يجزه أي فلم يمضه ولم يأذن له في القتال ومعنى أجازه أمضاه وأذن له وقال بعضهم قال الكرماني أجازه من الإجازة وهي الأنفال أي أسهم له ويرد ذلك أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل قلت رأيت في شرح ( الكرماني ) ولم يجزه من الإجازة وهي الإنفاذ وكان المعترض ظن أن قوله الإنفاد الأنفال باللام في آخره وليس كذلك بل هو الإنفاذ بالذال المعجمة
4098 - حدثني ( قتيبة ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله
( أللهم لا عيش إلا عيش الآخره
فاغفر للمهاجرين والأنصار )

(17/177)


مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز هو ابن أبي حازم يروي عن أبيه أبي حازم واسمه سلمة بن دينار والحديث مر في مناقب الأنصار في دعاء النبي أصلح الأنصار والمهاجره قوله على أكتادنا بالتاء المثناة من فوق جمع الكتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر ويروى بالباء الموحدة وذكره ابن التين بلفظ وهم ينقلون التراب على متونهم ثم قال المتن مكتنف الصلب من العصب واللحم ووهم في ذلك وهذه اللفظة سلفت في الجهاد في باب حفر الخندق لكن من حديث أنس رضي الله تعالى عنه
4098 - حدثني ( قتيبة ) حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه قال كنا مع رسول الله في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله
( أللهم لا عيش إلا عيش الآخره
فاغفر للمهاجرين والأنصار )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز هو ابن أبي حازم يروي عن أبيه أبي حازم واسمه سلمة بن دينار والحديث مر في مناقب الأنصار في دعاء النبي أصلح الأنصار والمهاجره قوله على أكتادنا بالتاء المثناة من فوق جمع الكتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر ويروى بالباء الموحدة وذكره ابن التين بلفظ وهم ينقلون التراب على متونهم ثم قال المتن مكتنف الصلب من العصب واللحم ووهم في ذلك وهذه اللفظة سلفت في الجهاد في باب حفر الخندق لكن من حديث أنس رضي الله تعالى عنه
4099 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( معاوية بن عمرو ) حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( حميد ) سمعت ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول خرج رسول الله إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذالك لهم فلما رأي ما بهم من النصب والجوع قال
( اللهم إن العيش عيش الآخره
فاغفر للأنصار والمهاجره )
فقالوا مجيبين له
( نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بقينا أبدا )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد المسندي ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي أصله من الكوفة روى عنه البخاري في الجمعة وروى عنه هنا بالواسطة وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري
والحديث مضى في أوائل الجهاد في باب التحريض على القتال بعين هذا الإسناد والمتن ومضى الكلام فيه هناك
قوله مجيبين له أي لرسول الله ومجيبين نصب على الحال قوله بايعواأصلة الذين فباعتباره ذكر بصيغة الماضي للجمع الغائبين ولو كان باعتبار لفظ نحن لقيل بايعنا وقال بعضهم الذين بايعوا هو صفة الذين لا صفة نحن قلت هذا تصرف عجيب وليس كذلك والصواب ما قلناه وفيه إنشاد الشعر تنشيطا في العمل وبذلك جرت عادتهم في الحروب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز
4100 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون
( نحن الذين بايعوا محمدا
على الإسلام ما بقينا أبدا )
قال يقول النبي وهو يجيبهم
( أللهم إنه لا خير إلا خير الآخرهفبارك في الأنصار والمهاجره )
قال يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن
هذا طريق آخر في حديث أنس أخرجه عن أبي معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد عن عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب وفيه زيادة وهي قوله يؤتون إلى آخره وهو على صيغة المجهول
قوله كفى أصله بملء كفين لي فلما أضيف الكفين إلى ياء المتكلم وسقطت النون أبقيت الفاء على الفتحة ويروى كفي بإفراد الكف المضاف إلى ياء المتكلم وكسر الفاء ويروى بملء كف بالإفراد بدون الإضافة قوله فيصنع أي يطبخ قوله إهالة بكسر الهمزة وهي الودك قوله سنخة بالسين المهملة والنون والخاء المعجمة أي متغيرة الريح فاسدة الطعم قوله والقوم جياع جملة حالية والجياع جمع جائع قوله

(17/178)


بشعةبفتح الباء الموحدة والشين المعجمة أي كريهة الطعم تأخذ الحلق كذا ضبطه الدمياطي بخطه وعليه مشى ابن التين وضبطه بعضهم بالنون والشين والغين المعجمتين بمعنى أنهم يحصل لهم منها شبه الغشي عند إزدرادها لأن النشغ في الأصل الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي قوله منتن قال صاحب ( التوضيح ) صوابه منتنة لأن الريح مؤنثة قلت الريح تذكر وتؤنث فلا يقال الصواب تأنيثه
4101 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) حدثنا ( عبد الواحد بن أيمن ) عن أبيه قال ( أتيت جابرا ) رضي الله تعالى عنه فقال إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا إلى النبي فقالوا هاذه كدية عرضت في الخندق فقال أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي المعول فضرب فعاد كئيبا أهيل أو أهيم فقلت يا رسول الله إئذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي رأيت بالنبي شيئا ما كان في ذالك صبر فعندك شيء قالت عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج فقلت طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قال قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك قلت نعم فقال ادخلوا ولا تضاغطوا فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال كلي هاذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة
مطابقته للترجمة في قوله يوم الخندق وخلاد على وزن فعال بالتشديد ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي مات بمكة قريبا من سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو من أفراده وعبد الواحد بن أيمن الأيسر يروي عن أبيه أيمن الحبشي مولى ابن أبي عمر المخزومي القرشي المكي من أفراد البخاري والحديث أيضا من أفراده
قوله يوم الخندق نصب على الظرف قوله يحفر خبر إن قوله كدية بضم الكاف وسكون الدال المهملة وبالياء آخر الحروف وهي القطعة الصلبة من الأرض لا يؤثر فيها المعول ووقع في رواية أبي ذر كبدة بفتح الكاف وسكون الباء الموحدة قبل الدال وقال عياض كان المراد أنها واحدة الكبد وهو الجبل وقال الخطابي كبدة بالباء الموحدة إن كانت محفوظة فهي القطعة من الأرض الصلبة وأرض كبداء وقوس كبداء أي شديدة ووقع في رواية الاصيلي عن الجرجاني كندة بنون وعند ابن السكن كتدة بفتح التاء المثناة من فوق وقال عياض لا أعرف لها معنى وفي رواية كذانة بذال معجمة ونون وهي القطعة من الجبل وعند ابن إسحاق صخرة وفي رواية عبلة وهي الصخرة الصماء وجمعها عبلات ويقال لها العبلاء والأعبل وكلها الصخرة قوله وبطنه معصوب بحجر زاد يونس في روايته من الجوع وفي رواية أحمد أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي على بطنه حجرا من الجوع فإن قلت ما كان فائدة ربط الحجر فهل ذلك يدفع الجوع أم لا قلت قيل إن البطن يضمر من الجوع فيربط الحجر على البطن ليدفع انحناء الصلب لأن الجائع ينحني صلبه إذا اشتد به الجوع وقال الكرماني فائدته تسكين حرارة الجوع ببرودة الحجر أو ليعتدل قائما أو لأنها حجارة رقاق

(17/179)


تشد العروق والأمعاء فلا ينحل مما في البطن فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل وقال ابن حبان الصواب الحجز بالزاي إذ لا معنى لشد الحجر على البطن من الجوع ورد عليه بما جاء في الرواية التي تأتي رأيت بالنبي خمصا شديدا والخمص الجوع قلت فيه نظر لا يخفى قوله ذواقا بفتح الذال المعجمة وقال ابن الأثير الذواق المأكول والمشروب فعال بمعنى مفعول من الذوق ويقع على المصدر والاسم يقال ذقت الشيء أذوقه ذوقا وذواقا وما ذقت ذواقا أي شيئا قوله المعول بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وفي آخره لام وهو الفأس الذي يكسر به الحجر وقال بعضهم المعول المسحاة قلت هذا التفسير غير صحيح والمعول الفأس كما ذكرنا والميم فيه زائدة والمسحاة المجرفة من الحديد والميم فيها أيضا زائدة لأنها من السحو وهو الكشف والإزالة ومن الدليل على المغايرة رواية أحمد رحمه الله فأخذ المعول أو المسحاة بالشك قوله فضرب أي الكدية وفي رواية الإسماعيلي ثم سمى ثلاثا ثم ضرب وعند الحارث ابن أبي أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان قال ضرب النبي في الخندق ثم قال
بسم الله وبه بدينا
ولو عبدنا غيره شقينا
حبذا ربا وحبذا دينا
قوله كثيبا بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة هو الرمل قال الله تعالى كثيبا مهيلا ( المزمل 14 ) أي تفتت حتى صار كالرمل يسيل ولا يتماسك قوله أهيل الأهيل هو أن ينهال فيسيل من لينه ويتساقط من جوانبه وفي رواية أحمد كثيبا يهال قوله أو أهيم شك من الراوي أي أو عاد كثيبا أهيم وهو بمعنى الأهيل والهيام من الرمل ما كان دقاقا يابسا وفي رواية الإسماعيلي أهيل بغير شك وكذا في رواية يونس وقال عياض ضبطها بعضهم أهثم بالثاء المثلثة وبعضهم بالتاء المثناة من فوق وفسرها بأنها تكسرت والمعروف بالياء آخر الحروف قوله إئذن لي إلى البيت أي إئذن لي حتى آتي بيتي قوله فقلت لامرأتي وفيما قبله حذف تقديره فأذن له النبي بأن يأتي إلى بيته فقال ما ذكرنا هنا وهو قوله فقلت لامرأتي رأيت بالنبي شيئا يعني من الجوع واسم المرأة سهيلة بنت مسعود بن أوس الظفرية الأنصارية بايعت قوله عندي شعير بين يونس ابن بكير في روايته أنه صاع قوله عناق بفتح العين الأنثى من أولاد المعز قوله فذبحت الذابح هو جابر يخبر عن نفسه بذلك قوله وطحنت أي امرأته وفي رواية أحمد عن سعيد فأمرت امرأتي فطحنت وصنعت لنا خبزا قوله حتى جعلنا وفي رواية الكشميهني حتى جعلت قوله في البرمة بضم الباء الموحدة وسكون الراء وهي القدر مطلقا وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن قوله والعجين قد انكسر يعني لان وتمكن فيه الخمير قوله الأثافي بفتح الهمزة جمع الأثفية بضم الهمزة وقد تخفف الياء في الجمع وهي الحجارة التي تنصب وتوضع القدر عليها يقال أثفيت القدر إذا جعلت لها الأثافي وثفيتها إذا وضعتها عليها والهمزة فيه زائدة قوله طعيم مصغر طعام صغره لأجل قلته وقال ابن التين ضبطه بعضهم بتخفيف الياء وهو غلط قلت لأن طعيم بتخفيف الياء تصغير طعم لا تصغير الطعام قوله لي صفة طعيم أي مصنوع لأجلي قوله فقم أنت يا رسول الله ورجل قوله أو رجلان شك من الراوي وفي رواية يونس ورجلان بلا شك قوله فقال كم هو أي فقال النبي كم طعامك قوله فذكرت له أي لرسول الله وبينت له الطعام قوله فقال كثير طيب أي فقال النبي طعام كثير طيب قوله لا تنزع البرمة أي من فوق الأثافي قوله ولا الخبز ولا تنزع الخبز من التنور قوله حتى آتي أي إلى أن آتي بيتكم أي أجيء قوله فقال قوموا أي فقال النبي لمن كان عنده من الصحابة قوموا إلى أكل جابر قوله قالت هل سألك أي قالت امرأة جابر له هل سألك رسول الله عن حال الطعام وفي رواية يونس فقالت الله ورسوله أعلم نحن قد أخبرنا بما عندنا وفي رواية أبي الزبير عن جابر أنها قالت لجابر فارجع إليه فبين له فأتيته فقلت يا رسول الله إنما هو عناق وصاع من شعير قال فارجع ولا تحركن شيئا من التنور ولا من القدر حتى آتيها واستعر صحافا قوله فقال ادخلوا أي فقال النبي لمن معه من المهاجرين والأنصار ادخلوا الدار قوله لا تضاغطوا أي ولا تزدحموا ومادته ضاد وغين معجمتان وطاء مهملة من الضغطة قوله فجعل أي رسول الله قوله وأهدى بهمزة قطع من الإهداء لا من الهدية كما قال بعضهم قوله فإن الناس إلى آخره بيان سبب

(17/180)


الإهداء وفي رواية يونس كلي واهدي فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع وفي رواية أبي الزبير عن جابر فأكلنا وأهدينا لجيراننا وهذا كله من علامات النبوة
4102 - حدثني ( عمرو بن علي ) حدثنا ( أبو عاصم ) أخبرنا ( حنظلة بن أبي سفيان ) أخبرنا ( سعيد ابن ميناء ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال لما حفر الخندق رأيت بالنبي خمصا شديدا افانكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله خمصا شديدا فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله فقالت لا تفضحني برسول الله وبمن معه فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح النبي فقال يا أهل الخندق إن جابر قد صنع سورا فحي هلا بكم فقال رسول الله لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجىء فجئت وجاء رسول الله يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتينا فبصق وبارك ثم قال ادع خابزة فلتخبز معك واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو
حتى ص 181
هذا طريق آخر في حديث جابر المذكور أخرجه عن عمرو بن علي بن بحر البصري الصيرفي عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد وهو شيخ البخاري أيضا روى عنه هنا بالواسطة وسعيد بن ميناء بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون مقصورا وممدودا
والحديث مضى في الجهاد مختصرا بعين هذا الإسناد في باب من تكلم بالفارسية والرطانة
قوله خمصا بفتح الخاء المعجمة وفتح الميم وقد تسكن وبالصاد المهملة وهو الجوع قوله فانكفأت أي انقلبت وأصله بالهمزة وفي بعض النسخ فانكفيت بدون الهمزة قوله بهيمة بضم الباء الموحدة تصغير بهمة وهي الصغيرة من أولاد الغنم قوله داجنبكسر الجيم وهو من أولاد الغنم يربى في البيوت ولا يخرج إلى المرعى واشتقاقه من الدجن وهو الإقامة بالمكان ولم تدخل التاء فيه لأنه صار إسما للشاة قوله وطحنت أي امرأة جابر قوله ففرغت إلى فراغي أي فرغت امرأتي من طحن الشعير مع فراغي من ذبح البهيمة والفراغ بفتح الفاء مصدر فرغت من الشغل فروغا وفراغا قوله ثم وليت أي رجعت قوله فقالت أي عقيب رجوعي إلى رسول الله قالت امرأتي لا تفضحني قوله فساررته أي قلت له سرا قوله فتعال بفتح اللام أمر من تعالى يتعالى تعاليا وهو الارتفاع قوله سورا بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همز ومعناه الصنيع بالحبشية وقيل معناه العرس بالفارسية ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة وأما السؤر بالهمزة وهو البقية والذي يحفظ أنه مما تكلم به الأعجمية هذه اللفظة وقوله للحسن رضي الله تعالى عنه كخ ولعبد الرحمن مهيم أي ما هذا ولأم خالد سنا سنا يعني حسنه وذكر ابن فارس أن معنى معين ما حالك وما شأنك ولم يذكر أنها أعجمية وقال الهروي إنها كلمة يمانية قوله فحي هلا بكم هي كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا مسرعين ومنه حي على الصلاة بمعنى هلموا وفيها لغات يقال حيهل بفلان وحيهلا بزيادة الألف وحيهلا

(17/181)


بالتنوين للتنكير وحيهلا بتخفيف الياء وروى حيهل بالتشديد وسكون الهاء قوله يقدم الناس بضم الدال قوله فقالت بك وبك الباء فيه تتعلق بمحذوف تقديره فعل الله بك كذا وكذا حيث أتيت بناس كثير والطعام قليل وذلك موجب للخجلة قوله فبصق وجاء فيه بزق وبسق بالسين والزاي قوله ثم عمد بكسر الميم أي قصد قوله وبارك أي دعا بالبركة قوله واقدحي أي اغرفي يقال قدح القدر إذا غرف ما فيها والقدحة الغرفة قوله وهم ألف أي والحال أن القوم ألف وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) إنهم كانوا سبعمائة أو ثمانمائة والحكم للزائد لزيادة عمله قوله وانحرفوا أي مالوا عن الطعام قوله لتغط بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي تغلي وتفور من الامتلاء فيسمع غطيطها وهو من معجزات النبي
139 - ( حدثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر قالت ذاك يوم الخندق )
مطابقته للترجمة في قولها قالت ذاك يوم الخندق وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكلابي الكوفي وكان اسمه عبد الرحمن ولقبه عبدة فغلب عليه يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنهم والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في التفسير عن هرون بن إسحق وهذه الآية الكريمة في سورة الأحزاب وتمامه وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا قوله إذ جاؤكم بدل من قوله إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا الآية وأراد بالجنود الأحزاب قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وأراد بالريح الصبا قال نصرت بالصبا قوله من فوقكم أي من فوق الوادي من قبل المشرق عليهم مالك بن عوف النضري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طلحة بن خويلد الأسدي وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة قوله ومن أسفل منكم يعني من الوادي من قبل المغرب وهو أبو سفيان بن حرب في قريش ومن معه وأبو الأعور السلمي من قبل الخندق وكان سبب غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله بني النضر عن ديارهم وقال ابن إسحق نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان وخرج رسول الله والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة ألف والخندق بينه وبين القوم وجعل النساء والذراري في الأطام وقال ابن إسحق ولم يقع بينهم حرب إلا مرماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبدود العامري اقتحم هو ونفر معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي رضي الله تعالى عنه فقتله وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير رضي الله تعالى عنه فقتله ويقال قتله علي ورجعت بقية الخيول منهزمة وأقام المشركون فيه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر والقصة طويلة وآخر الأمر بعث الله الريح في ليالي شاتية شديدة البرد حتى انصرفوا قوله وإذ زاغت الأبصار عطف على قوله إذ جاؤكم من فوقكم والتقدير واذكر حين زاغت الأبصار أي حالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة وشخوصا وقيل عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع قوله وبلغت القلوب الحناجر هذا موجود في بعض النسخ أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق قالوا إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب أو الغم الشديد ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ومن ثمة قيل للجبان انتفخ منحره قوله وتظنون بالله الظنونا قال الحسن ظنونا مختلفة ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون وظن المؤمنون أنهم يبتلون قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم الظنونا بالألف في الوصل والوقف لأن ألفها ثابتة في مصحف عثمان وسائر مصاحف أهل البلدان وعليه تعديل رؤس الآي وقرأ حمزة بغير ألف في الحالين الوصل والوقف

(17/182)


والباقون بالألف في الوقف دون الوصل لأن العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها فتلحق الألف في موضع الفتح عند الوقف ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات فحسن إثبات الألف في هذا الحرف لأنها رأس الآية تمثيلا لها بالبواقي وكذلك الرسولا والسبيلا قوله قالت ذاك أي قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ذاك إشارة إلى ما ذكر من مجيء الكفار من فوق ومن أسفل وزيغ الأبصار وبلوغ القلوب الحناجر ويروى ذلك بزيادة اللام -
4104 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال كان النبي ينقل التراب يوم الخندق حتى غمر بطنه أو اغبر بطنه يقول
( والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا )
( فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا )
( إن الألى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا )
ورفع بها صوته أبينا أبينا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي والبراء بن عازب
والحديث مضى في الجهاد في باب حفر الخندق فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق مختصرا وعن حفص بن عمر عن شعبة إلى آخره ولفظه ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول
لولا أنت ما اهتدينا
إلى قوله فتنة أبينا فقط ومر الكلام فيه هناك قوله حتى غمر بطنه أو أغبر بطنه كذا وقع بالشك أما لفظ غمر فبالغين المعجمة وفتح الميم وتشديد الراء قال الخطابي إن كانت هذه اللفظة محفوظة فالمعنى وارى التراب جلد بطنه ومنه اغمر الناس وهو جمعهم إذا تكاثف ودخل بعضهم في بعض قال الكرماني وفي بعض الروايات غمر من الإغمار وأما أغبر فكذلك بالغين المعجمة ولكنه بالباء الموحدة من الغبار وقال الخطابي وروي حتى اعفر بعين مهملة وفاء من العفر بالتحريك وهو التراب وقال عياض وقع للأكثر بمهملة وفاء ومعجمة وموحدة فمنهم من ضبطه بنصب بطنه ومنهم من ضبطه برفعه وعند النسفي حتى غبر بطنه أو أغبر بمعجمة فيهما وموحدة ولأبي ذر وأبي زيد حتى أغمر قال ولا وجه لها إلا أن يكون بمعني ستر كما في الرواية الأخرى حتى وارى التراب بطنه قال وأوجه الروايات أغبر بمعجمة وموحدة ورفع بطنه قوله
إن الالى قد بغوا علينا
قد وقع في أكثر الروايات
أن الأولى بغوا علينا
بدون لفظة قد وهو غير موزون فلذلك قدر فيه لفظة قد وقال ابن التين إن المحذوف لفظ قدوهم والأصل
إن الأولى هم قد بغوا علينا وذكر في بعض الروايات في مسلم أبوا بدل بغوا ومعناه صحيح أي أبوا أن يدخلوا في ديننا قوله أبينا أبينا من الإباء كذا وقع في رواية الأكثرين بالباء الموحدة ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت وكريمة أتينا بالتاء المثناة من فوق بدل الموحدة وقال عياض كلاهما صحيح فمعنى الأول أبينا الفرار عند فزع أو حادث ومعنى الثاني أتينا وقدمنا على عدونا
4105 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( شعبة ) قال حدثني ( الحكم ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور
مطابقته للترجمة من حيث إن الله تعالى نصر نبيه في غزوة الخندق بالصبا حيث ضرب وجوههم بالريح فهزمهم قال الله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ( الأحزاب 9 ) وقال مجاهد سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أظعنتهم والصبا مقصورا الريح الشرقية والدبور بفتح الدال الغربية وقيل الصبا التي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة والدبور عكسها وقال الجوهري الصباريح مهبها للمستوى موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار

(17/183)


والدبور ما يقابلها والحديث مضى في الاستسقاء في باب قول النبي نصرت بالصبا فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن شعبة عن الحكم إلى آخره نحوه والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة تصغير عتبة الباب
4106 - حدثني ( أحمد بن عثمان ) حدثنا ( شريح بن مسلمة ) قال حدثني ( إبراهيم بن يوسف ) قال حدثني أبي عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت البراء يحدث قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول
( أللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا )
( فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا )
( إن الألى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا )
قال ثم يمد صوته بآخرها
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن عثمان بن حكيم أبو عبد الله الأزدي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وشريح بضم الشين المعجمة وبالحاء المهملة ابن مسلمة بفتح الميمين الكوفي وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي السبيعي يروي عن جده أبي إسحاق وأبو إسحاق يصرح بسماعه عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه
وحديث البراء هذا قد تقدم قبل الحديث الذي قبله ولكن بينهما بعض اختلاف وهو أن في ذلك الحديث كان النبي ينقل التراب يوم الخندق حتى غمر بطنه وههنا رأيته ينقل إلى قوله وكان كثير الشعر وظاهر هذا يدل على أنه كثير شعر الصدر وليس كذلك فإن في صفته أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن قيل يمكن أن يجمع بأنه كان مع دقته كثيرا أي لم يكن منتشرا بل كان مستطيلا وفي هذا الحديث نسب البراء الرجز المذكور إلى ابن رواحة وهو عبد الله بن رواحة الأنصاري أحد الأمراء في غزوة مؤتة وفي ذلك الحديث نسبه إلى النبي وقد مر الكلام فيه هناك
4107 - حدثني ( عبدة بن عبد الله ) حدثنا ( عبد الصمد ) عن ( عبد الرحمان ) هو ( ابن عبد الله بن دينار ) عن أبيه أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال أول يوم شهدته هو يوم الخندق
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن عبد الله بن عبدة أبو سهل الصفار الخزاعي البصري وهو من أفراده وعبد الصم هو ابن عبد الوارث بن سعيد قوله أول يوم مبتدأ وخبره هو قوله يوم الخندق والمعنى أول يوم باشرت فيه القتال يوم غزوة الخندق وتقدم أنه لم يشهد أحدا وعرض فيها وهو ابن أربع عشرة ولم يجزه وكذلك في غزوة بدر
4108 - حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال وأخبرني ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر دخلت على حفصة ونسواتها تنطف قلت قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء فقالت إلحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة فلم تدعه حتى ذهب فلما تفرق الناس

(17/184)


خطب معاوية قال من كان يريد أن يتكلم في هاذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه قال حبيب بن مسلمة فهلا أجبته قال عبد الله فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان قال حبيب حفظت وعصيت قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها
لا وجه لذكر هذا الحديث هنا إلا أن يقال ذكر استطرادا لما قبله لأن كلا منهما يتعلق بابن عمر رضي الله تعالى عنهما
وأخرجه من طريقين الأول عن ( إبراهيم بن موسى ) بن يزيد الفراء أبي إسحاق الرازي عن ( هشام ) بن يوسف الصنعاني عن ( معمر ) بن راشد عن محمد بن مسلم ( الزهري ) عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الثاني عن إبراهيم عن هشام عن معمر عن ابن طاووس وهو عبد الله عن عكرمة بن خالد عن ( ابن عمر ) والحديث من أفراده
قوله حفصة هي بنت عمر بن الخطاب وأخت عبد الله قوله ونسواتها بفتح النون والسين المهملة والواو قال الخطابي نسواتها ليس بشيء إنما هو نوساتها يعني بتقديم الواو على السين أي ذوائبها تنظف بضم الطاء وكسرها أي تقطر كأنها كانت قد اغتسلت ويقال النوسات جمع نوسة واشتقاقها من النوس وهو الاضطراب وكان ذؤابها كانت تنوس أي تتحرك وكل شيء تحرك فقد ناس وقال ابن التينقوله نوساتها بسكون الواو وضبط بفتحها وأما نسواتها فكأنه على القلب قوله قد كان من أمر الناس ما ترين أراد به ما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين واجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهما وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك فشاور ( ابن عمر ) أخته حفصة في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت عليه باللحوق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة قوله فلم يجعل لي على صيغة المجهول وأراد بالأمر الإمارة والملك قوله فقالت أي قالت حفصة له الحق القوم وهو بكسر الهمزة وسكون القاف أمر من ألحق يلحق قوله فإنهم أي فإن القوم قوله فرقة أي افتراق بين الجماعة ومخالفة بينهم قوله فلم تدعه أي فلم تدع حفصة أي فلم تترك حفصة عبد الله حتى ذهب إلى القوم وحضر ما وقع بينهم قوله فلما تفرق الناس أي بعد أن اختلف الحكمان وهما أبو موسى الأشعري وكان حكما من جهة علي رضي الله تعالى عنه وعمرو بن العاص وكان حكما من جهة معاوية وقصة التحكيم طويلة بيناها في ( تاريخنا الكبير ) والحاصل أن القوم اتفقوا على الحكمين المذكورين ثم قال عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري قم فأعلم الناس بما اتفقنا عليه فخطب أبو موسى الناس ثم قال أيها الناس إنا قد نظرنا في هذه الأمة فلم نر أمرا أصلح لها ولا ألم لشعثها من رأى اتفقت أنا وعمرو عليه وهو أنا نخلع عليا ومعاوية ونترك الأمر شورى ونستقبل للأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه وإني قد خلعت عليا ومعاوية ثم تنحى وجاء عمرو فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال هذا قد قال ما سمعتم وأنه قد خلع صاحبه وإني قد خلعته كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان بن عفان والمطالب بدمه وهو أحق الناس فلما انفصل الأمر على هذا خطب معاوية إلخ قوله قرنه بفتح القاف وسكون الراء أي رأسه وهذا تعريض منه بابن عمر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقال ابن التين يحتمل أن يريد به بدعته كما جاء في الخبر الآخر كلما نجم قرن أي كلما طلع قلت في حديث خباب هذا قرن قد طلع أراد قوما أحداثا بغوا بعد أن لم يكونوا يعني القصاص وقيل أراد بدعة حدثت لم تكن في عهد النبي وقال ابن التين ويحتمل أن يكون المعنى فليبد لنا صفحة وجهه والقرن من شأنه أن يكون في الوجه والمعنى فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها قوله أحق به أي بأمر الخلافة قوله منه أي من عبد الله ومن أبيه أي ومن أب عبد الله وهو عمر بن الخطاب قوله قال حبيب ابن مسلمة بفتح الميم واللام ابن مالك الأكبر ابن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشي الفهري يكنى أبا عبد الرحمن يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله إليهم ونيله منهم وولاه عمر الجزيرة إذ عزل

(17/185)


عنها عياض بن غنم وقال سعيد بن عبد العزيز كان حبيب بن مسلمة فاضلا مجاب الدعوة مات بالأرمينية سنة اثنتين وأربعين له ولأبيه صحبة قوله فهلا أجبته أي لم ما أجبت معاوية قوله حبوتي بضم الحاء وكسرها اسم من احتبى الرجل إذا جمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته قوله من قاتلك يخاطب به معاوية قوله وأباكأراد به أبا سفيان والد معاوية فإن عليا رضي الله تعالى عنه قاتل معاوية ووالده أبا سفيان يوم أحد ويوم الخندق وهما كانا كافرين في ذلك الوقت وإنما أسلما يوم الفتح قوله ويحمل عني غير ذلك أي على غير ما أردت قوله فذكرت ما أعد الله في الجنان يعني لمن صبر واختار الآخرة على الدنيا قال حبيب هو ابن مسلمة المذكور قوله حفظت وعصمت كلاهما على صيغة المجهول واستصوب حبيب رأيه على أنه كان من أصحاب معاوية
قال محمود عن عبد الرزاق أي قال محمود بن غيلان أبو أحمد العدوي المروزي أحد مشايخ البخاري ومسلم وهذا التعليق وصله محمد بن قدامة الجوهري في كتاب ( أخبار الخوارج ) له قال حدثنا محمود بن غيلان المروزي أخبرنا عبد الرزاق عن معمر فذكره بالإسنادين معا وساق المتن بتمامه وأوله دخلت على حفصة ونوساتها تنطف وهذا هو الصواب وقد مر الكلام فيه عن قريب
4109 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( سليمان بن صرد ) قال قال النبي يوم الأحزاب نغزوهم ولا يغزوننا ( الحديث 4109 - طرفه في 4110 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وسليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبالدال المهملة ابن الجون بفتح الجيم الخزاعي صحابي مشهور ويقال كان اسمه يسار فغيره النبي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة إبليس وفي الرواية التي تأتي صرح بسماع أبي إسحاق عن سليمان بن صرد وكان سليمان أسن من خرج من أهل الكوفة في طلب ثار الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمس وستين
قوله يوم الأحزاب أي قال يوم الخندق تغزوهم أي نغزوا قريشا وهم لا يغزوننا قال ذلك بعد أن انصرفت قريش عن قضية الخندق وذلك لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس في قول ابن إسحاق وآخرين وعن الزهري سنة أربع في شوال وقال ابن إسحاق لما انصرف أهل الخندق قال رسول الله لن نغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم قال فلم تعد قريش بعد ذلك وكان يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله عليه مكة وفيه معجزة عظيمة للنبي حيث أخبر عن أمر سيكون وقد وقع مثل ما قال قوله ولا يغزوننا ويروى لا يغزونا بإسقاط نون الجمع بدون ناصب ولا جازم وهي لغة فاشية عن العرب
4110 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( يحيى بن آدم ) حدثنا ( إسرائيل ) سمعت ( أبا إسحاق ) يقول سمعت ( سليمان بن صرد ) يقول سمعت النبي يقول حين أجلي الأحزاب عنه الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم ( انظر الحديث 4109 )
هذا طريق آخر في حديث سليمان بن صرد أخرجه عن عبد الله بن محمد بن عبد الله الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن يحيى بن آدم بن سليمان صاحب الثوري عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي يروي إسرائيل عن جده أبي إسحاق المذكور
قوله أجلي بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام من الإجلاء يقال أجلى يجلي إجلاء وجلا يجلو جلاء إذا خرج عن الوطن هاربا وجلوته أنا وأجليته وكلاهما لازم ومتعد وحاصل المعنى أنهم رجعوا إلى النبي وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم بل بصنيع الله تعالى لرسوله نحن نسير إليهم وهكذا وقع سار إليهم وفتح مكة

(17/186)


4111 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( روح ) حدثنا ( هشام ) عن ( محمد ) عن ( عبيدة ) عن ( علي ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال يوم الخندق ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن منصور أبو يعقوب المروزي وروح هو ابن عبادة وهشام هو ابن حسان الفردوسي وليس هو هشام الدستوائي كما قال بعضهم ومحمد هو ابن سيرين وعبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة أبو عمرو السلماني الكوفي أسلم قبل وفاة النبي بسنتين ولم يهاجر إليه ولم يره
والحديث قد مر في الجهاد في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن عيسى عن هشام عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله تعالى عنه إلى آخره نحوه
4112 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( جابر بن عبد الله ) أن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي ما صليتها فنزلنا مع النبي بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو ابن عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث مضى في أواخر أبواب المواقيت فإنه أخرجه هناك في باب قضاء الصلاة الأولى فالأولى عن مسدد عن يحيى إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه هناك
قوله جعل عمر ويروى جاء عمر رضي الله تعالى عنه قوله بطحان بضم الباء الموحدة غير منصرف وهو اسم وادي المدينة
4113 - حدثنا ( محمد بن كثير ) أخبرنا ( سفيان ) عن ( ابن المنكدر ) قال سمعت جابرا يقول قال رسول الله يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير
مطابقته للترجمة في قوله يوم الأحزاب لأنه يوم الخندق ومحمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو الثوري يروي عن محمد بن المنكدر
والحديث مضى في الجهاد في باب هل يبعث الطليعة وحده فإنه أخرجه هناك عن صدقة عن ابن عيينة عن محمد بن المنكدر إلى آخره
قوله بخبر القوم قال الواقدي المراد بالقوم بنو قريظة قوله حواريا أي ناصرا قوله وحواري بالإضافة إلى ياء المتكلم وتخفيفها والاكتفاء بالكسرة وبفتحها
4114 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( الليث ) عن ( سعيد بن أبي سعيد ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يقول لا إلاه إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده
مطابقته للترجمة في قوله وغلب الأحزاب وحده قوله عن أبيه هو أبو سعيد المقبري واسمه كيسان مولى بني ليث قوله وحده منصوب على تقدير أوحد وحده قوله أعز أي أعز الله جنده ونصر عبده النبي

(17/187)


وغلب الأحزاب الذين جاؤا من أهل مكة وغيرهم يوم الخندق قوله فلا شيء بعده أي جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم أو بمعنى كل شيء يفنى وهو الباقي بعد كل شيء فلا شيء بعد قال تعالى كل شيء هالك إلا وجهه ( القصص 88 ) فإن قلت هذا سجع والنبي ذم السجع حيث قال منكر أسجع كسجع الكهان قلت المنكر والمذموم السجع الذي يأتي بالتكلف وبالتزام ما لا يلزم وسجعه من السجع المحمود لأنه جاء بانسجام واتفاق على مقتضى السجية وكذلك وقع منه في أدعية كثيرة من غير قصد لذلك ولا اعتماد إلى وقوعه موزونا مقفى بقصده إلى القافية
4115 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( الفزاري وعبدة ) عن ( إسماعيل بن أبي خالد ) قال سمعت ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنهما يقول دعا رسول الله على الأحزاب فقال أللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام البيكندي البخاري والفزاري بفتح الفاء وبالزاي وكسر الراء هو مروان ابن معاوية بن الحارث الكوفي سكن مكة وعبدة هو ابن سليمان مر عن قريب
والحديث مر في كتاب الجهاد في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن محمد عن عبد الله عن إسماعيل بن أبي خالد نحوه
قوله سريع الحساب أي سريع في الحساب أو سريع حسابه قريب زمانه
4116 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم ونافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان إذاقفل من الغزو أو الحج أو العمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرار ثم يقول لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وعبد الله هو ابن المبارك ونافع بالجر عطف على قوله عن سالم والمعنى أن موسى بن عتبة روى هذا الحديث عن كل واحد من سالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر وكل منهما يرويه عن عبد الله بن عمر
والحديث مر في كتاب الجهاد في باب التكبير إذا علا شرفا وفي باب ما يقول إذا رجع من الغزو
قوله إذا قفل أي إذا رجع وكلمة أو في الموضعين للتنويع لا للشك قوله لربنا يحتمل أن يتعلق بما قبله وبما قبله ومر الكلام فيه هناك
31 -
( باب مرجع النبي من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته وإياهم )
أي هذا باب في بيان مرجع النبي والمرجع والمخرج بفتح الميم فيهما مصدران ميميان بمعنى الرجوع والخروج والمعنى رجوع النبي من الموضع الذي كان يقاتل فيه الأحزاب إلى منزله بالمدينة وخروجه منه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم وكان توجهه إليهم لسبع بقين من ذي القعدة من سنة خمس وقال الواقدي في بقية ذي القعدة وأول ذي الحجة وقال ابن سعد خرج إليهم يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف رجل والخيل ستة وثلاثون فرسا فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وقيل خمسا وعشرين ليلة وقيل خمس عشرة ليلة وقال ابن سعد وانصرف راجعا يوم الخميس لثمان خلون من ذي الحجة والله أعلم

(17/188)


4117 - حدثني ( عبد الله بن أبي شيبة ) حدثنا ( ابن نمير ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لما رجع النبي من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل عليه السلام فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعناه فاخرج إليهم قال فإلى أين قال ههنا وأشار إلى بني قريظة فخرج النبي إليهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن نمير تصغير نمر الحيوان المشهور وهو عبد الله بن نمير وهشام هو ابن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه والحديث قد مر في الجهاد في باب الغسل بعد الحرب والغبار
4119 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي يوم الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذالك للنبي فلم يعنف واحدا منهم ( انظر الحديث 946 )
مطابقته للترجمة في قوله إلا في بني قريظة وجويرية مصغر جارية بالجيم وهم عم عبد الله الراوي عنه والحديث مر في صلاة الخوف في باب صلاة الطالب والمطلوب بعين هذا الإسناد والمتن ومضى الكلام فيه هناك
قوله العصر كذا وقع في جمع نسخ البخاري ووقع في جميع النسخ عند مسلم الظهر مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد ووافق مسلما أبو يعلى وآخرون وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ الظهر وابن حبان من طريق أبي غسان كذلك وأصحاب المغازي كلهم ما ذكروا إلا العصر وكذلك أخرجه أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية فقال العصر وجمع بين الروايتين بوجوه
الأول باحتمال أن يكون قبل الأمر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها فقال لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر ولمن صلاها لا يصلين أحد العصر

(17/189)


الثاني باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة فقال للطائفة الأولى الظهر وللطائفة التي بعدها العصر
الثالث أن يكون الاختلاف من حفظ بعض الرواة
4120 - حدثنا ( ابن أبي الأسود ) حدثنا ( معتمر ) وحدثني ( خليفة ) حدثنا ( معتمر ) قال سمعت أبي عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال كان الرجل يجعل للنبي النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وأن أهلي أمروني أن آتي النبي فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه وكان النبي قد أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول كلا والذي لا إلاه إلا هو لا يعطيكهم وقد أعطانيها أو كما قالت والنبي يقول لك كذا وتقول كلا والله حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو كما قال
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله حتى افتتح قريظة والنضير وابن أبي الأسود هو عبد الله وأبو الأسود جد عبد الله واسم أبيه محمد واسم أبي الأسود حميد بن أبي الأسود ومعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي وخليفة هو ابن خياط
والحديث مضى في كتاب الخمس مختصرا في باب كيف قسم النبي قريظة والنضير فإنه أخرجه هناك عن ابن أبي الأسود أيضا إلى آخره نحوه
قوله حتى افتتح أي إلى أن افتتح ولما افتتحها ردها إليهم قوله الذي كانوا أعطوه أي النخل الذي كان الأنصار أعطوا النبي قوله أو بعضه أي أو اسأل بعض ما أعطوه قوله وكان النبي قد أعطاه أم أيمنأي وكان النبي قد أعطى الذي أعطي له من النخلات لأم أيمن وهي حاضنة النبي واسمها بركة وقد تقدم ذكرها مرارا قوله فجعلت الثوب في عنقي أي قال أنس لما سأل أم أيمن جعلت أم أيمن الثوب في عنقي والحال أنها تقول كلا أي ارتدع عن هذا فإنه لا يعطيكهم والحال أنه قد أعطانيها أي النخلات قوله أو كما قالت شك من الراوي أي أو كما قالت أم أيمن وإنما امتنعت من ردها ظنا أنها ملكت رقبة النخلات ولا ظنها النبي حيث قال لها أنس والنبي يقول لك كذا إلى آخره وذلك لما كان لها عليه من حق الحضانة والواو في والنبي للحال وكان مقتضى الحال أن يقول لها مكان ولكن كلمة لها مقدرة تقديره والنبي يقول لها لك كذا وهي تقول كلا كذا كناية عن القدر الذي ذكره لها النبي فما زال النبي يزيدها في عرض النخلات حتى رضيت قوله والله حتى أعطاها أي قال أنس والله أعطاها النبي عشرة أمثاله أشار إليه بقوله حسبت أنه قال عشرة أمثاله وهو قول سليمان بن طرخان الراوي عن أنس كأنه شك في قول أنس عشرة أمثاله أو كما قال وفي رواية مسلم أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله
وفي الحديث مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة وفرط جود النبي وكثرة حلمه وبره وفيه منزلة أم أيمن رضي الله تعالى عنها
4121 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سعد ) قال سمعت ( أبا أمامة ) قال سمعت ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه يقول نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل النبي إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا من المسجد قال للأنصار قوموا إلى سيدكم أو خيركم فقال هاؤلاء نزلوا على حكمك فقال تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم قال قضيت بحكم الله وربما قال بحكم الملك
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر وقد مر غير مرة وسعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري وأبو سعيد الخدري سعد بن

(17/190)


مالك الأنصاري وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
والحديث تقدم في الجهاد في باب إذا نزل العدو على حكم رجل فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة إلى آخره
قوله نزل أهل قريظة على حكم سعد سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه وفي رواية محمد بن صالح بن دينار التمار المدني حكم أن يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى قوله فلما دنا أي قرب من المسجد قيل المراد به المسجد الذي كان النبي أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم وفي كلام ابن إسحاق ما يدل أنه كان مقيما في مسجد المدينة حتى بعث إليه رسول الله ليحكم في بني قريظة وفيه فلما خرج إلى بني قريظة كان سعد في مسجد المدينة والقول الأول أصح قوله إلى سيدكم أراد أفضلكم رجلا وسيد القوم هو رئيسهم والقائم بأمرهم وفي ( مسند أحمد ) من حديث عائشة فلما طلع يعني سعدا قال النبي قوموا إلى سيدكم فأنزلوه فقال عمر السيد الله معناه هو الذي تحق له السيادة كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع قوله أو خيركم شك من الراوي قوله وربما قال بحكم الملك بكسر اللام وقال الكرماني وبفتح اللام جبريل عليه السلام الذي ينزل بالأحكام والشك فيه من أحد الرواة أي اللفظتين قال وفي رواية محمد بن صالح المذكور آنفا لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات وفي رواية ابن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة والأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء قيل سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم
158 - ( حدثنا زكرياء بن يحيى حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل فضرب النبي خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلما رجع رسول الله من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعته اخرج إليهم قال النبي فأين فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد قال فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم قال هشام فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها رضي الله عنه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وزكريا بن يحيى بن صالح البلخي الحافظ الفقيه وهو من أفراده وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام والحديث مر في الصلاة في باب الخيمة في المسجد للمرضى فإنه أخرجه هناك بأخصر منه بعين هذا الإسناد عن زكريا بن يحيى إلى آخره قوله أصيب سعد وهو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأوسي الأشهلي قوله حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن العرقة بفتح العين المهملة وكسر الراء وبالقاف والعرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم وأبوه قيس من بني معيص بن عامر بن لؤي وفي بعض النسخ وهو حبان بن قيس

(17/191)


من بني معيص بفتح الميم وكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف ويقال حبان بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف قوله في الأكحل بفتح الهمزة وسكون الكاف وباللام وهو عرق في وسط الذراع قال الخليل هو عرق الحياة يقال أن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد أكحل وفي الظهر أثير وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرقا الدم قوله فلما رجع قال القرطبي الفاء فيه زائدة وفي الحديث الذي في الجهاد ولما رجع بالواو قوله وضع السلاح جواب لما قوله وهو ينفض الواو فيه للحال وروى الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة قالت سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله فزعا فقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي فقال هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع من الخندق قالت فكأني برسول الله يمسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام وروى أحمد من حديث علقمة بن وقاص عن عائشة فجاءه جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبار وفي مرسل يزيد بن الأصم عند ابن سعد فقال له جبريل عفا الله عنك وضعت السلاح ولم تضعه ملائكة الله قوله اخرج بضم الهمزة أمر من الخروج قوله فأتاهم رسول الله أي فحاصرهم وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي الأسود عن عروة وبعث عليا رضي الله تعالى عنه على المقدمة ورفع إليه اللواء وخرج رسول الله على أثره وكذا في رواية موسى بن عقبة وزاد وحاصرهم بضع عشرة ليلة وعند ابن سعد خمس عشرة ليلة وفي حديث علقمة بن وقاص خمسا وعشرين قوله فرد الحكم إلى سعد أي فرد رسول الله الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ ووجه الرد إليه سؤال الأوس ذلك منه قوله فإني أحكم فيهم أي في بني قريظة وهذا هكذا رواية النسفي وفي رواية غيره أحكم فيه أي في هذا الأمر قوله أن تقتل المقاتلة ذكر ابن إسحاق أنهم جعلوا في دار بنت الحارث وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين وقال ابن إسحاق فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم نساءهم وأبناءهم على المسلمين واختلف في عدتهم فعند ابن إسحق كانوا ستمائة وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيحتمل في طريق الجمع أن يقال أن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى ابن إسحق وقيل أنهم كانوا تسعمائة قوله والذرية بضم الذال وفي التوضيح قال عبد الملك بنصب الذرية وقال ابن الأثير الذرية اسم جمع نسل الإنسان من ذكر وأنثى وأصله الهمزة لكنهم حذفوها فلم يستعملوها إلا غير مهموزة وتجمع على ذريات وذراري مشددا وقيل أصلها من الذر بمعنى التفريق لأن الله ذرهم في الأرض انتهى واختلف في وزنها هل هو فعلية أو فعلولة قوله قال هشام فأخبرني أبي أي عروة وهو موصول بالإسناد المذكور أولا قوله فأبقني له أي للحرب وفي رواية الكشميهني لهم قوله فافجرها بوصل الهمزة والجيم ثلاثي من فجر يفجر متعد والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الجراحة قيل كيف استدعى الموت وهو غير جائز وأجيب بأن غرضه كان أن يموت على الشهادة فكأنه قال إن كان بعد هذا قتال معهم فذاك وإلا فلا تحرمني من ثواب هذه الشهادة قوله من لبته بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة موضع القلادة من الصدر وهي رواية مسلم والإسماعيلي وفي رواية الكشميهني من ليلته وفي مسند حميد بن هلال عن ابن سعيد أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات قوله فلم يرعهم من الروع وهو الخوف قال الكرماني مرجع الضمير بنو غفار والسياق يدل عليه وقيل الضمير يرجع إلى أهل المسجد قوله وفي المسجد خيمة من بني غفار الواو فيه للحال قيل الخيمة لبني غفار لا من بني غفار وأجيب بأن المضاف فيه محذوف أي خيمة من خيام بني غفار فإن قلت ذكر ابن إسحق أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية ( قلت ) يحتمل أن يكون لها زوج من بني غفار وغفار بن مليلة بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء وقال ابن دريد من غفر إذا ستر قوله فإذا سعد كلمة إذا للمفاجأة قوله يغذو بغين وذال معجمتين أي يسيل يقال غذا العرق إذا سال دما قوله فمات منها أي من تلك الجراحة

(17/192)


وفي السير ولما مات أتى جبريل عليه السلام معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش فقام سريعا يجر ثوبه إليه فوجده قد مات ولما حملوا نعشه وجدوا له خفة فقال إن له حملة غيركم وقال ابن عائذ لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا -
4123 - حدثنا ( الحجاج بن منهال ) أخبرنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عدي ) أنه سمع ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لحسان يوم قريظة اهجهم أو هاجهم وجبريل معك
مطابقته للترجمة من حيث إن هجو حسان بأمر النبي كان للمشركين يوم بني قريظة تدل عليه رواية إبراهيم بن طهمان التي تأتي الآن وعدي هو ابن ثابت الأنصاري الكوفي والحديث مضى في كتاب بدء الخلق في باب ذكر الملائكة فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلخ
قوله أهجهم أمر من الهجو وهو خلاف المدح يقال هجوته هجوا وهجاء وتهجاء قوله أوهاجهم شك من الراوي وهو أمر من المهاجاة من باب المفاعلة الدال على الاشتراك في الهجو والضمير المنصوب فيه يرجع إلى المشركين بدلالة القرينة والواو في جبريل للحال وقد مر الكلام فيه هناك
4124 - ( وزاد إبراهيم بن طهمان ) عن ( الشيباني ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( البراء بن عازب ) قال قال رسول الله يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فإن جبريل معك
أي زاد إبراهيم بن طهمان الهروي أبو سعيد في الحديث المذكور عن أبي إسحاق بن سليمان الشيباني عن عدي بن ثابت الخ وقد وصل هذه الزيادة النسائي عن حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن شعبة عن عدي بن ثابت والزيادة هي تعيينه أن الأمر لحسان بذلك وقع يوم قريظة
32 -
( باب غزوة ذات الرقاع )
أي هذا باب في بيان غزوة ذات الرقاع بكسر الراء وبالقاف وبالعين المهملة سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم وقيل لأن أقدامهم نقبت فكانوا يلقون الخرق وقيل كانوا يلقون الخرق في الخر وقيل سميت بذلك لشجرة هناك تسمى ذات الرقاع وقال الواقدي سميت بذلك لجبل فيه بقع حمر وبيض وسود وقال ابن إسحاق ثم أقام رسول الله بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع وبعض جمادى ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر وقال ابن هشام ويقال عثمان بن عفان ثم سار حتى نزل نجدا وهي غزوة ذات الرقاع فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد أخاف الله الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلاة الخوف والحاصل أن غزوة ذات الرقاع عند ابن إسحاق كانت بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع وعند ابن سعد وابن حبان أنها كانت في المحرم سنة خمس ومال البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر على ما سيأتي واستدل على ذلك بأن أبا موسى الأشعري شهدها وقدومه إنما كان ليالي خيبر صحبة جعفر وأصحابه ومع هذا ذكرها البخاري قبل خيبر والظاهر أن ذلك من الرواة وقال الواقدي خرج إليها رسول الله ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة وقيل سبعمائة وعند البيهقي ثمانمائة وقال ابن سعد على رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة وغاب خمس عشرة ليلة وفي ( المعجم الأوسط ) للطبراني عن إبراهيم بن المنذر قال محمد ابن طلحة كانت غزوة ذات الرقاع تسمى غزوة الأعاجيب
وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلا
أي غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب قوله محارب خصفة بإضافة محارب إلى خصفة للتمييز لأن محارب في العرب جماعة ومحارب هذا هو ابن خصفة بالخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء المفتوحات وهو ابن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر قوله من بني ثعلبة ذكره بكلمة من يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب وليس كذلك والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره

(17/193)


محارب خصفة وبني ثعلبة بواو العطف فإن غطفان هو ابن سعد بن قيس بن غيلان فمحارب وغطفان ابنا عم فكيف يكون الأعلى منسوبا إلى الأدنى وفي رواية القابسي خصفة بني ثعلبة وقال الجياني كلاهما وهم والصواب محارب خصفة وبني ثعلبة بواو العطف كما ذكرناه وقال الكرماني محارب قبيلة من فهر قلت ليس كذلك لأن المحاربين هنا لا ينتسبون إلى فهر بل ينتسبون إلى خصفة ولم يحرر هذا الموضع كما ينبغي قوله فنزل أي النبي قوله نخلا بفتح النون وسكون الخاء المعجمة وهو موضع من المدينة على يومين وهو بواد يقال له شدخ بالشين المعجمة والدال المهملة والخاء المعجمة وفيه طوائف من قيس من بني فزارة وأشجع وأنمار
وهي بعد خيبر لأن أبا موسى جاء بعد خيبر
أي غزوة ذات الرقاع إنما وقعت بعد غزوة خيبر واستدل على ذلك بقوله لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر وثبت أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع فلزم من ذلك وقوع غزوة ذات الرقاع بعد غزوة خيبر
4125 - قال ( أبو عبد الله ) وقال لي ( عبد الله بن رجاء ) أخبرنا ( عمران العطار ) عن ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أن النبي بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة غزوة ذات الرقاع
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس في بعض النسخ قال أبو عبد الله وإنما المذكور في أكثر النسخ وقال عبد الله بن رجاء على أن لفظة لي في رواية أبي ذر فقط وعبد الله بن رجاء ضد الخوف الفداني البصري سمع منه البخاري وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه البخاري وعمران هو ابن داود القطان وفي آخره نون البصري ولم يحتج به البخاري إلا استشهادا وهذا التعليق وصله أبو العباس السراج في مسنده المبوب فقال حدثنا جعفر بن هاشم حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن يحيى بن حسان عن معاوية بن سلام ثلاثتهم عن يحيى عنه به وأعاده عن أبي بكر في فضائل النبي
قوله صلى بأصحابه في الخوف أي في حالة الخوف وفي رواية السراج أربع ركعات صلى بهم ركعتين ثم ذهبوا ثم جاء أولئك فصلى بهم ركعتين قوله في غزوة السابعة قال بعضهم هو من أضافة الشيء إلى نفسه على رأي قلت كان ينبغي أن يقال هو من إضافة الشيء إلى نفسه بتأويل وهو أن يقال غزوة السفرة السابعة وقال الكرماني وغيره تقديره غزوة السنة السابعة من الهجرة وهذا التقدير غير صحيح لأنه يلزم منه أن تكون غزوة الرقاع بعد خيبر وليس كذلك كما ذكرنا مع أنه قال في الغزوة السابعة بالألف واللام في الغزوة ثم قال ويروى غزوة السابعة ثم فسرها بما ذكرنا عنه الآن والغزوات التي وقع فيها القتال بدر وأحد والخندق وقريظة والمريسيع وخيبر فعلى ما ذكره يلزم أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة قوله غزوة ذات الرقاع بالجر على أنه عطف بيان أو بدل
وقال ابن عباس صلى النبي الخوف بذي قرد
أي قال عبد الله بن عباس صلى النبي صلاة الخوف بذي قرد بفتح القاف والراء وهو موضع على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان وهذا التعليق وصله النسائي والطبراني من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى بذي قرد صلاة الخوف وقد مر في أبواب صلاة الخوف عن ابن عباس صورة صلاة الخوف ولكن لم يذكر فيه بذي قرد
4126 - وقال ( بكر بن سوادة ) حدثني ( زياد بن نافع ) عن ( أبي موسى ) أن ( جابرا ) حدثهم صلى النبي بهم يوم محارب وثعلبة

(17/194)


بكر بن سوادة بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وبالدال المهملة الجذامي بضم الجيم وبالذال المعجمة يكنى أبا ثمامة عداده في أهل مصر وكان أحد الفقهاء بها وأرسله عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلى أفريقية ليفقههم فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة ووثقه ابن معين والنسائي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وزياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن نافع النجيبي المصري من التابعين الصغار وليس له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع وأبو موسى ذكره أبو مسعود الدمشقي وغيره أنه علي بن رباح اللخمي وقيل إنه أبو موسى الغافقي واسمه مالك بن عبادة وله صحبة وقال أبو عمر مالك بن عبادة الهمداني قدم على النبي في وفد همدان مع مالك بن عمرة وعقبة بن نمر فأسلموا ويقال إنه مصري ولا يعرف اسمه والأول أولى كما نبه عليه الحافظ المزي وليس له في البخاري أيضا سوى هذا الموضع
قوله بهم أي بالصحابة رضي الله تعالى عنهم قوله يوم محارب وثعلبة هو يوم غزوة ذات الرقاع وقد مر في أول الباب وهو قوله وهي غزوة محارب خصفة فإن قلت ذكر هنا محارب خصفة من بني ثعلبة وهنا يقول وثعلبة بعطفها على محارب قلت كأنه أشار بهذا إلى أن قولهم من بني ثعلبة وهم وقد ذكرناه مستقصى
4127 - وقال ( ابن إسحاق ) سمعت ( وهب بن كيسان ) سمعت جابرا خرج النبي إلى ذات الرقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان فلم يكن قتال وأخاف الناس بعضهم بعضا فصلى النبي ركعتي الخوف
أي قال محمد بن إسحاق صاحب ( المغازي ) وقد مر في أول الباب ما ذكره ابن إسحاق وقال بعضهم لم أر هذا الذي ساقه عن ابن إسحاق هكذا في شيء من كتب المغازي ولا غيرها قلت لا يلزم من عدم رؤيته في موضع من المواضع عدم رؤية البخاري رضي الله تعالى عنه ذلك في موضع لم يطلع عليه هذا القائل لأن اطلاعه لا يقارب أدنى اطلاع البخاري ولا إلى شيء من ذلك
وقال يزيد عن سلمة غزوت مع النبي يوم القرد
يزيد هذا من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع يروي عن سلمة هذا ومضى موصولا مطولا قبل غزوة خيبر وترجم له البخاري غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي وليس فيها ذكر لصلاة الخوف أصلا فإن قلت فعلى هذا ما فائدة ذكر حديث سلمة ههنا قلت لعله ذكره من أجل حديث ابن عباس المذكور قيل إنه صلى صلاة الخوف بذي قرد ولا يلزم من ذكر ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة كما لا يلزم من كونه صلى صلاة الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر
4128 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله بن أبي بردة ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع النبي في غزاة ونحن في ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري وكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا وحدث أبو موسى بهاذا الحديث ثم كره ذاك قال ما كنت أصنع بأن أذكره كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أبي بردة بن ( أبي موسى ) الأشعري يروي عن جده أبي بردة عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم أيضا في المغازي عن عبد الله بن براد

(17/195)


وأبي كريب كلاهما عن أبي أسامة عنه
قوله ونحن في ستة نفر الظاهر أنهم كانوا من الأشعريين قوله نعتقبه أي نركبه عقبة وهي أن يتناوبوا في الركوب بأن يركب أحدهم قليلا ثم ينزل فيركب الآخر حتى يأتي إلى آخرهم قوله فنقبت بفتح النون وكسر القاف يقال نقب البعير إذا رقت أخفافه ونقب الخف إذا تخرق وذلك لمشيهم حفاة قد نقبت أقدامهم وسقطت أظفارهم قوله لما كان أي لأجل ما فعلناه من ذلك قوله وحدث أبو موسى بذلك هذا موصول بالإسناد المذكور وهو مقول أبي بردة عن أبي موسى قوله ثم كره ذلك أي أبو موسى ما حدثه من ذلك لما فيه من تزكية نفسه قوله كأنه كره إلخ وذلك لأن كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره إلا لوجود مصلحة تقتضي ذلك قال الله تعالى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ( البقرة 271 )
4129 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) عن ( مالك ) عن ( يزيد بن رومان ) عن ( صالح بن خوات ) عمن شهد مع رسول الله يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم
مطابقته للترجمة ظاهرة ويزيد من الزيادة ابن رومان بضم الراء مولى الزبير بن العوام وصالح بن خوات بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن النعمان الأنصاري
والحديث أخرجه بقية الجماعة كلهم في الصلاة فمسلم عن يحيى بن يحيى وغيره وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن بندار والنسائي عن قتيبة وابن ماجه عن بندار به
قوله عمن شهده مع رسول الله ويروى عمن شهد مع النبي قيل اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة قال المزي هو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة واسم أبي حثمة عامر بن ساعدة الأنصاري وقال بعضهم الراجح أنه أبو صالح المذكور وهو خوات بن جبير واحتج على ذلك بأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال عن صالح بن خوات عن أبيه أخرجه ابن منده في ( معرفة الصحابة ) من طريقه انتهى قلت الذي يظهر أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة فلذلك كان يبهمه تارة كما في الطريق المذكور ويفسره أخرى كما في الطريق الذي يأتي الآن ولا يقال هذه رواية عن مجهول لأن الصحابة كلهم عدول فلا يضر ذلك قوله معه أي مع النبي قوله وجاء العدو أي محاذيهم ومواجههم والوجاه بضم الواو وكسرها
قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف
هذا موصول بالإسناد المذكور ثم كلام مالك هذا يقتضي أنه سمع في كيفية صلاة الخوف صفات متعددة واختار منها في العمل حديث صالح بن خوات المذكور أشار إليه بقوله وذلك أحسن ما سمعت ووافقه على ذلك الشافعي وأحمد وأبو داود ثم إن بعض العلماء حملوا اختلاف الصفات في صلاة الخوف على اختلاف الأحوال وبعضهم حملوها على التوسع والتخيير وقد مر الكلام فيه مستقصى في أبواب صلاة الخوف
4130 - وقال ( معاذ ) حدثنا ( هشام ) عن ( أبي الزبير ) عن ( جابر ) قال كنا مع النبي بنخل فذكر صلاة الخوف
كذا وقع معاذ بغير نسبة عند الأكثرين ووقع عند النسفي قال معاذ بن هشام أخبرنا هشام وقال بعضهم فيه رد على أبي نعيم ومن تبعه في الجزم بأن معاذا هذا هو ابن فضالة شيخ البخاري قلت وقوع معاذ بغير نسبة يحتمل الوجهين على ما لا يخفى وقول أبي نعيم مترجح حيث قال أخبرنا هشام ولم يقل أخبرنا أبي وكل من معاذ وهشام ذكر مجردا أما معاذ بن هشام على قول النسفي فهو ثقة صاحب غرائب وأما هشام الذي روى عنه معاذ فهو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري واسم

(17/196)


ابن عبد الله سنبر روى عنه ابنه معاذ ويحيى القطان في آخرين وقال عمرو بن علي مات سنة ثلاث وخمسين ومائة وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس بلفظ مخاطب المضارع من الدراسة
قوله بنخل مر تفسيره عن قريب عند قوله فنزل نخلا وفائدة إيراد البخاري هذا الحديث مختصرا معلقا هي ما قيل إنه أشار إلى أن روايات جابر متفقة على أن الغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع وقال بعضهم فيه نظر لأن سياق رواية هشام عن أبي الزبير هذه تدل على أنه حديث آخر في غزوة أخرى قلت لا نسلم ذلك لأنه ذكر فيما مضى عن قريب عن جابر خرج النبي إلى ذات الرقاع من نخل فلقي جمعا من غطفان إلى آخره
تابعه الليث عن هشام عن زيد بن أسلم أن القاسم بن محمد حدثه صلى النبي في غزوة بني أنمار
الظاهر أن متابعة الليث لمعاذ المذكور فإن قلت كيف وجه هذه المتابعة لأن حديث معاذ في غزوة محارب وثعلبة وحديث الليث في أنمار قلت ديار بني أنمار تقرب من ديار بني ثعلبة فبهذا الوجه يحتمل الاتحاد وهشام الذي روى عنه الليث هو هشام بن سعد المدني أبو سعيد القرشي مولاهم يقال له يتيم زيد بن أسلم روى عن زيد بن أسلم فأكثر وروى عنه الليث ابن سعد وآخرون وعن ابن معين هو ضعيف وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال أبو داود هو أثبت الناس في زيد بن أسلم قيل إنه مات سنة ستين ومائة وهو يروي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر وقد وصل البخاري في ( تاريخه ) هذا المعلق قال قال لي يحيى ابن عبد الله بن بكير أخبرنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد أن النبي صلى في غزوة بني أنمار وذكر الواقدي أن سبب غزوة ذات الرقاع هو أن أعرابيا قدم من حلب إلى المدينة فقال إني رأيت ناسا من بني ثعلبة ومن بني أنمار قد جمعوا لكم جموعا فأنتم في غفلة عنهم فخرج النبي في أربعمائة ويقال سبعمائة فعلى هذا غزوة بني أنمار متحدة مع غزوة بني محارب وثعلبة وهي غزوة ذات الرقاع وأنمار بفتح الهمزة وسكون النون وبالراء قبيلة من بجيلة بفتح الباء الموحدة وكسر الجيم
4131 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى بن سعيد القطان ) عن ( يحيى بن سعيد الأنصاري ) عن ( القاسم بن محمد ) عن ( صالح بن خوات ) عن ( سهل بن أبي حثمة ) قال يقوم الإمام مستقبل القبلة وطائفة منهم معه وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو فيصلي بالذين معه ركعة ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم ثم يذهب هاؤلاء إلى مقام أولائك فيجيء فيركع بهم ركعة فله ثنتان ثم يركعون ويسجدون سجدتين
هذا طريق آخر في حديث صالح بن خوات الذي مضى عن قريب وقد صرح فيه أن صالحا رواه عن سهل بن أبي حثمة وهناك قال عمن شهد مع رسول الله وقد مر الكلام فيه هناك وأخرج هذا الطريق عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين المدنيين على نسق واحد وهم يحيى الأنصاري والقاسم وصالح وقد ترجمنا سهلا هناك واختلف في شأن سهل فقالت جماعة إنه كان صغيرا في زمن النبي فمات النبي وهو ابن ثمان سنين وممن جزم بذلك الطبري وابن حبان وابن السكن فعلى هذا تكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة وقال ابن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرا وكان الدليل ليلة أحد وقال الواقدي قبض رسول الله وهو ابن ثمان سنين ولكنه حفظ عنه فروى وأتقن وقال أبو عمر هو معدود في أهل

(17/197)


المدينة وبها كانت وفاته
قوله يقوم الإمام هكذا ذكره موقوفا وهكذا أخرجه البخاري بعد حديث من طريق ابن أبي حازم عن يحيى بن سعيد الأنصاري وأورده من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرفوعا قوله من قبل العدو بكسر القاف وفتح الباء الموحدة وهو الجهة القابلة
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي مثله
هذا طريق آخر مرفوع أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم ابن محمد بن أبي بكر إلى آخره
حدثني محمد بن عبيد الله قال حدثني ابن أبي حازم عن يحيى سمع القاسم أخبرني صالح بن خوات عن سهل حدثه قوله
هذا طريق موقوف أخرجه عن محمد بن عبيد الله بن محمد مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي المدني عن عبد العزيز ابن أبي حازم سلمة بن دينار عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر إلخ
4132 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم ) أن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال غزوت مع رسول الله قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم
هذا الحديث بعين هذا الإسناد مر في أبواب صلاة الخوف أتم منه وأكمل وقد مر الكلام فيه هناك قوله فوازينا من الموازاة وهي المقابلة قوله فصاففنا لهم وفي رواية الكشميهني فصاففناهم وكذا في رواية أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري الحكم بن نافع
4133 - حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى بإحدى الطائفتين والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا فقاموا في مقام أصحابهم فجاء أولائك فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم ثم قام هاؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم
هذا طريق آخر في حديث عبد الله بن عمر أخرجه عن مسدد عن يزيد من الزيادة ابن زريع بضم الزاي وفتح الراء عن معمر بن راشد إلخ وأخرجه أبو داود عن مسدد أيضا إلخ نحوه قوله والطائفة الأخرى مبتدأ ومواجهة خبره والجملة حالية قوله فقضوا من القضاء الذي بمعنى الأداء كما في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 100 ) أي أديت لا بمعنى القضاء الاصطلاحي
4135 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( محمد بن أبي عتيق ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سنان بن أبي سنان الدؤلي ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أنه ( غزا مع ) رسول الله قبل نجد فلما قفل رسول الله قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله تحت سمرة فعلق بها سيفه

(17/198)


قال جابر فنمنا نومة ثم إذا رسول الله يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله إن هاذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي من يمنعك مني قلت له الله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله
مطابقته للترجمة من حيث إن غزوته قبل نجد هي غزوة ذات الرقاع والدليل عليه أن في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كنا مع رسول الله بذات الرقاع
وهذا الحديث بطريقيه قد مضى في الجهاد في باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة وأخرجه هنا أيضا نحوه الأول عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سنان وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر وهذا الإسناد بعينه هناك الثاني عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وهو محمد ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق نسب إلى جده عن ابن شهاب عن سنان بن أبي سنان واسم أبي سنان يزيد ابن أمية وماله في البخاري إلا هذا الحديث وأخرجه من روايته عن أبي هريرة في الطب وأخرج البخاري هذا هناك عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سنان عن جابر وليس فيه ذكر أبي سلمة
قوله قبل نجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهته وقال ابن الأثير النجد ما ارتفع من الأرض وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق وقال الجوهري نجد من بلاد العرب وهو خلاف الغور والغور هو تهامة وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد وهو مذكور والحاصل أن غزوة ذات الرقاع كانت بنجد
قوله الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة قال الكرماني ويروى بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف قلت الأول نسبة إلى الدؤل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو بكسر الهمزة ولكنها فتحت في النسبة والثاني نسبة إلى الدؤل بن حفيفة بن لحيم وإلى غير ذلك قوله فلما قفل أي رجع قوله القائلة أي شدة الحر وسط النهار قوله العضاه بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة وبالهاء كل شجر عظيم له شوك كالطلح والعوسج الواحدة عضه الهاء أصلية وقيل عضهة وقيل عضاهة فحذفت الهاء الأصلية كما حذفت في الشفة ثم ردت في العضاه كما ردت في الشفاه قوله تحت شجرة أي شجرة كثيرة الورق قوله قال جابر هو موصول بالإسناد المذكور وسقط ذلك من رواية معمر قوله فإذا كلمة إذا في الموضعين للمفاجأة قوله أعرابي جالس وفي رواية معمر فإذا أعرابي قاعد بين يديه واسمه غورث كما سيأتي قوله اخترط سيفي أي سله قوله صلتا بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق أي مجردا من الغمد بمعنى مصلوتا وانتصابه على الحال قوله والله أي الله يمنعني قوله فها هو ذا جالس كلمة ها للتنبيه و هو ضمير الشأن وكلمة ذا للإشارة إلى الحاضر مبتدأ و جالس خبره والجملة خبر لقوله هو فلا تحتاج إلى رابط كما عرف في موضعه قوله ثم لم يعاقبه رسول الله وذلك لشدة رغبته في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام لم يؤاخذه بما صنع بل عفا عنه وذكر الواقدي أنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير
( وقال أبان حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال كنا مع النبي بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي فجاء رجل من المشركين وسيف النبي معلق بالشجرة فاخترطه فقال له تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني قال الله فتهدده أصحاب النبي وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وكان للنبي أربع وللقوم ركعتاه )
هذا طريق آخر في حديث جابر وهو معلق أخرجه عن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة ابن يزيد العطار البصري ووصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبان بتمامه قوله ظليلة أي مظللة أي ذات ظل كثيف قوله

(17/199)


فجاء رجل هو غورث على ما يأتي بيانه الآن قوله وسيف النبي الواو فيه للحال قوله وأقيمت الصلاة الخ واستشكل ابن التين هذه الرواية عن جابر لأنهم كانوا في سفر فكيف يصلي بكل طائفة ركعتين وهو يصلي أكثر من المأمومين وأجيب بأنه لا إشكال هنا لأنهم صلوا معه ركعتين ثم كملوا يدل عليه قوله ثم تأخروا فإن قلت قوله وكان للنبي أربع وللقوم ركعتين ينافي هذا الجواب قلت معنى قوله وللقوم ركعتين مع الإمام وركعتين أخريين منفردين وأولوه كذا كما أولوا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فرض الله عز و جل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة حيث قالوا أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي وأصحابه في الخوف وقال النووي لا بد من هذا التأويل جمعا بين الأدلة
( وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة )
أبو عوانة بفتح العين هو الوضاح اليشكري البصري وأبو بشر بكسر الباء الموحدة هو جعفر بن أبي وحشية وهذا التعليق أخرجه سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس يعني اليشكري الثقة عن جابر قوله اسم الرجل أراد الرجل الذي في قوله فجاء رجل من المشركين قوله غورث بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء وبالثاء المثلثة وقيل بضم أوله مأخوذ من الغرث وهو الجوع وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير قوله وقاتل فيها أي في تلك الغزوة قوله محارب خصفة مفعول قاتل ومحارب مضاف إلى خصفة وقد ذكرنا أن محارب قبائل كثيرة فذكر خصفة للتمييز وروى البيهقي من طريقين عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر قال قاتل رسول الله محارب خصفة فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله فقال من يمنعك الحديث
( وقال أبو الزبير عن جابر كنا مع النبي بنخل فصلى الخوف )
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس علقه عنه البخاري وتقدم الكلام في رواية أبي الزبير عن جابر عن قريب قوله فصلى الخوف أي فصلى صلاة الخوف
( وقال أبو هريرة صليت مع النبي في غزوة نجد صلاة الخوف وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي أيام خيبر )
هذا التعليق وصله أبو داود والطبراني وابن حبان من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع النبي صلاة الخوف وقال أبو هريرة نعم قال مروان متى قال عام غزوة نجد قوله وإنما جاء أبو هريرة إلى آخره ذكر البخاري هذا تأكيدا لقوله أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر وذلك لأن أبا هريرة ما جاء إلى النبي إلا في أيام خيبر وفيه نظر لا يخفى لأنه لا يلزم من قوله صليت مع النبي في غزوة نجد صلاة الخوف أن يكون هذا في غزوة ذات الرقاع لأنه غزا غزوات عديدة في جهة نجد
( باب غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع )
أي هذا باب في بيان غزوة بني المصطلق بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وفي آخره قاف -
33 -
( باب غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع )
أي هذا باب في بيان غزوة بني المصطلق بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وفي آخره قاف

(17/200)


وهو لقب من الصلق وهو رفع الصوت وأصله مصتلق فأبدلت الطاء من التاء لأجل الصاد واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن من بني خزاعة بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وفتح العين المهملة وخزاعة هو ربيعة وربيعة هو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وقيل لهم خزاعة لأنهم تخزعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم من اليمن أي انقطعوا عنهم قوله وهي غزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون اليائين التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وفي آخره عين مهملة وهو اسم ماء لهم من ناحية قديد مما يلي الساحل بينه وبين الفرع نحو يومين وبين الفرع والمدينة ثمانية برد من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد وقال أبو نصر الرسع فساد في الأجفان
قال ابن إسحاق وذالك سنة ست
أي قال محمد بن إسحاق صاحب ( المغازي ) وذلك أي غزو رسول الله كان في سنة ست من الهجرة وقال في ( السيرة ) بعدما أورد قصة ذي قرد فأقام رسول الله بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ثم غزا بني المصطلق من خزاعة في شعبان سنة ست وقال ابن هشام واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال نميلة بن عبد الله الليثي وقال ابن سعد ندب رسول الله الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيل وهي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة وفي الأنصار عشرون واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان معه أي مع النبي فرسان لزاز والظراب وقال الصغاني كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه حامل راية المهاجرين وسعد بن عبادة حامل راية الأنصار فقتلوا منهم عشرة وأسروا سائرهم
وقال موسى بن عقبة سنة أربع
قيل سنة أربع سبق قلم من الكاتب في نسخ البخاري والذي في ( مغازي موسى بن عقبة ) من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في ( الدلائل ) وغيرهم سنة خمس ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب ثم قاتل رسول الله بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس وقال الواقدي كانت ليلتين من شعبان سنة خمس في سبعمائة من أصحابه وسبي النبي جويرية بنت الحارث فأعتقها وتزوجها وكانت الأسرى أكثر من سبعمائة
وقال النعمان بن راشد عن الزهري كان حديث الإفك في غزوة المريسيع
النعمان بن راشد الجزري أخو إسحاق الأموي مولاهم الحراني وروى تعليقه الجوزقي والبيهقي في ( الدلائل ) من طريق حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر قصة الإفك في غزوة المريسيع وبهذا قال ابن إسحاق وغير واحد من أهل المغازي إن قصة الإفك كانت في رجوعهم من غزوة المريسيع
4138 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) أخبرنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن ( محمد بن يحيى بن حبان ) عن ( ابن محيريز ) أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل قال أبو سعيد خرجنا مع رسول الله في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول الله بين أظهرنا قبل أن نسأله فسألناه عن ذالك فقال ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة

(17/201)


مطابقته للترجمة في قوله في غزوة بني المصطلق وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري المدني سكن بغداد وربيعة ابن أبي عبد الرحمن هو المشهور بربيعة الرأي ومحمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وتشديد الباء الموحدة وابن محيريز هو عبد الله بن محيريز بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الراء وسكون الياء وفي آخره زاي القرشي التابعي
والحديث مر في البيوع في باب بيع الرقيق فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن ابن محيريز إلخ وقد مر الكلام فيه هناك
قوله العزل وهو نزع الذكر من الفرج عند الإنزال قوله ما عليكم أن لا تفعلوا أي لا بأس عليكم أن لا تفعلوا و لا زائدة قوله ما من نسمة أي ما من نفس كائنة في علم الله تعالى إلا وهي كائنة في الخارج أي ما قدر الله كونها لا بد من مجيئها من العدم إلى الوجود وقال شمر النسمة كل دابة فيها روح والنسيم الريح وقال القزاز كل إنسان نسمة ونفسه نسمة
33 -
( باب غزوة أنمار )
أي هذا باب في ذكر غزوة أنمار وقد يقال غزوة بني أنمار وإنما قدرنا هكذا لأنه ليس فيه ذكر قصة أنمار وإنما فيه ذكر لفظ غزوة أنمار ولا معنى لذكر هذا الباب هنا وكان محله قبل غزوة بني المصطلق وأنمار بفتح الهمزة قبيلة وقد ذكرناها
4140 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( ابن أبي ذئب ) حدثنا ( عثمان بن عبد الله بن سراقة ) عن ( جابر ابن عبد الله الأنصاري ) قال رأيت النبي في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق متطوعا
هذا الحديث مضى في الصلاة في باب صلاة التطوع على الدواب وفي باب ينزل للمكتوبة وأخرجه هنا عن آدم بن أبي إياس عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور عن عثمان بن عبد الله بن سراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء وبالقاف العدوي كان والي مكة سنة ثمان وعشرة ومائة
قوله قبل بكسر القاف قوله متطوعا نصب على الحال من النبي

(17/202)


35 -
( باب حديث الإفك )
أي هذا باب في بيان حديث الإفك وليس في بعض النسخ لفظ باب بل هكذا حديث الإفك أي هذا حديث الإفك ولما كان حديث الإفك في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع ذكره هنا
الإفك والأفك بمنزلة النجس والنجس
أشار بهما إلى أنهما لغتان الأولى الأفك بكسر الهمزة وسكون الفاء كالنجس بكسر النون وسكون الجيم والثانية الأفك بفتح الهمزة والفاء معا كالنجس بفتحتين والأولى هي اللغة المشهورة قوله بمنزلة النجس أي بنظير النجس والنجس في الضبط وفي كونهما لغتين ثم الإفك مصدر أفك الرجل يأفك من باب ضرب يضرب إذا كذب والإفك بضم الهمزة جمع أفوك وهو الكثير الكذب ذكره ابن عديس في الكتاب ( الباهر )
يقال إفكهم وأفكهم وأفكهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ( الأحقاف 28 ) قرىء في المشهور إفكهم بكسر الهمزة وسكون الفاء وارتفاعه على أنه خبر لقوله وذلك وقرىء في الشاذ أفكهم بفتح الهمزة والفاء والكاف جميعا على أنه فعل ماض وقرىء أيضا وأفكهم بتشديد الفاء للمبالغة وآفكهم بمد الهمزة وفتح الفاء أي جعلهم آفكين وآفكهم بالمد وكسر الفاء قال الزمخشري أي قولهم الكذب كما تقول قول كاذب
فمن قال أفكهم
يعني من جعله فعلا ماضيا
يقول صرفهم عن الإيمان وكذبهم كما قال يؤفك عنه من أفك يصرف عنه من صرف
يؤفك بضم الياء صيغة المجهول وفي الحديث لقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك أي صرفوا عن الحق ومنعوا منه يقال أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه عن الشيء وقلبه وأفك فهو مأفوك
4141 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص ) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض قالوا قالت عائشة كان رسول الله إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى

(17/203)


رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوي حتى أناخ راحلته فوطيء على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول قالت فهلك في من هلك وكان الذي تولي كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه وقال عروة أيضا لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى وإن كبر ذالك يقال عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
قالت عائشة فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى إنما يدخل علي رسول الله فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذالك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذالك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا قالت وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا قالت فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد ابن المطلب فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت أي هنتاه ولم

(17/204)


تسمعي ما قال قالت وقلت ما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك قالت فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله فسلم ثم قال كيف تيكم فقلت له أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت فأذن لي رسول الله فقلت لأمي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها قالت فقلت سبحان الله أولقد تحدث الناس بهاذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي قالت ودعا رسول الله علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه فقال أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قالت فدعا رسول الله بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت له بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله قالت فقام رسول الله من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما يدخل على أهلي إلا معي قالت فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج قالت وكان قبل ذالك رجلا صالحا ولاكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين قالت فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر قالت فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت فبكيت يومي ذالك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي قالت فبينا نحن على ذالك دخل رسول الله صلى الله عليه

(17/205)


وسلم علينا فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت فتشهد رسول الله حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب رسول الله عني فيما قال فقال أبي والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لامي أجيبي رسول الله فيما قال قالت أمي ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا إني والله لقد علمت لقد سمعتم هاذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذ بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام رسول الله مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسري عن رسول الله وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال يا عائشة أما الله فقد برأك قالت فقالت لي أمي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه فإني لا أحمد إلا الله عز و جل قالت وأنزل الله تعالى إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ( النور 11 ) العشر الآيات ثم أنزل الله تعالى هاذا في براءتي قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم إلى قوله غفور رحيم ( النور 22 ) قال أبو بكر الصديق بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال لزينب ماذا علمت أو رأيت فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي فعصمها الله بالورع قالت وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك قال ابن شهاب فهاذا الذي بلغني من

(17/206)


حديث هاؤلاء الرهط ثم قال عروة قالت عائشة والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط قالت ثم قتل بعد ذالك في سبيل الله
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الشهادات في أول باب تعديل النساء بعضهن بعضا فإنه أخرجه هناك عن أبي الربيع سليمان بن داود إلى آخره وأخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان إلى آخره وليعتبر الناظر التفاوت بينهما من حديث الزيادة والنقصان وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى ولنتكلم هنا بما يحتاج إليه منه
فقوله وأثبت له اقتصاصا أي أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث وهذا الذي فعله الزهري من جمع الحديث عنهم جائز لا كراهة فيه لأن هؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقاة من عظماء التابعين فالحجة قائمة بقول أي كان منهم قوله في غزوة غزاها أرادة الغزوة المصطلقية قوله سهمي السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر وهي القداح ثم سمى بها ما يفوز به الفالح سهمه ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما والمراد من السهم هنا القدح الذي يقترع به قوله أحمل على صيغة المجهول قوله في هودجي الهودج مركب من مراكب النساء مقتب وغيره مقتب قوله من جزع ظفار الجزع بفتح الجيم وسكون الزاي وبالعين المهملة خرز وهو مضاف إلى ظفار بفتح الظاء المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء مبنية على الكسر وهو اسم قرية باليمن قوله ابتغاؤه أي طلبه قوله لم يهبلن بضم الباء الموحدة من الهبل وهو كثرة اللحم والشحم ويروى على صيغة المجهول من الإهبال ويروى لم يهبلهن اللحم أي لم يكثر عليهن يقال هبله اللحم إذا كثر عليه وركب بعضه بعضا قوله العلقة بضم العين المهملة وهي القليل من الأكل قوله فلم يستنكر القوم خفة الهودج وقد تقدم في كتاب الشهادات ولم يستنكر القوم ثقل الهودج والتوفيق بينهما أن الخفة والثقل من الأمور الإضافية فيتفاوتان بالنسبة قوله فتيممت أي قصدت قوله وكان صفوان ابن المعطل بضم الميم وفتح العين والطاء المهملتين ابن ربيضة بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالح بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي بالضم ثم الذكواني يكنى أبا عمرو ويقال إنه أسلم قبل المريسيع وشهد المريسيع وما بعدها قال أبو عمر وكان يكون على ساقة النبي وعن ابن إسحاق أنه قتل في غزاة أرمينية شهيدا وأميرهم يومئذ عثمان بن العاصي سنة تسع عشرة في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وقيل مات بالجزيرة في ناحية سميساط ودفن هناك وقيل غير ذلك قوله باسترجاعه أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون ( البقرة 156 ) قوله فحمرت أي غطيت من التخمير بالخاء المعجمة وهي التغطية قوله وهوى أي اسرع حتى أناخ أي برك راحلته ويقال هوى يهوي هويا من باب ضرب يضرب إذا أسرع في السير وهوى يهوي من باب علم يعلم هويا إذا أحب وهوى يهوى هويا بالضم إذا صعد وبالفتح إذا هبط وفي رواية وأهوى بالهمزة في أوله من أهوى إليه إذا مال وأخذه قوله فوطىء على يدها أي وطىء صفوان على يد الراحلة ليسهل ركوبها ولا يحتاج إلى مساعدته قوله موغرين يجوز أن يكون صيغة تثنية وأن يكون صيغة جمع نصبا على الحال أي داخلين في الوغرة بالغين المعجمة ويقال أوغر الرجل أي دخل في شدة الحر كما يقال أظهر إذا دخل في وقت الظهر ووغرت الهاجرة وغرا إذا اشتدت في وقت توسط الشمس السماء ووغر الصدر بتحريك الغين المعجمة الغل والحرارة ويروى موعرين بالعين المهملة من الوعر قوله في نحر الظهيرة أي في صدر الظهر قوله وهم نزول أي والحال أن الجيش نازلون قوله فقالت أي عائشة رضي الله تعالى عنها قوله فهلك في بكسر الفاء وتشديد الياء أرادت ما قالوا فيها من الكذب والبهتان والافتراء الذي هو سبب لهلاك القائلين أي لخزيهم وسواد وجوههم عند الله وعند الناس قوله والذي تولى كبر الإفك بكسر الكاف وفتح الباء الموحدة أي الذي باشر معظم الإفك وأكثره عبد الله بن أبي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء ابن سلول بفتح السين المهملة وضم اللام الأولى وهي امرأة من خزاعة وهي أم أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن الخزرج وكان عبد الله هذا رأس المنافقين وابنه عبد الله من فضلاء الصحابة وخيارهم قوله قال عروة أي ابن الزبير بن العوام أحد الرواة

(17/207)


المذكورين أول الحديث وهو متصل بالسند الأول قوله أخبرت على صيغة المجهول وهو مقول عروة قوله أنه كان يشاع ويتحدث به عنده أي أن الإفك كان يشاع عند عبد الله بن أبي وكل من يشاع ويتحدث على صيغة المجهول من باب تنازع العاملين في قوله عنده قوله فيقره بضم الياء أي فيقر عبد الله حديث الإفك و ينكره ولا ينهى من يقول به قوله ويستوشيه أي يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ولا يدعه ينخمد وقال الجوهري يستوشيه أي يطلب ما عنده ليزيده قوله لم يسم على صيغة المجهول قوله مسطح بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثانية ابن أثاثة بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة الأولى ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي يكنى أبا عبادة وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وهي ابنة خالة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وقيل أم مسطح بن عامر خالة أبي بكر شهد بدرا ثم خاض في الإفك فجلده رسول الله فيمن جلد ويقال مسطح لقب واسمه عوف مات سنة أربع وثلاثين وقيل شهد مسطح صفين وتوفي سنة سبع وثلاثين قوله وحمنة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالنون بنت جحش بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة ابن رياب الأسدية من بني أسد بن خزيمة أخت زينب بنت جحش كانت عند مصعب بن عمير فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله وكانت جلدت مع من جلد في الإفك قوله في ناس آخرين أي حال كون المذكورين في جماعة آخرين في الإفك قال عروة ولا علم لي بهم أي بأساميهم غير أنهم كانوا عصبة قال ابن فارس العصبة العشرة وقال الداودي ما فوق العشرة إلى الأربعين وقيل العصبة الجماعة قوله كما قال الله تعالى في قوله إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ( النور 11 ) أي جماعة متعصبون منكم أي من المسلمين قوله وأن كبر ذلك بضم الكاف وسكون الباء الموحدة أي وأن متولي معظم الإفك يقال له عبد الله بن أبي قوله أن يسب على صيغة المجهول قوله وتقول إنه أي تقول عائشة إن حسان قال فإن أبي ووالده إلى آخره قوله فإن أبي أراد به حسان أباه ثابتا وأراد بقوله ووالده أي والد أبيه وهو منذر وأبو جده حرام لأن حسان هو ابن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري وحرام ضد الحلال وعاش كل واحد من حسان وأبيه وجده وجد أبيه مائة وعشرين سنة وهذا من الغرائب قوله وعرضي بالكسر هو موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب قوله وقاء بكسر الواو قال الجوهري الوقاء والوقاء ما وقيت به شيئا قوله فاشتكيتأي مرضت قوله والناس يفيضون بضم الياء أي يخوضون قوله وهو يريبني بفتح الياء وضمها يقال رابه وأرابه إذا أوهمه وشككه قوله اللطف بضم اللام وسكون الطاء وبفتحها جميعا البر والرفق قوله كيف تيكم إعلم أن تأوته ته اسم يشار به إلى المؤنث فإن خاطبت جئت بالكاف فقلت تيك وتيكما وتيكم وما قبل الكاف لمن تشير إليه في التذكير والتأنيث والثنية والجمع قوله حين نقهت بفتح القاف وكسرها أي حين أفقت من المرض يقال نقه نقها ونقوها إذا صح عقيب علته وأنقهه الله فهو ناقه قوله قبل المناصع بكسر القاف وفتح الباء الموحدة والمناصع بالنون والصاد والعين المهملتين على وزن المساجد مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها قاله الأزهري وقال ابن الأثير هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة واحدها منصع لأنه يبرز إليها ويظهر من نصع الشيء ينصع إذا وضح وبان قوله متبرزنابتشديد الراء المفتوحة بعدها الزاي المفتوحة وهو موضع البراز قوله الكنف بضمتين جمع كنيف وهو كل ما ستر من بناء أو حظيرة قوله الأول بضم الهمزة وفتح الواو المخففة ويروى بفتح الهمزة وتشديد الواو قوله وهي ابنة أبي رهم بضم الراء وسكون الهاء واسمه أنيس بفتح الهمزة وكسر النون ابن المطلب بن عبد مناف ذكره الزبير وضبطه ابن ماكولا هكذا ويقال اسمه صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة قوله تعس بكسر العين قاله الجوهري وبفتحها قاله القاضي قوله أي هنتاه يعني يا هنتاه بفتح الهاء وسكون النون وفتحها وأما الهاء الأخيرة فتضم وتسكن وهذه اللفظة تختص بالنداء ومعناه يا هذه وقيل يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم قوله وضيئة أي حسنة جميلة من الوضاءة وهي الحسن قوله إلا كثرن بتشديد الثاء المثلثة ويروى أكثرن من

(17/208)


الإكثار أي كثرن القول الرديء عليها قوله لا يرقأبالقاف والهمزة أي لا ينقطع يقال رقا الدمع والدم والعرق يرقأ رقوء بالضم إذا سكن وانقطع قوله أهلك قال الكرماني بالرفع والنصب قلت وجه الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف والتقدير هي أهلك ما بها شيء ووجه النصب على تقدير إلزم أهلك قوله لم يضيق الله عليكقول علي رضي الله تعالى عنه هذا لم يكن عداوة ولا بغضا ولكن لما رأى انزعاج النبي بهذا الأمر وتقلقه به أراد إراحة خاطره وتسهيل الأمر عليه قوله أي بريرة يعني يا بريرة بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى وهي مولاة عائشة رضي الله تعالى عنها قوله أغمصه جملة وقعت صفة لقوله أمرا ومعناه أعيبها به وأطع به عليها ومادته غين معجمة وميم وصاد مهملة قوله الداجن بكسر الجيم وهي الشاة التي تقتنى في البيت وتعلف وقد تطلق على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيره قوله فاستعذر من عبد الله بن أبي أي قال من يعذرني فيمن أذاني في أهلي ومعنى من يعذرني ومن يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعله وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر قوله فقام سعد بن معاذ فإن قلت حديث الإفك كان في المريسيع وسعد قد مات قبله قلت ذكر ابن منده أن سعدا مات بالمدينة سنة خمس وغزوة المريسيع كانت في شعبان سنة خمس فكأن سعدا مات بعد شعبان من هذه السنة وقال البيهقي يشبه أن سعدا لم ينفجر جرحه إلا بعد المريسيع قوله قلص دمعي أي انقطع قوله من البرحاء بضم الباء الموحدة وفتح الراء وتخفيف الحاء المهملة وبالمد وبرحاء الحمى وغيرها شدة الأذى قوله الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم وهو اللؤلؤ الصغار وقيل حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ قوله من ثقل القول وضبطه ابن التين بكسر الثاء المثلثة وسكون القاف قوله ولا يأتل أولو الفضل منكم ( النور 22 ) أي لا يحلف قوله أحمى سمعي وبصري هو مأخوذ من الحمى تقول أحميه من المآثم إن رأيت ما قيل وبقية الكلام قد مرت في كتاب الشهادات مستوفاة
4142 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال ( أملى علي هشام بن يوسف من حفظه ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال قال لي الوليد بن عبد الملك أبلغك أن عليا كان فيمن قذف عائشة قلت لا ولاكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمان وأبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لهما كان علي مسلما في شأنها
مطابقته للترجمة من حيث إنه يتعلق بالحديث السابق الطويل وعبد الله بن محمد أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وهشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني والوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي
قوله أملى علي من الإملاء قوله من حفظه فيه إشارة إلى أن الإملاء قد يقع من الكتاب قوله قال لي الوليد وفي رواية عبد الرزاق عن معمر كنت عند الوليد بن عبد الملك أخرجه الإسماعيلي قوله أبلغك الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله قلت لا القائل هو الزهري أي لا كان فيمن قذف عائشة لأن عليا رضي الله تعالى عنه منزه عن أن يقول مثل مقالة أهل الإفك قوله أبو سلمة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف وأبو بكر عطف عليه تقديره هما أبو سلمة وأبو بكر بن عبد الرحمن والأولى أن يكون أبو سلمة عطف بيان وأبو بكر عطف عليه وأراد من قوله من قومك قريشا لأن أبا بكر بن عبد الرحمن مخزومي وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف زهري يجمعهما مع بني أمية رهط الوليد مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب قوله قالت لهما أي قالت عائشة لأبي سلمة وأبي بكر قوله مسلما بكسر اللام المشددة كذا في نسخ البخاري وفي رواية الحموي مسلما بفتح اللام فالرواية الأولى من التسليم بمعنى تسليم الأمر بمعنى السكوت والثانية من السلامة من الخوض فيه وقال ابن التين ويروى مسيئا يعني من الإساءة وقال صاحب ( التوضيح ) فيه بعد ورد عليه بأن عياضا ذكر أنه النسفي رواه عن البخاري بلفظ مسيئا وكذا رواه أبو علي بن السكن عن الفربري قلت الظاهر أن نسبة هذه اللفظة إلى علي رضي الله تعالى عنه من حيث إنه لم يقل مثل ما قال أسامة بن زيد أهلك ولا نعلم إلا خيرا بل قال لم يضيق الله عليك والنساء

(17/209)


سواها كثير ومن هذا أن بعض الغلاة من الناصبية تقربوا إلى بني أمية بهذه اللفظة فجزى الله تعالى الزهري خيرا حيث بين للوليد بن عبد الملك ما في الحديث المذكور
فراجعوه فلم يرجع وقال مسلما بلا شك فيه وعليه كان في أصل العتيق كذلك
أي فراجعوا الزهري في هذه المسألة فلم يرجع أي فلم يجب بغير ذلك وقال معمر قال الزهري مسلما بلا شك في هذا اللفظ وزاد أيضا لفظ عليه أي على الوليد قوله وقال مسلما أي قال الزهري قالت عائشة قال علي بلفظ مسلما لا بلفظ مسيئا وقال بعضهم المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب وذلك أن عبد الرزاق رواه عن معمر فخالفه فرواه بلفظ مسيئا قلت الذي فسره الكرماني هو الصواب ألا يرى أن الأصيلي لما رواه بلفظ مسلما قال كذا قرأناه والله أعلم
173 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن أبي وائل قال حدثني مسروق بن الأجدع قال حدثتني أم رومان وهي أم عائشة رضي الله عنهما قالت بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت فعل الله بفلان وفعل بفلان فقالت أم رومان وما ذاك قالت ابني فيمن حدث الحديث قالت وما ذاك قالت كذا وكذا قالت عائشة سمع رسول الله قالت نعم قالت وأبو بكر قالت نعم فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي فقال ما شأن هذه قلت يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض قال فلعل في حديث تحدث به قالت نعم فقعدت عائشة فقالت والله ولئن حلفت لا تصدقوني ولئن قلت لا تعذروني مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه والله المستعان على ما تصفون قالت وانصرف ولم يقل شيئا فأنزل الله عذرها قالت بحمد الله لا بحمد أحمد ولا بحمدك )
مطابقته للترجمة من حيث أن له تعلقا بالحديث الطويل السابق وأبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي وأبو وائل شقيق بن سلمة الأزدي وأم رومان بضم الراء وسكون الواو تقدم ذكرها غير مرة والحديث مر في أحاديث الأنبياء في باب قوله تعالى لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن ابن فضيل عن حصين إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك ولنذكر هنا بعض شيء فقوله حدثتني أم رومان فيه إشكال استشكله الخطيب وآخرون لأن أم رومان ماتت في زمن النبي ومسروق ليست له صحبة لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي في خلافة أبي بكر أو عمر رضي الله تعالى عنهما وقال الخطيب أيضا كان مسروق يرسل هذا الحديث عن أم رومان ويقول سئلت أم رومان فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بالألف فصارت سألت فقرأت بفتحتين قال علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب يعني بالعنعنة قال وأخرج البخاري هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال ولم تظهر له علته انتهى ورد على الخطيب ومن تبعه بوجهين الأول أن مستندهم في تاريخ وفاة أم رومان عن الواقدي فلا يضر ذلك الإسناد الصحيح ( الثاني ) ذكر أبو نعيم الأصبهاني أن أم رومان عاشت بعد النبي ويؤيد هذا ما تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن وإنما هو أنا وأبي وأمي

(17/210)


وامرأتي وخادم وفي كتاب الأدب عند البخاري فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك الحديث فهذا يدل على أن وفاة أم رومان تأخرت إلى زمن بعد النبي قوله إذ ولجت أي إذ دخلت وكلمة إذ جواب قوله بينا قوله حمى بنافض النافض من الحمى ذات الرعدة قوله في حديث تحدث بضم التاء على صيغة المجهول قوله لئن حلفت أي على براءتي قوله لا تصدقوني ويروى لا تصدقونني قوله لا تعذروني أي لا تقبلوا مني العذر قوله وانصرف أي رسول الله
4144 - حدثني ( يحيى ) حدثنا ( وكيع ) عن ( نافع بن عمر ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها كانت تقرأ إذ تلقونه بألسنتكم ( النور 15 ) وتقول الولق الكذب
قال ابن أبي مليكة وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها ( الحديث 4144 - طرفه في4752 )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الذي قبله ويحيى هو ابن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي ووكيع ابن الجراح ونافع بن عمر بن عبد الله الجمحي القرشي من أهل مكة يروي عن عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم
قوله إذ تلقونه يعني تقرأ بكسر اللام وضم القاف المخففة وفسرته بقولها من الولق وهو الكذب وقال الخطابي هو الإسراع في الكذب وقيل هو الاستمرار فيه وأصل تلقونه تولقونه حذفت الواو لوقوعها بين الكسرة والياء آخر الحروف في فعل الغائب وحذفت في فعل المخاطب وغيره طردا للباب قوله وكانت أعلم من غيرها أي وكانت عائشة أعلم بهذه القراءة من غيرها وقراءة العامة إذ تلقونه بفتح اللام وتشديد القاف من التلقي وأصله إذ تتلقونه فحذفت إحدى التاءين
4145 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن أبيه قال ذهبت أسب حسان عند عائشة فقالت لا تسبه فإنه كان ينافح عن رسول الله وقالت عائشة استأذن النبي في هجاء المشركين قال كيف بنسبي قال لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ( انظر الحديث 3531 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن حسانا مذكور في حديث الباب وعبدة بسكون الباء الموحدة ابن سليمان الكلابي وكان اسمه عبد الرحمن فغلب عليه لقبه عبدة وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن محمد بن سلام عن عبدة وأخرجه مسلم في الفضائل عن عثمان بن أبي شيبة
قوله ينافح بالحاء المهملة يقال نافحت عن فلان إذا خاصمت عنه قوله كيف بنسبي أي تعمل في أمر نسبي إذا هجوت قريشا من المشركين
وقال محمد بن عقبة وحدثنا عثمان بن فرقد سمعت هشاما عن أبيه قال سببت حسان وكان ممن كثر عليها
محمد بن عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف وبالباء الموحدة أبو جعفر الطحان الكوفي أحد مشايخ البخاري علق عنه ووقع في رواية كريمة والأصيلي حدثنا محمد بغير نسبة وعرف نسبه من الرواية الأخرى وعثمان بن فرقد بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة البصري وله حديث آخر تقدم في أواخر البيوع قوله وكان ممن كثر بتشديد الثاء المثلثة من التكثير عليها أي على عائشة رضي الله تعالى عنها في ذكر قضية الإفك فلذلك كان عروة يسبه
176 - ( حدثني بشر بن خالد أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلنا على عائشة رضي الله عنها وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له وقال
حصان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

(17/211)


فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها لم تأذني له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت وأي عذاب أشد من العمى قالت له إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله )
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث الماضي وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبو محمد العسكري الفرائضي وهو شيخ مسلم أيضا ومحمد بن جعفر وهو الملقب بغندر وسليمان هو الأعمش وأبو الضحى بضم الضاد المعجمة اسمه مسلم بن صبيح الكوفي والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن بشار وعن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في الفضائل عن بشر بن خالد وعن محمد بن مثنى قوله يشبب بالشين المعجمة من التشبيب وهو ذكر الشاعر ما يتعلق بالغزل ونحوه قوله حصان إلى آخره وهو من قصيدة من الطويل وحصان بفتح الحاء أي عفيفة تمتنع من الرجال قوله رزان بفتح الراء وتخفيف الزاي أي صاحبة الوقار وقيل يقال امرأة رزان إذا كانت رزينة في مجلسها والرزان والثقال بمعنى واحد وهي قليلة الحركة وكلاهما على وزن فعال بفتح الفاء وهو يكثر في أوصاف المؤنث وفي الأعلام قوله ما تزن بضم التاء المثناة من فوق وفتح الزاي وتشديد النون أي ما تتهم بريبة يقال أزننت الرجل إذا اتهمته بريبة والريبة بكسر الراء التهمة قوله غرثى بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالثاء المثلثة أي جائعة يعني لا تغتاب الناس إذ لو كانت مغتابة لكانت آكلة من لحم أخيها فتكون شبعانة لا جوعانة ويقال رجل غرثان وامرأة غرثى ويقال وتصبح غرثى أي خميصة البطن من لحوم الغوافل وهن العفيفات قال تعالى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات جعلهن الله غافلات لأن الذي رمين به من الشر لم يهمن به قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة عنه وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف قوله لكنك لست كذلك الخطاب لحسان فيه إشارة إلى أنه اغتاب عائشة رضي الله تعالى عنها حين وقعت قصة الإفك وقد عمي في آخر عمره قوله فقلت لها أي لعائشة لم تأذني له أي لحسان قوله أن يدخل أي بأن يدخل وكلمة أن مصدرية قوله أنه كان ينافح أي أن حسان كان يذب عن رسول الله بالشعر ويخاصم عنه -
36 -
( باب غزوة الحديبية )
أي هذا باب في بيان غزوة الحديبية وفي رواية الكشميهني باب عمرة الحديبية بدل غزوة الحديبية وهي بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة قال الأصمعي هي مخففة الياء الأخيرة وزعم صاحب تثقيف اللسان أن تشديدها لحن وقال أبو الخطاب خفف ياءها المتقنون وعامة المحدثين والفقهاء يشد دونها وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة بينها وبين المدينة تسع مراحل ومرحلة إلى مكة شرفها الله تعالى والشجرة سمرة بايع الصحابة تحتها قال مالك هي من الحرم وقال ابن القصار بعضها من الحل وبعضها من الحرم وكان يضارب النبي في الحل ومصلاه في الحرم وقال الخطابي أهل الحديث يشددونها وكذلك راء الجعرانة وأهل العربية يخففونها وقال البكري أهل العراق يشددون الياء وأهل الحجاز يخففونها وقال أبو جعفر النحاس سألت كل من لقيته ممن أثق بعلمه عن الحديبية فلم يختلفوا على أنها بالتخفيف وقيل سميت الحديبية بشجرة هناك حدباء فصغرت
وقول الله تعالى لقد رضي الله عنها المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
وقول الله بالجر عطف على قوله غزوة الحديبية وأراد بذكر هذه الآية الكريمة الإشارة إلى أنها نزلت في قصة الحديبية وقد مر بيان قصة الحديبية في كتاب الصلح في أبواب متفرقة وكانت في هلال ذي القعدة يوم الاثنين سنة ست قال البيهقي هذا هو الصحيح وإليه ذهب الزهري وقتادة وابن عقبة وابن إسحاق وغيرهم واختلف فيه على عروة فقيل مثل الجماعة وقيل في رمضان فروى عنه خرج رسول الله في رمضان وكانت العمرة في شوال وقال ابن سعد ولم يخرج

(17/212)


رسول الله صلى الله عليه و سلم معه بسلاح إلا بالسيوف في القرب وساق سبعين بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ومعه من المسلمين ألف وستمائة ويقال ألف وأربعمائة ويقال خمسائة وخمسة وعشرون رجلا ومعه أم سلمة قال الحاكم والقلب أميل إلى رواية من روى ألفا وخمسمائة لاشتهاره ولمتابعة المسيب بن حزن له فيه قال ورواية موسى بن عقبة كانوا ألفا وستمائة ولم يتابع عليها ( قلت ) قاله أبو معشر وأبو سعيد النيسابوري قال وروي عن عبدالله بن أبي أوفى أنهم كانوا ألفا وثلاثمائة وسيأتي في رواية البراء أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ( فإن قلت ) ما وجه التوفيق بين هذه الروايات ( قلت ) الوجه فيه أن بعضهم ضم إليهم النساء والأتباع وبعضهم حذف وقال ابن دحية اختلاف الروايات لأن ذلك من باب الحرز والتخمين لا من باب التحديد *
177 - حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح ثم أقبل علينا فقال أتدرون ماذا قال ربكم قلنا الله ورسوله أعلم فقال قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي
مطابقته للترجمة في قوله خرجنا عام الحد يبية وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا والحديث مر في كتاب الصلاة في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم *
178ح - دثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنسا رضي الله عنه أخبره قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته عمرة من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته
مطابقته للترجمة في قوله من الحديبية وهمام بتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصرى والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم فإنه أخرجه هناك عن حسان بن حسان عن همام عن قتادة إلى آخره قوله ( ( عمرة من الحديبية ) ) مراده أن عمرة الحصر عن الطواف محسوبة بعمرة وإن لم يتم مناسكها قوله ( ( من الجعرانة ) ) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء وقد تشدد كما مر هناك ( فإن قلت ) ذكر في الجهاد في باب ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يعطي المؤلفة قلوبهم قال نافع ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبدالله بن عمر ( قلت ) الملازمة ممنوعة لاحتمال غيبته في ذلك الوقت أو نسيانه *
179ح - دثنا سعيد بن الربيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه حدثه قال انطلقنا مع النبي صلى الله عليه و سلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن الربيع بفتح الراء العامري وعلي بن المبارك الهباري البصري ويحيى ابن أبي كثير اليمامي الطائي وعبدالله بن أبي قتادة يروي عن أبيه أبي قتادة وفي اسمه أقوال والأشهر الحرث بن ربعي الأنصاري الخزرجي والحديث قد مضى مطولا في كتاب الحج في باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله *
ج17 ص 213
180 - ( حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا )
مطابقته للترجمة في قوله يوم الحديبية وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي يروي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب قوله تعدون أنتم الفتح فتح مكة أي كما في قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا وقد كان فتحا ولكن بيعة الرضوان هي الفتح العظيم لأنها كانت مقدمة لفتح مكة وسببا لرضوان الله تعالى وذكر ابن إسحاق عن الزهري قال لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه قوله أربع عشرة مائة وكان القياس أن يقال ألفا وأربعمائة لكن الغرض منه الإشعار بأن الجيش كان منقسما إلى المآت وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى وقد مر الكلام عن قريب في اختلاف الروايات في العدد قوله والحديبية بئر أي اسم بئر ثم عرف المكان كله بذلك قوله فنزحناها كذا في الأصول وذكره ابن التين بلفظ فنزفناها ثم قال النزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا فشيئا قوله فتركناها غير بعيد أراد أنهم تركوها قدر ساعة يدل عليه رواية زهير فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله أصدرتنا من الإصدار يقال أصدرته فصدر أي أرجعته فرجع قوله ما شئنا أي القدر الذي أردنا شربه والركاب بكسر الراء الإبل التي يسار عليها -
4151 - حدثني ( فضل بن يعقوب ) حدثنا ( الحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحراني ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( أبو إسحاق ) قال ( أنبأنا البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا مع رسول الله يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر فنزلوا على بئر فنزحوها فأتوا رسول الله فأتى البئر وقعد على شفيرها ثم قال ائتوني بدلو من مائها فأتي به فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا ( انظر الحديث 3577 وطرفه )
هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن فضل بالضاد المعجمة ابن يعقوب الرخامي البغدادي وزهير هو ابن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي قوله فبصق ويقال فيه بسق وبزق
4152 - حدثنا ( يوسف بن عيسى ) حدثنا ( ابن فضيل ) حدثنا ( حصين ) عن ( سالم ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله ما لكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك قال فوضع النبي يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا فقلت لجابر كم كنتم يومئذ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة
مطابقته للترجمة في قوله يوم الحديبية ويوسف بن عيسى أبو يعقوب المروزي وهو شيخ مسلم أيضا يروي عن محمد بن

(17/214)


فضيل مصغر فضل بالمعجمة عن حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين أبي عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله
والحديث مضى في باب علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز بن مسلم عن حصين إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك فإن قلت حديث جابر هذا مغاير لحديث البراء المتقدم على ما لا يخفى قلت وقع ذلك في وقتين وذكر في الأشربة أن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك وقيل يحتمل أنهم لما توضؤا من الماء الذي نبع من بين أصابعه ويده في الركوة صب الماء الذي بقي منها في البئر ففار الماء فيها وكثر
4153 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( سعيد ) عن ( قتادة ) قلت ل ( سعيد ابن المسيب بلغني ) أن ( جابر بن عبد الله ) كان يقول كانوا أربعة عشرة مائة فقال لي سعيد حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا النبي يوم الحديبية
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن الصلت بن محمد بن عبد الرحمن الخاركي البصري عن يزيد من الزيادة ابن زريع مصغر الزرع عن سعيد بن أبي عروبة إلى آخره ولا اختلاف فيه بين الروايتين لأن كلا يحكي على ما ظنه ولعل بعضهم اعتبر الأكابر وبعضهم الأوساط وبعضهم الأصاغر على أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد قوله فقال لي سعيد مقول قتادة أي قال لي سعيد بن المسيب حدثني جابر إلى آخره
تابعه أبو داود حدثنا قرة عن قتادة
أي تابع الصلت شيخ البخاري في روايته أبو داود سليمان بن داود الطيالسي عن قرة بن خالد عن قتادة ووصل هذه المتابعة الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي عن قرة عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب كم كانوا في بيعة الرضوان فذكر الحديث وقال فيه أوهم يرحمه الله هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وقال أبو مسعود الدمشقي حديث أبي داود مشهور عنه وأما حديث سعيد هو ابن أبي عروبة فإن العباس بن الوليد رواه عن يزيد بن زريع وقال فيه نسي جابر كانوا خمس عشرة مائة ولم يقل فيه حدثني وكذلك رواه أبو موسى وبندار عن ابن أبي عدي عن سعيد كرواية العباس
4154 - حدثنا ( أبو داود ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( علي ) حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) سمعت ( جابر ابن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قال لنا رسول الله يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله إلى آخره
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي عن سعيد بن عمرو وآخرين وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن منصور
قوله أنتم خير أهل الأرض هذا يدل صريحا على فضل أهل الشجرة وهم الذين بايعوا النبي تحتها وهم أهل بيعة الرضوان وقال الداودي ولم يرد دخول نفسه فيهم واحتج به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان رضي الله تعالى عنهما لأن عليا كان حاضرا وعثمان كان غائبا بمكة ورد بأن عثمان كان في حكم من دخل تحت الخطاب لأن النبي كان بايع عنه وهو غائب فدخل عثمان فيهم ولم يقصد في الحديث تفضيل بعضهم على بعض واحتج به بعضهم على أن الخضر عليه السلام ليس بنبي لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهذا باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ وأجاب من زعم أنه نبي وأنه حي بثبوت الأدلة الواضحة على نبوته وأنه كان حاضرا معهم ولم يقصد تفضيل بعض على بعض وأجاب بعضهم بأنه كان حينئذ في البحر وقال بعضهم هذا جواب ساقط قلت لا نسلم سقوطه لعدم المانع من ذلك وادعى ابن التين أنه حي وبنى عليه أنه ليس بنبي

(17/215)


لدخوله في عموم من فضل النبي أهل الشجرة عليهم ورد عليه بأن إنكاره نبوة خضر غير صحيح لما ذكرنا وقد بسطنا الكلام فيه في ( تاريخنا الكبير ) وزعم ابن التين أيضا أن إلياس عليه السلام ليس بنبي وبناء على قول من زعم أنه حي قلت لم يصح أنه كان حيا حينئذ ولئن سلمنا حياته حينئذ فالجواب ما ذكرناه الآن في حق الخضر وأما نفي نبوته فباطل لأن القرآن نطق بأنه كان من المرسلين فلا يمكن أن يكون مرسلا وهو غير نبي قوله ولو كنت أبصر اليوم إنما قال ذلك لأنه كان عمي في آخر عمره قوله لأريتكم من الإراءة قوله مكان الشجرة وهي شجرة سمة التي بايعت الصحابة النبي تحتها
تابعه الأعمش سمع سالما سمع جابرا ألفا وأربعمائة
أي تابع سفيان بن عيينة سليمان الأعمش في روايته ألفا وأربعمائة لأنه سمع سالم بن أبي الجعد أنه سمع جابرا يقول ألفا وأربعمائة وهذه المتابعة وصلها البخاري في آخر كتاب الأشربة بأتم منه
4155 - وقال ( عبيد الله بن معاذ ) حدثنا أبي حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) حدثني ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنهما كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين
هذا التعليق موقوف أخرجه عن عبيد الله بن معاذ بضم الميم وبالعين المهملة والذال المعجمة عن أبيه معاذ بن معاذ بن نصر التميمي العنبري قاضي البصرة عن شعبة عن عمرو بفتح العين ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء عن عبد الله بن أبي أوفى الصحابي وأبو أوفى اسمه علقمة الأسلمي
وأخرجه مسلم فقال حدثنا عبيد الله بن معاذ إلى آخره
قوله أسلم بلفظ الماضي قبيلة وقال الرشاطي هذا في خزاعة وفي مذحج وفي بجيلة قوله ثمن المهاجرين بضم الثاء المثلثة وسكون الميم وبضمها قال الواقدي كان مع النبي في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة والله أعلم
تابعه محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة
أي تابع عبيد الله بن معاذ بن محمد بن بشار الملقب ببندار عن أبي سليمان بن داود الطيالسي عن شعبة ووصل هذه المتابعة الإسماعيلي عن أبي عبد الكريم عن بندار به وأخرجه مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به
185 - ( حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن إسماعيل عن قيس أنه سمع مرداسا الأسلمي يقول وكان من أصحاب الشجرة يقبض الصالحون الأول فالأول وتبقى حفالة كحفالة التمر والشعير لا يعبأ الله بهم شيئا )
مطابقته للترجمة في قوله وكان من أصحاب الشجرة وعيسى هو ابن يونس وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم ومرداس بكسر الميم وسكون الراء وفتح الدال المهملتين ابن مالك الأسلمي الكوفي وحديثه هذا موقوف وأورده البخاري في الرقاق من طريق بيان عن قيس مرفوعا وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ولا يعرف أنه روى عنه إلا قيس بن أبي حازم قاله بعضهم وقال أبو عمر ليس له حديث عن النبي إلا هذا الحديث قوله الأول فالأول قال الكرماني أي الأصلح فالأصلح ( قلت ) الأول مرفوع بفعل محذوف تقديره يذهب الأول وقوله فالأول عطف عليه وحاصل المعنى يذهب الصالحون من وجه الأرض أولا فأولا قوله وتبقى حفالة بضم الحاء المهملة وبالفاء المخففة أي تبقى على وجه الأرض بعد ذهاب الصالحين رذالة من الناس كرديء التمر ونفايته وهو مثل الحثالة بالثاء المثلثة موضع الفاء قال ابن الأثير الحثالة الرديء من كل شيء ومنه حثالة الشعير والأرز والتمر وكل ذي قشر ويقال هو من حفالتهم ومن حثالتهم أي ممن لا خير فيه منهم وقيل هو الرذال من كل شيء والفاء والثاء كثيرا يتعاقبان نحو ثوم وفوم وفي التوضيح وفي غير البخاري حثالة بالثاء المثلثة وهي أشهر

(17/216)


كما قال الخطابي والجماعة على أنهما بمعنى قوله لا يعبأ الله بهم شيئا أي لا يبال بهم أي ليس لهم منزلة عنده وقال الجوهري ما عبأت بفلان عبأ أي ما باليت به
4158 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( مروان والمسور بن مخرمة ) قالا خرج النبي عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم منها لا أحصي كم سمعته من سفيان حتى سمعته يقول لا أحفظ من الزهري الإشعار والتقليد فلا أدري يعني موضع الإشعار والتقليد أو الحديث كله
مطابقته للترجمة في قوله عام الحديبية وعلى بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة ومروان هو ابن الحكم والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة
والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب من أشعر وقلد بذي الحليفة فإنه أخرجه هناك عن أحمد بن محمد عن عبد الله إلى آخره وسيأتي بأتم منه في هذا الباب
قوله قلد الهدي من التقليد وهو أن يقلد في عنق البدنة شيء ليعلم أنه هدي قوله وأشعر من الإشعار وهو أن يضرب صفحة سنام البدنة اليمنى بحديدة فيلطخها بالدم ليشعر به أنها هدي قوله لا أحصي إلى آخره من كلام علي بن عبد الله شيخ البخاري قوله حتى سمعته أي حتى سمعت سفيان يقول لا أحفظ إنما كرره للتأكيد قوله من الزهري وهو محمد بن مسلم الراوي قوله الإشعار بالنصب لأنه مفعول لا أحفظ والتقليد بالنصب أيضا عطف عليه وقال الكرماني قال علي بن المديني لا أحصي كم مرة سمعت الحديث من سفيان ويحتمل أن يريد لا أحصي كم عددا سمعته أخمسمائة أم أربعمائة أم ثلاثمائة وتعقب عليه بعضهم بأن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته كانوا بضع عشرة مائة وكذلك كل من رواه عن سفيان وإنما وقع الاختلاف في ذلك في حديث جابر والبراء انتهى قلت تعقبه ظاهر ولكن الاحتمال غير مدفوع لعدم الجزم به
4159 - حدثنا ( الحسن بن خلف ) قال حدثنا ( إسحاق بن يوسف ) عن ( أبي بشر ورقاء ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) قال حدثني ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) أن رسول الله رآه وقمله يسقط على وجهه فقال أيؤذيك هوامك قال نعم فأمره رسول الله أن يحلق وهو بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله أن يطعم فرقا بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام
مطابقته للترجمة في قوله وهو بالحديبية والحسن بن خلف بفتح الخاء المعجمة واللام أبو علي الواسطي مات سنة ست وأربعين ومائتين وهو من صغار شيوخ البخاري ثقة وما له عنه في ( الصحيح ) سوى هذا الموضع وإسحاق بن يوسف ابن يعقوب الأزرق الواسطي وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة اسمه ورقاء بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف والمد ابن عمر بن كليب اليشكري ويقال الشيباني وأصله من خوارزم ويقال من الكوفة سكن المدائن يروي عن عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة واسمه يسار ضد اليمين
والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب النسك بشاة ومضى الكلام فيه هناك
قوله فرقا بفتح الفاء والراء وقد تسكن وهو مكيال يسع ستة عشر رطلا
188 - ( حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال

(17/217)


خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع النبي فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا ثم ناولها بخطامه ثم قال اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها قال عمر ثكلتك أمك والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه )
مطابقته للترجمة في قوله وقد شهد أبي الحديبية وأسلم والد زيد مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان من سبي اليمن ويقال من سبي عين التمر ابتاعه عمر بمكة سنة إحدى عشرة قوله فلحقت عمر امرأة شابة وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي فلقينا امرأة فتشبثت بثيابه وفي طريق سعيد بن داود عن مالك فتعلقت بثيابه وفي رواية الدارقطني إني امرأة مؤتمة قوله صبية بكسر الصاد وسكون الباء الموحدة جمع صبي قوله ما ينضجون كراعا بضم الياء وسكون النون وكسر الصاد المعجمة بعدها جيم يعني لا كراع لهم حتى ينضجونه أو لا كفاية لهم في ترتيب ما يأكلونه أو لا يقدرون على الإنضاج يعني أنهم لو حاولوا نضج كراع ما قدروا لصغرهم والكراع من الدواب ما دون الكعب ومن الإنسان ما دون الركبة قوله ولا لهم زرع أي نبات قوله ولا ضرع كناية عن النعم قوله أن تأكلهم الضبع بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة وبالعين المهملة السنة المجدبة الشديدة وأيضا الحيوان المشهور وقال الداودي سميت بذلك لأنه يكثر الموتى فيها حتى لا يقبر أحدهم فتأكله الضبع وغيرها قيل فيه نظر قوله وأنا بنت خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى ابن إيماء بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالمد وقيل أيما بالفتح والقصر وهو منصرف ابن رحضة بالحاء المهملة ابن خزيمة بن خلان بن الحارث بن غفار الغفاري بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء وقال أبو عمر يقال لخفاف وأبيه وجده صحبة وكانوا ينزلون غيقة بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وقاف من بلاد غفار ويأتون المدينة كثيرا وقال ابن الكلبي خفاف بن إيماء من المعذرين من الأعراب وقال الواقدي كان فيمن جاء من الأعراب من بني غفار إلى رسول الله وهو يريد تبوك يعتذرون إليه في التخلف عنه فلم يعذرهم الله ولخفاف هذا حديث موصول عند مسلم قوله شهد أبي الحديبية ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال لما نزل النبي بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا وبعث بها مع ابنه خفاف فقبل هديته وفرق الغنم في أصحابه ودعا بالبركة قوله مرحبا معناه أتيت سعة ورحبا قوله بنسب قريب يحتمل أن يريد به قرب نسب غفار من قريش لأن كنانة تجمعهم ويحتمل أنه أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف قوله ظهير أي قوي الظهر معد للحاجة وقال الجوهري بعير ظهير بين الظهارة إذا كان قويا وناقة ظهيرة قوله غرارتين تثنية غرارة بالغين المعجمة وهي التي تتخذ للتبن وغيره وقيل هي معربة قوله بخطامه أي بخطام البعير وهو الحبل الذي يقاد به سمي بذلك لأنه يقع على الخطم وهو الأنف قوله اقتاديه أمر من الاقتياد وفي رواية سعيد بن داود قودي هذا البعير قوله بخير وفي رواية سعيد بن داود بالرزق قوله ثكلتك أمك هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا يريدون حقيقتها كقولهم تربت يداك وقاتلك الله ومعناه الحقيقي فقدتك أمك وهو الدعاء بالموت من الثكل بضم الثاء وسكون الكاف وهو فقد الولد

(17/218)


ويقال امرأة ثاكل وثكلى ورجل ثاكل وثكلان قوله أبا هذه أي أبا هذه المرأة وهو خفاف وأخوها لم يدر اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد وهما تابعيان والحارث روى عن أبيه ومخلد يروي عن عروة وروى عنه ابن أبي ذئب حديث الخراج من الضمان أخرج له الأربعة وأما مخلد الغفاري فله صحبة ذكره البخاري في الصحابة وقال أبو حاتم الرازي ليس له صحبة وقول أبي عمران لخفاف وأبيه وجده صحبة يدل على أن يكون هؤلاء أربعة في نسق له صحبة وهم بنت خفاف وخفاف وأبوه إيماء وجده رحضة وفيه رد على من زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة سوى بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قوله حصنا أي حصنا من الحصون فافتتحاها وكان ذلك في غزوة لم يدر أي غزوة كانت قيل يحتمل أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية ولها حصون قد حوصرت قوله نستفيء بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبالفاء وبالهمزة في آخره من استفأت هذا المال أي أخذته فيئا أي نطلب الفيء من سهمانهما وسمي فيئا لأنه مال استرجعه المسلمون من يد الكفار ومنه تتفيأ ظلاله أي ترجع على كل شيء من حوله ومنه فإن فاؤا أي رجعوا والسهمان بضم السين وهو جمع سهم وهو النصيب وفي رواية الحموي نستقي بالقاف وبدون الهمزة
189 - ( حدثني محمد بن رافع حدثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله لقد رأيت الشجرة لأنها كانت هي الحديبية وكانت شجرة جدباء فصغرت ومحمد بن رافع النيسابوري مر في الصلح وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباءين الموحدتين ابن سوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو وبالراء الفزاري بفتح الفاء وبالزاي قوله الشجرة وهي الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها قوله بعد بضم الدال أي بعد ذلك
( قال أبو عبد الله قال محمود ثم أنسيتها بعد )
أبو عبد الله هو البخاري وليس في أكثر النسخ هذا قوله قال محمود هو ابن غيلان أبو أحمد المروزي شيخ البخاري ومسلم قوله أنسيتها على صيغة المجهول
190 - ( حدثنا محمود حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت ما هذا المسجد قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها فقال سعيد إن أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله ومحمود قد ذكر الآن وعبيد الله هو ابن موسى وهو أيضا من شيوخ البخاري وحدث عنه بواسطة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحق السبيعي وطارق بن عبد الرحمن البجلي الكوفي قوله ما هذا المسجد أريد به مسجد الشجرة وذلك لأنهم جعلوا تحتها مسجدا يصلون فيه قوله هذه الشجرة أراد بها الشجرة التي وقعت المبايعة تحتها كما ذكرنا الآن قوله نسيناها أي الشجرة وفي رواية الكشميهني والمستملي أنسيناها بضم الهمزة وسكون النون على صيغة المجهول أي أنسينا موضعها بدليل قوله فلم نقدر عليه قوله فقال سعيد أي سعيد بن المسيب إنما قال سعيد ما قاله هنا منكرا عليهم قوله فأنتم أعلم ليس على حقيقته وإنما هو تهكم وفي رواية قيس بن الربيع أن أقاويل الناس كثيرة

(17/219)


4164 - حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا طارق عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان ممن بايع تحت الشجرة فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا
هذا طريق آخر في حديث سعيد بن المسيب أخرجه عن ( موسى ) بن إسماعيل التبوذكي عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن ( طارق ) بن عبد الرحمن المذكور آنفا
قوله فعميت أي استترت وخفيت وكان سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الجهال إياها وعبادتهم لها فإخفاؤها رحمة من الله تعالى
4166 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عمرو بن مرة ) قال سمعت ( عبد الله بن أبي ) أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال كان النبي إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صل عليهم فأتاه أبي بصدقته فقال أللهم صل على آل أبي أوفى
مطابقته للترجمة في قوله وكان من أصحاب الشجرة والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة إلخ ومضى الكلام فيه هناك
4167 - حدثنا ( إسماعيل ) عن ( أخيه ) عن ( سليمان ) عن ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباد بن تميم ) قال لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال ابن زيد على ما يبايع ابن حنظلة الناس قيل له على الموت قال لا أبايع على ذالك أحدا بعد رسول الله وكان شهد معه الحديبية ( انظر الحديث 2959 )
مطابقته للترجمة في قوله وكان شهد معه الحديبية وإسماعيل هو ابن أبي أويس يروي عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى المازني عن عباد بتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد بن عاصم المازني وهؤلاء كلهم مدنيون
والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب البيعة في الحرب فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن عمرو بن يحيى إلى آخره ومضى بعض الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء أيضا
فقوله يوم الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي حرة المدينة ويومها هو يوم الوقعة التي وقعت بين عسكر يزيد وأهل المدينة وكانت في سنة ثلاث وستين وكان السبب في ذلك خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ولما بلغ ذلك يزيد أرسل جيشا إلى المدينة وعين عليهم مسلم بن عقبة قيل في عشرة آلاف فارس وقيل في إثني عشر ألفا وقال المدائني ويقال في سبعة وعشرين ألفا إثني عشر ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل وجعل أهل المدينة جيشهم أربعة أرباع على كل ربع أمير أو جعلوا أجل الأرباع عبد الله بن حنظلة الغسيل وقصتهم طويلة وملخصها أنه لما وقع القتال بينهم كسر عسكر يزيد عسكر أهل المدينة وقتل عبد الله بن حنظلة وأولاده وجماعة آخرون وسئل الزهري

(17/220)


كم كان القتلى يوم الحرة قال سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي وممن لا يعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف وقال المدائني أباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام يقتلون الناس ويأخذون الأموال ووقعوا على النساء حتى قيل إنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام وعن هشام بن حسان ولدت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج قوله والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة بفتح الحاء المهملة وسكون النون والظاء المعجمة وفتح اللام ابن أبي عامر الراهب ويقال له ابن الغسيل لأن أباه حنظلة غسلته الملائكة وقد مر بيانه غير مرة وعبد الله هذا ولد على عهد رسول الله وتوفي رسول الله وهو ابن سبع سنين ورآه وروى عنه وقتل يوم الحرة كما ذكرناه الآن ومعنى يبايعون لعبد الله أي على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية وقال بعضهم وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية وهو غلط كبير انتهى قلت رجعت إلى ( شرح الكرماني ) فوجدت عبارته كان يأخذ البيعة من الناس ليزيد بن معاوية والظاهر أن هذا من الناسخ الجاهل فذكر اللام موضع على وكان الذي كتبه على يزيد بن معاوية قوله قال ابن زيدهو عبد الله بن زيد ابن عاصم عم عباد بن تميم الأنصاري المازني البخاري الذي قتل مسيلمة وقتل هو يوم الحرة وهو صاحب حديث الوضوء وغلط ابن عيينة فقال هو الذي أري الأذان قوله قيل له على الموت كذا وقع هنا وقيل على أن لا يفروا وقال الداودي يحمل على أن لا يفروا حتى يموتوا فسقط ذلك من بعض الرواة قوله قال لا أبايع على ذلك أحدا أي قال ابن زيد لا أبايع على الموت أحدا بعد رسول الله وفيه إشعار بأنه بايع رسول الله على الموت
4168 - حدثنا ( يحيى بن يعلى المحاربي ) قال حدثني أبي حدثنا ( إياس بن سلمة بن الأكوع ) قال حدثني أبي وكان من أصحاب الشجرة قال كنا نصلي مع النبي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه
مطابقته للترجمة في قوله وكان من أصحاب الشجرة ويحيى بن يعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام وبالقصر المحاربي بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء وبالباء الموحدة الكوفي الثقة من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ست عشرة ومائتين يروي عن أبيه يعلى بن الحارث المحاربي ثقة أيضا مات سنة ثمان وستين ومائة وما لهما في البخاري إلا هذا الحديث وإياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف ابن سلمة بن الأكوع
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن عبد الله بن يونس وأخرجه النسائي فيه عن شعيب بن يوسف وأخرجه ابن ماجه فيه عن بندار
قوله نستظل فيه ويروى به واحتج بهذا الحديث من جوز صلاة الجمعة قبل الزوال لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا والظل الذي يستظل به لا يتهيأ إلا بعد الزوال بعد أن يختلف في الشتاء والصيف

(17/221)


4170 - حدثني ( أحمد بن إشكاب ) حدثنا ( محمد بن فضيل ) عن ( العلاء بن المسيب ) عن أبيه قال ل ( قيت البراء بن عازب ) رضي الله تعالى عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة فقال يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده
مطابقته للترجمة في قوله تحت الشجرة وأحمد بن إشكاب بكسر الهمزة وفتحها وسكون الشين المعجمة أبو عبد الله الصفار الكوفي ثم البصري ومحمد بن فضيل مصغر الفضل بالمعجمة والعلاء بالمد ابن المسيب يروي عن أبيه المسيب بن رافع التغلبي بفتح الفوقانية وسكون المعجمة وكسر اللام وبالباء الموحدة الكاهلي
قوله طوبى لك مثل هنيئا لك أي طيب العيش لك وقيل طوبى شجرة في الجنة قوله يا ابن أخي وفي رواية الكشميهني يا ابن أخ بلا إضافة وهو على عادة العرب في المخاطبة أو أراد أخوة الإسلام قوله إنك لا تدري ما أحدثنا بعده أي بعد النبي قال ذلك إما هضما لنفسه وتواضعا وإما نظرا إلى ما وقع من الفتن بينهم
4171 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( يحيى بن صالح ) قال حدثنا ( معاوية ) هو ( ابن سلام ) عن ( يحيى ) عن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع النبي تحت الشجرة
مطابقته للترجمة في قوله تحت الشجرة وإسحاق هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي وهو شيخ مسلم أيضا ويحيى ابن صالح هو الرحاظي الحمصي وهو شيخ البخاري أيضا وقد يحدث عنه بواسطة ومعاوية بن سلام بتشديد اللام ويحيى هو ابن أبي كثير ووقع في رواية ابن السكن عن زيد بن سلام بدل يحيى بن أبي كثير قال أبو علي الجياني ولم يتابع على ذلك وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل ولد سنة ثلاث من الهجرة وسكن الشام ثم انتقل إلى البصرة ومات بها سنة خمس وأربعين وقيل إنه مات في فتنة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم
وهذا الحديث أورده هكذا مختصرا وأخرج مسلم بقيته عن يحيى بن يحيى عن معاوية بهذا الإسناد
4172 - حدثني ( أحمد بن إسحاق ) حدثنا ( عثمان بن عمر ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه إنا فتحنا لك فتحا مبينا ( الفتح 1 ) قال الحديبية قال أصحابه هنيئا مريئا فما لنا فأنزل الله ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ( الفتح 5 ) قال شعبة فقدمت الكوفة فحدثت بهاذا كله عن قتادة ثم رجعت فذكرت له فقال أما إنا فتحنا لك فعن أنس وأما هنيئا مريئا فعن عكرمة ( الحديث 4172 - طرفه في 4834 )
مطابقته للترجمة في قوله قال الحديبية وأحمد بن إسحاق بن الحصين أبو إسحاق السلمي السرماري وسرمار قرية من قرى بخارى مات في سنة اثنتين وأربعين ومائتين وعثمان بن عمر بن فارس البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن بندار وأخرجه النسائي في التفسير عن عمرو بن علي
قوله قال الحديبية أي قال أنس الفتح في قوله تعالى إنا فتحنا لك ( الفتح 1 ) هو في الحديبية قوله قال أصحابه أي أصحاب رسول الله قوله هنيئا أي لا إثم فيه قوله مريئا أي لا داء فيه يقال هنأني الطعام ومرأني وإذا لم يذكر هنأني يقول امرأني بالهمزة قاله أبو عبيد الهروي وقال ابن فارس يقال مرأني الطعام وأمرأني أي انهضم وذكر ابن الأعرابي أنه لا يقال مرأني قوله فما لنا من قول الصحابة أيضا قوله قال شعبة فقدمت الكوفة إلى آخره إشارة إلى أن بعض الحديث عند قتادة عن أنس وبعضه عنده عن عكرمة

(17/222)


وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا
4173 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( أبو عامر ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( مجزأة بن زاهر الأسلمي ) عن أبيه وكان ممن شهد الشجرة قال إني أوقد تحت القدر بلحوم الحمر إذ نادى منادي رسول الله إن رسول الله ينهاكم عن لحوم الحمر
مطابقته للترجمة في قوله وكان ممن شهد الشجرة وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي بالعين المهملة والقاف المفتوحتين ووقع في رواية ابن السكن حدثنا عثمان بن عمر بدل أبي عامر وإسرائيل هو ابن يونس وإسرائيل هذا وقع في الأصول ولا بد منه وقال بعضهم وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه وأنكر عليه قلت أراد ببعض الشراح صاحب ( التوضيح ) وهو من مشايخه ومجزأة بفتح الميم وسكون الجيم وبالزاي والهمزة قبل الهاء وقال أبو علي الجياني المحدثون يسهلون الهمزة ولا يتلفظون بها وقد يكسرون الميم وهو يروي عن أبيه زاهر بن الأسود بن حجاج ابن قيس بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن سلم بن أفضى الأسلمي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث والذي بعده
قوله عن أبيه كذا وقع للجميع ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي عن أنس بدل قوله عن أبيه قال أبو علي الجياني هو تصحيف قوله قال إني لأوقد تحد القدر إلى آخره حكاية عما كان يوم خيبر من النهي المذكور وليس في الحديث ما يدل على أنه كان يوم الحديبية وإنما أورد البخاري الحديث لأجل قوله فيه وكان ممن شهد الشجرة وقد اعترض الداودي هنا وقال ما وقع هنا وهم فإن النهي عن لحوم الحمر الأهلية لم يكن بالحديبية قلت الجواب ما ذكرته فلا حاجة إلى النسبة إلى الوهم
4175 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( بشير بن يسار ) عن ( سويد بن النعمان ) وكان من أصحاب الشجرة قال كان رسول الله وأصحابه أوتوا بسويق فلاكوه
مطابقته للترجمة في قوله وكان من أصحاب الشجرة وابن أبي عدي هو محمد ويحيى بن سعيد الأنصاري وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة ابن يسار ضد اليمين الأنصاري وسويد بضم السين المهملة وفتح الواو ابن النعمان بن مالك بن عائذ بن مجدعة بن جشم بن حارثة الأنصاري يعد في أهل المدينة والحديث مضى في كتاب الطهارة

(17/223)


في باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ ومضى الكلام فيه هناك
قوله فلاكوه من اللوك وهو مضغ الشيء وإدارته في الفم
تابعه معاذ عن شعبة
أي تابع ابن أبي عدي معاذ بن معاذ قاضي البصرة عن شعبة بن الحجاج وق وصل هذه المتابعة الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه مختصرا
4176 - حدثنا ( محمد بن حاتم بن بزيع ) حدثنا ( شاذان ) عن ( شعبة ) عن ( أبي جمرة ) قال سألت ( عائذ بن عمرو ) رضي الله تعالى عنه وكان من أصحاب النبي من أصحاب الشجرة هل ينقض الوتر قال إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره
مطابقته للترجمة في قوله من أصحاب الشجرة ومحمد بن حاتم بالحاء المهملة ابن بزيع بفتح الباء الموحدة وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة وشاذان بالشين المعجمة وتخفيف الذال المعجمة هو الأسود بن عامر الشامي ثم البغدادي ولفظ شاذان معرب ومعناه فرحين بالفاء وأبو جمرة بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران الضبيعي وقال أبو علي الجياني وقع في نسخة أبي ذر عن أبي الهيثم بالحاء والزاي وهو وهم منه والصواب بالجيم والراء وعائذ بالذال المعجمة ابن عمرو بفتح العين ابن هلال المزني يكنى أبا عبيدة وكان من صالحي الصحابة سكن البصرة وابتنى بها دارا في إمرة عبد الله ابن زياد أيام يزيد بن معاوية وما له في البخاري إلا هذا الحديث ذكره موقوفا
قوله هل ينقض على صيغة المجهول والوتر مرفوع به يعني إذا صلى مثلا ثلاث ركعات ونام فهل يصلي بعد النوم شيئا آخر منه مضافا إلى الأول محافظة على قوله إجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وإذا صلاها مرة فهل يصليها مرة أخرى بعد النوم فأجاب باختيار الصفة الثانية فقال إذا أوترت إلى آخره وقد اختلف في هذه المسألة فكان أبو عمر ممن يرى نقض الوتر والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض وهو قول مالك أيضا قلت وهو قول أصحابنا أيضا وعليه الجمهور والله أعلم
203 - ( حدثني عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه وقال عمر بن الخطاب ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي قال فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن وجئت رسول الله فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحا مبينا )
مطابقته للترجمة إنما تتأتى على قول من يقول المراد بالفتح صلح الحديبية وقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا فقيل المراد فتح الإسلام بالسيف والسنان وقيل الحكم وقيل فتح مكة قيل هو المختار وقيل فتح الإسلام بالآية والبيان والحجة والبرهان وفي تفسير النسفي والأكثرون على أن الفتح كان يوم الحديبية وقال البراء بن عازب نحن نعد الفتح بيعة الرضوان وقال الشعبي هو فتح الحديبية وقال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ويقال الفتح في اللغة فتح المغلق والصلح الذي

(17/224)


جعل بين المشركين بالحديبية كان مشدودا متعذرا حتى فتحه الله وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب يروي عن أبيه أسلم عن عمر رضي الله تعالى عنه وظاهره أنه مرسل ولكن قول عمر رضي الله تعالى عنه فحركت بعيري إلى آخره يدل على أنه عن عمر والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن القعنبي وفي فضائل القرآن عن إسماعيل والكل عن مالك وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن بشار وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله المخزومي قوله في بعض أسفاره الظاهر أنه كان في سفر الحديبية قوله أن ينزل على صيغة المجهول قوله في بكسر الفاء وتشديد الياء وكذلك في بعد قوله قد نزل قوله قد نزرت بفتح النون وتشديد الزاي أي ألححت وضيقت عليه حتى أحرجته وقيل المعروف بتخفيف الزاي من النزر وهو القلة ومنه البئر النزور أي قليلة الماء فقيل ذلك لمن كثر عليه السؤال حتى انقطع جوابه وقال ابن الأعرابي النزر الإلحاح في السؤال وعن الأصمعي نزر فلان فلانا إذا استخرج ما عنده قليلا قليلا قوله فما نشبت أي فما لبثت من نشب ينشب من باب علم يعلم يقال لم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره ولا اشتغل بسواه قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا قد مر تفسير الفتح آنفا واختلف في الموضع الذي نزلت فيه سورة الفتح فعند أبي معشر بالجحفة وفي الإكليل عن مجمع بن حارثة بكراع الغميم -
4179 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) حين حدث هذا الحديث حفظت بعضه وثبتني معمر عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا خرج النبي عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتي ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وسار النبي حتى كان بغدير الأشظاظ أتاه عينه قال إن قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعو لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هاؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن يأتونا كان الله عز و جل قد قطع عينا من المشركين وإلا تركناهم محروبين قال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهاذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي وسفيان هو ابن عيينة والمسور بكسر الميم ومخرمة بفتحها وقد ذكر هؤلاء غير مرة
والحديث مضى في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد مطولا جدا ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر هنا ما لم يذكر هناك
قوله هذا الحديث أشار به إلى الحديث الذي ذكره هنا قوله حفظت بعضه القائل هو سفيان أي سمعت بعض الحديث عن الزهري قوله وثبتني معمر أي جعلني معمر بن راشد ثابتا فيما سمعته من الزهري ههنا قوله عام الحديبية وهو عام ست من الهجرة وقد بسطنا الكلام فيه في أول الباب وكذلك مر الكلام في قوله بضع عشرة مائة قوله فلما أتى ذا الحليفة أي فلما جاء النبي المكان الذي يسمى ذا الحليفة وهو ميقات أهل المدينة وهي التي تسمى أبار على رضي الله تعالى عنه قوله وأشعره من الإشعار وقد ذكرناه عن قريب قوله بعث عينا أي جاسوسا قوله من خزاعة بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وهي في الأزد وفي قضاعة والتي في الأزد تنسب إلى خزاعة وهو عمرو بن ربيعة والتي في قضاعة بطن وهو خزاعة ابن مالك واسم هذا العين بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر الخزاعي قال أبو عمر أسلم سنة ست من الهجرة وشهد الحديبية

(17/225)


وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة قوله بغدير الأشظاظ بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالظاءين المعجمتين وقال الكرماني بالمهملتين وقيل بالمعجمتين موضع تلقاء الحديبية وضبطه البكري أيضا بالمهملتين وقال الهروي هو بملتقى الطريقين من عسفان للخارج إلى مكة على يمينك بمقدار ميلين وربما اجتمع فيه الماء وليس ثمة غدير غيره والغدير مجتمع الماء قوله الأحابيش بالحاء المهملة وبالباء الموحدة والشين المعجمة على وزن المصابيح الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة وقال ابن الأثير هم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا والتحبش التجمع وقيل حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبيشا فسموا بذلك قوله من المشركين يتعلق بقوله قطع أي إن يأتونا كان الله تعالى قد قطع منهم جاسوسا يعني الذي بعثه رسول الله أي غايته أنا كنا كمن لم يبعث الجاسوس ولم يعبر الطريق وواجههم بالقتال وإن لم يأتونا نهبنا عيالهم وأموالهم وتركناهم محروبين بالحاء المهملة الراء أي مسلوبين منهوبين يقال حربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء وقد حرب ماله أي سلبه فهو محروب وقال الخطابي المحفوظ منه كان الله قد قطع عنقا بالقاف أي جماعة من أهل الكفر فيقل عددهم وتهن بذلك قوتهم قال الخليل جاء القوم عنقا أي طوائف والأعناق الرؤساء قوله فتوجه أمر من توجه يتوجه قوله له أي البيت قوله ومن صدنا عنه أي ومن منعنا من البيت
4182 - قال ( ابن شهاب ) وأخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي قالت إن رسول الله كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهاذه الآية يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ( الممتحنة 12 ) وعن عمه قال بلغنا حين أمر الله رسوله أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وإسحاق هو ابن راهويه ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب وعمه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
قوله على قضية المدة أي المصالحة في المدة المعينة قوله أن يقاضي أي يصالح ويحاكم قوله وامعضوا بتشديد الميم وفتح العين المهملة وضم الضاد المعجمة وأصله انمعضوا بالنون قبل الميم فأدغمت النون في الميم وفي رواية الكشميهني امتعضوا بالتاء المثناء من الامتعاض

(17/226)


يقال إنمعض من شيء سمعه وامتعض إذا غضب وشق عليه وفي ( المطالع ) للأصيلي والهمداني امتعظوا بمعنى كرهوا وهو غير صحيح في الخط والهجاء وإنما يصح امتعضوا بضاد غير مشالة كما عند أبي ذر وعبدوس بمعنى كرهوا وأنفوا ووقع عند القابسي امعظوا بتشديد الميم وظاء معجمة وعند بعضهم اتغظوا من الغيظ وعند بعضهم عن النسفي وانغضوا بغين معجمة وضاد معجم غير مشالة من الإنغاص وهو الاضطراب قال وكل هذه الروايات إحالات وتعبيرات ولا وجه لشيء من ذلك إلا امتعضوا قوله مهاجرات حال من المؤمنات قوله أم كلثوم بنت عقبة بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط واسمه أبان بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وقال أبو عمر أسلمت أم كلثوم بمكة قبل أن تأخذ النساء في الهجرة إلى المدينة ثم هاجرت وبايعت فهي من المهاجرات المبايعات وقيل هي أول من هاجر من النساء وكانت هجرتها سنة سبع في الهدنة التي كانت بين رسول الله وبين المشركين من قريش وقال ابن إسحاق هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في هدنة الحديبية فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية فلم يفعل وقال أبى الله ذلك قال أبو عمر يقولون إنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة فلما قدمت المدينة تزوجها زيد بن حارثة فقتل عنها يوم مؤتة فتزوجها الزبير بن العوام فولدت له زينب ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وعوفا ومات عنها فتزوجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهرا وماتت وهي أخت عثمان لأمه وأمها أورى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف قوله وهي عاتق أي شابة وقيل من أشرفت على البلوغ وقيل من لم تتزوج
قوله قال ابن شهاب وأخبرني عروةهو موصول بالإسناد المذكور وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به قوله كان يمتحن من الامتحان وهو الابتلاء أي كان يمتحنهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنه صدق إيمانهن وعن ابن عباس معنى امتحانهن أن يستحلفن من خرجن من بغض زوج وما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض وما خرجن التماس دنيا وما خرجن إلا حبا لله ورسوله قوله بهذه الآية وهي قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ( الممتحنة 12 ) الآية وسبب نزول هذه الآية ما ذكره المفسرون أن الله تعالى لما نصر رسوله وفتح مكة وفرغ من بيعة الرجال جاءت النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية وهو على الصفا وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله ويبلغهن عنه قوله وعن عمه هو عطف على قوله حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه وهو موصول بالإسناد المذكور قوله قال بلغنا إلى آخره مرسل وهو موصول من رواية معمر قوله ما أنفقوا أي أمر النبي برد ما أنفق المشركون على نسائهم المهاجرات إليهم وقال أبو زيد من أصحابنا الحنفية هو عند أهل العلم مخصوص بنساء أهل العهد والصلح وكان الامتحان أن تستحلف المهاجرة أنها ما خرجت ناشزة ولا هاجرت إلا لله ولرسوله فإذا حلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها وإن كانت من غيري أهل العهد لم تستحلف ولم يرد صداقها قوله وبلغنا أن أبا بصير فذكره مطولا أشار به إلى ما مضى من قصة أبي بصير في كتاب الشروط مطولا واختصره ههنا وأبو بصير بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة وقد اختلف في اسمه ونسبه وقد مر الكلام فيه في كتاب الشروط
4183 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما خرج معتمرا في الفتنة فقال إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله كان أهل بعمرة عام الحديبية
مطابقته للترجمة في قوله عام الحديبية والحديث مضى في كتاب الحج في باب إذا أحصر المعتمر فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره قوله في الفتنةأي في أيام الفتنة قوله إن صددت على صيغة المجهول أي إن منعت

(17/227)


207 - حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أهل وقال إن حيل بيني وبينه لفعلت كما فعل رسول الله حين حالت كفار قريش بينه وتلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
وهذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وهذا أيضا مضى في الحج في الباب المذكور مطولا
قوله ( وبينه ) أي وبين البيت
4185 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) أن ( عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله ) أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ( ح )
وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله قال له لو أقمت العام فإني أخاف أن لا تصل إلى البيت قال خرجنا مع النبي فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي هداياه وحلق وقصر أصحابه وقال أشهدكم أني أوجبت عمرة فإن خلي بيني وبين البيت طفت وإن حيل بيني وبين البيت صنعت كما صنع رسول الله فسار ساعة ثم قال ما أرى شأنهما إلا واجدا أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي فطاف طوافا واحدا وسعيا واحدا حتى حل منهما جميعا
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر أخرجه عن عبد الله بن محمد إلى آخره وقد مضى في كتاب الحج في الباب المذكور بأتم منه وجويرية مصغر الجارية ابن أسماء بن عبيد الله البصري
قوله أن بعض بني عبد الله يعني عبد الله بن عمر والمذكور في الحج عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقالا لا يضرك أن لا تحج العام الحديث وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
4186 - حدثني ( شجاع بن الوليد ) سمع ( النضر بن محمد ) حدثنا ( صخر ) عن ( نافع ) قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر وليس كذلك ولاكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذالك فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة قال فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر ( انظر الحديث 3916 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وشجاع بن الوليد أبو الليث البخاري بالباء الموحدة مؤدب الحسن بن العلاء السعدي الأمير وهو من أقران البخاري وسمع منه قليلا وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وقال الحافظ المزي وقع في عامة النسخ من ( الصحيح ) أخبرنا شجاع بن الوليد وفي بعضها حدثني وزعم أبو مسعود أنه في كتاب البخاري شجاع بن الوليد ولم يقل حدثنا ولا أخبرنا والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن محمد الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها شين معجمة اليماني أبو محمد وروى عنه مسلم أيضا وماله في البخاري إلا هذا الحديث وصخر بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة ابن جويرية النميري يعد في البصريين
وظاهر هذا الطريق الإرسال ولكن الطريق التي بعدها

(17/228)


توضح أن نافعا حمله عن ابن عمر
قوله وعمر يستلئم الواو فيه للحال ومعنى يستلئم أي يلبس لأمته بالهمز وهي السلاح يعني الدرع
( وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عمر بن محمد العمري أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الناس كانوا مع النبي يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي فقال يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله فوجدهم يبايعون فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع )
هكذا وقع في كثير من النسخ بصورة التعليق وفي بعض النسخ وقال لي وأخرجه الإسماعيلي موصولا عن الحسن بن سفيان عن دحيم بضم الدال وفتح الحاء المهملتين واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالإسناد المذكور قوله محدقون بالنبي أي محيطون به ناظرون إليه ومنه الحديقة سميت بها لإحاطة البناء بها من البساتين وغيرها قوله فقال يا عبد الله القائل هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله قد أحدقوا كذا في رواية الكشميهني وغيره وهو الصواب ووقع للمستملي قال أحدقوا فجعل قال موضع قد قال وهذا تحريف ( فإن قلت ) السبب الذي هنا في أن ابن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله قلت هذا السؤال فيه تعسف فلا يرد أصلا وذلك أن ابن عمر تكررت منه المبايعة هنا وتوحدت في الحديث السابق وقد تكلف الشارحون ههنا بما ليس بطائل
4188 - حدثنا ( ابن نمير ) حدثنا ( يعلى ) حدثنا ( إسماعيل ) قال سمعت ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى عنهما قال كنا مع النبي حين اعتمر فطاف معه وصلى وصلينا معه وسعى بين الصفا والمروة فكنا نستره من أهل مكة لا يصيبه أحد بشيء
إنما ذكر هذا الحديث هنا لكون عبد الله بن أبي أوفى ممن بايع تحت الشجرة وهي في عمرة الحديبية وكان أيضا مع النبي في عمرة القضاء
وقد مر الحديث في الحج في باب متى يحل المعتمر فإنه أخرجه هناك عن إسحاق ابن إبراهيم عن جرير عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى إلى آخره بأتم منه وهنا أخرجه عن محمد بن عبد الله بن نمير بضم النون مصغر النمر عن يعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام ابن عبيد بن أبي أمية أبي يوسف الطنافسي الحنفي الإيادي الكوفي عن إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي وقد مر الكلام فيه هناك فافهم
211 - ( حدثنا الحسن بن إسحاق حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك بن مغول قال سمعت أبا حصين قال قال أبو وائل لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره فقال اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد على رسول الله أمره لرددت والله ورسوله أعلم وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلي أمر نعرفه قبل هذا الأمر ما نسد منها خصما إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له )
مطابقته للترجمة تأتي من حيث أن فيه ذكر أبي جندل الذي كانت قضيته يوم الحديبية وذلك أنه لما أتى إلى رسول الله يوم الحديبية رده إلى أبيه لما جاء في طلبه وهو بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وفي آخره لام وقد مر بيانه فيما مضى والحسن بن إسحق بن زياد مولى بني الليث المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي وثقه

(17/229)


النسائي وقال أبو حاتم مجهول وقال ابن حبان في الثقات وكان من أصحاب ابن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومأتين وما له في البخاري إلا هذا الحديث ومحمد بن سابق أبو جعفر التميمي البغدادي البزار وأصله فارسي كان بالكوفة ومات سنة ثلاث عشرة ومأتين وهو أحد مشايخ البخاري وروى عنه هنا بالواسطة ومالك بن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو البجلي بالباء الموحدة والجيم المفتوحتين مات سنة سبع وخمسين ومائة وأبو حصين بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي مات سنة ثمان وعشرين ومائة وأبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي أدرك النبي ولم يسمع منه شيئا وسهل بن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء الأنصاري الأوسي الصحابي قوله من صفين يعني من وقعة صفين التي كانت بين علي ومعاوية وصفين بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء موضع بين العراق والشام قوله اتهموا الرأي أي اتهموا رأيكم وذلك أن سهلا كان يتهم بالتقصير في القتال فقال اتهموا رأيكم فإني لا أقصر وما كنت مقصرا وقت الحاجة كما في يوم الحديبية فإني رأيت نفسي يومئذ بحيث لو قدرت على مخالفة حكم رسول الله لقاتلت قتالا لا مزيد عليه لكن أتوقف عنه اليوم لمصلحة المسلمين قوله فلقد رأيتني أي فلقد رأيت نفسي قوله يوم أبي جندل أراد به يوم الحديبية وأضيف إليه إذ في ذلك اليوم رده رسول الله كما ذكرناه الآن قوله ولو أستطيع أن أرد على رسول الله أمره لرددت أراد بهذا الكلام أنه ما توقف يوم الحديبية عن القتال إلا لأمر رسول الله بالكف عن القتال لا من جهة التقصير فيه ثم أكد كلامه بقوله والله ورسوله أعلم بما أقوله وبما كنت في يوم الحديبية قوله وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا يريد به البأس والقوة والعواتق جمع عاتق وهو ما بين منكب الرجل إلى عنقه قوله يفظعنا جملة وقعت صفة لقوله لأمر بضم الياء وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة من أفظع الأمر إذا اشتد وقال ابن فارس يقال أفظع الأمر وفظع إذا اشتد ذكره في باب الفاء مع الظاء المعجمة وذكره ابن التين بالضاد ثم قال هو أمر مهول وقال أيضا روي بفتح الياء قلت حينئذ يكون ثلاثيا مجردا وعلى رواية الضم يكون ثلاثيا مزيدا فيه وفي المطالع قوله لأمر يفظعنا أي يفزعنا ويعظم أمره ويشتد علينا ذكره في باب الفاء مع الظاء المعجمة قوله قبل هذا الأمر لفظ قبل ظرف لقوله وضعنا وأراد بهذا الأمر مقاتلة علي ومعاوية قوله منها ويروى منه أي من هذا الأمر قوله إلا أسهلن بنا أي إلا استمرت بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر وقيل معناه أفضت بنا إلى سهولة قوله خصما بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة وهو الجانب الذي فيه العروة وقيل جانب كل شيء خصمه ويجمع على أخصام ومنه قيل للخصمين خصمان لأن كل واحد منهما يأخذ بالناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه وأصله خصم القربة ولهذا استعاره هنا مع ذكر الانفجار كما ينفجر الماء من نواحي القربة وكان قول سهل بن حنيف هذا يوم صفين لما حكم الحكمان وقيل الخصم الحبل الذي تشد به الأحمال أي ما نلفق منه حبلا إلا انقطع آخر والحديث مضى في آخر الجهاد مختصرا -
4190 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) رضي الله تعالى عنه قال أتى علي النبي زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال أيؤذيك هوام رأسك قلت نعم قال فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة قال أيوب لا أدري بأي هاذا بدأ
مطابقته للترجمة في قوله زمن الحديبية وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن والحديث مضى في الحج في باب قول الله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ( البقرة 196 ) وتقدم الكلام فيه هناك قوله الهوام جمع هامة بتشديد الميم والمراد بها هنا القمل والنسيكة الذبيحة

(17/230)


4191 - حدثنا ( محمد بن هشام أبو عبد الله ) حدثنا ( هشيم ) عن ( أبي بشر ) عن ( مجاهد ) عن ( عبد الرحمان بن أبي ليلى ) عن ( كعب بن عجرة ) قال كنا مع رسول الله بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون قال وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي فمر بي النبي فقال أيؤذيك هوام رأسك قلت نعم قال وأنزلت هاذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد عن هشام بن أبي عبد الله المروزي سكن بغداد وهو من أفراده عن هشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الباء الموحدة الواسطي أصله من بلخ عن أبي بشر بكسر الباء الموحدة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس الواسطي ويقال البصري قوله ونحن محرمون الواو فيه للحال قوله وقد حصرنا بفتح الراء والمشركون فاعله قوله وفرة بسكون الفاء وهي الشعر إلى شحمة الأذن قوله تساقط أصله تتساقط فحذفت إحدى التاءين
37 -
( باب قصة عكل وعرينة )
أي هذا باب في بيان قصة عكل بضم العين المهملة وسكون الكاف و عرينة بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهما قبيلتان وقد مر تفسيرهما في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل
4192 - حدثني ( عبد الأعلى بن حماد ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) أن ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه حدثهم أن ناسا من عكل وعرينة قدموا المدينة على النبي وتكلموا بالإسلام فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف واستوخموا المدينة فأمرهم رسول الله بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي واستاقوا الذود فبلغ النبي فبعث الطلب في آثارهم فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم قال قتادة بلغنا أن النبي بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد هو ابن أبي ربيعة والحديث مضى في الطهارة في باب أبوال الإبل ومضى الكلام فيه هناك
قوله وتكلموا بالإسلام أي تلفظوا بالكلمة وأظهروا الإسلام قوله ضرع بسكون الراء وهي الماشية من كل ذي ظلف وخف قوله ريف بكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف أرض فيها زرع وخصب قوله واستوخموا المدينة من قولهم أرض وخيمة إذا لم توافق ساكنها قوله الذود بفتح الذال المعجمة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة قوله الطلب بفتح اللام جمع الطالب قوله فسمروا أعينهم أي حموا المسامير ففقؤا بها أعينهم قوله وتركوا على صيغة المجهول
قوله قال قتادة هو موصول بالإسناد المذكور قوله بلغنا إلى آخره قال الكرماني هذا من مرسل قتادة قلت هذا البلاغ هو الذي بلغه بروايته من حديث سمرة بن جندب أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن هياج بن عمران عن سمرة كان النبي يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة وهياج بفتح الهاء وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره جيم وثقه ابن سعد وابن حبان والمثلة بضم الميم الإسم يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه وأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة

(17/231)


قال أبو عبد الله وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس في كثير من النسخ هذا أعني قوله قال أبو عبد الله قوله قال شعبة إلى آخره وقع عند أبي ذر بين غزوة ذي قرد وبين غزوة خيبر وعند الباقين وقع هنا وهو المناسب ثم إنه أراد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة ولم يذكروا لفظ عكل أما رواية شعبة عن قتادة فرواها البخاري موصولة في كتاب الزكاة وأما رواية أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة ابن يزيد العطار فوصلها ابن أبي شيبة وأما رواية حماد وهو ابن سلم فرواها موصولة أبو داود والنسائي
وقال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس قدم نفر من عكل
أشار بهذا إلى أن يحيى وأيوب رويا الحديث المذكور عن أبي قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي عن أنس فاقتصرا على ذكر لفظ عكل ولم يذكرا لفظ عرينة أما رواية يحيى فوصلها البخاري في كتاب المحاربين وأما رواية أيوب فوصلها البخاري أيضا في كتاب الطهارة
4193 - حدثني ( محمد بن عبد الرحيم ) حدثنا ( حفص بن عمر أبو عمر الحوضي ) حدثنا ( حماد بن زيد ) حدثنا ( أيوب والحجاج الصواف ) قالا حدثني ( أبو رجاء ) مولى أبي قلابة وكان معه بالشام أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس يوما قال ما تقولون في هذه القسامة فقالوا حق قض بها رسول الله وقضت بها الخلفاء قبلك قال وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد فأين حديث أنس في العرنيين قال أبو قلابة إياي حدثه أنس بن مالك قال عبد العزيز بن صهيب عن أنس من عرينة وقال أبو قلابة عن أنس من عكل فذكر القصة
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الرحيم الحافظ المشهور بصاعقة البزار أبو يحيى وحفص بن عمر من مشايخ البخاري أيضا روى عنه بالواسطة وأيوب هو السختياني والحجاج الصواف هو ابن أبي عثمان ميسرة البصري وأبو رجاء ضد الخوف سليمان مولى أبي قلابة المذكور
قوله حدثني أبو رجاء كذا وقع في النسخ المعتمدة حدثني بالإفراد مع أن المذكور قبله إثنان وكان القياس أن يقال حدثاني بضمير التثنية ولكن قيل المراد الحجاج لأن أيوب قد اختلف عليه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة ولم يختلف على الحجاج أنه رواه بواسطة أبي رجاء عن أبي قلابة فلذلك ذكر حدثني بالإفراد فافهم قوله في هذه القسامة هي قسمة الإيمان على الأولياء في الدم عند اللوث أي القرائن المغلبة على الظن وقال الكرماني كيف يدفع حديث العرنيين أي المنسوب إلى عرينة القسامة قلت قتلوا الراعي وكان ثمة لوث ولم يحكم رسول الله بحكم القسامة بل اقتص منهم قوله عنبسة بن سعيد بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح السين المهملة ابن سعيد القرشي الأموي قوله قال عبد العزيز بن صهيب أشار به إلى أن عبد العزيز هذا روى الحديث عن أنس من عرينة يعني لم يذكر عكلا ورواه أبو قلابة عن من عكل ولم يذكر عرينة والله أعلم
38 -
( باب غزوة ذي قرد )
أي هذا باب في بيان غزوة ذي قرد بالقاف والراء المفتوحتين وبالدال المهملة وحكى ضم أوله وفتح ثانيه قال الحازمي الأول ضبط أصحاب الحديث والثاني عن أهل اللغة وقال البلاذري الصواب الأول وهو ماء على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان ويقال على مسيرة ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر على طريق الشام والقرد في اللغة الصوف الرديء خاصة وتسمى غزوة الغابة وكانت في ربيع الأول سنة ست قاله ابن سعد والواقدي وادعى القرطبي أنها في جمادى الأولى

(17/232)


وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي قبل خيبر بثلاث
أي غزوة ذي قرد هي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي واللقاح بكسر اللام جمع لقحة بالكسر أيضا وهي الناقة التي لها لبن وقال ابن السكيت واحدتها لقوح ولقحة وقال ابن سعد كانت لقاح رسول الله بالغابة عشرين لقحة وكان ابن أبي ذر فيها وامرأته فأغار عليهم عبد الرحمن بن عيينة بن حصين فقتلوا الرجل وأسروا المرأة وقد مضى في الجهاد في باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه فذكر القصة بطولها وفي ( التوضيح ) قوله قبل خيبر بثلاث مما غلط فيه وأنها قبلها بسنة فإن غزوة خيبر في جمادى الآخرة سنة سبع نعم في ( صحيح مسلم ) من حديث سلمة بن الأكوع لما ذكر غزوة ذي قرد فلما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وقال بعضهم مستند البخاري في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه ثم ذكر ما رواه مسلم قلت لا يصح أن يكون هذا مستندا لأن القرطبي قال لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة بن الأكوع من وهم بعض الرواة
4194 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( حاتم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) قال سمعت ( سلمة بن الأكوع ) يقول خرجت قبل أن يؤذن بالأولى وكانت لقاح رسول الله ترعى بذي قرد قال فلقيني غلام لعبد الرحمان بن عوف فقال أخذت لقاح رسول الله قلت من أخذها قال غطفان قال فصرخت ثلاث صرخات يا صباحاه قال فأسمعت ما بين لابتي المدينة ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي وكنت راميا وأقول
( أنا ابن الأكوع
اليوم يوم الرضع )
وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة قال وجاء النبي والناس فقلت يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش فابعث إليهم الساعة فقال يا ابن الأكوع ملكت فأسجح قال ثم رجعنا ويردفني رسول الله على ناقته حتى دخلنا المدينة ( انظر الحديث 3041 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وحاتم بالحاء المهملة هو إبن إسماعيل ويزيد بن أبي عبيد هو مولى سلمة بن الأكوع والحديث مضى في الجهاد في باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه فإنه أخرجه هناك عليا عن مكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة وهو من ثلاثيات البخاري وقد مر الكلام فيه هناك
قوله قبل أن يؤذن بالأولى يعني صلاة الصبح قوله غطفان بالغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء المفتوحات وفي رواية مكي بن إبراهيم غطفان وفزارة وهو من عطف الخاص على العام لأن فزارة من غطفان قوله فصرخت ثلاث صرخات وفي رواية المستملي بثلاث صرخات بزيادة الموحدة قوله يا صاحباه كلمة تقال عند الغارة قوله ما بين لابتي المدية اللابتان الحرتان تثنية لابة والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض بظاهر المدينة فيها حجارة سود كثيرة قوله ثم اندفعت على وجهي يعني لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري وكان شديد الجري قوله الرضع بضم الراء وتشديد الضاد المعجمة جمع الراضع أي اللئيم وأصله أن رجلا كان يرضع إبله أو غنمة ولا يحلبها لئلا يسمع صوت الحلبة الفقير فيطمع فيه أي اليوم يوم اللئام أي يوم هلاك اللئام قوله وقد حميت القوم الماء أي منعتهم من الشرب قوله فأسجع بهمزة القطع أمر من الإسجاع بالسين المهملة وبالجيم وفي آخره حاء مهملة وهو تسهيل الأمر والسجاحة السهولة قوله على ناقته وهي العضباء
39 -
( باب غزوة خيبر )

(17/233)


أي هذا باب في بيان غزوة خيبر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وذكر البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها
4195 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( بشير بن يسار ) أن ( سويد بن النعمان ) أخبره أنه خرج مع النبي عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء وهي من أدنى خيبر صلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري فأكل وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن يسار ضد اليمين ومضى الحديث في كتاب الوضوء في باب من مضمض من السويق
قوله إنه خرج مع النبي وكان خروجهم إلى خيبر في جمادي الأولى سنة سبع وأبعد من قال إنها في سنة ست وقال موسى ابن عقبة لما رجع رسول الله من الحديبية مكث بالمدينة عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها وحكى موسى عن الزهري أن افتتاح خيبر في سنة ست والصحيح أن ذلك في أول سنة سبع وقال ابن إسحاق ثم أقام رسول الله بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر قوله بالصهباء هو موضع على روحة من خيبر قوله فثري على صيغة المجهول من ثريت السويق إذا بللته
218 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنياتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما أبقينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع قال يرحمه الله قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله تعالى فتحها عليهم فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال النبي ما هذه النيران على أي شيء توقدون قالوا على لحم قال علي أي لحم قال لحم حمر الإنسية قال النبي أهريقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أونهريقها ونغسلها قال أو ذاك فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه قال فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله وهو

(17/234)


آخذ بيدي قال مالك قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال النبي كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين أصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشي بها مثله )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن مسلمة بفتح الميمين هو القعنبي شيخ مسلم أيضا وحاتم بالحاء المهملة مر عن قريب ومضى الحديث مختصرا في المظالم في باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر فإنه أخرجه هناك عن أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قوله فقام رجل من القوم لم يعرف اسم الرجل قوله لعامر هو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان وهو اسم جد سلمة وأبو سلمة هو عمرو وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع وعامر هو ابن الأكوع استشهد يوم خيبر على ما ذكر في الحديث قوله من هنياتك بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق المكسورة هكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره هنيهاتك بضم الهاء وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف بعدها هاء أخرى جمع هنيهة وهو مصغر هنة كما قالوا في مصغر سنة سنيهة وأصل هنة هنو كما أن أصل سنة سنو مصغره هنية وقد تبدل من الياء الثانية هاء فيقال هنيهة والجمع هنيهاة وجمع الأول هنيات ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد لو أسمعتنا من هناتك بفتح الهاء والنون وبعد الألف تاء مثناة من فوق فيكون جمع هنة وقال الكرماني أما هن على وزن أخ فكلمة كناية عن الشيء وأصله هنو وتقول للمؤنث هنة وتصغيرها هنية والمراد بالهنيات الأراجيز جمع الأرجوزة وقال السهيلي الهنة كناية عن كل شيء لا يعرف اسمه أو تعرفه فتكنى عنه وقال الهروي كناية عن شيء لا تذكره باسمه ولا تخص جنسا من غيره وقال الأخفش كما تقول هذا فلان بن فلان تقول هذا هن بن هن وهذه هنة بنت هنة وهو نص بأن يكنى بها عن الأعلام وقال ابن عصفور وهو الصحيح قوله يحدو بالقوم من الحدو وهو سوق الإبل والغناء لها يقال حدوت الإبل حدوا وحداء ويقال للشمال حدواء لأنها تحدو السحاب والإبل تحب الحداء ولا يكون الحداء إلا شعرا أو رجزا وأول من سن حداء الإبل مضر بن نزار لما سقط عن بعيره فكسرت يده فبقي يقول وايداه وايداه قوله اللهم لولا أنت ما اهتدينا إلى آخره رجز وأكثره تقدم في الجهاد واختلف في الرجز أنه شعر أم لا فقيل أنه شعر وإن لم يكن قريضا وقد قيل أن هذا ليس بشعر وإنما هو أشطار أبيات وإنما الرجز الذي هو شعر هو سداسي الأجزاء أو رباعي الأجزاء قوله فداء لك بكسر الفاء وبالمد وحكى ابن التين فدى لك بفتح الفاء مع القصر وزعم أنه هنا بكسر الفاء مع القصر لضرورة الوزن وليس كما قال فإنه لا يتزن إلا بالمد على ما لا يخفى وقال المازري لا يقال لله فدى لك لأنه إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت في البيت خطابا لسامع الكلام وقيل هذه لا يراد ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر النبي والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك وقوله اللهم لم يقصد بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام والمخاطب بقوله لولا أنت النبي إلى آخره ( قلت ) في هذين الجوابين نظر لا يخفى خصوصا في الجواب الثاني فإن قوله
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
يرد هذا وينقضه والذي قاله المازري أقرب إلى التوجيه قوله ما أبقينا في محل النصب على أنه مفعول لقوله فاغفر وقوله فداء لك جملة معترضة ولفظ أبقينا بالباء الموحدة والقاف هكذا في رواية الأصيلي والنسفي ومعناه ما خلفنا وراءنا مما اكتسبناه من الآثام وفي رواية الأكثرين ما اتقينا من الاتقاء بتشديد التاء المثناة من فوق وبالقاف ومعناه ما تركناه من الأوامر وفي رواية القابسي ما لقينا بفتح اللام وكسر القاف من اللقاء ومعناه ما وجدنا من المناهي ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل كما سيأتي في الأدب ما اقتفينا من الاقتفاء بالقاف والفاء أي ما تبعنا من الخطايا من قفوت أثره إذا تبعته وكذا وقع لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز قوله وألقين أمر مؤكد بالنون الخفيفة وسكينة

(17/235)


مفعوله وفي رواية النسفي وألق السكينة بحذف النون وبالألف واللام في السكينة قوله إنا إذا صيح بنا أتينا من الإتيان أي إذا دعينا للقتال أو إلى الحق جئنا وقال الكرماني أبينا في بعض الروايات من الإباء ومعناه إذا دعينا إلى غير الحق أبينا أي امتنعنا عنه قيل هذه رواية النسفي قوله وبالصياح عولوا علينا أي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا يقال عولت على فلان وعولت بفلان أي استعنت به ووقع عند أحمد من الزيادة في هذا الرجز في حديث إياس بن سلمة عن أبيه وهو قوله
إن الذين قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضل الله ما استغنينا
قوله من هذا السائق أي من هذا الذي يسوق الإبل ويحدو قالوا عامر بن الأكوع يعني عم سلمة فإن قيل قد مضى في الجهاد أن رسول الله هو الذي كان يقولها في حفر الخندق وأنها من أراجيز عبد الله بن رواحة وأجيب بعدم المنافاة بينهما لاحتمال التوارد قوله قال يرحمه الله أي قال النبي يرحم الله عامرا وفي رواية إياس بن سلمة فقال غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله لإنسان يخصه إلا استشهد قوله قال رجل من القوم هذا الرجل هو عمر رضي الله تعالى عنه سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل يا نبي الله لولا متعتنا بعامر قوله وجبت أي وجبت الجنة له ببركة دعائك له وقيل وجبت له الشهادة بدعائك قوله لولا أمتعتنا به أي هلا أبقيته لنا لنتمتع بعامر يعني بشجاعته ويروى لولا متعتنا به من التمتع وهو الترفه إلى مدة ومنه في الدعاء يقال متعني الله بك قوله فحصرناهم أي حصرنا أهل خيبر ويروى فحاصرناهم وقال ابن إسحق أول حصون خيبر فتحا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته قوله مخمصة بفتح الميم أي مجاعة قوله على لحم أي توقد النيران على لحم قوله على أي لحم أي على أي لحم من أنواع اللحوم توقدونها قوله قالوا لحم حمر يجوز في لفظ لحم الرفع والنصب فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو لحم حمر والنصب بنزع الخافض والتقدير على لحم حمر والحمر بضمتين جمع حمار قوله الإنسية بالجر صفة حمر وهو بكسر الهمزة وسكون النون وكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف نسبة الحمر إلى الإنس ومعناه الحمر الأهلية وفي المطالع الأنسية بفتح الهمزة وفتح النون كذا ذكره البخاري عن ابن أبي أويس وكذا قيدناه عن الشيخ أبي بحر في مسلم وكذا قيده الأصيلي وابن السكن وأبو ذر وأكثر روايات الشيوخ فيه بكسر الهمزة وسكون النون وكلاهما صحيح وأما الأنس بفتح الهمزة والنون فهم الناس وكذلك الإنس قوله أهريقوها أي أريقوها والهاء فيه زائدة ويروى بدون الهمزة هريقوها قوله واكسروها وقد تقدم في المظالم قال اكسروها واهريقوها قوله أو نهريقها ونغسلها وفي المظالم قالوا ألا نهريقها ونغسلها قال اغسلوها وهنا قال أو ذاك أي أو الغسل ومر الكلام فيه هناك قوله سيف عامر وهو عامر بن الأكوع المذكور فيه وفي رواية إياس بن سلمة قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحبا يخطر بسيفه يقول
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
قال فبرز له عامر فقال
قد علمت خيبر أني عامر
شاكي السلاح بطل مغامر
قال فاختلفنا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب عامر يسفل له أي يضربه من أسفل فرجع سيفه على نفسه قوله ذباب سيفه وهو طرفه الذي يضرب به وقيل ذباب السيف حده قوله عين ركبة عامر أي رأس ركبته فمات منه قوله فلما قفلوا أي رجعوا من خيبر قوله وهو آخذ بيدي هكذا هو رواية الكشميهني بيدي بالباء الموحدة وفي رواية غيره يدي بدون الباء قوله حبط عمله أي عمل عامر لأنه قتل نفسه قوله أن له لأجرين وهما أجر الجهد في الطاعة وأجر المجاهدة في سبيل الله واللام فيه للتأكيد وهو رواية الكشميهني وفي رواية غيره أجرين بدون اللام قوله لجاهد مجاهد اللام فيه للتأكيد وجاهد اسم فاعل من جهد ومجاهد اسم فاعل أيضا من جاهد وروى أبو ذر عن الحموي والمستملي لجاهد وجاهد بلفظ الماضي

(17/236)


قوله قل عربي مشى بها مثله حاصل المعنى من العرب قليل مشى في الدنيا بهذه الخصلة الحميدة التي هي الجهاد مع الجهد أي الجد وكذا وقع في هذه الرواية مشى بلفظ الماضي من المشي قوله بها أي بالأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة قوله مثله أي مثل عامر
( حدثنا قتيبة حدثنا حاتم قال نشأ بها )
أي حدثه قتيبة بن سعيد عن حاتم بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي نشأ بالنون وبالهمزة في آخره أي شب وكبر وحكى السهيلي أنه وقع في رواية مشابها بضم الميم اسم فاعل من المشابهة وحاصل معناه ليس له مشابه في صفة الكمال في القتال وانتصابه يكون على الحال أو بفعل محذوف والتقدير قل عربي رأيته مشابها قال السهيلي وروى قل عربيا نشأ بها مثله والفاعل مثله وعربيا منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح فهو على حد قولهم عظم زيد رجلا وقتل زيد أدبا
219 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر بهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الجهاد في باب دعاء النبي إلى الإسلام فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره قوله عن أنس وفي رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد سمعت أنسا كما تقدم في الجهاد قوله أتى خيبر ليلا أي في الليل ومعناه قرب منها وقال ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان ليلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم قال فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر قوله لم يغر بهم بضم الياء وكسر الغين المعجمة من الإغارة هكذا رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي لم يقربهم بفتح الياء وسكون القاف من القرب وتقدم في الجهاد بلفظ لا يغير عليهم وفي الأذان من وجه آخر عن حميد بلفظ كان إذا غزا لم يغز بنا حتى نصبح وننظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار قوله خرجت اليهود بمساحيهم يعني طالبين زرعهم وذلك أنهم كانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين وفي رواية أحمد خرجت يهود بمساحيهم إلى زرعهم والمساحي جمع مسحاة وهي آلة الحرث والمكاتل جمع مكتل وهي القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره قوله محمد أي هذا محمد قوله والخميس أي الجيش سمي خميسا لأنه خمسة أقسام الميمنة والميسرة والقلب والمقدمة والساقة ويجوز في الخميس الرفع والنصب فالرفع على العطف والنصب على أنه مفعول معه قوله بساحة قوم الساحة الفضاء وأصلها الفضاء بين المنازل قوله فساء من أفعال الذم والمنذرين بفتح الذال المعجمة فإن قلت كيف قال خربت خيبر قبل وقوعه قلت هذا من جملة معجزاته علم بطريق الوحي أنها تخرب وقيل أخذه من لفظ المسحاة لأنه من سحوت إذا قشرت وفيه أخذ التفاؤل من حيث الاشتقاق
220 - ( أخبرنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما بصروا بالنبي قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فأصبنا من لحوم الحمر -
4197 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( حميد الطويل ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغربهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الجهاد في باب دعاء النبي إلى الإسلام فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره
قوله عن أنس وفي رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد سمعت أنسا كما تقدم في الجهاد قوله أتى خيبر ليلا أي في الليل ومعناه قرب منها وقال ابن إسحاق إنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان ليلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم قال فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر قوله لم يغر بهم بضم الياء وكسر الغين المعجمة من الإغارة هكذا رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن المستملي لم يقربهم بفتح الياء وسكون القاف من القرب وتقدم في الجهاد بلفظ لا يغير عليهم وفي الآذان من وجه آخر عن حميد بلفظ كان إذا غزا لم يغز بنا حتى نصبح وننظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار قوله خرجت اليهود بمساحيهم يعني طالبين زرعهم وذلك أنهم كانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين وفي رواية أحمد خرجت يهود بمساحيهم إلى زرعهم والمساحي جمع مسحاة وهي آلة الحرث والمكاتل جمع مكتل وهي القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره قوله محمد أي هذا محمد قوله والخميس أي الجيش سمى خميسا لأنه خمسة أقسام الميمنة والميسرة والقلب والمقدمة والساقة ويجوز في الخميس الرفع والنصب فالرفع على العطف والنصب على أنه مفعول معه قوله بساحة قوم الساحة الفضاء وأصلها الفضاء بين المنازل قوله فساء من أفعال الذم والمنذرين بفتح الذال المعجمة فإن قلت كيف قال خربت خيبر قبل وقوعه قلت هذا من جملة معجزاته علم بطريق الوحي أنها تخرب وقيل أخذه من لفظ المسحاة لأنه من سحوت إذا قشرت وفيه أخذ التفاؤل من حيث الاشتقاق
4198 - أخبرنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( عيينة ) حدثنا ( أيوب ) عن ( محمد بن سيرين ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما بصروا بالنبي قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فأصبنا من لحوم الحمر

(17/237)


فنادي منادي النبي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس
هذا طريق آخر في حديث أنس المذكور أخرجه عن صدقة بن الفضل المروزي عن صدقة عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني
قوله الله أكبر هذه اللفظة موجودة في أكثر الطرق قوله صبحنا بتشديد الباء قوله ينهيانكم فيه دليل على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد فيرد به على من منع ذلك قيل في رواية سفيان للأكثر ينهاكم بالإفراد وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية قوله فإنها أي قال فإن لحوم الحمر رجس أي قذر ونتن وقيل الرجس العذاب فيحتمل أن يريد أنها تؤديه إلى العذاب والنهي عن لحوم الحمر الأهلية للتحريم عند الجمهور
4199 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله جاءه جاء فقال أكلت الحمر فسكت ثم أتاه الثانية فقال أكلت الحمر فسكت ثم أتاه الثالصة فقال أفنيت الحمر فأمر مناديا فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب أبي محمد الحجبي البصري وهو من أفراده عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين
قوله فأكفئت قال ابن التين صوابه فكفئت قال الأصمعي كفأت الإناء قلبته ولا يقال أكفأته قيل يحتمل أن يريد أمالوها حتى أزالوا ما فيها فيكون أكفئت صحيحا لأن الكسائي قال أكفأت الإناء أملته قوله لتفور من فارت القدر إذا اشتد غليانها
4200 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال صلى النبي الصبح قريبا من خيبر بغلس ثم قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي المقاتلة وسبى الذرية وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي فجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز بن صهيب لثابت يا أبا محمد آنت قلت لأنس ما أصدقها فحرك ثابت رأسه تصديقا له
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مر في صلاة الخوف في باب التكبير والغلس بالصبح فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب وثابت البناني عن أنس إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله فقتل النبي فيه حذف لا بد منه لأن ظاهر العبارة يوهم أن ذلك وقع عقيب الدعاء عليهم وليس كذلك فإن ابن إسحاق قد ذكر أنه أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة وقيل أكثر من ذلك ويؤيد ذلك ما وقع في الحديث الماضي أصابتهم مخمصة شديدة فإنه يدل على طول مدة الحصار إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك
4201 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد العزيز بن صهيب ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول سبى النبي صفية فأعتقها وتزوجها فقال ثابت لأنس ما أصدقها قال أصدقها نفسها فأعتقها نه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سبى النبي صفية فإن سبيها كان في غزوة خيبر

(17/238)


والحديث من أفراده
قوله فأعتقها وتزوجها ظاهرة أن العتنق تقدم النكاح وليس كذلك لأن الواو لا تدل على الترتيب على أن في الحديث الآخر وجعل عتقها صداقها ومنهم من جعل ذلك من خصائصه ومنهم من أجازه
4202 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( يعقوب ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقيل ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذالك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
لا وجه لذكر هذا الحديث هنا لأنه ليس فيه تعلق ما بغزوة خيبر ظاهرا وقد تعسف بعضهم فقال يتحد هذا الحديث بحديث أبي هريرة الذي يليه في القصة وصرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر فبينهما بون بعيد في ألفاظ المتن يعرف ذلك من يقف عليهما
ويعقوب هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني وأبو حازم سلمة بن دينار
والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب لا تقول فلان شهيد فإنه أخرجه هناك نحو هذا سندا ومتنا ومر الكلام فيه هناك
قوله فلما مال رسول الله أي فلما رجع رسول الله بعد فراغ القتال في ذلك اليوم قوله وفي أصحاب رسول الله رجل قالوا إن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بفتح الظاء المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة وفي آخره قاف قوله لا يدع أي لا يترك قوله شاذة بالشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة وهي الذي ينفرد عن الجماعة قوله ولا فاذة بالفاء مثله وهو الذي لا يختلط بهم وهما صفتان لمحذوف أي لا يدع نسمة شاذة ولا نسمة فاذة ويجوز أن تكون التاء فيهما للمبالغة كما في علامة ونسابة وقيل المراد ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقال بعضهم والثاني اتباع قلت فيه نظر لا يخفى قوله فقيل ما أجزأ ويروى فقال وقالوا وفقلت قوله فقال رجل من القوم قيل هو أكثم بن أبي الجون قوله وذبابه بضم الذال المعجمة أي طرفه الحد
4203 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال شهدنا خيبر فقال رسول الله لرجل ممن معه يدعي الإسلام

(17/239)


هاذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة والحديث مضى في الجهاد في باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر فإنه أخرجه هناك بأتم منه من طريقين
قوله لرجل اللام فيه بمعنى عن كما في قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا ( مريم 73 ) ويجوز أن يكون بمعنى في كما في قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( الأنبياء 47 العنكبوت 12 يس 47 الأحقاف 11 ) والمعنى قال في شأنه قوله فاشتد أي أسرع في الجري قوله انتحرأي نحر نفسه قوله يرتاب أي يشك في صدق الرسول وحقيقة الإسلام وفي رواية معمر في الجهاد أن يرتاب ودخول أن على خبر كاد جائز مع قلة قوله قم يا فلان هو بلال رضي الله تعالى عنه كما وقع صريحا في الجهاد قوله يؤيد وفي رواية الكشميهني ليؤيد قوله بالرجل الفاجر يحتمل أن يكون اللام للجنس فيعم كل فاجر أيد الدين وساعده بوجه من الوجوه ويحتمل أن تكون للعهد عن ذلك الشخص المعين وهو قزمان المذكور في الحديث السابق ولكنه إنما يكون للعهد إذا كان الحديثان متحدين في الأصل والظاهر التعدد والله أعلم
تابعه معمر عن الزهري
أي تابع شعيبا معمر بن راشد عن الزهري في هذا الإسناد وقد مرت هذه المتابعة موصولة في الجهاد في الباب الذي ذكرناه
4204 - وقال ( شبيب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) أخبرني ( ابن المسيل وعبد الرحمان بن عبد الله بن كعب ) أن ( أبا هريرة ) قال شهدنا مع النبي خيبر
شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ابن سعيد مر في الاستقراض ويونس هو ابن يزيد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وهذا تعليق وصله النسائي عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني عن محمد بن شبيب عن أبيه عن يونس فذكره
وقال ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي
ابن المبارك هو عبد الله المروزي هذا تعليق ومرسل أراد بهذا أن ابن المبارك وافق شبيبا في لفظ حنين وخالفه في الإسناد فأرسله وقد مر طريق ابن المبارك في الجهاد وليس فيه تعيين الغزوة
تابعه صالح عن الزهري
أي تابع ابن المبارك صالح بن كيسان عن الزهري وقد روى البخاري هذه المتابعة في ( تاريخه ) قال قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبيد الله بن كعب بن مالك أن بعض من شهد مع النبي قال إن النبي قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث قال بعضهم فظهر من هذا أن المراد بالمتابعة في ترك ذكر اسم الغزوة ليس إلا قلت لا نسلم ذلك لأن ابن المبارك تابع شبيبا في لفظ حنين وصالح بن كيسان تابع ابن المبارك والظاهر أن المتابعة أعم من أن تكون في لفظ حنين وفي غيره من المتن والإسناد ولا يلزم من عدم ذكر لفظ حنين في رواية البخاري في ( تاريخه ) أن لا يكون المراد من قوله ممن شهد مع النبي شهوده في حنين لاحتمال طي بعض الرواة ذكره

(17/240)


وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمان بن كعب أخبره أن عبيد الله بن كعب قال أخبرني من شهد مع النبي خيبر
الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة وهو محمد بن الوليد أبو الهذيل الشامي الحمصي وعبد الرحمن هو ابن عبيد الله بن كعب وأما عبيد الله فمصغر عبد الله ويروى عبد الله مكبرا ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب فحديثه مرسل لأنه تابعي بالتكبير والتصغير قال الغساني وأما عبيد الله فلا أدري من هو ولعله وهم والصحيح عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وطريق الزبيدي هذا معلق مختصر
قال الزهري وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي
هذا أيضا معلق مرسل يرويه الزهري عن عبيد الله بالتصغير ابن عبد الله بالتكبير عن سعيد بن المسيب ورواه الذهلي عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله وهذا أصوب من عبيد الله بن عبد الله نبه عليه أبو علي الجياني وهذه روايات مختلفة فيها كلام كثير
4205 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد الواحد ) عن ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) عن ( أبي موسى الأشعري ) رضي الله تعالى عنه قال لما غزا رسول الله خيبر أو قال لما توجه رسول الله أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إلاه إلا الله فقال رسول الله اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم وأنا خلف دابة رسول الله فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله فقال لي يا عبد الله بن قيس قلت لبيك رسول الله قال ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال لا حول ولا قوة إلا بالله
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الواحد هو ابن زياد وعاصم هو ابن سليمان الأحول وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون وهؤلاء كلهم بصريون وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري
والحديث مضى في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت بالتكبير
قوله أو قال لما توجه شك من الراوي قوله أشرف الناس على واد ظاهر هذا يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر فحينئذ يحتاج إلى تقدير ليصح الكلام تقديره لما توجه النبي إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففرغ فرجع فأشرف الناس إلى آخره قوله إربعوا بكسر الهمزة معناه إرفقوا يقال ربع عليه يربع ربعا إذا كف عنه وأربع على نفسه كف عنها وأرفق بها قوله لبيك رسول الله يعني يا رسول الله وحذف حرف النداء كثير قوله من كنز من كنوز الجنة كلمة من الأولى للتبيين والثانية للتبعيض
4206 - حدثنا ( المكي بن إبراهيم ) حدثنا ( يزيد بن أبي عبيد ) قال رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت يا أبا مسلم ما هذه الضربة فقال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة فأتيت النبي فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة
مطابقته للترجمة في قوله يوم خيبر والمكي هو علم وليس بنسبة إلى مكة وقد وهم فيه الكرماني فقال المكي منسوب إلى مكة وسلمة هو ابن الأكوع وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري وهو الرابع عشر منها
قوله يا أبا مسلم كنية سلمة

(17/241)


ابن الأكوع قوله فنفث فيه أي في موضع الضربة والنفثات جمع نفثة وهي فوق النفخ ودون التفل وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ قوله حتى الساعة بالنصب نحو أكلت السمكة حتى رأسها بالنصب هكذا قاله الكرماني قلت تمثيله لا يتأتى إلا في حالة النصب لأن فيه يجوز الأوجه الثلاثة الرفع والنصب والجر بخلاف حتى الساعة فإنه لا يجوز فيه الرفع وهو ظاهر أما وجه النصب فلا بد فيه من تقدير زمان تقديره فما اشتكيتها زمانا حتى الساعة وأما الجر فلكون حتى للعطف والمعطوف داخل في المعطوف عليه فافهم
4207 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل ) قال التقى النبي والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقيل يا رسول الله ما أجزأ أحدهم ما أجزأ فلان فقال إنه من أهل النار فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هاذا من أهل النار فقال رجل من القوم لأتبعنه فإذا أسرع وأبطأ كنت معه حتى جرح فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فجاء الرجل إلى النبي فقال أشهد أنك رسول الله فقال وما ذاك فأخبره فقال إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
هذا طريق آخر لحديث سهل بن سعد الذي مضى في هذا الباب عن قريب وكان من الترتيب أن يذكره عقيبه وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى وابن أبي حازم هو عبد العزيز بن أبي حازم يروي عن أبيه أبي حازم واسمه سلمة بن دينار يروي عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه قوله يضربها ويروى فضربها قوله أحدهم ويروى أحد قوله نصاب سيفه وهو مقبضه قوله بالأرض أي ملتصقا بها أو تكون الباء بمعنى في
4208 - حدثنا ( محمد بن سعيد الخزاعي ) حدثنا ( زياد بن الربيع ) عن ( أبي عمران ) قال نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال كأنهم الساعة يهود خيبر
مطابقته للترجمة في قوله يهود خيبر ومحمد بن سعيد بن الوليد أبو بكر الخزاعي البصري وروى عنه البخاري هنا مفردا وفي الجهاد مقرونا وليس له في البخاري إلا هذين الموضعين وهو ثقة من أفراد أحمد وزياد بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن الربيع أبو خداش بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الدال المهملة وفي آخره شين اليحمدي الأزدي البصري وثقه أحمد وغيره ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال فيه نظر وقال ابن عدي وما أرى برواياته بأسا وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون نسبة إلى بني الجون بطن من الأزد
قوله فرأى طيالسة أي عليهم وهو جمع طيلسان بفتح اللام والهاء في الجمع للعجمة لأنه فارسي معرب وقال الجوهري والعامة تقول بكسر اللام قوله كأنهم أي كان هؤلاء الناس الذين رأى عليهم الطيالسة يهود خيبر وهذا إنكار عليهم لأن التشبه بهم ممنوع وأدنى الدرجات فيه الكراهة وقد روى ابن خزيمة وأبو نعيم أن أنسا قال ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا يهود خيبر وقال بعضهم ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة قلت لا نسلم ذلك لأنه إذا لم يفهم منه الكراهة فما فائدة تشبيهه إياهم باليهود في استعمالهم الطيالسة وقال أيضا وقيل إنما أنكر ألوانها قلت ومن هو قائل هذا من العلماء حتى يعتمد عليه ومن قال إن اليهود في ذلك الزمن كانوا يستعملون الصفر من الطيالسة أو غيرها ولئن سلمنا أنها

(17/242)


كانت صفراء فلم يكن تشبيه أنس رضي الله تعالى عنه لأجل اللون وقد روى الطبراني عن أنس قال كانت للنبي ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران يدور بها على نسائه فإن كانت ليلة هذه رشها بالماء وإن كانت ليلة هذه رشها بالماء وقد روى الطبراني أيضا من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت ربما صبغ رسول الله رداءه أو إزاره بزعفران أو ورس ثم يخرج فيهما
4209 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( حاتم ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة ) رضي الله تعالى عنه قال كان ( علي ) رضي الله تعالى عنه تخلف عن النبي في خيبر وكان رمدا فقال أنا أتخلف عن النبي فلحق به فلما بتنا الليلة التي فتحت قال لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله يفتح عليه فنحن نرجوها فقيل هاذا علي فأعطاه ففتح عليه ( انظر الحديث 2975 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد تكرر ذكر رجاله والحديث مر في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي
قوله وكان رمدابفتح الراء وكسر الميم وفي رواية ابن أبي شيبة أرمد وفي رواية جابر عند الطبراني في ( الصغير ) أرمد بتشديد الدال وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في ( الدلائل ) أرمد لا يبصر قوله فقال أنا أتخلف كأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي قوله فلحق به أي بالنبي فيحتمل أن يكون لحق به في الطريق ويحتمل أن يكون بعد الوصول إلى خيبر قوله أو ليأخذن الراية شك من الراوي قوله رجل فاعل ليأخذن قوله يحبه الله ورسوله صفة الرجل والراية العلم الذي يحمل في الحرب به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وربما يدفعه إلى مقدم العسكر وقد صرح جماعة من أهل اللغة بأن الراية والعلم مترادفان لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس كانت راية رسول الله ومثله عند الطبراني عن بريدة وعند ابن أبي عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوب فيه لا إلاه إلا الله محمد رسول الله قوله فنحن نرجوهاأي نرجو الراية أن تدفع إلينا أراد أن كل واحد منهم كان يرجو ذلك قوله فقيل هذا عليأي قد حضر قوله ففتح عليهفيه اختصار أي فلما حضر أعطاه رسول الله الراية فتقدم بها وقاتل ففتح الله على يديه
4210 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان ) عن ( أبي حازم ) قال أخبرني ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال يوم خيبر لأعطين هاذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو حازم سلمة بن دينار والحديث قد مضى في الجهاد في باب فضل من أسلم على يديه رجل بعين هذا الإسناد والمتن وهنا بعض زيادة وهي قوله يدوكون ليلتهم بضم الدال المهملة من الدوك وهو الاختلاط أي باتوا في

(17/243)


اختلاط واختلاف قوله كلهم يرجو ويروى يرجون قوله فأتى به على صيغة المجهول قوله ودعا له فقال أللهم أذهب عنه الحر والقر قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا رواه الطبراني عنه قوله فبرأ بفتح الراء والهمزة على وزن ضرب قيل ويجوز بكسر الراء على وزن علم وروى الطبراني من حديث علي فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلي النبي الراية يوم خيبر قوله أقاتلهم حذف منه همزة الاستفهمام قوله حتى يكونوا مثلنا حتى يكونوا مسلمين مثلنا قوله أنفذ بضم الفاء وبالذال المعجمة قوله فيه أي في الإسلام قوله حمر النعم بسكون الميم وبفتح النون في النعم والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة وكانت العرب تفتخر بها
4211 - حدثنا ( عبد الغفار بن داود ) حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان ) ح وحدثني ( أحمد بن عيسى ) حدثنا ( ابن وهب ) قال أخبرني ( يعقوب بن عبد الرحمان الزهري ) عن ( عمرو ) مولى ( المطلب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي ابن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها النبي لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها سد الصهباء حلت فبنى بها رسول الله ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال لي آذن من حولك فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني سكن مصر وهو من أفراده وقد أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد والآخر عن أحمد بن عيسى في رواية كريمة ولعلي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح المصري وبه جزم أبو نعيم في ( المستخرج ) وعمرو بفتح العين مولى المطلب بتشديد الطاء وكسر اللام وفي رواية عبد الغفار بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة
والحديث مضى في كتاب البيوع في باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها
قوله الحصن اسمه القموص قوله صفية بنت حيي بضم الحاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وتشديد الثانية ابن أخطب بالخاء المعجمة وبالطاء المهملة قوله زوجها واسمه كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق بضم الحاء قوله فاصطفاها أي اختارها لنفسه وذلك أن النبي كان له سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرسا يختاره من الخمس فاختار صفية هنا قوله سد الصهباء السد بفتح السين المهملة وضمها والصهباء موضع بأسفل خيبر وقد تقدم ذكرها عن قريب ووقع في رواية عبد الغفار هنا سد الروحاء والأول أصوب قاله بعضهم وقال الكرماني وقال بعضهم الصواب سد الروحاء والروحاء بالراء مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة قوله حلت أي صارت حلالا لرسول الله بالطهارة من الحيض ونحوه قوله فبنى بها رسول الله أي فدخل عليها قوله حيسا بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة هو تمر يخلط بسمن وأقط قوله يحوي لها بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو المكسورة أي يجعل لها حوية وهي كساء محشو يدار حول الراكب
4212 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( يحيى ) عن ( حميد الطويل ) سمع ( أنس ابن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن النبي أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب
مطابقته للترجمة في قوله أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر وإسماعيل هو ابن أبي أويس وأخوه أبو بكر بن عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وروايته عن حميد من رواية الأقران والحديث أخرجه

(17/244)


النسائي أيضا في النكاح وفي الوليمة عن محمد بن نصر هو الفراء عن أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس به
قوله ثلاثة أيام أراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس وأعرس من الإعراس ولا يقال عرس بالتشديد من التعريس يقال أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها قوله وكانت أي صفية فيمن ضرب عليها الحجاب أي كانت من أمهات المؤمنين لأن ضرب الحجاب إنما هو على الحرائر لا على ملك اليمين
4213 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) أخبرنا ( محمد بن جعفر بن أبي كثير ) قال أخبرني ( حميد ) أنه سمع ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه يقول أقام النبي بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بلالا بالأنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والأقط والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه قالوا إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطألها خلفه ومد الحجاب
هذا طريق آخر لحديث أنس المذكور قوله أقام النبي وفي رواية أبي ذر عن السرخسي قام والأول أوجه قوله إحدى أمهات المؤمنين بأن صارت حرة مثل الحرائر قوله وطأ لها من التوطئة وهو إصلاح ما تحتها للركوب
4214 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) ح وحدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( وهب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( عبد الله بن مغفل ) رضي الله تعالى عنه قال كنا محاصري خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي فاستحييت
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين الأول عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة عن حميد ابن هلال عن عبد الله بن مغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المزني البصري والثاني عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن وهب بن جرير بن حازم عن شعبة إلى آخره
والحديث مضى في الخمس في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب أخرجه من طريق أبي الوليد إلى آخره نحوه
قوله فنزوت أي وثبت من النزو بالنون والزاي وهو الوثوب قوله فاستحييت أي من اطلاعه على حرصي عليه
4215 - حدثني ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع وسالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله نهى يوم خيبر عن أكل الثوم وعن لحوم الحمر الأهلية نهى عن أكل الثوم هو عن نافع وحده ولحوم الحمر الأهلية عن سالم
مطابقته للترجمة في قوله يوم خيبر وعبيد بضم العين وفي بعض نسخ البخاري عبد الله وقال الجياني هو عبد الله فغلب عليه عبيد حتى صار كاللقب وأبو أسامة حماد بن أسامة وعبيد الله العمري ونافع مولى ابن عمر وسالم هو ابن عبد الله بن عمر وهذا الحديث من أفراده
قوله نهى عن أكل الثوم ظاهره التحريم ولكن في مسلم من حديث أبي أيوب أحرام هو قال لا ولكني أكرهه من أجل ريحه وقد صرح بأنه ليس بحرام ولكنه مكروه وكان لا يأكله لأجل الملك قوله عن نافع وحده أي النهي عن أكل الثوم وروي عن نافع وحده ولم يرو عن سالم وإنما الذي روي عن سالم هو النهي عن لحوم الحمر الأهلية قال بعضهم وفيه جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن أكل لحم الحمر حرام وأكل الثوم مكروه وقد جمع بينهما بلفظ النهي فاستعمله في حقيقته وهو التحريم وفي مجازه وهو الكراهة انتهى قلت هذا ليس بجمع بين الحقيقة والمجاز وإنما هو مستعمل في عموم المجاز

(17/245)


4216 - حدثني ( يحيى بن قزعة ) حدثنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد الله والحسن ابني محمد بن علي ) عن ( أبيهما ) عن ( علي بن أبي طالب ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الإنسية
مطابقته للترجمة في قوله يوم خيبر والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن عبد الله بن يوسف عن مالك وفي النكاح عن مالك بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة وفي ترك الحيل عن مسدد وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وغيره وأخرجه الترمذي في النكاح عن ابن أبي عمرو غيره وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن منصور والحارث بن مسكين وغيرهما وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن محمد بن يحيى
قوله نهى عن متعة النساء نكاح المتعة هو النكاح الذي بلفظ التمتع إلى وقت معين نحو أن يقول لامرأة أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال وقال ابن عبد البر في ( التمهيد ) أجمعوا على أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه وأنه نكاح إلى أجل تقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما قال وهذا ليس حكم الزوجات في كتاب الله ولا سنة رسوله انتهى وقال القاضي عياض في ( الإكمال ) اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيه وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق وإذا تقرر أن نكاح المتعة هو الموقت فلو أقته بمدة تعلم بمقتضى العادة أنهما لا يعيشان إلى انقضاء أجلها كمائتي سنة ونحوها فهل يبطل لوجود التأقيت أو يصح لأنه زال ما كان يخشى من انقطاع النكاح بغير طلاق ومن عدم الميراث بين الزوجين أطلق الجمهور عدم الصحة فإن قلت هل ذهب أحد إلى جوازها قلت ادعى فيه غير واحد من العلماء الإجماع وقال الخطابي في ( المعالم ) كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم حرم فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأئمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض قال وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر بطول الغربة وقلة اليسار والجدة ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به وقال أبو بكر الحازمي يروى عن ابن جريج جوازه وقال المازري في ( المعلم ) تقرر الإجماع على منعه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وقال صاحب ( المفهم ) أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا ما روي عن ابن عباس وروي عنه أنه رجع وإلا الرافضة وحكى أبو عمر الخلاف القديم فيه فقال وأما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة فذهب ابن عباس إلى إجازتها وتحليلها لا خلاف عنه في ذلك وعليه أكثر أصحابه منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاووس قال وروي أيضا تحليلها وإجازتها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله قالا تمتعنا إلى نصف من خلافة عمر رضي الله تعالى عنه حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث ونكاح المتعة قبل التحريم هل كان مطلقا أو مقيدا بالحاجة وبالأسفار قال الطحاوي كل هؤلاء الذين رووا عن رسول الله إطلاقها أخبروا أنها كانت في سفر وليس أحد منهم أخبر أنها كانت في حضر وذكر حديث ابن مسعود أنه أباحها لهم في الغزو وقال الحازمي ولم يبلغنا أن النبي أباحها لهم وهم في بيوتهم وقال القاضي عياض قد ذكر في حديث ابن عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة وإذا تقرر أن نكاح المتعة غير صحيح فهل يحد من وطىء في نكاح متعة فأكثر أصحاب مالك قالوا لا يحد لشبهة العقد وللخلاف المتقدم فيه وأنه ليس من تحريم القرآن ولكنه يعاقب عقوبة شديدة وقال صاحب ( الإكمال ) هذا هو المروي عن مالك وأصل هذا عند بعض شيوخنا التفريق في الحد بين ما حرمته السنة أو حرمه القرآن وأيضا فالخلاف بين الأصوليين هل يصح الإجماع على أحد القولين بعد الخلاف أو لا ينعقد وحكم الخلاف باق قال وهذا مذهب القاضي أبي بكر وقال الرافعي ما ملخصه إن صح رجوع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجب الحد لحصول الإجماع وإن لم يصح رجوعه فيبنى على أنه لو اختلف أهل عصر في مسألة ثم اتفق من بعدهم على أحد القولي فيها هل يصير ذلك مجمعا عليها فيه وجهان أصوليان إن قلنا نعم وجب الحد وإلا فلا كالوطء في سائر الأنكحة المختلف فيها قال وهو الأصح وكذا صححه النووي رحمه الله تعالى قوله يوم خيبر وفي لفظ الترمذي زمن خيبر وقال ابن عبد البر وذكر

(17/246)


النهي عن المتعة يوم خيبر غلط وقال السهيلي النهي عن المتعة يوم خيبر لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر وقد روى الشافعي عن مالك بإسناده عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية لم يزد على ذلك وسكت عن قصة المتعة لما علم فيها من الاختلاف قلت قد اختلف في وقت النهي عن نكاح المتعة هل كان زمن خيبر أو في زمن الفتح أو في غزوة أوطاس وهي في عام الفتح أو في غزوة تبوك أو في حجة الوداع أو في عمرة القضاء ففي رواية مالك ومن تابعه في حديث علي رضي الله تعالى عنه أن ذلك زمن خيبر كما في حديث الباب وكذلك في حديث ابن عمر رواه البيهقي من رواية ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة فقال حرام قال إن فلانا يقول بها فقال والله لقد علم أن رسول الله حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين وفي حديث سبرة بن معبد الجهني عند مسلم أنه أذن فيها في فتح مكة وفيه فلم أخرج حتى حرمها وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم أيضا أنه رخص فيها عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها وفي حديث سبرة عند أبي داود أنه نهى عنها في حجة الوداع وفي بعض طرق حديث علي رضي الله تعالى عنه أن ذلك كان في غزوة تبوك ذكره ابن عبد البر وكذلك في حديث أبي هريرة أن ذلك كان في غزوة تبوك رواه الطحاوي والبيهقي وكذلك في حديث جابر رواه الحازمي في كتاب ( الناسخ والمنسوخ ) وفيه يقول جابر بن عبد الله خرجنا مع رسول الله إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا أو قال يطفن في رحالنا فجاءنا رسول الله فنظر إليهن فقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول الله نتمتع منهن قال فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه وتمعر لونه واشتد غضبه فقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم نهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء ولم نعد ولا نعود لها أبدا فيها فسميت يومئذ تثنية الوداع وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها
وقال ابن عبد البر وهذا الباب فيه اختلاف شديد وفيه أحاديث كثيرة لم نكتبها قلت الجمع بين هذه الأحاديث وترجيح بعضها عند عدم إمكان الجمع على وجوه ذكرها العلماء فقال المازري ليس هذا تناقضا لأنه يصح أن ينهى عنها في زمن ثم ينهى عنها في زمن آخر توكيدا أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولا فسمع بعض الرواة النهي في زمن وسمعه آخرون في زمن آخر فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه إلى زمن سماعه وقال القاضي عياض يحتمل أنه أباحها لهم للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريما مؤبدا فيكون أنه حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء ثم أباحها يوم الفتح للضرورة ثم حرمها يوم الفتح أيضا تحريما مؤبدا وقال النووي الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة وذكر بعضهم أنه لا يعرف شيء نسخ مرتين إلا نكاح المتعة قلت زاد بعضهم عليه أمر تحويل الصلاة أنه وقع مرتين وزاد أبو بكر بن العربي ثالثا فقال نسخ الله القبلة مرتين ونسخ نكاح المتعة مرتين وأباح أكل لحوم الحمر الأهلية مرتين وزاد أبو العباس العوفي رابعا وهو الوضوء مما مسته النار على ما قاله ابن شهاب وروى مثله عن عائشة وزاد بعضهم الكلام في الصلاة نسخ مرتين حكاه القاضي عياض في ( الإكمال ) وكذلك المخابرة على قول ابن الأعرابي وفي ( التوضيح ) هذا أغرب ما وقع في الشريعة أبيح ثم نهى عنه يوم خيبر ثم أبيح في عمرة القضاء وأوائل الفتح ثم نهى عنه ثم أبيح ثم نهى عنها إلى يوم القيامة
4217 - حدثنا ( محأد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن رسول الله نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية
هذا طريق آخر لحديث عبد الله بن عمر المذكور عن قريب أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك

(17/247)


المروزي عن عبيد الله بن عمر إلى آخره واقتصر في هذه الرواية على ذكر الحمر الأهلية
4218 - حدثني ( إسحاق بن نصر ) حدثنا ( محمد بن عبيد ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع وسالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى النبي عن أكل لحوم الحمر الأهلية
هذا طريق آخر لحديث ابن عمر أخرجه عن إسحاق بن نصر وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري وكان ينزل المدينة بباب بني سعد عن محمد بن عبيد بضم العين الطيالسي عن عبيد الله بن عمر العمري إلى آخره وهنا أيضا اقتصر على ذكر الحمر الأهلية ولكنه هنا زاد سالما فذكره مع نافع كلاهما عن عبد الله بن عمر
4219 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو ) عن ( محمد بن علي ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال نهى رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بفتح العين هو ابن دينار ومحمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم هو أبو جعفر الباقر
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن سليمان بن حرب وفي الذبائح أيضا عن مسدد وأخرجه مسلم في الذبائح عن يحيى بن يحيى وأبي الربيع وقتيبة وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن سليمان بن حرب به وعن إبراهيم بن الحسن المصيصي وأخرجه النسائي في الصيد وفي الوليمة عن قتيبة وأحمد بن عبدة الضبي كلاهما عن حماد بن زيد
قوله الأهلية في رواية الكشميهني وليس في رواية غيره إلا لفظ الحمر واحتج بهذا الحديث من جوز أكل لحم الخيل وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وأبي ثور والليث وابن المبارك وإليه ذهب ابن سيرين والحسن وعطاء والأسود بن يزيد وسعيد بن جبير وقال أبو حنيفة لا يؤكل لحم الخيل وبه قال مالك والأوزاعي وأبو عبيد واستدلوا على ذلك بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ( النحل 8 ) خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها ولما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه قال نهى رسول الله عن لحوم الخيل والبغال والحمر فيعارض حديث جابر والترجيح للمحرم فإن قلت حديث جابر صحيح وحديث خالد متكلم فيه اسنادا ومتنا والاعتماد على أحاديث الإباحة لصحتها وكثرة روايتها قلت سند حديث خالد جيد ولهذا لما أخرجه أبو داود سكت عنه فهو حسن عنده وقال النسائي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني بقية حدثني ثور بن يزيد عن صالح فذكره بسنده وقد صرح فيه بقية بالتحديث عن ثور وثور حمصي أخرج له البخاري وغيره وبقية إذا صرح بالتحديث كان السند حجة قاله ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وغيرهم خصوصا إذا كان الذي حدث عنه بقية شاميا وقال ابن عدي إذا روى بقية عن أهل الشام فهو ثبت وصالح وثقه ابن حبان وأبوه يحيى ذكره الذهبي قال وثق وأبوه مقدام بن معدي كرب صحابي فإذا كان كذلك صحت المعارضة فإذا تعارضا يرجح المحرم فإن قلت ادعى بعضهم أن حديث خالد منسوخ بحديث جابر لأنه قال فيه وأذن وفي لفظ ورخص قلت لا يصح الاستدلال على النسخ بقوله أذن أو رخص لأنه يحتمل أن يكون إذنه في حالة المخمصة إذهي أغلب أحوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفي ( الصحيح ) أنهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع فلا يدل على الإطلاق فإن قلت لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصت بالخيل قلت يمكن أن يكون في زمن الإباحة بالفرس ما أصابوا البغال والحمير فإن قلت قال ابن حزم في حديث خالد دليل الوضع لأن فيه عن خالد غزوت مع النبي خيبر وهذا باطل لأنه لم يسلم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف قلت ليس كما قال بل فيه خلاف فقيل هاجر بعد الحديبية وقيل بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر وقيل أسلم سنة خمس بعد فراغ رسول الله من بني قريظة وكانت الحديبية في ذي القعدة

(17/248)


سنة ست وخيبر بعدها سنة سبع ولو سلم أنه أسلم بعد خيبر فغاية ما فيه أنه أرسل الحديث ومراسيل الصحابة في حكم الموصول المسند قاله ابن الصلاح وغيره
4220 - حدثنا ( سعيد بن سليمان ) حدثنا ( عباد ) عن ( الشيباني ) قال سمعت ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما أصابتنا مجاعة يوم خيبر فإن القدور لتغلي قال وبعضها نضجت فجاء منادي النبي لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا وأهريقوها قال ابن أبي أوفى فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس وقال بعضهم نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد بن سليمان الواسطي سكن بغداد يلقب بسعدويه ويكنى أبا عثمان وعباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن العوام بن عمر الواسطي مات سنة خمس وثمانين ومائة والشيباني هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز الكوفي يروي عن عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة بن خالد الأسلمي
والحديث قد مضى في الخمس عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد
قوله لتغلي من الغليان واللام فيه للتأكيد قوله فجاء منادي النبي وهو أبو طلحة قوله وأهريقوها أصله أريقوها من الإراقة قوله إنه أي الشأن قوله عنها أي عن لحوم الحمر الأهلية قوله لم تخمس على صيغة المجهول من التخميس أي لأنه لم يؤخذ منها الخمس قوله قال بعضهم أي بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قوله البتة أي قطعا من البت وهو القطع يقال لا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه وانتصابها على المصدرية تقديره أبت البتة وقال الكرماني وألفها ألف قطع على غير القياس وقال بعضهم ألفها ألف وصل ولم أر أحدا من أهل اللغة قال ذلك قلت عدم رؤيته لا ينفي ذلك لأنه لم يحط بجميع ما قاله أهل اللغة وجهل شخص بشيء لا ينافي علم غيره قوله العذرة أي النجاسة قال الكرماني وفي التعليلين مناقشة لأن التبسط قبل القسمة في المأكولات قدر الكفاية حلال وأكل العذرة موجب للكراهة لا للتحريم وقال النووي السبب في الأمر بالإراقة أنها نجسة وقيل نهى عنها للحاجة وقيل لأنها أخذوها قبل القسمة وهذان التأويلان لأصحاب مالك القائلين بإباحة لحمها وقال الواقدي إن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك
4222 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عدي بن ثابت ) عن ( البراء وعبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله تعالى ( عنهم ) أنهم كانوا مع النبي فأصابوا حمرا فطبخوها فنادى منادي النبي أكفئوا القدور
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أنهم كانوا مع النبي أي في غزوة خيبر وأخرجه عن البراء مقرونا بعبد الله بن أبي أوفى والحديث أخرجه مسلم في الذبائح عن عبد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء وابن أبي أوفى به وفي حديث مسلم بن إبراهيم عن البراء وحده قوله إكفؤا القدور من الإكفاء وهو القلب وجاء الثلاثي أيضا بمعناه وحاصل المعنى أميلوها ليراق ما فيها
4224 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( عبد الصمد ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( عدي بن ثابت ) قال سمعت ( البراء وابن أبي أوفى ) رضي الله تعالى ( عنهم ) يحدثان عن النبي أنه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور أكفؤا القدور
هذا طريق آخر أخرجه عن إسحاق بن منصور عن عبد الصمد بن عبد الوارث إلى آخره

(17/249)


244 - ( حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء قال غزونا مع النبي نحوه )
هذا طريق آخر أخرجه عن مسلم بن إبراهيم إلى آخره ولهذا الحديث ثلاث طرق كما رأيتها اثنان عاليان وواحد نازل فذكره بين العاليين لأن فيه التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دوهما فإنهما بالعنعنة -
4226 - حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا عاصم عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال أمرنا النبي في غزوة خيبر أن نلقي الحمر الأهلية نيئة ونضيجة ثم لم يأمرنا بأكله بعد
هذا وجه آخر أخرجه عن ( إبراهيم بن موسى ) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن ( عاصم ) الأحول عن ( عامر ) الشعبي عن البراء إلى آخره وأخرجه مسلم في الذبائح عن زهير بن حرب وعن أبي سعيد الأشج وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في الذبائح عن سويد بن سعيد
قوله أن نلقي بضم النون وسكون اللام وكسر القاف من الإلقاء وكلمة أن مصدرية التقدير أمرنا بأن نلقي أي بإلقاء الحمر الأهلية مطلقا يعني نيئة ونضيجة فقوله نيئة بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الهمزة وبالتاء وذكره ابن الأثير في باب نيء أعني في باب النون بعدها الياء ثم الهمزة وذكره الجوهري في باب نوء بالواو موضع الياء قال وأناء اللحم ينيئه إناءة إذا لم ينضجه وقد ناء اللحم ينئي نيئا فهو لحم نئي بالكسر مثل بالكسر مثل نيع بين النيوء والنيوءة وقال ابن الأثير وقد تقلب الهمزة ياء فيقال نيا بالتشديد وقال الكرماني نيئة ونضيحة بالتنوين والإضافة يعني يجوز فيه الوجهان أحدهما نيئة ونضيجة بالتاء في آخرهما والآخر نيئها ونضيجها بالإضافة إلى الضمير الذي يرجع إلى اللحوم ففي الإضافة تحذف التاء ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع كما ينبغي قوله بعد بضم الدال أي بعد أمره بإلقاء الحمر الأهلية وفيه إشارة إلى استمرار تحريمها
4227 - حدثني ( محمد بن أبي الحسين ) حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي عن ( عاصم ) عن ( عامر ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لا أدري أنهى عنه رسول الله من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه يوم خيبر لحم الحمر الأهلية
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن أبي الحسين جعفر السماني الحافظ وكان من أقران البخاري وعاش بعده خمس سنين وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث وقال بعضهم تقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص فالذي يظهر أنه هذا قلت يحتمل أن يكون غيره وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث بن طلق بن معاوية أبو حفص النخعي الكوفي وهو أحد مشايخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة وعاصم هو ابن سليمان الأحول وعامر هو ابن شراحيل الشعبي
والحديث أخرجه مسلم في الذبائح عن أحمد بن يوسف السلمي عن عمر بن حفص
قوله أنهى عنه أي عن لحم الحمر الأهلية والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله حمولة الناس بفتح الحاء وهي التي يحمل عليها الناس من الدواب سواء كانت عليها الأحمال أو لم تكن كالركوبة وقال الكرماني الحمولة كل ما احتمل عليه الحي من حمار وغيره قوله أو حرمه يوم خيبر يعني تحريما مطلقا مؤبدا قوله لحم الحمر الأهلية بيان للضمير الذي في عنه وفي حرمه ويجوز فيه النصب على تقدير أعني لحم الحمر الأهلية والرفع على تقدير هو لحم الحمر الأهلية فالنصب على المفعولية والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف

(17/250)


4228 - حدثنا ( الحسن بن إسحاق ) حدثنا ( محمد بن سابق ) حدثنا ( زائدة ) عن ( عبيد الله ابن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قسم رسول الله ت يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما قال فسره نافع فقال إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم وإن لم يكن له فرس فله سهم ( انظر الحديث 2863 )
مطابقته للترجمة في قوله يوم خيبر والحسن بن إسحاق بن زياد المروزي يلقب بحسنويه الشاعر الثقة وهو من أفراده ومحمد بن سابق الكوفي البزار أصله فارسي كان بالكوفة مات سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو من شيوخ البخاري حدث عنه بالواسطة وزائدة هو ابن قدامة أبو الصلت الكوفي وعبيد الله بن عمر العمري
قوله فسره نافع أي قال عبيد الله ابن عمر الراوي عن نافع وهو موصول بالإسناد المذكور
4229 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سعيد بن المسيب ) أن ( جبير بن مطعم ) أخبره قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن بمنزلة واحدة منك فقال إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال جبير ولم يقسم النبي لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا ( انظر الحديث 3140 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله من خمس خيبر والحديث قد مر في الخمس في باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله بني المطلب وهو المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب قوله منك لأنهم كلهم بنو أعمام رسول الله وكان عثمان عبشميا وجبير بن مطعم كان نوفليا قوله شيء واحد لأن أحدهما لم يفارق الآخر لا في الجاهلية ولا في الإسلام فكانا محصورين معا في خيف بني كنانة وقوله شيء بالشين المعجمة وبالهمزة في رواية الأكثرين وفي رواي المستملي سي بكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وقال ابن الأثير شيء واحد هكذا رواه يحيى بن معين أي مثل سواء يقال هما سيان أي مثلان والرواية المشهورة شيء واحد بالشين المعجمة قوله قال جبير بن مطعم وهو موصول بالإسناد المذكور قوله لبني عبد شمس هو ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب
4230 - حدثني ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال بلغنا مخرج النبي ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو إثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي حين افتتح خيبر وكان أناس من الناس يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجرن فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هاذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر الحبشية هاذه البحرية هاذه قالت أسماء نعم قال سبقناكم

(17/251)


بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذالك في الله وفي رسوله وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ونحن كنا نؤذي ونخاف وسأذكر ذالك للنبي وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه فلما جاء النبي قالت يا نبي الله أن عمر قال كذا وكذا قال فما قلت له قالت قلت له كذا وكذا قال ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هاذا الحديأ ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي قال أبو بردة قالت أسماء فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هاذا الحديث مني
قال أبو بردة عن ( أبي موسى ) قال النبي إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم
مطابقته للترجمة في قوله حين افتتح خيبر ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني وهو شيخ مسلم وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أبي بردة واسمه عامر بن أبي موسى الأشعري سمع جده أبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري والحديث مضى مقطعا في الخمس وفي هجرة الحبشة
قوله مخرج النبي بفتح الميم إما مصدر ميمي بمعنى خروجه أو اسم زمان بمعنى وقت خروجه والواو في ونحن باليمن للحال قوله أبو بردة بضم الباء الموحدة وسكون الراء واسمه عامر بن قيس وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء ابن قيس الأشعري وقال أبو عمر وكان لأبي موسى ثلاثة أخوة وأبو بردة عامر وأبو رهم ومجدي بنو قيس بن سليم وقيل اسم أبي رهم مجدي ومجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وجزم ابن حبان في ( الصحابة ) بأن اسمه محمد وذكر ابن قانع أن اسمه ) مجيلة بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وباللام ثم الهاء قوله أما قال في بضع بكسر الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة وقال ابن الأثير وقد تفتح الباء وهو ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد فإن قلت في بضع يتعلق بماذا وما محله من الإعراب قلت يتعلق بقوله فخرجنا ومحله النصب على الحال قوله من قومي وفي رواية المستملي من قومه قوله سفينتنا بالرفع لأنه فاعل ألقتنا قوله إلى النجاشي بفتح النون وتشديد الياء وتخفيفها وهو اسم من ملك الحبشة قوله فوافقنا جعفر بن أبي طالب يعني صادفناه بأرض الحبشة قوله حتى قدمنا جميعا ذكر ابن إسحاق أن النبي بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر وهم ستة عشر رجلا فيهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة قوله اسماء بنت عميس مصغر العمس بالمهملتين ابن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب الخثعمية وأمها هند بنت عوف وهي أخت ميمونة زوج النبي وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس وزوج أسماء جعفر بن أبي طالب ولما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وولدت له محمد بن أبي بكر ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فولدت له يحيى ابن علي بن أبي طالب قوله وكان أناس سمى منهم عمر رضي الله تعالى عنه قوله وهي ممن قدم معنا هو كلام أبي موسى قوله

(17/252)


على حفصة زاد أبو يعلى زوج النبي قوله زائرة نصب على الحال قوله ألحبشية هذه بهمزة الاستفهام نسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم قوله البحرية بهمزة الاستفهام أيضا وفي رواية أبي ذر البحيرية بالتصغير نسبها إلى البحر لركوبها البحر قوله في دار بلا تنوين لأنه مضاف إلى البعداء قوله أو في أرض شك من الراوي و البعداء بضم الباء وفتح العين جمع بعيد أي البعداء عن الدين قوله البغضاء بضم الباء الموحدة وبالمعجمتين المفتوحتين جمع بغيض يعني البغضاء للدين وفي رواية أبي يعلى البعداء أو البغضاء بالشك وفي رواية النسفي البعد بضمتين وفي رواية القابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما والظاهر أنه فسر الأولى بالثانية وفي رواية ابن سعد وكنا البعداء والطرداء قوله وذلك في الله ورسوله أي لأجل الله وطلب رضاه ولأجل رسوله قوله وايم الله همزته همزة وصل وقيل همزة قطع بفتح الهمزة وقيل بكسرها يقال أيم الله وأيمن الله ومن الله وقيل أيمن جمع يمين ولما كثر في كلامهم حذفوا النون كما قالوا في لم يكن لم يك قوله نؤذي ونخاف كلاهما على صيغة المجهول
قوله أهل السفينة بنصب أهل على الاختصاص أو على حذف حرف النداء قوله هجرتان إحداهما إلى النجاشي والأخرى إلى النبي قوله يأتوني وفي رواية الكشميهني يأتون قوله إرسالا بفتح الهمزة أي أفواجا يتبع بعضهم بعضا والواحد رسل بفتحتين
قوله قال أبو بردة عن أبي موسى هو الراوي عنه لا أخو أبي موسى لأنه له أخا يسمى أبا بردة أيضا وقد ذكرناه قوله رفقة الأشعريين الرفقة بضم الراء وكسرها الجماعة ترافقهم في سفرك والأشعريين نسبة إلى أشعر أبو قبيلة من اليمن وتقول العرب جاءك الأشعرون بحذف ياء النسبة قوله حين يدخلون بالليل قال الدمياطي صوابه يرحلون بالحاء المهملة وكذا حكاه عياض عن بعض رواة مسلم أنه اختاره وقال النووي الأول أصح والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المساجد قوله منهم حكيم قال عياض قال أبو علي الصدفي هو صفة لرجل منهم وقال أبو علي الجياني هو اسم علم على رجل من الأشعريين قوله أو قال العدو شك من الراوي قوله أن تنتظروهم كذا هو في الأصول من الانتظار وذكره ابن التين بلفظ تنظروهم مثل انظرونا نقتبس من نوركم ( الحديد 13 ) ومعنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون ما يصيبهم من ذلك ويقال معناه أن هذا الحكيم لفرد شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليبعثهم على القتال هذا بالنظر إلى قوله أو قال العدو بالنصب أي أو قال الحكيم إذا لقي العدو وأما بالنظر إلى قوله إذا لقي الخيل فيحتمل أن يريد خيل المسلمين ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا
4233 - حدثني ( إسحاق بن إبراهيم ) سمع ( حفص بن غياث ) حدثنا ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى قال قدمنا على النبي بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا
مطابقته للترجمة في قوله بعد أن افتتح خيبر وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه وبريد بضم الباء هو عبد الله بن أبي بردة الأشعري
والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن العلاء وأخرجه الترمذي في السير عن أبي سعيد الأشج عن حفص بن غياث
قوله سمع حفص بن غياثأي أنه سمع حفص بن غياث قوله قدمنا يعني هو وأصحابه مع جعفر ومن معه قوله غيرنا يعني الأشعريين ومن معهم وجعفر ومن معه واحتج أصحابنا بهذا الحديث على أن الذين يلحقون الغنيمة قبل إحرازها بدار الإسلام يشاركونهم فيها خلافا للشافعية فإنهم احتجوا بقوله الغنيمة لمن شهد الوقعة قلت هذا موقوف على عمر رضي الله تعالى عنه ورفعه غريب فإن قلت قال بعض الشافعية حديث ( أبي موسى ) محمول على أنهم شهدوا قبل حوز الغنائم قلت يحتاج ذلك إلى بيان وقال

(17/253)


ابن حبان في ( صحيحه ) إنما أعطاهم من خمس خمسه ليستميل به قلوبهم ولم يعطهم من الغنيمة لأنهم لم يشهدوا فتح خيبر قلت الجواب ما ذكرناه
4234 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( معاوية بن عمرو ) حدثنا ( أبو إسحالق ) عن ( مالك بن أنس ) قال حدثني ( ثور ) قال حدثني ( سالم ) مولى ( ابن مطيع ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يقول افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي بشراك أو بشراكين فقال هاذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله شراك أو شراكان من نار ( الحديث 4234 - طرفه في 6707 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي ومعاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي وأصله كوفي وهو من مشايخ البخاري روى عنه بالواسطة وروى عنه في الجمعة بلا واسطة وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الفزاري وثور بلفظ الحيوان المشور ابن زيد أبو خالد الكلاعي السامي حمصي ما ببيت المقدس سنة خمس وخمسين ومائة وهو من أفراد البخاري وسالم أبو الغيث مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي المدني روى عن أبي هريرة حديثا واحدا
والحديث أخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك وههنا بينه وبين مالك ثلاثة أنفس ونزل في هذا الحديث درجتين لأن البخاري له حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث وأخرجه مسلم أيضا عن القعنبي وغيره وأخرجه أبو داود عن القعنبي به وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين
قوله افتتحنا خيبر وفي رواية عبيد الله بن يحيى عن يحيى عن أبيه في ( الموطأ ) حنين بدل خيبر وخالفه محمد ابن وضاع عن يحيى بن يحيى فقال خيبر مثل الجماعة وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي بخيبر بعدما افتتحوها ولما روى محمد بن إسحاق هذا الحديث لم يذكر هذه اللفظة لأنه استشعر توهم ثور بن زيد وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ انصرفنا مع رسول الله إلى وادي القرى وقال بعضهم إذا حمل افتتحنا على افتتح المسلمون لا يلزم شيء من ذلك قلت هذا بعيد بهذا الوجه قوله ولم نغنم ذهبا إلى قوله والحوائط وهو جمع حائط وهو البستان من النخل وفي رواية مسلم غنمنا المتاع والطعام والثياب وفي رواية ( الموطأ ) إلا الأموال والمتاع والثياب قوله إلى وادي القرى جمع قرية موضع بقرب المدينة وهو من أعمالها قوله ومعه عبد الله وفي رواية ( الموطأ ) عبد أسود قوله مدعم بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين قوله أهداه له أي أهدى العبد للنبي أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى بلفظ جمع الضب وفي رواية مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم الضاد بصيغة التصغير وفي رواية إبن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيني بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها نون وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة بطن من جذام وضبطه الكرماني بضم المعجمة وفتح الموحدة الأولى

(17/254)


وسكون التحتانية بينهما وقال الرشاطي الضبيبي في جذام وضبطه بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى وكسر الثانية بينهما ياء آخر الحروف ساكنة ثم قال ابن حبيب في جذام الضبيب ولم يرد شيئا وذكر أبو عمر رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي ثم الضبيبي من بني الضبيب قال هكذا يقول بعض أهل الحديث وأما أهل النسب فيقولون الضبيني يعني بالنون في آخره يعني من بني الضبين من جذام قال ولم أر هذا القول لأحد وقال أبو يعلى العالي
صوابه الضبيبي يعني بفتح الضاد والباء الموحدة وبالنون من بني ضبينة من جذام قلت النسبة إلى لفظ فعيلة فعلى مثل الحنفي نسبة إلى أبي حنيفة وكذلك الضبيني فافهم فإنه موضع التباس وقال الواقدي قدم على رسول الله رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي ثم الضبيني في هدنة الحديبية قبل خيبر في جماعة من قومه فأسلموا وعقد له رسول الله على قومه وهو الذي أهدى له عبدا قوله إذ جاءه سهم عائر كلمة إذ للمفاجأة جواب قوله فبينما والعائر بالعين المهملة والهمزة بعد الألف أي حائد عن قصده وقيل هو سهم لا يدري أين أتى قوله بل والذي نفسي بيده وفي رواية الكشميهني بلى وهو تصحيف وفي رواية مسلم كلا والذي نفسي بيده وهو رواية ( الموطأ ) قوله إن الشملة هي كساء يشتمل به الرجل ويجمع على الشمال قوله لتشتعل خبر إن واللام المفتوحة فيه للتأكيد ويحتمل أن يكون اشتعال النار حقيقة بأن تصير الشملة بعينها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك الذي يأتي قوله بشراك بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء وهو سير النعل على ظهر القدم قوله أو بشراكين شك من الراوي
4235 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( زيد ) عن أبيه أنه سمع ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه يقول أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي خيبر ولاكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها
مطابقته للترجمة في قوله كما قسم النبي خيبر ومحمد بن جعفر ابن أبي كثير وزيد هو ابن أسلم مولى عمر رضي الله تعالى عنه
قوله ببانا بفتح الباء الموحدة الأولى وتشديد الثانية وبالنون معناه شيئا واحدا وقال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية وقال صاحب ( العين ) يقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة وقال ابن فارس هم على ببان واحد أي شيء واحد وقال الجوهري هو فعلان وقال أبو سعيد الضرير ليس في كلام العرب ببان وإنما هو ببان بفتح الباء الموحدة وتشديد الباء آخر الحروف قال ابن الأثير ببائين موحدتين وهو الصحيح وقال الطبري المعنى لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساويين في الفقر ويقال معناه لولا أترك الذين هم من بعدنا فقراء مستويين في الفقر لقسمت أراضي القرى المفتوحة بين الغانمين لكني ما قسمتها بل جعلتها وقفا مؤبدا تركتها كالخزانة لهم يقتسمونها كل وقت إلى يوم القيامة وغرضه أني لا أقسمها على الغانمين كما قسم رسول الله نظرا إلى المصلحة العامة للمسلمين وذلك كان بعد استرضائه لهم كما فعل عمر بن الخطاب بأرض العراق وقال ابن الأثير معناه لأسوين بينم في العطاء حتى يكونوا واحدا لا فضل لأحد على غيره قوله خزانة يقتسمونها أي يقتسمون خراجها
253 - ( حدثني محمد بن المثنى حدثنا ابن مهدي عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم النبي خيبر )
هذا طريق آخر في حديث عمر عن محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك إلى آخره وقد مضى هذا في

(17/255)


الجهاد في أبواب الخمس في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة وقد مر الكلام فيه هناك قالوا وقد غنم رسول الله غنائم وأراضي ولم ينقل عنه أنه قسم فيها إلا خيبر وذكر أنه إجماع السلف فإن رأى الإمام في وقت من الأوقات قسمتها رأيا لم يمتنع ذلك فيما يفتحه
254 - ( حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية قال أخبرني عنبسة بن سعيد أن أبا هريرة رضي الله عنه أتى النبي فسأله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه يا رسول الله فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل فقال واعجبا لوبر تدلى من قدوم الضان )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أن أبا هريرة أتى النبي لأن إتيانه كان بخيبر بعد فتحها لأن هذا الحديث قد مضى في الجهاد في باب الكافر يقتل المسلم وفيه عن أبي هريرة قال أتيت النبي وهو بخيبر بعدما افتتحوها فقلت يا رسول الله اسهم لي الحديث وسفيان هو ابن عيينة وإسمعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي وعنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن العاص وهو والد إسمعيل بن أمية قوله أن أبا هريرة أتى النبي هذا مرسل وقد تقدم من وجه آخر متصلا في أوائل الجهاد قوله فسأله أي فسأل النبي أن يعطيه من غنائم خيبر قوله قال له أي للنبي بعض بني سعيد وهو أبان بن سعيد قوله ابن قوقل هو النعمان بن قوقل بفتح القافين وسكون الواو وباللام ويقال النعمان بن ثعلبة وثعلبة يدعى قوقل الأنصاري شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا قتله أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وقال الزبير تأخر إسلامه بعد إسلام أخويه خالد وعمرو ثم أسلم أبان وحسن إسلامه وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله إلى قريش عام الحديبية وحمله على فرس حتى دخل مكة واستعمله رسول الله على البحرين برها وبحرها إذ عزل العلاء الحضرمي عنها فلم يزل عليها إلى أن مات رسول الله وقتل أبان يوم أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله واعجبا هو اسم فعل بمعنى أعجب وأصله واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كما في قوله واأسفا وكلمة وا تستعمل على وجهين ( أحدهما ) أن تكون حرف نداء مختصا بباب الندبة نحو وازيداه والثاني أن تكون اسما لأعجب وقد يقال واها قوله لوبر بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء هو دويبة تشبه النور وقيل أصغر من السنور لا ذنب لها لا يدجن في البيوت قال الخطابي وأحسب أنها تؤكل لوجوب الفدية فيها عن بعض السلف وكأنه حقر أبا هريرة ونسبه إلى قلة القدرة على القتال قوله تدلى أي نزل قوله من قدوم الضان بفتح القاف وتخفيف الدال المهملة والضان بالنون غير مهموز اسم جبل لدوس وقيل الضأن الغنم والقدوم بفتح القاف الطرف كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الأصيلي بضم القاف وقد مر تحقيقه في الجهاد في باب يقتل المسلم
( ويذكر عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاصي قال بعث رسول الله أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على النبي بخيبر بعد ما افتتحها وإن حزم خيلهم لليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم لهم قال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال فقال النبي يا أبان اجلس فلم يقسم لهم ) -
4237 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري وسأله إسماعيل بن أمية ) قال أخبرني ( عنبسة بن سعيد ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه أتى النبي فسأله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه يا رسول الله فقال أبو هريرة هاذا قاتل ابن قوقل فقال واعجبا لوبر تدلى من قدوم الضان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إن أبا هريرة أتى النبي لأن إتيانه كان بخيبر بعد فتحها لأن هذا الحديث قد مضى في الجهاد في باب الكافر يقتل المسلم وفيه عن أبي هريرة قال أتيت النبي وهو بخيبر بعد ما افتتحوها فقلت يا رسول الله أسهم لي الحديث
وسفيان هو ابن عيينة وإسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي وعنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن العاص وهو والد إسماعيل ابن أمية
قوله أن أبا هريرة أتى النبي هذا مرسل وقد تقدم من وجه آخر متصلا في أوائل الجهاد قوله فسأله أي فسأل النبي أن يعطيه من غنائم خيبر قوله قال له أي للنبي بعض بني سعيد وهو أبان بن سعيد قوله ابن قوقل هو النعمان بن قوقل بفتح القافين وسكون الواو وباللام ويقال النعمان بن ثعلبة وثعلبة يدعى قوقل الأنصاري شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا قتله أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وقال الزبير تأخر إسلامه بعد إسلام أخويه خالد وعمرو ثم أسلم أبان وحسن إسلامه وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله إلى قريش عام الحديبية وحمله على فرس حتى دخل مكة واستعمله رسول الله على البحرين برها وبحرها إذ عزل العلاء الحضرمي عنها فلم يزل عليها إلى أن مات رسول الله وقتل أبان يوم أجنادين في جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله واعجبا هو اسم فعل بمعنى أعجب وأصله واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كما في قوله واأسفاه وكلمة وا تستعمل على وجهين أحدهما أن تكون حرف نداء مختصا بباب الندبة نحو وا زيداه والثاني أن تكون إسما لأعجب وقد يقال واها قوله لوبر بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء هو دويبة تشبه السنور وقيل أصغر من السنور لا ذنب لها لا يدجن في البيوت قال الخطابي وأحسب أنها تؤكل لوجوب الفدية فيها عن بعض السلف وكأنه حقر أبا هريرة ونسبه إلى قلة القدرة على القتال قوله تدلى أي نزل قوله من قدوم الضأن بفتح القاف وتخفيف الدال المهملة والضان بالنون غير مهموز اسم جبل لدوس وقيل الضأن الغنم و القدوم بفتح القاف الطرف كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الأصيلي بضم القاف وقد مر تحقيقه في الجهاد في باب يقتل المسلم
4238 - ( ويذكر ) عن ( الزبيدي ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عنبسة بن سعيد ) أنه سمع ( أبا هريرة ) يخبر ( سعيد بن العاص ) قال بعث رسول الله أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على النبي بخيبر بعد ما افتتحها وإن حزم خيلهم لليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم لهم قال أبان وأنت بهاذا يا وبر تحدر من رأس ضال فقال النبي يا أبان اجلس فلم يقسم لهم

(17/256)


هذا وجه آخر في الحديث المذكور ذكر بصيغة التمريض عن محمد بن الوليد الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره ووصل هذا أبو داود من طريق إسماعيل بن عباس عنه
قوله أبان هو أبان بن سعيد المذكور الآن قوله قبل نجد بكسر القاف أي ناحية نجد قوله بخيبر في محل النصب على الحال أي حال كون النبي في خيبر قوله وإن حزم بضم الحاء المهملة والزاي جمع حزام قوله الليف مرفوع لأنه خبر إن واللام فيه للتأكيد قوله وفي رواية الكشميهني الليف بدون لام التأكيد قوله قلت يا رسول الله القائل أبو هريرة يقول لا تسهم لأبان وأصحابه من الإسهام يعني لا تعطهم سهما من الغنيمة فإن قلت في الحديث الماضي القائل بقوله لا تسهم هو أبان بن سعيد وهنا القائل بذلك أبو هريرة فما التوفيق بينهما قلت لا منافاة بينهما ولا امتناع لأن أبا هريرة أحتج على أبان بأنه قاتل ابن قول وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب شيء يستحق به النفل قوله قال أبان وأنت بهذا يخاطب به أبا هريرة أي أنت ملتبس بهذا القول وقائل بهذا قوله يا وبر فيه تعريض لتحقيره وأشار إلى كنيته وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع قوله تحدر فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة لأن تحدر فعل ماض أي نزل وفي الرواية السابقة تدلى وهو بمعناه وفي الرواية التي تأتي الآن تدأدأ بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة وقيل أصله تدهده فأبدلت الهاء همزة قال ابن الأثير معناه أقبل علينا مسرعا وهو من داد البعير وتدأدأ إذا اشتد عدوه ومعنى تدهده تدحرج وسقط علينا وفي رواية المستملي تدارأ براء بدل الدال الثانية بمعنى سقط وهجم علينا وفي رواية أبي زيد المروزي تردى من التردي وهو السقوط من مكان عال قوله من رأس ضال باللام في هذه الرواية وفي الرواية السابقة ضان بالنون والضال بتخفيف اللام السدر البري
4239 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عمرو بن يحيء بن سعيد ) قال أخبرني جدي أن ( أبان بن سعيد ) أقبل إلى النبي فسلم عليه فقال أبو هريرة يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل وقال أبان لأبي هريرة واعجبا لك وبر تدأدأ من قدوم ضأن ينعي علي امرءا أكرمه الله بيدي ومنعه أن يهينني بيده
هذا وجه آخر للحديث السابق أخرجه عن موسى بن إسماعيل أبي سلمة المنقري التبوذكي عن عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص
قوله هذاأشار به أبو هريرة إلى أبان بن سعيد وقال هذا قاتل نعمان بن قوقل وقد ذكرنا أنه قتله يوم أحد قوله واعجبا قد مر تفسيره عن قريب وزاد هنا لفظ لك قوله وبر مبتدأ وتخصص بالصفة وهي قوله تدأدأ وقوله ينعى بفتح الياء وسكون النون وفتح العين المهملة أي يعيب علي يقال نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه به وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان يعيرني قوله أمرا أراد به النعمان بن قوقل قوله أكرمه اللهحيث صار شهيدا على يدي قوله ومنعه أي ومنع هذا المرء وهو النعمان قوله أن يهينني أي بالإهانة بيده فإن النعمان لو قتل أبان بن سعيد كان له خزي وإهانة في الدارين لأنه يوم أحد لم يكن مسلما ويروى فلم يهني بضم الياء وكسر الهاء وتشديد النون وأصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى
4241 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) أن ( فاطمة عليها السلام بنت ) النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد

(17/257)


في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذالك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر فقال عمر لا والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر وما عسيتهم أن يفعلوا بي والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ولاكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فلما تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني من هاذه الأموال فلم آل فيها عن الخمر ولم أترك أمرا رأيت رسول الله يصنعه فيها إلا صنعته فقال علي لأبي بكر موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به ولكنا كنا نرى لنا في هاذا الأمر نصيبا فاستبد علينا فوجدنا أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف
مطابقته للترجمة لا يبعد أن تؤخذ من قوله من خمس خيبر ورجاله قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين ابن خالد الأيلي والحديث مضى في باب فرض الخمس ولكن بينهما تفاوت في المتن بزيادة ونقصان
قوله مما أفاء الله عليه أي مما أعطاه الله من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد وأصله من الفيء وهو الرجوع يقال فاء يفيء فيئة وفيوء كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم وأفاء ثلاثي مزيد فيه قوله بالمدينة وذلك من نحو أرض بني النضير حين أجلاهم ومما صالح أهل فدك على نصف أرضها وكان النصف له وما كان له أيضا من أرض خيبر لكنه ما استأثر بها بل كان ينفقها على أهله والمسلمين فصارت بعده صدقة حرم التملك فيها قوله فأبى أبو بكر أي امتنع قوله فوجدت أي غضبت من الموجدة وهو الغضب وكان ذلك أمرا حصل على مقتضى البشرية ثم سكن بعد ذلك والحديث كان مؤولا عندها بما فضل عن ضرورات معاش الورثة قوله فهجرته أي هجرت فاطمة أبا بكر رضي الله تعالى عنهما ومعنى هجرانها انقباضها عن لقائه وعدم الانبساط لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه قوله وعاشت أي فاطمة بعد النبي ستة أشهر هذا هو الصحيح وقيل عاشت بعده سبعين يوما وقيل ثلاثة ؤشهر وقيل شهرين وقيل ثماني أشهر وقال البيهقي قوله وعاشت إلى آخره مدرج وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري

(17/258)


فذكر الحديث وقال في آخره قلت للزهري كم عاشت فاطمة بعده قال ستة أشهر قوله ليلا أي في الليل وذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر فإن قلت روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا قلت هذا محمول على حال الاختيار لأن في بعضه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك قوله ولم يؤذن بها أبا بكر أي ولم يعلم بوفاتها أبا بكر قوله وصلى عليها أي صلى علي رضي الله تعالى عنه على فاطمة وروى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها قوله حياة فاطمة لأنهم كانوا يعذرونه عن ترك المبايعة لاشتغاله بها وتسلية خاطرها من قرب عهد مفارقة رسول الله قوله تلك الأشهر وهي الأشهر الستة وقال المارزي العذر لعلي رضي الله تعالى عنه في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من آحاد أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب ولا يلزم كل أحد أن يحضر عندده ويضع يده في يده بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه وهذا كان حال علي رضي الله تعالى عنه ولم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله كراهية لمحضر عمرأي لأجل الكراهة لحضور عمر رضي الله تعالى عنه و المحضر مصدر ميمي بمعنى الحضور ويروى كراهية ليحضر عمر أي لأن يحضر وذلك لأن حضوره كان يوجب كثرة المعاتبة والمعادلة فقصدوا التخفيف لئلا يفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة قوله فقال عمر لا والله لا تدخل عليهم وحدك لأنه توهم أنهم لا يعظمونه حق التعظيم وأما توهمه ما لا يليق بهم فحاشاه وحاشاهم من ذلك قوله وما عسيتهم أن يفعلوا بكسر السين وفتحها أي ما رجوتهم أن يفعلوا وكلمة ما استفهامية وعسى استعمل استعمال الرجاء فلهذا اتصل به ضمير المفعول والغرض أنهم لا يفعلون شيئا لا يليق بهم وقال ابن مالك استعمل عسى استعمال حسب وكان حقه أن يكون عاريا من أن ولكن جيء به لئلا تخرج عسى بالكلية عن مقتضاها ولأن أن قد تسد بصلتها مسد مفعوليه فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول سادة مسد ثاني المفعولين وقال الكرماني وفي بعض الروايات وما عساهم أن يفعلوا بي قوله ولم ننفس بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح الفاء أي لم نحسدك على الخلافة يقال نفست بكسر الفاء أنفس بفتحها نفاسة قوله استبددت من الاستبداد وهو الاستقلال بالشيء ويروى استبدت بدال واحدة وهو بمعناه وهذا مثل قوله فظلتم تفكهون أي فظللتم قوله بالأمر أي بأمر الخلافة وكنا نرى بضم النون وفتحها قوله لقرابتنا من رسول الله أي لأجل قرابتنا من رسول الله قوله شجرأي وقع من الاختلاف والتنازع قوله فلم آل بمد الهمزة وضم اللام أي فلم أقصر قوله العشية يجوز فيه النصب على الظرفية والرفع على أنه خبر المبتدأ وهو قوله موعدك والعشية بعد الزوال قوله رقي بكسر القاف أي علا قوله وعذره أي قبل عذره وهو فعل ماض هذا رواية أبي ذر وفي رواية غيره وعذره بضم العين وسكون الذال وبالنصب عطفا على قوله وتخلفه أي وذكر عذره أيضا قوله في هذا الأمر أي الخلافة قوله الأمر بالمعروف أي موافقة سائر الصحابة بالمبايعة للخلافة
4242 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( حرمي ) حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عمارة ) عن ( عكرمة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر
مطابقته للترجمة ظاهرة وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف وهو اسم بلفظ النسب ابن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء ابن أبي حفص العتكي بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق وشعبة واسطة في الإسناد بين الولد وهو حرمي والوالد عمارة وعكرمة مولى ابن عباس وليس له عن عائشة في البخاري إلا ثلاثة أحاديث هذا والثاني سبق في الطهارة والثالث سيأتي في اللباس والحديث من أفراده
قوله قلنا الآن نشبع من التمر فيه شيئان الأول فيه دلالة على كثرة التمر والنخيل في خيبر والثاني فيه دلالة على أنهم كانوا في قلة عيش قبل فتح خيبر
4243 - حدثنا ( الحسن ) حدثنا ( قرة بن حبيب ) حدثنا ( عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار )

(17/259)


عن أبيه عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر
مطابقته للترجمة ظاهرة والحسن هو ابن محمد بن الصباح الزعفراني ووقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن عن الفربري وقال الكلاباذي يقال إنه الزعفراني وقال الحاكم هو الحسن بن شجاع البلخي أحد الحفاظ وهو من أقران البخاري ومات قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب ووقع في تفسير سورة النور حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو وقرة بضم القاف وتشديد الراء ابن حبيب ضد العدو القشيري البصري الرماحي صاحب القنا ويقال له القنوي أيضا نسبة إلى بيع القنا وأصله من نيسابور وقد لقيه البخاري وحدث عنه في ( الأدب المفرد ) وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين
40 -
( باب استعمال النبي على أهل خيبر )
أي هذا باب في بيان استعمال النبي رجلا على أهل خيبر بد فتحها لقسمة الثمار
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله كل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبي أويس وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني والحديث مر في البيوع في باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن مالك إلى آخره
قوله رجلا هو سواد بن غزية من بني عدي بن النجار الأنصاري قوله جنيب بفتح الجيم وكسر النون وهو نوع من التمر الغريب وهو أجود تمورهم قوله بالثلاثة بدل من الصاعين قوله بع الجمع وهو نوع رديء من التمر وقيل هو الأخلاط منها قوله ثم ابتع أي ثم اشتر وقد مر الكلام فيه مستوفى هنالك
40 -
( باب استعمال النبي على أهل خيبر )
أي هذا باب في بيان استعمال النبي رجلا على أهل خيبر بد فتحها لقسمة الثمار
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال رسول الله كل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبي أويس وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني والحديث مر في البيوع في باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن مالك إلى آخره
قوله رجلا هو سواد بن غزية من بني عدي بن النجار الأنصاري قوله جنيب بفتح الجيم وكسر النون وهو نوع من التمر الغريب وهو أجود تمورهم قوله بالثلاثة بدل من الصاعين قوله بع الجمع وهو نوع رديء من التمر وقيل هو الأخلاط منها قوله ثم ابتع أي ثم اشتر وقد مر الكلام فيه مستوفى هنالك
4247 - وقال ( عبد العزيز بن محمد ) عن ( عبد المجيد ) عن ( سعيد وأبا هريرة حدثاه ) أن النبي بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر فأمره عليها
عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وعبد المجيد هو ابن سهيل شيخ مالك وسعيد هو ابن المسيب وهذا تعليق وصله أبو عوانة والدارقطني من طريق الدراوردي قوله بعث أخا بني عدي هو سواد بن غزية المذكور قوله فأمره بتشديد الميم أي جعله أميرا عليها
وعن عبد المجيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة وأبي سعيد مثله
هذا معطوف على الذي قبله وهو عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد فيه شيخان أحدهما سعيد بن المسيب والآخر أبو صالح السمان واسمه ذكوان
41 -
( باب معاملة النبي أهل خيبر )
أي هذا باب في بيان معاملة النبي أهل خيبر اليهود بأن أعطاها لهم أن يزرعوها مشاطرة
4248 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( جويرية ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال أعطى

(17/260)


النبي خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها
مطابقته للترجمة ظاهرة وجويرية بن أسماء الضبعي والحديث مضى في المزارعة بأتم منه ومر الكلام فيه هناك والشطر بالفتح النصيب وقد يطلق على البعض
41 -
( باب الشاة التي سمت للنبي بخيبر )
أي هذا باب في بيان حال الشاة التي سموها لأجل النبي حال كون النبي بخيبر
رواه عروة عن عائشة عن النبي
أي روى حديث السم عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد هو ابن أبي سعيد المقبري والحديث قد مر في الجزية في باب إذا غدر المشركون بالمسلمين فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بأتم منه ومر الكلام فيه هناك مستوفى )
41 -
( باب الشاة التي سمت للنبي بخيبر )
أي هذا باب في بيان حال الشاة التي سموها لأجل النبي حال كون النبي بخيبر
رواه عروة عن عائشة عن النبي
أي روى حديث السم عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم
مطابقته للترجمة ظاهرة وسعيد هو ابن أبي سعيد المقبري والحديث قد مر في الجزية في باب إذا غدر المشركون بالمسلمين فإنه أخرجه هناك بهذا الإسناد بأتم منه ومر الكلام فيه هناك مستوفى )
42 -
( باب غزوة زيد بن حارثة )
أي هذا باب في بيان غزوة زيد بن حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة مولى النبي ووالد أسامة بن زيد
4250 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) حدثنا ( سفيان بن سعيد ) حدثنا ( عبد الله ابن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال أمر رسول الله أسامة على قوم فطعنوا في إمارته فقال إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وايم الله لقد كان خليقا للإمارة وإن كان من أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده
مطابقته للترجمة في قوله أمر رسول الله أسامة على قوم والحديث مضى في المناقب في باب مناقب زيد بن حارثة فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان عن عبد الله بن دينار إلى آخره وكيفيته تأتي في أواخر المغازي وقال بعضهم والغرض منه قوله فقد طعنتم في إمارة أبيه قلت ليس هذا غرضه إذ لو كان غرضه ذلك لترجم بباب يناسبه وبين الترجمة وبين ما ذكره بون جدا لا يخفى على من يتأمله ويحيى بن سعيد هو القطان وسفيان بن سعيد هو الثوري الكوفي
قوله أمر بتشديد الميم وروى أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال غزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا قلت ( أولها ) في جمادى الآخرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب ( والثانية ) في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم ( والثالثة ) في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين فلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع ( والرابعة ) في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة ( والخامسة ) إلى حسمى بضم الحاء وسكون السين المهملتين مقصورا كذا قاله بعضهم وقال ابن الأثير والبكري بكسر الحاء موضع في أرض جذام وكانوا في خمسمائة إلى ناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل ( والسادسة ) إلى وادي القرى ( والسابعة ) إلى ناس من بني فزارة وكان خرج قبلها في التجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي إليهم فأوقع وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم فيقال ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت وأسر بنتها وكانت جميلة

(17/261)


43 -
( باب عمرة القضاء )
أي هذا باب في بيان عمرة القضاء كذا هوف في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي وحده باب غزوة القضاء وسميت بالقضاء اشتقاقا مما كتبوا في كتاب الصلح يوم الحديبية هذا ما قاضى عليه لأمن القضاء الإصطلاحي إذ لم تكن العمرة التي اعتمروا بها في السنة القابلة قضاء للتي تحللوا منها يوم الصلح قاله الكرماني وفي ( الاكليل ) قال الحاكم قد تواترت الأخبار عن أئمة المغازي أنه لما دخل هلال ذي القعدة من سنة سبع من الهجرة أمر رسول الله أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد ممن شهد الحديبية وخرج معه أيضا قوم من المسلمين ممن لم يشهدوا والحديبية عمارا وكان المسلمون في هذه العمرة ألفين سوى النساء والصبيان انتهى قلت وفيه رد على ما قاله الكرماني وإنما ذكر العمرة في كتاب المغازي للخصومة التي جرت بينهم وبين الكفار في سنة التحلل والسنة القابلة أيضا وإن لم تكن بالمسايفة إذ لا يلزم من إطلاق الغزوة المقاتلة بالسيوف وتسمى عمرة القضية وعمرة القصاص وعمرة الصلح قال السهيلي تسميتها عمرة القصاص أولى لقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ( البقرة 194 ) وكذا رواه ابن جرير بإسناد صحيح عن مجاهد وبه جزم سليمان التيمي في ( مغازيه )
ذكره أنس عن النبي
أي ذكر حديث عمرة القضاء أنس بن مالك عن النبي ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال لما دخل رسول الله مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين بديه وهو يقول
( خلوا بني الكفار عن سبيله
قد أنزل الرحمن في تنزيله
(
( بأن خير القتل في سبيله
نحن قتلناكم على تأويله )
وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) بزيادة وهي
( ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله )
فقال عمر رضي الله تعالى عنه يا ابن رواحة أتقول الشعر بين يدي رسول الله فقال رسول الله دعه يا عمر لهذا أشد عليهم من وقع النبل
4251 - حدثني ( عبيد الله بن موسى ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال لما اعتمر النبي في ذي القعدة بأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قالوا لا نقر بهذا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي امخ رسول الله قال علي لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه إن أراد أن يقيم بها فلما دخلها ومضي الأجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضي الأجل فخرج النبي فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام

(17/262)


دونك ابنة عمك حملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي أنا أخذتها وهي بنت عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتى وقال زيد ابنة أخي فقضى بها النبي لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وقال علي ألا تتزوج بنت حمزة قال إنها ابنة أخي من الرضاعة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي
والحديث قد مضى في الصلح في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان بعين هذا الإسناد والمتن وقال الحافظ المزي قيل مر الحديث في الحج ولم أجده فيه
قوله في ذي القعدة أي من سنة ست قوله فأبى من الإباء وهو الامتناع قوله أن يدعوه بفتح الدال أي أن يتركوه قوله حتى قاضاهم أي صالحهم وفاصلهم قوله على أن يقيم بها أي بمكة ثلاثة أيام من العام المقبل وصرح به في حديث ابن عمر الذي بعده قوله فلما كتبوا هكذا هو بصيغة الجمع عند الأكثرين ويروى فلما كتب الكتاب بصيغة المجهول من الفعل الماضي المفرد قوله هذا إشارة إلى ما تصور في الذهن قوله ما قاضى في محل الرفع على أنه خبر لقوله هذا ووقع في رواية الكشميهني هذا ما قاضا قيل هذا غلط لأنه لما رأى قوله كتبوا ظن أن المراد كتب قريش وليس كذلك بل المسلمون هم الذين كتبوا ( فإن قلت ) الكاتب كان واحدا فما وجه صيغة الجمع ( قلت ) لما كانت الكتابة برأيهم أسندت إليهم مجازا قوله لا نقرلك بهذا الأمر الذي تدعيه وهو النبوة وقد تقدم في الصلح بلفظ فقالوا إلا نقربها أي بالنبوة قوله لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا وزاد في رواية يوسف ولبايعناك وفي رواية النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ما منعناك بيته وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق لو كنت رسول الله لم نقاتلك وفي حديث أنس لاتبعناك وفي حديث المسور فقال سهيل بن عمر والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك وفي رواية أبي الأسود عن عروة في المغازي فقال سهيل ظلمناك إن أقرر نالك بها ومنعناك وفي رواية عبد الله ابن مغفل لقد ظلمناك إن كنت رسولا قولهامح بضم الميم من محا يمحو قولهرسول اللهبالنصب لأنه مفعول امح ولكن تقديره امح لفظ رسول الله قولهقال علي لا والله لا أمحوك أبدا أي لا أمحو إسمك أبدا وإنما لم يمتثل الأمر لأنه علم بالقرائن أن أمره عليه السلام لم يكن متحتما قوله وليس يحسن يكتب أي والحال أن النبي ليس يحسن الكتابة هذا ما قاضى ( فإن قلت ) قال الله تعالى الرسول النبي الأمي ( الأعراف 157 ) والأمي لا يحسن الكتابة فكيف كتب ( قلت ) فيه أجوبة ( الأول ) أن الأمي من لا يحسن الكتابة لا من لا يكتب ( الثاني ) أن الإسناد فيه مجازي إذ هو الآمر بها وقال السهيلي والحق أن قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب قلت هو بعينه الجواب الثاني ( الثالث ) أنه كتب بنفسه خرقا للعادة على سبيل المعجزة وأنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبة هذه اللفظة أعني قوله ليس يحسن يكتب إلى تخريج البخاري وقال ليست هذه اللفظة في البخاري ولا في مسلم وهو كما قال ليس في مسلم هذا ولكن ثبتت هذه اللفظة في البخاري وكذلك في رواية النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هي هنا سواء وكذا أخرجها أحمد عن يحيى بن المثنى عن إسرائيل ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله قوله لا يدخلبضم الياء من الإدخال والسلاح منصوب به قوله وأن لا يخرج على صيغة المعلوم قوله في القراب وقراب السيف جفنه وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده قوله فلما دخلها أي في العام المقبل قوله ومضى الأجل أي ثلاثة أيام قوله قل لصاحبك أخرج عنا أراد بصاحب علي النبي

(17/263)


وفي رواية يوسف مر صاحبك فليرتحل قوله فتبعته ابنة حمزة هكذا رواه الباري معطوفا على إسناد القصة التي قبله وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى وكذا أخرجه الحاكم في ( الإكليل ) وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق مفصلا فأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق حديث البراء فقط وأخرج البيهقي قصة بنت حمزة من طريقه عن ابي اسحاق من حديث علي رضي الله تعالى عنه واخرج ابو داود من طريق اسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة الحديث قيل لا إدراج فيه لأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم وبالقصة الثانية من حديث علي أتم واسم ابنة حمزة عمارة وفيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى والأول أشهر قوله تنادي يا عم إنما خاطبت النبي بذلك إجلالا له وإنما هو ابن عمها أو بالنسبة إلى كون حمزة أخاه من الرضاعة قوله دونك من أسماء الأفعال معناه خذيها وهي كلمة تستعمل في الإغراء بالشيء قوله جملتها بصيغة الفعل الماضي بتخفيف الميم قيل أصله فحملتها بالفاء وكأنها سقطت وكذا بالفاء في رواية أبي داود وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميني حمليها بتشديد الميم بصورة الأمر من التحميل وقد مر في الصلح في هذا الموضع للكشميهني إحمليها أكر من الإحمال وروى الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة رضي الله تعالى عنها وهي في هودجها إمسكيها عندك وعند ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه فبينما بنت حمزة تطوف في الرحال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها قوله فاختصم فيهاأي في بنت حمزة علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة وجعفر أخو علي أراد أن كلا منهم أراد أن تكون ابنة حمزة عنده وكانت الخصومة فيها بعد قدومهم المدينة وثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم فإن قلت زيد بن حارثة ليس أخا لحمزة لا نسبا ولا رضاعا فكيف اختصم قلت قال الكرماني آخى رسول الله بينه وبين حمزة انتهى قلت ذكر الحاكم في ( الإكليل ) وأبو سعيد في ( شرف المصطفى ) من حديث ابن عباس بسند صحيح أن النبي كان آخى بين حمزة وزيد بن حارثة وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة قلت اسم أمها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة فإن قلت كيف تركت عند أمها في دار الحرب قلت أما أن أمها لم تكن أسلمت إلا بعد هذه القضية وأما أنها قد ماتت وروي عن ابن عباس أن عليا قال له كيف تترك إبنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين فإن قلت كيف أخذوها وفيه مخالفة لكتاب العهد قلت قد تقدم في كتاب الشروط أن النساء المؤمنات لم يدخلن في العهد ولئن سلمنا كون الشرط عاما ولكن لا نسلم أنه أخرجها ووقع في ( مغازي سليمان التيمي ) أن النبي لما رجع إلى أهله وجد بنت حمزة فقال لها ما أخرجك قالت رجل من أهلك ولم يكن رسول الله أمر بإخراجها وفي حديث علي عند أبي داود أن زيد بن حارثة أخرجها من مكة قوله وخالتها تحتي أي زوجتي واسمها أسماء بنت عميس قوله والخالة بمنزلة الأم أي في الحنو والشفقة وإقامة حث الصغير وقال بعضهم لا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لأن الأم ترث قلت هي من ذوي الأرحام قال الله تعالى وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( الأنفال 75 ) وعلى هذا كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى روى أن عمر رضي الله عنه قضى في عم لأم وخالة أعطى العم الثلثين والخالة الثلث والحديث لا ينافي توريث الخالة بل ظاهره يدل عليه من حيث العموم قوله وقال لعلي أي وقال النبي لعلي بن أبي طالب أنت مني وأنا منك أي في النسب والصهر والسابقة والمحبة وغير ذلك ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها قوله وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني ( أما الأول ) فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي قيل هم عشرة أنفس غير فاطمة وقيل أكثر من عشرة منهم إبراهيم ولد النبي وعبد الله وعون ولدا جعفر وإبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي

(17/264)


طالب ومنهم علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصرى من أتباع التابعين ( وأما الثاني ) أعني شبهه في الخلق فمخصوص بجعفر وهذه منقبة عظيمة له قال الله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم ( القلم 4 ) قوله وقال لزيد أنت أخونا يعني في الإيمان ومولانا يعني من جهة أنه أعتقه وهو المولى الأسفل وقد طيب رسول الله خواطر الجميع لكل أحد بما يناسبه قوله وقال علي رضي الله عنه وهو موصول بالإسناد المذكور أولا قوله إنها أي بنت حمزة إبنة أخي من الرضاعة وذلك أن ثوبية بضم الثاء المثلثة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة مولاة أبي لهب أرضعت رسول الله وحمزة رضي الله تعالى عنه وقال الذهبي في ( تجريد الصحابة ) إن ثويبة أسلمت
4252 - حدثني ( محمد بن رافع ) حدثنا ( سريج ) حدثنا ( فليح ) ح قال وحدثني ( محمد بن الحسين بن إبراهيم ) قال حدثني أبي حدثنا ( فليح بن سليمان ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم بها إلا ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه في عمرة القضاء وأخرجه من طريقين ( الأول ) عن محمد بن رافع بن أبي زيد النيسابوري وهو شيخ مسلم أيضا هكذا وقع في رواية النسفي عن البخاري محمد بن رافع ووقع لبعض رواة الفربري حدثني محمد هو ابن رافع وهو يروي عن سريج بضم السين المهملة وفي آخره جيم ابن النعمان أبي الحسين البغدادي الجوهري وهو شيخ البخاري أيضا روى عنه بواسطة وروى عن محمد غير منسوب في الحج مات سنة سبع عشرة ومائتين وهو يروي عن فليح بضم الفاء وفتح اللام وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان بن أبي المغيرة وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب على اسمه وهو يروي عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وهذا الطريق بعينه سندا ومتنا مضى في كتاب الصلح في باب الصلح مع المشركين ( الطريق الثاني ) عن محمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بابن أشكاب البغدادي يروي عن أبيه الحسين بن إبراهيم الخراساني سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين وليس له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع وهو يروى عن فليح عن نافع عن ابن عمر
قوله خرج معتمرا يعني بالحديبية قوله إلا سيوفا يعني في قرابها قوله إلا ما أحبوا هو مجمل بينه في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاثة أيام قوله فلما أن أقام بها أي فلما أقام النبي بمكة ثلاثا أي ثلاثة أيام وقال ابن التين قوله ثلاثا يخالف قوله إلا ما أحبوا ورد عليه بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي بقوله ثلاثا مع البيان في حديث البراء كما ذكرنا
4253 - حدثني ( عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة ثم قال كم اعتمر النبي قال أربعا إحداهم في رجب ثم سمعنا استنان عائشة قال عروة يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان إن النبي اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب فقالت ما اعتمر النبي عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط

(17/265)


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أربعا لأن إحداهن عمرة القضاء والحديث مضى بأتم منه في الحج في باب كم اعتمر النبي فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن مجاهد إلى آخره
قوله استنان عائشة من استن الرجل إذا استاك قوله ألا تسمعين وفي رواية الكشميهني ألم تسمعي قال الكرماني ويروى ألم تسمعين وهو على لغة من لا يوجب الجزم بأدواته قوله أبو عبد الرحمن هو كنية عبد الله بن عمر قوله ألا وهو شاهده أي إلا والحال أن عبد الله بن عمر شاهد النبي أي حاضر عنده قوله وما اعتمر في رجب قط هذا رد لقول ابن عمر لما قاله في هذا الحديث أربع إحداهن في رجب أي أربع عمر إحداهن في شهر رجب وقد مر الكلام فيه في باب كم اعتمر النبي
4255 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إسماعيل بن أبي خالد ) سمع ( ابن أبي أوفى ) يقول لما اعتمر رسول الله سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله لما اعتمر رسول الله لأن المراد منه عمرة القضاء وسفيان هو ابن عيينة وابن أبي أوفى هو عبد الله بن أبي أوفى
والحديث مضى في غزوة الحديبية فإنه أخرجه هناك عن ابن نمير عن يعلى عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى ومر الكلام فيه هناك
قوله عن إسماعيل وفي رواية الحميدي حدثنا إسماعيل قوله ومنهم أي ومن المشركين قوله أن يؤذوا أي خشية أن يؤذوه وقال ابن أبي عمر عن سفيان بلفظ لما قدم رسول الله مكة وطاف بالبيت في عمرة القضية كنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه وفي لفظ الإسماعيلي كنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه
4256 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد ) هو ( ابن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قدم رسول الله وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وهنهم حمى يثرب وأمرهم النبي أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله قدم رسول الله وأصحابه أي مكة لأجل عمرة القضاء والحديث قد مر في الحج في باب كيف كان بدء الرمل بعينه سندا ومتنا ومر الكلام فيه هناك
قوله وفد بفتح الواو وسكون الفاء أي ثوم ووقع في رواية ابن السكن وقد بالقاف فالواو للعطف وقد بفتح القاف وسكون الدال للتحقيق وقال بعضهم إنه خطأ ولم يبين وجه الخطأ هل هو من حيث الرواية أو من حيث المعنى ولا خطأ أصلا من حيث المعنى فإن قال الخطأ من حيث الرواية فعليه البيان قوله وهنهم أي أضعفهم ويروى وهنتهم بتأنيث الفعل ويروي أوهنتهم بزيادة الألف في أوله قوله يقرب هو إسم المدينة كانف ي الجاهلية قال ابن عباس ذكرها باعتبار ما كان قوله إلا الإبقاء بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالقاف أي الرفق بهم والشفقة عليهم والمعنى لم يمنعه أن يأمرهم بالرمل في جميع الأطواق إلا الرفق بهم وقال القرطبي يجوز الإبقاء بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه أي النبي وبالنصب على وجه التعليل أي لأجل الإبقاء والمعنى لم يمنع النبي من أمره إياهم بالرمل في كل الطوفات إلا الأجل إبقائهم في الرفق شفقة عليهم وقال بعضهم في وجه النصب يكون في يمنعه ضمير عائد على رسول الله وهو فاعله قلت هذا ليس بصحيح وليس في يمنعه ضمير مستتر وإنما الضمير البارز فيه يرجع إلى النبي وفاعل يمنع هو قوله أن يأمرهم أي بأن يأمرهم وكلمة أن مصدرية والتقدير هو الذي ذكرناه الآن
وزاد ابن سلمة عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه

(17/266)


وسلم لعامه الذي استأمن قال ارملوا ليرى المشركون قوتهم والمشركون من قبل قعيقعان
هذا تعليق وابن سلمة هو حماد بن سلمة وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو جبل قعيقعان مقابل لأبي قبيس وهو بضم القاف الأولى وكسر الثانية وفتح العينين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف ووصل هذا التعليق الإسماعيلي نحوه وزاد في آخره فلما رملوا قال المشركون ما وهنتهم قوله لعامه الذي استأمن وهو عام الحديبية قوله ليرى المشركون جملة من الفعل والفاعل ويروى ليرى المشركين بضم الياء أي ليرى النبي قوة المسلمين قوله من قبل أي من جهة جبل قعيقعان وكانوا مشرفين من عليه
4257 - حدثني ( محمد ) عن ( سفيان بن عيينة ) عن ( عمرو ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال إنما سعى النبي بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته
هذا وجه آخر عن ابن عباس أخرجه عن محمد هو ابن سلام عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دين ار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قوله إنما سعى أي رمل ومعناه هرول قوله ليرى أي لأن يرى من الإراءة أي لأجل إراءته إياهم قوته يعني بأنه قوي لم يؤثر فيه الحمى ولا غيرها
4258 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال تزوج النبي ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماقت بسرف
مطابقته للترجمة من حيث إن تزوجه ميمونة كان في عمرة القضاة ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري والحديث قد مر في الحج في باب ترويج المحرم من غير الطريق المذكور فإنه أخرجه عن أبي المغيرة عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم وليس فيه وبنى بها إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك وسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء قال الكرماني موضع بين الحرمين قلت على ستة أميال من مكة
4259 - قال أبو عبد الله وزاد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال تزوج النبي ميمونة في عمرة القضاء
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس هذا في كثير من النسخ وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب ( السيرة ) وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة واسمه يسار وهذا تعليق وصله ابن إسحاق في ( السيرة ) وميمونة هي بنت الحارث وكان الذي زوجه إياها العباس وكانت قبله تحت أبي رهم بن عبد العزي وقيل تحت أخيه حويطب وقيل سخبرة بن أبي رهم وأمها هند بنت عوف الهلالية
4258 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال تزوج النبي ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماقت بسرف
مطابقته للترجمة من حيث إن تزوجه ميمونة كان في عمرة القضاة ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري والحديث قد مر في الحج في باب ترويج المحرم من غير الطريق المذكور فإنه أخرجه عن أبي المغيرة عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم وليس فيه وبنى بها إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك وسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء قال الكرماني موضع بين الحرمين قلت على ستة أميال من مكة
4259 - قال أبو عبد الله وزاد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال تزوج النبي ميمونة في عمرة القضاء
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وليس هذا في كثير من النسخ وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب ( السيرة ) وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة واسمه يسار وهذا تعليق وصله ابن إسحاق في ( السيرة ) وميمونة هي بنت الحارث وكان الذي زوجه إياها العباس وكانت قبله تحت أبي رهم بن عبد العزي وقيل تحت أخيه حويطب وقيل سخبرة بن أبي رهم وأمها هند بنت عوف الهلالية
44 -
( باب غزوة موتة من أرض الشام )
أي هذا باب في بيان غزوة موتة بضم الميم وسكون الواو بغير همزة عند أكثر الرواة وبه قال المبرد وقال ثعلب والجوهري وابن فارس بالهمزة الساكنة بعد الميم وحكى صاحب ( الواعي ) الوجهين وقال أبو العباس محمد بن يزيد لا يهمز موته قوله بأرض الشام صفة لموته أي كائنة بأرض الشام قال ابن إسحاق وهي بالقرب من أرض البلقاء وقال الكرماني هي على مرحلتين من بيت المقدس والسبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني وهو من أمراء قيصر على الشام قتل رسولا أرسله النبي إلى صاحب بصرى وإسم الرسول الحارث بن عمير ولم يقتل لرسول الله رسول غيره فجهز لهم النبي عسكرا في ثلاثة آلاف وأمر عليهم زيد بن حارثة فقال إن أصيب فجعفر وإن أصيب فعبد الله

(17/267)


ابن رواحة فتجهزوا وعسكروا بالجرف وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوهم من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا فقاتلوهم وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع ولما بلغ العدو مسيرهم جمعوا لهم أكثر من مائة ألف وبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من بهرا ووائل وبكر ولخم وجذام فقاتلهم المسلمون وقاتل الأمراء على أرجلهم فقتل زيد طعنا بالرماح ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها فكانت أول فرس عرقب في الإسلام فقاتل حتى قتل ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوجد في أحد نصفه بضعة وثلاثون جرحا ثم أخذه عبد الله فقاتل حتى قتل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فأخذ اللواء وانكشف الناس فكانت الهزيمة على المسلمين وتبعهم المشركون فقتل من قتل من المسلمين ورفعت الأرض لسيدنا رسول الله فلما أخذ خالد اللواء قال الآن حمي الوطيس وجعل خالد مقدمته ساقة وساقته مقدمة وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة فأنكر الروم ذلك وقالوا قد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين فقتلوا منهم مقتلة لم يقتلها قوم وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين وفي ( الدلائل ) للبيهقي ولما أخذ خالد للواء قال إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره فمن يومئذ سمي خالد سيف الله وذكر في ( مغازي ) أبي الأسود عن عروة بعث رسول الله الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك إلا ما ذكر خليفة في ( تاريخه ) أنها كانت سنة سبع
4261 - أخبرنا ( أحمد بن أبي بكر ) حدثنا مغيرة بن عبد الرحمان عن عبد اللهبن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال أمر رسول الله في غزوة موتة زيد بن حارثة فقال رسول الله إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال عبد الله كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا مافي جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن أبي بكر اسمه القاسم أبو حفص القرشي الزهري وهو شيخ مسلم أيضا مات بالمدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين وهو ابن اثنتين وتسعين سنة ومغيرة بضم الميم وكسرها وبالألف واللام وبدونهما ابن عبد الرحمن المخزومي وهو في طبقة ( مغيرة بن عبد الرحمن ) الخزامي وهو أوثق من المخزومي وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث وكان فقيه أهل المدينة بعد مالك وهو صدوق وعبد الله بن سعد بن أبي هند المدني وفي رواية مصعب عبد الله

(17/268)


ابن سعيد بالياء آخر الحروف
قوله أمر بتشديد الميم من التأمير قوله فجعفر أي فالأمير جعفر قوله قال عبد الله أي ابن عمر وهو موصول بالإسناد المذكور قوله فالتمسنا جعفر بن أبي طالب أي بعد قتله قوله في القتلى أي بين القتلى كما في قوله تعالى فادخلي في عبادي ( الفجر 29 ) أي بين عبادي قوله بضعا وتسعين وفي الرواية الماضية خمسين ولا تنافي بينهما لأن الخمسين كانت في ظهره وهذا في جميع جسده وكان ذلك من الطعنات والضربات وهذا من الطعنات والرميات والفرق بينهما أن الطعنة بالرمح والضربة بالسيف والرمية بالسهم مع أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد
4262 - حدثنا ( أحمد بن واقد ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( حميد بن هلال ) عن ( أنس رض الله ) عنه أن النبي نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن واقد هو أحمد بن عبد الملك بن واقد بالقاف والدال المهملة أبو يحيى الحراني وقد نسبه البخاري هنا إلى جده وهو من أفراده وحميد بن هبيرة العدوي البصري
والحديث مضى في الجنائز عن أبي معمر وفي الجهاد عن يوسف بن يعقوب الصفار وفي علامات النبوة عن سليمان بن حرب وفي فضل خالد عن أحمد بن واقد أيضا
قوله نعى زيدا أي أخبر بقتله قوله ثم أخذ جعفر أي الراية قوله ثم أخذ ابن رواحة وهو عبد الله ابن رواحة قوله وعيناه الواو فيه للحال قوله تذرفان بالذال المعجمة والراء المكسورة أي تدفعان الدموع قوله سيف من سيوف الله أراد به خالد بن الوليد فمن يومئذ سمي خالد سيف الله
وفيه جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط وجواز تولية عدة أمراء بالترتيب واختلفوا أهل تنعقد تولية الثاني في الحال أم لا وفيه جواز التأمير بغير مؤمر وقال الطحاوي هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة وفيه فضيلة تامة لخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه
273 - ( حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول لما جاء قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جلس رسول الله يعرف فيه الحزن قالت عائشة وأنا أطلع من صائر الباب تعني من شق الباب فأتاه رجل فقال أي رسول الله إن نساء جعفر قال وذكر بكاءهن فأمره أن ينهاهن قال فذهب الرجل ثم أتى فقال قد نهيتهن وذكر أنه لم يطعنه قال فأمر أيضا فذهب ثم أتى فقال والله لقد غلبننا فزعمت أن رسول الله قال فاحث في أفواههن من التراب قالت عائشة فقلت أرغم الله أنفك فوالله ما أنت تفعل وما تركت رسول الله من العناء )
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد والحديث مضى في الجنائز في باب من جلس عند المصيبة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب إلى آخره قوله لما جاء قتل زيد أي خبر قتله يحتمل أن يكون ذلك على لسان قاصد جاء من الجيش ويحتمل أن يكون على لسان جبريل عليه السلام كما دل عليه حديث أنس الذي قبله قوله جلس رسول الله أي في المسجد وكذا في رواية البيهقي من طريق

(17/269)


المقدمي عن عبد الوهاب قوله يعرف فيه الحزن للرحمة التي في قلبه ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء قوله من صائر الباب بالصاد المهملة والهمزة بعد الألف وقد فسره بقوله تعني من شق الباب وهذا التفسير إنما وقع في رواية القابسي فيكون من الراوي وذكر ابن التين وغيره أن الصواب ضير الباب بكسر الضاد وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وقال الجوهري الضير شق الباب قوله أن نساء جعفر ظاهره يدل على أنه كانت له نساء ولكن لم يعرف له إلا امرأة واحدة وهي أسماء بنت عميس فعلى هذا يكون مراد الرجل امرأته ومن انتسب إليه من النساء وقوله أن نساء جعفر خبره محذوف تقديره يبكين كذا قاله الكرماني قلت فعلى هذا قوله قال وذكر بكائهن سد مسد الخبر ويروى قالت يعني عائشة والضمير في ذكر يرجع إلى الرجل وعلى رواية قال بالتذكير يكون فيه إدراج من الراوي قوله أن ينهاهن قيل وقع في رواية أبي ذر أن يأتيهن من الإتيان والظاهر أنه محرف قوله وذكر أنه لم يطعنه وفي رواية الكشميهني وذكر أنهن لم يطعنه بضم الياء من الإطاعة قوله لقد غلبننا أي في عدم الإطاعة قوله فاحث أمر من حثا يحثو وحثى يحثي إذا رمى فعلى هذا يجوز في الثاء في ثاء فاحث الضم والكسر قوله أرغم الله أنفك أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهذا يستعمل في العجز عن الانتصاف والانقياد على كره قوله فوالله ما أنت تفعل أرادت لقصورك ما تفعل ما أمرت به ولا تخبر النبي لقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك قوله وما تركت رسول الله من العناء بالعين المهملة والنون وبالمد وهو التعب ووقع في رواية العذري عند مسلم من الغي بالغين المعجمة وتشديد الياء وفي رواية الطبري مثله ولكن بالعين المهملة
274 - ( حدثني محمد بن أبي بكر حدثنا عمر بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين )
مطابقته للترجمة من حيث أنه يتعلق بجعفر الذي استشهد بمؤتة ومحمد بن أبي بكر هو المقدمي وعمر بن علي عمه وعامر هو الشعبي قوله إذا حيا أي إذا سلم على ابن جعفر وهو عبد الله وإنما لقب بذلك لأنه لما قطعت يداه يوم مؤتة جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة وعن النبي رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة ولقب بالطيار أيضا وروى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت وقال السهيلي جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطائر وريشه لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها والمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى واضمم يدك إلى جناحك قلت إذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتهما فنؤمن به من غير بحث عن حقيقتهما والله أعلم -
4265 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس بن أبي حازم ) قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد انقطعت في يدي يوم موتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا ضعيفة يمانية
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي وقيس بن أبي حازم البجلي وهؤلاء كلهم كوفيون قوله صعيفة يمانية الصعيفة السيف العريض واليمانية بتخفيف الياء على الأصح وأصله أن يقرأ بالتشديد لأنها ياء النسبة إلا أنهم خففوها فقالوا سيف يمان وأصله يماني
4266 - حدثني ( محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس ) سمعت ( خالد ابن الوليد ) يقول لقد دق في يدي يوم موتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صعيفة لي يمانية
هذا طريق آخر في حديث خالد ويحيى هو ابن سعيد القطان قوله دق على صيغة المجهول أي تكسر قطعا قطعا قوله وصبرت أي لم تنقطع ولم تندق

(17/270)


4267 - حدثني ( عمران بن ميسرة ) حدثنا ( محمد بن فضيل ) عن ( حصين ) عن ( عامر ) عن ( النعمان ) إن ( بشير ) رضي الله عنهما قال اغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه فقال حين أفاق ما قلت شيئا إلا قيل لي آنت كذلك
قيل لا مطابقة للترجمة في ذكر هذا الحديث هنا لأنه ليس فيه ما يدل على أنه كان في غزوة موتة قلت يمكن أن يوجه ذكره هنا بشيء وإن كان فيه نوع تعسف وهو أن المذكور فيه من جملة ما جرى على عبد الله بن رواحة المذكور في الباب وهو الموت فيما مضى والمرض هنا
وحصين بضم الحاء هو ابن عبد الرحمن وعامر هو الشعبي كما مر الآن
قوله أخته عمرة هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمر أن الجوني عند ابن سعد أنها أم عبد الله بن رواحة قيل هذا خطأ فاحش واسم أمه كبشة بنت واقد قوله أغمى على عبد الله يعني مرض وحصل له الإغماء في مرضه فلما رأت أخته عمرة هذه الحالة بكت وندبت وقالت نادبة بقولها واجبلاه بالجيم واللام والواو فيه للندبة وهو حرف نداء ولكنه يختص بالندبة والهاء فيه للسكن وفي رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في ( المستخرج ) واعضداه وفي مرسل الحسن عند ابن سعد واجبلاه واعزاه وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده واظهراه قوله تعدد عليه أي على عبد الله بن رواحة وتعدد بضم التاء من التعديد وهو ذكر أوصاف الميت ومحاسنه في أثناء البكاء قوله فقال أي عبد الله حين أفاق من إغمائه مخاطبا لأخته عمرة ما قلت شيئا إلا قيل أنت كذلك الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار أي قيل لي هذا الكلام على سبيل الإيذاء والإهانة وفي مرسل أبي عمران الجوني أن رسول الله كان عاده يعني عبد الله فأغمي عليه فقالاللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلا فاشفه قال فوجد خفة فقال كان قد رفع مرزبة من حديد يقول أنت كذا فلو قلت نعم لقمعني بها
4268 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( عبثر ) عن ( حصين ) عن ( الشعبي ) عن ( النعمان بن بشير ) قال أغمي على عبد الله بن رواحة بهذا فلما مات لم تبك عليه
هذا طريق آخر في حديث النعمان بن بشير أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن عبثر بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الثاء المثلثة وبالراء في آخره ابن القاسم الكوفي عن حصين بن عبد الرحمن عن عامر الشعبي قوله بهذا أي بما ذكر في الحديث الماضي من قوله فجعلت أخته تبكي إلى آخره قوله فلما مات أي عبد الله في غزوة موتة بلغها الخبر لم تبكي عليه لأنه قد نهاها عن البكاء فامتثلت أمره
4546 - باب بعث النبي أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة
أي هذا باب في بيان بعث النبي أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي قوله الحرقات بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف وهي قبيلة من جهينة والظاهر أنه جمع حرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة سمي الحرفة لأنه حرق قوما بالنبل فبالغ في ذلك ذكره ابن الكلبي وجهينة بن زيد ابن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة قال ابن دريد الجهن الغلظ في الوجه وفي الجسم وبه سمي جهينة وقضاعة ولد معد بن عدنان وقيل هو في اليمن وهو ابن مالك بن حمير وقال ابن دريد هو من انقطع الرجل من أهله إذا انقطع منهم وبعد
4269 - حدثني ( عمرو بن محمد ) حدثنا ( هشين ) أخبرنا ( حصين ) أخبرنا ( أبو ظبيان ) قال سمعت ( أسامة بن زيد ) رضي الله عنهما يقول بعثنا رسول الله إلى الحرقة فصبحنا القوم

(17/271)


فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي فقال يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذالك اليوم
مطابقته للترجمة في قوله بعثنا رسول الله ولكن ليس في هذا ولا في الترجمة ما يدل على أن أسامة كان أمير القوم وهذه الغزوة مشهورة عند أصحاب المغازي بغزوة غالب الليثي الكلبي قالوا وفيه نزلت ولا تقولوالمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ( النساء94 ) وذكر ابن سعد أنه كان في رمضان سنة سبع وأن الأمير كان غالب بن عبد الله الليثي أرسله إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة وهم بالميفعة وراء بطن نخل بناحية نجد وبينها وبين المدينة ثمانية برد في مائة وثلاثين رجلا وقال صاحب ( التلويح ) فينظر في هذا هل المرجع إلى ما قاله البخاري أو إلى ما ذكره أهل التاريخ
وعمرو بن محمد بن بكير بن سابور الناقد البغدادي وهو شيخ مسلم أيضا وهشيم مصغر هشم إبن بشير الواسطي وحصين مصغر حصن ابن عبد الرحمن الكوفي وأبو ظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة وبالياء آخر الحروف قال النووي أهل اللغة يفتحون الظاء ويلحنون من يكسرها وأهل الحديث يكسرونها وكذا قيده ابن ماكولا وغيره واسمه حصين بن جندب بن عمرو كوفي توفي سنة تسعين
والحديث أخره البخاري أيضا في الديات عن عمرو بن زرارة النيسابوري عن هشيم وأخرجه مسلم في الأيمان حدثنا يعقوب الدورقي قال حدثنا هشيم قال أخبرنا حصين قال حدثنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم إلى آخره ونحوه وأخرجه أبو داود في الجهاد عن الحسن بن علي وعثمان بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن آدم وعن عمرو بن علي
قوله رجلا هو ومرداس بكسر الميم وسكون الراء وبالمهملتين ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء وبالكاف الفزاري كان يرعى غنما له قوله أقتلته الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله متعوذا أي من القتل قال الخطابي ويشبه أن أسامة أول قوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( غافر 85 ) فلذلك عزره النبي فلم يلزمه دية ونحوها قوله فما زال أي النبي يكررها أي كلمة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قوله حتى تمنيت إلى آخره وهو للمبالغة لا على الحقيقة ويقال معناه أنه كان يتمنى إسلاما لا ذنب في
280 - ( حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة بن الأكوع يقول غزوت مع النبي سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة )
مطابقته للترجمة في قوله ومرة علينا أسامة وحاتم بالحاء المهملة ابن إسماعيل قد مر عن قريب وكذلك يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة في المغازي قوله سبع غزوات وهي غزوته مع النبي في عمرة الحديبية وخيبر والحديبية ويوم حنين ويوم القرد وغزوة الفتح وغزوة الطائف وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية قوله وخرجت فيما يبعث من البعوث وهو جمع بعث وهو الجيش سمي به لأنه يبعث ثم يجمع وأصله من البعث الذي بمعنى الإرسال قوله تسع غزوات منها سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة ذكره مسلم وسريته أيضا إلى بني كلاب ذكره ابن سعد وبعثه إلى الحج سنة تسع ومنها سرية أسامة التي وقع ذكرها في الباب وسريته إلى ابني بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة ثم نون مقصورا وهي من نواحي

(17/272)


البلقاء وذلك في صفر فهذه الخمس التي ذكرها أصحاب المغازي ولم يذكروا غيرها على أن في بعض الروايات لم يذكر عدد في البعوث قوله أسامة هو ابن زيد بن حارثة
( وقال عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة يقول غزوت مع النبي سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعث تسع غزوات علينا مرة أبو بكر ومرة أسامة )
عمر بن حفص من شيوخ البخاري وربما يروى عنه بواسطة وهنا ذكره معلقا ووصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به -
4272 - حدثنا ( أبو عاصم الضحاك بن مخلد ) حدثنا ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) رضي الله عنه قال غزوت مع النبي سبع غزوات وغزوت مع ابن حارثة استعمله علينا
هذا طريق آخر في حديث سلمة بن الأكوع وهذا هو الخامس عشر من ثلاثيات البخاري قوله استعمله أي جعله أميرا علينا هكذا رواه البخاري مبهما عن شيخه ولعل وجه الإبهام لمخالفته بقية روايات الباب في تعيين أسامة
4273 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) حدثنا ( حماد بن مسعدة ) عن ( يزيد بن أبي عبيد ) عن ( سلمة بن الأكوع ) قال غزوت مع النبي سبع غزوات فذكر خيبر والحديبية ويوم حنين ويوم القرد قال يزيد ونسيت بقيتهم
هذا طريق آخر أخرجه عن محمد بن عبد الله قال الكلاباذي والبرقاني هو الذهلي نسبه إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا وقيل إن محمد بن عبد الله هذا هو المخزومي البغدادي الحافظ وحماد بن مسعدة بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة والدال التميمي البصري مات سنة اثنتين ومائتين قوله ويوم القردبفتح القاف والراء وبالدال المهملة وهو ماء على نحو يوم من المدينة قوله ونسيت بقيتهم كذا وقع في النسب بالميم في ضمير جمع الغزوات والأصل فيه التأنيث ووقع في رواية النسفي كذلك بالميم وقال الكرماني ونسيت بقيتها أي الثلاثة الأخرى وهذا على الصواب
47 -
( باب غزوة الفتح )
أي هذا باب في بيان غزوة فتح مكة شرفها الله وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية فبلغ ذلك النبي فغزاهم
وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي
هذا عطف على قوله غزوة الفتح والتقدير وفي بيان ما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزوة النبي والمبعوث منه الكتاب وصورته أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده نصره الله عليكم وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام
4274 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو بن دينار ) قال أخبرني ( الحسن بن محمد أله ) سمع ( عبيد الله بن أبي رافع ) يقول سمعت ( عليا ) رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله

(17/273)


أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعنة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تعادي بناخيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معى كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرء ملصقا في قريش يقول كنت حلينا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هاذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا قال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ( الممتحنة 1 ) إلى قوله فقد ضل سواء السبيل ( الممتحنة 1 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة والحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم يعرف أبوه بابن الحنفية قال الواقدي توفي زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وعبيد الله بن أبي رافع مولى النبي وأبو رافع اسمه أسلم
والحديث قد مضى في الجهاد في باب الجاسوس ومضى الكلام فيه هناك
قوله والزبير بالنصب عطف على الضمير المنصوب في بعثني وهو الزبير بن العوام قوله والمقداد بالنصب أيضا عطفا على والزبير وأكد الضمير المنصوب في بعثني بلفظ أنا كما في قوله تعالى أن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( الكهف 39 ) ( فإن قلت ) في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله تعالى عنه بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام كما تقدم في فضل من شهد بدرا قلت يحتمل أن يكون هؤلاء الثلاثة مع علي فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكر الآخر وذكر ابن إسحاق الزبير مع علي ليس إلا وساق الخبر بالتثنية قال فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلى آخره قوله روضة خاخ بخاءين معجمتين موضع بين مكة والمدينة قوله ظعينة أي امرأة واسمها سارة وقال الواقدي كنود وفي رواية أم سارة وجعل لها حاطب عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا وكان النبي أمر بقتلها يوم الفتح مع هند بنت عتبة ثم استؤمن لها فأمنها ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فقتلها وكانت مولاة لبني عبد المطلب قوله تعادي بنا خيلنا أي أسرعت بنا وتعدت عن مشيها المعتاد قوله أو لتلقين بكسر الياء وفتحها قوله من عقاصها بكسر العين وبالقاف وهي الشعور المظفورة ( فإن قلت ) تقدم في باب إذا اضطر الرجل إلى النظر أنها أخرجته من الحجزة قلت قال الكرماني لعلها أخرجته من الحجزة فأخفته في العقيصة ثم أخرجته منها قلت لا يخلو هذا من نظر وقد مر الكلام فيه في الجهاد قوله يقول كنت حليفا تفسير قوله وكنت امرأ ملصقا في قريش وقال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزي قوله يدا أي منة وحقا قوله فقال إنه أي فقال النبي إن حاطبا شهد بدرا أي غزوة بدر وحاطب بالمهملتين ابن أبي بلتعة واسمه عمير بن سلمة بن صعب بن عتيك

(17/274)


وقال أبو عمر حاطب بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي في قول بعضهم وقيل كان عبدا لعبد الله بن حميد المذكور آنفا بالكتابة فأدى كتابتة يوم الفتح مات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن اثنتين وستين سنة وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنه وبعثه النبي بكتاب إلى المقوقس صاحب مصر والإسكندرية في محرم سنة ست بعد الحديبية فأقام عنده خمسة أيام ورجع بهدية منها مارية أم إبراهيم وأختها سيرين فوهبها لحسان بن ثابت وبغلته دلدل وحماره عفير وعسل وثياب وغير ذلك من الظرف وقال أبو عمر أهدى المقوقس لرسول الله ثلاث جوار منهن أم إبراهيم ابن رسول الله وأخرى وهبها لأبي جهم بن حذيفة العدوي وأخرى وهبها لحسان بن ثابت ثم بعثه الصديق رضي الله تعالى عنه أيضا إلى المقوقس فصالحهم فلم يزالوا كذلك حتى دخلها عمرو بن العاص فنقض الصلح وقاتلهم وافتتح مصر وذلك في سنة عشرين وكان حاطب تاجرا يبيع الطعام وترك يوم مات أربعة آلاف دينار ودراهم وغير ذلك وروى حاطب عن النبي أنه قال من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي ومن مات في أحد الحرمين يبعث في الآمنين يوم القيامة وقال أبو عمر لا أعلم له غير هذا الحديث وفي الصحابة حاطب أربعة سواه قاله صاحب ( التوضيح ) ولم يذكر أبو عمر إلا أربعة منهم خاطب بن عمرو بن عتيك شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين وحاطب بن عمرو بن عبد شمس وحاطب بن الحارث مات بأرض الحبشة مهاجرا وحاطب بن أبي بلتعة قوله فأنزل الله السورة إلى آخره قال أبو عمر قد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بالإيمان في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( الممتحنة 1 ) قال مجاهد هذا صريح في نزول الآية فيه وفي قوم معه كتبوا إلى أهل مكة يخبرونهم قوله تلقون إليهم بالمودة أي تلقون إليهم النصيحة بالمودة قوله وقد كفروا أي والحال أن أهل مكة المشركين قد كفروا بما جاءكم الرسول من الحق وهو القرآن وأمره قوله يخرجون الرسول أي من مكة وهو استئناف كالتفسير لكفرهم وقيل حال من كفروا أي يخرجون الرسول وإياكم من مكة لأجل إيمانكم قوله إن كنتم خرجتم المعنى إن كنتم خرجتم للجهاد ولطلب مرضاة الله فلا تتخذوا عدوي وعدكم أولياء قوله تسرون بدل من تلقون وقيل استئناف قوله وأنا أعلم بما أخفيتم فكيف يخفى علي تحذيركم الكفار قوله ومن يفعله منكم أي ومن يفعل الإسرار في هذا فقد ضل أي فقد أخطأ سواء السبيل أي طريق الحق
48 -
( باب غزوة الفتح في رمضان )
أي هذا باب في بيان أن غزوة يوم فتح مكة كانت في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وكان خروجه من المدينة يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من رمضان وروى ابن إسحاق عن الزهري أنه استعمل على المدينة أبارهم الغفاري
4275 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) أن ( عباس ) أخبره أن رسول الله غزا غزوة الفت في رمضان قال وسمعت ابن المسيب يقول مثل ذالك
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في الصيام وغيره قوله قال وسمعت ابن المسيب والقائل هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور
وعن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما قال صام رسول الله حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي قديد وعسفان أفطر فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر

(17/275)


هذا موصول بالإسناد المذكور وقد تقدم في كتاب الصوم في باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر وأخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس
قوله الكديد بفتح الكاف وكسر المهملة الأولى قوله الماء الذي بين قديد وعسفان بالنصب عطف بيان أو بدل من الكديد وقديد بضم القاف مصغر القدو قال البكري قديد قرية جامعة كثيرة المياه والبساتين وبين قديد والكديد ستة عشر ميلا والكديد أقرب إلى مكة وعسفان بضم العين وسكون السين المهملتين بالفاء هو موضع على أربع برد من مكة
4276 - حدثني ( محمود ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) قال أخبرني ( الزهري ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما أن النبي خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذالك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا قال الزهري وإنما يؤخذ من أمر رسول الله الآخر فالآخر
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس وهو من مراسيله لأنه كان من المستضعفين بمكة قاله ابن التين ومحمود هو ابن غيلان أبو أحمد المروزي شيخ مسلم أيضا
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الصوم عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة
قوله ومعه عشرة آلاف أي من سائر القبائل وعند ابن إسحاق ثم خرج رسول الله في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم ووالتوفيق بين الروايتين بأن العشرة آلاف من نفس المدينة ثم تلاحق به الألفان قوله وذلك أي خروجه على رأس ثمان سنين قيل هذا وهم والصواب على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء فالتحرير أنها سبع سنين ونصف وقال أبو نعيم الحداد في ( جمعه بين الصحيحين ) كان الفتح بعد السنة الثامنة وقال مالك كان الفتح في تسعة عشر يوما من رمضان على ثمان سنين وحقيقة الحساب على ما ذكره الشيخ أبو محمد في ( مختصره ) أنها سبع سنين وتسعة أشهر لأن الفتح في الثامنة من رمضان وكان مقدمه المدينة في ربيع الأول يدل عليه أن ابن عباس قال أقمنا مع رسول الله تسعة عشر يوما يقصر الصلاة وهو لم يحضر الفتح لأنه كان من المستضعفين بمكة قوله يصوم حال أي النبي قوله أفطر أي النبي وأفطروا أي المسلمون الذين كانوا معه قوله قال الزهري وإنما يؤخذ أي يجعل الآخر اللاحق ناسخا للأول السابق والصوم في السفر كان أولا والإفطار آخرا وفي الحديث رد على جماعة منهم عبيدة السلماني في قوله ليس له الفطر إذا شهد أول رمضان في الحضر مستدلا بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة 185 ) وهو عند الجماعة محمول على من شهده كله إذ لا يقال لمن شهد بعض الشهر شهده كله
4277 - حدثني ( عياش بن الوليد ) حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( خالد الحذاء ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال خرج النبي في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحته ثم نظر إلى الناس فقال المفطرون للصوام أفطروا
مطابقته للترجمة من حيث إن خروجه إلى حنين عقيب الفتح وعياش بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد الرقام القطان البصري مات سنة ست وعشرين ومائتين وعبد الأعلى الشامي البصري وخالد هو

(17/276)


ابن مهران الحذاء البصري
والحديث انفرد به البخاري ولكن فيه إشكال نبه عليه الدمياطي وهو أن قوله خرج النبي في رمضان إلى حنين وقع كذا ولم تكن غزوة حنين في رمضان وإنما كانت في شوال سنة ثمان وقال ابن التين لعله يريد آخر رمضان لأن حنينا كانت عام ثمان إثر فتح مكة وفيه نظر لأنه خرج من المدينة في عاشر رمضان فقدم مكة في وسطه وأقام بها تسعة عشر يوما كما سيأتي في حديث ابن عباس فيكون خروجه إلى حنين في شوال وأجيب بأن مراده أن ذلك في غير زمن الفتح وكان في حجة الوداع أو غيرها وفيه نظر لأن المعروف أن حنينا في شوال عقيب الفتح وقال الداودي صوابه إلى خيبر أو مكة لأنه قصدها في هذا الشهر فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة وكان قصد مكة أيضا في هذا الشهر ورد عليه قوله إلى خيبر لأن الخروج إليها لم يكن في رمضان وأجاب المحب الطبري عن الإشكال المذكور بأن يكون المراد من قوله خرج النبي في رمضان إلى حنين أنه قصد الخروج إليها وهو في رمضان فذكر الخروج وأراد القصد بالخروج ومثل هذا شائع ذائع في الكلام
وحنين بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف ونون أخرى واد بمكة بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وسبب حنين أنه لما اجتمع على الخروج من مكة لنصرة خزاعة أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم فاستعدوا للحرب حتى أتوا سوق ذي المجاز فسار حتى أشرف على وادي حنين مساء ليلة الأحد ثم صالحهم يوم الأحد النصف من شوال قوله والناس مختلفون يحتمل اختلافهم في كون بعضهم صائمين وبعضهم مفطرين ويحتمل اختلافهم في أن النبي أصائم أو مفطر قوله فصائم أي بعضهم صائم وبعضهم مفطر قوله بإناء من لبن أو ماء شك من الراوي قال الداودي يحتمل أن يكون دعا بهذا مرة وبهذا مرة ورد عليه بأن الحديث واحد والقصة واحدة فلا دليل على التعدد قلت ابن التين قال إنه كانت قضيتان إحداهما في الفتح والأخرى في حنين والصواب أن الراوي قد شك فيه ويؤيده رواية طاوس عن ابن عباس في آخر الباب دعا بإناء من ماء فشرب نهارا قوله فوضعه على راحته ويروى على راحلته قوله للصوام بضم الصاد وتشديد الواو جمع صائم وفي رواية أبي ذر للصوم بدون الألف وهو أيضا جمع صائم وفي رواية الطبري في ( تهذيبه ) فقال المفطرون للصوام أفطروا يا عصاة
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما خرج النبي عام الفتح
أخرجه هكذا معلقا مختصرا ووصله أحمد عن بعد الرزاق وبقيته خرج النبي عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق الحديث
وقال حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي
هذا أيضا معلق وهكذا وقع في بعض نسخ أبي ذر عن ابن عباس وفي رواية غيره ليس فيه عن ابن عباس وبه جزم الدارقطني وأبو نعيم في ( المستخرج ) وكذلك وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب أحد مشايخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة فذكر الحديث بطوله في فتح مكة ثم قال في آخره لم يجاوز به أيوب عن عكرمة
4279 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( مجاهد ) عن ( طاوس ) عن ( ابن عباس ) قال ( سافر ) رسول الله في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارا ليريه الناس فأفطر حتى قدقم مكة قال وكان ابن عباس يقول صام رسول الله في السفر وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر

(17/277)


مطابقته للترجمة من حيث أن سفره في رمضان كان في سنة الفتح والحديث أخرجه في كتاب الصوم في باب من أفطر في السفر ليراه الناس فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن منصور إلى آخره ومر الكلام فيه هناك قوله ليريه بضم الياء من الإراءة والناس بالنصب مفعولة
49 -
( باب أين ركز النبي الراية يوم الفتح )
أي هذا باب يذكر فيه في أي مكان ركز النبي رايته أي نصبها يوم فتح مكة
288 - ( حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال لما صار رسول الله عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان ما هذه لكأنها نيران عرفة فقال بديل بن ورقاء نيران بني عمرو فقال أبو سفيان عمر أقل من ذلك فرآهم ناس من حرس رسول الله فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرت كتيبة قال يا عباس من هذه قال هذه غفار قال مالي ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك ومرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله وأصحابه وراية النبي مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله بأبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكتسي فيه الكعبة قال وأمر رسول الله أن تركز رايته بالحجون قال عروة وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله أن تركز الراية قال وأمر رسول الله يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي من كدى فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان حبيش بن الأشعر وكرز بن جابر الفهري )
مطابقته للترجمة في قوله وأمر رسول الله أن تركز رايته بالحجون وعبيد بن إسماعيل أبو محمد القرشي الكوفي وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام وهذا الحديث من مراسيل التابعي قوله فبلغ ذلك أي سير النبي قوله أبو سفيان اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد

(17/278)


شمس الأموي القرشي غلبت عليه كنيته وقيل كانت له كنية أخرى أبو حنظلة كني بابن له يسمى حنظلة قتله علي بن أبي طالب يوم بدر كافرا وتوفي أبو سفيان بالمدينة سنة إحدى وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة وحكيم بن حزام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا خالد وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة وبديل بضم الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام ابن ورقاء مؤنث الأورق ابن عبد العزى بن ربيعة الخزاعي من خزاعة أسلم يوم فتح مكة وابنه عبد الله بن بديل قوله مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء والعامة يسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر وهو موضع بقرب مكة وقال البكري بينه وبين مكة ستة عشر ميلا قوله فإذا هم كلمة إذا مفاجأة وهم يرجع إلى أبي سفيان وحكيم وبديل قوله كأنها نيران عرفة أي كأن هذه النيران مثل النيران التي كانوا يوقدونها وكانت عادتهم أنهم يشعلون نيرانا كثيرة في عرفة وقال ابن سعد أنه لما نزل مر الظهران أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار ولما بلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم بعثوا أبا سفيان يتجسس الأخبار وقالوا إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا فخرج ومعه حكيم بن حزام وبديل فلما رأوا العسكر أفزعهم وعلى الحرس تلك الليلة عمر رضي الله تعالى عنه فسمع العباس صوت أبي سفيان فقال أبا حنظلة فقال لبيك قال هذا رسول الله في عشرة آلاف فأسلم ثكلتك أمك وقال ابن اسحق إن أبا سفيان ركب مع العباس ورجع حكيم وبديل وقال موسى بن عقبة ذهبوا كلهم مع العباس إلى رسول الله فأسلموا وقال أبو معشر إن الحرس جاؤا بأبي سفيان إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال احبسوهم حتى أسأل رسول الله فلما أخبره الخبر جاء العباس إلى أبي سفيان فأردفه فجاء به إلى رسول الله وجاؤا بالآخرين وقال الطبري أنه وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة وقال من دخل دار حكيم فهو آمن وهي بأسفل مكة ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهي بأعلى مكة فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي أن مكة مؤمنة وليست عنوة والأمان كالصلح ورأى أن أهلها مالكون رباعهم قوله ما هذه وكأنه جواب قسم محذوف أي والله لكأنها نيران ليلة عرفة قوله نيران بني عمرو يعني خزاعة وعمرو هو ابن لحي قوله من حرس رسول الله بفتح الحاء المهملة وهو جمع حرسى وقال ابن الأثير الحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته وفي مراسيل أبي سلمة وكان حرس رسول الله نفرا من الأنصار وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عليهم تلك الليلة فجاؤا به إليه فقالوا جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة فقال عمر والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم قالوا قد أتيناك بأبي سفيان قوله عند حطم الخيل قال ابن الأثير في باب الحاء المهملة وفي حديث الفتح قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل هكذا جاءت في كتاب أبي موسى وقال حطم الخيل الموضع الذي حطم منه أي ثلم منه فبقي متقطعا قال ويحتمل أن يريد عند مضيق الخيل حيث يزحم بعضهم بعضا ورواه أبو نصر الحميدي في كتابه بالخاء المعجمة وفسرها في غريبه فقال الخطم والخطمة رغن الجبل وهو الأنف البارز منه والذي جاء في كتاب البخاري وهو أخرج الحديث في ما قرأناه ورويناه في نسخ كتابه عند حطم الخيل هكذا مضبوطا يعني بالخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف فإن صحت الرواية به ولم تكن تحريفا من الكتبة فيكون معناه والله أعلم أن يحبسه في الموضع المتضايق الذي يتحطم فيه الخيل أي يدوس بعضها بعضا فيراها جميعا وتكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع وكذلك أراد بحبسه عند حطم الجبل يعني بالجيم على ما شرحه الحميدي فإن الأنف البارز من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج منه وقال الخطابي خطم الجبل بالخاء المعجمة وهو ما خطم منه أي ثلم من عرضه فبقي متقطعا وكذا قاله ابن التين وقال الكرماني الخطم المتكسر المنخرق والجبل بالجيم قلت وفي رواية القابسي والنسفي الخطم بالخاء المعجمة والجبل بالجيم والباء الموحدة وهي رواية ابن اسحق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثرين بفتح الخاء من الخطم وبالخاء المعجمة من الخيل قوله كتيبة بفتح الكاف وكسر التاء المثناة من فوق وهي القطعة المجتمعة من الجيش وأصله من الكتب

(17/279)


وهو الجمع قوله هذه أي هذه الكتيبة غفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء وهو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة قوله مالي ولغفار يعني ما كان بيني وبينهم حرب قوله جهينة بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة قوله سعد بن هذيم بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم والمعروف فيها سعد هذيم بالإضافة وسعد بن هذيم على المجاز وسعد بن هذيم طوائف من العرب وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه فنسب إليه قوله ومرت سلم بضم السين وفتح اللام وهو ابن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس غيلان قوله معه الراية أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير بن العوام قوله يوم الملحمة بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد فيه مخلص وقيل يوم القتل يقال لحم فلان فلانا إذا قتله قوله حبذا يوم الذمار بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم أي يوم الهلاك وقال الخطابي تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل والانتصار لهم لمن قدر عليه وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه وقال ابن اسحق زعم بعض أهل العلم أن سعدا لما قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله ما آمن أن يكون لسعد في قريش فقال لعلي رضي الله تعالى عنه أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها وقال ابن هشام الرجل المذكور هو عمر رضي الله تعالى عنه وذكر الأموي في المغازي أن النبي أرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس وجزم موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن العوام فإن قلت هذه ثلاثة أقوال فما التوفيق بينها قلت الجمع فيها أن عليا أرسل بنزعها وأن يدخل بها ثم خشى تغير خاطر سعد فدفعها لابنه قيس ثم أن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي فسأل النبي أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير قوله وهي أقل الكتائب أي أقلها عددا قال عياض وقع للجميع بالقاف ووقع للحميدي بالجيم أي أجلها قوله فقال كذب سعد أي قال النبي كذب أي أخطأ سعد قوله قال وأمر رسول الله القائل بذلك هو عروة وهو من بقية الخبر وهو ظاهر الإرسال في الجميع إلا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير قوله الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم الخفيفة هو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة شرفها الله تعالى قوله قال عروة وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم إلى قوله وأمر هذا السياق يوهم أن نافعا أحضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة وليس كذلك فإنه لا صحبة له ولكنه محمول على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أو في خلافة عثمان قوله وأمر رسول الله إلى قوله من كداء بفتح الكاف وتخفيف الدال وبالمد وهو أعلى مكة وكدى بضم الكاف والقصر والتنوين قيل هذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة ودخل النبي من أعلاها وضربت له هناك قبة قوله حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبالشين وعند ابن اسحق خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون وبالسين المهملة وكلاهما مصغر ابن الأشعر وهو لقب واسمه خالد بن سعد بن منقد بن ربيعة بن حزم الخزاعي وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي مهاجرا واسمها عاتكة قوله وكرز بضم الكاف وسكون الراء وفي آخره زاي ابن جابر بن حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين ابن الأحب بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة ابن حبيب الفهري وكان من رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرح النبي في غزوة بدر الأولى ثم أسلم قديما وبعثه النبي في طلب العرنيين وذكر ابن اسحق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد رضي الله تعالى عنه فقتلهما المشركون يومئذ

(17/280)


4281 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( معاوية بن قرة ) قال سمعت ( عبد الله بن مغفل ) يقول رأيت رسول الله يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع وقال لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو الوليد هشام بن عبد الملك هكذا وقع في الأصول وزعم خلف أنه وقع بذله سليمان بن حرب
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن مسلم بن إبراهيم وفي فضائل القرآن عن حجاج بن منهال وعن آدم بن أبي إياس وفي التوحيد عن أحمد بن أبي سريج وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى وبندار عن يحيى بن حبيب وعن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن أبي قدامة وغيره
قوله يرجع بتشديد الجيم من الترجيع وهو ترديد القاريء الحرف في الحلق قوله وقال القائل هو معاوية بن قرة راوي الحديث قوله كما رجع أي ابن مغفل ولفظ مسلم عن معاوية بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل هو المزني قال رأيت رسول الله يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح قال فقرأ ابن مغفل ورجع في قراءته فقال معاوية لولا الناس لأخبرتكم ذلك الذي ذكره ابن مغفل عن النبي
4282 - حدثنا سليمان بن عبد الرحمان حدثنا سعدان بن يحيى حدثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنه قال زمن الفتح يا رسول الله أين تنزل غذا قال النبي وهل ترك لنا عقيل من منزلثم قال لا يرث المؤمن الكافر ولا يرث الكافر المؤمن قيل للزهري ومن ورث أبا طالب قال ورثه عقيل وطالب قال معمر عن الزهري أين تنزل غدا في حجته ولم يقل يونس حجته ولا زمن الفتح
مطابقته للترجمة في قوله زمن الفتح وهذا إسناد نازل لا يخلو عن نظر
ورجاله سبعة الأول ( سليمان بن عبد الرحمن ) المعروف بابن ابنة شرحبيل بن أيوب الدمشقي مات سنة ثلاثين ومائتين الثاني ( سعدان بن يحيى ) بن صالح يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه أبو يحيى اللخمي الكوفي سكن دمشق لينه الدارقطني وماله في البخاري إلا هذا الموضع الثالث ( محمد بن أبي حفصة ) وإسم أبي حفصة ميسرة بصري يكنى أبا سلمة صدوق ضعفه النسائي وماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحج قرنه فيه بغيره الرابع محمد بن مسلم ( الزهري ) الخامس ( علي بن حسين ) بن علي بن أبي طالب مات سنة أربع وتسعين السادس ( عمرو بن عثمان ) بن عفان القرشي الأموي السابع ( أسامة بن زيد ) بن حارثة مولى النبي
وقد مضى الحديث في كتاب الحج في باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها فإنه أخرجه هناك عن اصبغ عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن علي بن حسين إلى آخره وقد مضى في الجهاد أيضا عن محمود عن بعد الرزاق عن الزهري ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
قوله عقيل بفتح العين هو ابن أبي طالب قوله وقال معمر عن الزهري هو متصل بالإسناد المذكور وطريق معمر بن راشد تقدم موصولا في الجهاد قوله ولم يقل يونس هو ابن يزيد الأيلي يعني لم يقل في روايته لفظ حجته ولا لفظ زمن الفتح يعني سكت عن ذلك وبقي الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة
4284 - حدثنا ( أبو اليمان ) حدثنا ( شعيب ) حدثنا ( أبو الزناد ) عن عبد الرحمان عن أبي هريرة

(17/281)


رضي الله عنه قال قال رسول الله منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون واسمه عبد الله بن ذكوان و ( عبد الرحمن ) بن هرمز الأعرج
قوله منزلنا مبتدأ والخيف خبره وعكس بعضهم فيه والخيف بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء ما ارتفع عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء قوله حيث تقاسموا أي تحالفوا وذلك أنهم تحالفوا على إخراج الرسول وبني هاشم والمطلب من مكة إلى الخيف وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة
4285 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله حين أراد حنينا منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة عن ( موسى بن إسماعيل ) المعروف بالتبوذكي عن ( إبراهيم بن سعد ) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن مسلم الزهري عن ( أبي سلمة ) بن عبد الرحمن إلى آخره
قوله حين أراد حنينا يعني في غزوة الفتح وإنما اراد النبي النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه يوم الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم من سعى في إخراجه منها ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا ومقابلتهم بالمن والإحسان
4286 - حدثنا ( يحيى بن قزعة ) حدثنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن النبي دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتله قال مالك ولم يكن النبي فيما نرى والله أعلم يومئذ محرما
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي من أفراده والحديث قد مر في الحج عن عبد الله بن يوسف عن مالك في باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام ومضى الكلام فيه هناك
قوله المغفر بكسر الميم زرد ينسج من الدروع على مقدار القلنسوة يلبس تحت القلنسوة وفي رواية يحيى بن بكير عن مالك مغفر من حديد قوله ابن خطل هو عبد الله بن خطل بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة كان أسلم وارتد وقتل قتيلا بغير حق وكانت له قينتان تغنيان بهجو النبي قوله فقال اقتله أي قال النبي لذلك الرجل اقتل ابن خطل وفي الحديث الذي مضى في الحج فقال اقتلوه بخطاب الجمع وروى الدارقطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك في هذا الحديث من رأى منكم ابن خطل فليقتله واختلف في قاتله وجزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله وعن الواقدي أن قاتله شريك بن عبدة العجلاني ورجح أنه أبو برزة وفي ( التوضيح ) وفيه دلالة على أن الحرم لا يعصم من القتل الواجب قلت إنما وقع قتل ابن خطل في الساعة التي أحل للنبي فيها القتال بمكة وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت فلم يصح الاستدلال به لما ذكره وروى أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر قوله قال مالك إلى آخره وهو كما قال لأنه لم يرو أحد أنه تحلل يومئذ من إحرام وقيل يحتمل أن يكون محرما إلا أنه لبس المغفر للضرورة أو أنه من خواصه قوله فيما نرى على صيغة المجهول أي فيما نظن قوله محرما نصب لأنه خبر لم يكن

(17/282)


4287 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( ابن عيينة ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( مجاهد ) عن ( أبي معمر ) عن ( عبد الله ) رضي الله عنه قال دخل النبي مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد
مطابقته للترجمة ظاهرة وصدقة بن الفضل المروزي وابن عيينة سفيان بن عيينة وابن أبي نجيح بفتح النون عبد الله واسم أبي نجيح يسار وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المظالم في باب هل يكسر الدنان فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن ابن أبي نجيح إلى آخره
قوله نصب بضم النون والصاد المهملة وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة صنما بدل نصب ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام والأنصاب الأعلام التي تجعل في الطريق قوله يطعنها بضم العين وفتحها والأول أشهر وفي حديث ابن عباس رواه الطبراني فلم يبق وثم استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص قوله وزهق الباطل أي اضمحل وتلاشى يقال زهقت نفسه زهوقا أي خرجت روحه والزهوق بالضم مصدر وبالفتح الإسم
4288 - حدثني ( إسحاق ) حدثنا ( عبد الصمد ) قال حدثني أبي حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما أن رسول الله لما قدم مكة أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام فقال النبي قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت وخرج ولم يصل فيه
مطابقته للترجمة من حيث إن قدومه هذا مكة كان في سنة الفتح وإسحاق هو ابن منصور وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث ابن سعيد وفي رواية الأصيلي ليس فيه حدثني أبي بعد قوله عبد الصمد قيل لا بد منه
والحديث مضى في كتاب الأنبياء عليهم السلام في باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 125 ) فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر عن أيوب عن عكرمة إلى آخره
قوله أبى أي امتنع قوله الآلهة أي الأصنام التي سماها المشركون بالآلهة قوله فأمر بها فأخرجت فإن قلت من كان الذي أخرجها قلت روى أبو داود من حديث جابر أن النبي أمر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها فلم يدخلها حتى نحيت الصور وكان عمر هو الذي أخرجها قيل إنه محا ما كان من الصور مدهونا وأخرج ما كان مخروطا فإن قلت قد تقدم في الحج من حديث أسامة أن النبي دخل الكعبة فرأى صورة فدعا بماء فجعل يمحوها قلت هو محمول على محو بقية بقيت منها قوله الأزلام جمع زلم وهي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر وتسمى القداح المكتوب عليها الأمر والنهي إفعل ولا تفعل كان الرجل منهم يضعها في وعاء له وإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما أدخل يده فأخرج منها زلما فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله قوله ولم يستقسما بها أي ما استقسم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بالأزلام قط وهو من الاستسقام وهو طلب القسم الذي قسم له وقدر وهو استفعال منه كانوا يفعلون بالأزلام مثل ما ذكرنا وقال ابن الأثير كان على بعضها مكتوب أمرني ربي وعلى الآخر نهاني ربي وعلى الآخر غفل فإن خرج أمرني ربي مضى لشأنه وإن خرج نهاني أمسك وإن خرج الغفل أعاد حالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النهي

(17/283)


قلت الغفل بضم الغين المعجمة وسكون الفاء وباللام وهو الذي لا يرجى خيره ولا شره قوله ولم يصل فيه أي في البيت وفي الحديث الذي يأتي صلى فيه وقد علم أن رواية المثبت مقدمة على رواية النافي
تابعه معمر عن أيوب
أي تابع عبد الصمد عن أبيه معمر بن راشد عن أيوب السختياني ووصل هذه المتابعة أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
وقال وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي
هذا تعليق ووهيب مصغر وهب ابن خالد العجلاني عن عكرمة مولى ابن عباس وأشار بهذا إلى أنه رواه مرسلا والرواية الموصولة مرجحة لاتفاق عبد الرزاق ومعمر على ذلك عن أيوب فافهم
49 -
( باب دخول النبي من أعلى مكة )
أي هذا باب في بيان دخول النبي مكة حين قدمها يوم الفتح وعن أنس رضي الله تعالى عنه دخل رسول الله مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا رواه الحاكم
4289 - وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمره أن يأتي بمفتاح البيت فدخل رسول الله ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس فكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله أين صلى رسول الله فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا تعليق وصله البخاري في الجهاد في باب الردف على الحمار أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بن يزيد الأيلي إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله من الحجبة جمع حاجب قوله من سجدة أي من ركعة
مطابقته للترجمة ظاهرة هذا تعليق وصله البخاري في الجهاد في باب الردف على الحمار فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بن يزيد الأيلي إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله من الحجبة جمع حاجب قوله من سجدة أي من ركعة
297 - ( حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا حفص بن ميسرة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النبي دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة )
مطابقته للترجمة ظاهرة والهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن خارجة ضد الداخلة أبو أحمد الخراساني المروزي سكن بغداد ومات بها سنة سبع وعشرين ومائتين وحفص بن ميسرة ضد الميمنة الصنعاني وليس له حديث موصول في البخاري إلا هذا الموضع قوله من كداء بفتح الكاف وتخفيف الدال المهملة وبالمد
( تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء )
أي تابع حفص بن ميسرة أبو أسامة وهو حماد بن أسامة ووهيب بن خالد في روايتهما عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وقالا في روايتهما دخل من كداء بالمد وطريق أسامة وصلها البخاري في الحج في باب من أين يخرج من مكة فإنه أخرجه هناك عن

(17/284)


محمود بن غيلان عن أبي أسامة عن هشام بن عروة إلى آخره وطريق وهيب وصله البخاري أيضا في الباب المذكور عن موسى عن وهيب عن هشام بن عروة إلى آخره
298 - ( حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه دخل النبي عام الفتح من أعلى مكة من كداء )
هذا طريق آخر في حديث هشام بن عروة ولكن لم يذكر فيه عائشة فهو مرسل لأن عروة تابعي -
51 -
( باب منزل النبي يوم الفتح )
أي هذا باب في بيان منزل النبي يوم فتح مكة
52 -
( باب )
أي هذا باب كذا وقع في الأصول بلا ترجمة وهو كالفصل لما قبله
4293 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( منصور ) عن ( أبي الضحاى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان النبي يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي
وجه دخول هذا الحديث هنا من حيث إنه أورده مختصرا وسيأتي في التفسير بلفظ ما صلى النبي صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح ( الفتح 1 ) لا يقول فيها فذكر الحديث
والحديث مضى في الصلاة في باب الدعاء في الركوع فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن منصور إلى آخره وغندر بضم الغين وسكون النون وقد تكرر ذكره وهو لقب محمد بن جعفر ومنصور هو ابن المعتمر وأبو الضحى مسلم بن صبيح الكوفي
قوله وبحمدك أي نسبحك والحال أنا متلبسون بحمدك أو هذا تأويل قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره ( الفتح 3 )
4293 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( منصور ) عن ( أبي الضحاى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان النبي يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي
وجه دخول هذا الحديث هنا من حيث إنه أورده مختصرا وسيأتي في التفسير بلفظ ما صلى النبي صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح ( الفتح 1 ) لا يقول فيها فذكر الحديث
والحديث مضى في الصلاة في باب الدعاء في الركوع فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن منصور إلى آخره وغندر بضم الغين وسكون النون وقد تكرر ذكره وهو لقب محمد بن جعفر ومنصور هو ابن المعتمر وأبو الضحى مسلم بن صبيح الكوفي
قوله وبحمدك أي نسبحك والحال أنا متلبسون بحمدك أو هذا تأويل قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره ( الفتح 3 )

(17/285)


4294 - حدثنا ( أبو النعمان ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هاذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم وداعاني معهم قال وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال ما تقولون إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون ( الفتح 12 ) حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري ولم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا ابن عباس أكذاك تقول قلت لا قال فما تقول فلت هو أجل رسول الله أعلمه الله له إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم
مطابقته للترجمة التي هي قوله باب غزوة الفتح لأن فيه ذكر الفتح وهو فتح مكة والأبواب التي بعده تابعة له فافهم بالتيقظ
وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري
والحديث مضى مختصرا في علامات النبوة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عرعرة عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير إلى آخره
قوله يدخلني بضم الياء من الإدخال قوله مع أشياخ بدر الأشياخ جمع شيخ وأراد بهم الذين حضروا غزوة بدر قوله قال بعضهم أراد به عبد الرحمن بن عوف ولم يقل ذلك حسدا ولكنه أراد أن يكون أبناء له مثله قوله لم تدخل بكسر اللام وأصله لما وتدخل من الإدخال وأراد بالفتى ابن عباس قوله وما رئيته على صيغة المجهول والضمير المنصوب فيه يرجع إلى عمر قوله إلا ليريهم أي إلا لأن يريهم بضم الياء من الإراءة والضمير المنصوب فيه يرجع إلى أشياخ بدر قوله مني أي بعض فضيلتي قوله أو لم يقل شك من الراوي قوله فقال لي يا ابن عباس أي قال عمر بن الخطاب هذا بحرف النداء في رواية الكشميهني وفي رواية غيره ابن عباس بدون حرف النداء قوله أكذاك الهمزة فيه للاستفهام أي أمثل ما قالوا تقول أنت أيضا قوله قلت لا أي لا أقول مثل ما قالوا قوله قال فما تقول أي قال فما تقول أنت يا ابن عباس قوله ما أعلم منها أي من هذه السورة إلا ما تعلم أنت يا ابن عباس وفيه فضيلة بينة لعبد الله بن عباس
4295 - حدثنا ( سعيد بن شرحبيل ) حدثنا ( الليث ) عن ( المقبري ) عن ( أبي شريح العدوي ) أنه قال ل ( عمرو بن سعيد ) وهو ( يبعث البعوث إلى مكة ائذن ) لي ( أيها الأمير أحدثك قولا ) قام به رسول الله الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس لا يحل لامرىء يؤمن بالله ولا باليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها فقولوا له إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ماذا قال لك عمرو قال قال أنا أعلم بذالك منك يا با شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة

(17/286)


مطابقته للترجمة في قوله يوم الفتح وسعيد بن شرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام الكندي من قدماء شيوخ البخاري وليس له عنه في ( الصحيح ) سوى هذا الموضع وآخر في علامات النبوة وكل منهما عنده له متابع عن الليث بن سعد والمقبري بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة هو سعيد بن أبي سعيد واسم أبي سعيد كيسان وكان يسكن مقبرة فنسب إليها وأبو شريح بضم الشين المعجمة وفي آخره حاء مهملة واسمه خويلد مصغر خالد العدوي بفتح المهملتين وبالواو قال أبو عمر في كتابه ( الاستيعاب ) أبو شريح الكعبي الخزاعي اسمه خويلد بن عمرو وقيل ابن خويلد وقيل كعب بن عمرو وقيل هانىء بن عمرو والأول أصح أسلم قبل فتح مكة وكان يحمل ألوية بني كعب يوم فتح مكة توفي بالمدينة سنة ثمان وستين عداده في أهل الحجاز
وقد مر الحديث في كتاب العلم في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستقصى ولكن نذكر بعض شيء لبعد المسافة
قوله لعمرو بن سعيد أي ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي يعرف بالأشدق وليست له صحبة ولا من التابعين بإحسان ووالده مختلف في صحبته وكان أمير المدينة وغزا ابن الزبير ثم قتله عبد الملك بن مروان بعد أن أمنه وكان قتله في سنة سبعين من الهجرة قوله وهو يبعث البعوث وهو جمع بعث وهو الجيش قوله الغد بالنصب على الظرفية وهو اليوم الثاني من فتح مكة قوله سمعته أذناي تأكيد وكذا قوله ووعاه قلبي أي حفظه وكذا قوله وأبصرته عيناي قوله حمد الله بيان لقوله تكلم قوله ولا باليوم الآخر كلمة لا زائدة لتأكيد النفي قوله ولا يعضد من عضدت الشجرة بالنصب أعضدها بالكسر أي قطعتها قوله فإن أحد ترخص أحد مفسر لقوله ترخص قوله لقتال النبي أي لأجل قتاله قوله وليبلغ يجوز بكسر اللام وتسكينها قوله يا شريح أصله يا أبي شريح حذفت الهمزة للتخفيف قوله لا يعيذ بضم الياء من الإعاذة بالذال المعجمة أي لا يعصم العاصي عن إقامة الحد عليه قوله ولا فارا بتشديد الراء أي ملتجئا إلى الحرم خوفا من إقامة الحد عليه ومعناه في الأصل الهارب ولا فارا بخربة بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها باء موحدة وهي السرقة كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملي ولا فارا بخربة يعني السرقة وقال ابن بطال الخربة بالضم الفساد وبالفتحالسرقة وقال القاضي وقد رواه جميع رواة البخاري غير الأصيلي بالخاء المعجمة
4296 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( عطاء بن أبي رباح ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله ورسوله حرم بيع الخمر
مطابقته للترجمة ظاهرة وبعض الحديث مضى في أواخر البيوع معلقا وهو وقال جابر حرم النبي بيع الخمر ثم ذكره في باب بيع الميتة والأصنام مطولا بالإسناد المذكور بعينه ومضى الكلام فيه هناك
53 -
( باب مقام النبي بمكة زمن الفتح )
أي هذا باب في بيان مقام بضم الميم أي إقامة النبي

(17/287)


4298 - حدثنا ( عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عاصم ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال أقام النبي بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعاصم هو الأحول والحديث مضى في قصر الصلاة في أول الباب فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عاصم وحصين عن عكرمة عن ابن عباس والتوفيق بين حديثي أنس وابن عباس هو أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع وحديث ابن عباس في الفتح وقد مر الكلام فيه في باب القصر
4299 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) حدثنا ( أبو شهاب ) عن ( عاصم ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال أقمنا مع النبي في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة وقال ابن عباس ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فإذا زدنا أتممنا
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس ولم يذكر فيه المكان وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي الكوفي وأبو شهاب هو عبد ربه بن نافع المدائني الحناط بالحاء المهملة وبالنون وعاصم هو الأحول قوله وقال ابن عباس هو موصول بالإسناد المذكور
54 -
( باب )
أي هذا باب كذا وقع في الأصول بغير ترجمة وليس بموجود في رواية النسفي وقد ذكرنا غير مرة أن لفظ باب إذا وقع بغير ترجمة يكون كالفصل لما قبله
وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير وكان النبي قد مسح وجهه عام الفتح
هذا تعليق وصله البخاري في ( التاريخ الصغير ) قال حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث فذكره ويونس هو ابن يزيد الأيلي وعبد الله بن ثعلبة بن صعير بضم الصاد وفتح العين المهملتين وثعلبة هذا يقال له ابن أبي صعير أيضا ابن عمرو بن زيد بن سنان العذري بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء حليف بني زهرة روى عنه ابنه عبد الله وهما صحابيان ويكنى عبد الله أبا محمد ولد قبل الهجرة بأربع سنين وتوفي في سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة وقيل إنه ولد بعد الهجرة وإن رسول الله توفي وهو ابن أربع سنين وإنه أتى به رسول الله فمسح على رأسه ووجهه زمن الفتح وأبوه ثعلبة روى عنه عبد الرحمن بن كعب بن مالك وابنه عبد الله قال الدارقطني لثعلبة هذا ولابنه عبد الله صحبة روى عنهما جميعا الزهري فإن قلت أين مقول قول الليث قلت غير مذكور لأن مقصود من ذكر عبد الله بن ثعلبة بيان وصفه بالمسح عام الفتح وقد ذكرنا الآن أنه أتى به رسول الله فمسح على رأسه ووجهه وهو معنى قوله وكان النبي قد مسح وجهه عام الفتح وقال ابن التين عبد الله هذا إن كان عقل ذلك أو عقل عنه كلمة كانت له صحبة وإن لم يعقل عنه شيئا كانت له تلك فضيلة وهو من الطبقة الأولى من التابعين قلت أغرب ابن التين في هذا وقد ذكروا أن له ولأبيه صحبة
4301 - حدثني ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سنين أبي جميلة ) قال أخبرنا ونحن مع ابن المسيب قال وزعم أبو جميلة أنه أدرك النبي وخرج معه عام الفتح
مطابقته للترجمة التي هي قوله باب غزوة الفتح في قوله عام الفتح وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء وأبو إسحاق الرازي

(17/288)


يعرف بالصغير وهو شيخ مسلم أيضا وهشام وهو ابن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها ومعمر بفتح الميمين ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم وسنين بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون وقيل بتشديد الياء ويكنى بأبي جميلة بفتح الجيم الضمري ويقال السلمي ذكره ابن منده وابن حبان وغيرهما في الصحابة وقال أبو عمر في ( الاستيعاب ) قال مالك بن شهاب أخبرني سنين أبو جميلة أنه أدرك النبي عام الفتح وقال غيره وحج معه حجة الوداع ويرد بهذا قول ابن المنذر أبو جميلة رجل مجهول وقال البيهقي قد قاله الشافعي أيضا وقال بعضهم بعد قوله عن سنين تقدم ذكره في الشهادات بما يغني عن إعادته قلت لم يغن ذكره في الشهادات عن إعادته هنا أصلا لأن المذكور في الشهادات في باب إذا زكى رجل رجلا كفاه وقال أبو جميلة وجدت منبوذا فلما رأى عمر رضي الله تعالى عنه قال عسى الغوير بؤسا كأنه يتهمني فقال عريفي أنه رجل صالح قال كذاك إذهب وعلينا نفقته انتهى فمن أين حال أبي جميلة من هذا حتى يكون ذكره هناك مغنيا عن ذكره ههنا
قوله قال أخبرنا ونحن مع ابن المسيب أي قال الزهري أخبرنا أبو جميلة والحال نحن مع ابن المسيب والمخبر به غير مذكور قوله قال وزعم أي قال الزهري وزعم أي قال أبو جميلة إنه إلى آخره وجمهور الأصوليين أن العدل المعاصر للرسول إذا قال أنا صحابي يصدق فيه ظاهرا
4302 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( أبي قلابة ) عن ( عمرو بن سلمة ) قال قال لي أبو قلابة ألا تلقاه فتسأله قال فلقيته فسألته فقال كنا بما ممر الناس كان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما هاذا الرجل فيقولون يزعم أن الله أرسله أوحى إليه أو أوحى الله بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يغرى في صدري وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي حقا فقال صلوا صلاة كذا وصلوا كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآينا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي ألا تغطوا عنا است قارئكم فاشتروا فقطعوا قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذالك القميص
مطابقته للترجمة في قوله بإسلامهم الفتح وفي قوله وقعة أهل الفتح وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف اسمه عبد الله بن زيد الجرمي وعمرو بن سلمة بكسر اللام ابن قيس الجرمي يكنى أبا يزيد قال أبو عمر أدرك النبي وكان يؤم قومه على عهد رسول الله وقد قيل إنه قدم على رسول الله مع أبيه ولم يختلف في قدوم أبيه على رسول الله نزل عمرو بن سلمة البصرة ويقال مختلف في صحبة عمرو وماله في البخاري سوى هذا الحديث وكذا أبوه لكن وقع ذكر عمرو بن سلمة في حديث مالك بن الحويرث في صفة الصلاة
قوله قال لي أبو قلابة أي قال أيوب قال لي أبو قلابة لا تلقاه أي لا تلقى عمرو بن سلمة قوله فقال أي عمرو ابن سلمة كنا بماء أراد به المنزل الذي ينزل عليه الناس قوله ممر الناس بالجر صفة لماء وهو بتشديد الراء إسم موضع المرور ويجوز فيه الرفع على تقدير هو ممر الناس قوله الركبان جمع راكب الإبل خاصة ثم اتسع فيه فأطلق على من ركب دابة قوله ما للناس ما للناس كذا هو مكرر مرتين قوله ما هذا الرجل أي يسألون عن النبي وعن حال العرب

(17/289)


معه قوله أو أوحى الله بكذا شك من الروي يريد به حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن وفي ( المستخرج ) لأبي نعيم فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا فجعلت أحفظ ذلك الكلام ورواية أبي داود وكنت غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا قوله ذلك الكلام ويروي ذاك الكلام قوله فكأنما ويروى وكأنما قوله يغري بضم الياء وفتح الغين المعجمة وتشديد الراء من التغرية وهو الإلصاق بالغراء ورجح القاضي عياض هذه الرواية وفي رواية الكشميهني يقر بضم الياء وفتح القاف وتشديد الراء من القراء وفي رواية عنه بزيادة ألف مقصورا من التقرية أي يجمع وفي رواية الأكثرين يقرأ بالهمزة من القراءة قوله تلوم بفتح التاء المثناة من فوق وفتح اللام وتشديد الواو وأصله تتلوم فحذفت إحدى التاءين ومعناه تنتظر قوله الفتح أي فتح مكة قوله وقومه منصوب على المعية قوله بادر أي أسرع وكذا قوله بدر يقال بدرت إلى شيء وبادرت أي أسرعت قوله فلما قدم أي أبوه من عند النبي وقوله هذا يشعر بأنه ما وفد مع أبيه ولكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك قوله فنظروا أي إلى من كان أكثر قرآنا قوله بردة وهي الشملة المخططة وقيل كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب وجمعها برد قوله تقلصت أي انجمعت وانضمت وفي رواية أبي داود تكشفت عني وفي رواية له فكنت أؤمهم في بردة موصولة فيها فتق فكنت إذا سجدت خرجت أستي قوله لا تغطوا بحذف النون كذا قال ابن التين وفي الأصل لا تغطون لعدم الموجب لحذف النون وفي رواية أبي داود فقالت امرأة من النساء داروا عنا عورة قارئكم قوله فاشتروا مفعولة محذوف أي فاشتروا ثوبا وفي رواية أبي داود فاشتروا لي قميصا عمانيا وهو بضم العين المهملة وتخفيف الميم نسبة إلى عمان من البحرين
4303 - حدثني ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها عن النبي وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة ابن الزبير أن عائشة قالت كان عتبة بن أبي وقاس عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة وقال عتبة إنه ابني فلما قدم رسول الله مكة في الفتح أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد بن أبي وقاص هاذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه قال عبد بن زمعة رسول الله هاذا أخي هاذا ابن وليدة زمعة ولد على فراشه فنظر رسول الله إلى ابن وليدة زمعة فإذا أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراشه وقال رسول الله احتجبي منه يا سودة لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص قال ابن شهاب قالت عائشة قال رسول الله الولد للفراش وللعاهر الحجر وقال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذالك
مطابقته للترجمة في قوله فلما قدم رسول الله مكة في الفتح والحديث مضى في البيوع في باب تفسير الشبهات فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن قزعة عن مالك ومضى الكلام فيه هناك
قوله عتبة بضم العين وسكون التاء من فوق قوله وليدة زمعة الوليدة الأمة وزمعة بالزاي والميم والعين المهملة المفتوحات وقيل بسكون الميم قوله للعاهر الحجر أي وللزاني الخيبة والحرمان من الولد قوله ابن شهاب قالت عائشة موصول بالإسناد المذكور قوله يصبح بذلك أي بقوله الولد للفراش وللعاهر والحجر ورواية ابن شهاب عن أبي هريرة مرسلة وروى مسلم من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي الولد للفراش وللعاهر الحجر

(17/290)


4304 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن امرأة سرقت في عهد رسول الله في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه قال عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله فقال أتكلمني في حد من حدود الله قال أسامة استغفر لي يا رسول الله فلعا كان العشي قام رسول الله خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذالك وتزوجت قالت عائشة فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله في غزوة الفتح وعبد الله هو ابن المبارك والحديث قد مضى في الشهادات في باب شهادة القاذف فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل إلى آخره
قوله أن امرأة هي فاطمة المخزومية قوله في عهد رسول الله أي في زمانه هذه صورة الإرسال ولكن في آخره ما يقتضي أنه عن عائشة وهو قوله في آخره قالت عائشة رضي الله تعالى عنها قوله ففزع أي التجأ قومها إلى أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي يقال فزعت إليه بكسر الزاي فأفزعني أي لجأت إليه فأغاثني وفزعت عنه أي كشفت عنه الفزع ومنه قوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم ( سبإ 23 )
4305 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( عاصم ) عن ( أبي عثمان ) قال حدثني ( مجاشع ) قال أتيت النبي بأخي بعد الفتح فقلت يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة قال ذهب أهل الهجرة بما فيها فقلت على أي شيء تبايعه قال أبايعه على الإسلام والأيمان والجهاد فلقيت معبدا بعد وكان أكبرهما فسألته فقال صدق مجاشع
مطابقته للترجمة في قوله بعد الفتح وأشار بهذا إلى أن هذه القصة وقعت بعد الفتح وزهير هو ابن معاوية وعاصم هو ابن سليمان وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون ومجاشع بضم الميم وبالجيم والشين المعجمة المكسورة وفي آخره عين مهملة هو ابن مسعود بن ثعلبة بن وهب السلمي بضم السين قتل يوم الجمل قبل الاجتماع الأكبر
والحديث مضى في الجهاد في باب البيعة في الحرب أن لا يفروا مختصرا
قوله بأخي هو مجالد بوزن أخيه مجاشع وله صحبة قال أبو عمر لا أعلم له رواية وكان إسلامه بعد إسلام أخيه بعد الفتح وهو أيضا قتل يو الجمل وكنيته أبو معبد كما يذكره في الرواية الثانية وفي هذا قال فلقيت معبدا هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني فلقيت أبا معبد كما في الرواية الثانية وهو الصواب قوله ذهب أهل الهجرة بما فيها يعني أن الهجرة قد مضت لأهلها والهجرة الممدوحة الفاضلة التي لأصحابها المزية الظاهرة إنما كانت قبل الفتح فقد مضت لأهلها يعني حصلت لمن وفق لها قبل الفتح قوله قال أبايعه أي قال النبي أبايعه على أن يفعل هذه الأشياء وهي الإسلام والإيمان والجهاد قوله فلقيت معبدا قد ذكرنا الآن اختلاف الرواية فيه وفاعل لقيت أبو عثمان النهدي راوي الحديث وقد صرح بذلك مسلم حيث قال مضت الهجرة لأهلها قلت فبأي شيء تبايعه قال على الإسلام والجهاد والخير قال أبو عثمان فلقيت أبا معبد فأخبرته بقول مجاشع قال وفي رواية له فلقيت أخاه فقال صدق مجاشع قوله بعد بضم الدال أي بعد سماعي الحديث من مجاشع قوله وكان أكبرهما أي وكان أبو معبد أكبر الأخوين قوله

(17/291)


فسألته أي أبا معبد والسائل هو أبو عثمان أيضا وكان سؤاله عن حديث مجاشع الذي سمعه منه فقال أبو معبد صدق مجاشع وهذا يدل على أن أبا عثمان روى عن الأخوين كليهما
4308 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر ) حدثنا ( الفضيل بن سليمان ) حدثنا ( عاصم ) عن ( أبي عثمان النهدي ) عن ( مجاشع بن مسعود ) انطلقت بأبي معبد إلى النبي ليبايعه على الهجرة قال مضت الهجرة لأهلها أبايعه على الإسلام والجهاد فلقيت أبا معبد فسألته فقال صدق مجاشع وقال خالد عن أبي عثمان عن مجاشع أنه جاء بأخيه مجالد
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي وهو شيخ مسلمأيضا يروي عن الفضيل بضم الفاء ابن سليمان النميري البصري عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان النهدي
قوله انطلقت بأبي معبد هو مجالد أخو مجاشع وقد ذكر هنا بالكنية ومسلم أيضا ما ذكره إلا بالكنية وهو الصواب قوله وقال خالد هو الحذاء هذا تعليق وصله الإسماعيلي من جهة خالد بن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء عن أبي عثمان عن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود فقال هذا مجالد يا رسول الله فبايعه على الهجرة الحديث
4309 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي بشر ) عن ( مجاهد لابن عمر ) رضي الله عنهما إني أريد أن أهاجر إلى الشام قال لا هجرة ولكن جهاد فانطلق فاعرض نفسك فإن وجدت شيئا رجعت
هذا ذكره هنا استطرادا وقد مضى في أوائل الهجرة سندا ومتنا وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس قوله فإن وجدت شيئا أي من الجهاد أو من القدرة عليه فذاك هو المطلوب قوله وإلا أي وإن لم تجد شيئا من ذلك رجعت
4310 - وقال النضر أخبرنا شعبة أخبرنا أبو بشر سمعت مجاهدا قلت لابن عمر فقال لا هجرة اليوم أو بعد رسول الله مثله
هذا تعليق النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بضم الشين المعجمة مصغر الشمل ووصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور وزاد في آخره ولكن جهاد فاعرض نفسك فإن أصبت شيئا وإلا فارجع قوله أو بعد شك من الراوي قوله مثله أي مثل الحديث المذكور

(17/292)


4312 - حدثنا ( إسحاق بن يزيد ) حدثنا ( يحيى بن حمزة ) قال حدثني ( الأوزاعي ) عن ( عطاء ابن أبي رباح ) قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير فسألها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم كان المؤمن يقر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية ( انظر الحديث 3080 وطرفه )
هذا الحديث مثل الحديث المذكور في السند غير أن هناك الأوزاعي عن عبدة عن مجاهد وهنا عن عطاء وفي قوله لا هجرة غير أن هناك بعد الفتح وهنا لا هجرة اليوم ومعناهما يؤول إلى معنى واحد قول يفر بدينه أي بسبب حفظ دينه قوله مخافة نصب على التعليل قوله ولكن جهاد أي ولكن الهجرة اليوم جهاد في سبيل الله قوله ونية أي ثواب النية في الهجرة
4313 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( حسن بن مسلم ) عن ( مجاهد ) أن رسول الله قام يوم الفتح فقال إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي ساعة من الدهر لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فقال العباس بن عبد المطلب إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بد منه للقين والبيوت فسكت ثم قال إلا الإذخر فإنه حلال
مطابقته للترجمة في قوله يوم الفتح وهو مرسل وقد مضى في الحج والجهاد وغيرهما موصولا وإسحاق هو ابن منصور وبه جزم أبو علي الجياني وقال الحاكم هو إسحاق بن نصر وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل وهو من شيوخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي وحسن بن مسلم بن يناق المكي
وعن ابن جريج أخبرني عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس بمثل هذا أو نحو هاذا رواه أبو هريرة عن النبي
قوله وعن ابن جريج موصول بالإسناد الذي قبله أي رواه أبو عاصم عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن النبي وقد مضى في الحج في باب لا يحل القتال بمكة عن ابن عباس عن النبي من طريق مجاهد عن طاوس عنه عن النبي قوله بمثل هذا أي بمثل هذا الحديث المذكور قوله أو نحو هذا شك من الراوي والفرق بين المثل والنحو أن المثل متحد في الحقيقة والنحو أعم وقيل هما مترادفان قوله رواه أبو هريرة عن النبي وقد مضى في كتاب العلم في باب كتابة العلم عن أبي نعيم عن شبيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا الحديث بطوله وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى
55 -
( باب قول الله عز و جل ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته إلى قوله غفور رحيم ( التوبة 25 )
أي هذا باب في ذكر قول الله عز و جل ويوم حنين إلى آخره هكذا وقع في رواية أبي ذر ووقع في رواية غيره إلى قوله ثم أنزل الله سكينته ثم قال إلا غفور رحيم ووقع في رواية النسفي باب غزوة حنين وقول الله تعالى ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت إلى قوله غفور رحيم قوله ويوم حنين إلى آخره وأول

(17/293)


الآية لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ( التوبة 25 ) وأراد بالمواطن الكثيرة وقعات بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة وقوله ويوم حنين عطف على المواطن قال الزمخشري فإن قلت كيف عطف الزمان على المكان وهو يوم حنين على المواطن قلت معناه وموطن يوم حنين أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين وحنين واد بين مكة والطائف وقال البكري هو واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا والأغلب عليه التذكير لأنه اسم ماء وقيل إنه سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل قوله إذ أعجبتكم كثرتكم إما بدل من يوم حنين والتقدير أذكر إذا أعجبتكم عند الملاقاة مع الكفار كثرتكم فلم تغن الكثرة عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت وكلمة ما مصدرته والباء بمعنى أي مع رحبها أي وسعها ثم وليتم مدبرين أي منهزمين وقال ابن جريج عن مجاهد هذه أول آية نزلت من سورة براءة يذكر الله للمؤمنين فضله عليهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة أن ذلك من عنده لا يعددهم ولا عددهم ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا قوله مدبرين إلا القليل منهم رسول الله ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين كانوا معه كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى
واعلم أن وقعة حنين كانت بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة وذلك لما فرغ رسول الله من فتح مكة وتمهدت له أمورها وأسلم عامة أهلها وأطلعهم رسول الله بلغة أن هوازن قد جمعوا له ليقاتلوه وأميرهم مالك بن عون النضري ومعه ثقيف بكمالها وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال وهم قليل وناس من بني عمرو بن عامر وعون ابن عامر وأقبلوا ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم وجاؤوا بقضهم وقضيضهم فخرج إليهم رسول الله في حبيشه الذين جاؤوا معه للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ومعه الذين أسلموا من أهل مكة وهم الطلقاء في ألفين فسار بهم إلى العدو فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين فكانت فيه الوقعة من أول النهار في غلس الصبح وانحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن فلما توجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد ساوروهم ورشقوا بالنبال واصلتوا السيوف وحملوا حملة رجل واحد كما أمرهم ملكهم فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى وثبت رسول الله وهو يومئذ على بغلته الشهباء يسوقها إلى نحو العدو والعباس آخذ بركابه الأيمن وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابه الأيسر يثقلانه لئلا يسرع السير وهو ينوه باسمه ويدعو المسلمين إلى الرجعة ويقول أي عباد الله إلى أنا رسول الله ويقول في تلك الحال
( أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب )
وثبت معه من أصحابه قريب من مائة وقيل ثمانون منهم أبو بكر وعمر والعباس وعلي والفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحارث وأيمن ابن أم أيمن وأسامة بن زيد وغيرهم رضي الله عنهم ثم أمر رسول الله عمه العباس وكان جهير الصوت بأن ينادي بأعلى صوته يا أصحاب الشجرة يعني شجرة بيعة الرضوان يا أصحاب سورة البقرة فجعلوا يقولون لبيك يا لبيك فتراجع شرذمة من الناس إلى رسول الله فأمرهم أن يصدقوا الحملة وأخذ قبضة من التراب بعد ما دعا ربه واستنصره وقال أللهم أنجز لي ما وعدتني ثم رمى القوم بها فما بقى إنسان منهم إلا أصابه منها في عينه وفمه ما يشغله عن القتال ثم انهزموا واتبع المسلمون أقفيتهم يأسرون ويقتلون وما تراجع بقية الناس إلا والأسارى مجدلة أي ملقاة بين يدي النبي
وفي ( مسند أحمد ) من حديث يعلى بن عطاء قال فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد وقال محمد بن إسحاق حدثني والدي إسحاق بن بشار عمن حدثه عن جبير بن مطعم قال إنا لمع رسول الله يوم حنين والناس يقتلون إذ نظرت إلى مثل النجاد الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي فلم يكن إلا هزيمة القوم فما نشك أنها الملائكة وقال أبو معشر ثبت مع النبي يومئذ مائة رجل بضعة وثلاثون من المهاجرين وسائرهم من الأنصار وسل النبي سيفه ثم طرح غمده وقال

(17/294)


الرجز المذكور وقال لأبي سفيان بن الحارث ناولني ترابا فناوله وكان على بغلته البيضاء التي أهداها له فروة بن نفاثة وقال ابن هشام قال حينئذ لبغلته الشهباء البدي فوضعت بطنها على الأرض فأخذ حفنة فضرب بها وجوه هوازن وعند ابن سعد هذه البغلة هي دلدل وفي مسلم بغلته الشهباء يعني دلدل التي أهداها له المقوقس ويجوز أن يكون ركبهما يومئذ معا والله أعلم
قوله ثم أنزل الله سكينته أي الأمنة والطمأنينة بعد الهزيمة وقال الزمخشري رحمته التي سكنوا بها وآمنوا قوله وانزل جنودا لم تر قال ابن عباس يعني الملائكة وكانوا ثمانية آلاف وقيل خمسة آلاف وقيل ستة عشر ألفا وكان سيماهم عمائم حمرا قد أرخوها بين أكتافهم قوله وعذب الذين كفروا أي بالقتل والهزيمة وقيل بالخوف وقيل بالأسر وسبي الأولاد وسبي النبي منهم ستة آلاف رأس ومن الإبل أربعة وعشرين ألف بعير ومن الغنم أكثر من أربعين ألفا ومن الفضة أربعة آلاف أوقية قوله وذلك جزاء الكافرين أي ما ذكر من القتل والأسر جزاء الكافرين قوله ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء فيهديه إلى الإسلام ولا يؤاخذه بما سلف منه والله غفور رحيم وقد تاب الله على بقية هوازن وأسلموا وقدموا مسلمين ولحقوا النبي وقد قارب مكة عند الجعرانة وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وأموالهم فاختاروا سبيهم وقسم أموالهم بين الغانمين ونفل ناسا من الطلقاء لتتألف قلوبهم على الإسلام فأعطاهم مائة مائة من الإبل وكان من جملة من أعطى مائة مالك بن عوف النضري فاستعمله على قومه كما كان وقال أبو عمر مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوازن النضري انهزم يوم حنين كافرا ولحق بالطائف فقال رسول الله لو أتاني مسلما لرددت إليه أهله وماله فبلغه ذلك فلحق برسول الله وقد خرج من الجعرانة فأسلم وأعطاه من الإبل كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم وهو أحدهم وحسن إسلامه فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا إحتدى
ومتى يشاء يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة غردت أنيابها
بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله
وسط المياه جاذر في مرصد
4315 - حدثنا ( محمد بن كثير ) حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ) رضي الله

(17/295)


عنه وجاءه رجل فقال يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين فقال أما أنا أشهد على النبي أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء يقول
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
مطابقته للترجمة في قوله أتوليت يوم حنين وسفيان هو الثوري وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي وقد مضى الحديث في الجهاد في باب بغلة النبي البيضاء
قوله يا أبا عمارة هي كنية البراء قوله أتوليت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار أي أنهزمت قوله أما أنا إلى آخره فيه جواب بديع يبين فيه أولا أن النبي لم يول أيضا لأن إخباره بقوله ولكن عجل سرعان القوم إلى آخره يدل على أنه ثبت لأن المولى لا يقدر على إخبار ما شاهده البراء في هذه القضية على هذه الصورة فإن قلت جوابه لا يطابق سؤال الرجل لأنه سأل عنه هل توليت أم لا ولم يسأل عن حال النبي قلت لأنه فهم بقرينة الحال أنه سأل عن فرار الكل فيدخل فيه النبي ويؤيده ما في الطريق الذي يأتي عقيبه أوليتم مع النبي وأجاب بقوله أشهد على رسول الله أنه لم يول قوله سرعان القوم بفتح السين المهملة وفتح الراء ويجوز بالتسكين أيضا وقال الكرماني وسرعان بضم المهملة وكسرها جمع السريع حكى هذا عن بعضهم وليس كذلك لأن جماعة منهم ابن الأثير وغيره قد ضبطوه مثل ما ضبطناه و قال سرعان القوم أوائلهم الذين يسارعون إلى شيء ويقبلون عليه بسرعة وقال الخطابي بعضهم يقول بكسر السين وهو خطأ قوله فرشقتهم من الرشق بالشين المعجمة والقاف وهو الرمي وهوازن قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بالخاء المعجمة والصاد المهملة وبالفاء كلها مفتوحة ابن قيس غيلان ابن الياس بن مضر وأبو سفيان بن الحارث هو ابن عبد المطلب بن عبد المطلب بن هاشم وهو ابن عم النبي قوله آخذ على وزن فاعل قوله يقول جملة وقعت حالا
4316 - حدثنا ( أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قيل ل ( لبراء ) وأنا أسمع أوليتم مع النبي يوم حنين فقال أما النبي فلا كانوا رماة فقال
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب
قوله كانوا أي هوازن قوله رماة جمع رام وفيه حذف تقديره كانوا رماة فرشقوهم رشقا فانهزموا فقال النبي
( أنا النبي لا كذب )
فأشار به إلى أن صفة النبوة تنافي الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزموا وأنا متيقن بنصر الله عز و جل وأما انتسابه إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فلشهرة عبد المطلب بين الناس بخلاف عبد الله فإنه مات شابا وبقية الكلام قد مرت في الجهاد في الباب الذي ذكرناه عن قريب
4317 - حدثني ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) سمع ( البراء ) وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله يوم حنين فقال لكن رسول الله لم يفر كانت هوازن رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ولقد رأيت رسول الله على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بزمامها وهو يقول
( أنا النبي لا كذب )
هذا طريق آخر قد مضى في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب وأخرجه هنا عن محمد بن بشار بالباء الموحدة

(17/296)


وتشديد الشين المعجمة عن غندر بالغين المعجمة وهو لقب محمد بن جعفر
قوله لم يفر يجوز في القراءة الفتح والكسر ويجوز فيه لك الإدغام قوله وإنا بكسر الهمزة قوله انكشفوا أي انهزموا قوله فاكببنا أي وقعنا على الغنائم وهو فعل لازم يقال كببته فأكب وأكب الرجل يكب على عمل يعمله إذا لزمه وجاء أكببنا بفك الإدغام لتعذره قوله فاستقبلنا على صيغة المجهول قوله أنا النبي لا كذب
هذا المقدار قد ذكر في هذه الرواية وفي رواية ذكر الشطر الثاني
( أنا ابن عبد المطلب )
كما في الرواية السابقة
قال إسرائيل وزهير نزل النبي عن بغلته
قوله إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وزهير هو ابن معاوية الجعفي وهذا تعليق معناه رويا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء فقالا في آخره نزل النبي عن بغلته أما تعليق إسرائيل فقد وصله البخاري في كتاب الجهاد في باب من قال خذها وأنا ابن فلان وأما تعليق زهير فوصله أيضا في باب من صف أصحابه عند الهزيمة وركوب النبي البغلة في الحرب يدل على غاية الثبات ونزوله أثبت من ذلك
4319 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ل ( يث ) حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) ح وحدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) ح وحدثني ( إسحاق ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا ( ابن أخي ابن شهاب ) قال ( محمد بن شهاب وزعم عروة بن الزبير ) أن ( مروان والمسور بن مخرمة ) أخبراه أن رسول الله قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وكان أنظرهم رسول الله بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم قد جاؤونا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال رسول الله إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا هاذا الذي بلغني عن سبي هوازن
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن مجيء وفد هوازن إلى النبي كان في إثر غزوة حنين
وأخرجه من طريقين أحدهما عن سعيد بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وبالراء عن ليث بن سعد ويجوز فيه الألف واللام وتركهما عن عقيل بضم العين ابن خالد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب والآخر عن إسحاق بن منصور المروزي عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري الخ
والحديث قد مضى في الخمس في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين بعينه سندا أو متنا مثل الطريق الأولى ومضى الكلام فيه هناك ومضي في أول الشروط في صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي فدل على أنه

(17/297)


في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي أنه مرسل لأن المسور يصغر عن إدراك القضية ومروان أصغر منه
قوله قال محمد بن شهاب هو الزهري قوله وزعم عروة قيل هذا معطوف على قصة صلح الحديبية فلينظر فيه قوله حين جاءه وفد هوازن فيه اختصار بينه موسى بن عقبة في ( المغازي ) مطولا ولفظه ثم انصرف رسول الله من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها سبي هوازن وقدمت عليه وفود هوازن مسلمين فهم تسعة عشر نفرا من أشرافهم فأسلموا وبايعوا ثم من بعده يعني ما في رواية البخاري وهو قوله فسألوه أن يرد إليهم إلخ قوله ومعنى من ترون يعني من الصحابة قوله أجدى الطائفتين الطائفة القطعة من الشيء والمراد أحد الأمرين قوله وقد كنت استأنيت بكم وفي رواية الكشميهني استأنيت لكم أي انتظرت أي أخرت قسم السبي لتحضروا وقد أبطأتم وكان ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها كما سيأتي ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاء وفد هوازن بعد ذلك قوله وكان أنظرهم أي كان النبي انتظرهم بضع عشرة ليلة قوله حين قفل أي رجع قوله أن يطيب بضم الياء من التطييب أي يعطيه عن طيب نفس منه بغير عوض قوله على حظه أي على نصيبه قوله حتى نعطيه بنون المتكلم مع الغير قوله أول ما يفيء الله أي من أول ما يحصل لنا من الفيء قوله عرفاؤكم جمع عريف وهو النقيب قوله هذا الذي بلغني قول الزهري يعني هذا الذي بلغني عن سبي هوازن
322 - ( حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال يا رسول الله ح وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن أيوب عن
نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف فأمره النبي بوفائه )
مطابقته للترجمة في قوله لما قفلنا من حنين وأخرجه من طريقين ورجالهما قد ذكروا غير مرة وعبد الله هو ابن المبارك والطريق الأول مرسل مختصر وقد ساق بقيته في فرض الخمس بلفظ أن عمر قال لرسول الله إنه كان على اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به والثاني مضى في الاعتكاف في باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف وفي الباب الذي يليه ومضى الكلام فيه هناك وقيل قد عاب الإسماعيلي على البخاري جمعهما لأن قوله لما قفلنا من حنين لم يقع في رواية حماد بن زيد يعني في الرواية المرسلة وأجيب بأن البخاري نظر إلى أصل الحديث لا إلى أصل النقص والزيادة في ألفاظ الرواة وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسل للإشارة إلى أن رواية حماد بن زيد مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا
( وقال بعضهم حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر )
أراد بالبعض أحمد بن عبدة الضبي وحماد هو ابن زيد لأن حماد بن سلمة يذكر عقيبه بما يخالف سياقه وهذا التعليق وصله الإسماعيلي فقال أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كان عمر رضي الله تعالى عنه نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي فأمره أن يفي به
( ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي )
أي روى الحديث المذكور جرير بن حازم الخ يعني رواه هؤلاء موصولا أما تعليق جرير فوصله مسلم وغيره من رواية ابن وهب عن جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأل رسول الله وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى قال اذهب فاعتكف وأما تعليق حماد بن

(17/298)


سلمة فوصله مسلم أيضا من طريق حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب مقرونا برواية محمد بن إسحق كلاهما عن
نافع عن ابن عمر
عن النبي -
4321 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عمر بن كثير بن أفلح ) عن ( أبي محمد ) مولى ( قتادة ) عن ( أبي قتادة ) قال خرجنا مع النبي عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على جبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس قال أمر الله عز و جل ثم رجعوا وجلس النبي فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد ثم جلست قال ثم قال النبي مثله فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست قال ثم قال النبي مثله فقمت فقال ما لك يا أبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قاضي المدينة وعمر بن كثير ضد القليل ابن أفلح المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره من التابعين الصغار ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي في روايته فقال عمرو بن كثير بفتح العين والصواب عمر بضم العين وأبو محمد اسمه نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته وهو مولى أبي قتادة ويقال مولى عقيلة بنت طلق ويقال عبلة بنت طلق وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي وقيل غيره
والحديث مضى في الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله جولة بفتح الجيم وسكون الواو أي تقدم وتأخر وفي العبارة لطف حيث لم يقل هزيمة وهذه الجولة كانت في بعض المسلمين لا في رسول الله ومن حواليه قوله قد علا رجلا أي ظهر على قتله قوله على حبل عاتقه العاتق موضع الرداء من المنكب والحبل العصب قوله بالسيف ويروى بسيف بدون الألف واللام قوله فقطعت الدرع أي اللبس الذي كان لابسه قوله وجدت منها أي من تلك الضمة ريح الموت أي من شدتها قوله فأرسلني أي أطلقني قوله فلحقت عمر رضي الله عنه فيه حذف تقديره فانهزم المسلمون وانهزمت معهم فلحقت عمر قوله ما بال الناس أي ما حالهم قوله قال أمر الله أي قال عمر حكم الله تعالى وما قضا به وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي محذوف أي هذا الذي أصابهم أمر الله قوله ثم رجعوا أي ثم تراجعوا وهكذا في الرواية الآتية وكيفية رجوعهم قد تقدمت عن قريب قوله من قتل قتيلا أي مشرفا على القتل فهو مجاز باعتبار المال قال الكرماني ويحتمل أن يكون حقيقة بأن يراد بالقتيل القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق كما قال المتكلمون في جواب المغالطة المشهورة وهو أن إيجاد المعدوم محال لأن الإيجاد إما حال العدم فهو جمع بين النقيضين وإما حال الوجود وهو تحصيل للحاصل أن إيجاد الموجود بهذا الوجود لا بوجود متقدم قوله فأرضه مني هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره فأرضه منه قوله فقال أبو بكر أي الصديق رضي الله عنه قوله لا ها الله كلمة ها للتنبيه وقد يقسم

(17/299)


بها يقال لا ها الله ما فعلت أي لا والله وقال ابن مالك فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لا ها الرحمن كما سمع لا والرحمن وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى رفع الله والمعنى يأبى الله وقيل إن ثبتت الرواية بالرفع فيكون ها للتنبيه والله مبتدأ وقوله لا يعمد خبره وفيه تأمل قوله إذا بكسر الهمزة وبالذال المعجمة المنونة وقال الخطابي هكذا نرويه وإنما هو في كلامهم أي العرب لا ها الله يعني بدون الهمزة في أوله والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله لا يكون ذا وقال عياض في ( المشارق ) عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لا ها الله إذا خطأ والصواب لا ها الله ذا يميني وقسمي وقال أبو زيد ليس في كلامهم لا ها الله إذا وإنما هو لا ها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعني لا والله هذا ما أقسم به وقال الطيبي ثبت في الرواية لا ها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تعبير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لا ها الله بدون ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء ومقتضى الجزاء أن لا يذكر إلا في قوله لا يعمد بل كان يقول إذا يعمد إلى أسد ليصح جوابا لطالب السلب انتهى وقد أطال بعضهم الكلام في هذا جدا مختلطا بعضه ببعض من غير ترتيب فالناظر فيه إن كان له يد يشمئز خاطره من ذلك وإلا فلا يفهم شيئا أصلا والذي يقال بما يجدي الناظر أنه إن كان إذا على ما هو الموجود في الأصول يكون معناه حينئذ وإن كان ذا بدون الهمزة فوجهه ما تقدم فلا يحتاج إلى الإطالة الغير الطائلة قوله لا يعمد أي لا يقصد النبي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حظه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه وقال الكرماني ويعمد بالغيبة والتكلم ووقع في ( مسند أحمد ) أن الذي خاطب النبي بذلك عمر ولفظه فيه فقال عمر والله لا يفيئها الله على أسد ويعطيكها فقال النبي صدق عمر قلت صاحب القصة أبو قتادة فهو اتقن لما وقع فيها من غيره وقيل يحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لأبي بكر رضي الله عنه قوله فابتعت به أي اشتريت بذلك السلب وقال الواقدي باعه الحاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق قوله مخرفا بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة قيل يجوز فيه كسر الخاء وهو البستان وسمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجني وذكر الواقدي أن هذا البستان كان يقال له الودنيين والمخرف بكسر الميم إسم الآلة التي يجتني بها قوله في بني سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار وهم ثوم أبي قتادة قوله تأثلته بالتاء المثناة من فوق وفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وضم التاء المثناة من فوق أي اتخذته أصل المال واقتنيته وأثلة كل شيء أصله
4322 - وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله فقال رسول الله من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لألتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه منه فقال أبو بكر كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله قال فقام رسول الله فأداه إلي فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تاثلته في الإسلام

(17/300)


هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو معلق وصله البخاري في الأحكام عن قتيبة عن الليث ويحيى بن سعد هو الأنصاري
قوله يختله بالخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق أي يخدعه قوله حتى تخوفت أي الهلاك وهو مفعول قد حذف قوله بدالي أي ظهر لي قوله الذي يذكر أي أبو قتادة وفي رواية الكشميهني الذي ذكره قوله كلا كلمة ردع قوله لا يعطه أي لا يعطي رسول الله سلاح الرجل الذي هو سلبه قوله أصيبغ بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة بعدها الغين المعجمة وهو نوع من الطير ضعيف شبهه به لعجزه وهو أنه وقيل شبهه بالصبغاء وهو نبت معروف وقيل نبت ضعيف كالثمام إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر هذا الضبط رواية القابسي وفي رواية أبي ذر بالضاد المعجمة والعين المهملة وعلى روايته هو تصغير الضبع على غير قياس كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز وقال ابن مالك أضيبع بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف قوله ويدع أي يترك وهو بالنصب وقال الكرماني ويدع بالرفع والجر نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن
( باب غزوة أوطاس )
أي هذا باب في بيان غزوة أوطاس قال عياض هو واد في ديار هوازن وهو موضع حرب حنين وهو من وطست الشيء وطسا إذا كددته وأثرت فيه والوطيس نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم والوطيس التنور
324 - ( حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال لما فرغ النبي من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال أبو موسى وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك فأشار إلى أبي موسى فقال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحي ألا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال يا ابن أخي أقرىء النبي السلام وقل له استغفر لي واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على النبي في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال قل له استغفر لي فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وكذا أبو بردة واسمه عامر وأبو موسى اسمه عبد الله بن قيس وبريد هنا يروي عن جده أبي بردة وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري والحديث مضى في الجهاد مقطعا وفي الدعوات يأتي وأخرجه مسلم في الفضائل قوله بعث أبا عامر واسمه عبيد بن سليم بن حضار الأشعري وهو

(17/301)


عم أبي موسى الأشعري وقال ابن إسحاق هو ابن عمه والأول أشهر قوله على جيش أي أميرا عليهم وذلك أن هوازن بعد الهزيمة اجتمع بعضهم في أوطاس فأراد رسول الله استئصالهم فبعثه إليهم قوله فلقي دريد بن الصمة دريد بضم الدال مصغر الدرد بالمهملتين والراء والصمة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ابن بكر بن علقمة ويقال ابن الحارث بن علقمة الجشمي بضم الجيم وفتح الشين المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن والصمة لقب لأبيه واسمه الحارث ودريد شاعر مشهور قوله فقتل دريد على صيغة المجهول واختلف في قاتله فعن محمد بن إسحاق قتله ربيعة بن رفيع بضم الراء وفتح الفاء وبالعين المهملة ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له ابن الذعنة بمعجمة ومهملة ويقال بالعكس وهي أمه وقال ابن هشام يقال اسمه عبد بن قبيع بن أهبان ويقال له أيضا ابن الدغنة وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة فقال خلوهم فخلوهم فقال هذه قضاعة ولا بأس عليكم ثم رأوا كتيبة مثل ذلك فقالوا هذه سليم ثم رأوا فارسا وحده فقال خلوه لي فقالوا معتجر بعمامة سوداء فقال هذا الزبير بن العوام وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا قال فالتفت الزبير فقال علام هؤلاء ههنا فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة وحز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه وكان دريد لما قتل ابن عشرين ويقال ابن ستين ومائة قوله قال أبو موسى وبعثني أي النبي مع أبي عامر أي إلى من التجأ إلى أوطاس قوله فرمي على صيغة المجهول قوله جشمي أي رجل جشمي يعني من بني جشم بضم الجيم وفتح الشين المعجمة واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحق زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه وقال ابن هشام حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث فأصاب أحدهما ركبته وقتلهما أبو موسى الأشعري وروى الطبري في الأوسط من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله على خيل المطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء الحديث فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحق قوله ولى أي أدبر قوله فأتبعته ضبط بقطع الألف وصوابه بوصلها وتشديد التاء لأن معناه سرت في أثره ومعنى أتبعته بقطع الألف لحقته والمراد هنا سرت في أثره قوله فكف أي توقف وكف نفسه يتعدى ولا يتعدى قوله فنزا منه الماء أي انصب من موضع السهم وقال الكرماني فنزا أي وثب قلت ليس كذلك والصواب ما ذكرناه قوله يا ابن أخي هذا يرد قول ابن إسحق أنه ابن عمه قوله مرمل بضم الميم وفتح الراء وتشديد الميم أي معمول بالرمال وهي حبال الحصير التي يظفر بها الأسرة قوله وعليه فراش قال ابن التين وأنكره الشيخ أبو الحسن وقال الصواب ما عليه فراش فسقطت ما قيل لا يلزم من كونه رقد على غير فراش أن لا يكون على سريره دائما فراش قوله فوق كثير من خلقك أي في المرتبة وفي رواية ابن عائذ في الأكثرين يوم القيامة من الناس قال الكرماني تعميم بعد تخصيص قلت بيان لقوله من خلقك لأن الخلق أعم من أن يكون من الناس وغيرهم قوله قال أبو بردة موصول بالإسناد المذكور قوله إحداهما أي الدعوتين -
4321 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عمر بن كثير بن أفلح ) عن ( أبي محمد ) مولى ( قتادة ) عن ( أبي قتادة ) قال خرجنا مع النبي عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على جبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس قال أمر الله عز و جل ثم رجعوا وجلس النبي فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد ثم جلست قال ثم قال النبي مثله فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست قال ثم قال النبي مثله فقمت فقال ما لك يا أبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد هو الأنصاري قاضي المدينة وعمر بن كثير ضد القليل ابن أفلح المدني مولى أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره من التابعين الصغار ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي في روايته فقال عمرو بن كثير بفتح العين والصواب عمر بضم العين وأبو محمد اسمه نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته وهو مولى أبي قتادة ويقال مولى عقيلة بنت طلق ويقال عبلة بنت طلق وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي وقيل غيره
والحديث مضى في الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله جولة بفتح الجيم وسكون الواو أي تقدم وتأخر وفي العبارة لطف حيث لم يقل هزيمة وهذه الجولة كانت في بعض المسلمين لا في رسول الله ومن حواليه قوله قد علا رجلا أي ظهر على قتله قوله على حبل عاتقه العاتق موضع الرداء من المنكب والحبل العصب قوله بالسيف ويروى بسيف بدون الألف واللام قوله فقطعت الدرع أي اللبس الذي كان لابسه قوله وجدت منها أي من تلك الضمة ريح الموت أي من شدتها قوله فأرسلني أي أطلقني قوله فلحقت عمر رضي الله عنه فيه حذف تقديره فانهزم المسلمون وانهزمت معهم فلحقت عمر قوله ما بال الناس أي ما حالهم قوله قال أمر الله أي قال عمر حكم الله تعالى وما قضا به وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي محذوف أي هذا الذي أصابهم أمر الله قوله ثم رجعوا أي ثم تراجعوا وهكذا في الرواية الآتية وكيفية رجوعهم قد تقدمت عن قريب قوله من قتل قتيلا أي مشرفا على القتل فهو مجاز باعتبار المال قال الكرماني ويحتمل أن يكون حقيقة بأن يراد بالقتيل القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق كما قال المتكلمون في جواب المغالطة المشهورة وهو أن إيجاد المعدوم محال لأن الإيجاد إما حال العدم فهو جمع بين النقيضين وإما حال الوجود وهو تحصيل للحاصل أن إيجاد الموجود بهذا الوجود لا بوجود متقدم قوله فأرضه مني هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره فأرضه منه قوله فقال أبو بكر أي الصديق رضي الله عنه قوله لا ها الله كلمة ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لا ها الله ما فعلت أي لا والله وقال ابن مالك فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لا ها الرحمن كما سمع لا والرحمن وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى رفع الله والمعنى يأبى الله وقيل إن ثبتت الرواية بالرفع فيكون ها للتنبيه والله مبتدأ وقوله لا يعمد خبره وفيه تأمل قوله إذا بكسر الهمزة وبالذال المعجمة المنونة وقال الخطابي هكذا نرويه وإنما هو في كلامهم أي العرب لا ها الله يعني بدون الهمزة في أوله والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله لا يكون ذا وقال عياض في ( المشارق ) عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لا ها الله إذا خطأ والصواب لا ها الله ذا يميني وقسمي وقال أبو زيد ليس في كلامهم لا ها الله إذا وإنما هو لا ها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعني لا والله هذا ما أقسم به وقال الطيبي ثبت في الرواية لا ها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تعبير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لا ها الله بدون ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء ومقتضى الجزاء أن لا يذكر إلا في قوله لا يعمد بل كان يقول إذا يعمد إلى أسد ليصح جوابا لطالب السلب انتهى وقد أطال بعضهم الكلام في هذا جدا مختلطا بعضه ببعض من غير ترتيب فالناظر فيه إن كان له يد يشمئز خاطره من ذلك وإلا فلا يفهم شيئا أصلا والذي يقال بما يجدي الناظر أنه إن كان إذا على ما هو الموجود في الأصول يكون معناه حينئذ وإن كان ذا بدون الهمزة فوجهه ما تقدم فلا يحتاج إلى الإطالة الغير الطائلة قوله لا يعمد أي لا يقصد النبي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حظه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه وقال الكرماني ويعمد بالغيبة والتكلم ووقع في ( مسند أحمد ) أن الذي خاطب النبي بذلك عمر ولفظه فيه فقال عمر والله لا يفيئها الله على أسد ويعطيكها فقال النبي صدق عمر قلت صاحب القصة أبو قتادة فهو اتقن لما وقع فيها من غيره وقيل يحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لأبي بكر رضي الله عنه قوله فابتعت به أي اشتريت بذلك السلب وقال الواقدي باعه الحاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق قوله مخرفا بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة قيل يجوز فيه كسر الخاء وهو البستان وسمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجني وذكر الواقدي أن هذا البستان كان يقال له الودنيين والمخرف بكسر الميم إسم الآلة التي يجتني بها قوله في بني سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار وهم ثوم أبي قتادة قوله تأثلته بالتاء المثناة من فوق وفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وضم التاء المثناة من فوق أي اتخذته أصل المال واقتنيته وأثلة كل شيء أصله
4322 - وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله فقال رسول الله من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لألتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه منه فقال أبو بكر كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله قال فقام رسول الله فأداه إلي فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تاثلته في الإسلام
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو معلق وصله البخاري في الأحكام عن قتيبة عن الليث ويحيى بن سعد هو الأنصاري
قوله يختله بالخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق أي يخدعه قوله حتى تخوفت أي الهلاك وهو مفعول قد حذف قوله بدالي أي ظهر لي قوله الذي يذكر أي أبو قتادة وفي رواية الكشميهني الذي ذكره قوله كلا كلمة ردع قوله لا يعطه أي لا يعطي رسول الله سلاح الرجل الذي هو سلبه قوله أصيبغ بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة بعدها الغين المعجمة وهو نوع من الطير ضعيف شبهه به لعجزه وهو أنه وقيل شبهه بالصبغاء وهو نبت معروف وقيل نبت ضعيف كالثمام إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر هذا الضبط رواية القابسي وفي رواية أبي ذر بالضاد المعجمة والعين المهملة وعلى روايته هو تصغير الضبع على غير قياس كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز وقال ابن مالك أضيبع بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف قوله ويدع أي يترك وهو بالنصب وقال الكرماني ويدع بالرفع والجر نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن
56 -
( باب غزوة أوطاس )
أي هذا باب في بيان غزوة أوطاس قال عياض هو واد في ديار هوازن وهو موضع حرب حنين وهو من وطست الشيء موطسا إذا كددته وأثرت فيه والوطيس نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم والوطيس التنور
57 -
( باب غزوة الطائف )
أي هذا باب في بيان غزوة الطائف وهو بلد كبير مشهور كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق وأصل تسميته بالطائف أن هشاما ذكر أن رجلا من الصدف يقال له لدمون بن عبيد بن مالك قتل ابن عم له يقال له عمر بحضرموت ثم هرب ورأى مسعود بن معتب الثقفي يعرج ومعه مال كثير وكان تاجرا فقال أحالفكم لتزوجوني وأزوجكم وأبني عليكم طوفا مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب فبنى بذلك المال طوفا عليهم فسمي به الطائف وحكى السهيلي أن الجنة التي ذكرها الله تعالى في قوله فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ( القلم 19 ) هي الطائف

(17/302)


اقتلعها جبريل عليه الصلاة و السلام من موضعها فأصبحت كالصريم وهو الليل ثم سار بها إلى مكة شرفها الله تعالى فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف اليوم فسمى بها وكانت تلك الجنة بضوران على فرسخ من صنعاء ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حوله من الأرض وكانت قصة هذه الجنة بعد عيسى عليه الصلاة و السلام بيسير
في شوال سنة ثمان قاله موسى بن عقبة
أي كانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان قاله موسى بن عقبة بالقاف صاحب ( المغازي ) وعلى قول الجمهور من أهل المغازي
4324 - حدثنا ( الحميدي ) سمع ( سفيان ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( زينب ابنة أبي سلمة ) عن ( أمها ) أم ( سلمة ) رضي الله عنها دخل علي النبي وعندي محنث فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي لا يدخلن هاؤلاء عليكن
وجه ذكر هذا الحديث هو أن فيه ذكر فتح الطائف والحميدي هو عبد الله بن الزبير نسب إلى أحد أجداده وسفيان هو ابن عيينة وهشام هو ابن عروة بن الزبير وزينب ابنة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وكان اسمها برة فسماها النبي زينب واسم أمها أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية زوج النبي وفي هذا الإسناد لطيفة هشام عن أبيه وهما تابعيان وزينب وأمها وهما صحابيتان
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمود بن غيلان هنا وفي النكاح أيضا عن عثمان بن أبي شيبة وفي اللباس عن أبي غسان مالك بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن آدم وغيره وأخرجه ابن ماجه في النكاح وفي الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله مخنث قال النووي بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفتح أشهر وهو الذي خلقه خلق النساء سمي به لانكسار كلامه ولينه يقال خنثت الشيء فتخنث أي عطفته فتعطف قوله يا عبد الله هو أخو أم سلمة راوية الحديث وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحارث في غزوة الفتح واستشهد بالطائف أصابه سهم فمات منه قوله أرأيت أي أخبرني قوله فعليك أي إلزم ابنة غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون واسم ابنته بادية ضد الحاضرة وقيل بادنة بالنون بعد الدال وقال أبو نعيم أسلمت وسألت رسول الله عن الاستحاضة وأبو غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس وهو ثقفي أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر وهو أحد من قال لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( الزخرف 31 ) وكان أبيض طوالا جعدا فخما جميلا ولما وفد على كسرى واستحسن عقله قال له كسرى ما غذاؤك قال البر قال كسرى هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر وذكر المبرد أن كسرى قال هذا لهوزة بن علي قال السهيلي والصحيح عند الإخبار بين أنه قاله لغيلان وكذا قاله أبو الفرج الأصبهاني وأم غيلان سبيعة بنت عبد شمس وكان شاعرا محسنا توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان قال بثمان ولم يقل بثمانية لأنه أراد الأطراف وهي مذكرة لأنه لم يذكرها وكذلك بأربع ولم يقل بأربعة لأن العكن واحدتها عكنة وهو من التأنيث المعنوي يقال أربع على تأنيث العدد وقال الخطابي يريد أربع عكن في البطن من قدامها فإذا أقبلت رؤيت مواضعها شاخصة منكسرة الغضون وأراد بالثمان أطراف هذه العكن من ورائها عند منقطع الجنبين قلت حاصله أن السمينة يحصل لها في بطنها أربع عكن ويرى من الوراء لكل عكنة طرفان وقال الخطابي وهذا إنما كان يؤذن له على أزواج النبي على أنه من جملة غير أولى إلا ربة من الرجال فلم ير بأسا به وقال ابن الكلبي إنه قال تغدو وتدبر بمثان مع ثغر كالأقحوان إن قعدت تثنت وإن تكلمت تغنت بين رجليها مثل الإناء المكفوف ورسول الله يسمع فقال لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى فلما فتح الطائف

(17/303)


تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له نزيهة ولما قبض أبي أن يرده الصديق رضي الله تعالى عنه ولما ولي عمر رضي الله عنه قيل له إنه قد ضعف وكبر فاحتاج فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل الناس ويرد إلى مكانه وفي ( صحيح ابن حبان ) عن عائشة رضي الله عنها دخل النبي وهيت ينعت امرأة من يهود فأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم وفي ( مسند سعد بن أبي وقاص ) إنه خطب امرأة بمكة وهو مع النبي فقال ليس عندي من يراها ولا من يخبرني عنها فقال هيت أنا أنعتها إذا أقبلت أقبلت بست وإذا أدبرت أدبرت بأربع وكان يدخل على سودة فقال رسول الله ما أراه إلا منكرا فمنعه ولما قدم المدينة نفاه ولأبي داود من حديث أبي هريرة أتى النبي مخنث قد خضب يديه ورجليه فقيل يا رسول الله هذا يتشبه بالنساء فنفاه إلى البقيع فقيل ألا تقتله فقال إني نهيت عن قتل المصلين
قال ابن عيينة وقال ابن جريج المخنث هيت
أي قال سفيان بن عيينة وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج اسم المخنث المذكور في الحديث بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخر تاء مثناة من فوق وقيل بفتح الهاء ووجد هكذا بخط بعض الفضلاء المتقدمين وقيل هنب بنون ساكنة بعد هاء مكسورة وفي آخره باء موحدة وقال ابن درستويه هذا هو الصواب وما سواه تصحيف قال والهنب الأحمق وقيل اسمه ماتع بالتاء المثناة من فوق ذكره أبو موسى المديني في الصحابة حيث قال هيت ماتع وهو مولى عبد الله بن أبي أمية المذكور معه وعند أبي موسى نفى أبو بكر ماتعا إلى فدك وليس بها أحد يومئذ من المسلمين وكان في المدينة مخنث آخر اسمه الهدم بكسر الهاء وسكون الدال وفي الطبراني من حديث واثلة بن الأسقع أنه أخرج الحر وأخرج عمر رضي الله عنه فلانا وفلانا وكان هؤلاء على عهد رسول الله كان فيهم لين في القول وخضاب في الأيدي والأرجل ولا يرمون بفاحشة وربما لعب بعضهم بالكرج وفي مراسيل أبي داود أن عمر رضي الله عنه رأى لاعبا بالكرج فقال لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد رسول الله لنفيتك من المدينة قلت الكرج بضم الكاف وتشديد الراء المفتوحة وفي آخره جيم معرب كرة
4325 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( أبي العباس الشاعر الأعمى ) عن ( عبد الله بن عمرو ) قال لما حاصر رسول الله الطائف فلم ينل منهم شيئا قال إنا قافلون إن شاء الله فثقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتحه وقال مرة فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراح فقال إنا قافلون غدا إن شاء الله فأعجبهم فضحك النبي وقال سفيان مرة فتبسم قال قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وأبو العباس الشاعر اسمه السائب بن فروخ المكي الأعمى وعبد الله بن عمرو بن العاص هكذا وقع عمرو بالواو وفي رواية الكشميهني والنسفي والأصيلي وقرىء على ابني زيد المروزي فرده بضم العين المهملة وقال الدارقطني الصواب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكذلك عند ابن المديني والحميدي وغيرهما من حفاظ أصحاب ابن عيينة عبد الله بن الخطاب وقد بالغ الحميدي في ( مسنده ) في روايته عن ابن عيينة في الحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب وكذلك أخرجه البيهقي في ( الدلائل ) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأخرجه بن أبي شيبة عن ابن عيينة فقال عبد الله بن عمرو يعني بالواو وكذا رواه عنه مسلم وكذا روى عن يحيى بن معين وهذا كما رأيت فيه اختلاف شديد ولكن غير ضار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدي عن قتيبة وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في الموضعين من السير عن عبد الجبار بن العلاء
قوله

(17/304)


لما حاصر رسول الله الطائف كانت مدة المحاصرة ثمانية عشر يوما ذكره ابن سعد ويقال خمسة عشر يوما وقال ابن هشام سبعة عشر يوما وعن مكحول أنه نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما وفي ( الجمع بين الصحيحين ) لأبي نعيم الحداد حصار الطائف كان أربعين ليلة وروى يونس عن ابن إسحاق ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك وفي ( السير ) لسليمان بن طرخان أبي المعتمر حاصرهم شهرا وعند الزهري وابن حبان بضع عشرة ليلة وصححه ابن حزم وعن الربيع بن سالم عشرين يوما قوله إنا قافلون أي راجعون إلى المدينة قوله فثقل عليهم يعني قوله إنا قافلون وبين سبب ذلك بقولهم نذهب ولا نفتحه فقال أغدو على القتال يعني يروا أول النهار لأجل القتال قوله فأصابهم جراح أي من السهام والحجارة وسكك الحديد المحماة قوله فأعجبهم أي قوله إنا قافلون غدا إن شاء الله لأنهم كانوا تألموا منهم فلما سمعوا من النبي القفول فرحوا فلذلك ضحك قوله وقال سفيان أي ابن عيينة الراوي مرة فتبسم وهذا ترديد منه قوله قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله بالنصب أي أخبرنا سفيان بجميع الحديث بلفظ أخبرنا وأخبرني لا بغيره مثل العنعنة ووقع في رواية الكشميهني بالخبر كله
4327 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عاصم ) قال سمعت ( أبا عثمان ) قال سمعت ( سعدا ) وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي فقالا سمعنا النبي يقول من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام
مطابقته للترجمة في قوله وكان أي أبو بكرة تسور حصن الطائفة ولم يقع هذا إلا في وقت حصار النبي
وغندر قد مر غير مرة وهو محمد بن جعفر وعاصم هو ابن سليمان وأبو عثمان هو عبد الرحمن النهدي بالنون وسعد هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة وأبو بكرة اسمه نفيع بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة ابن مسروح ويقال نفيع بن كلدة وكان من عبيد الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي غلبت عليه كنيته واسم أمه سمية أمة للحارث بن كلدة وهي أم زياد بن أبي سفيان وتدلى أبو بكرة من حصن الطائف ببكرة ونزل إلى رسول الله فكناه أبا بكرة وسكن البصرة ومات بها في سنة إحدى وخمسين وكان ممن اعتزل يوم الجمل لم يقاتل مع واحد من الفريقين وكان من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم
قوله وكان تسور حصن الطائف لأنه أسلم وهو في الحصن وعجز عن الخروج منه إلا بهذا الطريق وتسور الحائط أي تسلقه قوله في أناس يعني من عبيد أهل الطائف وذكر في الطبقات بضعة عشر رجلا منهم المنبعث عبد عثمان بن عامر بن معتب وكان اسمه المضطجع فبدل رسول الله اسمه ومنهم الأزرق عبد الحارث بن كلدة المتطبب وزوج سمية مولاة الحارث وأم زياد ثم حالف بني أمية لأن النبي دفعه إلى خالد بن سعيد بن العاص ليعلمه الإسلام ومنهم وردان كان لعبد الله بن ربيعة وهو جد الفرات بن زيد بن وردان ومنهم يحنس النبال كان لابن مالك الثقفي ومنهم إبراهيم بن جابر كان لخرشة الثقفي ومنهم بشار كان لعثمان بن عبد الله ومنهم نافع مولى الحارث بن كلدة ومنهم نافع مولى غيلان بن سلمة الثقفي وهؤلاء الذين وجدنا أساميهم ليس إلا وجعل سيدنا رسول الله ولاء هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا قوله من ادعى إلى غير أبيه أي من انتسب إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام إما على سبيل التغليظ وإما أنه إذا استحل ذلك
وقال هشام وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية أو أبي عثمان النهدي قال سمعت سعدا وأبا بكرة عن النبي قال عاصم قلت لقد شهد عندك رجلان

(17/305)


حسبك بهما قال أجل أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله وأما الآخر فنزل إلي النبي ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف
هشام هو ابن يوسف الصنعاني وعاصم قد مر الآن وأبو العالية رفيع مصغر رفع ضد الخفض ابن مهران الرياحي البصري أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي بسنتين
قوله أو أبي عثمان شك من الراوي وهو مر عن قريب قوله عندك خطاب لأبي العالية أو لأبي عثمان والذي يخاطب هو عاصم قوله رجلان أراد بهما سعدا وأبا بكرة قوله حسبك بهما أي كافيك بهذين الإثنين في الشهادة قوله وأما الآخر فهو أبو بكرة قوله ثالث ثلاثة وعشرين من الطائفة أراد أن الذين نزلوا من أهل الطائف راغبين في الإسلام ثلاثة وعشرون وأبو بكرة منهم وأراد البخاري بهذه الرواية بيان عدد من أبهم في الرواية السابقة لأنه قال فيها في أناس وهو مبهم من حيث العدد وبينه في هذه الرواية فإن قلت قد زعم موسى بن عقبة في مغازيه أنه لم ينزل من سور الطائف غير أبي بكرة وتبعه الحاكم في ذلك ( قلت الذي في الصحيح ) يرد عليه ووفق بعضهم بين القولين بأن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعد والله أعلم
4328 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله عنه قال كنت عند النبي وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتى النبي أعرابي فقال ألا تنجز لي ما وعدتني فقال له أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال رد البشرى فاقبلا أنتما قالا قبلنا ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا فأخذا القدح ففعلا فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه طائفة ( انظر الحديث 188 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه من متعلقات غزوة حنين وأبو أسامة هو حماد بن أسامة وبريد وأبو بردة كلاهما بضم الباء الموحدة وبريد بن عبد الله يروي عن جده أبي بردة عامر عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
وهذا الإسناد بعينه قد مضى ببعض الحديث في الطهارة في باب الوضوء والغسل في المخضب والقدح وأخرجه مسلم في فضائل النبي
قوله بالجعرانة بكسر الجيم سكون العين المهملة وتخفيف الراء وقد تكسر العين وتشدد الراء وقد مضى تفسيره غير مرة قوله بين مكة والمدينة قال عياض هي بين الطائف ومكة وإلى مكة أقرب وقال الفاكهاني بينها وبين مكة بريد وقال الباجي ثمانية عشر ميلا وقد أنكر الداودي قوله إن الجعرانة بين مكة والمدينة وقال إنما هي بين مكة والطائف وبه جزم النووي قوله ألا تنجز لي أي ألا توفي لي ما وعدتني وهذا الوعد الذي ذكره يحتمل أن يكون وعدا خاصا لهذا الأعرابي ويحتمل أن يكون من الوعد العام الذي وعد أن يقسم غنائم حنين بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف وكان طلبه التعجيل بنصيبه منها قوله أبشر بهمزة قطع يعني أبشر أيها الأعرابي بقرب القسمة أو الثواب الجزيل على الصبر قوله فنادت أم سلمة وهي زرج النبي أم المؤمنين فلهذا قالت لأمكما قوله فأفضلا من الإفضال قوله طائفة أي بقية
329 - ( حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول ليتني أرى رسول الله

(17/306)


حين ينزل عليه قال فبينا النبي بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل به معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بالطيب فأشار عمر إلى يعلى بيده أن تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه فقال أين الذين يسألني عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فأتي به فقال أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك )
مطابقته للترجمة في قوله بالجعرانة وإسماعيل هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة ابن أمية ويقال منية وهي أمه أخت عتبة بن غزوان وأبوه أيضا أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث قال أبو عمر ينسب حينا إلى أمه وحينا إلى أبيه قتل بصفين مع علي رضي الله تعالى عنه سنة ثمان وثلاثين بعد أن كان مع عائشة في وقعة الجمل روى هذا الحديث عنه ابنه صفوان وروى عنه عطاء في مواضع والحديث مضى في أوائل الحج في باب غسل الخلوق وأيضا مضى في باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن همام عن عطاء قوله حين ينزل عليه أي الوحي قوله متضمخ بالرفع صفة أعرابي بعد صفة أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو متضمخ أي متلطخ قوله يغط يقال غط أي هدر في الشقشقة وغطيط النائم غيره قوله ثم سرى عنه أي انكشف وقد مر شرحه مستوفى في باب غسل الخلوق -
4330 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( وهيب ) حدثنا ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباد بن تميم ) عن ( عبد الله بن زيد بن عاصم ) قال لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله قال كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض
مطابقته للترجمة في قوله يوم حنين ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري وعمرو بن يحيى بن عمارة الأنصاري المدني وعباد بتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني سمع عمه عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو الأنصاري المازني المدني له ولأبويه ولأخيه حبيب صحبة وهو الذي حكى وضوء النبي
وأخرج البخاري في التمني بعض هذا الحديث وأخرجه مسلم في الزكاة عن شريح بن يونس
قوله لما أفاء الله على رسوله أي لما أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين وأصل الفيء الرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه يرجع من جانب إلى جانب ومنه سميت أموال الكفار فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين لأن الإيمان هو أصل والكفر طار عليه ولكنهم غلبوا عليها

(17/307)


بالتعدي فإذا غنمها المسلمون فكأنها رجعت إليهم قوله قسم مفعوله محذوف أي قسم الغنائم في الناس قوله في المؤلفة قلوبهم بدل البعض من الكل والمراد بالمؤلفة قلوبهم هنا ناس حديثو العهد بالإسلام أعطاهم تأليفا لقلوبهم وسرد أصحاب السير أسماءهم ما ينيف على الأربعين منهم أبو سفيان وابناه معاوية ويزيد قوله وجدوا أي حزنوا يقال وجد في الحزن وجدا بفتح الواو ووجد في المال وجدا بالضم ووجدا بالفتح ووجدا بالكسر وجدة أي استغنى ووجده مطلوبه يجده وجودا ووجد ضالته وجدانا ووجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضا حكاها بعضهم وفي رواية أبي ذر فكأنهم وجد بضمتين جمع الواجد ويروى بضم الواو وسكون الجيم وحاصل رواية أبي ذر فكأنهم وجد إذ لم يصبهم ما أصاب الناس أو كأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس أورده على الشك والتكرار وقال الكرماني فإن قلت ما فائدة التكرار قلت إذا كان الأول إسما والثاني فعلا فهو ظاهر أو أحدهما من الحزن والثاني من الغضب أو هو شك من الراوي ووقع للكشميهني وحده وجدوا في الموضعين وكذا وقع في أصل النسفي وفي رواية مسلم وقال عياض وقع في نسخة من الثاني إن لم يصبهم يعني بفتح الهمزة وبالنون قال وعلى هذا تظهر فائدة التكرار قوله فخطبهم زاد مسلم فحمد الله وأثنى عليه قوله ضلالا بضم الضاد وتشديد اللام جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك وبالهداية الإيمان قوله وعالة جمع العائل وهو الفقير قوله كلما قال شيئا أي كلما قال رسول الله من ذلك شيئا قالوا أي الأنصار قوله الله ورسوله ورسوله أمن بفتح الهمزة والميم وتشديد النون وهو أفعل التفضيل من المن ويوضحه حديث أبي سعيد فقالوا ماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المن والفضل قوله قال كلما قال شيئا في المرة الثانية تكرار من الراوي للأول قوله قال لو شئتم أي قال رسول الله لو شئتم قلتم جئتنا بفتح التاء للخطاب قوله كذا وكذا كناية عما يقال جئتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فوا سيناك وصرح بذلك في حديث أبي سعيد وروى أحمد من حديث ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ أفلا تقولون جئتنا خائفا فآمناك وطريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك قالوا بل المن علينا لله ولرسوله انتهى وإنما قال ذلك رسول الله تواضعا منه وإنصافا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بنيهم وبين غيرهم فرق نبه على ذلك بقوله أترضون الخ ويروى ألا ترضون ففيه تنبيه لهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية قوله بالشاة والبعير كل منهما إسم جنس فالشاة تقع على الذكر والأنثى والبعير على الجمل والناقة وفي رواية الزهري أترضون أن يذهب الناس بالأموال وفي رواية أبي التياح بالدنيا قوله إلى رحالكم أي إلى بيوتكم ومنازلكم وهو جمع رحل بالحاء المهملة قوله لولا الهجرة أي لولا وجود الهجرة قال الخطابي أراد بهذا الكلام تألف الأنصار وتطيب قلوبهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان على وجوه الولادية كالقرشية والبلادية كالكوفية والإعتقادية كالسنية والصناعية كالصيرفية ولا شك أنه لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه إذ ذاك ممتنع قطعا وكيف وأنه أفضل منهم نسبا وأكرمهم أصلا وأما الاعتقادي فلا موضع فيه للانتقال إذا كان دينه ودينهم واحدا فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجنائز فيهما الانتقال وكانت المدينة دارا للأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتقلت عن هذا الإسم إليكم ولانتسبت إلى داركم قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار فقد يكون ذهب هذا المذهب إن كان أراد نسبة الولادة قوله ولو سلك الناس واديا أو شعبا بكسر الشين المعجمة وهو إسم لما انفرج بين جبلين وقيل الطريق في الجبل وقال الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد قوله شعار بكسر الشيخ المعجمة والعين المهملة الخفيفة وهو الثوب الذي يلي الجلد من الجسد والدثار وبكسر

(17/308)


الدال المهملة وبالثاء المثلثة الخفيفة وهو الذي فوق الشعار وهو كناية عن فرط قربهم منه وأراد أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم قوله آثرة بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحتين وهو إسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى قال ابن الأثير أراد أنه يؤثر عليكم فيفضل غيركم من نصيبه من الفيء ويروى إثرة بكسر أوله مع الإسكان أي الانفراد بالشيء المشترك دون من يشاركه فيه قوله على الحوض أي يوم القيامة وفي رواية الزهري حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض أي اصبروا حتى تموتوا فإنكم ستجدوني عند الحوض فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر
4331 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( هشام ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال النبي فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا فقال لهم النبي ستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض قال أنس فلم يصبروا
مطابقته للترجمة في قوله من أموال هوازن وهشام هو ابن يوسف الصنعاني
قوله فطفق من أفعال المقاربة من الأفعال التي وضعت للدلالة على الشروع فيه وخبره يكون جملة وهو هنا قوله يعطي قوله المائة منصوب بقوله يعطي قوله وسيوفنا تقطر من باب القلب قوله فحدث على صيغة المجهول أي أخبر النبي بمقالتهم وقال ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري إن الذي أخبر النبي بمقالتهم سعد بن عبادة قوله من آدم بفتحتين جمع أديم وهو الجلد الذي تم دباغه وقال السيرافي لم يجمع فعيل على فعل إلا أديم وأدم وأفيق وافق وقضيم وقضم والقضم الصحيفة وهو بالقاف والضاد المعجمة قوله غيرهم أي غير الأنصار قوله قام النبي أي قام خطيبا قوله رؤساؤنا جمع الرئيس ويروى ريسانا بكسر الراء بعدها الياء آخر الحروف قوله حديثي عهد أصله حديثين عهد فلما أضيف إلى العهد سقطت النون قوله لما تنقلبون أي للذي تنقلبون به وهو رسول الله خير مما ينقلب هؤلاء بالأموال واللام في لما بالفتح لأنه كلام التأكيد وكلمة ما موصولة مبتدأ وخبره قوله خير قوله أثرة شديدة وجه الشدة أنهم يستأثرون عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق
4332 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس ) قال لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله غنائم بين قريش فغضبت الأنصار قال النبي

(17/309)


أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله قالوا بلى قال لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم
هذا طريق آخر في حديث أنس وأبو التياح فيه بفتح التاء المثناة وتشديد الياء آخر الحروف واسمه يزيد بن حميد قوله بين قريش هكذا في رواية الكشميهني والأصيلي وفي رواية أبي ذر غنائم في قريش ووقع للقابسي غنائم قريش والمراد بالغنائم غنائم هوازن لأنه لم يكن عند فتح مكة غنائم حتى تقسم قوله وادي الأنصار هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء ولكن أراد به هنا بلدهم
4333 - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر عن ابن عون أنبأنا هشام بن زيد بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا قال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله وسعديك لبيك نحن بين يديك فنزل النبي فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون فأعطى الطلقاء والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا فقالوا فدعاهم فأدخلهم في قبة فقال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله فقال النبي لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لاخترت شعب الأنصار
هذا طريق آخر في حديث أنس عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن أزهر بن سعد السمان البصري عن عبد الله ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن مالك
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي موسى وإبراهيم ابن محمد بن عرعرة
قوله التقى هوازن أي التقى النبي هوازن والواو في ومع النبي للحال والطلقاء هكذا في رواية الكشميهني عشرة آلاف والطلقاء بحرف الواو التي للعطف ويروى عشرة آلاف من الطلقاء وليس بصواب لأن الطلقاء لم يبلغوا هذا القدر ولا عشر عشره وقد تكلف بعضهم بأن الواو فيه مقدرة عند من جوز تقدير حذف العطف وفيه نظر لا يخفى والطلقاء جمع طليق وهو الأسير الذي أطلق عنه الأسر وخلى سبيله ويراد بهم أهل مكة فإنه أطلق عنهم وقال لهم أقول لكم ما قال يوسف لا تثريب عليكم اليوم ( يوسف 92 ) قوله فقالوا أي تكلموا في منع العطاء عنهم
4334 - ح ( دثني محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه قال جمع النبي ناسا من الأنصار فقال إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم قالوا بلى قال لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار
هذا طريق آخر في حديث أنس عن محمد بن بشار وهو بندار عن غندر وهو محمد بن جعفر إلى آخره
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الزكاة عن أبي موسى وبندار وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار به وأخرجه النسائي في الزكاة عن إسحاق بن إبراهيم
قوله حديث عهد كذا وقع بالإفراد في ( الصحيحين ) والأصل أن يقال حديثو عهد كذا قال الدمياطي وكتبه بخطه وعند الإسماعيلي أن قريشا كانوا قريب عهد قوله ومصيبة من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم قوله إن أجبرهم بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالباء الموحدة وبالراء من الجبر ضد الكسر هكذا رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي والمستملي بضم أوله وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالزاي من الجائزة

(17/310)


4335 - حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال لما قسم النبي قسمة حنين قال رجل من الأنصار ما أراد بها وجه الله فأتيت النبي فأخبرته فتغير وجهه ثم قال رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هاذا فصبر
مطابقته للترجمة في قوله قسمة حنين وقبيصة بن عقبة وسفيان بن عيينة والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه مسلم أيضا في الزكاة
قوله قال رجل من الأنصار قال الواقدي هو معتب ابن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وقال صاحب ( التلويح ) لم أر أحدا قال إنه من الأنصار إلا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي ولم يصب في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه على ما يأتي عن قريب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قوله ما أراد بها أي بهذه القسمة وفي رواية منصور ما أريد بها على يعني على صيغة المجهول على ما يأتي الآن قوله فأتيت النبي فأخبرته ويروي فقلت لأخبرن النبي
4336 - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين آثر النبي ناسا أعطى الأقرع مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذالك وأعطى ناسا فقال رجل ما أريد بهاذه القسمة وجه الله فقلت لأخبرن النبي قال رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هاذا فصبر
هذا طريق آخر في حديث ابن مسعود وقد مضى في الخمس في باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله إلي آخره
قوله آثر أي اختص قوله أعطى بيان للجملة السابقة والأقرع هو ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي ويقال كان اسمه فراس والأقرع لقبه وعيينة بضم العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وسكون الثاني وبالنون ابن حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري قوله مثل ذلك أي مثل ما أعطى للأقرع قوله وأعطى ناسا أي ناسا آخرين وفي الحديث الذي مضى في الخمس وأعطى ناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة
337 - ( حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا ابن عون عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم ومع النبي عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون فأصاب يومئذ غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم قالوا بلى فقال النبي لو سلك الناس

(17/311)


واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار فقال هشام يا با حمزة وأنت شاهد ذاك قال وأين أغيب عنه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وكان الوجه أن يقدم حديث أنس هذا على حديث عبد الله بن مسعود الذي سبق لتوالي طرق حديث أنس قيل الظاهر أنه من تغيير الرواة عن الفربري فإن طريق أنس هذا سقط من رواة النسفي فلعل البخاري ألحقه فكتبه مؤخرا عن مكانه وقد أخرج هذا محمد عن ابن بشار عن معاذ بن نصر التميمي قاضي البصرة عن عبد الله بن عون إلى آخره وأخرج ذاك الطريق عن علي بن عبد الله عن الزهري عن عبد الله بن عون إلى آخره قوله بنعمهم بفتح النون والعين وهي الشاة والبعير قوله وذراريهم بتشديد الياء وتخفيفها وكانت عادتهم إذا أرادوا الثبات في القتال استصحبوا الأهالي وثقلهم معهم إلى موضع القتال قوله ومن الطلقاء ويروى من الطلقاء وليس بصواب وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله شديدة يعني قضية شديدة مثل حرب قوله فنحن ندعى على صيغة المجهول أي نطلب قوله ويعطى أي النبي قوله فبلغه ذلك أي فبلغ النبي ذلك أي ما قالوه ويروى ذاك بدون اللام قوله تحوزونه بالحاء المهملة والزاي يقال حازه يحوزه إذا قبضه وملكه واستبد به ويروى تجيرونه بالجيم والراء قاله الكرماني وفسره بقوله تنقذونه فلينظر في ذلك قوله فقال هشام هو هشام بن زيد الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور قوله يا با حمزة أصله يا أبي حمزة فحذفت الألف للتخفيف وأبو حمزة كنية أنس بن مالك قوله شاهد ذاك كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره شاهد ذلك باللام فيه قوله وأين أغيب عنه استفهام إنكاري حاصل المعنى يا هشام لا تظن أن أنسا يغيب عن ذلك -
58 -
( باب السرية التي قبل نجد )
أي هذا باب في بيان السرية التي كانت قبل نجد أي جهته وقبل بككسر القاف وفتح الباء الموحدة و النجد بفتح النون وسكون الجيم وهو ككل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق والسرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تنبعث إلى العدو وتجمع على سرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم والشيء السري أي النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بالوجه لأن لام السر راء وهذه ياء وكانت هذه السرية قبل توجه النبي لفتح مكة وهكذا ذكرها أهل المغازي والبخاري ذكرها بعد غزوة الطائف وقال ابن سعد كانت في شعبان سنة ثمان وذكر غيره أنها كانت قبل مؤتة ومؤتة كانت في جمادي من السنة المذكورة وقال ابن سعد وكان أميرهم أبا قتادة أوصله النبي إلى أرض محارب بنجد ومعه خمسة عشر رجلا فغنموا مائتي بعير وألفي شاة وسبوا سبايا كثيرة وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة فجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه وقسموا ما بقي على السرية وقال ابن لاتين وروي أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا وأنه أخذ الثلثين منها قال ولو كان النفل من خمس الخمس لم يعمهم ذلك

(17/312)


59 -
( باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة )
أي هذا باب في بيان بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وهي قبيلة من عبد قيس قاله الكرماني وليس كذلك لأنه ظن أنهم من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف قبيلة من عبد القيس وإنما هو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة وهذا البعث كان عقيب فتح مكة في شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي وكانوا بأسفل مكة من ناحية يلملم وقال ابن سعد بعث النبي إليهم خالد ابن الوليد في ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا

(17/313)


60 -
( باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزر المدلجي ويقال إنها سرية الأنصاري )
أي هذا باب في بيان سرية عبد الله إلى آخره وليس في كثير من النسخ لفظ باب وقد مر تفسير السرية عن قريب وعبد الله بن حذافة بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة وبالفاء ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي أسلم قديما وكان من المهاجرين الأولين إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ويقال إنه شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين وكانت فيه دعابة وكان رسول الله بعثه إلى كسرى وقال خليفة بن خياط وفي سنة تسع عشرة أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي وقال ابن لهيعة توفي عبد الله بن حذافة السهمي بمصر ودفن بمقبرتها وعلقمة بن مجزر بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى الثقيلة وحكى فتحها والأول أشهر وقال عياض وقع لأكثر الرواة بسكون الحاء المهملة وكسر الراء وقال بعضهم وأغرب الكرماني فضبطه بالحاء المهملة وتشديد الراء فتحا وكسرا وهو خطأ ظاهر انتهى قلت هذا تشنيع ظاهر عليه من غير وجه لأنه لم يضبط إلا بقوله بضم الميم وفتح الجيم وفتح الزاي المشددة وكسرها وبزاي أخرى ثم قال وقال بعضهم هو بالحاء المهملة وبالراء المشددة فتحا وكسرا ثم بالزاي المعجمة ونسبة الخطأ إليه خطأ لأنه حكى ذلك عن بعضهم وليس عليه في ذلك مؤاخذة وقال الذهبي علقمة بن مجزز الأعور بن جعدة الكناني المدلجي استعمله النبي على سرية وبعثه عمر رضي الله عنه على جيش إلى الحبشة فهلكوا كلهم وذكر أباه مجززا في الصحابة وقال القائف روى عن النبي قوله المدلجي بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم قال الرشاطي المدلجي في كنانة ينسب إلى مدلج بن مرة بن عبد مناة منهم من أصحاب النبي مجزز المدلجي القائف المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها وهو مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوادة بن عمرو بن مدلج نسبه إلى ابن الكلبي قوله يقال إنها أي إن هذه السرية سرية الأنصاري وأراد بها عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري وقال ابن الجوزي قوله الأنصاري وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي يحتمل الحمل على المعنى الأعم أي أنه نصر رسول الله في الجملة قلت فيه نظر لأن هذا الاحتمال يجري في جميع الصحابة والأنصار خلاف المهاجرين وليس المراد منه المعنى اللغوي
340 - ( حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش قال حدثني سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال بعث النبي سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال أليس أمركم النبي أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال ادخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف )
مطابقته للترجمة في قوله فاستعمل رجلا من الأنصار فإنه عبد الله بن حذافة وقد مر الكلام في قوله الأنصاري عبد الواحد هو ابن زياد والأعمش سليمان وسعد بن عبيدة بالتصغير أبو حمزة الكوفي ختن أبي عبد الرحمن واسم أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأحكام عن عمر بن حفص وفي خبر الواحد عن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وبندار وغيرهما وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن مسروق وأخرجه النسائي في البيعة والسير عن ابن المثنى وغيره قوله فغضب

(17/314)


وفي رواية الأعمش في الأحكام فغضب عليهم وفي رواية مسلم فأغضبوه في شيء قوله فهموا فسره الكرماني بقوله وحزنوا وليس كذلك بل المعنى قصدوا الدخول والدليل عليه رواية حفص فلما هموا بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض وفي رواية ابن جرير من طريق أبي معاوية عن الأعمش فقال لهم شاب منهم لا تعجلوا بدخولها وفي حديث أبي سعيد أنهم تحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم قوله حتى خمدت النار بفتح الميم يعني انطفى لهيبها وحكى المطرزي كسر الميم قوله فبلغ النبي وفي رواية حفص فذكر ذلك للنبي وفي رواية مسلم فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي قوله لو دخلوها ما خرجوا منها وفي رواية حفص ما خرجوا منها أبدا يعني أن الدخول فيها معصية والعاصي يستحق النار والمراد بقوله إلى يوم القيامة التأبيد يعني لو دخلوها مستحلين له لما خرجوا منها أبدا قوله الطاعة في المعروف يعني الطاعة للمخلوق في أمر عرف بالشرع وفي كتاب خبر الواحد لا طاعة في معصية وفي حديث أبي سعيد من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه وفيه أن الأمر المطلق يخص بما كان منه في غير معصية فافهم والله تعالى أعلم

(17/315)


عمدة القاري شرح صحيح البخاري
للعلامة بدر الدين العيني
الجزء الثامن عشر
عمدة القارى 18
62 -
( بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قبل حجة الوداع )
أي هذا بيان بعث النبي أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل الخ وفي بعض النسخ باب بعث أبي موسى الخ والبعث الإرسال مصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل كما قررناه وقيل أراد بقوله قبل حجة الوداع الإشارة إلى ما وقع في بعض أحاديث الباب أن أبا موسى رجع من اليمن فلقي النبي بمكة في حجة الوداع والقبلية أمر نسبي
4342 - حدثنا ( موسى ) حدثنا ( أبو عوانة ) حدثنا ( عبد الملك ) عن ( أبي بردة ) قال بعث رسول الله أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال واليمن مخلافان ثم قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا فانطلق كل واحد منهما إلى عمله قال وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال له معاذ يا عبد الله بن قيس أيم هاذا قال هذا رجل كفر بعد إسلامه قال لا أنزل حتى يقتل قال إنما جىء به لذالك فانزل قال ما أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل ثم نزل فقال يا عبد الله كيف تقرأ القرآن قال أتفوقه تفوقا قال فكيف تقرأ أنت يا معاذ قال أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ( الحديث 4342 - طرفه في 4345 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى هو ابن إسماعيل الذي يقال له التبوذكي وأبو عوانة بالفتح الوضاح اليشكري وعبد الملك بن عمير وأبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس وهذا مرسل وسيأتي من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى متصلا
قوله مخلاف بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وهو لليمن كالريف للعراق أي الرستاق والمخاليف الرساتيق أي الكور قوله واليم مخلافان أي أرض اليمن كورتان وكانت لمعاذ الجهة العليا إلى صوب عدن وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها مسجد مشهور إلى اليوم وكانت جهة أبي موسى السفلي

(18/2)


قوله إلى عمله أي موضع عمله قوله إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا كذا وقع في رواية الأكثرين إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به أي جدد العهد بزيارته ووقع في رواية سعيد بن أبي بردة التي تأتي في الباب فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى وزاد في رواية حميد بن هلال فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال إنزل قوله يسير حال من الضمير الذي في فجاء قوله وإذا هو جالس كلمه إذا للمفاجأة وكذا وإذا الثاني قوله وإذا رجل لم يدر ما اسمه لكن وقع في رواية سعيد بن أبي بردة أنه يهودي قوله قد جمعت يداه إلى عنقه جملة وقعت صفة لرجل قوله أيم بفتح الهمزة وضم الياء المشددة وفتح الميم واصله أي التي للاستفهام فزيدت عليها كلمة ما فقيل أيما وقد تسقط الألف فيصير أيم وقد تخفف الياء فيقال أيم بفتح الهمزة وسكون الياء وفتح الميم وذلك كما يقال ايش أصله أي شيء قوله إنما جيء به لذلك أي إنما جيء بالرجل المذكور للقتل قوله فقال يا عبد الله أي فقال معاذ بن جبل لأبي موسى يا عبد الله وهو اسمه كما غير مرة قوله أتفوقه بالفاء والقاف أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شيء يعني لا أقرأ وردي دفعة واحدة بل هو كما يحلب اللبن ساعة بعد ساعة واصله مأخوذ من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب هكذا دائما قوله جزئي بضم الجيم وسكون الزاي وكان قد جزأ الليل أجزاء جزء للنوم وجزء للقراءة وجزءا للقيام قوله فاحتسب من الاحتساب من باب الافتعال أي اطلب الثواب في نومتي بفتح النون وسكون الواو وفتح الميم كما أحتسب قومتي بفتح القاف وطلب الثواب في القومة ظاهر وأما في النومة بالنون فلأنه من جملة المعينات على الطاعة من القراءة ونحوها
4343 - ح ( دثني إسحاق ) حدثنا ( خالد ) عن ( الشيباني ) عن ( سعيد بن أبي بردة ) عن أبيه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال وما هي قال البتع والمزر فقلت لأبي بردة ما البتع قال نبيذ العسل والمزر نبيذ الشعير فقال كل مسكر حرام
مطابقته للترجمة في قوله بعثه إلى اليمن وإسحاق هو ابن شاهين قاله الحافظ المزي وقال بعضهم إسحاق هو ابن منصور والعمدة على الأول وخالد هو ابن عبد الله الطحان والشيباني هو سليمان بن فيروز
قوله البتع بكسر الباء الموحدة وسكون التاء المثناة من فوق وفي آخره عين مهملة قوله والمزر بكسر الميم وسكون الزاي وفي آخره راء قوله كل مسكر حرام هذا لا خلاف فيه
وقال صاحب ( التوضيح ) فيه حجة على أبي حنيفة في تجويزه ما لا يبلغ بشاربه السكر مما عدا الخمر قلت لا حجة عليه فيه لأن أبا بردة قال عقيب تفسير البتع والمزر كل مسكر حرام يعني إذا أسكر ولا يخالف فيه أحد
رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة
أي روى هذا الحديث جرير بن عبد الحميد وعبد الواحد بن زياد عن سليمان الشيباني عن أبي بردة عامر بن ( أبي موسى الأشعري ) بدون ذكر سعيد بن أبي بردة أما تعليق جرير فوصله الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة من طريق يوسف بن موسى كلاهما عن جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن أبي موسى وأما تعليق عبد الواحد فوصله
343 - ( حدثنا مسلم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال بعث النبي جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا فقال أبو موسى يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر وشراب من العسل البتع فقال كل مسكر حرام فانطلقا فقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن قال قائما وقاعدا

(18/3)


وعلى راحلته وأتفوقه تفوقا قال أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي وضرب فسطاطا فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق فقال ما هذا فقال أبو موسى يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ لأضربن عنقه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومسلم هو ابن إبراهيم وهذا مرسل ومعناه ظاهر
( تابعه العقد ووهب عن شعبة )
أي تابع مسلما عبد الملك بن عمرو العقدي ووهب بن جرير عن شعبة بن الحجاج عن سعيد بن أبي بردة ووصل متابعة العقد البخاري في الأحكام والعقدي بفتح العين والقاف نسبة إلى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد ووصل متابعة وهب إسحق بن راهويه في مسنده عنه
( وقال وكيع والنضر وأبو داود عن شعبة عن سعيد عن أبيه عن جده عن النبي )
وصل تعليق وكيع البخاري في الجهاد مختصرا ووصل تعليق النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل البخاري في الأدب ووصل تعليق أبي داود هشام بن عبد الملك الطيالسي في مسنده المروي من طريق يونس بن حبيب عنه وكذلك وصله النسائي من طريق أبي داود -
4346 - ح ( دثني عباس بن الوليد ) حدثنا ( عبد الواحد ) عن ( أيوب بن عائذ ) حدثنا ( قيس ابن مسلم ) قال سمعت ( طارق بن شهاب ) يقول حدثني ( أبو موسى الأشعري ) رضي الله عنه قال بعثني رسول الله إلى أرض قومي فجئت ورسول الله منيخ بالأبطح فقال أحججت يا عبد الله بن قيس قلت نعم يا رسول الله قال كيف قلت قال قلت لبيك إهلالا كإهلالك قال فهل سقت معك هديا قلت لم أسق قال فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة ثم حل ففعلت حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس ومكثنا بذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه
مطابقته للترجمة في قوله بعثني رسول الله إلى أرض قومي فإن أرض قومه اليمن وعباس بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالسين المهملة ابن وليد النرسي بفتح النون وسكون الراء وبالسين المهملة قال الكلاباذي نرس لقب جدهم كان اسمه نصرا فقال له بعض النبط نرس عوض نصر فبقى لقبا عليه فنسب ولده إليه وقال أبو علي الجياني رواه ابن السكن والأكثر هكذا يعني عباس بالباء الموحدة وفي رواية أبي أحمد الجرجاني حدثنا عباس ولم ينسبه وقيل عياش بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة وكذا ضبطه الدمياطي وقال عياش بن الوليد الرقام ورد هذا والأول أصح وأشهر وعبد الواحدهو ابن زياد وأيوب بن عايذ بالياء آخر الحروف وبالذال المعجمة المدلجي البصري وثقه يحيى بن معين وغيره ورمى بالإرجاء وليس له في البخاري إلا هذا الموضع
والحديث مضى في الحج في باب من أهل في زمن النبي فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب الخ
قوله منيخ بضم الميم أي نازل بالأبطح وأبطح مكة مسيل واديها قوله ثم حل بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام بالإحلال قوله حتى استخلف عمر أي إلى أن استخلف عمر رضي الله تعالى عنه ثم من بعد عمر وقع الاختلاف فيه وتنازعوا فيه وقد مر تحقيق الكلام في الباب المذكور في الحج

(18/4)


4347 - ح ( دثني حبان ) أخبرنا ( عبد الله ) عن ( زكرياء بن إسحاق ) عن ( يحيى بن عبد الله بن صيفي ) عن ( أبي معبد ) مولى ( ابن عباس ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم طاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب
مطابقته للترجمة ظاهرة وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وأبو معبد بفتح الميم اسمه نافذ بالنون والفاء المكسورة وبالذال المعجمة ومضى الحديث في أول كتاب الحج ولس فيه قوله فإن هم طاعوا لك بذلك فإياك الخ
قوله طاعوا ذكره ابن التين بلفظ طاعوا لك بذلك أي انقادوا لك بذلك يقال هو طوع فلان أي مناقد له فإذا مضى لأمره فقد أطاعه وإذا وافقه فقد طاوعه قوله فإنه أي فإن الشأن قوله ليس بينة أي بين دعوة المظلوم وإنما ذكر الضمير باعتبار أن الدعوة بمعنى الدعاء قوله وكرائم جمع كريمة وهي النفيسة
قال أبو عبد الله طوعت طاعت وأطاعت لغة طعت وطعت وأطعت
أبو عبد الله هو البخاري نفسه وقد جرت عادته أنه يذكر تصرف بعض الألفاظ التي تقع في بعض أحاديث باب من الأباب فقال طوعت بمعنى طاعت كما في قوله تعالى فطوعت له نفسه قتل أخيه ( المائدة30 ) بمعنى طاعت له نفسه قوله وأطاعت لغة يعني أطاعت نفسه بالألف لغة في طاعت نفسه بلا ألف قوله طعت يعني يقال عند الإخبار عن نفسه طعت فلانا بكسر الطاء ويقال طعت بضم الطاء ويقال أيضا أطعت بالألف قال الجوهري طاع له يطوع إذا انقاد
4348 - ح ( دثنا سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( حبيب بن أبي ثابت ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( عمرو بن ميمون ) أن ( معاذا ) رضي الله عنه لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 125 ) فقال رجل من القوم لقد قرت عين أم إبراهيم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بن ميمون الأودي من المخضرمين كان بالشام ثم سكن الكوفة
قوله إن معاذا لما قدم اليمن موصول لأن عمرو بن ميمون كان باليمن لما قدم معاذ قوله لقد قرت عين أم إبراهيم أي لقد بردت دمعتها وهو كناية عن السرور لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال للمدعو له أقر الله عينه وللمدعو عليه أسخن الله عينه وقال ثعلب وغيره معناه بلغ أمنيته فلا تطمع نفسه إلى من هو فوقه فإن قلت كيف قرر معاذ هذا القائل في الصلاة على حاله ولم يأمره بالإعادة قلت إما أن معاذا لم يكن يعلم حينئذ وجوب الإعادة بذلك وإما أنه أمره بالإعادة ولم ينقل
زاد معاذ عن شعبة عن حبيب عن سعيد عن عمرو أن النبي بعث معاذا إلى اليمن فقرأ معاذ في صلاة الصبح سورة النساء فلما قال واتخذ الله إبراهيم خليلا ( النساء 125 ) قال رجل خلفه قرت عين أم إبراهيم

(18/5)


معاذ هو ابن معاذ التميمي البصري وحبيب هو ابن أبي ثابت وسعيد هو ابن جبير وعمرو هو ابن ميمون وقد مضى ذكر هؤلاء آنفا وأراد بالزيادة قوله إن النبي بعث معاذا ولا منافاة بين هذا وبين الذي قبله لأن معاذا إنما قدم اليمن لما بعثه النبي قوله فقرأ معاذ في صلاة الصبح يدل على أنه كان أميرا على الصلاة فقط وحديث ابن عباس الذي مضى عن قريب يدل على أنه كان أميرا على المال أيضا على ما لا يخفى
61 -
( باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع )
أي هذا باب في بيان بعث النبي علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهما وليس في بعض النسخ لفظ باب
4349 - ح ( دثني أحمد بن عثمان ) حدثنا ( شريح بن مسلمة ) حدثنا ( إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ) حدثني أبي عن ( أبي إسحاق ) سمعت ( البراء ) رضي الله عنه بعثنا رسول الله مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال فغنمت أواق ذوات عدد
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن عثمان بن حكيم أبو عبد الله الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وشريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن مسلمة بفتح الميمين واللام وسكون السين الكوفي وإبراهيم هذا يروي عن أبيه يوسف ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ومات إسحاق قبل أبيه أبي إسحاق والحديث من أفراده
قوله بعثنا رسول الله كان ذلك البعث بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة قوله أن يعقب من التعقيب وهو أن يعود بعض العسكر بعد الرجوع ليصيبوا غزوة من العدو وقال الجوهري التعقيب أن يغزو الرجل ثم ينثني من سنته وقال ابن فارس التعقيب غزاة بعد غزاة قوله أواق أصله واقي بتشديد الياء وتخفيفها فحذفت الياء استثقالا قوله ذوات عدد أي كثيرة
4350 - ح ( دثنا محمد بن بشار ) حدثنا ( روح بن عبادة ) حدثنا ( علي بن سويد بن منجوف ) عن ( عبد الله بن بريدة ) عن أبيه رضي الله عنه قال بعث النبي عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هاذا فلما قدمنا على النبي ذكرت ذلك له فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم قال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله بعث النبي عليا إلى خالد وكان خالد في اليمن حينئذ وروح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة وعلي بن سويد بن منجوف بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم سكون الواو وفي آخره فاه السدوسي البصري وليس له في البخاري إلا هذا ووقع في رواية القابسي علي بن سويد عن منجوف وهو تصحيف وعبد الله بن بريدة يروي عن أبيه بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء تصغير بردة ابن الخصيب بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي أسلم

(18/6)


قبل بدر ولم يشهدها وشهدا الحديبية وكان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة مات بمرو وقبره بالحصين بكسر الجيم وتشديد الصاد المهملة والحديث من أفراده
قوله عليا إلى خالد أي علي بن أبي طالب إلى خالد بن الوليد قوله ليقبض الخمس أي خمس الغنيمة وفي رواية الإسماعيلي ليقسم الخمس وفي رواية ليقسم الفيء قوله وكنت أبغض عليا بضم الهمزة وإنما أبغضه لأنه رأى عليا أخذ جارية وفي رواية أحمد في السبي وصيفة هي أفضل السبي قال فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر وفي رواية الإسماعيلي فأخذ منه أي من الخمس جارية ثم أصبح يقطر رأسه انتهى فظن بريدة أنه غل وكان ما فعله علي من ذلك سبب بغض بريدة إياه قوله وقد اغتسل كناية عن الوطء أراد أن عليا وطىء الجارية التي أخذها من الخمس واصطفاها لنفسه قوله فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا القائل هو بريدة وأشار بهذا إلى علي رضي الله تعالى عنه وقال الخطابي فيه إشكالان أحدهما أنه قسم لنفسه والثاني أنه أصابها قبل الاستبراء والجواب أن الإمام أن يقسم الغنائم بين أهلها وهو شريكهم فكذا من يقوم مقامه فيها وأما الاستبراء فيحتمل أن تكون الوصيفة غير بالغة أو كانت عذراء وأدى اجتهاده إلى عدم الاحتياج إليه قوله ذكرت ذلك له أي ذكرت ما فعله علي للنبي قوله فإن له في الخمس أكثر من ذلك أي فإن لعلي من الحق في الخمس أكثر من الذي أخذه وعند أحمد من رواية عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفه وزاد قال فما كان من الناس أحد أحب إلي من علي وفي رواية لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وفي رواية قال من كنت وليه فعلي وليه
4351 - ح ( دثنا قتيبة ) حدثنا ( عبد الواحد ) عن ( عمارة بن القعقاع بن شبرمة ) حدثنا ( عبد الرحمن بن أبي نعم ) قال سمعت ( أبا سعيد الخدري ) يقول بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهاذا من هاؤلاء قال فبلغ ذلك النبي فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الأزار فقال يا رسول الله اتق الله قال ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلي فقال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال إنه يخرج من ضئضىء هاذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأظنه قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود
مطابقته للترجمة في قوله بعث علي بن أبي طالب إلى النبي من اليمن وعبد الواحد هو ابن زياد قوله وعمارة بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع بفتح القافين وسكون المهملة الأولى ابن شبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وضم الراء الضبي الكوفي وعبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وسكون العين البجلي الكوفي
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء في باب قول الله وأما عاد فاهلكوا ( الحاقة6 ) ومضى الكلام فيه هناك
قوله بذهيبة تصغير ذهبة

(18/7)


قال الخطابي انثها على معنى القطعة قيل فيه نظر لأنها كانت تبرأ قلت قد يؤنث الذهب في بعض اللغات وفي ( مسلم ) بذهبة بفتحتين بغير تصغير قوله مقروظ أي مدبوغ بالقرظ بالقاف والراء والظاء المعجمة قال الخليل هو شجر يدبغ بورقه ولونه إلى الصفرة قوله لم تحصل بصيغة المجهول أي لم تخلص من ترابها قال بعضهم أي لم تخلص من تراب المعدن قلت فيه نظر من وجهين أحدهما أنه لم يجز ذكر المعدن والثاني أنه لو رجع إلى المعدن لقيل من ترابه بتذكير الضمير واختلف في هذه الذهيبة فقيل كانت خمس الخمس وقيل من الخمس وكان من خصائصه أن يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة وقيل من أصل الغنيمة قوله بين عيينة بن بدر وما بعده بدل من قوله بين أربعة نفر وعيينة مصغر عينة ابن بدر وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري فنسب إلى جده الأعلى ويكنى أبا مالك وقال أبو عمر أسلم بعد الفتح وقيل قبله وشهد الفتح مسلما وهو من المؤلفة قلوبهم وكان من الأعراب الجفاة وكان في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة آلاف وكان اسم عيينة حذيفة فأصابته لقوة فجحظت عيناه فسمي عيينة وفي ( التوضيح ) وكان عيينة من المنافقين ارتد بعد رسول الله وبعثه خالد إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه في وثاق فأسلم وعفا عنه وأقرع بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الراء وبالعين المهملة واسمه فراس وكان في رأسه قرع فلقب بذلك ابن حابس بالمهملتين والباء الموحدة ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي أحد المؤلفة قلوبهم وزيد الخيل هو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي قدم على رسول الله وفي وفد طيء سنة تسع فأسلم وسماه رسول الله زيد الخير وكان يقال له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت عنده ومات في حياة النبي وكان شاعرا محسنا خطيبا لسنا شجاعا كريما وكان قبل إسلامه أسر عامر بن الطفيل وجزنا صيته قوله أما علقمة وإما عامر بن الطفيل شك من الراوي وجزم في رواية سعيد بن مسروق أنه علقمة بن علاثة بضم العين المهملة وبالثاء المثلثة ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب الكلابي العامري من المؤلفة قلوبهم وكان سيدا في قومه حليما عاقلا ولم يكن فيه ذلك الكرم واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على حوران فمات بها في خلافته وعامر بن الطفيل مصغر الطفل القيسي قدم على النبي ولم يسلم وعاد من عنده فخرج به خراج في أصل أذنه فمات منه ولذلك قيل وذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد فإنه كان مات قبل ذلك وقال الدمياطي مات كافرا قوله فقام رجل قيل هو ذو الخويصرة التميمي وعند أبي داود اسمه نافع ورجحه السهيلي وقيل اسمه حرقوص بن زهير السعدي قوله غائر العينين بالغين المعجمة على وزن فاعل من الغور والمراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة وهو ضد الجحوظ قوله مشرف الوجنتين أي بارزهما من الإشراف بالشين المعجمة والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين قوله ناشز بالنون والشين المعجمة والزاي أي مرتفع الجبهة وأصله من النشز وهو ما ارتفع من الأرض قوله كث اللحية كثير شعرها ويقال لحية كثة مجتمعة ورجل كث اللحية وقوم كث قوله محلوق الرأس كانوا لا يحلقون رؤوسهم وكانوا يفرقون شعورهم قوله مشمر الإزار تشميره رفعه عن الكعب قوله فقال خالد بن الوليد وفي رواية أبي سلمة عن سعيد فقال عمر رضي الله تعالى عنه وقد مضى في علامات النبوة ولا منافاه بينهما لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك قيل الأرجح أنه عمر لصلابته ولشك الراوي في خالد ولأنه كان غائبا مع علي قوله لعله أن يصلي استعمل فيه لعل استعمال عسى وقال الكرماني قيل فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة مقتول قلت هذا المفهوم ليس بحجة وفيه خلاف مشهور قوله أن أنقب من نقبت الحائط نقبا إذا فتحت فيه فتحا وقيل بتشديد القاف من التنقيب وهو التشديد أراد أنه أمر بالأخذ بظواهر الأمور والبواطن لا يعلمها إلا الله قوله وهو مقف جملة حالية من قفى بالتشديد يقفي والفاعل منه مقف بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء أي مول ويروى مقفي بالياء من أقفى فهو مقفى وأصله مقفي بضم الياء فحذفت الضمة للاستثقال وسكنت الياء لأجل كسر الفاء يقال قفي الرجل القوم إذا ولاهم قفاه وأقفاهم يقفيهم إذا فعل ذلك فهو مقفي قوله من ضئضىء هذا بضادين معجمتين مكسورتين بينهما ياء آخر الحروف بهمزة ساكنة وفي

(18/8)


آخر ياء بهمزة أيضا أي من أصل هذا الرجل وفي رواية الكشميهني بصادين مهملتين قال ابن الأثير كلاهما بمعنى الأصل وقذ مضى في أحاديث الأنبياء أن من ضئضىء هذا أو من عقب هذا قوله رطبا معناه المواظبة على التلاوة أو تحسين الصوت بها والحذاقة والتجويد فيها فيجري لسانه بها ويمر عليها لا يتغير ولا ينكسر وقيل معنى رطبا سهلا كما في الرواية الأخرى وقال الخطابي أي يواظب عليها فلا يزال لسانه رطبا بها وقيل يريد الذي لا شدة في صوت قارئه وهو لين رطب وقيل يريد أنه يحفظ ذلك حفظا حسنا قوله حناجرهم جمع حنجرة وهو الحلقوم معناه لا ترفع في الأعمال الصالحة ولا تقبل منهم وقيل لم يتمكن في قلوبهم شيء كثير من اليقين به وإنما يحفظونه بالألسن وهي مقاربة للحناجر فنسب إليها ما يقاربها قوله يمرقون أي يخرجون بالسرعة قوله من الدين أي من الطاعة دون الملة ويقال طاعة الأئمة والأمراء وفي رواية سعيد بن مسروق من الإسلام قوله من الرمية على وزن فعيلة بمعنى المفعول والرمية الصيد الذي ترميه فتقصده وينقذف فيه سهمك وهو كل دابة مرمية قوله وأظنه قال أي وأظن النبي قال إلى آخره وتقدم في قصة هود لأقتلنهم قتل عاد والغرض منه الاستئصال بالكلية وهما سواء فيه فعاد استؤصلت بالريح الصرصر وأما ثمود فاهلكوا بالطاغية ( الحاقة5 ) أي الرجفة أو الصاعقة أو الصيحة فإن قيل إذا كان قتلهم جائزا فلم منع النبي خالدا من قتله قيل له لا يلزم من قتلهم جواز قتله قال الخطابي فإن قيل لما كان قتلهم واجبا فكيف منعه منه قلنا لعلمه بأن الله تعالى يجري قضاء فيه حتى يخرج من نسله من يستحق القتل بسوء فعالهم ليكون قتلهم عقوبة لهم فيكون أبلغ في المصلحة وقال القرطبي إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه وقال المازري يحتمل أن النبي لم يكن فهم من الرجل الطعن في النبوة إنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة وليس ذلك كبيرة والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع واختلف في جواز وقوع الصغيرة منهم انتهى قلت مذهبي أن الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها والذي وقع من بعضهم شيء يشبه الصغيرة لا يقال فيه إلا أنه ترك الأفضل وذهب إلى الفاضل وقيل إنما لم يقتل الرجل ولم يعاقبه أيضا لأنه لم يثبت عنه ذلك بل نقله عن واحد وخبر الواحد لا يراق به الدم وأبطل عياض هذا بقوله في الحديث إعدل يا محمد فخاطبه في الملأ بذلك حتى استأذنوه في قتله والصواب ما تقدم
4352 - حدثنا المكي بن إبراهيم عن ابن جريج قال عطاء قال جابر أمر النبي عليا أن يقيم على إحرامه
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا في مجيء علي من اليمن إلى الحج في حجة الوداع وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث مضى في الحج في باب من أهل في زمن النبي بعين هذا الإسناد والمتن
زاد محمد بن بكر عن ان جريج قال عطاء قال جابر فقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته قال له النبي بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال وأهدى له علي هدياأي زاد محمد بن بكر البرساني في روايته عن ابن جريج إلى آخره ومضى هذا في الحج في الباب المذكور بعد أن روى حديث أنس فلينظر فيه قوله بسعايته أي توليته قبض الخمس وكل من تولى شيئا على قوم فهو ساع عليهم
4352 - حدثنا المكي بن إبراهيم عن ابن جريج قال عطاء قال جابر أمر النبي عليا أن يقيم على إحرامه
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا في مجيء علي من اليمن إلى الحج في حجة الوداع وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث مضى في الحج في باب من أهل في زمن النبي بعين هذا الإسناد والمتن
زاد محمد بن بكر عن ان جريج قال عطاء قال جابر فقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته قال له النبي بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال وأهدى له علي هدياأي زاد محمد بن بكر البرساني في روايته عن ابن جريج إلى آخره ومضى هذا في الحج في الباب المذكور بعد أن روى حديث أنس فلينظر فيه قوله بسعايته أي توليته قبض الخمس وكل من تولى شيئا على قوم فهو ساع عليهم
4354 - ح ( دثنا مسدد ) حدثنا ( بشر بن المفضل ) عن ( حميد الطويل ) حدثنا ( بكر البصري ) أنه ذكر

(18/9)


ل ( ابن عمر ) أن ( أنسا ) حدثهم أن النبي أهل بعمرة وحجة فقال أهل النبي بالحج وأهللنا به معه فلما قدمنا مكة قال من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة وكان مع النبي هدي فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا فقال النبي بم أهللت فإن معنا أهلك قال أهللت بما أهل به النبي قال فأمسك فإن معنا هديا
مطابقته للترجمة في قوله فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن وبكر هو ابن عبد الله المزني البصري والحديث قد مر في الحج
62 -
( غزوة ذي الخلصة )
أي هذا بيان غزوة ذي الخلصة بفتح الخاء المعجمة واللام والصاد المهملة وحكى ابن دريد فتح أوله وسكون ثانية وحكى ابن هشام ضمهما وقيل بفتح أوله وضم ثانيه والأول أشهر وفي بعض النسخ باب غزوة ذي الخلصة وهو اسم البيت الذي كان فيه الصنم وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة وقيل هو اسم صنم لدوس سيعبد في آخر الزمان ثبت في الحديث لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخصلة وفي ( التلويح ) الخلصة في اللغة نبات ينبت نبات الكرم له حب كعنب الثعلب وله ورق أغبر رقاق مدورة واسعة وله ورد كورد الموز وهو أحمر كخرز العقيق ولا يؤكل ولكنه يرعى وموضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم ذكره المبرد عن أبي عبيدة وبعض الشارحين وهم فيه وقال إنه كان في بلاد فارس فافهم
4355 - حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا بيان عن قيس عن جرير قال كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية فقال لي النبي ألا تريحني من ذي الخلصة فنفرت في مائة وخمسين راكبا فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي فأخبرته فدعا لنا ولأحمس
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد هو ابن عبد الله الطحان وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف ابن بشر بكسر الباء الموحدة وقيس هو ابن أبي حازم وجرير بن عبد الله البجلي بفتح الباء الموحدة والجيم
والحديث مضى في باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي فإنه أخرجه هناك عن إسحاق الواسطي عن خالد عن بيان الخ بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الحميد عن خالد به
قوله يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية قال النووي فيه إشكال إذ كانوا يقولون له الكعبة اليمانية فقط وأما الكعبة الشامية فهي الكعبة المعظمة التي بمكة فلا بد من التأويل بأن يقال كان يقال له الكعبة اليمانية والتي بمكة الكعبة الشامية وقال ذكر الشامية غلط وقال الكرماني يحتمل أن تكون الكعبة مبتدأ وقوله الشامية خبره والجملة حال ومعناها أن الكعبة هي الشامية لا غير وعند مسلم وكان يقال له الكعبة اليمانية والشامية قال السهيلي وهذا مشكل ومعناه كان يقال له الكعبة والكعبة الشامية البيت فزيادة له في الحديث سهو وبإسقاطه يصح المعنى قاله بعض النحويين وقال وليس هو عندي بسهو وإنما معناه وكان يقال له أي يقال من أجله الكعبة اليمانية وله بمعنى من أجله لا ينكر في العربية وقال عياض وفي بعض الروايات والكعبة اليمانية الشامية بغير واو وقال وفيه إبهام قال والمعنى كان يقال له تارة هكذا وتارة هكذا قوله ألا تريحني كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتحضيض وقيل طلب يتضمن الأمر وتريحني من الإراحة بالراء والحاء المهملة والمرادا راحة القلب وإنما خص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه

(18/10)


وكان هو من أشرافهم قوله فنفرت أي خرجت مسرعا قوله فكسرناه أي البيت قوله ولأحمس على وزن أحمر بالمهملتين وأحمس أخو بخيلة رهط جرير رضي الله تعالى عنه ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة وقبيلة أخرى يقال لها أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار وليست هذه بمراده ههنا
4355 - حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا بيان عن قيس عن جرير قال كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية فقال لي النبي ألا تريحني من ذي الخلصة فنفرت في مائة وخمسين راكبا فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي فأخبرته فدعا لنا ولأحمس
مطابقته للترجمة ظاهرة وخالد هو ابن عبد الله الطحان وبيان بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف ابن بشر بكسر الباء الموحدة وقيس هو ابن أبي حازم وجرير بن عبد الله البجلي بفتح الباء الموحدة والجيم
والحديث مضى في باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي فإنه أخرجه هناك عن إسحاق الواسطي عن خالد عن بيان الخ بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الحميد عن خالد به
قوله يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية قال النووي فيه إشكال إذ كانوا يقولون له الكعبة اليمانية فقط وأما الكعبة الشامية فهي الكعبة المعظمة التي بمكة فلا بد من التأويل بأن يقال كان يقال له الكعبة اليمانية والتي بمكة الكعبة الشامية وقال ذكر الشامية غلط وقال الكرماني يحتمل أن تكون الكعبة مبتدأ وقوله الشامية خبره والجملة حال ومعناها أن الكعبة هي الشامية لا غير وعند مسلم وكان يقال له الكعبة اليمانية والشامية قال السهيلي وهذا مشكل ومعناه كان يقال له الكعبة والكعبة الشامية البيت فزيادة له في الحديث سهو وبإسقاطه يصح المعنى قاله بعض النحويين وقال وليس هو عندي بسهو وإنما معناه وكان يقال له أي يقال من أجله الكعبة اليمانية وله بمعنى من أجله لا ينكر في العربية وقال عياض وفي بعض الروايات والكعبة اليمانية الشامية بغير واو وقال وفيه إبهام قال والمعنى كان يقال له تارة هكذا وتارة هكذا قوله ألا تريحني كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتحضيض وقيل طلب يتضمن الأمر وتريحني من الإراحة بالراء والحاء المهملة والمرادا راحة القلب وإنما خص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم قوله فنفرت أي خرجت مسرعا قوله فكسرناه أي البيت قوله ولأحمس على وزن أحمر بالمهملتين وأحمس أخو بخيلة رهط جرير رضي الله تعالى عنه ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة وقبيلة أخرى يقال لها أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار وليست هذه بمراده ههنا
4356 - ح ( دثنا محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( إسماعيل ) حدثنا ( قيس ) قال قال لي ( جرير ) رضي الله عنه قال لي النبي ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيتا في خثعم يسمى الكعبة اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها فكسرها وحرقها ثم بعث إلى رسول الله فقال رسول جرير والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي عن قيس بن أبي حازم والحديث مضى في الجهاد في باب البشارة في الفتوح بعين هذا الإسناد
قوله في خثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة قبيلة باليمن وقال الرشاطي هو أقبل بن أنمار بن أرش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان وقال ابن الكلبي عن أبيه إنما سمي أقبل بخثعم بجمل له يقال له خثعم قوله جمل أجرب بالجيم والباء الموحدة وهو كناية عن إزالة بهجتها وإذهاب زينتها وقال الخطابي المراد ها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه يعني صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق وروى عن مسدد أجوف بالواو والفاء بدل أجرب فإن صحت الرواية فمعناه صارت خالية لا شيء فيها
4357 - ح ( دثنا يوسف بن موسى ) أخبرنا ( أبو أسامة ) عن ( إسماعيل بن أبي خالد ) عن ( قيس ) عن ( جرير ) قال قال لي رسول الله ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت بلى فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فما وقعت عن فرس بعد قال وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد يقال له الكعبة قال فأتاها فحرقها بالنار وكسرها قال ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له إن رسول الله هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك قال فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال لتكسرنها ولتشهدن أن لا إلاه إلا الله أو لأضربن عنقك قال فكسرها وشهد ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي يبشره بذلك فلما أتى النبي قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبرك النبي على خيل أحمس ورجالها خمس مرات
هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه عن يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد عن أبي

(18/11)


أسامة حماد بن أسامة إلى آخره والحديث مضى في الجهاد في باب حرق الدور والنخيل
قوله فيه نصب بضمتين وسكون الصاد أيضا وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويذبحون عليه فيحمر بالدم ويعبدونه والضمير في فيه يرجع إلى البيت وفي قوله فأتاها إلى ذي الخلصة قوله فحرقها يعني ما فيها من الأخشاب و كسرها أي هدما فيها من البناء قوله يستقسم أي يطلب قسمة من الخير والشر بالقداح قال الله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام ( المائدة3 ) وليس هذا من القسم بمعنى اليمين قوله يضرب بها أي بالأزلام قوله وكسرها أي الأزلام وشهد أن لا إله إلا الله قوله يكنى أبا أرطأة بفتح الهمزة وسكون الراء وبالطاء بعدها التاء واسمه حصين بن ربيعة وقع مسمى في ( صحيح مسلم ) ووقع لبعض رواته حسين بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف وقيل اسمه حصن بكسر الحاء وسكون الصاد ومن الرواة من قلبه فقال ربيعة بن حصين ومنهم من سماه أرطاة والصحيح أبو أرطأة حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور وهو صحابي بجلي وليس له ذكر إلا في هذا الحديث قوله فبرك بالتشديد أي دعا بالبركة قوله خمس مرات فإن قلت في حديث أنس كان إذا دعا عائلا قلت هذا يحمل على الغالب والزيادة عليه لمعنى اقتضى ذلك
وفي الحديث من الفوائد الدالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان من الصور أو الجماد والبشارة في الفتوح وفضل ركوب الخيل في الحرب وقبول خبر الواحد والمبالغة في نكاية العدو وفيه منقبة عظيمة لجرير رضي الله تعالى عنه وفيه بركة دعاء النبي
64 -
( غزوة ذات السلاسل )
أي هذا بيان غزوة ذات السلاسل وفي بعض النسخ باب غزوة ذات السلاسل وسميت هذه الغزوة بذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا وقيل لأن بها ماء يقال له السلسل وقال ابن سعد هي ما وراء وادي القرى بينهما وبين المدينة عشرة أيام قال وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة وقيل كانت سنة سبع والله أعلم
وهي غزوة لخم وجذام قاله إسماعيل بن أبي خالد وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلي وعذرة وبنى القين
أي غزوة ذات السلاسل غزوة لخم بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينسبون إلى لخم واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد وقال الرشاطي رأيت في نسب لخم وأخيه جذام وأختهما عاملة اختلافا كثيرا وقال في باب الجيم كان لخم وجذام أخوين فاقتتلا وكا اسم لخم مالك بن عدي واسم جذام عامر بن عدي فجذم مالك إصبع عامر فسمي جذاما لأن أصبعه جذمت ولخم عامر مالكا فسمى لخما واللخمة اللطمة قوله قال إسماعيل بن أبي خالد واسم أبي خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي قوله وقال ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب ( المغازي ) عن يزيد من الزيادة ابن رومان المدني يروى عن عروة بن الزبير بن العوام قوله هي بلاد بلي أي ذات السلاسل هي بلاد هؤلاء الثلاثة أما بلي بفتح الباء الموحدة وكسر اللام الخفيفة وياء النسبة فهي قبيلة كبيرة ينبسون إلى بلي بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة وقال ابن دريد بلي فعيل من قولهم بلوا سفرا أي نضوا سفرا ومن قولهم بلوت الرجل إذا اختبرته وأما عذرة بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة فهي قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام اب الحاف بن قضاعة وقال ابن دريد هو من عذرت الصبي وأعذرته إذا ختنته والعذرة أيضا دار يصيب الناس في حلوقهم وأما بنو القين بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالنون فهي قبيلة كبيرة ينسبون إلى القين بن جسر وقال الرشاطي القين هو النعمان بن جسر بن شيع الله بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة قال ابن الكلبي النعمان حضنه

(18/12)


عبد يقال له القين فغلب عليه قال أبو جعفر كل عبد عند العرب قين والأمة قينة والقين الحداد وفي كتابه أيضا قين وهو قين ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة
4358 - ح ( دثنا إسحاق ) أخبرنا ( خالد بن عبد الله ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( أبي عثمان ) أن رسول الله بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت ومن الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم ( انظر الحديث 3662 )
مطابقته للترجمة في قوله بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل وسبب ذلك ما ذكره ابن سعد أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدنية فدعا النبي عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق بعمرو وأن لا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤمهم فمنعه عمرو وقال إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو وسار عمرو حتى وطىء بلاد بلى وعذرة وذكرا نب حبان هذا الحديث وفيه فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم يعني عمرو بن العاص أمير القوم
وأما حديث الباب فأخرجه عن إسحاق هو ابن شاهين عن خالد بن عبد الله الطحان عن خالد بن مهران الحذاء عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي وهذ مرسل وجزم به الإسماعيلي
قوله قال فأتيته أي قال عمرو بن العاص فأتيت النبي وفي رواية معلى بن منصور في مسلم قدمت من جيش ذات السلاسل فأتيت النبي قوله فسكت بتشديد تاء المتكلم هو عمرو بن العاص وفي هذا الحديث جواز تأمير المفضول عند وجود الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية فإنه كان في هذا الجيش أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فلا يقتضي تأمير عمرو في هذا أفضليته عليهما ولكن يقتضي له فضلا في الجملة وفي هذه الغزوة تيمم عمرو بن العاص مخافة البرد
4359 - ح ( دثنا عبد الله بن أبي شيبة العبسي ) حدثنا ( ابن إدريس ) عن ( إسماعيل بن أبي خالد ) عن ( قيس ) عن ( جرير ) قال كنت بالبحر فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله فقال له ذو عمرو لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم فقالوا قبض رسول الله واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله ورجعا إلى اليمن فأخبرت أبا بكر

(18/13)


بحديثهم قال أفلا جئت بهم فلما كان بعد قال لي ذو عمرو يا جرير إن لك على كرامة وإني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن جريرا لما هد ذا الخلصة بعد شهوده حجة الوداع ذهب إلى اليمن ثم لما رجع بلغته وفاة النبي وعبد الله هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان الحافظ العبسي بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وهو شيخ مسلم أيضا يروي عن عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم
قوله ذا كلاع بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه إسميفع بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء وفي آخره عين مهملة ويقال إيفع بن باكوراء ويقال ابن حوشب بن عمر وقال أبو عمرو وأظنه من حمير ويقال إنه اب عمر كعب الأحبار يكنى أبا شرحبيل ويقال أبو شرحبيل كان ريئسا في قومه مطاعا متبوعا اسلم وكتب إليه في التعاون على الأسود ومسيلمة وطليحة وكان الرسول إليه جرير بن عبد الله البجلي فأسلم وخرج مع جرير إلى النبي وكان ذو الكلام القائم بأمر معاوية في حرب صفين وقتل قبل انقضاء الحرب ففرح معاوية بموته وكان موته في سنة سبع وثلاثين قال أبو عمرو ولا أعلم لذي الكلاع صحبة أكثر من إسلامه واتباعه النبي في حياته وأظنه أحد الوفود عليه والله أعلم ولا أعلم له رواية إلا عن عمرو وعوف بن مالك وقال أبو عمرو وإنه أعتق عشرة آلاف أهل بيت وقال ابن دريد كان ذو الكلاع ادعى الربوبية في الجاهلية وأن إسلامه إنما كان أيام عمر رضي الله تعالى عنه لأن النبي كتب له مع جرير وجرير إنما قدم بعد وفاة سيدنا محمد قوله وذا عمرو كان أحد ملوك اليمن وقال أبو عمر ذو عمر رجل من اليمن أقبل مع ذي الكلاع إلى رسول الله مسلمين ومعهما جرير بن عبد الله البجلي ويقال كانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه قوله أحدثهم إنما جمع الضمير باعتبار من كان معهما قوله من أمر صاحبك أراد بالصاحب النبي قوله لقد مر على أجله منذ ثلاث أراد إنه مات منذ ثلاثة أيام قال الكرماني فإن قلت أين جزاء الشرط قلت جواب القسم جزاءا للشرط معنى فإن قلت الشرط شرطه أن يكون سببا للجزاء وههنا ليس كذلك قلت هو متأول بالإخبار إن تخبرني بذلك أخبرك بهذا فالإخبار سبب للإخبار وقال أيضا إنما علم وفاته إما بسماعه من بعض القادمين من المدينة سرا وإما أنه كان من المحدثين وإما أنه كان في الجاهلية كاهنا إنما أخبر بذلك عن إطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم قوله وأقبلا معي من كلام جرير أي أقبل ذو الكلاع وذو عمرو يعني متوجهين إلى المدينة قوله فقالا أي ذو الكلاع وذو عمرو أخبر صاحبك أراد به أبا بكر رضي الله تعالى عنه قوله بحديثهم قد ذكرنا أن جمعه باعتبار اتباعهم أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان قوله فلما كان بعد بضم الدال على البناء أي بعد هذا الأمر ولعله كان ذلك بعد أن هاجر ذو عمرو في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كا معه اثني عشر ألف بيت من مواليه فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال ذو الكلاع هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة قوله كرامة منصوب قوله تآمرتم بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم والائتمار المشاورة ويروى تأمرتم بالقصر وبتشديد الميم أي اقمتم أميرا منكم عن رضى منكم أو عهد من الأول قوله فإذا كانت أي الإمارة بالسيف أي بالقهر والغلبة كانوا ملوكا أي خلفاء وهذا الكلام منه يدل على أن ذا عمر وله اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة لأنه يطابق حديث سفينة أن النبي قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان

(18/14)


66 -
( باب غزوة سيف البحر )
أي هذا باب في بيان غزوة سيف البحر بكسر السين المهملة وسكون الياء آحر الحروف وفي آخره فاء وهو الساحل وليس في بعض النسخ لفظ باب
وهم يتلقون عيرا لقريش وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
لا بد من تقدير شيء قبل هذا ليتنظم الكلام تقدير بعث النبي بعثا قبل ساحل البحر فخرجوا وهم يتلقون عيرا أي يرصدون عيرا وهكذا وقع في بعض الروايات والعير بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر وقيل عبد الله بن عامر بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي الفهري شهد بدرا وما بعدها من المشاهد مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بالأردن من الشام وبها قبره وصلى عليه معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما
4360 - ح ( دثنا إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( وهب بن كيسان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما أنه قال بعث رسول الله بعثا قبل الساحل وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة فخرجنا وكنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليل قليل حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة فقلت ما تغني عنكم تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منها القوم ثمان عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس والحديث مر في الشركة في الطعام فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره ومر الكلام فيه هناك
قوله قبل الساحل بكسر القاف وفتح الباه الموحدة أي جهته وذكر ابن سعد وغيره أن النبي بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والباء الموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدا وأن ذلك كان في شهر رجب سنة ثمان وهذا لا يعارض ما في ( الصحيح ) لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة قوله فخرجنا التفات من الغيبة إلى التكلم قوله فكان مزودي تمر المزود بكسر الميم ما يجعل فيه الزاد قوله يقوتنا من قاته يقوته من الثلاثي المجرد ويروى يقوتنا بضم الياء وتشديد الواو من التقويت والقوت ما يقوم به بدن الإنسان قوله قليل قليل بدون الألف على اللغة الربيعية والمشهور قليلا قليلا بالنصب قوله لقد وجدنا فقدها أي مؤثرا قوله ثم انتهينا إلى البحر أي إلى ساحل البحر قوله فإذا حوت كلمة إذا للمفاجأة والحوت اسم جنس لجميع السمك وقيل هو مخصوص بما عظم منها قوله مثل الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء وهو الجبل الصغير ووقع في بعض النسخ بالضاد المعجمة حكاه ابن التين والأول أصوب وقال الفراء هو بسكون الراء إذا كان منبسطا ليس بالعالي وفي رواية أبي الزبير فوقع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر قوله بضلعين الضلع بكسر الضاد وفتح اللام
4361 - ح ( دثنا علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال الذي ( حفظناه من عمرو بن دينار ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) يقول بعثنا رسول الله ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح

(18/15)


نرصد عير قريش فأقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي ذالك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منه نصف شهر وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه فعمد إلى أطول رجل معه قال سفيان مرة ضلعا من أضلاعه فنصبه وأخذ رجلا وبعيرا فمر تحته قال جابر وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم إن أبا عبيدة نهاه وكان عمرو يقول أخبرنا أبو صالح أن قيس بن سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قال انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قال انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قال انحر قال نحرت ثم جاعوا قال انحر قال نهيت
هذا طريق آخر من حديث جابر وسفيان هو ابن عيينة
قوله ثلاثمائة راكب بالنصب بدل من قوله بعثنا قوله أميرنا أبو عبيدة جملة إسمية وقعت حالا بدون الواو كما في كلمته فوه إلى في قوله الخبط بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة وهو ورق السلم يقال خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط من ورقها وفي رواية أبي الزبير وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله وهذا يدل على أنه كان يابسا ويرد بهذا ما قاله الداودي إنه كان رطبا قوله نصف شهر سيأتي ثمان عشرة ليلة وفي رواية أبي الزبير فأقمنا عليها شهرا والجمع بين هذه الروايات أن الذي قال ثمان عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره وأن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام ومن قال شهرا جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي قبل وجدانهم الحوت إليها ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة وقال ابن التين إحدى الروايتين في البخاري وهم قوله من ودكه بفتح الواو والدال المهملة وهو من اللحم والشحم ما يتحلب منه قوله فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه كذا في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي من أعضائه والصواب هو الأول لأن سفيان قال مرة ضلعا من أعضائه فدل على أن الرواية الأولى من أضلاعه قوله وثابت بالثاء المثلثة أي رجعت أجسامنا إلى ما كانت عليه من القوة والسمن قوله وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر أي عندما جاعوا والجزائر جمع جزور وهو البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة تقول هي الجزور وإن أردت ذكرا قوله وكان عمرو هو ابن دينار وأبو صالح ذكوان السمان قوله أن قيس بن سعد إلى آخره مرسل لأن عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس لأبيه لكنه في ( مسند الحميدي ) موصول أخرجه أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريقه ولفظه عن أبي صالح عن قيس بن سعد بن عبادة قال قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب الناس جوع قال لي أنحر قلت نحرت فذكره قوله نهيت على صيغة المجهول والناهي هو أبو عبيدة
4362 - ح ( دثنا مسدد ) حدثنا ( يح ) يى عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو ) أنه سمع ( جابرا ) رضي الله عنه يقول غزونا جيش الخبط وأمر أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول قال أبو عبيدة كلوا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي فقال كلوا رزقا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فآتاه بعضهم فأكله
هذا طريق آخر في حديث جابر أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمرو بن دينار الخ
قوله أمر بضم الهمزة وتشديد الميم المكسورة على صيغة المجهول وفي رواية ابن عيينة عند

(18/16)


مسلم وأميرنا أبو عبيدة قوله فأخبرني أبو الزبير القائل هو ابن جريج وهو موصول بالإسناد المذكور وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي قوله فأتاه بالمد أي فأعطاه وفي رواية ابن السكن فآتاه بعضهم بعضو منه فأكله قال عياض هو الوجه وفي رواية أحمد من طريق ابن جريج الذي أخرجه البخاري فكان معنا في شيء فأرسل به إليه بعض القوم فأكل منه فإن قلت وقع في رواية أبي حمزة عن جابر عن ابن عساكر فلما قدموا ذكروا لرسول الله فقال لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه فما الوجه بين هذه وبين رواية أبي الزبير قلت وجه ذلك أن رواية أبي حمزة تحمل على أنه قال ذلك ازديادا منه بعد أن أحضروا له منه وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه
وفي الحديث أن ميتة الحوت تؤكل وفيه مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة وفيه أن الاجتماع على الطعام يستدعي البركة فيه
67 -
( حج أبي بكر بالناس في سنة تسع )
أي هذا بيان حج أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بالناس قوله حج أبي بكر مضاف ومضاف إليه مرفوع بالابتداء وخبره قوله في سنة تسع أي كان أو وقع في سنة تسع من الهجرة ويجوز أن يكون لفظ حج فعلا ماضيا فيقال حج أبو بكر ويكون أبو بكر فاعله ولم يختلف في أن حجه كان في سنة تسع ولكنهم اختلفوا في أي شهر حج أبو بكر فذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة ومنهم من قال إن حجته كانت في ذي الحجة ومنهم من لم يبين ذلك وقال الواقدي إنه خرج في تلك الحجة مع أبي بكر ثلاثمائة من الصحابة وبعث معه رسول الله عشرين بدنة وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض بل كان تطوعا قبل فرض الحج
4363 - ح ( دثنا سليمان بن داود أبو الربيع ) حدثنا ( فليح ) عن ( الزهري ) عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها النبي قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان
مطابقته للترجمة ظاهرة وسليمان بن داود أبو الربيع ضد الخريف العتكي الزهراني البصري وفليح بضم الفاء ابن سليمان وكان اسمه عبد الملك وفليح لقبه فغلب على اسمه والحديث مضى في الحج في باب لا يطوف بالبيت عريان فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن ابن شهاب وهو الزهري عن ( حميد بن عبد الرحمن ) الخ وقد مضى الكلام فيه هناك
4364 - ح ( دثني عبد الله بن رجاء ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال آخر سورة نزلت كاملة براءة وآخر سورة نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( النساء 176 )
مطابقته للترجمة من حيث إن براءة نزلت وقد بعث النبي أبا بكر رضي الله تعالى عنه على الحج فقيل لو بعث بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ثم دعا عليا فقال أخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى الحديث رواه ابن إسحاق وقال الكرماني وجه تعلقه بالترجمة مناسبة الآية التي في براءة وهي قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( براءة 28 ) لما وقع في حجته وكل من الوجهين لا يخلو عن تعسف مع أن الأول أقرب
وعبد الله بن رجاء ضد الخوف ابن المثنى الغداني البصري وربما يروى عنه البخاري بواسطة وإسرائيل هو ابن يونس يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن عبيد

(18/17)


عمدة اتلقاري ج 18 ص 18
الله بن موسى قوله ( 0كاملة ) ) قال الداودي لفظ كاملة ليس بشيء لأن براءة نزلت شيئا بعد شيء قلت ولهذا لم يذكر لفظ كاملة في هذا الحديث في التفسير ولفظه هناك آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك وذكر النحاس عن ابن عباس آخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح وسيأتي في التفسير عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا وآخر سورة نزلت الخ قال الكرماني يستفتونك ليس آخر سورة نزلت بل آخر آية من السورة كما صرح به في التفسير ثم قال المراد من السورة فيه القطعة من القرآن أو الإضافة فيهما بمعنى من البيانية نحو شجر أراك أي آخر من سورة أو بمعنى من التبعيضية أي الآخر بعض السورة قلت لفظ الحديث في الأطراف للحافظ المزي وآخر آية نزلت وهو الصواب فلا يحتاج إلى هذه التعسفات *
باب وفد بني تميم
أي هذا بيان وفي بني تميم وهو ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار وشرع البخاري من هنا في بيان الوفود وذكر ابن إسحاق أن أشراف بني تميم قدموا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم منهم عطارد بن حاجب الدارمي والأقرع بن حابس الدارمي والزبرقان بن بدر السعدي وعمرو بن الأهيم المنقري والحتات بن يزيد المجاشعي ونعيم بن يزيد بن قيس بن الحارث وقيس بن عاصم المنقري وقال ابن إسحاق عيينة بن حصن وقد كان الأقرع وعيينة شهدا الفتح ثم كانا مع بني تميم فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه و سلم من وراء حجرته فنزل فيهم ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) إلى قوله فلما غفور رحيم فأسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كل رجل اتني عشر أوقية ونشا وأعطى لعمر بن الأهتم خمس أواق لحداثة سنه وكان هذا قبل الفتح
362 - حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي صخرة عن صفوان بن محرز المازني عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال أتى نفر من بني تميم النبي صلى الله عليه و سلم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا يا رسول الله قد بشرتنا فأعطنا فرئي ذلك في وجهه فجاء نفر من اليمن فقال اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وأبو صخرة بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة واسمه جامع بن شداد بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المحاربي الأسدي الكوفي وصفوان بن محرز على صيغة اسم الفاعل من الإحراز بالحاء المهملة والراء والزاي والحديث مر في أول كتاب بدء الخلق بأتم منه ومر الكلام فيه هناك فافهم *
باب
أي هذا باب ولايعرب إلا بهذا التقدير لأن الإعراب لايكون إلا بالعقد والتركيب وهذا كله كالفصل لما قبله *
( قال ابن إسحاق غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم بعثه النبي صلى الله عليه و سلم إليهم فأغار وأصاب منهم ناسا وسبى منهم نساء )
أي قال محمد بن إسحاق صاحب المغازي قوله غزوة مصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله هو قوله بني العنبر من بني تميم وعنبر هو ابن عمرو بن تميم وقد مر أن تميم هو ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وذكر الواقدي رحمه الله أن سبب بعث عيينة هو أن بني تميم أغاروا على ناس من خزاعة فبعث النبي صلى الله عليه و سلم إليهم عيينة بن حصن في خمسين ليس فيهم أنصاري ولامهاجري فأسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فقدم رؤساؤهم بسبب ذلك قال ابن سعد كان ذلك في المحرم سنة تسع *
-
عمدة القاري ج18 ص 18
363 - ( حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعته من رسول الله يقولها فيهم هم أشد أمتي على الدجال وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قوم أو قومي )
مطابقته للترجمة المذكورة قبل لفظ الباب المجرد عن الترجمة من حيث أن فيه ذكر تميم ومدحهم وجرير بن عبد الحميد وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي والحديث مضى في كتاب العتق في باب من ملك من العرب رقيقا بعين هذا الإسناد وبإسناد آخر قوله بعد ثلاث أي بعد ثلاثة أشياء من الخصال قوله سمعته صفة لقوله ثلاث قوله يقولها تأنيث الضمير فيه باعتبار معنى الثلاث وفي سمعته باعتبار اللفظ قوله هم أشد أمتي أول الثلاث قوله وكانت فيهم ثانيها وفي رواية الكشميهني منهم وحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض قوله سبية بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف أو بسكونها بهمزة مفتوحة أي جارية سبيئة بمعنى مسبوءة قوله وجاءت صدقاتهم ثالثها قوله قوم بالكسر بلا تنوين لأنه قد حذف منه ياء المتكلم أو قومي شك من الراوي وفي رواية أبي يعلى عن زهير بن حرب شيخ البخاري فيه صدقات قومي بلا تردد -
4367 - ح ( دثني إبراهيم بن موسى ) حدثنا ( هشام بن يوسف ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) عن ( ابن أبي مليكة ) أن ( عبد الله بن الزبير ) أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد بن زرارة قال عمر بل أمر الأقرع بن حابس قال أبو بكر ما أردت إلا خلافي قال عمر ما أردت خلافك فتمار يا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذالك يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( الحجرات1 ) حتى انقضت
مطابقته لما قبله ظاهرة وإبراهيم بن موسى بن يزيد أبو إسحاق الفراء الرازي وهشام بن يوسف الصنعاني وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله التميمي الأحول المكي القاضي على عهد عبد الله بن الزبير
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن الحسن بن محمد وعن بسرة بن صفوان وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن المثنى وأخرجه النسفي فيه وفي القضاء عن الحسن بن محمد الزعفراني به
قوله أمر بتشديد الميم أمر من التأمير و القعقاع بن معبد بفتح الميم والباء الموحدة ابن زرارة ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي أحد وفد بني تميم وإنما أشار أبو بكر بتأمير القعقاع لأنه كان أرق من الأقرع وأشار عمر بالأقرع لأنه كان أحرى من القعقاع وكل أراد خيرا قوله فتماريا التماري هو المجادلة والمخاصمة قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ( الحجرات1 ) ومعنى لا تقدموا لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكم الله ورسوله ويأذنان فيه فتكونوا إما عاملين بالوحي وإما مقتدين برسول الله وعليه يدور تفسير ابن عباس لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة وقال عطية لا تكلموا بين يدي كلامه وحذف المفعول ليفيد شموله لكل ما يخطر بالبال مما تقدم قوله بين يدي الله ورسوله من باب التمثيل وحقيقته من قولهم جلست بين يدي فلان أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه قوله إن الله سميع عليم سميع بأقوالكم عليم بأفعالكم قوله حتى انقضت أي الآية إلى قوله وأنتم لا تشعرون ( الحجرات1 )

(18/19)


70 -
( باب وفد عبد القيس )
أي هذا باب في بيان وفد عبد القيس وهي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين وينسبون إلى عبد القيس بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وبالصاد المهملة على وزن أعمى بن دعمي بضم الدال المهملة وسكون العين المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف ابن جديلة بفتح الجيم على وزن كبيرة ابن أسد بن ربيعة بن نزار وكانت قريتهم بالبحرين أول قرية أقيمت فيها الجمعة بعد المدينة تسمى جواثى بضم الجيم وتخفيف الواو والثاء المثلثة وكان عدد هؤلاء الوفد ثلاثة عشر رجلا في سنة خمس أو قبلها وقال ابن إسحاق وكان قدوم وفد عبد القيس قبل الفتح
4368 - ح ( دثني إسحاق ) أخبرنا ( أبو عامر العقدي ) حدثنا ( قرة ) عن ( أبي جمرة ) قلت ل ( ابن عباس ) رضي الله عنهما إن لي جرة ينتبذ لي فيها نبيذ فأشربه حلوا في جر إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح فقال قدم وفد عبد القيس على رسول الله فقال مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامى فقالوا يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مضر وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم حدثنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو به من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله هل تدرون ما الإيمان الله شهادة أن لا إلاه إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس وأنهاكم عن أربع ما انتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه وأبو عامر عبد الملك بن عمر والعقدي وقرة بضم القاف وتشديد الراء هو ابن خالد السدوسي وأبو جمرة بفتح الجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري
والحديث مر في كتاب الإيمان في باب أداء الخمس من الإيمان بأتم منه
قوله إن لي جرة ويروى إن لي جارية فإن صحت هذه الرواية فقوله تنتبذ بتاء المضارعة للمؤنث وعلى الرواية المشهورة تكون ننتبذ بنون المتكلم قوله في جر يتعلق بمحذوف هو صفة جرة المذكورة تقديره إن لي جرة كانت في جملة جرار وقال الجوهري الجرة من الخزف والجمع جرر وجرار قوله خشيت جواب إن معناه إن أكثرت من نبيذ الجر فجالست الناس وطال جلوسي خشيت أن افتضح لما أكاد تشتبه أفعالي وأقوالي بالسكارى ومعنى البقية قد مر في الباب المذكور
4369 - ح ( دثنا سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أبي جمرة ) قال سمعت ( ابن عباس ) يقول قدم وفد عبد القيس على النبي فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نخلص إليك إلا في شهر حرام فمرنا بأشياء نأخذ بها وندعوا إليها من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله شهادة أن لا إلاه إلا الله وعقد واحدة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والنقير والخنتم والمزفت
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس قوله من ربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان قال الرشاطي ربيعة هذا شعب واسع فإنه قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ قوله إنا هذا الحي أراد به عبد القيس وأسقط في هذا صوم رمضان لأن الظاهر أن القصة وقعت مرتين ففي المرة الأولى ذكر ما الأمر فيه أهم بالنسبة إليهم أو نسيه الراوي

(18/20)


4370 - ح ( دثنا يحيى بن سليمان ) حدثني ( ابن وهب ) أخبرني ( عمرو ) وقال ( بكر بن مضر ) عن ( عمرو بن الحارث ) عن ( بكير ) أن ( كريبا ) مولى ( ابن عباس ) حدثه أن ( ابن عباس وعبد الرحمان ابن أزهر والمسور بن مخرمة ) أرسلوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالوا اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد العصر وإنا أخبرنا أنك تصليهما وقد بلغنا أن النبي نهى عنها قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر الناس عنهما قال كريب فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني فقالت سل أم سلمة فأخبرتهم فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة فقالت أم سلمة سمعت النبي ينهى عنهما وإنه صلى العصر ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه الخادم فقلت قومي إلى جنبه فقولي تقول أم سلمة يا رسول الله ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين فأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان ( انظر الحديث 1233 )
مطابقته للترجمة في قوله أتاني أناس من عبد القيس ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي سكن مصر يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن عمرو بن الحارث
وأخرج البخاري هذا الحديث في أواخر الصلاة في باب إذا كلمه وهو يصلي عن يحيى المذكور فقال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني بن وهب المصري قال أخبرني عمرو بن كريب أن ابن عباس والمسور ابن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه الحديث وهنا أخرجه بهذا الإسناد أيضا وأخرجه أيضا معلقا بقوله وقال بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن كريب إلى آخره ووصل الطحاوي هذا التعليق من طريق عبد الله بن صالح عن بكر بن مضر إلى آخره
وبكر بفتح الباء الموحدة ابن مضر بضم الميم ابن محمد القرشي المصري وبكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي
قوله وإنا أخبرنا بضم الهمزة وسكون الخاء على صيغة المجهول قوله سل أم سلمة بفتح اللام واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية قوله من بني حرام بفتح الحاء المهملة وهو ابن كعب بن غنم بن كعب بن مسلمة بن سعد بن ساردة بن تزيد بالتاء المثناة من فوق ابن جشم بن الخزرج وبقية الكلام مرت في الباب المذكور
4371 - ح ( دثنا عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( أبو عامر عبد الملك ) حدثنا ( إبراهيم ) هو ( ابن طهمان ) عن ( أبي جمرة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله في مسجد عبد القيس بجواثي يعني قرية من البحرين ( انظر الحديث 892 )
ذكر هذا هنا لأجل ذكر عبد القيس فيه وفيه فضيلة لعبد القيس أيضا وأبو جمرة بالجيم مر عن قريب وجواثي بضم الجيم وتخفيف الواو وفتح الثاء المثلثة مقصورا حصن قريب من البصرة والبحرين موضع بساحل بحر عمان
71 -
( باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال )
أي هذا باب في بيان وفد بني حنيفة وحنيفة هو ابن لجيم بالجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن وثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن أثال بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة ابن النعمان بن

(18/21)


مسلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة وكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان فإنها كانت قبل فتح مكة فلا وجه لذكرها ها ههنا فقيل ذكرها ها ههنا استطرادا وليس بشيء
4372 - ح ( دثنا عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( سعيد بن أبي سعيد ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله عنه قال بعث النبي خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج إليه النبي فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ثم قال له ماذا عندك يا ثمامة قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك فقال أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي والله ما كان من دين ابغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي
مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة وسعيد بن أبي سعيد المقبري واسم أبي سعيد كيسان المديني وقد مر غير مرة والحديث مر مختصرا في باب الصلاة في باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد بهذا الإسناد بعينه
قوله بعث النبي خيلا أي فرسان خيل وهذا من ألطف المجازات وأحسنها قوله قبل نجد بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهتها قوله فجاءت برجل يعني أسروه وجاؤوا به وزعم سيف في ( كتاب الردة ) إن الذي أسره العباس بن عبد المطلب ورد عليه بأن العباس إنما قدم على النبي في زمان فتح مكة وقصة ثمامة قبل ذلك قوله ماذا عندك أي أي شيء عندك وقال بعضهم يحتمل أن تكون ما استفهامية و ذا موصولة وعندك صلته أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك انتهى قلت هذا يأتي على أوجه الأول أن تكون ما استفهامية وذا إشارة نحو ماذا الوقوف الثاني أن تكون ما استفهامية و ذا موصولة بدليل افتقاره للجملة بعده الثالث أن تكون ماذا كله استفهاما على التركيب كقولك لماذا جئت الرابع أن تكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا بمعنى الذي الخامس أن تكون ماذا زائدة و ذا للإشارة السادس أن تكون ما استفهاما و ذا زائدة على خلاف فيه قوله عندي خير يعني لست أنت ممن تظلم بل أنت تعفو وتحسن قوله ذا دم بالدال المهملة وتخفيف الميم عند الأكثرين وفي رواية الكشميهني بالذال المعجمة وتشديد الميم وقال النووي معنى الأول إن تقتل تقتل ذا دم أي صاحب دم لأجل دمه ومعنى الثاني ذا ذمة وكذلك وقع في رواية أبي داود ورده عياض لأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله فوجهه النووي بأن المراد بالذمة الحرمة في قومه قوله حتى كان الغد ويروى فترك حتى كان الغد وإنما ذكر في اليوم الأول شيئين لأن أحدهما أشق الأمرين وهو القتل والآخر أشقى الأمرين واقتصر في اليوم الثاني على الشيء الثاني لأجل الاستعطاف وطلب الإنعام واقتصر في اليوم الثالث على الإجمال تفويضا

(18/22)


إلى جميل خلقه قوله أطلقوا ثمامة وفي رواية قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقك قوله إلى نخل بالخاء المعجمة وفي كتاب الصلاة بالجيم وهو الماء قاله الكرماني قوله وبشره أي بخير الدنيا والآخرة قوله صبوت أي ملت إلى دين غير دينك قوله قال لا أي لا صبوت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست بدين حتى إذا تركتها أكون خارجا من دين بل دخلت في دين الإسلام وأسلمت مع محمد بمعنى وافقته على دين الحق فصرنا متصاحبين في الإسلام وفي رواية ابن هشام ولكن تبعت خير الدين دين محمد قوله حتى يأذن فيها النبي أي إلى أن يأذن النبي بذلك قال ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن تخلى بينهم وبين الحمل إليهم
4373 - ح ( دثنا أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( عبد الله بن أبي حسين ) حدثنا ( نافع بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنهقال ابن عباس فسألت عن قول رسول الله إنك اري الذي أريت فيه ما رأيت فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله قال بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي أحدهما العنسي والآخر مسيلمة
مطابقته للجزء الأول للترجمة لأن مسيلمة قدم في وفد نبي حنيفة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وقد تكرر ذكرهما وعبد الله بن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث النوفلي تابعي صغير مشهور نسب هنا إلى جده ونافع بن جبير بن مطعم بن مهدي بن نوف بن عبد مناف القرشي المدني مات في خلافة سليمان بن عبد الملك
والحديث مضى بهذا الإسناد في باب علامات النبوة ومضى الكلام فيه هناك ونذكر بعض شيء وإن كان في بعضه تكرار
قوله قدم إلى المدينة مسيلمة تصغير مسلمة ابن ثمامة بن بكير بالباء الموحدة ابن حبيب بن الحارث من بني حنيفة قال ابن إسحاق ادعى النبوة سنة عشر وقدم مع قومه وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم وذكروه لرسول الله وأخذوا منه جائزته وأنه قال لهم إنه ليس بشركم وأن مسيلمة لما ادعى أنه أشرك النبوة مع رسول الله احتج بهذه المقالة قيل هذا شاذ ضعيف السند لانقطاعه فكيف يوافق ما في ( الصحيح ) أن النبي اجتمع به وخاطبه بما ذكره في الحديث ثم وفق بينهما بأن يكون له القدوم مرتين مرة تابعا ومرة متبوعا فإن قيل القصة واحدة قيل له كانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة واستكبارا أن يحضر مجلس النبي وعامله النبي معاملة الكرم على عادته في الاستئلاف ومعنى قوله إنه ليس بشركم أي مكانا لكونه كان يحفظ رحالهم وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل فلما لم يفد في مسيلمة توجه بنفسه إليه ليقيم عليه الحجة قوله إن جعل لي محمد أي الخلافة ويروى إن جعل لي محمد الأمر وهذا هو الأشهر قوله وقدمها أي المدينة في بشر كثير وقال الواقدي كان معه من قومه سبعة شعر نفسا قوله ولن تعدو بالنصب في رواية الأكثرين وروى

(18/23)


بعضهم لن تعدو بالجزم على لغة من يجزم بلن والمراد بأمر الله حكمه بأنه كذاب مقتول جهنمي قوله ولئن أدبرت أي خالفت الحق ليعقرنك الله أي ليهلنك قوله أريت على صيغة المجهول من رؤيا المنام قوله وهذا ثابت يجيبك عني لأنه كان خطيب الأنصار قوله فسألت عن قول رسول الله المفعول محذوف يفسره قوله فأخبرني أبو هريرة لأن هذا الحديث رواه ابن عباس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قوله بينا قد مر غير مرة أن أصله بين فزيدت فيه الألف والميم أيضا في بعض المواضع ويضاف إلى الجملة قوله رأيت جوابه قوله من ذهب كلمة من بيانية قوله إن أنفخهما بالخاء المعجمة قوله العنسي بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة نسبة إلى عنس وهو زيد بن مالك بن أدد ومالك هو جماع مذحج وقال ابن دريد العنس الناقة الصلبة وأراد بالعنسي الأسود ولقبه عبهلة من قولهم عبهل الأمر أهمله وقال ابن إسحاق خرج بصنعاء وعليها المهاجرين أبي أمية وكان أول ما ضل به عدو الله أنه مر به حمار فلما انتهى إليه عثر لوجهه فقال لعنه الله سجد لي ولم يقم الحمار حتى قال له عدو الله شأ فقام وقتل بعمدان وحمل رأسه وسلبه إلى سيدنا رسول الله قلت شأ بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة وهي كلمة تستعمل عند دعاء الحمار ومنهم من يقول كان ذلك في خلافة أبي بكر والله أعلم وعن فيروز خرج الأسود في عامة حج بعد حجة الوداع وكان كاهنا مشعبذا يريهم الأعاجيب وكان يسبي قلوب من يسمع نطقه معه شيطان وتابع له وخرج على مالك اليمن فقتله ونكح امرأته وملك بلاده ولم يكاتب النبي ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه وصفا له ملك اليمن وقال عروة أصيب الأسود قبل وفاة سيدنا رسول الله بيوم أو ليلة وعن ابن عباس جاءه خبر الأسود من ليلته وجاءته الرسل صبيحة ليلة قبضه وعن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه الخبر من السماء في لليلة التي قتل فيها الأسود فبشرنا به وقال قتله البارحة رجل مبارك من أهل بيت مباركين قيل ومن هو قال فيروز وقال دخل عليه فيروز فقال له ما تقول فإن محمدا يزعم أنه ليس إلا إله واحد قال الأسود بل هو آلهة كثيرة فقال ابسط يدك أبايعك فلما بسط يده مد فيروز يده وأخذ بعنقه فقتله وقال عبيد بن صخر كان بين أول أمره وآخره ثلاثة أشهر
4375 - ح ( دثنا إسحاق بن نصر ) حدثنا ( عبد الرزاق ) عن ( معمر ) عن ( همام ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله عنه يقول قال رسول الله بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فذهبا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر مسلمة الكذاب من حيث التضمن في قوله وصاحب اليمامة وهمام هو ابن منبه ابن كامل اليماني الأنباري
والحديث أخرجه البخاري أضا تعبير الرؤيا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وأخرجه مسلم في الرؤيا عن محمد بن رافع
قوله كبر على بضم الباء الموحدة على صيغة الإفراد أي عظم وثقل ويروى كبرا بالتثنية قوله صاحب صنعاء بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبالمد قاعدة اليمن ومدينتها العظمى وصاحبها الأسود العنسي واليمامة مدينة باليمن على مرحلتين من الطائف وصاحبها مسيلمة الكذاب لعنه الله تعالى
4376 - ح ( دثنا الصلت بن محمد ) قال سمعت ( مهدي بن ميمون ) قال سمعت ( أبا رجاء العطاردي ) يقول كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا ننصل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب

(18/24)


وسمعت أبا رجاء يقول كنت يوم بعث النبي غلاما أرعى الإبل على أهلي فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار إلى مسيلمة الكذاب
مطابقته للترجمة في قوله مسيلمة الكذاب والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق ابن محمد بن عبد الرحمن الخاركي بالخاء المعجمة البصري الثقة وأبو رجاء ضد الخوف عمران بن ملحان العطاردي بالضم نسبة إلى عطارد بطن من تميم أسلم زمن النبي ولم يره وهذا لا يحسب من الثلاثيات لأنه لم ير وحديثا عن النبي بل حكى عن حاله فقط بخروجه أي بظهوره على قومه من قريش بفتح مكة وليس المراد منه مبدأ ظهوره بالنبوة ولا خروجه من مكة إلى المدينة
قوله هو أخير بمعنى خير وليس بمعنى أفعل التفضيل وفي رواية الكشميهني أحسن بدل أخبر والمراد بالخيرية الحسية من كونه أشد بياضا أو نعومة ونحو ذلك من صفاة الحجارة المستحسنة قوله جثوة بضم الجيم وسكون الثاء المثلثة وهي القطعة من التراب يجمع فيصير كوما ويجمع على جثي قوله فحلبنا عليه أي على التراب والحلب على التراب إما حقيقة وإما مجاز عن التقرب إليه بصدقة له قوله ننصل الأسنة بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر الصاد المهملة يقال أنصلت الرمح إذا نزعت منه سنانة ونصلته إذا جعلت له نصلا وفي رواية الكشميهني بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الصاد وكانوا ينزعون الحديد من السلاح إذا دخل شهر رجب لترك القتال فيه لتعظيمه قوله فلا ندع إلى قوله وسمعت تفسير لقوله ننصل الأسنة وهو جمع سنان قوله شهر رجب أي في شهر رجب ويروى لشهر رجب
قوله وسمعت أبا رجاء الخ حديث آخر متصل بالإسناد المذكور وفاعل سمعت مهدي بن ميمون الراوي قوله إلى مسيلمة الكذاب بدل من قوله إلى النار بتكرير العامل والله أعلم
71 -
( قصة الأسود العنسي )
أي هذه قصة الأسود العنسي وقد مر الكلام فيه عن قريب
4378 - ح ( دثنا سعيد بن محمد الجرمي ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح ) عن ( ابن عبيدة بن نشيط ) وكان في موضع آخر اسمه عبد الله أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث وكانت تحته بنت الحارث بن كريز وهي أم عبد الله بن عامر فأتاه رسول الله ومعه ثابت بن قيس بن شماس وهو الذي يقال له خطيب رسول الله وفي يد رسول الله قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة إن شئح خليت بيننا وبين الأمر ثم جعلته لنا بحدك فقال النبي لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت وهذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني فانصرف النبي قال عبيد الله بن عبد الله سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله التي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول الله قال بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما وكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطار فأولتهما

(18/25)


كذابين يخرجان فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب
ليست فيه قصة العنسي وإنما فيه قصة مسيلمة بطريق الإرسال وفيها ذكر العنسي وسعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء نسبة إلى جرم وجرم في قبائل في قضاعة جرم بن زبان وفي بجيلة جرم بن علقمة وفي عامله جرم بن شعل وفي طي جرم وهو ثعلبة بن عمرو هو شيخ مسلم أيضا ثقة مكثر ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو ابن كيسان وابن عبيدة بضم العين ابن نشيط بفتح النون وكسر الشين المعجمة وبالطاء المهملة واسمه عبد الله بن عبيدة وبينه بقوله وفي موضع آخر اسمه عبد الله احترازا عن أخيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف جدا وأخوه عبد الله ثقة وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين سنة وعبيد الله بضم العين ابن عبد الله بالفتح ابن عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي أحد الفقهاء السبعة
وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وهم صالح وابن عبيدة وعبد الله
قوله فنزل إلى قوله فأتاه كريز بضم الكاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وفيه وهي أم عبد الله بن عامر وقال الدمياطي الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لأنها زوجته لا أمه فإن أم ابن عامر أروى بنت كريز وهي والدة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقيل لعله كان فيه أم عبد الله بن عبد الله بن عامر فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد الياء آخر الحروف بعدها سين مهملة وهي بنت عم عبد الله بن عامر بن كريز ولها منه أيضا عبد الرحمن وعبد الملك وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر بن كريز تحت مسلمة الكذاب وإذا ثبت ذلك ظهر وجه نزول مسيلمة عليها لكونها كانت امرأته وقال الكرماني وبنت الحارث بالمثلثة امرأة من الأنصار من بني النجار قلت هذا من كلام ابن إسحاق وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن نعامة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور وقال ابن سعد كانت دار بنت الحارث معدة لنزول الوفود فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم لوافي دار بنت الحارث انتهى قلت إذا كان الأمر كذلك فلا حاجة إلى ذكر وجه نزول مسيلمة في دار بنت الحارث لأنه من جملة الوفود قوله ثم جعلته أي الأمر قوله بعدك يرد كلام ابن إسحاق أنه ادعى الشركة ولكن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع قوله ذكر على صيغة المجهول والذاكر هو أبو هريرة يظهر ذلك من الحديث الذي قبله قوله ففظعتهما من فظع بالفاء والظاء المعجمة والعين المهملة يقال فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار وقال الكرماني بكسر الظاء قلت ليس بصحيح بل هو بضم الظاء وقال الجوهري فظع الأمر بالضم فظاعة وذكره في ( دستور اللغة ) من باب بصر يبصر وفي ( التوضيح ) يقال فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع أي شديد بشيع جاوز المقدار وكذلك أفضع الأمر فهو مفظع وأفظع الرجل على ما لم يسم فاعله أي نزل به أمر عظيم وقال ابن الأثير الفظيع الأمر الشديد وجاء هنا متعديا والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحمل التعدية على المعنى أي خفتهما أو اشتد أمرهما على قوله الذي قتله فيروز باليمن وم قصته أن الأسود كان له شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغرا والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغرا وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس وكان باذان عامل النبي بصنعاء فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة بازان فواعدها رازوبة وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر وكان على بابه ألف حارس فنقب فيروز من معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز وحز رأسه وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى ذلك عند وفاة النبي وقد مر شيء من ذلك عن قريب
73 -
( قصة أهل نجران )
أي هذا بيان قصة أهل نجران بفت النون وسكون الجيم وهو بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على

(18/26)


ثلاث وسبعين قرية مسيرة يوم للراكب السريع وكان نجران منزلا للنصارى وكان أهله أهل كتاب
4380 - ح ( دثني عباس بن الحسين ) حدثنا ( يحيى بن آدم ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( صلة بن زفر ) عن ( حذيفة ) قال جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف له أصحاب رسول الله فقال قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله هذا أمين هذه الأمة
مطابقته للترجمة ظاهرة وعباس بالباء الموحدة ابن الحسين أبو الفضل البغدادي مات قريبا من سنة أربعين ومائتين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث مفردا وآخر في التهجد مقرونا ويحيى بن آدم بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري وقد أخرج الحاكم في ( المستدرك ) عن يحيى هذا بهذا الإسناد عن ابن مسعود بدل حذيفة وكذلك أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق آخر عن إسرائيل ورجح الدارقطني في ( العلل ) هذه الرواية ورد الترجيح بأن أصل الحديث رواه شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة مثل حديث الباب وقد مر في مناقب أبي عبيدة ويحيى عن قريب أيضا فالبخاري استظهر برواية شعبة والظاهر من هذا أن الطريقين صحيحان والله أعلم وقال المزي وحذيفة أصح وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وصلة بن زفر العبسي الكوفي وحذيفة بن اليمان العبسي
والحديث أخرجه البخاري في خبر الواحد أيضا وأخرجه بقية الجماعة غير أبي داود
قوله جاء العاقب بالعين المهملة وبالقاف المكسورة وبالباء الموحدة واسمه عبد المسيح قوله والسيد بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف واسمه الأيهم بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف ويقال شرحبيل وذكر ابن سعد أن رسول الله كتب إلى أهل نجران فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فيهم العاقب وهو عبد المسيح رجل من كندة وأبو الحارث بن علقمة رجل من ربيعة وأخوه كرز والسيد وأوس ابنا الحارث وزيد بن قيس وشيبة وخويلد وخالد وعمرو وعبد الله وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم العاقب أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم والسيد وهو صاحب رحالهم فدخلوا المسجد وعليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق فقال دعوهم ثم أتوا النبي فأعرض عنهم ولم يكلمهم فقال لهم عثمان ذلك من أجل زيكم فانصرفوا يومهم ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلموا فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام فأبوا وكثر الكلام واللجاج وتلا عليهم القرآن وقال رسول الله إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم بأهلكم فانصرفوا على ذلك قوله يريدان أن يلاعناه أي يباهلاه من الملاعنة وهي المباهلة وفيه نزلت تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل ( آل عمران 61 ) والمباهلة أن يجتمع قوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون لعنة الله على الظالم قوله فيقال أحدهما لصاحبه ذكر أبو نعيم في الصحابة أنه السيد وقيل هو العاقب وقيل شرحبيل قوله فلاعناه بفتح العين وتشديد النون على صيغة المتكلم مع الغير وفي رواية الكشميهني فلاعننا بفتح النونين على أن لاعن فعل ماض فيه الضمير يرجع إلى رسول الله و نا مفعوله قوله من بعدنا وفي رواية ابن مسعود ولا عقبنا من بعدنا أبدا قوله قالا أي العاقب والسيد إنا نعطيك ما سألتنا وذلك بعد أن انصرفوا من عند رسول الله وهم ممتنعون عن الإسلام كما ذكرنا عن قريب وجاء السيد والعاقب وقالا إنا نعطيك ما سألتنا وفي رواية ابن سعد فغدا عبد المسيح وهو العاقب ورجلان من ذوي رأيهم فقالوا قد بدالنا أن لا نباهلك فاحكم علينا بما أحببت ونصالحك فصالحهم على ألفي حلة في رجب وألف في صفر أو قيمة ذلك من الأواق وعلى عارية ثلاثين

(18/27)


درعا وثلاثين رمحا وثلاثين بعيرا وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم غائبهم وشاهدهم وبيعهم لا يغير أسقف عن سقيفاه ولا راهب عن رهبانيته ولا واقف عن وقفا نيته وأشهد على ذلك شهودا منهم أبو سيفيان والأقرع بن حابس والمغيرة بن شعبة فرجعوا إلى بلادهم فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي فأسلما انتهى قوله فاستشرف من الاستشراف وهو الإطلاع وأصله أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء والحاصل أنهم ترقبوا له كل منهم يأمل أن يكون هو المبعوث إليهم فإن قلت ذكر ابن إسحاق أن النبي بعث عليا رضي الله تعالى عنه إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم قلت قصة على غير قصة أبي عبيدة فإن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع وعلي أرسله النبي بعد ذلك فقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية وأخذ ممن أسلم منهم ما استحق عليه من الصدقة
4381 - حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت أبا إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه قال جاء أهل نجران إلى النبي فقالوا ابعث لنا رجلا أمينا فقال لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح هذا طريق آخر في الحديث السابق أخرجه مختصرا وأخرجه في مناقب أبي عبيدة عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة إلى آخره
4382 - ح ( دثنا أبو الوليد ) حدثنا ( شعبة ) عن ( خالد ) عن ( أبي قلابة ) عن ( أنس ) عن النبي قال لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ( انظر الحديث 3744 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه قاله حين بعثه إلى نجران بقرينة الحديث السابق وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وخالد هو ابن مهران الحذاء البصري وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي ومضى الحديث في مناقب أبي عبيدة فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن عبد الأعلى عن خالد عن أبي قلابة رضي الله تعالى عنهم ومضى الكلام فيه هناك
74 -
( قصة عمان والبحرين )
أي هذا في بيان قصة عمان بضم العين المهملة وتخفيف الميم وقال عياض فرضة بلاد اليمن ولم يزد في تعريفها شيئا وقال الرشاطي عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ وفي بلاد الشام بلدة يقال لها عمان بفتح العين وتشديد الميم وليست بمرادة هنا قطعا والبحرين ثنية بحرفي الأصل موضع بين البصرة وعمان والنسبة إليه بحراني
4383 - ح ( دثنا قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( سفيان ) سمع ( ابن المنكدر جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما يقول قال لي رسول الله لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك

(18/28)


هكذا وهكذا ثلاثا فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى من كان له عند النبي دين أو عدة فليأتني قال جابر فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي قال لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا قال فأعطاني قال جابر فلقيت أبا بكر بعد ذاك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فلم يعطني فقلت له قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني فقال أقلت تبخل عني وأي داء أدوأ من البخل قالها ثلاثا ما منعتك من مرة إلا إنا أريد أن أعطيك
ليس فيه قصة عمان ولا قصة البحرين ولكن يمكن أن يكون قد أشار إلى ذلك بقوله لو قد جاء مال البحرين فإنه يدل على أنه بعث إليهم على ما رواه الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال بعث رسول الله رسله إلى الملوك وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني جلندي ملك عمان وفيه فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله وأنه توفي وعمرو بالبحرين قلت جيفر بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء بعدها الراء و عياذ بكسر العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بعدها ذال معجمة و الجلندي بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال مقصورا و سفيان هو ابن عيينة قوله سمع ابن المنكدر أي محمد جابر بن عبد الله فابن المنكدر فاعل سمع وجابر بن عبد الله بالنصب مفعوله وفي رواية الحميدي في ( مسنده ) حدثنا سفيان قال سمعت ابن المنكدر وقال سمعت جابرا والحديث مضى في كتاب الهبة في باب إذا وهب هبة أو وعد فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان إلى آخره وفيه اختصار قوله قلت تبخل عني الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار أي اتنسب إلى البخل قوله أدوأ ضبطه الدمياطي بخطه بالهمزة وقال ابن التين إنه غير مهموز وقال ابن الأثير في باب الدال مع الواو ومنه الحديث وأي داء أدوى من البخل أي أي عيب أقبح منه والصواب أدوأ بالهمزة والبخل بضم الياء وسكون الخاء وبفتحها وهو أن يمنع المرء ما يجب عليه فلا يؤديه
وعن عمرو عن محمد بن علي سمعت جابر بن عبد الله يقول جئته فقال لي أبو بكر عدها فعددتها فوجدتها خمسمائة فقال خذ مثلها مرتين
هذا معطوف على الإسناد الأول وعمرو هو ابن دينار ومحمد بن علي هو ابن الحنفية رضي الله تعالى عنه ووقع في رواية الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني محمد بن علي فذكر إلى آخره وهذا مضى في الكفالة في باب من تكفل عن ميت دينا فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو وسمع محمد بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما إلى آخره فلينظر هناك وصاحب ( التلويح ) قد ذهل عنه فقال أخرجه مسلم في ( صحيحه ) عن إسحاق عن سفيان عنه وقد مر الكلام فيه هناك
74 -
( باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن )
أي هذا باب في بيان قدوم الأشعريين وهو جمع أشعري نسبة إلى الأشعر وهو نبت بن أدد بن زيد بن يشحب ابن عريب بن زيد بن كهلان وإنما قيل له الأشعر لأنه ولدته أمه أشعرا والشعر على كل شيء منه وقال الكرماني قوله الأشعرين بحذف إحدى اليائين وتخفيف الباقي قوله وأهل اليمن من عطف العام على الخاص لأن الأشعريين من أهل اليمن
وقال أبو موسى عن النبي هم مني وأنا منهم
أي وقال أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن النبي هم أي الأشعريون مني وأراد به المبالغة في اتصالهم في الطريق واتفاقهم على الطاعة وكلمة من هنا تسمى بمن الاتصالية أي هم متصلون بي فيما ذكرناه وهو

(18/29)


طرف حديث قد وصله البخاري في الشركة في الطعام حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن بريد عن أبي بريدة عن أبي موسى قال قال النبي إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة الحديث وفي آخره فهم مني وأنا منهم ومر الكلام فيه هناك
377 - ( حدثني عبد الله بن محمد وإسحاق بن نصر قالا حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى رضي الله عنه قال قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت من كثرة دخلوهم ولزومهم له )
مطابقته للترجمة في قوله قدمت أنا وأخي من اليمن وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وإسحاق بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري ويحيى بن آدم بن سليمان الكوفي وسقط في رواية أبي زيد المروزي ذكر شيخي البخاري المذكورين وابتداء الإسناد بيحيى بن آدم والصواب ثبوتهما لأن البخاري لم يدرك يحيى بن آدم وابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة واسمه ميمون ويقال خالد الهمداني الكوفي يروي عن أبيه زكريا الأعمى الكوفي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي والأسود بن يزيد من الزيادة النخعي الكوفي والحديث مضى في فضل ابن مسعود أخرجه عن محمد بن العلاء عن إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد إلى آخره قوله أنا وأخي واسم أخيه أبو رهم أو أبو بردة قوله ما نرى بضم النون أي ما نظن قوله وأمه واسم أمه أم عبد الله بنت عبدود بن سواء بن قريم وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب ولها صحبة قوله من أهل البيت أي بيت النبي -
378 - ( حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم قال لما قدم أبو موسى أكرم هذا الحي من جرم وإنا لجلوس عنده وهو يتغدى دجاجا وفي القوم رجل جالس فدعاه إلى الغداء فقال إني رأيته يأكل شيئا فقذرته فقال هلم فإني رأيت النبي يأكله فقال إني حلفت لا آكله فقال هلم أخبرك عن يمينك إنا أتينا النبي في نفر من الأشعريين فاستحملناه فأبى أن يحملنا فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا ثم لم يلبث النبي أن أتي بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود فلما قبضناها قلنا تغفلنا النبي يمينه لا نفلح بعدها أبدا فأتيته فقلت يا رسول الله إنك حلفت أن لا تحملنا وقد حملتنا قال أجل ولكن لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير منها )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إنا أتينا النبي في نفر من الأشعريين أي في جماعة منهم وكان طلبهم عند إرادة النبي غزوة تبوك وأبو نعيم الفضل بن دكين وعبد السلام بن حرب سكن الكوفة وهو من أفراده وأيوب هو السختياني وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء على وزن جعفر بن مضرب بالضاد المعجمة وكسر الراء الجرمي الأزدي البصري والحديث مضى في الخمس أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب وفيه بعض زيادة ومضى الكلام فيه هناك قوله لما قدم أبو موسى قال

(18/30)


الكرماني حين قدم اليمن ونسبه بعضهم إلى الوهم فقال أي لما قدم الكوفة أميرا عليها في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه ثم قال لأن زهدما لم يكن من أهل اليمن قوله من جرم وهي قبيلة مشهورة ينسبون إلى جرم بن ربان براء وباء موحدة مشددة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة قوله فقذرته بفتح القاف وكسر الذال المعجمة وفتحها أي استقذرته وكرهته قوله هلم من أسماء الأفعال ومعناه تعال قوله ذود بفتح الذال المعجمة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر قوله تغفلنا النبي أي استغفلناه واغتنمناه غفلته
379 - ( حدثني عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان حدثنا أبو صخرة جامع بن شداد حدثنا صفوان بن محرز المازني حدثنا عمران بن حصين قال جاءت بنو تميم إلى رسول الله فقال أبشروا يا بني تميم قالوا أما إذ بشرتنا فأعطنا فتغير وجه رسول الله فجاء ناس من أهل اليمن فقال النبي اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله )
مطابقته للترجمة في قوله فجاء ناس من أهل اليمن وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد والحديث مضى في أول بدء الخلق فإنه أخرجه هناك عن محمد بن كثير عن سفيان عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز إلى آخره فإن قلت قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقيب فتح خيبر سنة سبع قلت يحتمل أن طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك
380 - ( حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود أن النبي قال الإيمان ههنا وأشار بيده إلى اليمن أو الجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر )
مطابقته للترجمة من حيث الاستطراد لأجل ذكر اليمن فيها وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري والحديث مضى في أواخر كتاب بدء الخلق في باب خير مال المسلم غنم فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن إسمعيل إلى آخره قوله إلى اليمن أي إلى جهة اليمن ويراد به أهل البلد لا من ينتسب إليه من غيره قوله في الفدادين تفسيره على وجهين ( أحدهما ) أن يكون جمع الفداد بالتشديد وهو الشديد الصوت وذلك من دأب أصحاب الإبل ( والآخر ) أن يكون جمع الفداد بالتخفيف وهو آلة الحرث وإنما ذم هؤلاء لأنهم يشتغلون عن أمور الدين ويلتهون عن أمور الآخرة قوله من حيث يطلع يعني من جهة الشرق وعبر عن الشرق بذلك لأن الشيطان ينتصب في محاذاة المطلع حتى إذا طلعت الشمس كانت بين جانبي رأسه فتقع السجدة له حين تسجد عبدة الشمس لها قوله ربيعة ومضر قبيلتان مشهورتان بالفتح فيهما لأنهما بدل من الفدادين وغير المنصرف يكون مفتوحا في موضع الجر ويجوز أن يكونا مرفوعين على تقديرهم ربيعة ومضر فيكون المبتدأ فيه محذوفا
4388 - ح ( دثنا محمد بن بشار ) حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( ذكوان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم

(18/31)


مطابقته للترجمة في أول الحديث وأيضا مثل ما ذكرنا في الحديث السابق لأن الترجمة في ذكر اليمن وابن أبي عدي هو محمد واسم أبي عدي إبراهيم وسليمان هو الأعمش وذكوان بفتح الذال المعجمة أبو صالح
والحديث مر في باب خير مال المسلم غنم أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وفيهما زيادة ونقصان فليعتبر ذلك
قوله أتاكم خطاب للصحابة وفيهم الأنصار فليرد بهذا قول من يقول المراد بقوله الإيمان يمان الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فيتعين بما ذكرنا أن الذين أتاهم غير هم قوله أرق أفئدة جمع فؤاد قال الخطابي وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين لأن الفؤاد غشاء القلب إذا رق نفذ القول فيه وخلص إلى ما وراءه وإذا غلظ تعذر وصوله إلى داخله فإذا صادف القلب شيئا علق به أي إذا كان لينا والمشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا تكرار لفظ القلب بلفظين أولى من تكرره بلفظ واحد وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب وقيل باطن القلب وقيل غشاء القلب قوله الإيمان يمان أصله يماني حذفت الياء للتخفيف وإنما أوقع اليمان خبرا عن الإيمان لأن مبدأه من مكة وهي يمانية أو المراد منه وصف أهل اليمن بكمال الإيمان وقيل المراد مكة والمدينة لأن هذا الكلام صدر عن النبي وهو بتبوك فتكون المدينة حينئذ بالنسبة إلى المحل الذي هو فيه يمانية قوله والحكمة يمانية اضطربت الأقوال في تفسيرها فقال النووي والذي صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على معرفة الله تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن ابتاع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وفيه الثناء على أهل اليمن لمبادرتهم إلى الدعوة وإسراعهم إلى قبول الإيمان قوله والفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما قوله والخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب ومنه اختال فهو مختال قوله والسكينة أي المسكنة والوقار أي الخضوع
وقال غندر عن شعبة عن سليمان سمعت ذكوان عن أبي هريرةعن النبي
غندر بضم الغين المعجمة محمد بن جعفر وسليمان هو الأعمش وإنما أورد هذا المعلق لوقوع التصريح بقول سليمان سمعت ذكوان ووصله أحمد عن غندر بهذا الإسناد
382 - ( حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي قال الإيمان يمان والفتنة ههنا ههنا يطلع قرن الشيطان )
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة أخرجه عن إسمعيل بن أبي أويس عن أخيه عبد الحميد عن سليمان بن بلال عن ثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد المدني وفيهم ثور آخر لكنه ابن يزيد بزيادة الياء آخر الحروف في أوله الشامي وأبو الغيث بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة واسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي المدني قوله والفتنة ههنا يعني نحو المشرق وأشار إليه بقوله ههنا يطلع قرن الشيطان وقد مر عن قريب أنه ينتصب في محاذاة المطلع حين تطلع الشمس بين قرنيه وأما كون الفتنة من المشرق فلأن أعظم أسباب الكفر منشؤه هنالك كخروج الدجال ونحوه
383 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية )
هذا طريق آخر عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة عن النبي قوله أضعف قلوبا ذكر فيما مضى ألين قلوبا لأن الضعف عبارة عن السلامة من=

ج34.عمدة القارئ

الغلظ والشدة والقسوة التي وصفت بها قلوب الآخرين واللين عبارة عن الاستكانة وسرعة الإيجاب والتأثر بقوارع التذكير قوله الفقه يمان المراد بالفقه هنا الفهم في الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها قوله والحكمة يمانية قد مر تفسير الحكمة عن قريب واليمانية بتخفيف الياء لأن الألف المزيدة فيه عوض عن ياء النسبة المشددة فلا يجمع بينهما وقيل سمع بالتشديد أيضا
4391 - ح ( دثنا عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( علقمة ) قال كنا جلوسا مع ابن مسعود فجاء خباب فقال يا أبا عبد الرحمان أيستطيع هاؤلاء الشباب أن يقرؤا كما تقرأ قال أما إنك لو شئت أمرت بعضهم فيقرأ عليك قال أجل قال اقرأ يا علقمة فقال زيد بن حدير أخو زياد بن حدير أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا قال أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي في قومك وقومه فقرأت خمسين آية من سورة مريم وقال عبد الله كيف ترى قال قد أحسن قال عبد الله ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى قال أما إنك لن تراه علي بعد اليوم فألقاه
مطابقته للترجمة تؤخذ بالتعسف من ذكر علقمة في الإسناد في متن الحديث أيضا لأنه نخعي والنخع من اليمن وهي قبيلة مشهورة ينسبون إلى النخع واسمه حبيب بن عمرو بن علة بضم العين المهملة وتخفيف اللام ابن مالك بن أدبن زيد وإنما قيل له النخع لأنه نخع عن قومه أي بعد
وعبدان هو عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره وأبو حمزة بالحاء والزاي واسمه محمد بن ميمون اليشكري والأعمش سليمان وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس النخعي
قوله جلوسا بالضم جمع جالس قوله خباب هو ابن الأرت الصحابي المشهور قوله يا أبا عبد الرحمن وهو كنية عبد الله بن مسعود قوله أيستطيع الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله أمرت بعضهم فيقرأ عليك وفي رواية الكشميهني فقرأ بصيغة الفعل الماضي قوله أجل أي نعم قوله فقال زيد بن حدير بضم الحاء المهملة وفتح الدار مصغرا وهو أخو زيد بن حدير وزياد من كبار التابعين أدرك عمر رضي الله تعالى عنه وله رواية في ( سنن أبي داود ) ونزل الكوفة وولي إمرتها مرة وهو أسدي من بني أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر قوله أتأمر الهمزة فيه للاستفهام قوله أما بتخفيف الميم وهو حرف استفتاح بمنزلة ألا ويكون بمعنى حقا والمعنى هنا على الأول ولهذا كسرت إن بعدها وعلى المعنى الثاني تفتح أن بعدها قوله في قومك وقومه يشير بهذا إلى ثناء النبي على النخع لأن علقمة نخعي وإلى ذم بني أسد وزياد بن حديد أسدي أما ثناؤه على النخع فقد أخرجه أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود قال شهدت رسول الله يدعو لهذا الحي من النخع ويثنى عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم وأما ذمه لبني أسد ففي حديث أبي هريرة أن جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان وقد تقدم في المناقب قوله وقال عبد الله كيف ترى موصول بالإسناد المذكور وخاطب عبد الله بهذا خبابا لأنه هو الذي سأله أولا وهو الذي قال قد أحسن وفي رواية أحمد عن يعلى عن الأعمش فقال خباب أحسنت قوله وقال عبد الله هو موصول أيضا قوله ما أقر أشيئا إلا وهو يقرؤه يعني علقمة وفيه منقبة عظيمة لعلقمة حيث شهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه مثله في القراءة قوله ألم يأن أي ألم يجيء وقت إلقاء هذا الخاتم وكلمة أن مصدرية و أن يلقى على صيغة المجهول وفيه تحريم لباس الذهب على الرجال إما للتشبيه بالنساء أو للكبر والتيه وأما لبس خباب الخاتم من الذهب فيحمل على أنه لم يبلغه التحريم لأن بعض الصحابة كان يخفى عليه أمر الشارع وفيه الرفق في الموعظة وتعليم من لا يعلم

(18/33)


رواه غندر عن شعبة
أي روى الحديث المذكور محمد بن جعفر الملقب بغندر عن شعبة عن الأعمش بالإسناد المذكور ووصله أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر وهو غندر بإسناده
76 -
( قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي )
أي هذا بيان قصة دوس بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة ابن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد ومعنى الدوس ظاهر قوله والطفيل بن عمرو أي قصة الطفيل بضم الطاء ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس وله حكاية عجيبة غريبة طويت ذكرها مخافة التطويل ومنها أنه رأى رؤيا فقال لأصحابه عبروها قالوا وما رأيت قال رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجها وكان أبي يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه قالوا خيرا قال أنا والله فقد أولتها أما حلق الرأس فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي فأدفن فيها فقد روعت أن أقتل شهيدا وأما طلب أبي إياي فلا أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ولا أراه يلحق في سفرنا هذا فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة وجرح أبوه ثم قتل يوم اليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا
4392 - ح ( دثنا أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن ذكوان ) عن ( عبد الرحمان الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي فقال إن دوسا قد هلكت عصت وأبت فادع الله عليهم فقال اللهم اهد دوسا وأت بهم ( انظر الحديث 2937 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة وابن ذكوان هو عبد الله بن ذكوان أبو الزناد وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج
قوله قد هلكت ادعى الداودي أن قوله هلكت ليس بمحفوظ وإنما قال عصت وأبت قوله اللهم اهد دوسا وأئت بهم دعا النبي لهم بالهداية في مقابلة العصيان والإتيان به في مقابلة الإباء وفيه حرص النبي على من يسلم على يديه
4393 - ح ( دثنا محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) حدثنا ( إسماعيل ) عن ( قيس ) عن ( أبي هريرة ) قال لما قدمت على النبي قلت في الطريق
( يا ليلة من طولها وعنائهاعلى أنها من دارة الكفر نجت )
وأبق غلام لي في الطريق فلما قدمت على النبي فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي يا أبا هريرة هاذا غلامك فقلت هو لوجه الله فأعتقته
مطابقته للترجمة من حيث إن أبا هريرة دوسي لأنه من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا وقال خليفة بن خياط أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرس بن طريف بن عباب بن أبي صعبة بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس وقال أبو أحمد الحاكم أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر وقد غلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له غيرها أسلم أبو هريرة عام خيبر وشهدها مع النبي رغبة في العلم روي له عن رسول الله خمسة آلاف حديث وثلاثمائة حديث وأربعة وسبعون حديثا اتفق البخاري ومسلم على ثلاثمائة حديث وخمسة وعشرين حديثا وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين ومسلم بمائة وتسعين وليس في الصحابة أحد أكثر حديثا منه وقال البخاري روى عنه

(18/34)


أكثر من ثمانمائة رجل من بين صاحب وتابع استعمله عمر رضي تعالى الله عنه على البحرين ثم عزله ثم أراده على العمل فأبى عليه ولم يزل يسكن المدينة حتى مات فيها سنة سبع وخمسين قاله خليفة بن خياط وقال ابن الهيثم بن عدي توفي سنة ثمان وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين وقيل مات بالعقيق وحمل إلى المدينة وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان أميرا على المدينة لمعاوية بن أبي سفيان وروى عنه أنه قال إنما كنيت بأبي هريرة لأني وجدت أو لا دهرة وحشية فحملتا في كمي فقيل ما هذه قلت هرة قيل فأنت أبو هريرة وقيل رآه رسول الله وفي كمه هرة فقال يا أبا هريرة
ثم الحديث رواه البخاري هنا عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة وأخرجه في كتاب العتق في باب إذا قال رجل لعبده هو لله من ثلاث طرق ومضى الكلام فيه هناك
قوله لما قدمت أي لما أردت القدوم قوله وعنائها بفتح العين المهملة وهو التعب والنصب قوله من دارة الكفر الدارة أخص من الدار قوله وأبق غلام لي ادعى ابن التين أنه وهم وإنما ضل كل واحد منهما من صاحبه وقيل لا دليل له على ذلك قلت يجوز أن يكون قوله في الرواية الماضية في العتق فأضل أحدهما صاحبه دليلا على ذلك وقال بعضهم لا يلتفت إلى إنكار ابن التين أنه أبق لأن رواية أبق فسرت وجه الإضلال قلت لا إبهام في الإضلال حتى يفسره بلفظ أبق ولا يصلح أيضا أن يكون أبق مفسرا له من حيث اللغة ولا وجه لذلك أصلا لأن في الإباق معنى المخالفة للمولى والهرب عنه وهو أكبر العيوب في العبد وليس في الإضلال هذا المعنى أصلا فعلى هذا التوفيق بين الروايتين بأن يقال إنه أطلق أبق على معنى أضل لأن في كل من هذين اللفظين معنى الاستتار والاحتباس
77 -
( قصة وفد طيىء وحديث عدي بن حاتم )
أي هذا في بيان قصة وفد طيء وفي بعض النسخ باب قصة وفد طيء وفي بعضها وفد طيء وحديث عدي بن حاتم بلا لفظ قصة والطيء بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بعدها همزة ابن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ وقال الرشاطي كان اسمه جلهمة بن أدد وقال ابن دريد عن الخليل إن أصل طيء طاوي بالواو والياء فقلبوا الواو ياء فصارت ياء ثقيلة قال وكان الأصل فيه طوى وقال السيرافي ذكر بعض النحويين أن طيأ من الطأة وهو الذهاب في الأرض وقال ابن سعيد ليس غير هذا القول بشيء لأن طوى طيا لا أصل له في الهمزة وطيء مهموز وحكى سيبويه في قوله في طيء طائي أنه على غير القياس وقال في موضع آخر النسبة إلى طأي طائي وقال ابن الكلبي سمي طيا لأنه أول من طوى المناهل قوله وحديث عدي بفتح العين المهملة وكسر الدار وتشديد الياء ابن حاتم بالحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق المكسورة ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بالحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبالراء بعدها جيم على وزن جعفر ابن امرىء القيس بن عدي بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن زيد بن كهلان قدم عدي على النبي في شعبان سنة تسع قاله أبو عمر وقال الواقدي قدم في شعبان سنة عشر ثم قدم على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بصدقات قومه في حين الردة ومنع قومه وطائفة معه من الردة بثبوته على الإسلام وحسن رأيه وكان سريا شريفا في قومه خطيبا ظاهر الجواب فاضلا كريما ونزل عدي بن حاتم الكوفة وسكنها وشهد مع علي رضي الله تعالى عنه الجمل وففئت عينه يومئذ ثم شهد مع علي صفين والنهروان ومات بالكوفة سنة سبع وستين في أيام المختار وهو ابن مائة وعشرين سنة
4394 - ح ( دثنا موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) حدثنا ( عبد الملك ) عن ( عمرو بن حريث ) عن ( عدي بن حاتم ) قال أتينا عمر في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا ويسميهم فقلت أما تعرفني يا أمير المؤمنين قال بلى أسلمت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا وعرفت إذ أنكروا فقال عدي فلا أبالي إذا

(18/35)


مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عوانة الوضاح اليشكري وعبد الملك هو ابن عمير وعمرو بن حريث المخزومي صحابي صغير قال أبو عمر عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي رأى النبي وسمع منه ومسح برأسه ودعا له بالبركة وقيل قبض النبي وهو ابن اثنتي عشرة سنة نزل الكوفة وولي إمارة الكوفة ومات بها سنة خمس وثمانين
والحديث أخرجه مسلم من وجه آخر قال أتيت عمر رضي الله تعالى عنه فقال إن أول صدقة بيضت وجه النبي ووجوه أصحابه صدقة طيء جئت بها إلى النبي وزاد أحمد في أوله أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يعرض عني فاستقبلته فقلت أتعرفني فذكر نحو ما رواه البخاري مسلم قوله أتيت عمر أي في خلافته قوله في وفد بفتح الواو وسكون الفاء وفي آخره دال مهملة وهم قوم يجتمعون ويردون البلاد واحده وافد وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيادة واستر فادوا انتجاع وغير ذلك تقول وفد يفد فهو وافد واوفدته على الشيء فهو موفد إذا أشرف قوله ويسميهم أي قبل أن يدعوه قوله يا أمير المؤمنين أصله يا أمير المؤمنين قوله إذ بمعنى حين في الأربعة المواضع وقوله إذا في الأخير بالتنوين بمعنى حينئذ قال الكرماني أي حين عرفتني بهذه المرتبة يكفيني سعادة وقيل معناه إذا كنت تعرف قدري فلا أبالي إذا قدمت على غيري
78 -
( باب حجة الوداع )
أي هذا باب في بيان حجة الوداع يجوز فتح الحاء وكسرها وكذلك كسر الواو وفتحها وإنما سميت حجة الوداع لأن النبي ودع الناس فيها ولم يحج بعدها وسميت أيضا حجة الإسلام لأنه لم يحج من المدينة غيرها ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها وقد قيل إن فريضة الحج نزت عامئذ وقيل سنة تسع وقيل قبل الهجرة وهو غريب وسميت حجة البلاغ أيضا لأنه بلغ الناس فيها شرع الله في الحج قولا وفعلا ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده إلا وقد بلغه وسميت أيضا حجة التمام والكمال وحجة الوداع أشهر
4395 - ح ( دثنا إسماعيل بن عبد الله ) حدثنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال لنا رسول الله من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت معه مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت إلى رسول الله فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله مع عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا
مطابقته للترجمة في قوله حجة الوداع والحديث مر في الحج في باب التمتع والإقران فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك مختصرا وأخرجه عن عائشة مطولا ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
قوله فأهللنا أي أحرمنا قوله هذه مكان بالرفع والنصب
4396 - ح ( دثني عمرو بن علي ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) حدثنا ( ابن جريج ) قال حدثني ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) إذا طاف بالبيت فقد حل فقلت من أين قال هذا ابن عباس قال من قول

(18/36)


الله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق ومن أمر النبي أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع قلت إنما كان ذلك بعد المعرف قال كان ابن عباس يراه قبل وبعد
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله حجة الوداع وعمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي ويحيى بن سعيد القطان وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث أخرجه مسلم في المناسك عن إسحاق بن إبراهيم
قوله فقد حل أي قبل السعي والحلق قوله فقلت القائل هو ابن جريج والمقول له عطاء قوله قال أي عطاء قوله بعد المعرف بفتح الراء التعريف أي الوقوف بعرفة يقال عرف الناس إذا شهدوا عرفة قوله قبل وبعد أي قبل المعرف وبعده
4397 - ح ( دثني بيان ) حدثنا ( النضر ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( قيس ) قال سمعت ( طارقا ) عن ( أبي موسى الأشعري ) رضي الله عنه قال قدمت على النبي بالبطحاء فقال أحججت قلت نعم قال كيف أهللت قلت لبيك بإهلال كإهلال رسول لله قال طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل فطفت بالبيت وبالصفا والمروة وأتيت امرأة من قيس ففلت رأسي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله قدمت على النبي لأن قدومه كان والنبي في حجة الوداع
وبيان بفتح الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف نون ابن عمرو البخاري والنضر بالضاد المعجمة هو ابن شميل وقيس هو ابن مسلم وطارق هو ابن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي أدرك الجاهلية وله رؤية وغزوة مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه
قوله بالبطحاء حال أي قدمت على النبي حال كونه نازلا بالبطحاء وهو مسيل وادي مكة قوله أحججت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار أي آحرمت بالحج هو شامل للحج الأكبر والأصغر الذي هو العمرة قوله ثم حل بكسر الحاء وتشديد اللام أمر من الإحلال قوله فقلت رأسي بفتح اللام المخففة أي فتشت رأسي وأخرجت القمل منه من فلي يفلي فليا وهو أخذ القمل من الشعر ومضمون الحديث من الفقه قد مر في الحج في باب من أهل في زمن النبي كإهلاله
4398 - ح ( دثني إبراهيم بن المنذر ) أخبرنا ( أنس بن عياض ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) أن ( ابن عمر ) أخبره أن ( حفصة ) رضي الله عنها زوج النبي أخبرته أن النبي أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فقالت حفصة فما يمنعك فقال لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي
مطابقته للترجمة في قوله عام حجة الوداع والحديث مضى في باب التمتع والإقران أخرجه عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة وهي بنت عمر بن الخطاب وأخت عبد الله بن عمر
قوله فما يمنعك أنت تخاطب به حفصة النبي بقولها فما يمنعك أنت أي فما يمنعك عن التحلل يا رسول الله قوله لبدت رأسي من التلبيد وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ ليصير شعره كاللبد لئلا يشعث في الإحرام وقلدت من التقليد وتقليد الهدي أن يعلق في عنقه شيء ليعلم أنه هدي
4399 - ح ( دثنا أبو اليمان ) قال حدثني ( شعيب ) عن ( الزهري ) وقال ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( الأوزاعي ) قال أخبرني ( ابن شهاب ) عن ( سليمان بن يسار ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما أن

(18/37)


امرأة من خثعم استفتت رسول الله في حجة الوداع والفضل بن عباس رديف رسول الله فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي أن أحج عنه قال نعم
مطابقته للترجمة في قوله حجة الوداع أخرجه من طريقين أحدهما موصول وهو عن أبي اليمان الحكم ابن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن سليمان بن يسار ضد اليمين عن عبد الله بن عباس والآخر غير موصول وهو قوله وقال محمد بن يوسف هو الفريابي وهو شيخ البخاري أيضا وكأنه لم يسمعه منه فلذلك علقه وهو يروي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن بن شهاب وهو الزهري عن سليمان بن يسار وهذا التعليق وصله أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريقه وهذا الحديث قد مضى في الحج في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
4400 - ح ( دثني محمد ) حدثنا ( سريج بن النعمان ) حدثنا ( فليح ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال أقبل النبي عام الفتح وهو مردف أسامة عل القصواء ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ عند البيت ثم قال لعثمان ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب فدخل النبي وأسامة وبلال وعثمان ثم أغلقوا عليهم الباب فمكث نهارا طويلا ثم خرج وابتدر الناس الدخول فسبقتهم فوجدت بلالا قائما من وراء الباب فقلت له أين صلى رسول الله فقال صلى بين ذينك العمودين المقدمين وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره واستقبل بوجهه الذي يستقبلك حين تلج البيت بينه وبين الجدار قال ونسيت أن أسأله كم صلى وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء
مطابقته للترجمة في قوله عام الفتح لأن حجة الإسلام كانت فيه وهي حجة الوداع ومحمد شيخ البخاري ابن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري كذا قاله النسائي وقال الحاكم هو محمد بن يحيى الذهلي بضم الذال المعجمة وسريج بضم السين المهملة وفتح الزاي وفي آخره جيم مصغر السرج ابن النعمان أبو الحسن البغداي الجوهري وهو شيخ البخاري تارة يروى عنه بواسطة كما في هذا الموضع وتارة بلا واسطة وفليح بمض الفاء هو ابن سليمان
قوله وهو مردف الواو فيه للحال قوله على القصواء وهو اسم ناقة النبي وهي التي ابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأخرى معها من بني قشر بثمانمائة درهم وهي التي هاجر عليها رسول الله وكانت إذ ذاك رباعية وكان لا يحمله غيرها إذا نزل عليه الوحي وفي ( عيون الأثر ) كانت ناقته التي هاجر عليها تسمى القصواء والجدعاء والعضباء وقيل العضباء غير القصواء والعضباء هي التي سبقت فشق ذلك على المسلمين والقصواء تأنيث الأقصى قال ابن الأثير القصواء الناقة التي قطع طرف أذنها من قصوته قصوا فهو مقصو وناقة قصواء ولا يقال بعير أقصى ولم تكن ناقة النبي قصواء وإنما كان هذا لقبا لها وقيل كانت مقطوعة الأذن قوله وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري قتل أبوه طلحة يوم أحد كافرا وهاجر عثمان إلى رسول الله وكانت هجرته في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد فلقيا عمرو بن العاص مقبلا من عند النجاشي يريد الهجرة فاصطحبوا جميعا

(18/38)


حتى قدموا على رسول الله بالمدينة فأسلموا وشهد عثمان فتح مكة فدفع رسول الله مفتاح الكعبة إليه وإلى شيبة بن عثمان ثم نزل عثمان المدينة فأقام بها إلى أن توفي رسول الله ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى مات بها في أول خلافة معاوية سنة ثنتين وأربعين وقيل إنه قتل بأجنادين قوله ثم أغلقوا ويرو غلقوا بتشديد اللام قوله فقلت له أي لبلال رضي الله تعالى عنه قوله فقال صلى إلى آخر الحديث رواية عبد الله بن عمر عن بلال ومضى في الصلاة في باب الصلاة بين السواري قوله سطرين بالسين المهملة وفي رواية بالمعجمة وأنكره عياض قوله حين تلج أي حين تدخل من الولوج قوله وبينه أي وبين الذي يسلك أو بين رسول الله قوله مرمرة حمراء قال الكسائي المرمرة الرخام قلت المرمرة غير الرخام وهي معروفة ويجمع على مر مر والأبحاث المتعلقة به قد مرت في أبواب كثيرة لأن البخاري أخرج هذا الحديث في الصلاة وفي الجهاد وفي المغازي وفي الحج وأخرجه مسلم في الحج عن جماعة وأبو داود فيه أيضا عن جماعة والنسائي كذلك عن جماعة وابن ماجة كذلك عن دحيم
4401 - ح ( دثنا أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) حدثني ( عروة بن الزبير وأبو سلمة ابن عبد الرحمان ) أن ( عائشة ) زوج النبي أخبرتهما أن صفية بنت حيى زوج النبي حاضت في حجة الوداع فقال النبي أحابستنا هي فقلت إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت فقال النبي فلتنفر
مطابقته للترجمة في قوله في حجة الوداع وأبو اليمان الحكم بن نافع والحديث مضى من طريق آخر في الحج في باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت وقد مر الكلام فيه هناك
4402 - ح ( دثنا يحيى بن سليمان ) قال أخبرني ( ابن هب ) قال حدثني ( عمر بن محمد ) أن أباه حدثه عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره وقال ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته أنذره نوح النبييون من بعده وإنه يخرج فيكم فما خفى عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثا إن ربكم ليس بأعور وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافيةألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد ثلاثا ويلكم أو ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي البخاري سكن مصر وروى عن عبد الله بن وهب المصري وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن الخطاب وعمر هذا يروي عن أبيه محمد ومحمد يروي عن جده عبد الله بن عمر
وحديث محمد هذا أخرجه البخاري في مواضع بطرق مختلفة في الديات عن أبي الوليد وفي الفتن عن حجاج ابن منهال وفي الأدب عن عبد الله بن عبد الوهاب وفي الحدود عن محمد بن عبد الله وفي الحج عن محمد بن المثنى وأول حديثه قال رسول الله بمنى أتدرون أي يوم هذا وأخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة وغيره

(18/39)


وأخرجه أبو داود في السنة عن أبي الوليد به وأخرجه النسائي في المحاربة عن أحمد بن عبد الله وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن دحيم مختصرا
قوله كنا نتحدث بحجة الوداع قوله والنبي الواو فيه للحال قوله ولا ندري ما حجة الوداع لأنه كان ذكرها فتحدثوا بها ولكنهم ما فهموا المراد من الوداع هل هو وداع النبي أم غيره حتى توفي النبي فعلموا عند ذلك أنه وادع الناس بالوصايا التي أوصاها لهم قرب أيام موته منها قوله لا ترجعوا بعدي كفارا قوله فحمد الله وأثنى عليه فيه حذف تقديره ركب واجتمع الناس إليه وخطب فحمد الله وأثنى عليه وفي رواية أبي نعيم في ( المستخرج ) فحمد رسول الله الحديث وحده وأثنى عليه الله وفي قصة الدجال وفيه ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وهذه الخطبة كلها كانت في حجة الوداع قوله فاطنب أي طول قوله أنذره نوح إنما عين نوحا بتصريح اسمه بعد أن كان داخلا في قوله ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته لأن نوحا ومن بعده خلق ثان لأن من قبله هلكوا كلهم ولم يبق إلا نوح وأولاده الثلاثة يافث وسام وحام وهو أب ثان والأب الأول هو آدم عليه السلام قوله وإنه أي وإن الدجال يخرج فيكم أراد في أمته عند قرب الساعة قوله فما خفي عليكم كلمة ما شرطية أي إن خفي عليكم بعض شأنه فلا يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور والثاني بدل من الأول أي لا يخفى عليكم أنه ليس مما يخفى أنه ليس أعوار واستئناف قوله وإنه أعور عين اليمنى وقد مر تفسير هذا في باب واذكر في الكتاب مريم ( مريم16 ) وكذلك تفسير قوله كأن عينه عنبة طافية وقد ذكرنا أنه في رواية أخرى أنه جاحظ العين كأنها كوكب وفي أخرى أنها ليست بناتية ولا حجراء وههنا أنه أعور عين اليمنى وفي حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة وفي حديث آخر أنه أعور عين اليسرى ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة فيصح أن يقال لكل وحادة عوراء إذ الأصل في العور العيب قوله ألا إن الله كلمة ألا للاستفتاح وفيه معنى الحث على سماع ما يأتي قوله كحرمة يومكم هذا قال الطيبي رحمه الله هذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به العادة كما في قوله تعالى وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ( الأعراف171 ) كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في الجاهلية في غير الأشهر الحرم ويحرمونها فيها كأنه قيل إن دماءكم وأموالكم محرمة عليكم أبدا كحرمة يومكم وشهركم وبلدكم قوله ألا هل بلغت بتشديد اللام قوله ثلاثا أي ثلاث مرات وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف أي قاله قولا ثلاثا قوله أو ويحكم شك من الراوي وكلمة ويحكم كلمة ترحم وتوجع وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وانتصابه على المصدرية ويستعمل مضافا وغير مضاف والويل في الأصل الحزن والهلاك ويستعمل عند التوجع والتعجب وههنا هو المراد قوله لا ترجعوا بعدي كفارا قال الكرماني هو تشبيه أو هو من باب التغليظ فهو مجاز أو المراد معناه اللغوي وهو التستر بالأسلحة والأولى أنه على ظاهره وهو النهي عن الارتداد وأوله الخوارج بالكفر الذي هو الخروج عن الملة إذ كل كبيرة عندهم كفر ويقال معناه لا تكن أفعالكم تشبه أعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين ويقال معناه إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى ولا تظلموا أحدا ولا تحاربوا المسلمين ولا تأخذوا أموالهم بالباطل فإن هذه الأفعال من الضلالة والعدول عن الحق إلى الباطل قوله يضرب بعضكم رقاب بعض جملة مستأنفة مبينة لقوله لا ترجعوا بعدي كفارا
4404 - ح ( دثنا عمرو بن خالد ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( أبو إسحاق ) قال حدثني ( زيد بن أرقم ) أن النبي غزا تسع عشرة غزوة وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها حجة الوداع قال أبو إسحاق وبمكة أخري ( انظر 3949 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله حجة الوداع وعمرو بن خالد الحراني وزهير مصغر زهر بن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والحديث مضى في أول المغازي من حديث شعبة عن أبي إسحاق
قوله لم يحج بعدها حجة الوداع يعني

(18/40)


ولا حج قبلها إلا أن يريد نفي الحج الأصغر وهو العمرة فلا فإنه اعتمر قبلها قطعا قوله حجة الوداع مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف يعني هي حجة الوداع حاصله أنه بعد الهجرة لم يحج إلا حجة الوداع قوله قال أبو إسحاق هو الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور قوله وبمكة أخرى يعني حج حجة أخرى بمكة قبل أن يهاجروا وهذا يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا حجة واحدة وليس كذلك بل حج قبل الهجرة مرارا عديدة وقد مر الكلام فيه عن قريب
4405 - ح ( دثنا حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( علي بن مدرك ) عن ( أبي زرعة بن عمرو بن جرير ) عن ( جرير ) أن النبي قال في حجة الوداع لجرير استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن مدرك بضم الميم وسكون الدار وكسر الراء النخعي الكوفي من ثقاة التابعين وماله في البخاري إلا هذا الحديث لكنه أورده في مواضع في الفتن وفي الديات وأبو زرعة بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة اسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله بن جابر البجلي وأبو زرعة يروي عن جده جرير
وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكرة وآخرين وأخرجه النسائي في العلم عن محمد بن عثمان وغيره وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن بندار
قوله استنصت الناس أي أسكتهم وفيه دليل على وهم من زعم أن إسلام جرير كان قبل موت النبي بأربعين يوما لأن حجة الوداع كانت قبل موته بأكثر من ثمانين يوما لأن جريرا قد ذكر أنه حج مع النبي حجة الوداع
4406 - ح ( دثني محمد بن المثنى ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( أيوب ) عن ( محمد ) عن ( ابن أبي بكرة ) عن ( أبي بكرة ) عن النبي قال الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذو الحجة قلنا بلى قال فأي بلد هاذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس البلدة قلنا بلى قال فأي يوم هاذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هاذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه فكان محمد إذا ذكره يقول صدق محمد ثم قال ألا هل بلغت مرتين
مطابقته للترجمة من حيث إن ما رواه أبو بكرة من كلام النبي الذي هو خطبته كان في حجة الوداع وعبد الهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن واسم أبيه أبي بكرة نفيع بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة ابن الحارث وقد تقدم غير مرة
والحديث تقدم في كتاب العلم في موضعين الأول في باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع أخرجه عن مسدد الثاني في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب وأخرجه أيضا في مواضع أخر ذكرناها في

(18/41)


باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع وذكرنا أيضا هناك جميع ما يتعلق بالحديث
قوله عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة وذكر في باب رب مبلغ عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكر الابن أعني عبد الرحمن ولم يذكره في باب ليبلغ العلم حيث قال عن محمد عن أبي بكرة وقد بسطنا الكلام فيه هناك وذكرنا أيضا ما يتعلق بشرح الحديث فلنذكر بعض شيء
فقوله الزمان اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد به ههنا السنة قوله حرم بضمتين جمع حرام قوله ثلاث متواليات وقال ابن التين الصواب ثلاثة متوالية قيل لعله أعاد على المعنى ثلاث مدد متواليات فكأنه عبر عن الشهر بالمذكر قوله ذو القعدة قال ابن التين الأشهر فتح القاف قوله رجب مضر إنما أضيف رجب إلى هذه القبيلة لأنهم كانوا يحافظون على تحريمه أشد من سائر العرب وإنما قال بين جمادى وشعبان تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه بسبب النسيء وكانوا يحلون الشهر الحرام ويحرمون مكانه شهرا آخر لغرض من الأغراض والنسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر وقد أبطل الشارع هذا وأعاد الأشهر الحرم على ما كانت عليه قوله البلدة أراد بهامكة والألف واللام فيه للعهد وقيل هي اسم من أسمائها قوله قال محمد هو ابن سيرين قوله ضلالا بضم الضاد وتشديد اللام جمع ضال وقد تقدم بعض الشرح أيضا في الحج
4407 - ح ( دثنا محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان الثوري ) عن ( قيس بن مسلم ) عن ( طارق بن شهاب )
أن أناسا من اليهود قالوا لو نزلت هاذه الآية فينا لاتخذنا ذالك اليوم عيدا فقال عمر أية آية فقالوا اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا ( المائدة3 ) فقال عمر إني لأعلم أي مكان أنزلت أنزلت ورسول الله واقف بعرفة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ورسول الله واقف بعرفة لأنه في حجة الوداع
والحديث قد مضى في الإيمان في باب زيادة الإيمان ونقصانه فإنه أخرجه هناك عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلا من اليهود قال له يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤنها إلى آخره وقد ذكروا أن المراد من قوله أن رجلا من اليهود هو كعب الأحبار وقد استشكل من جهة أنه كان قد أسلم وأجيب بأنه قد قيل إنه كان قد أسلم وهو باليمين في حياة النبي على يد علي رضي الله تعالى عنه فإن ثبت هذا يحتمل أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود اجتمعوا مع كعب على السؤال وتولى هو السؤال عن ذلك قلت فيه نظر لأن كعب الأحبار أسلم في زمن عمر رضي الله تعالى عنه قاله الذهبي وغيره وتقدم شرح الحديث هناك
400 - ( حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة ومنا من أهل بحج وعمرة وأهل رسول الله بالحج فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى يوم النحر )
مطابقته للترجمة من حيث أنه كان في حجة الوداع لأنه صرح بذلك في هذا الحديث الذي قد مضى في كتاب الحج في باب التمتع والأقران أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن مالك الخ وتقدم أيضا في أول الباب من طريق آخر عن عائشة بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
( حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك وقال مع رسول الله في حجة الوداع )
هذا الطريق قد مضى في الحج الذي ذكرناه الآن وصرح بأنه كان في حجة الوداع وهي حجة الإسلام وحجة البلاغ

(18/42)


( حدثنا إسماعيل حدثنا مالك مثله )
هذا طريق آخر عن إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله بن أخت مالك يروي عن خاله مالك مثل الحديث المذكور -
4409 - ح ( دثنا أحمد بن يونس ) حدثنا ( إبراهيم ) هو ( ابن سعد ) حدثنا ( ابن شهاب ) عن ( عامر بن سعد ) عن أبيه قال عادني النبي في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت أفأتصدق بشطره قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك أن نذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في امرأتك قلت يا رسول الله آاخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة رثي له رسول الله أن توفي بمكة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي وهو شيخ مسلم أيضا وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي كان على قضاء بغداد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يروي عن أبيه سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك
والحديث مر في الجنائز في باب رثاء النبي سعد بن خولة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد الخ ومضى أيضا في الوصايا في باب أن تترك ورثتك أغنياء فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد الخ ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
قوله أشفيت أي أشرفت قوله أن تذر أي تترك قوله عالة جمع عائل وهو الفقير قوله يتكففون أي يمدون أكفهم للسؤال قوله البائس هو شديد الحاجة وهي كلمة ترحم وكان سعدمها جريا بدرا مات بمكة في حجة الوداع وكان يكره أن يموت بمكة ويتمنى أن يموت بغيرها فلم يعط لاما يتمنى فترحم عليه رسول الله قوله رثي له الخ من كلام الزهري أحد رواة الحديث أي رق ورحم
4410 - ح ( دثني إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أبو ضمرة ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) أن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أخبرهم أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع ( انظر الحديث 1726 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأوب ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء واسمه أنس بن عياض من أهل المدينة والحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الحج كلاهما عن قتيبة
4411 - ح ( دثنا عبيد الله بن سعيد ) حدثنا ( محمد بن بكر ) حدثنا ( ابن جريج ) أخبرني ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) أخبره ( ابن عمر ) أن النبي حلق رأسه في حجة الوداع وأناس من أصحابه وقصر بعضهم ( انظر الحديث 1726 وطرفه )
هذا طريق آخر من طريق ابن عمر أخرجه عن عبيد الله بن سعيد بن يحيى السرخسي وهو شيخ مسلم أيضا عن محمد بن

(18/43)


بكر بن عثمان البرساني عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قوله وأناس أي وحلق أيضا أناس من أصحاب رسول الله وقصر بعض الأصحاب
4412 - ح ( دثنا يحيى بن قزعة ) حدثنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) حدثني ( عبيد الله بن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله عنهما أخبره أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله قائم بمنى في حجة الوداع يصلي بالناس فسار الحمار بين يدي بعض الصف ثم نزل عنه فصف مع الناس
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج الحديث من طريقين أحدهما متصل عن يحيى بن قزعة عن مالك بن أنس عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الله الخ والآخر معلق عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب الخ ومضى الحديث في الصلاة عن عبد الله بن يوسف عن مالك الحديث وفي باب سترة الإما سترة لمن خلفه قوله نزل عنه أي ثم نزل ابن عباس عن الحمار
4413 - ح ( دثنا مسدد ) حدثنا ( يح ) يى عن ( هشام ) قال حدثني أبي قال سئل أسامة وأنا شاهد عن سير النبي في حجته فقال العنق فإذا وجد فجوة نص ( انظر الحديث 1666 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله عن سير النبي في حجته فإن المراد منها حجة الوداع ويحيى هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير وأسامة هو ابن زيد
والحديث قد مضى في الحج في باب السير إذا دفع من عرفة وأنه أخرج هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه الحديث
قوله العنق بفتح العين المهملة والنون وبالقاف وهو ضرب من السير متوسط والفجوة الفرجة والمتسع قوله نص بفتح النون وتشديد الصاد المهملة أي سار سيرا شديدا
4414 - ح ( دثنا عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( عبد الله بن يزيد الخطمي ) أن ( أبا أيوب ) أخبره أنه صلى مع رسول الله في حجة الوداع المغرب والعشاء جميعا ( انظر الحديث 1674 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن يزيد الخطمي بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة نسبة إلى خطمة وهم قوم من الأوس واسمه عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة من الأنصار وعبد الله هذا له صحبة وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد الأنصاري
والحديث مضى في الحج في باب من جمع بينهما ولم يتطوع فإنه أخرجه هناك عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الخ
قوله جميعا أي بالجمع بينهما في وقت واحد
79 -
( باب غزوة تبوك )
أي هذا باب في بيان غزوة تبوك بتفح التاء المثناة من فوق وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفي آخره كاف وقيل سميت تبوك بالعين التي أمر النبي الناس أن لا يحسوا من مائها شيئا فسبق إليها رجلان وهي تبض بشيء من ماء فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها فسبهما رسول الله وقال لهما فيما ذكر القتبي ما زلتما تبوكانها منذ اليوم قال القتبي فبذلك سميت العين تبوك والتبوك كالنقش والحفر في الشيء ويرد هذا ما رواه مسلم أن النبي قال إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم

(18/44)


لا تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي فهذا رسول الله سماها تبوك قبل أن يأتيها وفي رواية ابن إسحاق فقال يعني النبي من سبق إليها قالوا يا رسول الله فلان وفلان وفلان وفي رواية الواقدي سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائي ووديعة بن ثابت ويزيد بن لصيت وبينها وبين المدينة نحو أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة وقال الكرماني تبوك موضع بالشام قلت فيه نظر لأن أهل تقويم البلدان قالوا تبوك بليدة بين الحجر والشام وبه عين ونخيل وقيل كان أصحاب الأيكة بها والمشهور ترك الصرف للتأنيث والعلمية وجاء في البخاري حتى بلغ تبوكا تغليبا للموضع وغزوة تبوك هي آخر غزوة غزاها رسول الله بنفسه وقال ابن سعد خرج إليها رسول الله في رجب سنة تسع يوم الخميس قالوا بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدمائهم إلى البلقاء فندب رسول الله الناس إلى الخروج وأعلمهم بالمكان الذي بريد ليتأهبوا لذلك وذلك في حر شديد واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة وهو أثبت عندنا وقال أبو عمر ألا ثبت عندنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال ابن سعد فلما سار تخلف ابن أبي ومن كان معه فقدم تبوك في ثلاثين ألفا من الناس كانت الخيل عشرة آلاف وأقام بها عشرين يوما يقصر الصلاة ولحقه بها أبو ذر وأبو خيثمة ثم انصرف رسول الله ولم يلق كيدا وقدم في شهر رمضان سنة تسع وقال ابن الأثير في ( كتاب الصحابة ) عن أبي زرعة الرازي شهد معه تبوك أربعون ألفا وفي كتاب الحاكم عن أبي زرعة سبعون ألفا ويجوز أن يكون عد مرة المتبوع ومرة التابع وقال البيهقي وقد روي في سبب خروجه إلى تبوك وسبب رجوعه خبر إن صح ثم ذكر من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود أتوا رسول الله فقالوا يا أبا القاسم إن كنت صادقا أنت نبي فالحق بالشام فإنها أرض المحشر وأرض الأنبياء عليهم السلام فصدق ما قالوا فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها إلى قوله تحويلا ( الإسراء76 ) وأمره تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث الحديث وهو مرسل بإسناد حسن
وهي غزوة العسرة
أي غزوة تبوك غزوة العسرة بضم العين وسكون السين المهملتين مأخوذ من قوله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسرة ( التوبة117 ) وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس قيل لعمر رضي الله تعالى عنه حدثنا عن بيان ساعة العسرة قال خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فأصابنا عطش الحديث وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن أبي عقيل قال خرجوا في قلة من الظهر وفي حر شديد حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء فكان ذلك عسرة في الماء وفي الظهر وفي النفقة فسميت غزوة العسرة
4415 - ح ( دثني محمد بن العلاء ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد بن عبد الله بن أبي بردة ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى رضي الله عنه قال أرسلني أصحابي إلى رسول الله أسأله الحملان لهم إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم على شيء ووافقته وهو غضبان ولا أشعر ورجعت حزينا من منع النبي ومن مخافة أن يكون النبي وجد في نفسه علي فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي أي عبد الله بن

(18/45)


قيس فأجبته فقال أجب رسول الله يدعوك فلما أتيته قال خذ هاذين القرينتين وهذين القرينين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو قال إن رسول الله يحملكم على هاؤلاء فاركبوهن فانطلقت إليهم بهن فقلت إن النبي يحملكم على هاؤلاء ولكني والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلي من سمع مقالة رسول الله لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله رسول الله فقالوا لي إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله منعه إياهم ثم إعطاءهم بعد فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى رضي الله عنه
مطابقته للترجمة في قوله إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء أيضا واسمه عامر بن ( أبي موسى ) عبد الله بن قيس الأشعري وبريد هذا يروي هذا الحديث عن جده أبي بردة بن أبي موسى
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النذر وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور بإسناد البخاري
قوله أسأله الحملان بضم الحاء المهملة أي الشيء الذي يركبون عليه ويحملهم وقال الكرماني الحملان بالضم الحمد قوله ووافقته أي صادقته والواو في وهو غضبان للحال قوله ولا أشعر أي والحال لا أعلم أبي لم يكن لي علم بغضبه قوله حزينا نصب على الحال قوله ومن مخافة بفتح الميم مصدر ميمي أي ومن خوف أن يكون وكلمة أن مصدرية قوله وجد في نفسه من وجد عليه يجد وجدا وموجدة أي غضب قوله سويعة تصغير ساعة وهي في الأصل جزء من الزمان وقد تطلق على جزء من أربعة وعشرين جزء التي هي مجموع اليوم والليلة قوله أي عبد الله يعني يا عبد الله هو أبو موسى الأشعري قوله فأجب بفتح الهمزة وكسر الجيم أمر من الإجابة قوله هذين القرينين وهو تثنية قرين وهو البعير المقرون بآخر يقال قرنت البعيرين إذا جمعتهما في حبل واحد وفي رواية أبي ذر عن غير المستملي هاتين القرينتين أي الناقتين وقد تقدم في قدوم الأشعريين أنه أمر لهم بخمس ذود وهنا بستة أبعرة فأما تعددت القضة أو زادهم على الخمس واحدا فإن قلت قوله هذين القرينين يقتضي أربعة فكيف قال ستة أبعرة وكان ينبغي أن يذكر لفظ القرينين ثلاث مرات لتكون ستة قلت يحتمل أن يكون اختصارا من الراوي أو كانت الأولى اثنتين والثانية أربعة لأن القرين يصدق على الواحد وعلى الأكثر واللام في قوله لستة أبعرة يتعلق بقوله قال خذ قوله أبتاعهن في رواية الكشميهني ابتاعهم وكذا في رواية فانطلق بهم وهو تحريف والصواب رواية الجماعة وقال الكرماني هذا من تشبيه الأبعرة بذكور العقلاء قوله لا أدعكم أي لا أترككم
4416 - ح ( دثنا مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) عن ( الحكم ) عن ( مصعب بن سعد ) عن أبيه أن رسول الله خرج إلى تبوك واستخلف عليا فقال أتخلفني في الصبيان والنساء قال ألا ترضاى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي ( انظر الحديث 3706 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو ابن سعيد القطان والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة تصغير عتبة الباب ومصعب بن سعد ابن أبي وقاص يروي عن أبيه سعد
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في المناقب عن ابن المثنى وابن بشار به
قوله واستخلف عليا يعني المدينة قوله ألا ترضى الخ معناه أن تكون خليفة عني في سفري هذا بمنزلة استخلاف موسى أخاه هارون عليه السلام على بني إسرائيل حين توجه إلى الطور قوله

(18/46)


إلا وجه هذا الاستثناء الدلالة على أن الخلافة ليست في النبوة لأنه لا نبي بعده
وقال أبو داود حدثنا شعبة عن الحكم سمعت مصعبا
أي قال أبو داود سليمان بن داود الطيالسي من أفراد مسلم أراد بذلك بيان التصريح بالسماع في رواية الحكم عن مصعب وأخرج التعليق البيهقي في ( دلائله ) من حديث يونس بن حبيب حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة فذكره
4417 - ح ( دثنا عبيد الله بن سعيد ) حدثنا ( محمد بن بكر ) أخبرنا ( ابن جريج ) قال سمعت ( عطاء ) يخبر قال أخبرني ( صفوان بن يعلى بن أمية ) عن أبيه قال غزوت مع النبي العسرة قال كان يعلى يقول تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي قال عطاء فقال صفوان قال يعلى فكان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر قال عطاء فلقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته قال فانتزع المعضوض يده من في العاض فانتزع إحدى ثنيتيه فأتيا النبي فأهدر ثنيته قال عطاء وحسبت أنه قال قال النبي أفيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فحل يقضمها
مطابقته للترجمة في قوله غزوت مع النبي العسرة لأن العسرة هي غزوة تبوك كما مر فيما مضى وعبيد الله بن سعيد بن يحيى أبو قدامة اليشكري ومحمد بن بكر بن عثمان البرساني وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء بن أبي رباح
والحديث قد مضى في الجهاد في باب الأجير فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن سفيان عن ابن جريج إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله العسرة كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي العسيرة بالتصغير وهي غزوة تبوك قوله أوثق أعمالي عندي وقد تقدم في الإجارة أوثق أحمالي وبالعين المهملة أصح قوله فعض من الغض بالأسنان وأصله عضض من باب علم يعلم وقيل من باب ضرب يضرب والأول أصح لقوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه ( الفرقان27 ) قوله إحدى ثنيتيه وهي تثنية ثنية وهي مقدم الأسنان وهن أربعة ثنتان من الأعلى وثنتان من الأسفل قوله أفيدع أي أفيترك الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار قوله تقضمها أي تمضغها بفتح الضاد يقال قضمت الدابة شعيرها تقضمه أي تأكله قوله كأنها في في فحل أي في فم فحل
80 -
( في حديث كعب بن مالك )
أي هذا في بيان حديث كعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عدي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي يكنى أبا عبد الله شهد العقبة الثانية واختلف في شهوده بدرا وشهد أحدا والمشاهد كلها حاشا تبوك فإنه تخلف عنها وكان أحد الشعراء في الجاهلية وتوفي في خلافة معاوية سنة خمسين وقيل ثلاث وخمسين وهو ابن سبع وسبعين وكان قد عمي في آخر عمره ويعد في المدنيين وروى عنه جماعة من التابعين
وقول الله عز و جل وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة118 )
أي وفي بيان قول الله عز و جل وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة118 ) والثلاثة هم كعب بن مالك المذكور وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع تخلفوا عن غزوة تبوك فتاب الله عليهم وعذرهم وأنزل في حقهم وعلى الثلاثة خلفوا أي عن غزوة تبوك أي وتاب الله على الثلاثة وهو عطف على ما قبله وهو قوله لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله رؤوف

(18/47)


رحيم ( التوبة117 ) ثم عطف عليه قوله وعلى الثلاثة قال مجاهد قوله لقد تاب الله ( التوبة117 ) الآية نزلت في غزوة تبوك واختلف في معنى التوبة على النبي فقيل هو مفتاح كلام لأنه لما كان سبب توبة التائبين ذكر معهم كقوله فإن لله خمسة وللرسول ( الأنفال41 ) وقال الزمخشري تاب الله على النبي كقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( الفتح2 ) ومثل قوله واستغفر لذنبك ( غافر55 محمد19 ) وقيل معناه تاب الله عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه كقوله عفا الله عنك
4418 - ح ( دثنا يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك ) أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها كان من خبري أني لم أكن قط أقوي ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان وإن قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادي بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه

(18/48)


ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله قال كعب بن مالك فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بما ذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقة وأصبح رسول الله قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخط بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضي به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لك فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس

(18/49)


مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله يأتيني فقال إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هاذا الأمر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولاكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله لا استأذن فيها رسول الله وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة يقولون لتهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني

(18/50)


والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله قال رسول الله وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذالك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله قال رسول الله أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذالك لرسول الله إلي يومي هاذا كذبا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله تعالى على رسوله لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله وكانوا مع الصادقين فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إلى قوله فإن الله لا يرضي عن القوم الفاسقين قال كعب وكن تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولائك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه
مطابقته للترجمة أظهر ما يكون وقد أخرج البخاري غزوة تبوك وتوبة الله على كعب بن مالك في عشرة مواضع مطولا ومختصرا في الوصايا وفي الجهاد وفي صفة النبي وفي وفود الأنصار وفي موضعين من المغازي وفي موضعين من التفسير وفي الاستئذان وفي والأحكام وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الطاهر بطوله وعن محمد بن رافع وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أبي الطاهر وسليمان بن داود وأخرجه النسائي فيه عن سليمان وغيره
قوله عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب كذا وقع عند الأكثرين ووقع عند الزهري في بعض هذا الحديث رواية عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهو عم عبد الرحمن بن عبد الله الذي حدث به عنه هنا وفي رواية عن عبد الله بن كعب نفسه قال أحمد بن صالح فيما أخرجه ابن مردويه كان الزهري سمع هذا القدر من عبد الله بن كعب نفسه وسمع الحديث بطوله من ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وعنه أيضا في رواية عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بالتصغير ووقع عند ابن جرير من طريق يونس عن الزهري في أول الحديث بغير إسناد قال الزهري غزا رسول الله غزوة تبوك الحديث قوله وكان قائد كعب من بنيه بفتح الباء الموحدة وكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ووقع في رواية القابسي وكذا لابن السكن في الجهاد من بيته بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة

(18/51)


من فوق قوله حين تخلف مفعول به لا مفعول فيه قوله عن قصة يتعلق بقوله يحدث قوله يعاتب أحدا أي لم يعاتب الله أحدا ويروى لم يعاتب على صيغة المجهول وأحد بالرفع قوله تخلف عنها أي عن غزوة بدر قوله عير قريش بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهي الإبل التي تحمل الميرة قوله ليلة العقبة وهي التي بايع رسول الله فيها الأنصار على الإسلام والإيواء والنصر وذلك قبل الهجرة والعقبة هي التي في طرف منى التي تضاف إليها جمرة العقبة وكانت بيعة العقبة مرتين كانوا في السنة الأولى اثني عشر وفي الثانية سبعين كلهم من الأنصار قوله حين تواثقنا أي تعاهدنا وتعاقدنا قوله وما أحب إن لي بها مشهد بدر أي أزلي بدلها قوله وإن كانت بدر أي غزوة بدر أذكر أي أعظم ذكرا في في الناس أي بين الناس وفي رواية مسلم عن يونس بن عن شهاب وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها ولفظ أذكر على وزن أفعل التفضيل قوله وأقوى ولا أيسر وزاد مسلم لفظة مني قوله إلا ورى بفتح الواو وتشديد الراء أي أوهم بغيرها وهو من التورية وهي أن يذكر لفظ يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد قوله فجلى بفتح الجيم وتشديد اللام أي كشف وأوضح ويجوز بتخفيف اللام أيضا قوله أهبة الأهبة بضم الهمزة تجهيزها ما يحتاجون إليه قوله غزوهم ويروى عدوهم قوله والمسلمون مع رسول الله كثير وقد ذكرنا عن قريب أنه كان معه أربعون ألفا وقيل سبعون ألفا قوله ولا يجمعهم كتاب حافظ بالتنوين فيهما وفي رواية مسلم بالإضافة وزاد في رواية مغفل يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ قوله يريد الديوان من كلام الزهري وأراد به أن المراد من قوله كتاب حافظ هو الديوان وهو الكتاب الذي يجمع فيه الحساب وهو يكسر الدال وقيل بفتحها أيضا وهو معرب وقيل عربي قوله قال كعب وهو موصول بالإسناد المذكور قوله فما رجل وفي رواية مسلم قل رجل قوله إلا ظن أنه سيخفى وفي رواية الكشميهني إن سيخفى بتخفيف نون أن بلا هاء وفي رواية مسلم أن ذلك سيخفى له قوله فطفقت أعدو بالطاء وبالفاء والقاف وهو من أفعال المقاربة معناه أخذت في الفعل قوله حتى اشتد بالناس الجد بكسر الجيم وهو الجهد في الشيء والمبالغة فيه وقال ابن التين وضبط في بعض الكتب برفع الناس على أنه فاعل ويكون الجد منصوبا بإسقاط الخافض أو هو نعت لمصدر محذوف أبي اشتد الناس الاشتداد الجد وعند ابن السكن اشتد بالناس الجد برفع الجد وزيادة الباء الموحدة في الناس وهو رواية أحمد ومسلم وفي رواية ابن مردويه حتى شمر الناس الجد قوله من جهازي بفتح الجيم وكسرها وهو الأهبة قوله حتى أسرعوا من الإسراع وفي رواية الكشميهني حتى شرعوا بالشين المعجمة من الشروع قيل هو تصحيف قوله وتفارط الغزو أي فات وسبق من الفرط وهو السبق وفي رواية ابن أبي شيبة حتى أمعن القوم وأسرعوا قوله وليتني فعلت فيه تمني ما فات فعله قوله مغموصا بالغين المعجمة والصاد المهملة أي مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق وقيل معناه مستحقرا تقول غمصت فلانا إذا استحقرته وكذلك اغمصته قوله حتى بلغ تبوك بغير صرف للعلمية والتأنيث كذا هو في رواية الأكثرين ويروي تبوكا بالصرف على إرادة المكان أو الموضع قوله من بني سلمة بكسر اللام وفي رواية معمر من قومي وهو عبد الله بن أنيس كذا قاله الواقدي قوله حبسه برداه تثنية برد قوله والنظر أي وحبسه النظر في عطفيه بكسر العين المهملة أي جانبيه وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه وقيل كنى بذلك عن حسنه وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفا لوقوعه على عطفي الرجل قوله فلما بلغني أنه أي أن رسول الله وكذا في رواية مسلم قوله قافلا أي راجعا من سفره إلى المدينة وقال ابن سعد كان قدومه المدينة في رمضان قوله حضرني همي هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره حضرني هم قوله قد أظل قادما أي قددنا قدومه إلى المدينة قوله زاح بالزاي وبالحاء المهملة أي زال قوله فأجمعت صدقه أي جزمت بذلك وعقدت عليه قصدي وفي رواية ابن أبي شيبة وعزمت أنه لا ينجيني إلا الصدق قوله المخلفون أي الذين تأخروا عن الذهاب مع رسول الله قوله فطفقوا أي أخذوا يعتذرون أي يظهرون العذر قوله وكانوا بضعة وثمانين وقد مر غير مرة أن البضعة في العدد ما بين الثلاثة إلى

(18/52)


التسعة وقيل ما بين الواحد إلى العشرة وهو بكسر الباء وحكي الفتح أيضا وذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من بني غفار وغيرهم وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء وكانوا عددا كثيرا قوله علانيتهم أي ظاهرهم قوله تبسم المغضب أي كتبسم المغضب بفتح الضاد وفي ( مغازي ابن عائذ ) فأعرض عنه فقال يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت قال فما خلفك قوله ابتعت ظهرك أي اشتريت راحلتك قوله أعطيت على صيغة المجهول قوله جدلا أي فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما ينتسب إلي مما يقبل ولا يرد قوله ليوشكن الله أي ليعجلن الله على بسخط منك قوله تجد بكسر الجيم أي تغضب قوله وثار رجال أي وثبوا قوله قد كان كافيك ذنبك أي من ذنبك وحذفت كلمة من قوله استغفار بالرفع لأنه مرفوع بقوله كافيك لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله قوله يؤنبوني ويروى يؤنبونني من التأنيب وهو اللوم العنيف قوله مرارة بضم الميم وتخفيف الراءين ابن الربيع ويقال ابن ربيعة العمري نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وقال الكرماني وفي بعض الروايات العامري أنكره العلماء وقالوا صوابه العمري قلت لأنه كان من بني عمرو بن عوف شهد بدرا قوله وهلال بن أمية الأنصاري الواقفي من بني واقف ابن امرىء القيس بن مالك بن الأوس شهد بدرا قوله إسوة بكسر الهمزة وضمها وقال ابن التين التأسي بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة قال الله تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم ( الزخرف39 ) الآية قوله أيها الثلاثة بالرفع وهو في موضع نصب على الاختصاص أي متخصصين بذلك دون بقية الناس قوله فاجتنبنا الناس بفتح الباء الموحدة بعدها نون المتكلم وهي جملة من الفعل والمفعول وقوله الناس بالرفع فاعله قوله تنكرت أي تغيرت قوله فما هي التي أعرف أي تغير كل شيء علي حتى الأرض فإنها توحشت وصارت كأنها أرض لم أعرفها لتوحشها علي قوله وأطوف أي أدور قوله فأسارقه النظر وبالقاف أي أنظر إليه في خفية قوله من جفوة الناس بفتح الجيم وسكون الفاء أي من جفائهم وإعراضهم قوله حتى تسورت أي صعدت على سور الدار قوله حائط أبي قتادة الحائط البستان وأبو قتادة بفتح القاف اسمه الحارث بن ربعي بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة ابن بلذمة الأنصاري السلمي الخزرجي من بني غنم بن كعب بن سلمة بن تزيد بن جشم بن الخزرج هكذا يقول ابن شهاب وجماعة أهل الحديث أن اسم أبي قتادة الحارث بن ربعي قال ابن إسحاق وأهله يقولون اسمه النعمان بن عمرو بن بلذمة قال أبو عمر يقولون بلذمة بالفتح وبلذمة باضم وبلذمة بالذال المنقوطة والضم أيضا توفي بالكوفة في خلافة علي رضي الله تعالى عنه وصلى هو عليه قوله ما رد على السلام لعموم النهي عن كلامهم قوله وهو ابن عمي قيل إنما قال إنه ابن عمي لكونهما معا من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه وقال الكرماني وليس هو ابن عمه بل ابن عم جد جده قوله أنشدك بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألك بالله قوله الله ورسوله أعلم وليس تكليما لكعب قوله حتى تسورت الجدار أي للخروج من الحائط وفي رواية معمر فلم أملك نفسي أن بكيت ثم اقتحمت الحائط خارجا قوله إذا نبطي كلمة إذا للمفاجأة و النبطي بفتح النون والباء الموحدة الفلاح سمي بالنبطي لأن اشتقاقه من استنباط الماء واستخراجه والأنباط كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة وهذا النبطي كان نصرانيا شاميا وقيل النبطي منسوب إلى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام قوله من ملك غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وهو من جملة ملوك اليمن سكنوا الشام قيل هو جبلة بن الأيهم نص عليه ابن عائذ وعن الواقدي إنه الحارث بن أبي بشر وقيل جند بن الأيهم وفي رواية ابن مردويه فكتب إلى كتابا في سرقة من حرير قوله هوان أي ذل وصغار قوله ولا مضيعة بفتح الميم وسكون الضاد المعجمة وكسرها أيضا لغتان أي حيث يضيع حقك قوله نواسك بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة قوله فتيممت بها التنور أي قصدت بها أي بالكتاب الذي أرسله ملك غسان وإنما أنت الضمير باعتبار الصحيفة والتنور معروف وهو ما يخبز فيه قوله فسجرته

(18/53)


أي فسجرت التنور أي أوقدته بها أي بالكتاب الذي هو الصحيفة وهذا الصنيع من كعب يدل على قوة إيمانه ومحبته لله ورسوله قوله إذا رسول الله كلمة إذا للمفاجأة وعن الواقدي إن هذا الرسول هو خزيمة بن ثابت قوله أن تعتزل امرأتك اسمها عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد ويقال اسم امرأته التي كانت عنده يومئذ خيرة بالخاء المعجمة المفتوحة وسكون الياء آخر الحروف وقال الذهبي عميرة بنت جبيرصلت القبلتين وهي زوجة كعب بن مالك وقال أيضا خيرة امرأة كعب بن مالك لها حديث غريب في ( كتاب الوجدان ) لابن أبي عاصم وقال أبو عمر خيرة امرأة كعب بن مالك الشاعر ويقال حيرة بالحاء المهملة حديثها عند الليث بن سعد من رواية ابن وهب وغيره بإسناد ضعيف لا يقوم به حجة أن رسول الله قال لا يجوز لامرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها قوله ألحقي بأهلك هذا اللفظ من الكنايات ومحلها في الفروع قوله فجاءت امرأة هلال بن أمية هي خولة بنت عاصم وقال الذهبي هي التي لاعنها هلال ففرق رسول الله بينهما قوله فقال لي بعض أهلي استشكل هذا مع نهي النبي عن كلام الثلاثة وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عبر عن الإشارة بالقول وقيل لعله من النساء لأن النهي لم يقع عن كلام النساء اللاتي في بيوتهم وقيل كان الذي كلمه منافقا وقيل كان ممن يخدمه ولم يدخل في النهي قوله حتى كملت بضم الميم وفتحها وكسرها قوله على الحالة التي ذكر الله تعالى وهو في قوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( التوبة118 ) الآية قوله على جبل سلع بفتح السين المهملة وسكون اللام وهو جبل معروف بالمدينة وفي رواية معمر من ذروة سلع أي أعلاه قال الواقدي الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق قوله يا كعب بن مالك أبشر من البشارة وفي رواية عمر بن كثير عند أحمد عن كعب إذ سمعت رجلا على الثنية يقول كعب كعب حتى دنا مني فقال بشروا كعبا قوله فخررت أي أسقطت نفسي على الأرض حال كوني ساجدا وفيه مشروعية سجدة الشكر وكرهها أبو حنيفة ومالك قوله وآذن أي أعلم قوله وذهب قبل صاحبي بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة صاحبي بفتح الباء الموحدة وتشديد الياء تثنية صاحب وهما هلال ومرارة قوله مبشرون فاعل ذهب جمع مبشر قوله وركض إلى رجل فرسا وهو الزبير بن العوام وقيل حمزة ابن عمرو ووالله أعلم قوله وسعى ساع هو حمزة بن عمر ورواه الواقدي وقال أبو عمر حمزة بن عمر والأسلمي من ولد أسلم ابن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر يكنى أبا حاتم ويعد في أهل الحجاز مات سنة إحدى وستين وهو ابن ثمانين سنة روى عنه أهل المدينة وكان يسرد الصوم وعند ابن عائذ إن اللذين سعيا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لكنه صدره بقوله زعموا قوله فأوفى على الجبل أي ارتفع وأشرف وقال الواقد الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد وكان الذي بشر مرارة بتوبته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش قوله قلما جاءني الذي سمعت صوته هو حمزة بن عمرو الأسلمي قوله والله ما أملك غيرهما يومئذ يعني من جنس الثياب قوله فوجا فوجا أي جماعة جماعة قوله واستعرت ثوبين استعارهما من أبي قتادة قاله الواقي قوله لتهنك بكسر النون وزعم ابن التين أنه بفتحها قال لأنه من يهنأ بالفتح قوله ولا أنساها لطلحة وهو طلحة بن عبيد الله المذكور وهو أحد العشرة المبشرة قوله أبشر بخير يوم مر عليك فإن قلت يوم إسلامه خير أيامه قلت قال الكرماني المراد به سوى يوم إسلامه ولظهوره تركه وقيل يوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها قوله قال لا أي ليس من عندي بل من عند الله قوله إذا سر على صيغة المجهول أي إذا حصل له السرور استنار وجهه أي تنور قوله حتى كأنه قطعة قمر فإن قلت لم لم يقل كأنه قمر فما الحكمة في تقييده بالقطعة قلت قيل للاحتراز من قطعة السواد التي في القمر قوله وكنا نعرف ذلك منه وفي رواية الكشميهني فيه وذلك إشارة إلى ما كان يحصل له من استنارة وجهه عند السرور قوله أن أنخلع أي أن أخرج من مالي بالكلية قوله صدقة بالنصب أي

(18/54)


لأجل التصدق ويجوز أن يكون حالا بمعنى متصدقا قوله إلى الله كلمة إلى بمعنى اللام أي صدقة خالصة لله تعالى ولرسوله قوله أمسك عليك بعض مالك إنما أمره بذلك خوفا من تضرره بالفقر وعدم صبره على الفاقة ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بجميع ماله لأنه كان صابرا راضيا قوله أبلاه الله أي أنعم عليه قوله أن لا أكون بدل من قوله من صدقي أي ما أنعم أعظم من عدم كذبي ثم عدم هلاكي قال النووي رحمه الله قالوا لفظة لا زائدة ومعناه أن أكون كذبته نحو ما منعك أن لا تسجد قوله فأهلك بالنصب أي فإن لك بكسر اللام وفتحها قوله كما هلك الذين أي كهلاك الذين كذبوا قوله للذين أي لأجل الذين كذبوا قوله شر ما قال لأحد أي قال قولا سر ما قال بالإضافة أي شر القول الكائن لأحد من الناس ثم بين ذلك بقوله فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم ولا تؤنبوهم إنهم رجس وماواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( التوبة95 - 96 ) وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين الذين تخلفوا بقوله إنهم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عنهم ولا تؤنبوهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس أي خبثاه نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم في آخرتهم جهنم جزاء أي لأجل الجزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا ثم أخبر عنهم بأنهم يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين أي الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسول الله والفسق هو الخروج ومنه سميت الفأرة فهو فويسقة لخروجها من جحرها ويقال فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها قوله وكنا تخلفنا وفي مسلم خلفنا قوله وأرجأ أي أخر من الإرجاء بالهمزة في آخره وحاصل معنى قول كعب أنه فسر قوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة118 ) أي أخروا حتى تاب الله عليهم وليس المراد أنهم خلفوا عن الغزو وفي ( تفسير عبد الرزاق ) عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة118 ) قال خلفوا عن التوبة قوله مما خلفنا على صيغة المجهول قوله عن الغزو أي غزوة تبوك قوله وإنما هو تخليفه أي تخليف الله إينا أي تأخيره إيانا أي تأخيره أمرنا عن أمر من حلف له واعتذر إليه فقبل منه اعتذاره وحلفه فغفر له
فوائد الحديث المذكور أكثر من خمسين فائدة فيه جواز طلب أموال الكفار دون الحرب وفيه جواز الغزو في الشهر الحرام والتصريح بجهة الغزو وإذا لم تقتضي المصلحة ستره وأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير فإن قلت إن كان النبي استنفرهم عموما لغزوة تبوك فغضبه على من تخلف ظاهره وإن لم يستنفرهم عموما فالجهاد فرض كفاية فما وجه غضبه على المخلفين قلت كان الجهاد فرض عين في حق الأنصار لأنهم بايعوه على ذلك فغضبه على المتخلفين كان في محله وفيه إباحة الغنيمة لهذه الأمة إذ قال يريدون عير قريش وفيه فضيلة أهل بدر والعقبة والمتابعة مع الإمام وجواز الحلف من غير استحلاف والتأسف على ما فاته من الخبر وهجران أهل البدعة وأن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه وترك قربان الزوجة واستحباب صلاة القادم ودخوله المسجد أولا وتوجه الناس إليه عند قدومه والحكم بالظاهر وقبول المعاذير واستحباب البكاء على نفسه ومسارقة النظر في الصلاة لا تبطلها وفضيلة الصدق وأن السلام ورده كلام وجواز دخوله في بستان صديقه بلا إذنه وأن الكناية لا يقع بها الطلاق ما لم ينوه وإيثار طاعة الله ورسوله على مودة القريب وخدمة المرأة لزوجها والاحتياط بمجانبته ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه إذ لم يستأذن في خدمة امرأته لذلك وجواز إحراق ورقة فيها ذكر الله إذا كان لمصلحة واستحباب التبشير عند تجدد النعمة واندفاع الكربة واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة وسروره بما يسر أصحابه والتصدق بشيء عند ارتفاع الحزن والنهي عن التصدق بكل ماله عند عدم الصبر وإجازة البشير بخلعه وتخصيص اليمين بالنية وجواز العارية ومصافحة القادم والقيام له والتزام مداومة الخير الذي ينتفع به واستحباب سجدة السكر وفيه عظم أمر المعصية وعن الحسن البصري أنه قال يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما ولا سفكوا دما حراما ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر رواه ابن أبي حاتم وفيه أن القوي يؤاخذ أشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين وفيه جواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه وفيه جواز مدح الرجل بما فيه من الخير إذا أمن

(18/55)


الفتنة وتسلية نفسه عما لم يحصل له بما وقع لنظيره وفيه جواز ترك السلام على من أذنب وجواز هجرة ثلاثة أيام وفيه تبريد حر المعصية بالتأسي بالنظير وفيه جواز ترك رد السلام على المهجور عمن سلم عليه إذ لو كان واجبا لم يقل كعب هل حرك شفتيه برد السلام وفيه أن قول المرء الله ورسوله أعلم ليس ليس بخطاب ولا كلام فلا يحنث به من حلف أن لا يكلم فلانا إذا لم بنو به مكالمته وفيه مشروعية العارية
81 -
( باب نزول النبي الحجر )
أي هذا باب في بيان نزول النبي الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وفي آخره راء وهي منازل ثمود قوم صالح عليه الصلاة و السلام بين المدينة والشام عند وادي القرى وليس في بعض النسخ لفظة باب
4419 - حدثنا ( عبد الله بن محمد الجعفي ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال لما مر النبي بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله حتى أجاز الوادي لأن فيه معنى النزول إلى الوادي والصعود منه ولو قال في الترجمة باب مرور النبي بالحجر لكأن أصوب وأقرب والحديث مر في أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى وإلى ثمود أخاهم صالحا ( الأعراف 73 ) ومر أيضا في كتاب الصلاة في باب الصلاة في مواضع الخسف
قوله أن يصيبكم بفتح الهمزة مفعول له أي كراهة الإصابة قوله وقنع أي ستر رأسه بالقناع قوله حتى أجاز أي حتى سلك الوادي أو حتى قطعه
4420 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال قال رسول الله لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هاؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر قوله لأصحاب الحجر قال الكرماني أي الصحابة الذين مع رسول الله في ذلك الموضع فاضيفوا الى الحجر بملابسة عبودهم عليه وقال بعضهم وقد تكلف الكرماني في ذلك وتعسف وليس كما قال بل اللام في قوله لأصحاب الحجر بمعنى عن وحذف المقول لهم ليعم كل سامع والتقدير قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين أي ثمود انتهى قلت هو أيضا تكلف أكثر منه والمعنى الواضح الذي لا غبار عليه أن اللام في لأصحاب الحجر بمعنى عند كما في قولهم كتبته لخمس خلون أي قال عند أصحاب الحجر وهم المعذبون هناك لا تدخلوا عليهم قوله أن يصيبكم أي خشية أن يصيبكم
82 -
( باب )
أي هذا باب وقع كذا بلا ترجمة وهو كالفصل لما تقدم لأن أحاديثه تتعلق ببقية قصة تبوك والباب الذي قبله أيضا يتعلق بتبوك فافهم
413 - ( حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة قال ذهب

(18/56)


النبي لبعض حاجاته فقمت أسكب عليه الماء لا أعلمه إلا قال في غزوة تبوك فغسل وجهه وذهب يغسل ذراعيه فضاق عليه كم الجبة فأخرجهما من تحت جبته فغسلهما ثم مسح على خفيه )
مطابقته للترجمة المتقدمة في قوله لا أعلمه إلا قال في غزوة تبوك والحديث قد مضى في كتاب الوضوء في باب الرجل يوضىء صاحبه فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن علي عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة أنه كان مع رسول الله في سفر الحديث ولم يذكر غزوة تبوك وكذلك أخرجه في باب المسح على الخفين عن عمرو بن خالد الحراني عن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير الخ ولم يذكر فيه إلا أنه خرج لحاجته فاتبعه المغيرة بأداوة فيها ماء الحديث وعلم منه أن الليث له شيخان أحدهما في حديث الباب عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون والآخر يحيى بن سعيد في الباب المذكور قوله لبعض حاجاته بالجمع قوله كم الجبة ويروى كمي الجبة بالتثنية
4422 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان ) قال حدثني ( عمرو بن يحيى ) عن ( عباس ابن سهل بن سعد ) عن ( أبي حميد ) قال أقبلنا مع النبي من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال هاذه طابة وهاذا أحد جبل يحبنا ونحبه
مطابقته للترجمة المتقدمة ظاهرة وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام وسليمان هو ابن بلال وعمرو بن يحيى المازني وأبو حميد بضم الحاء اسمه عبد الرحمن وقيل غير ذلك الساعدي والحديث مضى في مواضع في الحج وفي المغازي وفي فضل الأنصار وفي الزكاة ومضى الكلام فيه مفرقا
قوله طابة بفتح الباء الموحدة المخففة وهو إسم من أسماء مدينة النبي قوله عطف بيان
4423 - حدثنا ( أحمد بن محمد ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( حميد الطويل ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم رجع غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر ( انظر الحديث 2838 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن محمد بن موسى يقال له مردويه السمسار المروزي يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي
قولهإلا كانوا معكم أي في حكم النية والثواب قوله وهم بالمدينة الواو فيه للحال والحديث مضى في الجهاد في باب من حبسه العذر عن الغزو
83 -
( باب كتابه النبي إلى كسرى وقيصر )
أي هذا باب في بيان كتاب النبي إلى كسرى بكسر الكاف وفتحها وهو لقب كل من ملك الفرس ومعناه بالعربية المظفر وكسرى هذا الذي أرسل إليه النبي الكتاب هو كسرى أبرويز بن هرمز بن أنو شروان وهو كسرى الكبير المشهور وقيل كسرى هذا أنو شروان وليس كذلك لأن النبي أخبر بأنه يقتله ابنه والذي قتله ابنه هو كسرى أبرويز قوله وقيصر هو لقب كل من ملك الروم والمراد منه هرقل وقد ترجمناه في أول الكتاب

(18/57)


4424 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم ) حدثنا أبي عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ) أن ( ابن عباس ) أخبره أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه مزقه فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله أن يمزقوا كل ممزق
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن راهويه ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وإبراهيم بن سعد يروي عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بضم العين عن عبد الله بفتحها ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة عن عبد الله بن عباس
والحديث مضى في كتاب العلم في باب ما يذكر في الناولة فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد الخ وليس فيه إسم عبد الله بن حذافة وإنما فيه أن رسول الله بعث بكتابه رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين الحديث وعبد الله بن حذافة بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة المخففة وبعد الألف فاء ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي يكنى أبا حذافة كناه الزهري أسلم قديما وكان من المهاجرين الأولين ويقال إنه شهد بدرا ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين وكانت فيه دعابة وقال خليفة أسرت الروم عبد الله في سنة تسع عشرة وقال ابن لهيعة توفي عبد الله بن حذافة بمصر ودفن بمقبرتها
قوله بعث بكتابه إلى كسرى ذكره ابن إسحاق في السنة السادسة قال وفيها أي وفي سنة ست بعث رسول الله ستة نفر مصطحبين حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية وشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان عرب النصارى بالشام ودحية الكلبي إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم وسليط بن عمرو إلى هوذة ابن عمرو والحنفي وعمرو بن أمية إلى النجاشي وعبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك الفرس وقال الواقدي كان ذلك في آخر سنة ست بعد عمرة الحديبية أرسلهم في يوم واحد وقيل في المحرم في سنة ست وقال البيهقي في سنة ثمان بعد غزوة مؤتة وترتيب البخاري يدل على أنه كان في سنة تسع فإنه ذكره بعد غزوة تبوك وأنه ذكر في آخر الباب حديث السائب بن يزيد أنه تلقى النبي إلى ثنية الوداع مقدمة من غزوة تبوك قال ابن إسحاق كتب معه
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس
قال ولما قرأه شقه قال وكان يكتب إلي بهذا وهو عبد وذكر القصة مطولة وفيها وأتى رسول الله الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا قال الواقدي وكان قتله ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الآخرة في سنة تسع من الهجرة لست ساعات مضت فيها قوله إلى عظيم البحرين هو نائب كسرى على البحرين واسمه المنذر بن ساوي العبدي قوله فدفعه عظيم البحرين هو نائب كسرى على البحرين واسمه المنذر بن ساوي العبدي قوله فدفعه عظيم البحرين فيه حذف تقديره فتوجه إليه أعطاه الكتاب فتوجه فدفعه إلى كسرى قوله فلما قرأه بالضمير المنصوب رواية الكشميهني وفي رواية غيره فلما قرأ بدون الضمير قال بعضهم فيه مجاز فإنه ل يقرأه بنفسه وإنما قرىء عليه قلت الكلام يدل على أنه هو الذي قرأه والمصير إلى المجاز يحتاج إلى دليل لأنه لا مانع عقلا ولا عادة من أنه كان يعرف القراءة قوله فدعا عليهم أي على كسرى وجنوده قوله أن يمزقوا أي بأن يمزقوا أي التمزيق كل ممزق بحيث لا يبقى منهم أحد وهكذا جرى ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة ولا أمر نافذ وأدبر عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه
4425 - حدثنا ( عثمان بن الهيثم ) حدثنا ( عوف ) عن ( الحسن ) عن ( أبي بكرة ) قال لقد نفعني

(18/58)


الله بكلمة سمعتها من رسول الله أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
مطابقته للترجمة من حيث إن تولية بنت كسرى لم تكن إلا بعد كسرى الذي كتب إليه النبي وذلك أن كسرى هذا لما قتله ابنه شيرويه لم يعش بعده إلا ستة أشهر فلما مات لم يخلف أخا لأنه كان قتل إخوته حرصا على الملك ولم يخلف ذكرا وكرهوا خروج الملك عن بنت كسرى فملكوا عليهم بنت كسرى واسمها بوران بضم الباء الموحدة وفي آخره نون
وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة ابن الجهم أبو عمرو والمؤذن البصري وعوف بفتح العين المهملة وبالفاء ابن أبي جميلة يعرف بالأعرابي والحسن هو البصري وأبو بكرة نفيع بن الحارث
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن وأخرجه الترمذي في الفتن عن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي في الفضائل عن محمد ابن المثنى
قوله أيام الجمل يتعلق بقوله نفعني لأن المعنى لا يستقيم إلا بان يقال نفعني الله أيام الجمل بكلمة سمعتها من النبي قبل ذلك والمراد بالجمل الجمل الذي تحت عائشة رضي الله عنها حين توجهت إلى ناحية البصرة ومعها طلحة والزبير لطلب دم عثمان وأصحاب الجمل هم عسكر عائشة رضي الله عنها وبه سميت وقعة الجمل وقصتها مشهورة قوله بنت كسرى هي بوران كما ذكرناها الآن وذكر الطبري أن أختها أو زيمدخت ملكت أيضا قال الخطابي في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء
4426 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال سمعت ( الزهري ) عن ( السائب بن يزيد ) يقول ( أذكر ) أني ( خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع نتلقى ) رسول الله وقال ( سفيان مرة مع الصبيان ) ( انظر الحديث 3083 وطرفه )
وجه ذكر هذا الحديث هنا من حيث أن تلقيهم رسول الله كان عند مقدمه من غزوة تبوك كما صرح به في الحديث الذي يليه وأن كتاب النبي إلى الملوك كان في غزوة تبوك فمن هذه الحيثية يكون متعلقا بقصة كسرى
وعلي بن عبد الله المعروب بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والسائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود ابن أخت النمر فيل إنه كناني وقيل ليثي وقيل هذلي وقيل أزدي ولد في السنة الثانية من الهجرة وقال السائب حج بي أبي مع رسول الله وأنا ابن سبع سنين مات في سنة ثمانين وقيل في سنة ست وثمانين وقيل سنة إحدى وتسعين وهو ابن أربع وتسعين
والحديث قد مر في الجهاد في باب استقبال الغزاة فإنه أخرجه هناك عن مالك بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة الحديث
قوله سمعت الزهري عن السائب ويروى سمعت الزهري يقول سمعت السائب قوله إلى ثنية الوداع الثنية طريق العقبة وكان ثمة يودع أهل المدينة المسافرين قوله وقال سفيان هو ابن عيينة الراوي وهو موصول ولكن الراوي عنه بين أنه قال تارة مع الغلمان وتارة مع الصبيان

(18/59)


84 -
( باب مرض النبي ووفاته )
أي هذا باب في بيان مرض النبي وبيان وقت وفاته ولا خلاف أنه توفي يوم الإثنين وروى الإمام أحمد من حديث عائشة قالت توفي رسول الله يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء وتفرد به وعن عروة توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول وعن الأوزاعي توفي يوم الإثنين قبل أن ينشب النهار وفي حديث أبي يعلى بإسناده عن أنس أنه توفي آخر يوم الإثنين وروى البيهقي بإسناده عن سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي قال مرض النبي لإثنين وعشرين ليلة من صفر وبدىء وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود وكان أول يوم مرض يوم السبت وكانت وفاته يوم الإثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة وقال الواقدي حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال اشتكى رسول الله يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة فاجتمعت عنده نساؤه كلهن فاشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة وقال الواقدي قالوا بديء برسول الله يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من سفر وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول وبه جزم محمد بن سعد كاتبه وزاد ودفن يوم الأربعاء وعن الواقدي من حديث أم سلمة أنه بدىء به في بيت ميمونة وقال ابن إسحاق توفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا وعن يعقوب بن سفيان عن ابن بكير عن الليث أنه قال توفي رسول الله يوم الإثنين لليلة خلت من ربيع الأول وقال سعد بن إبراهيم الزهري توفي يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقال أبو نعيم الفضل بن دكين توفي يوم الإثنين مستهل ربيع الأول وروى سيف بن عمر بإسناده عن ابن عباس قال لما قضى رسول الله حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة وأقام بها ذا الحجة ومحرم وصفر ومات يوم الإثنين لثاني عشر خلون من ربيع الأول من سنة إحدى عشرة وقال السهيلي في ( الروض ) لا يتصور وقوع وفاته يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة وذلك لأنه وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة وكان أول ذي الحجة يوم الخميس فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها ناقص لا يتصور أن يكون يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول وأجيب باختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخمس وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة
وقول الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( الزمر 31 )
وقول الله تعالى بالجر عطف على قوله مرض النبي والتقدير وفي بيان قول الله تعالى إنك ميت إلى آخره وجه ذكر هذه الآية جزءا من الترجمة لأجل صحة الجزء الثاني من الترجمة التي هي قوله باب مرض النبي ووفاته حتى لا ينكر إطلاق الموت على النبي وكيف ينكر وقد خاطب الله تعالى نبيه بقوله إنك ميت وإنهم ميتون فأخبر الله تعالى بأن الموت يعمهم وكان مشركو قريش يتربصون برسول الله موته فأخبر الله تعالى أن لا معنى للتربص وأنزل إنك ميت وإنهم ميتون وقال قتادة نعيت إلى رسول الله نفسه ونعيت إليكم أنفسكم قوله ثم إنكم أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائب يوم القيامة عند ربكم تختصمون فتحتج عليهم بأنك بلغت ويعتذرون بمالا طائل تحته يقول الأتباع أطعنا سادتنا وكبراءنا وتقول السادات أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون
4428 - وقال ( يونس ) عن ( الزهري ) قال ( عروة ) قالت ( عائشة ) رضي الله عنها كان النبي يقول ( في مرضه ) الذي ( مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام ) الذي ( أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذالك السم )

(18/60)


مطابقته للترجمة ظاهرة ويونس هو ابن يزيد الأيلي والزهري هو محمد بن مسلم وعروة هو ابن الزبير بن العوام
وهذا معلق وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد
وقوله ما أزل أجد ألم الطعام أي أحس الألم في جوفي بسبب الطعام وقال الداودي المراد أنه نقص من لذة ذوقه وقال ابن التين هذا ليس بشيء لأن نقص الذوق ليس بألم قوله فهذا أوان مبتدأ وخبر وقيل أوان بالفتح على الظرفية وبنيت على الفتح لإضافتها إلى مبنى وهو الماضي لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد قوله أبهري بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الهاء وهو عرق مستبطن القلب قيل وهو النياط الذي علق به القلب فإذا انقطع مات وقيل هما أبهران يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرايين وقيل هو عرق في الصلب متصل بالقلب قوله من ذلك السم بفتح السين وضمها الذي سمته تلك المرأة في غزوة خيبر واسمها زينب بنت الحارث وقيل أخت مرحب من شجعان أهل خيبر وقد مر بيانه في الباب الذي ذكرت في غزوة خيبر حكاية الشاة المسمومة
4429 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله عنهما عن أم ( الفضل بنت الحارث ) قالت سمعت النبي يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله
مطابقته للترجمة في قوله حتى قبضه الله وهؤلاء الرواة قد تكرر ذكرهم وأم الفضل هي والدة ابن عباس وهي بنت الحارث ابن حزن الهلالية أخت ميمونة زوج النبي واسمها لبابة يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة وكان النبي يزورها ويقيل عندها وروت عنه أحاديث كثيرة والحديث قد مر في الصلاة في باب القراءة في المغرب
421 - ( حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني ابن عباس فقال له عبد الرحمن بن عوف إن لنا أبناء مثله فقال إنه من حيث تعلم فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية إذا جاء نصر الله والفتح فقال أجل رسول الله أعلمه إياه فقال ما أعلم منها إلا ما تعلم )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقال أجل رسول الله وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس الواسطي والحديث قد مر في غزوة الفتح في باب مجرد عن الترجمة بأتم منه وأطول قوله يدني ابن عباس أي يقربه من نفسه وقوله ابن عباس من إقامة الظاهر مقام المضمر ومقتضى الكلام أن يقال يدنيه على ما لا يخفى
422 - ( حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها )
مطابقته للترجمة في قوله اشتد برسول الله وجعه وسفيان بن عيينة وفي بعض النسخ هكذا

(18/61)


والحديث مضى في كتاب العلم في باب كتابة العلم من غير هذا الوجه ومضى أيضا في الجهاد في باب جوائز الوفد فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن ابن عيينة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء قوله يوم الخميس مرفوع على أنه خبر للمبتدأ المحذوف أي هذا يوم الخميس ويجوز العكس قوله وما يوم الخميس مثل هذا يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة والتعجب منه وزاد في الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى قوله اشتد برسول الله وجعه زاد في الجهاد يوم الخميس فهذا يدل على تقدم مرضه عليه قوله ائتوني أي بكتاب وكذا هو في كتاب العلم قوله ولا ينبغي عند نبي قيل هذا مدرج من قول ابن عباس والصواب أنه من الحديث المرفوع ويؤيده ما في كتاب العلم ولا ينبغي عندي التنازع قوله أهجر بهمزة الاستفهام الإنكاري عند جميع رواة البخاري وفي رواية الجهاد هجر بدون الهمزة وفي رواية الكشميهني هناك هجر هجر رسول الله بتكرار لفظ هجر وقال عياض معنى هجر أفحش ويقال هجر الرجل إذا هذى وأهجر إذا أفحش قلت نسبة مثل هذا إلى النبي لا يجوز لأن وقوع مثل هذا الفعل عنه مستحيل لأنه معصوم في كل حالة في صحته ومرضه لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ولقوله إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا وقد تكلموا في هذا الموضع كثيرا وأكثره لا يجدي والذي ينبغي أن يقال إن الذين قالوا ما شأنه أهجر أو هجر بالهمزة وبدونها هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام ولم يكونوا عالمين بأن هذا القول لا يليق أن يقال في حقه لأنهم ظنوا أنه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية إذا اشتد الوجع على واحد منهم تكلم من غير تحر في كلامه ولهذا قالوا استفهموه لأنهم لم يفهموا مراده ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتى أنكر عليهم النبي بقوله ولا ينبغي عند نبي التنازع وفي الرواية الماضية ولا ينبغي عندي تنازع ومن جملة تنازعهم ردهم عليه وهو معنى قوله فذهبوا يردون عليه ويروى يردون عنه أي عما قاله فلهذا قال دعوني أي اتركوني والذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله عز و جل فإنه أفضل من الذي تدعونني إليه من ترك الكتابة ولهذا قال ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب وقال ابن التين قوله فذهبوا يردوا عليه كذا في الأصول يعني بحذف النون ثم قال وصوابه يردون يعني بنون الجمع لعدم الجازم والناصب ولكن ترك النون بدونهما لغة بعض العرب قوله وأوصاهم أي في تلك الحالة بثلاث أي بثلاث خصال ( الأولى ) قوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وهي من العدن إلى العراق طولا ومن جدة إلى الشام عرضا قوله وأجيزوا هي ( الثانية ) من الثلاث المذكورة وهو بالجيم والزاي معناه أعطوا الجائزة وهي العطية ويقال أن أصل هذا أن ناسا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجها فسميت عطية من يفد على الكبير جائزة ويستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على مدحه ونحو ذلك قوله بنحو ما كنت أجيزهم أي بمثله وكانت جائزة الواحد على عهد النبي أوقية من فضة وهي أربعون درهما والضمير المنصوب في أجيزهم يعود إلى الوفد المذكور تقديرا وهو مفعول قوله أجيزوا أي أجيزوا الوفد وقد حذف لدلالة أجيزوا عليه من حيث اللفظ والمعنى قوله وسكت عن الثالثة أي عن الخصلة الثالثة قيل القائل ذلك هو سعيد بن جبير وقد صرح الإسمعيلي في روايته بأنه هو سفيان بن عيينة وفي مسند الحميدي من طريقه وروى أبو نعيم في المستخرج قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها وهذا هو الأظهر الأقرب واختلفوا في الثالثة ما هي فقال الداودي الوصية بالقرآن وبه قال ابن التين وقال المهلب تجهيز جيش أسامة وبه قال ابن بطال ورجحه وقال عياض هي قوله لا تتخذوا قبري وثنا يعبد فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود وقيل يحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله الصلاة وما ملكت أيمانكم قوله أو قال فنسيتها شك من الراوي

(18/62)


4432 - دثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما حضر رسول الله وفي البيت رجال فقال النبي هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال بعضهم إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذالك فلما أكثروا اللغو والإختلاف قال رسول الله قوموا قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذالك الكتاب لاختلافهم ولغطهم
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور
قوله لما حضر بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة على صيغة المجهول يقال حضر فلان واحتضر إذا دنا موته وقال ابن الأثير وروي بالخاء المعجمة وقيل هو تصحيف قوله وفي البيت رجال أي والحال أن في بيت النبي رجال من الصحابة ولم يرد أهل بيت النبي قوله لا تضلوا ويروى لا تضلون بنون الجمع على اختلاف كلمة لا فإن كانت لا الناهية فتترك النون وإن كانت لا للنفي فبالنون قوله قوموا أي قوموا عني وهكذا هو في رواية ابن سعد قوله إن الرزية بفتح الراء وكسر الزاي وتشديد الياء المصيبة قوله ولغطهم اللغط بفتح الغين المعجمة وبالطاء المهملة الصوت والصياح
424 - ( حدثنا يسرة بن صفوان بن جميل اللخمي حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت دعا النبي فاطمة عليها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت فسألناه عن ذلك فقالت سارني النبي أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت )
مطابقته للترجمة في قوله في شكواه الذي قبض فيه ويسرة بالياء آخر الحروف والسين المهملة والراء المفتوحات ابن صفوان بن جميل بفتح الجيم اللخمي بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة نسبة إلى لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث سمي لخما لأنه لخم أي لطم من اللخمة وهي اللطمة وقال ابن السمعاني لخم وجذام قبيلتان من اليمن ينسب إلى لخم خلق كثير وهو من أفراده مات سنة خمس عشرة أو ست عشرة ومائتين وقد مر في غزوة أحد وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث مضى في علامات النبوة عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم الخ قوله في شكواه أي في مرضه وكذلك الشكوى والشكاة والشكاية بمعنى المرض قوله فسارها من المساررة قوله فسألنا عن ذلك ويروي فسألناها عن ذلك أي سألنا فاطمة عن ذلك يعني عن البكاء أولا وعن الضحك ثانيا وفي رواية يحيى بن قزعة قالت عائشة فسألتها عن ذلك واختلف فيما سارها به ثانيا فضحكت ففي رواية عروة إخباره إياها بأنها أول أهله لحوقا به وفي رواية مسروق إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة وروى الطبراني من حديث عائشة أنه قال لفاطمة أن جبرائيل عليه السلام أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم ذرية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا قوله فقالت سارني الخ جواب فاطمة عن سؤال عائشة عن ذلك ولكنها ما أخبرت بذلك إلا بعد وفاة النبي

(18/63)


وفي حديث مسروق فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله حتى توفي النبي فسألتها فقالت الحديث قوله أول أهله ويروى أهل بيته قوله يتبعه حال وقد وقع مثل ما قال فإنها كانت أول من ماتت من أهل بيت النبي بعده حتى من أزواجه -
4435 - ح ( دثني محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سعد ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول مع الذين أنعم الله عليهم الآية فظننت أنه خير
مطابقته للترجمة في قوله في مرضه الذي مات فيه وغندر لقب محمد بن جعفر وسعد هو ابن إبراهيم المذكور آنفا في الحديث السابق يروي عن عروة بن الزبير
والحديث أخرجه أيضا في التفسير عن محمد بن عبد الله بن حوشب
قوله حتى يخير بضم الياء على صيغة المجهول ولم تبين عائشة فيه من الذي كانت تسمع منه أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة وبنيت ذلك في الحديث الذي يليه على ما يأتي قوله بحة بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء المهملة وهي شيء يعترض في مجاري النفس فيتغير به الصوت فيغلظ يقال بححت بالكسر بحا ورجل أبح إذا كان ذلك فيه خلقة وقيل يقال رجل بح وابح ولا يقال باح وامرأة بحاء قوله فظننت أنه خير على صيغة المجهول أي خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة وروى أحمد من حديت أبي مويهبة قال قال لي رسول الله إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاى ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل
426 - ( حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة قالت لما مرض النبي المرض الذي مات فيه جعل يقول في الرفيق الأعلى )
هذا طريق آخر في حديث عائشة عن مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري قوله في الرفيق الأعلى قال الجوهري الرفيق الأعلى الجنة وكذا روي عن ابن إسحاق وقيل الرفيق اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه والمراد به الأنبياء عليهم السلام ومن ذكر في الآية وقال الخطابي الرفيق الأعلى هو الصاحب المرافق وهو ههنا بمعنى الرفقاء يعني الملائكة وقال الكرماني الظاهر أنه معهود من قوله تعالى وحسن أولئك رفيقا أي أدخلني في جملة أهل الجنة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحديث المتقدم يشهد بذلك وقيل المراد بالرفيق الأعلى الله سبحانه وتعالى لأنه رفيق بعباده وغلط الأزهري قائل ذلك وقيل أراد رفق الرفيق وقيل أراد مرتفق الجنة وقال الداودي هو اسم لكل ما سما وقال الأعلى لأن الجنة فوق ذلك وفي التلويح والمفسرون ينكرون قوله ويقولون إنه صحف الرقيع بالقاف والرقيع من أسماء السماء ورد على هذا بما روي من الأحاديث التي فيها الرفيق منها حديث رواه أحمد من رواية المطلب عن عائشة مع الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم إلى قوله رفيقا ومنها حديث رواه النسائي من رواية أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه وفيه فقال أسأل الله الرفيق الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل ومنها رواية الزهري في الرفيق الأعلى ورواية عباد عن عائشة اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى وفي رواية عن ذكوان عن عائشة فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ورواية ابن أبي مليكة عن عائشة وقال في الرفيق الأعلى وعن الواقدي إن أول كلمة تكلم بها وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها كما في حديث عائشة في الرفيق الأعلى وروى الحاكم من حديث أنس أن آخر ما تكلم به جلال ربي الرفيع
427 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال عروة بن الزبير إن عائشة قالت

(18/64)


كان رسول الله وهو صحيح يقول إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخير فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال اللهم في الرفيق الأعلى فقلت إذا لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح )
هذا حديث آخر عن عائشة بوجه آخر عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة إلى آخره قوله ثم يحيا أو يخير شك من الراوي ويحيا بضم الياء آخر الحروف وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء الأخيرة أي ثم يسلم إليه الأمر أو يملك في أمره أو يسلم عليه تسليم الوداع قوله شخص بصره بفتح الخاء المعجمة أي ارتفع ويقال شخص بصره إذا فتح عينه وجعل لا يطرف قوله إذا لا يجاورنا من المجاورة وروي إذا لا يختارنا من الاختيار وفي التوضيح إذا لا يجاورنا بفتح الراء لاعتماد الفعل على إذا وإن اعتمد على ما قبلها سقط عملها كما في قولك أنا إذا أزورك فيرفع لاعتماد الفعل على أنا -
4438 - حدثنا ( محمد ) حدثنا ( عفان ) عن ( صخر بن جويرية ) عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها دخل عبد الرحمان بن أبي بكر على النبي بن وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمان سواك رطب يستن فأبده رسول الله بصره فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي فاستن به فما رأيت رسول الله استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى وكانت تقول مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي
مطابقته للترجمة في قوله ثم قضى وكانت تقول مات ومحمد شيخ البخاري مبهم لكن الكرماني قال قوله محمد هو ابن يحيى الذهلي وفي ( كتاب رجال الصحيحين ) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري روى عنه البخاري في غير موضع في قريب من ثلاثين موضعا ولم يقل حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا ويقول حدثنا محمد ولا يزيد عليه ويقول محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده ويقول محمد بن خالد فينسبه إلى جد أبيه والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه مات بعد البخاري بيسير سنة سبع وخمسين ومائتين وعفان بفتح العين المهملة وتشديد الفاء ابن مسلم الصفار وصخر بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة ابن جويرية مصغر الجارية بالجيم النميري يعد في البصريين و ( عبد الرحمن بن القاسم ) يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
قوله يستن به أي يستاك وقال الخطابي أصله من السن ومنه المسن الذي يسن عليه الحديد قوله فأبده بالباء الموحدة المفتوحة وتشديد الدال أي مد نظره إليه يقال أبددت فلانا النظر إذا طولته إليه وفي رواية الكشميهني فأمده بالميم موضع الباء قوله فقضمته بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة أي مضغته والقضم الأخذ بأطراف الأسنان يقال قضمت الدابة بكسر الضاد شعيرها تقضمه بالفتح إذا مضغته وحكى عياض أن الأكثر رواه بالصاد المهملة أي كسرته وقطعته والقصامة من السواك ما يكسر منه وحكى ابن التين رواية بالفاء والصاد المهملة وقيل إذا كان بالضاد المعجمة فيكون قولها فطيبته تكرارا وإن كان بالمهملة فلا لأنه يصير المعنى كسرته لطوله أو لأنه آلة المكان الذي تسوك به عبد الرحمن ثم لينته ثم طيبته أي بالماء ويحتمل أني كون قوله طيبته تأكيدا لقوله لينته قوله ونفضته بالفاء والضاد المعجمة قوله فما عدا أن فرغ أي ما عدا الفراغ من السواك قوله رفع يده أو

(18/65)


إصبعه شك من الراوي قوله حاقنتي بالحاء المهملة وكسر القاف وهي النقرة بين الترقوة وحبل العاتق وقيل المطمئن من الترقوة والحلق وقيل ما دون الترقوة من الصدر وقيل هو تحت السرة وقال ابن فارس ما سفل من البطن قوله وذاقنتي بالذال المعجمة وبالقاف وهي طرف الحلقوم وقيل ما يناله الذقن من الصدر وقال أبو عبيدة والذاقنة جمع ذقن وهو مجمع أطراف اللحيين والحاصل أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها فإن قلت تعالى يعارضه ما رواه الحاكم وابن سعد من طريقه أن النبي مات ورأسه في حجر علي رضي الله عنه قلت لا يعارضه ولا يدانيه لأن في كل طريق من طرقه شيعي فلا يلتفت إليهم ولئن سلمنا فنقول إنه يحتمل أن يكون على آخرهم عهدا به وأنه لم يفارقه إلى أن مات فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض
4439 - ح ( دثني حبان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي عنه
مطابقته للترجمة في قوله وجعه الذي مات فيه وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله هو ابن المبارك
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن عبد العزيز بن عبد الله وأخرجه مسلم فيه أيضا عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى
قوله إذا اشتكى أي إذا مرض قوله نفث أي تفل بغير ريق أو مع ريق خفيف قوله بالمعوذات أي بسورة قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وجمع باعتبار أن أقل الجمع إثنان أو أرادهما مع سورة الإخلاص فهو من باب التغليب وقيل المراد بها الكلمات المعوذة بالله من الشيطان والأمراض والآفات ونحوها قوله طفقت قد ذكرنا غير مرة أنه من أفعال المقاربة بمعنى أخذت أو شرعت ويروى فطفقت بالفاء في أوله قوله أنفث جملة حالية قوله وأمسح بيد النبي عنه وفي رواية معمر وأمسح بيد نفسه لبركتها وهذا الحديث وقع في بعض النسخ رابعا بعد قوله وقال يونس
4440 - حدثنا ( معلى بن أسد ) حدثنا ( عبد العزيز بن مختار ) حدثنا ( هشام بن عروة ) عن ( عباد بن عبد الله بن الزبير ) أن ( عائشة ) أخبرته أنها سمعت النبي وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلي ظهره يقول اللهم أغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله قبل أن يموت وعباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن عبد الله بن أبي شيبة وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن قتيبة وغيره وأخرجه الترمذي في الدعوات عن هارون بن إسحاق وأخرجه النسائي في الوفاة في اليوم والليلة عن إسحاق بن إبراهيم
قوله وأصغت إليه من الإصغاء يقال أصغيت إليه إذا أملت سمعك نحوه قوله بالرفيق قد مر تفسيره ويروى بالرفيق الأعلى
4441 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( هلال الوزان ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت قال النبي في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة لولا ذالك لأبرز قبره خشي أن يتخذ مسجدا

(18/66)


مطابقته للترجمة في قوله في مرضه الذي لم يقم منه وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري والحديث مر في كتاب الجنائز في باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور فإنه أخرجه هناك عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن هلال إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قوله خشي أي قالت عائشة خشي رسول الله أن يتخذ قبره مسجدا
4442 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ) أن ( عائشة ) زوج النبي قالت لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة قال قلت لا قال ابن عباس هو علي وكانت عائشة زوج النبي تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن قالت ثم خرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم
وأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عاشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا أخبرني عبيد الله أن عائشة رضي الله عنها قالت لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر رواه ابن عمر وأبو موسى وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله واشتد به وجعه والحديث مضى في الطهارة في باب الوضوء والغسل في المخضب والقدح فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عبيد الله إلى قوله أن قد فعلتن وفي الهبة في باب هبة الرجل لامرأته مضى من قوله قالت عائشة لما ثقل النبي إلى قوله قال هو علي بن أبي طالب وفي الخمس في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي مضى من قوله لما ثقل النبي استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له ذكر هذا المقدار وقد مضى الكلام فيه في هذه الأبواب ولنذكر ما لم يذكر فيها قوله لما ثقل أي في وجعه قوله أن يمرض على صيغة المجهول من التمريض وهو تعاهد المريض والنظر في حاله والقيام بخدمته قوله فأذن بتشديد النون فعل جماعة النساء من الماضي من الإذن قوله هو علي أي ابن أبي طالب الذي لم تسمه عائشة قال الكرماني فإن قلت لم قالت رجل آخر وما سمعته قلت لأن العباس كان دائما يلازم أحد جانبيه وأما الجانب الآخر فتارة كان علي فيه وتارة أسامة فلعدم ملازمته لذلك لم تذكره لا لعداوة ولا لنحوها حاشاها من ذلك انتهى قلت فيه نظر لأن عليا كان ألزم لرسول الله

(18/67)


في كل حاله من غيره قوله وكانت عائشة تحدث هو موصول بالإسناد المذكور قوله هريقوا أي أريقوا من الإراقة والهاء مبدلة من الهمزة ويروى أهريقوا بالهمزة في أوله أي صبوا قوله أوكيتهن جمع وكاء بكسر الواو وهو رباط القربة قوله مخضب بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين وفي آخره باء موحدة وهي الاجانة قوله طفقنا من أفعال المقاربة وقد ذكرناه عن قريب قوله أن قد فعلتن أن هذه مفسرة نحو وأوحينا إليه أن اصنع الفلك ويحتمل المصدرية قوله لعلي أعهد أي أوصي قوله فصلى لهم ويروى فصلى بهم قوله وأخبرني عبيد الله هو مقول الزهري وهو موصول أيضا قوله لما نزل برسول الله على صيغة المجهول أي لما نزل المرض به قوله خميصة بفتح الخاء المعجمة وهي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة والجمع خمائص قوله فإذا اغتم يقال اغتم إذا كان يأخذه النفس من شدة الحر قوله يحذر على صيغة المعلوم أي يحذر النبي وهي جملة حالية قوله أخبرني عبيد الله أي قال الزهري أخبرني عبيد الله المذكور في الإسناد قوله في ذلك أي في أمره أبا بكر بإمامة الصلاة قوله بعده أي بعد النبي قوله مقامه أي مقام النبي قوله ولا كنت عطف على قوله إلا أنه لم يقع قوله أرى أي أظن وحاصل المعنى وما حملني عليه إلا ظني بعدم محبة الناس للقائم مقامه وظني بتشاؤمهم منه قوله رواه ابن عمر أي روى الذي يتعلق بصلاة أبي بكر عبد الله بن عمر ووصل هذا البخاري في أبواب الإمامة في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة رواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله عن أبيه وهو عبد الله بن عمر قال لما اشتد برسول الله وجعه قيل له في الصلاة قال مروا أبا بكر إلى آخره قوله وأبو موسى أي رواه أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ووصله البخاري في هذا الباب رواه عن إسحاق بن نصر عن حسين عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال مرض النبي الحديث إلى آخره ووصله أيضا في أحاديث الأنبياء في ترجمة يوسف عليه الصلاة و السلام رواه عن الربيع بن يحيى عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه الحديث قوله وابن عباس أي رواه عبد الله بن عباس ورواه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به مع حديث عائشة عن أحمد بن يونس عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة الحديث بطوله -
4446 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( ابن الهاد ) عن ( عبد الرحمان ابن القاسم ) عن أبيه عن ( عائشة ) قالت مات النبي وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي
مطابقته للترجمة في قوله مات النبي وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن الهاد مات سنة تسع وثلاثين ومائة
قوله وإنه أي والحال أن النبي وقد مر تفسير الحاقنة والذاقنة عن قريب قوله فلا أكره شدة الموت قد بنيت عائشة في حديثها الآخر كماس يأتي شدة الموت بقولها وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهها وجهه يقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات وروى أحمد والترمذي من طريق القاسم عن عائشة رأيته وعنده قدح فيه ماء وهو يموت فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت
4447 - ح ( دثني إسحاق ) أخبرنا ( بشر بن شعيب بن أبي حمزة ) قال حدثني أبي عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبدالله بن كعب بن مالك الأنصاري وكان كعب بن مالك ) أحد الثلاثة الذين تيب

(18/68)


عليهم أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن ( علي بن أبي طالب ) رضي الله عنه خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني لارى رسول الله سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت أذهب بنا إلى رسول الله فلنسأله فيمن هاذا الأمر إن كان فينا علمنا ذالك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصي بنا فقال علي إنا والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله في وجعه الذي توفي فيه وإسحاق هو ابن راهويه قاله أبو نعيم وقال الغساني قال ابن السكن هو إسحاق بن منصور وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة أبو شعيب بن أبي حمزة الحمصي يروي عن أبيه شعيب عن محمد بن مسلم الزهري
وفي هذا الإسناد يروي تابعي عن تابعي وهما الزهري وعبد الله بن كعب ويروي صحابي عن صحابي وهما كعب بن مالك وابن عباس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان
قوله أخبرني عبد الله بن كعب قال الدمياطي في سماع عبد الله بن كعب من عبد الله بن عباس نظر ورد عليه بأن الإسناد صحيح وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت لم ينفرد به شعيب وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق صالح عن ابن شهاب فصرح أيضا به قوله وكان كعب أحد الثلاثة وهم الذين قال الله تعالى فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة 118 ) وهم كعب هذا وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقد مر فيما مضى قوله فقال الناس يا أبا الحسن هو كنية علي بن أبي طالب قوله بارئا إسم فاعل من برأ بالهمزة بمعنى أفاق من المرض قوله بعد ثلاث عبد العصا هو كناية عن أن يصير تابعا لغيره والمعنى أن النبي يموت بعد ثلاثة أيام وتصير أنت مأمورا عليك بلا عز ولا حرمة بين الناس هذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه قوله لأرى بفتح الهمزة بمعنى اعتقد وبضمها بمعنى أظن قوله سوف يتوفى أي رسول الله وهذا قاله عباس مستندا إلى التجربة لأنه جرب ذلك في وجوه الذين ماتوا من بني عبد المطلب قوله فيمن هذا الأمر أي الخلافة قوله فأوصى بنا وفي مرسل الشعبي وإلا وصى بنا فحفظنا من بعده وله من طريق أخرى فقال علي رضي الله عنه وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا قال أظن والله سيكون قوله فمنعناها بفتح النون جملة من الفعل والفاعل والمفعول قوله فلا يعطيناها الناس بعده أي بعد النبي وكذا كان لأنهم احتجوا بمنع رسول الله إياهم قوله لا أسألها أي الخلافة أي لا أطلبها منه وزاد ابن سعد في ( مرسل الشعبي ) في آخره فلما قبض النبي قال العباس لعلي إبسط يدك أبايعك الناس ولم يفعل
4448 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثني ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله يريد أن يخرج إلى الصلاة فقال أنس وهم المسلمون

(18/69)


أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله فأشار إليهم بيده رسول الله أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر
مطابقته للترجمة تؤخذ من تتمة هذا الحديث من رواية أبي اليمان عن شعيب وتوفي من يومه ذلك والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أنس بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
قوله بينماهم ويروى بيناهم بدون الميم وقد مر الكلام فيه غير مرة قوله يفجؤهم جواب بينما قوله فنكص أي تأخر إلى ورائه قوله وهم المسلمون أي قصدوا إبطال الصلاة بإظهار السرور قولا أو فعلا قوله وأرخى الستر أي الستارة وزاد أبو اليمان عن شعيب وتوفي من يومه ذلك كما ذكرنا أنه مطابق للترجمة
4449 - ح ( دثني محمد بن عبيد ) حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عمر بن سعيد ) قال أخبرني ( ابن أبي مليكة ) أن ( أبا عمرو وذكوان ) مولى ( عائشة ) أخبره أن ( عائشة ) كانت تقول إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمان وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته وبين يديه ركوة أو علبة يشك عمر فيها فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول لا إلاه إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبيد الله بضم العين مصغر العبد ابن ميمون وهو المشهور بمحمد بن عباد وقد مر في الصلاة وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي وعمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي القرشي المكي يروي عن عبد الله بن أبي مليكة وذكوان بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف وبالواو والنون دبرته عائشة وكان من أفصح القراء مات في زمن الحرة
قوله إن من نعم الله بكسر النون وفتح العين جمع نعمة قوله علي بتشديد الياء قوله سحري بفتح السين وسكون الحاء المهملتين ويحكى ضم السين الرئة والنحر موضع القلادة من الصدر وقال الداودي السحر ما بين الثديين قوله ركوة أو علبة شك من الراوي والعلبة بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة المحلب من الجلد قوله يشك عمر هو عمر بن سعيد الراوي قوله فجعل يدخل بضم الياء من الإدخال قوله سكرات جمع سكرة وهي الشدة
4450 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( سليمان بن بلال ) حدثنا ( هشام بن عروة ) أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن رسول الله كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي ثم قالت دخل عبد الرحمان بن أبي بكر

(18/70)


ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله فقلت له أعطني هاذا السواك يا عبد الرحمان فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله فاستن به وهو مستند إلى صدري
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس المدني وهذا طريق آخر بوجه آخر في حديث عائشة
قوله فأذن بتشديد النون بصيغة الجمع المؤنث من الماضي وقوله أزواجه فاعله وهو من قبيل أكلوني البراغيث قوله وخالط ريقه ريقي أي بسبب السواك قوله وهو مسند إلى صدري وفي الرواية الماضية وأنا مسندة رسول الله وفي رواية ابن سعد من حديث جابر عن علي رضي الله عنه قبض رسول الله وإنه لمستند إلى صدري وعن الشعبي عن علي بن حسين قبض رسول الله ورأسه في حجر علي وعن ابن عباس والله لتوفي رسول الله وإنه لمستند إلى صدر علي رضي الله عنه وهو الذي غسله وأخي الفضل وأبى أبي أن يحضر فقال إنه كان يستحي أن أراه حاسرا وفي ( الإكليل ) للحاكم بإسناده إلى علي رضي الله عنه قال أسندت رسول الله إلى صدري فسالت نفسه ومن حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله كان علي آخرهم عهدا به جعل يساره وفوه على فيه ثم قبض وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله لما حضره الموت أدعو لي حبيبي فقلت أدعوا علي بن أبي طالب فوالله مايريد ريد غيره فلما رآه نزع الثوب الذي كان عليه وأدخله فيه ولم يزل يحضنه حتى قبض ويده عليه
4451 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت توفي النبي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى ومر عبد الرحمان بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه النبي فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ما كان مستنا ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة
هذا طريق آخر بوجه آخر وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة هو عبد الله وقد مر غير مرة
قوله وفي يومي أي في نوبتي بحسب الدور المعهود قوله مستنا هو صيغة يستوي فيه إسم الفاعل واسم المفعول وعند فك الإدغام يفرق بينهما لأن في الفاعل تكون النون الأولى مكسورة وفي المفعول مفتوحة قوله في آخر يوم أي من أيام النبي
4453 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( أبو سلمة ) أن ( عائشة أخبرته ) أن ( أبا بكر ) رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي أنت وأمي والله

(18/71)


لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متهاقال الزهري وحدثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر فقال أبو بكر أما بعد من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله الشاكرين ( آل عمران 144 ) وقال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هاذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها فأخبرني سهيد بن المسيب أن عمر قال والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي قد مات
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه والحديث في كتاب الجنائز في باب الدخول على الميت ومر الكلام فيه هناك
قوله بالسنح بضم السين المهملة وسكون النون وبضمها أيضا وبالحاء المهملة وهو موضع في عوالي المدينة كان للصديق مسكن ثمة ويقال هو من منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة وقيل كان مسكن زوجته قوله فتيمم قصد قوله وهو مغشى أي مغطى بثوب حبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وهو ثوب يماني ويقال ثوب حبرة بالإضافة وبالصفة قوله موتتين إنما قال ذلك أبو بكر حين قال عمر حين مات النبي إن الله سيبعث نبيه فيقطع أيدي رجال قالوا إنه مات ثم يموت آخر الزمان فأراد أبو بكر رد كلامه أي لا يكون ذلك في الدنيا إلا موتة واحدة وقال الداودي أي لا يموت في قبره موتة أخرى كما قيل في الكافر والمنافق بعد أن ترد إليه روحه ثم تقبض وقيل لا يجمع الله عليك كرب هذا الموت قد عصمك من عذابه ومن أهوال يوم القيامة وقيل أراد بالموتة الأخرى موت الشريعة أي لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك
قوله قال الزهري وحدثني أبو سلمة وفي بعض النسخ قال وحدثني بدون ذكر الزهري قوله وعمر يكلم الناس أي يقول لهم ما مات رسول الله وعن أحمد بإسناده عن عائشة فقال عمر لا يموت رسول الله حتى ينفي المنافقين قوله فأخبرني سعيد بن المسيب من كلام الزهري أي قال الزهري فأخبرني سعيد بن المسيب وقال الخطابي ما أدري من يقول ذلك أبو سلمة والزهري قيل صرح عبد الرزاق عن معمر بأنه الزهري قوله فعقرت بضم العين وكسر القاف أي هلكت ويروى بفتح العين أي دهشت وتحيرت وقيل سقطت ورواه يعقوب بن السكيت بالفاء من العفر وهو التراب وفي رواية الكشميهني فقعرت بتقديم القاف على العين قيل هو خطأ والصواب الأول قوله ما تقلني بضم أوله وكسر القاف وتشديد اللام أي ما تحملني ومنه قوله تعالى حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ( الأعراف 57 ) قوله أهويت وفي رواية الكشميهني هويت قال بعضهم هويت بفتح أوله وكسر الواو أي سقطت قلت ليس كذلك بل هو بفتح الهاء والواو معا لأنه من هوى يهوي هويا من باب ضرب يضرب ومنه قوله تعالى والنجم إذا هوى ( النجم 1 ) وأما هوي بكسر الواو يهوي بمعنى أحب فمن باب علم يعلم قوله حين سمعته تلاها أن النبي قد مات هكذا رواية الأكثرين ويروى حين سمعته تلاها علمت أن النبي قد مات قال الكرماني فإن قلت كيف قال تلاها إن النبي قد مات وليس في القرآن ذلك قلت تقديره تلاها رجل أن النبي قد مات ولتقرير ذلك وقال بعضهم قوله أن النبي بدل من الهاء في قوله تلاها أي تلا الآية معناها أن النبي

(18/72)


قد مات وهي قوله إنك ميت وإنهم ميتون ( الزمر 30 ) قلت الذي قاله الكرماني أوضح وأحسن
4457 - ح ( دثني عبد الله بن أبي شيبة ) حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( سفيان ) عن ( موسى بن أبي عائشة ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) عن ( عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ) أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي بعد موته
مطابقته للترجمة في قوله بعد موته ويحيى بن سعيد هو القطان وسفيان هو الثوري والحديث أخرجه البخاري أيضا عن علي بن عبد الله على ما يأتي وأخرجه الترمذي في الشمائل عن بندار وغيره وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن المثنى وفيه وفي الوفاة عن يعقوب الدورقي وأخرجه ابن ماجه في الجنائز عن أحمد بن سنان وغيره وفيه لا بأس بتقبيل الميت
4458 - حدثنا علي حدثنا يحيى وزاد قالت عائشة لددناه في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال ألم أنهكم أن تلدوني قلنا كراهية المريض للدواء فقال لا يبقى أحد في البيت إلا لدو أنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم
مطابقته للترجمة في قوله في مرضه وعلى هو ابن المديني ويحيى هو ابن سعيد القطان
قوله وزاد أي وزاد يحيى أشار بهذا إلى أن علي بن المديني وافق عبدالله بن أبي شيبة في روايته عن يحيى بن سعيد الحديث الذي قبله وزاد عليه قصة اللد قوله لددناه أي جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره فهذا هو اللد والذي يصب في الحلق يسمى الوجور والذي يصب في الأنف يسمى السعوط قوله كراهية المريض قال عياض ضبطناه بالرفع أي هذا منه كراهية المريض وقال أبو البقاء هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا الامتناع كراهية قلت ليس فيه زيادة فائدة لأن ما قاله مثل ما قاله عياض ويجوز النصب على أنه مفعول أي لأجل كراهية المريض ويجوز انتصابه على المصدرية أي كرهه كراهية المريض الدواء قوله وأنا أنظر جملة حالية أي لا يبقى أحد إلا لد في حضوري وحال نظري إليهم قصاصا لفعلهم وعقوبة لهم لتركهم امتثال نهيه عن ذلك أما من باشره فظاهر وأما من لم يباشره فلكونهم تركوا نهيهم عما نهاهم هو عنه قوله فإنه لم يشهدكم أي لم يحضركم حالة اللد وميمونة أم المؤمنين كانت معهم فلدت أيضا وإنها الصائمة لقسم رسول الله قيل قال ابن إسحاق في ( المغازي ) إن العباس هو الآمر باللد وقال والله لألدنه ولما أفاق قال من صنع هذا بي قالوا يا رسول الله عمك وأجيب بأنه يمكن التلفيق بينهما بأن يقال لا منافاة بين الأمر وعدم الحضور وقت اللد
رواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي
أي روى الحديث المذكور عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير ووصل هذا التعليق محمد بن سعد عن محمد بن الصباح عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بهذا السند وكان لفظه كانت تأخذ رسول الله الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه فلما أفاق قال كنتم ترون أن الله يسلط علي ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها علي سلطانا والله لا يبقى أحد في البيت إلا لد ولددنا ميمونة وهي صائمة
4459 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) أخبرنا ( أزهر ) أخبرنا ( ابن عون ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) قال ذكر عند عائشة أن النبي أوصي إلي علي فقالت من قاله لقد رأيت النبي وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانخنث فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي ( انظر الحديث 2741 )

(18/73)


مطابقته للترجمة في قوله فمات وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وأزهر هو ابن سعد السمان البصري وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد النخعي خال إبراهيم والحديث مضى في أول الوصابا فإنه أخرجه هناك عن عمرو بن زرارة عن إسماعيل عن عون الخ ومضى الكلام فيه
قوله ذكر على صيغة المجهول قوله فدعا بالطست يعني ليتفل فيه قوله فانخنث بالخاء المعجمة وفي آخره ثاء مثلثة أي استرخى ومال إلى أحد شقيه من الانخناث وهو الميل والاسترخاء
4460 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( مالك بن مغول ) عن ( طلحة ) قال سألت ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله عنهما آوصى النبي فقال لا فقلت كيف على الناس الوصية أو إمروا بها قال أوصى بكتاب الله ( انظر الحديث 2740 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إنه مطابق للحديث السابق والمطابق للمطابق بشيء مطابق لذلك الشيء وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين ومالك بن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو وفي آخره لام وطلحة هو ابن مصرف بلفظ إسم الفاعل أو المفعول من التصريف
والحديث مضى في الوصايا فإنه أخرجه هناك عن خلاد بن يحيى عن مالك بن مغولالخ
فقال لا يعني ما أوصى فإن قلت كيف نفى هنا الوصية ثم أثبتها بقوله أوصى بكتاب الله قلت قال الكرماني الباء زائدة يعني أوصى كتاب الله أي أمر بذلك وإطلاق لفظ الوصية على سبيل المشاكلة فلا منافاة بينهما أو المنفي الوصية بالمال أو بالإمامة والمثبت الوصية بكتاب الله تعالى قال فإن قلت كيف طابق السؤال الجواب قلت معناه أوصى بما في كتاب للها ومنه الأمر بالوصية
4462 - حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال لما ثقل النبي جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام واكرب أباه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلما دفن وحماد هو ابن زيد وثابت بن أسلم البناني
والحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز عن علي بن محمد الطنافسي
قوله لما ثقل أي لما اشتد به المرض قوله جعل يتغشاه فاعل جعل الثقل الذي يدل عليه لفظ ثقل والضمير المرفوع في يتغشاه يرجع إلى الثقل المقدر والضمير المنصوب يرجع إلى النبي والمراد بالثقل الكرب الذي هو الغم الذي يأخذ بالنفس والشدة ولا يقال إنه نوع من النياحة لأن هذا ندبة

(18/74)


مباحة ليس فيها ما يشبه نوح الجاهلية من الكذب ونحوه قوله واكرب أباه مندوب والألف ألف الندبة والهاء هاء السكت لأجل الوقف قوله ليس على أبيك كرب بعد اليوم يعني لا يصيبه بعد اليوم نصب ولا يجد له كربا إذا ذهبنا إلى دار الكرامة قوله يا أبتاه أصله يا أبي والتاء المثناة من فوق التي فيه مبدلة من ياء أبي والألف للندبة لمد الصوت والهاء للسكت قوله من جنة الفردوس وميم كلمة من مفتوحة وهي موصولة و جنة الفردوس خبره مقدما أي مأواه خبره أي منزله وقيل كلمة من بكسر الميم حرف جر فعلى هذا قوله مأواه مبتدأ ومن جنة الفردوس خبره مقدما أي كائن من جنة الفردوس وقال بعضهم هذا أولى قلت الأول أولى على ما لا يخفي على من يدقق نظره قوله ننعاه مضارع نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا بتشديد الياء إذا ذاع موته وأخبر به وإذا ندبه وقيل الصواب نعاه يعني بصيغة الماضي وقال بعضهم الأول موجه فلا معنى لتغليط الرواة بالظن قلت من نص على أن الرواة رووه بصيغة المضارع فلم لا يجوز أن يكون ذلك من النساخ قوله فلما دفن قالت فاطمة هذا من رواية أنس عن فاطمة حيث قالت أطابت أنفسكم الخ معناه كيف طابت أنفسكم على حثو التراب عليه مع شدة محبتكم له وسكت أنس عن الجواب لها رعاية وتأدبا ولكنه أجاب بلسان الحال قلوبنا لم تطب بذلك ولكنا قهرنا على فعله امتثالا لأمره والله أعلم
85 -
( باب آخر ما تكلم به النبي )
أي هذا باب في بيان آخر ما تكلم به النبي عند طلوع روحه الكريم
4463 - حدثنا ( بشر بن محمد ) حدثنا ( عبد الله ) قال ( يونس ) قال ( الزهري ) أخبرني ( سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم ) أن ( عائشة ) قالت كان النبي يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال أللهم الرفيق الأعلى فقلت إذا لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح قالت فكانت آخر كلمة تكلم بها أللهم الرفيق الأعلى
مطابقته للترجمة في قولها فكانت آخر كلمة إلى آخره وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وعبد الله وابن المبارك
والحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب الرقاق عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم إلى آخره وفي الدعوات عن سعيد ابن عفير وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده
قوله في رجال من أهل العلم أي أخبرني في جملة رجال منهم عروة بن الزبير كما في كتاب الرقاق أو أخبرني في حضور رجال قوله وهو صحيح جملة حالية قوله ثم يخير على صيغة المجهول من التخيير قوله فلما نزل به أي فلما صار المرض نازلا به والرسول منزولا به قوله الرفيق بالنصب أي اختار الرفيق أو أريده وتفسيره قد مر
85 -
( باب وفاة النبي )
أي هذا باب في بيان وفاة النبي في أي السنين وفي بعض النسخ باب وفاة النبي ومتى توفي وابن كم
4464 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ) أن النبي لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا
مطابقته للترجمة تدل بالإلتزام لا بالصريح وذلك أن قوله وبالمدينة عشرا يدل على أنه توفي عند تمام العشر فطابق

(18/75)


الترجمة من هذه الحيثية فلا يدل على وقت معين ويدل على أنه عمر ستين سنية لأن العشر الذي في مكة هو العشر الذي أنزل فيه القرآن ولم ينزل عليه القرآن إلا بعد تمام الأربعين كما دلت عليه الدلائل من الخارج فيكون عمره ستين سنة فإن قلت روى عن عائشة أيضا أنه عمر ثلاثا وستين سنة قلت تحمل رواية الستين على إلغاء الكسر فإن قلت روى مسلم عن ابن عباس أن عمره خمس وستون قلت إما بحمل الزيادة على الإلغاء كما ذكرنا أو يكون على قول من قال إنه بعث وهو ابن ثلاث وأربعين وأكثر ما قيل في عمره خمس وستون والمشهور عند الجمهور ثلاث وستون
وأبو نعيم الفضل بن دكين وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي ويحيى هو ابن أبي كثير صالح وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
4466 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها أن رسول الله توفي وهو ابن ثلاث وستين قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثله
هذه الرواية عن عائشة هي ما عليه الجمهور كما قلنا الآن قوله قال ابن شهاب موصول بالإسناد المذكور قوله مثله أي مثل ما سمع ابن شهاب عن عروة أنه عمر ثلاثا وستين سنة سمع عن سعيد بن المسيب أيضا أنه عمر ثلاثا وستين
87 -
( باب )
أي هذا باب كذا عند جميع الرواة بلا ترجمة وهو كالفصل لما قبله
4467 - حدثنا ( قبصة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت توفي النبي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين يعني صاعا من شعير
وجه ذكر هذا الحديث الذي مضى في الرهن وغيره لأجل ذكر وفاته هنا وللإشارة إلى أن ذلك من آخر أحواله وقبيصة هو ابن عقبة وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد النخعي وهؤلاء كلهم كوفيون
قوله بثلاثين كذا لأكثر الرواة وفي رواية المستملي وحده ثلاثين صاعا من الشعير وفي الترمذي عشرين صاعا بدل ثلاثين
88 -
( باب بعث النبي أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضه الذي توفي فيه )
أي هذا باب في بيان بعث النبي أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي من أبويه وكان تجهيزه أسامة يوم السبت قبل موت النبي بيومين لأنه مات يوم الإثنين وكان بعثه إلى الشام وقال ابن إسحاق لما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدىء برسول الله وجعه فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال أغز باسم الله فقاتل من كفر بالله وسر إلى موضع مقتل أبيك فقد وليتك على هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبنى وهي أرض لسراه ناحية البلقاء فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم وغيرهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة وإن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وأيم الله إن كان خليقا بالإمارة وإن ابنه بعده لخليق للإمارة ثم نزل فدخل

(18/76)


بيته وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة إحدى عشرة قال ابن هشام وإنما طعنوا في أسامة لأنه ابن مولى وكان صغير السن وقيل إنما قال ذلك المنافقون ولما كان يوم الأحد اشتد برسول الله وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي مغمور فطأطأ أسامة رأسه فقبله والنبي لا يتكلم ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الإثنين فأصبح رسول الله مفيقا وأمر أسامة الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أم أيمن قد جاءه يقول إن رسول الله يموت فأقبل أسامة وأقبل معه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله فتوفي حين زاغت الشمس يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا حتى أتى به باب رسول الله فغرزه عنده فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه أمر أسامة أن يمضي إلى وجه وسار عشرين ليلة فشن عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم وكان أسامة على فرس أبيه سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة ثم قسم الغنيمة ثم قصد المدينة وما أصيب من المسلمين أحد وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم وكان أسامة دخل على فرس أبيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم يزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
4468 - ح ( دثني أبو عاصم الضحاك بن مخلد ) عن ( الفضيل بن سليمان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( سالم ) عن أبيه استعمل النبي أسامة فقالوا فيه فقال النبي قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وإنه أحب الناس إلي
مطابقته للترجمة في قوله استعمل النبي أسامة وقد مرت الآن قصته والفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة وسالم هو ابن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه عبد الله بن عمر والحديث أخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن يحيى
قوله فقالوا فيه أي طعنوا في أسامة قوله وإنه أي وإن أسامة أحب الناس إلي ومراده أحب الناس الذين طعنوا فيه إلي
89 -
( باب )
4470 - حدثنا ( أصبغ ) قال أخبرني ( ابن وهب ) قال أخبرني ( عمرو ) عن ( ابن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( الصنابحي ) أنه قال له متى هاجرت قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة

(18/77)


فأقبل راكب فقلت له الخبر فقال دفنا النبي منذ خمس قلت هل سمعت في ليلة القدر شيئا قال نعم أخبرني بلال مؤذن النبي أنه في السبع في العشر الأواخر
مطابقته للترجمة التي هي قوله باب وفاة النبي في قوله دفنا النبي والبابان اللذان بعده متعلقان به وليس لهما حكم الاستبداد فافهم وأصبغ بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وفي آخره غين معجمة وهو ابن الفرج أبو عبد الله المصري سمع عبد الله بن وهب المصري وعمرو بالفتح ابن الحارث وابن أبي حبيب هو يزيد من الزيادة أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد وأبو الخير اسمه مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وفي آخره دال مهملة ابن عبد الله اليزني المصري ويزن بالياء آخر الحروف والزاي والنون بطن من حمير والصنابحي بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وبعد الألف باء موحدة مكسورة وبالحاء المهملة وهو عبد الله ابن عسيلة مصغر العسلة بالمهملتين ابن عسل بن عسال الشامي وأصله من اليمن ونسبته إلى صنابج بن زاهر بن عامر بطن من مراد حل إلى النبي فقبض وهو بالجحفة ثم نزل الشام ومات بدمشق وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
قوله إنه قال أي أن أبا الخير قال للصنابحي متى هاجرت من الهجرة قوله الجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء وهي إحدى مواقيت الحج قوله الخبر أي ما الخبر من المدينة ويجوز فيه النصب على تقدير هات الخبر قوله منذ خمس ليال قوله قلت هل سمعت القائل هو أبو الخير والمقول له الصنابحي قوله في العشر الأواخر من رمضان وليس هو بدلا من السبع بل التقدير السبع الكائن في العشر أو كلمة في بمعنى من وجمع الأواخر باعتبار أيام العشر أو جنس العشر كالدراهم البيض قوله الأواخر صفة للسبع وللعشر كليهما فاكتفى بأحدهما عن الآخر وهو نوع من باب التنازع
90 -
( باب كم غزا النبي )
أي هذا باب يقال فيه كم غزا النبي
4471 - حدثنا ( عبد الله بن رجاء ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) قال سألت زيد بن أرقم رضي الله عنه كم غزوت مع رسول الله قال سبع عشرة قلت كم غزا النبي قال تسع عشرة ( انظر الحديث 3949 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وإسرائيل هذا يروي عن جده أبي إسحاق ومر الحديث في أول المغازي عن عبد الله بن محمد عن وهب ومر الكلام فيه هناك
454 - ( حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق حدثنا البراء رضي الله عنه قال غزوت مع النبي خمس عشرة )
هذا الإسناد بعينه هو الإسناد الذي سبق غير أن أبا إسحاق روى الحديث هناك عن زيد بن أرقم وههنا عن البراء واختلف في عدد غزوات النبي فقال يعقوب بن سفيان بإسناده عن مكحول أن رسول الله غزا ثمان عشرة غزوة وقاتل في ثمان غزوات أولهن ( بدر ) ثم ( أحد ) ثم ( الأحزاب ) ثم ( قريظة ) ثم ( بئر معونة ) ثم ( غزوة بني المصطلق من خزاعة ) ثم ( غزوة خيبر ) ثم ( غزوة مكة ) ثم ( حنين والطائف ) قال ابن كثير قوله أن بئر معونة بعد بني قريظة فيه نظر والصحيح أنها بعد أحد وعن الزهري قال غزا رسول الله أربعا وعشرين غزوة رواه الطبراني وروى عبد بن حميد في مسنده عن جابر قال غزا رسول الله إحدى وعشرين غزوة وقال ابن

(18/78)


إسحاق جميع ما غزا رسول الله بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة وعن قتادة أن مغازي رسول الله وسراياه ثلاث وأربعون أربع وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة وخرج في ثمان منها بنفسه وقال ابن إسحاق بعوثه وسراياه ثمانية وثلاثون وقال صاحب التلويح غزوات النبي وسراياه نيفت على المائة ما بين غزوة وسرية -
4473 - ح ( دثني أحمد بن الحسن ) حدثنا ( أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ) حدثنا ( معتمر بن سليمان ) عن ( كهمس ) عن ( ابن بريدة ) عن أبيه قال غزا مع رسول الله ست عشرة غزوة
أحمد بن الحسن بن الجنيدب بضم الجيم وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة الترمذي أحد حفاظ خراسان وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وهو من أقران البخاري وأفراده وأحمد بن محمد بن حنبل ابن هلال المروزي الشيباني خرج من مر وحملا وولد ببغداد ومات بها وقبر مشهور يزار ويتبرك به وكان إمام الدنيا وقدوة أهل السنة مات سنة إحدى وأربعين ومائتين ولم يخرج البخاري له في هذا الجامع مسندا غير هذا الحديث نعم استشهد به قال في النكاح في باب ما يحل من النساء قال لنا أحمد بن حنبل وقال في اللباس في باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر وزادني أحمد وكهمس بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة إبن الحسن النمر بالنون المصري مر في الصلاة وأبو بريدة بضم الباء الموحدة مصغر البردة واسمه عبد الله يروي عن أبيه بريدة بن حصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الأسلمي الصحابي الكبير
قوله غزا مع رسول الله ستة عشرة غزوة هذا أحد الأحاديث الأربعة التي أخرجها مسلم عن شيوخ أخرج البخاري تلك الأحاديث بعينها عن أولئك الشيوخ بواسطة ووقع من هذا النمط للبخاري أكثر من مائتي حديث
65 -
( كتاب تفسير القرآن )
أي هذا كتاب في بيان تفسير القرآن الكريم وفي رواية أبي ذر هكذا كتاب تفسير القرآن وعند غير أبي ذر البسملة مؤخرة عن الترجمة والتفسير مصدر من فسر من باب التفعيل ومعناه اللغوي البيان يقال فسرت الشيء بالتخفيف وفسرته بالتشديد إذا بينته ومعناه الإصطلاحي التفسير هو التكشيف عن مدلولات نظم القرآن
الرحمان الرحيم اسمان من الرحمة الرحيم والراحم بمعنى واحد كالعليم والعالم
قوله من الرحمة أي مشتقان من الرحمة وهي في اللغة الحنو والعطف وفي حق الله تعالى مجاز عن إنعامه على عباده وعن ابن عباس الرحمن الرحيم إسماه رقيقان أحدهما أرق من الآخر فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق وقيل الرحمن لجميع الخلق والرحيم للمؤمنين وقيل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة وعن ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب وعن المبرد الرحمن عبراني والرحيم عربي قلت في العبراني بالخاء المعجمة قوله الرحيم والراحم بمعنى واحد فيه نظر لأن الرحيم إن كان صيغة مبالغة فيزيد معناه على معنى الراحم وإن كان صفة مشبهة فيدل على الثبوت بخلاف الراحم فإنه يدل على الحدوث وأجيب بأن ما قاله بالنظر إلى أصل المعنى دون الزيادة
1 -
( باب ما جاء في فاتحة الكتاب )
أي هذا باب في بيان ما جاء في فاتحة الكتاب من الفضل أو من التفسير أو أعم من ذلك إعلم أن لسورة الفاتحة ثلاثة عشر إسما الأول فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها في المصاحف والتعليم وقيل لأنها أول سورة نزلت من السماء الثاني أم القرآن على ما يجيء الثالث الكنز والرابع الوافية سميت بها لأنها لا تقبل التنصف في ركعة والخامس سورة الحمد لأنه أولها الحمد والسادس سورة الصلاة والسابع السبع المثاني والثامن الشفاء والشافية وعن أبي سعيد الخدري قال

(18/79)


رسول الله فاتحة الكتاب شفاء من كل سم والتاسع الكافية لأنها تكفي عن غيرها والعاشر الأساس لأنها أول سورة القرآن فهي كالأساس والحادي عشر السؤال لأن فيها سؤال العبد من ربه والثاني عشر الشكر لأنها ثناء على الله تعالى والثالث عشر سورة الدعاء لاشتمالها على قوله اهدنا الصراط
وسميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة
أي وسميت سورة الفاتحة أم الكتاب وذلك بالنظر إلى أن الأم مبدأ الولد وقيل سميت بها لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وقيل لأن فيها ذكر الذات والصفات والأفعال وليس في الوجود سواء وقيل لاشتمالها على ذكر المبدأ والمعاش والمعاد وسميت أم القرآن لأن الأم في اللغة الأصل سميت به لأنها لا تحتمل شيئا مما فيه النسخ والتبديل بل آياتها كلها محكمة فصارت أصلا وقيل سميت أم القرآن لأنها تؤم غيرها كالرجل يؤم غيره فيتقدم عليه
والدين الجزاء في الخير والشر كما تدين تدان وقال مجاهد بالدين بالحساب مدينين محاسبين
أشار به إلى تفسير الدين في قوله مالك يوم الدين وهو كلام أبي عبيدة حيث قال الدين الجزاء والحساب يقال في المثل كما تدين تجازي أي كما تفعل تجازى به وروي هذا حديثا مرسلا رواه بعد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي وروي أيضا بهذا الإسناد عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفا وأبو قلابة عبد الله بن زيد لم يدرك أبا الدرداء قوله وقال مجاهد بالدين بالحساب هو تفسير قوله تعالى أرأيت الذي يكذب بالدين ( الماعون 1 ) ووصله عبد بن حميد في التفسير من طريق منصور عن مجاهد في قوله كلا بل تكذبون بالدين ( الانفطار 9 ) قال الحساب والدين يأتي لمعان كثيرة ( العادة ) ( والعمل ) ( الحكم ) ( والحال ) ( والحق ) ( والطاعة ) ( والقهر ) ( والملة ) ( والشريعة ) ( والورع ) ( والسياسة ) قوله مدينين محاسبين أشار به إلى ما في قوله تعالى فلولا أن كنتم غير مدينين ( الواقعة 86 ) وفسر مدينين بقوله محاسبين بفتح السين
4474 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( شعبة ) قال حدثني خبيب بن عبد الرحمان عن حفص ابن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ثم قال ألا أعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له ألم نقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى بن سعيد القطان وخبيب بضم الخاء العجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة أبو الحارث الأنصاري الخزرجي المدني وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو سعيد بفتح السين وكسر العين وسكون الياء آخر الحروف ابن المعلى بضم الميم وفتح العين واللام المشددة على لفظ إسم مفعول من التعلية واختلف في إسم أبي سعيد هذا فقيل اسمه رافع وقيل الحارث وقيل أوس وقال أبو عمر من قال هو رافع بن المعلى فقد أخطأ لأن رافع بن المعلى قتل ببدر وأصح ما قيل الله أعلم في اسمه الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة من بني زريق الأنصاري الزرقي توفي سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وسبعين وقال أبو عمر أيضا لا يعرف في الصحابة إلا بحديثين أحدهما عن شعبة عن ( خبيب بن عبد الرحمن ) إلى آخر ما ذكر هنا والآخر عند الليث بن سعد وهو حديث طويل وأوله

(18/80)


كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله الحديث وليس له في البخاري إلا هذا الحديث المذكور في الباب وقيل نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعهما البيضاوي هذا الحديث إلى أبي سعيد الخدري وهو وهم وإنما هو أبو سعيد بن المعلى وقال بعضهم وروى الواقدي هذا الحديث أيضا في رواية عن ( أبي سعيد بن المعلى ) عن أبي بن كعب وليس كذلك والذي هنا هو الصحيح وشيخ الواقدي هنا مجهول أيضا وهو محمد بن معاذ وقال أيضا الواقدي شديد الضعف إذا انفرد فكيف إذا خالف قلت ذكر الحافظ المزي هذا ولم يتعرض إلى شيء من ذلك ومن العجب أن الواقدي أحد مشايخ إمامه الشافعي ويحط عليه هذا الحط وهو وإن كان ضعفه بعضهم فقد وثقه آخرون فقال إبراهيم الحربي الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام وعن مصعب بن الزبير ثقة مأمون وكذا وثقه أبو عبيد وأثنى عليه ابن المبارك وآخرون
وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضائل القرآن عن علي بن عبد الله وفي التفسير أيضا عن إسحاق بن منصور وعن بندار وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عبيد الله بن معاذ وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن إسماعيل بن مسعود وفي فضائل القرآن عن بندار وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله في المسجد أي في مسجد النبي قوله فلم أجبه لأنه ظن أن الخطاب لمن هو خارج عن الصلاة قوله ألم يقل الله استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم هذا خاص به قوله ألا أعلمنك كلمة إلا للحث والتحضيض على ما يقوله القائل في مثل هذا الموضع وأعلمنك بنون التأكيد المشددة قوله أعظم سورة في القرآن قال ابن بطال يحتمل أن يكون أعظم بمعنى عظيم وقال ابن التين معناه أن ثوابها أعظم من غيرها واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع ذلك الأشعري وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماه الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها وأجيب عن هذا بأن الأفضلية من حيث الثواب والنفع للمتعبدين لا من حيث المعنى والصفة فإن قلت يؤيد التفضيل قوله تعالى نأت بخير منها أو مثلها ( البقرة 106 ) قلت الخيرية في المنفعة والرفق لعباده لا من حيث الذات قوله قال الحمد لله رب العالمين هذا صريح في الدلالة على أن البسملة ليست من الفاتحة قوله هي السبع المثاني أما السبع فلأنها سبع آيات بلا خلاف إلا أن منهم من عد أنعمت عليهم دون التسمية ومنهم من مذهبه على العكس قاله الزمخشري قلت الأول قول الحنفية والعكس قول الشافعية فإنهم يعدون التسمية من الفاتحة ولا يعدون أنعمت عليهم آية ولكل فريق حجج وبراهين عرفت في موضعها وإما تسميتها بالمثاني فلأنها تثني في كل ركعة وقيل المثاني من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى وفيه نظر والمثاني جمع مثنى الذي هو معدول عن اثنين اثنين فافهم وروى ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال ( البقرة ) و ( آل عمران ) و ( النساء ) و ( المائدة ) و ( الأنعام ) و ( الأعراف ) و ( يونس ) وكذا روي عن سعيد بن جبير وكذا ذكره الحاكم وقال الكهف بدل يونس وذكر الداودي عن غيره أنها من ( البقرة ) إلى ( براءة ) قال وقيل هي السبع التي تلي هذه السبع وقيل السبع الفاتحة والمثاني القرآن وقال الخطابي يعني بالعظيم عظيم المثوبة على قراءتها وذلك لما تجمع هذه السورة من الثناء والدعاء والسؤال والواو في والقرآن العظيم ليست واو العطف الموجبة للفصل بين الشيئين وإنما هي الواو التي تجيء بمعنى التخصيص كقوله وملائكته ورسله وجبريل ( البقرة 98 ) وكقوله فاكهة ونخل ورمان ( الرحمن 68 ) وقال الكرماني المشهور بين النحاة أن هذه الواو للجمع بين الوصفين فمعني ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم أي ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم وما يوصف بهما انتهى قلت قول الخطابي إن هذه الواو وليست للعطف خلاف ما قاله النحاة وغيرهم وهذا من عطف العام على الخاص وقد مثل هو أيضا بقوله فاكهة ونخل ورمان ( الحجر 87 ) وهذا يرد كلامه على ما لا يخفى وكون العطف عطف العام على الخاص أو بالعكس لا يخرج الواو عن العطفية
2 -
( باب غير المغصوب عليهم ولا الضالين )
أي هذا باب فيه ذكر قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين ولا وجه لذكر لفظ باب هنا ولا ذكره حديث الباب ههنا مناسبا لأنه لا يتعلق بالتفسير وإنما محله أن يذكر في فضل القرآن

(18/81)


4475 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
مطابقته للترجمة ظاهرة وسمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث مضى في الصلاة في باب جهر الإمام بآمين بهذا الإسناد ومضى الكلام فيه هناك
2 -
( سورة البقرة )
أي هذا بيان ما في سورة البقرة من التفسير وفي رواية أبي ذر بسم الله الرحمن الرحيم أي السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة في اللغة واحد السور وهي كل منزلة من البناء ومنه سور القرآن لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى والجمع بفتح الواو وقال الجوهري ويجوز أن يجمع على سورات وسورات وسورة البقرة مدنية في قول الجميع وحكى الماوردي القشيري إلا آية واحدة وهي قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة 281 ) فإنها نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى وهي خمسة وعشرون ألف حرف وخمسمائة حرف وستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة ومائتان وست وثمانون آية في العدد الكوفي وهو عدد علي رضي الله عنه وفي عدد أهل البصرة مائتان وثمانون وسبع آيات وفي عدد أهل الشام مائتان وثمانون وأربع آيات وفي عدد أهل مكة مائتان وثمانون وخمس آيات وهي أول سورة نزلت بالمدينة في قول وقيل لها فسطاط القرآن فيها خمسة عشر مثلا وخمسمائة حكمة وفيها ثلاثمائة وستون رحمة
1 -
( باب قول الله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ( البقرة 31 )
أي هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ( البقرة 31 ) هكذا وقع في رواية أبي ذر وفي رواية غيره سقط لفظ باب قول الله
4476 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) حدثنا ( هشام ) حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه عن النبي وقال لي ( خليفة ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه عن النبي قال يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هاذا فيقول لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي فيقول ائتوا خليل الرحمان فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيقول لست هناكم ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال

(18/82)


ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود قال أبوا عبد الله إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى خالدين فيها
مطابقته للترجمة في قوله وعلمك أسماء كل شيء وأخرجه من طريقين الأول عن مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس والثاني عن خليفة بن خياط عن يزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع عن سعيد بن أبي عروبة البصري عن قتادة عن أنس
والحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب التوحيد في قول الله تعالى لما خلقت بيدي ( ص 75 ) عن معاذ بن فضالة عن هشام عن قتادة عن أنس الخ بطوله وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي في التفسير عن أبي الأشعث وأخرجه ابن ماجه في الزهد عن نصر بن علي
قوله وقال لي خليفة في الطريق الثاني هو على سبيل المذاكرة وقيل هو بمنزلة التحديث على رأى من رآه وقيل روى البخاري عن خليفة هذا في عشرة مواضع مقرونا ومنفردا والغالب أنه إذا أفرده ذكره بصيغة قال لي قوله وعلمك أسماء كل شيء أي كل شيء من سائر الأشياء حتى القصعة والقصيعة روي ذلك عن ابن عباس وقيل علمه أسماء معدودة وفيه أربعة أقوال الأول أنه علمه أسماء الملائكة الثاني أنه علمه أسماء الأجناس دون أنواعها كقولك وملك الثالث أنه علمه أسماء ما خلق الله في الأرض من الدو اب والهوام والطير الرابع أنه علمه أسماء ذريته فإن قلت هل التعليم مقصور على الإسم دون المعنى أو عليهما قلت فيه قولان قوله حتى يريحنا بضم الياء وبالراء من الإراحة وقيل بالزاي يعني يذهبنا ويبعدنا عن هذا المكان وهو موقف العرصات عند الفزع الأكبر قوله لست هناكم يعني لم يخبر أن له ذلك وهنا للقريب والكاف للخطاب قوله ويذكر ذنبه وهو قربان الشجرة والأكل منها قوله فإنه أول رسول أي فإن نوحا عليه السلام أول رسول من الرسل الذين أرسلهم الله فإن قلت آدم هو أول الرسل قلت معناه أول رسول أرسله الله بعد الطوفان وقيل آدم كان نبيا لا رسولا وهو غير صحيح لأنه أول رسول أرسله الله بالإنذار لأولاده والإرشاد لهم قوله ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم وهو قوله رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( نوح 26 ) قوله قتل النفس هو قتله القبطي قوله وكلمة الله وروحه قال الله تعالى إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ( النساء 171 ) قيل له كلمة الله لأنه وجد بكلمة كن وروح الله بقوله فنفخنا فيه من روحنا ( الأنبياء 91 ) والحصول الروح فيمن أحي من الموتى وقال الزمخشري هو كلمة الله لأنه قد وجد بأمر الله وكلمته من غير واسطة أب ونطفة وروح الله لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحي وإنما اخترع اختراعا من عند الله تعالى قوله حتى استأذن على ربي وفي رواية في داره فمعناه داره التي خلقها العبادة كما قيل بيت الله للكعبة والمساجد قوله تشفع على صيغة المجهول بتشديد الفاء أي تقبل شفاعتك قوله فيحدلي حدا أي يعين لي قوما قوله إلا من حبسه القرآن أي إلا من حكم عليه القرآن بالحبس والخلود في النار قال تعالى خالدين فيها أي الكفار والمنافقين وهو معنى قوله ووجب عليه الخلود أي في النار قوله وقال أبو عبد الله هو البخاري نفسه أشار بهذا إلى أن معنى قوله حبسه القرآن هو قوله تعالى خالدين فيها فإن قلت في هذا الحديث إنهم يخرجون من النار بشفاعة النبي وقد جاء في رواية فأمر الملائكة أن يخرجوا قوما من النار قلت لا منافاة فيه لأنهم قد يؤمرون أن يخرجوهم بشفاعة النبي
2 -
( باب )
أي هذا باب كذا وقع بلا ترجمة في رواية الكل
قال مجاهد إلى شياطينهم أصحابهم من المنافقين والمشركين

(18/83)


أشار به إلى تفسير قوله تعالى وإذا خلوا إلى شياطينهم ( البقرة 14 ) وهذا التعليق وصله عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وروي عن قتادة قال إلى إخوانهم من المشركين ورؤوسهم ومعنى خلوا رجعوا ويجوز أن يكون من الخلوة يقال خلوت به وخلوت معه وخلوت إليه والكل بمعنى واحد والشيطان المتمرد العاتي من الجن والإنس ومن كل شيء واشتقاقه من شطن أي بعد عن الخير وقيل من شاط يشيط إذا التهب واحترق فعلى الأول النون أصلية وعلى الثاني زائدة
محيط بالكافرين الله جامعهم
أشار به إلى آخر قوله تعالى أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين وفسره بقوله الله جامعهم وهذا وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور عن مجاهد وقال الزمخشري وإحاطة الله بالكافرين مجاز والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة وهذه الجملة اعتراض لا محل لها انتهى قلت هي جملة إسمية فالجملة لا يكون لها محل من الإعراب إلا إذا وقعت في موقع المفرد ومعنى قوله مجاز استعارة تمثيلية شبه حاله تعالى مع الكفار في أنهم لا يفوتونه ولا محيص لهم من عذابه بحال المحيط بالشيء لأنه لا يفوته المحاط
صبغة دين
أشار بهذا إلى أن الصبغة التي في قوله تعالى صبغة الله ( البقرة 138 ) مفسرة بالدين وكذا فسرها مجاهد رواه عنه عبد بن حميد من طريق منصور عنه قال صبغة الله أي دين الله وروي من طريق ابن أبي نجيح عنه قال صبغة الله أي فطرة الله
على الخاشعين على المؤمنين حقا
أشار به إلى قول الله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها الكبيرة إلا على الخاشعين ( البقرة 45 ) ثم فسر الخاشعين بقوله على المؤمنين حقا ووصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند المذكور عن مجاهد وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال في قوله تعالى إلا على الخاشعين ( البقرة 45 ) يعني الخائفين ومن طريق مقاتل بن حبان قال يعني به المتواضعين
قال مجاهد بقوة يعمل بما فيه
أشار به إلى قوله تعالى خذوا ما آتيناكم بقوة ( البقرة 6393 ) ثم فسر القوة بقوله يعمل بما فيه وعن أبي العالية القوة الطاعة وعن قتادة والسدي القوة الجد والاجتهاد
وقال أبو العالية مرض شك
أشار به إلى قوله تعالى في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ثم حكى عن أبي العالية أنه قال مرض شك ووصل هذا ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية واسمه رفيع بن مهران الرياحي
وما خلفها عبرة لمن بقي
أشار به إلى قوله تعالى فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ( البقرة 66 ) ثم فسر قوله وما خلفها بقوله عبرة لمن بقي ومعنى الآية فجعلناها أي المسخة التي تفهم من قوله قبل هذا فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا أي عبرة تنكل من اعتبر بها أي تمنعه ومنه النكل وهو القيد قوله لما بين يديها ( البقرة 65 ) أي لما قبلها قوله وما خلفها ( البقرة 66 ) أي وما بعدها من الأمم و القرون وفسر البخاري قوله وما خلفها بقوله عبرة لمن بقي بعدهم من الناس وكذا فسره أبو العالية ورواه ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر عنه وقال الزمخشري وقيل نكالا عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من الذنوب وما تأخر منها
لا شية لا بياض
أشار به إلى قوله تعالى إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ثم فسر قوله لا شية بقوله لا بياض وقال الزمخشري لا شية فيها لا لمعة في بقيتها من لون آخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها

(18/84)


والشية في الأصل مصدر وشاه وشيا وشيه إذا خلط بلونه لون آخر قلت أصل شية وشي حذفت الواو منه ثم عوض عنها التاء كما في عدة
وقال غيره
أي غير أبي العالية وهو أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عبيدة معمر بن المثنى وأراد بهذا أن تفسير الألفاظ المذكورة إلى هنا من قول أبي العالية المذكور والذي بعدها من قول غيره
يسومونكم يولونكم
أشار به إلى قوله تعالى يسومونكم سوء العذاب ( البقرة 49 ) ثم فسر قوله يسومونكم ( الأعراف 141 ) بقوله يولونكم ( إبراهيم 6 ) بضم الياء وسكون الواو وهو تفسير أبي عبيدة وقال الطبري معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم وقيل معناه يصرفونكم في العذاب مرة كذا ومرة كذا كما يفعل في الإبل السائمة
الولاية مفتوحة مصدر الولاء وهي الربوبية وإذا كسرت الواو فهي الإمارة
أشار به إلى قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق ( الكهف 44 ) قوله مفتوحة أي حال كونها مفتوحة الواو مصدر الولاء وهي الربوبية ومن أسماء الله تعالى الوالي وهو مالك الأشياء جميعها المنصرف فيها ومن أسمائه الولي لأمور العالم والخلائق القائم بها قوله وإذا كسرت الواو أي الواو التي في الولاية فتكون بمعنى الإمارة بسكر الهمزة وهذا كلام أبي عبيدة حيث قال في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق الولاية بالفتح مصدر الولي وبالكسر مصدر وليت العمل والأمر تليه
وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم
أشار بهذا إلى قوله تعالى فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ( البقرة 61 ) وحكى عن البعض وأراد به عطاء وقتادة الحبوب التي تؤكل كلها فوم بالفاء وهكذا حكاه الفراء عنهما في ( معاني القرآن ) حيث قال كل حب يختبز وروى ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أن الفوم الحنطة وقال الزمخشري البقل ما أنبتته الأرض من الخضر والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها والفوم الحنطة ومنه فوموا لنا أي اخبزوا وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش الثوم بالثاء المثلثة وبه فسره سعيد بن جبير وغيره
وقال قتادة فباؤوا فانقلبوا
أي قال قتادة بن دعامة السدوسي في تفسير قوله فباؤوا بغضب من الله أي فانقلبوا وقال الزمخشري فباؤوا من قولك باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته أي صاروا أحقاء بغضبه وقال الزجاج البوء التسوية بقوله باؤوا أي استوى عليهم غضب الله ويقال البوء الرجوع أي رجعوا وانصرفوا بذلك وهو قريب من تفسير قتادة
وقال غيره يستفتحون يستنصرون
أي وقال غير قتادة وهو أبو عبيدة إن معنى قوله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ( البقرة 89 ) يعني يستنصرون وروى الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس يستظهرون قال الله تعالى ولما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين قوله ولما جاءهم أي اليهود كتاب من عند الله وهو القرآن الذي أنزل على محمد مصدق لما معهم يعني من التوراة قوله وكانوا أي اليهود من قبل أي من قبل مجيبي القرآن على لسان هذا الرسول يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم فيقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد قوله فلما جاءهم ما عرفوا يعني فلما بعث محمد ورأوه وعرفوه كفروا به فلعنة الله على الكافرين قال الزمخشري أي عليهم وضعا للظاهر موضع المضمر واللام للعهد ويجوز أن يكون للجنس ويدخلوا فيه دخولا أوليا
شروا باعوا
أشار به إلى قوله تعالى ولبئس ما شروا به أنفسهم ( البقرة 102 ) ثم فسره بقوله باعوا وكذا أخرجه ابن أبي

(18/85)


حاتم من طريق السدي
راعنا من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا
أشار به إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا قولوا أنظرنا الآية نهى الله تعالى المؤمنين أن يشتبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص فإذا أرادوا أن يقولوا إسمع لنا يقولون راعنا ويورون بالرعونة الحماقة ومنها الراعن وهو الأحمق والأرعن عن مبالغة فيه فنهى الله تعالى المؤمنين عن مشابهة الكفارة قولا وفعلا فقال يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا الآية وروى أحمد من حديث ابن عمر عن النبي من تشبه بقوم فهو منهم وقرأ عبد الله بن مسعود عونا وقرأ الحسن راعنا بالتنوين من الرعن وهو الحماقة أي لا تقولوا قولا راعنا منسوبا إلى الرعن بمعنى رعينا وقرأ الجمهور بلا تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة والذي قاله البخاري يمشي على قراءة الحسن
لا تجزي لا تغني
أشار به إلى قوله تعالى لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( البقرة 48 ) وفسره بقوله لا تغني ( البقرة 123 ) وكذلك فسره أبو عبيدة وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا
خطوات من الخطو والمعنى آثاره
أشار به إلى قوله تعالى ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( البقرة 168208 ) وقال خطوات من الخطو والخطو مصدر خطا يخطو خطوا والخطوة بالضم بعدما بين القدمين في المشي وبالفتح المرة وجمع الخطوة في الكثرة خطى وفي القلة خطوات بتثليث الطاء وفسر خطوات الشيطان بقوله آثاره ( الأنعام 142 )
3 -
( باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ( البقرة 22 )
ذكر هذه الآية توطئة للحديث الذي ذكره بعدها ولما خاطب الله عز و جل أولا الناس من المؤمنين والكفارة والمنافقين بقوله يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ( البقرة 21 ) إلى قوله فلا تجعلوا أي وحدوا ربكم الذي من صفاته ما ذكر خاطب الكفار والمنافقين بقوله فلا تجعلوا الله أندادا وهو جمع ند بكسر النون وتشديد الدال وهو النظير قوله وأنتم تعلمون جملة حالية أي والحال أنكم تعلمون أن الله تعالى منزه عن الأنداد والأضداد والأشباه
ومن أول الباب إلى هنا سقط جميعه من رواية السرخسي ولهذا إلا يوجد في كثير من النسخ ويوجد بعضه في بعض
4477 - ح ( دثني عثمان بن أبي شيبة ) حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) عن ( عمرو بن شرحبيل ) عن ( عبد الله ) قال سألت النبي أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت إن ذالك لعظيم قلت ثم أي قال وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك
ذكر هذا الحديث مناسبا للآية التي قبله وعثمان هو أخو أبي بكر بن أبي شيبة وأبو بكر اسمه عبد الله واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان وهو جدهما وأبوهما محمد بن أبي شيبة وهو شيخ مسلم أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه البخاري أيضا هنا عن مسدد وأخرجه في التوحيد أيضا عن قتيبة وفي الأدب عن محمد بن كثير وفي المحاربين عن عمرو بن علي وأخرجه مسلم في الإيمان عن عثمان بن إسحاق وأخرجه أبو داود في الطلاق عن محمد بن كثير وأخرجه الترمذي في التفسير عن بندار وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وفيه وفي الرجم عن قتيبة وفي المحاربة عن محمد بن بشار
قوله أن تجعل لله ندا قدمه لأنه أعظم الذنوب قال الله تعالى إن الشرك لظلم عظيم ( لقمان 13 ) ثم ثناه

(18/86)


بالقتل لأن عند الشافعية أكبر الكبائر بعد الشرك القتل ثم ثلثه بالزنا لأنه سبب لاختلاط الأنساب لا سيما مع حليلة الجار لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه فإذا قابل هذا بالذب عنه كان من أقبح الأشياء قوله ثم أي قال ابن الجوزي أي ههنا مشدد منون كذا سمعته من أبي محمد بن الخشاب قال لا يجوز إلا تنوينه لأنه إسم معرب غير مضاف قوله وأن تقتل ولدك فيه ذم شديد للبخيل لأن بخله أداه إلى قتل ولده مخافة أن يأكل معه قوله تخاف في موضع الحال قوله أن تزاني من باب المفاعلة من الزنا معناه أن تزني برضاها ولأجل هذا ذكره من باب المفاعلة قوله حليلة بالحاء المهملة الزوجة سميت بذلك لكونها تحل له فهي حليلة بمعنى محلة لكونها تحل معه بضم الحاء وقيل لأن كلا منهما يحل أزرة الآخر وهي أيضا عرسه وظعينته وربضه وطلعته وحنته وبيته وقعيدته وشاعته وبعلته وضبينته وجارته وفرشه وزوجته وعشيرته وأهله
4 -
( باب وقوله تعالى وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( البقرة 57 ) وقال مجاهد المن صمغة والسلوى الطير )
ذكر هذه الآية ولم يذكر شيئا من تفسيرها غير ما ذكره من قول مجاهد ولما ذكر الله تعالى ما دفع عن قوم موسى من النقم المذكورة قبل هذه الآية ذكرهم هنا بما أسبغ عليهم من النعم فقال وظللنا عليكم الغمام وهو جمع غمامة سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يواريها ويسترها وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس وعن مجاهد ليس من زي مثل هذا السحاب بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا وذكر سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قال ابن عباس رضي الله عنهما غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي الله فيه في قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ( البقرة 210 ) وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر قوله وأنزلنا عليكم المن والسلوى وفسر مجاهد المن بقوله صمغة والسلوى بالطير رواه عنه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه ويأكلون منه ما شاؤوا وقال عكرمة شيء يشبه الرب الغليظ وعن السدي إنه الترنجبين وقال الربيع بن أنس المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه وقال وهب بن منبه هو خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي وروى ابن جرير بإسناده عن الشعبي قال عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنه العسل
واختلفت عبارات المفسرين في المن ولكنها متقاربة فمنهم من فسره بالطعام ومنهم من فسره بالشراب والظاهر والله أعلم أن كل ما امتن الله به عليهم من طعام أو شراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كد فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما وإن مزج مع الماء كان شرابا طيبا وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر وأما السلوى فكذلك اختلفوا فيه فقال علي بن أبي طلحة عن أبي عباس السلوى طائر شبيه السمان يأكلوه منه وكذا قال مجاهد والشعبي والضحاك والحسن وعكرمة والربيع بن أنس وعن وهب هو طير سمين مثل الحمامة يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت وعن عكرمة طير أكبر من العصفور وقال ابن عطية السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي في قوله إنه العسل وقال القرطبي دعوى الإجماع لا يصح لأن المؤرخ أحد علماء اللغة والتفسير قال إنه العسل وقال الجوهري السلوى العسل قالوا والسلوى جمع بلفظ الواحد أيضا كما يقال سماني للواحد والجمع وقال الخليل واحده سلوة وقال الكسائي السلوى واحد وجمعه سلاوي قوله كلوا من طيبات ما رزقناكم أمر إباحة وإرشاد وامتنان قوله وما ظلمونا الآية يعني أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا فخالفوا وكفر لظلموا أنفسهم وقال الزمخشري فظلموا بأن كفروا هذه النعم
4478 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الملك ) عن ( عمرو بن حريث ) عن ( سعيد

(18/87)


بن زيد ) رضي الله عنه قال قال رسول الله الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين
قال الخطابي لا وجه لإدخال هذا الحديث هنا لأنه ليس المراد من الكمأة في الحديث أنها نوع من المن المنزل على بني إسرائيل فإن ذلك شيء كان يسقط عليهم كالترنجبين وإنما المراد أنها شجرة تنبت بنفسها من غير استنبات ولا مؤونة ورد عليه بأن في رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير في هذا الباب من المن الذي أنزل على بني إسرائيل رواه الدارقطني وبهذا تظهر المناسبة في ذكره هنا وكأن الخطابي لم يطلع على رواية ابن عيينة عن عبد الملك فلذلك قال ذلك
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري هنا وإن كان سفيان بن عيينة يروي أيضا عن عبد الملك بن عمير لأن الغالب إذا أطلق سفيان عن عبد الملك يكون الثوري وكذا ذكره أبو مسعود لما ذكر هذا الحديث وعمرو بن حريث القرشي المخزومي وله صحبة وسعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن محمد بن المثنى وأخرجه مسلم في الأطعمة عن محمد بن المثنى وعن غيره وأخرجه الترمذي في الطب عن أبي كريب وغيره وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم وفي الوليمة عن يحيى بن حبيب وغيره وفي التفسير عن محمد بن المثنى وغيره وأخرجه ابن ماجه في الطب عن محمد بن الصباح
قوله الكمأة بفتح الكاف وإسكان الميم وفتح الهمزة واحدها كمء وعكسه تمرة وتمر وهو من النوادر وقال ابن سيده جمع الكمء أكمؤه وكمأة هذا قول أهل اللغة وقال سيبويه ليست الكمأة بجمع كمء لأن فعلة ليس مما يكسر على فعل وإنما هو إسم الجمع وقال أبو حنيفة كمأة واحدة وكمأتان وكماء وعن أبي زيد أن الكمأة تكون واحدة وجمعا وفي ( الجامع ) الجمع القليل أكمؤة على أفعل والجمع الكثير كماء وقال صاحب ( التلويح ) الصحيح من هذا كله ما حكاه سيبويه وذكر عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أن الكمأة جدرى الأرض وتسمى بنات الرعد لأنها تكثر بكثرته وتنفطر عنها الأرض وقال أبو حنيفة أول اجتناثها سقوط الجبهة وهي تتطاول إلى أن يتحرك الحر وكمأة السهل بيضاء رخوة والتي بالآكام سوداء جيدة وقيل الكمأة هي التي إلى الغبرة والسواد وفي ( الجامع ) تخرج ببعض الأرض وقال ابن خالويه في كتابه ليس في كلام العرب من أسماء الكمء إلا الذي أعرفك الذعلوق والبرنيق والمغرود والفقع والجب وبنات أوبر والعقل والقعيل بتقديم القاف على العين والجباة يقال كمأت الأرض أخرجت كماءها وأجبأت أخرجت جباءها وهي الكمأة الحمراء والبدأة يقال بدئت الأرض بكسر الدال وعن أبي حنيفة الفردة والفراد وعصاقل وقرحان والخماميس ولم أسمع لها بواحد قاله الفراء وعند القزاز العرجون ضرب من الكمأة قدر شبر أو دون ذلك وهو طيب ما دام غضا والجمع العراجين والفطر قال ابن سيدة هو ضرب من الكمأة قوله من المن ظاهره أن الكمأة من نفس المن وأبو هريرة أخذ بظاهره على ما رواه الترمذي من حديث قتادة قال حدثت أن أبا هريرة قال أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسة أو سبعا فعصرتهن وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية فبرئت وقال ابن خالويه يعصر ماؤها ويخلط به أدوية ثم يكتحل به قال ابن العربي الصحيح أنه ينتفع بصورتها في حال وبإضافتها في أخرى وفي ( الجامع ) لابن بيطار هي أصل مستدير لا ورق ولا ساق لها ولونها إلى الحمرة مائل تؤخذ في الربيع وتؤكل نية ومطبوخة والغذاء المتولد منها أغلظ من المتولد من القرع وليست بردي الكيموس وهي في المعدة الحارة جيدة لأنها باردة رطبة في الدرجة الثانية وأجودها أشدها تلذذا وملاسا وأميلها إلى البياض والمتخلخلة الرخوة رديئة جدا وماؤها يجلو البصر كحلا وهي من أصلح أدوية العين وإذا رتب بها الإثمد واكتحل به قوى الأجفان وزاد في الروح الباصرة قوة وحدة ويدفع عنها نزول الماء وذكر ابن الجوزي أن الأطباء يقولون إن أكل الكمأة يجلو البصر وقيل تؤخذ فتشق وتوضع على الجمرة حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ ميل فيصير في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل به ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة وقيل أراد الماء الذي تنبت به وهو أول مطر ينزل إلى الأرض فتربى به الأكحال وقيل إن كان في العين حرارة فماؤها وحده شفاء وإن كان لغير ذلك فيركب مع غيره وقال ابن التين قيل أراد أنها تنفع من تأخذه العين التي هي النظرة وذلك أن في بعض ألفاظ الحديث وماؤها شفاء من العين قال وقيل يريد من داء العين فحذف المضاف وقال الخطابي في قوله والكمأة من المن ما ملخصه أنه لم يرد به أنها من المن الذي أنزل على موسى

(18/88)


بني إسرائيل عليه الصلاة و السلام فإن المروي أنه شيء كان يسقط عليهم كالترنجبين وقد ذكرنا هذا في أول الحديث والجواب عنه أيضا وقال النووي قال كثيرون شبهها بالمن الذي أنزل عليهم حقيقة عملا بظاهر اللفظ وقيل معنى قوله الكمأة من المن يعني مما من الله على عباده بها بإنعامه ذلك عليهم
5 -
( بابوإذ قلنا ادخلوا هاذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة تغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ( البقرة 58 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى وإذا قلنا الآية وفي بعض النسخ باب قوله تعالى وإذ قلنا وفي بعضها ليس فيها لفظ باب وفي رواية أبي ذر باب وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم الآية كذا وجد في رواية غيره إلى قوله المحسنين قوله وإذ قلنا يعني اذكر وهو العامل في إذ وفي الأعراف وإذ قيل لهم ( الأعراف 161 ) قوله ادخلوا قال في الأعراف اسكنوا وكان هذا الأمر أمر تكليف قوله هذه القرية أي بيت المقدس وقيل أريحا من قرى الشام قوله فكلوا وفي الأعراف بالواو قوله رغدا أي واسعا كثيرا وقيل الرغد سعة المعيشة وقيل الرغد الهنيء وعن مجاهد الرغد الذي لا حساب فيه قوله وادخلوا الباب أي باب القرية وقيل باب القبة التي كانوا يصلون إليها قوله سجدا أي ركعا لتعذر الحمل على حقيقته فيكون المعنى خاضعين خاشعين وكذا روي عن ابن عباس قوله حطة أي أمرك حطة يعني شأنك حط الذنوب ومغفرتها قال الزمخشري الأصل النصب يعني حط عنا ذنوبنا وقرأ ابن أبني عبلة بالنصب على الأصل قوله وسنزيد المحسنين يعني من كان منكم محسنا انت تلك الكلمة له سببا في زيادة ثوابه ومن كان مسيئا كانت له توبة ومغفرة
4479 - ح ( دثني محمد ) حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالؤا حطة حبة في شعرة ( انظر الحديث 3403 وطرفه )
مطابقته للآية ظاهرة ومحمد الذي ذكره بغير نسبة قال الغساني الأشبه أنه ابن بشار بالباء الموحدة والشين المعجمة وابن المثنى ضد الفرد وقال ابن السكن هو ابن سلام وقيل يحتمل أن يكون محمد بن يحيى الهذلي لأنه يروي عن ( عبد الرحمن بن مهدي ) أيضا وابن المبارك هو عبد الله والحديث مضى في كتاب الأنبياء في باب مجرد بعد حديث الخضر مع موسى عليه السلام وأخرجه النسائي أيضا في التفسير عن محمد بن إسماعيل ببعضه مسندا
6 -
( باب من كان عدوا لجبريل وقال عكرمة جبروميك وسراف عبد إيل الله )
وفي رواية أبي ذر باب من كان قوله جبريل بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة بعدها راء وهو من جبرائيل قوله وميك بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف بعدها كاف مفتوحة وهو من ميكائيل قوله وسراف بفتح السين المهملة وتخفيف الراء وبالفاء المكسورة بعد الألف هو من إسرافيل قوله عبد أي معنى هذه الألفاظ الثلاثة عبد قوله إيل بكسر المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها لام قوله الله أي معنى لفظ إيل الله والحاصل أن معنى جبريل وميكائيل وإسرافيل عبد الله قاله عكرمة مولى ابن عباس ووصله الطبري من طريق عاصم عنه قال جبريل عبد الله وميكائيل عبد الله إيل الله وعن عكرمة عن ابن عباس كل إسم فيه إيل فهو الله ويقال إيل الله بالعبرانية وروى الطبري من طريق علي ابن الحسين قال إسم جبريل عبد الله وميكائيل عبيد الله يعني بالتصغير وإسرافيل عبد الرحمن وكل إسم فيه إيل فهو عبد الله وذكر عكس هذا وهو أن إيل معناه عبد ومعنى ما قبله إسم لله وله وجه وهو أن الإسم المضاف في لغة غير العرب غالبا يتقدم

(18/89)


فيه المضاف إليه على المضاف قال الزمخشري قرىء جبرئيل بوزن قفشليل وجبرئل بحذف الياء وجبريل بحذف الهمزة وجبريل بوزن قنديل وجبرايل بلام شديدة وجبرائيل بوزن جبراعيل وجبرائل بوزن جبراعل ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة قال وقرىء ميكال بوزن قنطار وميكائيل كميكاعيل وميكائل كميكاعل ومكئل كميعل وميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل وقال ابن جني العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه
7 -
( باب قوله تعالى ننسخ من آية أو ننساها ( البقرة 106 )
أي هذا باب قوله تعالى ما ننسخ وقرىء ما تنسخ بتاء الخاب وما ننسخ بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين والنسخ في الآية إزالتها بإبدال أخرى مكانها قوله أو ننساها بفتح النون الأولى من النسي وهو التأخير لا إلى بدل وقرىء ننسها بضم النون الأولى وكسر السين من الإنساء وهو أن يذهب بحفظها من القلوب وقرىء وننسها بضم النون الأولى وفتح

(18/90)


الثانية وكسر السين المشددة وقرىء وتنسها بفتح التاء للخطاب وسكون النون وقرىء وتنسها بضم التاء على صيغة المجهول وكانت اليهود طعنوا في النسخ فقالوا أفلا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا فنزلتما ننسخ ( البقرة 106 ) الخ
4481 - حدثنا ( عمرو بن علي ) حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( سفيان ) عن ( حبيب ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) قال قال ( عمر ) رضي الله عنه أقرأنا أبي وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي وذاك أن أبيا يقول لا أدع شيئا سمعته من رسول الله وقد قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننساها
مطابقته للآية ظاهرة وعمرو بفتح العين ابن علي بن بحر أبو حفص البصري الصيرفي وهو شيخ مسلم أيضا ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وحبيب هو ابن أبي ثابت واسمه قيس بن دينار الكوفي
وهذا حديث موقوف وأخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا وفيه ذكر جماعة وأوله أرحم أمتي أبو بكر وفيه وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب الحديث وصححه الترمذي وقال غيره والصواب إرساله
قوله وأقضانا علي أي أعلمنا بالقضاء علي بن أبي طالب وقد روي هذا أيضا مرفوعا عن أنس ولفظه أقضى أمتي علي بن أبي طالب رواه البغوي قوله وإنا لندع من قول أبي أي لنترك وفي رواية صدقة من لحن أبي أي من لغته وفي رواية ابن خلاد وإنا لنترك كثيرا من قراءة أبي وذلك إشارة إلى قول عمرو إنا لندع قوله أن أبيا يقول أي أن أبيا يقول لا أدع شيئا أي لا أترك شيئا سمعته من رسول الله وكان لا يقول أبي بنسخ شيء من القرآن فرد عمر رضي الله عنه ذلك بقوله وقد قال الله تعالى ما ننسخ من آية فإنه يدل على ثبوت النسخ في البعض وهذه الجملة وإن كانت شرطية إلا أنها لا تدل على وقوع الشرط فالسياق هنا يدل عليه لأنها نزلت بعد وقوعه وإنكارهم عليه ويمنع عدم دلالتها في مثل هذا لأنها ليست شرطية محضة
8
- ( باب وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ( البقرة 116 )
أي هذا باب قالوا بالواو قراءة الجمهور وقرأ ابن عامر قالوا بحذف الواو واتفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولدا من يهود خيبر ونصارى نجران ومن قال من مشركي العرب الملائكة بنات الله فرد الله تعالى عليهم
4482 - حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( عبد الله بن أبي حسين ) حدثنا ( نافع بن جبير ) عن ( عباس ) رضي الله عنهما عن النبي قال قال الله كذ بني ابن آدم ولم يكن له ذاك وشتمني ولم يكن له ذالك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وعبد الله هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين القرشي النوفلي المكي ونافع بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المدني
والحديث من أفراده وقال صاحب ( التوضيح ) وسلف في بدء الخلق قلت ما سلف في بدء الخلق إلا عن أبي هريرة من رواية الأعرج قال رسول الله ويروي قال قال الله أراه يقول الله شتمني ابن آدم الحديث وهذا من الأحاديث القدسية قوله كذبني من التكذيب وهو نسبة المتكلم إلى أن خبره خلاف الواقع قوله ذلك أي التكذيب قوله وشتمني من الشتم وهو توصيف الشخص بما هو أزرا وأنقص فيه وإثبات الولد له كذلك لأن الولد إنما يكون عن والدة

(18/91)


تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والناكح يستدعي باعثا له على ذلك والله سبحانه وتعالى منزع عن جميع ذلك قوله فسبحاني لفظ سبحان مضاف إلى ياء المتكلم يعني أنزه نفسي أن أتخذ بأن اتخذو وأن مصدرية أي من اتخاذ الصاحبة أي الزوجة والولد
9 -
( باب قوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( البقرة 125 )
أي هذا باب وليس في كثير من النسخ لفظ باب وإنما المذكور قوله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قوله واتخذو بكسر الخاء المعجمة أمر للجماعة على إرادة القول أي وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة وهكذا هو عند الجمهور وقرىء واتخذوا بفتح الخاء جملة فعلية ماضية وهي قراءة نافع وابن عامر أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم عطف على قوله وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا الآية ومقام إبراهيم هو الحجر الذي عليه أثر قدميه وعن عطاء مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها قوله مصلى أي موضع صلاة تصلون فيه وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب وقيل مصلى أي مدعى
مثابة يثوبون يرجعون
هو في قوله وإذا جعلنا البيت مثابة يعني مرجعا للناس من الحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه والمثابة الموضع الذي يرجع إليه مرة بعد أخرى من ثاب ثوبا وثوبانا رجع بعد ذهابه وأصله مثوبة نقلت حركة الواو إلى ما قبلها ثم قلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها ونقل بعضهم عن أبي عبيدة أن مثوبة مصدر يثوبون قلت ليس بمصدر بل هو إسم للمصدر ويجوز أن يكون مصدرا ميميا

(18/92)


10 -
( باب قوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ( البقرة 127 )
أي أذكر إذ يرفع أي حين يرفع إبراهيم وهي حكاية حال ماضية والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه وقال الفراء القواعد أساس البيت وقال الطبري اختلفوا في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما أهما حدثاها أم كانت قبلهما ثم روى بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت قواعد البيت قيل ذلك ومن طريق عطاء قال قال آدم عليه السلام أي رب لا أسمع أصوات الملائكة قال ابن لي بيتا ثم أخفف به كما رأيت الملائكة تحت بيتي الذي في السماء فزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل حتى بناه إبراهيم عليه السلام بعد وقال الزمخشري معنى رفع القواعد رفعها بالبناء قوله ربنا أي يقولان ربنا يعني يرفعانها حال كونهما قائلين ربنا قوله إنك أنت السميع العليم أي لدعائنا العليم أي بضمائرنا ونياتنا
القواعد أساسه واحدتها قاعدة والقواعد من النساء واحدها قاعد
أشار بهذا إلى الفرق بين القواعد التي هي جمع قاعدة البناء وبين جمع القواعد التي هي جمع قاعد من النساء بلا تاء حاصله أن لفظ القواعد مشترك بين قواعد الأساس وقواعد النساء والفرق في مفرديهما أن القاعدة بتاء التأنيث الأساس وبدونها المرأة التي قعدت عن الحيض وذلك لتخصيصهن بذلك في هذه الحالة وفي غير هذا الحال بالتاء أيضا وذلك من القعود خلاف القيام فافهم
4484 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) أن ( عبد الله ابن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها زوج النبي أن رسول الله قال ألم ترى أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هاذا من رسول الله ما أرى رسول الله ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم
مطابقته للآية في قوله واقتصروا عن قواعد إبراهيم وإسماعيل هو ابن أبي أويس وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه والحديث مضى في كتاب الحج في باب فضل مكة وبنيانها ومضى الكلام فيه هناك
قوله حدثان بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وبالثاء المثلثة مصدر حدث يحدث حدوثا وحدثانا وجواب لولا محذوف تقديره لولا قرب عهد قومك ثابت لرددتها قوله الحجر بكسر الحاء وذلك لأن ستة أذرع منه كانت من البيت فالركنان اللذان فيه لم يكونا على الأساس الأول قوله لم يتمم ويروى لم يتم
11 -
( باب قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ( البقرة 136 )
أي هذا باب يذكر فيه قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ولم يثبت لفظ باب إلا في رواية أبي ذر قوله قولوا خطاب للمؤمنين قاله الزمخشري ويجوز أن يكون خطابا للكافرين
4485 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عثمان بن عمر ) أخبرنا ( علي بن المبارك ) عن ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية

(18/93)


ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ( البقرة 136 ) الآية
مطابقته للآية في قوله قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إلى قوله ونحن له مسلمون والحديث ذكره البخاري أيضا في الاعتصام وفي التوحيد عن محمد بن بشار أيضا وأخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن المثنى
قوله كان أهل الكتاب أي من اليهود قوله لا تصدقوا إلى آخره يعني إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه وقال الخطابي هذا الحديث أصل في وجوب التوقف عما يشكل من الأمور فلا يقضي عليه بصحة أو بطلان ولا بتحليل وتحريم وقد أمرنا أن نؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام إلا أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم صحيح ما يحكونه عن تلك الكتب من سقيمه فنتوقف فلا نصدقهم لئلا نكون شركاء معهم فيما حرفوه منه ولا نكذبهم فلعله يكون صحيحا فنكون منكرين لما أمرنا أن نؤمن به وعلى هذا كان يتوقف السلف عن بعض ما أشكل عليهم وتعليقهم القول فيه كما سئل عثمان رضي الله عنه عن الجمع بين الأختين في ملك اليمين فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية وكما سئل ابن عمر عن رجل نذر أن يصوم كل اثنين فوافق ذلك اليوم يوم عيد فقال أمر الله بالوفاء بالنذر ونهى النبي عن صوم يوم العيد فهذا مذهب من يسلك طريق الورع وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا الأصول فرجحوا أحد المذهبين على الآخر وكل على ما ينويه من الخير ويؤمه من الصلاح مشكور
12 -
( باب سيقول الس
فهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( البقرة 142 )
وفي بعض النسخ باب قوله تعالى سيقول السفهاء ولكن في رواية أبي ذر إلى قوله ما ولاهم عن قبلتهما فقط والسفهاء جمع سفيه قال الزمخشري سيقول السفهاء أي خفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة وأنهم لا يرون النسخ وقيل المنافقون بحرصهم على الطعن والاستهزاء وقيل المشركون قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها والله ليرجعن إلى دينهم قوله ما ولاهم أي أي شيء رجعهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وهو بيت المقدس قل يا محمد لله المشرق والمغرب أي بلاد الشرق والغرب والأرض كلها وهذا جواب لهم أي الحكم والتصرف في الأمر كلمة لله فأينما تولوا فثم وجه الله فيأمرهم بالتوجه إلى أي جهة شاء وقيل أراد بالمشرق الكعبة لأن المصلي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجه للمشرق وأراد بالمغرب بيت المقدس لأن المصلي في المدينة إلى بيت المقدس متوجه جهة المغرب
13 - ( حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم )
مطابقته للآية ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزهير تصغير زهر ابن معاوية وأبو إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء هو ابن عازب رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان فإنه أخرجه هناك بأتم

(18/94)


منه عن عمرو بن خالد عن زهير إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مطولا قوله أو سبعة عشر شك من الراوي قوله قبل البيت بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي جهة الكعبة قوله أو صلاها شك من الراوي قوله صلاة العصر بالنصب بدل من الضمير المنصوب الذي في صلاها قوله رجل قيل هو عباد بن نهيك الخطمي الأنصاري قاله أبو عمر في كتاب الاستيعاب وقال ابن بشكوال هو عباد بن بشر الأشهلي قوله إيمانكم أي صلاتكم -
13 -
( باب قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد ( البقرة )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى وكذلك جعلناكم الآية هذا هكذا في رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى قوله لرؤوف رحيم ( البقرة 143 ) قوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي كما اخترنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام وأولاده وأنعمنا عليهم بالحنيفية جعلناكم أمة وسطا وقال ابن كثير في ( تفسيره ) يقول الله تعالى إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصلاة و السلام واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم لأن الجميع معترفون لكن بالفضل وقال الزمخشري وكذلك جعلناكم ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خيارا ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث
4487 - حدثنا ( يوسف بن راشد ) حدثنا ( جرير وأبو أسامة ) واللفظ ل ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي صالح ) وقال ( أبو أسامة ) حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي سعيد الخدري ) قال قال رسول الله يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا فذالك قوله جل ذكره وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا والوسط العدل ( انظر الحديث 3339 وطرفه )
مطابقته للآية ظاهرة ويوسف هو ابن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي وجرير هو ابن عبد الحميد وأبو أسامة حماد بن أسامة والأعمش سليمان وأبو صالح ذكوان وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان
والحديث مضى في كتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في باب قوله تعالى إنا أرسلنا نوحا ( نوح 1 ) ومضى الكلام فيه هناك
قوله والوسط العدل قيل هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهمه بعضهم قلت فيه تأمل وقال ابن جرير الوسط العدل والخيار وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين مثل وسط الدار وروي أن الرب عز و جل إنما وصفهم بذلك لتوسطهم في الدين فلاهم أهل غلو فيه كالنصارى ولاهم أهل تقصير فيه كاليهود وقال الزمخشري وقيل للخيار وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعواز والأوساط محفوظة
14 -
( باب قوله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية التي ذكرناها قوله وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يعني وما جعلنا القبلة التي تحب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء لنعلم الثابت على الإسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد قوله وإن كانت كلمة إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة والضمير في كانت يرجع إلى التحويلة أو إلى القبلة قوله لكبيرة أي لثقيلة شاقة إلا على الذين هدى الله وهم التائبون الصادقون في اتباع الرسول قوله وما كان الله ليضيع إيمانكم أي ثباتكم على الإيمان وعن ابن عباس وما كان الله ليضيع إيمانكم أي بالقبلة

(18/95)


الأولى وتصديقكم نبيكم باتباعه إلى القبلة الأخرى أي ليعطيكم أجرهما جميعا
4488 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء فقال أنزل الله على النبي قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فتوجهوا إلى الكعبة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أنزل الله على النبي قرآنا أن يستقبل القبلة ويحيى هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري والحديث مضى في أوائل الصلاة في باب ما جاء في القبلة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر الحديث
15 -
( باب قول الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى عما تعلمون ( البقرة 144 )
أي هذا باب في بيان قوله قد نرى إلى آخره والمذكور على هذا الوجه رواية كريمة وفي رواية غيرها إلى قوله في السماء
4489 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( معتمر ) عن أبيه عن ( أنس ) رضي الله عنه قال لم يبق ممن صلى القبلتين غيري
مطابقته للآية تؤخذ من قوله ممن صلى القبلتين لأن الآية مشتملة على أمر القبلتين وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني ومعتمر على وزن إسم فاعل من الاعتمار ابن سليمان بن طرخان
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم
قوله ممن صلى القبلتين يعني الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة وقال أنس ذلك في آخر عمره ولعل مراده أنه آخر من مات بالبصرة ممن صلى إلى القبلتين وهم المهاجرون الأولون والسابقون وقد ثبت لجماعة ممن سكن البوادي من الصحابة تأخرهم عن أنس
16 -
( باب ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك إلى قوله إنك إذا لمن الظلمين ( البقرة 145 )
أي هذا باب في ذكر قوله تعالى ولئن أتيت إلى آخره وهكذا هو في رواية أبي ذر يعني إلى قوله ما تبعوا قبلتك الآية وفي رواية غيره إلى لمن الظالمين يعني المذكور فيه قوله ولئن أتيت جواب للقسم المحذوف قال الزمخشري قلت لأن اللام توطئة للقسم قوله بكل آية أي بكل برهان قوله ما تبعوا قبلتك يعني لم يؤمنوا بها ثم حسم مادة أطماعهم في رجوعه إلى قبلتهم بقوله ولئن اتبعت أهواءهم الآية الخطاب للرسول والمراد الأمة
4490 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان ) حدثني ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما بينما الناس في الصبح بقباء جاءهم رجل فقال إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه الناس إلى الشام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة
مطابقته للآية تتأتى بالتعسف يوضحها من يمعن النظر فيه وخالد بن مخلد بفتح الميم البجلي الكوفي وسليمان هو ابن بلال والحديث مرعن قريب إلا كلمة تحضيض وحث قوله فاستقبلوها أمر للجماعة

(18/96)


17 -
( باب الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق إلى قوله فلا تكونن من الممترين ( البقرة 146 )
أي هذا باب يذكر فيه الذين آتيناهم إلى آخره وهذا هكذا رواية غير أبي ذر ورواية أبي ذر هكذا باب الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم إلى هنا فحسب قوله يعرفونه أي يعرفون رسول الله كما يعرفون أبناءهم بحيث لا يشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم وإنما اختص الأبناء لأن الذكور أشهر وأعرف وهم لصحبة الآباء ألزم قال الواحدي نزلت في مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله وصفته في كتابهم كما يعرفون أولادهم إذا رأوهم وقال ابن سلام لأنا كنت أشد معرفة برسول الله مني يا بني فقال له عمر رضي الله عنه كيف ذاك قال لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا وأنا لا أشهد بذلك لابني لأني أدري ما أحدثت النساء فقال له عمر وفقك الله قوله وإن فريقا منهم يعني من علمائهم ليكتمون أي صفة النبي واستقبال الكعبة قوله الحق من ربك أي الحق الذي مع رسول الله وقرأ علي الحق بالنصب على الإغراء قوله من الممترين أي الشاكين في كتمانهم الحق مع علمهم وفي أنه من ربك وقيل الخطاب للرسول والمراد الأمة
4491 - حدثنا ( يحيى بن قزعة ) حدثنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) قال بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى الكعبة
مطابقته للآية مثل ما ذكرنا في الحديث السابق والحديث قد مضى الآن وقد رواه هنا من وجه آخر
18 -
( باب ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ( البقرة 148 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى ( ولكل وجهة ) هكذا هو في رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي ذر هكذا باب ولكل وجهة هو موليها الآية قوله ولكل أي ولكل من أهل الأديان وجهة أي قبلة وفي قراءة أبي ولكل قبلة قوله هو موليها أي هو موليها وجهه فحذف أحد المفعولين قوله فاستبقوا الخيرات أي فتوجهوا الكعبة وأعرضوا عن قول الكفار فإن الله يجازيهم يوم القيامة قوله أينما ظرف لتكونوا وقوله يأت بكم الله جميعا جزاء ولهذا أجزم الفعلين يعني يات بهم للجزاء من موافق ومخالف لا تعجزونه إن الله على كل شيء قدير

(18/97)


19 -
( باب ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعلمون شطره تلقاؤه ( البقرة 149 )
هكذا هو في غير رواية أبي ذر وفي رواية أبي ذر ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية قوله من حيث خرجت أي ومن أي بلد خرجت للسفر فول وجهك شطر المسجد الحرام إذا صليت قوله وإنه أي وإن هذا المأمور به للحق من ربك وقرىء تعملون بالتاء والياء هذه الآية أمر آخر من الله باستقبال القبلة نحو المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض قوله شطره تلقاؤه أي شطر المسجد الحرام تلقاؤه وهو مبتدأ وخبر والشطر في أصل اللغة النصف وهنا المراد به تلقاء المسجد الحرام
4493 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( عبد العزيز بن مسلم ) حدثنا ( عبد الله بن دينار ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله عنهما يقول بينا الناس في الصبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال أنزل الليلة قرآن فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها واستداروا كهيئتهم فتوجهوا إلى الكعبة وكان وجه الناس إلى الشأم
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر الماضي عن قريب
20 -
( باب ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم إلى قوله ولعلكم تهتدون ( البقرة 150 )
كرر هذا لحكمة نذكرها الآن )
4494 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) عن ( مالك ) عن ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) قال بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى القبلة
هذا طريق آخر من وجه آخر في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخرجه عن قريب عن يحيى بن قزعة عن مالك واختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرار فقيل تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره وقيل بل هو منزل على أحوال فالأمر الأول لمن هو مشاهد للكعبة والثاني لمن هو في مكة غائبا عنها والثالث لمن هو في بقية البلدان قاله الرازي وقال القرطبي الأول لمن هو بمكة والثاني لمن هو في بقية الأمصار والثالث لمن خرج في الأسفار
21 -
( باب قوله إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( البقرة 158 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله عز و جل إن الصفا الآية والآن يأتي تفسيره وسبب نزول هذه الآية ما روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إن الناس إلا عائشة إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخر من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بني الصفا والمروة فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله وأما الذي في الطواف بالكعبة فما ذكره في ( تفسير مقاتل ) قال يحيى ابن أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وابن صوريا وكنانة ووهب بن يهودا وأبو نافع للنبي لم تطوفون بالكعبة حجارة مبنية فقال إنكم لتعلمون أن الطواف بالبيت حق وأنه هو القبلة مكتوب في التوراة والإنجيل فنزلت أي الآيات المذكورة آنفا

(18/98)


شعائر علامات واحدتها شعيرة
فسر شعائر المذكورة بقوله ثم أشار بأنها جمع وواحدتها شعيرة بفتح الشين وكسر العين هكذا فسرها أبو عبيدة وقال ابن الأثير شعائر الحج آثاره وقيل هو كل ما كان من أعماله كالوقوف والطواف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك
وقال ابن عباس الصفوان الحجر ويقال الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا والواحدة صفوانة بمعنى الصفا والصفا للجميع
قول ابن عباس وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة قوله الصفوان بفتح الصاد وسكون الفاء وهو جمع وواحده صفوانه وقال الطبري الصفا واحد والمثنى صفوان والجمع أصفار وصفيا وصفيا وقيل صفيا وصفيا من الغلط القبيح والصواب صفي وصفي قلت هكذا الصواب وقال ابن الأثير الصفوان الحجر الأملس والجمع صفي وقيل هو جمع واحده صفوانه قلت هذا بعينه قول ابن عباس المذكور قوله الملس بضم الميم وسكون اللام جمع أملس قوله والصفا للجميع يعني أنه مقصور جمع الصفاة وهي الصخرة والصماء
4495 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه أنه قال قلت لعائشة زوج النبي وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فما أري علي أحد شيئا أن لا يطوف بهما فقالت عائشة كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هاذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذالك فأنزل الله إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ( البقرة 158 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى في الحج مطولا في باب وجود الصفا والمروة ومضى الكلام فيه هناك
قوله إن الصفا مقصورا مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام وهو أنف من جبل أبي قبيس وهو الآن إحدى عشر درجة فوقها أزج كإيوان فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدما كان عليه صنم على صورة رجل يقال له أساف بن عمرو وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة بنت ذئب ويقال بنت سهيل زعموا أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله عز و جل فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا وزعم عياض أن قصيا حولهما فجعل أحدهما ملاصق الكعبة والآخر بزمزم وقيل جعلهما بزمزم ونحر عندهما فلما فتح رسول الله مكة كسرهما وفي ( تفسير مقاتل ) كان على الصفا صنم يقال له أساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة فقال الكفار إنه حرج علينا أن نطوف بهما فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة الآية وفي ( فضائل مكة ) لرزين لما زنيا لم يمهل الله تعالى أن يفجرا فيها فمسخهما فأخرجا إلى الصفا والمروة فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة ونصبهما على زمزم فطاف الناس قوله المروة المروة الحصاة الصغيرة يجمع قليلها على مروات وكثيرها مرو مثل تمرة وتمرات وتمر وقال الزمخشري الصفا والمروة علمان للجبلين كالصمان والمقطم وقيل سمي الصفا به لأنه جلس عليه آدم صفي الله عليه السلام والمروة سميت بها لأن حواء عليها السلام جلست عليها وفي ( تفسير النسفي ) روي عن ابن عباس أنه كان في المسعى سبعون وثنا فقال السملمون يا رسول الله هذه الأرجاس الأنجاس في مسعانا ونحن نتأثم منها فأنزل الله تعالى فلا جناح عليه أن يطوف بهما أي فلا إثم عليه أن يسع بينما ويطوف فأمر بها فنحيت عن المسعى وكذلك فعل

(18/99)


بالأوثان التي كانت حول الكعبة شرفها الله تعالى قوله حذو قديد الحذو بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره واو وهو الحذاء والإزاء والمقابل وقديد بضم القاف وفتح الدال موضع من منازل طريق مكة إلى المدينة قوله يتحرجون أي يتأثمون
4496 - حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عاصم بن سليمان قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة فقال كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله الفريابي وسفيان هو الثوري وعاصم بنس ليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري والحديث مر في الحج في باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة قوله كنا نرى بضم النون وفتحها قوله أنهما أي أن الصفا والمروة ولم يقع في بعض النسخ لفظ والظاهر أنه من الكاتب إذ لا بد منه لأن المعنى لا يتم إلا به
22 -
( باب قوله تعالى من الناس من يتخذ من دون الله أندادا ( البقرة 165 ) أضدادا واحدها ند )
أي هذا باب فيه ذكر قوله تعالى ومن الناس وهم المشركون جعلوا الله أندادا وفسرها البخاري بقوله أضدادا وكذا فسرها أبو عبيدة قيل الند في اللغة المثل لا الضد وأجيب بأن المثل المخالف المعادي فيه معنى الضدية
4497 - حدثنا ( عبدان ) عن ( أبي حمزة ) عن ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( عبد الله ) قال قال النبي كلمة وقلت أخرى قال النبي من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار وقلت أنا من مات وهو لا يدعو لله ندا دخل الجنة ( انظر الحديث 1238 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن في الآية ما يدل على أن من مات وهو يدعو لله نداد دخل النار وعبدان لقب عبد الله بن عثمان المروزي وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون والأعمش سليمان وشقيق أبو وائل بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود والحديث مضى في أول الجنائز فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك قيل من أين علم ابن مسعود ذلك وأجيب بأنه استفاد من قول رسول الله إذ انتفاء السبب يقتضي انتفاء المسبب وهذا بناء على أن لا واسطة بين الجنة والنار وفيه تأمل
23 -
( باب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر ( البقرة 178 ) إلى قوله عذاب أليم عفي ترك )
أي هذا باب فيه ذكر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ( البقرة 178 ) هكذا وقع في رواية الكل غير أبي ذر وفي روايته باب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص الآية قال الفراء نزلت هذه الآية في حيين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهر فقتل الأوضع من الحيين من الشريف قتلى فأقسم الشريف ليقتلن الذكر بالأنثى والحر بالعبد وأن يضاعفوا الجراحات فأنزل الله تعالى هذا على نبيه ثم نسخ أيضا نسخة قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ( المائدة 45 ) إلى آخر الآية فالأولى منسوخة لا يعمل بها ولا يحكم ومذهب أبي حنيفة أن الحر يقتل بالعبد بهذه الآية وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود وهو مروي عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي

(18/100)


وقتادة والحكم وعن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة وهو مذهب الشافعي ومالك أن الحر لا يقتل بالعبد والذكر لا يقتل بالأنثى أخذا بهذه الآية أعني قوله الحر بالحر والعبد بالعبد ( البقرة 178 ) وقد قلنا إنها منسوخة قوله كتب عليكم القصاص ذكر الواحدي أن معناه في اللغة المماثلة والمساواة وقال ابن الحصار القصاص المساواة والمجازاة والمراد به العدل في الأحكام وهذا حكم الله عز و جل الذي لم يزل ولا يزال أبدا فلا نسخ فيه ولا تبديل له والمراد بآية المائدة تبين العدل في تكافىء الدماء في الجملة وترك التفاضل لاجتهاد العلماء وعلى هذا فليس بينهما تعارض قلنا الأنسب عموم آية المائدة وفيها مقابلة مطلقة وهذه الآية فيها مقابلة مقيدة فلا يحمل المطلق على المقيد على أن مقابلة الحر بالحر لا ينافي مقابلة الحر بالعبد لأنه ليس فيه إلا ذكر بعض ما يشمله العموم على موافقة حكمه وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي قوله عفي ترك أشار به إلى تفسير قوله فمن عفي له من أخيه شيء أي فمن ترك وصفح له من الواجب عليه في العمد فرضي بالدية فاتباع بالمعروف أي فعلى القتيل
4498 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عمرو ) قال سمعت ( مجاهدا ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله عنهما يقول كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهاذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فالعفو أن يقبل الدية في العمد فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان يتبع بالمعروف ويؤدي بإحسان ذالك تخفيف من ربكم ورحمة مما كتب على من كان قبلكم فمن اعتدى بعد ذالك فله عذاب أليم قتل بعد قبول الدية
مطابقته للآية أوضح ما يكون والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده وهو حميد بن زهير وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قتيبة وأخرجه النسائي في التفسير عن عبد الجبار وفي القصاص عن الحارث بن مسكين
قوله فمن عفي له من أخيه شيء معناه قبول الدية في العمد وقيل فيمن قتل وله وليان فعفا أحدهما فللآخر أن يأخذ مقدار حصته من الدية وقال الخطابي العفو في الآية يحتاج إلى تفسير وذلك أن ظاهر العفو يوجب أن لا تبعة لأحدهما على الآخر فما معنى الإتباع والإعفاء فمعناه أن من عفي عنه الدم بالدية فعلى صاحب الدية اتباع أي مطالبة بالدية وعلى القاتل أداء الدية إليه وقال الزمخشري وأخوه هو ولي المقتول وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل أنه ولي الدم ومطالبه به أو ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام وقال إن عفا يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله فمن عفا له قلت يتعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب فيقال عفوت عن فلان وعن ذنبه قال الله تعالى عفا الله عنك ( التوبة 43 ) وعفا الله عنها فإذا تعدى إلى الذنب قيل عفوت لفلان عما جنى كما تقول عفوت له ذنبه وتجاوزت له عنه وعلى هذا ما في الآية كأنه قيل فمن عفا له عن جنايته فاستغنى عن ذكر الجناية قوله شيء أي من العفو إنما قيل ذلك للإشعار بأن بعض العفو عن الدم أو عفو بعض الورثة يسقط القصاص ولم يجب إلا الدية قوله فاتباع بالمعروف أي فليكن اتباع أو فالأمر اتباع وقد ذكرناه عن قريب قوله ذلك أي الحكم المذكور من العفو والديةلأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص اليته وحرم عليهم العفو واخذ الدية وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الأمة بين الثلاث القصاص والدية والعفو وتوسعة عليهم وتيسيرا قوله كما كتب على من كان قبلكم هم أهل التوراة والإنجيل قوله فمن اعتدى بعد ذلك أي بعد التخفيف وتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدية وهو معنى قوله قتل بعد قبول الدية وهو على صيغة المعلوم من الماضي وقع تفسيرا لقوله فمن اعتدى قوله فله عذاب أليم نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة
4498 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( عمرو ) قال سمعت ( مجاهدا ) قال سمعت ( ابن عباس ) رضي الله عنهما يقول كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهاذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فالعفو أن يقبل الدية في العمد فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان يتبع بالمعروف ويؤدي بإحسان ذالك تخفيف من ربكم ورحمة مما كتب على من كان قبلكم فمن اعتدى بعد ذالك فله عذاب أليم قتل بعد قبول الدية
مطابقته للآية أوضح ما يكون والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده وهو حميد بن زهير وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قتيبة وأخرجه النسائي في التفسير عن عبد الجبار وفي القصاص عن الحارث بن مسكين
قوله فمن عفي له من أخيه شيء معناه قبول الدية في العمد وقيل فيمن قتل وله وليان فعفا أحدهما فللآخر أن يأخذ مقدار حصته من الدية وقال الخطابي العفو في الآية يحتاج إلى تفسير وذلك أن ظاهر العفو يوجب أن لا تبعة لأحدهما على الآخر فما معنى الإتباع والإعفاء فمعناه أن من عفي عنه الدم بالدية فعلى صاحب الدية اتباع أي مطالبة بالدية وعلى القاتل أداء الدية إليه وقال الزمخشري وأخوه هو ولي المقتول وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل أنه ولي الدم ومطالبه به أو ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام وقال إن عفا يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله فمن عفا له قلت يتعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب فيقال عفوت عن فلان وعن ذنبه قال الله تعالى عفا الله عنك ( التوبة 43 ) وعفا الله عنها فإذا تعدى إلى الذنب قيل عفوت لفلان عما جنى كما تقول عفوت له ذنبه وتجاوزت له عنه وعلى هذا ما في الآية كأنه قيل فمن عفا له عن جنايته فاستغنى عن ذكر الجناية قوله شيء أي من العفو إنما قيل ذلك للإشعار بأن بعض العفو عن الدم أو عفو بعض الورثة يسقط القصاص ولم يجب إلا الدية قوله فاتباع بالمعروف أي فليكن اتباع أو فالأمر اتباع وقد ذكرناه عن قريب قوله ذلك أي الحكم المذكور من العفو والديةلأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص اليته وحرم عليهم العفو واخذ الدية وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الأمة بين الثلاث القصاص والدية والعفو وتوسعة عليهم وتيسيرا قوله كما كتب على من كان قبلكم هم أهل التوراة والإنجيل قوله فمن اعتدى بعد ذلك أي بعد التخفيف وتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدية وهو معنى قوله قتل بعد قبول الدية وهو على صيغة المعلوم من الماضي وقع تفسيرا لقوله فمن اعتدى قوله فله عذاب أليم نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة

(18/101)


4499 - حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) حدثنا ( حميد ) أن ( أنسا ) حدثهم عن النبي قال كتاب الله القصاص
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه البخاري في الصلح وفي الديات وهنا تارة مطولا وتارة مختصرا وهذا من ثلاثيات البخاري وهو السادس عشر منها قوله كتاب الله أي حكم الله ومكتوبه وكتاب الله مبتدأ أو القصاص خبره ويجوز النصب فيهما على أن الأول إغراء والثاني بدل منه ويجوز في الثاني الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي اتبعوا كتاب الله فيه القصاص
4500 - ح ( دثني عبد الله بن منير ) سمع ( عبد الله بن بكر السهمي ) حدثنا ( حميد ) عن ( أنس ) أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا فأتوا رسول الله وأبو إلا القصاص فأمر رسول الله بالقصاص فقال أنس بن النضر يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مضى في باب الصلح في الدية فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد عن أنس وقال الحافظ المزي لم يذكره أبو مسعود وذكره خلف وقد مضى الكلام فيه هناك
والربيع بضم الراء مصغر الربيع ضد الخريف وهي بنت النضر عمة أنس والجارية المرأة الشابة وأنس بن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو أخو الربيع قوله لأبره أي جعله بارا في قسمه وفعل ما أراده قيل كيف يصح القصاص في الكسر وهو غير مضبوط وأجيب بأن المراد بالكسر القلع أو كان كسرا مضبوطا قلت في الجواب نظر والصواب أن يقال أراد بالكسر الكسر الذي يمكن فيه المماثلة وقيل ما امتنع عن قول رسول الله وأنكر الكسر وأجيب بأنه أراد لاستشفاع من رسول الله إليهم ولم يرد به الإنكار أو أنه قبل أن يعرف أن كتاب الله القصاص على التعيين وظن التخيير بين القصاص والدية
24 -
( باب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( البقرة 183 )
أي هذا باب فيه ذكر قوله يا أيها الذين آمنوا الآية قوله كتب أي فرض عليكم الصيام وهو الإمساك عن المفطرات الثلاث الأكل والشرب والجماع نهارا مع النية قوله كما كتب على الذين من قبلكم أي على الأمم الذين مضوا قبلكم قال النسفي في ( تفسيره ) تكلموا في قضية التشبيه قيل إنه تشبيه في أصل الوجوب لا في قدر الواجب وكان الصوم على آدم عليه الصلاة و السلام أيام البيض وصوم عاشوراء على قوم موسى وكان على كل أمة صوم والتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه ويقال هذا قول الجمهور وأسنده ابن أبي حاتم والطبري عن معاذ وابن مسعود وغيرهما من الصحابة والتابعين وزاد الضحاك ولم يزل الصيام مشروعا في زمن نوح عليه السلام وقال النسفي وقيل هذا التشبيه في الأصل والقدر والوقت جميعا وكان على الأولين صوم رمضان لكنهم زادوا في العدد ونقلوه من أيام الحر إلى أيام الاعتدال وروى فيه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر مرفوعا بإسناد فيه مجهول ولفظه صيام رمضان كتبه الله تعالى على الأمم قبلكم وبهذا قال الحسن البصري والسدي

(18/102)


4501 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما قال كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان قال من شاء صامه ومن شاء لم يصمه ( انظر الحديث 1892 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فلما نزل رمضان ويحيى هو ابن سعيد القطان وعبيد الله هذا هو ابن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد مضى هذا في كتاب الصيام في باب صوم يوم عاشوراء من وجه آخر وتقدم الكلام فيه هناك قوله فلما نزل رمضان أي صوم رمضان
4502 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان عاشوراء يصام قبل رمضان فلما نزل رمضان قال من شاء صام ومن شاء أفطر
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الذي قبله وابن عيينة هو سفيان والحديث مضى في الصيام في باب صوم يوم عاشوراء فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن الزهري بأتم منه قوله كان عاشوراء أي يوم عاشوراء يصام فيه قوله قبل رمضان أي قبل فرض شهر رمضان
4503 - حدثني محمود أخبرنا عبيد الله عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال دخل عليه الأشعث وهو يطعم فقال اليوم عاشوراء فقال كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فادن فكل
مطابقته للترجمة مثل ذلك ومحمود هو ابن غيلان قال الكرماني وفي بعض النسخ محمد والأول أصح وعبيد الله هو ابن موسى بن باذام الكوفي وهو شيخ البخاري أيضا روى عنه هنا بالواسطة وإسرائيل هو أبو يونس ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو ابن قيس وعبد الله هو ابن مسعود
والحديث أخرجه مسلم في الصوم عن إسحاق ابن منصور
قوله دخل عليه الأشعث بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة ابن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة الكندي قدم على رسول الله سنة عشر في وفد كندة وكان رئيسهم وقال ابن إسحاق عن الزهري قدم في ستين راكبا من كندة وأسلم وكان في الجاهلية رئيسا مطاعا في كندة وكان في الإسلام وجيها في قومه إلا أنه كان ممن ارتد عن الإسلام بعد النبي ثم راجع الإسلام في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه مات سنة أربعين بعد مقتل علي بن أبي طالب بأربعين يوما بالكوفة قوله وهو يطعم أي والحال أن عبد الله كان يأكل قوله فقال أي الأشعث قوله فقال كان يصام أي فقال عبد الله كان عاشوراء يصام قبل أن ينزل فرض صوم رمضان قوله ترك على صيغة المجهول أي ترك صومه قوله فادن أمر من دنا يدنو وكذلك قوله فكل أمر من أكل
4504 - ح ( دثني محمد بن المثنى ) حدثنا ( يحيى ) حدثنا ( هشام ) قال أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في الصيام في باب صيام عاشوراء فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام ومضى الكلام فيه هناك

(18/103)


25 -
( باب قوله أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ( البقرة184 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى أياما معدودات إلى آخر الآية قوله أياما منصوب بفعل محذوف تقديره صوموا أياما معدودات يعني في أيام معدودات أي مؤقتا بعدد معلوم وقيل منصوب بقوله ( ولعلكم تتقون أياما ) أي في أيام وقال الزمخشري انتصاب أياما بالصيام كقولك نويت الخروج يوم الجمعة وقال بعضهم وللزمخشري في إعرابه كلام متعقب ليس هذا موضعه ( قلت ) التعقيب في كلام المتعقب من غير تأمل وقد سمعت الأساتذة الكبار من علماء العرب والعجم أن من رد على الزمخشري في غير الاعتقاديات فهو رد عليه والمتعقب هو أبو البقاء حيث قال لا يجوز أن ينصب بالصيام لأنه مصدر وقد فرق بينه وبين أيام بقوله كما كتب وما يعمل فيه المصدر كالصلة ولا يفرق بين الصلة والموصول بأجنبي انتهى ( قلت ) قال القاضي أيضا نصبها ليس بالصيام لوقوع الفصل بينهما بل بإضمار صوموا ( قلت ) للزمخشري فيه دقة نظر وهو أنه إنما قال انتصاب أياما بالصيام نظرا إلى أن قوله كما كتب حال فلا يكون أجنبيا عن العامل والمعمول وقال صاحب ( اللباب ) يجوز أن ينتصب بالصيام إذا جعلت كما كتب حالا وقال الزجاج الأجود أن يكون العامل في أياما الصيام كأن المعنى كتب عليكم أن تصوموا أياما معدودات ولقد أجاد من قال
( وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم )
قوله أو على سفر أي أو راكب سفر قوله فعدة أي فعليه عدة وقرىء بالنصب يعني فليصم عدة قوله من أيام أخر وفي قراءة أبي من أيام أخر متتابعات قوله وعلى الذين يطيقونه أي الصوم أي الذين لا عذر لهم إن أفطروا فدية طعام مسكين نصف صاع من بر أو صاع من غيره وكان ذلك في أول الإسلام حين فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية وقرأ ابن عباس ( يطوقونه ) أي يكلفونه وعنه ( يتطوقونه ) يعني يتكلفونه وهم الشيوخ والعجائز وحكمهم الإفطار والفدية قوله فمن تطوع خيرا أي زاد على مقدار الفدية قوله فهو خير له أي فالتطوع خير له وقرىء ( فمن يطوع ) بمعنى يتطوع قوله وأن تصوموا أي وصومكم أيها المطيقون خير لكم من الفدية وتطوع الخير وفي قراءة أبي ( والصيام خير لكم )
وقال عطاء يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى
أي قال عطاء بن أبي رباح يفطر المريض مطلقا أي مرض كان كما قال الله عز و جل من غير قيد وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء من أي وجع أفطر في رمضان قال من المرض كله
وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما
أو ولدهما تقطران ثم تقضيان
أي قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي الخ وتعليق الحسن وصله عبد بن حميد من طريق يونس بن عبيد عنه قال المرضع إذا خافت على ولدها أفطرت وأطعمت والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت وهي بمنزلة المريض ومن طريق قتادة عن الحسن تفطران وتقضيان وتعليق إبراهيم وصله عبد بن حميد أيضا من طريق أبي معشر عنه قال الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وقضتا صومهما
وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر
عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبرا ولحما وأفطر

(18/104)


أي وأما الشيخ الكبير إذا لم يقدر على الصوم فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر بكسر الباء الموحدة قوله عاما أي في عام قوله أو عامين شك من الراوي تقدير الكلام أما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصوم فقد استحق الأكل يأكل وليس قوله فقد أطعم جواب أما بل هو دليل على الجواب محذوفا كما قلناه وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس عن أنس أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر فأطعم مسكينا كل يوم انتهى وكان أنس حينئذ في عشرة المائة
قراءة العامة يطيقونه وهو أكثر
دأب البخاري أنه يذكر عند عقيب آية من القرآن ما يتعلق بلغة لفظ منها أو بقراءة فيها قوله يطيقونه من أطاق يطيق وقد مر الكلام فيه عن قريب
4505 - ح ( دثني إسحاق ) أخبرنا ( روح ) حدثنا ( زكريا بن إسحاق ) حدثنا ( عمرو بن دينار ) عن ( عطاء ) سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا
إسحاق هو ابن راهويه قال بعضهم وقال صاحب ( التوضيح ) إسحاق هو ابن إبراهيم كما صرح به أبو نعيم في ( مستخرجه ) قلت روى البخاري عن خمسة أنفس كل منهم يسمى إسحاق بن إبراهيم ولم يبين أي إسحاق بن إبراهيم هو والظاهر أنه إسحاق ابن إبراهيم الذي يقال له راهويه لأنه روى عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن دينار المكي عن عطاء ابن أبي رباح المكي
قوله يطوقونه بضم الياء وتخفيف الطاء وتشديد الواو على البناء للمجهول بمعنى يتكلفونه وكذا وقع تفسيره عند النسائي وهي قراءة ابن مسعود أيضا قوله قال ابن عباس إلى آخره إشارة إلى أن ابن عباس لا يرى النسخ في هذا وقد خالفه الجمهور وحديث مسلمة الذي يأتي عن قريب يدل على أنها منسوخة وحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح القيم بإيجاب الصيام عليه لقوله تعالى فمن شهد منك الشهر فليصمه ( البقرة185 ) وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصوم فله أن يفطر ولا قضاء عليه ولكنه هل يجب عليه إذا أفطر أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان ذا جدة فيه قولان للعلماء أحدهما لا يجب كالصبي وهو أحد قولي الشافعي والثاني هو الصحيح وعليه أكثر العلماء أنه يجب عليه فدية عن كل يوم كما فسره ابن عباس على قراءة يطوقون أي يتجشمونه كما قاله ابن مسعود وغيره وهو اختيار البخاري حيث قال وأما الشيخ الكبير الخ كما مر آنفا
26 -
( باب فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( البقرة185 )
أي هذا في بيان قوله تعالى فمن شهد أي فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصمه ولا يفطر قال الزمخشري الشهر منصوب على الظرف وكذلك الهاء في فليصمه ولا يكون مفعولا لأنه انتهى قلت أراد بهذا الرد على من قال أنه مفعول به ومثل لما قاله بقوله كقولك شهدت الجمعة لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر
4506 - حدثنا ( عياش بن الوليد ) حدثنا ( عبد الأعلى ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أنه قرأ فدية طعام مساكين قال هي منسوخة
عياش بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة ابن الوليد الرقام البصري يروي عن عبد الأعلى السامي البصري عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قوله فدية طعام بالإضافة ومساكين بالجمع وهي قراءة نافع وابن ذكوان والباقون بتنوين فدية وتوحيد مسكين وطعام بالرفع على أنه بدل من فدية قوله هي منسوخة أي الآية التي هي قوله وعلى الذين يطيقونه ( البقرة184 ) وقد مر الكلام فيه عن قريب ورجحه ابن المنذر من جهة قوله وأن

(18/105)


تصوموا خير لكم ( البقرة184 ) قال لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال وإن تصوموا خير لكم مع أنه لا يطيق الصيام
4507 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( بكر بن مضر ) عن ( عمرو بن الحارث ) عن ( بكير بن عبد الله ) عن ( يزيد ) مولى ( سلمة بن الأكوع ) عن ( سلمة ) قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن يفطر ويقتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها
هذا أيضا صريح في دعوى النسخ وأخرجه مسلم في الصوم وأبو داود والترمذي أيضا فيه والنسائي في التفسير خمستهم عن قتيبة عن بكر بن مضر
قال أبو عبد الله مات بكير قبل يزيد
أبو عبد الله هو البخاري نفسه هذا ثبت في رواية المستعلى وحده أي مات بكير بن عبد الله بن الأشج الراوي عن يزيد بن أبي عبيد مولى مسلمة قبل شيخه يزيد وكانت وفاة بكير سنة عشرين ومائة وقيل قبلها أو بعدها ومات يزيد سنة ست أو سبع وأربعين ومائة
27 -
( باب أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ( البقرة187 )
أي هذا في بيان أحكام هذه الآية وهكذا هو في رواية أبي ذر وساق في رواية كريمة إلى آخر الآية قوله أحل لكم وقرىء أحل لكم ليلة الصيام الرفث على بناء الفاعل في أحل وبنصب الرفث أي أحل الله لكم الرفث أي الجماع وقرأ عبد الله الرفوث وإنما أفصح فيما ينبغي أن يكنى عنه استقباحا لما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختنانا لأنفسهم عدى بكلمة إلى لتضمنه معنى الإفضاء وسبب نزول الآية هو دفع المشقة عن عباده وذلك أن الرجل كان يحل له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد فإذا صلى أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى القابلة ثم أن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام والشراب بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقع أهله بعد العشاء فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي وأخبره بما فعل وقام ناس أيضا فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء فنزلت رخصة من الله ورفع ما كانوا عليه في ابتداء الإسلام قوله هن لباس لكم استئناف كالبيان لسبب الإحلال ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه قوله تختانون أنفسكم أي تظلمونها وتنقصونها حظها من الخير والاختنان من الختن كالاكتساب من الكسب فيه زيادة شدة قوله فتاب عليكم أي حين تبتم من المحظور قوله فالآن باشروهن أي في الوقت الذي كان يحرم عليكم الجماع فيه والمباشرة المجامعة لتصلاق بشرة كل منهم بصاحبه قوله وابتغوا ما كتب الله لكم أي اطلبوه يقال بغى الشيء يبغيه بغيا وابتغاه يبتغيه ابتغاء ومعنى ( ما كتب الله لكم ) ما قضاه لكم من الولد وقيل ما أحل لكم من الجماع وقيل ما كتب في اللوح المحفوظ والأمر أمر إباحة وقال أهل الظاهر أمر إيجاب وختم
4508 - حدثنا ( عبيد الله ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) وحدثنا ( أحمد بن عثمان ) حدثنا ( شريح بن مسلمة ) قال حدثني ( إبراهيم بن يوسف ) عن أبيه عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم

(18/106)


مطابقته للترجمة في قوله فأنزل الله إلى آخره وأخرجه من طريقين ( الأول ) عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب ( والثاني ) عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن شرح بالشين المعجمة وبالحاء المهملة عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه يوسف بن إسحاق عن جده أبي إسحاق عن البراء
والحديث أخرجه البخاري بالطريق الأول في الصوم عن عبيد الله أيضا وأخرج الثاني هنا فقط وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله كانوا لا يقربون النساء وقد اقتصر هنا على إتيان النساء والذي مضى في كتاب الصيام من حديث البراء أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا وأن الآية نزلت في ذلك ولكن وردت أحاديث تدل على عدم الفرق فحينئذ يحمل قوله كانوا لا يقربون النساء على الغالب فتنفق الأخبار قوله وكان رجال يخونون أنفسهم منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك
28 -
( باب قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد إلى قوله تتقون العاكف المقيم ( البقرة187 )
قوله تعالى وكلوا واشربوا أمر إباحة أباح الله تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض والخيط الأسود وقال الزمخشري الخيط أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود والخيط الأسود ما يمتد معه من غسق الليل شبههما بالخيط الأبيض والأسود قوله من الفجر بيان الخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما للآخر وكان هذا تشبيها مخرجا من باب الاستعارة قوله ولا تباشروهن أي ولا تجامعوهن والحال أنكم عاكفون أي معتكفون فيها والاعتكاف هو اللبث في المسجد بنية التعبد
4509 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( حصين ) عن ( الشعبي ) عن ( عدي ) قال أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي عقالين قال إن وسادك إذا لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك
مطابقته للترجمة في ذكر الخيط الأبيض والأسود وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري وحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي والشعبي عامر بن شراحيل والحديث مضى في الصيام في باب قوله تعالى وكلوا واشربوا وتقدم الكلام فيه هناك
4510 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ( جرير ) عن ( مطرف ) عن ( الشعبي ) عن ( عدي بن حاتم ) رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان قال إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال لا بل هو سواد الليل وبياض النهار
هذا طريق آخر في حديث عدي عن قتيبة عن جرير بن عبد الحميد عن مطرف بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة ابن طريف إلى آخره
4511 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) حدثنا ( أبو غسان محمد بن مطرف ) حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال وأنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل

(18/107)


من الفجر وكان رجال إذا أردوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعده من الفجر فعلموا أنما يعني الليل من النهار
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم البصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف بلفظ اسم الفاعل من التطريف بالطاء المهملة ملة وبالراء المدني وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار والحديث مضى في الصيام في باب قوله كلوا واشربوا ( البقرة187 ) بهذا الإسناد والمتن ومر الكلام فيه هناك
29 -
( باب قوله ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون ( البقرة189 )
أي هذا باب في ذكر قوله وليس البر الآية كذا هو في رواية أبي ذر وفي رواية غيره ساق إلى آخر الآية واختلفوا في سبب نزول هذه الآية فروى أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من قبل بابه فنزلت هذه الآية وقال الحسن البصري كان أقوام الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفره الذي خرج له ثم بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره لم يدخل البيت من بابه ولكن يتسوره من قبل ظهره فقال الله تعالى ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ( البقرة189 ) الآية وقال مجاهد كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل من باب البيت فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال عطاء بن أبي رباح كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها ويرون ذلك من أدنى البر فقال الله تعالى ليس البربان تأتوا البيوت من ظهورها ( البقرة189 )
4512 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) قال كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي
والحديث من أفراده بهذا الطريق وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر كانت قريش تدعى الحمس وكانوا لا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون الأمن الباب في الإحرام فبينا رسول الله في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله أن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له ما حملك على ما صنعت قال رأيتك فعلته ففعلته فقال إني رجل أحمس قال فإن ديني دينك فأنزل الله وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ( البقرة189 ) الآية قلت الحمس بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبسين مهملة جمع أحمس وهم قريش وكنانة وجديلة قيس سمو حمسا لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا والحماسة الشجاعة وكانوا يقفون بمزدلفة ولا يقفون بعرفة ويقولون نحن أهل الله فلا تخرج من الحرم وكانوا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون
30 -
( باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( البقرة193 )

(18/108)


أي هذا باب فيه قوله تعالى وقاتلوهم الآية قوله قوله وقاتلوهم أي المشركين قوله حتى لا تكون فتنة أي شرك قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حبان والسدي وزيد بن أسلم قوله ويكون الدين أي دين الله كله لله لأنه الظاهر العالي على سائر الأديان قوله فإن انتهوا أي عن الشرك والقتال فلا عدوان إلا على الظالمين فلا تعتدوا على المنتهين لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم فوضع قوله إلا على الظالمين موضع على المنتهين كذا فسره الزمخشري لكن يحتاج إلى تحرير الكلام لأن هذه الجملة الأسمية لا يمكن أن تكون جزاء لأن الشرط لا بد أن يكون سببا للجزاء وإثبات العدوان على سبيل الحصر على الظالمين ليس سببا لانتهاء المشرك عن الشرك وهذا الموضع لا يحتمل بسط الكلام فيه
4513 - حدثنا ( محمد بن بشار ) حدثنا ( عبد الوهاب ) حدثنا ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبيير فقالا إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( البقرة193 ) فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة وتكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمر والمعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمان ما حملك على أن تحج عام وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز و جل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمان ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( الحجرات9 ) قال فعلنا على عهد رسول الله وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله وختمه وأشار بيده فقال هاذا بيته حيث ترون
مطابقة للآية ظاهرة وفيه عشرة رجال ( الأول ) محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وقد تكرر ذكره ( والثاني ) عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي ( الثالث ) عبيد الله بن عمر العمري ( الرابع ) نافع مولى ابن عمر ( الخامس ) عثمان بن صالح السهمي وهو من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه في الأحكام حديثا غير هذا ( السادس ) عبد الله بن وهب ( السابع ) فلان قيل إنه عبيد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء وبالعين المهملة قاضي مصر مات سنة أربع وتسعين ومائة وقال البيهقي اجمعوا على ضعفه وترك الاحتجاج بما ينفرد به ( الثامن ) حيوة بن شريح المصري وهذا غير حيوة بن شريح الحضرمي فلا يشتبه عليك ( التاسع ) بكر بن عمر والعابد القدوة المعافري بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء وبالراء وقيل بضم الميم نسبة إلى المعافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن قرة بن ادد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان ينسب إليه كثير وعامتهم بمصر ( العاشر ) بكير مصغر ابن عبد الله بن الأشج ومن عثمان بن صالح إلى هنا كلهم

(18/109)


مصريون
قوله رجلان ( أحدهما ) العلاء بن عرار بالمهملات والأولى مكسورة قال ابن ماكولا علاء بن عرار سمع عبد الله بن عمر وروى عنه أبو إسحاق السبيعي ( والآخر ) حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة صاحب الدثنية ضبطه بعضهم بفتح الدال والثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف المفتوحة وقال هو موضع بالشام قلت كل ذلك غلط وقال ابن الأثير الدثنية بكسر الثاء المثلثة وسكون الياء ناحية قرب عدن قوله في فتنة ابن الزبير وهي محاصرة الحجاج عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وكانت في أواخر سنة ثلاث وسبعين وكان الحجاج أرسله عبد الملك بن مروان لقتال ابن الزبير وقتل عبد الله بن الزبير في آخر تلك السنة ومات عبد الله بن عمر في أول سنة أربع وسبعين قوله أن الناس ضيعوا بضم الضاد المعجمة وكسر الياء آخر الحروف المشددة من التضييع وهو الهلاك في الدنيا والدين هذه رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بفتح الصاد المهملة وفيه حذف تقديره صنعوا ما ترى من الاختلاف
قوله وزاد عثمان بن صالح أي زاد على رواية محمد بن بشار قوله أن رجلا قيل إنه حكيم ذكره الحميدي عن البخاري قوله وتترك الجهاد أي الجهاد الذي هو القتال مع هؤلاء كالجهاد في سبيل الله في الأجر وليس المراد الجهاد الحقيقي الذي هو القتال مع الكفار قوله أما قتلوه وأما يعذبوه إنما قال في القتل بلفظ الماضي وفي العذاب بلفظ المضارع لأن التعذيب كان مستمرا بخلاف القتل قوله فكرهتم أن تعفوا عنه بلفظ خطاب لجمع ويروى أن يعفو بالإفراد للغائب أي الله عز و جل قوله وخنته بفتح الخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق وبالنون قال ابن فارس الختن أبو الزوجة وقال الأصمعي الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الزوج والصهر يجمع ذلك كله قوله فهذا بيته يريد بين بيوت رسول الله وأراد بذلك قربه
31 -
( باب قوله وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ( البقرة195 )
أي هذا باب في قوله تعالى وأنفقوا الخ قوله ( وأنفقوا ) عطف على قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( البقرة193 ) وسبب نزولها أن الأنصار كانوا ينفقون ويتصدقون فأصابتهم سنة فأمسكوا والسبيل الطريق والمراد به طريق الخيرات قوله ولا تلقوا بأيدكم قال الزمخشري الباء زائدة المعنى أي لا تقبضوا التهلكة أيديكم وقيل معناه لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة فالأنفس مضمرة والباء أداة والأيدي عبارة عن كل البدن كما في قوله تعالى تبت يدا أبي لهب ( المسد1 ) أي تب هو قال الحسن البصري التهلكة البخل وقال سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( البقرة195 ) أن يذنب الرجل الذنب فيقول لا يغفر لي فأنزل الله تعالى ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة الآية رواه ابن مردويه وروى عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس التهلكة عذاب الله قوله وأحسنوا فيه أقوال أحدها في أداء الفرائض والثاني الظن بالله الثالث تفضلوا على من ليس في يده شيء الرابع صلوا الخمس
التهلكة والهلاك واحد
يعني كلاهما مصدران لكن التهلكة من نوادر المصادر يقال هلك الشيء يهلك هلاكا وهلوكا ومهلك ومهلكا وتهلكة والاسم الهلك بالضم والهلكة بفتح اللام والهلاك قال الزمخشري ويجوز أن يكون أصل التهلكة بكسر اللام كالتجربة فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاءت الجوار في الجوار
4516 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( النضر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان ) قال سمعت ( أبا وائل ) عن ( حذيفة ) وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال نزلت في النفقة
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر شمل وسليمان هو الأعمش وأبو وائل شقيق بن سلمة قوله في النفقة أي في ترك النفقة في سبيل الله

(18/110)


32 -
( باب قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ( البقرة196 )
أي هذا باب في قوله تعالى فمن كان منكم مريضا يعني فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق ( أو به أذى من رأسه ) وهو القمل أو الجراحة فعلية إذا حلق فدية ويجيء بيان الفدية عن قريب
4517 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( عبد الرحمان بن الأصبهاني ) قال سمعت ( عبد الله بن معقل ) قال قعدت إلى كعب بن عجرة في المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته من صيام فقال حملت إلى النبي والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا أما تجد شاة قلت لا قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من صعام واحلق رأسك فنزلت في خاصة وهي لكم عامة
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن وعبد الرحمن الأصبهاني بفتح الهمزة وكسرها وبالفاء وبالياء الموحدة وعبد الله بن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وفي آخره لام ابن مقرن المزني الكوفي التابعي والحديث مضى في الحج في باب الإطعام في الفدية بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك
33 -
( باب فمن تمنع بالعمرة إلى الحج ( البقرة196 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى فمن تمنع بالعمرة إلى الحج ( البقرة196 ) وأوله ( فإذا أمنتم ) أي من خوفكم وبر أتم من مرضكم وتمكنتم من أداء المناسك فمن كان منكم متمتعا بالعمرة إلى الحج ( فما استيسر من الهدي ) أي فعليه ما استيسر أي فعليه ما تيسر منه يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب ومحل كلمة ما رفع بالابتداء ويجوز أن يكون منصوبا أي فاهدوا ما استيسر من الهدى وهو اسم لما يهدى إلى الحرم من بعير أو بقرة أو شاة
34 -
( باب ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة198 ) يا
أي هذا باب فيه قوله تعالى ليس عليكم جناح أي حرج أو إثم ( أن تبتغوا ) أي أن تطلبوا ( فضلا من ربكم ) أي عطاء منه وتفضلا وهو النفع والربح والتجارة

(18/111)


4519 - ح ( دثني محمد ) قال أخبرني ( ابن عيينة ) عن ( عمرو ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة198 ) في مواسم الحج
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام بن الفرج البيكندي البخاري وابن عيينة هو سفيان وعمر وهو ابن دينار والحديث مضى في الحج في باب التجارة أيام الموسم
وعكاظ بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة ومجنة بفتح الميم والجيم وتشديد النون وذوا المجاز ضد الحقيقة وهذه كانت أسواقا للعرب قوله فتأثموا أي فتحرجوا قوله أن يتجروا أي بأن يتجروا قوله في المواسم جمع موسم وسمي به لأنه معلم مجتمع الناس إليه قوله في مواسم الحج قيل هذا اللفظ عند ابن عباس من القرآن من تتمة الآية والصحيح أنه تفسير منه لمحل ابتغاء الفضل فكأنه قال أي في مواسم الحج
35 -
( باب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( البقرة199 )
أي هذا باب فيه ذكر قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس أي لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس ولا تكن من المزدلفة وحاصل المعنى أن الله عز و جل أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ليذكر الله تعالى عند المشعر الحرام وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس يصنعون ويقفون بها غير أن قريشا لم يكونوا يخرجون من الحرم فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الجبل ويقولون نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته فلا يخرجون منه فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات
4520 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن خازم ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
مطابقته هي معنى الترجمة ومحمد بن خازم بالخاء المعجمة وبالزاي أبو معاوية الضرير وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير
قوله ومن دان دينها أي دين قريش قال الخطابي القبائل التي كانت تدين مع قريش هم بنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة وكانوا إذا أحرموا لا يتناولون السمن والأقط ولا يدخلون من أبواب بيوتهم وكانوا يسمون الخمس لأنهم تحمسوا في دينهم وتصلبوا والحماسة الشدة قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ثم سائر العرب غير الحمس وهم قريش ومن كان على دينهم وقيل المراد من الناس آدم عليه السلام وقيل إبراهيم عليه السلام وقرىء شاذا من حيث أفاض الناسي يعني آدم عليه السلام
4521 - ح ( دثني محمد بن أبي بكر ) حدثنا ( فضيل بن سليمان ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) أخبرني ( كريب ) عن ( ابن عباس ) قال تطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير أن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى

(18/112)


أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذي يبيتون به ثم ليذكروا الله كثيرا وأكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون وقال الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( البقرة199 ) حتى ترموا الجمرة
مطابقته للترجمة في قوله ثم أفيضوا إلى آخره ومحمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري وفضيل مصغر فضل بالضاد المعجمة
قوله ما كان حلالا بأن كان مقيما بمكة أو كان قد دخل بعمرة ثم تحلل منها قوله حتى يهل أي حتى يحرم بالحج قوله ما تيسر له جزاء للشرط أي ففديته ما تيسر له أو التقدير فعليه ما تيسر ويجوز أن يكون قوله ما تيسر له بدلا من قوله هدية ويكون الجزاء بأسره محذوفا تقديره ففديته ذلك أو فليفتد بذلك قوله غير أن لم تيسر له أي الهدى فعليه ثلاثة أيام في الحج أي قبل يوم عرفة وهذا تقييد من ابن عباس لإطلاق الآية قوله ثم لينطلق وفي رواية المستملي ثم ينطلق بدون اللام قوله من صلاة العصر أراد من أول وقت العصر وذلك عند صيرورة ظل كل شيء مثله ويحتمل أنه أراد من بعد صلاة العصر لأنها تصلى عقيب صلاة الظهر جمع تقديم ويكون الوقوف عقيب ذلك ولا شك أنه بعد الزوال وسأل الكرماني بأن أول وقت الوقوف زوال الشمس يوم عرفة وآخره صبح العيد ثم أجاب عن ذلك بأنه اعتبر في الأول الأشرف لأن وقت العصر أشرف وفي الآخر العادة المشهورة انتهى ( قلت ) فيه تأمل قوله حتى يبلغوا جمعا بفتح الجيم وسكون الميم وهو المزدلفة قوله الذي يبيتون به ويروى يتبرر فيه براءين مهملتين أي يطلب فيه البر ويروى يتبرز براء ثم زاي من التبرز وهو الخروج إلى البراز للحاجة والبراز بالفتح اسم للفضاء الواسع قوله أو أكثروا شك من الراوي قوله حتى ترموا الجمرة هذه غاية للإفاضة ويحتمل أن يكون غاية لقوله اكثروا
36 -
( باب ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( البقرة201 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية قوله ومنهم أي ومن الناس وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا فأنزل الله تعالى فيهم فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وما له في الآخرة من خلاق ( البقرة200 ) أي نصيب وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( البقرة200 ) فأنزل الله تعالى أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ( البقرة202 ) وعن علي رضي الله تعالى عنه الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الجنة وعذاب النار المرأة السوء
4522 - حدثنا ( أبو معمر ) حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) قال كان النبي يقول اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وقنا عذاب النار
مطابقته للترجمة أوضح ما يكون وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث هو ابن سعيد وعبد العزيز هو ابن صهيب والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن مسدد وأخرجه أبو داود في الصلاة عن مسدد
37 -
( باب وهو ألد الخصام ( البقرة201 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى وهو ألد الخصام وأول الآية ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على

(18/113)


ما في قلبه وهو ألد الخصام ( البقرة204 ) قوله ومن الناس أراد به الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو المنطق إذا لقي رسول الله ألان له القول وادعى أنه يحبه وأنه مسلم ويشهد الله على ما في قلبه أي يحلف ويقول الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام فقال الله في حقه وهو ألد الخصام أي شديد الجدال والخصومة والعداوة للمسلمين والألد أفعل التفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة والخصام المخاصمة وإضافة الألد بمعنى في أو يجعل الخصام ألد على المبالغة وقيل الخصام جمع خصم وصعاب بمعنى هو أشد الخصوم خصومة
وقال عطاء النسل الحيوان
أي قال عطاء بن أبي رباح النسل في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل ( البقرة205 ) الحيوان ووصله الطبري من طريق ابن جريج قلت لعطاء في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الحرث الزرع والنسل من الناس والأنعام
4523 - حدثنا ( قبيصة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عائشة ) ترفعه أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو الثوري نص عليه الحافظ المروزي وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والحديث مضى في المظالم فإنه أخرجه هناك عن أبي عاصم قوله ترفعه أي ترفع الحديث إلى النبي
وقال عبد الله حدثنا سفيان حدثني ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
عبد الله هو ابن الوليد العدني نص عليه المزي وكذلك سفيان هو الثوري وأورد هذا التعليق لتصريحه برفع حديث عائشة إلى النبي وهو موصول في ( جامع سفيان الثوري ) وقال بعضهم يحتمل أن يكون المراد من عبد الله هو الجعفي شيخ البخاري ويكون سفيان هو ابن عيينة لأن الحديث أخرجه الترمذي وغيره من رواية ابن عيينة ( قلت ) يحتمل ذلك ولكن الحافظ المزي وخلف نصا على أن عبد الله هو ابن الوليد وأن سفيان هو الثوري والله سبحانه وتعالى أعلم
38 -
( باب أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء إلى وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ( البقرة214 )
أي هذا باب ذكر فيه ( أم حسبتم ) إلى آخره ذكر عبد الرزاق في ( تفسيره ) عن قتادة نزلت هذه الآية في يوم الأحزاب أصاب النبي يومئذ وأصحابه بلاء وحصر قاله القرطبي وهو قول أكثر المفسرين قال وقيل نزلت في يوم أحد وقيل نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله تعالى ورسوله قوله أم حسبتم قد علم في النحو أن أم علي نوعين متصلة وهي التي تتقدمها همزة التسوية نحو سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ( إبراهيم121 ) وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر ومنقطعة وهي التي لا يفارقها معنى الإضراب وزعم ابن الشجري عن جميع البصريين أنها أبدا بمعنى بل وهي مسبوقة بالخبر المحض نحو تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه ( السجدة2 ) ومسبوقة بهمزة لغير الاستفهام نحو ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها ( الأعراف195 ) إذ الهمزة فيها للإنكار ثم إن أم هذه قد اختلفوا فيها فقال الزجاج معناها بل حسبتم وقال الزمخشري منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير وفي ( تفسير الجوزي ) أم هنا للخروج من حديث إلى حديث وفي ( تفسير ابن أبي السنان ) أم هذه متصلة بما قبلها لأن الاستفهام لا يكون في ابتداء الكلام فلا يقال أم عند خبر بمعنى عندك

(18/114)


وقيل هي معطوفة على استفهام محذوف مقدم أي أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم أن تدخلوا الجنة بغير مكروه قوله ولما يأتكم كلمة لما لنفي لم يفعل وكلمة لم لنفي فعل قوله مثل الذين خلوا أي صفة الذين مضوا من قبلكم من النبيين والمؤمنين وفيه إضمار أي مثل محنة الذين أو مصيبة الذين مضوا قوله مستهم البأساء والضرآء أي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب وقال ابن عباس وابن مسعود وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرة الهمداني والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان البأساء الفقر وقال ابن عباس الضراء السقم قوله وزلزلوا أي أزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع قوله حتى يقول الرسول يعني إلى الغاية التي يقول الرسول ومن معه فيها متى نصر الله يعني بلغ منهم الجهد إلى أن استبطؤا النصر وقالوا متى ينزل نصر الله قال مقاتل الرسول هو أليسع واسمه شعيا والذين آمنوا حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه من المؤمنين وأن ميشا بن حزقيا قتل اليسع عليه الصلاة و السلام وقال الكلبي هذا في كل رسول بعث إلى أمته وعن الضحاك يعني محمدا عليه الصلاة و السلام وقال القرطبي وعليه يدل نزول الآية الكريمة وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين أي بلغ بهم الجهد حتى استبطؤ النصر فقال الله عز و جل ( ألا إن نصر الله قريب ) ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك وارتياب وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير والتقدير يقول الذين آمنوا متى نصر الله فيقول الرسول ألا إن نصر الله قريب فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ولم يقدم المؤمنين لأنه المقدم في الزمان ويقول بالرفع والنصب فقراءة القراء بالنصب إلا مجاهدا قاله الفراء وبعض أهل المدينة رفعوه وقال الزمخشري النصب على إضمار أن والرفع على أنه في معنى الحال كقولك شربت الإبل حتى يجيء البعير حتى يجر بطته إلا أنها حال ماضية محكية قوله ألا إن نصر الله قريب أي قيل لهم أن نصر الله قريب إجابة لهم إلى طلبهم
4524 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) عن ( ابن جريج ) قال سمعت ( ابن أبي مليكة ) يقول قال ( ابن عباس ) رضي الله عنهما حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة ذهب بها هناك وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله قريب ( البقرة141 ) فلقيت عروة ابن الزبير فذكرت له ذلك فقال قالت عائشة معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولاكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم فكانت تقرؤها وظنوا أنهم قد كذبوا مثقلة
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن موسى يزيد الرازي الفراء يعرف بالصغير وهشام هو ابن حسان يروي عن عبد الملك ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن قتيبة
قوله قال ابن عباس حتى إذا استيأس الرسل أي من النصر وظنوا أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون قوله خفيفة أي خفيفة الذال في قوله قد كذبوا قوله ذهب بها أي ذهب ابن عباس بهذه الآية أي قوله حتى إذا استيأس الرسل الآية التي في سورة يوسف لا الآية التي في البقرة يعني فهم من هذه الآية ما فهم من تلك الآية لكون الاستفهام في متى نصر الله للاستبعاد والاستبطاء فهما متناستان في مجيء النصر بعد اليأس والاستيعادة قوله فلقيت عروة بن الزبير القائل بهذا هو ابن أبي مليكة الراوي
قوله فقال أي عروة بن الزبير قالت عائشة رضي الله تعالى عنها قوله قبل أن يموت ظرف للعلم لا للكون قيل لم أنكرت عائشة على ابن عباس بقولها معاذ الله إلى آخره مع أن قراءة التخفيف تحتمل معنى ما قالت عائشة بأن يقال خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم وأجيب بأن الإنكار من جهة أن مراده أن الرسل ظنوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بالآية التي في البقرة فقيل لو كان كما قالت عائشة لقيل وتيقنوا أنهم قد كذبوا لأن تكذيب القوم لهم كان متيقنا وأجيب بأن تكذيب أتباعهم

(18/115)


من المؤمنين كان مظنونا والمتيقن هو تكذيب الذين لم يؤمنوا أصلا فإن قيل فما وجه كلام ابن عباس قيل وجهه ما ذكره الخطابي بأن يقال لا شك أن مذهبه أنه لم يجز على الرسل أن يكذبوا بالوحي الذي يأتيهم من قبل الله لكن يحتمل أن يقال إنهم عند تطاول البلاء وإبطاء نجز الوعد توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان غلطا منهم فالكذب متأول بالغلط كقولهم كذبتك نفسك وقال الزمخشري وعن ابن عباس وظنوا حين ضعفوا أو غلبوا أنهم قد خلفوا ما وعدهم الله من النصر وقال وكانوا بشرا وتلا قوله وزلزلوا حتى يقول الرسول ( البقرة214 ) فإن صح هذا فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية وأما الظن الذي يترجح أحد الجانبين على الآخر فيه فغير جائز على آحاد الأمة فكيف بالرسل قوله تقرؤها أي فكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ قوله وكذبوا مثقلة أي بالتشديد وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وقراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف
39 -
( باب نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم الآية ( البقرة223 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية قوله حرث لكم أي مواضع حرث لكم وهذا مجاز شبههن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذر وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس أنزلت هذه الآية نساؤكم حرث لكم في أناس من الأنصار أتوا النبي فسألوه فقال النبي ائتها على كل حال إذا كان في الفرج وروي أيضا عن ابن عباس قال جاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله فقال يا رسول الله هلكت قال ما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا قال فأوحى الله إلى رسول الله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ورواه الترمذي وقال حسن غريب قوله أنى شئتم أي كيف شئتم مقبلة أو مدبرة إذا كان في صمام واحد أي في مسلك واحد والصمام ما يسد به الفرجة فسمى به الفرج ويجوز أن يكون في موضع صمام على حذف مضاف وهو بكسر الصاد المهملة وتحفيف الميم ويروى بالسين المهملة
4526 - حدثنا ( إسحاق ) أخبرنا ( النضر بن شميل ) أخبرنا ( ابن عون ) عن ( نافع ) قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال تدري فما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في كذا وكذا لأن المراد به في إتيان النساء في أدبارهن على ما نذكره عن قريب وإسحاق هو ابن راهويه يروي عن النضر بالضاد المعجمة ابن شميل بالشين المعجمة مصغر شمل يروي عن عبد الله بن عون بفتح العين وبالنون عن نافع مولى بن عمر عن عبد الله بن عمر
وأخرج هذا الحديث في تفسيره وقال بدل قوله حتى انتهى إى مكان قال تدري إلى قوله قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن وهكذا أورده ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله وهذا قد فسر ذاك المبهم في حديث الباب قوله ثم مضى أي في قراءته
4527 - وعن ( عبد الصمد ) حدثني أبي حدثني ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في رواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
هذا معطوف على قوله أخبرنا بالنضر بن شميل يعني النضر يروي أيضا عن عبد الصمد بن عبد الوارث وهو يروي عن أبيه عبد الوارث بن سعيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهذه الرواية رواها جرير ابن في ( التفسير ) عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدبر ووقع هنا في رواية البخاري يأتيها في وسكت عن مجرورها ولم يذكر في أي شيء وهكذا وقع في جميع النسخ ولكن الحميدي ذكر

(18/116)


في ( الجمع بين الصحيحين ) يأتيها في الفرج وبهذا قد تبين أن مجرور كما نفي هو الفرج وقال بعضهم هو من عنده بحسب فهمه وليس مطابقا لما في نفس الأمر وأيد كلامه بقوله وقد قال أبو بكر بن العربي أورد البخاري هذا الحديث في ( التفسير ) فقال يأتيها في وترك بياضا انتهى قلت لا نسلم عدم المطابقة لما في نفس الأمر لأن ما في نفس الأمر عند من لا يرى إباحة إتيان النساء في أدبارهن أن يقدر بعد كلمة في إما لفظ في الفرج أو في القبل أو في موضع الحرث والظاهر من حال البخاري أنه لا يرى إباحة ذلك ولكن لما ورد في حديث أبي سعيد الخدري ما يفهم منه إباحة ذلك ووردت أحاديث كثيرة في منع ذلك تأمل في ذلك ولم يترجح عنده في ذلك الوقت أحد الأمرين فترك بياضا بعد في ليكتب فيه ما يترجح عنده من ذلك والظاهر أنه لم يدركه فبقي البياض بعده مستمرا فجاء الحميدي وقدر ذلك حيث قال يأتيها في الفرج نظرا إلى حال البخاري أنه لا يرى خلافه ولو كان الحميدي علم من حال البخاري أنه يبيح الإتيان في إدبار النساء لم يقدر هذا بل كان يقدر يأتيها في أي موضع شاء كما صرح في رواية ابن جرير في نفس حديث عبد الصمد يأتيها في دبرها ثم قال هذا القائل هذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن سببها استعماله قلت ليت شعري من قال من أهل صناعة البديع أن حذف المجرور وذكر الجار وحده من أنواع البديع والاكتفاء إنما يكون في شيئين متضادين يذكر أحدها ويكتفي به عن الآخر كما في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ( النحل81 ) والتقدير والبرد أيضا ولم يبين أيضا ما هو المحسن لذلك على أن جمهور النحاة لا يجوزون حذف المجرور إلا أن بعضهم قد جوز ذلك في ضرورة الشعر وقد عاب الإسماعيلي على صنيع البخاري ذلك فقال جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريقه عن الثلاثة عن نافع نحو رواية ابن عون عنه ولفظ نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك قال فقلت له من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها
وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فذهب محمد بن كعب القرظي وسعيد بن يسار المدني ومالك إلى إباحة ذلك واحتجوا في ذلك بما رواه أبو سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا اثغرها فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ( البقرة223 ) وقالوا معنى الآية حيث شئتم من القبل والدبر وقال عياض تعلق من قال بالتحليل بظاهر الآية وقال ابن العربي في كتابه ( أحكام القرآن ) جوزته طائفة كثيرة وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتابه ( جماع النسوان ) وأسند جوازه إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة وقال أبو بكر الجصاص في كتابه ( أحكام القرآن ) المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تدفع بنفيهم عنه وقد روى محمد بن سعد عن أبي سليمان الجوزجاني قال كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر فضرب بيده على رأسه وقال الساعة اغتسلت منه ورواه عنه ابن القاسم ما أدركت أحدا اقتدى به في ديني يشك فيه أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال فأي شيء أبين من هذا وما أشك فيه وأما مذهب الشافعي فيه فما قاله الطحاوي حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن رسول الله في تحريمه ولا في تحليله والقياس أنه حلال وقال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم
وذهب الجمهور إلى تحريمه فمن الصحابة علي بن أبي طالب ابن عباس وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو الدرداء وخزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق وأم سلمة وقد اختلف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والأصح عنه المنع ومن التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن أبي رباح ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي في الصحيح وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وآخرون كثيرون واحتجوا في ذلك بأحاديث كثيرة منها حديث ابن خزيمة أن رسول الله قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن أخرجه الطحاوي والطبراني وإسناده صحيح ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال هي اللوطية

(18/117)


الصغرى يعني وطء النساء في أدبارهن أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح والطيالسي والبيهقي ومنها حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لا ينظر الله عز و جل إلى رجل وطىء امرأة في دبرها أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وابن ماجه وأحمد ومنها حديث جابر بن عبد الله نحو حديث خزيمة وفي رواية لا بحل ما تأتي النساء في حشوشهن وفي رواية في محاشهن اخرجه الطحاوي ومنها حديث طلق بن علي أن رسول الله قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وفي رواية في أعجازهن أو قال في أدبارهن وأما الآية فتأولوها بفأتوا حرثكم أنى شئتم مستقبلين ومستدبرين ولكن في موضع الحرث وهو الفرج فإن قلت القاعدة عندكم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب قلت نعم لكن وردت أحاديث كثيرة فأخرجت الآية عن عمومها وأقصرتها على إباحة الوطء في الفرج ولكن على أي وجه كان
4528 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( سفيان ) عن ( ابن المنكدر ) سمعت جابر ارضى الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ( البقرة223 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري قاله بعضهم وذكر الحافظ المزي أنه سفيان بن عيينة وابن المنكدر بالنون محمد بن المنكدر
والحديث أخرجه مسلم في النكاح وغيره عن قتيبة وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن سهل بن أبي سهل وغيره
وظاهر حديث جابر هذا يوهم أنه مطابق لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وليس كذلك فإنه روى بوجوه كلها ترجع إلى معنى واحد فروى الطحاوي من حديث الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن يهوديا قال إذا نكح الرجل امرأته مجبية خرج ولده أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شئتم مجبية وإن شئتم غير مجببة إذا كان ذلك في صمام واحد وأخرجه مسلم أيضا نحوه وروى الطحاوي أيضا من حديث ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال رسول الله مدبرة ومقبلة ما كان في الفرج وفي رواية لمسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر بلفظ إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر بلفظ إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت وقوله فحملت يدل على أن مراده أن الإتيان في الفرج لا في الدبر وقال الطحاوي ففي توقيت النبي في ذلك على الفرج إعلام منه إياهم أن الدبر بخلاف ذلك قلت لأن تنصيصه على الفرج ينافي دخول الدبر قوله مجبية من جبى يجبى تجبية كعلى يعلى تعلية ومادته جيم وياء موحدة وألف ومعناه مكية على وجهها تشبيها بهيئة السجود وعن سعيد بن المسيب أنزلت هذه الآية الكريمة في الغزل أخرجه الدارمي ولفظه ( نساؤكم حرث لكم أنى شئتم ) قال إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل ورواه الطحاوي عن ابن عباس نحوه وعند الطبري أن أناسا من حمير أتوا رسول الله فقال رجل منهم يا رسول الله إني رجل أحب النساء فكيف ترى في ذلك فنزلت وعنده مقاتل قال حيي بن أخطب ونفر من اليهود للمسلمين إنه لا يحل لكم جماع النساء إلا مستلقيات وإنا نجد في كتاب الله عز و جل أن جماع المرأة غير مستلقية دنس عند الله تعالى فنزلت وعن ابن عباس الحرث منبت الولد وقال السدي هي مزرعة يزع فيها أو يحرث فيها وقال ابن حزم ما رويت إباحة الوطء في دبرها إلا عن ابن عمرو وحده باختلاف عنه وعن مالك باختلاف عنه فقط وذكر أبو الحسن المرغيناني أن من أتى امرأته في المحل المكروه فلا حد عليه عند الإمام أبي حنيفة ويعزر وقال هو كالزنا وقال أبو زكريا اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال وقال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان على حال من الأحوال
40 -
( باب وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ( البقرة232 )

(18/118)


أي هذا باب فيه قوله تعالى وإذا طلقتم النساء ( البقرة232 ) إلى آخره وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدو له تزويجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك فنهى الله تعالى أن يمنعوها وكذلك روى العوفي عنه وكذا قال مسروق وإبراهيم النخعي والزهري والضحاك إنها نزلت في ذلك وقد روى أن هذه الآية هي التي نزلت في معقل بن يسار على ما يجيء الآن وقال السدي نزلت في جابر بن عبد الله وابن عم له والصحيح الأول وقال الزمخشري إما أن يخاطب به الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما وإما أن يخاطب به الأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن وقال ابن جرير اتفق أهل التفسير على أن المخاطب بذلك الأولياء قوله فبلغن أجلهن وبلوغ الأجل في هذه الآية انقضاء العدة بخلاف الآية السابقة وقال الشافعي دل اختلاف الكلامين على اختلاف البلوغين قوله فلا تعضلوهن أي لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن وفي ( تفسير عبد بن أبي سعيد ) العضل الحبس وفي ( الموعب ) لابن التياني عن الفراء وقطرب وأبي عبيد عضل المرأة يعضلها ويعضلها وعن أبي عمرو يعضلها يعني بفتح الضاد وأمور معضلات شداد بكسر الضاد وعن ابن دريد عضل أيمه يعضلها عضلا وعضلها تعضيلا منعها من الزوج ظلما وقال الزجاج هو من قولهم عضلت الدجاجة فهي معضل إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج
4529 - حدثنا ( عبيد الله بن سعيد ) حدثنا ( أبو عامر العقدي ) حدثنا ( عباد بن راشد ) حدثنا ( الحسن ) قال حدثني معقل بن يسار قال كانت لي أخت تخطب إلي
مطابقته للترجمة تؤخذ من تمام الحديث والبخاري أخرجه هنا مختصرا وفي الطريق الثالث تمامه وأخرجه من ثلاث طرق كما ترى وعبيد الله بن سعيد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهو من أفراده وأبو عامر عبد الملك بن عمرو والعقدي بالعين المهملة والقاف المفتوحتين نسبة إلى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد وعباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن راشد والحسن هو البصري ومعقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف ابن يسار ضد اليمين المزني وقال العجلي يكنى أبا علي ولا نعلم في الصحابة أحدا يكنى به غيره قلت طلق بن علي يكنى أبا علي وكذلك قيس بن عاصم المنقري ذكره أبو أحمد وغيره
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي معمر وفي الطلاق عن محمد وفي النكاح أيضا عن أحمد بن أبي عمرو وفي الطلاق أيضا عن أبي موسى وأخرجه أبو داود في النكاح عن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن حميد وأخرجه النسائي فيه عن سوار بن عبد الله وغيره
وقال إبراهيم عن يونس عن الحسن حدثني معقل بن يسار
هذا طريق ثان وهو معلق وإبراهيم هو ابن طهمان ويونس هو ابن عبيد ووصله البخاري في النكاح وأراد بهذا التعليق بيان تصريح الحسن بالتحديث عن معقل
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن
هذا طريق ثالث عن أبي معمر بفتح الميمين عبد الله المشهور بالمقعد عن عبد الوارث بن سعيد عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قوله إن أخت معقل بن يسار واسمها جميل بنت يسار بضم الجيم وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي رواية أبي إسحاق الهمداني اسمها فاطمة بنت يسار وسماها ابن فتحون جملى بضم الجيم وسكون الميم وسماها محمدا المنذري ليلى
4529 - حدثنا ( عبيد الله بن سعيد ) حدثنا ( أبو عامر العقدي ) حدثنا ( عباد بن راشد ) حدثنا ( الحسن ) قال حدثني معقل بن يسار قال كانت لي أخت تخطب إلي
مطابقته للترجمة تؤخذ من تمام الحديث والبخاري أخرجه هنا مختصرا وفي الطريق الثالث تمامه وأخرجه من ثلاث طرق كما ترى وعبيد الله بن سعيد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهو من أفراده وأبو عامر عبد الملك بن عمرو والعقدي بالعين المهملة والقاف المفتوحتين نسبة إلى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد وعباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن راشد والحسن هو البصري ومعقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف ابن يسار ضد اليمين المزني وقال العجلي يكنى أبا علي ولا نعلم في الصحابة أحدا يكنى به غيره قلت طلق بن علي يكنى أبا علي وكذلك قيس بن عاصم المنقري ذكره أبو أحمد وغيره
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي معمر وفي الطلاق عن محمد وفي النكاح أيضا عن أحمد بن أبي عمرو وفي الطلاق أيضا عن أبي موسى وأخرجه أبو داود في النكاح عن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن حميد وأخرجه النسائي فيه عن سوار بن عبد الله وغيره
وقال إبراهيم عن يونس عن الحسن حدثني معقل بن يسار
هذا طريق ثان وهو معلق وإبراهيم هو ابن طهمان ويونس هو ابن عبيد ووصله البخاري في النكاح وأراد بهذا التعليق بيان تصريح الحسن بالتحديث عن معقل
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن
هذا طريق ثالث عن أبي معمر بفتح الميمين عبد الله المشهور بالمقعد عن عبد الوارث بن سعيد عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قوله إن أخت معقل بن يسار واسمها جميل بنت يسار بضم الجيم وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي رواية أبي إسحاق الهمداني اسمها فاطمة بنت يسار وسماها ابن فتحون جملى بضم الجيم وسكون الميم وسماها محمدا المنذري ليلى
41 -
( باب والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا إلى بما تعملون خبير ( البقرة234 )
أي هذا باب في قوله تعالى والذي يتوفون منكم الآية قوله والذين أي وأزواج الذين يتوفون منكم والخطاب

(18/119)


للمسلمين وقيل للمكلفين قال الكفار مخاطبون بالتفاصيل بشرط الإيمان قوله ويذرون أي يتركون قوله أزواجا أي زوجات قوله يتربصن أي بعدهم وقيل يحبسن أنفسهن وينتظرون أربعة أشهر وعشرا وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن بالإجماع إلا المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فإنها تعتد بالوضع ولم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( الطلاق4 ) وكان ابن عباس يرى أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع أو أربعة أشهر وعشرا للجمع بين الآيتين وكذلك يستثنى منها الزوجة إذا كانت أمة فإن عدتها على النصف من عدة الحرة شهران وخمسة أيام وعن الحسن وبعض الظاهرية التسوية بين الحرائر والإماء قوله وعشرا إنما لم يقل وعشرة ذهابا إلى الليالي والأيام داخلة فيها ثم الحكمة في هذه المدة ما قاله الراغب إن الأطباء يقولون إن الولد في الأكثر إذا كان ذكرا يتحرك بعد ثلاثة أشهر وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر فجعل ذلك عدة المتوفى عنها زوجها وزيد عليه عشرة أيام للاستظهار وخصت العشرة لأنها أكمل الأعداد وأشرفها وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة سألت سعيد بن المسيب ما بال العشرة قال فيه ينفخ الروح وكذا قال أبو العالية روى عنهما ابن جرير ومن هنا ذهب أحمد في رواية إن عدة أم الولد عدة الحرة لأنها صارت فراشا كالحرائر وروى فيه حديث عمرو بن العاص لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشرا ورواه أبو داود وابن ماجه أيضا وذهب إلى هذا أيضا طائفة من السلف منهم سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان وهو أمير المؤمنين وبه يقول الأوزاعي وإسحاق بن راهويه وقال طاووس وقتادة عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصف عدة الحرة وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح بن حيى تعتد بثلاث حيض وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه عدتهن حيضة وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور قوله فإذا بلغن أجلهن أي إذا انقضت عدتهن قاله الضحاك والربيع بن أنس قوله فلا جناح عليكم قال الزمخشري أيها الأئمة وجماعة المسلمين وقال الزهري أي أولياؤها قوله فيما فعلن يعني النساء اللاتي انقضت عدتهن من التعرض للخطاب وعن الحسن والزهري والسدي بالنكاح الحلال الطيب قوله بالمعروف أي بالوجه الذي لا ينكره الشرع
يعفون يهبن
أشار به إلى تفسير يعفون في قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( البقرة1237 ) وفسره بقوله يهبن وذكر ابن أبي حاتم أنه قول ابن عباس وشريح وابن المسيب وعكرمة ونافع ومجاهد والشعبي والحسن وابن سيرين ومقاتل وجابر بن زيد وعطاء الخراساني والزهري والضحاك والربيع بن أنس والسدي قال وخالفهم محمد بن كعب فقال ( إلا أن يعفون ) يعني الرجال قال وهو قول شاذ لم يتابع عليه انتهى قلت هذه اللفظة مشتركة بين جمع الرجال وجمع النساء تقول الرجال والنساء يعفون والفرق تقديري فالواو في الأول ضمير الرجال والنون علامة الرفع وفي الثاني الواو لام الفعل والنون ضمير النساء فلهذا لم تعمل فيها أن ولكن في محل النصب فوزن جمع المذكر يعفون ووزن جمع المؤنث يفعلن فافهم
4530 - ح ( دثني أمية بن بسطام ) حدثنا ( يزيد بن زريع ) عن ( حبيب ) عن ( ابن أبي مليكة ) قال ابن الزبير قلت لعثمان بن عفان والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قال قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف ابن بسطام بن المنتشر العيشي البصري وهو شيخ مسلم أيضا ويزيد من الزيادة ابن زريع مصغر زرع بفتح الزاي وحبيب هوابن الشهيد أبو محمد

(18/120)


الأزدي الأموي البصري وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير قاضي عبد الله بن الزبير والحديث من أفراده
قوله قال ابن الزبير أي عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وتمامه ( وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) الآية قوله فلم تكتبها استفهام على سبيل الإنكار بمعنى لم تكتب هذه الآية وقد نسختها الآية الأخرى وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ( البقرة234 ) والمنسوخة هي قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ( البقرة240 ) قوله أو تدعها شك من الراوي أي فلم تدعها أي تتركها مكتوبة قوله قال يا ابن أخي أي قال عثمان لابن الزبير يا ابن أخي إنما قال ذلك على عادة العرب أو نظرا إلى أخوة الإيمان أو لأن عثمان من أولاد قصي وكذلك عبد الله بن الزبير قوله لا أغير شيئا من مكانه أي لا أغير شيئا مما كتب من القرآن وكان عبد الله ظن أن ما نسخ لا يكتب وليس كما ظنه بل له فوائد الأولى أن الله تعالى لو أراد نسخ لفظه لرفعه كما فعل في آيات عديدة ومن صدور الحافظين أيضا الثانية أن في تلاوته ثوابا كما في تلاوة غيره الثالثة إن كان تثقيلا ونسخ بتخفيف عرف بتذكره قدر اللطف وإن كان تخفيفا ونسخ بتثقيل علم أن المراد انقياد النفس للأصعب لأن يظهر فيها عند ذلك التسليم والانقياد وكان الحكم في أول الإسلام إنه إذا مات الرجل لم يكن لامرأته شيء من الميراث إلا النفقة والسكنى سنة فالآية أعني قوله ويذرون أزواجا وصية أوجبت أمرين أحدهما وجوب النفقة والسكنى من تركة الزوج سنة والثاني وجوب الاعتداد سنة لأن وجوب النفقة والسكنى من مال الميت يوجب المنع من التزويج بزوج آخر ثم نسخ هذا أن الحكمان إما وجوب العدة في السنة فبقوله يتربصن بأنفسهن أربعة

(18/121)


أشهر وعشرا وقيل نسخ ما زاد فيه وأما وجوب النفقة والسكنى فمنسوخ بتقدير نصيبها من الميراث وقيل ليس فيها نسخ وإنما هو نقصان من الحول وقال الزمخشري كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة قلت قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل كقوله عز و جل سيقول السفهاء مع قوله ( قد نرى تقلب وجهك في السماء )
4531 - حدثنا ( إسحاق ) حدثنا ( روح ) حدثنا ( شبل ) عن ( ابن نجيح ) عن ( مجاهد ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قال كانت هاذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف قال جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك عن مجاهد
قوله حدثني ويروى حدثنا إسحاق قيل هو ابن راهويه وقال صاحب ( التوضيح ) وإسحاق هو ابن إبراهيم كما حدث به في الأحزاب أو إسحاق بن منصور كما حدث به في الصلاة وغيرها وروح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة وشبل بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وباللام ابن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح المكي
قوله كانت هذه العدة أشار به إلى ما في قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قوله فأنزل الله والذين يتوفون في الآية ذكرها ثم قال جعل الله لها أي للمعتدة المذكورة في الآية الأولى تمام السنة وبحسب الوصية فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد في بيت أهل الزوج إلى التمام وإن شاءت اكتفت بالواجب وهذا يدل على أن مجاهدا لا يرى نسخ هذه الآية أعني قوله ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم إلى آخرها وعند الأكثرين هذه الآية منسوخة بالآية التي هي قوله يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قوله وصية منصوب بتقدير والذين يتوفون يوصون وصية أو ألزم الذين يتوفون وصية ويدل عليه قراءة عبد الله كتب عليكم الوصية لأزواجكم وقرىء وصية بالرفع بتقدير وحكم الذين يتوفون وصية يعني قبل أن يحتضروا قوله لأزواجهم أي لزوجاتهم قوله متاعا نصب بتقدير يوصون متاعا أو بتقدير متعوهن متاعا وقراءة أبي متاع لأزواجهم متاعا فعلى هذا نصب متاعا بقوله متاع لأنه في معنى التمتيع قوله غير إخراج حال من الأزواج أي غير مخرجات أو بدل من متاعا وحاصل المعنى وحق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تتمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا أي ينفق عليهن من تركته ولا يخرجهن من مساكنهن وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخت المدة قوله أربعة أشهر وعشرا ( البقرة234 ) ونسحت النفقة بالإرث الذي هو الربع أو الثمن وهذا عند الجمهور غير مجاهد كما ذكره الآن قوله فالعدة كما هي واجب عليها وهي الأربعة الأشهر والعشر قوله زعم ذلك عن مجاهد قائل هذا هو شبل بن عباد الراوي والضمير في زعم يرجع إلى بن أبي نجيح الراوي عن مجاهد
وقال عطاء قال ابن عباس نسخت هاذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى غير إخراج ( البقرة24 )
أي قال عطاء بن أبي رباح قيل هذا عطف على قوله عن مجاهد وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء ووهم من زعم أنه معلق قلت ظاهره التعليق إذ لو كان عطفا لقال وعن عطاء وقد روى أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال حدثنا موسى بن مسعود قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال قال عطاء قال ابن عباس إلى آخر ما ذكر هنا
قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى فلا جناح عليكم فيما فعلن قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعمد حيث شاءت ولا سكنى لها
هذا من عطاء كالتفسير لما رواه عن ابن عباس وكذا ذكر أبو داود حيث قال قال عطاء إن شاءت إلى آخره بعد أن ذكر ما رواه عن ابن عباس
وعن محمد بن يوسف حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا
هذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون هذا مدرجا في رواية إسحاق الذي تقدم عن روح بن شبل واختاره بعضهم حيث قال وعن محمد بن يوسف معطوفا على قوله أخبرنا روح قال صاحب ( التلويح ) وفيه بعد والثاني أن يكون البخاري علقه عن شيخه محمد بن يوسف الفريابي عن ورقاء مؤنث الأورق بن عمرو الخوارزمي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد فإن كان كذا فقد وصله أبو نعيم سليمان بن أحمد عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم عن الفريابي عن ورقاء فذكره
وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال نسخت هاذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت لقول الله غير إخراج نحوه
هذا أيضا يحتمل الوجهين المذكورين والأظهر هو الوجه الثاني أنه روي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس والحاصل أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد وحده وقوفا عليه وروى أيضا عن عطاء عن ابن عباس قوله نحوه أي نحو ما روي فيما مضى عن مجاهد

(18/122)


4532 - حدثنا ( حبان ) حدثنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عبد الله بن عون ) عن ( محمد بن سيرين ) قال جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمان بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرحمان ولكن عمه كان لا يقول ذالك فقلت إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف قلت كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال قال ابن مسعود أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أتجعلون عليها التغليظ إلى آخره وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري
قوله فيه عظم بضم العين وسكون الظاء وهو جمع عظيم وأراد به عظماء الأنصار وعبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي وقال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي كلهم من الأنصار قوله فذكرت حديث عبد الله بن عتبة بضم العين المهملة وسكون الناء المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله ابن مسعود ذكره العقيلي في ( الصحابة ) قال أبو عمر فغلط وإنما هو تابعي أو من كبار التابعين بالكوفة وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه المدني الشاعر شيخ ابن شهاب استعمله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وذكره البخاري في التابعين ولد في حياة النبي فأتى به فمسحه بيده ودعا له وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا قوله سبيعة بنت الحارث بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة الأسلمية كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة فقال لها أبو السنابل بن بعكك إن أجلك أربعة أشهر وعشرا وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال قيل خمس وعشرين ليلة وقيل أقل من ذلك فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي فأخبرته فقال لها قد حللت فانكحي من شئت وبعضهم يروي إذا أتاك من ترضين فتزوجي قوله ولكن عمه أي عم عبد الله بن عتبة وهو عبد الله بن مسعود قوله لا يقول ذلك أي لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلمية وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل قوله فقلت إني لجريء أي صاحب جراءة غير متسحي قوله على رجل في جانب الكوفة أراد به عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان قوله قال ثم خرجت أي قال محمد بن سيرين قوله فلقيت مالك بن عامر الهمداني يكنى بأبي عطية قال الكرماني الصحابي باختلاف وقال الذهبي مالك بن عامر الوداعي تابعي كوفي يقال أدرك الجاهلية قوله أو مالك بن عوف شك من الراوي وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود قوله وهي حامل الواو وفيه حال قوله أتجعلون عليها التغليظ أي طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر وقد يمتد ذلك حتى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين أي إذا جعلتم التغليظ عليها فاجعلوا لها الرخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر قوله لنزلت اللام فيه للتأكيد قوله سورة النساء القصرى وهي سورة الطلاق وفيها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( الطلاق4 ) قوله بعد الطولى ليس المراد منها سورة النساء وإنما المراد السورة التي هي أطول جميع السور القرآن يعني سورة البقرة وفيها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ( البقرة234 ) وقال الخطابي حمل ابن مسعود على النسخ أي جعل ما في الطلاق ناسخا لما في البقرة وكان ابن عباس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما وذلك لأن أحداهما ترفع الأخرى فلما أمكن الجمع بينهما جمع وأما عامة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التخصيص لخبر سبيعة الأسلمية

(18/123)


وقال أيوب عن محمد لقيت أبا عطية مالك بن عامر
أي قال أيوب السختياني عن محمد بن سيرين إنه قال لقيت أبا عطية مالك بن عامر يعني لم يشك فيه
4532 - حدثنا ( حبان ) حدثنا ( عبد الله ) أخبرنا ( عبد الله بن عون ) عن ( محمد بن سيرين ) قال جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمان بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرحمان ولكن عمه كان لا يقول ذالك فقلت إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف قلت كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال قال ابن مسعود أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أتجعلون عليها التغليظ إلى آخره وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري
قوله فيه عظم بضم العين وسكون الظاء وهو جمع عظيم وأراد به عظماء الأنصار وعبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي وقال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي كلهم من الأنصار قوله فذكرت حديث عبد الله بن عتبة بضم العين المهملة وسكون الناء المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله ابن مسعود ذكره العقيلي في ( الصحابة ) قال أبو عمر فغلط وإنما هو تابعي أو من كبار التابعين بالكوفة وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه المدني الشاعر شيخ ابن شهاب استعمله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وذكره البخاري في التابعين ولد في حياة النبي فأتى به فمسحه بيده ودعا له وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا قوله سبيعة بنت الحارث بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة الأسلمية كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة فقال لها أبو السنابل بن بعكك إن أجلك أربعة أشهر وعشرا وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال قيل خمس وعشرين ليلة وقيل أقل من ذلك فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي فأخبرته فقال لها قد حللت فانكحي من شئت وبعضهم يروي إذا أتاك من ترضين فتزوجي قوله ولكن عمه أي عم عبد الله بن عتبة وهو عبد الله بن مسعود قوله لا يقول ذلك أي لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلمية وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل قوله فقلت إني لجريء أي صاحب جراءة غير متسحي قوله على رجل في جانب الكوفة أراد به عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان قوله قال ثم خرجت أي قال محمد بن سيرين قوله فلقيت مالك بن عامر الهمداني يكنى بأبي عطية قال الكرماني الصحابي باختلاف وقال الذهبي مالك بن عامر الوداعي تابعي كوفي يقال أدرك الجاهلية قوله أو مالك بن عوف شك من الراوي وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود قوله وهي حامل الواو وفيه حال قوله أتجعلون عليها التغليظ أي طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر وقد يمتد ذلك حتى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين أي إذا جعلتم التغليظ عليها فاجعلوا لها الرخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر قوله لنزلت اللام فيه للتأكيد قوله سورة النساء القصرى وهي سورة الطلاق وفيها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( الطلاق4 ) قوله بعد الطولى ليس المراد منها سورة النساء وإنما المراد السورة التي هي أطول جميع السور القرآن يعني سورة البقرة وفيها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ( البقرة234 ) وقال الخطابي حمل ابن مسعود على النسخ أي جعل ما في الطلاق ناسخا لما في البقرة وكان ابن عباس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما وذلك لأن أحداهما ترفع الأخرى فلما أمكن الجمع بينهما جمع وأما عامة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التخصيص لخبر سبيعة الأسلمية
وقال أيوب عن محمد لقيت أبا عطية مالك بن عامر
أي قال أيوب السختياني عن محمد بن سيرين إنه قال لقيت أبا عطية مالك بن عامر يعني لم يشك فيه
42 -
( باب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ( البقرة238 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أي الوسطى بين الصلوات والوسطى تأنيث الأوسط والأوسط الأعدل من كل شيء وليس المراد منه التوسط بين الشيئين لأن الوسطى على وزن فعلى للتفضيل وقال الزمخشري أي الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط وإنما أفردت وعطفت على الصلوات لانفرادها بالفضل وهي صلاة العصر عند الأكثرين وقد بسطنا الكلام فيه في ( شرح كتاب الطحاوي )
4533 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( يزيد ) أخبرنا ( هشام ) عن ( محمد ) عن ( عبيدة ) عن ( علي ) رضي الله عنه قال النبي
وحدثني عبد الرحمان يحيى بن سعيد قال هشام حدثنا محمد عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أن النبي قال يوم الخندق حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم شك يحيى نارا
مطابقته للترجمة في قوله عن صلاة الوسطى وأخرجه من طريقين ( الأول ) عن عبد الله بن محمد الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن يزيد من الزيادة ابن هارون الواسطي عن هشام بن حسان الفردوسي عن محمد بن سيرين عن عبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة السلماني عن علي بن أبي طالب ( والثاني ) عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى بن سعيد القطان ومضى الحديث في غزوة الخندق
قوله حبسونا أي منعونا عن صلاة الوسطى أي إيقاعها في وقتها وإضافة الصلاة إلى الوسطى من إضافة الموصوف إلى الصفة كما في قوله تعالى بجانب الغربي ( القصص44 ) وفيها خلاف بين البصريين والكوفيين فأجازها الكوفيون ومنعها البصريون وفي رواية مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وقد اختلفوا فيه والجمهور على أنها صلاة العصر وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية وقال النووي وهو قول أكثر علماء الصحابة وقال الماوردي هو قول جمهور التابعين وقال ابن عبد البر وهو قول أكثر أهل الأثروبة قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية
وقد جمع الحافظ الدمياطي في ذلك كتابا سماه ( كشف المغطى عن الصلاة الوسطى ) وذكر فيها تسعة عشرة قولا الأول إنها الصبح وهو قول أبي أمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد نقله ابن أبي حاتم عنهم وهو قول مالك والشافعي نص عليه في ( الأم ) والثاني إنها الظهر وهو قول زيد بن ثابت ورواه أبو داود وروى ابن المنذر عن أبي سعيد وعائشة أنها الظهر وبه قال أبو حنيفة في رواية والثالث أنها العصر ومر الكلام فيه الآن والرابع أنها المغرب نقله ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس قال الصلاة الوسطى هي المغرب وبه قال قبيصة بن ذؤيب لأنها لا تقصر في السفر ولأن قبلها صلاتا السر وبعدها صلاتا الجهر والخامس أنها جميع الصلوات أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن نافع قال سئل ابن عمر فقال هي كلهن وبه قال معاذ ابن جبل رضي الله تعالى عنه السادس أنها الجمعة ذكره ابن حبيب من المالكية السابع الظهر في الأيام والجمعة يوم الجمعة الثامن العشاء نقله بن التين والقرطبي لأنها بين صلاتين لا تقصران واختاره الواقدي التاسع الصبح والعشاء للحديث الصحيح في أنهما أنقل الصلاة على المنافقين وبه قال الأبهري من المالكية العاشر الصبح والعصر لقوة الأدلة في أن كلا منهما قيل فيه إنه الوسطى الحادي عشر صلاة الجماعة الثاني عشر ) الوتر وصنف فيه علم الدين السخاوي جزءا الثالث عشر صلاة الخوف الرابع عشر صلاة عيد الأضحى الخامس عشر صلاة عيد الفطر السادس عشر صلاة الضحى السابع عشر واحدة من الخمس غير معينة قاله سعيد بن جبير وشريح القاضي وهو اختيار إمام الحرمين من الشافعية ذكره في ( النهاية ) الثامن

(18/124)


عشر أنها الصبح أو العصر على الترديد التاسع عشر التوقف وزاد بعضهم العشرين وهي صلاة الليل ولم يبين ما ادعاه قوله شك يحيى هو القطان الراوي
58 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا فإذا صلوا الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف

(18/125)


الإمام فيكون كل واحدة من الطائفتين قد صلى ركعتين فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها قال مالك قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله )
مطابقته للترجمة ظاهرة وفي بعض النسخ ذكر هذا الحديث بعد قوله وقال ابن جبير إلى قوله مثل عمل المؤمن وليس لذكره هنا وجه أصلا ولم أر أحدا من الشراح تعرض لذكر هذا والحديث قد مر في صلاة الخوف بوجوه مختلفة عن ابن عمر وغيره
( وقال ابن جبير وسع كرسيه علمه يقال بسطة زيادة وفضلا أفرغ أنزل ولا يؤده لا يثقله آدني أثقلني والآد والأيد قوة السنة النعاس لم يتسنه لم يتغير فبهت ذهبت حجته خاوية لا أنيس فيها عروشها أبنيتها السنة نعاس ننشرها نخرجها إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار وقال ابن عباس صلدا ليس عليه شيء وقال عكرمة وابل مطر شديد الطل الندى وهذا مثل عمل المؤمن )
وقال ابن جبير أي سعيد بن جبير في تفسير قوله وسع كرسيه السموات والأرض أن المراد من قوله كرسيه علمه وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن إدريس عن مطرف بن طريف عن جعفر ابن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير في قوله وسع كرسيه قال علمه وكذا روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال ابن جرير قال قوم الكرسي موضع القدمين ثم رواه عن أبي موسى والسدي والضحاك ومسلم البطين وقال شجاع بن مخلد في تفسيره حدثنا أبو عاصم عن سفيان عن عمار الذهبي عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سئل النبي عن قول الله وسع كرسيه السموات والأرض قال كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره قال ابن كثير وهو غلط وقد رواه وكيع في تفسيره حدثنا سفيان عن عمار الذهبي عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره انتهى ( قلت ) أراد بقوله غلط أن رفعه غلط وليت شعري ما الفرق بين كونه موقوفا وبين كونه مرفوعا في هذا الموضع لأن هذا لا يعلم من جهة الوقف وقال الزمخشري الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد ثم ذكر أربعة أوجه يطلبها الطالب من موضعها وكان تفسيره أولا من حيث اللغة قوله يقال بسطة أي يقال في تفسير قوله تعالى إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم وذلك أن الله تعالى أمر أشمويل أو يوشع أو شمعون حين طلب قومه ملكا يقاتلون به في سبيل الله إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال لأنه كان فقيرا سقاء أو دباغا فقال الله تعالى إن الله اصطفاه عليكم الآية و بسطة أي زيادة في العلم والجسم وهكذا فسره أبو عبيدة وعن ابن عباس نحوه وقيل نبي طالوت قوله أفرغ أنزل أشار به إلى تفسيره في قوله ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وفسر أفرغ بقوله أنزل أي أنزل علينا صبرا هكذا فسره أبو عبيدة وليس هذا في رواية أبي ذر وكذا بسطة قوله ولا يؤده لا يثقله أشار به إلى تفسيره في قوله ولا يؤده حفظهما وفسره بقوله لا يثقله وهو تفسير ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقيل معناه لا يشقه قوله آدني أثقلني هو ماضي يؤد أودا

(18/126)


قوله والآد والأيد قوة هكذا فسره أبو عبيدة ويقال رجل أيد أي شديد قوي قال الله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الأيد أي ذا القوة وقال أبو زيد آد الرجل يئيد أيدا والأيد والآد بالمد القوة وأصل آد يد قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها قوله السنة النعاس أشار به إلى ما في قوله عز و جل لا تأخذه سنة ولا نوم وهكذا فسره ابن عباس ويقال له الوسن أيضا والسنة ما يتقدم النور من الفتور الذي يسمى النعاس قوله لم يتسنه لم يتغير أشار به إلى قوله عز و جل فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وفسره بقوله لم يتغير كذا روي عن ابن عباس والسدي والهاء فيه أصلية أو هاء سكت من السنة مشتق لأن لامها هاء أو واو وقيل أصله يتسنن من الحمأ المسنون فقلبت نونه حرف علة كما في تقضي البازي ويجوز أن يكون المعنى لم يمر عليه السنون التي مرت يعني هو بحاله كما كان كأنه لم يلبث مائة سنة وفي قراءة عبد الله لم يتسن وقرأ أبي لم يسنه بإدغام التاء في السين قوله فبهت ذهبت حجته أشار به إلى قوله تعالى فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين وفسر بهت بقوله ذهبت حجته أي حجة نمرود عليه اللعنة وبهت على صيغة المجهول وقرىء فبهت الذي كفر على صيغة المعلوم أي غلب إبراهيم عليه الصلاة و السلام الكافر وقرأ أبو حيوة فبهت بفتح الباء وضم الهاء قوله خاوية لا أنيس فيها أشار به إلى قوله تعالى أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قيل هذا المار هو عزير عليه السلام رواه ابن أبي حاتم عن علي وقيل هو أرميا بن حليقا وقيل الخضر وقيل حزقيل بن بورا والقرية هي القدس وهو المشهور قوله عروشها أبنيتها وفي التفسير على عروشها أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها وذلك حين خربه بخت نصر وهذا والذي قبله ليسا في رواية أبي ذر قوله ننشرها نخرجها أشار به إلى قوله تعالى وانظر إلى العظام كيف ننشرها هكذا فسره السدي وننشرها بضم النون الأولى وقرأ الحسن بفتحها من نشر الله الموتى بمعنى أنشرهم وقرىء بالزاي يعني نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب قوله إعصار ريح عاصف أشار به إلى قوله تعالى وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار وفسره بقوله ريح عاصف إلى آخره وهي التي يقال لها الزوبعة كما قاله الزجاج ويقال الإعصار الريح التي تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود ويقال الإعصار ريح شديدة فيه نار وهذا ثبت عن أبي ذر عن الحموي وحده قوله وقال ابن عباس صلدا ليس عليه شيء أشار به إلى قوله تعالى كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أخبرنا منجاب بن الحارث أنبأنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس بلفظ فتركه يابسا جاسيا لا ينبت شيئا وسقط من هنا إلى آخر الباب من رواية أبي ذر وفي التفسير قال الضحاك والذي يتبع صدقته منا أو أذى مثله كمثل صفوان وهو الصخر الأملس عليه التراب فأصابه وابل وهو المطر الشديد فتركه صلدا أي أملس يابسا لا شيء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب قوله وابل مطر شديد الطل الندى أشار به إلى قوله تعالى فإن لم يصبها وابل فطل وفسر الوابل بالمطر الشديد والطل بالندى ووصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة بهذا وفي التفسير فإن لم يصبها وابل فمطر ضعيف القطر قوله وهذا مثل عمل المؤمن أي هذا الذي ذكره عكرمة مثل عمل المؤمن يزداد عند الله إذا كان بالإخلاص ويذهب إذا كان بالرياء وإن ظهر له فيما يرى الناس -
43 -
( باب وقوموا لله قانتين أي مطيعين ( البقرة238 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى وقوموا لله قانتين ( البقرة238 ) فسر قوله قانتين بقوله مطيعين وبه فسر ابن مسعود وابن عباس وجماعة من التابعين ذكره ابن أبي حاتم وعن ابن عباس قانتين أي مطيعين وقيل عابدين وقيل ذاكرين وقيل داعين في حال القيام وقيل صامتين وقيل مقرين بالعبودية وقيل طائعين وعن مجاهد من القنوت الركوع والخشوع وطول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله تعالى
4534 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل بن أبي خالد ) عن ( الحارث بن شبيل ) عن ( أبي عمرو الشيباني ) عن ( زيد بن أرقم ) قال كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا أخاه في حاجته حتى نزلت هاذه الآية حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فامرنا بالسكوت
مطابقته للترجمة ظاهرة ويحيى هو القطان والحارث بن شبيل بضم الشين المعجمة وفتح الياء الموحدة وسكون الباء آخر الحروف مصغر شبل ولد الأسد وأبو عمرو وسعد بن إياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف الشيباني بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة المخضرمي عاش مائة وعشرين سنة والحديث مر في أواخر كتاب الصلاة في باب ما ينهى عن الكلام في الصلاة فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن إسماعيل عن الحارث إلى آخره نحوه قوله فأمرنا على صيغة المجهول ومر الكلام فيه هناك
44 -
( باب قوله عز و جل فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تعلمون ( البقرة239 )
أي هذا باب فيه قوله عز و جل فإن خفتم ( البقرة239 ) الآية أي فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره قوله فرجالا أي فصلوا راجلين وهو جمع راجل كقائم وقيام وقرىء فرجالا بضم الراء ورجالا بالتشديد ورجلا قوله أو ركبانا أي أو فصلوا ركبانا جمع راكب قوله فإذا أمنتم يعني فإذا زال خوفكم فاذكروا الله كما علمكم من صلاة الأمن قوله ما لم تكونوا تعلمون أي الذي لستم به عالمين فعلمكم وهداكم للإيمان فقاتلوا بذكر الله وشكره
رجالا قياما راجل قائم
فسر قوله فرجالا بقوله قياما ولم يتعرض لمفرده وقد ذكرنا أن الرجال جمع راجل كالقيام جمع قائم
45 -
( باب والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ( البقرة240 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أي يتركون ( أزواجا ) وليس في رواية غير أبي ذر الترجمة وحديث هذا الباب قد مر قبل ثلاثة أبواب وكان المناسب أن يذكر بلا ترجمة عند الباب المترجم بهذه الآية
4536 - ح ( دثني عبد الله بن الأسود ) حدثنا ( حميد بن الأسود ويزيد بن زريع ) قالا حدثنا حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال قال ابن الزبير قلت لعثمان هذه الآية التي في البقرة

(18/127)


والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ( البقرة240 ) إلى قوله غير إخراج قد نسختها الأخرى فلم تكتبها قال ادعها يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه قال حميد أو نحو هذا
هذا الحديث قد مر بترجمته وهنا رواه بطريق آخر عن عبد الله بن أبي الأسود عن عبد الله بن محمد بن أبي الأسود وأبو الأسود اسمه حميد بن الأسود ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ وعبد الله هذا يروي عن جده حميد بن الأسود ويروي عن يزيد بن زريع وكلاهما يرويان عن حبيب بن الشهيد المكني بأبي الشهيد المكنى ويقال بأبي مرزوق الأزدي الأموي البصري يروي عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وقد تكرر ذكره قوله قال ابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام قوله لعثمان هو ابن عفان قوله الأخرى أي الآية الأخرى وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهم أربعة أشهر وعشرا قوله فلم بكسر اللام وفتح الميم وأصله فلما استفهام على سبيل الإنكار قوله قال أي عثمان أدعها أي اتركها مثبتة في المصحف لا أغير شيئا منه أي مما في المصحف فالقرينة تدل عليه قوله قال حميد أي حميد بن الأسود الراوي عنه ابن ابنه عبد الله شيخ البخاري قوله أو نحو هذا أي أو نحو هذا المذكور من المتن أراد أنه تردد فيه وأما يزيد بن زريع فجزم بالمذكور
46 -
( باب وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ( البقرة260 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى وإذا قال إبراهيم أي أذكر يا محمد حين قال إبراهيم ( رب ) يعني يا رب ( أرني ) يعني أبصرني أراد بهذا السؤال أن يضم علم الضروري إلى علم الاستدلالي لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين ولأنه لما قال لنمرود ربي الذي يحيي ويميت ( البقرة258 ) أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة فقال ( رب أرني كيف تحيي الموتى )
فصرهن قطعهن
هذا في رواية أبي ذر وحده وأشار به إلى تفسير قوله تعالى فخذ أربعة من الطير فصرهن وفسره بقوله قطعهن قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو الأسود الدؤلي ووهب بن منبه والحسن والسدي وقال العوفي عن ابن عباس فصرهن إليك أوثقهن فلما أوثقهن ذبحهن وقيل معناه أملهن واضممهن إليك وقرأ ابن عباس فصرهن إليك بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء من صره يصره إذا جمعه وعنه فصرهن من التصرية والقراءة المشهورة من صاره يصوره صورا أو صاره يصيره صيرا بمعنى أماله
4537 - حدثنا ( أحمد بن صالح ) حدثنا ( ابن وهب ) أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أبي سلمة وسعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال قال رسول الله نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري يروي عن يونس ابن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة والحديث مضى في كتاب الأنبياء في باب قوله عز و جل ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( الحجر51 ) فإنه أخرجه هناك بالإسناد المذكور هنا عن أحمد بن صالح إلى آخره وفي آخره ويرحم الله عز و جل لوطا إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك وقال الكرماني هنا كيف جاز الشك على إبراهيم عليه السلام فأجاب بأن معناه لا شك عندنا فبالطريق الأولى أن لا يكون الشك عنده أو كان الشك في كيفية الإحياء لا في نفس الإحياء انتهى قلت التحقيق هنا أن الرسول ما شهد له بالشك وإنما مدحه لأن معناه نحن أحق بالشك منه والحال أنا ما شككنا فكيف يشك هو وإنما شك في أنه هل يجيبه إلى سؤاله أم لا وبهذا يمكن

(18/128)


أن يجاب عما سأله الكرماني لم كان رسول الله أحق وهو أفضل بل هو أحق بعدم الشك وجوابه أنه قال ذلك تواضعا وهضما لنفسه بأنه لا يخلو عن نظير
47 -
( باب قوله أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب إلى قوله تتفكرون ( البقرة266 )
أي هذا باب في ذكر قوله أيود أحدكم الآية هذا المقدار من الآية وقع عند جميع الرواة قوله أيود الهمزة فيه للإنكار قاله الزمخشري وقيل هو متصل بقوله ولا تبطلوا وهذه الآية مثل لعمل من أحسن العمل أو لا ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه ولهذا قال وأصابه الكبر الآية قوله جنة أي بستان قوله من نخيل وهو إما جمع نادرا أو اسم جنس وإنما خص هذين بالذكر لأنهما من أكرم الشجر وأكثر المنافع قوله له فيها من كل الثمرات أي لأحدكم في الجنة من كل الثمرات وإنما قال هذا بعد ذكر النخيل والأعناب تغليبا لهما على غيرهما ثم أدرفهما بذكر الثمرات قيل يجوز أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها قوله وأصابه الكبر أي والحال أنه أصابه الكبر وقيل عطف ماض على مستقبل قال الفراء هو جائز لأنه يقع معها لو تقول وددت لو ذهبت عنا وودت أن يذهب عنا قوله وله ذرية ضعفاء وقرىء ضعاف قوله فأصابها أي الجنة المذكورة قوله إعصار وهي الريح الشديدة وقد مر تفسيره عن قريب ويجمع على أعاصير قوله فيه نار أي في الإعصار نار من السموم الحارة القتالة قوله وكذلك أي كما بين الأقاصيص والأمثال يبين الله لكم الآيات أي العلامات لعلكم تتفكرون أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها
4538 - حدثنا ( إبراهيم ) أخبرنا ( هشام ) عن ( ابن جريج ) سمعت ( عبد الله بن أبي مليكة ) يحدث عن ( ابن عباس ) قال وسمعت ( أخاه أبا بكر بن أبي مليكة ) يحدث عن ( عبيد بن عمير ) قال قال عمر رضي الله عنه يوما لأصحاب النبي فيم ترون هاذه الآية نزلت أيود أحدكم أن تكون له جنة قالوا الله أعلم فغضب عمر فقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين قال عمر يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لعمل قال عمر لرجل غني يعمل بطاعة الله عز و جل ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم هو ابن موسى الفراء وهشام هو ابن يوسف الصنعاني وابن جريج هو عبد العزيز بن عبد الملك ابن جريج وأبو بكر بن أبي مليكة لا يعرف اسمه قاله بعضهم وقال الكرماني وأخوه عبد الله أيضا يكنى بأبي بكر تارة وتارة بأبي محمد وعبيد بن عمير كلاهما مصغران أبو عاصم الليثي المكي ولد في زمن النبي وسماعه من عمر صحيح قوله وسمعت أخاه هو مقول ابن جريج والحديث من أفراده
قوله فيم بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف أي في أي شيء قوله ترون بضم أوله قوله شيء أي من العلم به قوله مثلا بفتحتين قال أهل البلاغة التشبيه التمثيلي متى فشى استعماله على سبيل الاستعارة يسمى مثلا قوله غني اسم في مقابل الفقير ويروى عني من العناية على لفظ المجهول قوله أغرق بالغين المعجمة أي أضاع أعماله الصالحة بما ارتكب من المعاصي قيل فيه دليل للمعتزلة في مسألة إحباط الطاعة بالمعصية ورد بأن الكفر محبط للأعمال والأغراق لا يستلزم الإحباط
48 -
( باب لا يسألون الناس إلحافا ( البقرة273 )

(18/129)


أي هذا باب في قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا وله للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم هذه الآية نزلت في أصحاب الصفة وهي سقيفة كانت في مسجد رسول الله وكانوا أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر يتعلمون القرآن بالليل يرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله فمن كان به فضل أتى به إليهم إذا أمسى قوله ( للفقراء ) أي اجعلوا ما تنفقون ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) أي الجهاد ( لا يستطيعون ) لاشتغالهم به ( ضربا في الأرض ) يعني سفرا للتسبب في المعاش قوله ( يسبهم الجاهل ) أي الجاهل بحالهم ( أغنياء من التعفف ) أي من أجل تعففهم عن المسألة قوله ( تعرفهم ) الخطاب للنبي وقيل لكل راغب في معرفة حالهم قوله ( بسيماهم ) أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم صفرة الوجه ورثاثة الحال قوله ( لا يسألون الناس ) أي من صفاتهم أن لا يسألون الناس ( إلحافا ) أي إلحاحا وهو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف أي سؤالا لحاحا بمعنى ملحا وقال بعضهم وانتصاب الحافا على أنه مصدر في موضع الحال أي لا يسألون في حال الإلحاف أو مفعول لأجله أي لا يسألون لأجل الإلحاف انتهى ( قلت ) ليس فيما قاله صواب إلا قوله على أنه مصدر فقط يفهمه من له ذوق من التصرف في الكلام ( فإن قلت ) هذه الصفة تقتضي السؤال بالتلطف دون الإلحاح وقوله ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) يقتضي نفي السؤال مطلقا ( قلت ) الجواب المرضي أن يقال لو فرض السؤال منهم لكان على وجه التلطف فلا يقتضي وجوده لأن المحال يفرض كثيرا ولا يلزم من فرضه وجوده
يقال الحف علي وألح علي وأحفاني بالمسألة فيحفكم يجهدكم
أشار به إلى أن قوله الحف علي وألح علي وأحفاني بالمسألة بمعنى واحد وكذا فسره أبو عبيدة والإلحاف من قولهم ألحفني من فضل لحافه أي غطاني من فضل ما عنده وقيل اشتقاقه من اللحاف لاشتماله على وجود الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في الغطية قوله وأحفاني من قولهم أحفى فلان بصاحبه وحفى به وحفي له إذا بالغ في السؤال قوله فيحفكم أشار به إلى قوله تعالى ولا يسألكم أموالكم إن يسألوكموها فيحفكم تبخلوا ( محمد37 ) وفسر قوله فيحفكم بقوله يجهدكم يعني يجهدكم في السؤال بالإلحاح
4539 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثني ( شريك بن أبي نمر ) أن ( عطاء ابن يسار وعبد الرحمان بن أبي عمرة الأنصاري ) قالا ( سمعنا أبا هريرة ) رضي الله عنه يقول قال النبي ليس المسكين الذي ترده الثمرة والثمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرؤوا إن شئتم يعني قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم أبو محمد المصري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير أخو إسماعيل وشريك بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور مر في العلم وعطاء بن يسار ضد اليمين
والحديث مر في كتاب الزكاة في باب قول الله تعالى لا يسألون الناس إلحافا عن أبي هريرة من وجهين ( الأول ) عن حجاج بن منهال عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ( والثاني ) عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ومر الكلام فيه هناك
قوله يتعفف أي يحترز عن السؤال ويحسب الجاهل غنيا قوله واقرؤوا إن شئتم يعني قوله ( لا يسألون الناس إلحافا ) قائل قوله يعني هو سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري وذلك الإسماعيلي في روايته فإنه أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن زنجويه عن سعيد بن أبي مريم بسنده وقال في آخره ( قلت ) لسعيد بن أبي مريم

(18/130)


ما يقرأ يعني في قوله واقرؤوا إن شئتم قال للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ( البقرة273 ) الآية
49 -
( باب وأحل الله البيع وحرم الربا ( البقرة275 )
أي هذا باب في قوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا وأوله والذين يأكلون الربا لا يقومون إلى آخر الآية ولما ذكر الله تعالى قبل هذه الآية الأبرار المؤدين النفقات المخرجين الزكوات شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات ووصفهم بما وصفهم في الآية الكريمة ولما قالوا ( إنما البيع مثل الربا ) أنكر الله عليهم تسويتهم بين البيع والربا فقال وأحل الله البيع وحرم الربا قال الزمخشري فيه دلالة على أن القياس يهدمه النص لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهما إحلال الله وتحريمه
المس الجنون
فسر المس المذكور في الآية وهو قوله ويتخطبه الشيطان من المس بالجنون وهكذا فسره الفراء ومجاهد والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد
4540 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) حدثنا ( مسلم ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول الله على الناس ثم حرم التجارة في الخمر
مطابقته للترجمة ظاهرة والأعمش سليمان ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى الكوفي والحديث قد مر في كتاب البيع في باب أكل الربا فإنه أخرجه عن غندر عن شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قوله قرأها أي الآيات
50 -
( باب يمحق الله الربا يذهبه ( البقرة276 )
أي هذا باب فيه قوله يمحق الله الربا وفسر يمحق بقوله يذهبه وقال الزمخشري يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه وعن ابن مسعود الربا وإن كثر إلا وقل قلت هذا رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الحاكم مرفوعا
4541 - حدثنا ( بشر بن خالد ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) سمعت ( أبا الضحى ) يحدث عن مسروق عن عائشة أنها قالت لما أنزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله فتلاهن في المسجد فحرم التجارة في الخمر
هذا الحديث هو المذكور في الباب السابق من وجه آخر وفيه بعض زيادة كما نرى أخرجه عن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد أبي محمد العسكري الفرائضي عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح إلى آخره ومضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب تحريم تجارة الخمر في المسجد أخرجه عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة إلى آخره
51 -
( باب فأذنوا بحرب فاعلمو ( البقرة279 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى فاذنوا وأوله ( فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله ) وله فاذنوا أي فاعلموا بها من آذن بالشيء إذا أعلم به وقرىء فآذنوا بالمد أي فاعملوا بها غيركم وهو من الإذن بفتحتين وهو الاستماع لأنه من طريق العلم وقرأ الحسن رحمه الله فأيقنوا قال ابن عباس فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله وعن سعيد بن جبير يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا إن هؤلاء الصيارفة قد أكلوا الربا وأنهم أذنوا بحرب من الله ورسوله ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح

(18/131)


52 -
( باب وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة الآية ( البقرة280 )
هذا المقدار وقع في رواية أبي ذر وغيره ساق الآية كلها أي وإن كان الذي عليه دين الربا معسرا فنظرة أي فالحكم أو الأمر نظرة أي انتظار إلى ميسرة أي يسار وذكر الواحدي أن بني عمرو قالوا لبني المغيرة هاتوا رؤوس أموالنا فقالت بنو المغيرة نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا أن يؤخروا فنزلت وزعم ابن عباس وشريح أن الأنظار في دين الربا خاصة واجب ويقال هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر فيما عليه من الديون وإن كان حرا وقد قيل إنه كان يباع فيه في أول الإسلام ثم نسخ وذهب الليث بن سعد إلى أنه يؤجر ويقضى دينه من أجرته وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز ورواية عن أحمد وقال الإسماعيلي لا وجه لدخول هذه الآية في هذا الباب وأجيب بأن هذه الآية متعلقة بآيات الربا فلذلك ذكرها معها
وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون
أي وأن تتصدقوا برؤوس أموالكم على من أعسر غرمائكم خير لكم لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينة إذا دخل عليه الدين إما أن تقتضي وإما أن تربي
4543 - وقال لنا ( محمد بن يوسف ) عن ( سفيان ) عن ( منصور والأعمش ) عن ( أبي الضحى ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) قالت لما أنزلت الآيات من آخر سورة البقرة قام رسول الله فقرأهن علينا ثم حرم التجارة في الخمر
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو معلق قوله قال محمد بن يوسف هكذا رواية أبي ذر وفي رواية غيره قال لنا محمد بن يوسف هو الفريابي هو الثوري والبقية ذكروا عن قريب
53 -
( باب واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( البقرة281 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله قرىء ترجعون على البناء للفاعل والمفعول وقرىء يرجعون بالياء على طريقة الالتفات وقرأ عبد الله تردون وقرأ أبي تصيرون والجمهور على أن المراد من اليوم المحذر منه هو يوم القيامة وقال بعضهم يوم الموت
4544 - حدثنا ( قبيصة بن عقبة ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عاصم ) عن ( الشعبي ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال آخر آية نزلت على النبي آية الربا
قيل لا مطابقة بين الترجمة والحديث على ما لا يخفى وأجيب بأنه روي عن ابن عباس أيضا من وجه آخر أن آخر آية نزلت على النبي واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله أخرجه الطبري من طرق عنه ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس قلت يعني بالإشارة فافهم
وسفيان هو الثوري وعاصم هو ابن سليمان الأحول والشعبي هو عامر بن شراحيل
قوله عن ابن عباس كذا قال عاصم عن الشعبي وخالفه داود بن أبي هند عن الشعبي قال عن عمر أخرجه الطبري بلفظ كان من آخر ما نزل من القرآن آيات الربا وهو منقطع لأن الشعبي لم يلق عمر رضي الله تعالى عنه قوله ( آخر آية نزلت على النبي آية الربا ) وفي ( تفسير عبد بن حميد ) عن الضحاك آخر آية نزلت واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله في رواية أبي صالح عنه نزلت بمكة وتوفي النبي بعدها بأحد وثمانين يوما وقيل نزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداع وفي ( تفسير ابن أبي حاتم ) من حديث ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال عاش رسول الله بعد نزول هذه الآية الكريمة تسع ليال وعند مقاتل سبع ليال وهي آخر آية نزلت وعند القرطبي ثلاث

(18/132)


ذكر محمد وإنما فيه حدثنا النفيلي وهو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل البخاري والصواب ثبوته وزعم ابن السكن أن محمدا هو البخاري فحذفه وليس كذلك ومسكين أخو الفقير بن بكير مصغر بكر أبو عبد الرحمن الحراني بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون نسبة إلى حران مدينة بالشرق واليوم خرابة مات سنة ثمان وتسعين ومائة وليس له في البخاري إلا هذا ومروان الأصفر ويقال له الأحمر أيضا وقد تقدم في الحج وليس له إلا هذا الحديث وآخر في الحج
قوله عن رجل من أصحاب النبي وهو ابن عمر أبهم أولا ثم أوضح ثانيا بأنه عبد الله بن عمر قال الكرماني هذا التوضيح من الراوي عن مروان أو تذكر بعد نسيانه وقال بعضهم لم يتضح لي من هو الجازم بأنه ابن عمر فإن الرواية الآتية بعد هذه بلفظ أحسبه ابن عمر قلت لا يحتاج إلى إيضاح الجازم إياه لأنه أحد رواه الحديث على كل حال وهم ثقات وقد جزم في هذه الرواية بأنه ابن عمر وقوله في الرواية الأخرى أحسبه يحتمل أن يكون قبل جزمه بأنه ابن عمر فلما تحقق ابن عمر ذكره بالجزم وقال ابن التين إن ثبت هذا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فمعنى النسخ هنا العفو والوضع قوله أنها نسخت ويروى أنه قال أنها نسخت أي أن قوله وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله وقوله ( وإن تبدوا ) إلى آخره بيان لما قبله وهو أن المنسوخ هو قوله وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فإن قلت روى أحمد من طريق مجاهد قال دخلت على ابن عباس فقلت عبد الله بن عمر فقرأ وإن تبدوا ما في أنفسكم يحاسبكم به الله فبكى وقال ابن عباس إن هذه الآية لما نزلت غمت أصحاب رسول الله غما شديدا وقالوا يا رسول الله هلكنا فإن قلوبنا ليست بأيدينا فقال قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا فنسختها هذه الآية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها انتهى فهذا يدل على أن ابن عمر لم يطلع على كون هذه الآية منسوخة قلت أجيب بأنه يمكن أن ابن عمر لم يكن عرف القصة أولا ثم لما تحقق ذلك جزم بالنسخ فيكون مرسل صحابي
55 -
( باب آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ( البقرة284 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه إلى آخر السورة قوله آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه إخبار من الله عن النبي بذلك ( فإن قلت ) قال آمن الرسول بما أنزل إليه ولم يقل آمن الرسول بالله وقال والمؤمنون كل آمن بالله ( قلت ) الكفر ممتنع في حق الرسول وغير ممتنع في حق المؤمنين قوله والمؤمنون عطف على الرسول قوله كل آمن بالله إخبار عن الجميع والتقدير والمؤمنون كلهم آمنوا بالله وملائكته وكتب المنزلة وإن كان بعضهم نسخ شريعة بعض بإذن الله تعالى قوله لا نفرق أي تقولون لا نفرق وعن أبي عمر لا يفرق بالياء على أن الفعل لكل واحد وقرأ عبد الله لا يفرقون قوله وقالوا سمعنا أي أجبنا قوله غفرانك منصوب بإضمار فعله فقال غفرانك لا كفرانك أي نستغفرك ولا نكفرك قوله ( نفسا إلا وسعها ) الوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه والنفس يعم الملك والجن والإنس قاله ابن الحصار قوله ( لها ما كسبت ) خص الخير بالكسب والشر بالاكتساب لأن في الاكتساب اعتمالا وقصدا وجهدا قوله إن نسينا المراد بالنسيان الذي هو السهو وقيل الترك والإغفال قال الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمرهم الله به أو أخطأوا أعجلت لهم العقوبة فيحرم عليهم شيء من المطعم والمشرب على حسب ذلك الذنب فأمر الله تعالى نبيه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك قوله ( وأخطأنا ) قيل من القصد والعمد وقيل من الخطأ الذي هو الجهل والسهو وقال ابن زيد إن نسينا شيئا مما افترضته علينا أو أخطأنا شيئا مما حرمته علينا ( فإن قلت ) النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما فائدة الدعاء بترك المؤاخذة بهما ( قلت ) المراد استدامته والثبات عليه كما في قوله اهدنا الصراط المستقيم ( الفاتحة6 ) وتفسير الإصر يأتي الآن قوله على الذين من قبلنا وهم اليهود وهو الشيء الذي يشق وذلك أن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة وأمره بأدائهم ربع أموالهم في الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ومن أصاب منهم ذنبا أصبح وذنبه مكتوب على بابه ونحوه من الأثقال والأغلال التي كانت عليهم قوله لا تحملنا ما لا طاقة لنا به فيه

(18/134)


سبعة أقوال ( الأول ) ما لا يطاق ويشق من الأعمال ( الثاني ) العذاب ( الثالث ) حديث النفس والوسوسة ( الرابع ) الغلمة وهي شدة شهوة الجماع لأنها ربما جرت إلى جهنم ( الخامس ) المحبة حكي أن ذا النون تكلم في المحبة فمات أحد عشر نفسا في المجلس ( السادس ) شماتة الأعداء قال الله تعالى إخبارا عن موسى وهارون عليهما السلام ولا تشمت بي الأعداء ( السابع ) الفرقة والقطيعة قوله واعف عنا ( البقرة286 ) أي تجاوز عنا ( واغفر لنا ) أي استر علينا ( وارحمنا ) أي لا توقعنا بتوفيقك في الذنوب ( أنت مولانا ) أي ناصرنا وولينا وانصرنا على القوم الكافرين الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك وعبدوا غيرك
وقال ابن عباس إصرا عهدا
هذا وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولا تحمل علينا إصرا أي عهدا قلت المراد بالعهد الميثاق الذي لا نطيقه ولا نستطيع القيام به وقال الزمخشري الإصر العبء الذي يأصر حامله أي يحبسه مكانه لا يستقل لثقله وعن ابن عباس ( لا تحمل علينا إصرا ) لا تمسخنا قردة ولا خنازير وقيل ذنبا لي فيه توبة ولا كفارة وقرىء آصار على الجمع
ويقال غفرانك مغفرتك فاغفر لنا
هذا تفسير أبي عبيدة قلت كل واحد من الغفران والمغفرة مصدر وقد مضى الآن وجه النصب
4546 - ح ( دثني إسحاق ) أخبرنا ( روح ) أخبرنا ( شعبة ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( مروان الأصفر ) عن رجل من أصحاب رسول الله قال أحسبه ابن عمر وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال نسختها الآية التي بعدها
هذا طريق آخر في الحديث السابق قبل هذا الباب ومضى الكلام فيه وإسحاق هو ابن منصور ذكره أبو نعيم وأبو مسعود وخلف وروح بن عبادة قوله الآية التي بعدها هي قوله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها
3 -
( سورة آل عمران )
أي هذا تفسير سورة آل عمران
كذا وقع في رواية أبي ذر دون غيره وهو حسن لأن ابتداء الأمر ببسم الله الرحمان الرحيم يتبارك فيه ولما فرغ من بيان سورة البقرة شرع في تفسير سورة آل عمران وابتدأ بالبسملة لما ذكرنا ولقوله كل أمر ذي بال الحديث وهو مشهور
( باب تقاة وتقية واحدة )
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( آل عمران28 ) والمعنى مرتبط بما قبله وهو أول الآية لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك يعني ومن يوالي الكفار ( فليس من الله في شيء ) يقع عليه اسم الولاة ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) يعني إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه وانتصاب تقاة على أنه مفعول تتقوا ويجوز أن يكون تتقوا متضمنا معنى تخافوا كما ذكرنا ويكون تقاة نصبا على التعليل ومعنى قول البخاري تقاة وتقية واحدة يعني كلاهما مصدر بمعنى واحد قرىء في موضع تقاة تقية والعرب إذا كان معنى الكلمتين واحدا واختلف اللفظ يخرجون مصدر أحد اللفظين على مصدر اللفظ الآخر وكان الأصل هنا أن يقال إلا أن تتقوا منهم اتقاء وهنا أخرج كذلك لأن تقاة مصدر تقيت فلانا ولم يخرج على مصدر اتقيت لأن مصدر اتقيت إتقاء وتقاة وتقية وتقى وتقوى كلها مصادر تقيته

(18/135)


بمعنى واحد يقال تقى يتقي مثل رمى يرمى وأصل التاء الواو لأنها في الأصل من الوقاية ومن كثرة استعمالها بالتاء يتوهم أن التاء من نفس الحروف
صر برد
أشار به إلى ما في قوله تعالى مثل ما ينفقون في هذه الحيواة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا ( آل عمران117 ) الآية وفسر الصبر بقوله برد والصر بكسر الصاد وتشديد الراء وهو الريح الباردة نحو الصرصر
شفا حفرة مثل شفا الركية وهو حرفها
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ( آل عمران103 ) قال الزمخشري معناه وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر فأنقذكم منها بالإسلام قوله مثل شفا الركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف وهي البئر والشفا بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء الحرف وهو معنى قوله وهو حرفها بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وهكذا رواية الأكثرين وفي رواية النسفي بضم الجيم والراء
تبويء تتخذ معسكرا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال ( آل عمران121 ) وفسره بقوله تتخذ معسكرا وفسره أبو عبيدة كذلك والمقاعد جمع مقعد وهو موضوع القعد
المسوم الذي له سيما بعلامة أو بصوفة أو بما كان
أشار به إلى قوله تعالى والخيل المسومة والأنعام والحرث ( آل عمران141 ) قال الزمخشري الخيل المسومة المعلمة من السومة وهي العلامة أو المطهمة أو المرعية من أسام الدابة وسومها وعن ابن عباس المسومة الراعية المطهمة الحسان وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم وقال مكحول المسومة الغرة والتحجيل قوله المسوم الذي له سيما بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالميم المخففة هو العلامة قوله أو بما كان أي أو بأي شيء كان من العلامات
وقال مجاهد والخيل المسومة المطهمة الحسان
هذا التعليق رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو رباع الجمال يقال رجل مطهم وفرس مطهم
ريبون الجميع والواحد ربي
أشار به إلى قوله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون ( آل عمران146 ) قال المفسرون الربيون الربانيون وقرىء بالحركات الثلاث الفتح على القياس والضم والكسر من تغييرات النسب قوله الجميع ويروى الجمع أي جمع الربيون ربى وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود ربيون كثير أي ألوف وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن ربيون كثير أي علماء كثيرون وعنه أيضا علماء صبراء أبرار أتقياء وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عز و جل قال وقد رد بعضهم عليه فقال لو كان كذلك لقيل ربيون بالفتح انتهى قلت لا وجه للرد لأنا قلنا إن الكسرة من تغييرات النسب
تحسونهم تستأصلونهم قتلا
أشار به إلى قوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ( آل عمران156 ) وفسر تحسونهم بقوله تستأصلونهم من الاستئصال وهو القلع من الأصل وفي التفسير إذ تحسونهم أي تقتلونهم قتلا ذريعا
غزا واحدها غاز
أشار به إلى قوله تعالى وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا ( آل عمران156 ) الآية وغزا بضم الغين وتشديد الزاي جمع غاز كعفى جمع عاف وقال بعضهم غزا واحدها غاز تفسير أبي عبيدة قلت مثل هذا لا يسمى تفسيرا في اصطلاح أهل التفسير غاية ما في الباب أنه قال جمع غاز وأصل غاز غازى فأعل إعلال قاض وقرأ الحسن غزا بالتخفيف وقيل أصله غزاة فحذف الهاء وفيه نظر
سنكتب سنحفظ
أشار به إلى قوله تعالى لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا ( آل عمران181 ) الآية وفسر سنكتب بقوله سنحفظ أي سنحفظه وتثبته في علمنا وفي التفسير ( سنكتب ما قالوا ) في صحائف الحفظة وقرأ حمزة ( سيكتب ) بضم الياء آخر الحروف على البناء للمجهول وتفسير البخاري تفسير باللازم لأن الكتابة تستلزم الحفظ
نزلا ثوابا ويجوز ومنزل من عند الله كقولك أنزلته
أشار به إلى قوله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ( آل عمران198 ) وفسر نزلا بقوله ثوابا وفسره في التفسير بقوله أي ضيافة من الله والنزل بسكون الزاي وضمها ما يقدم للنازل وقال الزمخشري وانتصابه إما على الحال من جنات لتخصصها بالوصف والعامل اللام ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء من عند الله قوله ويجوز ومنزل من عند الله أراد به أن نزلا الذي هو المصدر يكون بمعنى منزلا على صيغة اسم المفعول من قولك أنزلته ويكون المعنى لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها منزلة يعني معطى لهم منزلا من عند الله كما يعطى الضيف النزل وقت قدومه
وقال ابن جبير وحصورا لا يأتي النساء
أشار به إلى قوله تعالى إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ( آل عمران39 ) وقال سعيد ابن جبير معنى حصورا لا يأتي النساء ووصل هذا المعلق عبد فقال حدثنا جعفر بن عبد الله السلمي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وأبي الشعثاء أنهم قالوا السيد الذي يغلب غضبه والحصور الذي لا يغشى النساء وأصل الحصر الحبس والمنع يقال لمن لا يأتي النساء وهو أعم من أن يكون بطبعه كالعنين أو المجاهدة نفسه وهو الممدوح وهو المراد في وصف السيد يحيى عليه الصلاة و السلام
وقال عكرمة من فورهم من غضبهم يوم بدر
أشار به إلى قوله تعالى بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ( آل عمران125 ) الآية وفسر عكرمة مولى ابن عباس من فوره بقوله من غضبهم وهذا التعليق وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة قال فورهم ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر مما لقوا
وقال مجاهد يخرج الحي النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي
أشار به إلى قوله تعالى وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ( آل عمران27 ) قال مجاهد تخرج الحي معناه النطفة تخرج حال كونها ميتة ويخرج من تلك الميتة الحي وهذا التعليق وصله محمد بن جرير عن القاسم حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وحكاه أيضا عن ابن مسعود والضحاك والسدي وإسماعيل بن أبي خالد وقتادة وسعيد بن جبير وفي ( تفسير ابن كثير ) يخرج الحبة من الزرع والزرع من الحبة والنخلة من النواة والنواة من النخلة والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة وقال الحسن يخرج المؤمن الحي من الكافر الميت قوله النطفة مبتدأ وتخرج جملة في محل الرفع خبره وميتة نصب على الحال من الضمير الذي في تخرج
الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس أراه إلى أن تغرب
أشار به إلى قوله واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار ( آل عمران41 ) وقال الزمخشري العشى من حين تزول الشمس إلى أن تغيب والأبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى وقرىء والأبكار بفتح الهمزة جمع بكر كشجر وأشجار
3 -
( سورة آل عمران )
أي هذا تفسير سورة آل عمران
كذا وقع في رواية أبي ذر دون غيره وهو حسن لأن ابتداء الأمر ببسم الله الرحمان الرحيم يتبارك فيه ولما فرغ من بيان سورة البقرة شرع في تفسير سورة آل عمران وابتدأ بالبسملة لما ذكرنا ولقوله كل أمر ذي بال الحديث وهو مشهور
( باب تقاة وتقية واحدة )
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( آل عمران28 ) والمعنى مرتبط بما قبله وهو أول الآية لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك يعني ومن يوالي الكفار ( فليس من الله في شيء ) يقع عليه اسم الولاة ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) يعني إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه وانتصاب تقاة على أنه مفعول تتقوا ويجوز أن يكون تتقوا متضمنا معنى تخافوا كما ذكرنا ويكون تقاة نصبا على التعليل ومعنى قول البخاري تقاة وتقية واحدة يعني كلاهما مصدر بمعنى واحد قرىء في موضع تقاة تقية والعرب إذا كان معنى الكلمتين واحدا واختلف اللفظ يخرجون مصدر أحد اللفظين على مصدر اللفظ الآخر وكان الأصل هنا أن يقال إلا أن تتقوا منهم اتقاء وهنا أخرج كذلك لأن تقاة مصدر تقيت فلانا ولم يخرج على مصدر اتقيت لأن مصدر اتقيت إتقاء وتقاة وتقية وتقى وتقوى كلها مصادر تقيته بمعنى واحد يقال تقى يتقي مثل رمى يرمى وأصل التاء الواو لأنها في الأصل من الوقاية ومن كثرة استعمالها بالتاء يتوهم أن التاء من نفس الحروف
صر برد
أشار به إلى ما في قوله تعالى مثل ما ينفقون في هذه الحيواة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا ( آل عمران117 ) الآية وفسر الصبر بقوله برد والصر بكسر الصاد وتشديد الراء وهو الريح الباردة نحو الصرصر
شفا حفرة مثل شفا الركية وهو حرفها
أشار به إلى ما في قوله تعالى وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ( آل عمران103 ) قال الزمخشري معناه وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر فأنقذكم منها بالإسلام قوله مثل شفا الركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف وهي البئر والشفا بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء الحرف وهو معنى قوله وهو حرفها بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وهكذا رواية الأكثرين وفي رواية النسفي بضم الجيم والراء
تبويء تتخذ معسكرا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال ( آل عمران121 ) وفسره بقوله تتخذ معسكرا وفسره أبو عبيدة كذلك والمقاعد جمع مقعد وهو موضوع القعد
المسوم الذي له سيما بعلامة أو بصوفة أو بما كان
أشار به إلى قوله تعالى والخيل المسومة والأنعام والحرث ( آل عمران141 ) قال الزمخشري الخيل المسومة المعلمة من السومة وهي العلامة أو المطهمة أو المرعية من أسام الدابة وسومها وعن ابن عباس المسومة الراعية المطهمة الحسان وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم وقال مكحول المسومة الغرة والتحجيل قوله المسوم الذي له سيما بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالميم المخففة هو العلامة قوله أو بما كان أي أو بأي شيء كان من العلامات
وقال مجاهد والخيل المسومة المطهمة الحسان
هذا التعليق رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو رباع الجمال يقال رجل مطهم وفرس مطهم
ريبون الجميع والواحد ربي
أشار به إلى قوله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون ( آل عمران146 ) قال المفسرون الربيون الربانيون وقرىء بالحركات الثلاث الفتح على القياس والضم والكسر من تغييرات النسب قوله الجميع ويروى الجمع أي جمع الربيون ربى وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود ربيون كثير أي ألوف وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن ربيون كثير أي علماء كثيرون وعنه أيضا علماء صبراء أبرار أتقياء وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عز و جل قال وقد رد بعضهم عليه فقال لو كان كذلك لقيل ربيون بالفتح انتهى قلت لا وجه للرد لأنا قلنا إن الكسرة من تغييرات النسب
تحسونهم تستأصلونهم قتلا
أشار به إلى قوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ( آل عمران156 ) وفسر تحسونهم بقوله تستأصلونهم من الاستئصال وهو القلع من الأصل وفي التفسير إذ تحسونهم أي تقتلونهم قتلا ذريعا

(18/136)


غزا واحدها غاز
أشار به إلى قوله تعالى وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا ( آل عمران156 ) الآية وغزا بضم الغين وتشديد الزاي جمع غاز كعفى جمع عاف وقال بعضهم غزا واحدها غاز تفسير أبي عبيدة قلت مثل هذا لا يسمى تفسيرا في اصطلاح أهل التفسير غاية ما في الباب أنه قال جمع غاز وأصل غاز غازى فأعل إعلال قاض وقرأ الحسن غزا بالتخفيف وقيل أصله غزاة فحذف الهاء وفيه نظر
سنكتب سنحفظ
أشار به إلى قوله تعالى لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا ( آل عمران181 ) الآية وفسر سنكتب بقوله سنحفظ أي سنحفظه وتثبته في علمنا وفي التفسير ( سنكتب ما قالوا ) في صحائف الحفظة وقرأ حمزة ( سيكتب ) بضم الياء آخر الحروف على البناء للمجهول وتفسير البخاري تفسير باللازم لأن الكتابة تستلزم الحفظ
نزلا ثوابا ويجوز ومنزل من عند الله كقولك أنزلته
أشار به إلى قوله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ( آل عمران198 ) وفسر نزلا بقوله ثوابا وفسره في التفسير بقوله أي ضيافة من الله والنزل بسكون الزاي وضمها ما يقدم للنازل وقال الزمخشري وانتصابه إما على الحال من جنات لتخصصها بالوصف والعامل اللام ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء من عند الله قوله ويجوز ومنزل من عند الله أراد به أن نزلا الذي هو المصدر يكون بمعنى منزلا على صيغة اسم المفعول من قولك أنزلته ويكون المعنى لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها منزلة يعني معطى لهم منزلا من عند الله كما يعطى الضيف النزل وقت قدومه
وقال ابن جبير وحصورا لا يأتي النساء
أشار به إلى قوله تعالى إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ( آل عمران39 ) وقال سعيد ابن جبير معنى حصورا لا يأتي النساء ووصل هذا المعلق عبد فقال حدثنا جعفر بن عبد الله السلمي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وأبي الشعثاء أنهم قالوا السيد الذي يغلب غضبه والحصور الذي لا يغشى النساء وأصل الحصر الحبس والمنع يقال لمن لا يأتي النساء وهو أعم من أن يكون بطبعه كالعنين أو المجاهدة نفسه وهو الممدوح وهو المراد في وصف السيد يحيى عليه الصلاة و السلام
وقال عكرمة من فورهم من غضبهم يوم بدر
أشار به إلى قوله تعالى بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ( آل عمران125 ) الآية وفسر عكرمة مولى ابن عباس من فوره بقوله من غضبهم وهذا التعليق وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة قال فورهم ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر مما لقوا
وقال مجاهد يخرج الحي النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي
أشار به إلى قوله تعالى وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ( آل عمران27 ) قال مجاهد تخرج الحي معناه النطفة تخرج حال كونها ميتة ويخرج من تلك الميتة الحي وهذا التعليق وصله محمد بن جرير عن القاسم حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وحكاه أيضا عن ابن مسعود والضحاك والسدي وإسماعيل بن أبي خالد وقتادة وسعيد بن جبير وفي ( تفسير ابن كثير ) يخرج الحبة من الزرع والزرع من الحبة والنخلة من النواة والنواة من النخلة والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة وقال الحسن يخرج المؤمن الحي من الكافر الميت قوله النطفة مبتدأ وتخرج جملة في محل الرفع خبره وميتة نصب على الحال من الضمير الذي في تخرج

(18/137)


الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس أراه إلى أن تغرب
أشار به إلى قوله واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار ( آل عمران41 ) وقال الزمخشري العشى من حين تزول الشمس إلى أن تغيب والأبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى وقرىء والأبكار بفتح الهمزة جمع بكر كشجر وأشجار
1 -
( باب منه آيات محكمات وقال مجاهد الحلال والحرام وأخر متشابهات يصدق بعضه بعضا كقوله تعالى وما يضل به إلا الفاسفين وكقوله جل ذكره ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون وكقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ( )
هذا الكلام كله كلام مجاهد رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه رواه ابن المنذر عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك عن محمد بن ثور عن ابن جريج عنه قوله منه أي من الكتاب يعني القرآن قال هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ( آل عمران7 ) قال الزمخشري محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه هن أم الكتاب أي أصل الكتاب متشابهات مشتبهات محتملات وقال الكرماني أما اصطلاح الأصوليين فالحكم هو المشترك بين النص والظاهر المتشابه هو المشترك بين المجمل والمؤول وقال الخطابي المحكم هو الذي يعرف بظاهر بيانه تأويله وبواضح أدلته باطن معناه والمتشابه ما اشتبه منها فلم يتلق معناه من لفظه ولم يدرك حكمه من تلاوته وهو على ضربين أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به علم معناه والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزبغ فيبطلون تأويله ولا يبلغون فيرتابون فيه فيفتنون به وذلك كالإيمان بالقدر ونحوه ويقال المحكم ما اتضحت دلالته والمتشابه ما يحتاج إلى نظر وتخريج وقيل المحكم ما لم ينسخ والمتشابه ما نسخ وقيل المحكم آيات الحلال والحرام والمتشابه آيات الصفات والقدر وقيل المحكم آيات الأحكام والمتشابه الحروف المقطعة قوله وأخر جمع أخرى واختلف في عدم صرفها فقيل لأنها نعت كما لا تصرف كتع وجمع لأنهن نعوت وقيل لم تصرف لزيادة الياء في واحدتها وأن جمعها مبنى على واحدها في ترك الصرف كحمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزيادة المدة والهمزة فيهما قوله يصدق تفسير للمتشابه قوله كقوله تعالى وما يضل به إلا الفاسقين ( البقرة26 ) إشارة إلى أن المفهوم منه أن الفاسقين أي الضالين إنما ضلالتهم من جهة اتباعهم المتشابه بما لا يطابق المحكم طلب افتتان الناس عن دينهم وإرادة إضلالهم قوله وكقوله تعالى ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ( يونس100 ) إنما ذكر هذا تصديقا لما تتضمنه الآية التي قبلها حيث يجعل الرجس على الذين لا يعقلون وقيل الرجس السخط وقيل الإثم وقيل العذاب وقيل الفتن والنجاسة أي يحكم عليهم بأنهم أنجاس غير طاهرة وقرأ الأعمش الرجز بالزاي وبه فسر الرجس أيضا وقال الزمخشري الرجل الخذلان وهو العذاب وهو شبيه قوله على الذين لا يعقلون أي أمر الله ولا أمر رسوله لأنهم مصرون على الكفر وهذا أيضا راجع إلى معنى الذين يتبعون ما تشابه بما لا يطابق علم الراسخين قوله وكقوله والذين اهتدوا ( محمد17 ) إلى آخره راجع في الحقيقة إلى معنى الذين صدرهم مجاهد في كلامه المذكور لأن مراده من ذلك في نفسر الأمر الراسخون في العلم الذين اهتدوا وزادهم الله هدى فافهم فإني لم أر أحدا من الشراح أتي ساحل هذا فضلا أن يغوص فيه والله أعلم
زيغ شك ابتغاء الفتنة
أشار به إلى قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ وفسر الزيغ بالشك قال الزمخشري هم أهل البدع فيتبعون ما تشابه منه ( ) أي من الكتاب الذي هو القرآن ويقال هم أهل الضلال والباطل والخروج عن الحق ( يتبعون ما تشابه منه ) الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها قوله ابتغاء الفتنة أي طلبا أن يفتنوا الناس عن دينهم
والراسخون يعلمون يقولون آمنا به

(18/138)


قال ابن نجيح عن مجاهد الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به ( آل عمران7 ) وكذا قال الربيع بن أنس وقال الزمخشري الراسخون في العلم الذين رسخوا أي ثبتوا فيه وتمكنوا ويقولون كلام مستأنف يوضح حال الراسخين يعني هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به أي بالتشابه كل من عند ربنا أي كل واحد من المتشابه والمحكم من عند الله ويجوز أن يكون يقولون حالا من الراسخين وقرأ عبد الله أن تأويله إلا عند الله وقرأ أبي ويقول الراسخون
4547 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) حدثنا ( يزيد بن إبراهيم التستري ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( القاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت تلا رسول الله هاذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله إلى قوله أولوا الألباب قالت قال رسول الله فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولائك الذين سمى الله فاحذروهم
عبد الله بن مسلمة بفتح الميمين ابن قعنب القعنبي شيخ مسلم أيضا ويزيد من الزيادة ابن إبراهيم أبو سعيد التستري بضم التاء المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الأخرى وبالراء نسبة إلى تستر مدينة من كور الأهواز وبها قبر البراء بن مالك وتسميها العامة ششتر بشينين معجمتين الأولى مضمومة والثانية ساكنة وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في القدر عن القعنبي أيضا وأخرجه أبو داود أيضا عن القعنبي في السنة وأخرجه الترمذي في التفسير وقال روى هذا الحديث غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة ولم يذكر والقاسم وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم عن القاسم في هذا الحديث وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا انتهى وفيه نظر لأن غير يزيد ذكر فيه القاسم وهو حماد بن سلمة قال الإسماعيلي أنبأنا الحسن بن علي الشطوي حدثنا ابن المديني حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة قال حدثني القاسم بن محمد عن عائشة فذكره قال الإسماعيلي ذكر حماد في هذا الحديث للاستشهاد على موافقته يزيد بن إبراهيم في الإسناد وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا يزيد بن إبراهيم وحماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة عن القاسم ورواه حماد بن سلمة أيضا عند الطبري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
قوله تلا رسول الله أي قرأ رسول الله هذه الآية وهي قوله ( هو الذي أنزل عليك الكتاب ) الآية قوله فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه قال الطبري قيل إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله في أمر عيسى عليه السلام وقيل في أمر هذه الأمة وهذا أقرب لأن أمرى عيسى عليه السلام أعلمه الله نبيه محمدا وأمته وبينه لهم بخلاف أمر هذه الأمة فإن علم أمرهم خفي على العباد قوله فأولئك الذين سمى الله قال ابن عباس هم الخوارج قيل أول بدعة وقعت في الإسلام بدعة الخوارج ثم كان ظهورهم في أيام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ونحل كثيرة منتشرة ثم نبعت القدرية ثم المعتزلة ثم الجهمية وغيرهم من أهل البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا ومن هم يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) قوله فاحذروهم بصيغة الجمع والخطاب للأمة وفي رواية الكشميهني فاحذرهم بالإفراد أي احذرهم أيها المخاطب
2 -
( باب وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( آل عمران36 )

(18/139)


أي هذا باب في قوله تعالى إني أعيذها الآية هذا إخبار من الله عز و جل عن امرأة عمران أم مريم عليها السلام وهي حنة بنت فاقوذا أنها قالت إني أعيذها أي عوذتها بالله عز و جل وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى عليه السلام فاستجاب الله لها ذلك كما يأتي الآن في حديث الباب
4548 - ح ( دثني عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد ابن المسيب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه أن النبي قال ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إيا إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة وافرؤا إن شئتم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي والحديث قد مر في أحاديث الأنبياء عليهم السلام في باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره ومر الكلام فيه هناك
3 -
( باب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم لا خير ( آل عمران77 )
أي هذا باب في قوله تعالى إن الذين يشترون الآية أي يستبدلون ( بعهد الله ) بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم قوله ( أيمانهم ) أي بما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه قوله ( ثمنا قليلا ) هو عرض هذه الحياة الدنيا الزائلة الفانية قوله ( لا خلاق لهم ) فسره البخاري قوله لا خير لهم في الآخرة ويقال لا نصيب لهم
أليم مؤلم موجع من الألم وهو في موضع مفعل
أشار بأن لفظ الميم الذي وزنه فعيل بمعنى مؤلم على وزن مفعل وهو معنى قوله هو في موضع مفعل بكسر العين كقول الشاعر
أمن ريحانة الداعي السميع
فإن السميع بمعنى المسمع وقوله موجع تفسير قوله مؤلم
4550 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ابن مسعود ) رضي الله عنه قال قال رسول الله من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة إلى آخر الآية قال فدخل الأشعث ابن قيس وقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمان قلنا كذا وكذا قال في أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي قال النبي بينتك أو يمينه فقلت إذا يحلف يا رسول الله فقال النبي من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري والأعمش سليمان وأبو وائل شقيق بن سلمة
والحديث قد مر في كتاب الشهادات في باب مجرد بعد باب اليمين على المدعي عليه فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل إلى آخره ومر الكلام فيه هناك مستقصى
قوله من حلف يمين صبر بإضافة يمين إلى صبر وفي آخر الحديث على يمين صبر ويروى من حلف يمينا صبرا أي يمينا ألزم بها وحبس عليها وأصل الصبر الحبس أو يحبس نفسه ليحلف قوله غضبان إطلاق الغضب على الله مجاز والمراد لازمه وهو إيصال العقاب قوله فدخل الأشعث بالشين المعجمة والتاء المثلثة ابن قيس الكندي قوله ما يحدثكم أي أي شيء يحدثكم أبو عبد الرحمن وهو كنية عبد الله بن مسعود قوله في بكسر الفاء

(18/140)


وتشديد الياء قوله فاجر أي كاذب
4551 - حدثنا ( علي ) هو ( ابن أبي هاشم ) سمع ( هشيما ) أخبرنا ( العوام بن حوشب ) عن ( إبراهيم ابن عبد الرحمان ) عن ( عبد الله بن أبي أوفى ) رضي الله عنهما أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف فيها لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( آل عمران77 ) إلى آخر الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن أبي هاشم البغدادي من أفراده وهشيم مصغر هشيم بن بشير مصغر بشر الواسطي والعوام بتشديد الواو بن حوشب بفتح المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة والحديث قد مر في كتاب البيوع في باب ما يكره من الحلف في البيع
قوله لقد أعطى على صيغة المجهول وكذا قوله ما لم يعطه ولا منافاة بين هذا الحديث والحديث السابق من حيث أن ذاك في البئر وهذا في السلعة لأن الآية نزلت بالسببين جميعا ولفظ الآية عام يتناولهما وغيرهما وقيل لعل الآية لم تبلغ عبد الله بن أبي أوفى إلا عند إقامة السلعة فظن أنها نزلت في ذلك
73 - ( حدثنا نصر بن علي بن نصر حدثنا عبد الله بن داود عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في حجرة فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفها فادعت على الأخرى فرفع إلى ابن عباس فقال ابن عباس قال رسول الله لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها بالله واقرؤا عليها إن الذين يشترون بعهد الله فذكروها فاعترفت فقال ابن عباس قال النبي اليمين على المدعى عليه )
مطابقته للترجمة ظاهرة ونصر بن علي الجهضمي وعبد الله بن داود بن عامر المعروف بالخريبي كوفي الأصل سكن الخريبة محلة بالبصرة وهو من أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان ثقة زاهدا يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو يروي عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والحديث مضى مختصرا في الرهن والشركة عن أبي نعيم وأخرجه بقية الجماعة وقد ذكرناه قوله أن امرأتين كانتا تخرزان من خرز الخف ونحوه يخرز بضم الراء وكسرها قوله في بيت أو في حجرة كذا بالشك في رواية الأصيلي وحده والحجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء قال ابن الأثير وهي الموضع المنفرد وفي المطالع وكل موضع حجر عليه بالحجارة فهو حجرة وقال الجوهري الحجرة حظيرة الإبل ومنه حجرة الدار تقول أحجرت حجرة أي اتخذتها وفي رواية الأكثرين في بيت وفي حجرة بالواو دون أو التي للتشكيك قال بعضهم والأول هو الصواب يعني الذي بالواو وإنما قال الأول لأن الذي في نسخته ذكر بالواو أولا ثم ذكر بأو ونسب رواية أو التي للشك إلى الخطأ ثم قال وسبب الخطأ أن في السياق حذفا بينه ابن السكن في روايته جاء فيها في بيت وفي حجرة حداث فالواو عاطفة لكن المبتدأ محذوف وحداث بضم المهملة والتشديد وآخره مثلثة أي يتحدثون وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للشك فرارا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معا انتهى قلت هذا تصرف عجيب وفيه تعسف من وجوه لا يحتاج إلى ارتكابها ( الأول ) أن نسبته رواية أو للشك إلى الخطأ خطأ لأن كون أو للشك مشهور في كلام العرب وليس فيه مانع هنا لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ( الثاني ) أن قوله فالواو للعطف غير مسلم هنا لفساد المعنى ( الثالث ) دعواه أن المبتدأ محذوف لا دليل عليه لأن حذف المبتدأ إنما يكون وجوبا أو جوازا فلا مقتضى

(18/141)


لواحد منهما هنا يعرفه من له يد في العربية ( الرابع ) أنه ادعى أن الواو للعطف ثم قال وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون فهذا ينادي بأعلى صوته أن الواو هنا ليست للعطف بل هي واو الحال ( الخامس ) أن قوله الحجرة المجاورة للبيت يحتاج إلى بيان أن تلك الحجرة كانت مجاورة للبيت فلم لا يجوز أن تكون الحجرة نفس البيت لأنا قد ذكرنا أن الحجرة موضع منفرد فلا مانع من أن يكون في البيت موضع منفرد ( السادس ) أنه ادعى استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة فلا استحالة هنا لجواز كون من كان في الحجرة وهي في البيت كونه في الحجرة والبيت ودعوى استحالة مثل هذا هو المحال قوله وقد أنفذ بإشفى الواو فيه للحال وقد للتحقيق وأنفذ من النفاذ بالذال المعجمة على صيغة المجهول والإشفى بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالفاء مقصورا وهو مثل المسلة له مقبض يخرز بها الإسكاف قوله فرفع أي أمر المرأتين المذكورتين ورفع على صيغة المجهول قوله لو يعطى على صيغة المجهول قوله فذكروها الضمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ الأخرى وهي المدعى عليها وهو بصيغة الأمر للجماعة وأراد بالتذكير تخويفها من اليمين لأن فيها هتك حرمة اسم الله عند الحلف الباطل وكذلك الضمير في قوله عليها وفي قوله فذكروها وهو بفتح الكاف لأنه جملة ماضية قوله اليمين على المدعى عليه يعني عند عدم بينة المدعي وقال صاحب التوضيح قوله اليمين على المدعى عليه أي فإن نكل حلف المدعي قلت هذا الذي قاله ليس معنى قول ابن عباس بل المعنى فيه أن المدعى عليه إذا رد اليمين على المدعي لا يصح لأن اليمين وظيفة المدعى عليه فإذا نكل عن اليمين يلزمه ما يدعيه المدعي -
4 -
( باب قل يا أهل الكتاب تعالو إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ( آل عمران64 )
أي هذا باب في قوله عز و جل قل يا أهل الكتاب الآية وهذا المقدار وقع من الآية المذكورة في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر هكذا قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الآية قوله قل أي يا محمد يا أهل الكتاب قيل هم أهل الكتابين وقيل وفد نجران وقيل يهود المدينة قوله إلى كلمة أراد بها الجملة المفيدة ثم وصفها بقوله سواء بيننا وبينكم نستوي نحن وأنتم فيها وفسرها بقوله أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا لا وثنا ولا صنما ولا صليبا ولا طاغوتا ولا نارا بل نعبد الله وحده لا شريك له ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فلا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن لأن كل واحد منهما بشر مثلنا فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون
سواء قصدا
هكذا وقع بالنصب في رواية أبي وفي رواية غيره بالجر فيهما على الحكاية والنصب قراءة الحسن البصري وقيل وجه النصب على أنه مصدر تقديره استوت استواء قوله قصدا تفسير استواء أي عدلا وكذا فسر أبو عبيدة في قوله سواء أي عدل وكذا أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس وأخرج الطبري أيضا عن قتادة نحوه
4553 - ح ( دثني إبراهيم بن موسى ) عن ( هشام ) عن ( معمر ) وحدثني ( عبد الله بن محمد ) حدثنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة ) قال حدثني ( ابن عباس ) قال حدثني ( أبو سفيان ) من فيه إلى في قال انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله قال فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي إلى هرقل قال وكان دحية الكلبي جاء به إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل قال فقال هرقل هل هاهنا أحد من قوم هاذا الرجل يزعم أنه نبي فقالوا

(18/142)


نعم قال فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب نسبا من هاذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هاذا عن هاذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه قال أبو سفيان وايم الله لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان من آبائه ملك قال قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال يزيدون أو ينقصون قال قلت لا بل يزيدون قال هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال فهل قاتلتموه قال قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قال قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قال قلت لا ونحن منه في هاذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها قال والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هاذه قال فهل قال هاذا القول أحد قبله قلت لا ثم قال لترجمانه قل له إني سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله قال ثم قال بم يأمركم قال قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف قال إن يك ما تقول فيه حقا فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي قال ثم دعا بكتاب رسول الله فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك

(18/143)


بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله إلى قوله اشهدوا بأنا مسلمون فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللفظ وأمر بنا فأخرجنا قال فقلت لأصحابي حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه ليخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا بأمر رسول الله سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام قال الزهري فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد وأن يثبت لكم ملككم قال فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فقال علي بهم فدعا بهم فقال إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين ( الأول ) عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء عن هشام بن يوسف عن معمر بن راشد عن الزهري الخ ( والآخر ) عن عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري إلى آخره وقد مر الحديث في أول الكتاب فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري إلى آخره ومضى الكلام فيه مطولا ولنذكر بعض شيء لطول المسافة
قوله من فيه إلى في أي حدثني حال كونه من فمه إلى فمي وأراد به شدة تمكنه من الإصغاء إليه وغاية قربه من تحديثه وإلا فهو في الحقيقة أن يقال إلى أذني قوله في المدة أي في مدة المصالحة قوله فدعيت على صيغة المجهول قوله في نفر كلمة في بمعنى مع نحو ادخلوا في أمم أي معهم ويجوز أن يكون التقدير فدعيت في جملة نفر والنفر اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه قوله فدخلنا الفاء فيه تسمى فاء الفصيحة لأنها تفصح عن محذوف قبلها لأن التقدير فجاءنا رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتى وصلنا إليه فاستأذن لنا فأذن فدخلنا قوله فأجلسنا بفتح اللام جملة من الفعل والفاعل والمفعول قوله إني سائل هذا أي أبا سفيان قوله بترجمانه هو الذي يترجم لغة بلغة ويفسرها قيل إنه عربي وقيل معرب وهو الأشهر فعلى الأول النون زائدة قوله فإن كذبني بتخفيف الذال فكذبوه بالتشديد ويقال كذب بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث قال الله لقد صدق الله رسوله الرؤيا ( الفتح27 ) وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهذا من الغرائب قوله لولا أن يؤثروا علي بصيغة الجمع وصيغة المعلوم ويروي ويؤثر بفتح الثاء المثلثة بصيغة الإفراد على بناء المجهول وقال ابن الأثير لولا أن يؤثروا عني أي لولا أن يؤثروا عني ويحكوا قوله كيف حسبه والحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه فإن قلت ذكر في كتاب الوحي كيف نسبه قلت الحسب مستلزم للنسب الذي يحصل به الإدلاء إلى جهة الآباء قوله فهل كان من آبائه ملك وفي رواية غير الكشميهني في آبائه ملك قوله يزيدون أو ينقصون كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام وأصله أيزيدون أو ينقصون ويروى أم ينقصون وقال ابن مالك يجوز حذف همزة الاستفهام مطلقا وقال بعضهم لا يجوز إلا في الشعر قوله هل يرتد إلى آخره فإن قلت لم لم يستغن هرقل عن هذا السؤال بقول أبي سفيان بل يزيدون قلت لا ملازمة بين الارتداد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلا قوله سخطة له يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فإنه يتزلزل سرعة وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبد الله بن جحش فإنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة ومات على

(18/144)


نصرانيته وتزوج النبي أم حبيبة بعده وكأنه لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه فلذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه قوله قال فهل قاتلتموه إنما نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل هل قاتلكم لاطلاعه على أن النبي لا يبدأ قومه حتى يبدؤا قوله يصيب منا ونصيب منه الأول بالياء بالإفراد والثاني بالنون علامة الجمع قوله إني سألتك عن حسبه فيكم ذكر الأسئلة والأجوبة المذكورتين على ترتيب ما وقعت وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الكل فالبعض ما تلقفه من الكتب والبعض مما استقرأه بالعادة ولم تقع في كتاب بدء الوحي الأجوبة بترتيب والظاهر أنه من الراوي بدليل أنه حذف منها واحدة وهي قوله هل قاتلتموه ووقع في رواية الجهاد مخالفة في الموضعين فإنه أضاف قوله بم يأمركم إلى بقية الأسئلة فكملت بها عشرة وأما هنا فإنه أخر قوله بم يأمركم إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها قوله وقال لترجمانه قل له أي قال هرقل لترجمانه قل لأبي سفيان قوله فإنه نبي ووقع في رواية الجهاد وهذه صفة نبي وفي مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة فقال هو نبي قوله لأحببت لقاءه وفي كتاب الوحي لتشجشمت أي لتكلفت ورجح عياض هذه لكن نسبها إلى مسلم خاصة وهي عند البخاري أيضا قوله ثم دعا بكتاب رسول الله فقرأه قيل ظاهره أن هرقل هو الذي قرأ الكتاب ويحتمل أن يكون الترجمان قرأه فنسبت إلى هرقل مجازا لكونه آمرا بها قلت ظاهر العبارة يقتضي أن يكون فاعل دعا هو هرقل ويحتمل أن يكون الفاعل الترجمان لكون هرقل آمرا بطلبه وقراءته فلا يرتكب فيه المجاز وعند ابن أبي شيبة في مرسل سعيد بن المسيب أن هرقل لما قرأ الكتاب قال هذا لم أسمعه بعد سليمان عليه السلام فكأنه يريد الابتداء ببسم الله الرحمان الرحيم وهذا يدل على أن هرقل كان عالما بأخبار أهل الكتاب قوله من محمد رسول الله ذكر المدايني أن القارىء لما قرأ بسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب فقال هرقل مالك فقال بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم قال إنك لضعيف الرأي أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله فهو حق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكهم قوله عظيم الروم بالحر على أنه بدل من هرقل ويجوز بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز بالنصب أيضا على الاختصاص ومعناه من تعظمه الروم وتقدمه للرياسة قوله ثم الأريسين قد مضى ضبطه مشروحا وجزم ابن التين أن المراد هنا بالأريسيين أتباع عبد الله بن أريس كان في الزمن الأول بعث إليهم نبي فاتفقواكلهم على مخالفة نبيهم فكأنه قال عليك إن خالفت إثم الذين خالفوا نبيهم وقيل الأريسيون الملوك وقيل العلماء وقال ابن فارس الزراعون وهي شامية الواحد أويس وقد مر الكلام فيه مستقصى في أول الكتاب قوله فلما فرغ أي قارىء الكتاب وقال بعضهم يحتمل أن يكون هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به قلت الذي يظهر أن الضمير في فرغ يرجع إلى هرقل ويؤيد قوله عنده بعد قوله فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده أي عندهم هرقل فحينئذ يكون حقيقة لا مجازا قوله لقد أمر أمر ابن أبي كبشة بفتح الهمزة وكسر الميم وفتح الراء على وزن علم ومعناه عظم وقوى أمر ابن أبي كبشة وهذا يكون الميم وضم الراء لأنه فاعل أمر الأول وقال الكرماني ابن أبي كبشة كتابة عن رسول الله شبهوه به في مخالفته دين آبائه قلت هذا توجيه بعيد وقد مر في بدء الوحي بيان ذلك مبسوطا قوله قال الزهري أي أحد الرواة المذكورين في الحديث هذه قطعة من الرواية التي وقعت في يده الوحي عقيب القصة التي حكاها ابن الناطور وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع من بيت المقدس فعاد جوابه يوافقه على خروج النبي وعلى هذا فالفاء في قوله فدعا فاء فصيحة والتقدير قال الزهري فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاءه جوابه فدعا الروم قوله آخر الأبد أي إلى آخر الزمان قوله فحاصوا بالمهملتين أي نفروا قوله فقال علي بهم أي هاتوهم لي يقال علي يزيد أي احضروه لي قوله اختبرت أي جربت قوله الذي أحببت أي الشيء الذي أحببته

(18/145)


5 -
( باب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون إلى به عليم ( آل عمران92 )
أي هذا باب في قوله تعالى لن تنالوا البر إلى آخر الآية قوله إلى به عليم هكذا رواية الأكثرين وفي رواية ابي ذر لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون الآية قوله لن تنالوا البر أي لن تبلغوا حقيقة البر ولن تكونوا أبرارا حتى تنفقوا أي حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها فإن الله عليم بكل شيء تنفقونه فيجازيكم بحسبه
4554 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله عنه يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما أنزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال رسول الله بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه قال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة ذلك مال رابح
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس والحديث قد مضى في كتاب الزكاة باب الزكاة على الأقارب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
قوله أبو طلحة اسمه زيد بن سهل زوج أم أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قوله بيرحاء أشهر الوجوه فيه فتح الباء الموحدة وسكون الباء آخر الحروف وفتح الراء وبالحاء المهملة مقصورا وهو بستان بالمدينة فيه ماء قوله طيب بالجر لأنه صفة من ماء قوله بخ بفتح الباء الموحدة وتشديد الخاء المعجمة وهي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء والتكرار وللمبالغة قوله رابح بالباء الموحدة أي يربح صاحبه فيه في الآخرة قوله قال عبد الله بن يوسف هو أحد رواة الحديث عن مالك وروح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة أراد أن المذكورين رويا الحديث المذكور عن مالك بإسناديهما فوافقا فيه إلا في هذه اللفظة يعني رايح أنها بالياء آخر الحروف من الرواح أي من شأنه الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى
حدثني يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك مال رابح
ذكره هنا مختصرا وساقه بتمامه من هذا الوجه في كتاب الوكالة في باب إذا قال الرجل لوكيله ضعه حيث أراك الله
4555 - حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثني أبي عن ( تمامة ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال فجعلها لحسان وأبي وأنا أقرب إليه ولم يجعل لي منها شيئا
هذا لم يقع لأبي ذر وهذا قطعة من حديث أخرجه بتمامه في كتاب الوقف في باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه فإنه أخرجه هناك حيث قال وقال الأنصاري وهو محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي وهو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك عن ثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة وهو يروي عن جده أنس بن مالك
قوله

(18/146)


فجعلها أي فجعل أبو طلحة بيرحاء المذكورة في الحديث السابق لحسا بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما قوله وأنا أقرب إليه منهما ولم يجعل لي منها شيئا
6 -
( باب قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( آل عمران93 )
أي هذا باب في قوله تعالى قل فأتوا الآية وقبلهاكل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( آل عمران93 ) قوله كل الطعام أي كل المطعومات كان حلا لبني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وهو لحوم الإبل وألبانها وقيل العروق وكان به عرق النساء فنذر إن شفي أن يحرم على نفسه أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إليه فحرمه وأنكر اليهود ذلك فأنزل الله قل فاتوا أي قل يا محمد لليهود قاتلوها إن كنتم صادقين فيما تنكرون من ذلك
4556 - ح ( دثني إبراهيم بن المنذر ) حدثنا ( أبو ضمرة ) حدثنا ( موسى بن عقبة ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما أن اليهود جاؤا إلى النبي برجل منهم وامرأة قد زنيا فقال لهم كيف تفعلون بمن زنا منكم نحممهما ونضربهما فقال لا تجدون في التوراة الرجم فقالوا لا نجد فيها شيئا فقال لهم عبد الله بن سلام كذبتم فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صادقين فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم فنزع يده عن آية الرجم فقال ما هاذه فلما رأوا ذلك قالوا هي آية الرجم فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة
مطابقته للترجمة في قوله كذبتم فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين وإبراهيم بن المنذر أبو إسحاق الحزامي المديني وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم واسمه أنس بن عياض الليثي والحديث قد مضى مختصرا في الجنائز في باب الصلاة على الجنازة في المصلى والمسجد
قوله إن اليهود جاؤوا إلى النبي برجل وامرأة زنيا قال ابن بطال قيل إنهما لم يكونا أهل ذمة وإنما كانا أهل حرب ذكره الطبري وفي رواية عيسى عن ابن القاسم كانا من أهل فدك وخيبر حربا لرسول الله يوم ذاك وعن أبي هريرة كان هذا حين قدم سيدنا رسول الله المدينة وقال مالك إنما كانا أهل حرب ولو كانا أهل ذمة لم يسألهم كيف الحكم فيهم وقال النووي وعند مالك لا يصح إحصان الكافر وإنما رجمهما لأنهما لم يكونا أهل ذمة قيل هذا غير جيد لأنهما كانا من أهل العهد ولأنه رجم المرأة والنساء الحربيات لا يجوز قتلهن مطلقا وقال السهيلي اسم المرأة المرجومة بسرة قوله كيف تفعلون لم يرد به تقليدهم ولا معرفة الحكم به منهم وإنما أراد إلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله قد أوحى إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا غيره أو أنه أخبره من أسلم منهم قوله نحممهما من التحميم يعني نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء المهملة وفتح الميم وهو الفحم وفي رواية تحملهما بالحاء المهملة واللام يعني تحملهما على شيء ليظهرا وفي رواية تحملهما بالجيم واللام أي نجعلهما جميعا على شيء ليظهرا قوله فوضع مدراسها بكسر الميم يريد به صاحب دراسة كتبهم والمفعال من أبنية المبالغة وهو عبد الله بن صوريا بضم الصاد المهملة وسكون الواو وكسر الراء وفتحها وفي رواية أبي داود ائتوني بأعلم رجلين منك فأتوه يا بني صوريا قال المنذري لعله عبد الله بن صوريا وكنانة بن صوريا وكان عبد الله أعلم من بقي من الأحبار بالتوراة ثم كفر بعد ذلك وزعم السهيلي أنه أسلم قوله فطفق أي فجعل يقرأ ما دون يده أي ما قبلها قوله فنزع يده أي نزع

(18/147)


عبد الله بن سلام يد المدراس عن آية الرجم قوله فرجما على صيغة المجهول وفي ( سنن أبي داود ) أنه رجمهما بالبينة وقال الخطابي إنما رجمهما رسول الله بما أوحى إليه من أمره وإنما احتج عليهم بالتوراة استظهارا للحجة وإحياء لحكم الله تعالى الذي كانوا يكتمونه قوله من حيث موضع الجنائز عند المسجد وفي رواية عند البلاط وهما متقاربان قوله يحنأ بالجيم قال ابن الأثير يعني أكب عليها وقيل هو مهموز وقيل الأصل فيه الهمز من جنأ يجنأ إذا مال عليه وعطف ثم خفف وهو لغة وقال المنذري ياؤه مفتوحة وجيمه ساكنة يقال جنى الرجل على الشيء إذا أكب عليه ورواه بعضهم بضم الياء وروي يجاني من جانى يجاني وقيل روي بجيم ثم باء موحدة ثم همزة أي يركع وقال الخطابي المحفوظ بالحاء والنون يقال حنا يحنو وحنوا وروي بالحاء وتشديد النون وقال يحيى بن يحيى بحاء ونون مكسورة بغير همزة وقال البيهقي عند أهل الحديث يجني بالحاء وعند أهل اللغة بالجيم قوله يقيها أي يحفظها من وقى يقي وقاية وفي الحديث الحكم بين أهل الذمة وفي ( التوضيح ) الأصح عندنا وجوبه وفاقا لأبي حنيفة وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز والثوري والحكم وروي عن ابن عباس وقال القرطبي إن كان ما رفعوه إلى الإمام ظلما كالقتل والغصب بينهم فلا خلاف في منعهم منه ونقل عن مالك والشافعي أنه بالخيار بين الحكم بينهم وتركه غير أن مالكا يرى الإعراض أولى ونقل عن الشافعي أنه لا يحكم بينهم في الحدود وفيه أن أنكحة الكفار صحيحة ولذلك رجمهما وهو الأصح عند الشافعية وفيه دليل على أنه لا يحفر لمن رجم إذ لو حفر له لما استطاع أن يجنا عليها لكن في ( صحيح مسلم ) من حديث بريدة أنه حفر لما عز والغامدية إلى صدرها وقيل يحفر لمن قامت عليه البينة دون المقر
7 -
( باب كنتم خير أمة أخرجت للناس ( آل عمران110 )
أي هذا باب في قوله تعالى ( كنتم خير أمة ) أي وجدتم خير أمة وقيل كنتم في علم الله خير أمة وقيل كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به وروى عبد بن حميد عن ابن عباس هم الذين هاجروا مع النبي وروى الطبري عن السدي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو شاء الله عز و جل لقال أنتم خير أمة ولو قال لكنا كلنا ولكن هذا خاص بالصحابة ومن صنع مثل ما صنعوا كانوا خير أمة وقال الواحدي إن رؤوس اليهود وعدد منهم جماعة منهم ابن صوريا عمدوا إلى مؤمنيهم عبد الله بن سلام وأصحابه فآذوهم لإسلامهم فنزلت وقال مقاتل نزلت في أبي ومعاذ وابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الضيف ووهب بن يهودا قالا للمسلمين ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأوصل منكم فنزلت ويقال هذا الخطاب للصحابة وهو يعم سائر الأمة قوله أخرجت قال الزمخشري أي أظهرت قوله للناس يعني خير الناس للناس والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس ولهذا قال ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) وهذا هو الشرط في هذه الخيرية وقال الزمخشري تأمرون كلام مستأنف بين به كونهم خير أمة
4557 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) عن ( سفيان ) عن ( ميسرة ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه كنتم خير أمة أخرجت للناس قال خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وسفيان هو الثوري وميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي الكوفي وماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي هو سلمان الأشجعي والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن محمد بن عبد الله المخزومي
قوله خير الناس أي خير بعض الناس لبعضهم وأنفعهم لهم من يأتي بأسير مقيد في السلسلة إلى دار الإسلام فيسلم وإنما كان خيرا لأنه بسببه صار مسلما وحصل أصله جميع السعادات الدنياوية والأخراوية

(18/148)


8 -
( باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( آل عمران122 )
أي هذا باب في قوله تعالى إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا قوله إذ همت بدل من قوله إذ غدوت والعامل فيه قوله والله سميع عليم والطائفتان حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وهما الجناحان خرج رسول الله في غزوة أحد في ألف وقيل في تسعمائة وخمسين والمشركون في ثلاثة آلاف ووعدهم الفتح إن صبروا فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري فقال أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم فقال عبد الله لو نعلم قتالا لاتبعناكم فهم الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله قوله أن تفشلا كلمة أن مصدرية والفشل الجبن والخور
4558 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) قال قال ( عمرو ) سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما يقول فينا نزلت إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما قال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب وقال سفيان مرة وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله والله وليهما
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار والحديث مضى بعينه متنا وإسنادا في المغازي في باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا مضى الكلام فيه هناك قوله والله وليهما قرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله وليهم
9 -
( باب ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران128 )
أي هذا باب في قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء ولم يذكر لفظ باب هنا إلا في رواية أبي ذر وقال ابن إسحاق أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم ويقال ليس لك من الأمر شيء بل الأمر كله إلي كما قال فإنماعليك البلاغ وعلينا الحساب
4559 - حدثنا ( حبان بن موسى ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سالم ) عن أبيه أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون
مطابقته للترجمة ظاهرة وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي روى عنه مسلم أيضا وعبد الله هو ابن المبارك المروزي والحديث قد مر بترجمته في غزوة أحد في باب ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن عبد الله السلمي عن عبد الله عن معمر عن الزهري إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك
رواه إسحاق بن راشد عن الزهري
أي روى الحديث المذكور إسحاق بن راشد الحراني عن محمد بن مسلم الزهري بالإسناد المذكور ووصله الطبراني في ( المعجم الكبير ) من طريق إسحاق
81 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله

(18/149)


كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية )
مطابقته للترجمة ظاهرة وموسى بن إسماعيل المنقري البصري المعروف بالتبوذكي وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري والحديث من أفراده وزاد ابن حبان وأصبح ذات يوم فلم يدع لهم وروى النسائي من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق بإسنادهما عن معمر مثل الحديث السابق قوله كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد أي في الصلاة قوله الوليد بن الوليد أي ابن المغيرة وهو أخو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وكان ممن شهد بدرا مع المشركين وأسر وأفدى نفسه ثم أسلم فحبس بمكة ثم تواعد هو وسلمة وعياش المذكورون وهربوا من المشركين فعلم النبي بمخرجهم فدعا لهم أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل ومات الوليد في حياة النبي قوله وسلمة بن هشام أي ابن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله وهو أخو أبي جهل وكان من السابقين إلى الإسلام واستشهد في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بالشام سنة أربع عشرة قوله وعياش بالياء آخر الحروف المشددة بالشين المعجمة وأبوه أبو ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله وكان من السابقين إلى الإسلام أيضا ثم خدعه أبو جهل فرجع إلى مكة فحبس بها ثم فر مع رفيقيه المذكورين وعاش إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فمات سنة خمس عشرة وقيل قبل ذلك قوله وطأتك الوطأة كالضغطة لفظا ومعنى وقيل هي الأخذة والبأس وقيل معناه خذهم أخذا شديدا قوله كسني يوسف بنون واحدة وهو الأصح وروى كسنين بنونين وهي لغة قلية أراد سبعا شدادا ذات قحط وغلاء قوله الآية بالنصب أي اقرأ الآية ويجوز الرفع على تقدير الآية بتمامها ويجوز النصب أي خذ الآية أو كملها -
10 -
( باب والرسول يدعوكم في أخراكم ( آل عمران153 )
أي هذا باب في قوله تعالى والرسول يدعوكم وفي بعض النسخ باب قوله والرسول يدعوكم وأول الآية ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ) قوله إذ تصعدون يعني أذكر يا محمد حين تصعدون من الإصعاد وهو الذهاب في الأرض وقرأ الحسن تصعدون بفتح التاء يعني في الجبل قوله ولا تلوون على أحد أي والحال أنكم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب وقرأ الحسن ولا تلؤون أي لا تعطفون ولما نبذ المشركون على المسلمين يوم أحد فهزموهم دخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وجعل رسول الله يدعو الناس إلى عباد الله إلى عباد الله وهو معنى قوله ( الرسول يدعوكم في أخراكم ) يعني في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة قوله فأثابكم أي فجازاكم غما بغم أي بسبب غم اذقتموه رسول الله ويقال غما على غم قال ابن عباس الغم ( الأول ) بسبب الهزيمة وحين قيل قتل محمد ( والثاني ) حين علاهم المشركون فوق الجبل وعن عبد الرحمن بن عوف الغم ( الأول ) بسبب الهزيمة ( والثاني ) حين قيل قتل محمد عليه السلام وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة رواهما ابن مردويه وروى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نحو ذلك وروى ابن أبي حاتم عن قتادة ذلك أيضا وقال السدي الغم ( الأول ) بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح ( والثاني ) إشراف العدو عليهم وقال مجاهد وقتادة الغم ( الأول ) سماعهم قتل محمد ( والثاني ) ما أصابهم من القتل والجرح قوله

(18/150)


لكيلا تحزنوا على ما فاتكم أي من الغنيمة والظفر بعدوكم قوله ولا ما أصابكم من القتل والجرح قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف والحسن وقتادة والسدي
وهو تأنيث آخركم
أي أخراكم الذي في الآية وهو والرسول يدعوكم ( آل عمران153 ) في اخراكم تأنيث آخركم بكسر الراء وليس كذلك وإنما آخركم بالكسر ضد الأول وأما الأخرى فهو تأنيث الآخر بفتح الخاء لا بكسرها والبخاري تبع في هذا أبا عبيدة فإنه قال أخراكم آخركم وذهل فيه وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول في أخراتكم بزيادة التاء المثناة من فوق
وقال ابن عباس إحدى الحسنيين فتحا أو شهادة
ليس لذكر هذا هنا وجه ومحله في سورة براءة وقال بعضهم ولعله أورده هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أحد ( قلت ) هذا اعتذار فيه بعد لا يخفى وأما هذا التعليق فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
4561 - حدثنا ( عمرو بن خالد ) حدثنا ( زهير ) حدثنا ( أبو إسحاق ) قال سمعت ( البراء بن عازب ) رضي الله عنهما قال جعل النبي على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوكم الرسول في أخراكم ولم يبق مع النبي غير اثني عشر رجلا
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمرو بفتح العين ابن خالد بن فروخ الحراني الجزري سكن مصر وزهير بن معاوية وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والحديث قد مضى في غزوة أحد في باب ( إذ تصعدون ولا تلوون ) بعين هذا الإسناد والمتن غير أن هنا بعض زيادة وهي قوله ولم يبق مع النبي إلى آخره
11 -
( باب قوله أمنة نعاسا ( آل عمران154 )
أي هذا باب وساق الآية إلى آخرها وذكرنا هناك ما فيها من التفسير
12 -
( باب قوله الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( آل عمران172 )

(18/151)


أي هذا باب في قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول الآية قوله الذين استجابوا مبتدأ وخبره قوله للذين أحسنوا منهم واستجابوا بمعنى أجابوا كما في قول الشاعر
( وداع دعايا من يجيب إلى الندافل يستجبه عند ذاك مجيب )
وتقول العرب استجبتك بمعنى أجبتك فإن قلت ما فائدة هذه السين هنا قلت فائدتها أنها تدل على أن الفعل الذي تدخل عليه هذه السين واقع لا محالة وسواء كان في فعل محبوب أو مكروه وسبب نزول هذه الآية الكريمة ما رواه أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال لما رجع المشركون من أحد قالوا لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة الشك من سفيان فقال المشركون نرجع من قليل فرجع رسول الله فكانت تعد غزوة وأنزل الله عز و جل الذين استجابوا لله والرسول الآية ورواه ابن مردويه أيضا من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره وقال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن خارجة ابن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله من بني عبد الأشهل كان شهد أحدا قال شهدت أحدا مع رسول الله أنا وأخ لي فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله بالخروج في طلب العدو قلت لأخي وقال لي أتفوتنا غزوة مع رسول الله والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله وكنت أيسر جرحات فكان إذا غلب حملته عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون فإن قلت لم لم يسبق في هذا الباب حديثا قلت كأنه لم يظفر بحديث يطابقه فبيض له ثم لم يدرك تسويده والذي ذكرناه الآن عن ابن أبي حاتم مطابق للباب لأن رجاله رجال الصحيح ولكنه مرسل عن عكرمة فإن قلت فيه عن ابن عباس في رواية كما في رواية ابن مردويه قلت المحفوظ عن عكرمة ليس فيه ابن عباس كذا قيل وفيه موضع التأمل
القرح الجراح استجابوا أجابوا يستجيب يجيب
أشار بقوله القرح إلى ما في قوله تعالى أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله قال الزمخشري القرح بفتح القاف وضمها لغتان كالضغف والضعف وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم المها وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه قرأ القرح بالضم وهي قراءة أهل الكوفة وذكر أبو عبيد عن عائشة أنها قالت اقرؤها بالفتح لا بالضم وقرأ أبو السمال قرح بفتحتين والمعنى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم مثله يوم بدر قوله استجابوا أجابوا أشار بهذا إلى أن الاستفعال بمعنى الأفعال وقد ذكرنا الآن فائدة السين قوله يستجيب يجيب أراد أن يستجيب الذي في قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( الشورى26 ) أي يجيب الذين آمنوا وإنما ذكر هذا هنا وهو في سورة الشورى استشهاد للآية المتقدمة
13 -
( باب إن الناس قد جمعوا لكم ( آل عمران173 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى إن الناس قد جمعوا لكم وأوله والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وفي رواية أبي ذر باب إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم وزاد غيره لفظ الآية والمراد بالناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي وقيل المنافقون والمراد بالناس الثاني أبو سفيان وأصحابه وأبو نعيم أسلم بعد ذلك فإن قلت ما وجه إطلاق الجمع على الواحد في قول من قال إن المراد بالناس الأول هو أبو نعيم قلت قال الزمخشري لأنه من جنس الناس كما يقال فلان يركب الخيل ويلبس البرود وماله إلا فرس واحد وبرد واحد قوله فزادهم الفاعل فيه هو الضمير الذي يرجع إلى ما دل عليه قوله فاخشوهم أي ذلك التخويف زادهم إيمانا أي تصديقا وثبوتا

(18/152)


وإقامة على نصرة نبيهم قوله حسبنا الله أي كافينا قوله ونعم الوكيل أي نعم الموكول إليه
4563 - حدثنا ( أحمد بن يونس أراه ) قال حدثنا ( أبو بكر ) عن ( أبي حصين ) عن ( أبي الضحى ) عن ( ابن عباس ) حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي وأبو بكر هو ابن عياش بتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة المقرىء المحدث قيلاسمه شعبة وأبو حصين بفتح الحاء المهملة واسمه عثمان بن عاصم وأبو الضحى اسمه مسلم بن صبيح
والحديث أخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن إسماعيل وفيه وفي اليوم والليلة عن هارون بن عبد الله
قوله أراه بضم الهمزة أي أظنه والقائل بهذه اللفظة البخاري فكأنه شك في شيخ شيخه وفي كون مثل هذه الرواية حجة خلاف قوله وقالها محمد ذكر القاضي إسحاق البستي في ( تفسيره ) عن قتيبة حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله ( الذين قال لهم الناس ) قال أبو سفيان يوم أحد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا فانطلق النبي لموعده حتى نزل بدرا وزعم بعضهم أنه قال ذلك في غزوة حمراء الأسد وفي ( تفسير الطبري ) مر بأبي سفيان ركب من عبد القيس فقال إذا جئتم محمدا فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه فلما أخبر النبي قال حسبنا الله ونعم الوكيل ذكره عن ابن إسحاق وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعكرمة نحو
4564 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) حدثنا ( إسرائيل ) عن أبي حصين عن ( أبي الضحى ) عن ( ابن عباس ) قال كان آخر قول إبراهيم حين ألقي حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن مالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي وروى النسائي كما في رواية البخاري كان آخر قول إبراهيم عليه السلام ووقع عند أبي نعيم في ( المستخرج ) من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد أنها أول ما قال والتوفيق بينهما أنه يحمل على أنه يكون أول شيء قال وآخر شيء قال
14 -
( باب ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ( آل عمران180 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية هكذا وقع في رواية أبي ذر وفي رواية غيره سيقت الآية إلى آخرها قال الواحدي أجمع المفسرون على أنها نزلت في مانعي الزكاة وروى عطية العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم الذي آتاهم الله عز و جل وذكره الزجاج أيضا عن ابن جريج واختاره وفي ( تفسير أبي عبد الله بن النقيب ) أن هذه الآية الكريمة نزلت في البخيل بنفقة الجهاد حيث كانت النفقة فيه واجبة وقيل نزلت في النفقة على العيال وذوي الأرحام إذا كانوا محتاجين قال الزمخشري ولا تحسبن من قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم وكذلك من قرأ بالياء وجعل فاعل يحسبن ضمير رسول الله أو ضمير أحد ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان المفعول الأول عنده محذوفا تقديره ولا تحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم والذي سوغ حذفه دلالة يبخلون عليه قوله هو خيرا لهم كلمة هو فصل وقرأ الأعمش بغير هو قوله سيطوقون تفسير لقوله بل هو شر لهم أي سيلزمون وبال ما يخلو به إلزام الطوق وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي بإسناد جيد في هذه الآية سيطوقون قال بطوق من النار

(18/153)


سيطوقون كقولك طوقته بطوق
أراد بهذا تفسير قوله سيطوقون ما بخلوا به حاصل المعنى أن ما بخلوا به في الدنيا يجعل أطواقا يوم القيامة فيطوقون بها فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سيحملون يوم القيامة ما بخلوا به وعن مجاهد يكلفون أن يأتوا بما بخلوا به وعن أبي مالك العبدي يخرج لهم ما بخلوا به شجاعا أقرع من النار فيطوقونه وعن ابن مسعود ثعبانا يلتوي به رأس أحدهم قوله كقولك طوقته يعني الذي بخلوا به يصير أطواقا في أعناقهم فيصيرون مطوقين كما في قولك إذا قلت طوقت فلانا يعني جعلت في عنقه طوقا حتى صار مطوقا
4565 - ح ( دثني عبد الله بن منير ) سمع ( أبا النضر ) حدثنا عبد الرحمان هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هاذه الآية ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله إلى آخر الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون على وزن اسم فاعل من الإنارة أبو ( عبد الرحمن ) المروزي الزاهد وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم ولقبه قيصر التميمي ويقال الكناني الحافظ الخراساني سكن بغداد وأبو صالح السمان واسمه ذكوان والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب إثم مانع الزكاة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن هاشم بن القاسم عن عبد الرحمن بن دينار إلى آخره نحوه ومضى الكلام فيه هناك
قوله مثل على صيغة المجهول أي صور له ماله شجاعا أي حية أقرع أي منحسر شعر الرأس لكثرة سمه والزبيبة بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة الأولى النقطة السوداء فوق العين واللهزمة بكسر اللام وسكون الهاء وبالزاي وهي الشدق
15 -
( باب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ( آل عمران186 )
أي هذا باب في قوله تعالى ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب الآية قال الواحدي عن كعب بن مالك إن سبب نزلوها هو أن كعب بن الأشرف كان يهجو سيدنا رسول الله ويحرض عليه كفار قريش فلما قدم رسول الله المدينة وبها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود أراد أن يستصلحهم فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الإذاء فأمر الله عز و جل نبيه بالصبر على ذلك وقال عكرمة نزلت في سيدنا رسول الله إذ بعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فنحاص بن عازورا يستمده فقال فنحاص قد احتاج ربكم أن نمده وأول الآية لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب يعني اليهود في قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء وقولهم يد الله مغلولة وما أشبه ذلك من افترائهم على الله قوله ومن الذين أشركوا يعني النصارى في قولهم المسيح ابن الله وما أشبهه قوله أذى كثيرا قال الزجاج مقصور يكتب بالياء يقال قد أذى فلان يأذى إذا سمع ما يسوؤه وقال الجوهري أذاه يؤذيه أذاءة وأذية
87 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس

(18/154)


عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذينا به في مجلسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال سعد بن عبادة يا رسول الله اعف عنه واصفح عنه فو الذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله وكان النبي وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله عز و جل ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا الآية وقال الله ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم إلى آخر الآية وكان النبي يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم فلما غزا رسول الله بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول على الإسلام فأسلموا )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي وأخرج هذا الحديث هنا بأتم الطرق وأكملها وأخرجه في الجهاد مختصرا جدا مقتصرا على أرداف أسامة من حديث الزهري عن عروة عن أسامة وأخرجه أيضا في اللباس عن قتيبة وفي الأدب عن أبي اليمان أيضا وعن إسماعيل وفي الطب عن يحيى بن بكير وفي الاستئذان عن إبراهيم بن موسى وأخرجه مسلم في المغازي والنسائي في الطب قوله على قطيفة بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وهي كساء غليظ قوله فدكية صفتها أي منسوبة إلى فدك بفتح الفاء والدال وهي بلدة مشهورة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة قوله يعود جملة حالية قوله في بني الحارث أي في منازل بني الحارث وهم قوم سعد بن عبادة وفيه أحكام ( جواز الأرداف ) وعيادة الكبير الصغير وعدم امتناع الكبير عن ركوب الحمير وإظهار التواضع وجواز العيادة راكبا وقال المهلب في هذا أنواع من التواضع وقد ذكر ابن منده أسماء الأرداف فبلغ نيفا وثلاثين شخصا قوله ابن سلول برفع ابن لأنه صفة عبد الله لا صفة أبي لأن سلول اسم أم عبد الله بن أبي وهو بالفتح لأنه لا ينصرف قوله وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي أي قبل أن يظهر الإسلام وإلا فهو لم يسلم قط قوله فإذا في المجلس كلمة إذا للمفاجأة قوله أخلاط بفتح الهمزة جمع خلط بالكسر وأريد به الأنواع قوله عبدة الأوثان بالجر بدل من المشركين ويجوز

(18/155)


أن يكون عطف بيان قوله واليهود بالجر عطف على عبدة الأوثان وقال بعضهم يجوز أن يكون اليهود عطفا على البدل أو المبدل منه وهو الأظهر ( قلت ) الأظهر أن يكون عطفا على البدل لأن المبدل منه في حكم السقوط قوله والمسلمين مكرر فلا محل له ههنا لأنه ذكر أولا فلا فائدة لذكره ثانيا قال الكرماني لعل في بعض النسخ كان أولا وفي بعضها آخرا فجمع الكاتب بينهما والله أعلم وقال بعضهم الأولى حذف أحدهما ولم يبين أيهما أولى بالحذف فجعل الثاني أولى على ما لا يخفى قوله فلما غشيت المجلس فعل ومفعول وعجاجة الدابة بالرفع فاعله والعجاجة بفتح العين المهملة وتخفيف الجيمين الغبار قوله خمر بفتح الخاء المعجمة وتشديد الميم أي غطى قوله فسلم رسول الله عليهم قال صاحب التوضيح لعله نوى به المسلمين فلا بأس به إذا ( قلت ) إذا كان في مجلس مسلمون وكفار يجوز السلام عليهم وينوي به المسلمين قوله ثم وقف فنزل فيه جواز استمرار الوقوف اليسير على الدابة فإن طال نزل كفعله وقيل لبعض التابعين أنه نهى عن الوقوف على متن الدابة قال أرأيت لو صيرتها سانية أما كان يجوز لي ذلك قيل له نعم قال فأي فرق بينهما أراد لا فرق بينهما قوله لا أحسن مما تقول بفتح الهمزة على وزن أفعل التفضيل وهو اسم لا وخبرها محذوف أي لا أحسن كائن مما تقول قيل ويجوز رفع أحسن على أنه خبر لا والاسم محذوف أي لا شيء أحسن مما تقول وفي رواية الكشميهني بضم أوله وكسر السين وضم النون من أحسن يحسن وفي رواية أخرى ولا حسن بحذف الألف وفتح السين وضم النون قال بعضهم على أنها لام القسم كأنه قال لا حسن من هذا أن تقعد في بيتك ولا تأتينا ( قلت ) هذا غلط صريح واللام فيه لام الابتداء دخلت على أحسن الذي هو أفعل التفضيل وليس للام القسم فيه مجال ولم يكتف هذا الغالط بهذا الغلط الفاحش حتى نسبه إلى عياض وحكى ابن الجوزي ضم الهمزة وتشديد السين بغير نون من الحس يعني لا أعلم شيئا قوله إن كان حقا شرط وجزاؤه مقدما قوله لا أحسن مما تقول قوله فلا تؤذينا ويروى فلا تؤذنا على الأصل قوله رحلك أي منزلك قوله واليهود عطف على المشركين وإنما اختصوا بالذكر وإن كانوا داخلين في المشركين تنبيها على زيادة شرهم قوله كادوا يتثاورون أي قربوا أن يتثاوروا بقتال وهو من ثار بالثاء المثلثة يثور إذا قام بسرعة وإزعاج وعبارة ابن التين يتبادرون قوله يخفضهم أي يسكنهم قوله حتى سكنوا بالنون من السكون هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني حتى سكتوا بالتاء المثناة من فوق من السكوت قوله ما قال أبو حباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء موحدة أخرى وهي كنية عبد الله بن أبي وليست الكنية للتكرمة مطلقا بل قد تكون للشهرة وغيرها قوله ولقد اصطلح بالواو ويروى بغير الواو ووجهه أن يكون بدلا أو عطف بيان وتوضيح أو تكون الواو محذوفة قوله البحيرة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة مصغرة وقال عياض في غير صحيح مسلم بفتح الباء وكسر الحاء مكبرة وكلاهما بمعنى واحد يريد أهل المدينة والبحرة بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء الأرض والبلد والبحار والقرى قال بعض المفسرين المراد بقوله ( ظهر الفساد في البر والبحر ) القرى والأمصار وقال الطبري كل قرية لها نهر جار فالعرب تسميها بحرة وقال ياقوت بحرة على لفظ تأنيث البحر من أسماء مدينة سيدنا رسول الله وبالبحرين قرية لعبد القيس يقال لها بحرة وبحرة موضع لية من الطائف وقال البكري لية بكسر أوله وتشديد الياء آخر الحروف وهي أرض من الطائف على أميال يسيرة وهي على ليلة من قرن ولما سار رسول الله بعد حنين إلى الطائف سلك على نخلة اليمامة ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرعاء من لية فابتنى في بحرة مسجدا وصلى فيه وقال ياقوت البحيرة تصغير بحرة يراد به كل مجمع ماء مستنقع لا اتصال له بالبحر الأعظم غالبا ثم ذكر بحيرات عديدة ثم قال في آخرها والبحيرة كورة بمصر قرب اسكندرية قوله على أن يتوجوه أي على أن يجعلوه ملكا وكان من عادتهم إذا ملكوا إنسانا توجوه أي جعلوا على رأسه تاجا قوله فيعصبوه بالعصابة أي فيعمموه بعمامة الملوك ووقع في أكثر نسخ البخاري يعصبوه بدون الفاء ووجهه أن يكون بدلا من قوله على أن يتوجوه ويروى فيعصبونه بالفاء وبالنون على تقدير فهم يعصبونه قال الكرماني أي يجعلوه رئيسا لهم ويسودوه عليهم وكان الرئيس معصبا لما يعصب برأيه من الأمر وقيل بل كان الرؤساء يعصبون رؤسهم بعصابة يعرفون بها قوله شرف بفتح الشين المعجمة

(18/156)


وكسر الراء وبالقاف يعني غص لأنه حسد رسول الله فكان سبب نفاقه يقال غص الرجل بالطعام وشرق بالماء وشجي بالعظم إذا اعترض شيء في الحلق فمنع الإساغة قوله بذلك أي بما أتى به النبي قوله فذلك فعل به ما رأيت أي الذي أتى الله به من الحق فعل به ما رأيت منه من قوله وفعله القبيحين وما رأيت في محل النصب لأنه مفعول فعل وما موصولة وصلتها محذوفة والتقدير الذي رأيته قوله فعفا عنه رسول الله وكان العفو منه قبل أن يؤذن له في القتال كما يذكره في الحديث قوله قال الله تعالى ولتسمعن الآية ولتسمعن خطاب للمؤمنين خوطبوا بذلك ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها وقال ابن كثير يقول الله تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وأمرهم بالصبر والصفح حتى يفرج الله تعالى عنهم قوله فإن ذلك أي فإن الصبر والتقوى قوله من عزم الأمور أي مما عزم الله أن يكون ذلك عزمة من عزمات الله لا بد لكم أن تصبروا وتتقوا قوله حتى أذن الله فيهم أي في قتالهم وترك العفو عنهم وليس المراد أنه ترك العفو أصلا بل بالنسبة إلى ترك القتال ولا ووقوعه أخيرا وإلا فعفوه عن كثير من المشركين واليهود بالمن والفداء وصفحه عن المنافقين مشهور في الأحاديث والسير قوله صناديد جمع صنديد وهو السيد الكبير في القوم قوله وعبدة الأوثان من عطف الخاص على العام وفائدته الإيذان بأن إيمانهم كان أبعد وضلالهم أشد قوله قد توجه أي ظهر وجهه قوله فبايعوا بصورة الجملة الماضية ويحتمل أن يكون بصيغة الأمر -
16 -
( باب لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ( آل عمران188 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ولفظ باب ما ذكره إلا في رواية أبي ذر قوله لا يحسبن بالياء وبالباء الموحدة المفتوحة وقوله الذين يفرحون فاعله وقرىء بالتاء المثناة من فوق خطاب لرسول الله وقرىء بضم الباء الموحدة على أنه خطاب للمؤمنين قوله بما أتوا أي بما فعلوا ولفظ أتي وجاء يجيئان بمعنى فعل قال الله عز و جل أنه كان وعده مأتيا ( مريم61 ) لقد جئت شيئا فريا ( مريم27 )
4567 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثني ( زيد بن أسل ) عن ( عطاء ابن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله كان إذا خرج رسول الله إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله فإذا قدم رسول الله اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يفعلوا فنزلت لا تحسبن الذين يفرحون الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أيضا في بيان سبب نزول الآية المذكورة ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني وعطاء ابن يسار ضد اليمين
والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن سهل كلاهما عن سعيد بن أبي مريم
قوله بمقعدهم أي بقعودهم وهو مصدر ميمي قوله فنزلت يعني هذه الآية وهي ألا تحسبن الذين يفرحون الآية هكذا ذكر أبو سعيد الخدري أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكره وذكر أحمد عن ابن عباس أنه قال إنما نزلت في أهل الكتاب على ما يجيء الآن وقال القرطبي نزلت في الفريقين جميعا وذكر الفراء أنها نزلت في قول اليهود نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة ومع ذلك لا يقرون بمحمد فنزلت ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وعموم اللفظ يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب واحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه
4568 - حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرىء فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن

(18/157)


عباس وما لكم ولهاذه إنما دعا النبي يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ثم قرأ ابن عباس وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( آل عمران187 ) كذلك حتى قوله يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ( آل عمران188 )
أشار بهذا إلى وجه آخر في سبب نزول الآية المذكورة أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبي إسحاق الفراء الرازي عن هشام بن يوسف الصنعاني عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين وقيل له صحبة
والحديث أخرجه مسلم أيضا من حديث حجاج عن ابن جريج به
قوله أن مروان هو ابن الحكم بن أبي العاص ولي الخلافة وكان يومئذ أمير المدينة من جهة معاوية قوله يا رافع هو بواب مروان بن الحكم وهو مجهول فلذلك توقف جماعة عن القول بصحة الحديث حتى إن الإسماعيلي قال يرحم الله البخاري أخرج هذا الحديث في ( الصحيح ) مع الاختلاف على ابن جريج ومرجع الحديث إلى بواب مروان عن ابن عباس ومروان وبوابه بمنزلة واحدة ولم يذكر حديث عروة عن مروان وحرب عن يسرة في مس الذكر وذكر هذا ولا فرق بينهما إلا أن البواب مسمى ثم لا يعرف إلا هكذا والحرسي غير مسمى والله يغفر لنا وله قلت إنكار الإسماعيلي على البخاري في هذا من وجوه الأول الاختلاف على ابن جريج فإنه أخرجه من حديث حجاج عن ابن أبي مليكة عن حميد وأخرجه أيضا من حديث هشام عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة الحديث بعينه وقد اختلفا ( والثاني ) أن بواب مروان الذي اسمه رافع مجهول الحال ولم يذكر إلا في هذا الحديث ( فإن قلت ) إن مروان لو لم يعتمد عليه لم يقنع برسالته قلت قد سمعت أن الإسماعيلي قال مروان وبوابه بمنزلة واحدة وقد انفرد بروايته البخاري دون مسلم ( والثالث ) أن البخاري لم يورد في ( صحيحه ) حديث يسرة بنت صفوان الصحابية في مس الذكر ولا فرق بينه وبين حديث الباب لما ذكرنا وقد ساعد بعضهم البخاري فيه بقوله ويحتمل أن يكون علقمة بن وقاص كان حاضرا عند ابن عباس لما أجاب ( قلت ) لو كان حاضرا عند ابن عباس عند جوابه لكان أخبر ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس أنه أجاب لرافع بواب مروان بالذي سمعه ومقام علقمة أجل من أن يخبر عن رجل مجهول الحال بخبر قد سمعه عن ابن عباس وترك ابن عباس وأخبره عن غيره بذلك قوله فقل أمر لرافع المذكور قوله بما أوتي يروي فقل لئن كان كل امرىء منا فرح بدنيا وأحب أن يحمد بضم الباء على صيغة المجهول قوله معذبا منصوب لأنه خبر كان قوله لنعذبن جواب قوله لئن وهو على صيغة المجهول قوله أجمعون وفي رواية حجاج بن محمد أجمعين على الأصل قوله وما لكم ولهذه إنكار من ابن عباس على السؤال بهذه المسألة على الوجه المذكور وأن أصل هذا أن النبي دعا يهود إلى آخره وفي رواية حجاج بن محمد انما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب قوله فسألهم عن شيء قال الكرماني قيل هذا الشيء هو نعت رسول الله قوله فكتموه إياه أي كنتم يهود الشيء الذي سألهم عنه وأخبروه بغير ذلك قوله فأروه أي فأرو النبي بأنهم قد استحمدوا إليه واستحمدوا على صيغة المجهول من استحمد فلان عند فلان أي صار محمودا عنده والسين فيه للصيرورة قوله بما أوتوا كذا هو في رواية الحموي بضم الهمزة بعدها واو أي أعطوا من العلم الذي كتموه وفي رواية الأكثرين بما أوتوا بدون الواو بعد الهمزة أي بما جاؤوا قوله أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه يعني اذكر وقت أخذ الله ميثاق الكتاب قوله كذلك إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسؤول عنها وهم المذكورون في قوله تعالى ولا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا كما في الآية التي قبلها أي قبل هذه الآية وهي قوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب الآية
تابعه عبد الرزاق عن ابن جريج

(18/158)


أي تابع هشام بن يوسف عبد الرزاق على روايته عن ابن جريج ووصل الإسماعيلي هذه المتابعة فقال حدثنا ابن زنجويه وأبو سفيان قالا حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة فذكره
16 - حدثنا ( ابن مقاتل ) أخبرنا ( الحجاج ) عن ( ابن جريج ) أخبرني ( بن أبي مليكة ) عن ( حميد بن عبد الرحمان بن عوف ) أنه أخبره أن مروان بهذا
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن حجاج الأعور المصيصي عن ابن جريج إلى آخره وفي الطريق الآخر السابق أخرجه عن هشام عن ابن جريج وقال الدارقطني في ( كتاب التتبع ) أخرج محمد يعني البخاري حديث ابن جريج يعني هذا من حديث حجاج عنه عن أبي مليكة عن حميد وأخرجه أيضا من حديث هشام عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة الحديث بعينه وقد اختلفا فينظر من يتابع أحدهما انتهى ( قلت ) أخرج مسلم حديث حجاج دون حديث هشام وأخرج البخاري متابعة هشام عبد الرزاق كما ذكر الآن وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج كما قال عبد الرزاق
قوله أن مروان بهذا أي حدثنا بهذا ولم يسق البخاري المتن لهذا وساقه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقال له فذكر نحو حديث هشام عن ابن حريج المذكور أولا
17 -
( باب قوله إن في خلق السماوات والأرض ( آل عمران190 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( آل عمران190 ) ويروى باب قوله تعالى إن في خلق السموات والأرض وساق إلى ( الألباب ) وقال الطبراني بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أتت قريش اليهود فقالوا بما جاءكم موسى عليه السلام قالوا عصاه ويده البيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى عليه السلام قالوا كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي فقالوا ادع لنا أن يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا به فنزلت هذه الآية إن في خلق السماوات والأرض الآية فليتفكروا فيها انتهى قلت هذا مشكل لأن هذه الآية مدنية وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة والله أعلم قوله أن في خلق السموات أي في ارتفاعها واتساعها والأرض في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيها من الآيات العظيمة المشاهدة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص واختلاف الليل والنهار أي تعاقبهما وتعارضهما بالطول والقصر لآيات أي لأدلة واضحة على الصانع وعظم قدرته وباهر حكمته وعلى وحدانيته ( لأولي الألباب ) أي لأصحاب العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على ما هي عليه
4569 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( شريك بن عبد الله بن أبي نمر ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ثم قام فتوضأ واستن فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير والحديث قد مضى في كتاب الوتر فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن عبد الله بن سلمة عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك وفيه مما لم يذكر هناك ما ذكره الصيدلاني من رواية المخلص عنه عن عبد الله أردت أن أعرف صلاة رسول الله من الليل فسألت عن ليلته فقيل لزوجته ميمونة رضي الله تعالى عنها فأتيتها فقلت إني تنحيت عن السخ ففرشت له في

(18/159)


جانب الحجرة فلما صلى بأصحابه دخل إلى بيته فحس بي فقال من هذا فقالت ميمونة ابن عمك وذكر فيه فلما كان في جوف الليل خرج إلى الحجرة فقلب وجهه إلى السماء ثم عاد إلى مضجعه فلما كان ثلث الليل الآخر خرج إلى الحجرة فقلب وجهه في أفق السماء ثم عمد إلى قربة الحديث وذكر أبو الشيخ ابن حبان عن ابن عباس قال تضيفت ليلة خالتي ميمونة وهي حينئذ لا تصلي انتهى وهذا يمنع تخرص من قال لعلها كانت حائضا ليلتئذ قوله الآخر مرفوع لأنه صفة للثلث في قوله فلما كان ثلث الليل فإن قلت جاء في لفظ نام حتى انتصف الليل أو بعده بقليل أو قبله بقليل وفي لفظ فقام من آخر الليل قلت طريق الجمع أنه قام قومتين وتوضأ
18 -
( باب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ( آل عمران191 )
أي هذا باب في قوله تعالى الذين يذكرون الله إلى آخره قوله الذين يذكرون الله مدح لأولي الألباب وقياما جمع قائم أي حال كونهم قائمين وحال كونهم قاعدين وعلى جنوبهم حال أيضا عطفا على ما قبله كأنه قال قياما وقعودا مضطجعين
4570 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( عبد الرحمان بن مهدي ) عن ( مالك بن أنس ) عن ( مخرمة بن سليمان ) عن ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة فقلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله فطرحت لرسول الله وسادة فنام رسول الله في طولها فجعل يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم ثم أتى شنا معلقا فأخذه فتوضأ ثم قام يصلي فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم جئت فقمت إلى جنبه فوضع يده على رأسي ثم أخذ بأذني فجعل يقتلها ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم أوتر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران وهذا الحديث قد مر في أبواب الوتر كما ذكرنا في الباب الذي قبله قوله شنا بفتح الشين المعجمة وتشديد النون وهو القربة التي يبست وعتقت من الاستعمال قوله ثم أوتر أي بالركعة الأخيرة فصارت هي وما قبلها ركعتان وترا
19 -
( باب ربنا إنك تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ( آل عمران192 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى ربنا إنك من تدخل النار إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب قوله ربنا أي يقولون ربنا يعني يتفكرون حال كونهم قائلين ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته أي أذللته وأهنته والأنصار جمع ناصر كالأصحاب جمع صاحب
4571 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا معن بن عيساى حدثنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله وأهله في طولها فنام رسول الله حتى انتصف

(18/160)


الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني بيده يقتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح
هذا الحديث مثل الحديث الذي في الباب السابق وشيخه فيهما واحد وهو علي بن عبد الله المعروف بابن المديني غير أن شيخه هناك عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وهنا عن ( معن بن عيسى ) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون ابن يحيى الفزار المديني عن ( مالك ) وفي ألفاظهما بعض اختلاف بالزيادة والنقصان يظهر بالتأمل والنظر
قوله الخواتم جمع خاتمة وفي الحديث السابق ومعناهما في الحقيقة واحد قوله شن معلقة وفي الحديث السابق شنا معلقا بالتذكير فالتذكير بالنظر إلى اللفظ والتأنيث بالنظر إلى معنى القربة قوله موضع رسول الله يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني ووقع في رواية الأصيلي وأخذ بيدي اليمنى وهو وهم والصواب بأذني كما في سائر الروايات قوله يقتلها جملة حالية من الأحوال المقدرة
20 -
( باب ربنا إننا مناديا ينادي للإيمان الآية ( آل عمران193 )
أي هذا باب في قوله تعالى ربنا أننا سمعنا مناديا إلى آخر الآية قوله مناديا المراد به رسول الله كما في قوله ادع إلى سبيل ربك قوله أن آمنوا أي بأن آمنوا

(18/161)


4 -
( سورة النساء )
أي هذا تفسير سورة النساء قال العوفي عن ابن عباس نزلت سورة النساء بالمدينة وكذا روى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم وقال ابن النقيب جمهور العلماء على أنها مدنية وفيها آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن أبي طلحة وهي إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء58 ) وعدد حروفها ستة عشر ألف حرف وثلاثون حرفا وثلاث آلاف وسبعمائة وخمس وأربعون كلمة ومائة وست وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
البسملة لم تثبت إلا في رواية أبي ذر
قال ابن عباس يستنكف يستكبر
لم يقع هذا إلا في رواية الكشميهني والمستملي وأشار به إلى قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته ( النساء172 ) وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته قال يستكبر فإن قلت ما وجه ذلك وقد عطف يستكبر على يستنكف في الآية حيث قال ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر والمعطوف غير المعطوف عليه قلت يجوز أن يكون عطفا تفسيريا وقد تعجب بعضهم من صدور هذا عن ابن عباس بطريق الاستبعاد ثم قال ويمكن أن يحمل على التوكيد قلت الصواب ما قلته ومثل هذا لا يسمى توكيدا يفهمه من له إلمام بالعربية وقال الطبري يعني يستنكف يأنف وقال الزجاج هو استنكاف من النكف وهو الأنفة
قواما قوامكم من معايشكم
أشار بهذا إلى قراءة ابن عمر في قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما حيث قرأ قواما ثم فسره بقوله قوامكم معايشكم يعني القيام معا يقيم به الناس معايشهم وكذلك القوام وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد للبكر
أشار به إلى قوله تعالى فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفيهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ( النساء15 ) كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج إلى أن تموت وقوله أو يجعل الله لهن سبيلا نسخ ذلك واستقر الأمر على الرجم للثيب والجلد للبكر وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس قال لما نزلت سورة النساء قال رسول الله لا حبس بعد سورة النساء قوله لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد بالبكر لم يثبت إلا في رواية الكشميهني والمستملي وفسر قوله لهن سبيلا بقوله يعني الرجم للثيب والجلد للبكر يعني أن المراد بقوله سبيلا هو الرجم والجلد وهو قد نسخ الحبس إلى الموت وروى مسلم وأصحاب السنن الأربعة من حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي قال خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
وقال غيره مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثا وأربعا ولا تجاوز العرب رباع
أي قال غير ابن عباس ووقع هكذا في رواية أبي ذر والصواب وقوعه لأن على رواية أبي ذر يوهم أن قوله مثنى إلى آخره روى عن ابن عباس وليس كذلك فإنه لم يرو عن ابن عباس وإنما هو قول أبي عبيدة وتفسيره قوله يعني اثنتين يرجع إلى قوله مثنى وقوله وثلاثا يرجع إلى قوله وثلاث وقوله وأربعا يرجع إلى قوله ورباعا وليس المعنى على ما ذكره بل معناه المكرر نحو اثنتين اثنتين والظاهر أنه تركه اعتمادا على الشهرة أو عنده ليس بمعنى التكرار وليس فيها الانصراف للعدل والوصف وقال

(18/162)


الزمخشري لما فيها من العدلين عدلها عن صيغتها وعدلها عن تكررها قوله ولا تجاوز العرب رباع إشارة إلى أن هذا اختياره وفيه خلاف لأنه ابن الحاجب هل يقال خماس ومخمس إلى عشار ومعشر قال فيه خلاف والأصح أنه لم يثبت وذكر الطبري أن العشرة يقال فيها إعشار ولم يسمع في غير بيت للكميت وهو قوله
فلم يستر بثوبك حتى رميت فوق الرجال خصالا عشارا
يريد عشرا وذكر النحاة أن خلفا الأحمر أنشد أبياتا غريبة فيها من خماس إلى عشار
1 -
( باب إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ( النساء3 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى وإن خفتم الآية ولم تثبت هذه الترجمة إلا في رواية أبي ذر قوله ( إن خفتم ) أي فزعتم وفرقتم وهو ضد الأمن ثم قد يكون المخوف منه معلوم الوقوع وقد يكون مظنونا فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف هل هو بمعنى العلم أو بمعنى الظن قوله ( أن لا تقسطوا ) أي أن لا تعدلوا يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط ورجحه ابن التين لقوله تعالى ذلكم أقسط عند الله ( البقرة282 ) لأن أفعل في أبنية المبالغة لا يكون في المشهور إلا من الثلاثي وقيل قسط من الأضداد وحاصل معنى الآية إذا كانت تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه
4573 - حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو ابن يوسف الصنعاني يروي عن عبد الملك عبد العزيز بن جريج عن هشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة الصديقية
ومن لطائف هذا الإسناد أن ابن جريج وقع بين هشامين والحديث من أفراده
قوله أن رجلا كانت له يتيمة أي كانت عنده واللام تأتي بمعنى عند كقولهم كتبته لخمس خلون ثم إن رواية هشام عن أبيه عن عائشة هنا توهم أن هذه الآية نزلت في شخص معين والمعروف عن هشام الرواية من غير تعيين كما رواه الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج أخبرني هشام عن عروة عن عائشة قالت ( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ) نزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال فلعله ينكحها على مالها وهو لا يعجبه شيء من أمورها ثم يضربها ويسيء صحبتها فوعظ في ذلك وروى الطبري من حديث عكرمة كان الرجل من قريش تكون عنده النسوة ويكون عنده الأيتام فيذهب ماله فيميل على مال الأيتام فنزلت وإن خفتم أن لا تقسطوا اليتامى وروى من حديث ابن عباس قال كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء فنهى الله عز و جل عن ذلك وعن سعيد بن جبير قال كان الناس على جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه قال فذكروا اليتامى فنزلت هذه الآية قال فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا أن لا تقسطوا في النساء قوله عذق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف وهي النخلة وبكسر العين الكباسة والقنو وهو من النخل كالعنقود من العنب قوله وكان يمسكها عليه أي وكان الرجل يمسك تلك اليتيمة عليه أي على العذق أي لأجله وكلمة على تأتي للتعليل كما في قوله ولتكبروا الله على ما هداكم أي لأجل هدايته إياكم قوله احسبه قال أي قال هشام قال بعضهم هو شك من هشام بن يوسف قلت يحتمل أن يكون الشك من هشام بن عروة أي أظن عروة أنه قال قوله كانت شريكته أي كانت تلك اليتيمة شريكة الرجل
4573 - حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله
مطابقته للترجمة ظاهرة وهشام هو ابن يوسف الصنعاني يروي عن عبد الملك عبد العزيز بن جريج عن هشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة الصديقية
ومن لطائف هذا الإسناد أن ابن جريج وقع بين هشامين والحديث من أفراده
قوله أن رجلا كانت له يتيمة أي كانت عنده واللام تأتي بمعنى عند كقولهم كتبته لخمس خلون ثم إن رواية هشام عن أبيه عن عائشة هنا توهم أن هذه الآية نزلت في شخص معين والمعروف عن هشام الرواية من غير تعيين كما رواه الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج أخبرني هشام عن عروة عن عائشة قالت ( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ) نزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال فلعله ينكحها على مالها وهو لا يعجبه شيء من أمورها ثم يضربها ويسيء صحبتها فوعظ في ذلك وروى الطبري من حديث عكرمة كان الرجل من قريش تكون عنده النسوة ويكون عنده الأيتام فيذهب ماله فيميل على مال الأيتام فنزلت وإن خفتم أن لا تقسطوا اليتامى وروى من حديث ابن عباس قال كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء فنهى الله عز و جل عن ذلك وعن سعيد بن جبير قال كان الناس على جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه قال فذكروا اليتامى فنزلت هذه الآية قال فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا أن لا تقسطوا في النساء قوله عذق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف وهي النخلة وبكسر العين الكباسة والقنو وهو من النخل كالعنقود من العنب قوله وكان يمسكها عليه أي وكان الرجل يمسك تلك اليتيمة عليه أي على العذق أي لأجله وكلمة على تأتي للتعليل كما في قوله ولتكبروا الله على ما هداكم أي لأجل هدايته إياكم قوله احسبه قال أي قال هشام قال بعضهم هو شك من هشام بن يوسف قلت يحتمل أن يكون الشك من هشام بن عروة أي أظن عروة أنه قال قوله كانت شريكته أي كانت تلك اليتيمة شريكة الرجل
4574 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا

(18/163)


في اليتامى ( النساء3 ) فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيزيد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة قالت عائشة وإن الناس استفتوا رسول الله بعد هاذه الآية فأنزل الله ويستفتونك في النساء قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال قالت فنهوا أن ينكحوا عمن رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم الأويسي المدني وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والحديث قد مضى في كتاب الشركة في باب شركة اليتيم وأهل الميراث فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز المذكور ومضى الكلام فيه هناك
قوله تكون في حجر وليها أي الذي يلي مالها قوله بغير أن يقسط أي بغير أن يجبر عليها في صداقها وقد مر أن معنى أقسط أعدل وقسط جار قوله فيعطيها بالنصب لأنه عطف على قوله أن يقسط قوله مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها سواه قوله مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها سواه قوله عن ذلك أي عن ترك الإقساط قوله ويبلغوا لهن ويروى ويبلغوا بهن بالباء الموحدة قوله أعلى سنتهن أي أعلى طريقتهن في الصداق وعادتهن في ذلك قوله ما طاب لهم أي ما حل لكم من قبيل قوله تعالى انفقوا من طيبات ما كسبتم ( البقرة267 ) وقيل طاب بمعنى المحبة والاشتهاء أي ما كنتم تحبون وتشتهون وكلمة ما في الأصل لما لا يعقل وقد يطلق على من يعقل كما في هذه الآية الكريمة قوله سواهن أي سوى اليتامى من النساء قوله قال عروة قالت عائشة هذا متصل بالإسناد المذكور وترك حرف العطف فيه قوله بعد هذه الآية أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصة وأراد بهذه الآية قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا فأنزل الله تعالى ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء الآية قالت عائشة والتي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي هي وأن خفتم أن لا تقسطوا الآية قوله وقول الله تعالى في آية أخرى وترغبون هكذا وقع في رواية صالح بن كيسان المذكورة في آية أخرى وهو خطأ لأن قوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن الآية في نفس الآية التي هي ويستفتونك في النساء قوله رغبة أحدكم عن يتيمته أي كرغبة أحدكم ومعنى الرغبة هنا عدم الإرادة لأن لفظ رغب يستعمل بصلتين يقال رغب عنه إذا لم يرده ورغب فيه إذا أراده قوله حين تكون أي اليتيمة قليلة المال وحاصل المعنى أن اليتيمة اذا كانت فقيرة وذميمة يعرضون عن نكاحها قالت عائشة رضي الله عنها فنهوا أي نهوا عن نكاح المرغوب فيها لمالها وجمالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الذميمة على السواء في العدل وكان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبدا فإن كانت جميلة وهواها تزوجها وأكل مالها وإن كانت ذميمة منعها الرجال حتى تموت فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره لكن يكون العاقد غيره وفيه خلاف مذكور في الفروع وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأن بعد البلوغ لا يتم على الحقيقة
2 -
( باب ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ( النساء6 )

(18/164)


ليس في كثير من النسخ لفظ باب وقبل قوله ومن كان فقيرا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا ( النساء6 ) وفي بعض النسخ ساقها بتمامها وفي بعضها اقتصر على قوله الآية يجوز فيها الرفع على تقدير الآية بتمامها ويجوز النصب على تقدير اقرأ الآية بتمامها قوله ومن كان غنيا أي ومن كان في غنية عن مال اليتيم فليستعفف عنه ولا يأكل منه شيئا قال الشعبي هو عليه كالميتة والدم ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يعني بقدر قيامه عليه وقال أبو جعفر النحاس منع جماعة من أهل العلم الوصي من أخذ شيء من مال اليتيم قال أبو يوسف القاضي لا أدري لعل هذه الآية منسوخة بقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( النساء29 ) فلا يحل لأحد أن يأخذ من مال اليتيم شيئا إذا كان معه مقيما في المصر فإن احتاج أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئا وهو قول أبي حنيفة ومحمد وقال ابن عباس ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) قال نسخ الظلم والاعتداء ونسخهما ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) ثم افترق الذين قالوا بأن الآية محكمة فرقا فقال بعضهم إن احتاج الوصي فله أن يقترض من مال اليتيم فإن أيسر قضاه وهذا قول عمر بن الخطاب وعبيدة وأبي العالية وسعيد بن جبير قال أبو جعفر وهو قول جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء الكوفيين عليه أيضا وقال أبو قلابة ( فليأكل بالمعروف ) مما يجبي من الغلة فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ولا غيره وذهب قوم إلى ظاهر الآية منهم الحسن البصري فقالوا له أن يأكل منه مقدار قوته وقال الحسن إذا احتاج ولي اليتيم أكل بالمعروف وليس عليه إذا أيسر قضاؤه والمعروف قوته وهو قول النخعي وقتادة قوله فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم اختلف العلماء في هذا الأمر فقال قوم هو ندب فإن القول قول الوصي لأنه أمين وقال آخرون وفرض على ظاهر الآية لأنه أمين الأب فلا يقبل قوله على غيره ألا يرى أن الوكيل إذا ادعى أنه دفع إلى زيد ما أمر به لم يقبل قوله إلا ببينة فكذلك الوصي وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن جبير هذا الإشهاد إنما هو على دفع الوصي ما استقرضه من مال اليتيم حال فقره
وفي الإشهاد مصالح منها السلامة من الضمان والغرم على تقدير إنكار اليتيم ( ومنها ) حسم مادة تطرق سوء الظن بالولي ( ومنها ) امتثال أوامر الله عز و جل في الأمر بالإشهاد ( ومنها ) طيب قلب اليتيم بزوال ما كان يخشاه من فوات ماله ودوامه تحت الحجر
وبدارا مبادرة
أشار به إلى ما فيه أول الآية المترجم بها وهو قولهولا تأكلوها إسرافا بدارا أن يكبروا وفسر بدارا بقوله مبادرة يعني لا تأكلوا أموال اليتامى من غير حاجة إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم وقال الزمخشري إسرافا وبدارا مسرفين ومبادرين كبرهم
أعتدنا أعددنا أفعلنا من العتاد
هذا محله فيما سيأتي قبل قوله لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( النساء19 ) وقال بعضهم وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع سهوا من بعض نساخ الكتاب ( قلت ) فيه بعد لا يخفى والظاهر أنه وقع من المصنف وأشار بقوله ( أعتدنا ) إلى قوله تعالى أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما وفسره بقوله أعددنا وأراد أن معناهما واحد وكذا فسره أبو عبيدة في كتابه ( المجاز ) ( قلت ) اعتدنا من باب الافتعال وأعددنا من باب الأفعال ولهذا قال فعلنا من العتاد بفتح العين وهو ما يصلح لكل ما يقع من الأمور وهذا المذكور هو رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني اعتددنا افتعلنا وقال بعهم الأول هو الصواب ( قلت ) يفهم منه أن رواية أبي ذر غير صواب وليس كذلك بل الصواب رواية أبي ذر يعرفه من له يد في علم الصرف
97 - ح ( دثني إسحاق ) أخبرنا ( عبد الله بن نمير ) حدثنا ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف أنها نزلت في مال

(18/165)


اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف
مطابقته للترجمة ظاهرة وإسحاق هو ابن منصور وصرح به خلف وأبو نعيم وقيل هو ابن راهويه وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه
والحديث مر في البيوع وقال الحافظ المزي حديث ومن كان غنيا في البيوع وفي التفسير عن إسحاق بن منصور نسبه في التفسير ولم ينسبه في البيوع عن عبد الله بن نمير به
قوله في مال اليتيم وفي رواية الكشميهني في والي اليتيم والمراد بوالي اليتيم المتصرف في ماله بالوصية ونحوها والضمير في كان على رواية الكشميهني يرجع إلى الوالي ظاهرا وعلى رواية الأكثرين بالقرينة اللفظية وهي قوله يأكل منه إلى آخره والله أعلم
3 -
( باب وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين ( النساء8 ) الآية )
أي هذا باب فيه قوله تعالى وإذا حضر القسمة الآية وليس لغير أبي ذر لفظ باب وتمام الآية فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا قوله وإذا حضر القسمة أولو القربى أي وإذا حضر قسمة مال الميت أولو قربة الميت ( فارزقوهم منه ) أي من مال الميت وحاصل المعنى إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل فإن أنفسهم تتشوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم آيسون لا شيء يعطون فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برا بهم وصدقة عليهم وإحسانهم إليهم وجبرا لكسرهم قوله وقولوا لهم قولا معروفا القول المعروف العدة الحسنة من البر والصلة وقيل الرد الجميل وقيل الدعاء كقولك عافاك الله وبارك الله فيك وقيل علموهم مع إطعامهم وكسوتهم أمر دينهم
4576 - حدثنا ( أحمد بن حميد ) أخبرنا ( عبيد الله الأشجعي ) عن ( سفيان ) عن ( الشيباني ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين قال هي محكمة وليست بمنسوخة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأحمد بن حميد أبو الحسن القرشي الكوفي ختن عبيد الله بن موسى يقال له دار أم سلمة لقب بذلك لجمعه حديث أم سلمة وتتبعه لذلك وقال ابن عدي كان له اتصال بأم سلمة يعني زوج السفاح الخليفة فلقب بذلك وقيل وهم الحاكم فقال يلقب جار أم سلمة وثقه مطين وقال كان يعد في حفاظ أهل الكوفة ومات سنة عشرين ومائتين وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وعبيد الله هو ابن عبد الرحمن الكوفي وأبوه فرد في الأسماء وسفيان هو الثوري والشيباني بفتح الشين المعجمة هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي والحديث من أفراده
قوله هي محكمة يعني الآية المذكورة محكمة قوله وليست بمنسوخة تفسير للمحكمة وعلى هذا الأمر في قوله وارزقوهم للندب أو الوجوب وقيل هي منسوخة بآية المواريث وهو قول سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وآخرين وهو قول الأئمة وأصحابهم
تابعه سعيد عن ابن عباس
أي تابع عكرمة سعيد بن جبير في روايته هذا الحديث عن ابن عباس ووصل البخاري هذه التابعة في كتاب الوصايا في باب قوله الله تعالى وإذا حضر القسمة أولوا القربى فإنه أخرجه هناك عن محمد بن الفضل عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلى آخره ومر الكلام فيه هناك
4 -
( باب يوصيكم الله في أولادكم ( النساء11 )
سقط لفظ باب وقوله في أولادكم لغير أبي ذر والمراد بالوصية هنا بيان قسمة الميراث

(18/166)


4577 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) حدثنا ( هشام ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( ابن منكدر ) عن ( جابر ) رضي الله عنه قال عادني النبي وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي لا أعقل فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش علي فأفقت فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت يوصيكم الله في أودلاكم ( النساء11 )
عين الترجمة في حديث الباب وهشام هو ابن يوسف وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وابن المنكدر هو محمد
والحديث مضى في كتاب الطهارة في باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن المنكدر إلى آخره ومر الكلام فيه هناك
قوله في بني سلمة بفتح السين وكسر اللام وهم قوم جابر وهم بطن من الخزرج قوله لا أعقل زاد الكشميهني شيئا قوله ثم رش علي أي من نفس الماء الذي توضأ به وصرح به في الاعتصام قوله فنزلت يوصيكم الله هكذا وقع في رواية بن جبير قيل إنه وهم في ذلك والصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر الآية التي في آخر النساء وهي يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( النساء176 ) لأن جابرا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد والكلالة من لا ولد له ولا والد وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد والنسائي عن محمد بن منصور كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر في هذا الحديث حتى نزلت عليه آية الميراث يستفتونك قل يفتيكم في الكلالة وروى الترمذي من حديث جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال قال يقضي الله في ذلك فنلزت آية المواريث فبعث رسول الله إلى عمهما فقال اعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك
5 -
( باب ولكم نصف ما ترك أزواجكم ( النساء12 )
أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم وليس لفظ باب إلا في رواية المستملي قوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم
4578 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) عن ( ورقاء ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما قال كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع
مطابقته للترجمة في قوله وللزوج الشطر أي شطر المال وذلك عند عدم الولد ومحمد بن يوسف بن واقد الفريابي وليس هو محمد بن يوسف البخاري البيكندي وورقاء تأنيث الأورق ابن عمر اليشكري ويقال الشيباني أصله من خوارزم ويقال من الكوفة سكن المدائن وابن أبي نجيح هو عبد الله وأبو نجيح بفتح النون وكسر الجيم اسمه يسار ضد اليمين وعطاء هو ابن رباح والحديث قد مر في الوصايا في باب لا وصية لوارث بعين هذا الإسناد والمتن ومر الكلام فيه هناك
6 -
( باب لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( النساء19 ) الآية )
أي هذا باب فيه قوله تعالى لا يحل لكم الآية وهذا المقدار بلفظ باب في رواية أبي ذر وفي رواية غيره هكذا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الآية تمام الآية إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن

(18/167)


بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا وأول الآية يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا وأن مصدرية قوله كرها مصدر في موضع الحال وقرأ حمزة والكسائي بضم الكاف ومعنى العضل يأتي عن قريب قوله بفاحشة قال ابن مسعود وابن عباس هي الزنى يعني إذا زنت فللزوج أن يسترجع الصداق الذي أعطاها ويضاجرها حتى تترك له وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك وعطاء الخراساني وأبو قلابة والسدي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال وعن ابن عباس الفاحشة المبينة النشوز والعصيان وحكي ذلك أيضا عن الضحاك وعكرمة واختار ابن جرير أنه أعم من الزنى والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك
ويذكر عن ابن عباس لا تعضلوهن لا تقهروهن
هذا وصله أبو محمد الرازي عن أبيه حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وفي رواية الكشميهني لا تعضلوهن لا تنهروهن من الانتهار وهي رواية القابسي أيضا وقال بعضهم هذه الرواية وهم والصواب ما عند الجماعة قلت لا يدري ما وجه الصواب هنا ومعنى الانتهار لا يخلو عن معنى القهر على ما لا يخفى
حوبا إثما
أشار به إلى ما في قوله عز و جل ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أنه كان حوبا كبيرا فسر حوبا بقوله إثما ووصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن داود بن هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى إنه كان حوبا كبيرا قال إثما عظيما وعن مجاهد والسدي والحسن وقتادة مثله وقرأ الحسن بفتح الحاء والجمهور على الضم
تعولوا تميلوا
أشار به إلى ما في قوله تعالى فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا ( النساء3 ) وفسر قوله أن لا تعولوا بحذف أن بقوله تميلوا وفسره جماعة نحوه وأسنده ابن المنذر في تفسيره عن ابن عباس وذكر نحوه مرفوعا وقال أن معناه تجور واو فسره الشافعي بقوله لا يكثر عيالكم وأنكره المبرد ووجه إنكاره أنه لو كان معناه نحو ما قاله الشافعي لكان قال أن لا تعيلوا من أعال وهو من الثلاثي المزيد فيه والذي في الآية من الثلاثي المجرد
نحلة النحلة المهر
أشار به إلى ما في قوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( النساء4 ) وفسرها بقوله المهر وفي رواية أبي ذر فالنحلة المهر بالفاء وقال الإسماعيلي إن كان هذا التفسير من البخاري ففيه نظر وقد قيل فيه غير ذلك وأقرب الوجوه أن النحلة ما يعطونه من غير عوض ورد عليه بأن ابن أبي حاتم والطبري قد رويا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قال النحلة المهر وقال قاتل وقتادة وابن جريج نحلة أي فريضة مسماة وقال ابن دريد النحلة في كلام العرب الواجب تقول لا ينكحها إلا بشيء واجب لها وليس ينبغي لأحد بعد النبي أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق قوله وآتوا النساء صدقاتهن الخطاب الناكحين أي اعطوا النساء مهورهن والصدقات جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال وهي لغة أهل الحجاز وتميم تقول صدقة بضم الصاد وسكون الدال فإذا جمعوا يقولون صدقات بضم الصاد وسكون الدال ويضمها أيضا مثل ظلمات وانتصاب نحلة على المصدر لأن النحلة الإيتاء بمعنى الإعطاء أو على الحال من المخاطبين أي آتوهم صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيب الأنفس
4579 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) حدثنا ( أسباط بن محمد ) حدثنا ( الشيباني ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال الشيباني وذكره أبو الحسن السوائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس يا أيها

(18/168)


الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ( النساء19 ) قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤا زوجوها وإن شاؤا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هاذه الآية في ذلك
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي وأسباط بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبالياء الموحدة ابن محمد بن عبد الرحمن القرشي الكوفي قال الواقدي مات في أول سنة مائتين وأدركه البخاري بالسن وعن ابن معين كان يخطىء عن سفيان فلذلك ذكره ابن البرقي في الضعفاء ولكن قال كان ثبتا فيما يروي عن الشيباني ومطرف وقال العقيلي ربما وهم في الشيء وليس له في البخاري سوى هذا الحديث والشيباني بالشين المعجمة وهو سليمان بن فيروز وأبو الحسن اسمه عطاء وقال الكرماني اسمه مهاجر مر في باب الإيراد بالظهر ( قلت ) قال البخاري في باب الإيراد بالظهر حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن سمع زيد بن وهب الحديث وظن الكرماني أنهما واحد وليس كذلك لأن المذكور في باب الإيراد بالظهر التيمي والمذكور هنا السوائي بضم السين المهملة وتخفيف الواو الممدودة وكسر الهمزة نسبة إلى بني سواه بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بطن كبير
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن الحسين بن منصور وأخرجه أبو داود في النكاح عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن حرب
قوله أخبرنا أسباط وفي بعض النسخ حدثنا قوله وذكره أي الحديث قوله ولا أظنه أي ولا أحسبه وأشار بهذا إلى أن للشيباني طريقين ( أحدهما ) موصول وهو عن عكرمة عن ابن عباس ( والآخر ) مشكوك في وصله وهو عن أبي الحسن السوائي عن ابن عباس قوله قال كانوا أي قال ابن عباس كانوا أي الجاهلية قاله السدي وقال الضحاك أي أهل المدينة قوله فهم ويروى وهم بالواو وقوله فنزلت هذه الآية يعني الآية المذكورة وهي قوله لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها
7 -
( باب قوله تعالى ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ( النساء33 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى هكذا في رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي ذر ساق إلى قوله ( شهيدا ) بعد قوله ( والأقربون ) الآية والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم أن الله كان على كل شيء شهيدا قوله ولكل جعلنا موالي قال الزمخشري أي ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون من المال جعلنا موالي وراثا يلونه ويحرزونه أو لكل قوم جعلناهم موالي نصيب وفي ( تفسير ابن كثير ) قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم في قوله ولكل جعلنا موالي أي ورثة وفي رواية عن ابن عباس أي عصبة وقال ابن جرير ومعنى قوله مما ترك الولدان والأقربون ما تركه والديه وأقربيه من الميراث قوله والذين عاقدت أيمانكم قال الزمخشري هذا مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء وهو معنى قوله فآتوهم نصيبهم وذكر وجوها أخر فمن أراد أن يقف عليها فليرجع إلى تفسيره وقال ابن كثير أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة إن الله كان شاهدا بينكم في تلك العهود والمعاقدات وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يؤتوا لمن عاقدوا ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة
موالي أولياء ورثة
فسر لفظ موالي في الآية التي ترجم بها بقوله أولياء ورثة وقد تقدم عن ابن عباس أنه فسره موالي بالورثة
وقال معمر أولياء موالي أولياء ورثة
ليس هذا بموجود في بعض النسخ قال الكرماني معمر بفتح الميمين ابن راشد الصنعاني وقال بعضهم وكنت أظن أنه

(18/169)


معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور في ( المجاز ) لأبي عبيدة أن اسمه معمر بن المثنى ولم أره عن معمر بن راشد ( فمات ) عبد الرزاق أيضا يروى هذا عن معمر بن راشد ولا يلزم من ذكر أبي عبيدة هذا في ( المجاز ) أي يكون الذي ذكره البخاري في هواياه ولا يمتنع أن يكون هذا مرويا عن معمر بن جميعا ثوله أولياء موالي بالإضافة نحو شجر الأراك والإضافة فيه للبيان وكذلك أولياء ورثة وحاصل الكلام أن أولياء الميت الذين يلون ميراثه ويجوزونه على نوعين ولي بالموالاة وعقد الولاء وهم الذين عاقدت أيمانكم وولى بالإرث أي القرابة وهم الوالدان والأقربون
والذين عاقدت أيمانكم هو مولى اليمين وهو الحليف
فسر لفظ والذين عاقدت المذكورة في الآية المذكور في الآية المذكورة بقوله هو مولى اليمين العاقدة بين اثنين فصاعدا والأيمان جمع يمين ومضى الكلام فيه في كتاب الكفالة
والمولى أيضا ابن العم والمولى المنعم المعتق والمولى المعتق والمولى المليك والمولى مولى في الدين
أشار بهذا إلى أن لفظ المولى يأتي لمعان كثيرة وذكر منها خمسة معان الأول يقال لابن العم مولى قال الشاعر
مهلا بني عمنا مهلا موالينا
الثاني المنعم أي الذي ينعم على عبده بالعتق وهو الذي يقال له المولى الأعلى الثالث المولى المعتق بفتح التاء وهو الذي يقال له المولى الأسفل الرابع يقال للمليك المولى لأنه يلي أمور الناس الخامس المولى مولى في الدين ومما لم يذكره الناصر والمحب والتابع والجار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عليه والولي والموازي وقال الزجاج كل من يليك أو والاك فهو مولى
4580 - حدثنا ( الصلت بن محمد ) حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( إدريس ) عن ( طلحة بن مصرف ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما ولكل جعلنا موالي قال ورثة والذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت ثم قال والذين عاقدت أيمانكم من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث بعينه سندا ومتنا مضى في الكلمة في باب قول الله تعالى والذين عاقدت أيمانكم ومضى الكلام فيه هناك وأبو أسامة حماد بن أسامة إدريس هو ابن يزيد الأودي وماله في البخاري سوى هذا الحديث
قوله فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت هكذا وقع في هذه الرواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية وفي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن النسخ بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وبه قال الحسن وعكرمة وقتادة وقال ابن المسيب كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فسخ قوله والرفادة بكسر الراء بالإعانة والإعطاءقوله ويوصي له أي للحليف لأنه ميراثه لما نسخ جازت الوصية
سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة
لم يقع هذا إلا في رواية المستملي وحده وأشار بهذا إلى أن كل واحد من أبي أسامة وإدريس قد صرح بالتحديث فأسامة من إدريس وإدريس من طلحة بن مصرف وصرح بذلك الحاكم في ( مستدركه ) في الحديث ثم قال صحيح على شرط الشيخين
8 -
( باب قوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( 40 ) يعني زنة ذرة )

(18/170)


أي هذا باب في قوله عز و جل إن الله لا يظلم مثقال ذرة وفسر مثقال ذرة بقوله زنة ذرة ومثقال الشيء ميزانه من مثله وقال الزجاج هو مثقال من الثقل وقيل لكل ما يعمل وزن ومثقال تمثيلا لأن الصلاة والصيام والأعمال لا وزن لها ولكن الناس خوطبوا على ما يقع في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم وقال أبو منصور الجواليقي يظن الناس أن المثقال وزن الدنيا لا غير وليس كذلك إنما مثقال كل شيء وزنه وكل وزن يسمى مثقالا وإن كان وزن ألف قال الشاعر
وكلا يوفيه الجزا بمثقال
قال الهروي أي يوزن قوله ذرة الذرة واحدة الذر وهو النمل الأحمر الصغير وسئل ثعلب عن الذرة فقال إن مائة نملة وزن حبة قال ابن الأثير وقيل إن الذرة لا وزن لها ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس وزعم بعض الحساب أن زنة الشعيرة حبة وزنة الحبة أربع زرات وزنة الذرة أربع سمسمات وزنة السمسمة أربع خردلات وزنة الخردلة أربع ورقات نخالة وزنة الورقة من النخالة أربع ذرات فعلمنا من هذا أن الذرة أربعة في أربعة فأدركنا أن الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين حبة وذلك أن الحبة ضربناها في أربع ذرات جاءت ست عشرة سمسمة والست عشرة ضربناها في أربع جاءت مائتين وست وخمسين نخالة فضربناها في أربع جاءت ألفا وعشرين ذرة وقيل الذرة رأس النملة الحمراء وقيل الذرة الخردلة وقال الثعلبي قال يزيد بن هارون زعموا أن الذرة ليس لها وزن ويحكى أن رجلا وضع خبزا حتى علاه الذر مقدار ما ستره ثم وزنه فلم يزد على مقدار الخبز شيئا وعن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم نفخ فيه وقال كل واحد من هؤلاء ذرة وعن قتادة كان بعض العلماء يقول لأن تفضل حسناتي وزن ذرة أحب إلي من الدنيا جميعا وفي حديث ابن مسعود يرفعه يا رب لم يبق لعبدك إلا وزن ذرة فيقول عز و جل ضعفوها له وأدخلوه الجنة
4581 - ح ( دثني محمد بن عبد العزيز ) حدثنا ( أبو عمر حفص بن ميسرة ) عن ( زيد بن أسلم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه أن أناسا في زمن النبي قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال النبي نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب قالوا لا قال وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب قالوا لا قال النبي ما تضارون في رؤية الله عز و جل يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله بر أو فاجر وغبرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم من كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيز ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون فقالوا عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم من كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فكذلك مثل الأول حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أتاهم رب العالمين في أدني صورة من التي رأوه فيها فيقال تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد فيقول أنا

(18/171)


ربكم فيقولون لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا
مطابقته للترجمة من حيث إن المفهوم من معناه أن الله تعالى يحكم يوم القيامة بين عباده المؤمنين والكافرين بعدله العظيم ولا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة ولم أر أحدا من الشراح ذكر وجه المطابقة ولا انصف في شرح هذا الحديث فمنهم من علقه بشيء لم يمض ومنهم من علقه بالمستقبل يذكر فيه ومنهم من شرح بعضا دون بعض فنقول بعون الله ولطفه إن شيخه فيه محمد ابن عبد العزيز أبو عبد الله الرملي يعرف بابن الواسطي لأن أصله من واسط وثقه العجلي ولينه أبو زرعة وأبو حاتم وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الاعتصام وحفص بن ميسرة ضد الميمنة وعطاء بن يسار ضد اليمين وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم في الإيمان عن سويد بن سعيد وغيره
قوله نعم أي نعم ترون ربكم يوم القيامة وهذه الرؤية غير الرؤية التي هي ثواب للأولياء وكرامة لهم في الجنة إذ هذه للتمييز بين من عبد الله وبين من عبد غيره وفيه رد على أهل البدع من المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة في قولهم إن الله لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلا وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخر للمؤمنين ورواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله والكلام فيه مستقصى في كتب الكلام وأما رؤية الله في الدنيا فممكنة ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم على أنها لا تقع في الدنيا وحكى الإمام القشيري في ( رسالته ) عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكي فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري أحدهما وقوعها والآخر أنها لا تقع قوله هل تضارون في ضبطه روايات الأولى تضارون بضم أوله وضم رائه من غير تشديد من الضير وهو المضرة كما في قوله تعالى قالوا ( لا ضير ) أي لا ضرر ومعناه هل يلحقكم في رؤيته ضير أي ضرر الثانية هل تضارون بفتح التاء وتشديد الضاد والراء من الضرر ومعناه هل تضارون غيركم في حال الرؤية بزحمة ومخالفة في رؤية غيرها أو لخفائه كما يفعلون أول ليلة من الشهر وقال الخطابي وأصله هل تتضارون أي تتزاحمون عند رؤيته حتى يلحقكم الضرر ووزنه تتفاعلون فحذفت إحدى التاءين الثالثة تضامون بتشديد الميم وفتح أوله ومعناه هل تتضامون وتتوصلون إلى رؤيته وأصله من الانضمام الرابعة هل تضامون بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم وهو المشقة والتعب وأورد الثالثة والرابعة في غير هذا الموضع قوله بالظهيرة وهي اشتداد حر الشمس في نصف النهار ولا يقال ذلك في الشتاء قوله ضوء بالجر بدل عما قبله في الموضعين قوله إلا كما تضارون التشبيه إنما وقع في الوضوح وزوال الشك والمشقة والاختلاف لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور التي جرت العادة بها عند الرؤية قوله أذن مؤذن أي نادى مناد قوله تتبع بالرفع ويروى بالجزم بتقدير اللام كما في قوله تعالى قل لعبادي الذين يقيموا الصلاة قوله من الأصنام والانصابوالاصنام جمع صنم قال ابن الأثير الصنم اتخذ إلاها من دون الله وقيل هو ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن والأنصاب جمع نصب بضم الصاد وسكونها وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنما يعبدونه وقيل هو حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم قوله برا وفاجرا أي هو برا وهو فاجر والبر هو الذي يأتي بالخير ويطيع ربه يقال فلان يبر خالقه ويتبرره أي يطيعه ويجمع على أبرار والبار يجمع على بررة والفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم من فجر يفجر من باب نصر ينصر فجورا قوله وغبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة بعدها راء جمع غبر وهو جمع غابر والمعنى بقايا أهل الكتاب من غبر الشيء يغبر غبورا إذا مكث وبقي والغابر هو الماضي قال الأزهري هو من الأضداد ثم قال والمعروف الكثير أن الغابر هو الباقي قوله فيقال لهم كذبتم قال الكرماني التصديق والتكذيب راجعان إلى الحكم الموقع لا إلى الحكم المشار إليه لأنه إذا قيل زيد بن عمر وجاء فكذبته فقد أنكرت المجيء لا كونه ابن عمرو وأجاب بقوله نفي اللازم هو كونه ابن الله تعالى ليلزم نفي الملزوم وهو عبادة ابن الله أو نقول الرجوع المذكور هو مقتضى الظاهر وقد يتوجه

(18/172)


بحسب المقام إليهما جميعا أو إلى المشار إليه فقط قوله كأنه سراب يحطم بعضها بعضا أي بكسر بعضها بعضا ومنه سميت النار الحطمة لأنها تحطم كل شيء أي تكسره وتأتي عليه والسراب هو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء قوله أتاهم أي ظهر لهم والإتيان مجاز عن الظهور وقيل الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن من غاب عن غيره لا تمكنه رؤيته إلا بالإتيان فعبر بالإيتان هنا عن الرؤية مجازا وقيل فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانا وقيل المراد بالإتيان إتيان بعض ملائكته وقال عياض هذا الوجه أشبه عندي في قوله في أدنى صورة أي أقربها قال الخطابي الصورة الصفة يقال صورة هذا الأمر كذا أي صفته وأطلق الصورة على سبيل المشاكلة والمجانسة قوله من التي رأوه فيها أي من الصورة التي عرفوه فيها والرؤية بمعنى العلم لأنهم لم يروه قبل ذلك ومعناه يتجلى الله لهم بالصفة التي يعرفونه بها لأنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون انت ربنا قوله على أفقر ما كنا إليهم أي على أحوج يعني لم نتبعهم في الدنيا مع الاحتياج إليهم ففي هذا اليوم بالطريق الأولى قوله لا نشرك بالله شيئا وفائدة قولهم هذا مع أن يوم القيامة ليس يوم التكليف استلذاذا وافتخارا به وتذكارا بسبب النعمة التي وجدوها
9 -
( باب فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدا ( النساء41 )
أي هذا باب فيه قوله تعالى إذا جئنا الآية أخبر الله تعالى بهذه الآية الكريمة عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة حين يجيء من كل أمة بشهيد يعني الأنبياء عليهم السلام وقال الزمخشري فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم كقوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وجئنا بك على هؤلاء ( المائدة117 ) المكذبين شهيدا وفي ( التلويح ) واختلف في المعنى بقوله هؤلاء من هم فعند الزمخشري هم المكذبون وقال مقاتل هم كفار أمة محمد وفي ( تفسير ابن النقيب ) هم سائر أمته وإذا كان كذلك ففيه قولان أحدهما أنه يشهد عليهم والثاني أنه يشهد لهم فعلى هذا يكون على بمعنى اللام وقيل المراد بهم أمة الكفار وقيل أنهم اليهود والنصارى وقيل هم كفار قريش دون غيرهم وفي الذي يشهد به أقوال أربعة الأول أنه يشهد أن النبي قد بلغ أمته قاله ابن مسعود وابن جريج والسدي ومقاتل الثاني أنه يشهد بإيمانهم قاله أبو العالية الثالث إنه يشهد بأعمالهم قاله مجاهد وقادة الرابع إنه يشهد لهم وعليهم قاله الزجاج
المختال والختال واحد
أشار بهذا إلى قوله تعالى إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا والمختال المتكبر أي يتخيل في صورة من هو أعظم منه كبرا وقال الزمخشري هو التياه والجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه قوله وأحد يعني في المعنى وفيه نظر لأن المختال من الخيلاء والختال بتشديد التاء المثناة من فوق من الختل وهو الخديعة فلا يناسب معنى الكبر وهكذا وقع في رواية الأكثرين وفي رواية الأصيلي المختال والخال واحد والخال واحد والخال بدون التاء وصوب هذا جماعة وكذا في كلام أبي عبيدة ( فإن قلت ) ما وجه التصويب فيه فكيف هنا بمعنى واحد قلت الخال يأتي لمعان كثيرة ( منها ) معنى الكبر لأن الخال بمعنى الخائل وهو المتكبر وقال بعضهم الخال يطلق على معان كثيرة نظمها بعضهم في قصيدة تبلغ نحوا من العشرين بيتا قلت كتبت قصيدة في مؤلفي ( رونق المجالس ) تنسب إلى ثعلب تبلغ هذه اللفظة فيها نحوا من أربعين
نطمس وجوها نسويها حتى تعود كأفعالهم طمس الكتاب محاه
أشار به إلى قوله تعالى من قبل أن

(18/173)


نطمس وجوها وفسره بقوله نسويها بقوله حتى تعود كأفقائهم وأسند الطبري عن قتادة أن المراد أن تعود الأوجه في الأفقية وعن قتادة تذهب بالشفاه والأعين والحواجب فيردها أقفاء وقال أبي بن كعب هو تمثيل وليس المراد حقيقتها حسا وقال الكرماني نطمس منصوب على الحكاية من قوله ( من قبل أن نطمس ) وأشار بقوله طمس الكتاب محاه إلى أن الطمس يجيء بمعنى المحو أيضا
سعيرا وقودا
أشار به إلى قوله تعالى كفى بجهنم سعيرا ( النساء55 ) وفسر سعيرا بقوله وقودا لو كذا فسره أبو عبيدة وقال بعضهم هذه التفاسير ليست لهذه الآية وكأنها من النساخ قلت هذا بعيد جدا لأن غالب الكتاب جهلة فمن أين لهم هذه التفاسير وبأي وجه يلحقون مثل هذه في مثل هذا الكتاب الذي لا يحلق أساطين العلماء شاؤه ومن شأن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وليس من دأبهم أن يزيدوا في كتاب مرتب منقح من عندهم ولو قال وكأنه من بعض الرواة المعتنين بالجامع لكان له وجه ولا يبعد أن يكون هذا من نفس البخاري من غير تفكر فيه فإن تنبه عليه فلعله ما أدرك إلى وضع هذه التفاسير في محلها ثم استمرت على ذلك
4582 - حدثنا ( صدقة ) أخبرنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) عن ( سليمان ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) قال ( يحيى ) بعض الحديث عن ( عمرو بن مرة ) قال قال لي النبي اقرأ علي قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال فإني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدا ) قال أمسك فإذا عيناه تذرفان
مطابقته للترجمة ظاهرة وصدقة هو ابن الفضل أبو الفضل المروزي ويحيى بن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة ابن عمرو السلماني
ومن سفيان إلى آخره كلهم كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم لسليمان وإبراهيم وعبيدة وعبد الله هو ابن مسعود وعمرو بفتح العين ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء الجملي بفتح الجيم التابعي
والحديث أخرجه البخاري في فضائل القرآن عن محمد بن يوسف وعن عمر بن حفص وعن مسدد وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر وغيره وأخرجه أبو داود في العلم عن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمود بن غيلان وغيره وأخرجه النسائي فيه عن هناد بن السري به وفي فضائل القرآن عن سويد بن نصر به وعن غيره
قوله قال يحيى هو القطان وقال الكرماني قد ذكر البخاري كلام يحيى للتقوية وإلا فإسناد عمرو مقطوع وبعض الحديث مجهول قلت ظاهره كذا ولكنه أوضحه في فضائل القرآن في باب البكاء عند قراءة القرآن عن مسدد عن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال الأعمش وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله قال قال رسول الله اقرأ علي الحديث قوله اقرأ علي فيه أن القراءة من الغير أبلغ في التدبر والتفهم من قراءة الإنسان بنفسه وفيه فضل ظاهر لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وفي ( تفسير عبد ) لما قرأ عبد الله هذه الآية قال سيدنا رسول الله من سره أن يقرأ القرآن غضا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد قوله فإذا عيناه كلمة إذا للمفاجأة ( وعيناه ) مبتدأ وتذرفان خبره أي عينا رسول الله تطلقان دمعهما يقال ذرف الدمع بالذال المعجمة وذرفت العين دمعها وفي بكاء النبي وجوه الأول قال ابن الجوزي بكاؤه عند هذه الآية الكريمة لأنه لا بد من أداء الشهادة والحكم على المشهود عليه إنما يكون يقول الشاهد فلما كان هو الشاهد وهو الشافع بكى على المفرطين منهم الثاني أنه بكى لعظم ما تضمنته هذه الآية الكريمة من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتي بالأنبياء عليهم السلام شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب الثالث أنه بكى فرحا لقبول شهادة أمته يوم القيامة وقبول تزكيته لهم في ذلك اليوم العظيم

(18/174)


10 -
( باب قوله وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ( النساء43 )
أي هذا باب في بيان قوله تعالى وإن كنتم مرضى الآية قوله مرضى جمع مريض وأراد به مريضا يضره الماء كصاحب الجدري والجروح ومن يتضرر باستعمال الماء هذا قول جماعة من الفقهاء إلا ما ذهب إليه عطاء والحسن أنه لا يتيمم مع وجود الماء احتجاجا بقوله تعالى فإن لم تجدوا ماء ولم يؤخذ به قوله أو على سفر أي أو كنتم على سفر وليس السفر شرطا لإباحة التيمم وإنما الشرط عدم الماء وإنما ذكر السفر لأن الماء يعدم فيه غالبا قوله أو جاء أحد منكم من الغائط وهو الموضع المطمئن من الأرض كانوا يتبرزون هناك ليغيبوا عن أعين الناس فكنى عن الحدث بمكانه ثم كثر الاستعمال حتى صار كالحقيقة والفعل منه غاط يغوط مثل عاد يعود
صعيد أوجه الأرض
أشار به إلى قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا وفسر صعيدا بقوله وجه الأرض ذكره أبو بكر بن المنذر عن أبي عبيدة
وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان
أشار به إلى قوله تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ( النساء60 ) قوله كانت الطواغيت هو جمع طاغوت قال سيبويه الطاغوت اسم واحد مؤنث وقال أبو العباس محمد بن يزيد هو عندي جماعة وقال ابن الأثير الطاغوت يكون جمعا وواحدا وقال الجوهري وطاغوت وإن كان على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه لأنه بمنزلة الرغبوت والرهبوت انتهى قلت أصله طغبوت فقدمت الياء على الغين فصار طيغوت فقلبت الياء ألفا لتحركهاوانفتاح ما قبلها والطاغوت والكاهن والشياطن وكل رأس في الضلال فهو طاغوت قوله في جهينة واحد أي مسمى بطاغوت وجهينة قبيلة وكذلك أسلم على وزن أفعل التفصيل قوله كهان بالرفع لأنه خبر مبتدأ أي الطواغيت المذكورة في القبائل كهان بضم الكاف جمع كاهن ينزل عليهم الشيطان فيلقى إليهم الأخبار والكاهن هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار وهذا الأثر ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه عن الحسن بن الصباح حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثني إبراهيم بن عقيل عن أبيه عقيل بن معقل عن وهب بن منبه قال سألت جابر ابن عبد الله عن الطواغيت الحديث بزيادة وفي هلال واحد
وقال عمر الجبت السحر والطاغوت الشيطان وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن
أشار به إلى قوله تعالى يؤمنون بالجبت والطاغوت ( النساء51 ) وأثر عمر رواه عبد بن حميد عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن قائد عن عمر وأثر عكرمة رواه عبد أيضا عن أبي الوليد عن أبي عوانة عن أبي بشر عنه واختار الطبري أن المراد بالجبت والطاغوت جنس ما كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا أو آدميا فيدخل فيه الساحر والكاهن وأخرج الطبري أيضا بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن وهذا يدل على وقوع المعرب في القرآن واختلف فيه فأنكر الشافعي وأبو عبيدة وقوع ذلك في القرآن وحملا ما وجد من ذلك على توارد اللغتين وأجاز ذلك قوم واختاره ابن الحاجب واحتج لذلك بوقوع إسماء الإعلام فيه كإبراهيم وغيره فلا مانع من وقوع إسماء الأجناس فيه أيضا وقد وقع في البخاري جملة من ذلك وقيل ما وقع من ذلك في القرآن سبعة وعشرون وهي ( السلسبيل ) و ( كورت ) و بيع ( روم ) و ( طوبى ) و ( سجيل ) و ( كافور ) و ( زنجبيل ) و ( ومشكاة ) و ( وسرادق ) و ( استبرق ) و ( صلوات ) و ( سندس ) و ( طور ) و ( قراطيس ) و ( ربانيين ) و ( غساق ) و ( دينار ) و ( قسطاس ) و ( قسورة ) و ( اليم ) و ( ناشئة ) و ( كفلين )

(18/175)


و ( مقاليد ) و ( فردوس ) و ( تنور )
4583 - حدثنا ( محمد ) أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ( هلكت قلادة لأسماء فبعث ) النبي ( في طلبها رجالا فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ) ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء فأنزل الله تعالى يعني آية التيمم
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام قاله الكرماني وقال صاحب ( التلويح ) قوله هذا حدثني محمد أخبرنا عبدة يشبه أن يكون البيكندي لأنه ذكر روايته في ( جامعه ) في غير موضع قلت البيكندي هذا هو محمد بن سلام بن الفرج أبو عبد الله السلمي مولاهم البخاري البيكندي سمع عبدة بن سليمان الكلابي ومن مشايخ البخاري البيكندي أخرجه أيضا وهو محمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي ولم يذكر في ( الجامع ) أنه سمع عبدة والحديث مر في التيمم في باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا ومر الكلام فيه هناك
11 -
( باب قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ( النساء59 ) ذوي الأمر )
أي هذا باب في قوله تعالى أطيعوا الله إلى آخره هكذا وقع في رواية أبي ذر وفي رواية غيره وقع كذا أولي الأمر منكم ذوي الأمر وقال الواحدي نزلت هذه الآية في عمار لما أجار على خالد فنهاه النبي أن يجير على أمير إلا بإذنه قوله ذوي الأمر تفسير لقوله وأولي الأمر وكذا فسره أبو عبيدة
4584 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) أخبرنا ( حجاج بن محمد ) عن ( ابن جريج ) عن ( يعلى بن مسلم ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي في سرية
مطابقته للترجمة ظاهرة وصدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي وقد تكرر ذكره وكذا وقع في رواية الأكثرين صدقة بن الفضل وفي رواية ابن السكن عن الفريري عن البخاري حدثنا ستنيد بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة وهو لقب واسمه الحسين بن داود أبو علي المصيصي من حفاظ الحديث وله تفسير مشهور ولكن ضعفه أبو حاتم والنسائي وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع إن كان الأمر كما ذكره ابن السكن وقيل يحتمل أن يكون البخاري روى الحديث عنهما جميعا فاقتصر الأكثرون على صدقة بن الفضل لاتفاقه واقتصر ابن السكن على ذكر سنيد لكونه صاحب تفسير والحديث يتعلق به قلت كلام ابن السكن أقرب لأن حجاج بن محمد الذي روى عنه سنيد مصيصي أيضا وإن كان أصله ترمذيا لأنه سكن المصيصة وحجاج على وزن فعال بالتشديد ابن محمد الأعور يروي عن عبد مالك بن عبد العزيز بن جريج المكي ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام مقصورا ابن مسلم بن هرمز
والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله وأبو داود فيه عن هارون بن عبدالله والترمذي فيه عن محمد بن عبد الله والنسائي في البيعة وفي السير وفي التفسير عن الحسن بن محمد الزعفراني
قوله وأولى الأمر منكم في تفسيره أحد عشر قولا الأول الأمراء قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي الثاني أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قاله عكرمة الثالث جميع الصحابة قال مجاهد الرابع الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي الخامس المهاجرون والأنصار قاله عطاء السادس الصحابة والتابعون السابع أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس قاله ابن كيسان الثامن العلماء والفقهاء قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية التاسع أمراء السرايا قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي العاشر أهل العلم والقرآن قاله مجاهد واختاره مالك الحادي عشر عام في كل من ولي أمر شيء وهو الصحيح وإلي مال البخاري بقوله ذوي الأمر قوله نزلت في عبد الله بن حذافة قد مرت ترجمته

(18/176)


مع قصته في المغازي واعترض الداودي فقال قول ابن عباس نزلت في عبد الله بن حذافة وهم من غيره لأن فيه حمل الشيء على ضده لأن الذي هنا خلاف ما قاله هناك وهو قوله إنما الطاعة في المعروف وكان قد خرج على جيش فغضب ولو قدنا نارا وقال اقتحمونا فامتنع بعضهم وهم بعض أن يفعل قال فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يختص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه وأجيب عن هذا بأن المراد من قصة عبد الله بن حذافة قوله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول وذلك لأن السرية التي عليها عبد الله بن حذافة لما تنازعوا في امتثال أمرهم به من دخول النار وتركه كان عليهم أن يردوه في ذلك إلى الله ورسوله لقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء أي في جواز شيء وعدمه ( فردوه إلى الله ورسوله ) أي فارجعوا إلى الكتاب والسنة قاله مجاهد وغيره من السلف وهذا أمر من الله عز و جل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يردوا المتنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ( الشورى10 ) فما حكم به كتاب الله وسنة رسول وشهد له بالصحة فهو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال
12 -
( باب فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء65 )
أي هذا باب في قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون ولم يوجد لفظ باب إلا في رواية أبي ذر ولقد أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن من أحد حتى يحكم الرسول في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا
4585 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن جعفر ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) قال خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة فقال النبي اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري يا رسول اللهأن كان ابن عمتك فتلون وجهه ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى النبي للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة قال الزبير فما أحسب هاذه الآيات إلا نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر في كتاب الشرب في ثلاثة أبواب متوالية أولها باب كرى الأنهار ومر الكلام فيه هناك مستوفي
قوله في شريج بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالجيم وهو مسيل الماء قوله إن كان ابن عمتك بفتح الهمزة وكسرها والجزاء محذوف والتقدير لئن كان ابن عمتك حكمت له وكان الزبير رضي الله تعالى عنه ابن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله قوله فتلون وجهه أي تغير وجه رسول الله من كلام الأنصاري قوله إلى الجدر بفتح الجيم وهو أصل الحائط قوله واستوعى أي استوعب واستوفى وهذا الكلام للزهري ذكره إدراجا قوله حين أحفظه أي حين أغضبه وهو بالحاء المهملة قوله وكان أشار عليهما أي كان النبي أشار على الزبير والأنصاري في أول الأمر بأمر لهما فيه سعة أي توسع على سبيل المصالحة فلما لم يقبل الأنصاري الصلح حكم للزبير بما هو حقه فيه
13 -
( باب فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ( النساء69 )
أي هذا باب في قوله تعالى فأولئك وأوله ( ومن يطع الله والرسول فأولئك ) الآية أي من عمل بما أمره الله ورسوله وترك

(18/177)


ما نهاه الله عنه ورسوله فأولئك يكونون مع الذين أنعم الله عليهم وقال الطبراني بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتك عرفت أنك ترفع مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه رسول الله شيئا حتى نزل جبريل عليه الصلاة و السلام بهذه الآية انتهى قلت هذا الرجل هو ثوبان فما ذكره الواحدي
4586 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن حوشب ) حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله يقول ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ( النساء69 ) فعلمت أنه خير
مطابقته للترجمة ظاهرة وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عروة بن الزبير ومر الحديث في باب مرض النبي ووفاته فإنه أخرجه هناك عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة إلى آخره
قوله بحة بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء المهملة وهي غلظ في الصوت وخشونة في الحلق قوله خير على صيغة المجهول أي خبر بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة
14 -
( باب قوله وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله إلى الظالم أهلها ( النساء75 )
أي هذا باب في قوله عز و جل لا تقاتلون في سبيل الله إلى قوله الظالم أهلها هكذا وقع في رواية أبي ذر وفي رواية الأكثرين وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء الآية وتمامها ( والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) قوله عز و جل وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله تحريض لعباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان قوله والمستضعفين منصوب عطفا على سبيل الله أي في سبيل الله وخالص المستضعفين أو منصوب على الاختصاص يعني واختص في سبيل الله خلاص المستضعفين والمراد من القربة مكة قوله واجعل لنا من لدنك وليا أي سخر لنا من عندك وليا ناصرا

(18/178)


4588 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( أيوب ) عن ( ابن أبي مليكة ) أن ( ابن عباس ) تلا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ( النساء98 ) قال كنت أنا وأمي ممن عذر الله
هذا طريق آخر لحديث ابن عباس أخرجه عن سليمان بن حرب ضد الصلح عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عبد الله عن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير الأحول القاضي المكي قوله أن ابن عباس تلا وفي رواية المستملي عن ابن عباس أنه تلا يعني قرأ قوله إلا المستضعفين إلى آخره قوله ممن عذر الله أي ممن جعلهم من المعذورين المستضعفين
ويذكر عن ابن عباس حصرت ضاقت
أشار به إلى تفسير حصرت في قوله تعالى حصرت وهم صدورهم ( النساء90 ) وفسره بقوله ضاقت وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم في تفسيره عن حديث علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وحكى الفراء عن الحسن أنه قرأ ( أحصرت صدورهم ) بالرفع وقال بعضهم على هذا خبر بعد خبر قلت ليس كذلك بل هو خبر مبتدأ محذوف تقديره أو جاؤكم حصرت صدورهم أي ضيقة منقبضة وقرىء حصرات صدوهم وحاصرت وقال الزمخشري وجعله المبرد صفة المحذوف أي أو جاؤكم قوما حصرت صدورهم وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد أنها نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وكان بينه وبين المسلمين عهد وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه وفي ( تفسير ابن كثير ) وهؤلاء قوم من المستثنين من الأمر بقتالهم وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرت صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوهم معكم بل هم لا لكم ولا عليكم
تلووا ألسنتكم بالشهادة
أشار به إلى ما في قوله تعالى وأن تلووا أو تعرضوا ونقل هذا التفسير أيضا ابن عباس قال ابن المنذر حدثنا زكريا حدثنا أحمد بن نصر حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ ( وأن تلووا وتعرضوا ) يعني إن تلووا ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها وقرأ حمزة وابن عامر وإن تلوا بواو واحدة ساكنة ويكون على هذا من الولاية وقال أبو عبيدة وليس للولاية هنا معنى وأجاب الفراء بأنها بمعنى اللبي كقراءة الجماعة إلا أن الواو المضمومة قلبت همزة ثم سهلت وقال الفارسي إنها على بابها من الولاية والمراد وإن وليتم إقامة الشهادة
وقال غيره المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي
أي وقال غير ابن عباس لفظ المراغم في قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة وكأنه أراد بالغير أبا عبيدة فإن هذا لفظه حيث قال المراغم والمهاجر واحد تقول هاجرت قومي وراغمت قومي وقال الزمخشري مراغما مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه أي يفارقهم على رغم أنوفهم والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك وفي ( تفسير ابن كثير ) المراغم مصدر تقول العرب راغم فلان قومه مراغما ومرغمة وقال ابن عباس المراغم المتحول من أرض إلى أرض وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس والثوري وقال مجاهد مراغما يعني متزحزحا عما يكره
موقوتا مؤقتا وقته عليهم
هذا لم يقع في رواية أبي ذر وهو تفسير أبي عبيدة أيضا في قوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قوله وقته أي وقته الله عليهم وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله موقوتا قال مفروضا

(18/179)


15 -
( باب فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ( النساء88 )
أي هذا باب في قوله تعالى فما لكم في المنافقين إلى آخره أي مالكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فئتين أي فرقتين وما لكم تبينوا القول بكفرهم وقال الزمخشري فئتين نصب على الحال كقولك مالك قائما قوله والله أركسهم أي ردهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين وعن قريب نذكر من هؤلاء المنافقون
قال ابن عباس بددهم
أراد إن ابن عباس فسر قوله تعالى أركسهم بقوله بددهم وهذا التعليق وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله والله أركسهم بما كسبوا قال بددهم انتهى يقال بددهم تبديدا أي فرقهم ومزق شملهم وكذا بددت بدا وعن ابن عباس أوقعهم وعن قتادة أهلكهم
فئة جماعة
أشار بهذا إلى أن فئتين في الآية المذكورة تثنية فئة قوله جماعة أي معناها جماعة وكذا كل ما ذكر في القرآن نحو قوله تعالى كم من فئة قليلة غلبت على فئة كثيرة ( البقرة249 ) وقوله فئة تقاتل في سبيل الله ( آل عمران13 )
4589 - ح ( دثني محمد بن بشار ) حدثنا ( غندر وعبد الرحمان ) قالا حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي ) عن ( عبد الله بن يزيد ) عن ( زيد بن ثابت ) رضي الله عنه فما لكم في المنافقين فئتين رجع ناس من أصحاب النبي من أحد وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم وفريق يقول لا فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين وقال إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون لقب محمد بن جعفر وعبد الرحمن هو ابن مهدي وعدي بفتح العين المهملة وكسر الدال ابن ثابت التابعي وعبد الله بن يزيد الخطمي بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة صحابي صغير
والحديث مضى في باب المدينة تنفي الخبث في أواخر الحج عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن أبي الوليد ومضى الكلام فيه هناك
قوله رجع ناس هم عبد الله بن أبي سلول ومن تبعه وكذر ابن إسحاق في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي سلول رجع يومئذ بثلث الجيش ورجع بثلاثمائة وبقي النبي في سبعمائة قوله طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهو اسم من أسماء مدينة رسول الله قوله الخبث بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة وخبث الفضة والحديد ما نقاه الكير وفي رواية الحموي خبث الحديد وقال العوفي عن ابن عباس نزلت هذه الآية في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله أو كما قالوا أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم أتستحل دماؤهم وأموالهم فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين ( النساء88 ) رواه ابن أبي حاتم وقال زيد بن أسلم عن ابن سعد ابن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله على المنبر في قضية الإفك وهذا غريب وقيل غير ذلك

(18/180)


( باب وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ( النساء83 ) أي أفشوه )
أي هذا باب في قوله تعالى وإذا جاءهم إلى آخره قال الزمخشري وإذا جاءهم قوم من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرة الأحوال ولا استنباط الأمور كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله من أمن وسلامة أو خوف وخلل إذا عوابه وكانت إذاعتهم مفسدة ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله وإلى أولي الأمر وهم كبراء الصحابة البصراء بالأمور والذين كانوا يوقرون منهم لعلمه الذين يستنبطونه أي لعلم تدبير ما أخبروا به الذين يستنبطونه أي يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكائدها ثم إن تفسير البخاري قوله أذاعوا به بقوله أي أفشوه نقله ابن المنذر عن ابن عباس قال حدثنا زكريا حدثنا إسحاق قرأت على أبي قرة في تفسير عن ابن جريج أذاعوا به أي أفشوه أي أعلنوه عن ابن عباس وقال ابن أبي حاتم روي عن عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة والضحاك نحوه
يستنبطونه يستخرجونه
أشار به إلى أن معنى قوله تعالى في الآية المترجم بها يستنبطونه يستخرجونه من الاستنباط يقال استنبط الماء من البئر إذا استخرجه
حسيبا كافيا
أشار به إلى أن لفظ حسيبا في قوله تعالى إن الله كان على كل شيء حسيبا ( النساء86 ) كافيا
إلا إناثا يعني الموات حجرا أو مدرا وما أشبهه
أشار به إلى قوله تعالى أن يدعون من دون إلا إناثا ( النساء117 ) وفسره بقوله يعني الموات والمراد بالموات ضد الحيوان ولهذا قال حجرا أو مدرا وما أشبه ذلك على طريق عطف البيان أو البدل ويقال المراد منه اللات والعزى ومناة وهي أصنامهم وكانوا يقولون هي بنات الله تعالى عن ذلك وقال الحسن لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمى أنثى بني فلان وهذا التفسير الذي ذكره منقول عن أبي عبيدة نحوه
مريدا متمردا
أشار به إلى قوله تعالى وأن يدعون إلا شيطانا مريدا وفسر قوله مريدا بقوله متمردا وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال متمردا على معصية الله تعالى وهذا لم يقع إلا للمستملي وحده
فليبتكن بتكه قطعه
أشار به إلى قوله تعالى فليبتكن آذان الأنعام ( النساء119 ) وقال إنه من بتكه بفتح الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق وفسره بقطعه بالتشديد وهو تفسير أبي عبيدة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانوا يبتكون آذان الأنعام لطواغيتهم
قيلا وقولا واحد
أشار به إلى قوله تعالى ومن أصدق من الله قيلا ( النساء122 ) قوله قيلا وقولا واحد يعني كلاهما مصدران بمعنى واحد وأصل قيلا قولا قلبت الواو ياء لوقوعها بعد الكسرة
طبع ختم أشار به إلى قوله تعالى طبع الله على قلوبهم ( النساء155 ) فسر طبع بقوله ختم وهكذا فسره أبو عبيدة
16 -
( باب ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ( النساء93 )

(18/181)


أي هذا باب في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا ( النساء93 ) الآية قال الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن مقيس بن صبابة الليثي وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النجار وكان مسلما فأتى مقيس رسول الله فأخبره فأرسل معه رسولا من بني فهر إلى بني النجار يأمرهم إن علموا قاتله يدفعوه إلى أخيه فيقتص منه وإن لم يعلموا له قاتلا أن يدفعوا إليه الدية فقالوا سمعا وطاعة والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي إليه ديته فأعطوه مائة من الإبل فوسوس إليه الشيطان فقتل الفهري ورجع إلى مكة كافرا فنزلت فيه هذه الآية ثم أهدر النبي دمه يوم الفتح فقتل بأسياف المسلمين بالسوق وذكر مقاتل أن الفهري اسمه عمرو قلت قيس بفتح الميم وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وصبابة بضم الصاد المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى وقال أبو عمر وهشام بن صبابة أخو مقيس بن صبابة قتل في غزوة ذي قرد مسلما وذلك في سنة ست من الهجرة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدو فقالته خطأ وقال الذهبي هشام بن صبابة الكناني الليثي أخو مقيس أسلم ووجد قتيلا في بني النجار وقال ابن إسحاق وغيره قتل في غزوة المريسيع قتله أنصاري فظنه من العدو
4590 - حدثنا ( آدم بن إياس ) حدثنا ( شعبة ) حدثنا ( المغيرة بن النعمان ) قال سمعت سعيد بن جبير قال آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هاذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم هي آخر ما نزل وما نسخها شيء
مطابقته للترجمة ظاهرة والمغيرة بضم الميم وكسرها ابن النعمان بضم النون النخعي الكوفي
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو داود في الفتن عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي في القصاص وفي المحاربة وفي التفسير عن أزهر بن جميل
قوله آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها وفي تفسير سورة الفرقان عن غندر عن شعبة بلفظ اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن فدخلت فيه إلى ابن عباس وفي رواية الكشميهني فرحلت بالراء والحاء المهملة وهذه أصوب والوجه في رواية فدخلت بالدال والخاء المعجمة أن يقدر شيء تقديره فدخلت بعد رحلتي إلى ابن عباس وكلمة إلى يجوز أن تكون بمعنى عند وعلى أصل بابها والمعنى انتهى دخولي إليه قوله فيها أي في حكمها وقال الكرماني رحمه الله في قوله اختلف فيها أهل الكوفة ويروى اختلف فيها فقهاء أهل الكوفة جمع فقيه قال ولفظ فيها حينئذ مقدر قوله متعمدا أي قاصدا قتله بعمد وصورة العمد أن يقتله بالسيف أو بغيره مما يفرق الأجزاء من الآلات التي يقصد بها القتل وانتصابه على الحال قوله فجزاؤه خبر قوله ومن يقتل ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط قوله هي آخر ما نزل أي الآية المذكورة آخر ما نزل في هذا الباب وما نسخها شيء أي من آخر ما نزل وذكر أبو جعفر النحاس أن للعلماء في هذه الآية الكريمة المذكورة أقوالا الأول لا توبة له روي ذلك عن ابن عباس وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري الضحاك فقالوا الآية محكمة
الثاني أنه له توبة قاله جماعة من العلماء وروي أيضا عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت
الثالث أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب وعليه الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن إدريس يقوله في كثير من هذا إلا أن يعفو الله تعالى عنه أو معنى هذا الرابع قال أبو مجلز لاحق بن حميد المعنى جزاؤه إن جازاه وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن جبير عن ابن عباس أنه قال هو جزاؤه إن جازاه وروى ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي أنه قال في الآية هو جزاؤه إن جازاه
وذكر أبو عبد الله الموصلي الحنبلي في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) ذهب كثير من العلماء إلى أن آية النساء منسوخة ثم اختلفوا في الناسخ فقال بعضهم نسختها آية الفرقان لأنه قال إلا من تاب بعد ذكر الشرك والزنى والقتل وقال أكثرهم نسخت بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد اختلف عن ابن عباس أيضا فروي عنه أن هذه الآية نزلت في أهل الشرك وعنه نسختها التي في النساء وقال أبو الحسن بن الحصار في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) الآيتان لم يتواردا على حكم

(18/182)


واحد لأن التي في الفرقان نزلت في الكفار والتي في النساء نزلت فيمن عقل الإيمان ودخل فيه فلا تعارض بينهما أو إنما نزلت آية النساء فيمن قتل مؤمنا مستحلا لقتله متعمدا للتكذيب من غير جهالة فتكذيبه كتكذيب إبليس ولذلك قال ابن عباس لا توبة له كما لا توبة لإبليس وكيف يشكل حكم هذه الآية على عالم قد بينه الله عز و جل غاية البيان وأخبر بأنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك انتهى
وأما الذين قالوا إن هذه الآية محكمة فاختلفوا في وجه أحكامها فذهب عكرمة إلى أن المعنى مستحلا لقتله فيستحق التخليد لاستحلاله وذهب بعضهم إلى أنها لم يلحقها ناسخ وهي باقية على أحكامها وقد روى عبد بن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال كنا عند ابن عباس بعدما كف بصره فأتاه رجل فناداه يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما قال أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى قال ابن عباس ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم يقول ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دما قبل عرش الرحمن يلزمه قاتله بيده الأخرى يقول سل هذا فيم قتلني وأيم الذي نفس عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم وما نزل بعدها من برهان وقال الثعلبي قالت الخوارج والمعتزلة المؤمن إذا قتل مؤمنا إن هذا الوعيد لاحق به وقالت المرجئة نزلت هذه الآية الكريمة في كافر قتل مؤمنا فأما مؤمن قتل مؤمنا فلا يدخل النار وقالت طائفة من أصحاب الحديث نزلت في مؤمن قتل مؤمنا والوعيد عليه ثابت إلا أن يتوب ويستغفر وقالت طائفة كل مؤمن قتل مؤمنا فهو خالد في النار غير مؤبد ويخرج منها بشفاعة الشافعين وعندنا أن المؤمن إذا قتل مؤمنا لا يكفر بفعله ولا يخرج به من الإيمان إلا أن يقتله استحلالا فإن أقيد بمن قتله فذلك كفارة له وإن كان تائبا من ذلك ولم يكن مقادا بمن قتل كانت التوبة أيضا كفارة له فإن خرج من الدنيا بلا توبة ولا قود فأمره إلى الله تعالى والعذاب قد يكون نارا وقد يكون غيرها في الدنيا ألا ترى إلى قوله تعالى يعذبهم الله بأيدكم ( التوبة14 ) يعني بالقتل والأسر
ويجاب عن قول الخوارج ومن معهم بأن المراد من التخليد المكث بطول المدة ألا ترى إلى قوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ( الأنبياء34 ) ومن المعلوم أن الدنيا تفنى وعن قول المرجئة بأن كلمة من في الآية عامة فإن قالوا إن الله لا يغضب إلا على كافر أو خارج من الإيمان فالجواب أن الآية لا توجب غضبا عليه لأن معناه فجزاؤه جهنم وجزاؤه أن يغضب عليه ويلعنه ما ذكر الله تعالى من شيء وجعله جزاء لشيء فليس ذلك واجبا كقوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( المائدة33 ) ورب محارب لله ورسوله لم يحل عليه شيء من هذه المعاني حتى فارق الدنيا وإن قالوا قوله تعالى وغضب الله عليه ولعنه ( النساء93 ) من الأفعال الماضية فالجواب أنه قد يرد الخطاب بلفظ الماضي والمراد به المستقبل كقوله تعالى ونفخ في الصور ( الكهف99 ) وحشرناهم ( الكهف47 ) وقد يرد المستقبل بمعنى الماضي كقوله وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله ( البروج8 ) أي إلا أن آمنوا فإن قلت رويت أخبار بأن القاتل لا توبة له قلت إن صحت فتأويلها إذا لم ير القتل ذنبا ولم يستغفر الله تعالى منه قال صاحب ( التلويح ) ما رواه أبو الدرداء سمعت النبي يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا ولم يتب وقال ابن كثير في تفسيره وأما قوله معاوية كل ذنب عسى الله أن يغفره الا الرجل يموت كافر أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا فعسى للترجي وانتفاء الترجي في هاتين الصورتين لا ينفي وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل انتهى فهذا كما رأيت ذكره عن معاوية ولم يذكر لفظ لم يتب وأوله بهذا المعنى والله أعلم وأجمع المسلمون على صحة توبة القاتل عمدا وكيف لا تصح توبته وتصح توبة الكافر وتوبة من ارتد عن الإسلام ثم قتل المؤمن عمدا ثم رجع إلى الإسلام وقال عبد الله بن عمر كنا معشر أصحاب رسول الله لا نشك في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم يعني لا نشك في الشهادة لهم بالنار حتى نزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ( النساء48 116 ) فأمسكنا عن الشهادة لهم فإن قلت ما تقول في الرجل الذي سأل أبا هريرة وابن عمر وابن عباس عن قتل العمد فكلهم قال هل يستطيع أن يجيبه قلت هذا على وجه تعظيم القتل والزجر وما أما مطالبة المقتول

(18/183)


القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهو لا يسقط بالتوبة فلا بد من أدائه وإلا فلا بد من المطالبة يوم القيامة ولكن لا يلزم من وقوع المطالبة المجازاة وقد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعوض الله المقتول من فضله بما يشاء من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته ونحو ذلك والله أعلم
17 -
( باب ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ( النساء94 )
أي هذا باب في قوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام وأوله يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا الآية قوله إذا ضربتم أي سرتم قوله فتبينوا أي الأمر قبل الإقدام عليه وقرىء فتثبتوا من الثبات وترك الاستعجال أي قفوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر ويجيء الآن تفسير السلم قوله مؤمنا قرأ الجمهور بضم الميم الأولى وكسر الثانية وقرأ علي وابن عباس وعكرمة وأبو العالية ويحيى بن معمر وأبو جعفر بفتح الميم الثانية وتشديدها اسم مفعول من أمته
السلم والسلم والسلام واحد
السلم بكسر السين وسكون اللام والسلم بفتح السين قوله واحد يعني في المعنى وقراءة نافع وحمزة السلم بغير ألف وقراءة الباقين بثبوتها
4591 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله عنهما ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قال قال ابن عباس كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذالك إلى قوله عرض الحياة الدنيا تلك الغنيمة قال قرأ ابن عباس السلام
مطابقته للترجمة ظاهرة وعلي بن عبد الله هو الذي يقال له ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رباح
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه أبو داود في الحروف عن محمد بن عيسى وأخرجه النسائي في السير وفي التفسير عن محمد بن عبد الله بن يزيد
قوله في غنيمة بضم الغين المعجمة وفتح النون تصغير غنم لأن الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث فإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت غنيمة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم وفي رواية أحمد ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله وهو يسوق غنماله فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا ليعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي فنزلت الآية يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبد العزيز بن أبي رزمة عن إسرائيل به
وفي سبب نزول هذه الآية اختلاف فذكر الواحدي عن سعيد بن جبير أن المقداد بن الأسود خرج في سرية فمروا برجل في غنيمة له فأردوا قتله فقال لا إلاه إلا الله فقتله المقداد وعن ابن أبي حدرد قال بعثنا رسول الله في سرية إلى أضم قبل مخرجه إلى مكة فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فحيانا بتحية الإسلام فرعبنا منه فحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية فقتله واستلبه وانتهينا إلى رسول الله فأخبرناه بخبره فنزلت وقال الواحدي وذكر السدي أن رسول الله بعث أسامة بن زيد على سرية فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقلته وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره فقال له رسول الله هلا شققت عن قلبه فنزلت وقال ابن جرير حدثنا وكيع حدثنا جرير عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر

(18/184)


قال بعث رسول الله محلم بن جثامة معنا فلقيهم عامر بن الأضبط الحديث إلى أن قال فرماه بسهم فقتله فجاء الخبر إلى رسول الله الحديث إلى أن قال فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله ليستغفر له فقال رسول الله لأستغفر الله لك فقام وهو يتلقى دموع ببرديه فما مضت له ساعة حتى مات ودفنوه ولفظته الأرض فجاؤوا النبي فذكروا له ذلك فقال إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم من جريمتكم ثم طرحوه في جبل وألقوا عليه من الحجارة ونزلت يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ( النساء94 ) الآية وقال السهيلي ثم مات محلم بإثر ذلك فلم تقبله الأرض مرارا فألقي بين جبلين قال وكان أمير السرية أبا الدرداء وقيل رجل اسمه فديك وقال أبو عمر مرداس بن نهيك الفزاري فيه نزلت ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا كان يرعى غنما له فهجمت عليه سرية رسول الله وفيها أسامة بن زيد وأميرها سلمة بن الأكوع فلقيه أسامة فألقى إليه السلام وقال السلام عليك يا مؤمن فحسب أسامة أنه ألقى إليه السلام متعوذا فقتله فأنزل الله تعالى فيه يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية وقال أبو عمر الاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا قيل نزلت في المقداد وقيل نزلت في أسامة بن زيد وقيل في محلم بن جثامة وقال ابن عباس نزلت في سرية ولم يسم أحدا وقيل نزلت في غالب الليثي وقيل نزلت في رجل من بني الليث يقال له فليت كان على السرية وقيل نزلت في أبي الدرداء وهذا اضطراب شديد جدا ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله أنا مؤمن وقال أبو بكر الرازي الحنفي رحمه الله في هذه الآية حكم الله تعالى بصحة إسلام من أظهر الإسلام وأمرنا بإجرائه على أحكام المسلمين وإن كان في الغيب بخلافه وهذا مما يحتج به على توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام فهو مسلم قال واقتضى ذلك أيضا أن من قال لا إلاه إلا الله محمد رسول الله أو قال أنا مسلم يحكم له بالإسلام
قال قرأ ابن عباس السلام
أي قال عطاء المذكور في الحديث قرأ ابن عباس قوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام وهو موصول بالإسناد المذكور وروى عبد بن حميد في ( تفسيره ) عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يحيى بن عبيد عن محمد عن ابن عباس أنه كان يقرأ السلام بالألف
18 -
( باب قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ( النساء95 )
أي هذا باب في قوله تعالى لا يستوي إلى آخره وهذا المقدار المذكور من الآية الأكثرين وفي رواية أبي ذر باب ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) الآية
4592 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح بن كيسان ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( سهل بن سعد الساعدي ) أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله أملى عليه لا يستوي

(18/185)


القاعدون من المؤمنين و المجاهدون في سبيل الله فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله غير أولي الضرر
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث قد مر في الجهاد في باب قول الله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين فإنه أخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد الزهري عن صالح بن كيسان إلى آخره
وفيه رواية التابعي عن الصحابي وهو صالح بن كيسان فإنه تابعي رأى عبد الله بن عمرو أنه يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهو يروي عن سهل بن سعد وهو صحابي قال الكرماني وفيه رواية الصحابي عن التابعي لأن سهلا صحابي ومروان تابعي وقال الترمذي في هذا الحديث رواية رجل من الصحابة وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم ولم يسمع من النبي وقال بعضهم لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة انتهى قلت ولو ذكره في كتاب ( الاستيعاب ) في باب مروان ولكنه قال لم ير النبي لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل وقد ثبت عنه أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر فقال ليس ابن عمر بأفقه مني ولكنه أسن مني وكانت له صحبة فهذا اعتراف منه بعدم الصحبة
قوله ابن أم مكتوم واسمه عبد الله وقيل عمرو وجاء في رواية قبيصة عن زيد بن ثابت فجاء عبد الله بن أم مكتوم وفي رواية الترمذي من حديث البراء جاء عمرو بن أم مكتوم واسم أبيه زائدة وأم مكتوم أمه واسمها عاتكة قوله وهو يملها بضم الياء وكسر الميم وتشديد اللام وأصلها يمللها كما في قوله وليملل الذي عليه الحق ( البقرة382 ) فنقلت كسرة اللام إلى الميم وأدغمت في اللام الثانية وقال ابن الأثير وفي حديث زيد أنه أملى عليه ولا يستوي القاعدون من المؤمنين يقال أمللت الكتاب وأمليته إذا ألقيته على الكاتب ليكتبه قوله أن ترض بتشديد الضاد المعجمة وهو الدق قوله ثم سري بضم السين المهملة وكسر الراء المشددة أي انكشف عنه قوله غير أولي الضرر وهو العمى واختلف القراء في إعراب غير فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من القاعدون وقرأ الأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء
4593 - حدثنا ( حفص بن عمر ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله عنه قال لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين دعا رسول الله زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله غير أولي الضرر
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في الجهاد في باب قول الله لا يستوي القاعدون من المؤمنين فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن البراء إلى آخره نحو قوله عن أبي اسحاق عن البراء وفي رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن ابي اسحاق انه سمع البراء أخرجه احمد عنه ووقع في رواية الطبراني من طريق أبي سنان الشيباني عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم والمحفوظ عن أبي إسحاق عن البراء في رواية الشيخين وأبو سنان اسمه ضرار بن مرة وهو أيضا ثقة
4594 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) قال لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر قال النبي ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف فقال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين و المجاهدون في سبيل الله وخلف النبي ابن أم مكتوم فقال يا رسول اللهأنا ضرير فنزلت مكانها لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله
هذا طريق آخر في حديث البراء أخرجه عن محمد بن يوسف الفريابي عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق المذكور فيما قبله
قوله فلانا هو زيد بن ثابت وقد صرح به في الرواية الماضية قوله أو الكتف شك من الراوي وكانوا يكتبون على الألواح والأكتاف قوله وخلف النبي ابن أم مكتوم معناه جلس خلف

(18/186)


النبي أو بالعكس وقال الكرماني الحديث الأول مشعر بأن ابن أم مكتوم جاء حالة الإملال والثاني بأنه جاء بعد الكتابة والثالث بأنه كان جالسا خلف النبي ثم أجاب بقوله لا منافاة إذ معنى كتبها كتب بعض الآية وهو نحو لا يستوي القاعدون من المؤمنين مثلا وأما جاء يعني قوله وأما حقيقة والمراد جاء وجلس خلف النبي أو بالعكس وإما مجاز عن تكلم ودخل في البحث قوله فنزلت مكانها أي في مكان الكتابة والمقصود نزلت في تلك الحالة لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر وقال ابن التين يقال إن جبريل عليه السلام هبط ورجع قبل أن يجف القلم
4595 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) أخبرنا ( هشام ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) ح وحدثني ( إسحاق ) أخبرنا ( عبد الرزاق ) أخبرنا ( ابن جريج ) أخبرني ( عبد الكريم ) أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر
مطابقته للترجمة ظاهرة غير أن سبب النزول هنا خلاف سبب النزول في الأحاديث المذكورة فإن قلت ما وجه التوفيق بين السببين قلت القرآن إذا نزل في الشيء يستعمل في معنى ذلك الشيء وأخرجه من طريقين الأول عن إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء عن هشام بن يوسف عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثاني عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك الجزري بالجيم والزاي والراء عن مقسم بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب لأبيه ولجده صحبة وله رؤية وكان يلقب بببه بياءين موحدتين مفتوحتين الثانية مشددة
والحديث مضى في الجهاد وأخرجه الترمذي حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الكريم سمع مقسما مولى عبد الله بن الحارث يحدث عن ابن عباس أنه قال لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر عن بدر والخارجون إلى بدر وقال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجه فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولى الضرر وقال هذا حديث حسن غريب من هذا من الوجه حديث ابن عباس قوله عبد الله بن جحش قيل أبو أحمد بن جحش كما ذكره الطبري في روايته من طريق الحجاج نحو ما أخرجه الترمذي وذلك لأن عبد الله بن جحش هو أخو أبي أحمد بن جحش واسم أبي أحمد عبد بدون إضافة وهو مشهور بكنيته وأيضا إن عبد الله بن جحش لم ينقل أن له عذرا إنما المعذور أخوه أبو أحمد بن جحش وذكره الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه ابن جحش وليس بالأسدي وكان أعمى وأنه جاء هو وابن أم مكتوم فذكرا رغبتهما في الجهاد مع ضررهما فنزلت غير أولي الضرر فجعل لهما من الأجر ما للمجاهدين
19 -
( باب إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( النساء97 ) الآية )
أي هذا باب في قوله تعالى إن الذين توفيهم الملائكة الآية وليس عند جميع الرواة لفظ باب إلا أنه وقع في بعض النسخ وعند الأكثرين وأن الذين توفيهم الملائكة إلى قوله فتهاجروا فيها كما هو هنا كذلك وعند أبي ذر إلى فيم كنتم الآية وقال الواحدي نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا وأظهروا الإيمان وأسروا النفاق فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وقال مقاتل كانوا نفرا

(18/187)


أسلموا بمكة منهم الوليد بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية بن عبد شمس والعلاء بن أمية بن خلف ثم إنهم أقاموا عن الهجرة وخرجوا مع المشركين إلى بدر قلما رأوا قلة المؤمنين شكوا إلى سيدنا رسول الله فقالوا غر هؤلاء دينهم وكان بعضهم نافق بمكة فلما قتلوا ببدر قالت لهم الملائكة وهو ملك الموت وحده فيم كنتم يقول في أي شيء كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض يعني كنا مقهورين بأرض مكة لا نطيق أن نظهر الإيمان فقال ملك الموت ألم تكون أرض واسعة يعني المدينة فتهاجروا فيها يعني إليها قوله إن الذين توفيهم الملائكة ذكر في ( تفسير ابن النقيب ) التوفي هنا بمعنى قبض الروح وقال الحسن هو الحشر إلى النار والملائكة هنا ملك الموت وأعوانه وهم ستة ثلاثة لأرواح المؤمنين وثلاثة لأرواح الكافرين وظلم النفس هنا ترك الهجرة وخروجهم مع قومهم إلى بدر وقيل ظلموا أنفسهم برجوعهم إلى الكفر وقيل ظلموا أنفسهم بالشك الذي حصل في قلوبهم حين رأوا قلة المسلمين وقال الثعلبي الملائكة هنا ملك الموت وحده لأنه مجمل يحتمل أن يراد هو ويحتمل غيره في قلوبهم حين رأوا قلة المسلمين وقال الثعلبي الملائكة هنا ملك الموت وحده لأنه مجمل يحتمل أن يراد هو ويحتمل غيره فحمل المجمل على المفسر وهو قول تعالى قل يتوفاكم ملك الموت ( النساء97 ) وجمع كقوله تعالى إنا نحن نحيي ونميت ( ق43 ) والله تعالى واحد قوله ظالمي أنفسهم نصب على الحال قوله قالوا فيم كنتم سؤال توبيخ وتفريع أي أكنتم في أصحاب محمد أم كنتم مشركين قوله كنا مستضعفين أي كنا لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض قوله في الأرض أرادوا بها مكة والأرض اسم لبلد الرجل وموضعه قوله قالوا أي الملائكة ألم تكن أرض الله واسعة محاججة الملائكة قوله فتهاجروا فيها أي إليها أي المدينة مع المسلمين
4596 - حدثنا ( عبد الله بن يزيد المقرىء ) حدثنا ( حيوة وغيره ) قالا حدثنا ( محمد بن عبد الرحمان أبو الأسود ) قال قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم
الآية
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقرىء من الإفراء وحيوة بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ابن شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبحاء مهملة يكنى بأبي زرعة التجيبي بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالياء الموحدة
قوله وغيره أي حدثني غير حيوة وهو عبد الله بن لهيعة المصري وأبو الأسود ضد الأبيض الأسدي المدني
والحديث رواه البخاري أيضا في الفتن عن عبد الله بن يزيد المذكور وأخرجه النسائي في التفسير عن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن المقرىء عن حيوة به ورواية ابن لهيعة أخرجها الطبراني وابن أبي حاتم رواه عن يونس بن عبد الأعلى أن عبد الله بن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود فذكره
قوله قطع على صيغة المجهول قوله بعث بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وبالتاء المثلثة وهو الجيش والمعنى أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة قوله فاكتتبت على صيغة المجهول من الاكتتاب وهو من باب الافتعال قوله أن ناسا من المسلمين وهم الذين ذكرناهم عن مقاتل عن قريب قوله يكثرون من التكثير قوله فيصيب عطف على قوله يأتي السهم وكان غرض عكرمة من نهيه أبا الأسود أن الله تعالى ذمهم بتكثير سوادهم مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم فكذلك أنت لأنك تكثر سواد هذا الجيش المأمور بذهابهم لقتال أهل الشام ولا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله قوله فأنزل الله تعالى هكذا جاء هنا في سبب نزول هذه الآية وقد ذكرنا عن قريب وجوها أخرى في ذلك مع تفسير الآية

(18/188)


رواه الليث عن أبي الأسود
أي روى الحديث المذكور الليث بن سعد عن أبي الأسود المذكور ورواه الإسماعيلي عن أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث عن أبي الأسود ورواه الطبراني في الأوسط وقال ولم يروه عن أبي الأسود إلا الليث وابن لهيعة انتهى ورواية البخاري من طريق حيوة بن شريح ترد عليه
20 -
( باب إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ( النساء98 )
في بعض النسخ باب إلا المستضعفين الآية فإن صح هذا عن أحد من رواة البخاري فالتقدير هذا باب في قوله تعالى إلا المستضعفين الآية وهذا الاستثناء من أهل الوعيد المذكور قبله وهو قوله تعالى فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ( النساء97 ) وهذا عذر من الله تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة وذلك لأنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق وهو معنى قوله ولا يهتدون سبيلا وقال عكرمة في قوله ولا يهتدون سبيلا يعني نهوضا إلى المدينة وقال السدي يعني مالا وقال مجاهد يعني طريقا
21 -
( باب قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ( النساء99 )
أي هذا باب في قوله تعالى فأولئك الآية كذا وقع في كثير من النسخ على لفظ القرآن ووقع بلفظ فعسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفورا رحيما في رواية الأكثرين والصواب ما وقع بلفظ القرآن وكذا وقع في رواية أبي ذر فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم الآية ووقع في جمع بعض من عاصرناه ممن تصدى لشرح البخاري وكان الله غفورا رحيما وهو أيضا غير صواب على ما لا يخفى قوله فأولئك إشارة إلى قوم أسلموا ولكن تباطؤا في الهجرة وهذا بخلاف قوله فأولئك مأواهم جهنم قوله عسى الله أن يعفو عنهم يعني لا يستقصي عليهم في المحاسبة وفي ( تفسير ابن كثير ) أي يتجاوز عنهم ترك الهجرة وعسى من الله موجبة وفي ( تفسير ابن الجوزي ) قال مجاهد هم قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم يكن لهم عجلة في الهجرة فعذرهم الله تعالى بقوله عسى الله أن يعفو عنهم
4598 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه قال بينا النبي يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف
مطابقته للترجمة من حيث إن الذين عذرهم الله في الآية المترجم بها هم المستضعفون وقد دعا لهم النبي في هذا الحديث ودعا على من عوقهم عن الهجرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي ويحيى بن أبي كثير وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
وقد مر الحديث في كتاب الاستسقاء في با دعاء النبي ولكن أخرجه من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقد مر الكلام فيه هناك
قوله وطأتك الوطأة الدوسة والضغطة يعني الأخذة

(18/189)


الشديدة قوله اجعلها سنين أي اجعل وطأتك أعواما مجدبة كسني يوسف وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ( يوسف48 ) أي سبع سنين فيها قحط وجدب وقوله سنين جمع سنة وهي الجدب يقال أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس والمال في الإبل وأصل السنة سنهة بوزن جبهة فحذفت لامها ونقلت حركتها إلى النون وقيل أصلها سنوة بالواو فحذفت وتجمع على سنهات فإذا جمعتها جمع الصحة كسرت السين فقلت سنون وسنين وبعضهم يضمها ومنهم من يقول سنون على كل حال في الرفع والنصب والجر وتجعل الإعراب على النون الأخيرة فإذا أضفتها على الأول حذفت نون الجمع للإضافة وعلى الثاني لا تحذفها فتقول سني زيد وسنين زيد
22 -
( باب قوله ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ( النساء102 )
أي هذا باب في قوله تعالى ولا جناح عليكم وليس في رواية المستملي لفظ باب وفي رواية أبي ذر ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر الآية وقبل قوله ولا جناح عليكم أول الآية قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إلى قوله ولا جناح وتمام الآية بعد قوله أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا وهذه الآية الطويلة نزلت في صلاة الخوف وأنواعها كثيرة ومحل ذكرها في الفروع وسبب نزولها ما ذكره ابن جرير بإسناده عن علي رضي الله تعالى عنه قال سأل قوم من بني النجار رسول الله فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله عز و جل أولا وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ( النساء101 ) الحديث ثم بين صفتها بقوله وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إلى قوله عذابا مهينا قوله ولا جناح عليكم أي لا إثم عليكم ( إن كان بكم أذى من مطر ) أي بسبب ما يبلكم من مطر أو يضعفكم من جهة مرض قوله أن تضعوا أي تضعوا أي بوضع الأسلحة لثقلها وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو
4599 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) أخبرنا ( حجاج ) عن ( ابن جريج ) قال أخبرني ( يعلى ) عن ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى قال عبد الرحمان بن عوف كان جريحا
مطابقته للترجمة ظاهرة وحجاج هو ابن محمد الأعور أصله مدني سكن المصيصة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام مقصورا ابن مسلم بن هرمز
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن أحمد بن الخليل العباسي ابن محمد ولم يقل كان جريحا
قوله عن ابن عباس إن كان بكم يعني ذكر ابن عباس قوله تعالى إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى قال عبد الرحمن بن عوف كان جريحا فنزلت الآية فيه وفاعل قال هو ابن عباس وقوله عبد الرحمن مبتدأ وخبره هو قوله كان جريحا والجملة مقول ابن عباس ولا قول فيه لعبد الرحمن وقد غمض أكثر الشراح أعينهم في هذا الموضع وفيما ذكرنا كفاية ولله الحمد
23 -
( باب ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء ( النساء127 )
أي هذا باب في قوله تعالى ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم الذي ذكر هنا إلى قوله في يتامى النساء كذا هو في رواية أبي ذر وفي روايته عن غير المستملي ذكر لفظ باب وليس لغيره لفظ باب
قوله ويستفتونك أي يطلبون منك الفتوى في النساء أي في أمر النساء والفتيا والفتوى بمعنى واحد وهو جواب الحادثة وقيل تبيين المشكل من الكلام وأصله من فتي

(18/190)


وهو الشاب القوي فالمفتي يقوي كلامه فيما أشكل فيه فيصير فتيا قويا قوله قل الله يفتيكم فيهن ( النساء127 ) أي في توريثهن وكانت العرب لا تورث النساء والصبيان قوله وما يتلى عليكم في الكتاب أريد به ما ذكر قبل هذه الآية وهو قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء3 ) الآية والذي كتب في النساء هو قوله تعالى في يتامى النساء الرتي لا تؤتونهن ما كتب لهن الآية
24 -
( باب وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( النساء128 )
كذا وقع عند جميع الرواة بغير ذكر لفظ باب ووقع في بعض النسخ فالظاهر أنه من بعض النسخ قوله وإن امرأة خافت أي إن خافت امرأة من بعلها أي من زوجها قوله نشوزا وهو الترفع عنها ومنع النفقة وترك المودة التي بين الرجل والمرأة وإيذاؤها بسب أو ضرب أو نحو ذلك قوله وإعراضا أي وخافت إعراضا وهو أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو سيء في خلق أو خلق أو دمامة أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو غير ذلك وجوابه قوله فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح بينهما أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت أن يفارقها رسول الله وعرفت مكان عائشة رضي الله تعالى عنها عنده فوهبت لها يومها وقال الزمخشري وقرىء تصالحا وتصالحا بمعنى يتصالحا ويصطلحا ثم قال الله تعالى والصلح خير أي من الفراق
وقال ابن عباس شقاق تفاسد
أشار به إلى قوله تعالى إن خفتم شقاق بينهما ( النساء35 ) أي بين الزوجين وذكر عن ابن عباس بالتعليق أنه فسر الشقاق المذكور في الآية بالمفاسد ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الشقاق العداوة لأن كلا من المتعاديين في شق خلاف صاحبه وكان موضع ذكر هذا فيما قبل على ما لا يخفى
وأحضرت الأنفس الشح هواه في الشيء يحرص عليه كالمعلقة لا هي أيم ولا ذات زوج
أشار بقوله وأحضرت الأنفس الشح إلى أنه هو المذكور بعد قوله تعالى الصلح خبر ثم فسره بقوله هواه في الشيء يحرص عليه وهو المروي أيضا عن ابن عباس رواه عنه ابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ويقال الشح البخل مع الحرص وقيل الإفراط في الحرص قوله كالمعلقة أشار به إلى قوله تعالى فنذروها كالمعلقة ( النساء29 ) أي كالمرأة المعلقة

(18/191)


ثم فسره بقوله لا هي أيم الأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وهي امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ويقال أيضا رجل أيم ووصل هذا ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى فتذروها كالمعلقة ( النساء129 ) قال لا هي أيم ولا ذات زوج
نشوزا بغضا
أشار به إلى ما في قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا وفسره بقوله بغضا وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال فيه يعني بغضا وقال الفراء النشوز يكون من قبل المرأة والرجل وهو هنا من قبل الرجل
4601 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول أجعلك من شأني في حلت فنزلت هاذه الآية في ذلك
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله هو ابن المبارك وعروة وابن الزبير بن العوام
والحديث مضى في الصلح عن محمد ولم ينسبه عن ابن المبارك به وفيه أيضا عن قتيبة عن سفيان به
قوله ليس بمستكثر منها أي من المرأة في المحبة والمعاشرة والملازمة قوله يريد أي الرجل قوله فتقول أي المرأة قوله من شأني أي مما يتعلق بأمري من النفقة والكسوة والصداق تجعله في حل ليفارقها قوله فنزلت الآية أي المذكورة وزاد أبو ذر عن غير المستملي ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) الآية وعن علي رضي الله تعالى عنه نزلت في المرأة تكون عند الرجل تكره مفارقته فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة ورواه ابن أبي حاتم بإسناده إلى علي رضي الله تعالى عنه بأطول منه وروى الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج أنه كانت تحته امرأة فتزوج عليها شابة فآثر البكر عليها فنازعته وطلقها ثم قال لها إن شئت راجعتك وصبرت فقالت راجعني فراجعها ثم لم تصبر فطلقها قال فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله تعالى أنزل فيه هذه الآية وروى الترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله فقالت يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية وقال حسن غريب وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول معجمه حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي بردة قال بعث النبي إلى سودة بنت زمعة بطلاقها فلما أتاها جلست له على طريق عائشة فلما رأته قالت له أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه لما راجعتني فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال ابعث مع نسائك يوم القيامة فراجعها فقالت إني قد جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله قلت هذا غريب ومرسل
25 -
( باب إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( النساء145 )
أي هذا باب في قوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وليس لغير أبي ذر لفظة باب قوله إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار يعني يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ وقال سفيان الثوري عن عاصم عن ذكوات أبي صالح عن أبي هريرة إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار قال في توابيت ترتج عليهم كذا رواه ابن جرير عن وكيع عن يحيى ابن يمان عن سفيان به ويقال النار دركات كما أن الجنة درجات والدرك بفتح الراء وإسكانها لغتان وقرأ حمزة بالسكون واختار الزجاج الفتح قال وعليه المحدثون والدركات للنار والدرجات للجنة والنار سبعة أطباق فوق طبق ويقال معنى في الدرك الأسفل أسفل درج جهنم وعبارة مقاتل يعني الهاوية
وقال ابن عباس أسفل النار

(18/192)


هذا تعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الدرك الأسفل النار وقال ابن عباس يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وروي من نار تطبق عليهم وعن إسرائيل الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فتوقد من تحتهم ومن فوقهم
نفقا سربا
أشار به إلى ما في قوله عز و جل إن استطعت أن تبتغي نفقا ( الأنعام35 ) وهذا في سورة الأنعام ولا مناسبة لذكره هنا وقال الكرماني غرضه بيان اشتقاق المنافقين وفيه نظر لا يخفى قوله سربا أي في الأرض وهو صفة نفقا ونفقا منصوب بقوله أن تبتغي وفي ( المغرب ) السرب بالفتح الطريق ويقال السرب البيت في الأرض ويقال للماء الذي يسيل من القربة سرب والسرب المسلك ولا يقال نفق إلا إذا كان له منفذ
4602 - حدثنا ( عمر بن حفص ) حدثنا أبي حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) قال كنا في حلقة عبد الله فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم قال الأسود سبحان الله إن الله يقول إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( النساء145 ) فتبسم عبد الله وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق أصحابه فرماني بالحصا فجئته فقال حذيفة عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم
مطابقته للترجمة ظاهرة وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن خاله الأسود بن يزيد النخعي وعبد الله هو ابن مسعود وحذيفة هو ابن اليمان
والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن عمرو بن علي وغيره
قوله لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم أي ابتلوا به وأما الخيرية فلأنهم كانوا طبقة الصحابة فهم خير منطبقة التابعين لكن الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا فذهبت الخيرية عنهم ومنهم من تاب فعادت إليه الخيرية وقال ابن الجوزي مقصود حذيفة أن جماعة من المنافقين صلحوا واستقاموا فكانوا خيرا من أولئك التابعين لمكان الصحبة والصلاح كمجمع ويزيد بن حارثة بن عامر كانا منافقين فصلحت حالهما واستقامت وكأنه أشار بالحديث إلى تقلب القلوب وقال ابن التين كان حذيفة حذرهم أن ينزع منهم الإيمان لأن الأعمال بالخواتيم قوله قال الأسود هو الراوي سبحان الله تعجبا من كلام حذيفة قوله فتبسم عبد الله أي ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إنما كان تبسمه تعجبا بحذيفة وبما قام به من قول الحق وما حذر منه قوله فرماني أي قال الأسود رماني حذيفة بن اليمان يستدعيه إليهقوله قال فجئته أي فجئت إلى حذيفة فقال عجبت من ضحكه أي من ضحك عبد الله بن مسعود يعني من اقتصاره على الضحك والحال أنه قد عرف ما قلته من الحق قوله لقد أنزل النفاق أي لقد أنزل الله النفاق على قوم هذا يدل على أن النفاق والكفر والإيمان والإخلاص بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته ولا يخرج شيء من إرادته والمنافق من أبطن الكفر وأظهر الإسلام ويقال النفاق إظهار خلاف ما بطن مأخوذ من النافقاء وهو الموضع الذي يدخل منه اليربوع فإذا طلبه الصياد منه خرج من القاصعاء فيشبه المنافق به لخروجه من الإيمان وسمي الفاسق منافقا تغليظا كما يسمى كافرا في قوله من ترك الصلاة فقد كفر قوله ثم تابوا فتاب الله عليهم أي ثم رجعوا عن النفاق فتابوا فتاب الله عليهم
ويستفاد منه قبول توبة الزنديق وصحتها على ما عليه الجمهور ومن هذا قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إذا أتيت بزنديق فاستتبه فإن تاب قبلت توبته وكذلك قوله تعالى إلا الذين تابوا أصلحوا واعتصموا بالله وأخلصو دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ( النساء146 ) الآية تدل على صحة توبة الزنديق وقبولها وقال الثعلبي قوله فأولئك مع المؤمنين ولم يقل فأولئك هم المؤمنون حاد عن كلامهم تغليظا عليهم

(18/193)


26 -
( باب قوله إنا أوحينا إليك إلى قول ويونس وهارون وسليمان ( النساء163 )
أي هذا باب في قوله تعالى إلى آخره ولم يذكر لفظ باب إلا في رواية أبي ذر وذكر المذكور إلى وسليمان في رواية أبي ذر وفي رواية أبي الوقت إلى ( نوح والنبيين من بعده ) وتمام الآية ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ) قوله أنا أوحينا إليك أي إنا أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى نوح وقدم نوحا عليه السلام لأنه أول أنبياء الشرائع وأكبرهم سنا ولأنه لم يبالغ أحد من الأنبياء عليهم السلام في الدعوة مثل ما بالغ هو عليه السلام وجعله الله ثاني المصطفى في موضعين من كتابه فقال ومنك ومن نوح ( الأحزاب7 ) وفي هذه الآية وهو أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي ثم ذكر جميع الأنبياء بقوله والنبيين من بعده وخص منهم جماعة بالذكر صريحا تشريفا لهم ثم قال والأسباط وهم أولاد يعقوب و عيسى وأيوب وقدم عيسى على من قبله لأن الواو لا تقتضي الترتيب وفي تخصيصه أيضا رد على اليهود قوله زبورا وهو اسم الكتاب الذي أنزل الله تعالى على داود
4603 - حدثنا ( مسدد ) حدثنا ( يحيى ) عن ( سفيان ) قال حدثني ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) عن النبي قال ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى
مطابقته للترجمة في قوله يونس ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله ابن مسعود
والحديث قد مر في كتاب الأنبياء في باب قول الله تعالى وإن يونس لمن المرسلين ( الصافات139 ) بهذا الإسناد قوله ما ينبغي لأحد وفي رواية الحموي والمستملي ما ينبغي لعبد قوله أنا قال الكرماني أنا أي العبد أو رسول الله قلت إن كان المراد من لفظ أنا هو العبد فمعناه أن العبد القائل به لا ينبغي له أن يقول أنا خير من يونس وإن كان المراد رسول الله فيكون المعنى قال ذلك تواضعا وهضما للنفس قوله متى بفتح الميم وتشديد المثناة من فوق مقصورا والصحيح أنه اسم أبيه
4604 - حدثنا ( محمد بن سنان ) حدثنا ( فليح ) حدثنا ( هلال ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله عنه عن النبي قال من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث الذي مضى قبله ومحمد بن سنان بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى وفليح بضم الفاء ابن سليمان وهلال بن علي وعطاء بن يسار ضد اليمين
قوله من قال إلى آخره قال الداودي يريد لا يقول أحد ذلك ولو أراد النبي نفسه لكان نهيه قبل أن يعلم أنه خير البشر فيقول كذب من قال ما لم يعلم
27 -
( باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ( النساء176 )
أي هذا باب في قوله تعالى يستفتونك إلى آخره ولم يذكر لفظ باب إلا في رواية أبي ذر قوله يستفتونك أي يطلبون منك الفتوى تقديره يستفتونك في الكلالة فحذف لفظ الكلالة لدلالة لفظ الكلالة المذكور عليه قوله إن امرؤ هلك أي أهلك امرؤ فلفظ هلك المذكور دل على المحذوف أي مات قوله ليس له ولد مرفوع محلا لأنه صفة لامرىء وليس هو منصوبا على الحال وهو تفسير الكلالة واختلف في اشتقاقها فقيل اشتقت من الإكليل لأنه محيط بالرأس من جوانبه دون أعلاه وأسفله فلما أحاط به النسب من جوانبه سمى كلالة والوالدان والمولودون محيطون به من أعلاه

(18/194)


وأسفله وقيل مشتق من كل يكل يقال كلت الرحم إذا تباعدت وطال انتسابها ومنه كل في مشيه إذا انقطع لبعد المسافة وقال المنذر واختلف في مسمى الكلالة فقيل إنه اسم للورثة من غير الوالدين والمولودين قال غير واحد وقيل هو اسم للميت قاله السدي وقال الزهري سمي الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثه كلالة وقيل هو المال الموروث قاله عطاء وغيره وقيل الفريضة وقيل المال والورثة وقال ابن دريد هم بنو العم ومن أشبههم وقيل هم العصبات كلهم وإن بعدوا قوله وله أخت أي من أبيه وأمه أو من أبيه لأن ذكر أولاد الأم قد سبق في أول السورة قوله فلها نصف ما ترك هذا بيان فرضها عند الانفراد قوله وهو يرثها يعني أخوها يرثها يعني يستغرق ميراث الأخت إذا لم يكن لها ولد ولا والد وهذا في الأخ من الأبوين أو الأب قوله إن لم يكن لها ولد أي ابن لأن الابن يسقط الأخ دون البنت
وأما سبب نزول الآية المذكورة فما روي عن جابر بن عبد الله قال لرسول الله في طريق مكة عام حجة الوداع إن لي أختا فكم آخذ من ميراثها فنزلت يستفتونك قل الله يفتيكم ( النساء176 ) الآية قاله أبو عبد الله محمد بن عسكر المالقي وقيل أنها آخر ما نزل من القرآن رواه أبو داود في ( سننه )
والكلالة من لم يرثه أب أو ابن وهو مصدر من تكلله النسب
أشار به إلى تفسير الكلالة وهذا قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أخرجه ابن أبي شيبة عنه وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد ذكرنا فيه أقوالا أخر عن قريب قوله وهو أي لفظ الكلالة مصدر من قولهم تكلله النسب قال بعضهم هو قول أبي عبيدة قلت فيه نظر لأن تكلل على وزن تفعل ومصدره تفعل وهو ليس بمصدر بل هو اسم وقد ذكرنا فيه وجوها أخر عن قريب ومعنى تكلله النسب تطرفه كأنه أخذ طرفيه من جهة الوالد والولد وليس له منهما أحد
4605 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) سمعت ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
والحديث أخرجه مسلم في الفرائض عن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو داود فيه عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه النسائي فيهما عن بندار وغيره قيل تقدم في سورة البقرة أن آخر آية نزلت هي آية الربا وأجيب بأن الراوي هنا البراء بن عازب والذي هناك قول ابن عباس قلت هذا ليس بجواب مقنع بلى إن قيل إن هذا آخر آية نزلت في أحكام الربا فله وجه غير بعيد
لم تذكر التسمية في رواية أبي ذر ولقد أحسن من ذكرها
بسم الله الرحمن الرحيم
5 -
( باب تفسير سورة المائدة )
أي هذا بيان تفسير بعض شيء من سورة المائدة وهي على وزن فاعلة بمعنى مفعولة أي ميد بها صاحبها وقال الجوهري ما دهم يميدهم لغة في مارهم من الميرة ومنه المائدة وهي خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان وقال أبو عبيدة مائدة فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية ( الحاقة21 ) بمعنى مرضية وقال مقاتل هي مدنية كلها نزلت بالنهار وقال عطاء بن أبي مسلم نزلت سورة المائدة ثم سورة التوبة وقال أبو العباس في ( مقامات التنزيل ) هي آخر ما نزل وفيها اختلاف في ست آيات آية منها نزلت في عرفات لم أسمع أحدا اختلف فيها وهي اليوم أكلمت لكم دينكم ( المائدة3 ) وآية التيمم نزلت بالأبواء وآية والله يعصمك ( المائدة67 ) نزلت بذات الرقاع وآيتان فيهما دلالة على أقاويل بعضهم أنها نزلت قبل الهجرة وهي ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ( المائدة82 ) إلى قوله مع الشاهدين وآية اختلفوا فيها فقيل إنها نزلت بنخلة في الغزوة السابعة وقيل إنها نزلت بالمدينة في شأن كعب بن

(18/195)


الأشرف وهي اذكروا نعمة الله عليكم ( المائدة7 ) وذكر أبو عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال نزلت سورة المائدة على سيدنا رسول الله في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته فابتدر ركبتها فنزل عنها وقال السخاوي ذهب جماعة إلى أن المائدة ليس فيها منسوخ لأنها متأخرة النزول وقال آخرون فيها من المنسوخ عشرة مواضع وقال النحاس قال بعضهم فيها آية واحدة منسوخة ذكرها الشعبي ثم ذكر ستة أخرى لتكملة سبع آيات وهي أحد عشر ألفا وسبعمائة وثلاثة وثلاثون حرفا وألفان وثمانمائة كلمة وأربع كلمات ومائة وعشرون آية كوفي واثنان وعشرون مدني وشامي ومكي وعشرون وثلاث بصري
1 -
( باب حرم واحدها حرام )
أشار به إلى قوله في أول السورة غير محلى الصيد وأنتم حرم ( المائدة1 ) ثم ذكر أن واحد حرم حرام ومعنى وأنتم حرم وأنتم محرمون وقال أبو عبيدة يعني حرام محرم وقرأ الجمهور بصنم أيضا الراء وقرأ يحيى بن وثاب حرم بإسكان الراء وهي لغة كرسل ورسل
( باب قوله تعالى فبما نقضهم ( المائدة13 )
أي هذا باب في قوله تعالى فبما نقضهم وفي بعض النسخ باب فيما نقضهم وليس لفظ باب في كثير من النسخ وهو الظاهر لأنه لم يرو عن أحد هنا لفظ باب
فبنقضهم
هذا تفسير قوله فبما نقضهم وأشار به إلى أن كلمة ما زائدة روي كذا عن قتادة رواه ابن المنذر عن أحمد حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة وقال الزجاج ما لغووا المعنى فبنقضهم ميثاقهم ومعنى ما الملغاة في العمل توكيد القصة وعن الكسائي ما صلة كقوله عما قليل ( المؤمنون40 ) وكقوله فبما رحمة من الله لنت لهم ( النساء12 ) وقال الثعلبي إنما دخلت فيه ما للمصدر وكذلك كل ماأشبهه قلت أول هذه الكلمة الآية الطويلة التي هي ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل الآية وبعدها فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية إلى قوله إن الله يحب المحسنين ولقد أخبر الله تعالى عما أحل بالذين نقضوا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده من العقوبة بقوله فبما نقضهم أي بسبب نقضهم ميثاقهم لعناهم أي بعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى وجعلنا قلوبهم قاسية أي لا تنتفع بموعظة لغلظها وقساوتها
التي كتب الله جعل الله
أشار به إلى قوله تعالى ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ( المائدة21 ) وفسره بقوله جعل الله وعن ابن إسحاق كتب لكم أي وهب لكم أخرجه الطبري وأخرج غيره من طريق السدي أن معناه أمر وقال الزمخشري معنى كتب الله قسمها وسماها أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم والأرض المقدسة بيت المقدس أو أريحا أو فلسطين أو دمشق أو الشام وكان إبراهيم عليه الصلاة و السلام صعد جبل لبنان فقيل له انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وميراث لذريتك من بعدك
تبوء تحمل
أشار به في قصة قابيل بن آدم إلى قول هابيل يقول لقابيل إني أريد أن تبوء بإثمي وأثمك ( المائدة29 ) تحمل ثم فسر تبوء بقوله تحمل هكذا فسره مجاهد رواه ابن المنذر عن موسى حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد أي قتلى وإثمك الذي عملته قبل ذلك وقال ابن جرير قال آخرون معنى ذلك إني أريد أن تبوء بإثمي أي بخطيئتي فتحمل أوزارها وإثمك في قتلك إياي وقال هذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا لأن الرواية الصحيحة عنه خلاف هذا يعني ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد إني أريد أن تبوء بإثمي قال بقتلك إياي وإثمك قال بما كان قبل ذلك قلت هذا هو الذي ذكرناه عنه مع ابن عباس الذي نص عليها بالصحة فإن قلت قد روى ما ترك القاتل

(18/196)


على المقتول من ذنب قلت هذا الحديث لا أصل له قاله الخطابي من المحدثين فإن قلت روى البزار بإسناده من حديث عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه قلت هذا لا يصح ولئن صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بإثم القتل ذنوبه فإما أنه يحمل على القاتل فلا
دائرة دولة
أشار به إلى قوله تعالى يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ( المائدة 52 ) ثم فسرها بقوله دولة وهكذا فسره السدي رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدي به
وقال غيره الإغراء التسليط
أشار بلفظ الإغراء إلى قوله تعالى فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ( المائدة14 ) وفسر الإغراء بالتسليط وفي التفسير قوله فأغرينا أي القينا وقال الزمخشري فاغرينا الصقنا وألزمنا من غرى بالشيء إذا لزمه فلصق به وأغراه به غيره ومنه الغرى الذي يلصق به فإن قلت ما أراد بقوله وقال غيره ومن هو هذا الغير وإلى أي شيء يرجع الضمير قلت قال صاحب ( التوضيح ) لعله يعني لعل البخاري يعني بالغير من فسر ما قبله وقد نقلناه عن قتادة انتهى قلت قتادة لم يذكر صريحا فيما قبله حتى يرجع الضمير إليه ولا ذكر فيما قبله ما يصلح أن يرجع إليه الضمير والظاهر أن هنا شيئا سقط من النساخ والصواب أن هذا ليس من البخاري ولهذا لم يذكر في رواية النسفي ولا في بعض النسخ ويحتمل أن يكون قوله عقيب هذا وقال ابن عباس مخمصة مجاعة مذكورا قبل قوله وقال غيره أي قال غير ابن عباس الإغراء التسليط ووقع من الناسخ أنه أخر هذا وقدم ذاك ويقوي هذا الاحتمال ما وقع في رواية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة وقال ابن عباس مخمصة مجاعة وقال غيره الإغراء التسليط وهذا هو الصواب لا مرية فيه
أجورهن مهورهن
أشار به إلى قوله تعالى إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ( المائدة5 ) وفسر الأجور بالمهور وهكذا روي عن ابن عباس رواه ابن المنذر عن غيلان حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عنه رضي الله تعالى عنهما
المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
أشار به إلى قوله تعالى ومهيمنا عليه ( المائدة484 ) وفسره بقوله الأمين وقال في ( فضائل القرآن ) قال قال ابن عباس المهيمن الأمين وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق سمعت التيمي سمعت ابن عباس وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله عز و جل ومهيمنا عليه قال المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله وقال الخطابي أصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر قال ابن قتيبة وآخرون مهيمن مفيعل يعني بالتصغير من أمين قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب يقال هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن وقال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر وقال الأزهري المهيمن من صفات الله تعالى وقال بعض المفسرين المهيمن الشهيد والشاهد وقيل الرقيب وقيل الحفيظ
قال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ( المائدة68 ) ح
إنما كان أشد عليه لما فيه من تكلف العلم بأحكام التوراة والإنجيل والعمل بها وأول الآية قل يا أهل الكتاب لستم

(18/197)


على شيء الآية قال المفسرون يقول الله تعالى قل يا محمد يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدين حتى تقيموا التوراة والإنجيل أي حتى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتباع محمد والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال جاء مالك بن الضيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق قال بلى ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه وقالوا إنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به فأنزل الله هذه الآية
من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا
أشار به إلى قوله تعالى ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا ( المائدة32 ) وفسره بقوله يعني من حرم إلى آخره ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال مجاهد من لم يقتل أحدا فقد حيى الناس منه وعنه في رواية ومن أحياها أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة
شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة
أشار به إلى قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( المائدة48 ) وفسر شرعة بقوله سبيلا ومنهاجا بقوله سنة قال الكرماني ما يفهم منه أن قوله سبيلا تفسير قوله منهاجا وقوله وسنة تفسير قوله شرعة حيث قال وفيه لف ونشر غير مرتب قلت روى ابن أبي حاتم بما فيه لف ونشر مرتب مثل ظاهر تفسير البخاري حيث قال سبيلا وسنة فقوله سبيلا تفسير شرعة وقوله منهاجا تفسير قوله وسنة وذلك حيث قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس الكل جعلنا منكم شرعة قال سبيلا وحدثنا ابو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن ابي اسحاق عن التيمي عن ابن عباس ومنهاجا سنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله شرعة ومنهاجا أي سبيلا وسنة وهذا كما هو لفظ البخاري وفيه لف ونشر مرتب وقال ابن كثير وعن ابن عباس أيضا وعطاء الخراساني شرعة ومنهاجا أي سنة وسبيلا ثم قال والأول أنسب فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي مما يبدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال شرع في كذا أي ابتدأ وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء وأما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل وتفسير قوله شرعة ومنهاجا بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس
فإن عثر ظهر
أشار به إلى قوله تعالى فإن عثر على أنهما استحقا إثما وفسر عثر بقوله ظهر قال المفسرون أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من شاهدي الوصية أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به بنسبته إليهما وظهر عليهما بذلك فآخران يقومان مقامهما وتوضيح هذا يظهر من تفسير الآية التي هذه اللفظة فيها وما قبلها وهي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت إلى قوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ( المائدة107 )
الأوليان واحدها أولى
أشار به إلى قوله تعالى من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله ( المائدة106 ) الآية وأشار إلى أن ما ذكر من قوله الأوليان تثنية أولى والأوليان مرفوع بقوله استحق من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة وقرىء الأولين على أنه وصف للذين وقرىء الأولين على التثنية وانتصابه على المدح وقرأ الحسن الأولان وأكثر هذه الألفاظ المذكورة هاهنا لم تقع في كثير من النسخ وفي النسخ التي وقعت فيها بالتقديم والتأخير والله أعلم
1 -
( باب حرم واحدها حرام )
أشار به إلى قوله في أول السورة غير محلى الصيد وأنتم حرم ( المائدة1 ) ثم ذكر أن واحد حرم حرام ومعنى وأنتم حرم وأنتم محرمون وقال أبو عبيدة يعني حرام محرم وقرأ الجمهور بصنم أيضا الراء وقرأ يحيى بن وثاب حرم بإسكان الراء وهي لغة كرسل ورسل
( باب قوله تعالى فبما نقضهم ( المائدة13 )
أي هذا باب في قوله تعالى فبما نقضهم وفي بعض النسخ باب فيما نقضهم وليس لفظ باب في كثير من النسخ وهو الظاهر لأنه لم يرو عن أحد هنا لفظ باب
فبنقضهم
هذا تفسير قوله فبما نقضهم وأشار به إلى أن كلمة ما زائدة روي كذا عن قتادة رواه ابن المنذر عن أحمد حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة وقال الزجاج ما لغووا المعنى فبنقضهم ميثاقهم ومعنى ما الملغاة في العمل توكيد القصة وعن الكسائي ما صلة كقوله عما قليل ( المؤمنون40 ) وكقوله فبما رحمة من الله لنت لهم ( النساء12 ) وقال الثعلبي إنما دخلت فيه ما للمصدر وكذلك كل ماأشبهه قلت أول هذه الكلمة الآية الطويلة التي هي ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل الآية وبعدها فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية إلى قوله إن الله يحب المحسنين ولقد أخبر الله تعالى عما أحل بالذين نقضوا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده من العقوبة بقوله فبما نقضهم أي بسبب نقضهم ميثاقهم لعناهم أي بعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى وجعلنا قلوبهم قاسية أي لا تنتفع بموعظة لغلظها وقساوتها
التي كتب الله جعل الله
أشار به إلى قوله تعالى ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ( المائدة21 ) وفسره بقوله جعل الله وعن ابن إسحاق كتب لكم أي وهب لكم أخرجه الطبري وأخرج غيره من طريق السدي أن معناه أمر وقال الزمخشري معنى كتب الله قسمها وسماها أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم والأرض المقدسة بيت المقدس أو أريحا أو فلسطين أو دمشق أو الشام وكان إبراهيم عليه الصلاة و السلام صعد جبل لبنان فقيل له انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وميراث لذريتك من بعدك
تبوء تحمل
أشار به في قصة قابيل بن آدم إلى قول هابيل يقول لقابيل إني أريد أن تبوء بإثمي وأثمك ( المائدة29 ) تحمل ثم فسر تبوء بقوله تحمل هكذا فسره مجاهد رواه ابن المنذر عن موسى حدثنا أبو بكر حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد أي قتلى وإثمك الذي عملته قبل ذلك وقال ابن جرير قال آخرون معنى ذلك إني أريد أن تبوء بإثمي أي بخطيئتي فتحمل أوزارها وإثمك في قتلك إياي وقال هذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا لأن الرواية الصحيحة عنه خلاف هذا يعني ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد إني أريد أن تبوء بإثمي قال بقتلك إياي وإثمك قال بما كان قبل ذلك قلت هذا هو الذي ذكرناه عنه مع ابن عباس الذي نص عليها بالصحة فإن قلت قد روى ما ترك القاتل على المقتول من ذنب قلت هذا الحديث لا أصل له قاله الخطابي من المحدثين فإن قلت روى البزار بإسناده من حديث عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه قلت هذا لا يصح ولئن صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بإثم القتل ذنوبه فإما أنه يحمل على القاتل فلا
دائرة دولة
أشار به إلى قوله تعالى يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ( المائدة 52 ) ثم فسرها بقوله دولة وهكذا فسره السدي رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدي به
وقال غيره الإغراء التسليط
أشار بلفظ الإغراء إلى قوله تعالى فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ( المائدة14 ) وفسر الإغراء بالتسليط وفي التفسير قوله فأغرينا أي القينا وقال الزمخشري فاغرينا الصقنا وألزمنا من غرى بالشيء إذا لزمه فلصق به وأغراه به غيره ومنه الغرى الذي يلصق به فإن قلت ما أراد بقوله وقال غيره ومن هو هذا الغير وإلى أي شيء يرجع الضمير قلت قال صاحب ( التوضيح ) لعله يعني لعل البخاري يعني بالغير من فسر ما قبله وقد نقلناه عن قتادة انتهى قلت قتادة لم يذكر صريحا فيما قبله حتى يرجع الضمير إليه ولا ذكر فيما قبله ما يصلح أن يرجع إليه الضمير والظاهر أن هنا شيئا سقط من النساخ والصواب أن هذا ليس من البخاري ولهذا لم يذكر في رواية النسفي ولا في بعض النسخ ويحتمل أن يكون قوله عقيب هذا وقال ابن عباس مخمصة مجاعة مذكورا قبل قوله وقال غيره أي قال غير ابن عباس الإغراء التسليط ووقع من الناسخ أنه أخر هذا وقدم ذاك ويقوي هذا الاحتمال ما وقع في رواية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة وقال ابن عباس مخمصة مجاعة وقال غيره الإغراء التسليط وهذا هو الصواب لا مرية فيه
أجورهن مهورهن
أشار به إلى قوله تعالى إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ( المائدة5 ) وفسر الأجور بالمهور وهكذا روي عن ابن عباس رواه ابن المنذر عن غيلان حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عنه رضي الله تعالى عنهما
المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
أشار به إلى قوله تعالى ومهيمنا عليه ( المائدة484 ) وفسره بقوله الأمين وقال في ( فضائل القرآن ) قال قال ابن عباس المهيمن الأمين وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق سمعت التيمي سمعت ابن عباس وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله عز و جل ومهيمنا عليه قال المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله وقال الخطابي أصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر قال ابن قتيبة وآخرون مهيمن مفيعل يعني بالتصغير من أمين قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب يقال هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن وقال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر وقال الأزهري المهيمن من صفات الله تعالى وقال بعض المفسرين المهيمن الشهيد والشاهد وقيل الرقيب وقيل الحفيظ
قال سفيان ما في القرآن آية أشد علي من لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ( المائدة68 ) ح
إنما كان أشد عليه لما فيه من تكلف العلم بأحكام التوراة والإنجيل والعمل بها وأول الآية قل يا أهل الكتاب لستم على شيء الآية قال المفسرون يقول الله تعالى قل يا محمد يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدين حتى تقيموا التوراة والإنجيل أي حتى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتباع محمد والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال جاء مالك بن الضيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق قال بلى ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه وقالوا إنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به فأنزل الله هذه الآية
من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا
أشار به إلى قوله تعالى ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا ( المائدة32 ) وفسره بقوله يعني من حرم إلى آخره ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال مجاهد من لم يقتل أحدا فقد حيى الناس منه وعنه في رواية ومن أحياها أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة
شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة
أشار به إلى قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( المائدة48 ) وفسر شرعة بقوله سبيلا ومنهاجا بقوله سنة قال الكرماني ما يفهم منه أن قوله سبيلا تفسير قوله منهاجا وقوله وسنة تفسير قوله شرعة حيث قال وفيه لف ونشر غير مرتب قلت روى ابن أبي حاتم بما فيه لف ونشر مرتب مثل ظاهر تفسير البخاري حيث قال سبيلا وسنة فقوله سبيلا تفسير شرعة وقوله منهاجا تفسير قوله وسنة وذلك حيث قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن التيمي عن ابن عباس الكل جعلنا منكم شرعة قال سبيلا وحدثنا ابو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن ابي اسحاق عن التيمي عن ابن عباس ومنهاجا سنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله شرعة ومنهاجا أي سبيلا وسنة وهذا كما هو لفظ البخاري وفيه لف ونشر مرتب وقال ابن كثير وعن ابن عباس أيضا وعطاء الخراساني شرعة ومنهاجا أي سنة وسبيلا ثم قال والأول أنسب فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي مما يبدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال شرع في كذا أي ابتدأ وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء وأما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل وتفسير قوله شرعة ومنهاجا بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس
فإن عثر ظهر
أشار به إلى قوله تعالى فإن عثر على أنهما استحقا إثما وفسر عثر بقوله ظهر قال المفسرون أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من شاهدي الوصية أنهما خانا أو غلا شيئا من المال الموصى به بنسبته إليهما وظهر عليهما بذلك فآخران يقومان مقامهما وتوضيح هذا يظهر من تفسير الآية التي هذه اللفظة فيها وما قبلها وهي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت إلى قوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ( المائدة107 )
الأوليان واحدها أولى
أشار به إلى قوله تعالى من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله ( المائدة106 ) الآية وأشار إلى أن ما ذكر من قوله الأوليان تثنية أولى والأوليان مرفوع بقوله استحق من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة وقرىء الأولين على أنه وصف للذين وقرىء الأولين على التثنية وانتصابه على المدح وقرأ الحسن الأولان وأكثر هذه الألفاظ المذكورة هاهنا لم تقع في كثير من النسخ وفي النسخ التي وقعت فيها بالتقديم والتأخير والله أعلم
2 -
( باب قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم ( المائدة3 )

(18/198)


لم يذكر لفظ باب إلا في رواية أبي ذر وقال المفسرون هذه أكبر نعم الله عز و جل على هذه الأمة حيث أكمل لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كملت لكم دينكم ( المائدة3 ) وهو الإسلام والمراد باليوم يوم عرفة قال أسباط عن السدي نزلت هذه الآية يوم عرفة فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ورجع رسول الله ومات وقال ابن جريج وغير واحد مات رسول الله بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما
وقال ابن عباس مخمصة مجاعة
هذا لم يثبت إلا لغير أبي ذر وقد ذكرنا عند قوله وقال غيره الإغراء التسليط أن المناسبة كانت تقتضي أن يذكر هذه اللفظة قبل قوله وقال ابن عباس فليرجع إليه هناك يظهر لك ما فيه الكفاية وأشار به إلى قوله تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم وهذا التعليق رواه ابن أبي حاتم عن أبيه حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
4606 - ح ( دثني محمد بن بشار ) حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمر إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله حين أنزلت يوم عرفة وإنا والله بعرفة قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا اليوم أكملت لكم دينكم
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( عبد الرحمن ) هو ابن مهدي و ( سفيان ) هو الثوري و ( قيس ) هو ابن مسلم وطارق هو ابن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي الكوفي رأى النبي وغزا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين غزوة ومات سنة ثلاث وثمانين
والحديث مر في كتاب الإيمان من طريق آخر عن الحسن بن الصباح عن حفص بن عون عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن طارق إلى آخره
قوله قالت اليهود وفي كتاب الإيمان أن رجلا من اليهود وإنما جمع هنا باعتبار السائل ومن كان معه وكان هذا الرجل كعب الأحبار وكان سؤاله قبل إسلامه وأنه أسلم في خلافة عمر على المشهور أو أطلق عليه ذلك باعتبار ما مضى قوله حيث أنزلت وأين أنزلت أعلم أن حيث للمكان اتفاقا وقال الأخفش وقد ترد للزمان وهنا للمكان خاصة وأين للزمان فلا تكرار وحينئذ والغالب كون حيث في محل نصب على الظرفية أو خفض بمن ويلزمها الإضافة إلى الجملة إسمية كانت أو فعلية وإلى الفعلية أكثر وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث أنزلت وأي يوم أنزلت وقال الكرماني ويروى حين أنزلت وأين أنزلت قلت فحينئذ يلزم التكرار قوله وأين رسول الله حين أنزلت كذا في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر حيث أنزلت قوله يوم عرفة بالرفع أي يوم النزول يوم عرفة ويروى بالنصب أي أنزلت في يوم عرفة قوله وأنا والله بعرفة إشارة إلى المكان إذ عرفة تطلق على عرفات وكذا هو في وراية الجميع وعند أحمد ورسول الله واقف بعرفة وكذا في رواية مسلم قوله قال سفيان وأنا أشك وقد تقدم في كتاب الإيمان عن قيس بن مسلم الجزم بأن ذلك كان يوم الجمعة وسيجيء الجزم أيضا في كتاب الاعتصام من رواية مسعر عن قيس
3 -
( باب قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا )
أي هذا باب في قوله تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ( المائدة6 ) قيل وقع هنا فإن لم تجدوا قلت ليس كذلك فالقرآن فلم تجدوا وفي الأصول كذلك

(18/199)


تيمموا تعمدوا
أشار به إلى أن معنى قوله تعالى فتيمموا تعمدوا الآن معنى التيمم في اللغة القصد والعمد هو القصد وكذا روي عن سفيان رواه ابن المنذر عن زكريا حدثنا أحمد بن خليل حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عنه
آمين قاصدين أممت ويممت واحد
أشار به إلى قوله تعالى ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام ( المائدة2 ) وفسر آمين بقوله قاصدين لأنه من الأم وهو القصد أي ولا تستحلوا قتال آمين البيت أي القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا قوله أممت ويممت واحد أي في المعنى قال الشاعر
ولا أدري إذا يممت أرضا
وقرأ الأعمش ولا آمي البيت بإسقاط النون للإضافة
وقال ابن عباس لمستم وتمسوهن واللاتي دخلتم بهن والإفضاء النكاح
أشار بقول ابن عباس هذا إلى أن معنى أربعة ألفاظ في القرآن بمعنى واحد وهو النكاح أي الوطء وقوله لمستم في محل الرفع على الابتداء بتقدير قوله لمستم وما بعده عطف عليه وقوله النكاح على أنه خبره وقد ذكر هذا عن ابن عباس بطريق التعليق أما اللفظ الأول فقد وصله إسماعيل القاضي في ( أحكام القرآن ) من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى أو لمستم النساء قال هو الجماع وروى ابن المنذر حدثنا محمد بن علي حدثنا سعيد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عباس أن اللمس والمس والمباشرة الجماع وقال ابن أبي حاتم في ( تفسيره ) وروي عن علي ابن أبي طالب وأبي بن كعب ومجاهد والحسن وطاوس وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل نحو ذلك وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب ( لمستم ) وقرأ عاصم وأبو عمرو بن العلاء وأهل الحجاز ( لامستم ) بالألف ( وأما اللفظ الثاني ) فوصله ابن المنذر وقد مر الآن ( وأما اللفظ الثالث ) فرواه علي بن أبي حاتم من طريق وابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى اللاتي دخلتم بهن ( النساء23 ) قال الدخول النكاح ( وأما اللفظ الرابع ) فرواه ابن أبي حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في قوله تعالى وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( النساء21 ) قال الإفضاء الجماع وروى ابن المنذر عن علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج حدثنا حماد أخبرنا عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والجماع نكاح ولكن الله يكني
4607 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عبد الرحمان بن القاسم ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله عنها زوج النبي قالت خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله على فخذي فقام رسول الله حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم

(18/200)


يا أبي آل بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فإذا العقد تحته
مطابقته للترجمة في قوله فتيمموا وإسماعيل بن أبي أويس عبد الله المدني يروي عن خاله مالك بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه والحديث قد مر في أول كتاب التيمم فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله بالبيداء بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وذات الجيش بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة وهما اسمان لموضعين بين مكة والمدينة قوله عقد بكسر العين القلادة وكانت لأسماء أخت عائشة فاستعارتها عائشة منها وأضافتها إلى نفسها بملابسة العارية
4 -
( باب قوله تعالى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( المائدة24 )
أي هذا باب في قوله تعالى هذا باب في قوله تعالى فاذهب الآية هكذا وقع للمستملي وفي رواية غيره فاذهب إلى آخره وقبله قوله قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب الآية واصل هذا أن موسى عليه

(18/201)


السلام أمر قومه أن يجاهدوا ويدخلوا بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمن أبيهم يعقوب عليه السلام كما أخبر الله عن ذلك قبل هذه الآية بقوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ( المائدة21 ) الآية فكان جوابهم ( إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها ) الآية فاذهب أنت وربك الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي قال حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بان عباس قال لما نزل موسى عليه السلام وقومه الأرض المقدسة وجدوا فيها مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر بعث اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكرهم الله ليأتوا بخبرهم فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كسائه وحملهم حتى أتى بهم المدينة ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ثم قالوا لهم اذهبوا إلى موسى وقومه فأخبروهم بما رأيتم فقال لهم موسى عليه السلام اكتموا هذا فلم يكتم إلا رجلان يوشع وكالب وهما المذكوران في قوله عز و جل قال رجلان من الذين يخافون ( المائدة23 ) الآية قيل اسم هذه المدينة أريحا وقال البكري يقال لها أيضا أريح وفي حديث عكرمة عن ابن عباس دخل منهم رجلان حائطا لرجل من الجبارين فأخذهما فجعلهما في كمه وفي ( تفسير مقاتل ) كان في أريحا ألف قرية في كل قرية ألف بستان فلما دخلها النقباء خرج إليهم عوج بن عنق فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدي ملكهم واسمه ما نوس بن ششورة فلما نظر إليهم أمر بقتلهم فقالت امرأته أنعم على هؤلاء المساكين ودعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غير الذي جاؤوا منها فأرسلهم فأخذوا عنقودا من كرومهم فحملوه على عمود بين رجلين فعجزوا عن حمله وحملوا رمانتين على بعض دوابهم فعجزت الدابة عن حملها فقدموا على موسى عليه السلام وذكروا حالهم وأن طول كل رجل منهم سبعة أذرع ونصف وكانوا من بقايا قوم عاذ يقال لهم العماليق وعن مجاهد كان لا يقل عنقود عنبهم إلا خمسة رجال أو أربعة وفي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فاعطوهم حبة عنب تكفي الرجل قلت المراد بالأرض المقدسة المذكورة دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقال قتادة هي الشام كلها وقال السهيلي الأرض المقدسة هي بيت المقدس وما حولها ويقال لها إيليا وتفسر بيت الله وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس الأرض المقدسة هي الطور وما حوله قوله فاذهب أنت وربك يقال الظاهر أنهم أرادوا حقيقة الذهاب كفرا واستهانة بدليل مقابلة ذهابهم بقعودهم وقال الزمخشري يحتمل أن يعبر بالذهاب هنا عن القصد والإرادة كما تقول كلمته ذهب يجيبني أي قصدا اجابتي وقال الداوردي المراد بقوله وربك هارون عليه السلام لأنه كان أكبر سنا من موسى عليه السلام ورد عليه ابن التين بقوله هذا خلاف قول أهل التفسير وما أرادوا إلا الرب عز و جل ولأجل هذا عوقبوا
4609 - حدثنا ( أبو نعيم ) حدثنا ( إسرائيل ) عن ( مخارق ) عن ( طارق بن شهاب ) سمعت ( ابن مسعود ) رضي الله عنه قال شهدت من المقداد ح و حدثني حمدان بن عمر حدثنا أبو النضر حدثنا الأشجعي عن سفيان عن مخارق عن طارق عن عبد الله قال قال المقداد يوم بدر يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولاكن امض ونحن معك فكأنه سري عن رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرجه من طريقين أحدهما عن أبي نعيم بضم النون الفضل بن ديكن عن إسرائيل بن يونس السبيعي عن مخارق بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الراء وبالقاف ابن عبد الله الأحمسي الكوفي عن طارق بن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي وعن عبد الله بن مسعود ومر في غزوة بدر في باب قول الله تعالى إذا تستغيثون ربكم ( الأنفال9 ) فإنه أخرجه هناك بعين هذا الإسناد عن أبي نعيم إلى آخره ومر الكلام فيه ( الطريق الآخر ) عن حمدان بن عمر أبي جعفر البغدادي واسمه أحمد وحمدان لقبه وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وهو من صغار شيوخ البخاري وعاش بعد البخاري سنتين يروي عن أبي النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي ويقال الليثي الكناني خراساني سكن بغداد توفي بها سنة سبع ومائتين يروي عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي عن سفيان الثوري إلى آخر
قوله يوم بدر وعن قتادة فيما ذكره الطبري أنه كان في الحديبية حين صد قوله فكأنه سري عن رسول الله أي أزيل عنه المكروهات كلها
ورواه وكيع عن سفيان عن مخارق عن طارق أن المقداد قال ذلك للنبي

(18/202)


أي روى الحديث المذكور وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري إلى آخره وهذا التعليق رواه الدارقطني من حديث سفيان بن وكيع بن الجراح عن أبيه قوله أن المقداد أي ابن الأسود الكندي المذكور قوله قال ذلك إشارة إلى قوله يوم بدر يا رسول الله إنا لا نقول إلى آخر ما مر من الحديث وجاء أن سعد بن معاذ قاله أيضا فيجوز أن يكون قالاه
5 -
( باب إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا إلى قوله أو ينفوا من الأرض ( المائدة33 )
أي هذا باب في قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله إلى آخره وليس في بعض النسخ لفظ باب ووقع في رواية أبي ذر باب إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية وغيره ساق الآية وقال الطبري اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لسيدنا رسول الله فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض وفي رواية أبي داود عن ابن عباس نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه وعن السدي نزلت في سودان عرينة أتوا رسول الله وبهم الماء الأصفر فشكوا ذلك إليه الحديث وذكر الثعلبي عن الكلبي أنها نزلت في قوم من بني هلال كان أبو برزة الأسلمي عاهد النبي أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن أتاه من المسلمين فهو آمن فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس ممن أسلم من قوم أبي برزة قال ولم يكن أبو برزة يومئذ شاهدا فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت هذه الآية
المحاربة لله الكفر به
روي هذا عن سعيد بن جبير ووصله ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد في قوله عز و جل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال يعني بالمحاربة الكفر بعد الإسلام
4610 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) حدثنا ( ابن عون ) قال حدثني ( سلمان أبو رجاء ) مولى ( أبي قلابة ) عن أبي قلابة أنه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال ما تقول يا عبد الله بن زيد أو قال ما تقول يا أبا قلابة قلت ما علمت نفسا حل قتلها في الإسلام إلا رجل زنى بعد إحصان أو قتل نفسا بغير نفس أو حارب الله ورسوله فقال عنبسة حدثنا أنس بكذا وكذا قلت إياي حدث أنس قال قدم قوم على النبي فكلموه فقالوا قد استوخمنا هاذه الأرض فقال هاذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها فاشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحوا ومالوا على الراعي فقتلوه واطردوا النعم فما يستنبطا من هاؤلاء قتلوا النفس وحاربوا الله ورسوله وخوفوا رسول الله فقال سبحان الله فقلت تتهمني قال حدثنا بهاذا أنس قال وقال يا أهل كذا إنكم لن تزالوا بخير ما أبقى هاذا فيكم أو مثل هذا

(18/203)


مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ومحمد هو ابن عبد الله الأنصاري من شيوخ البخاري روى عنه هنا بواسطة وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري وسلمان بفتح السين وسكون اللام أبو رجاء مولى أبي قلابة الجرمي البصري وفي رواية الكشميهني سليمان بضم السين وفتح اللام والأول هو الصواب وأبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد
وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع عديدة فقطعة من ذلك مضت في كتاب الطهارة في باب أبواب الإبل والدواب والغنم فإنه أخرج فيها حديث العرنيين عن سليمان بن حرب وقطعة مشتملة على ما في حديث الباب أخرجها في كتاب المغازي في باب قصة عكل وعرينة أخرجها عن محمد بن عبد الرحيم عن حفص بن عمر عن حماد بن زيد عن أيوب والحجاج الصواف عن أبي رجاء مولى أبي قلابة الحديث
قوله خلف عمر بن عبد العزيز وفي الرواية المتقدمة في المغازي قال يعني أبو رجاء وأبو قلابة خلف سريره قوله فذكروا ذكروا أي القسامة وقد بين البخاري هذا في مكان آخر أعني في كتاب الديات وهو أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال لهم ما تقولون في القسامة قالوا نقول في القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء فقال لي ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس فقلت يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين رجلا منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قدرنا ولم يروه أكنت ترجمة قال لا قلت أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه قد سرق أكنت تقطعه ولم يروه قال لا قلت فوالله ما قتل رسول الله قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بحديدة نفسا فقتل ورجل زنى بعد إحصان ورجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام فقال القوم أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن نفرا من عكل الحديث قوله فقالوا وقالوا مقول القول الأول محذوف وهو الذي ذكره البخاري في مكان آخر ومقول القول الثاني هو قوله قد أقادت بها الخلفاء يقال أقاد القاتل بالقتيل إذا قتله به وفي الرواية المتقدمة في المغازي أن عمر ابن عبد العزيز استشار الناس يوما فقال ما تقولون في هذه القسامة فقالوا حق قضى بها رسول الله وقضت بها الخلفاء قبلك قوله فالتف أي عمر بن عبد العزيز إلى أبي قلابة والحال أنه خلف ظهر قوله فقال أي عمر بن عبد العزيز قوله يا عبد الله بن زيد هو المكنى بأبي قلابة قوله أو ما تقول يا أبا قلابة شك من الراوي هل سماه باسمه أو خاطبه بكنيته قوله قلت القائل هو أبو قلابة قوله فقال عنبسة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن العاص بن أمية أبو خالد القرشي الأموي أخو يحيى وعمرو الأشدق سمع أبا هريرة روى عنه الزهري في غزوة خيبر عن البخاري وسمع أنسا في الحدود روى عنه أبو قلابة حديث العرنيين عند مسلم قوله حدثنا أنس بكذا وكذا أي قال عنبسة حدثنا أنس بن مالك بقصة القسامة وحديث العرنيين قوله قلت القائل أبو قلابة ويروى فقلت وفي رواية كتاب الديات فقلت أنا أحدثكم بحديث أنس حدثني أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض الحديث قوله قدم قوم هم نفر من عكل فكلموه أي فكلموا النبي أريد به المبايعة على الإسلام كما صرح به في الرواية المذكورة الآن قوله قد استوخمنا من استوخمت البلد إذا لم يوافق بدنك وأصله من الوخم وهو ثقالة الطعام في المعدة يقال وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرىء فهو وخيم قال ابن الأثير في حديث العرنيين واستوخموا المدينة أي استثقلوها ولم يوافق هواؤها أبدانهم قوله هذه نعم لنا المراد بالنعم الإبل فإن قلت قد قال في رواية أخرى أخرجوا إلى إبل الصدقةقلت إنما قال ذلك باعتبار أنه كان حاكما عليها أو كانت له نعم ترعى مع إبل الصدقة قوله تخرج في محل النصب على الحال قوله واستصحوا أي حصلت لهم الصحة والسين فيه للصيرورة قوله واطردوا النعم أي ساقوها سوقا شديدا وأصله من طرد فنقل إلى باب الافتعال فصار اتطرد ثم قلبت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء قوله فما يستبطأ من هؤلاء على صيغة المجهول من باب الاستفعال من البطء بالهمزة في آخره وهو نقيض السرعة وقال الكرماني فما يستبطأ استفهام قلت معناه على قوله أي شيء يستبطأ من هؤلاء الذين قتلوا راعي النبي واستاقوا الإبل وفيه معنى التعجب أيضا فافهم ويؤيد

(18/204)


ما ذكرناه ما جاء في كتاب الديات في هذا الحديث قلت وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا وفي رواية بالقاف بدل الطاء ومعناه ما يترك من هؤلاء وهو استفهام أيضا فيه معنى التعجب وأصله من استبقيت الشيء أي تركت بعضه قوله فقال سبحان الله القائل عنبسة متعجبا من قول أبي قلابة قوله فقلت تتهمني القائل أبو قلابة يقول لعنبسة تتهمني فيما رويته من حديث أنس ويوضح هذا ما جاء في كتاب الديات فيه فقال عنبسة بن سعيد يعني عند رواية أبي قلابة الحديث والله إن سمعت كاليوم قط فقلت أترد على حديثي يا عنبسة قال لا ولكن جئت بالحديث على وجهه قوله قال حدثنا بهذا أنس أي قال أبو قلابة حدثنا بهذا الحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قوله قال وقال يا أهل كذا أي قال الراوي وقال عنبسة يا أهل كذا مراده يا أهل الشام وقال بعضهم وفي الرواية الآتية في الديات يا أهل الشام قلت هذا ليس بمذكور في كتاب الديات ولكن المراد بخطاب عنبسة بقوله يا أهل كذا هو أهل الشام لأن هذا كله وقع في دمشق قوله ما أبقى هذا فيكم بضم الهمزة وكسر القاف على صيغة المجهول وأشار عنبسة بقوله هذا إلى أبي قلابة وفي رواية كتاب الديات والله لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظهرهم ويروى ما أبقى الله مثل هذا قوله أو مثل هذا شك من الراوي أي أو قال عنبسة مثل ما ذكر من قوله ما أبقى هذا فيكم ومثله ما ذكر في الديات فافهم فإني ما رأيت شارحا أتى بحق شرح هذا الحديث
6 -
( باب قوله والجروح قصاص ( المائدة45 )
أي هذا باب في قوله تعالى والجروح قصاص هكذا هو في رواية المستملي وفي رواية غيره باب والجروح قصاص وليس في بعض النسخ لفظ باب وهذا اللفظ في قوله وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص هذا تعميم بعد التخصيص لأنه ذكر العين بالعين ونحوها والقصاص في الجرح إنما يثبت فيما يمكن أن يقتص فيه مثل الشفتين والذكر واليدين وما أشبه ذلك وما عدا ذلك من كسر عظم أو جراحة في البطن ففيه أرش وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر والكسائي برفع الحاء والباقون ينصبها والقصاص من قص الأثر أي اتبعه فكان المحني عليه يقص أثره ويتبع ليقتل
4611 - حدثنا ( محمد بن سلام ) أخبرنا ( الفزاري ) عن ( حميد ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال كسرت الربيع وهي عمة أنس بن مالك ثنية جارية من الأنصار فطلب القوم القصاص فأتوا النبي فأمر النبي بالقصاص فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك لا والله لا تكسر سنها يا رسول الله فقال رسول الله يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم وقبلوا الأرش فقال رسول الله إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره
مطابقته للترجمة ظاهرة والفزاري بفتح الفاء والزاي المخففة وبالراء واسمه مروان بن معاوية والحديث مضى في كتاب الصلح في باب الصلح في الدية فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد عن أنس وأخرجه هنا عن الفزاري معلقا وقد مضى الكلام فيه هناك
قوله الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة والجارية الشابة والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة قوله وقبلوا الأرش قال ابن الأثير الأرش المشروع في الحكومات وهو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع وأرش الجنايات والجراحات من ذلك لأنها جابرة لها عما حصل فيها من النقص قوله لا بره من إبرار القسم وهو امضاؤه على الصدق  التالي هو ج35.ج36.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...