حمل القران وورد وبي دي اف

 مدونة العيني /مدونة تاريخ الخلق /أضواء

 

 حمل القران وورد وبي دي اف.

القرآن الكريم وورد word doc icon||| تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

ج25.وج26.عمدة القاري شرح صحيح البخاري بدر الدين العيني

 

 

ج25.وج26.عمدة القاري شرح صحيح البخاري  بدر الدين العيني  ج25.

اولا:

ج25.عمدة القاري شرح صحيح البخاري  بدر الدين العيني  ج25.

فلم يلتحق بها لا في النوع ولا في الحكم ألا يرى أن مملك مالكه باق عليه وهو قول سعيد بن المسيب أيضا وقال مالك ليس في الحديث أن السهم قتله وإنما قال حبسه ثم بعد أن حبسه صار مقدورا عليه فلا يؤكل إلا بالذبح ولا فرق بين أن يكون وحشيا أو إنسيا وقوله فاصنعوا به هكذا قال مالك نقول بموجبه أي نرميه ونحبسه فإن أدركناه حيا ذكيناه وإن تلف بالرمي فهل نأكله أو لا وليس في الحديث تعيين أحدهما فلحق بالمجملات فلا ينهض حجة وقالوا في حديث أبي العشراء ليس بصحيح لأن الترمذي قال فيه ما ذكرناه الآن وقال أبو داود لا يصلح هذا إلا في المتردية والمستوحشة قالوا ولئن سلمنا صحته لما كان فيه حجة إذ مقتضاة جواز الذكاة في أي عضو كان مطلقا في المقدور على تذكيته وغيره ولا قائل به في المقدور عليه فظاهره ليس بمراد قطعا وقال شيخنا رحمه الله ليس العمل على عموم هذا الحديث ولعله خرج جوابا بالسؤال عن المتوحش والمتردي الذي لا يقدر على ذبحه وقد روى أبو الحسن الميموني أنه سأل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال هو عندي غلط قلت فما تقول قال أما أنا فلا يعجبني ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة كيف ما أمكنتك الذكاة لا يكون إلا في الحلق أو اللبة قال فينبغي للذي يذبح أن يقطع الحلق أو اللبة قلت روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع عن ابن عمر أن بعيرا تردى في بئر بالمدينة فلم يقدر على منحره فوجىء بسكين من قبل خاصرته فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين العشير لغة في العشر كالنصيف والنصف وقيل العشير الإمعاء ومع هذا قول الجماعة الذين ذكرناهم من الصحابة والتابعين فيه الكفاية في الاحتجاج به
الرابع فيه من شرط الذكاة إنهار الدم ولم يخص بشيء من العروق في شيء من الكتب الستة إلا في رواية رواها ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) من رواية من لم يسم عن رافع بن خديج قال سألت رسول الله عن الذبيحة بالليطة فقال كل ما فرى الأوداج إلا السن أو الظفر ولا شك أن ذلك مخصوص بمكان الذبح والنحر لغلبة الدم فيه ولكونه أسرع إلى إزهاق نفس الحيوان وإراحته من التعذيب واختلف العلماء فيما يجب قطعه في الذبح وهو أربعة الحلقوم والمرىء والودجان فاشترط قطع الأربعة الليث وداود وأبو ثور وابن المنذر من أصحاب الشافعي ومالك في رواية ولو اكتفى الشافعي وأحمد في المشهور عنه بقطع الحلقوم والمريء فقط واكتفى مالك بالحلقوم والودجين واكتفى أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية بقطع ثلاثة من الأربعة وعن أبي يوسف اشتراط الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية وعنه أيضا اشتراط الحلقوم والمري وأحد الودجين واشترط محمد بن الحسن أكثر كل واحد من الأربعة
الخامس فيه اشتراط التسمية لأنه قرنها بالذكاة وعلق الإباحة عليها فقد صار كل واحد منهما شرطا وهو حجة على الشافعي في عدم اشتراط التسمية فقال لو ترك التسمية عامدا أو ناسيا تؤكل ذبيحته وبه قال أحمد في رواية وقال صاحب ( الهداية ) قال مالك لا يؤكل في الوجهين قلت ليس كذلك مذهبه بل مذهبه ما ذكره ابن قدامة في ( المغني ) أن عند مالك يحل إذا تركها ناسيا ولا يحل إذا تركها عامدا قلت هذا هو مثل مذهبنا فإن عندنا إذا تركها عامدا فالذبيحة ميتة لا تؤكل وإن تركها ناسيا أكل ما ذبحه والمشهور عن أحمد مثل قولنا ومذهبنا مروي عن ابن عباس وطاووس وابن المسيب والحسن والثوري وإسحاق وعبد الرحمن بن أبي ليلى وفي التفسير في سورة الأنعام وداود بن علي يحرم متروك التسمية ناسيا وقال في ( النوازل ) وفي قول بشر لا يؤكل إذا ترك التسمية عامدا أو ناسيا وقال القدوري في ( شرحه لمختصر الكرخي ) وقد اختلف الصحابة في النسيان فقال علي وابن عباس إذا ترك التسمية أكل وقال ابن عمر لا يؤكل والخلاف في النسيان يدل على اتفاقهم في العمد فإن قلت كيف صورة متروك التسمية عمدا قلت أن يعلم أن التسمية شرط وتركها مع ذكرها أما لو تركها من لم يعلم باشتراطها فهو في حكم الناسي ذكره في ( الحقائق ) وكذلك الحكم على الخلاف إذا تركها عمدا عند إرسال البازي والكلب والرمي قال صاحب ( الهداية ) وهذا القول من الشافعي مخالف للإجماع لأنه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيا والحديث الذي رواه الدارقطني عن ابن عباس أن النبي قال المسلم يكفيه اسمه فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم وليذكر اسم الله ثم ليأكل حديث ضعيف لأن في سنده محمد بن يزيد بن سنان قالوا كان صدوقا ولكن كان شديد الغفلة وقال ابن القطان وفي سنده معقل بن عبد الله وهو وإن كان من رجال مسلم لكنه أخطأ في رفع هذا الحديث وقد رواه سعيد بن منصور وعبد الله

(13/48)


بن الزبير الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس قوله وكذلك الحديث الذي رواه الدارقطني من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال سأل رجل النبي الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله قال اسم الله على كل مسلم وفي لفظ على فم كل مسلم ضعيف لأن في سنده مروان بن سالم ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني أيضا فإن قلت روى أبو داود حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن ثور بن يزيد عن الصلت عن النبي قال ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر قلت هذا مرسل وهو ليس بحجة عنده وقال ابن القطان وفيه مع الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ولا يعرف بغير هذا ولا روى عنه غير ثور بن يزيد
السادس فيه عدم جواز الذبح بالسن والظفر ويدخل فيه ظفر الآدمي وغيره من كل الحيوانات وسواء المتصل والمنفصل بحسب ظاهر الحديث وسواء الطاهر والنجس وقال النووي ويلتحق به سائر العظام من كل حيوان المتصل والمنفصل وقيل كل ما صدق عليه اسم العظم فلا تجوز الذكاة بشيء منه وهو قول النخعي والحسن بن صالح والليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجوز بالسن والعظم المتصلين ويجوز بالمنفصلين وعن مالك روايات أشهرها جوازه بالعظم دون السن كيف كانا والثانية كمذهب الشافعي والثالثة كمذهب أبي حنيفة والرابعة يجوز بكل شيء بالسن والظفر وعن ابن جريج جواز التذكية بعظم الحمار دون القرد وقال صاحب ( الهداية ) ويجوز الذبح بالظفر والقرن والسن إذا كان منزوعا وينهر الدم ويفري الأوداج وذكر في ( الجامع الصغير ) محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة أنه قال أكره هذا الذبح وإن فعل فلا بأس بأكله واحتج أصحابنا في ذلك بما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن سماك بن حرب عن مري ابن قطري عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا فقال أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله وفي لفظ النسائي أنهر الدم وكذلك رواه أحمد في ( مسنده ) قال الخطابي ويروى أمره قال والصواب أمرر بسكون الميم وتخفيف الراء قلت وبهذا اللفظ رواه ابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم في ( المستدرك ) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقال السهيلي في ( الروض الأنف ) أمر الدم بكسر الميم أي أسله يقال دم مائر أي سائل قال هكذا رواه النقاش وفسره ورواه أبو عبيد بسكون الميم وجعله من مريت الضرع والأول أشبه بالمعني وجمع الطبراني بين الروايات الثلاث وفيه رواية رابعة عند النسائي في ( سننه الكبرى ) أهرق فيكون الجميع برواية أبي عبيد خمس روايات بيان ذلك أن الأولى أمرر من الإمرار والثانية أمر من المير أجوف يائي والثالثة أنهر من الإنهار والرابعة أهرق من الإهراق وأصله أرق من الإراقة والهاء زائدة والخامسة من المري ناقص يائي والجواب عن قوله ليس السن والظفر أنه محمول على غير المنزوع فإن الحبشة كانوا يفعلون كذلك إظهارا للجلادة فإنهم لا يقلمون ظفرا ويحدون الأسنان بالمبرد ويقاتلون بالخدش والعض ولأنهما إذا ذكرا مطلقين يراد فيهما غير المنزوع أما المنزوع فيذكر مقيدا يقال سن منزوع وظفر منزوع وقال ابن القطان في الحديث المذكور شك في موضعين في اتصاله وفي قوله أما السن فعظم هل هو من كلام النبي أو لا ثم روى عن أبي داود هذا الحديث وفيه قال رافع وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة ولم يكن أيضا في حديث مسلم أما السن من كلام النبي نصا
السابع أن حكم الصيال حكم الندود وفي ( المنتقى ) في البعير إذا صال على إنسان فقتله وهو يريد الذكاة حل أكله
الثامن أن الذكاة لا بد فيها من آلة حادة تجري الدم وأنه لا يكفي في ذلك الرض والدفع بالشيء الثقيل الذي لا حد له وإن أزال الحياة وهذا مجمع عليه وسواء في ذلك الحديد والنحاس والزجاج والقصب والحجر وكل ما له حد إلا ما يستثنى منه في الحديث والله أعلم التاسع استدل بقوله ما أنهر الدم على أنه يجزىء فيما شرع ذبحه النحر وفيما شرع نحره الذبح وهو قول كافة العلماء إلا داود ومالكا في إحدى الروايات عنه وعن مالك الكراهة في رواية وعنه في رواية التفرقة فيجزىء ذبح المنحور ولا يجزىء نحر المذبوح
العاشر أجمعوا على أفضلية نحر الإبل وذبح الغنم واختلفوا في البقر والصحيح إلحاقها بالغنم وهو قول الجمهور وقيل يتخير فيها بين الأمرين

(13/49)


4 -
( باب القرآن في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه )
هذه الترجمة هكذا موجودة في النسخ المتداولة بين الناس قيل لعل حتى بمعنى حين فتحرفت أو سقط من الترجمة شيء أما لفظ النهي من أولها أو لا يجوز قبل حتى قلت لا يحتاج إلى ظن التحريف فيه بلى فيه حذف وباب الحذف شائع ذائع تقديره هذا في بيان حكم القران الكائن في التمر الكائن بين الشركاء لا ينبغي لأحد منهم
أن يقرن حتى يستأذن أصحابه وذلك من باب حسن الأدب في الأكل لأن القوم الذين وضع بين أيديهم التمر كالمتساوين في أكله فإن استأثر أحدهم بأكثر من صاحبه لم يجز له ذلك ومن هذا الباب جعل العلماء النهي عن النهبة في طعام الأعراس وغيرها لما فيه من سوء الأدب والاستئثار بما لا يطيب عليه نفس صاحب الطعام وقال أهل الظاهر إن النهي عنه على الوجوب وفاعله عاص إذا كان عالما بالنهي ولا نقول إنه أكل حراما لأن أصله الإباحة ودليل الجمهور أنه إنما وضع بين أيدي الناس للأكل فإنما سبيله سبيل المكارمة لا على التشاح لاختلاف الناس في الأكل فبعضهم يكفيه اليسير وبعضهم لا يكفيه أضعافه ولو كانت سهمانهم سواء لما ساغ لمن لا يشبعه اليسير أن أكل أكثر من مثل نصيب من يشبعه اليسير ولما لم يتشاح الناس في هذا المقدار علم أن سبيل هذه المكارمة لا على معنى الوجوب
9842 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( جبلة بن سحيم ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول نهى النبي أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه
مطابقته للترجمة ظاهرة وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي سكن مكة وهو من أفراده وقد مر في الغسل وسفيان هو الثوري وجبلة بالجيم والباء الموحدة واللام المفتوحات ابن سحيم بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف التيمي ويقال الشيباني مر في كتاب الصوم في باب إذا رأيتم الهلال وهذا الحديث والذي بعده عن جبلة عن ابن عمر فالأول عن سفيان عن جبلة والثاني عن شعبة عن جبلة وقد ذكره في المظالم في باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز عن شعبة أيضا عن جبلة وقد مر الكلام فيه هناك
0942 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( جبلة ) قال كنا بالمدينة فأصابتنا سنة فكان ابن الزبير يرزقنا التمر وكان ابن عمر يمر بنا فيقول لا تقرنوا فإن النبي نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه
أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي قوله سنة أي جدب وغلاء وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما قوله يرزقنا التمر أي يقوتنا به يقال رزقته رزقا فارتزق كما يقال قته فاقتات والرزق اسم لكل ما ينتفع به حتى الدار والعبد وأصله في اللغة الحظ والنصيب وكل حيوان يستوفي رزقه حلالا أو حراما قوله لا تقرنوا من قرن يقرن من باب ضرب يضرب ويروى عن جبلة قال كنا بالمدينة في بعث العراق فكان ابن الزبير يرزقنا التمر وكان ابن عمر يمر ويقول لا تقارنوا إلا أن يستأذن الرجل أخاه هذا لأجل ما فيه من الغبن ولأن ملكهم فيه سواء ويروى نحوه عن أبي هريرة في أصحاب الصفة قوله نهى عن الإقران ويروى عن القران والنهي فيه للتنزيه وقالت الظاهرية للتحريم
5 -
( باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل )
أي هذا باب في بيان حكم تقويم الأشياء نحو الأمتعة والعروض بين الشركاء حال كون التقويم بقيمة عدل وحكمه أنه يجوز بلا خلاف وإنما الخلاف في قسمتها بغير تقويم فأجازه الأكثرون إذا كان على سبيل التراضي ومنعه الشافعي
1942 - حدثنا ( عمران بن ميسرة ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن

(13/50)


عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله من أعتق شقصا له من عبد أو شركا أو قال نصيبا وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق وإلا فقد عتق منه ما عتق قال لا أدري قوله عتق منه ما عتق قول من نافع أو في الحديث عن النبي
مطابقته للترجمة في قوله بقيمة العدل
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمران بن ميسرة ضد الميمنة مر في العلم الثاني عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري الثالث أيوب بن أبي تميمة السختياني الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وأن عبد الوارث وأيوب بصريان وأن نافعا مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في العتق عن أبي النعمان عن حماد بن زيد وأخرجه مسلم في النذور عن زهير بن حرب وفيه وفي العتق عن أبي الربيع الزهراني وأبي كامل الجحدري وأخرجه أبو داود في العتق عن أبي الربيع به وعن مؤمل بن هشام وأخرجه الترمذي في الأحكام عن أحمد بن منيع عن إسماعيل به وأخرجه النسائي في البيوع عن عمرو بن علي وفي العتق عن إسحاق بن إبراهيم وعن عمرو بن زرارة وعن محمد بن يحيى
ذكر معناه قوله شقصا بكسر الشين المعجمة وسكون القاف وبالصاد المهملة وهو النصيب قليلا أو كثيرا ويقال له الشقيص أيضا بزيادة الياء مثل نصف ونصيف ويقال له أيضا الشرك بكسر الشين أيضا وقال ابن دريد الشقص هو القليل من كل شيء وقال القزاز لا يكون إلا القليل من الكثير وقال في ( الجامع ) الشقص النصيب والسهم تقول لي في هذا المال شقص أي نصيب قليل والجمع أشقاص وقد شقصت الشيء إذا جزأته وقال ابن سيده وقيل هو الحظ وجمعه شقاص وقال الداودي الشقص والسهم والنصيب والحظ كله واحد قلت وفيه تحرز الراوي عن مخالفة لفظ الحديث وإن أصاب المعنى لأن النصيب والشرك والشقص بمعنى واحد ولما شك فيه الراوي أتى بهذه الألفاظ تحريا وتحرزا عن المخالفة وقد اختلف في وجوب ذلك واستحبابه ولا خلاف في الاستحباب وذهب غير واحد إلى جواز الرواية بالمعنى للعالم بما يحيل الألفاظ دون غيره قوله من عبد يتناول الذكر والأنثى فأما الذكر فبالنص وأما الأنثى فقيل إن اللفظ يتناولها أيضا بالنص فإن إطلاق لفظ العبد يتناول كلا منهما قال ابن العربي وذلك لأنها صفة فيقال عبد وعبدة فإذا أطلقت القول يتناول الذكر والأنثى وقيل إنما يثبت ذلك في الأنثى بالقياس الجلي إذ المعنى الموجود في الذكر موجود في الأنثى لأن وصف الذكورة والأنوثة لا تأثير له في الوصف المقتضي للحكم وقال إمام الحرمين أدراك كون الأمة فيه كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع قلت في ( صحيح البخاري ) التصريح بالأمة من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه وفي آخره يخبر ذلك عن ابن عمر عن النبي وسيأتي في الحديث الثاني في الباب من أعتق شقيصا من مملوك وهذا شامل للعبد والأمة أيضا وحكى عن ابن إسحاق بن راهويه تخصيص هذا الحكم بالعبيد دون الإماء قال النووي وهذا القول شاذ مخالف للعلماء كافة قوله وكان له أي للمعتق قوله ثمنه أي ثمن العبد بتمامه قوله بقيمة العدل وهو أن يقوم على أن كله عبد ولا يقوم بعيب العتق قاله أصبغ وغيره وقيل يقوم على أنه مسه العتق وفي لفظ قوم عليه بأعلى القيمة وعند الإسماعيلي ولا وكس ولا شطط قوله فهو عتيق أي العبد كله عتيق أي معتوق بعضه بالإعتاق وبعضه بالسراية قوله وإلا أي وإن لم يكن له ما يبلغ ثمنه فقد عتق منه ما عتق أي ما عتقه يعني المقدار الذي عتقه والعين مفتوحة في عتق الأول وعتق الثاني وقال الداودي يجوز ضم العين في الثاني وتعقبه ابن التين فقال هذا لم يقله غيره ولا يعرف عتق بالضم لأن الفعل لازم صحيح لأنه يقال عتق العبد عتقا وعتاقة وعتاقا فهو عتيق وهم عتقاء وأعتقه مولاه وفي ( المغرب ) وقد يقام العتق مقام الإعتاق وقال ابن الأثير يقال أعتقت العبد أعتقه عتقا وعتاقة فهو معتق وأنا معتق وعتق فهو عتيق أي حررته

(13/51)


وصار حرا قوله قال لا أدري أي قال أيوب قاله الطرقي وكذا في ( صحيح الإسماعيلي ) قال أيوب فذكره قال وفي رواية المعلى عن حماد عن أيوب قاله نافع
ذكر ما يستفاد منه وهو على أنواع
الأول في بيان مسألة الترجمة وهو التقويم في قسمة الرقيق فعند أبي حنيفة والشافعي لا تجوز قسمته إلا بعد التقويم واحتجا بهذا الحديث وبالحديث الذي بعده قالا أجاز تقويمه في البيع للعتق فكذلك تقويمه في القسمة وقال مالك وأبو يوسف ومحمد يجوز قسمته بغير تقويم إذا تراضوا على ذلك وحجتهم أنه قسم غنائم حنين وكان أكثرها السبي والماشية ولا فرق بين الرقيق وسائر الحيوانات ولم يذكر في شيء من السبي تقويم قلت مذهب أبي حنيفة أن الرقيق لا يقسم إلا إذا كان معه شيء آخر للتفاوت فيه والتفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة كالذهن والكياسة والأمانة والفروسية والكتابة فيعتذر التعديل إلا إذا كان معه شيء آخر فحينئذ يقسم قسمة الجميع من غير رضا الشركاء فيجعل الرقيق تبعا كبيع الشرب والطريق ونحوهما وقال أبو يوسف ومحمد يقسم الرقيق جبرا وبه قال الشافعي ومالك وأحمد لاتحاد الجنس وإنما التفاوت في القيمة وذا لا يمنع صحة القسمة كما في الإبل والبقر ورقيق الغنم والجواب من جهة أبي حنيفة أن التفاوت في الحيوانات يقل عند اتحاد الجنس ألا يرى أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان ومن الحيوانات جنس واحد ألا يرى أنه إذا اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو جارية لا ينعقد العقد ولو اشترى غنما أو إبلا على أنه ذكر فإذا هو انثى ينعقد العقد بخلاف المغانم لأن حق المغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها وقسمة ثمنها بينهم وفي الرقيق شركة الملك يتعلق بالعين والمالية فافترق حكمهما فلا يجوز قياس أحدهما على الآخر
الثاني احتج مالك والشافعي وأحمد بالحديث المذكور أنه إذا كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان له مال غرم نصيب صاحبه وعتق العبد من ماله وإن لم يكن له مال عتق من العبد ما عتق ولا يستسعى قال الترمذي وهذا قول أهل المدينة وعند أبي حنيفة أن شريكه مخير إما أنه يعتق نصيبه أو يستسعى العبد والولاء في الوجهين لهما أو يضمن المعتق قيمة نصيبه لو كان موسرا أو يرجع بالذي ضمن على العبد ويكون الولاء للمعتق وعند أبي يوسف ومحمد ليس له إلا الضمان مع اليسار أو السعاية مع الإعسار ولا يرجع المعتق على العبد بشيء والولاء للمعتق في الوجهين واحتج أبو حنيفة بما رواه البخاري أيضا من أعتق شقصا له في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه واستسعى به غير مشقوق أي لا يشدد عليه ورواه مسلم أيضا فثبت السعاية بذلك وقال ابن حزم على ثبوت الاستسعاء ثلاثون صحابيا وقوله وإلا فقد عتق منه ما عتق لم تصح هذه الزيادة عن الثقة أنه من قول النبي حتى قال أيوب ويحيى بن سعيد الأنصاري أهو شيء في الحديث أو قاله نافع من قبله وهما الراويان لهذا الحديث وقال ابن حزم في ( المحلى ) هي مكذوبة
واعلم أن ههنا أربعة عشر مذهبا الأول مذهب عروة ومحمد بن سيرين والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي وزفر أن من أعتق شركا له في عبد ضمن قيمة حصة شريكه موسرا كان أو معسرا ورووا ذلك عن عبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب الثاني مذهب ربيع أن من أعتق حصة له من عبد بينه وبين آخر لم ينفذ عتقه نقله أبو يوسف عنه الثالث مذهب الزهري وعبد الرحمن بن يزيد وعطاء ابن أبي رباح وعمرو بن دينار أنه ينفذ عتق من أعتق ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما شاء الرابع مذهب عثمان الليثي فإنه ينفذ عتق الذي أعتق في نصيبه ولا يلزمه شيء لشريكه إلا أن تكون جارية رائعة إنما تلتمس للوطء فإنه يضمن للضرر الذي أدخل على شريكه الخامس مذهب الثوري والليث والنخعي في قول فإنهم قالوا إن شريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن المعتق السادس مذهب ابن جريج وعطاء بن أبي رباح في قول إنه إن أعتق أحد الشريكين نصبه استسقى العبد سواء كان المعتق معسرا أو موسرا السابع مذهب عبد الله بن أبي يزيد أنه أن أعتق مشركا له في عبد وهو مفلس فأراد العبد أخذ نصيبه بقيمته فهو أولى بذلك إن نقد الثامن مذهب ابن سيرين أنه إذا أعتق نصيبه في عبد فباقيه يعتق من بيت مال المسلمين التاسع مذهب مالك أن المعتق إن كان موسرا قوم عليه حصص شركائه وأغرمها لهم وأعتق كله بعد التقويم لا قبله وإن شاء الشريك أن يعتق حصته فله ذلك وليس له أن يمسكه رقيقا ولا أن يكاتبه ولا أن يبيعه ولا أن يدبره وإن كان معسرا فقد عتق ما أعتق والباقي رقيق يبيعه الذي هو له إن شاء أو

(13/52)


يمسكه رقيقا أو يكاتبه أو يهبه أو يدبره وسواء أيسر المعتق بعد عتقه أو لم يوسر العاشر مذهب الشافعي في قول وأحمد وإسحاق أن الذي أعتق إن كان موسرا قوم عليه حصة من شركه وهو حر كله حين أعتق الذي أعتق نصيبه وليس لمن يشركه أن يعتقه ولا أن يمسكه وإن كان معسرا فقد عتق ما عتق وبقي سائره مملوكا يتصرف فيه مالكه كيف شاء الحادي عشر مذهب عبد الله بن شبرمة والأوزاعي والحسن بن حي وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي والحسن البصري وحماد بن أبي سليمان وقتادة كمذهب أبي يوسف ومحمد وقد ذكرناه الثاني عشر مذهب أبي حنيفة وقد ذكرناه الثالث عشر مذهب بكير بن الأشج فإنه قال في رجلين بينهما عبد فأراد أحدهما أن يعتق أو يكاتب فإنهما يتقاومانه الرابع عشر مذهب الظاهرية أنه إذا أعتق أحد نصيبه من العبد المشترك يعتق كله حين تلفظ بذلك فإن كان له مال يفي بقيمة حصة شريكه على حسب طاقته ليس للشريك غير ذلك ولا له أن يعتق والولاء للذي أعتق أولا ولا يرجع العبد على من أعتقه بشيء مما سعى فيه حدث له مال أو لم يحدث
النوع الثالث فيه دليل على صحة عتق الموسر وتبرعاته من الصدقة ونحوها وهو قول جمهور العلماء وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان معسرا لا يصح عتق نصيبه ويبقى العبد جميعه في الرق وحكاه القاضي عياض وقد ادعى ابن عبد البر الإتفاق على خلافه فقال وقد أجمع العلماء على القول بنفوذ العتق من الشخص سواء كان المعتق معسرا أو موسرا
النوع الرابع يستدل بعموم قوله من أعتق على أن الحكم فيه عام في جميع من يصح منه العتق سواء كان المعتق أو الشريك أو العبد المعتق مسلما أو كافرا
النوع الخامس فيه أن المال الغائب كالحاضر لأنه مالك عليه فيعتق عليه حصة شريكه بالسراية ويطالبه بقيمة حصته وفيه خلاف للمالكية
النوع السادس قال شيخنا في قوله ما يبلغ ثمنه حجة لأحد الوجهين لأصحاب الشافعي أنه إذا ملك ما يبلغ بعض ثمن حصة شريكه أنه لا يعتق عليه
النوع السابع في أن المراد بقوله فكان له من المال ما يبلغ ثمنه وهو ما يفضل عن قوت يومه وقوت من يلزمه نفقته وسكنى يومه ودست ثوب كما هو المعتبر في الديون وهو قول الجماهير من العلماء وبه جزم الرافعي فإنه قال وليس اليسار المعتبر في هذا الباب كاليسار المعتبر في الكفارة المرتبة وكذا قال ابن الماجشون من المالكية وقال أشهب يباع عليه ثياب ظهره ولا يترك له إلا ما يصلي فيه وقال ابن القاسم يباع عليه منزله الذي يسكنه وشوار بيته ولا يترك له إلا كسوة ظهره وعيشة الأيام
النوع الثامن في قوله من أعتق دليل على أنه لا فرق بين أن يكون من أعتق نصيبه واحدا أو أكثر
النوع التاسع قال شيخنا إذا وقع العتق من واحد فأكثر معا وكانوا موسرين فيقوم عليهم على قدر الحصص أو على عدد الرؤوس فيه خلاف عند الشافعية والمالكية والأصح عند أصحاب الشافعي أنه على عدد الرؤوس كالشفعة وصحح ابن العربي أن هذا على قدر الحصص
النوع العاشر قال شيخنا أيضا إن في قوله من أعتق شقصا له دليل أن تقدم كتابة شريكه لعبده في حصته لا يمنع من سراية العتق في نصيب شريكه لأن المكاتب عبد وهو الصحيح المشهور كما قال الرافعي وعن صاحب ( التقريب ) رواية وجه أو قول أنه لا يسري إذ لا سبيل إلى إبطال الكتابة
النوع الحادي عشر قال شيخنا أيضا وفيه أيضا أن تعلق الرهن بحصة الشريك لا يمنع من السراية وهو الصحيح كما قال الرافعي
النوع الثاني عشر قال شيخنا أيضا فيه أن تقدم تدبير الشريك بحصته على إعتاق الشريك الموسر بحصته لا يمنع السراية أيضا وفيه قولان للشافعي والأقوى كما قال الرافعي أنه لا يمنع والقول الثاني أنه يمنع
النوع الثالث عشر فيه أيضا أن تقدم استيلاء الشريك وهو معسر لا يمنع سراية إعتاق شريكه
النوع الرابع عشر استدل به ابن عبد البر لقول مالك وأصحابه إن من أفسد شيئا من العروض التي لا تكال ولا توزن فإنما عليه قيمة ما استهلك من ذلك لا مثله لأنه لم يوجب على من أعتق نصيبه نصف عبد مثله لشريكه قال مالك القسمة أعدل في ذلك وهذا قول أبي حنيفة أيضا

(13/53)


النوع الخامس عشر قال شيخنا الحديث محمول على ما إذا أعتق نصيبه في حالة الصحة فإذا أعتق حصته في المرض ومات فإنه لا ينفذ ولا يسري على الموسر إلا ما احتمله ثلث ماله وكذلك لو أوصى بعتق نصيبه أو ببعض حصته فإنه لا يسري عليه شيء زائد على ذلك لا في حصته ولا في حصة شريكه لأنه قد انقطع ملكه بالموت
النوع السادس عشر شرط السراية التي هي من خواص العتق أن يحصل العتق في حصته باختياره حتى لو ورت سقطا من قريبه الذي يعتق عليه لم يسر ولم يقوم عليه نصيب شريكه بخلاف ما إذا اشتراه أو اتهبه قاله الرافعي
2942 - حدثنا ( بشر بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( سعيد بن أبي عروبة ) عن ( قتادة ) عن ( النضر بن أنس ) عن ( بشير بن نهيك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من أعتق شقيصا من مملوكه فعليه خلاصه في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى غير مشقوق عليه
مطابقته للترجمة في قوله قوم المملوك قيمة عدل
ذكر رجاله وهم سبعة الأول بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد مر في الوحي الثاني عبد الله بن المبارك الثالث سعيد بن أبي عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالباء الموحدة واسمه مهران اليشكري الرابع قتادة بن دعامة الخامس النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن أنس بن مالك النجاري الأنصاري السادس بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة ابن نهيك بفتح النون وكسرها وبالكاف السلولي ويقال السدوسي السابع أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وهو وشيخه مروزيان والبقية بصريون وقال الخطيب رواه يزيد بن هارون عن سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس بلفظ من أعتق نصيبا له من عبد ولم يكن له مال استسعى العبد في ثمن رقبته غير مشقوق عليه هكذا رواه يزيد قصر عن بعض الألفاظ التي ذكرها عبد الله بن بكر عن ابن أبي عروبة وقد رواه سعيد بن المبارك ويزيد بن زريع ومحمد بن بشر العبدي ويحيى القطان ومحمد ب أبي عدي فأحسنوا سياقه واستوفوا ألفاظه وكذلك رواه أبان بن يزيد وجرير بن حازم وموسى بن خلف عن قتادة ورواه شعبة عن قتادة فلم يذكر استسعاء العبد وكذلك رواه روح بن عبادة ومعاذ بن هشام كلاهما عن هشام الدستوائي عن قتادة إلا أن معاذا لم يذكر في إسناده النضر إنما قال عن قتادة عن بشير بن نهيك ورواه محمد بن كثير العبدي عن همام عن قتادة وروى أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن يزيد المصري عن همام معنى ذلك إلا أنه زاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي فقال وكان قتادة يقول إن لم يكن له مال استسعى وفي لفظ عند الإسماعيلي أن رجلا أعتق شقصا من مملوكه فغرمه النبي بقية ثمنه قال الإسماعيلي إن كان الاستسعاء على ما يذهب إليه الكوفي منه فقد جمع بين حديثي ابن عمر وأبي هريرة وهما متدافعان وجعلهما صحيحين وهذا بعيد جدا والقول في ذلك أحد قولين أحدهما إن قوله استسعى العبد ليس في الخبر المسند وإنما هو لقتادة فدرج في الخبر على ما رواه همام عن قتادة وأما أن يكون استسعاء العبد السيد يستسعيه في قومه غير مشقوق عله أن العتق لم يكمل فيه فإنه لم يبين في الخبر من يستسعيه وتبين أن العتق لم ينفذ فيه فصار سيده هو الذي يستسعيه قلت أبو هريرة روى هذا الحديث كما رواه ابن عمر وزاد عليه شيئا بين به كيف حكم ما بقي من العبد بعد نصيب المعتق كما هو مشروح فيه فكان هذا الحديث فيه ما في حديث ابن عمر وفيه وجوب السعاية على العبد إذا كان معتقه معسرا وسنزيد فيه عن قريب إن شاء الله تعالى
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في العتق عن مسدد وعن أحمد بن أبي رجاء وفي الشركة أيضا عن أبي النعمان وأخرجه مسلم في العتق وفي النذور عن محمد بن موسى ومحمد بن بشار وفي النذور أيضا عن عبيد الله بن

(13/54)


معاذ وفي العتق أيضا عن علي بن خشرم وفي النذور أيضا عن إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم وفيهما أيضا عن عمرو الناقد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وفي العتق أيضا عن هارون بن عبد الله وأخرجه أبو داود في العتق عن مسلم بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وعن محمد بن كثير وعن أحمد بن علي وعن محمد بن المثنى عن معاذ ولم يذكر النضر بن أنس في إسناده وعن نصر بن علي وعن علي بن عبد الله وعن محمد بن بشار وفي حديث أبان وابن أبي عروبة ذكر الاستسعاء وأخرجه الترمذي في الأحكام عن علي بن خشرم به وعن محمد بن بشار وفيه ذكر الاستسعاء قال ورواه شعبة عن قتادة ولم يذكر فيه أمر السعاية وأخرجه النسائي في العتق عن محمد بن المثنى وعن محمد بن بشار وعن هناد وعن نصر بن علي وعن المؤمل بن هشام وعن محمد بن عبد الله وفيه ذكر السعاية وعن محمد بن المثنى ومحمد بن إسماعيل ولم يذكر النضر بن أنس في إسناده ولا قصة الاستسعاء وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر بن أبي شيبة به
ذكر بيان ما في حديثي أبي هريرة وابن عمر المذكورين قد ذكرنا عن قريب أن في حديث أبي هريرة زيادة وهي وجوب السعاية على العبد إذا كان المعتق معسرا فإن قلت قال الخطابي قوله استسعى غير مشقوق عليه لا يثبته أهل النقل مسندا عن النبي ويزعمون أنه من قول قتادة وقد تأوله بعض الناس فقال معنى السعاية أن يستسعي العبد لسيده أي يستخدم وكذلك معنى قوله غير مشقوق عليه أي لا يحمل فوق ما يلزمه من الخدمة إلا بقدر ما فيه من الرق ولا يطالب بأكثر منه وأيضا لم يذكر ابن أبي عروبة بالسعاية في روايته عن قتادة وفيه اضطراب فدل على أنه ليس من متن الحديث عنده وإنما هو من كلام قتادة ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر وقال أبو عمر بن عبد البر روى أبو هريرة هذا الحديث على خلاف ما رواه ابن عمر واختلف في حديثه وهو حديث يدور على قتادة عن النضر بن أنس عن بشير ابن نهيك عن أبي هريرة واختلف أصحاب قتادة عليه في الاستسعاء وهو الموضع المخالف لحديث ابن عمر من رواية مالك وغيره واتفق شعبة وهمام على ترك ذكر السعاية في هذا الحديث والقول قولهم في قتادة عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم في قتادة غيرهم وأصحاب قتادة الذين هم حجة فيه هؤلاء الثلاثة فإن اتفق هؤلاء الثلاثة لم يعرج على من خالفهم في قتادة وإن اختلفوا نظر فإن اتفق منهم اثنان وانفرد واحد فالقول قول الإثنين لا سيما إذا كان أحدهما شعبة وليس أحد بالجملة في قتادة مثل شعبة لأنه كان يوقفه على الإسناد والسماع وقد اتفق شعبة وهشام في هذا الحديث على سقوط ذكر الاستسعاء فيه وتابعهما همام وفي هذا تقوية لحديث ابن عمر وهو حديث مدني صحيح لا يقاس به غيره وهو أولى ما قيل به في هذا الباب
وقال البيهقي ضعف الشافعي السعاية بوجوه منها أن شعبة وهشاما رواياه عن قتادة وليس فيه استسعاء وهما أحفظ ومنها أنه سمع بعض أهل العلم يقول لو كان حديث سعيد منفردا لا يخالفه غيره ما كان ثابتا قلت تابع ابن أبي عروبة على روايته عن قتادة يحيى بن أبي صبيح رواه الحميدي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي عروبة ويحيى بن صبيح عن قتادة على ما رواه الطحاوي عن محمد بن النعمان عن الحميدي وهو شيخ البخاري عن سفيان بن عيينة شيخ الشافعي عن سعيد بن أبي عروبة ويحيى بن صبيح بفتح الصاد الخراساني المقري كلاهما عن قتادة كذلك وقد ذكر البيهقي أيضا في ( سننه ) أن الحجاج وأبان وموسى بن خلف وجرير بن حازم رووه عن قتادة كذلك يعني ذكروا فيه الاستسعاء وإذا سكت شعبة وهشام عن الاستسعاء لم يكن ذلك حجة على ابن أبي عروبة لأنه ثقة قد زاد عليهما شيئا فالقول قوله كيف وقد وافقه على ذلك جماعة وقال ابن حزم هذا خبر في غاية الصحة فلا يجوز الخروج عن الزيادة التي فيه وقد رواه عنه يزيد ابن هارون وعيسى بن يونس وجماعة كثيرة ذكرهم صاحب ( التمهيد ) ولم يختلفوا عليه في أمر السعاية منهم عبدة بن سليمان وهو أثبت الناس سماعا من ابن أبي عروبة وقال صاحب ( الاستذكار ) وممن رواه عنه كذلك روح بن عبادة ويزيد بن زريع وعلي بن مسهر ويحيى بن سعيد ومحمد بن بكر ويحيى بن أبي عدي ولو كان هذا الحديث غير ثابت كما زعمه الشافعي لما أخرجه الشيخان في ( صحيحيهما ) وقال شارح ( العمدة ) الذين لم يقولوا بالاستسعاء تعللوا في تضعيفه بتعللات على البعد ولا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليهم فيها مثل تلك التعللات

(13/55)


ذكر معناه قوله شقيصا بفتح الشين المعجمة وكسر القاف بمعنى الشقص وهو النصيب وقد ذكرنا أنهما لغتان بمعنى واحد كالنصيف والنصف قوله فعليه خلاصه أي فعليه أداء قيمة الباقي من ماله ليتخلص من الرق قوله قيمة عدل قد مضى تفسيره قوله غير مشقوق أي غير مكلف عليه في الاكتساب حاصله يكلف العبد بالاستسعاء قدر نصيب الشريك الآخر بلا تشديد فإذا دفعه إليه عتق ومعنى هذا الحديث مثل معنى حديث ابن عمر غير أن فيه زيادة هي الاستسعاء وثبت هذا عند الشيخين والترمذي أيضا وروى ابن عدي في ( الكامل ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال من أعتق شقصا من رقيق كان عليه أن يعتق نفسه فإن لم يكن له مال يستسعى العبد والله أعلم
6 -
( باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه )
أي هذا باب يذكر فيه هل يقرع من القرعة بضم القاف وهي معروفة قوله والاستهام أي أخذ السهم أي النصيب وليس المراد من الاستهام هنا الإقراع وإن كان معناهما في الأصل واحدا لأنه لا معنى أن يقال هل يقرع في الإقراع قوله فيه قال الكرماني الضمير عائد إلى القسم أو المال الذي يدل عليها القسمة وقال بعضهم الضمير يعود إلى القسم بدلالة القسمة قلت كلاهما بمعزل عن نهج الصواب ولم يذكر هنا قسم ولا مال حتى يعود الضمير إليه بل الضمير يعود إلى القسمة والتذكير باعتبار أن القسمة هنا بمعنى القسم وفي ( المغرب ) القسمة اسم من الاقتسام وجواب هل محذوف تقديره نعم يقرع قال ابن بطال القرعة سنة لكل من أراد العدل في القسمة بين الشركاء والفقهاء متفقون على القول بها وخالفهم بعض الكوفيين وقالوا لا معنى لها لأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه جوزها وقال هي في القياس لا تسقيم ولكنا نترك القياس في ذلك للآثار والسنة وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في الإفك كان إذا خرج أقرع بين نسائه وفي حديث أم العلاء أن عثمان بن مظعون طاولهم سهمه في السكنى حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين وفي حديث أبي هريرة لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه وقال تعالى فساهم فكان من المدحضين ( الصافات 141 ) وقال إسماعيل القاضي ليس في القرعة إبطال شيء من الحق وإذا وجبت القسمة بين الشركاء في أرض أو دار فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ويستهموا ويصير لكل واحد منهم ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا فيصير في موضع بعينه ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه وإنما منعت القرعة أن يختار كل واحد منهم موضعا بعينه
3942 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثني ( زكرياء ) قال سمعت ( عامرا ) يقول سمعت ( النعمان بن بشير ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا
( الحديث 3942 - طرفه في 6862 )
مطابقته للترجمة في قوله استهموا على سفينة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين الأحول الكوفي وزكرياء هو ابن زائدة الهمداني الكوفي الأعمى وعامر هو الشعبي والنعمان بن بشير بفتح الباء الموحدة الأنصاري مر في كتاب الإيمان
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشهادات عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش عن الشعبي به وأخرجه الترمذي في الفتن عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن الأعمش به وقال حسن صحيح
قوله مثل القائم على حدود الله تعالى أي المستقيم على ما منع الله تعالى من مجاوزتها ويقال القائم بأمر الله معناه الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وقال الزجاج أصل الحد في اللغة المنع ومنه حد الدار وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها والحداد الحاجب والبواب ولفظ

(13/56)


الترمذي مثل القائم على حدود الله تعالى والمدهن فيها أي الغاش فيها ذكره ابن فارس وقيل هو كالمصانعة ومنه قوله تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون ( القلم 9 ) وقيل المدهن المتلين لمن لا ينبغي التلين له قوله والواقع فيها أي في الحدود أي التارك للمعروف المرتكب للمنكر قوله استهموا أي اتخذ كل واحد منهم سهما أي نصيبا من السفينة بالقرعة قوله على من فوقهم أي على الذين فوقهم قوله ولم نؤذ من الأذى وهو الضرر قوله من فوقنا أي الذين سكنوا فوقنا قوله فإن يتركوهم وما أرادوا أي فإن يترك الذين سكنوا فوقهم إرادة الذين سكنوا تحتهم من الخرق والواو بمعنى مع وكلمة ما مصدرية قوله هلكوا جواب الشرط وهو قوله فإن قوله هلكوا جميعا أي كلهم الذين سكنوا فوق والذين سكنوا أسفل لأن بخرق السفينة تغرق السفينة ويهلك أهلها قوله وإن أخذوا على أيديهم أي وإن منعوهم من الخرق نجوا أي الآخذون ونجوا جميعا يعني جميع من في السفينة ولو لم يذكر قوله ونجوا جميعا لكانت النجاة اختصت بالآخذين فقط وليس كذلك بل كلهم نجوا لعدم الخرق وهكذا إذا أقيمت الحدود وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر تحصل النجاة للكل وإلا هلك العاصي بالمعصية وغيرهم بترك الإقامة
ويستفاد منه أحكام فيه جواز الضرب بالمثل وجواز القرعة فإنه ضرب المثل هنا بالقوم الذين ركبوا السفينة ولم يذم المستهمين في السفية ولا أبطل فعلهم بل وضيه وضرب به مثلا لمن نجى من الهلكة في دينه وفيه تعذيب العامة بذنوب الخاصة واستحقاق العقوبة بترك النهي عن المنكر مع القدرة وفيه أنه يجب على الجار أن يصبر على شيء من أذى جاره خوف ما هو أشد وفيه إثبات القرعة في سكنى السفية إذا تشاحوا وذلك فيما إذا نزلوا معا فأما من سبق منهم فهو أحق وذكر ابن بطال هنا مسألة الدار التي لها علوا وسفل لمناسبة بينها وبين أهل السفينة فقال وأما حكم العلو والسفل يكون بين رجلين فيعتل السفل ويريد صاحبه هدمه فليس له هدمه إلا من ضرورة وليس لرب العلو أن يبني على سفله شيئا لم يكن قبل إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر صاحب السفل فلو انكسرت خشبة من سفل العلو فلا يدخل مكانها أسفل منها قال أشهب وباب الدار على صاحب السفل فلو انهدم السفل أجبر صاحبه على بنائه وليس على صاحب العلو أن يبني السفل فإن أبى صاحب السفل أن يبني قيل له بع ممن يبني انتهى قلت الذي ذكره أصحابنا أنه ليس لصاحب العلو إذا انهدم السفل أن يأخذ صاحب السفل بالبناء لكن يقال لصاحب العلو ابن السفل إن شئت حتى يبلغ موضعه علوك ثم ابن علوك وليس لصاحب السفل أن يسكن حتى يعطي قيمة بناء السفل وذو العلو يسكن علوه والسفل كالرهن في يده وسقف السفل بكل آلاته لصاحب السفل ولصاحب العلو سكناه وصاحب العلو إذا بنى السفل فله أن يرجع بما أنفق على صاحب السفل وإن كان صاحب السفل يقول لا حاجة لي إلى السفل
7 -
( باب شركة اليتيم وأهل الميراث )
أي هذا باب في بيان حكم شركة اليتيم وأهل الميراث وحكمه ما قاله ابن بطال شركة اليتيم ومخالطته في ماله لا يجوز عند العلماء إلا أن يكون لليتيم في ذلك رجحان قال تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ( البقرة 022 )
4942 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله العامري الأويسي ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) أنه ( سأل عائشة ) رضي الله تعالى عنها وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن قول الله تعالى وإن خفتم إلى ورباع ( النساء 3 ) فقالت يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا

(13/57)


أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة قالت عائشة ثم إن الناس استفتوا رسول الله بعد هاذه الآية فأنزل الله ويستفتونك في النساء إلى قوله وترغبون أن تنكحوهن والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت عائشة وقول الله في الآية الأخرى وترغبون أن تنكحوهن يعني هي رغبة أحدكم بيتيمته التي في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن ( النساء 721 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله
ذكر رجاله وهم ثمانية الأول عبد العزيز بن يحيى بن عمرو بن أويس القرشي العامري الأويسي بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المهملة نسبة إلى جده أويس الثاني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق القرشي الزهري كان على قضاء بغداد الثالث صالح بن كيسان أبو محمد مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس الليث بن سعد السابع يونس بن يزيد الأيلي الثامن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه السؤال في موضعين وفيه أن الطريق الأول موصول والطريق الثاني وهو قوله وقال الليث معلق وفيه أن رواة الطريق الأول كلهم مدنيون ورواة الطريق الثاني من نسب شتى فالليث مصري ويونس أيلي وابن شهاب مدني وكذلك عروة وفيه أن شيخه من أفراده
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري من طريق يونس عن الزهري في الأحكام عن علي بن عبد الله وفي الشركة وقال الليث وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأخرجه أبو داود في النكاح عن أحمد بن عمرو بن السرح وأخرجه النسائي فيه عن يونس بن عبد الأعلى وسليمان بن داود أربعتهم عن وهب عن يونس وأخرجه النسائي الطريق الأول عن سليمان بن سيف عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد به
ذكر معناه قوله وقال الليث معلق وصله الطبري في تفسيره من طريق عبد الله بن صالح عن الليث مقرونا بطريق ابن وهب عن يونس قوله وإن خفتم إلى ورباع يعني سأل عروة عائشة عن تفسير قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ( النساء 3 ) ومعنى قوله وإن خفتم يعني إذا كانت تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثيرة ولم يضيق الله عليه وسيأتي في البخاري في تفسير سورة النساء حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( النساء 3 ) أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله ثم ذكر البخاري عقيب هذا الحديث حديث الباب الذي أخرجه عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي إلى آخره وفي رواية لمسلم من حديث هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( النساء 3 ) قالت أنزلت في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ووارثها ولها مال وليس لها أحد يخاصم دونها ولا ينكحها لمالها فيضربها ويسيء صحبتها فقال وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء 721 ) يقول ما أحللت لكم ودع هذه التي تضربها انتهى قوله ما طاب لكم ( النساء 3 ) قرأ ابن أبي عبلة من طاب لكم ومعنى طاب حل قوله مثنى وثلاث ورباع ( النساء 3 ) معدولات عن اثنين وثلاث وأربع وهي نكرة ومنعها

(13/58)


عن الصرف للعدل والوصف وقيل للعدل والتأنيث لأن العدد كله مؤنث والواو جاءت على طريق البدل كأنه قال وثلاث بدل من ثنتين ورباع بدل من ثلاث ولو جاءت أو لجاز أن لا يكون لصاحب المثنى ثلاث ولا لصاحب الثلاث رباع والمقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره وقال الشافعي وقد دلت سنة رسول الله المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله أن يجمع بين أكثر من أربع وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكى عن طائفة من الشيعة في الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع وقال بعضهم لا حصر وقد يتمسك بعضهم بفعل النبي في جمعه بين أكثر من أربع أما تسع كما ثبت في الصحيحين وأما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري وهذا عند العلماء من خصائص رسول دون غيره من الأمة قوله فقالت يا ابن أختي وذلك لأن عروة ابن أسماء أخت عائشة رضي الله تعالى عنها قوله في حجر وليها بفتح الحاء وكسرها وقال ابن الأثير يجوز أن يكون من حجر الثوب وهو طرفه المقدم لأن الإنسان يربي ولده في حجره والحجر بالفتح والكسر الثوب والحضن والمصدر بالفتح لا غير ووليها هو القائم بأمرها قوله بغير أن يقسط بضم الياء من الإقساط وهو العدل يقال أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل وقسط يقسط من باب ضرب يضرب فهو قاسط إذا جار فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكى إليه فأشكاه قوله فنهوا بضم النون والهاء لأنه صيغة المجهول وأصله نهيوا فنقلت ضمة الياء إلى الهاء فالتقى ساكنان فحذفت الياء فصار نهوا على وزن فعوا لأن المحذوف لام الفعل قوله ثم إن الناس استفتوا أي طلبوا منه الفتوى في أمر النساء الفتوى والفتيا بمعنى واحد وهو الإسم والمفتي من يبين المشكل من الكلام وأصله من الفتي وهو الشاب القوي فالمفتي يقوى ببيانه ما أشكل قوله بعد هذه الآية وهي قوله تعالى وإن خفتم إلى ورباع ( النساء 3 ) قوله فأنزل الله تعالى ويستفتونك في النساء ( النساء 721 ) أي يطلبون منك الفتوى في أمر النساء قال ابن أبي حاتم قرأت على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ثم إن الناس استفتوا رسول بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ( النساء 721 ) الآية قالت والذي ذكر الله أن يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء 3 ) وبهذا الإسناد عن عائشة قالت وقول الله وترغبون أن تنكحوهن ( النساء 721 ) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال إلى آخر ما ساقه البخاري والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزويجها فتارة يرغب في أن يتزوجها فأمره الله تعالى أن يمهرها أسوة أمثالها من النساء فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء فقد وسع الله عز و جل وهذا المعنى في الآية الأولى التي في أول السورة وتارة لا يكون للرجل فيها رغبة لدمامتها عنده أو في نفس الإمر فنهاه الله عز و جل أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن ( النساء ) فكان الرجل في الجاهلية يكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه فإذا فعل ذلك بها لم يقدر أحد أن يتزوجها أبدا فإن كانت جميلة فهو بها تزوجها وأكل مالها وإن كانت دميمة منعها من الرجال حتى تموت فإذا ماتت ورثها فحرم ذلك ونهى عنه قوله رغبة أحدكم بيتيمته وفي رواية الكشميهني عن يتيمته وهذا هو الصواب وضبطه الحافظ الدمياطي هكذا
8 -
( باب الشركة في الأرضين وغيرها )
أي هذا باب في بيان حكم الشركة في الأرضين وغيرها أي وغير الأرضين كالدار والبساتين وكأنه أشار بهذا إلى أن للشركاء في الأرض وغيرها القسمة مطلقا خلافا لمن خصها بالتي ينتفع بها إذا قسمت على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى
5942 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( هشام ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي

(13/59)


سلمة ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال إنما جعل النبي الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ما لم يقسم لأن هذا يشعر بأن ما لم يقسم يكون بين الشركاء والقسمة لا تكون إلا بينهم والحديث مضى في باب شفعة ما لم يقسم فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن عبد الواحد عن معمر عن الزهري وهنا عن عبد الله بن محمد الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن هشام بن يوسف الصنعاني اليماني عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره قوله كل ما لم يقسم أي كل مشترك لم يقسم من الأراضي ونحوها
9 -
( باب إذا اقتسم الشركاء الدور أو غيرها فليس لهم رجوع ولا شفعة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اقتسم الشركاء الدور وغيرها أي غير الدور نحو البساتين وسائر العقارات وفي بعض النسخ إذا اقتسموا نحو أكلوني البراغيث قوله فليس لهم رجوعجواب إذا لأن القسمة عقد لازم فلا رجوع فيها قوله ولا شفعة أي ولا شفعة في القسمة لأن الشفعة في الشركة لا في القسمة لأن الشفعة لا تكون في شيء مقسوم عند العلماء كافة وإنما هي في المشاع لقوله إذا وقعت الحدود فلا شفعة
6942 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( أبي سلمة ابن عبد الرحمان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال قضى النبي بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن في الترجمة لزوم القسمة وليس في الحديث إلا نفي الشفعة وأجيب بأنه يلزم من نفي الشفعة نفي الرجوع إذ لو كان للشريك الرجوع لعاد ما يشفع فيه مشاعا فحينئذ تعود الشفعة والحديث مضى الآن وفي باب شفعة ما لم يقسم كم ذكرناه وعبد الواحد هو ابن زياد البصري
01 -
( باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه من الصرف )
أي هذا باب في بيان حكم الاشتراك في الذهب والفضة وهو جائز إذا كان من كل واحد من الإثنين دراهم أو دنانير فالشرط أن يخلطا المال حتى يتميز ثم يتصرفان جميعا ويقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه وهذا صحيح بلا خلاف واختلفوا فيما إذا كان من أحدهما دنانير ومن الآخر دراهم فقال مالك والكوفيون والشافعي وأبو ثور لا يجوز وقال ابن القاسم إنما لم يجز ذلك لأنه صرف وشركة وكذلك قال مالك وحكى ابن أبي زيد خلاف مالك فيه وأجازه سحنون وأكثر قول مالك إنه لا يجوز وقال الثوري يجوز أن يجعل أحدهما دنانير والآخر دراهم فيخلطانها وذلك أن كل واحد منهما قد باع بنصف نصيبه نصف نصيب صاحبه قوله وما يكون فيه من الصرف وفي بعض النسخ وما يكون في الصرف بدون كلمة من وهذا مثل التبر والدراهم المغشوشة وقد اختلف العلماء في ذلك فقال الأكثرون يصح في كل مثلي وهذا هو الأصح عند الشافعية وقيل يختص بالنقد المضروب وقال الكرماني وما يكون فيه الصرف هو بيع الذهب بالفضة وبالعكس وسمي به لصرفه عن مقتضى البياعات من جواز التفاضل فيه وقيل من صريفهما وهو تصويتهما في الميزان
8942 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عثمان ) يعني ( ابن الأسود ) قال أخبرني ( سليمان بن أبي مسلم ) قال سألت أبا المنهال عن الصرف يدا بيد فقال اشتريت أنا وشريك لي

(13/60)


شيئا يدا بيد ونسيئة فجاءنا البراء بن عازب فسألناه فقال فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم فسألنا النبي عن ذالك فقال ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فذروه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله اشتريت أنا وشريك لي شيئا وذلك لأن أبا المنهال وشريكه كانا يشتريان شيئا من الذهب والفضة يدا بيد ونسيئة وكانا شريكين فيهما فسألا عن حكم ذلك لأنه صرف ثم عملا بما بلغهما من النبي إن ما كان يدا بيد فهو جائز وما كان نسيئة فلا يجوز
والحديث مر في أوائل البيوع في باب التجارة في البر فإنه أخرجه هناك من طريقين الأول عن أبي عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن المنهار والآخر عن الفضل بن يعقوب عن الحجاج بن محمد إلى آخره وهنا أخرجه عن عمرو بفتح العين ابن علي بن بحر أبي حفص الباهلي البصري الصيرفي عن أبي عاصم النبيل واسمه الضحاك بن مخلد وهو شيخ البخاري أيضا وروى عنه هنا بواسطة وكذلك في عدة مواضع يروي عنه بواسطة وفي مواضع يروي عنه بلا واسطة وعثمان هو ابن الأسود ابن موسى بن باذان المكي وقوله يعني ابن الأسود إشعار منه بأن شيخه لم يقل إلا عثمان فقط وأما ذكر نسبه فهو منه وهذا من جملة الاحتياطات وسليمان بن أبي مسلم هو الأحول مر في التهجد وأبو المنهال بكسر الميم وسكون النون وباللام عبد الرحمن
قوله شيئا يدا بيد ونسيئة ولفظه في كتاب البيوع كنت أتجر في الصرف قوله فخذوه بالفاء وكذلك فذروه بالفاء ويروى ذروه بدون الفاء وذلك لأن الاسم الموصول بالفعل المتضمن للشرط يجوز فيه دخول الفاء في خبره ويجوز تركه قوله فذروه بالذال المعجمة وتخفيف الراء أي اتركوه وهو من الأفعال التي أمات العرب ماضيها وهذه هي رواية كريمة وفي رواية النسفي فردوه بضم الراء وتشديد الدال من الرد
وفيه رد ما لا يجوز وهو النسيئة وهو التأخير فلا يجوز شيء من الصرف نسيئة وإنما يجوز يدا بيد وقد مر
11 -
( باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة )
أي هذا باب في بيان حكم مشاركة الذمي والمشركين المسلم في المزارعة قوله والمشركين من باب عطف العام على الخاص على أن المراد من المشركين هم المستأمنون فيكونون في معنى أهل الذمة وأما المشرك الحربي فلا تتصور الشركة بينه وبين المسلم في دار الإسلام على ما لا يخفى وحكمها أنها تجوز لأن هذه المشاركة في معنى الإجارة واستئجار أهل الذمة جائز وأما مشاركة الذمي مع المسلم في غير المزارعة فعند مالك لا يجوز إلا أن يتصرف الذمي بحضرة المسلم أو يكون المسلم هو الذي يتولى البيع والشراء لأن الذمي قد يتجر في الربا والخمر ونحو ذلك مما لا يحل للمسلم وأما أخذ أموالهم في الجزية فللضرورة إذ لا مال لهم غيره وروى ما قاله مالك عن عطاء والحسن البصري وبه قال الليث والثوري وأحمد وإسحاق وعند أصحابنا مشاركة المسلم مع أهل الذمة في شركة المفاوضة لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف وقد عرف في موضعه
9942 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنه قال أعطاى رسول الله خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو أن فيه مشاركة اليهود في مزارعة خيبر من حيث إنه جعل لهم شطر ما يخرج من الزراعة من خيبر والشطر الباقي يصرف للمسلمين وهؤلاء اليهود كانوا أهل ذمة وألحق المشركون بهم لأنهم في حكم أهل الذمة لكونهم مستأمنين كما ذكرنا والحديث قد مضى في أوائل كتاب المزارعة في مواضع وقد مر الكلام فيه هناك ونذكر بعض شيء من ذلك
قوله أن يعملوها أي يزرعوا بياض أرضها ولذلك سموا المساقاة وفيه إثبات المساقاة والمزارعة ومالك لا يجيزه قوله ولهم شطر ما يخرج منهاأي من أرض خيبر التي يزرعونها
وفيه دليل على أن رب الأرض والشجر إذا بين حصة نفسه جاز وكان الباقي للعامل كما لو بين حصة

(13/61)


العامل وقال بعض الفقهاء إذا سمى حصة نفسه لم يكن الباقي للعامل حتى يسمي له حصته واحتج به أحمد أنه إذا كان البذر من عند العامل جاز وذهب ابن أبي ليلى وأبو يوسف إلى أنها جائزة سواء كان البذر من عند الأكار أو رب الأرض وقال ابن التين استدل به من أجاز قرض النصراني ولا دليل فيه لأنه قد يعمل بالربا ونحوه بخلاف المسلم والعمل في النخل والزرع لا يختلف فيه عمل يهودي من نصراني ولو كان المسلم فاسقا يخشى أن يعمل به ذلك كره أيضا كالنصراني بل أشد وقال المهلب وكل ما لا يدخله ربا ولا ينفرد به الذمي فلا بأس بشركة المسلم له فيه
21 -
( باب قسمة الغنم والعدل فيها )
أي هذا باب في بيان حكم قسمة الغنم والعدل فيها أي في قسمة الغنم
00 - 5 - 2 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة بن عامر ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أعطاه غنما يقسمها على صحابته وضحايا فبقي عتود فذكره لرسول الله فقال ضح به أنت
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى هذا الحديث بعين هذا المتن وبعين هذا الإسناد في أول كتاب الوكالة غير أن شيخه هناك عمرو بن خالد عن الليث وهنا قتيبة عنه وقد مر الكلام فيه هناك
قوله عتود بفتح العين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وهو ما بلغ الرعي وقوي وبلغ حولا وهذه القسمة يجوز فيها من المسامحة والمساهلة ما لا يجوز في القسمة التي هي تمييز الحقوق لأنه إنما وكل عقبة على تفريق الضحايا على أصحابه ولم يعين لأحد منهم شيئا بعينه فكان تفريقا موكولا إلى اجتهاد عقبة وكان ذلك على سبيل التطوع من رسول الله لا أنها كانت واجبة عليه لأصحابه فلم يكن على عقبة حرج في قسمتها ولا لزمه من أحد منهم ملامة إن أعطاه دون ما أعطى صاحبه وليس كذلك القسمة بين حقوقهم الواجبة فإنها متساوية في المقسوم فهذه لا يكون فيها تغابن ولا ظلم على أحد منهم
وفيه استيمار الوكيل ما يصنع بما فضل وفيه التفويض إلى الوكيل وفيه قبول العطية والتضحية بها
31 -
( باب الشركة في الطعام وغيره )
أي هذا باب في بيان حكم الشركة في الطعام وغيره هو كل ما يجوز تملكه وقال بعضهم وغيره أي من المثليات والذي قلنا هو أعم وأحسن وجواب الترجمة يجوز ذلك لأن الشركة بيع من البيوع فيجوز في الطعام وغيره وكره مالك الشركة في الطعام بالتساوي أيضا في الكيل والجودة لأنه يختلف في الصفة والقيمة ولا تجوز الشركة إلا على الاستواء في ذلك ولا يكاد أن يجمع فيه ذلك فكرهه وليس الطعام مثل الدنانير والدراهم التي هي على الاستواء عند الناس وقال ابن القاسم تجوز الشركة بالحنطة إذا اشتركا على الكيل ولم يشتركا على القيمة وأجاز الكوفيون وأبو ثور الشركة بالطعام وقال الأوزاعي تجوز الشركة بالقمح والزيت لأنهما يختلطان جميعا ولا يتميز أحدهما من الآخر واختلفوا في الشركة بالعروض فجوزها مالك وابن أبي ليلى ومنعها الثوري والكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال الشافعي لا تجوز الشركة في كل ما يرجع في حال المفاضلة إلى القيمة إلا أن يبيع نصف عرضه بنصف عرض الآخر ويتقابضان
ويذكر أن رجلا ساوم شيئا فغمزه آخر فرأى عمر أن له شركة
كذا وقع في رواية الأكثرين فرأى عمر وفي رواية ابن شبويه فرأى ابن عمر والأول أصح وهذا التعليق رواه سعيد بن منصور من طريق إياس بن معاوية أن عمر أبصر رجلا يساوم سلعة وعنده رجل فغمزه حتى اشتراها فرأى عمر أنها شركة وهذا يدل على أنه كان لا يشترط للشركة صيغة ويكتفي فيها بالإشارة إذا ظهرت القرينة وهو قول مالك وعن

(13/62)


مالك أيضا في السلعة تعرض للبيع فيقف من يشتريها للتجارة فإذا اشتراها واحد منهم واستشركه الآخر لزمه أن يشركه لأنه انتفع بترك الزيادة عليه وكذلك إذا غمزه أو سكت فسكوته رضا بالشركة لأنه كان يمكنه أن يقول لا أشركك فيزيد عليه فلما سكت كان ذلك رضا وقال ابن حبيب ذلك لتجار تلك السلعة خاصة كأن يشتريها في الأول من أهل تلك التجارة أو غيرهم قال وروي أن عمر قضى بمثل ذلك قال وكل ما اشتراه لغير تجارة فسأله رجل أن يشركه وهو يشتري فلا تلزمه الشركة وإن كان الذي استشركه من أهل التجارة والقول قول المشتري مع يمينه إن شراه ذلك لغير التجارة قال وما اشتراه الرجل من تجارته في حانوته أو بيته فوقف به ناس من أهل تجارته فاستشركوه فإن الشركة لا تلزمه ونقل ابن التين عن مالك في رواية أشهب فيمن يبتاع سلعة وقوم وقوف فإذا تم البيع سألوه الشركة فقال أما الطعام فنعم وأما الحيوان فما علمت ذلك فيه زاد في ( الواضحة ) وإنما رأيت ذلك خوفا أن يفسد بعضهم على بعض إذا لم يقض لهم بذلك وقال أصبغ الشركة بينهم في جميع السلع من الأطعمة والعروض والدقيق والحيوان والثياب واختلف فيمن حضرها من ليس من أهل سوقها ولا من يتجر بها فقال مالك وأصبغ لا شركة لهم وقال أشهب نعم
2052 - حدثنا ( أصبغ بن الفرج ) قال أخبرني ( عبد الله بن وهب ) قال أخبرني ( سعيد ) عن ( زهرة ابن معبد ) عن جده ( عبد الله بن هشام ) وكان قد أدرك النبي وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله فقالت يا رسول الله بايعه فقال هو صغير فمسح رأسه ودعا له وعن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم فيقولان له أشركنا فإن النبي قد دعا لك بالبركة فيشركهم فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل
( الحديث 1052 - طرفه في 0127 ) ( الحديث 2052 طرفه في 3536 )
هذا الحديث إلى آخر الباب حديث واحد غير أنه ذكر بعد قوله وعن زهرة بن معبد وهو أيضا موصول بالسند الأول والمطابقة بينه وبين الترجمة في قوله فيقولان له أشركنا إلى آخره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أصبغ بن الفرج بالجيم أبو عبد الله مر في الوضوء الثاني عبد الله بن وهب بن مسلم أبو محمد الثالث سعيد هو ابن أبي أيوب الخزاعي واسمه أبو أيوب مقلاص الرابع زهرة بضم الزاي وسكون الهاء من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث ابن معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن عبد الله بن هشام أو عقيل بفتح العين الخامس جده عبد الله بن هشام بن زهرة التيمي من بني عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة رهط أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهشام مات قبل الفتح كافرا وقد شهد عبد الله بن هشام فتح مصر فاختط بها ذكره ابن يونس وغيره وعاش إلى خلافة معاوية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن رواته كلهم مصريون وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن عبد الله بن هشام أيضا من أفراده وفيه رواية الراوي عن جده وفيه سعيد ذكر مجردا عن نسبه وفي رواية ابن شبويه سعيد هو ابن أبي أيوب وفيه عن زهرة وفي رواية أبي داود من رواية المقري حدثني سعيد حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن عبد الله عن ابن وهب وفي الشركة أيضا عن علي بن عبد الله عن عبد الله بن يزيد عن سعيد به وأخرجه أبو داود في ( الخراج ) عن عبيد الله بن عمر القواريري عن عبد الله بن يزيد المقري عن سعيد به ولم يقل ودعا له
ذكر معناه قوله وكان قد أدرك النبي ذكر ابن منده أنه أدرك

(13/63)


من حياة النبي ست سنين قوله وذهبت به أمه زينب بنت حميد بضم الحاء ابن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وهي من الصحابيات قوله بايعه أمر من المبايعة وهي المعاقدة على الإسلام كأن كل واحد من المبايعين باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره وعلل لترك المبايعة بقوله هو صغير ولكنه مسح رأسه ودعا له قوله وعن زهرة قد ذكرنا أنه موصول بالإسناد المذكور قوله فيقولان له أي يقول ابن عمر وابن الزبير لعبد الله بن هشام أشركنا بفتح الهمزة يعني إجعلنا شريكين لك في الطعام الذي اشتريته قوله فيشركهم بضم الياء أي فيجعلهم شركاء معه فيما اشتراه قوله فربما أصاب الراحلة أي من الربح قوله كما هي أي بتمامها
وفيه من الفوائد مسح رأس الصغير وفيه ترك مبايعة من لم يبلغ وقال الداودي وكان يبايع المراهق الذي يطيق القتال وفيه الدخول في السوق لطلب المعاش وطلب البركة حيث كانت وفيه الرد على جهلة المتزهدة في اعتقادهم أن السعة من الحلال مذمومة نبه عليه ابن الجوزي وفيه أن الصغير إذا عقل شيئا من الشارع كان ذلك صحبة قاله الداودي وقال ابن التين فيه نظر وفيه أن النساء كن يذهبن بالأطفال إلى النبي وفيه طلب التجارة وسؤال الشركة وفيه معجزة من معجزات النبي وهي إجابة دعائه في عبد الله بن هشام وفيه أن لفظ أشركتك إذا أطلق يكون تشريكا في النصف قال الكرماني قاله الفقهاء
قال أبو عبد الله إذا قال الرجل للرجل أشركني فإذا سكت فهو شريكه بالنصف
أبو عبد الله هو البخاري نفسه أراد أنه إذا رأى رجل رجلا يشتري شيئا فقال له أشركني فيما اشتريته فسكت الرجل ولم يرد عليه بنفي ولا إثبات يكون شريكا له بالنصف لأن سكوته يدل على الرضا
41 -
( باب الشركة في الرقيق )
أي هذا باب في بيان حكم الشركة في الرقيق قال ابن الأثير الرقيق المملوك فعيل بمعنى مفعول وقد يطلق على الجماعة تقول رق العبد وأرقه واسترقه وفي ( المغرب ) الرقيق العبد وقد يقال للعبيد ومنه هؤلاء رقيقي ورق العبد رقا صار رقيقا واسترقه اتخذه رقيقا
3052 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال من أعتق شركا له في مملوك وجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه يقام قيمة عدل ويعطاى شركاؤه حصتهم ويخلى سبيل المعتق
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله من أعتق شركا له لأن الاعتاق يبنى على صحة الملك فلو لم تكن الشركة في الرقيق صحيحة لما ترتب عليها صحة العتق وقد مضى هذا الحديث في باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل فإنه أخرجه هناك عن عمران بن ميسرة عن عبد الوارث عن أيوب عن نافع وقد ذكر هناك من أخرجه غيره والبخاري أخرج حديث ابن عمر في العتق من طرق كثيرة ووجوه مختلفة في مواضع متعددة قوله وجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال به تعلق الشافعي وأحمد وإسحاق أن الضمان لا يجب على أحد الشريكين للآخر لقيمة نصيبه إلا إذا كان موسرا قوله سبيل المعتق بفتح التاء وقد مر البحث فيه هناك مستقصى
4052 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( قتادة ) عن ( النضر بن أنس ) عن ( بشير ابن نهيك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من أعتق شقصا له في عبد

(13/64)


أعتق كله إن كان له مال وإلا يستسع غير مشقوق عليه
مطابقته للترجمة مقل ما ذكرنا في الحديث الذي قبله وقد مضى هذا الحديث أيضا في باب تقويم الأشياء عن قريب فإنه أخرجه هناك عن بشر بن محمد عن عبد الله عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة إلى آخره وأخرج البخاري حديث أبي هريرة أيضا من طرق كثيرة ووجوه مختلفة وقد مر الكلام فيه هناك وما يتعلق بالحديثين المذكورين قوله يستسع وفي رواية يستسعى بإشباع العين بالألف وفي أخرى استسعى على صيغة المجهول من الماضي والله أعلم
51 -
( باب الإشتراك في الهدي والبدن )
أي هذا باب في بيان حكم الاشتراك في الهدي بسكون الدال وهو ما يهدى إلى الحرم من النعم قوله والبدن من باب عطف الخاص على العام وهو بضم الباء وسكون الدال جمع بدنة
وإذا أشرك الرجل الرجل في هديه بعد ما أهدى
جواب إذا مقدر تقديره هل يجوز ذلك وجواب الاستفهام يعلم من قوله في حديث الباب وهو قوله وأشركه في الهدي وفي بعض النسخ وإذا أشرك الرجل رجلا وهذا أوجه
حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد قال أخبرنا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن جابر وعن طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال قدم النبي صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج لا يخلطهم شيء فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وأن نحل إلى نسائنا ففشت في ذالك القالة قال عطاء فقال جابر فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا فقال جابر يكفه فبلغ ذلك النبي فقام خطيبا فقال بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا والله لأنا أبر وأتقاى لله منهم ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله هي لنا أو للأبد فقال لا بل للأبد قال وجاء علي بن أبي طالب فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله وقال الآخر لبيك بحجة رسول الله فأمر النبي أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي
مطابقته للترجمة في قوله وأشركه في الهدي ورجاله كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وحديث جابر مضى في كتاب الحج في باب تقضي الحائض المناسك وبينهما اختلاف في الرواة وزيادة ونقصان في المتن ومضى أكثر الكلام في هذا هناك
قوله وعن طاووس عطف على قوله عطاء لأن ابن جريرج سمع منهما قوله قدم النبي أي مكة قوله صبح رابعة أي في صبيحة ليلة رابعة قال الداودي اختلف فيه وكان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة قوله مهلين أي محرمين وانتصابه على الحال وإنما جمع باعتبار أن قدوم النبي مستلزم لقدوم أصحابه معه ويروى محرمون على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم محرمون قوله لا يخلطهم شيء أي من العمرة ويروى لا يخلطه ففي الأول الضمير يرجع إلى النبي وأصحابه الذين معه وفي الثاني يرجع إلى النبي وحده وقال صاحب ( التوضيح ) وفيه دلالة واضحة على الإفراد قلت لا يدل على ذلك لأن معنى لا يخلطه شيء يعني وقت الإحرام وكذلك معنى قول عائشة رضي الله تعالى عنها وأهل رسول الله بالحج مفردا أنه لم يعتمر في وقت إحرامه بالحج لكنه اعتمر بعد ذلك قوله فلما قدمنا

(13/65)


أي مكة شرفها الله تعالى قوله أمرنا أي أمرنا رسول الله قوله فجعلناها عمرة أي فجعلنا تلك الفعلة من الحج عمرة أي صرنا متمتعين قوله ففشت أي فشاعت وانتشرت من الفشو بالفاء والشين المعجمة قوله في ذلك أي في فعلهم العمرة بعد الحج قوله القالة بالقاف واللام ويروى المقالة بالميم قبل القاف وكلاهما بمعنى واحد وأراد به مقالة الناس وذلك لما كان في اعتقادهم أن العمرة لا تصح في أشهر الحج وكانوا يرون العمرة فيها فجورا قوله قال عطاء هو الراوي عن جابر وهو عطاء بن أبي رباح قوله وذكره يقطر منيا هذا كناية عن قرب العهد بالوطء والواو فيه للحال قوله قال جابر يكفه أراد أنه أشار به إلى التقطر أي قال جابر قوله ذلك والحال أنه يكفه من كف يكف أي منع ويروى بكفه بالباء الموحدة المكسورة دخلت على الكف الذي هو العضو المعروف قوله فبلغ ذلك أي ما صدر منهم من القول قوله خطيبا نصب على الحال قوله لأنا اللام فيه مفتوحة وهي لام التوكيد دخلت على المبتدأ وخبره هو قوله أبر وهو أفعل التفضيل من البر وهو الخير والإحسان واتقى كذلك أفعل التفضيل من التقوى قوله ولو أني استقبلت من أمري أي لو عرفت في أول الحال ما عرفت آخرا من جواز العمرة في أشهر الحج لما أهديت أي لكنت متمتعا إرادة لمخالفة أهل الجاهلية ولولا أني معي الهدي لأحللت من الإحرام ولكن امتنع الإحلال لصاحب الهدي وهو المفرد أو القارن حتى يبلغ الهدي محله وذلك في أيام النحر لا قبلها وقد احتج به من يقول إنه كان مفردا وأنه أفضل وهذا الاحتجاج غير صحيح لأن الهدي لا يمنع المفرد من الإحلال والنبي لم يتحلل فدل على أنه كان متمتعا وفي ( الاستذكار ) لا يصح عندنا أن يكون متمتعا إلا تمتع قران لأنه لا خلاف بين العلماء أنه لم يحل من عمرته وأقام محرما من أجل هديه إلى النحر وهذا حكم القارن لا المتمتع قوله فقام سراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء والقاف ابن مالك بن جعشم بضم الجيم والشين المعجمة وسكون العين المهملة بينهما وفي آخره ميم المدلجي من مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة يكنى أبا سفيان من مشاهير الصحابة كان ينزل قديدا وقيل إنه سكن مكة قوله هي أي العمرة في أشهر الحج أو المتعة قوله لا بل للأبد أي ليس الأمر كما تقول بل هي إلى يوم القيامة ما دام الإسلام قوله وجاء علي بن أبي طالب أي من اليمن قال ابن بطال في ( المغازي ) للبخاري عن بريدة أن النبي كان بعث عليا إلى اليمن قبل حجة الوداع ليقبض الخمس فقدم من سعايته فقال النبي بما أهللت يا علي قال بما أهل به رسول الله قال فاهد وامكث حراما كما كنت قال فأهدى له علي هديا قال فهذا تفسير قوله وأشركه في الهدي أن الهدي الذي أهداه علي عن النبي وجعل له ثوابه فيحتمل أن يفرده بثواب ذلك الهدي كله فهو شريك له في هديه لأنه أهداه عنه تطوعا من ماله ويحتمل أن يشركه في ثواب هدي واحد يكون بينهما كما ضحى عنه وعن أهل بيته بكبش وعمن لم يضح من أمته وأشركهم في ثوابه ويجوز الاشتراك في هدي التطوع وقال القاضي عندي أنه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه نذرا يذبحه والظاهر أنه نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وأعطى عليا من البدن التي جاء بها من اليمن قوله فقال أحدهما أي أحد الراويين من عطاء وطاووس وقال بلفظ أحدهما لأن الراوي لم يكن عالما بالتعيين لكن روى عطاء عن جابر في باب تقضي الحائض المناسك أنه قال أهللت بما أهل به رسول الله قوله فامر النبي أي أمر عليا رضي الله عنه أن يقيم أي يثبت على إحرامه قوله وأشركه أي أشرك النبي عليا في الهدي وقد ذكرنا وجهه الآن
51 -
( باب الإشتراك في الهدي والبدن )
أي هذا باب في بيان حكم الاشتراك في الهدي بسكون الدال وهو ما يهدى إلى الحرم من النعم قوله والبدن من باب عطف الخاص على العام وهو بضم الباء وسكون الدال جمع بدنة
وإذا أشرك الرجل الرجل في هديه بعد ما أهدى
جواب إذا مقدر تقديره هل يجوز ذلك وجواب الاستفهام يعلم من قوله في حديث الباب وهو قوله وأشركه في الهدي وفي بعض النسخ وإذا أشرك الرجل رجلا وهذا أوجه
حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد قال أخبرنا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن جابر وعن طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال قدم النبي صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج لا يخلطهم شيء فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وأن نحل إلى نسائنا ففشت في ذالك القالة قال عطاء فقال جابر فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا فقال جابر يكفه فبلغ ذلك النبي فقام خطيبا فقال بلغني أن أقواما يقولون كذا وكذا والله لأنا أبر وأتقاى لله منهم ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله هي لنا أو للأبد فقال لا بل للأبد قال وجاء علي بن أبي طالب فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله وقال الآخر لبيك بحجة رسول الله فأمر النبي أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي
مطابقته للترجمة في قوله وأشركه في الهدي ورجاله كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي وحديث جابر مضى في كتاب الحج في باب تقضي الحائض المناسك وبينهما اختلاف في الرواة وزيادة ونقصان في المتن ومضى أكثر الكلام في هذا هناك
قوله وعن طاووس عطف على قوله عطاء لأن ابن جريرج سمع منهما قوله قدم النبي أي مكة قوله صبح رابعة أي في صبيحة ليلة رابعة قال الداودي اختلف فيه وكان خروجه من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة قوله مهلين أي محرمين وانتصابه على الحال وإنما جمع باعتبار أن قدوم النبي مستلزم لقدوم أصحابه معه ويروى محرمون على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم محرمون قوله لا يخلطهم شيء أي من العمرة ويروى لا يخلطه ففي الأول الضمير يرجع إلى النبي وأصحابه الذين معه وفي الثاني يرجع إلى النبي وحده وقال صاحب ( التوضيح ) وفيه دلالة واضحة على الإفراد قلت لا يدل على ذلك لأن معنى لا يخلطه شيء يعني وقت الإحرام وكذلك معنى قول عائشة رضي الله تعالى عنها وأهل رسول الله بالحج مفردا أنه لم يعتمر في وقت إحرامه بالحج لكنه اعتمر بعد ذلك قوله فلما قدمنا أي مكة شرفها الله تعالى قوله أمرنا أي أمرنا رسول الله قوله فجعلناها عمرة أي فجعلنا تلك الفعلة من الحج عمرة أي صرنا متمتعين قوله ففشت أي فشاعت وانتشرت من الفشو بالفاء والشين المعجمة قوله في ذلك أي في فعلهم العمرة بعد الحج قوله القالة بالقاف واللام ويروى المقالة بالميم قبل القاف وكلاهما بمعنى واحد وأراد به مقالة الناس وذلك لما كان في اعتقادهم أن العمرة لا تصح في أشهر الحج وكانوا يرون العمرة فيها فجورا قوله قال عطاء هو الراوي عن جابر وهو عطاء بن أبي رباح قوله وذكره يقطر منيا هذا كناية عن قرب العهد بالوطء والواو فيه للحال قوله قال جابر يكفه أراد أنه أشار به إلى التقطر أي قال جابر قوله ذلك والحال أنه يكفه من كف يكف أي منع ويروى بكفه بالباء الموحدة المكسورة دخلت على الكف الذي هو العضو المعروف قوله فبلغ ذلك أي ما صدر منهم من القول قوله خطيبا نصب على الحال قوله لأنا اللام فيه مفتوحة وهي لام التوكيد دخلت على المبتدأ وخبره هو قوله أبر وهو أفعل التفضيل من البر وهو الخير والإحسان واتقى كذلك أفعل التفضيل من التقوى قوله ولو أني استقبلت من أمري أي لو عرفت في أول الحال ما عرفت آخرا من جواز العمرة في أشهر الحج لما أهديت أي لكنت متمتعا إرادة لمخالفة أهل الجاهلية ولولا أني معي الهدي لأحللت من الإحرام ولكن امتنع الإحلال لصاحب الهدي وهو المفرد أو القارن حتى يبلغ الهدي محله وذلك في أيام النحر لا قبلها وقد احتج به من يقول إنه كان مفردا وأنه أفضل وهذا الاحتجاج غير صحيح لأن الهدي لا يمنع المفرد من الإحلال والنبي لم يتحلل فدل على أنه كان متمتعا وفي ( الاستذكار ) لا يصح عندنا أن يكون متمتعا إلا تمتع قران لأنه لا خلاف بين العلماء أنه لم يحل من عمرته وأقام محرما من أجل هديه إلى النحر وهذا حكم القارن لا المتمتع قوله فقام سراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء والقاف ابن مالك بن جعشم بضم الجيم والشين المعجمة وسكون العين المهملة بينهما وفي آخره ميم المدلجي من مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة يكنى أبا سفيان من مشاهير الصحابة كان ينزل قديدا وقيل إنه سكن مكة قوله هي أي العمرة في أشهر الحج أو المتعة قوله لا بل للأبد أي ليس الأمر كما تقول بل هي إلى يوم القيامة ما دام الإسلام قوله وجاء علي بن أبي طالب أي من اليمن قال ابن بطال في ( المغازي ) للبخاري عن بريدة أن النبي كان بعث عليا إلى اليمن قبل حجة الوداع ليقبض الخمس فقدم من سعايته فقال النبي بما أهللت يا علي قال بما أهل به رسول الله قال فاهد وامكث حراما كما كنت قال فأهدى له علي هديا قال فهذا تفسير قوله وأشركه في الهدي أن الهدي الذي أهداه علي عن النبي وجعل له ثوابه فيحتمل أن يفرده بثواب ذلك الهدي كله فهو شريك له في هديه لأنه أهداه عنه تطوعا من ماله ويحتمل أن يشركه في ثواب هدي واحد يكون بينهما كما ضحى عنه وعن أهل بيته بكبش وعمن لم يضح من أمته وأشركهم في ثوابه ويجوز الاشتراك في هدي التطوع وقال القاضي عندي أنه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه نذرا يذبحه والظاهر أنه نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وأعطى عليا من البدن التي جاء بها من اليمن قوله فقال أحدهما أي أحد الراويين من عطاء وطاووس وقال بلفظ أحدهما لأن الراوي لم يكن عالما بالتعيين لكن روى عطاء عن جابر في باب تقضي الحائض المناسك أنه قال أهللت بما أهل به رسول الله قوله فامر النبي أي أمر عليا رضي الله عنه أن يقيم أي يثبت على إحرامه قوله وأشركه أي أشرك النبي عليا في الهدي وقد ذكرنا وجهه الآن
61 -
( باب من عدل عشرا من الغنم بجزور في القسم )
أي هذا باب يذكر فيه من عدل من الغنم بجزور بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير في القسم بفتح القاف قيد به احترازا عن الأضحية فإن فيها يعدل سبعة بجزور نظرا إلى الغالب وأما يوم القسم فكان النظر فيه إلى القيمة الحاضرة في ذلك الزمان وذلك المكان

(13/66)


7052 - حدثنا محمد قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فجاء رسول الله فأمر بها فاكفئت ثم عدل عشرا من الغنم بجزور ثم إن بعيرا منها ند وليس في القوم إلا خيل يسيرة فرماه رجل فحبسه بسهم فقال رسول الله إن لهاذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هاكذ قال قال جدي يا رسول الله إنا نرجو أو نخاف أن نلقى العدو وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فقال اعجل أو أرني ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذالك أما السن فعظم وأما الظفر فمداى الحبشة
مطابقته للترجمة في قوله ثم عدل عشرا من الغنم بجزور والحديث مضى عن قريب في باب قسمة الغنم فإنه أخرجه هناك عن علي بن الحكم الأنصاري عن أبي عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية إلى آخره وهنا أخرجه عن محمد ولم ينسب هو في أكثر الروايات ووقع في رواية ابن شبويه حدثنا محمد بن سلام عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه سعيد ابن مسروق عن عباية إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
قوله أو أراني بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر النون بزيادة الياء الحاصلة من إشباع كسرة النون ويروى أرن بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون قال الخطابي صوابه أرن على وزن اعجل وهو بمعناه وهو من أرن يأرن إذا نشط وخف أي أعجل ذبحها لئلا تموت خنقا فإن الذبح إذا كان بغير حديد احتاج صاحبه إلى خفة يد وسرعة قال وقد يكون على وزن أعط يعني أدم القطع ولا تفتر من قولهم رنوت إذا أدمت النظر والصحيح أنه بمعنى أعجل وأنه شك من الراوي هل قال أعجل أو أرن وقال التوربشتي هي كلمة تستعمل في الاستعجال وطلب الخفة وأصل الكلمة كسر الراء ومنهم من يسكنها ومنهم من يحذف ياء الإضافة منها لأن كسرة النون تدل عليها قال الكرماني بيان كونه ياء الإضافة مشكل إذ الظاهر أنه ياء الإشباع قلت الذي قاله هو الصحيح لأن ياء الإضافة لا وجه لها هنا على ما لا يخفى والله أعلم بحقيقة الحال
بسم الله الرحمن الرحيم
61 -
( باب من عدل عشرا من الغنم بجزور في القسم )
أي هذا باب يذكر فيه من عدل من الغنم بجزور بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير في القسم بفتح القاف قيد به احترازا عن الأضحية فإن فيها يعدل سبعة بجزور نظرا إلى الغالب وأما يوم القسم فكان النظر فيه إلى القيمة الحاضرة في ذلك الزمان وذلك المكان
7052 - حدثنا محمد قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فجاء رسول الله فأمر بها فاكفئت ثم عدل عشرا من الغنم بجزور ثم إن بعيرا منها ند وليس في القوم إلا خيل يسيرة فرماه رجل فحبسه بسهم فقال رسول الله إن لهاذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هاكذ قال قال جدي يا رسول الله إنا نرجو أو نخاف أن نلقى العدو وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فقال اعجل أو أرني ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذالك أما السن فعظم وأما الظفر فمداى الحبشة
مطابقته للترجمة في قوله ثم عدل عشرا من الغنم بجزور والحديث مضى عن قريب في باب قسمة الغنم فإنه أخرجه هناك عن علي بن الحكم الأنصاري عن أبي عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية إلى آخره وهنا أخرجه عن محمد ولم ينسب هو في أكثر الروايات ووقع في رواية ابن شبويه حدثنا محمد بن سلام عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه سعيد ابن مسروق عن عباية إلى آخره وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
قوله أو أراني بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر النون بزيادة الياء الحاصلة من إشباع كسرة النون ويروى أرن بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون قال الخطابي صوابه أرن على وزن اعجل وهو بمعناه وهو من أرن يأرن إذا نشط وخف أي أعجل ذبحها لئلا تموت خنقا فإن الذبح إذا كان بغير حديد احتاج صاحبه إلى خفة يد وسرعة قال وقد يكون على وزن أعط يعني أدم القطع ولا تفتر من قولهم رنوت إذا أدمت النظر والصحيح أنه بمعنى أعجل وأنه شك من الراوي هل قال أعجل أو أرن وقال التوربشتي هي كلمة تستعمل في الاستعجال وطلب الخفة وأصل الكلمة كسر الراء ومنهم من يسكنها ومنهم من يحذف ياء الإضافة منها لأن كسرة النون تدل عليها قال الكرماني بيان كونه ياء الإضافة مشكل إذ الظاهر أنه ياء الإشباع قلت الذي قاله هو الصحيح لأن ياء الإضافة لا وجه لها هنا على ما لا يخفى والله أعلم بحقيقة الحال
بسم الله الرحمن الرحيم
84 -
( كتاب الرهن في الحضر )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الرهن هكذا هو في رواية أبي ذر وفي رواية غيره باب الرهن في الحضر وفي رواية ابن شبويه باب ما جاء في الرهن وفي رواية الكل الآية مذكورة في الأول قوله في الحضر ليس بقيد ولكنه ذكره بناء على الغالب لأن الرهن في السفر نادر وقال ابن بطال الرهن جائز في الحضر خلافا للظاهرية واحتجوا بقوله تعالى وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ( البقرة 382 ) والجواب أن الله تعالى إنما ذكر السفر لأن الغالب فيه عدم الكاتب في السفر وقد يوجد الكاتب في السفر ويجوز فيه الرهن وكذا يجوز في الحضر ولأن الرهن للاستيثاق فيستوثق في الحضر أيضا كالكفيل وأيضا رهن رسول الله درعه بالمدينة والرهن في اللغة مطلق الحبس قال الله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة ( المدثر 83 ) أي محبوسة وفي الشرع هو حبس شيء يمكن استيفاؤه منه الدين تقول رهنت الشيء عند فلان ورهنه الشيء وأرهنته الشيء بمعني قال ثعلب يجوز رهنته وأرهنته وقال الأصمعي لا يقال أرهنت الشيء وإنما يقال رهنته ويجمع الرهن على رهان ورهن بضمتين وقال الأخفش رهن بضمتين قبيحة لأنه لا يجمع فعل على فعل إلا قليلا شاذا نحو سقف وسقف قال وقد يكون رهن جمعا للرهان كأنه يجمع رهن على رهان ثم يجمع رهان على رهن مثل فراش وفرش والراهن الذي يرهن والمرتهن الذي يأخذ الرهن والشيء مرهون ورهين والأنثى رهينة
1 - ( باب في الرهن في الحضر

(13/67)


وقوله تعالى وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ( البقرة 382 ) )
وقوله بالجر عطف على ما
قبله أي في بيان قوله تعالى وإن كنتم على سفر ( البقرة 382 ) قوله وإن كنتم على سفر ( البقرة 382 ) أي مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ولم تجدوا كاتبا ( البقرة 382 ) يكتب لكم قال ابن عباس أو وجدوه ولم يجدوا قرطاسا أو دواة أو قلما فرهان مقبوضة ( البقرة 382 ) أي فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضة في يد صاحب الحق وقد استدل بقوله فرهان مقبوضة ( البقرة 382 ) أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض كما هو مذهب الجمهور وقال ابن بطال جميع الفقهاء يجوزون الرهن في الحضر والسفر ومنعه مجاهد وداود في الحضر ونقل الطبري عن مجاهد والضحاك أنهما قالا لا يشرع الرهن إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود
8052 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال ولقد رهن النبي درعه بشعير ومشيت إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد سمعته يقول ما أصبح لآل محمد إلا صاع ولا أمسى وإنهم لتسعة أبيات
( انظر الحديث 9602 )
مطابقته للترجمة في قوله ولقد رهن رسول الله درعه بشعير وقد مضى الحديث في أوائل كتاب البيوع في باب شراء النبي بالنسيئة فإنه أخرجه هناك عن مسلم عن هشام عن قتادة عن أنس وعن محمد بن عبد الله بن حوشب عن أسباط عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله ولقد رهنه معطوف على شيى محذوف بينه ما رواه أحمد من طريق أبان العطار عن قتادة عن أنس أن يهوديا دعا رسول الله فأجابه ولقد رهن إلى آخره وهذا اليهودي هو أبو الشحم واسمه كنيته وهو من بني ظفر بفتح الظاء المعجمة والفاء وهو بطن من الأوس وكان حليفا لهم وكان قدر الشعير ثلاثين صاعا كما سيأتي في البخاري من حديث عائشة في الجهاد وكذلك رواه أحمد وابن ماجه والطبراني وفي رواية الترمذي والنسائي بعشرين صاعا ووقع لابن حبان من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد من طريق شيبان فما وجد ما يفتكها به حتى مات قوله درعه بكسر الدال يذكر ويؤنث قوله بشعير الباء فيه للمقابلة أي رهن درعه في مقابلة شعير قوله ومشيت أي قال أنس مشيت إلى النبي قوله بخبر شعير بالإضافة والباء فيه تتعلق بمشيت قوله وإهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء ما أذيب من الشحم والألية وقيل هو كل دسم جامد وقيل ما يؤتدم به من الأدهان قوله سنخة بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة أي متغيرة الريح ويقال زنخة أيضا بالزاي موضع السين قوله ولقد سمعته أي قال أنس رضي الله تعالى عنه لقد سمعت النبي يقول وقد مر ما قال الكرماني فيه وما رد عليه وما أجبت عنه في الباب المذكور قوله ما أصبح لآل محمد إلا صاع ولا أمسى كذا بهذه العبارة وقع لجميع الرواة وكذا ذكره الحميدي في الجمع ووقع لأبي نعيم في ( المستخرج ) من طريق الكجي عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري المذكور في سند الحديث بلفظ ما أصبح لآل محمد ولا أمسى إلا صاع وهذا أحسن وفيه تنازع الفعلان في ارتفاع صاع وفي رواية البخاري قوله أصبح فعل وفاعله صاع ويقد صاع آخر في قوله ولا أمسى أي ولا أمسى صاع ووقع في رواية أحمد عن أبي عامر والإسماعيلي من طريقه وللترمذي من طريق ابن أبي عدي ومعاذ بن هشام وللنسائي من طريق هشام بلفظ ما أمسى في آل محمد صاع تمر ولا صاع حب والمراد بالآل أهل بيته وقد بينه بقوله وإنهم أي وإن آله لتسعة أبيات وأراد به بطريق الكناية تسع نسوة وكذا وقع في رواية هؤلاء المذكورين ولم يقل النبي هذه المقالة بطريق التضجر حاشا وكلا وإنما هو بيان الواقع
وفيه من الفوائد جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا وفيه ثبوت أملاك أهل الذمة في أيديهم وفيه

(13/68)


جواز الشراء بالثمن المؤجل وفيه جواز اتخاذ الدروع وغيرها من آلات الحرب وأنه غير قادح في التكل وفيه أن قنية آلة الحرب لا تدل علي تحبيسها وفيه أن أكثر قوت ذلك العصر الشعير قاله الداودي وفيه ما كان فيه النبي من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها والكرم الذي أفضى به إلى عدم الإدخار حتى احتاج إلى رهن درعه والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير وفيه فضيلة أزواجه لصبرهن معه على ذلك وفيه فوائد أخرى ذكرناها هناك
2 -
( باب من رهن درعه )
أي هذا باب في بيان من رهن درعه وإنما ذكر هذه الترجمة مع أنه ذكر حديث الباب في باب شراء النبي بالنسيئة لتعدد شيخه فيه مع زيادة فيه هنا على ما نذكره
9052 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( الأعمش ) قال تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف فقال إبراهيم حدثنا الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه
مطابقته للترجمة في قوله ورهنه درعه وذكر هذا الحديث في باب شراء النبي بالنسيئة كما ذكرنا الآن عن معلى بن أسد عن عبد الواحد عن سليمان الأعمش إلى آخره والزيادة فيه هنا قوله والقبيل بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وهو الكفيل وزنا ومعنى قوله في السلفوهناك في السلم وقد مضى الكلام فيه هناك وفي الباب السابق أيضا والله أعلم
3 -
( باب رهن السلاح )
أي هذا باب في بيان حكم رهن السلاح قيل وإنما ترجم لرهن السلاح بعد رهن الدرع لأن الدرع ليست بسلاح حقيقة وإنما هي آلة يتقى بها السلاح انتهى قلت الدرع يتقى بها النفس وإن لم يكن عليه سلاح والمراد بالسلاح الآلة التي يدفع بها الشخص عن نفسه والدرع أعظم وأشد في هذا الباب على ما لا يخفى
0152 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال ( عمرو ) سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول قال رسول الله من لكعب بن الأشرف فإنه آذاى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة أنا فأتاه فقال أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقعين فقال ارهنوني نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال فارهنوني أبناءكم قالوا كيف نرهن أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولاكنا نرهنك اللأمة قال سفيان يعني السلاح فوعده أن يأتيه فقتلوه ثم أتوا النبي فأخبروه
قيل ليس فيه ما بوب عليه لأنهم لم يقصدوا إلا الحديقة وإنما يؤخذ جواز رهن السلاح من الحديث الذي قبله انتهى قلت ليس في لفظ الترجمة ما يدل على جواز رهن السلاح ولا على عدم جوازه لأنه أطلق فتكون المطابقة بينه وبين الترجمة في قوله ولكنا نرهنك اللأمة أي السلاح بحسب ظاهر الكلام وإن لم يكن في نفس الأمر حقيقة الرهن وهذا المقدار كاف في وجه المطابقة
وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني وقد تكرر ذكره وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار ومحمد بن مسلمة بفتح الميمين واللام أيضا ابن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمر وهو النبيت بن مالك بن أوس الحارثي الأنصاري يكنى أبا عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن ويقال أبو سعيد حليف بني عبد الأشهل

(13/69)


شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله وقيل إنه استخلفه على المدينة عام تبوك روى عنه جابر وآخرون اعتزل الفتنة وأقام بالربذة ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين وقيل سنة سبع وأربعين وهو ابن سبع وسبعين سنة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغاوي عن علي بن عبد الله وفي الجهاد عن قتيبة وعبد الله بن محمد فرقهما وأخرجه مسلم في المغازي عن إسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أحمد بن صالح وأخرجه النسائي في السير عن عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن
ذكر معناه قوله من لكعب بن الأشرفأي من يتصدى لقتله وقال ابن اسحاق كان كعب بن الأشرف من طي ثم أحد بني نبهان حليف بني النضر وكانت أمه من بني النضر واسمها عقيلة بنت أبي الحقيق وكان أبوه قد أصاب دما في قومه فأتى المدينة فنزلها ولما جرى ببدر ما جرى قال ويحكم أحق هذا وأن محمدا قتل أشراف العرب وملوكها والله إن كان هذا حقا فبطن الأرض خير من ظهرها ثم خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت أسد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس فأكرمه المطلب فجعل ينوح ويبكي على قتلى بدر ويحرض الناس على رسول الله وينشد الأشعار فمن ذلك ما حكاه الواقدي من قصيدة عينية طويلة من الوافر أولها
طحنت رحى بدر بمهلك أهله
ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول خيامهم
لا تبعدوا أن الملوك تصرع
فأجابه حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه فقال
أبكاه كعب ثم عل بعبرة
منه وعاش مجدعا لا تسمع
ولقد رأيت ببطن بدر منهم
قتلى تسح لها العيون وتدمع
إلى آخرها وبلغ ذلك رسول الله فقال من لكعب بن الأشرف وقال الواقدي كان كعب شاعرا يهجو رسول الله والمسلمين ويظاهر عليهم الكفار ولما أصاب المشركين يوم بدر ما أصابهم اشتد عليه قوله فقال محمد بن مسلم أنا أي أنا له أي لقتله يا رسول الله واختلفوا في كيفية قتله على وجهين أحدهما لما ذكره البخاري ومسلم أيضا في باب قتل كعب بن الأشرف في كتاب المغازي وهو قوله قال يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال إئذن لي أن أقول شيئا قال قل إلى آخر الحديث ينظر هناك والوجه الثاني ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره لما قال رسول الله من لكعب قال محمد بن مسلمة أنا فرجع محمد بن مسلمة فأقام ثلاثا لا يأكل ولا يشرب وبلغ ذلك رسول الله فدعاه فقال ما الذي منعك من الطعام والشراب فقال لأني قلت قولا ولا أدري أفي به أم لا فقال إنما عليك الجهد فقال يا رسول الله لا بد لنا أن نقول قولا فقال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك وقال محمد بن إسحاق فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة الأشهلي وكان أخا لكعب من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش الأشهلي وأبو عبس بن حبر أخو بني حارثة والحارث بن أوس وقدموا إلى ابن الأشرف قبل أن يأتوا سلكان بن سلامة أبا نائلة فجاء محمد بن مسلمة إلى كعب فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا ثم قال ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم علي قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال أنا والله قد أخبرتكم أن الأمر سيصير إلى هذا ثم جاءه من ذكرناهم فقال له سلكان إني أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثقك ونحسن في ذلك فقال أترهنوا في أبنائكم قال لقد أردت أن تفضحنا أن معنى أصحابا على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم ونحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة يعني السلاح ما فيه وفاء فقال كعب إن في الحلقة لوفاء فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم فأخذوا السلاح وخرجوا يمشون وخرج رسول الله معهم إلى البقيع يدعو لهم وقال انطلقوا

(13/70)


على اسم الله وبركته وكانت ليلة مقمرة ورجع رسول الله إلى حجرته وساروا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في محلفة له فأخذت امرأته بناحيتها وقالت إلى أين في هذه الساعة فقال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما أيقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر فقال لها كعب لو دعى الفتى إلى طعنة ليلا لأجاب ثم نزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قالوا هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه قال نعم إن شئتم فخرجوا يتماشون فأخر الأمر أخذ أبو نائلة بفود رأسه فقال اضربوا عدو الله فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا لي في سيفي والمغول السيف الصغير فوضعته في ثنته وتحاملت عليه حتى بلغ عانته وصاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقد عليه نار ووقع عدو الله وجئنا آخر الليل إلى رسول لله وهو قائم يصلي فأخبرناه بقتله ففرح ودعا لنا وحكى الطبري عن الواقدي قال جاؤوا برأس كعب ابن الأشرف إلى رسول الله وفي كتاب ( شرف المصطفى ) أن الذين قتلوا كعبا حملوا رأسه في المخلاة إلى المدينة فقيل إنه أول رأس حمل في الإسلام وقيل بل رأس أبي عزو الجمحي الذي قال له النبي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فقتل وجمل رأسه إلى المدينة في رمح وأما أول مسلم حمل رأسه في الإسلام فعمر بن الخمق وله صحبة فإن قلت كيف قتلوا كعبا على وجه الغرة والخداع قلت لما قدم مكة وحرض الكفار على رسول الله وشبب بنساء المسلمين فقد نقض العهد وإذا نقض العهد فقد وجب قتله بأي طريق كان وكذا من يجري مجراه كأبي رافع وغيره وقال المهلب لم يكن في عهد من رسول الله بل كان ممتنعا بقومه في حصنه وقال المازري نقض العهد وجاء مع أهل الحرب معينا عليهم ثم إن ابن مسلمة لم يؤمنه لكنه كلمه في البيع والشراء فاستأنس به فتمكن منه من غير عهد ولا أمان وقد قال رجل في مجلس علي رضي الله تعالى عنه إن قتله كان غدرا فأمر بقتله فضربت عنقه لأن الغدر إنما يتصور بعد أمان صحيح وقد كان كعب مناقضا للعهد قوله وسقا بفتح الواو وكسرها وهو ستون صاعا قوله أو وسقين شك من الراوي قوله ارهنوني فيه لغتان رهن وأرهن فالفصيحة رهن والقليلة أرهن فقوله ارهنوا على اللغة الفصيحة بكسر الهمزة وعلى اللغة القليلة بفتحها قوله فيسب على صيغة المجهول وكذا قوله رهن بوسق قوله اللأمة مهموزة الدرع وقد فسره سفيان الراوي بالسلاح وقال ابن الأثير اللأمة الدرع وقيل السلاح ولأمة الحرب أداته وقد ترك الهمزة تخفيفا وقال ابن بطال ليس في قولهم نرهنك اللأمة دلالة على جواز رهن السلاح عند الحربي وإنما كان ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره وقال السهيلي في قوله من لكعب ابن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله جواز قتل من سب النبي وإن كان ذا عهد خلافا لأبي حنيفة فإنه لا يرى بقتل الذمي في مثل هذا قلت من أين يفهم من الحديث جواز قتل الذمي بالسب أقول هذا بحثا ولكن أنا معه في جواز قتل الساب مطلقا
4 -
( باب الرهن مركوب ومحلوب )
أي هذا باب يذكر فيه الرهن مركوب يعني إذا كان ظهرا يركب وإذا كان من ذوات الدر يحلب وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال الرهن مركوب ومحلوب وقال إسناده على شرط الشيخين وأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) والدارقطني والبيهقي في ( سننيهما ) من رواية أبراهيم بن محشر قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله الرهن محلوب ومركوب قال ابن عدي لا أعلم رفعه عن أبي معاوية غير إبراهيم بن محشر هذا وله منكرات من جهة الإسناد غير محفوظة
وقال مغيرة عن إبراهيم تركب الضالة بقدر علفها وتحلب بقدر علفها والرهن مثله

(13/71)


مغيرة بضم الميم وكسرها بلام التعريف وبدونها هو ابن مقسم بكسر الميم وسكون القاف مر في الصوم وإبراهيم هو النخعي والضالة ما ضل من البهيمة ذكرا كان أو أنثى قوله بقدر علفها ووقع في رواية الكشميهني بقدر عملها والأول أوجه وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة به قوله والرهن أي المرهون مثله في الحكم المذكور يعني يركب ويحلب بقدر العلف وهذا أيضا وصله سعيد بن منصور بالإسناد المذكور ولفظه الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها
1152 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( زكرياء ) عن ( عامر ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه كان يقول الرهن يركب بنفقته ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا
( الحديث 1152 - طرفه في 2152 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزكرياء هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي وليس للشعبي عن أبي هريرة في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في تفسير الزمر وعلق له ثالثا في النكاح
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن محمد بن مقاتل في الرهن وأخرجه أبو داود في البيوع عن هناد وأخرجه الترمذي فيه عن أبي كريب ويوسف ابن عيسى وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أبي بكر بن أبي شيبة
ذكر طرق هذا الحديث ولما رواه الترمذي قال وقد روى غير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا ورواه كذلك سفيان بن عيينة وشعبة ووكيع فأما حديث ابن عيينة فرواه الشافعي عنه ومن طريق البيهقي وأما حديث شعبة فرواه البيهقي من رواية مسلم بن إبراهيم عنه وأما حديث وكيع فرواه البيهقي أيضا من رواية إبراهيم بن عبد الله العبسي عنه وورد مرفوعا من طرق أخرى منها ما رواه ابن عدي في ( الكامل ) وقد ذكرناه عن قريب ومنها ما رواه الدارقطني من رواية يحيى بن حماد والبيهقي من رواية شيبان بن فروخ كلاهما عن أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ورجاله كلهم ثقات ومنها ما رواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية يزيد بن عطاء عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ويزيد ضعيف ومنها ما رواه ابن عدي أيضا من رواية الحسن بن عثمان بن زياد التستري عن خليفة بن خياط وحفص بن عمر الرازي عن عبد الرحمن ابن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا وقال هذا عن الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مسندا منكر جدا والبلاء من الحسن بن عثمان فإنه كذاب ومنها ما رواه ابن عدي أيضا من رواية أبي الحارث الوراق عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا وقال أبو الحارث هذا بصري وقال ابن طاهر روى عن أبي عوانة وعيسى بن يونس وأبي معاوية وشعبة والثوري مرفوعا وموقوفا والأصح الموقوف وقال الدارقطني رفعه أبو الحارث نصر بن حماد الوراق عن شعبة عن الأعمش وروى عن وهب بن جرير أيضا مرفوعا وغيرهما يرويه عن شعبة موقوفا وهو الصواب قال ورفعه أيضا لوين عن عيسى بن يونس عن الأعمش والمحفوظ عن الأعمش وقفه على أبي هريرة وهو أصح ورواه خلاد الصفار عن منصور عن أبي صالح مرفوعا وغيره يقفه وهو أصح وعند ابن حزم من حديث زكرياء عن الشعبي عنه مرفوعا إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته ويركب وقال هذه الزيادة إنما هي من طريق إسماعيل بن الصائغ مولى بني هاشم عن هشيم فالتخليط من قبله لا من قبل هشيم قلت إسماعيل هذا احتج به مسلم وتابعه زياد بن أيوب عند الدارقطني ويعقوب الدوري عند البيهقي
ذكر معناه قوله الرهن يركب أي المرهون يركب وهو على صيغة المجهول والمراد الظهر وبينه في الطريق الثاني حيث قال الظهر يركب قوله بنفقته أي بمقابلة نفقته يعني يركب وينفق عليه قوله ويشرب على صيغة المجهول أيضا قوله لبن الدر بفتح الدال المهملة وتشديد الراء وهو مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع وقال بعضهم وقوله لبن الدر من إضافة الشيء إلى نفسه وهو كقوله تعالى حب الحصيد ( ق 9 ) قلت إضافة الشيى إلى نفسه لا تصح

(13/72)


إلا إذا وقع في الظاهر فيؤول وقد ذكرنا أن المراد بالدر الدارة فلا يكون إضافة الشيء إلى نفسه لأن اللبن غير الدارة وكذلك يؤول في حب الحصيد ( ق 9 ) ح
ذكر ما يستفاد منه احتج بهذا الحديث إبراهيم النخعي والشافعي وجماعة الظاهرية على أن الراهن يركب المرهون بحق نفقته عليه ويشرب لبنه كذلك وروي ذلك أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقال ابن حزم في ( المحلى ) ومنافع الرهن كلها لا تحاشى منها شيئا لصاحب الرهن له كما كانت قبل الرهن ولا فرق حاشى ركوب الدابة المرهونة وحاشى لبن الحيوان المرهون فإنه لصاحب الرهن إلا أن يضيعهما فلا ينفق عليهما وينفق على كل ذلك المرتهن فيكون له حينئذ الركوب واللبن بما أنفق لا يحاسب به من دينه كثر ذلك أو قل وذلك لأن ملك الراهن باق في الرهن لم يخرج عن ملكه لكن الركوب والاحتلاب خاصة لمن أنفق على المركوب والمحلوب لحديث أبي هريرة انتهى وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك وأحمد في رواية ليس للراهن ذلك لأنه ينافي حكم الرهن وهو الحبس الدائم فلا يملكه فإذا كان كذلك فليس له أن ينتفع بالمرهون استخداما وركوبا ولبنا وسكنى وغير ذلك وليس له أن يبيعه من غير المرتهن بغير إذنه ولو باعه توقف على إجازته فإن أجازه ويكون الثمن رهنا سواء شرط المرتهن عند الإجازة أن يكون مرهونا عنده أو لا وعن أبي يوسف لا يكون رهنا إلا بشرط وكذا ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون حتى لو كان عبدا لا يستخدمه أو دابة لا يركبها أو ثوبا لا يلبسه أو دارا لا يسكنها أو مصحفا ليس له أن يقرأ فيه وليس له أن يبيعه إلا بإذن الراهن وقال الطحاوي في الاحتجاج لأصحابنا أجمع العلماء على أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن وأنه ليس على المرتهن استعمال الرهن قال والحديث يعني الحديث الذي احتج به الشافعي ومن معه مجمل فيه لم يبين فيه الذي يركب ويشرب فمن أين جاز للمخالف أن يجعله للراهن دون المرتهن ولا يجوز حمله على أحدهما إلا بدليل قال وقد روى هشيم عن زكرياء عن الشعبي عن أبي هريرة ذكر أن النبي قال إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب فدل هذا الحديث أن المعنى بالركوب وشرب اللبن في الحديث الأول هو المرتهن لا الراهن فجعل ذلك له وجعلت النفقة عليه بدلا مما يتعوض منه وكان هذا عندنا والله أعلم في وقت ما كان الربا مباحا ولم ينه حينئذ عن القرض الذي يجر منفعة ولا عن أخذ الشيء لشيء وإن كانا غير متساويين ثم حرم الربا بعد ذلك وحرم كل قرض جر منفعة
وأجمع أهل العلم أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن وأنه ليس للمرتهن استعمال الرهن قال ويقال لمن صرف ذلك إلى الراهن فجعل له استعمال الرهن أيجوز للراهن أن يرهن رجلا دابة هو راكبها فلا يجد بدا من أن يقول لا فيقال له فإذا كان الرهن لا يجوز إلا أن يكون مخلى بينه وبين المرتهن فيقبضه ويصير في يده دون يد الراهن كما وصف الله تعالى بقوله فرهان مقبوضة ( البقرة 382 ) فيقول نعم فيقال له فلما لم يجز أن يستقبل الرهن على ما الراهن راكبه لم يجز ثبوته في يده بعد ذلك رهنا بحقه إلا كذلك أيضا لأن دوام القبض لا بد منه في الرهن إذا كان الرهن إنما هو إحباس المرتهن للشيء المرهون بالدين وفي ذلك أيضا ما يمنع استخدام الأمة الرهن لأنها ترجع بذلك إلى حال لا يجوز عليها استقبال الرهن
وحجة أخرى أنهم قد أجمعوا أن الأمة الرهن ليس للراهن أن يطأها وللمرتهن منعه من ذلك فلما كان المرتهن يمنع الراهن من وطئها كان له أيضا أن يمنعه بحق الرهن من استخدامها انتهى قلت الطحاوي أطلق قوله قد أجمعوا إلى آخره وقد قال بعض أصحاب الشافعي للراهن أن يطأ الآيسة والصغيرة لأنه لا ضرر فيه فإن علة المنع الخوف من أن تلد منه فتخرج بذلك من الرهن وهذا معدوم في حقهما والجمهور على خلاف ذلك ثم إن خالف فوطىء فلا حد عليه لأنها ملكه ولا مهر عليه فإذا ولدت صارت أم ولد له وخرجت من الرهن وعليه قيمتها حين أحبلها ولا فرق بين الموسر والمعسر إلا أن الموسر تؤخذ قيمتها منه والمعسر يكون في ذمته قيمتها وهذا قول أصحابنا والشافعي أيضا وقال ابن حزم قال الشافعي إن رهن أمة فوطئها فحملت فإن كان موسرا خرجت من الرهن ويكلف رهنا آخر مكانها وإن كان معسرا فمرة قال يخرج من الرهن ولا يكلف رهنا مكانها ولا تكلف هي شيئا ومرة

(13/73)


قال تباع إذا وضعت ولا يباع الولد ويكلف رهن آخر وقال أبو ثور هي خارجة من الرهن ولا يكلف لا هو ولا هي شيئا سواء كان موسرا أو معسرا وعن قتادة أنها تباع ويكلف سيدها أن يفتك ولده منها وعن ابن سيرين أنها استسعيت وكذلك العبد المرهون إذا أعتق وقال مالك إن كان موسرا كلف أن يأتي بقيمتها فتكون القيمة رهنا وتخرج هي من الرهن وإن كان معسرا فإن كانت تخرج إليه وتأتيه فهي خارجة من الرهن ولا يتبع بغرامة ولا يكلف هو رهنا مكانها لكن يتبع بالدين الذي عليه وإن كان تسور عليها بيعت هي وأعطي هو ولده منها وقال أبو حنيفة وأصحابه إن حملت وأقر بحملها فإن كان موسرا خرجت من الرهن وكلف قضاء الدين إن كان حالا أو كلف رهنا بقيمتها إن كان إلى أجل وإن كان معسرا كلفت أن تستسعى في الدين الحال بالغا ما بلغ ولا ترجع به على سيدها ولا يكلف ولدها سعاية وإن كان الدين إلى أجل كلفت أن تستسعى في قيمتها فقط فجعلت رهنا مكانها فإذا حل أجل الدين كلفت من قبل أن تستسعي في باقي الدين إن كانت أكثر من قيمتها وإن كان السيد استلحق ولدها بعد وضعها له وهو معسر قسم الدين على قيمتها يوم ارتهنها وعلى قيمة ولدها يوم استلحقه فما أصاب للأم سعت فيه بالغا ما بلغ للمرتهن ولم ترجع به على سيدها وما أصاب الولد سعي في الأقل من الدين أو من قيمته ولا رجوع به على أبيه ويأخذ المرتهن كل ذلك وقال صاحب ( التوضيح ) هذا الحديث حجة على أبي حنيفة قلت سبحان الله هذا تحكم وكيف يكون حجة عليه وقد ذكرنا وجهه على أن الشعبي هو الراوي عن أبي هريرة في هذا الحديث قد روى عنه الطحاوي حدثنا فهذا قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الحسن بن صالح عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال لا ينتفع في الرهن بشيء فهذا الشعبي يقول هذا وقد روى عن أبي هريرة عن النبي الحديث المذكور أفيجوز عليه أن يكون أبو هريرة يحدثه عن النبي بذلك ثم يقول هو بخلافه وليس ذلك إلا وقد ثبت نسخ هذا الحديث عنده والله أعلم
2152 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله بن المبارك ) قال أخبرنا ( زكرياء ) عن ( الشعبي ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة
( انظر الحديث 1152 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه محمد بن مقاتل الرازي عن عبد الله بن المبارك المروزي عن زكرياء بن أبي زائدة عن عامر الشعبي وقد مر الكلام فيه عن قريب
قوله الظهر يركب ويروى الرهن يركب ومراده بالرهن أيضا الظهر بقرينة يركب
5 -
( باب الرهن عند اليهود وغيرهم )
أي هذا باب في بيان حكم الرهن عند اليهود وغيرهم مثل النصارى والحربي المستأمن
3152 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت اشترى رسول الله من يهودي طعاما ورهنه درعه
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد تكرر ذكره لا سيما عن قريب
6 -
( باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اختلف الراهن والمرتهن مثل ما إذا اختلفا في مقدار الدين والرهن قائم فقال الراهن رهنتك بعشرة دنانير وقال المرتهن بعشرين دينارا فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور القول قول الراهن مع يمينه لأنه ينكر الزيادة والبينة على المدعي وهو المرتهن وعن الحسن وقتادة القول قول المرتهن ما لم يجاوز دينه قيمة رهنه قوله ونحوه أي ونحو اختلاف الراهن والمرتهن مثل اختلاف المتبايعين وغيره ثم اختلفوا في تفسير

(13/74)


المدعي فقيل المدع من لا يستحق إلا بحجة كالخارج وقيل المدعي من يتمسك بغير الظاهر وقيل المدعي من يذكر أمرا خفيا خلاف الظاهر وقيل المدعي من إذا ترك ترك وهذا هو الأحسن لكونه جامعا ومانعا والمدعى عليه من يستحق بقوله من غير حجة كصاحب اليد وقيل من يتمسك بالظاهر وقيل من إذا ترك لا يترك بل يجبر وهذا أيضا أحسن ما قيل فيه
4152 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) قال حدثنا ( نافع بن عمر ) عن ( ابن أبي مليكة ) قال كتبت إلى ابن عباس فكتب إلي أن النبي قضى أن اليمين على المدعى عليه
مطابقته لجزء الترجمة وهو قوله واليمين على المدعى عليه وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي وهو من أفراده ونافع بن عمر بن عبد الله الجمحي من أهل مكة وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله أبو محمد المكي الأحول كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشهادات عن أبي نعيم وفي التفسير عن نصر بن علي وأخرجه مسلم في الأحكام عن أبي الطاهر ابن السرح وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود في القضايا عن القعنبي عن نافع بن عمر مختصرا وأخرجه الترمذي في الأحكام عن محمد بن سهيل وأخرجه النسائي في القضاء عن علي بن سعيد عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب في معناه
قوله كتبت إلى ابن عباس يعني كتبت إليه أسأله في قضية امرأتين ادعت إحداهما على الأخرى على ما يجيء في تفسير سورة آل عمران قوله فكتب إلى إلى آخره الكتابة حكمها حكم الاتصال لا الانقطاع والخلاف فيها معروف في علوم الحديث وقد قال بصحته أيوب ومنصور وآخرون وهو الصحيح المشهور كما قال ابن الصلاح وهو الصحيح أيضا عند الأصوليين كما ذكره في المحصول وفي الصحيح عدة أحاديث من ذلك قال البخاري في الأيمان والنذور كتب إلى محمد بن بشار وعند مسلم أن جابر بن سمرة كتب إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص بحديث رجم الأسلمي وذهب أبو الحسن بن القطان إلى انقطاع الرواية بالكتابة وأنكر عليه في ذلك وممن ذهب إلى عدم صحة الكتابة الماوردي كما ذهب إليه في الإجارة قوله قضى أن اليمين على المدعى عليه قيل إن البخاري حمله على عمومه خلافا لمن قال إن القول في الرهن قول المرتهن ما لم يجاوز قدر الرهن لأن الرهن كالشاهد للمرتهن وقال الداودي الحديث خرج مخرج العموم وأريد به الخصوص وقال ابن التين والأولى أن يقال إنها نازلة في عين والأفعال لا عموم لها كالأقوال في الأصح وقد جاء في حديث إلا في القسامة أي فإنها على المدعى إذا قال دمي عند فلان وادعى ابن التين أن الشافعي وأبا حنيفة وجماعة من متأخري المالكية أبوا ذلك ثم قال وقيل يحلف المدعي وإن لم يقل الميت دمي عند فلان وهو قول شاذ لم يقله أحد من فقهاء الأمصار وقالت فرقة لا يجب القتل إلا ببينة واعتراف القاتل قلت قوله وقد جاء في الحديث إلا في القسامة هو حديث رواه ابن عدي في ( الكامل ) والدارقطني من رواية مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة
6152 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) قال قال ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه من حلف على يمين يستحق بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فقرأ إلى عذاب أليم ( آل عمران 77 ) ثم إن الأشعث ابن قيس خرج إلينا فقال ما يحدثكمح أبو عبد الرحمان قال فحدثناه قال فقال صدق لفي والله أنزلت كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله فقال

(13/75)


رسول الله شاهدك أو يمينه قلت إنه إذا يحلف ولا يبالي فقال رسول الله من حلف على يمين يستحق بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك ثم اقترأ هاذه الآية إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى ولهم عذاب أليم
مطابقته للترجمة في قوله شاهدك أو يمينه والحديث مضى في كتاب الشرب في باب الخصومة في البئر فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله إلى آخره وأخرجه هنا عن قتيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة قوله قال قال عبد الله هو عبد الله بن مسعود قوله وهو فيها فاجر أي كاذب وهو من باب الكناية إذ الفجور لازم الكذب والواو في وهو للحال قوله غضبان وإطلاق الغضب على الله تعالى من باب المجاز إذ المراد لازمه وهو إرادة إيصال العذاب قوله ثم إن الأشعث بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالثاء المثلثة قوله أبو عبد الرحمن هو كنية عبد الله بن مسعود قوله فحدثناه بفتح الدال قوله لفي بفتح اللام وكسر الفاء وتشديد الياء قوله أنزلت ويروى نزلت قوله شاهدك ويروى شاهداك قوله إذا يحلف بنصب الفاء وقد مر البحث فيه هناك مستقصى
بسم الله الرحمان الرحيم
94 -
( كتاب العتق )
أي هذا كتاب في بيان أحكام العتق ذا هكذا هو في رواية المستملي ولكنه ذكره قبل البسملة وفي رواية الأكثرين هكذا بسم الله الرحمن الرحيم في العتق وفضله وفي رواية ابن شبويه بسم الله الرحمن الرحيم باب في العتق وفي رواية النسفي كتاب العتق باب ما جاء في العتق وفضله العتق لغة القوة من عتق الطائر إذا قوي على جناحيه وفي الشرع عبارة عن قوة شرعية في مملوك وهي إزالة الملك عنه والرق ضعف شرعي يثبت في المحل فيعجزه عن التصرفات الشرعية ويسلبه أهلية القضاء والشهادة والسلطنة والتزوج وغير ذلك والعتاق اسم للعتق يقال أعتقت العبد أعتقه إعتاقا وعتاقة والإعتاق إثبات العتق عند أبي يوسف ومحمد وعند أبي حنيفة إثبات الفعل المفضي إلى حصول العتق
1 -
( باب ما جاء في العتق وفضله وقول الله عز و جل فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ( البلد 31 - 51 )
أي هذا باب في بيان ما جاء في أمر العتق وفي بيان فضله قوله وقول الله عز و جل بالجر عطفا على قوله في العتق قوله فك رقبة ( البلد 31 - 51 ) أولها قوله فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة فك رقبة ( البلد 11 - 31 ) الضمير في فلا اقتحم يرجع إلى الإنسان في قوله لقد خلقنا الإنسان ( البلد 4 ) المراد منه الوليد بن المغيرة فإنه كان يقول أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد فقال الله عز و جل أيحسب أي أيظن هذا أن لم يره أي أن لم ير ما أنفقه أحد ( البلد 7 ) من الناس ثم ذكر الله النعم ليعتبر فقال ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ( البلد 8 - 01 ) أي سبيل الخير والشر قاله أكثر المفسرين وقيل الحق والباطل وقيل الهدى والضلالة وقيل الشقاوة والسعادة والنجد المرتفع من الأرض ثم قال فلا أقتحم العقبة ( البلد 7 ) أي فلا دخل هذا الإنسان العقبة والاقتحام الدخول في الأمر الشديد والعقبة جبل في جهنم وقيل هي عقبة دون الحشر وقيل سبعون دركة من جهنم وقيل الصراط وقيل نار دون الحشر وقال الحسن عقبة والله شديدة قوله وما أدراك ما العقبة ( البلد 31 - 51 ) أي ما اقتحام العقبة قال سفيان بن عيينة كل شيء قال وما أدراك فإنه أخبره به وما قال وما يدريك فإنه لم يخبره به قوله فك رقبة قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي فك بفتح الكاف وأطعم بفتح الميم على الفعل والباقون بالإضافة على الإسم لأنه تفسير قوله وما

(13/76)


أدراك معناه خلص رقبته من الأسر على قراءة ابن كثير وعلى قراءة غيره خلاص الرقبة أي الفك هو خلاص الرقبة وإنما ذكر لفظ الرقبة دون سائر الأعضاء مع أن العتق يتناول الجميع لأن حكم السيد عليه كحبل في رقبة العبد وكالغل المانع له من الخروج فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك قوله أو إطعام في يوم ( البلد 41 ) والمراد من اليوم هنا مطلق الزمان ليلا كان أو نهارا قوله ذي مسغبة ( البلد 51 ) أي مجاعة يقال سغب يسغب سغوبا إذا جاع قوله يتيما ( البلد 41 ) منصوب بقوله أطعم أو بإطعام والمصدر أيضا يعمل عمل فعله قوله ذا مقربة ( البلد 51 ) صفة ليتيما أي ذا قرابة يقال زيد قرابتي أو ذو مقربتي وزيد قرابتي قبيح لأن القرابة مصدر قوله أو مسكينا ( البلد 61 ) عطف على يتيما وذا متربة ( البلد 61 ) صفته أي ذا فقر قد لصق بالتراب من الفقر وقيل المتربة من التربة هنا وهي شدة الحال
7152 - حدثنا ( أحمد بن يونس ) قال حدثنا ( عاصم بن محمد ) قال حدثني ( واقد بن محمد ) قال حدثني ( سعيد بن مرجانة ) صاحب علي بن حسين قال قال لي أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي أيما رجل أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار قال سعيد بن مرجانة فانطلقت به إلاى علي بن حسين فعمد علي بن حسين رضي الله تعالى عنه إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه
( الحديث 7152 - طرفه في 5176 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يخبر عن فضل عظيم في العتق
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أحمد بن يونس هو أحمد ابن عبد الله بن يونس بن عبد الله التميمي اليربوعي الثاني عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي الثالث واقد بكسر القاف ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أخو عاصم المذكور الرابع سعيد ب مرجانة وهو سعيد بن عبد الله مولى بني عامر ومرجانة أمه وهي أخت اللؤلؤة أم سعيد مات سنة سبع وتسعين الخامس أبو هريرة أي رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه ذكر منسوبا إلى جده وأنه كوفي وأن سعيدا حجازي وعاصم وأخوه مدنيان وفيه رواية الأخ عن الأخ وفيه أن سعيد بن مرجانة ليس له في البخاري غير هذا الحديث وقد ذكره ابن حبان في التابعين وأثبت روايته عن أبي هريرة ثم ذهل فذكره في اتباع التابعين وقال لم يسمع عن أبي هريرة ويرد ما ذكره رواية البخاري بقوله قال لي أبو هريرة ووقع التصريح بسماعه منه عند مسلم والنسائي وغيرهما
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في كفارات الأيمان عن محمد بن عبد الرحيم وأخرجه مسلم في العتق عن داود بن رشيد وعن حميد بن مسعدة وعن محمد بن المثنى وعن قتيبة عن ليث وأخرجه الترمذي في الأيمان عن قتيبة به وأخرجه النسائي في العتق عن قتيبة به وعن عمرو بن علي وعن مجاهد بن موسى ولما أخرجه الترمذي قال وفي الباب عن عائشة وعمرو بن عنبسة وابن عباس وواثلة بن الأسقع وأبي أمامة وعقبة بن عامر وكعب بن مرة قلت أما حديث عائشة فأخرجه ابن زنجويه بإسناده عنها مرفوعا من أعتق عضوا من مملوك أعتق الله بكل عضو منه عضوا وأما حديث عمرو بن عنبسة فأخرجه أبو داود والنسائي من حديث شرحبيل بن السمط أنه قال لعمرو بن عنبسة حدثنا حديثا سمعته من رسول الله قال سمعت رسول الله يقول من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداه من النار وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو الشيخ ابن حبان في ( كتاب الثواب وفضائل الأعمال ) عنه قال قال رسول الله أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتقه الله عضوا بعضو من النار وأما حديث واثلة بن الأسقع فأخرجه أبو داود والنسائي من رواية الغريف الديلمي قال أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له حدثنا حديثا فذكره وفيه قال أتينا رسول الله في صاحب لنا أوجب يعني النار بالقتل فقال أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه

(13/77)


عضوا منه من النار وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال إن غريف لقب عبد الله الديلمي وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الترمذي عنه عن النبي أيما امرىء مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزى كل عضو منه عضوا وأيما امرىء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى كل عضو منهما عضوا منه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزى كل عضو منها عضوا منها وقال حسن صحيح غريب وأما حديث عقبة فأخرجه أحمد من رواية قتادة عن قيس الجذامي عن عقبة بن عامر أن رسول الله قال من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار ورواه أبو يعلى والحاكم وقال حديث صحيح الإسناد وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية شرحبيل بن السمط قال قلت لكعب يا كعب بن مرة أو مرة بن كعب حدثنا عن رسول الله واحذر قال سمعت رسول الله يقول من أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزى بكل عظم منه عظم منه ومن أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى بكل عظمين منهما عظم منه لفظ ابن ماجه وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه )
قلت وفي الباب عن معاذ بن جبل ومالك بن عمرو القشيري وسهل بن سعد وأبي مالك وأبي موسى الأشعري وأبي ذر وأما حديث معاذ فأخرجه أحمد من رواية قتادة عن قيس عن معاذ عن النبي أنه قال من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار وأما حديث مالك بن عمرو فأخرجه أحمد أيضا من رواية علي ابن زيد عن زرارة بن أبي أوفى عن مالك بن عمرو القشيري قال سمعت رسول الله يقول من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه الطبراني في ( معجمه الصغير ) من رواية زكرياء بن منظور عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي قال من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار وأخرجه ابن عدي في ( الكامل ) وضعفه بزكرياء المذكور وأما حديث أبي مالك فأخرجه أبو داود الطيالسي في ( مسنده ) عن شعبة بالإسناد المتقدم في حديث مالك بن عمرو وأما حديث أبي موسى فأخرجه النسائي في ( الكبرى ) والحاكم في ( المستدرك ) من رواية ابن عيينة عن شعبة شيخ من أهل الكوفة عن أبي بردة عن أبيه سمع رسول الله يقول من أعتق رقبة أو عبدا كانت فكاكه من النار وأما حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فأخرجه البزار في ( مسنده ) من رواية أبي جرير عن الحسن عن صعصعة عن أبي ذر قال سمعت رسول الله يقول من أعتق رقبة مؤمنة فإنه يجزي من كل عضوا ويجوز من كل عضو منه عضوا منه من النار
ذكر معناه قوله صاحب علي بن حسين وهو زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وكان سعيد بن مرجانة منقطعا إليه فعرف بصحبته قوله أيما رجل وفي رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن عاصم بن محمد أيما مسلم وكذا في رواية مسلم والنسائي من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة وكلمة أي للشرط دخلت عليه كلمة ما وقال الكرماني أيما رجل بالجر وبالرفع على البدلية قوله استنقذ الله أي نجى الله وخلص بكل عضو منه عضوا منه من النار وسيأتي في كفارات الأيمان أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه وعند أبي الفضل الجوري حتى أنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفم بالفم فقال له علي بن حسين أنت سمعت هذا من أبي هريرة قال نعم قال ادعوا لي أفرد غلماني مطوفا فأعتقه قوله قال سعيد بن مرجانة هذا موصول بالإسناد المذكور قوله فانطلقت به أي بالحديث وفي رواية مسلم فانطلقت حتى سمعت الحديث من أبي هريرة فذكرته لعلي وزاد أحمد وأبو عوانة في روايتيهما من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة فقال علي بن الحسين أنت سمعت هذا من أبي هريرة قال نعم قوله فعمد علي أي علي بن الحسين أي قصد إلى عبد له واسمه مطرف كما ذكر الآن في حديث الجوري قوله قد أعطاه أي قد أعطى علي بن الحسين به أي بمقابلة عبده عبد الله بن جعفر وهو مرفوع لأنه فاعل أعطاه والضمير المنصوب فيه مفعوله الأول وقوله عشرة آلاف درهم مفعوله الثاني وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو ابن عم والد علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم وهو أول من ولد للمهاجرين

(13/78)


بالحبشة وكان آية في الكرم ويسمى ببحر الجود وله صحبة مات سنة ثمانين من الهجرة قوله أو ألف دينار شك من الراوي قوله فأعتقه وفي رواية إسماعيل بن أبي حكيم فقال إذهب أنت حر لوجه الله تعالى
ذكر ما يستفاد منه قال الخطابي فيه ينبغي أن يكون المعتق كامل الأعضاء ولا ينبغي أن يكون ناقص الأعضاء بعور أو شلل وشبههما ولا معيبا بعيب يضر بالعمل ويخل بالسعي والاكتساب وربما كان نقص الأعضاء زيادة في الثمن كالخصي إذ يصلح لما يصلح له غيره من حفظ الحريم ونحوه فلا يكره على أنه لا يخل بالعمل وقال القاضي عياض اختلف العلماء أيما أفضل عتق الإناث أو الذكور فقال بعضهم الإناث أفضل وقال آخرون الذكور أفضل لحديث أبي أمامة ولما في الذكر من المعاني العامة التي لا توجد في الإناث ولأن من الإماء من لا ترغب في العتق وتضيع به بخلاف العبد وهذا هو الصحيح واستحب بعض العلماء أن يعتق الذكر والأنثى مثلها ذكره الفرغاني في ( الهداية ) ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء وقال ابن العربي الزنا كبيرة لا يكفر إلا بالتوبة فيحمل هذا الحديث على أنه أراد مس الأعضاء بعضها بعضا من غير إيلاج ويحتمل أن يريد أن لعتق الفرج حظا في الموازنة فيكفر وفيه فضل العتق وأنه من أرفع الأعمال وربما ينجي الله به من النار وفيه أن المجازاة قد تكون من جنس الأعمال فجوزي المعتق للعبد بالعتق من النار وفيه أن تقويم باقي العبد لمن أعتق شقصا منه إنما هو لاستعمال عتق نفسه بتمامها من النار وصارت حرمة العتق تتعدى إلى الأموال لفضل النجاة به من النار قيل وهذا أولى من قول من قال إنما ألزم عتق باقيه لتكميل حرية العبد وفيه أن عتق المسلم أفضل من عتق الكافر وهو قول كافة العلماء وحكي عن مالك وبعض أصحابه أن الأفضل عتق الرقبة النفيسة وإن كان كافرا
2 -
( باب أي الرقاب أفضل )
أي هذا باب يذكر فيه أي الرقاب أفضل للعتق وكلمة أي هنا للاستفهام
8152 - حدثنا ( عبيد لله بن موسى ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( أبي مراوح ) عن ( أبي ذر ) رضي الله تعالى عنه قال سألت النبي أي العمل أفضل قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت فأي الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قلت فإن لم أفعل قال تعين ضايعا أو تصنع لأخرق قال فإن لم أفعل قال تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك
مطابقته للترجمة في قوله فإي الرقاب أفضل
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الثاني هشام بن عروة الثالث أبوه عروة بن الزبير بن العوام الرابع أبو مراوح بضم الميم وتخفيف الراء وكسر الواو وفي آخره حاء مهملة على وزن مقاتل وفي رواية مسلم الليثي ويقال له الغفاري قيل اسمه سعد والأصح أنه لا يعرف له اسم وقال الحاكم أبو أحمد أدرك النبي ولم يره الخامس أبو ذر الغفاري واسمه جندب بن جنادة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن رجاله كلهم مدنيون إلا شيخه فإنه كوفي وفيه أن هذا الإسناد في حكم الثلاثيات لأن هشام بن عروة الذي هو شيخ شيخه من التابعين وإن كان روى هنا عن تابعي آخر وهو أبوه عروة وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم هشام وأبوه وأبو مراوح وفي رواية مسلم عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن عروة فصار فيه أربعة من التابعين وفيه رواية الراوي عن أبيه وفيه أن ليس لأبي مراوح في البخاري غير هذا الحديث وفيه عن هشام بن عروة وفي رواية الحارث بن أبي أسامة عن عبيد الله ابن موسى أخبرنا هشام بن عروة وفيه هشام بن عروة عن أبيه وفي رواية الإسماعيلي أخبرني أبي أن أبا مراوح أخبره وفيه عن أبي ذر وفي رواية يحيى بن سعيد أن أبا ذر أخبره وذكر الإسماعيلي جماعة أكثر من عشرين نفسا رووا هذا الحديث عن هشام بالإسناد المذكور وخالفهم مالك فأرسله في المشهور عنه عن هشام عن أبيه عن النبي ورواه يحيى بن يحيى

(13/79)


الليثي وطائفة عنه عن هشام عن أبيه عن عائشة ورواه سعيد بن داود عنه عن هشام كرواية الجماعة وقال الدارقطني الرواية المرسلة عن مالك أصح والمحفوظ عن هشام كما قال الجماعة
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام وعن محمد بن رافع وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في العتق عن عبيد الله بن سعيد بقصة الجهاد وقصة الرقاب وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بهما وفي الجهاد عن محمد بن عبد الله بالقصة الأولى وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أحمد ابن سيار بقصة الرقاب
ذكر معناه قوله وجهاد في سبيله إنما قرن الجهاد بالإيمان لأنه كان عليهم أن يجاهدوا في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا وكان الجهاد في ذلك الوقت أفضل الأعمال قوله أغلاها ثمنا في رواية الأكثرين أعلاها بالعين المهملة وهي رواية النسائي أيضا وفي رواية الكشميهني بالغين المعجمة وكذا في رواية النسفي وفي ( المطالع ) معناهما متقارب ووقع في رواية مسلم من رواية حماد بن زيد أكثرها ثمنا وقال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل قال وهذا بخلاف الأضحية فإن الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنالك الرقبة وهنالك طيب اللحم وقال أبو عبد الملك إذا كانا في ذوي الدين أفضلهما أغلاهما ثمنا وقد اختلف فيما إذا كان النصراني أو اليهودي أو غيرهما أكثر ثمنا من المسلم قال مالك عتق الأغلى أفضل وإن كان غير مسلم وقال أصبغ عتق المسلم أفضل قوله وأنفسها أي أكثرها رغبة عند أهلها لمحبتهم فيها لأن عتق مثل ذلك لا يقع غالبا إلا خالصا وإليه الإشارة بقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران 29 ) وكان لابن عمر رضي الله تعالى عنهما جارية يحبها فأعتقها لهذه الآية قوله قلت فإن لم أفعل ويروى قال فإن لم أفعل أي إن لم أقدر على ذلك فأطلق الفعل وأراد القدرة عليه وفي رواية الإسماعيلي أرأيت إن لم أفعل وفي رواية الدارقطني في ( الغرائب ) فإن لم أستطع قوله تعين ضايعا بالضاد المعجمة وبالياء آخر الحروف بعد الألف كذا وقع لجميع رواة البخاري وجزم به القاضي عياض وغيره وكذا هو في رواية مسلم إلا في رواية السمرقندي وجزم الدارقطني وغيره بأن هشاما رواه هكذا دون من رواه عن أبيه فعلم من ذلك أن الذي رواه صانعا بالصاد المهملة وبالنون بعد الألف غير صحيح لأن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه وروى الدارقطني من طريق معمر عن هشام هذا الحديث بالضاد المعجمة قال معمر وكان الزهري يقول صحف هشام وإنما هو بالصاد المهملة والنون قلت كأن ابن المنير اعتمد على أنه بالصاد المهملة والنون حيث قال وفيه إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير الصانع لأن غير الصانع مظنة الإعانة فكل أحد يعينه غالبا بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته يغفل عن إعانته فهو من جنس الصدقة على المستور انتهى قلت هذا لا بأس به إذا صحت الرواية بالصاد والنون وفي ( التوضيح ) وصوابه بالمهملة والنون وقال النووي الأكثر في الرواية المعجمة وقال عياض روايتنا في هذا من طريق هشام بالمعجمة وعن أبي بحر بالمهملة وهو صواب الكلام لمقابلته بالأخرق وإن كان المعنى من جهة معونة الضائع أيضا صحيحا لكن صحت الرواية عن هشام بالمهملة وقال ابن المديني الزهري يقول بالمهملة ويرون أن هشاما صحفه بالمعجمة والصواب قول الزهري وقال الكرماني وضايعا بالمعجمة بالمعجمة ثم بالمهملة وفي بعضها بالمهملتين وبالنون ثو قال الدارقطني عن معمر كان الزهري يقول صحف هشام حيث روى ضايعا بالمعجمة انتهى قلت انتهى قلت لم يحرر الكرماني هذا الموضع والتحرير ما ذكرناه ومعنى الضايع بالمعجمة الفقير لأنه ذو ضياع من فقر وعيال قوله أو تصنع لأخرق الأخرق بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وبالراء والقاف هو الذي ليس في يده صنعة ولا يحسن الصناعة قال ابن سيده خرق بالشيء جهله ولم يحسن عمله وهو أخرق وفي ( المثلث ) لابن عديس والخرق جمع الأخرق من الرجال والخرقاء من النساء وهما ضد الصناع والصنع قوله تدع الناس أي تتركهم من الشر و تدع من الأفعال التي أمات العرب ماضيها كذا قالته النحاة ويرد عليهم قراءة من قرأ ما ودعك

(13/80)


ربك وما قلى ( الضحى 3 ) بتخفيف الدال قوله فإنها صدقة أي فإن المذكور من الجملة صدقة قوله تصدق بها بفتح الصاد وتشديد الدال أصله تتصدق فحذفت إحدى التاءين ويجوز تشديد الصاد على الإدغام ويجوز تخفيفها وفي الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان ولما اختلفت الروايات في أفضل الأعمال أجابوا بأن الاختلاف بحسب اختلاف السائلين والجواب لهم بحسب ما يليق بالمقام
وفيه حسن المراجعة في السؤال وصبر المفتي والمعلم على المستفتي والتلميذ والرفق بهم
3 -
( باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف أو الآيات )
أي هذا باب في بيان استحباب العتاقة في كسوف الشمس والعتاقة بفتح العين مصدر أعتقت العبد قال الكرماني بالعتاقة أي بالإعتاق وهو على سبيل الكناية إذ الإعتاق يلزم العتاقة قلت كل منهما مصدر أعتقت فلا يحتاج إلى هذا التكلف قوله أو الآيات جمع آية وهي العلامة وكلمة أو هنا للتنويع لا للشك هو من عطف العام على الخاص قال الكرماني هذا عطف بأو لا بالواو قلت أو بمعنى الواو أو بمعنى بل قلت كون أو بمعنى الواو له وجه وأما كونه بمعنى بل فلا وجه له على ما لا يخفى وأراد بالآيات نحو الخسوف في القمر والظلمة الشديدة والرياح المحرقة والزلازل ونحو ذلك قال الكرماني حديث الباب في كسوف الشمس ويستحب العتاقة فيها ولا دلالة على استحباب العتاقة في الآيات وأجاب بالقياس على الكسوف لأن الكسوف أيضا آية
9152 - حدثنا موسى بن مسعود قال حدثنا زائدة بن قدامة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت أمر النبي بالعتاقة في كسوف الشمس
مطابقته للترجمة ظاهرة و ( موسى بن مسعود ) أبو حذيفة النهدي بالنون البصري مات سنة عشرين ومائتين وهو من أفراد البخاري وفاطمة بنت المنذر بن الزبير تروي عن جدتها أسماء وقد مضى الحديث في أبواب الكسوف في باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس فإنه أخرجه هناك عن ربيع بن يحيى عن زائدة إلى آخره نحوه وقد مضى الكلام فيه هناك
تابعه علي عن الدراوردي عن هشام
أي تابع علي موسى بن مسعود في رواية هذا الحديث فرواه عن الدراوردي عن ( هشام بن عروة ) عن فاطمة بنت المنذر إلى آخره قال الكرماني علي هو ابن حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء أبو الحسن السعدي المروزي مات سنة أربع وأربعين ومائتين وقال بعضهم هو علي بن المديني وهو شيخ البخاري ووهم من قال المراد به ابن حجر قلت كل من علي بن المديني وعلي بن حجر من مشايخ البخاري وكل منهما روى عن الدراوردي فما الدليل على صحة كلامه ونسبة الوهم إلى غيره والدراوردي بفتح الدال والراء الخفيفة وفتح الواو وسكون الراء وكسر الدال المهملة وتشديد الياء نسبة إلى دراورد قرية من قرى خراسان وهو عبد العزيز بن محمد
0252 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر ) قال حدثنا ( عثام ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( فاطمة بنت المنذر ) عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما قالت كنا نؤمر عند الكسوف بالعتاقة
هذا طريق أخرجه عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن عثام بفتح العين المهملة وتشديد الثاء المثلثة ابن علي بن الوليد العامري الكوفي ماله في البخاري سوى هذا الحديث الواحد يروي عن هشام بن عروة وفاطمة زوجته ورواية زائدة في هذا الحديث السابق تبين أن الآمر بالعتاقة في الكسوف في رواية عثام هذه هو النبي وهذا مما يقوي أن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا في حكم المرفوع

(13/81)


4 -
( باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أعتق شخص عبدا كائنا بين شخصين أو أمة أي أو أعتق شخص أمة كائنة بين الشركاء وإنما خصص العبد بالإثنين والأمة بالشركاء مع أن هذا الحكم فيما إذا كانت الأمة بين اثنين والعبد بين الشركاء مع عدم التفاوت بينهما لأجل المحافظة على لفظ الحديث قوله بين اثنين ليس إلا على سبيل التمثيل إذ الحكم كذلك فيما يكون بين الثلاثة والأربعة وهلم جرا وقال ابن التين أراد أن العبد كالأمة لاشتراكهما في الرق قال وقد بين في حديث ابن عمر في آخر الباب أنه كان يفتي فيهما بذلك قيل كأنه أشار إلى رد قول إسحاق بن راهويه أن هذا الحكم مختص بالذكور وخطئه وقال القرطبي العبد اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه والأمة اسم لمؤنثه بغير لغظه ومن ثم قال إسحاق إن هذا الحكم لا يتناول الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى ألا آتى الرحمن عبدا ( مريم 39 ) فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا وإما على طريق الإلحاق لعدم الفارق
1252 - ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) عن ( سالم ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق
أخرج البخاري حديث ابن عمرو في هذا الباب من ستة طرق تشتمل على فصول من أحكام عتق العبد المشترك وقد ذكرنا ما يتعلق بأبحاث هذه الأحاديث مستوفاة في باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل فإنه أخرج فيه حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر وأخرج أيضا حديث جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر في باب الشركة في الرقيق ولنذكر في أحاديث هذا الباب ما لا بد منه ومن أراد الإمعان فيه فليرجع إلى باب تقويم الأشياء بين الشركاء
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وسالم هو ابن عبد الله بن عمر
والحديث أخرجه مسلم في العتق عن عمرو الناقد وابن أبي عمر وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وإسحاق بن إبراهيم فرقهما الكل عن سفيان بن عيينة عن عمرو
قوله سفيان عن عمرو وفي رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه وفي رواية النسائي من طريق إسحاق بن راهويه عن سفيان عن عمرو أنه سمع سالم بن عبد الله بن عمر قوله من أعتق ظاهره العموم ولكنه مخصوص بالاتفاق فلا يصح من المجنون ولا من الصبي ولا من المحجور عليه بسفه عند الشافعي وأبو حنيفة لا يرى الحجر بسفه فتصح تصرفاته وأبو يوسف ومحمد يريان الحجر على السفيه في تصرفات لا تصح مع الهزل كالبيع والهبة والإجارة والصدقة ولا يحجر عليه في غيرها كالطلاق والعتاق ولا يصح أيضا من المحجور عليه بسبب إفلاث عند الشافعي قوله بين اثنين كالمثال لأنه لا فرق بين أن يكون بين اثنين أو أكثر قوله فإن كان أي المعتق موسرا يعني صاحب يسار قوله قوم على صيغة المجهول وفي رواية لمسلم والنسائي قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط والوكس بفتح الواو وسكون الكاف وبالسين المهملة النقص والشطط الجور قوله ثم يعتق أي العبد
وبهذا الحديث احتج الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا إذا كان العبد بين اثنين فأعتقه أحدهما قوم عليه حصة شريكه ويعتق العبد كله ولا يجب الضمان عليه إلا إذا كان موسرا وتقرير مذهب الشافعي ما قاله في الجديد إنه إذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا عتق جميعه حين أعتقه وهو حر من يومئذ يرث ويورث عنه وله ولاؤه ولا سبيل للشريك على العبد وعليه قيمة نصيب شريكه كما لو قتله وإن كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه أو يخدمه يوما ويخلي لنفسه يوما ولا سعاية عليه لظاهر الحديث وعند أبي يوسف ومحمد يسعى العبد في نصيب شريكه الذي لم يعتق إذا كان المعتق معسرا ولا يرجع على العبد بشيء وهو قول الشعبي والحسن البصري والأوزاعي وسعيد بن المسيب وقتادة واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة الذي سيأتي في الكتاب فإنه رواه كما رواه ابن عمر وزاد عليه حكم السعاية على ما سنبينه إن شاء الله تعالى وأما أبو حنيفة فإنه كان يقول إذا كان المعتق موسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق والولاء بينهما نصفان وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة فإذا أداها عتق والولاء بينهما نصفان وإن شاء ضمن المعتق نصف القيمة

(13/82)


فإذا أداها عتق ورجع بها المضمن على العبد فاستسعاه فيها وكان الولاء للمعتق وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته فإيهما فعل فالولاء بينهما نصفان وحاصل مذهب أبي حنيفة أنه يرى بتجزىء العتق وأن يسار المعتق لا يمنع السعاية واحتج أبو حنيفة فيما ذهب إليه بما رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنهما على ما يجيء عقيب الحديث المذكور وبما رواه البخاري أيضا بإسناده عن أبي هريرة على ما يجيء بعد هذا الباب فإنهما يدلان على تجزىء الإعتاق وعلى ثبوت السعاية أيضا على ما سنبينه إن شاء الله تعالى
2252 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق
هذا طريق آخر في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وأخرجه مسلم أيضا في العتق عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن عثمان بن عمر الكل عن مالك عن نافع
قوله شركا بكسر الشين أي نصيبا قوله فكان له مال يبلغ هذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره كان له ما يبلغ أي شيء يبلغ وإنما قيد بقوله يبلغ لأنه إذا كان له مال لا يبلغ ثمن العبد لا يقوم عليه مطلقا لكن الأصح عند الشافعية أنه يسرى إلى القدر الذي هو موسر به تنفيذا للعتق بحسب الإمكان وبه قال مالك قوله ثمن العبد أي ثمن بقية العبد لأنه موسر بحصته وقد أوضح ذلك النسائي في روايته من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عبيد الله بن عمر وعمر بن نافع ومحمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر بلفظ وله مال يبلغ قيمة أنصباء شركائه فإنه يضمن لشركائه أنصباءهم ويعتق العبد والمراد بالثمن هنا القيمة لأن الثمن ما اشتريت به العين واللازم هنا القيمة لا الثمن قوله قوم على صيغة المجهول قوله قيمة عدل وهو أن لا يزاد من قيمته ولا ينقص قوله فأعطى شركاءه كذا هو في رواية الأكثرين إن أعطى على بناء الفاعل وشركاءه بالنصب على المفعولية وروي فأعطي على صيغة المجهول و شركاؤه بالرفع على أنه مفعول ناب عن الفاعل قوله حصصهم أي قيمة حصصهم قوله وإلا أي وإن لم يكن موسرا فقد عتق منه حصته وهي ما عتق وبهذا الحديث احتج ابن أبي ليلى ومالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد في أن وجوب الضمان على الموسر خاصة دون المعسر يدل عليه قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق وقال زفر يضمن قيمة نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا ويخرج العبد كله حرا لأنه جنى على مال رجل فيجب عليه ضمان ما أتلف بجنايته ولا يفترق الحكم فيه سواء كان موسرا أو معسرا والحديث حجة عليه
3252 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) عن ( أبي أسامة ) عن ( عبيد الله ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل على المعتق فأعتق منه ما أعتق
هذا طريق آخر أخرجه عن عبيد بن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراده يروي عن أبي أسامة حماد بن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع إلى آخره قوله فعليه أي فعلى من أعتق شركا أي نصيبا له قوله كله بالجر لأنه تأكيد لقوله في مملوك وقال بعضهم كله بجر اللام تأكيدا للضمير المضاف أي عتق العبد كله قلت ليس هنا ضمير مضاف حتى يكون تأكيدا له وفيه مساهلة جدا قوله فأعتق منه ما أعتق على صيغة المجهول كلاهما وهذا جزاء الشرط لأن قوله يقوم عليه صفة مال وليس بجزاء فافهم
حدثنا مسدد قال حدثنا بشر عن عبيد الله اختصره

(13/83)


هذا طريق آخر أخرجه عن مسدد عن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة عن عبيد الله بن عمر العمري قوله اختصره أي اختصره مسدد أي بالإسناد المذكور يعني ذكر المقصود منه وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن بشر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله من أعتق شركا له في عبد فقد أعتق كله إن كان للذي أعتق نصيبه من المال ما يبلغ ثمنه يقام عليه قيمة عدل فيدفع إلى شركائه أنصباءهم ويخلي سبيله
4252 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث
هذا طريق آخر عن أبي النعمان محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
وأخرجه البخاري أيضا في الشركة عن عمران بن ميسرة عن عبد الوارث وقد مر في باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قال ابن عبد البر لا خلاف أن التقويم لا يكون إلا على الموسر ثم اختلفوا في وقت العتق فقال الجمهور والشافعي في الأصح وبعض المالكية إنه يعتق في الحال وحجتهم رواية أيوب المذكورة حيث قال فهو عتيق وأوضح من ذلك ما رواه النسائي وابن حبان وغيرهما من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر بلفظ من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر وروى الطحاوي من طريق ابن أبي ذئب عن نافع فكان للذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه فهو عتيق كله والمشهور عند المالكية أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة فلو أعتق الشريك قبل أخذ القيمة نفذ عتقه وهو أحد أقوال الشافعي رحمه الله
5252 - حدثنا ( أحمد بن مقدام ) قال حدثنا ( الفضيل بن سليمان ) قال حدثنا ( موسى بن عقبة ) قال أخبرني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول قد وجب عليه عتقه كله إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء أنصباؤهم ويخلى سبيل المعتق يخبر ذلك ابن عمر عن النبي
هذا طريق آخر فيما روي عن ابن عمر أشار به إلى أنه روى الحديث المذكور وأفتى بما يقتضيه ظاهره في حق الموسر ليرد بذلك على من لم يقل له قوله ما يبلغ مفعوله محذوف وتقديره ما يبلغ ثمنه قوله سبيل المعتق بفتح التاء أي العتيق ولم ينفرد موسى بن عقبة عن نافع بهذا السياق بل وافقه صخر بن جويرية أخرجه الطحاوي وقال حدثنا أبو بكرة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر كان يفتي في العبد أو الأمة يكون أحدهما بين شركائه فيعتق أحدهم نصيبه منه فإنه يجب عتقه على الذي أعتقه إذا كان له من المال ما يبلغ ثمنه يقوم في ماله قيمة عدل فيدفع إلى شركائه أنصباءهم ويخلي سبيل العبد يخبر بذلك عبد الله بن عمر عن رسول الله وأخرجه أبو عوانة والدارقطني
ورواه الليث وابن ذئب وابن إسحاق وجويرية ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي مختصرا
أي روى الحديث المذكور الليث بن سعد ووصل روايته النسائي قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن نافع

(13/84)


عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول أيما مملوك كان بين شركاء وأعتق أحدهم نصيبه فإنه يقام في مال الذي أعتق قيمة عدل فيعتق إن بلغ ذلك ماله قوله وابن أبي ذئب هو محمد بن أبي ذئب بلفظ الحيوان المشهور ووصل روايته أبو نعيم في ( مستخرجه ) ولفظه من أعتق شركا في مملوك وكان للذي يعتق ما يبلغ ثمنه فقد عتق كله قوله وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب المغاوي ووصل روايته أبو عوانة ولفظه من أعتق شركا له في عبد مملوك فعليه نفاذه منه قوله وجويرية مصغر الجارية ابن أسماء ووصل روايته الطحاوي وقد مر عن قريب قوله ويحيى بن سعيد هو الأنصاري ووصل روايته مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي مثل حديث مالك عن نافع وقد ذكر فيما مضى قوله وإسماعيل ابن أمية ووصل روايته عبد الرزاق نحو رواية ابن أبي ذئب قوله مختصرا يعني لم يذكروا الجملة الأخيرة في حق المعسر وهي قوله فقد عتق منه ما عتق
5 -
( باب إذا أعتق نصيبا له في عبد وليس له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أعتق شخص نصيبا له في عبد والحال أنه ليس له مال استسعى العبد هذا جواب إذا والاستسعاء أن يكلف العبد الإكتساب حتى يحصل قيمة نصيب الشريك قوله غير مشقوق عليه حال من العبد أي لا يكلف ما يشق عليه قوله على نحو الكتابة أي يكون العبد في زمان الاستسعاء كالمكاتب يؤدي أولا فأولا وهذه الترجمة تدل على أن البخاري يرى بصحة حديثي ابن عمر المذكور وأبي هريرة الذي يذكره وقد استبعد الإسماعيلي إمكان الجمع بين حديثيهما ومنع الحكم بصحتهما معا وجزم بأنهما متدافعان وغيره قد جمع بينهما وقد بسطنا الكلام فيه في باب تقويم الأشياء بين الشركاء فليرجع إليه فمن وقف عليه هناك فقد عرف ما علمنا فيه من الفيض الإلهي والنور الرباني
6252 - حدثنا ( أحمد بن أبي رجاء ) قال حدثنا ( يحيى بن آدم ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) قال سمعت ( قتادة ) قال حدثني ( النضر بن أنس بن مالك ) عن ( بشير بن نهيك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي من أعتق شقيصا من عبد
7252 - وحدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( النضر بن أنس ) عن ( بشير بن نهيك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال من أعتق نصيبا أو شقيصا في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه
مطابقته للترجمة ظاهرة وأخرج هذا الحديث من طريق واحد في باب تقويم الأشياء بين الشركاء وأخرجه هنا من طريقين أحدهما عن أحمد بن أبي رجاء واسمه عبد الله بن أيوب يكنى بأبي الوليد الحنفي الهروي وهو من أفراده عن يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري عن جرير بن حازم بن زيد البصري عن قتادة عن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن أنس بن مالك عن بشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء والطريق الآخر عن مسدد عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك أعني في باب تقويم الأشياء
قوله شقيصا بفتح الشين وكسر القاف أي نصيبا قوله في الطريق الثاني أو شقيصا شك من الراوي قوله وإلا أي وإن لم يكن له مال قوم على صيغة المجهول قوله غير مشقوق عليه حال أي على العبد

(13/85)


تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة اختصره شعبة
أي تابع سعيد بن أبي عروبة في روايته عن قتادة حجاج بن حجاج على وزن فعال بالتشديد فيهما الأسلمي الباهلي البصري الأحول أراد البخاري بذكر متابعة هؤلاء الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له بمتابعة هؤلاء المذكورين
أما رواية حجاج بن حجاج فهي في نسخة رواها أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عنه وكذلك رواه حجاج بن أرطأة عن قتادة فقد أخرجها الطحاوي وقال حدثنا روح بن الفرج قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الرازي عن حجاج بن أرطأة عن قتادة فذكر مثله أي مثل رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقد ذكر آنفا
وأما رواية أبان فقد أخرجها أبو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا أبان قال حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير ابن نهيك عن أبي هريرة قال قال النبي من أعتق شقيصا في مملوكه فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه ورواه النسائي أيضا والطحاوي
وأما رواية موسى بن خلف فقد أخرجها الخطيب في كتاب ( الفصل للوصل ) من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر عنه عن قتادة عن النضر ولفظه من أعتق شقصا له في مملوك فعليه خلاصه إن كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى غير مشقوق عليه وموسى بن خلف بالخاء المعجمة واللام المفتوحتين العمي بفتح العين المهملة وتشديد الميم كان يعد البدلاء
وأما من رواية شعبة فأخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال يضمن
6 -
( باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه )
أي هذا باب في بيان حكم الخطأ والنسيان في العتق والطلاق والخطأ ضد العمد فقال الجوهري الخطأ نقيض الصواب وقد يمد وقرىء بهما في قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ ( النساء 29 ) تقول أخطأت وتخطأت بمعنى واحد ولا يقال أخطيت وقال ابن الأثير وأخطأ يخطىء إذا سلك سبيل الخطأ عمدا أو سهوا ويقال خطىء بمعنى أخطأ أيضا وقيل خطىء إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد ويقال لمن أراد شيئا ففعل غيره أو فعل غير الصواب أخطأ والنسيان خلاف الذكر والحفظ ورجل نسيان بفتح النون كثير النسيان للشيء وقد نسيت الشيء نسيانا وعن أبي عبيدة النسيان الترك قال تعالى نسوا الله فنسيهم ( التوبة 76 ) وقد ذكرت في ( شرح معاني الآثار ) الذي ألفته أن الخطأ في الإصطلاح هو الفعل في غير قصد تام والنسيان معنى يزول به العلم من الشيء مع كونه ذاكرا لأمور كثيرة وإنما قيل ذلك احترازا عن النوم والجنون والإغماء وقيل النسيان عبارة عن الجهل الطارىء ويقال المأتى به إن كان على جهة ما ينبغي فهو الصواب وإن كان لا على ما ينبغي نظر فإن كان مع قصد من الآتي به يسمى الغلط وإن كان من غير قصد منه فإن كان يتنبه بإيسر تنبيه يسمى السهو وإلا يسمى الخطأ قوله ونحوه أي نحو ما ذكر من العتاقة والطلاق من الأشياء التي يريد الرجل أن يتلفظ بشيء منها فيسبق لسانه إلى غيره وقال بعضهم ونحوه أي من التعليقات قلت هذا التفسير ليس بظاهر ولا له معنى يفيد صورة الخطأ في العتاق إن أراد التلفظ بشيء فسبق لسانه فقال لعبده أنت حر وكذلك في الطلاق قال لامرأته أنت طالق بعد أن أراد التلفظ بشيء وقال أصحابنا طلاق الخاطىء والناسي والهازل واللاعب والذي يكلم به من غير قصد واقع وصورة الناسي فيما إذا حلف ونسي وقال الداودي النسيان لا يكون في الطلاق ولا العتاق إلا أن يريد أنه حلف بهما على فعل شيء ثم نسي يمينه وفعله فهذا إنما يوضع فيه النسيان إذا لم يذكر فيه يمينه كما توضع الصلاة عمن نسيها إذا لم يذكرها حتى يموت وكذلك ديون الناس وغيرها لا يأثم بتركها ناسيا قال ابن التين هذا من الداودي على مذهب مالك رحمه الله تعالى وفي ( التوضيح ) وقد اختلف العلماء في الناسي في يمينه هل يلزمه حنث أم لا على قولين أحدهما لا وهو قول عطاء وأحد قولي الشافعي وبه قال إسحاق وإليه ذهب البخاري في الباب وثانيهما وهو قول الشعبي وطاووس من أخطأ في الطلاق فله نيته وفيه قول ثالث يحنث في الطلاق خاصة قاله أحمد وذهب مالك والكوفيون إلى أنه يحنث في الخطأ أيضا وادعى ابن بطال أنه الأشهر

(13/86)


عن الشافعي وروي ذلك عن أصحاب ابن مسعود واختلف ابن القاسم وأشهب فيما إذا دعا رجل عبدا يقال له ناصح فأجابه عبد يقال له مرزوق فقال له أنت حر وهو يظن الأول وشهد عليه بذلك فقال ابن القاسم يعتقان جميعا مرزوق بمواجهته بالعتق وناصح بما نواه وأما فيما بينه وبين الله فلا يعتق إلا ناصح وقال ابن القاسم إن لم يكن له عليه بينة لم يعتق إلا الذي نوى وقال أشهب يعتق مرزوق فيما بينه وبين الله تعالى وفيما بينه وبين الله لا يعتق ناصح لأنه دعاه ليعتقه فأعتق غيره وهو يظنه مرزوقا
ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى
روى الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا لا طلاق إلا لعدة ولا عتاق إلا لوجه الله ومعنى لا عتاقة إلا لوجه الله أي لذات الله أو لجهة رضاء الله قيل أراد البخاري بإيراد هذا الرد على الحنفية في قولهم إذا قال الرجل لعبده أنت حر للشيطان أو للصنم فإنه يعتق لصدوره من أهله مضافا إلى محله عن ولاية فنفذ ولغت تسمية الجهة وكان عاصيا بها والجواب عنه من وجهين أحدهما تصحيح الحديث المذكور والآخر بعد التسليم أن المراد به أن يكون نية المعتق الإخلاص فيها لأن الأعمال بالنيات فإذا لم يكن خالصا في نيته يكون عاصيا بذكر غير الله كما ذكرنا وترك هذا لا يمنع وقوع العتق لقضية أنت حر والباقي لغو
وقال النبي لكل امرىء ما نوى
هذا قطعة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد مر في أول الكتاب بلفظ وإنما لكل امرىء ما نوى وأورده في أواخر كتاب الإيمان ولكل امرىء ما نوى فإن قلت ما مراده من ذكر هذه القطعة ههنا قلت كأنه أراد به تأكيد ما سبق من عدم وقوع العتاق إذا كان لغير وجه الله لأن الأعمال بالنيات ولكنه لا يفيد شيئا لأن النية أمر مبطن ووقوع الإعتاق غير متوقف عليه بل الوقوع بمقتضى الكلام الصحيح فلا يمنعه تسمية الجهة اللغو
ولا نية للناسي والمخطىء
كأنه استنبط من قوله لكل امرىء ما نوى عدم وقوع العتاق من الناسي والمخطىء لأنه لا نية لهما وفيه نظر لأن الوقوع إنما هو بمقتضى كلام صحيح صادر من عاقل بالغ والمخطىء من أخطأ من أراد الصواب فصار إلى غيره ووقع في رواية القابسي الخاطىء من خطأ وهو من تعمد لما لا ينبغي وقال بعضهم يحتمل أن يكون أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض الطرق وهو الحديث الذي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرا بلفظ رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس إلا أنه بلفظ وضع بدل رفع انتهى قلت كأنه أشار إلى هذا الحديث الذي أخبر بأن الخطأ والنسيان رفعا عن أمته فلا يترتب على الناسي والمخطىء حكم وذلك لعدم النية فيهما والأعمال بالنيات فإذا كان كذلك لا يقع العتاق من الناسي والمخطىء وكذلك الطلاق وهو قول الشافعي لأنه لا اختيار له فصار كالنائم والمغمى عليه قلنا الاختيار أمر باطن لا يوقف عليه إلا بحرج فلا يصح تعليق الحكم عليه أما هذا الحديث فإنه صحيح فأخرجه الطحاوي بإسناد رجاله رجال الصحيح غير شيخه حيث قال حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا بشر بن بكر قال أخبرنا الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فهذا هو الصحيح والذي أعله إنما أعل إسناد ابن ماجه الذي أخرجه عن محمد بن المصفى الحمصي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي أن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فهذا كما ترى أسقط عبيد بن عمير وأيضا أعله بأنه من رواية الوليد عن الأوزاعي والصحيح طريق الطحاوي وأخرج نحوه الدارقطني والطبراني والحاكم ورواه ابن حزم من طريق الربيع وصححه وقال النووي في الأربعين هو حديث حسن صحيح قوله تجاوز الله أي عفا الله قوله لي أي لأجلي وذلك لأنه لم يتجاوز ذلك إلا عن هذه الأمة

(13/87)


لأجل سيدنا محمد قوله الخطأ والنسيان أي حكمهما في حق الله لا في حقوق العباد لأن في حقه عذرا صالحا لسقوطه حتى قيل إن الخاطىء لا يأثم فلا يؤاخذ بحد ولا قصاص وأما في حقوق العباد فلم يجعل عذرا حتى وجب ضمان العدوان على الخاطىء لأنه ضمان مال لا جزاء فعل ووجب به الدية وصح طلاقه وعتاقه
8252 - حدثنا ( الحميدي ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( مسعر ) عن ( قتادة ) عن ( زرارة بن أوفى ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم
قيل لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه ليس فيه شيء يطابق الترجمة لأن حديث أبي هريرة في وسوسة الصدور ولو ذكر حديث ابن عباس المذكور الآن لكان أنسب وأجاب الكرماني بشيء يقرب منه أخذ وجه المطابقة حيث قال أولا ما وجه تعلق الحديث بالوسوسة ثم قال قلت القياس على الوسوسة فكما أنها لا اعتبار لها عند عدم التوطين فكذلك الناسي والمخطىء لا توطين لهما
ذكر رجاله وهم ستة الأول الحميدي بضم الحاء نسبة إلى حميد أحد أجداد الراوي وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة بن عبد الله بن الزبير بن حميد أبو بكر الثاني سفيان بن عيينة الثالث مسعر بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملة ابن كدام الرابع قتادة الخامس زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء ابن أبي أوفى بلفظ أفعل التفضيل العامري مات فجاءة سنة ثلاث وتسعين وقيل كان يصلي صلاة الصبح فقرأ يا أيها المدثر ( المدثر 1 ) إلى أن بلغ فإذا نقر في الناقور ( المدثر 8 ) خر ميتا السادس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه وشيخ شيخه مكيان والحميدي قد مر في أول ( الصحيح ) وفيه حدثنا الحميدي ويروى حدثني بصيغة الإفراد وفيه أن مسعرا وقتادة كوفيان وأن زرارة بصري قاضي البصرة وليس له في البخاري إلا أحاديث يسيرة وفيه عن زرارة وفي الأيمان والنذور حدثنا زرارة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن مسلم بن إبراهيم وفي النذور عن خلاد بن يحيى وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة وسعيد بن منصور ومحمد بن عبيد وعن عمرو الناقد وزهير بن حرب وعن ابن المثنى وابن بشار وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن زهير بن حرب عن وكيع وعن إسحاق بن منصور وأخرجه أبو داود في الطلاق عن مسلم بن إبراهيم به وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الطلاق عن عبيد الله بن سعيد وعن موسى بن عبد الرحمان وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به وعن حميد بن مسعدة وعن هشام بن عمار
ذكر معناه قوله إن الله تجاوز لي عن أمتي وفي رواية الترمذي تجاوز الله لأمتي قوله لي أي لأجلي قوله ما وسوست به صدورها جملة في محل النصب على المفعولية وكلمة ما موصولة و وسوست صلتها و به عائد و صدورها بالرفع فاعل وسوست وفي رواية الأصيلي بالنصب على أن وسوست تضمن معنى حدثت ويأتي في الطلاق بلفظ ما حدثت به أنفسها وفي رواية الترمذي عما حدثت به أنفسها وفي رواية للنسائي إن الله تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها وقال الطحاوي وأهل اللغة يقولون أنفسها بالضم يريدون بغير اختيارها كما قال الله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه ( ق 61 ) واعترض عليه بأن قوله بالضم ليس بجيد بل الصواب بالرفع لأنها حركة إعراب قلت ليس هذا موضع المناقشة بالرد عليه لأن الرفع هو الضم في الأصل غاية ما في الباب أن النحاة يستعملون في الإعراب الرفع وفي البناء الضم بل يستعمل

(13/88)


كل منهما موضع الآخر خصوصا عند الفقهاء الوسوسة حديث النفس والأفكار وقد وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بالكسر وهو بالفتح الاسم ووسوس إذا تكلم بكلام لم يبينه حاصله أن الوسوسة تردد الشيء في النفس من غير أن تطمئن إليه وتستقر عنده قوله ما لم تعمل أي في العمليات أو تكلم في القوليات وأما قول ابن العربي إن المراد بقوله ما لم تكلم الكلام النفسي إذ هو الكلام الأصلي وأن القول الحقيقي هو الوجود بالقلب المواقف للعلم فهو مردود عليه وإنما قاله تعصبا لما حكى عن مذهبه من وقوع الطلاق بالعزم وإن لم يتلفظ وحكاه عن رواية أشهب عن مالك في الطلاق والعتق والنذر أنه يكفي فيه عزمه وقوله وجزمه في قلبه بكلامه النفسي الحقيقي ونصر ذلك بأن اللسان معبر عما في القلب فما كان يملكه الواحد كالنذر والطلاق والعتاق كفى فيه عزمه وما كان من التصرفات بين اثنين لم يكن بد من ظهور القول وهذا في غاية البعد وقد نقضه الخطابي على قائله بالظهار وغيره فأنهم أجمعوا على أنه لو عزم على الظهار لم يلزمه حتى يلفظ به قال وهو في معنى الطلاق وكذلك لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قذفا ولو حدث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة وقد حرم الله تعالى الكلام في الصلاة فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لكانت صلاته تبطل وقال عمر رضي الله تعالى عنه إني لأجهر جيشي وأنا في الصلاة وممن قال بأن طلاق النفس لا يؤثر عطاء بن أبي رباح وابن سيرين والحسن وسعيد بن جبير والشعبي وجابر بن زيد وقتادة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق
ذكر ما يستفاد منه فيه أن هذه المجاوزة من خصائص هذه الأمة وأن الأمم المتقدمة يؤاخذون بذلك وقد اختلف هل كان ذلك يؤاخذ به في أول الإسلام ثم نسخ وخفف ذلك عنهم أو تخصيص وليس بنسخ وذلك قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ( البقرة 482 ) فقد قال غير واحد من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس إنها منسوخة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( البقرة 682 ) فإن قيل قالوا من عزم على المعصية بقلبه وإن لم يعملها يؤاخذ عليه وأجيب بأنه لا شك أن العزم على المعصية وسائر الأعمال القلبية كالحسد ومحبة إشاعة الفاحشة يؤاخذ عليه لكن إذا وطن نفسه عليه والذي في الحديث هو ما لم يوطن عليه نفسه وإنما أمر ذلك بفكره من غير استقرار ويسمى هذا هما ويفرق بين الهم والعزم فإن قيل المفهوم من لفظ ما لم تعمل مشعر بأن ما في الصدور موطنا وغير موطن لا يؤاخذ عليه وأجيب بأنه يجب الحمل على غير الموطن جمعا بينه وبين ما يدل على المؤاخذة كقوله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ( النور 91 ) وأيضا لفظ الوسوسة لا يستعمل إلا عند التردد والتزلزل وقال عياض الهم ما يمر في الفكر من غير استقرار ولا توطن فإن استمر وتوطن عليه عزما يؤاخذ به أو يثاب عليه وقال القرطبي الذي ذهب إليه هو الذي عليه عامة السلف وأهل العلم والفقهاء والمحدثين والمتكلمين ولا يلتفت إلى من خالفهم في ذلك فزعم أن ما يهم به الإنسان وإن وطن به لا يؤاخذ به متمسكا في ذلك بقوله تعالى ولقد همت به وهم بها ( يوسف 42 ) وبقوله ما لم تعمل أو تكلم ومن لم يعمل بما عزم عليه ولا نطق به فلا الجواب عن و الآية أن من الهم ما يؤاخذ به الإنسان وهو ما استقر واستوطن ومنه ما يكون أحاديث لا تستقر فلا يؤاخذ بها كما شهد به الحديث والذي يرفع الإشكال ويبين المراد حديث أبي كبشة عمرو بن سعد سمع سيدنا رسول الله لله فذكر حديثا فيه قالت الملائكة ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به وزعم الطبري أن فيه دلالة على أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب خلافا لمن قال لا يكتبونها ولا يكتبون إلا الأعمال الظاهرة وبه استدل بعضهم على أنه إذا كتب بالطلاق وقع من قوله ما لم يعمل والكتابة عمل وهو قول محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وشرط مالك فيه الإشهاد على الكتابة وجعله الشافعي كناية إن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا وفرض بعضهم بين أن يكتبه في بياض كالرق والورق واللوح وبين أن يكتبه على الأرض فأوقعه في الأول دون الثاني وفيه نظر
9252 - حدثنا ( محمد بن كثير ) عن ( سفيان ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( محمد بن إبراهيم التيكي ) عن ( علقمة بن وقاص الليثي ) قال سمعت ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه عن النبي

(13/89)


قال الأعمال بالنية ولامرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
قد مر هذا الحديث في أول الكتاب فإنه أخرجه هناك عن الحميدي عن سفيان إلى آخره وهنا عن محمد بن كثير ضد قليل عن سفيان هو الثوري
قوله الأعمال بالنية ولامرىء ما نوى كذا أخرجه محمد بن كثير بخلاف إنما في الموضعين ود أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فقال إنما الأعمال بالنية وإنما لامرىء ما نوى قوله إلى دنيا في رواية الكشميهني للدنيا وهي رواية أبي داود أيضا ووجه إعادة هذا الحديث وذكره هنا لأجل ذكر قطعة منه وهو قوله قال النبي لكل امرىء ما نوى وقد ذكرنا وجه ذكر القطعة وللإشارة أيضا إلى أنه أخرج هذا الحديث من شيخين والله أعلم بالصواب
7 -
( باب إذا قال رجل لعبده هو لله ونوى العتق والإشهاد في العتق )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال رجل لعبده هو لله هذا هكذا روى الأصيلي وكريمة وفي رواية غيرهما باب إذا قال لعبده الفاعل مضمر وهو رجل أو شخص قوله ونوى العتق أي والحال أنه نوى عتق العبد بهذا اللفظ وجواب إذا محذوف تقديره صح أو عتق العبد قوله والإشهاد بالرفع وفيه حذف تقديره وباب يذكر فيه الإشهاد في العتق فيكون ارتفاعه بالفعل المقدر وتكون هذه الجملة أعني قولنا وباب يذكر فيه الإشهاد على العتق معطوفة على باب إذا قال أي باب يذكر فيه إذا قال ولفظ باب منون في الظاهر وفي المقدر وهذا هو الوجه ومن جر الإشهاد فقد جر ما لا يطيق حمله
0352 - حدثنا ( محمد بن عبد الله بن نمير ) عن ( محمد بن بشر ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أنه لما أقبل يريد الأسلام ومعه غلامه ضل كل واحد منهما من صاحبه فأقبل بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النبي فقال النبي يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك فقال أما أني أشهدك أنه حر فهو حين يقول
( يا ليلة من طولها وعنائها
على أنها من دارة الكفر نجت )
مطابقته للترجمة في قوله أما أني أشهدك أنه حر وهذا الحديث من أفراده
وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي واسم أبي خالد سعد وقيس هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه عوف قدم المدينة بعدما قبض النبي وهؤلاء كلهم كوفيون
قوله يريد الإسلامجملة حالية وكذلك قوله ومعه غلامه جملة حالية إسمية أي ومع أبي هريرة قوله ضل أي تاه كل واحد منهما ذهب إلى ناحية وفسره الكرماني بقوله ضاع وتبعه بعضهم على ذلك وليس معناه إلا ما ذكرناه قوله أما بفتح الهمزة وتخفيف الميم وتستعمل هذه الكلمة على وجهين أحدهما أن تكون حرف استفتاح بمنزلة ألا والثاني أن تكون بمعنى حقا وأما هنا على هذا المعنى قوله أني بفتح الهمزة كما تفتح الهمزة بعد قولهم حقا لأنها بمعناه قوله فهو حين يقول أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة قوله يا ليلة هذا من بحر الطويل وقد دخله الخرم بالخاء المعجمة المفتوحة وسكون الراء وهو حذف الحرف من أول الجزء وللطويل ثمانية أجزاء وقد حذف الحرف من أول جزئه وهو يا ليلة لأن تقديره فيا ليلة لأن وزنه فيالي فعولن له من طو مفاعيلن لها و فعول عنائها مفاعلن وفيه القبض وقول الكرماني ولا بد من زيادة ولو أوفاء في أول البيت ليكون موزونا كلام من يقف على علم العروض لأن ما جاز حذفه كيف يقال فيه لا بد من إثباته قوله عنائها بفتح العين المهملة وبتخفيف النون وبالمد أي تعبها ومشقتها قوله دارة

(13/90)


الكفر هي دار الحرب والدارة أخص من الدار ويروى داره بالإضافة إلى الضمير وحينئذ يكون الكفر بدلا منه بدل الكل من الكل وكثيرا ما تستعمل الدارة في أشعار العرب كما قال امرؤ القيس
( ولا سيما يوم بدارة جلجل )
ودارات كثيرة وقال أبو حاتم عن الأصمعي الدارة جوفة تحف الجبال وقال عنه في موضع آخر الدارة رمل مستدير قدر ميلين تحفه الجبال وقال الهجري الدارة النبكة السهلة حفتها جبال ومقدار الدارة خمسة أميال في مثلها قلت النبكة بفتح النون والباء الموحدة والكاف وهي أكمة محددة الرأس ويجمع على نبك بالتحريك فإن قلت الشعر لمن قلت ظاهره أنه لأبي هريرة ولكنه غير مشهور بالشعر وحكى ابن التين أنه لغلامه وحكى الفاكهي في ( كتاب مكة ) عن مقدم بن حجاج السوائي أن البيت المذكور لأبي مرثد الغنوي في قصة له فإذا كان كذلك يكون أبو هريرة قد تمثل به والله أعلم
وقال المهلب لا خلاف بين العلماء فيما علمت إذا قال رجل لعبده هو حر أو هو لله ونوى العتق أنه يلزمه العتق وكل ما يفهم به عن المتكلم أنه أراد به العتق لزمه ونفذ عليه وروى ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة أن رجلا قال لغلامه أنت لله فسئل الشعبي والمسيب بن رافع وحماد بن أبي سليمان فقالوا هو حر وعن إبراهيم كذلك وقال إبراهيم وإن قال إنك لحر النفس فهو حر وعن الحسن إذا قال ما أنت إلا حر نيته وعن الشعبي مثله
وقال ابن بطال فيه العتق عند بلوغ الأمل والنجاة مما يخاف كما فعل أبو هريرة حين أنجاه الله من دار الكفر ومن ضلاله في الليل عن الطريق وكان إسلام أبي هريرة في سنة ست من الهجرة

(13/91)


2352 - حدثنا ( شهاب بن عباد ) قال حدثنا ( إبراهيم بن حميد ) عن ( إسماعيل ) عن ( قيس ) قال ل ( ما أقبل أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه ومعه غلامه وهو يطلب الإسلام فضل أحدهما صاحبه بهاذا وقال أما أني أشهدك أنه لله
هذا طريق آخر عن شهاب بن عباد بفتح العين وتشديد الباء العبدي الكوفي أبو عمرو عن إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي من قيس غيلان الكوفي إلى آخره قوله وهو يطلب الإسلام جملة حالية ويحتمل أن يكون حقيقة وإن لم يسلم وأسلم بعد ويحتمل أن يكون المراد يظهر الإسلام قوله فضل أصله التعدية بالحرف لأنه قال في الطريق الأول فضل كل واحد منهما عن صاحبه ويكون نصب صاحبه هنا بنزع الخافض كما في قوله تعالى واختار موسى قومه سبعين ( الأعراف 551 ) أي من قومه والتقدير هنا فضل أحدهما عن صاحبه وقال الكرماني وقد جاء متعديا بنفسه في الأشياء الثابتة كما يقال ضللت المسجد والدار إذا لم يعرف موضعهما قلت هذا من باب التوسع كما يقال دخلت المسجد حتى قيل إن الصواب فأضل أحدهما صاحبه
8 -
( باب أم الولد )
أي هذا باب في بيان حكم أم الولد ولم يذكر الحكم ما هو فكأنه تركه للخلاف فيه قال أبو عمر اختلف السلف والخلف من العلماء في عتق أم الولد وفي جواز بيعها فالثابت عن عمر رضي الله تعالى عنه عدم جواز بيعها وروى مثل ذلك عن عثمان وعمر بن عبد العزيز وهو قول أكثر التابعين منهم الحسن وعطاء ومحاهد وسالم وابن شهاب وإبراهيم وإلى ذلك ذهب مالك والثوري والأوزاعي والليث وأبو حنيفة والشافعي في أكثر كتبه وقد أجاز بيعها في بعض كتبه وقال المزني قطع في أربعة عشر موضعا من كتبه بأن لا تباع وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور أصحابه وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وكان أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن الزبير وجابر وأبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم يجيزون بيع أم الولد وبه قال داود وقال جابر وأبو سعيد كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله وذكر عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمع جابرا يقول كنا نبيع أمهات الأولاد ورسول الله فينا لا يرى بذلك بأسا وأنبأنا ابن جريج أنبأنا عبد الرحمن بن الوليد أن أبا إسحاق الهمداني أخبره أن أبا بكر الصديق كان يبيع أمهات الأولاد في آمارته وعمر في نصف إمارته وقال ابن مسعود تعتق في نصيب ولدها وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير قال وقد روي عن النبي في مارية سريته لما ولدت إبراهيم عليه الصلاة و السلام قال أعتقها ولدها من وجه ليس بالقوي ولا يثبته أهل الحديث وكذا حديث ابن عباس عن النبي أنه قال إيما أمة ولدت من سيدها فإنها حرة إذا مات سيدها فقيل له عمن هذا قال عن القرآن هذا قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( النساء 95 ) وكان عمر رضي الله تعالى عنه من أولي الأمر وقد قال أعتقها ولدها وإن كان سقطا
قال أبو هريرة عن النبي من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها
هذا التعليق مر موصولا مطولا في كتاب الإيمان في باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان وتقدم الكلام فيه هناك وجه إيراد هذا هنا هو أن منهم من استدل على جواز بيع أمهات الأولاد ومنهم من منع ذلك فكان البخاري أراد بذكره هذا الإشارة إلى ذلك والذي عليه الجمهور أنه لا يدل على الجواز ولا المنع وقال النووي في ( شرح مسلم ) وقد استدل إمامان من كبار العلماء على ذلك استدل أحدهما على الإباحة والآخر على المنع وذلك عجيب منهما وقد أنكر عليهما فإنه ليس كل ما أخبر بكونه من علامات الساعة يكون محرما أو مذموما كتطاول الرعاء في البنيان وفشو المال وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد ليس بحرام بلا شك وإنما هذه علامات والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره انتهى قلت وجه استدلال المجيز أن ظاهر قوله

(13/92)


ربها أن المراد به سيدها لأن ولدها من سيدها يتنزل منزلة سيدها لمصير مآل الإنسان إلى ولده غالبا ووجه استدلال المانع أن هذا إخبار عن غلبة الجهل في آخر الزمان حتى تباع أمهات الأولاد فيكثر تردد الأمة في الأيدي حتى يشتريها ولدها وهو لا يدري فيكون فيه إشارة إلى تحريم بيع أمهات الأولاد ولا يخفى تعسف الوجهين
3352 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت إن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة قال عتبة إنه ابني فلما قدم رسول الله زمن الفتح أخذ سعد ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله وأقبل معه بعبد بن زمعة فقال سعد يا رسول الله هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه فقال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا أخي ابن وليدة زمعة ولد على فراشه فنظر رسول الله إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه الناس به فقال رسول الله هو لك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراش أبيه وقال رسول الله احتجبي منه يا سودة بنت زمعة مما رأى من شبهه بعتبة وكانت سودة زوج النبي
مطابقته للترجمة في قوله هذا أخي ولد على فراش أبي وحكمه بأنه أخوه فإن فيه ثبوت أمية الولد فإن قلت ليس فيه تعرض لحريتها ولا لرقيتها قلت الترجمة في باب أم الولد مطلقا من غير تعرض للحكم كما ذكرنا فتحصل المطابقة من هذه الحيثية وقيل فيه إشارة إلى حرية أم الولد لأنه جعلها فراشا فسوى بينها وبين الزوجة في ذلك وقال الكرماني زاد في بعض النسخ بعد تمام الحديث قال أبو عبد الله سمى النبي أمة زمعة أمة ووليدة فدل على أنها لم تكن عتيقة بهذا الحديث قلت هذا يدل على أن ميله إلى عدم عتق أم الولد بموت السيد ثم قال الكرماني وقد يقال غرض البخاري فيه بيان أن بعض الحنفية لا يقولون بأن الولد للفراش في الأمة إذ لا يلحقون الولد بالسيد إلا بإقراره بل يخصصونه بفراش الحرة فإذا أرادوا تأويل ما في هذا الحديث في بعض الروايات من أن الولد للفراش يقولون إن أم الولد المتنازع فيها كانت حرة لا أمة ثم إن هذا الحديث مضى في أوائل كتاب البيوع في باب تفسير الشبهات ومضى الكلام فيه هناك ولكن نذكر هنا بعض شيى لزيادة الفائدة
وقال ابن بطال القضية مشكلة من جهة أن عبدا ادعى على أمة ولدا بقوله أخي ولم يأت ببينة تشهد على إقرار أبيه فكيف قبل دعواه فذهب مالك والشافعي إلى أن الأمة إذا وطئها مولاها فقد لزمه كل ولد تجيء به بعد ذلك إدعاه أم لا وقال الكوفيون لا يلزم مولاها إلا أن يقر به وقال إن رسول الله قال هولك ولم يقل هو أخوك فيجوز أن يريد به هو مملوك لك بحق ما لك عليه من اليد ولهذا أمر سودة بالاحتجاب منه فلو جعله ابن زمعة لما حجب منه أخته وقالت طائفة معناه هو أخوك كما ادعيت قضاء منه في ذلك بعمله لأن زمعة كان صهره فألحق ولده به لما علمه من فراسته لا أنه قضى بذلك لاستلحاق عبد له وقال الطحاوي هو لك أي بيدك عليه لا إنك تملكه ولكن يمنه منه كل من سواك كما قال في اللقطة هي لك تدفع غيرك عنها حتى يجيء صاحبها ولما كان لعبد شريك وهو أخته سودة ولم يعلم منها تصديق في ذلك ألزم رسول الله عبدا ما أقر به على نفسه ولم يجعل ذلك حجة على أخته فأمرها بالاحتجاب وقال الشافعي رؤية ابن زمعة لسودة مباحة لكنه كرهه للشبهة وأمرها بالتنزه عنه اختيارا وقال الطبري هو لك ملك يعني عبدا لأنه بان وليدة أبيك وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد ولم ينقل في الحديث اعتراف سيدها بوطئها ولا شهد بذلك عليه فلم يبق إلا القضاء بأنه عبد تبيع لأمه لا أنه قضى له ببينة وأجاب ابن القصار بجوابين أحدهما أنه كان يدعى عبد بن زمعة أنه حر وأنه أخوه ولد على فراش أبيه

(13/93)


فكيف يقضي له بالملك ولو كان مملوكا لعتق بهذا القول والآخر أنه لو قضى له بالملك لم يقل الولد للفراش لأن المملوك لا يلحق بالفراش ولكان يقول هو ملك لك وقال المزني يحتمل أن يكون أجاب فيه على المسألة فأعلمهم بالحكم أن هذا يكون إذا ادعى صاحب فراش وصاحب زنا لا أنه قبل قول سعد على أخيه عتبة ولا على زمعة قول ابنه عبد بن زمعة أنه أخوه لأن كل احد منهما أخبر عن غيره وقد قام الإجماع على أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره فحكم بذلك ليعرفهم الحكم في مثله إذا نزل قوله أخذ سعد ابن وليدة زمعة أي أخذ سعد بن أبي وقاص وهو مرفوع منون وقوله ابن وليدة منصوب على أنه مفعول وينبغي أن يكتب ابن بالألف قوله هو لك يا عبد بن زمعة برفع عبد ويجوز نصبه وكذا ابن وكذا قوله يا سودة بنت زمعة قلت أما وجه الرفع والنصب فهو أن توابع المبني المفردة من التأكيد والصفة وعطف البيان ترفع على لفظه وتنصب على محله بيانه أن لفظ عبد في يا عبد منادى مبني على الضم فإذا أكذ أو اتصف أو عطف عليه يجوز فيه الوجهان كما عرف في موضعه قوله احتجبي منه يا سودة أشكل معناه قديما على العلماء فذهب أكثر القائلين بأن الحرام لا يحرم الحلال وأن الزنا لا تأثير له في التحريم وهو قول عبد الملك بن الماجشون إلا أن قوله كان ذلك منه على وجه الاحتياط والتنزه وأن للرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها هذا قول الشافعي وقالت طائفة كان ذلك منه لقطع الذريعة بعد حكمه بالظاهر فكأنه حكم بحكمين حكم ظاهر وهو الولد للفراش وحكم باطن وهو الاحتجاب من أجل الشبه كأنه قال ليس بأخ لك يا سودة إلا في حكم الله تعالى فأمرها بالاحتجاب منه قلت ومن هذا أخذ أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد أن وطء الزنا محرم وموجب للحكم وأنه يجري مجرى الوطء الحلال في التحريم منه وحملوا أمره لسودة بالاحتجاب على الوجوب وهو أحد قولي مالك وفي قوله الآخر الأمر ههنا للاستحباب وهو قول الشافعي وأبي ثور وذلك لأنهم يقولون إن وطء الزنا لا يحرم شيئا ولا يوجب حكما والحديث حجة عليهم وذكر في حكم أم الولد سبعة أقوال الأول يجوز عتقها على مال صرح به ابن القصار في ( فتاويه ) الثاني يجوز بيعها مطلقا وقد ذكرنا الخلاف فيه الثالث يجوز لسيدها بيعها في حياته فإذا مات عتقت وحكي ذلك عن الشافعي الرابع أنها تباع في الدين وفيه حديث سلامة بن معقل في ( سنن أبي داود ) الخامس أنها تباع ولكن إن كان ولدها موجودا عند موت أبيه سيدها حسب من نصيبه إن كان ثم مشارك له في التركة وهو مذهب ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم السادس أنه يجوز بيعها بشرط العتق ولا يجوز بغيره السابع أنها إن عقت وأبقت لم يجز بيعها وإن فجرت أو كفرت جاز بيعها حكي عن عمر رضي الله تعالى عنه وحكى المزني عن الشافعي التوقف
9 -
( باب بيع المدبر )
أي هذا باب في بيان حكم بيع المدبر هل يجوز أم لا وقد ذكر هذه الترجمة بعينها في كتاب البيوع
4352 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( عمر ابن دينار ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال أعتق رجل منا عبدا له عن دبر فدعا النبي به فباعه قال جابر مات الغلام عام أول
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث يوضح حكم الترجمة أيضا أنه أطلقها فدل أن مذهبه جواز بيع المدبر وقد مر الكلام فيه في كتاب البيوع مستوفى
قوله عن دبر بضم الباء الموحدة وسكونها واسم العبد يعقوب والمعتق أبو مذكور والمشتري نعيم النحام والثمن ثمانمائة درهم قوله عام أول بالصرف وعدم الصرف لأنه إما أفعل أو فوعل ويجوز بناؤه على الضم وهذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى صفته وأصله عاما أول وقد ذكرنا هناك اختلاف العلماء فيه فلنذكر هنا أيضا يعض شيء فقال قوم يجوز بيع المدبر ويرجع فيه متى شاء وهو قول مجاهد وطاووس وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور واحتجوا بهذا الحديث قالوا وهو مذهب عائشة رضي الله تعالى عنها وروي عنها أنها باعت مدبرة لها سحرتها

(13/94)


وقال آخرون لا يجوز روى ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وهو قول الشعبي وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى والنخعي وبه قال مالك والثوري والليث والأوزاعي والكوفيون لا يباع في دين ولا في غيره إلا في دين قبل التدبير ويباع بعد الموت إذا أغرقه الدين وكان التدبير قبل الدين أو بعده وعن أبي حنيفة لا يباع في الدين ولكن يستسعى للغرماء فإذا أدى ما لهم عتق وقال ابن التين ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن من دبر عبده ولا دين عليه أنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولا نقض تدبيره ما دام حيا خلافا للشافعي وفي ( التوضيح ) يخرج المدبر بعد موت سيده من ثلثه وقال داود يخرج من جميع المال فإن لم يحمله الثلث رق ما لم يحمله الثلث منه وقال أبو حنيفة يسعى في فكاك رقبته فإن مات سيده وعليه دين سعى للغرماء ويخرج حيا
01 -
( باب بيع الولاء وهبته )
أي هذا باب في بيان حكم بيع الولاء وهبته هل يجوز أم لا وحديث الباب يدل على أنه لا يجوز والولاء بفتح الواو وبالمد هو حق إرث المعتق من العتيق وهذا يسمى ولاء العتاقة وسببه العتق لا الإعتاق لأنه إذا ورث قريبه يعتق عليه ويكون ولاؤه له ولو كان سببه الإعتاق لما ثبت له الولاء لأنه لم يوجد الإعتاق
5352 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عبد الله بن دينار ) قال سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول نهى رسول الله عن بيع الولاء وعن هبته
( الحديث 5352 - طرفه في 6576 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين الإبهام الذي فيها وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي والحديث أخرجه مسلم في العتق عن محمد بن المثنى وأخرجه أبو داود في الفرائض عن حفص بن عمر وأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الملك قوله نهى رسول الله إلى آخره يعني ولاء العتق وهو ما إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه وكانت العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه الشارع لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة وفقهاء الحجاز والعراق مجمعون على أنه لا يجوز بيع الولاء ولا هبته وقال ابن المنذر وفيه قول ثان روى أن ميمونة بنت الحارث وهبت ولاء مواليها من العباس وأن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير وذكر عبد الرزاق عن عطاء أنه يجوز للسيد أن يأذن لعبده أن يوالي من شاء وهذا هو هبة الولاء وصح من حديث ابن عمر مرفوعا الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يورث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وخالفه البيهقي فأعله وذكره ابن بطال من حديث إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر مرفوعا الولاء لحمة كالنسب وأورده ابن التين بزيادة بلفظ لا يحل بيعه ولا هبته ثم قال وعليه جماهير أهل العلم وقام الإجماع على أنه لا يجوز تحويل النسب وقد نسخ الله تعالى المواريث بالتبني بقوله ادعوهم لآبائهم إلى قوله ومواليكم ( الأحزاب 5 ) ولعن رسول الله من انتسب إلى غير أبيه فكان حكم الولاء كحكم النسب في ذلك فكما لا يجوز بيع النسب ولا هبته كذلك الولاء ولا نقله ولا تحويله وإنه للمعتق كما قال
6352 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي فقال أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق فأعتقتها فدعاها النبي فخيرها من زوجها فقالت لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده فاختارت نفسها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فإن الولاء لمن أعطى الورق فهذا يدل على أن الولاء لا ينقل فإذا لم يجز نقله لا يجوز بيعه ولا هبته
والحديث مضى في كتاب البيوع في باب البيع والشراء مع النساء أخرجه من رواية الزهري عن عروة عن عائشة ومن رواية نافع عن ابن عمر أن عائشة ساومت وفي باب إذا اشترط شروطا في البيع لا يحل من رواية

(13/95)


مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرجه هنا عن عثمان عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة وأخرجه أيضا في الفرائض عن محمد بن جرير وفيه أيضا عن موسى ابن إسماعيل عن أبي عوانة وأخرجه الترمذي في البيوع وفي الولاء عن محمد بن بشار وأخرجه النسائي في البيوع وفي الطلاق وفي الفرائض عن قتيبة عن جرير به وذكر قصة التخيير في البيوع وفي الطلاق دون الفرائض
قوله بريرة بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى وكانت وليدة لبني هلال كذا في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن عروة قوله لم أعطى الورق بفتح الواو وكسر الراء وهي الدراهم المضروبة وفي رواية الترمذي وإنما الولاء لمن أعطى الثمن أو لمن معه النعمة قوله فخيرها من زوجها لأن زوجها كان عبدا على الأصح وإذا كان زوج الأمة حرا خيرت عندنا أيضا وقال مالك والشافعي لا تخير وروى مسلم عن عائشة أن زوجها كان عبدا فخيرها النبي وروى البخاري ومسلم أيضا عنها أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت والعمل بهذا أولى لثبوت الحرية لاتفاقهم أنه كان قتل عبدا ونقول بموجب الحديثين جمعا بين الدليلين ولا فرق في هذا بين القنة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة وزفر يخالفنا في الكتابة
11 -
( باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى إذا كان مشركا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى من فاداه يفاديه مفاداة إذا أعطى فداءه وأنقذه وقيل المفاداة أن يفتك الأسير بأسير مثله وفي ( المغرب ) فداه من الأسر فداء استنقذه منه بمال والفدية اسم ذلك المال والمفاداة بين اثنين وقال المبرد المفاداة أن تدفع رجلا وتأخذ رجلا والفداء أن تشتريه وقيل هما بمعنى قلت يفادى هنا بمعنى أن يعطي مالا ويستنقذ الأسير قوله إذا كان أي أخوه أو عمه مشركا من أهل دار الحرب وإنما قال البخاري هل يفادى بالاستفهام على سبيل الاستخبار ولم يبين حكم المسألة واقتصر على ذكر أخي الرجل وعمه من بين سائر ذوي رحمه وذلك لأنه ترك بيان حكم المسألة لأجل الخلاف فيه على ما نبينه وأما اقتصاره على الأخ والعم فلأنه استنبط من حديث الباب أن الأخ والعم لا يعتقان على من ملكهما وكذلك ابن العم لأن النبي قد ملك من عمه العباس ومن ابن عمه عقيل بالغنيمة التي له فيها نصيب وكذلك علي رضي الله تعالى عنه قد ملك من أخيه عقيل وعمه العباس ولم يعتقا عليه
وأما بيان الاختلاف فيمن يعتق على الرجل إذا ملكه فذهب مالك إلى أنه لا يعتق عليه إلا أهل الفرائض في كتاب الله تعالى وهم الولد ذكرا كان أو أنثى وولد الولد وإن سفلوا وأبوه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم وإن بعدوا وإخوته لأبوين أو لأب أو لأم وبه قال الشافعي إلا في الأخوة فإنهم لا يعتقون وحجته فيه أن عقيلا كان أخا علي رضي الله تعالى عنه فلم يعتق عليه بما ملك من نفسه من الغنيمة منه وعند الحنفية كل من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وذو الرحم المحرم كل شخصين يدليان إلى أصل واحد بغير واسطة كالأخوين أو أحدهما بواسطة والآخر بواسطتين كالعم وابن العم ولا يعتق ذو رحم غير محرم كبني الأعمام والأخوال وبني العمات والخالات ولا محرم غير ذي رحم كالمحرمات بالصهرية أو الرضاع إجماعا ويقول الحنفية قال أحمد وعنه كقول الشافعي وفي ( حاوي ) الحنابلة ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق إلا عمود النسب وحجة الحنفية في هذا ما رواه الأئمة الأربعة من حديث سمرة بن جندب قال أبو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي وقال موسى في موضع آخر عن سمرة بن جندب فيما يحسب حماد قال قال رسول الله من ملك ذا رحم محرم فهو حر وقال الترمذي حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر وقال النسائي أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا حجاج وأبو داود قالا حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي قال من ملك ذا محرم فهو حر وقال ابن ماجه حدثنا عقبة بن مكرم وإسحاق بن منصور قالا حدثنا محمد بن بكر البرساني عن حماد بن سلمة عن قتادة وعاصم عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر وقال بعضهم أشار البخاري بترجمة هذا الباب

(13/96)


إلى تضعيف حديث سمرة هذا واستنكره ابن المديني ورجح الترمذي إرساله وقال البخاري لا يصح وقال أبو داود وتفرد به حماد وكان يشك في وصله وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن قوله وعن قتادة عن عمر قوله منقطعا أخرج ذلك النسائي قلت ما وجه دلالة هذه الترجمة على ضعف هذا الحديث فما هذه الدلالة هل هي لفظية أو عقلية والحديث أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) من طريق أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول وقتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا وسكت عنه ثم أخرجه عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا من ملك ذا رحم فهو حر وقال هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين والمحفوط عن سمرة بن جندب وصححه أيضا ابن حزم وابن القطان وقال ابن حزم هذا خبر صحيح تقوم به الحجة كل من رواته ثقات انتهى ولئن سلمنا ما قالوا فما يقلون في حديث ضمرة ابن ربيعة عن سفيان الثوري وهذا فيه الكفاية في الاحتجاج فإن قلت قالوا تفرد به ضمرة قلت ليس انفراده به دليلا على أنه غير محفوظ ولا يوجب ذلك علة فيه لأنه من الثقات المأمونين لم يكن بالشام رجل يشبهه كذا قال أحمد بن حنبل وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا لم يكن هناك أفضل منه وقال ابن يونس كان فقيه أهل فلسطين في زمانه والحديث إذا انفرد به مثل هذا كان صحيحا ولا يضره تفرده
وقال أنس قال العباس للنبي فأديت نفسي وفاديت عقيلا
هذا التعليق جزء من حديث مضى في كتاب الصلاة في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد أخرجه هناك فقال قال إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال أتي النبي بمال من البحرين الحديث وفيه جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلا إلى آخره وأخرجه البيهقي موصولا فقال أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عصام حدثنا حفص بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن طهمان إلى آخره وعباس عم النبي لما أسر في وقعة بدر فأدى نفسه بمائة أوقية من ذهب قاله ابن إسحاق وقال ابن كثير في ( تفسيره ) وهذه المائة عن نفسه وعن بني أخيه عقيل ونوفل وروى هشام بن الكلبي عن أبيه عن ابن عباس قال قال فدى العباس نفسه بأربعة آلاف درهم وكانوا يأخذون من كل واحد من الأسرى أربعين أوقية فقال رسول الله أضعفوها على العباس فقال تركتني فقيرا ما عشت أسأل الله قال رسول الله فأين المال الذي تركته عند أم الفضل وذكره فقال يا ابن أخي من أعلمك فوالله ما كان عندنا ثالث فقال أخبرني الله فقال أشهد أنك لصادق وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم وأسلم وأمر إبني إخيه فأسلماقال ابن عباس وفيه نزل يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى أن يعلم الله في قلوبكم ( الأنفال 07 ) الآية وقال ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن الزهري عن جماعة سماهم قالوا بعثت قريش إلى رسول الله في فداء أسرائهم ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا وقال العباس يا رسول الله قد كنت مسلما فقال رسول الله الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر قال ما ذاك عندي يا رسول الله قال فإين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل قال فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم قال والله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله لا ذاك شيء أعطانا الله منك ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه فأنزل الله عزوجل فيه يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى ( الأنفال 07 ) الآية قال العباس فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز و جل
واختلفوا في الذي أسر العباس فقيل ملك من الملائكة وقيل أسره أبو اليسر كعب بن عمرو وأخو بني سلمة الأنصاري وكان العباس جسيما وأبو اليسر مجموعا فقال له النبي كيف أسرت العباس فقال أعانني عليه رجل ما رأيته قط فقال رسول الله أعانك عليه ملك كريم وقيل

(13/97)


أسره عبيد الله بن أوس الأنصاري من بني ظفر وسمي بمقرن قال الواقدي وإنما سمي به لأنه قرن بين العباس ونوفل وعقيل بجبل فلما رآهم رسول الله قال لقد أعانك عليهم ملك كريم وقال إبن إسحاق ولما أسر العباس بات رسول الله ساهرا تلك الليلة فقيل له مالك لا تنام فقال يمنعني أمر العباس وكان موثقا بالقيد فأطلقوه فنام رسول الله
وكان علي له نصيب في تلك الغنيمة التي أصاب من أخيه عقيل ومن عمه عباس
هذا من كلام البخاري ذكره في معرض الاستدلال على أنه لا يعتق الأخ ولا العم بمجرد الملك إذ لو عتقا لعتق العباس وعقيل على علي رضي الله تعالى عنه في حصته من الغنيمة وأجيب بأن الكافر لا يملك بالغنيمة ابتداء بل يتخير فيه بين القتل والاسترقاق والفداء فلا يلزم العتق بمجرد الغنيمة

(13/98)


21 -
( باب عتق المشرك )
أي هذا باب في بيان حكم عتق المشرك والمصدر مضاف إلى فاعله والمفعول متروك وقال بعضهم يحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أو إلى المفعول وعلى الثاني جرى ابن بطال فقال لا خلاف في جواز عتق المشرك تطوعا وإنما اختلفوا في عتقه عن الكفارة انتهى قلت الاحتمال الذي ذكره موجود ولكن المراد الإضافة إلى الفاعل وإلا لا تقع المطابقة بين الحديث والترجمة وقول ابن بطال لا خلاف في جواز عتق المشرك تطوعا لا يستلزم تعيين كون الإضافة إلى المفعول ولو كان قصد هذا يرد لئلا تنخرم المطابقة
8352 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) قال أخبرني أبي أن ( حكيم ابن حزام ) رضي الله تعالى عنه أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على بعير فلما أسلم حمل على مائة بعير وأعتق مائة رقبة قال فسألت رسول الله فقلت يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أصنعها في الجاهلية كنت أتحنث بها يعني أتبرر بها قال فقال رسول الله أسلمت على ما سلف لك من خير
مطابقته للترجمة ظاهرة كما نبهنا عليه الآن وعبيد بضم العين ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يعنى أبا محمد القرشي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عروة وحكيم بفتح الحاء المهملة وكسر الكاف ابن حزام بكسر الحاء المهملة وبالزاي المخففة ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد وابن عم الزبير بن العوام ولد في بطن الكعبة لأن أمه صفية وقيل فاختة بنت زهير بن الحارث دخلت الكعبة في نسوة من قريش وهي حامل فأخذها الطلق فولدت حكيما بها وهو من مسلم الفتح وعاش مائة وعشرين سنة ستون سنة في الإسلام وستون سنة في الجاهلية ومات سنة أربع وخمسين في أيام معاوية وقد مضى بعض هذا الحديث في كتاب الزكاة في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم وقد ذكرنا هناك تعدد موضعه وأن مسلما أخرجه قوله إن حكيم بن حزام ظاهره الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن ذلك لكن قوله قال فسألت يوضح الوصل لأن فاعل قال هو حكيم فكأن عروة قال قال حكيم فيكون بمنزلة قوله عن حكيم والدليل على ذلك رواية مسلم فإنه أخرجه من طريق أبي معاوية عن هشام فقال عن أبيه عن حكيم بن حزام قوله حمل على مائة بعير أي في الحج لما روي أنه حج في الإسلام ومعه مائة بدنة قد جللها بالحبرة ووقف بمائة عبد وفي أعناقهم أطواق الفضة فنحر وأعتق الجميع قوله أرأيت معناه أخبرني قوله أتحنث بالحاء المهملة قوله يعني أتبرر بها هذا تفسير الحنث وهو بالباء الموحدة وبراءين أولاهما ثقيلة أي أطلب بها البر والإحسان إلى الناس والتقرب إلى الله تعالى والبر بكسر الباء الطاعة والعبادة وهذا التفسير من هشام بن عروة دل عليه رواية مسلم حيث قال عن حكيم بن حزام قال قلت يا رسول الله أشياء كنت أفعلها في الجاهلية قال هشام يعني أتبرر بها وهذا صريح أن الذي فسر بقوله يعني أتبرر بها هو هشام بن عروة دون غيره من الرواة ولا البخاري نفسه فافهم
ومما يستفاد منه أن عتق المشرك على وجه التطوع جائز لهذا الحديث حيث جعل عتق المائة رقبة في الجاهلية من فعال الخير المجازى بها عند الله المتقرب بها إليه بعد الإسلام وهو قوله أسلمت على ما سلم لك من خير وليس المراد به صحة التقرب في حال الكفر بل إذا أسلم ينتفع بذلك الخير الذي فعله في الكفر ودل ذلك على أن مسلما لو أعتق كافرا لكان مأجورا على عتقه لأن حكيما لما جعل له الأجر على ما فعل في الجاهلية بالإسلام الذي صار إليه فلم يكن المسلم الذي فعل مثل فعله في الإسلام بدون حال حكيم بل هو أولى بالأجر واختلف في عتق المشرك في كفارة اليمين والظهار فعندنا يجوز

(13/99)


وقال مالك والشافعي وأحمد لا يجوز كما في قتل الخطأ وعن أحمد كقولنا وعنه يجوز مطلقا ولنا إطلاق النصوص وآية القتل مقيدة بالإيمان والأصل في كل نص أن يعمل بمقتضاه إطلاقا وتقييدا
31 -
( باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفداى وسباى الذرية )
أي هذا باب في بيان حكم من ملك من العرب رقيقا والعرب الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن والأعراب ساكنوا البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلون بها إلا لحاجة والنسب إليها أعرابي وعربي واختلف في نسبتهم والأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحتين وهي من تهامة لأن أباهم إسماعيل عليه الصلاة و السلام نشأ بها قوله فوهب إلى آخره تفصيل قوله ملك فذكر خمسة أشياء الهبة والبيع والجماع والفدى والسبي وذكر في الباب أربعة أحاديث وبين في كل حديث حكم كل واحد منها غير البيع وهو أيضا مذكور في حديث أبي هريرة في بعض طرقه كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى ومفعولات وهب وباع وجامع وفدى محذوفة قوله وسبى عطف على قوله ملك والذرية نسل الثقلين يقال ذرا الله الخلق أي خلقهم وأراد البخاري بعقد هذه الترجمة بيان الخلاف في استرقاق العرب والجمهور على أن العربي إذا سبي جاز أن يسترق وإذا تزوج أمة بشرطه كان ولدها رقيقا تبعا لها وبه قال مالك والليث والشافعي وحجتهم أحاديث الباب وبه قال الكوفيون وقال الثوري والأوزاعي وأبو ثور يلزم سيد الأمة أن يقومه على أبيه ويلتزم أبوه بأداء القيمة ولا يسترق وهو قول سعيد بن المسيب واحتجوا بما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال لابن عباس لا يسترق ولد عربي من أبيه وقال الليث أما ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه من فداء ولد العرب من الولائد إنما كان من أولاد الجاهلية وفيما أقر به الرجل من نكاح الإماء فأما اليوم فمن تزوج أمة وهو يعلم أنها أمة فولده عبد لسيدها عربيا كان أو قريشيا أو غيره
وقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( النحل 57 )
وقوله بالجر عطف على قوله من ملك لأنه في محل الجر بالإضافة وفيه التقدير المذكور وهو باب في بيان من ملك العرب وفي ذكر قول الله تعالى ضرب الله مثلا ( النحل 57 ) وفي بعض النسخ وقول الله تعالى
قيل وجه مناسبة الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق العبد المملوك ولم يقيده بكونه عجميا فدل على أن لا فرق في ذلك بين العربي والعجمي
قوله ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ( النحل 47 ) لما نهى الله تعالى المشركين عن ضرب الأمثال بقوله قبل هذه الآية فلا تضربوا لله الأمثال ( النحل 47 ) أي الأشباه والأشكال إن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة علمهم كيف يضرب الأمثال فقال مثلكم في إشراككم بالله الأوثان من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر مالك قد يرزقه الله مالا ويتصرف فيه وينفق كيف يشاء قوله عبدا مملوكا إنما ذكر المملوك ليمين بينه وبين الحر لأن اسم العبد يقع عليهما إذ هما من عباد الله تعالى قوله لا يقدر على شيء أي لا يملك ما بيده وإن كان باقيا معه لأن للسيد انتزاعه منه ويخرج منه المكاتب والمأذون له لأنهما يقدران على التصرف فإن قلت من في ومن رزقناه ( النحل 57 ) ما هي قلت الظاهر أنها موصوفة كأنه قيل وحرا رزقناه ليطابق عبدا ولا يمتنع أن تكون موصولة وإنما قال هل يستوون بالجمع لأن المعنى هل يستوي الأحرار والعبيد فالمراد الشيوع في الجنس لا التخصيص ثم قال الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( النحل 57 ) أن الحمد لي وجميع النعم مني ثم اعلم أن المفسرين اختلفوا في معنى هذه الآية فقال مجاهد والضحاك هذا المثل لله تعالى ومن عبد دونه وقال قتادة هذا المثل للمؤمن والكافر فذهب إلى أن العبد المملوك هو الكافر لأنه لا ينتفع في الآخرة بشيء من عمله قوله ومن رزقناه منا رزقا حسنا ( النحل 57 ) هو المؤمن

(13/100)


452 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال أخبرني ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال ذكر عرزة أأ مروان والمسور بن مخرمة قال أخبراه أن النبي قام حين جاءه وفد هوازن فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال إن معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما المال وإما السبي وقد كنت استأنيت بهم وكان النبي انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن النبي غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا إنا نختار سبينا فقام النبي في الناس فأثناى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم جاؤنا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذالك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس طيبنا ذالك قال إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى النبي فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا فهاذا الذي بلغنا عن سبي هوازن
مطابقته للترجمة في قوله من ملك رقيقا من العرب فوهب وقد مر الحديث في كتاب الوكالة في باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز إلى قوله قال النبي نصيبي لكم وأخرجه هناك عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل إلى آخره وهنا أخرجه عن سعيد بن أبي مريم عن الليث إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله ذكر عروة هو ابن الزبير وسيأتي في الشروط من طريق معمر عن الزهري أخبرني عروة قوله أن مروان والمسور بن مخرمة مروان هو ابن الحكم قال الكرماني صح سماع مسور من النبي وأما مروان فقد قال الواقدي رأى النبي ولكنه لم يحفظ عنه شيئا وقال ابن بطال الحديث مرسل لم يسمع المسور من رسول الله شيئا ومروان لم يره قط قوله استأنيت بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الهمزة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف أي انتظرت قوله حين قفل أي حين رحل قوله حتى يفيء الله بفتح الياء أي حتى يرجع الله إلينا من مال الكفار ويعطينا خراجا أو غنيمة أو غير ذلك وليس المراد الفيء الاصطلاحي مخصوصا قوله عرفاؤكم جمع عريف وهو النقيب وهو دون الرئيس قوله فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن هو قول ابن شهاب الزهري وكانت هذه الواقعة في سنة ثمان
1452 - حدثنا ( علي بن الحسن ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( ابن عون ) قال كتبت إلى نافع فكتب إلي أن النبي أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسباى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرية قال حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذالك الجيش
مطابقته للترجمة في قوله وسبى ذراريهم وفي الترجمة وسبى الذرية
وعلي بن الحسن بن شقيق بفتح الشين المعجمة وكسر القاف الأولى المروزي مات سنة خمس عشرة ومائتين وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وابن عون بفتح العين المهملة هو عبد الله بن عون مر في العلم
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وعن محمد بن المثنى وأخرجه أبو داود في الجهاد عن سعيد بن منصور عن إسماعيل بن علية وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن عبد الله بن بزيع

(13/101)


قوله قال كتبت أي قال ابن عون كتبت إلى نافع في أمر بني المصطلق فكتب إلى آخره قد ذكرنا في باب إذا اختلف الراهن والمرتهن أن الكتابة حكمها حكم الاتصال لا الانقطاع قوله أغار بالغين المعجمة يقال أغار على عدوه إذا هجم عليه ونهبه ومصدره الإغارة والغارة اسم من الإغارة ومادته غين وواو وراء قوله بني المصطلق بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وبالقاف وهي بطن من خزاعة والمصطلق هو ابن سعد بن عمرو بن ربيعة ابن حارثة بن عمرو بن عامر ويقال إن المصطلق لقب واسمه جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة ابن سعد بن عمرو وعمرو هو أبو خزاعة وقال ابن دريد سمي المصطلق لحسن صوته مفتعل من الصلق والصلق شدة الصوت وحدته من قوله عز و جل سلقوكم بألسنة حداد ( الأحزاب 91 ) ويقال صلق بنو فلان بني فلان إذا وقعوا بهم وقتلوهم قتلا ذريعا قوله وهم غارون جملة إسمية حالية بالغين المعجمة وتشديد الراء والغارون جمع غار أي غافل أي أخذهم على غرة وبغتة قوله وأنعامهم تسقي أيضا جملة إسمية حالية والأنعام بفتح الهمزة جمع نعم قال الجوهري النعم واحد الأنعام وهل المال الراعية وأكثر ما يقع هذا الإسم على الإبل قال الفراء هو ذكر لا يؤنث يقولون هذا نعم وارد ويجمع على نعمان والأنعام تذكر وتؤنث قال الله تعالى في موضع مما في بطونه ( النحل 66 ) وفي موضع مما في بطونها وجمع الجمع أناعيم قوله تسقى على صيغة المجهول قوله فقتل مقاتلتهم أي الطائفة البالغين الذين هم على صدد القتال قوله ذراريهم بتشديد الياء وتخفيفها وهو جمع ذرية قوله يومئذ أي يوم الإغارة على بني المصطلق قوله جويرية مصغر جارية
ومن حديثها ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما قسم رسول الله سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها إحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله تستعينه في كتابتها قالت فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت فدخلت عليه فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلايا ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته فجئتك استعينك على كتابتي قال فهل لك من خير في ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي كتابك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قد فعلت قالت وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله قد تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصها رسول الله فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد اعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها
وروى موسى بن عقبة عن بعض بني المصطلق أن أباها طلبها وافتداها ثم خطبها منه رسول الله فزوجه إياها وقال الواقدي ويقال إن رسول الله جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق ويقال جعل صداقها عتق أربعين من بني المصطلق وكانت جويرية تحت مسافع بن صفوان المصطلقي وقيل صفوان بن مالك وكان اسمها برة فغيرها النبي فسماها جويرية وماتت في ربيع الأول سنة ست وخمسين ولها خمس وستون سنة
وأما غزوة بني المصطلق فقال البخاري وهي غزوة المريسيع وقال ابن إسحاق وذلك سنة ست وقال موسى بن عقبة سنة أربع انتهى وقال الصغاني غزوة المريسيع من غزوات رسول الله في سنة خمس من مهاجره قالوا إن بني المصطلق من خزاعة يريدون محاربة رسول الله وكانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها المريسيع بينها وبين الفرع مسيرة يوم وقال الواقدي كانت غزوة بني المصطلق لليلتين من شعبان سنة خمس في سبعمائة من أصحابه وقال ابن هشام استعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال نميلة بن عبد الله الليثي وذكر ابن سعد ندب رسول الله الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيل وهي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة وفي الأنصار عشرون واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان معه فرسان لزار والظرب ويقال كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه حامل راية المهاجرين وسعد بن عبادة حامل راية الأنصار فقتلوا منهم عشرة وأسروا سائرهم وقال ابن إسحاق بلغ رسول الله أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث التي تزوجها رسول الله فلما سمع بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف

(13/102)


الناس فاقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل ونفل رسول الله أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه وقال ابن سعد وأمر رسول الله بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الخصيب وأمر بالغلام فجمعت واستعمل عليهم شقران مولاه وجمع الذرية ناحية واستعمل على سهم الخمس وسهمان المسلمين محيمة بن جزء الزبيدي وكانت الإبل ألفي بعير والشياه خمسة آلاف وكان السبي مائتي بنت وغاب رسول الله ثمانية وعشرين وقدم المدينة هلال رمضان وقال ابن إسحاق وأصيب بني المصطلق ناس وقتل علي رضي الله تعالى عنه منهم رجلين مالكا وابنه وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت
2452 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مال ) عن ( ربيعة بن أبي عبد الرحمان ) عن محمد بن يحياى بن حبان عن ابن محيريز قال رأيت أبا سعيد رضي الله تعالى عنه فسألته فقال خرجنا مع رسول الله في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء فاشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فسألنا رسول الله فقال ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلأ وهي كائنة
مطابقته للترجمة في قوله فيها وجامع يعني بعد أن ملك من العرب سبيا وربيعة بفتح الراء المشهور بربيعة الرأي شيخ مالك و ( محمد بن يحيى بن حبان ) بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة وبالنون مر في الوضوء و ( ابن محيريز ) هو عبد الله بن محيريز بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية وكسر الراء وسكون التحتانية أيضا وفي آخره زاي ومر الحديث في كتاب البيوع في باب بيع الرقيق فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي محيريز أن أبا سعيد إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله العزل هو نزع الذكر من الفرج عند الإنزال قوله ما عليكم أن لا تفعلوا يعني لا بأس عليكم أذا تركتم العزل قوله نسمة بفتح السين وهي الأنسان أي ما من نفس كائنة في علم الله إلا وهي كائنة في الخارج لا بد من مجيئها من العدم إلى الوجود أي ما قدر الله أن يكون البتة وفي الحديث دليل على أن الصحابة أطبقوا على وطء ما وقع في سهمانهم من السبي وهذا لا يكون إلا بعد الاستبراء بإجماع العلماء من وهذا يدل أن السباء يقطع العصمة بين الزوجين الكافرين
واختلف السلف في حكم وطء الوثنيات والمجوسيات إذا سبين فأجازه سعيد بن المسيب وعطاء وطاووس ومجاهد وهذا قول شاذ لم يلتفت إليه أحد من العلماء واتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز وطء الوثنيات بقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( البقرة 122 ) وإنما أباح الله تعالى وطء نساء أهل الكتاب خاصة بقوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( المائدة 5 ) وإنما أطبق الصحابة على وطء سبايا العرب بعد إسلامهن لأن سبي هوازن كان سنة ثمان وسبي بني المصطلق سنة ست وسورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة فقد علموا قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( البقرة 122 ) وتقرر عندهم أنه لا يجوز وطء الوثنيات البتة حتى يسلمن وروى عبد الرزاق حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا يونس ابن عبيد أنه سمع الحسن يقول كنا نغزو مع أصحاب رسول الله فإذا أصاب أحدهم جارية من الفىء فأراد أن يصيبها أمرها فاغتسلت ثم علمها الإسلام وأمرها بالصلاة واستبرأها بحيضة ثم أصابها وعموم قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( البقرة 122 ) يقتضي تحريم وطء المجوسيات بالتزويج وبملك اليمين وعلى هذا أئمة الفتوى وعامة العلماء
وأما العزل فقد اختلف فيه قديما وإباحته أظهر في الحديث عند الشافعي سواء كانت حرة أو أمة مع الإذن وبدونه وروى مالك عن سعيد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وابن عباس أنهم كانوا يعزلون وروي ذلك أيضا عن ابن مسعود وجابر وذكر مالك أيضا عن ابن عمر أنه كره العزل وقيل روي عن علي رضي الله تعالى عنه القولان جميعا واحتج من كره العزل بأنه الوأد الخفي كما روي عن عائشة واتفق أئمة الفتوى على جواز العزل عن الحرة إذا أذنت فيه لزوجها
واختلفوا في الأمة المزوجة فقال مالك وأبو حنيفة الأذن في ذلك لمولاها وقال أبو يوسف الإذن إليها

(13/103)


وقال الشافعي يعزل عنها بدون إذنها وبدون إذن مولاها
3452 - حدثنا ( زهير بن حرب ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( عمارة بن القعقاع ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال لا أزال أحب بني تميم ح وحدثني ابن سلام قال أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة عن الحارث عن أبي زرعة عن أبي هريرة وعن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله يقول فيهم سمعته يقول هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله هذه صدقات قومنا وكانت سبية منهم عند عائشة فقال أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل عليه السلام
( الحديث 3452 - طرفه في 6634 )
مطابقته للترجمة في قوله وباع ولكن في بعض طرقه عند الإسماعيلي من طريق معمر عن جرير كانت على عائشة رضي الله تعالى عنها نسمة من بني إسماعيل فقدم سبي خولان فقالت عائشة يا رسول الله أبتاع منهم قال لا فلما قدم سبي بني العنبر قال ابتاعي منهم فإنهم ولد إسماعيل عليه السلام ووقع عند أبي عوانة من طريق الشعبي عن أبي هريرة أيضا وجىء بسبي بني العنبر انتهى وبنو العنبر بطن من بني تميم وقال الرشاطي العنبري في تميم ينسب إلى العنبر بن عمرو بن تميم وذكر ابن الكلبي أن العنبر هذا هو ولد عامر بن عمرو وفي تميم أيضا العنبر بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم
وهذا الحديث أخرجه البخاري عن شيخين له أحدهما عن زهير بن حرب عن جرير بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن عبد الحميد عن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع عن أبي زرعة بضم الزاي وسكون الراء وفتح العين المهملة واسمه هرم وقيل عبد الرحمن وقيل عمرو بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي عن أبي هريرة والآخر عن محمد بن سلام عن جرير عن المغيرة بن مقسم عن الحارث بن يزيد من الزيادة العكلي بضم العين المهملة وسكون الكاف التميمي الكوفي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وذكر فيه عمارة مقرونا بالحارث والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن زهير بن حرب وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير به
ذكر معناه قوله ما زلت أحب بني تميم هي قبيلة كبيرة في مضر تنسب إلى تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر قوله منذ ثلاث أي من حين سمعت الخصال الثلاث وهي التي أولها هو قوله هم أشد أمتي على الدجال وثانيها هو قوله هذه صدقات قومنا وثالثها أمره لعائشة بعتق السبية المذكورة لكونها من ولد إسماعيل عليه السلام وزاد فيه أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم انتهى وكان ذلك لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة قوله يقول فيهم أي في بني تميم قوله سمعته يقول أي سمعت النبي يقول هم أشد أمتي على الدجال وفي رواية مسلم من رواية الشعبي عن أبي هريرة هم أشد الناس قتالا في الملاحم ورواية الشعبي أعم من رواية أبي زرعة على ما لا يخفى قوله وجاءت صدقاتهم أي صدقات بني تميم فقال هذه صدقات قومنا إنما نسبهم إليه لاجتماع نسبهم بنسبه في إلياس بن مضر وروى الطبراني في ( الأوسط ) من طريق الشعبي عن أبي هريرة في هذا الحديث وأتي النبي بنعم من صدقة بني سعد فلما راعه حسنها قال هذه صدقة قومي انتهى وبنو سعد بطن كبير من تميم ينتسبون إلى سعد بن زيد مناة بن تميم قوله سبية منهم أي من بني تميم وسبية على وزن فعيلة بفتح السين من السبي أو من السباء فإن كان من الأول يكون بتشديد الياء آخر الحروف وإن كان من الثاني يكون بالهمزة بعد الباء الموحدة ولم يدر اسمها ووقع عند الإسماعيلي من طريق هارون بن معروف عن جرير نسمة بفتح النون والسين المهملة وهي الإنسان وله

(13/104)


من رواية أبي معمر وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل وفي رواية الشعبي عند أبي عوانة وكان على عائشة محرر وبين الطبراني في ( الأوسط ) في رواية الشعبي أن المراد بالذي كان عليها أنه كان نذرا ولفظه نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل وللطبراني في ( الكبير ) من حديث رديح بضم الراء وفتح الدال وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن ذؤيب بن شعثم بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة وضم الثاء المثلثة وفي آخره ميم العنبري أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل فقال لها النبي إصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا فجاء فيء فبني العنبر فقال لها خذي منهم أربعة فأخذت رديحا وزبيبا وزخيا وسمرة فمسح النبي رؤوسهم وبرك عليهم ثم قال يا عائشة هؤلاء من بني إسماعيل قصدا وقال بعضهم والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء الأربعة أما رديح وأما زخى قلت قال الذهبي في ( تجريد الصحابة ) رديح بن ذؤيب بن شعثم التميمي العنبري مولى عائشة روى عنه ابنه عبد الله وهذا يدل على أن الذي اعتقته هو رديح بلا ترديد وزبيب بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أيضا وضبطه العسكري بنون في أوله و هو زنيب بن ثعلبة بن عمرو التميمي العنبري وروى عنه أبو داود في كتاب القضاء حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا عمار بن شعيب بن عبيد الله بن الزبيب العنبري قال حدثني أبي قال سمعت جدي الزبيب يقول بعث رسول الله جيشا إلى بني العنبر فأخذوا بركبة من ناحية الطائف واستاقوهم إلى نبي الله فركبت فسبقتهم إلى النبي فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته أتانا جندك فأخذونا وقد كنا أسلمنا الحديث بطوله قوله بركبة بضم الراء وسكون الكاف وفتح الباء الموحدة وهو اسم موضع معروف وهي غير ركبة التي بين مكة والمدينة وأما زخي فبضم الزاي وفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء ومصغر وضبطه ابن عون بالراء وذكره الذهبي في حرف الزاي وقال زخي العنبري وغلط من قال رخي بالراء وسمرة هو ابن عمرو بن قرط بضم القاف وسكون الراء وقال الذهبي سمرة بن عمرو العنبري أجاز النبي شهادة له لزبيب العنبري ثم قال سمرة من بلعنبر أعتقته عائشة رضي الله تعالى عنها قلت قضية الشهادة في حديث أبي داود الذي ذكرنا منه بعضه
ذكر ما يستفاد منه فيه دليل على جواز استرقاق العرب وتملكهم كسائر فرق العجم إلا أن عتقهم أفضل قال ابن بطال وتميم كانوا يختارون ما يخرجون في الصدقات من أفضل ما عندهم فأعجبه فلذلك قال هذا القول على معنى المبالغة في نصحهم لله ولرسوله في جودة الاختيار للصدقة وفيه فضيلة ظاهرة لبني تميم وكان فيهم في الجاهلية وصدر الإسلام جماعة من الأشراف والرؤساء وفيه الإخبار عما سيأتي من الأحوال الكائنة في آخر الزمان
41 -
( باب فضل من أدب جاريته وعلمها )
أي هذا باب في بيان فضل من أدب جاريته وليس في رواية أبي ذر والنسفي لفظ فضل بل هو باب من أدب جاريته وفي رواية النسفي وأعتقها أيضا
4452 - حدثنا ( إسحاق بن إبراهيم ) قال سمع ( محمد بن فضيل ) عن ( مطرف ) عن ( الشعبي ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من كانت له جارية فعلمها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران
مطابقته للترجمة في قوله كان له أجران وهما أجر التعليم وأجر العتق
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاف بن إبراهيم المعروف بابن راهويه الثاني محمد بن فضيل بن غزوان الثالث مطرف بن طريف الحارثي ويقال الحارفي الرابع عامر الشعبي الخامس أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه الحارث بن أبي موسى ويقال عامر ويقال إسمه كنيته السادس أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه السماع وفيه العنعنة في أربعة مواضع

(13/105)


وفيه أن شيخه مروزي سكن نيسابور والبقية كوفيون وفيه رواية الابن عن الأب وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا بأتم منه في كتاب العلم في باب تعليم الرجل أمته وأهله عن محمد بن سلام عن المحاربي عن صالح بن حيان عن عامر الشعبي الحديث وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا فيه عن هناد بن السري وقد مر الكلام فيه هناك
قوله فعلمهافي رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي فعالها أي أنفق عليها من عال الرجل عياله يعولهم إذا أقام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وغيرهما وقال الكسائي يقال عال الرجل يعول إذا كثر عياله واللغة الجيدة أعال يعيل قال المهلب فيه أن الله تعالى قد ضاعف له أجره بالنكاح والتعليم فجعله كمثل أجر العتق
وفيه الحض على نكاح العتيقة وعلى ترك العلو في الدنيا وأن من تواضع لله في منكحه وهو يقدر على نكاح أهل الشرف فإن ذلك مما يرجى عليه جزيل الثواب فإن قلت روى البزار في ( مسنده ) عن ابن عمر لما نزل قوله تعالى لن تنالوا البر ( آل عمران 29 ) ذكرت ما أعطاني الله فلم أجد شيئا أحب ألي من جارية رومية فأعتقتها فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها قلت هذا محمول على من لا يرغب نكاحها لأن عادة العرب الرغبة عن تزويج المعتقة والمعتق إذا رغب يكون لغيره فلا يكره له النكاح حينئذ وأيضا النكاح ليس براجع في عتقه لأنه لا يملك الآن إلا منفعة الوطء قال صاحب ( التوضيح ) وقد أجاز مالك وأكثر أصحابنا الرجوع في المنافع إذا تصدق بها وشرى بها والحجة لهم حديث العرايا فكيف إذا تصدق بالرقبة فإنه يجوز شراء منفعتها بل هو أولى من الصدقة بالمنفعة والذي منع من الرجوع في المنافع إذا تصدق بها ابن الماجشون
51 -
( باب قول النبي العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون )
أي هذا باب في ذكر قوله العبيد إلى آخره ولفظ هذه الترجمة معنى حديث أبي ذر رواه ابن منده بلفظ إنهم إخوانكم فمن لاءمكم منهم فأطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون وأخرجه أبو داود قال حدثنا محمد بن عمرو الرازي قال حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكسون ومن لا يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله عز و جل وأخرج مسلم في آخر ( صحيحه ) حديثا طويلا عن أبي اليسر كعب بن عمرو في باب سترة النبي وفيه وهو يقول أي النبي أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون
وقوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار وذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ( النساء 63 )
وقوله بالجر عطف على قول في قوله باب قول النبي هذه الآية في سورة النساء كذا هي إلى آخرها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر وقول الله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين إلى قوله مختالا فخورا ( النساء 63 ) ففيها يأمر الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له فإنه الخالف الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الأحوال ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين بقوله وبالوالدين إحسانا ( النساء 63 ) لأنه تعالى جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود ثم عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء كما جاء في الحديث الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصله ثم قال واليتامى لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم ثم قال والمساكين وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم فأمر الله تعالى بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم

(13/106)


وتزول به ضرورتهم ثم قال والجار ذي القربى والجار الجنب ( النساء 63 ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والجار ذي القربي يعني الذي بينك وبينه قرابة والجار الجنب الذي ليس بينك وبينه قرابة وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي والجار ذي القربى ( النساء 63 ) يعني المسلم والجار الجنب ( النساء 63 ) يعني اليهودي والنصاري رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود الجار ذي القربى ( النساء 63 ) المرأة وقال مجاهد والجار الجنب ( النساء 63 ) يعني الرفيق في السفر ثم قال والصاحب بالجنب قال الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود قالا هي المرأة قال ابن أبي حاتم كذا روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن وسعيد بن جبير في إحدى الروايات وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة هو الرفيق في السفر وقال سعيد بن جبير هو الرفيق الصالح وقال زيد بن أسلم هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر ثم قال وابن السبيل ( النساء 63 ) وعن ابن عباس وجماعة هو الضيف وقال مجاهد وأبو جعفر الباقر والحسن والضحاك هو الذي يمر عليك مجتازا في السفر ثم قال وما ملكت أيمانكم ( النساء 63 ) هذا وصية بالأرقاء لأن الرقيق ضعيف الجثة أسير في أيدي الناس ولهذا ثبت أن رسول الله جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه وهذا كان مراد البخاري بذكره هذه الآية الكريمة وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له هل أعطيت الرقيق قوتهم قال لا قال فانطلق فأعطهم إن رسول الله قال كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم قوله إن الله لا يحب من كان مختالا ( النساء 63 ) أي في نفسه معجبا متكبرا فخورا ( النساء 63 ) على الناس يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير وعند الناس بغيض
قال أبو عبد الله ذي القربى القريب والجنب الغريب الجار الجنب يعني الصاحب في السفر
أبو عبد الله هو البخاري نفسه هذا الذي فسره هو تفسير أبي عبيدة في كتاب ( المجاز )
5452 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( واصل الأحدب ) قال سمعت ( المعرور بن سويد ) قال رأيت أبا ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألناه عن ذالك فقال إني ساببت رجلا فشكاني إلى النبي فقال لي النبي أعيرته بأمه ثم قال إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم
( انظر الحديث 03 طرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وواصل هو ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف الكوفي والمعرور بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الراء الأولى وهو من كبار التابعين يقال عاش مائة وعشرين سنة وقد مر الحديث في كتاب الإيمان في باب المعاصي من أمر الجاهلية فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن واصل إلى آخره وفيه زيادة وهي قوله إنك امرؤ فيك جاهلية وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى ولنذكر بعض شيء
قوله حلة هي واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد قوله ساببت رجلا قيل هو بلال رضي الله تعالى عنه قوله أعيرته الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله إن إخوانكم المراد إخوة الإسلام والنسب لأن الناس كلهم بنو آدم عليه السلام قوله خولكم أي حشمكم وخدمكم وواحد الخول خائل وقد يكون واحدا ويقع على العبد والأمة وهو مأخوذ من التخويل وهو التمليك وقيل من الرعاية قوله تحت يده أي ملكه وإن كان العبد محترفا فلا وجوب على السيد قوله فليطعمه أمر ندب وكذلك وليلبسه وقيل لمالك رحمه الله أيأكل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه ويلبس ثيابا لا يلبسون قال أراه من ذلك في سعة قيل له فحديث أبي ذر قال كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت قوله ولا تكلفوهم ما يغلبهم أي لا تكلفوهم على عمل يغلبهم عن إقامته وهذا واجب وكان عمر بن الخطاب

(13/107)


رضي الله تعالى عنه يأتي الحوائط فمن رآه من العبيد كلف ما لا يطيق وضع عنه ومن أقل رزقه زاده فيه قال مالك وكذلك يفعل فيمن يفعل من الأجراء ولا يطيقه وروي أنه قال أوصيكم بالضعيفين المرأة والمملوك وأمر موالي أبي طيبة أن يخففوا عنه من خراجه وفي ( التوضيح ) التسوية في المطعم والملبس استحباب وهو ما عليه العلماء فلو كان سيده يأكل الفائق ويلبس العالي فلا يجب عليه أن يساوي مملوكه فيه وما أحسن تعليل مالك وهو ما ذكرناه الآن من قوله ليس لهم هذا القوت وإنما كان الغالب من قوتهم التمر والشعير وقد صح أن سيدنا رسول الله قال للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق فإن زاد على ما فرض عليه من قوته وكسوته بالمعروف كان متفضلا متطوعا وقال ربيعة بن عبد الرحمن لو أن رجلا عمل لنفسه خبيصا فأكله دون خادمه ما كان بذلك بأس وكان يفتي أنه إذا أطعم خادمه من الخبز الذي يأكل منه فقد أطعمه مما يأكل منه لأن من عند العرب للتبعيض ولو قال أطعموهم من كل ما تأكلون لعم الخبيص وغيره وكذا في اللباس قوله فإن كلفتموهم فإن قلت إذا نهى عن التكليف فكيف عقبه بقوله فإن كلفتموهم قلت النهي للتنزيه قاله الكرماني وفيه نظر لأن الله تعالى قال لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( البقرة 682 ) ولما لم يكلف الله فوق طاقتنا ونحن عبيده وجب علينا أن نمتثل لحكمه وطريقته في عبيدنا وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا تستخدموا رقيقكم بالليل فإن النهار لكم والليل لهم وروى معمى عن أيوب عن أبي قلابة يرفعه إلى سلمان أن رجلأ أتاه وهو يعجن فقال أين الخادم قال أرسلته لحاجة فلم نكن لنجمع عليه شيئين أن نرسله ولا نكفيه عمله ووقف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على تاجر لا يعرفه فاشترى منه قميصين بعشرة دراهم فقال لعبده إختر أيهما شئت
وفيه من الفوائد النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم وفيه الحث على الإحسان إليهم والرفق بهم ويلحق بالرقيق من كان في معناه من أجير ومستخدم في أمر ونحوهما وفيه عدم الترفع على المسلم والإحتقار وفيه المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه إطلاق الأخ على الرقيق
61 -
( باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده )
أي هذا باب في بيان فضل العبد أو في بيان ثوابه إذا أحسن عبادة ربه بأن أقامها بشروطها قوله ونصح من النصيحة وهي كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له وهو إرادة صلاح حاله وتخليصه من الخلل وتصفيته من الغش
6452 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين
( الحديث 6452 - طرفه في 0552 )
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الأدب عن القعنبي وهو عبد الله بن مسلمة شيخ البخاري وفيه حض المملوك على نصح سيده لأنه راع في ماله وهو مسؤول عما استرعى قوله كان له أجره مرتين مرة لنصح سيده ومرة لإحسان عبادة ربه
7452 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( صالح ) عن ( الشعبي ) عن ( أبي بردة ) عن ( أبي موسى الأشعري رضي الله ) تعالى عنه قال قال النبي أيما رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران وأيما عبد أدى حق الله وحق مواليه فله أجران
مطابقته للترجمة في قوله وأيما عبد إلى آخره لأن أداء حق الله هو معنى أحسن عبادة ربه وأداء حق مواليه هو معنى نصح سيده وسفيان هو الثوري وصالح هو ابن صالح أبو حي الهمداني الكوفي والشعبي هو عامر وأبو بردة اسمه الحارث أو عامر وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس والنصف الأول من الحديث وهو الذي فيه الجارية قد مر عن قريب في باب فضل من أدب جاريته والنصف الثاني وهو الذي فيه أمر العبد قد مر في كتاب العلم في باب تعليم الرجل أمته وأهله فإنه أخرجه هناك عن محمد بن سلام عن المحاربي عن صالح بن حيان عن الشعبي وقد مر

(13/108)


الكلام فيه هناك وصالح بن حيان هذا هو صالح بن صالح أبو حي المذكور غير أن البخاري ذكره هناك بنسبته إلى جده فإنه صالح بن صالح بن مسلم بن حيان وليس بصالح بن حيان القرشي الكوفي الذي يروي عن أبي وائل وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى
8452 - حدثنا ( بشر بن محمد ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال سمعت ( سعيد بن المسيب ) يقول قال ( أبو هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال رسول الله للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ووقع في كتاب ابن بطال عزو حديث أبي هريرة هذا لأبي موسى الأشعري وهو غلط فإنه أسقط حديث أبي موسى وركبه على حديث أبي هريرة وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد السجستاني المروزي وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب
والحديث أخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وفي الأيمان عن زهير بن حرب
قوله للعبد المملوك إنما وصف العبد بالمملوك لأن العبد أعم من أن يكون مملوكا وغير مملوك فإن الناس كلهم عبيد الله قوله الصالح أي في عبادة الرب ونصح السيد قوله أجران قال ابن بطال لما كان للعبد في عبادة ربه أجر كذلك له في نصح السيد أجر ولا يقال الأجران متساويان لأن طاعة الله تعالى أوجب من طاعته قوله والذي نفسي بيده قال ابن بطال لفظ والذي نفسي بيده إلى آخره هو من قول أبي هريرة وكذا قاله الداودي وغيره وقالوا يدل على أنه مدرج يعني الحديث لأنه قال فيه وبر أمي ولم يكن للنبي حينئذ أم يبرها وجنح الكرماني إلى أنه من كلام الرسول ثم قال فإن قلت مات أم الرسول وهو طفل فما معمى بره أمه قلت لتعليم الأمة أو على سبيل فرض الحياة أو المراد به أمه التي أرضعته وهي حليمة السعدية انتهى قلت لو اطلع الكرماني على ما اطلع عليه من يدعي الإدراج لما تكلف هذا التأويل المتعسف وقد صرح بالإدراج الإسماعيلي من طريق آخر عن عبد الله بن المبارك بلفظ والذي نفس أبي هريرة بيده إلى آخره وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في كتاب ( البر والصلة ) عن ابن المبارك وصرح مسلم أيضا بذلك فقال حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا يونس عن ابن شهاب سمعت سعيد بن المسيب يقول قال أبو هريرة قال رسول الله للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك قال وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها قال أبو الطاهر في حديثه للعبد المصلح ولم يذكر المملوك انتهى واسم أم أبي هريرة أميمة بالتصغير وقيل ميمونة وهي صحابية ثبت ذكر إسلامها في ( صحيح مسلم ) وبين أبو موسى اسمها في ذيل ( المعرفة ) وإنمااستثنى أبو هريرة هذه الأشياء المذكورة لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد وكذلك بر الأم قد يحتاج إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه كان إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذنه فإن قيل في قوله أجران يلزم كون أجر المماليك ضعف أجر السادات قلت أجاب الكرماني بأن لا محذور في ذلك أو يكون أجر المماليك مضاعفا من هذه الجهة وقد يكون للسادات جهات أخرى يستحق بها أجر العبد أو يكون المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما والله أعلم قوله لأحببت أن أموت وأنا مملوك الواو فيه للحال قال الخطابي ولهذا المعنى امتحن الله عز و جل أنبياءه عليهم السلام ابتلى يوسف عليه السلام بالرق

(13/109)


ودانيال حين سباه بختنصر وكذا ما روي عن خضر عليه السلام حين سئل لوجه الله فلم يكن عنده ما يعطيه فقال لا أملك إلا نفسي فبعني واستنفق ثمني ونحو ذلك
9452 - حدثنا ( إسحاق بن نصر ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( الأعمش ) قال حدثنا ( أبو صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي نعما ما لأحدكم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه لأن معناه نعما للمملوك يحسن عبادة ربه على ما نبينه عن قريب وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر فذكره بنسبته إلى جده السعدي البخاري كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة والأعمش سليمان وأبو صالح ذكوان الزيات السمان
قوله نعما ما لأحدهم بفتح النون وكسر العين وإدغام الميم في الأخرى ويجوز كسر النون وفتحها أيضا مع إسكان العين وتحريك الميم فالجملة أربع لغات قال الزجاج ما بمعنى الشيء فالتقدير نعم الشيء وقال ابن التين وقع في نسخة الشيخ أبي الحسن القابسي نعم ما بتشديد الميم الأولى وفتحها ولا وجه له والصواب إدغامها في ما كما في قوله تعالى إن الله نعما يعظكم به ( النساء 85 ) والمخصوص بالمدح محذوف قوله يحسن مبين له تقديره نعما لمملوك لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده
71 -
( باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي أو أمتي )
أي هذا باب في بيان التطاول أي الترفع والتجاوز عن الحد فيه قيل المراد بالكراهة كراهة التنزيه وذلك لأن الكل عبيد الله والله لطيف بعباده رفيق بهم فينبغي للسادة امتثال ذلك في عبيدهم ومن ملكهم الله إياهم ويجب عليهم حسن الملك ولين الجانب كما يجب على العبيد حسن الطاعة والنصح لسادتهم والانقياد لهم وترك مخالفتهم قوله وقوله بالجر عطف على كراهية التطاول والتقدير وكراهية قول الشخص لمن يملكه من العبيد عبيدي ولمن يملك من الجواري أمتي والكراهة فيه أيضا للتنزيه من غير تحريم
وجه الكراهة أن هذا الأسم من باب المضاف ومقتضاه إثبات العبودية له وصاحبه الذي هو المالك عبد لله تعالى متعبد بأمره ونهيه فإدخال مملوك الله تعالى تحت هذا الأسم يوجب الشرك ومعنى المضاهاة فلذلك استحب له أن يقول فتاي وفتاتي والمعنى في ذلك كله يرجع إلى البراءة من الكبر والأليق بالشخص الذي هو عبد الله ومملوك له أن لا يقول عبدي وإن كان قد ملك قياده في الاستخدام ابتلاء فيه من الله بخلقه قال الله تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ( الفرقان 02 ) وقال الداودي إن قال عبدي أو أمتي ولم يرد التكبر فأرجو أن لا إثم عليه
وقال الله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم ( النور 23 ) وقال عبدا مملوكا ( النحل 57 ) وألفيا سيدها لدى الباب ( يوسف 52 ) وقال من فتياتكم المؤمنات ( النساء 52 ) وقال النبي قوموا إلى سيدكم واذكرني عند ربك ( يوسف 24 ) أي سيدك ومن سيدكم
ذكر هذا كله دليلا لجواز أن يقول عبدي وأمتي وأن النهي الذي ورد في الحديث عن قول الرجل عبدي وأمتي وعن قوله إسق ربك ونحوه للتنزيه لا للتحريم قوله والصالحين من بادكم وإمائكم هو في سورة النور وأوله وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ( النور 23 ) ولما أمر الله تعالى قبل هذه الآية بغض الأبصار وحفظ الفروج بقوله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ( النساء 52 ) الآية بين بعده أن الذي أمر به إنما هو فيما لا يحل فبين بعد ذلك طريق الحل فقال وأنكحوا الأيامى ( النور 23 ) أصلها أيائم فقلب والأيم للرجل والمرأة فالأيامي هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء يقال رجل أيم وامرأة إيم وأيمة وآم الرجل وآمت المرأة بأيم أيمة وأيوما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين وقال ابن بطال جاز أن يقول الرجل عبدي وأمتي لقوله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم ( النور 23 ) وإنما نهى عنه على سبيل الغلظة لا على سبيل التحريم وكره ذلك لاشتراط اللفظ إذ يقال عبد الله

(13/110)


وأمة الله قوله وقال عبدا مملوكا ( النحل 57 ) هو في سورة النحل وأوله وضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ( النحل 57 ) الآية وقد مر الكلام فيه في أول باب من ملك العرب رقيقا قوله وألفيا سيدها لدى الباب ( يوسف 52 ) هو في سورة يوسف وقبله واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب ( يوسف 52 ) الآية والقصة مشهورة والمعنى تسابقا إلى الباب يعني يوسف وزليخا فنفر يوسف عنها فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت زليخا وراءه لتمنعه من الخروج وقدت قميصه من دبر لأنها جبذته من خلفه فشقت قميصه وألفيا سيدها أي صادفا ولقيا بعلها وهو قطفير وإنما قال سيدها ولم يقل سيدهما لأن ملك يوسف لم يصح فلم يكن سيدا له على الحقيقة قوله وقال من فتياتكم المؤمنات ( النساء 52 ) هو في سورة النساء وأوله ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ( النساء 52 ) الآية يعني منه لم يجد منكم طولا أي سعة وقدرة أن ينكح المحصنات المؤمنات من الحرائر العفائف والمؤمنات فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون والفتيات جمع فتاة وهي الآمة قوله وقال النبي قوموا إلى سيدكم هو قطعة من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه البخاري في المغازي على ما يأتي فقال حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد قال سمعت أبا أمامة قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فأرسل النبي إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا من المسجد قال للأنصار قوموا إلى سيدكم الحديث وخاطب الأنصار بقوله قوموا إلى سيدكم يريد به سعد بن معاذ فمن هذا أخذ أن لا يمنع العبد أن يقول سيدي ومولاء لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير ولذلك سمى الزوج سيدا كما في قوله تعالى وألفيا سيدها لدى الباب ( يوسف 52 ) وقد قيل لمالك هل كره أحد بالمدينة قوله لسيده يا سيدي قال لا واحتج بهذه الآية وقوله تعالى وسيدا وحصورا ( آل عمران 93 ) قيل له يقولون السيد هو الله قال أين هو في كتاب الله تعالى وإنما في القرآن رب اغفر لي ولوالدي ( نوح 82 ) قيل أنكر أن يدعو يا سيدي قال ما في القرآن أحب إلي ودعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قال بعض أهل اللغة إنما سمى السيد لأنه يملك السواد الأعظم وقد قال في الحسن إن ابني هذا سيد قوله واذكرني عند ربك ( يوسف 24 ) هو في سورة يوسف وأوله وقال للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك ( يوسف 24 ) الآية وقصته مشهورة معناه صفني عند الملك بصفتي وقص عليه بقصتي لعله يرحمني ويخرجني من السجن فلما وكل أمره إلى غير الله أمكثه في السجن سبع سنين وقال الخطابي لا يقال أطعم ربك لأن الإنسان مربوب مأمور بإخلاص التوحيد وترك الإشراك معه فكره له المضاهاة بالإسم وأما غيره من سائر الحيوان والجماد فلا بأس بإطلاق هذا الإسم عليه عند الإضافة كقولهم رب الدار ورب الدابة وقال الكرماني قد ورد في القرآن مثل قوله إنه ربي أحسن مثواي ( يوسف 32 ) واذكرني عند ربك ( يوسف 24 ) قلت ذاك شرع من قبلنا فإن قلت كما أنه لا رب حقيقة غير الله كذا لا سيد ولا مولى حقيقة أيضا إلا الله تعالى فلم جاز هذا وامتنع هذا قلت التربية الحقيقية مختصة بالله تعالى بخلاف السيادة فإنها ظاهرة بعض الناس سادات على الآخرين وأما المولى فقد جاء بمعاني بعضها لا يصح إلا على المخلوق قوله ومن سيدكم هذه اللفظة سقطت من رواية النسفي وأبي ذر وأبي الوقت وثبتت في رواية الباقين وهي قطعة من حديث أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) من طريق حجاج الصواف عن أبي الزبير قال حدثنا جابر قال قال رسول الله من سيدكم يا بني سلمة قلنا الجد بن قيس على أنا نبخله قال وأي داى أدوى من البخل بل سيدكم عمرو بن الجموح وكان عمرو على أصنامهم في الجاهلية وكان يولم عن رسول لله إذا تزوج وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه والحد بفتح الجيم وتشديد الدال هو ابن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بسكون النون ابن كعب بن سلمة بكسر اللام يكنى أبا عبد الله وقال أبو عمر كان يرمى بالنفاق ويقال إنه تاب وحسنت توبته وعاش إلى أن مات في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وأما عمرو بن الجموح بفتح الجيم وضم الميم المخففة وفي آخره حاء مهملة فهو ابن زيد بن حرام بمهملتين ابن كعب بن غنم بن سلمة قال ابن إسحاق كان ما سادات بني سلمة وقال الذهبي عقبي وفي قول بدري استشهد يوم أحد هو وابنه خلاد فإن قلت ذكر ابن منده من حديث كعب بن مالك أن النبي قال من سيدكم يا بني سلمة قالوا جد بن قيس فذكر الحديث فقال سيدكم

(13/111)


بشر بن البراء بن معرور بسكون العين المهملة ابن صخر يجتمع مع عمرو بن الجموح في صخر قلت اختلف في وصله وإرساله على الزهري على أنه يمكن التوفيق بأن تحمل قصة بشر على أنها كانت بعد قتل عمرو بن الجموح ومات بشر المذكور بعد خيبر أكل مع النبي من الشاة المسمومة وكان قد شهد العقبة وبدرا ذكره إبن إسحاق
0552 - حدثنا ( مسدد ) قال أخبرنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين
( انظر الحديث 6452 )
مطابقته للترجمة من حيث إن العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه يكره تطاول مولاه عليه وهذا الحديث مضى في أول باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ويحيى هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأخرجه مسلم في العتق وفي النذور عن زهير بن حرب ومحمد بن المثنى
1552 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( بريد ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه عن النبي قال المملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة له أجران
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ويؤدي إلى سيده إلى آخره لأنه إذا قام بما ذكر فيه يكره التطاول عليه والحديث مضى في كتاب العلم في باب تعليم الرجل أمته وعن قريب في باب العبد إذا أحسن عبادة ربه مع زيادة ونقصان يظهر ذلك عند النظر بالتأمل وأبو أسامة حماد بن أسامة وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة واسمه الحارث أو عامر بن ( أبي موسى ) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس قوله المملوك مبتدأ وخبره الجملة وهي قوله له أجران ويروى للمملوك فإن صحت هذه الرواية يكون قوله أجران مبتدأ وقوله للمملوك مقدما خبره ولا يكون في هذه الرواية لفظة له
2552 - حدثنا ( محمد ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام بن منبه ) أنه سمع ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه يحدث عن النبي أنه قال لا يقل أحدكم أطعم ربك وضىء ربك اسق ربك وليقل سيدي ومولا ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي
مطابقته للترجمة في قوله ولا يقل أحدكم عبدي أمتي فإن من جملة الترجمة قوله عبدي وأمتي
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد لم يذكر محمد هذا منسوبا في أكثر الروايات إلا في رواية أبي علي بن شبويه فقال حدثنا محمد بن سلام وكذا حكاه الجياني عن رواية ابن السكن وحكى عن الحاكم أنه الذهلي وقد أخرج مسلم هذا الحديث في الأدب عن محمد ابن رافع عن عبد الرزاق ولا يبعد أن يكون محمد هذا هو محمد بن رافع لأنه روى عنه أيضا في ( الصحيح ) الثاني عبد الرزاق بن همام الثالث معمر بن راشد الرابع همام بن منبه الخامس أبو هريرة
وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه السماع وفيه تحديث أبي هريرة عن النبي وهو بهذه الصيغة نادر
قوله أطعم بفتح الهمزة أمر من الإطعام وربك منصوب مفعوله قوله وضىء أمر بمن وضأه يوضئه قوله إسق بكسر الهمزة أمر من سقاه يسقيه تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج قوله وليقل سيدي ومولاي وقال الكرماني السياق يقتضي أن يقال سيدك ومولاك لتناسب ربك قلت الأول خطاب للسادات والثاني للمماليك أي لا يقول السيد المملوك أطعم ربك إذ فيه نوع من التكبر ولا يقول العبد أيضا لفظا

(13/112)


يكون فيه نوع تعظيم له بل يقول أطعمت سيدي ومولاي ونحوه قلت روى مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في ذا الحديث نحوه وزاد ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله قلت اختلفوا في هذه الزيادة على الأعمش منهم من ذكرها ومنهم من حذفها وقال عياض حذفها أصح وقال القرطبي المشهور حذفها قال وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ وسبب النهي عن قول أطعم ربك ونحوه ما ذكرناه في أوائل الكتاب وقال ابن بطال لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب كما لا يجوز أن يقال إله قلت النهي عند الإطلاق وأما الإضافة فيجوز كما في أذكرني عند ربك ( يوسف 24 ) ونحو ذلك ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه وما ورد من ذلك فلبيان الجواز وقيل هو مخصوص بغير النبي ولا يرد ما في القرآن إذ المراد النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة فإن قلت ذكر قوله أطعم ربك وضىء ربك إسق ربك أمثلة تدل على التخصيص أم لا قلت لا وإنما ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات قوله ولا يقل أحدكم عبدي أمتي زاد مسلم في روايته من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله فأرشد إلى العلة لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله عز و جل ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه قوله وليقل فتاي وفتاتي زاد مسلم وجاريتي فأرشد رسول الله إلى ما يؤدي المعني مع السلامة من التعاظم لأن لفظ الفتى والغلام لا يدل على محض الملك كدلالة العبد فقد كثر استعمال الفتى في الحر وكذلك الغلام والجارية وقال النووي المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف
3552 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( جرير بن حازم ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي من أعتق نصيبا له من العبد فكان له من المال ما يبلغ قيمته يقوم عليه قيمة عدل وأعتق من ماله وإلا فقد عتق منه ما عتق
مطابقته للترجمة من حيث إنه لو لم يحكم عليه بعتق كله عند اليسار لكان بذلك متطاولا عليه وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي والحديث مضى في كتاب العتق في باب إذا أعتق عبدا بين اثنين فإنه أخرجه هناك عن أبي النعمان عن حداد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر إلى آخره
4552 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال كلكم راع فمسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله والعبد راع على مال سيده فإنه إذا كان ناصحا له في خدمته مؤديا الأمانة ينبغي أن يعينه ولا يتطاول عليه ويحيى هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري وأخرجه مسلم في المغازي عن عبيد الله بن سعيد والحديث مضى أيضا في آخر كتاب الاستقراض في باب العبد راع في مال سيده فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر وأخرجه أيضا في كتاب الجمعة في باب الجمعة في القرى والمدن عن بشر بن محمد عن عبد الله عن يونس عن الزهري عن سالم إلى آخره

(13/113)


6552 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) قال حدثنا ( عبيد الله ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه ( وزيد بن خالد ) عن النبي قال إذا زنت الأمة فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها في الثالثة أو الرابعة يبيعوه ولو بضفير
مطابقته للترجمة تؤخذ من حيث إن الأمة إذا زنت لا يكره التطاول عليها وإنما يكره التطاول إذا نصحت سيدها وأدت حق الله فإذا زنت أخلت بالإثنين فتؤدب فإن لم ينجع تباع ولو بيعت بضفير بفتح الضاد المعجمة وكسر الفاء وهو الحبل المفتول والحديث مضى فقي كتاب البيوع في باب بيع العبد الزاني فإنه أخرجه هناك من طريقين ومضى الكلام فيه هناك مستوفى ومالك بن إسماعيل بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي وسفيان هو ابن عيينة وعبيد الله هو ابن عبد الله ابن عتبة بن مسعود
81 -
( باب إذا أتاه خادمه بطعامه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أتى الشخص خادمه وهو الذي يخدمه سواء كان عبدا أو حرا ذكرا كان أو أنثى وجواب إذا محذوف تقديره فليجلسه معه فإن لم يجلسه فليناوله لقمة أو لقمتين وإنما طوى ذكره اكتفاء بما ذكر في الحديث
7552 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( محمد بن زياد ) قال سمعت ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي إذا أتاى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه
( الحديث 7552 - طرفه في 0645 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن زياد بكسر الزاء وتخفيف الياء آخر الحروف مر في باب غسل الأعقاب والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن حفص بن عمر عن شعبة
قوله فإن لم يجلسه معه معطوف على مقدر تقديره فليجلسه معه قوله أو أكلة شك من الراوي والأكلة بضم الهمزة اللقمة قوله علاجه مصدر عالج يعالج والمعنى هنا ولي عمله وقوله ولي إما من الولاية أي تولى ذلك وإما من الولي وهو القرب أي قاسى كلفة اتخاذه
وفيه الحث على مكارم الأخلاق وهو المواساة في الطعام لا سيما في حق من صنعه وحمله لأنه تحمل حره ودخانه وتعلقت به نفسه وشم رائحته قال المهلب هذا الحديث يفسر حديث أبي ذر في التسوية بين العبد والسيد أنه على سبيل الندب لأنه لم يوسه في هذا الحديث في المواكلة والله أعلم
91 -
( باب العبد راع في مال سيده )
أي هذا باب يذكر فيه العبد راع في مال سيده فإذا كان راعيا يلزمه حفظه وهذه الترجمة بعينها مضت في آخر كتاب الاستقراض
ونسب النبي المال إلى السيد
كأنه أشار بذلك إلى حديث ابن عمر من باع عبدا وله مال فماله للسيد إلا أن يشترطه المبتاع وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والعبد لا يملك شيئا لأن الرق مناف للملك وماله لسيده عند بيعه وعند عتقه وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وبه قال سعيد بن المسيب والثوري وأحمد وإسحاق وقالت طائفة ماله دون سيده في العتق والبيع روي ذلك عن عمر وابنه وعائشة رضي الله تعالى عنهم وبه قال النخعي والحسن
8552 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم بن عبد الله ) عن

(13/114)


( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه سمع ( رسول لله ) يقول كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته قال فسمعت هؤلاء من النبي قال والرجل في مال أبيه راع ومسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
مطابقته للترجمة في قوله والخادم في مال سيده راع والمراد من الخادم هنا العبد وإن كان يتناول غيره ممن يخدم غيره وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي والحديث قد مر في الباب السابق وفي غيره فيما مضى وقد بيناه في الباب السابق
02 -
( باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا ضرب الرجل عبده لأجل التأديب فليجتنب وجهه إكراما له قال المهلب لأن الله خلقه بيده قلت يعني بقدرته البالغة الكاملة وسيجيء مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى
9552 - حدثنا ( محمد بن عبيد الله ) قال حدثنا ( ابن وهب ) قال حدثني ( مالك بن أنس ) قال وأخبرني ( ابن فلان ) عن ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه
مطابقته للترجمة من حيث إنه إذا وجب احتناب الوجه عند القتال مع الكافر فاجتناب وجه العبد المؤمن أوجب
وأخرج هذا الحديث من طريقين
أحدهما عن محمد بن عبيد الله أبي ثابت المدني مولى عثمان بن عفان وهو من أفراده وابن وهب هو عبد الله بن وهب قوله قال وأخبرني ابن فلان أي قال ابن وهب حدثني مالك وابن فلان كلاهما عن سعيد المقبري قيل لم يصرح باسم ابن وهب لضعفه قال المزي يقال هو ابن سمعان يعني عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المدني وكذا قال أبو نصر الكلاباذي وغيره وروى عن أبي ذر الهروي في روايته عن المستملي كذلك وقد أخرجه الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق عبد الرحمن بن خراش بكسر الخاء المعجمة عن البخاري قال حدثنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني فذكر الحديث لكن قال بدل قوله ابن فلان ابن سمعان فكأنه لم يصرح باسمه في الصحيح بل كنى به لأجل ضعفه وقال الكرماني ويقال إن مالكا كذبه وهو أحد المتروكين قلت كذبه أحمد وغيره أيضا وماله في البخاري شيىء إلا هذا الموضع
الطريق الثاني عن عبد الله بن محمد بن عبد الله الجعفي البخاري المعروف بالمسندي عن عبد الرزاق بن همام عن همام بن منبه الأنباري ولم يسق الحديث على لفظ هذا الطريق وأخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ فليتق بدل فليتجنب وله من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ إذا ضرب وكذا في رواية النسائي من طريق عجلان ولأبي داود من طريق أبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقال بعضهم هذا يفيد على أن لفظ قاتل بمعنى قتل وأن المفاعلة ليست على ظاهرها قلت لا نسلم ذلك بل باب المفاعلة على حالها ليتناول ما يقع عند أهل العدل مع البغاة وعند دفع الصائل فيجتنبون عند ذلك عن الضرب على الوجه فإذا وجب الاجتناب في مثل هذا الموضع ففي باب التعزير والتأديب والحدود بطريق الأولى في الوجوب وقد روى أبو داود وغيره في حديث أبي بكرة في قصة التي زنت فأمر رسول الله برجمها وقال إرموا واتقوا الوجه فإذا كان ذلك في حق من تعين إهلاكه فمن دونه أولى
وقال النووي قال العلماء إنما نهى عن ضرب الوجه لأنه لطيف

(13/115)


يجمع المحاسن وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه فيخشى من ضربه أن يبطل أو يتشوه كلها أو بعضها والشين فيه فاحش لبروزه وظهوره بل لا يسلم إذا ضرب غالبا من شين انتهى وهذا تعليل حسن ولكن روى مسلم وفي روايته تعليل آخر فإنه روى الحديث من طريق أبي أيوب المراعي عن أبي هريرة وزاد فإن الله خلق آدم على صورته واختلف في مرجع هذا الضمير فعند الأكثرين يرجع إلى المضروب وهذا حسن وقال القرطبي أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد من ذلك في بعض طرقه أن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن وأنكر المازري وغيره صحة هذه الزيادة ثم قال وعلى تقدير صحتها يحمل على ما يليق بالباري سبحانه عز و جل قيل كيف ينكر هذه الزيادة وقد أخرجها ابن أبي عاصم في السنة والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات وأخرجها أيضا ابن أبي عاصم من طريق أبي يوسف عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول قال من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن فإذا كان الأمر كذلك تعين إجراؤه على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه أو يؤول على ما يليق بالرحمن سبحانه وتعالى فإن قلت ما حكم هذا النهي قلت ظاهره التحريم والدليل عليه ما رواه مسلم من حديث سويد بن مقرن أنه رأى رجلا لطم غلامه فقال أما علمت أن الصورة محرمة
بسم الله الرحمان الرحيم
05 -
( كتاب المكاتب )
أي هذا كتاب في بيان أحكام المكاتب ووقع هكذا في المكاتب من غير ذكر لفظ كتاب ولا لفظ باب والبسملة موجودة عند الكل والمكاتب بفتح التاء هو الرقيق الذي يكاتبه مولاه على مال يؤديه إليه بحيث إنه إذا أداه عتق وإن عجز رد إلى الرق وبكسر التاء هو مولاه الذي بينهما عقد الكتابة والكتابة أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على ألف درهم مثلا ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت المال وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك أو كتبت عليك وفاء المال وكتبت على العتق واشتقاقها من الكتب وهو الجمع يقال كتبت الكتاب إذا جمعت بين الكلمات والحروف وسمى هذا العقد كتابة لما يكتب فيه وهو الذي ذكرناه فإن قلت سائر العقود يوجد فيها معنى الكتابة فلم لا تسمى بهذا الإسم قلت لئلا تبطل التسمية كالقارورة سميت بهذا الإسم لقرار المائع فيها ولم يسم الكوز ونحوه قارورة وإن كان يقر المائع فيه لئلا تبطل الأعلام والكتابة شرعا عقد بين المولى وعبده بلفظ الكتابة أو ما يؤدى معناه من كل وجه يوجب التحرير يدا في الحال ورقبة في المال وقال الروياني الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية ورد عليه بأنها كانت متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي وقال ابن خزيمة في كلامه على حديث بريرة قيل إن بريرة أول مكاتبة في الإسلام وقد كانوا يتكاتبون في الجاهلية بالمدينة وفي ( التوضيح ) واختلف في أول من كوتب في الإسلام فقيل سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه كاتب أهله على مائة ودية نجمها لهم فقال إذا غرستها فاذني قال فلما غرستها آذنته فدعا فيها بالبركة فلم تفت منها ودية واحدة وقيل أول من كوتب أبو المؤمل فقال أعينوه فقضى كتابته وفضلت عنده فاستفتى رسول الله فقال عليه السلام انفقها في سبيل الله وأول من كوتب من النساء بريرة وأول من كوتب بعد النبي أبو أمية مولى عمر رضي الله تعالى عنه ثم سيرين مولى أنس
( باب إثم من قذف مملوكه المكاتب )
أي هذا باب في بيان إثم من قذف مملوكه الذي كاتبه كذا وقع في هذا الباب هنا في بعض النسخ ولم يذكر فيه حديث أصلا ولا له وجه في دخوله أبواب المكاتب وقد ترجم في كتاب الحدود باب قذف المملوك وأورد فيه حديثه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى قيل كان البخاري ترجم بهذا الباب وأخلى بياضا ليكتب فيه الحديث الوارد فيه فكأنه لما لم يظفر به تركه هكذا

(13/116)


1 -
( باب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم )
أي هذا باب في بيان أمر المكاتب وأمر نجومه وهو جمع نجم وهو في الأصل الطالع ثم سمي به الوقت ومنه قول الشافعي أقل التأجيل نجمان أي شهران ثم سمي به ما يؤدى به من الوظيفة يقال دين منجم جعل نجوما وقال الرافعي النجم في الأصل الوقت وكانت العرب يبنون أمورهم على طلوع النجم لأنهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم إذا طلع نجم الثريا أديت حقك فسميت الأوقات نجوما ثم سمى المؤدى في الوقت نجما وقيل أصل هذا من نجوم الأنواء لأنهم كانوا لا يعرفون الحساب وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء قوله في كل سنة نجم يحتمل وجهين أحدهما أن يكون نجم مرفوعا بالابتداء وخبره هو قوله مقدما في كل سنة وتكون الجملة في محل الرفع على الخبرية والوجه الثاني يأتي على رواية النسفي أن لفظة نجم ساقطة وهو أن يكون قوله في كل سنة نصبا على الحال من نجومه وقال بعضهم عرف من الترجمة اشتراط التأجيل في الكتابة وهو قول الشافعي بناء على أن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم بعض النجوم إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم نجمان ثم ذكر بعد أسطر ولم يرد المصنف أي البخاري بقوله في كل سنة نجم أن ذلك شرط فيه فإن العلماء اتفقوا على أنه لو وقع النجم بالأشهر جاز وفيه ما فيه
وقوله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( النور 33 )
هذه الآية الكريمة في سورة النور وقيل قوله والذين يبتغون وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون ( النور 23 ) وبعده ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إلى قوله غفور رحيم ( النور 43 ) ولما ذكر الله تعالى تزويج الحرائر والإماء والأحرار والعبيد ذكر حال من يعجز عن ذلك ثم قال والذين يبتغون ( النور 33 ) أي يطلبون من البغية وهو الطلب قال الزمخشري والذين يبتغون مرفوع على الإبتداء أو منصوب بفعل مضمر يفسره فكاتبوهم كقولك زيدا فاضربه ودخلت الفاء لتضمن معنى الشرط قوله الكتاب ( النور 33 ) منصوب وأنه مفعول يبتغون الكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة وهي مفاعلة بين اثنين وهما السيد وعبده فيقال كاتب يكاتب مكاتبة وكتابا كما يقال قاتل يقاتل مقاتلة وقتالا ومعنى يبتغون الكتاب أي المكاتبة قوله فكاتبوهم خبر المبتدأ الذين يبتغون ثم إن هذا الأمر عند الجمهور على الندب وقال داود على الوجوب إذا سأله العبد أن يكاتبه وروي ذلك عن عكرمة أيضا وقال عطاء يجب عليه إن علم أن له مالا وفي ( تفسير النسفي ) وقيل هو أمر إيجاب فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم منه خيرا إذا سأله ذلك بقيمته وأكثر وهو قول داود ومحمد بن جرير من الفقهاء وهي رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واحتج من نصر هذا القول بما روى قتادة أن سيرين سأل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن يكاتبه فلكأ عليه فشكاه إلى عمر رضي الله تعالى عنه فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة على ما يجيء واحتجوا أيضا بأن هذه الآية نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا فأداها وقتل يوم حنين في الحرب انتهى قلت سيرين بكسر السين المهملة مولى أنس بن مالك وهو من سبي عين التمر الذين أسرهم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه قوله فلكأ عليه أي توقف وتباطىء وكذلك تلكأ قوله فعلاه بالدرة وهي بكسر الدال وتشديد الراء وهي الآلة التي يضرب بها وقصة سيرين رواها ابن سعد فقال أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن قتادة قال سأل سيرين أبو محمد أنس بن مالك الكتابة فأبى أنس فرفع عمر بن الخطاب عليه الدرة وقال كاتبه فكاتبه وقال أخبرنا معمر بن عيسى حدثنا محمد بن عمر وسمعت محمد بن سيرين كاتب أنس أبي على أربعين ألف درهم وحويطب بن عبد العزى القرشي العامري أبو محمد وقيل أبو الأصبع من المؤلفة قلوبهم شهد حنينا ثم حمد إسلامه وعمر مائة وعشرين سنة وله رواية وصبيح غلامه بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وقصته رواها سلمة ابن الفضل عن محمد بن إسحاق عن خالد عبد الله بن صبيح عن أبيه قال كنت مملوكا لحويطب فسألته فنزلت والذين

(13/117)


يبتغون ( النور 33 ) الآية وحجة الجمهور في هذا أن الإجماع منعقد على أن السيد لا يجبر على بيع عبده وإن ضوعف له في الثمن وإذا كان كذلك فالأحرى والأولى أن لا يخرج عن ملكه بغير عوض لا يقال إنها طريق العتق والشارع متشوف إليه فحالف البيع لأنا نقول التشوف إنما هو في محل مخصوص وأيضا الكسب له فكأنه قال أعتقني مجانا وأما الآثار التي دلت على الوجوب فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى
قوله إن علمتم فيهم خيرا ( النور 33 ) اختلفوا في المراد بالخير فقال الثوري هو القوة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا عليه وعن الليث مثله وكره ابن عمر كتابة من لا حرفة له وكذا روي عن سلمان وقال الحسن البصري الصدق والأمان والوفاء وقال بعضهم الصلاح وإقامة الصلاة وقال مجاهد المال وكذا نقل عن عطاء وأبي رزين وكذلك روي عن ابن عباس وفي ( المصنف ) وكتب عمر إلى عمير بن سعد أنه من قبل من المسلمين أن يكاتبوا أرقاءهم على مسألة الناس وقال ابن حزم قالت طائفة المال فنظرنا في ذلك فوجدنا موضوع كلام العرب الذي نزله به القرآن أنه لو أراد عز و جل المال لقال إن علمتم لهم خيرا أو عندهم أو معهم خيرا لأن بهذه الحروف يضاف المال إلى من هو له في لغة العرب ولا يقال أصلا في فلان مال فعلمنا أنه تعالى لم يرد به المال فصح أنه الدين وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه سئل أاكاتب وليس لي مال فقال نعم فصح عنده أن الخير عنده لم يكن المال وقال الطحاوي من قال إنه المال لا يصح عندنا لأن العبد نفسه مال لمولاه فكيف يكون له مال والمعنى عندنا إن علمتم فيهم الدين والصدق وعلمتم أنهم يعاملونكم على أنهم متعبدون بالوفاء لكم بما عليهم من الكتاب والصدق في المعاملة فكاتبوهم قوله وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( النور 33 ) أي أعطوهم من المال الذي أعطاكم الله تعالى اختلف في المخاطبين من هم فقيل الأغنياء الذين يجب عليهم الزكاة أمروا أن يعطوا المكاتبين وقيل السادة أمروا بإعانتهم وهو أن يحط عنهم من مال الكتابة شيئا واختلف في الإيتاء هل هو واجب فذهب الشافعي إلى أنه واجب وقال أبو حنيفة ومالك ليس بواجب والأمر فيه على الندب والحض أن يضع الرجل عن عبده من مال كتابته شيئا مسمى به يستعين على الخلاص واختلفوا فيه أيضا هل هو مقدار معين فقال الشافعي هو غير مقدر ولكنه واجب كما ذكرنا وهو المنقول عن سعيد بن جبير وقال أحمد هو ربع المال وهو المروي أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعن ابن مسعود الثلث وقال الزمخشري وآتوهم أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال كقوله وفي الرقاب عند أبي حنيفة وأصحابه وقيل معنى آتوهم أسلفوهم وقيل أنفقوا عليهم بعد أن يؤدوا أو يعتقوا وهذا كله مستحب وقال ابن بطال قول الجمهور أولى لأنه لم يأمر موالي بريرة بإعطائها شيئا وقد كوتبت وبيعت بعد الكتابة ولو كان الإيتاء واجبا لكان مقدرا كسائر الواجبات حتى إذا امتنع السيد من جعله ادعاه عند الحاكم فأما دعوى المجهور فلا يحكم بها ولو كان الإيتاء واجبا وهو غير مقدر لكان الواجب للمولى على المكاتب هو الباقي بعد الحط فأدى ذلك إلى جهل مبلغ الكتابة وذلك لا يجوز
وقال روح عن ابن جريج قلت لعطاء أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه قال ما أراه إلا واجبا
روح هو ابن عبادة وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وعطاء هو ابن أبي رباح وهذا التعليق رواه ابن حزم من طريق إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن عبدالله قال حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به
وقال عمرو بن دينار قلت لعطاء تأثره عن أحد قال لا ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال فأباى فانطلق إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال كاتبه فأبى فضربه بالدرة ويتلو عمر فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( النور 33 ) فكاتبه

(13/118)


هكذا وقع قال عمرو بدون الضمير المنصوب بعد قال في النسخ المروية عن الفربري وظاهره يدل على أن هذا الأثر من عمرو بن دينار عن عطاء قيل ليس كذلك لأن النسخة المعتمد عليها من رواية النسفي عن البخاري هكذا وقاله عمرو بن دينار بالضمير المنصوب بعد قال أي قال القول المذكور عمرو بن دينار وفاعل قلت هو ابن جريج لا عمرو بن دينار حاصله أن عمرو ببن دينار قال مثل ما قال عطاء في سؤال ابن جريج عنه لا أن عمرا سأل ذلك عن عطاء مثل ما سأل ابن جريج قوله تأثره أي ترويه عن أحد من أثر يأثر أثرا يقال أثرت الحديث أثره إذا ذكرت عن غيرك ومنه قيل حديث مأثور أي ينقله خلف عن سلف قوله قال لا أي لا آثره عن أحد قوله ثم أخبرني القائل بهذا هو ابن جريج والمخبر هو عطاء كذا وقع مصرحا في رواية إسماعيل القاضي في ( أحكام القرآن ) ولفظه قال ابن جريج وأخبرني عطاء أن موسى بن أنس أخبره ابن سيرين وهو أبو محمد بن سيرين وقد ذكرنا عن قريب وظاهره الإرسال لأن موسى لم يدرك وقت سؤال سيرين من أنس الكتابة وقد رواه عبد الرزاق والطبري من وجه آخر متصل من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت فأتى عمر بن الخطاب فذكر نحوه قوله فأبى أي امتنع من فعل الكتابة قوله فانطلق إلى عمر وفي رواية إسماعيل بن إسحاق فاستعداه عليه وزاد في آخر القصة فكاتبه أنس وقد ذكرنا عن ابن سعد أنه كاتبه على أربعين ألف درهم
فإن قلت روى البيهقي من طريق أنس بن سيرين عن أبيه قال كاتبني أنس على عشرين ألف درهم قلت أجيب بأنهما إن كانا محفوظين يحمل أحدهما على الوزن والآخر على العدد فإن قلت ضرب عمر أنسا رضي الله تعالى عنهما يدل على أن عمر كان يرى بوجوب الكتابة قلت قال ابن القصار إنما علا عمر أنسا بالدرة على وجه النصح لأنس ولو كانت الكتابة لزمت أنسا ما أبى وإنما ندبه عمر إلى الأفضل انتهى وفيه نظر لا يخفى لأن الضرب غير موجه على ترك المندوب خصوصا من مثل عمر لمثل أنس رضي الله تعالى عنهما ولا سيما تلا عمر قوله تعالى فكاتبوهم ( النور 33 ) الآية عند ضربه إياه
0652 - وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال ( عروة ) قالت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمسة أواقي نجمت عليها في خمس سنين فقالت لها عائشة ونفست فيها أرأيت إن عددت لهم عدة واحدة أيبيعك أهلك فأعتقك فيكون ولاؤك لي فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم فقالوا لا إلا أن يكون لنا الولاء قالت عائشة فدخلت على رسول لله فذكرت ذلك له فقال لها رسول الله اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله فقال ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل شرط الله أحق وأوثق
مطابقته للترجمة في قوله نجمت عليها في خمس سنين وهذا الحديث ذكره البخاري في كتابه في عدة مواضع أولها في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة الحديث وقد ذكرنا ما يتعلق بكل واحد في موضعه وذكره هنا معلقا ووصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث وفيه مقال من وجهين أحدهما أن المحفوظ رواية الليث له عن ابن شهاب نفسه بغير واسطة وسيأتي في الباب الذي يليه أنه رواه عن قتيبة عن الليث عن ابن شهاب وكذلك أخرجه مسلم أيضا عن قتيبة عن الليث عن ابن شهاب وكذلك أخرجه الطحاوي قال حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم منهم يونس بن يزيد والليث بن سعد عن ابن شهاب حدثهم عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي

(13/119)


قالت جاءت بريرة الحديث وأخرجه النسائي عن يونس عن يزيد عن ابن وهب إلى آخره نحو رواية الطحاوي فاشترك النسائي والطحاوي هنا في يونس بن عبد الأعلى وقد علم من هذا أن يونس بن يزيد رفيق الليث فيه لا شيخه والوجه الآخر أنه وقع فيه مخالفة للروايات المشهورة وهو قوله وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين والمشهور ما في رواية هشام بن عروة التي تأتي بعد بابين عن أبيه أنها كاتبت على تسع أواق كل عام أوقية وقد جزم الإسماعيلي أن هذه الرواية المعلقة غلط قلت أجيب عنه بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري فإن قلت في رواية قتيبة ولم تكن أدت من كتابتها شيئا قلت أجيب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس وقال القرطبي يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها لحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة التي مضت في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد فقال أهلها إن شئت أعطيت ما بقي قوله دخلت عليها أي على عائشة قوله تستعينها جملة حالية قوله في كتابتها أي في مال كتابتها قوله أواقي جمع أوقية وهي أربعون درهما ويجوز في الجمع تشديد الياء وتخفيفها قوله نجمت على صيغة المجهول صفة للأواقي قوله ونفست فيها جملة حالية معترضة بين القول ومقوله وهو بكسر الفاء أي رغبت ومنه فليتنافس المتنافسون ( المطففين 62 ) وإذا قيل نفست به يكون معناه نحلت ونفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلا ونفست المرأة تنفس من باب علم يعلم إذا حاضت قوله أرأيت إن عددت لهم عدة واحدة معنى أرأيت أخبريني ومعنى عددت لهم عددت الخمس أواقي وفي رواية عمرة عن عائشة إن أحل أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك كذا في رواية الطحاوي قوله شروطا ليست في كتاب الله تعالى أي ليس في حكم الله تعالى وقضائه في كتابه أو سنة رسوله قوله شرط الله أحق قال الداودي شرط الله ههنا أراه والله أعلم هو قوله تعالى فإخوانكم في الدين ومواليكم ( الأحزاب 33 ) وقوله وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ( الأحزاب 73 ) وقال في موضع هو قوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( البقرة 881 والنساء 92 ) وقوله تعالى وما أتاكم الرسول فخذوه ( الحشر 7 ) الآية وقال القاضي عياض وعندي أن الأظهر هو ما أعلم به من قوله إنما الولاء لمن أعتق ومولى القوم منهم والولاء لحمة كالنسب وفي بعض الروايات كتاب الله أحق يحتمل أن يريد حكمه ويحتمل أن يريد القران
وفيه فوائد كصيرة تكلم العلماء فيه كثيرا جدا لأنه روي بوجوه مختلفة وطرق متغايرة حتى أن محمد بن جرير صنف في فوائده مجلدا وقد ذكرنا أكثرها فيما مضى في كتاب الصلاة والزكاة وغيرها ومن أعظم فوائده ما احتج به قوم على فساد البيع بالشرط وبه قال أبو حنيفة والشافعي وذهب قوم إلى أن البيع صحيح والشرط باطل وقد ذكرناه فيما مضى مفصلا
2 -
( باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله تعالى )
أي هذا باب في بيان ما يجوز من شروط المكاتب ومن جملة شروط المكاتب قبوله العقد وذكر مال الكتابة سواء كان حالا أو مؤجلا أو منجما وعند الشافعي إذا شرط حالا لا يكون كتابة بل يكون عتقا ومن شروطه أن يكون عاقلا بالغا ويجوز عندنا أيضا إذا كان صغيرا مميزا بأن يعرف أن البيع سالب والشراء جالب وفي ( شرح الطحاوي ) وإذا كان لا يعقل لا يجوز إلا إذا قبل عنه إنسان فإنه يجوز ويتوقف على إدراكه فإن أدى هذا القابل عتق وعند زفر له استرداده وهو القياس وليس في أحاديث الباب إلا ذكر شرط الولاء قوله ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله تعالى وهو الشرط الذي خالف كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع الأمة وقال ابن خزيمة معنى ليس في كتاب الله تعالى ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروطا من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل
وقال النووي قال العلماء الشرط في البيع أقسام أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا الثالث

(13/120)


اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة في قصة بريرة الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل
فيه ابن عمر عن النبي
يعني في هذا الباب عبد الله بن عمر يروي عن النبي وفي رواية أبي ذر فيه عن ابن عمر أي روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن عمر الذي يأتي في آخر الباب
1652 - حدثنا ( قتيبة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا قالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت ذالك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذالك لرسول الله فقال لها رسول الله ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق قال ثم قام رسول الله فقال ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة شرط الله أحق وأوثق
مطابقته للترجمة في قوله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله قوله إلى أهلك المراد به هنا السادة قوله فعلتجواب قوله فإن أحبوا قوله فأبوا أي امتنعوا عن كون الولاء لعائشة قوله أن تحتسب أي إذا أرادت الثوب عند الله وأن لا يكون لها الولاء قوله ما بال أناس أي ما شأنهم قوله وإن شرط مائة مرة وفي رواية المستملي مائة شرط قال النووي معنى مائة شرط أنه لو شرط مائة مرة توكيدا فهو باطل قلت مثل هذا يذكر للمبالغة قال القرطبي قوله ولو كان مائة شرط خرج مخرج التكثير يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت
3652 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال أرادت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أن تشتري جارية لتعتقها فقال أهلها على أن ولاءها لنا قال رسول الله لا يمنع ذالك فإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله على أن ولاءها لنا لأن هذا شرط ليس في كتاب الله عز و جل وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن إسماعيل وقتيبة فرقهما وأخرجه مسلم في العتق عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الفرائض والنسائي في البيوع جميعا عن قتيبة قوله لا يمنعك وفي رواية أبي ذر لا نمنعك بنون ورواية مسلم مثل الأول والله أعلم
3 -
( باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس )
هذا باب في بيان استعانة المكاتب أي طلبه العون من غيره ليعينه بشيء يضمه إلى مال الكتابة يعني يجوز لأنه أقر بريرة على سؤالها من عائشة واستعانتها منها وقال بعضهم هو من عطف الخاص على العام لأن الاستعانة تقع بالسؤال وبغيره انتهى قلت هذا كأنه ما التفت إلى سين الاستعانة فإنها للطلب والطلب لا يكون إلا من غيره
45 - ( حدثنا عبيد بن إسماعيل قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة

(13/121)


رضي الله عنها قالت جاءت بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت ويكون ولاؤك لي فذهبت إلى أهليها فأبوا ذلك عليها فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع بذلك رسول الله فسألني فأخبرته فقال خذيها فأعتقيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق قالت عائشة فقام رسول الله في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال رجال منكم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فأيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق ما بال رجال منكم يقول أحدهم أعتق يا فلان ولي الولاء إنما الولاء لمن أعتق )
مطابقته للترجمة في قوله فأعينيني وعبيد بن إسماعيل أبو محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد ابن أسامة وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهم قوله فأعينيني كذا هو بصيغة الأمر للمؤنث في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني فأعيتني بصيغة الماضي من الإعياء وهو العجز والمعنى فأعيتني تسع أواق لعجزي عن تحصيلها وفي رواية ابن خزيمة وغيره من رواية حماد بن سلمة عن هشام فأعتقيني بصيغة الأمر من الإعتاق والثابت في طريق مالك وغيره عن هشام هو الأول قوله واشترطي قال الكرماني فإن قلت هذا مشكل من حيث أن هذا الشرط يفسد العقد ومن حيث أنها خدعت البائعين حيث شرطت لهم ما لا يحصل لهم وكيف أذن لعائشة في ذلك ( قلت ) أول بأن معناه اشترطي عليهم كقوله تعالى وإن أسأتم فلها أو أظهري لهم حكم الولاء وبأن المراد التوبيخ لهم لأنه قد بين لهم أن هذا الشرط لا يصح فلما لجوا في اشتراطه قال ذلك أي لا تبالي به سواء شرطتيه أم لا والأصح أنه من خصائص عائشة لا عموم له والحكمة في إذنه ثم إبطاله أن يكون ألمغ في قطع عادتهم وزجرهم عن مثله انتهى قلت اختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى يحيى بن أكتم أنه أنكر وعن الشافعي في الأم الإشارة إلى تضعيف رواية هشام المصرحة بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه ورد ما نقل عن يحيى بما حكى الخطابي عن ابن خزيمة أن قول يحيى بن أكتم غلط وكذلك رد ما نقل عن الشافعي بأن الذي في الأم ومختصر المزني وغيرهما عن الشافعي كرواية الجمهور واشترطي بصيغة الأمر للمؤنث من الشرط وقال الطحاوي حدثني المزني به عن الشافعي بلفظ واشرطي بهمزة قطع بغير تاء مثناة من فوق ثم وجهه بأن معناه أظهري لهم حكم الولاء والإشراط بكسر الهمزة الإظهار قال بعضهم وأنكر غيره هذه الرواية قلت لا مجال لإنكارها لأن كل واحد من الطحاوي والمزني ثقة ثبت لا يشك فيما روياه ولا يلزم أن يكون هذا الذي نقله الطحاوي عن المزني أن يكون الشافعي ذكره في الأم والمزني أعرف بحاله قوله فقضاء الله أحق أي حكم الله أحق بالاتباع من الشروط المخالفة له قوله وشرط الله أوثق أي باتباع حدوده التي حدها وهنا أفعل التفضيل ليس على بابه لأنه لا مشاركة بين الحق والباطل وقد يرد أفعل لغير التفضيل كثيرا -
4 -
( باب بيع المكاتب إذا رضي )
أي هذا باب في بيان جواز بيع المكاتب وفي رواية السرخسي والمستملي باب بيع المكاتبة والأول أصح لقوله إذا رضي بالبيع ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور ومالك والشافعي في قول واختاره ابن جرير وابن المنذر وقال أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين وبعض المالكية لا يجوز وقال أبو عمر في ( التمهيد ) قال مالك لا يجوز بيع المكاتب إلا أن يعجز عن الأداء فإن لم يعجز عن الأداء فليس له ولا لسيده بيعه وقال ابن شهاب

(13/122)


وأبو الزناد وربيعة لا يجوز بيعه إلا برضاه فإن رضي بالبيع فهو عجز منه وقال إبراهيم النخعي وعطاء والليث وأحمد وأبو ثور يجوز بيعه على أن يمضي في كتابته فإن أدى عتق وكان ولاؤه للذي ابتاعه وإن عجز فهو عبد له وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بيع المكاتب ما دام مكاتبا حتى يعجز ولا يجوز بيع كتابته قال وهو قول الشافعي بمصر وكان بالعراق يقول يجوز بيعه وأما بيع كتابته فغير جائز بحال
وقالت عائشة هو عبد ما بقي عليه شيء
هذا التعليق وصله الطحاوي قال حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب حدثنا ابن أبي ذئب عن عمران ابن بشير عن سالم عن عائشة قالت إنك عبد ما بقي عليك شيء قال وحدثنا أبو بشر حدثنا أبو معاوية وشجاع ابن الوليد عن عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار قال استأذنت على عائشة فقالت كم بقي عليك من كتابتك قلت عشر أواق قالت أدخل فإنك عبد ما بقي عليك شيء وفي رواية البيهقي ما بقي عليك درهم قلت سليمان بن يسار أبو أيوب الهلالي المدني مولى ميمونة زوج النبي وقال ابن سعد ويقال إن سليمان بن يسار نفسه كان مكاتبا لأم سلمة رضي الله تعالى عنها وأما سالم الذي في رواية الطحاوي أيضا فهو سالم بن عبد الله النصري بالنون والصاد المهملة أبو عبد الله المدني وهو سالم مولى شداد بن الهاد وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان مولى النصريين وهو سالم سبلان روى عن جماعة من الصحابة منهم عائشة رضي الله تعالى عنها
وقال زيد بن ثابت ما بقي عليه درهم
هذا التعليق وصله الشافعي عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت قال في المكاتب هو عبد ما بقي عليه درهم وقال الطحاوي حدثنا علي بن شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد كان زيد بن ثابت يقول المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته
وقال ابن عمر هو عبد إن عاش وإن مات وإن جنى ما بقي عليه شيء
أي قال عبد الله بن عمر هو عبد أي المكاتب عبد إلى آخره وهذا تعليق وصله الطحاوي عن يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد ومالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء ذكر في أثر ابن عمر ثلاثة أشياء حياة المكاتب وموته وجنايته
أما في حياته فإنه عبد ما بقي عليه شيء من مال الكتابة ولا يعتق إلا بأداء كل البدل عند جمهور العلماء إلا عند ابن عباس فإنه يعتق بنفس العقد وهو غريم المولى بما عليه من بدل الكتابة وعند علي رضي الله تعالى عنه يعتق بقدر ما أدى وبه قالت الظاهرية ويعتق بأدائه جميع الكتابة عندنا وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر وبه قال مالك وأحمد وقال الشافعي لا يعتق ما لم يقل كاتبتك على كذا إن أديته فأنت حر
وأما في موته فإنه إذا مات وله مال لم تنفسخ الكتابة وقضى ما عليه من بدل الكتابة وحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي من ذلك فهو لورثته ويعتق أولاده المولودون في الكتابة وكذا المشترون فيها وهذا عندنا وهو قول علي وابن مسعود والحسن وابن سيرين والنخعي والشعبي وعمرو بن دينار والثوري وقال الشافعي تبطل الكتابة بموت المكاتب عبدا وما ترك لمولاه وبه قال أحمد وهو قول قتادة وأبي سليمان وإذا مات المولى لا تبطل الكتابة ويقال للمكاتب أد المال إلى ورثة المولى على نجومه
وأما في جنايته فإن المولى يدفع قيمة واحدة ولا يزاد عليها وإن تكررت الجناية وكذا في أم الولد والمدير بخلاف القن فإن الدفع يتكرر بتكرر الجناية
4652 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( يحياى بن سعيد ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان ) أن ( بريرة تستعين عائشة ) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فقالت لها إن أحب أهلك أن أصب لهم

(13/123)


ثمنك صبة واحدة فعلت فذكرت بريرة ذالك لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون الولاء لنا قال مالك قال يحياى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذالك لرسول الله فقال اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله اشتريها لأن أمره بالشراء يدل على جواز البيع وهو حجة الشافعي في جواز بيع المكاتب وهو قوله المصري كما ذكرناه عن قريب قوله إلا أن يكون الولاء وفي رواية الكشميهني إلا أن يكون ولاؤك قوله قال يحيى هو ابن سعيد وهو موصول بالإسناد الأول قوله فزعمت عمرة أي قالت والزعم يستعمل بمعنى القول المحقق قوله فإنما الولاء أشار بكلمة إنما التي هي للحصر أن الولاء لمن أعتق لا غير
5 -
( باب إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني فاشتراه لذالك )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال المكاتب لأحد اشترني من مولاي وأعتقني فاشتراه لتلك أي للعتق وجواب إذا محذوف تقديره جاز
5652 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( عبد الواحد بن أيمن ) قال حدثني ( أبي أيمن ) قال ( دخلت على عائشة ) رضي الله تعالى عنها فقلت كنت لعتبة بن أبي لهب ومات وورثني بنوه وإنهم باعوني من ابن أبي عمرو فأعتقني ابن أبي عمرو واشترط بنو عتبة الولاء فقالت دخلت بريرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني وأعتقيني قالت نعم قالت لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي فقالت لا حاجة لي بذلك فسمع بذالك النبي أو بلغه فذكر لعائشة فذكرت عائشة ما قالت لها فقال اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطون ما شاؤا فاشترتها عائشة فأعتقتها واشترط أهلها الولاء فقال النبي الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط
مطابقته للترجمة في قوله اشتريني وأعتقيني وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وقد تكرر ذكره وعبد الواحد ابن أيمن ضد الأيسر المخزومي المكي وأيمن الحبشي مولى ابن أبي عمرو المخزومي وهو من أفراد البخاري وليس له في البخاري سوى خمسة أحاديث هذا وآخران عن عائشة وحديثان عن جابر وكلها متابعة ولم يرو عنه غير ولده عبد الواحد وإيمن الحبشي هذا غير أيمن بن نائل الحبشي وكلاهما مكيان غير أن أيمن والد عبد الواحد نزيل المدينة وأيمن بن نائل نزيل عسقلان وكلاهما من التابعين
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشروط عن خلاد بن يحيى
قوله كنت لعتبة ويروى كنت غلاما لعتبة ولفظ الغلام مقدر في الرواية التي لم يذكر فيها وعتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب الهاشمي أسلم يوم الفتح هو وأخوه معتب ولم يهاجرا من مكة وأخوهما عتيبة بالتصغير مات كافرا قوله بنوه أي بنو عتبة وهم العباس وأبو خراش وهشام ويزيد قوله من ابن أبي عمرو وفي رواية الكشميهني والنسفي من عبد الله بن أبي عمرو وزاد الكشميهني من عبد الله بن أبي عمرو بن عبد الله المخزومي قوله أو بلغه شك من الراوي أي أو بلغ النبي قوله فذكر أي النبي ذلك لعائشة قوله ودعيهم أي اتركيهم ولا تتعرضي لهم فيما يشترطون ما شاؤا من الولاء قوله مائة شرط هو بمعنى المصدر ليوافق الرواية الأخرى مائة مرة والله أعلم بالصواب

(13/124)


بسم الله الرحمان الرحيم
15 -
( كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها )
1 -
( باب الهبة وفضلها والتحريض عليها )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الهبة وبيان فضلها وبيان التحريض عليها وفي رواية الكشميهني وابن شبويه والتحريض فيها واستعماله بعلى أكثر والتحريض على الشيء الحث والإغراء عليه والبسملة مقدمة على قوله كتاب الهبة عند الكل إلا في رواية النسفي فإنها مذكورة بعده وقال صاحب ( التوضيح ) أصل الهبة من هبوب الريح أي مروره قلت هذا غلط صريح بل الهبة مصدر من وهب يهب وأصلها وهب لأنه معتل الفاء كالعدة أصلها وعد فلما حذفت الواو تبعا لفعله عوضت عنها الهاء فقيل هبة وعدة ومعناها في اللغة إيصال الشيء للغير بما ينفعه سواء كان مالا أو غير مال يقال وهبت له مالا ووهب الله فلانا ولدا صالحا ويقال وهبه مالا أيضا ولا يقال وهب منه ويسمى الموهوب هبة وموهبة والجمع هبات ومواهب واتهبه منه إذا قبله واستوهبه إياه إذا طلب الهبة وفي الشرع الهبة تمليك المال بلا عوض وقال الكرماني الهبة تمليك بلا عوض وتحتها أنواع كالإبراء وهي هبة الدين ممن عليه والصدقة وهي الهبة لثواب الآخرة والهدية وهي ما ينقل إلى الموهوب منه إكراما له وأخذ بعضهم كلام الكرماني هذا وذكر التقسيم المذكور بعد أن قال الهبة تطلق بالمعنى الأعم على أنواع ثم قال وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض انتهى قلت تقسيم الهبة إلى الأنواع المذكورة ليس بالنظر إلى معناها الشرعي وإنما هو بالنظر إلى معناها اللغوي لأن الأنواع المذكورة إنما تنطبق على المعنى اللغوي لا الشرعي فافهم
1 - ( حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه تحريضا على الخير إلى أحد ولو كان بشيء حقير وهو داخل في معنى الهبة من حيث اللغة
( ذكر رجاله ) وهم أربعة على رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية الأكثرين خمسة الأول عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب أبو الحسين مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مات سنة إحدى وعشرين ومائتين الثاني محمد بن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام الثالث سعيد المقبري الرابع أبوه كيسان الخامس أبو هريرة وكيسان سقط في رواية الأصيلي والصواب إثباته وقال الدارقطني رواه عن ابن أبي ذئب يحيى القطان وأبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة لم يقل عن أبيه وزاد في أوله تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر وقال غريب وأبو معشر يضعف وقال الطرقي أنه أخطأ فيه حيث لم يقل عن أبيه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه من أهل واسط وأنه من أفراده وبقية الرواة مدنيون وفيه أن أحدهم مذكور بنسبته إلى أحد أجداده كما ذكرنا والآخر مذكور بنسبته إلى مقبرة المدينة لأجل سكناه فيها والحديث أخرجه مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا الليث بن سعيد وحدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله كان يقول يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة
( ذكر معناه ) قوله يا نساء المسلمات ذكر عياض في إعرابه ثلاثة أوجه أصحها وأشهرها نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة قال الباجي وبهذا رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه والموصوف إلى صفته والأعم إلى الأخص كمسجد الجامع وجانب الغربي وهو عند الكوفيين جائز على ظاهره وعند البصريين

(13/125)


يقدرون فيه محذوفا أي مسجد المكان الجامع وجانب المكان الغربي ويقدر هنا يا نساء الأنفس المسلمات أو الجماعات المؤمنات وقيل تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي ساداتهم وأفاضلهم الوجه الثاني رفع النساء ورفع المسلمات على معنى النداء والصفة أي يا أيتها النساء المسلمات قال الباجي كذا يرويه أهل بلدنا الوجه الثالث رفع النساء وكسر التاء من المسلمات على أنه منصوب على الصفة على الموضع كما يقال يا زيد العاقل برفع زيد ونصب العاقل قوله جارة الجارة مؤنث الجار ويقال للزوجة جار لأنها تجاور زوجها في محل واحد وقيل العرب تكني عن الضرة بالجارة تطيرا من الضرر ومنه كان ابن عباس ينام بين جاريته قوله لجارتها ظاهره المرأة التي تجاور المرأة التي تسمى جارة مؤنث الجار وقال الكرماني لجارتها متعلق بمحذوف أي لا تحقرن جارة هدية مهداة لجارتها بالغ فيه حتى ذكر أحقر الأشياء من أبغض البغيضين إذا حمل لفظ الجارة على الضرة وجارتها بالضمير في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر لا تحقرن جارة لجارة بلا ضمير قوله ولو فرسن شاة يعني ولو أنها تهدي فرسن شاة والمراد منه المبالغة في إهداء الشيء اليسير لا حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة في المهاداة به والمقصود أنها تهدي بحسب الموجود عندها ولا يستحقر لقلته لأن الجود بحسب الموجود والوجود خير من العدم هذا ظاهر الكلام ويحتمل أن يكون النهي واقعا للمهدى إليها وأنها لا تحتقر ما يهدى إليها ولو كان حقيرا والفرسن بكسر الفاء وسكون الراء وكسر السين المهملة وفي آخره نون قال ابن دريد هو ظاهر الخف والجمع فراسن وفي المحكم هي طرف خف البعير انتهى حكاه سيبويه في الثلاثي ولا يقال في جمعه فرسنات كما قالوا خناصر ولم يقولوا خنصرات وفي المخصص هو عند سيبويه فعلن ولم يحك في الأسماء غيره وقال أبو عبيد السلامي عظام الفرس كلها وفي الجامع هو من البعير بمنزلة الظفر من الإنسان وفي المغيث هو عظم قليل اللحم وهو للشاة والبعير بمنزلة الحافر للدابة وقيل هو خف البعير وفي الصحاح ربما استعير للشاة وقال ابن السراج النون زائدة وقال الأصمعي الفرسن ما دون الرسغ من يد البعير وهي مؤنثة وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة وإذهاب الشحناء ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة والهدية إذا كانت يسيرة فهي أدل على المودة وأسقط للمؤنة وأسهل على المهدي لإطراح التكليف والكثير قد لا يتيسر كل وقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير
2 - ( حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله نار فقلت يا خالة ما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله جيران من الأنصار كانت لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله من ألبانهم فيسقينا )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وكانوا يمنحون رسول الله من ألبانهم وذلك لأنهم كانوا يهدون إلى رسول الله من ألبان منايحهم وفي الهدية معنى الهبة على معناها اللغوي
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة ونسبته إليه الثاني عبد العزيز بن أبي حازم واسمه سلمة بن دينار الثالث أبوه سلمة بن دينار الرابع يزيد من الزيادة ابن رومان بضم الراء أبو روح مولى آل الزبير بن العوام الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس عائشة أم المؤمنين
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وأنه منسوب إلى أحد أجداده وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية الراوي عن خالته وفيه ثلاثة

(13/126)


من التابعين على نسق واحد الأول أبو حازم سلمة والثاني يزيد بن رومان والثالث عروة وفيه رواية الراوي عن أبيه والحديث رواه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى
( ذكر معناه ) قوله ابن أختي يعني يا ابن أختي وحرف النداء محذوف وفي رواية مسلم والله يا ابن أختي وأم عروة أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهم قوله إن كنا إن هذه مخففة من أن المثقلة فتدخل على الجملتين فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين وإن دخلت على الفعلية وجب إهمالها والأكثر أن يكون الفعل ماضيا ناسخا وههنا كذلك لأنها دخلت على الماضي الناسخ لأن كان من النواسخ واللام في لننظر عند سيبويه والأكثرين لام الابتداء دخلت لتوكيد النسبة وتخليص المضارع للحال وللفرق بين أن المخففة من المثقلة وأن النافية ولهذا صارت لازمة بعد أن كانت جائزة وزعم أبو علي وأبو الفتح وجماعة أنها لام غير لام الابتداء اجتلب للفرق قوله ثلاثة أهلة بالنصب تقديره نرى ثلاثة أهلة ونكملها في شهرين باعتبار رؤية الهلال في أول الشهر الأول ثم برؤيته في أول الشهر الثاني ثم برؤيته في أول الشهر الثالث فيصدق عليه ثلاثة أهلة ولكن المدة ستون يوما وفي الرقاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بلفظ كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وفي رواية ابن ماجة من طريق أبي سلمة عن عائشة بلفظ لقد كان يأتي على آل محمد الشهر ما يرى في بيت من بيوته الدخان قوله وما أوقدت على صيغة المجهول من الإيقاد قوله يا خالة بضم التاء لأنه منادى مفرد قوله ما كان يعيشكم بضم الياء من أعاشه الله تعالى عيشة وقال النووي بفتح العين وكسر الياء المشددة قال وفي بعض النسخ المعتمدة يعني في نسخ مسلم فما كان يقيتكم من القوت صرح بذلك القونوي في مختصر شرح مسلم وقال بعضهم وفي بعض النسخ ما يغنيكم بسكون المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة انتهى ( قلت ) كأنه صحف عليه فجعله من الاغناء وليس هو الأمن القوت فعلى قوله تكون هذه رواية رابعة فتحتاج إلى البيان قوله الأسودان الماء والتمر وهو من باب التغليب إذ الماء ليس أسود وأطلقت عائشة على التمر أسود لأنه غالب تمر المدينة وقال ابن سيدة فسر أهل اللغة الأسودين بالماء والتمر وعندي أنها إنما أرادت الحرة والليل قيل لهما الأسودان لاسودادهما وذلك أن وجود التمر والماء عندهم شبع ورى وخصب وإنما أرادت عائشة أن تبالغ في شدة الحال بأن لا يكون معها إلا الليل والحرة وهذا أذهب في سوء الحال من وجود التمر والماء وقيل الأسودان الماء واللبن وضاف مرثد المدني رضي الله تعالى عنه قوم فقال لهم مالكم عندنا إلا الأسودان قالوا إن في ذلك لمقنعا الماء والتمر فقال ما ذلك أردت والله إنما أردت الحرة والليل ( قلت ) الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء البقل الذي يؤكل غير مطبوخ قوله منائح جمع منيحة بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة وهي ناقة أو شاة تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها عليك وقد تكون المنيحة عطية للرقبة بمنافعها مؤبدة مثل الهبة وقال الفراء منحته منيحة وهي الناقة والشاة يعطيها الرجل لآخر يحلبها ثم يردها وزعم بعضهم أن المنيحة لا تكون إلا ناقة وقال أبو عبيد المنيحة عند العرب على وجهين أن يعطي الرجل صاحب صلة فيكون له وأن يمنحه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها وصوفها زمنا ثم يردها وقال إبراهيم الحربي العرب تقول منحتك الناقة وأنحلتك الوبر وأعريتك النخلة وأعمرتك الدار وهذه كلها هبة منافع يعود بعدها مثلها قوله يمنحون من المنح وهو العطاء يقال منحه يمنحه من باب فتحه يفتحه ومنحه يمنحه من باب ضربه يضربه والاسم المنحة بالكسر وهي العطية وفي الحديث زهد النبي في الدنيا والصبر على التقلل وأخذ البلغة من العيش وإيثار الآخرة على الدنيا وفيه حجة لمن آثر الفقر على الغنى وفيه أن السنة مشاركة الواجد المعدم
2 -
( باب القليل من الهبة )
أي هذا باب في بيان القليل من الهبة وأراد به أن المهدى إليه بشيء قليل لا يستقله ولا يرده لقلته

(13/127)


8652 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( ابن أبي عدي ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت
( الحديث 8652 - طرفه في 8715 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت وذلك يدل على أن القليل من الهدية جائز ولا يرد والهدية في معنى الهبة من حيث اللغة كما ذكرنا وابن أبي عدي هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري وسليمان هو الأعمش وأبو حازم هو سليمان الأشجعي
والحديث من أفراده وأخرجه في الأنكحة بلفظ لأجبت ولو أهدى إلي ذراع لقبلت والكراع من حد الرسغ وهو في البقر والغنم بمنزلة الوظيف في الفرس والبعير وهو مستدق الساق يذكر ويؤنث وادعى ابن التين أن الكراع من الدواب ما دون الكعب من غير الإنسان ومن الإنسان ما دون الركبة وعن ابن فارس كراع كل شيء طرفه وقال أبو عبيد الأكارع قوائم الشاة وأكارع الأرض أطرافها القاصية شبه بأكارع الشاة أي قوائمها وقال بعضهم قيل الكراع اسم مكان قلت الذي قاله هو الغزالي ذكره في ( الإحياء ) بلفظ كراع الغميم وترد ذلك رواية الترمذي من حديث أنس مرفوعا لو أهدي إلي كراع لقبلته ثم صححه وادعى صاحب ( التنقيب على التهذيب ) أن سبب هذا الحديث أن أم حكيم الخزاعية قالت يا رسول الله أتكره الهدية فقال ما أقبح رد الهدية لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت قلت الحديث رواه الطبراني رحمه الله وقال ابن بطال أشار النبي بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلت لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى إليه انتهى والذراع أفضل من الكراع وكان يحب أكله ولهذا سم فيه وإنما كان يحبه لأنه مبادي الشاة وأبعد من الأذى
3 -
( باب من استوهب من أصحابه شيئا )
أي هذا باب في بيان من استوهب من أصحابه شيئا سواء كان عينا أو منفعة والجواب محذوف تقديره جاز بغير كراهة إذا كان يعلم طيب خاطرهم
وقال أبو سعيد قال النبي اضربوا لي معكم سهما
هذا التعليق قطعة من حديث أبي سعيد الخدري في الرقية أخرجه البخاري موصولا بتمامه في كتاب الإجارة في باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب
9652 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ) رضي الله تعالى عنه أن النبي أرسل إلى امرأة من المهاجرين وكان لها غلام نجار قال لها مري عبدك فليعمل لنا أعواد المنبر فأمرت عبدها فذهب فقطع من الطرفاء فصنع له منبرا فلما قضاه أرسلت إلى النبي أنه قد قضاه قال أرسلي به إلي فجاؤا به فاحتمله النبي فوضعه حيث ترون
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أن النبي أرسل إلى امرأة إلى آخره فإن إرساله إليها وقوله لها بأن تأمر غلامها يعمل أعواد المنبر استيهاب فيه من المرأة
وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي المصري وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون واسمه محمد بن مطرف الليثي وأبو حازم سلمة ابن دينار وسهل بن سعد الأنصاري الساعدي
والحديث قد مضى في كتاب الجمعة في باب الخطبة على المنبر وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله أرسل إلى امرأة من الأنصار وفي كثير من النسخ إلى امرأة من المهاجرين وقال

(13/128)


ابن التين أكثر الروايات أنها من الأنصار ولعلها كانت هاجرت وهي مع ذلك أنصارية الأصل وفي أصل ابن بطال أيضا من الأنصار قوله فليعمل أعواد أي ليفعل لنا فعلا في أعواد من نجر وتسوية وخرط يكون منها منبر قوله فلما قضاه أي صنعه وأحكمه وقال الخطابي العبارة عما يعالج من الأشياء ويعتمل تقع بثلاثة ألفاظ هي الفعل والصنع والجعل وأجمعها في المعنى الفعل وأوسعها في الاستعمال الجعل وأخصها في الترتيب الصنع تقول فعل فلان خيرا وفعل شرا ولفظ الجعل يسترسل على الأعيان والصفات ولفظ الصنع يستعمل غالبا فيما يدخله التدبير
0752 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( محمد بن جعفر ) عن ( أبي حازم ) عن ( عبد الله بن أبي قتادة السلمي ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي في منزل في طريق مكة ورسول الله نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غيرر محرم فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذوني به وأحبو لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلاى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح فقالوا لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبات العضد معي فأدركنا رسول الله فسألناه عن ذالك فقال معكم منه شيء فقلت نعم فناولته العضد فأكلها حتى نفدها وهو محرم فحدثني به زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة عن النبي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فقال معكم شيء فإنه في معنى الاستيهاب من الأصحاب قال ابن بطال استيهاب الصيد حسن إذا علم أن نفسه تطيب به وإنما طلب من أبي سعيد وكذا من أبي قتادة وغيرهم ليؤنسهم به ويرفع عنهم اللبس في توقفهم في جواز ذلك وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني وقد تكرر ذكره ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني وأبو حازم هو سلمة بن دينار وأبو قتادة اسمه الحارث السلمي بفتح السين واللام الأنصاري الخزرجي
والحديث قد مضى في كتاب الحج في باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد فأكله ومضى أيضا في ثلاثة أبواب عقيبه كلها متوالية وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
قوله ورسول الله الواو فيه والواو في والقوم والواو في أنا غير محرم كلها للحال قوله وأنا مشغول أخصف نعلي جملة حالية أيضا ومعنى أخصف أخرز قال تعالى وطفقا يخصفان ( الأعراف 22 وطه 121 ) أي يلزقا البعض بالبعض قوله فعقرته من العقر وهو الجرح ولكن المراد ههنا عقره عقرا شديدا حتى مات منه قوله ثم جئت به أي بالحمار المذكور قوله وهم حرم جملة حالية قوله حتى نفدها بتشديد الفاء وبإهمال الدال يريد أكلها حتى أتى عليها يقال نفد الشيء إذا فني وروي بكسر الفاء المخففة ورده ابن التين قوله فحدثني به قائل هذا هو محمد بن جعفر الراوي عن أبي حازم أي حدثني بهذا الحديث زيد ابن أسلم أبو أسامة أيضا عن عطاء بن يسار ضد اليمين أبي محمد الهلالي مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي عن أبي قتادة المذكور عن النبي
4 -
( باب من استسقى )
أي هذا باب في بيان حكم من استسقى ماءا ولبنا وغيرهما وجوابه محذوف تقديره ما حكمه وحكمه يجوز له ذلك مما تطيب به نفس المطلوب منه

(13/129)


وقال سهل قال لي النبي اسقني
سهل هو ابن سعد الأنصاري وهذا التعليق طرف من حديث أوله ذكر للنبي امرأة من العرب فأمر أسيد أن يرسل إليها الحديث وفيه فقال النبي إسقنا يا سهل
5 -
( باب قبول هدية الصيد )
أي هذا باب في بيان جواز قبول هدية الصيد أي هدية صائد الصيد لأنه هو الذي يهدي والصيد نفسه لا يهدي بكسر الدال بل يهدى بفتحها
وقبل النبي من أبي قتادة عضد الصيد
هذا التعليق ذكره موصولا في باب من استوهب من أصحابه شيئا قبل الباب السابق
2752 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( هشام بن زيد بن أنس بن مالك ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا فأدركتها فأخذتها فأتيت بها

(13/130)


أبا طلحة فذبحها وبعث بها إلى رسول الله بوركها أو فخذيها قال فخذيها لا شك فيه فقبله قلت وأكل منه قال وأكل منه ثم قال بعد قبله
مطابقته للترجمة في قوله فقبله وهو ظاهر
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن أبي الوليد وعن مسدد عن يحيى القطان وأخرجه مسلم في الذبائح عن أبي موسى وعن زهير بن حرب وعن يحيى بن حبيب وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن موسى بن إسماعيل وأوله كنت غلاما حزورا قصدت أرنبا وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في الصيد عن إسماعيل بن مسعود وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن بشار
ذكر معناه قوله انفجنا بالنون والفاء والجيم أي أثرناه من مكانه قال الجوهري نفج الأرنب إذا ثار وأنفجته أنا والإنفاج الإثارة يقال أنفجت الأرنب في جحره أي أثرته فثار وأصله من أنفجت الأرنب إذا وثبت فوسعت الخطوة قال الخليل نفج اليربوع ينفج وينفج نفوجا وينتفج وهو أرجى عدوه والأرنب حيوان معروف وكلام الجوهري يقتضي أنه مذكر فإنه قال إذا ثار ولم يقل ثارت وكذا قال في باب الباء الأرنب واحد الأرانب ولم يقل واحدة الأرانب والذي في حديث الباب يقتضي تأنيثه وهي الضمائر التي في أدركتها إلى آخره وهكذا ذكره بعض أهل اللغة بأنه مؤنثة والصحيح أنه يكون للمذكر والأنثى وبه صدر كلامه صاحب ( المحكم ) ثم قال والأرنب الأنثى والخزر الذكر وقال الجوهري في باب الزاي الخزز ذكر الأرانب والجمع خزان مثل صرد وصردان قوله بمر الظهران الباء فيه تتعلق بأنفجنا ومر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء وفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء قال النووي هو موضع قريب من مكة انتهى وهو الذي يعرف اليوم ببطن مر قال الجوهري وبطن مر موضع وهو من مكة على مرحلة وقال الكرماني ومر بفتح الميم وتشديد الراء قرية ذات نخل وزرع والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء وبالراء والنون اسم للوادي وهو على خمسة أميال من مكة إلى جهة المدينة وقال البكري مر مضاف إلى الظهران وبينه وبين البيت ستة عشر ميلا وقال سعيد ابن المسيب كانت منازل عك مر الظهران وببطن مر تخزعت خزاعة عن أخواتها فبقيت بمكة وسارت أخوتها إلى الشام أيام سيل العرم وقال كثير عزة سميت مر لمرارة مائها قوله فلغبوا بفتح الغين المعجمة وكسرها وبالفتح أشهر ومعناه تعبوا وقال الكرماني وفي بعض الرواية فتعبوا من التعب وهو الإعياء وقال الأصمعي تقول العرب لغبت ألغب لغوبا أعييت وقال الداودي لغبوا عطشوا وقال ابن التين ولم يذكره غيره قوله أبا طلحة هو زوج أم أنس رضي الله تعالى عنه واسمها أم سليم قوله بوركها بفتح الواو وكسر الراء وبكسر الواو وإسكان الراء هو ما فوق الفخذ وهو بكسر الخاء وسكونها قوله أو فخذيها شك من الراوي قوله قال فخذيها لا شك فيه وفاعل قال هو شعبة لأن ابن بطال قال شعبة فخذيها لا شك فيه ثم قال فيه دليل على أن شعبة شك في الفخذين أولا ثم استيقن وكذلك شك أخيرا في الأكل فأوقف حديثه على القبول قلت يشير بهذا إلى أنه لا يشك في فخذيها وإنما الشك بين الوركين والفخذين قوله ثم قال بعد قبله أشار به إلى أنه شك في أكله ولم يشك في قبوله وفي ( التوضيح ) شعبة شك في الفخذين أولا ثم استيقن وكذلك شك أخيرا في الأكل قلت ولم يشك في القبول
ذكر ما يستفاد منه فيه إباحة السعي لطلب الصيد فإن قلت روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس من تبع الصيد غفل قلت المراد به من تمادى به طلب الصيد إلى أن فاتته الصلاة أو غيرها من مصالح دينه ودنياه وفيه أنه إذا طلب جماعة الصيد فأدركه بعضهم وأخذه يكون ملكا له ولا يشاركه فيه من شاركه في طلبه وفيه في لفظ الترمذي وغيره فذبحها بمروة صحة الذبح بالمروة ونحوها إذا كان لها حد يذكى به الصيد فإن قتله بثقله لم يحل وفيه أنه لا بأس بإهداء الصاحب لصاحبه الشيء اليسير وإن كان المهدى إليه عظيما إذا علم من حاله محبة ذلك منه وفيه الأخبار عمن أهدى إليه شيء مما يؤكل فقبله أنه أكله كما فعل أنس وفيه إباحة أكل الأرنب وهو قول الأئمة الأربعة وكافة العلماء إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعكرمة مولى ابن عباس أنهم كرهوا

(13/131)


أكلها
وقال الترمذي وقد كره بعض أهل العلم أكل الأرنب وقالوا إنها تدمى انتهى قلت رواية عن أصحابنا كراهة إكله والأصح قول العامة وورد في إباحته أحاديث كثيرة منها حديث جابر بن عبد الله رواه البيهقي أن غلاما من قومه صار أرنبا فذبحها بمروة فعلقها فسأل رسول الله عن أكلها فأمره بأكلها ومنها حديث عمار بن ياسر رواه أبو يعلى في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية ابن الحوتكية أن رجلا سأل عمر رضي الله تعالى عنه عن الأرنب فأرسل إلى عمار فقال كنا مع رسول الله ونزلنا في موضع كذا وكذا فأهدى له رجل من الأعراب أرنبا فأكلناها فقال الأعرابي إني رأيت دما فقال النبي لا بأس وحديث محمد بن صفوان رواه النسائي وابن ماجه من رواية الشعبي عنه أنه مر على النبي بأرنبين فعلقهما فقال يا رسول الله إني أصبت هذين الأرنبين فلم أجد حديدة أذكيهما بها فذكيتهما بمروة أفآكل قال كل لفظ ابن ماجه رحمه الله وحديث محمد بن صيفي رواه ابن أبي شيبة من رواية الشعبي عنه قال أتيت النبي بأرنبين فذبحتهما بمروة فأمرني بأكلهما وحديث ابن عباس رواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) من رواية أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت ابن عباس يقول أهديت لرسول الله أرنبا وعائشة نائمة فرفع لها منها الفخذ فلما انتبهت أعطاها إياه فأكلته وحديث عبد الله بن عمرو رواه أبو داود من رواية محمد عن خالد عن أبيه خالد بن الحويرث أن عبد الله بن عمرو كان بالصفاح قال محمد مكان بمكة وأن رجلا جاء بأرنب قد صادها فقال يا عبد الله بن عمرو ما تقول قال قد جيء بها إلى رسول الله وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها وزعم أنها تحيض وحديث عمر وأبي الدرداء وأبي ذر رضي الله تعالى عنهم رواه البيهقي في ( سننه ) من رواية حكيم بن جبير عن موسى بن طلحة قال عمر لأبي ذر وعمار وأبي الدرداء أتذكرون يوم كنا مع رسول الله بمكان كذا وكذا فأتاه أعرابي بأرنب فقال يا رسول الله إني رأيت بها دما فأمرنا بأكلها ولم يأكل قالوا نعم الحديث وحديث أبي هريرة رواه النسائي عنه قال جاء أعرابي إلى النبي بأرنب قد شواها فلم يأكل وأمر القوم أن يأكلوا الحديث وحديث خزيمة ابن جزء رواه ابن ماجه عنه قال قلت يا رسول الله جئت لأسألك عن أجناس الأرض وفيه قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب قال لا آكله ولا أحرمه قلت فإني آكل ما لم يحرم ولم يا رسول الله قال تبينت أنها تدمي وحديث عبد الله ابن معقل رواه الطبراني عنه أنه سأل رسول الله فذكر حديثا قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب قال لا آكلها ولا أحرمها
6 -
( باب قبول الهدية )
3752 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود ) عن ( عبد الله بن عباس ) عن ( الصعب بن جثامة ) رضي الله تعالى ( عنهم ) أنه أهداى لرسول الله حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرد عليه فلما رأى ما في وجهه قال أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم
مطابقته للترجمة في قوله أنه أهدي لرسول الله وقال بعضهم وشاهد الترجمة منه مفهوم قوله لم نرده عليك إلا إنا حرم فإن مفهومه أنه لو لم يكن محرما لقبله منه انتهى قلت الذي ذكرته أوجه لأن الترجمة في قبول هدية الصيد والقبول لا يكون إلا بعد الإهداء ورد النبي إياها لم يكن إلا لأجل كونه محرما لا لأجل أنه لم يجوز قبولها أصلا نعم هذا الذي ذكره ربما يمشي على رواية أبي ذر فأن عنده على رأس هذا الحديث باب قبول الهدية وليس هذا في رواية الباقين وهو الصواب وهذا الحديث مر في كتاب الحج في باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل بعين هذا المتن والإسناد غير أن هناك عن عبد الله بن يوسف وهنا عن إسماعيل بن أبي أويس والله أعلم
قوله بالأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد اسم مكان بين مكة والمدينة قوله أو بودان شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد

(13/132)


الدال وبالنون وهو أيضا اسم مكان بين مكة والمدينة قوله إنا لم نرده يجوز فيه فك الإدغام والإدغام بفتح الدال وضمها وإنما قبل الصيد من أبي قتادة ورده على الصعب مع أنه كان في الحالين محرما لأن المحرم لا يملك الصيد ويملك مذبوح الحلال لأنه كقطعة لحم لم يبق في حكم الصيد
7 -
( باب قبول الهدية )
أي هذا باب في بيان حكم قبول الهدية هذا هكذا ثبت في رواية أبي ذر قال بعضهم هو تكرار بغير فائدة قلت لا نسلم ذلك لأن الباب الذي ثبت في رواية أبي ذر على رأس حديث الصعب بن جثامة وهو هدية الصيد خاصة وهذا الباب أعم من أن تكون هدية الصيد أو هدية غيره من الأشياء التي تهدى ووقع في رواية النسفي باب من قبل الهدية
4752 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا عبدة قال حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بها أو يبتغون بذالك مرضاة رسول الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو واضح لمن له تأمل وحسن نظر
و ( إبراهيم بن موسى ) بن يزيد الفراء الرازي يعرف بالصغير و ( عبدة ) بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة ابن سليمان مر في الصلاة و ( هشام ) هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة عن ( عائشة )
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن إسحاق بن إبراهيم
قوله كانوا يتحرون من التحري وهو القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول قوله يوم عائشة يعني يوم نوبتها قوله يبتغون جملة حالية أي يطلبون من البغية وهو الطلب ويروى يتبعون بالتاء المثناة من فوق المشددة وكسر الباء الموحدة وبالعين المهملة من الإتباع قوله بذلك أي بتحريهم بهداياهم يوم عائشة يعني يوم يكون النبي عند عائشة في يوم نوبتها قوله مرضاة رسول الله بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى الرضا
وفي هذا الحديث جواز تحري الهداية ابتغاء مرضاة المهدى إليه وفيه الدلالة على فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
5752 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( جعفر بن إياس ) قال سمعت ( سعيد بن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي أقطا وسمنا وأضبا فأكل النبي من الأقط والسمن وترك الضب تقذرا قال ابن عباس فأكل على مائدة رسول الله ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله فأكل النبي من الأقط والسمن وأكله دليل على قبول هدية أم حفيد وآدم هو ابن أبي إياس عبد الرحمن أصله من خراسان سكن عسقلان وهو من أفراده وجعفر بن إياس بكسر الهمزة وتحفيف الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة المشهور بابن أبي وحشية ضد الأنسية مر في العلم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن مسلم وفيه عن أبي النعمان وفي الاعتصام عن موسى وأخرجه مسلم في الذبائح عن بندار وأبي بكر ابن نافع وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن حفص بن عمرو وأخرجه النسائي في الصيد وفي الوليمة عن زياد بن أيوب
ذكر معناه قوله أم حفيد بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة واسمها هزيلة مصغر هزلة بالزاي وهي أخت ميمونة أم المؤمنين وكانت تسكن البادية قوله أقطا بفتح الهمزة وكسر القاف بعدها طاء مهملة وهو لبن يابس مجفف مستحجر يطبخ به قوله وأضبا جمع ضب بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة مثل فلس وأفلس وفي ( المحكم ) الضب دويبة والجمع ضباب وأضب ومضبة على وزن مفعلة كما قالوا

(13/133)


للشيوخ مشيخة وفي المثل أعق من الضب لأنه ربما أكل حسو له والأنثى ضبة والضب لا يشرب ماء قوله فأكل على صيغة المجهول أي فأكل الضب قوله على مائدة رسول الله قال الداودي يعني القصعة والمنديل ونحوهما لأن أنسا قال ما أكل على خوان وأصل المائدة من الميد وهو العطاء يقال مادني يميدني وقال أبو عبيد هي فاعلة بمعنى مفعولة من العطاء وقال الزجاج هو عندي من ماد يميد إذا تحرك وقال ابن فارس هو من ماد يميد إذا أطعم قال والخوان مما يقال إنه إسم أعجمي غير أني سمعت إبراهيم بن علي القطان يقول سئل ثعلب وأنا أسمع أيجوز أن يقال إن الخوان سمي بذلك لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص به فقال ما يبعد ذلك قوله تقذرا نصب على التعليل أي لأجل التقذر يقال قذرت الشيء وتقذرته واستقذرته إذا كرهته
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الإهداء وقبول الهدية وفيه من احتج بقول ابن عباس على جواز أكل الضب لأنه قال لو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله قالت الشافعية وهو احتجاج حسن وهو قول الفقهاء كافة ونص عليه مالك في ( المدونة ) وعنه رواية بالمنع وقد روى مالك في حديث الضب أنه أمر ابن عباس وخالد بن الوليد بأكله في بيت ميمونة وقالا له ولم لا تأكل يا رسول الله فقال إني يحضرني من الله حاضرة يعني الملائكة الذين يناجيهم ورائحة الضب ثقيلة فلذلك تقذره خشية أن تؤذي الملائكة بريحه وقال ابن بطال إنه يجوز للإنسان أن يتقذر ما ليس بحرام عليه لقلة عادته بأكله أو لوهمه وقال صاحب ( الهداية ) يكره أكل الضب لأن النبي نهى عائشة رضي الله تعالى عنها حين سألته عن أكله قلت هذا رواه محمد بن الحسن عن الأسود عن عائشة أنه أهدي له ضب فلم يأكله فسألته عن أكله فنهاني فجاءني سائل على الباب فأرادت عائشة أن تعطيه فقال ما لا تأكليه والنهي يدل على التحريم وروي عن عبد الرحمن بن شبل أخرجه أبو دادو في الأطعمة عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن سريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله نهى عن أكل لحم الضب فإن قلت قال البيهقي تفرد ابن عياش وليس بحجة وقال ابن المنذري إسماعيل بن عياش وضمضم فيهما مقال وقال الخطابي ليس إسناده بذاك قلت ضمضم حمصي
وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حديثه صحيحا كذا قال البخاري ويحيى بن معين وغيرهما وكذا قال البيهقي في باب ترك الوضوء من الدم في ( سننه ) وكيف يقول هنا وليس بحجة ولما أخرج أبو داود هذا الحديث سكت عنه وهو حسن صحيح عنده وقد صحح الترمذي لابن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة وشرحبيل شامي وروى الطحاوي في ( شرح الآثار ) مسندا إلى عبد الرحمن بن حسنة قال نزلنا أرضا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها وإن القدور لتغلي بها إذ جاء رسول الله فقال ما هذا فقلنا ضباب أصبناها وقال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض إني أخشى أن تكون هذه فأكفؤها وقال أصحابنا الأحاديث التي وردت بإباحة أكل الضب منسوخة بأحاديثنا ووجه هذا النسخ بدلالة التاريخ وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر والآخر موجبا للإباحة مثل ما نحن فيه والتعارض ثابت من حيث الظاهر ثم ينتفي ذلك بالمصير إلى دلالة التاريخ وهو أن النص الموجب للحظر يكون متأخرا عن الموجب للإباحة فكان الأخذ به أولى ولا يمكن جعل الموجب للإباحة متأخرا لأنه يلزم منه إثبات النسخ مرتين فافهم
6752 - حدثنا ( إبراهيم بن المنذر ) قال حدثنا ( معن ) قال حدثني ( إبراهيم بن طهمان ) عن ( محمد ابن زياد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله إذا أتي بطعام سأل عن أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم

(13/134)


مطابقته للترجمة في قوله وإن قيل هدية إلى آخره لأن أكله معهم يدل على قبول الهدية ورجاله كلهم قد ذكروا ومعن هو ابن عيسى بن يحيى القزاز المدني قوله إذ أتي بطعام زاد أحمد وابن حبان من طريق ابن سلمة عن محمد بن زياد من غير أهله قوله ضرب بيده أي شرع في الأكل مسرعا ومثله ضرب في الأرض إذا أسرع السير وقال ابن بطال إنما لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس ولأن أخذ الصدقة منزلة دنية لقوله اليد العليا خير من اليد السفلى وأيضا لا تحل الصدقة للأغنياء وقال تعالى ووجدك عائلا فأغنى ( الضحى 7 )
7752 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال أتي النبي بلحم فقيل تصدق على بريرة قال هو لها صدقة ولنا هدية
( انظر الحديث 5941 )
مطابقته للترجمة في قوله ولنا هدية أي حيث أهدت بريرة إلينا فهو هدية وذلك لأن الصدقة يجوز فيها تصرف الفقير بالبيع والهدية وغير ذلك لصحة ملكه لها كتصرفات سائر الملاك في أملاكهم وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون هو محمد بن جعفر وقد تكرر ذكره والحديث أخرجه البخاري أيضا في الزهد عن وكيع وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر وأبي كريب وعن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو داود عن عمرو بن مرزوق وأخرجه النسائي في العمري عن إسحاق بن إبراهيم
8752 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن عبد الرحمان بن القاسم قال سمعته منه عن القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها فذكر للنبي فقال النبي اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق وأهدي لها لحم فقال النبي هذا تصدق به على بريرة هو لها صدقة ولنا هدية وخيرت قال عبد الرحمان زوجها حر أو عبد قال شعبة ثم سألت عبد الرحمان عن زوجها قال لا أدري أحر أم عبد
مطابقته للترجمة في قوله ولنا هدية لأن التحريم يتعلق بالصفة لا بالذات وقد تغير ما تصدق به على بريرة بانتقاله إلا إلى ملكها وخروجه عن ملك المتصدق
والحديث أخرجه مسلم في العتق عن أحمد بن عثمان النوفلي وفي الزكاة بقصة الهدية عن محمد بن المثنى عن غندر كلاهما عن شعبة وأخرجه النسائي في البيوع وفي الفرائض عن محمد بن بشار به وفي الطلاق والشروط عن محمد بن إسماعيل وقد مر الكلام في معنى صدر الحديث في مواضع كثيرة
قوله فقال النبي هذا تصدق به على بريرة هو لها صدقة ولنا هدية هذا هكذا في رواية الأكثرين ووقع في رواية أبي ذر الهروي فقيل للنبي هذا تصدق به على بريرة فقال النبي هو لنا صدقة ولنا هدية قوله وخيرت أي بريرة صارت مخيرة بين أن تفارق زوجها وأن تبقى تحت نكاحها قوله قال عبد الرحمن هو ( عبد الرحمن بن القاسم ) الراوي المذكور قوله لا أدري أحر أم عبد أي قال عبد الرحمن لا أدري زوج بريرة هل هو حر أو عبد والمشهور أنه عبد وهو قول مالك والشافعي وعليه أهل الحجاز وهو ما ذكره النسائي عن ابن عباس واسمه مغيث وخالف أهل العراق فقالوا كان حرا والله تعالى أعلم وقد مر الكلام فيه
9752 - حدثنا ( محمد بن مقاتل أبو الحسن ) قال أخبرنا ( خالد بن عبد الله ) عن ( خالد الحذاء ) عن ( حفصة بنت سيرين ) عن أم ( عطية ) قالت دخل النبي على عائشة رضي الله تعالى عنها فقال له عندكم شيء قالت لا إلا شيء بعثت به أم عطية من الشاة التي بعثت إليها من الصدقة قال إنها قد بلغت محلها
( انظر الحديث 6441 وطرفه )

(13/135)


مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى قوله إنها بلغت محلها لأن معناه قد زال عنها حكم الصدقة وصارت حلالا لنا وخالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي يروي عن خالد بن مهران الحذاء وأم عطية اسمها نسيبة بضم النون وقيل بفتحها وكذا وقع بالفتح في رواية الإسماعيلي من رواية وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله والحديث قد مر في كتاب الزكاة في باب إذا تحولت الصدقة فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن يزيد بن زريع عن خالد عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله بعثت به أم عطية على صيغة المعلوم وقوله بعثت إليها على صيغة المعلوم قوله محلها بفتح الحاء وفي رواية الكشميهني بكسرها وهو يقع على الزمان والمكان
8 -
( باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض )
أي هذا باب في بيان إهداء من أهدى إلى أحد من أصحابه وتحرى أي قصد بعض نسائه يعني أراد أن يكون إهداؤه إلى صاحبه يوم يكون صاحبه عند واحدة منهن
0852 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان الناس يتحرون بهداياهم يومي وقالت أم سلمة إن صواحبي اجتمعن فذكرت له فأعرض عنها
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى قول عائشة كان الناس يتحرون بهداياهم يومي وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة ابن الزبير وفي بعض النسخ عن هشام بن عروة عن أبيه
والحديث أخرجه البخاري هنا مختصرا وأخرجه في فضل عائشة مطولا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وأخرجه الترمذي في المناقب عن يحيى بن درست
قوله يومي أي يوم نوبتي لرسول الله وأم سلمة هي هند إحدى زوجات النبي قوله إن صواحبي أرادت به بقية أزواج النبي وكان اجتماعهن عند أم سلمة وقلن لها خبري رسول الله أن يأمر الناس بأن يهدوا له حيث كان فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله فأعرض عنها يعني لم يلتفت إلى ما قالت له ويروى فأعرض عنهن أي عن أزواجه البقية وذكر ابن سعد في ( طبقات النساء ) من حديث أم سلمة قالت كان الأنصار يكثرون إلطاف رسول الله سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وعمارة بن حزم وأبو أيوب وذلك لقرب جوارهم من رسول الله
1852 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن نساء رسول الله كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله أخرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهدها إليه حيث كان من بيوت نسائه فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن

(13/136)


لها فكلميه قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة قالت فقالت أتوب إلاى الله من أذاك يا رسول الله ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله فأرسلت إلى رسول الله تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته فقال يا بنية ألا تحبين ما أحب قالت بلاى فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن ارجعي إليه فأبت أن ترجع فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى أن رسول الله لينظر إلى عائشة هل تكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها قالت فنظر النبي إلى عائشة وقال إنها بنت أبي بكر
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وكان المسلمون قد علموا إلى قوله إلى رسول الله في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسماعيل بن أبي أويس الثاني أخوه هو أبو بكر عبد الحميد ابن أبي أويس مر في العلم الثالث سليمان بن بلال مر في الإيمان الرابع هشام بن عروة الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية الأخ عن الأخ وفيه رواية الابن عن الأب وقد تابع البخاري في السند المذكور حميد بن زنجويه في رواية أبي نعيم وإسماعيل القاضي في رواية أبي عوانة فروياه عن إسماعيل كما قال وخالفهم محمد بن يحيى الذهلي فرواه إسماعيل حدثني سليمان فحذف الواسطة بين إسماعيل وسليمان وهو أخو إسماعيل عبد الحميد
ذكر معناه قوله حزبين تثنية حزب وهو الطائفة ويجمع على أحزاب قوله عائشة هي بنت أبي بكر الصديق وحفصة هي بنت عمر بن الخطاب وصفية بنت حيي الخيبرية وسودة بنت زمعة العامرية قوله أم سلمة هي بنت أبي أمية قوله وسائر نساء رسول الله أي وبقية نسائه وهي الأربع زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية وجويرية بنت الحارث المصطلقية قوله يكلم الناس يجوز بالجزم وبالرفع قوله فيقول تفسير لقوله يكلم قوله فليهدها إليه وفي رواية الكشميهني فليهد بلا ضمير قوله بما قلن أي بالذي قلنه قوله حين دار إليها أي إلى عائشة أراد يوم كونه في نوبة عائشة في بيتها قوله فكلمته أي فكلمت أم سلمة رسول الله فقال لها رسول الله لا تؤذيني في عائشة كلمة في ههنا للتعليل كما في قوله تعالى فذلكن الذي لمتنني فيه ( يوسف 23 ) وفي الحديث أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها قوله قالت فقالت أي قالت عائشة فقالت أم سلمة أتوب إلى الله قوله ثم إنهن أي إن نساء النبي اللاتي هن الحزب الآخر قوله دعون أي طلبن فاطمة رضي الله تعالى عنها وفي رواية الكشميهني دعين قوله تقول أي فاطمة تقول لرسول الله إن نساءك ينشدنك الله العدل أي يسألنك بالله العدل ومعناه التسوية بينهن في كل شيء من المحبة وغيرها هكذا قاله بعضهم ولكن المعنى التسوية بينهن في المحبة المتعلقة بالقلب لأنه كان يسوي بينهن في الأفعال المقدورة وأجمعوا على أن محبتهن

(13/137)


لا تكليف فيها ولا يلزمه فيها لأنها لا قدرة عليها وإنما يؤمر بالعدل في الأفعال حتى اختلفوا في أنه هل يلزمه القسم بين الزوجات أم لا وفي رواية الأصيلي يناشدنك الله العدل وفي رواية مسلم عن ابن شهاب أخبرني محمد بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام قالت أرسلت أزواج النبي فاطمة بنت رسول الله إلى رسول الله فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلني يسألنك العدل في بنت أبي قحافة وأنا ساكتة قالت فقال لها رسول الله ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبي هذه قالت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله فرجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في بنت أبي قحافة فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدا قالت عائشة فأرسل أزواج النبي زينب بنت جحش زوج النبي وهي التي كانت تساميني منهن من المنزلة عند رسول الله لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب إلى الله ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع الفيئة قالت فاستأذنت على رسول الله مع عائشة على الحال الذي دخلت فاطمة عليها وجوبها فإذن لها رسول الله فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت أبي قحافة قالت ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله لا يكره أن أنتصر قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حتى انهيت عليها قالت فقال رسول الله وتبسم إنها بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه وإنما سقت حديث مسلم بكماله لأنه كالشرح لحديث البخاري مع زيادات فيه وسأشرح بعض ما فيه قوله يا بنية تصغير إشفاق قوله فأتته أي فأتت زينب رسول الله قوله فأغلظت أي في كلامها قوله في بنت أبي قحافة بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبالفاء هي كنية والد أبي بكر رضي الله تعالى عنه واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب واسم أبي بكر عبد الله يلتقي مع رسول الله في مرة بن كعب قوله حتى تناولت أي تعرضت قوله وهي قاعدة جملة حالية أي عائشة قاعدة وفي رواية النسائي وابن ماجه مختصرا من طريق عبد الله البهي عن عروة عن عائشة قالت دخلت علي زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي فأبت فقال سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها انتهى يحتمل أن تكون هذه قضية أخرى قوله وقال إنها بنت أبي بكر أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها وقيل معناه هي أجود فهما وأدق نظرا منها وفيه الاعتبار بالأصل في مثل هذه الأشياء وفيه لطيفة أخرى وهي أنه نسبها إلى أبيها في معرض المدح ونسبت فيما تقدم إلى أبي قحافة حيث لما أريد النيل منها ليخرج أبو بكر رضي الله تعالى عنه من الوسط إذ ذاك ولئلا يهيج ذكره المحبة قوله في رواية مسلم تساميني بالسين المهملة أي تضاهيني في المنزلة من السمو وهو الارتفاع قوله ما عدا سورة من حدة بالحاء المهملة وهو العجلة بالغضب ويروى من حد بدون الهاء وهو شدة الخلق وصحف صاحب ( التحرير ) فروى سودة بالدال وجعلها بنت زمعة وهو ظاهر الغلط قوله تسرع منها الفيئة بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الهمزة وهو الرجوع من فاء إذا رجع ومعنى كلامها أنها كاملة الأوصاف إلا في شدة خلق بسرعة غضب ومع ذلك يسرع زوالها عنها قوله لم أنشبها أي لم أهملها حتى أنحيت بالنون والحاء المهملة أي قصدتها بالمعارضة ويروى حين أنحيت ورجح القاضي هذه الرواية وما ثم موضع ترجح ويروى أثختها بالثاء المثلثة والخاء المعجمة وبالنون أي قطعتها وغلبتها قوله وتبسم جملة وقعت حالا
ذكر ما يستفاد منه فيه فضيلة عظيمة لعائشة رضي الله تعالى عنها وفيه أنه لا حرج على الرجل في إيثار بعض نسائه بالتحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة كذا روي عن المهلب واعترض على ذلك بأنه

(13/138)


لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وإنما لم يمنعهم النبي لأنه ليس من كمال الأخلاق التعرض لمثل هذا على أن حال النبي يشعر بأنه كان يشركهن في ذلك ولم تقع المنافسة إلا لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة وفيه تجرى الناس بالهدايا في أوقات المسرة ومواضعها من المهدى إليه ليزيد بذلك في سرورة وفيه أن الرجل يسعه السكوت بين نسائه إذا تناظرن في ذلك ولا يميل مع بعضهن على بعض كما سكت حين تناظرت زينب وعائشة ولكن قال في الأخير إنها بنت أبي بكر وفيه إشارة إلى التفضيل بالشرف والعز وفيه جواز التشكي والترسل في ذلك وفيه ما كان عليه أزواج النبي من مهابته والحياء منه حتى راسلنه بأعز الناس عنده فاطمة رضي الله تعالى عنها وفيه إدلال زينب بنت جحش على النبي لكونها كانت بنت عمته كانت أمها أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب وقال الداودي فيه عذر النبي لزينب قيل لا ندري هذا من أين أخذه وقيل يمكن أنه أخذه من مخاطبتها النبي لطلب العدل مع علمها بأنه أعدل الناس لكن غلبت عليها الغيرة فلم يؤاخذها النبي بإطلاق ذلك وإنما خص زينب بالذكر لأن فاطمة رضي الله تعالى عنها كانت حاملة رسالة خاصة بخلاف زينب فإنها شريكتهن في ذلك بل كانت رأسهن لأنها هي التي تولت إرسال فاطمة أولا ثم سارت بنفسها
قال البخاري الكلام الأخير قصة فاطمة يذكر عن هشام بن عروة عن رجل عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمان
لما تصرف الرواة في هذا الحديث بالزيادة والنقص حتى إن منهم من جعله ثلاثة أحاديث قال البخاري الكلام الأخير قصة فاطمة إلى آخره يذكره عن هشام بن عروة عن رجل وهو مجهول عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وقال الكرماني الرجل المجهول مذكور على طريق الشهادة والمتابعة واحتمل فيها ما لا يحتمل في الأصول
وقال أبو مروان عن هشام عن عرزة كان الناس يتحرون يوم عائشة وعن هشام عن رجل من قريش ورجل من الموالي عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام قالت عائشة كنت عند النبي فاستأذنت فاطمة رضي الله تعالى عنها
أبو مروان هو يحيى بن أبي زكريا الغساني سكن واسطا مات سنة تسعين ومائة وقال الكرماني وقيل إنه محمد بن عثمان العثماني وهو وهم قلت هذا أيضا يكنى أبا مروان لكنه لم يدرك عن هشام بن عروة وإنما يروي عنه بواسطة وروى عن هشام أيضا بطريق آخر رواه حماد بن سلمة عنه عن عوف بن الحارث عن أخيه رميثة
عن أم سلمة أن نساء النبي قلن لها إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة الحديث أخرجه أحمد
9 -
( باب ما لا يرد من الهدية )
أي هذا باب في بيان ما يرد من الهدية
2852 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( عزرة بن ثابت الأنصاري ) قال حدثني ( ثمامة بن عبد الله ) قال دخلت عليه فناولني طيبا قال كان أنس رضي الله تعالى عنه لا يرد الطيب قال وزعم أنس أن النبي كان لا يرد الطيب
( الحديث 2852 - طرفه في 9295 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه أوضح ما في الترجمة من الإبهام لأن قوله ما لا يرد من الهدية غير معلوم فالحديث أوضحه

(13/139)


وهو أن المراد منه الطيب قال الجوهري الطيب ما يتطيب به قلت هذا بكسر الطاء وسكون الياء وأما الطيب بفتح الطاء وتشديد الياء المكسورة فهو خلاف الخبيث تقول طاب الشيء يطيب طيبة وتطيابا
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد الثاني عبد الوارث بن سعيد الثالث عزرة بفتح العين المهملة وسكون الزاي وبالراء ابن ثابت الأنصاري الرابع ثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة الخامس أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع واحد وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه رواية الراوي عن جده فإن ثمامة روى عن جده أنس بن مالك
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أبي نعيم الفضل بن دكين وأخرجه الترمذي في الاستئذان في باب ما جاء في كراهية رد الطيب حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا عزرة بن ثابت عن ثمامة بن عبد الله قال كان أنس لا يرد الطيب وقال أنس إن النبي كان لا يرد الطيب وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي في الوليمة وفي الزينة عن إسحاق بن إبراهيم عن وكيع
قوله قال دخلت عليه أي قال عزرة بن ثابت دخلت على ثمامة بن عبد الله بن أنس وقد وهم صاحب ( التوضيح ) حيث قال الضمير في عليه يرجع إلى أنس قوله فناولني طيبا أي فناولني ثمامة طيبا وقد ذكرنا أن الطيب في اللغة ما يتطيب به وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ثلاث لا ترد الوسائد والدهن واللبن وقال هذا حديث غريب وهذا الذي ذكره أيضا مما لا يرد وإنما لم يذكره لأنه ليس على شرطه قوله قال وزعم أنس أي قال والزعم يستعمل للقول قال ابن بطال رحمه الله إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة ولذلك كان لا يأكل الثوم وما يشاكله قال بعضهم لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه وليس كذلك فإن أنسا اقتدى به في ذلك وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن قال ريحان بدل طيب انتهى قلت إذا انتفت الخصوصية لا ينافي أن يكون من جملة السبب في ترك رده استصحاب شيء طيب الرائحة للملك وللخلق
01 -
( باب من رأى الهبة الغائبة جائزة )
أي هذا باب في بيان حكم من رأى الهبة أي التي توهب لأن نفس الهبة مصدر كما ذكرنا فلا يوصف بالغيبة وفي بعض النسخ من رأى الهدية الغائبة جائزة والأول أصوب على ما لا يخفى
4852 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال ذكر ( عروة ) أن ( المسور بن مخرمة ) رضي الله تعالى عنهما ( ومروان ) قال أخبراه أن النبي حين جاءه وفد هوازن قام في الناس فأثناى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم جاؤنا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذالك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفىء الله علينا فقال الناس طيبنا لك
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث فإن فيه أنهم تركوا ما غنموه من السبي من قبل أن يقسم وذلك في معنى الغائب وتركهم إياه في معنى الهبة وفيه تعسف شديد من وجوه الأول أنهم ما ملكوا شيئا قبل القسمة وإن كانوا استحقوه والثاني إطلاق الهبة على الترك بعيد جدا والثالث أنه هبة شيء مجهول لأن ما يستحق كل واحد منهم قبل القسمة غير معلوم والرابع توصيف الهبة بالعيبة وفيه ما فيه وهذه التعسفات كلها من وضع هذه الترجمة على الوجه المذكور
وهذا الحديث قطعة من حديث المسور ومروان في قصة هوازن وقد مر الحديث في كتاب العتق في باب من ملك من العرب رقيقا فوهب

(13/140)


وباع وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك
قوله ومن أحب أن يكون على حظه أي نصيبه وجواب من التي هي للشرط محذوف يدل عليه السياق في جواب الشرط الأول وهو قوله فليفعل وقال ابن بطال فيه أن للسلطان أن يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف ورد بأنه ليس في الحديث ما ذكره بل فيه أنه فعل ذلك بعد تطييب نفوس الغانمين
11 -
( باب المكافأة في الهبة )
أي هذا باب في بيان المكافأة وهي إعطاء العوض في الهبة والمكافأة مفاعلة من كافأ يكافيء وأصلها بالهمزة وقد يلين وكل شيء ساوى شيئا حتى يكون مثله فهو مكافىء له ومنه التكافؤ وهو الاستواء
5852 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا عيساى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله يقبل الهدية ويثيب عليها
مطابقته للترجمة إنما تتأتى إذا أريد بلفظ الهبة في الترجمة معناها الأعم وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عروة
والحديث أخرجه أبو داود في البيوع عن علي بن بحر وعبد الرحيم بن مطرف وأخرجه الترمذي في البر عن يحيى بن أكثم وعلي بن خشرم وفي الشمائل عن علي بن خشرم وغير واحد كلهم عن ( عيسى بن يونس ) به
قوله عن ( هشام ) وفي رواية الإسماعيلي عن عيسى بن يونس حدثنا هشام قوله ويثيب عليها من أثاب يثيب أي يكافىء عليها بأن يعطي صاحبها العوض والمكافأة على الهدية مطلوبة اقتداء بالشارع قال صاحب ( التوضيح ) وعندنا لا يجب فيها ثواب مطلقا سواء وهب الأعلى للأدنى أو عكسه أو للمساوي قال المهلب والهدية ضربان للمكافأة فهي بيع ويجبر على دفع العوض ولله تعالى وللصلة فلا يلزم عليه مكافأة وإن فعل فقد أحسن
واختلف العلماء فيمن وهب هبة ثم طلب ثوابها وقال إنما أردت الثواب فقال مالك ينظر فيه فإن كان مثله من يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك مثل هبة الفقير للغني والغلام لصاحبه والرجل لامرأته ومن فوقه وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة لا يكون له إذا لم يشرطه وهو قول الشافعي الثاني واحتج مالك بحديث الباب والاقتداء به واجب قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( الأحزاب 12 ) وروى أحمد في ( مسنده ) وابن حبان في ( صحيحه ) من حديث ابن عباس أن أعرابيا وهب للنبي فأثابه عليها وقال رضيت فقال لا فزاده قال رضيت قال لا فزاده قال رضيت قال نعم قال النبي إني لا أتهب هبة إلا من قريشي أو أنصاري أو ثقفي وعن أبي هريرة نحوه رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال حسن وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وهو دال على الثواب فيها وإن لم يشرط لأنه أثابه وزاده فيه حتى بلغ رضاه واحتج به من أوجبه قال ولو لم يكن واجبا لم يثبه ولم يزده ولو أثاب تطوعا لم تلزمه الزيادة وكان ينكر على الأعرابي طلبها قلت طمع في مكارم أخلافه وعادته في الإثابة وقال ابن التين إذا شرط الثواب أجازه الجماعة إلا عبد الملك وله عند الجماعة أن يردها ما لم يتغير إلا عند مالك فألزمه الثواب بنفس القبول وعبارة ابن الحاجب وإذا صرح بالثواب فإن عينه فبيع وإن لم يعينه فصححه ابن القاسم ومنعه بعضهم للجهل بالثمن قال ولا يلزم الموهوب له إلا قيمتها قائمة أو فائتة وقال مطرف للواهب أن يأبى إن كانت قائمة
لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن ( عائشة )
أشار البخاري بهذا إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصل هذا الحديث عن هشام وأنه لم يذكر وكيع بن الجراح ومحاضر بضم الميم وكسر الضاد المعجمة ابن المورع بتشديد الراء المكسورة وبالعين المهملة الكوفي عن هشام عن أبيه عن عائشة يعني لم يسندا إلى هشام عن أبيه عن عائشة بل أرسلاه وقال الترمذي لا نعرف هذا الحديث مرفوعا

(13/141)


إلا من حديث عيسى بن يونس وكذا قال البزار وقال الآجري سألت أبا داود عنه فقال تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل
21 -
( باب الهبة للولد وإذا أعطاى بعض ولده لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخرين مثله ولا يشهد عليه )
أي هذا باب في بيان حكم هبة الوالد لولده وإذا أعطى أي الأب بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل يعني في العطاء للكل ويعطي الآخرين أي الأولاد الآخرين وهذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره ويعطى الآخر بصيغة الإفراد وصدر الترجمة بالهبة للولد لدفع إشكال من يأخذ بظاهر حديث أنت ومالك لأبيك فإن المال إذا كان للأب فلو وهب منه شيئا لولده كان كأنه وهب مال نفسه لنفسه وقال بعضهم ففي الترجمة إشارة إلى ضعف هذا الحديث أو إلى تأويله قلت بأي وجه تدل هذه الترجمة على ضعف هذا الحديث فلا وجه لذلك أصلا على أن الحديث المذكور صحيح ورواه ابن ماجه في ( سننه ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مال قال أنت ومالك لأبيك قال ابن القطان إسناده صحيح وقال المنذري رجاله ثقات وقال في ( التنقيح ) ويوسف بن إسحاق من الثقات المخرج لهم في ( الصحيحين ) قال وقول الدارقطني فيه غريب تفرد به عيسى عن يوسف لا يضره فإن غرابة الحديث والتفرد به لا يخرجه عن الصحة وطريق آخر أخرجه الطبراني في ( الصغير ) والبيهقي في ( دلائل النبوة ) في حديث جابر قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إن أبيه يريد أن يأخذ ماليه الحديث بطوله وفي آخره قال بكى رسول الله ثم أخذ بتلابيب ابنه وقال له إذهب فأنت ومالك لأبيك وفيه عن عائشة أيضا رواه ابن حبان في ( صحيحه ) أن رجلا أتى النبي يخاصم أباه في دين له عليه فقال له أنت ومالك لأبيك وعن سمرة بن جندب أخرجه البزار في ( مسنده ) والطبراني في ( معجمه ) فذكره بلفظ ابن ماجه وعن عمر رضي الله تعالى عنه أخرجه البزار في ( مسنده ) عنه مرفوعا بلفظ ابن ماجه وفي سنده مقال وعن ابن مسعود أخرجه الطبراني في ( معجمه ) أن النبي قال لرجل أنت ومالك لأبيك وفيه مقال وعن ابن عمر أخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) عنه مرفوعا بلفظ ابن مسعود
قوله وإذا أعطى بعض ولدهإلى قوله مثله واختلف العلماء من التابعين وغيرهم فيه فقال طاووس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعروة وابن جريج والنخعي والشعبي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وسائر الظاهرية أن الرجل إذا نحل بعض بنيه دون بعض فهو باطل وقال أبو عمر اختلف في ذلك عن أحمد وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرفي في ( مختصره ) عنه قال وإذا فضل بعض ولده في العطية أمر برده فإن مات ولم يرده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته واحتجوا في ذلك بحديث النعمان ابن بشير يقول نحلني أبي غلاما فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله لأشهده على ذلك فقال أكل ولدك أعطيته فقال لا قال فاردده أخرجه الجماهير غير أبي داود وقال الثوري والليث بن سعد والقاسم بن عبد الرحمن ومحمد بن المنكدر وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في رواية يجوز أن ينحل لبعض ولده دون بعض وسيأتي الكلام فيه مفصلا قوله ولا يشهد عليه أي على الأب و لا يشهد على صيغة المجهول قال الكرماني هو عطف على قوله لم يجز وقال أيضا وفي بعض الروايات و يشهد بدون كلمة لا والأولى هي المناسبة لحديث عمر وقال ابن بطال معناه الرد لفعل الأب إذا فضل بعض بنيه وأنه لا يسع الشهود أن يشهدوا على ذلك
وقال النبي اعدلوا بين أولادكم في العطية
هذا التعليق يأتي موصولا في الباب الثاني من حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه بدون قوله في العطية وروى الطحاوي قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا آدم قال حدثنا ورقاء عن المغيرة عن الشعبي قال سمعت النعمان

(13/142)


على منبرنا هذا يقول قال رسول الله سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر
وهل للوالد أن يرجع في عطيته وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى
هذا الذي ذكره مسألتان الأول أن الأب إذا وهب لابنه هل له أن يرجع فيه خلاف فعند طاووس وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق ليس للواهب أن يرجع فيما وهب إلا الذي ينحله الأب لابنه وغير الأب من الأصول كالأب عند الشافعي في الأصح وفي ( التوضيح ) لا رجوع في الهبة إلا للأصول أبا كان أو أما أو جدا وليس لغير الأب الرجوع عند مالك وأكثر أهل المدينة إلا أن عندهم أن الأم لها الرجوع أيضا مما وهبت لولدها إذا كان أبوه حيا هذا هو الأشهر عند مالك وروي عنه المنع ولا يجوز عند أهل المدينة أن ترجع الأم ما وهبت ليتيم من ولدها كما لا يجوز الرجوع في العتق والوقف وأشباهه انتهى وعند أصحابنا الحنفية لا رجوع فيما يهبه لكل ذي رحم محرم بالنسب كالابن والأخ والأخت والعم والعمة وكل من لو كان امرأة لا يحل له أن يتزوجها وبه قال طاووس والحسن وأحمد وأبو ثور
المسألة الثانية أكل الولد من مال الولد بالمعروف يجوز وروى الحاكم مرفوعا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه فكلوا من مال أولادكم وأخرجه الترمذي أيضا من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وقال حديث حسن وعند أبي حنيفة يجوز للأب الفقير أن يبيع عرض ابنه الغائب لأجل النفقة لأن له تملك مال الابن عند الحاجة ولا يصح بيع عقاره لأجل النفقة وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز فيهما وأجمعوا أن الأم لا تبيع مال ولدها الصغير والكبير كذا في ( شرح الطحاوي )
واشترى النبي من عمر بعيرا ثم أعطاه ابن عمر وقال اصنع به ما شئت
هذا قطعة من حديث مضى في كتاب البيوع في باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته فأرجع فراجع إليه تقف عليه وقال ابن بطال مناسبة حديث ابن عمر للترجمة أنه لو سأل عمر رضي الله تعالى عنه أن يهب البعير لابنه عبد الله لبادر إلى ذلك ولكنه لو فعل لم يكن عدلا بين بني عمر فلذلك اشتراه النبي من عمر ثم وهبه لعبد الله وهذا يدل على ما بوب له البخاري من التسوية بين الأبناء في الهبة
واختلف الفقهاء في معنى التسوية هل هو على الوجوب أو على الندب فأما مالك والليث والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فأجازوا أن يخص بعض بنيه دون بعض بالنحلة والعطية على كراهية من بعضهم والتسوية أحب إلى جميعهم وقال الشافعي ترك التفضيل في عطية الأبناء فيه حسن الأدب ويجوز له ذلك في الحكم وكره الثوري وابن المبارك وأحمد أن يفضل بعض ولده على بعض في العطايا وكان إسحاق يقول مثل هذا ثم رجع إلى مثل قول الشافعي وقال المهلب وفي الحديث دلالة على أنه لا تلزم المعدلة فيما يهبه غير الأب لولد غيره
6852 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ومحمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثاه ) عن ( النعمان ابن بشير ) أن أباه أتى به إلى رسول الله فقال إني نحلت ابني هذا غلاما فقال أكل ولدك نحلت مثله قال لا قال فارجعه
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الترجمة فيما إذا أعطى لبعض ولده لم يجز حتى يعدل ويعطي الآخرين مثله والحديث يتضمن هذا على ما لا يخفى
ذكر رجاله عبد الله بن يوسف التنيسي وهو من أفراده وقد تكرر ذكره ومالك بن أنس وابن شهاب هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري وحميد بضم الحاء المهملة ابن عبد الرحمن بن عوف وقد مر في الإيمان ومحمد بن النعمان بن بشير الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات التابعين وقال العجلي هو تابعي ثقة روى له الجماعة إلا أبا داود والنعمان بضم النون ابن بشير ضد

(13/143)


النذير ابن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بضم الجيم وتخفيف اللام الأنصاري الخزرجي وأبوه بشير من البدريين قيل إنه أول من بايع أبا بكر رضي الله تعالى عنه من الأنصار بالخلافة وقتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه سنة ثنتي عشرة بعد انصرافه من اليمامة
حتى ص 441
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة التثنية في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه رواية التابعي عن التابعيين عن الصحابي وفيه رواية الابن عن الأب وفيه أن رواته كلهم مدنيون إلا شيخه فإنه في الأصل من دمشق وسكن تنيس وفيه عن النعمان بن بشير كذا هو لأكثر أصحاب الزهري وأخرجه النسائي من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب أن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن حدثنا عن بشير بن سعلة فجعله من مسند بشير فشذ بذلك والمحفوظ أنه عنهما عن النعمان بن بشير وروى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم وأبي داود والنسائي وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد الله عند أبي عوانة والشعبي في ( الصحيحين ) وأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم ورواه عن الشعبي عدد كثير أيضا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الهبة من رواية الشعبي عن النعمان عن حامد ابن عمر وفي الشهادات عن عبدان عن ابن المبارك وأخرجه مسلم من حديث مالك في الفرائض عن يحيى بن يحيى عنه وعن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر وعن قتيبة ومحمد بن رمح وعن حرملة وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبد بن حميد وأخرجه الترمذي في الأحكام عن نصر بن علي وسعيد بن عبد الرحمان وأخرجه النسائي في النحل عن محمد بن منصور عن سفيان به وعن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك به وعن محمد بن هاشم عن الوليد بن مسلم وعن قتيبة عن سفيان وعن عمرو بن عثمان وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن هشام بن عمار ومن طريق الشعبي أخرجه مسلم في الفرائض عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن يحيى بن يحيى وعن أبي بكر عن علي وعن محمد بن عبد الله وعن إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وعن أحمد بن عثمان وأخرجه أبو داود في البيوع عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي في النحل عن محمد بن المثنى وعن محمد بن عبد الملك وعن موسى بن عبد الرحمن وعن أبي داود الحراني وفي القضاء عن محمد بن قدامة وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن بكر بن خلف
ذكر معناه قوله أن أباه هو بشير بن سعد قوله إني نحلت بالنون والحاء المهملة يقال نحله أنحله نحلا بضم النون أي أعطيته ونحلت للمرأة مهرها أنحلها نحلة بكسر النون هكذا اقتصر في النحلة على الكسر وحكى غيره فيها الوجهين الضم والكسر والنحلى بالضم على وزن فعلى العطية قوله هذا غلاما
قوله أكل ولدك الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار و كل منصوب بقوله نحلت وفي رواية ابن حبان ألك ولد سواه قال نعم وفي رواية لمسلم أكل بنيك فإن قلت ما التوفيق بين الروايتين قلت لا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورا أو إناثا وذكورا وأما لفظ البنين فالذكور فيهم ظاهر وإن كان فيهم إناث فيكون على سبيل التغليب ولم يذكر محمد بن سعد لبشير بن سعد والد النعمان ولدا غير النعمان وذكر له بنتا اسمها أبية مصغر أبي والله أعلم قوله قال فأرجعه أي قال النبي أرجع ما نحلته لابنك اختلف في هذا اللفظ ففي بعض الروايات فاردده وفي رواية فرده وفي رواية فرد عطيته وفي رواية اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي رواية قاربوا بين أولادكم روى قاربوا بالباء الموحدة وبالنون
ذكر ما يستفاد منه احتج به جماعة على أن من نحل بعض بنيه دون بعض فهو باطل فعليه أن يرجع حتى يعدل بين أولاده وقد مر الكلام فيه مستقصى وبقي الكلام في تحقيق هذا الحديث فقال الترمذي وقد روي هذا الحديث من غير

(13/144)


وجه عن النعمان بن بشير ورواه الطحاوي من طريق الزهري عن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن عن النعمان مثل حديث الباب ثم قال واحتج به قوم على أن الرجل إذا نحل بعض بنيه دون بعض أنه باطل ثم قال وخالفهم في ذلك آخرون وحاصل كلامه أنهم جوزوا ذلك ثم قال ما ملخصه إن الحديث المذكور ليس فيه أن النعمان كان صغيرا حينئذ ولعله كان كبيرا ولم يكن قبضه وقد روى أيضا على معنى غير ما في الحديث المذكور وهو أن النعمان قال انطلق بي أبي إلى النبي ونحلني نحلا ليشهده على ذلك فقال أو كل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا قال أيسرك أن يكونوا إليك في البر كلهم سواء قال بلى قال فأشهد على هذا غيري فهذا لا يدل على فساد العقد الذي كان عقده للنعمان وأما امتناعه عن الشهادة فلأنه كان متوقيا عن مثل ذلك ولأنه كان إماما والإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم وقد اعترض عليه بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه قلت لا يلزم أيضا أن لا يمتنع من تحمل الشهادة فإن التحمل ليس بمتعين لا سيما في حق النبي لأن مقامه أجل من ذلك وكلامنا في التحمل لا في الأداء إذا تحمل فافهم ثم روى الطحاوي حديث النعمان المذكور من رواية الشعبي عنه كما رواه البخاري على ما يأتي وليس فيه أنه أمره برد الشيء وإنما فيه الأمر بالتسوية فإن قلت في رواية البخاري فرجع فرد عطيته قلت رده عطيته في هذه الروايات باختياره هو لا بأمر النبي لما سمع عنه فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فإن قلت في حديث الباب الأمر بالرجوع صريحا حيث قال فارجعه قلت ليس الأمر على الإيجاب وإنما هو من باب الفضل والإحسان ألا ترى إلى حديث أنس رواه البزار في ( مسنده ) عنه أن رجلا كان عند رسول الله فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه وجاءته بنية له فأجلسها بين يديه فقال رسول الله ألا سويت بينهما انتهى وليس هذا من باب الوجوب وإنما هو من باب الإنصاف والإحسان
31 -
( باب الإشهاد في الهبة )
أي هذا باب في بيان الإشهاد في الهبة
7852 - حدثنا ( حامد بن عمر ) قال ( حدثناأبو عوانة ) عن ( حصين ) عن ( عامر ) قال سمعت ( النعمان بن بشير ) رضي الله تعالى عنهما وهو على المنبر يقول أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضاى حتى تشهد رسول الله فأتى رسول الله فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله قال أعطيت سائر ولدك مثل هاذا قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته
( انظر الحديث 6852 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو ظاهر وقال الكرماني قال شارح التراجم فإن قيل ليس في حديث النعمان ما يدل على أكل الرجل مال ولده قلنا إذا جاز للوالد انتزاع ملك ولده الثابت بالهبة لغير حاجة فلأن يجوز عند الحاجة أولى
ذكر رجاله وهم خمسة الأول حامد بن عمر بن حفص بن عبيد الله الثقفي الثاني أبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح بن عبد الله اليشكري الثالث حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الرابع عامر بن شرحبيل الشعبي الخامس النعمان بن بشير
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بصري وأبو عوانة واسطي وحصين وعامر كوفيان وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر معناه قوله وهو على المنبر جملة حالية وكذا قوله يقول قوله أعطاني أبي عطية وكان العطية غلاما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه قال حدثنا النعمان بن بشير قال وقد أعطاه أبوه غلاما فقال له

(13/145)


النبي ما هذا الغلام فقال أعطانيه أبي قال فكل أخوته أعطيته كما أعطيت هذا قال لا قال فرده وكذا صرح به في حديث جابر رواه مسلم عنه قال قالت امرأة بشير إنحل ابني غلامك وأشهد لي رسول الله الحديث فإن قلت روى ابن حبان من رواية ابن حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي على وزن كريم والطبراني أيضا عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال إن والدي بشير بن سعد أتى النبي فقال إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي فإنها قالت أشهد على ذلك رسول الله وفيه قوله لا أشهد على جور قلت وفق ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين إحداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديثة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا وقال بعضهم يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى رسول الله يستشهد على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور قلت لا بعد في هذا أصلا فإن الإنسان مأخوذ من النسيان وهموم أحوال الدنيا وغم أحوال الآخرة تنسي أن نسيان والنسيان غالب حتى قيل إن الإنسان مأخوذ من النسيان قوله عمرة بنت رواحة بفتح الراء الأنصارية زوجة بشير أم النعمان وهي أخت عبد الله بن رواحة قوله حتى تشهد من الإشهاد وسيأتي في الشهادات من حديث الشعبي سبب سؤال شهادة رسول الله ولفظه عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله ولفظ مسلم عن الشعبي حدثني النعمان بن بشير أن أمه ابنة رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله فالتوى بها سنة أي مطلها ثم بدا له وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه بعد حولين والتوفيق بين الروايتين بأن يقال إن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغى أخرى ثم في رواية مسلم فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله وفي رواية أخرى له قال انطلق بين أبي يحملني إلى رسول الله والتوفيق بين الروايتين بأن يقال إنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه قوله فرجع فرد عليه عطيته وفي رواية لمسلم فرجع أبي فرد تلك الصدقة وسيأتي في الشهادات قال لا تشهدني على جور وفي رواية لمسلم ولا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور وفي رواية له وإني لا أشهد إلا على حق وفي رواية الطحاوي فأشهد على هذا غيري وكذا في رواية النسائي وفي رواية عبد الرزاق من طريق طاووس مرسلا لا أشهد إلا على الحق لا أشهد بهذه وفي رواية عروة عند النسائي فكره أن يشهد له وقد ذكرنا وجه امتناعه عن الشهادة عن قريب واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد
ذكر ما يستفاد منه احتج به من أوجب التسوية في عطية الأولاد وبه صرح البخاري وهو قول طاووس والثوري وأحمد وإسحاق كما ذكرناه وقال به بعض المالكية ثم المشهور عند هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد يصح ويجب عليه أن يرجع و عنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كاحتياح الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب والنهي على التنزيه
ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية وبعض المالكية العدل إن يعطي الذكر حظين كالميراث وقال غيرهم لا يفرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا بحديث أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه عن ابن عباس مرفوعا سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء وأجاب عن حديث النعمان من حمل الأمر بالتسوية على الندب بوجوه
الأول أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده فلذلك منعه ورد هذا بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صريح بالبعضية وقال القرطبي ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله قال وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره
الثاني أن العطية المذكورة لم تتنجز وإنما جاء بشير والد النعمان يستشير النبي فأشار إليه بأن لا يفعل فترك حكاه

(13/146)


الطحاوي وقال بعضهم وفي أكثر طرق الحديث ما ينابذه قلت هذا كلام من لا إنصاف له لأنه يقصد بهذا تضعيف ما قاله مع أنه لم يقل هذا إلا بحديث شعيب يرويه شيخ البخاري عنه وهو شعيب بن أبي ضمرة فإنه رواه حيث قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعيب عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان أنهما سمعا النعمان ابن بشير يقول نحلني أبي غلاما ثم مشى أبي حتى إذا أدخلني على رسول الله فقال يا رسول الله إني نحلت إبني غلاما فإن أذنت أن أجيزه له أجزت ثم ذكر الحديث فهذا ينادي بأعلى صوته أن بشيرا نحل ابنه غلاما ولكنه لم ينجزه حتى استشار النبي في ذلك فلم يأذن له به فتركه
الثالث أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي أيضا وقال بعضهم وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا قوله أرجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض انتهى قلت هذا أيضا طعن في كلام الطحاوي من غير وجه ومن غير إنصاف لأنه لم يقل هذا أيضا إلا وقد أخذه من حديث يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم عن سفيان بن عيينة شيخ الشافعي عن محمد بن مسلم الزهري عن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن أخبراه أنهما سمعا النعمان بن بشير يقول نحلني أبي غلاما فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله لأشهده على ذلك الحديث فهذا يدل على أن النعمان كان كبيرا إذ لو كان صغيرا كيف كانت أمه تقول له إذهب إلى رسول الله وقول هذا القائل إرجعه يدل على تقدم القبض غير دال على القبض حقيقة لأنه يحتمل أنه قال لبشير إرجع عما قلت بنحل ابنك النعمان دون أخوته
الرابع أن قوله أشهد في رواية النسائي وغيره ولا يدل على أن الأمر بالتسوية يدل على الوجوب لأن أمر التوبيخ يدل عليه ألفاظ كثيرة في الحديث يعرف بالتأمل
الخامس أن عمل الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بعد النبي على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب أما أثر أبي بكر فأخرجه الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي أنها قالت أن أبا بكر الصديق نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال والله يا بنية ما من أحد من الناس أحب إلي غنى بعدي منك ولا أعز علي فقرا بعدي منك وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا فلو كنت جددته وأحرزته كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على بيان كتاب الله تعالى فقالت عائشة والله يا أبت لو كان كذا وكذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى فقال ذو بطن بنت خارجة أراها جارية وأخرجه البيهقي أيضا في ( سننه ) من حديث شعيب عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه نحلني جداد عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة جلس فاحتبى ثم تشهد ثم قال أما بعد أي بنية إن أحب الناس إلي غنى بعدي لأنت وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي فوددت والله لو أنك كنت خزنته وجددته ولكن إنما هو اليوم مال الوارث وإنما هما أخواك وأختاك فقلت يا أبتاه هذه أسماء فمن الأخرى قال ذو بطن ابنة خارجة أراها جارية فقلت لو أعطيتني ما هو كذا إلى كذا لرددته إليك قال الشافعي وفضل عمر رضي الله تعالى عنه عاصما بشيء وفضل ابن عوف ولد أم كلثوم وأما أثر عمر رضي الله تعالى عنه فذكره الطحاوي أيضا كما ذكره البيهقي عن الشافعي رحمه الله وأخرج عبد الله بن وهب في ( مسنده ) وقال بلغني عن عمرو بن دينار أن عبد الرحمن بن عوف نحل ابنته من أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط أربعة آلاف درهم وله ولد من غيرها قلت هذا منقطع
السادس هو الجواب القاطع أن الإجماع انعقد على جواز إعطاء الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك لبعضهم ذكره ابن عبد البر قيل فيه نظر لأنه قياس مع وجود النص قلت إنما يمنع ذلك ابتداء وأما إذا عمل بالنص على وجه من الوجوه ثم إذا قيس ذلك الوجه إلى وجه آخر لا يقال إنه عمل بالقياس مع وجود النص فافهم
وفي الحديث من الفوائد الندب إلى التأليف بين الأخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء ويورث العقوق للآباء وفيه إن العطية إذا كانت من الأب لصغير لا يحتاج إلى القبض فيكفي قبوله له وفيه كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح وفيه أن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب وفيه جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض لأن هذا أمر قلبي وليس باختياري وفيه مشروعية

(13/147)


استفسار الحاكم والمفتي عما يحتمل ذلك كقوله ألك ولد غيره وأفكلهم أعطيته وفيه جواز تسمية الهبة صدقة وفيه أن للأم كلاما في مصلحة الولد وفيه المبادرة إلى قبول قول الحق وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله كل حال وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرض أن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولدها لما رجع فيه فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه
41 -
( باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها )
أي هذا باب في بيان حكم هبة الرجل لامرأته وحكم هبة المرأة لزوجها وحكمها أنه يجوز فإذا جاز هل لأحدهما أن يرجع على الآخر فلا يجوز على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
قال إبراهيم جائزة
إبراهيم هو ابن يزيد النخعي أي هبة الرجل لأمرأه وهبة المرأة لزوجها جائزة وهذا تعليق وصله عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال إذا وهبت له أو وهب لها فلكل واحد منهما عطيته ووصله الطحاوي من طريق أبي عوانة عن منصور قال قال إبراهيم إذا وهبت امرأة لزوجها أو وهب الزوج لامرأته فالهبة جائزة وليس لواحد منهما أن يرجع في هبته ومن طريق أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم الزوج والمرأة بمنزلة ذي الرحم إذا وهب أحدهما لصاحبه لم يكن له أن يرجع
وقال عمر بن عبد العزيز لا يرجعان
عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين وأحد الزهاد العابدين قوله لا يرجعان يعني لا يرجع الزوج على الزوجة ولا الزوجة على الزوج فيما إذا وهب أحدهما للآخر وهذا وصله أيضا عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد أن عمر ابن عبد العزيز قال مثل قول إبراهيم وقال ابن بطال قال بعضهم لها أن ترجع فيما أعطته وليس له أن يرجع فيما أعطاها روى هذا عن شريح والزهري والشعبي وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين كان شريح إذا جاءته امرأة وهبت لزوجها هبة ثم رجعت فيها يقول له بينتك أنها وهبتك طيبة نفسها من غير كره ولا هوان وإلا فيمينها ما وهبت بطيب نفسها إلا بعد كره وهو إن انتهى فهذا يقتضي أنها ليس لها الرجوع إلا بهذا الشرط
واستأذن النبي نساءه في أن يمرض في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها
مطابقته للترجمة من حيث إن أزواج النبي وهبن له ما استحقين من الأيام ولم يكن لهن رجوع فيما مضى وهذا على حمل الهبة على معناها اللغوي وهذا التعليق وصله البخاري في هذا الباب على ما يجيء عن قريب ووصله أيضا في آخر المغازي على ما يجيء إن شاء الله تعالى قوله أن يمرض على صيغة المجهول من التمريض وهو القيام على المريض في مرضه
وقال النبي العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
مطابقته للترجمة من حيث إن عموم العائد في هبته المذموم يدخل فيه الزوج والزوجة وهذا التعليق وصله البخاري أيضا في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وسيأتي بعد خمسة عشر بابا وهذا الذي علقه أخرجه الستة إلا الترمذي أخرجوه عن ابن عباس قال قال رسول الله العائد في هبته كالعائد في قيئه زاد أبو داود قال قتادة ولا نعلم القيء إلا حراما واحتج بهذا طاووس وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق على أنه ليس للواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الذي ينحله الأب لابنه وعند مالك له أن يرجع في الأجنبي الذي قصد منه الثواب ولم يثبه وبه قال أحمد في رواية وقال أبو حنيفة وأصحابه للواحد الرجوع في هبته من الأجنبي ما دامت قائمة ولم يعوض منها وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وشريح القاضي والأسود بن يزيد والحسن البصري والنخعي والشعبي وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب

(13/148)


وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وفضالة بن عبيد وأجابوا عن الحديث بأنه جعل العائد في هبته كالعائد في قيئه بالتشبيه من حيث إنه ظاهر القبح مروءة وخلقا لا شرعا والكلب غير متعبد بالحلال والحرام فيكون العائد في هبته عائدا في أمر قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الرجوع في الهبة ولكنه يوصف بالقبح وبه نقول فلذلك نقول بكراهة الرجوع
وقال الزهري فيمن قال لامرأته هبي لي بعض صداقك أو كله ثم لم يمكث إلا يسيرا حتى طلقها فرجعت فيه قال يرد إليها إن كان خلبها وإن كانت أعطته عن طيب نفس ليس في شيء من أمره خديعة جاز قال الله تعالى فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ( النساء 4 ) فكلوه
الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وهذا التعليق وصله عبد الله عن يونس بن يزيد عنه قوله هبي أمر للمؤنث من وهب يهب وأصله أوهبي حذفت الواو منه تبعا لفعله لأن أصل يهب يوهب فلما حذفت الواو استغنى عن الهمزة فحذفت فصار هبي على وزن علي قوله أوكله أي أو قال هبي لي كل الصداق قوله يرد إليها أي يرد الزوج الصداق إليها قوله إن كان خلبها بفتح الخاء المعجمة واللام والباء الموحدة أي إن كان خدعها ومنه في الحديث إذا بعت فقل لا خلابة أي لا خداع فإن قلت روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال رأيت القضاة يقبلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقبلون الزوج فيما وهب لامرأته قلت التوفيق بينهما أن رواية معمر عنه هو منقول ورواية يونس عنه هو اختياره وهو التفصيل المذكور بين أن يكون خدعها فلها أن ترجع أو لا فلا وهو قول المالكية إن أقاما البينة على ذلك وقيل يقبل قوله في ذلك مطلقا وإلى عدم الرجوع من الجانبين مطلقا ذهب الجمهور وإلى التفصيل الذي نقل عن الزهري ذهب شريح القاضي وإذا وهب أحد الزوجين للآخر لا بد في ذلك من القبض وهو قول ابن سيرين وشريح والشعبي ومسروق والثوري وأبي حنيفة والشافعي وهو رواية أشهب عن مالك وقال ابن أبي ليلى والحسن لا يحتاج إلى القبض قوله فإن طبن لكم ( النساء 4 ) الآية احتج بهذه الزهري فيما ذهب إليه وقبلها وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( النساء 4 ) الخطاب في قوله وآتوا النساء ( النساء 4 ) للناكحين وقال مقاتل كان الرجل يتزوج ثم يقول أرثك وترثيني فتقول المرأة نعم فنزلت وقيل إن الرجل كان يعطي الرجل أخته ويأخذ أخته مكانها من غير مهر فنهو عن ذلك بهذ الآية قوله صدقاتهن ( النساء 4 ) أي مهورهن واحدها صدقة بفتح الصاد وضم الدال وهي لغة أهل الحجاز وتميم تقول صدقة بضم الصاد وسكون الدال فإذا جمعوا قالوا صدقات بضم الصاد وسكون الدال وبضم الدال أيضا مثل ظلمات قوله نخلة ( النساء 4 ) أي فريضة مسماة قاله قتادة وابن جريج ومقاتل وعن ابن عباس النحلة المهر وقال ابن زيد النحلة في كلام العرب الواجب تقول لا ينكحها إلا بشيء واجب لها وليس ينبغي لأحد بعد النبي أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ولا ينبغي أن تكون تسمية الصداق كذبا بغير حق وقيل النحلة الديانة والملة والتقدير وآتوهن صدقاتهن ديانة وفيه لغتان كسر الصاد وضمها وانتصابها على المصدر أو على الحال وقال الزمخشري المعنى آتوهن مهورهن ديانة على أنه مفعول له ويجوز أن يكون حالا من المخاطبين أي ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيبة الأنفس والخطاب للأزواج وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم وكانوا يقولون هنيئا لك النافجة لمن يولد له بنت يعنون تأخذ مهرها فتنفج به مالك أي تعظمه قوله فإن طبن لكم ( النساء 4 ) يعني النساء المنكوحات أيها الأزواج عن شيء منه ( النساء 4 ) أي من الصداق وقال الزمخشري الضمير في منه جار مجرى اسم الإشارة كأنه قيل عن شيء من ذلك قوله نفسانصب على التمييز وإنما وحد لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق ونحلت عن نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم فكلوه فأنفقوه قال الفقهاء فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة علم أنها لم تطب منه نفسا قوله هنيئا مريئا ( النساء 4 ) نعت لمصدر محذوف أي أكلا هنيئا وقيل هو مصدر في موضع الحال أي أكلا هنيئا والهنيء ما يؤمن عاقبته وقيل ما أورث نفعا وشفاء وقيل الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء وهو مأخوذ من هنأت البعير إذا عالجته بالقطران

(13/149)


من الجرب والمعنى فكلوه دواء شافيا والمريء المحمود العاقبة التام الهضم الذي لا يضر ولا يؤذي وقيل الهنيء ما يلد الآكل والمريء ما يحمد عاقبته وقيل لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة المريء لمرء الطعام فيه وهو إنسياغه وفي ( تفسير مقاتل ) هنيئا يعني حلا مريئا يعني طيبا
8852 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري قال أخبرني عبيد الله ابن عبد الله قال قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لما ثقل النبي فاشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض وكان بين العباس وبين رجل آخر فقال عبيد الله فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة فقال لي وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة قلت لا قال هو علي بن أبي طالب
مطابقته للترجمة هو الوجه الذي ذكرناه في أوائل الباب عند قوله واستأذن النبي نساءه في أن يمرض في بيت عائشة وقد مضى هذا الحديث في كتاب الطهارة في باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة بأتم منه وهنا أخرجه عن ( إبراهيم بن موسى ) الفراء أبي إسحاق الرازي المعروف بالصغير عن ( هشام ) بن يوسف الصنعاني اليماني عن ( معمر ) بفتح الميمين ابن راشد عن محمد بن مسلم ( الزهري ) عن عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بفتح العين ابن عتبة إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
9852 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( ابن طاوس ) عن أبيه عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
مطابقته للترجمة هو الوجه الذي ذكرناه عن قريب عند قوله وقال النبي العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ووهيب هو ابن خالد البصري وابن طاووس هو عبد الله يروي عن أبيه قوله كالكلب يعود في قيئه ويروى كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه وقد مر الكلام فيه عن قريب
51 -
( باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز قال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) )
أي هذا باب في بيان حكم هبة المرأة لغير زوجها إن وهبت شيئا لغير زوجها قوله وعتقها عطف على قوله هبة المرأة أي حكم عتق المرأة جاريتها قوله إذا كان لها زوج ليست للشرط بل ظرف لما تقدم لأن الكلام فيما إذا كان لها زوج وقت الهبة أو العتق أما إذا لم يكن لها زوج فلا نزاع في جوازه قوله فهو أي المذكور من الهبة والعتق جائز إذا لم تكن المرأة سفيهة وهي ضد الرشيدة والرشيدة من صلح دينها ودنياها قوله وقال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) ذكر هذا في معرض الاستدلال وقال سعيد بن جبير ومجاهد والحكم السفهاء الذين ذكرهم الله عز و جل هنا اليتامى والنساء وعن الحسن المرأة والصبي وفي لفظ الصغار والنساء أسفه السفهاء وفي لفظ ابنك السفيه وامرأتك السفيهة وقد ذكر أن رسول الله قال اتقوا الله في الضعيفين اليتيم والمرأة وقال ابن مسعود النساء والصبيان وقال السدي الولد والمرأة وقال الضحاك الولد والنساء أسفه السفهاء فيكونوا عليكم أربابا وعن ابن عباس امرأتك وبنتك قال وأسفه السفهاء الولدان والنساء قال الطبري وقال غير هؤلاء إنهم الصبيان خاصة قاله ابن جبير

(13/150)


والحسن وقال آخرون بل عنى بذلك السفهاء من ولد الرجل منهم أبو مالك وابن عباس وأبو موسى وابن زيد بن أسلم وقال آخرون بل عنى بذلك النساء خاصة فذكر المعتمر بن سليمان عن أبيه قال زعم حضرمي أن رجلا عمد فدفع ماله إلى امرأته فوضعته في غير الحق فقال الله عز و جل ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها ورواه ابن مردويه مطولا وقال ابن أبي حاتم ذكره عن مسلم بن إبراهيم حدثنا حرب بن شريح عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( النساء 5 ) قال الخدم وهم شياطين الإنس وهم الخدم وفي ( التوضيح ) من قال عنى بالسفهاء النساء خاصة فإنه حمل اللفظ على غير وجهه وذلك لأن العرب لا تكاد تجمع فعيلا على فعلاء إلا في جمع الذكور أو الذكور والإناث فأما إذا أرادوا جمع الإناث خاصة لا ذكور معهن جمعوه على فعائل وفعيلات مثل غريبة تجمع على غرائب وغريبات فأما الغرباء فهو جمع غريب قال وكأن البخاري أراد بالتبويب وما فيه من الأحاديث الرد على من خالف ذلك روى حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال لما فتح مكة لا يجوز عطية امرأة في مالها إلا بإذن زوجها أخرجه النسائي
وقد اختلف العلماء في المرأة المالكة لنفسها الرشيدة ذات الزوج على قولين أحدهما أنه لا فرق بينها وبين البالغ الرشيد في التصرف وهو قول الثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي والقول الآخر لا يجوز لها أن تعطي من مالها شيئا بغير إذن زوجها روي ذلك عن أنس وطاووس والحسن البصري وقال الليث لا يجوز عتق المزوجة وصدقتها إلا في الشيء اليسير الذي لا بد منه من صلة الرحم أو ما يتقرب به إلى الله تعالى وقال مالك لا يجوز عطاؤها بغير إذن زوجها إلا من ثلث مالها خاصة قياسا على الوصية
0952 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عباد بن عبد الله ) عن ( أسماء ) رضي الله تعالى عنها قالت قلت يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل الزبير علي أفأتصدق قال تصدقي ولا توعي فيوعى الله عليك
مطابقته للترجمة في قوله تصدقي فإنه يدل على أن للمرأة التي لها زوج أن تتصدق بغير إذن زوجها فإن قلت الترجمة هبة المرأة ولفظ الحديث بالصدقة قلت المراد من الهبة معناها اللغوي وهو يتناول الصدقة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو عاصم الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثالث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم الرابع عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن عبد الله بن الزبير بن العوام لخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه مصري وابن جريج وابن أبي مليكة مكيان وعباد بن عبد الله مدني وفيه رواية الراوي عن جدته وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية
وبعض الحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الصدقة فيما استطاع وفيه عن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره عن أسماء وقد روى أيوب هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة بغير واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وصرح أيوب عن ابن أبي مليكة بتحديث عائشة له بذلك فيحمل على أنه سمعه من عباد عنها ثم حدثته به
قوله إلا ما أدخل الزبير علي بتشديد الياء معناه ما صير ملكا لها فأمرها أن تتصدق ولم يأمرها باستئذان الزبير رضي الله تعالى عنه قوله أفأتصدق بهمزة الاستفهام في رواية المستملي وفي رواية غيره بدون حرف الاستفهام قوله ولا توعي من الإيعاء أي لا تجعليه في الوعاء وهو الظرف محفوظا لا تخرجينه منه فيعمل الله بك مثل ذلك وهو معنى قوله فيوعى الله عليك قوله فيوعى بالنصب لكونه جواب النهي وإسناد الإيعاء إلى الله تعالى من باب المشاكلة وقال الخطاي أي لا تخبىء

(13/151)


الشيء في الوعاء ومنه قوله تعالى وجمع فأوعى ( المعارج 81 ) أي مادة الرزق متصلة باتصاف النفقة منقطعة بانقطاعها فلا تمنعي فضلها فتحرمي مادتها وقد مر الكلام مبسوطا في كتاب الزكاة
1952 - حدثنا ( عبيد الله بن سعيد ) قال حدثنا ( عبد الله بن نمير ) قال حدثنا ( هشام بن عروة ) عن ( فاطمة ) عن ( أسماء ) أن رسول الله قال أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث الماضي لها وعبيد الله بن سعيد بن يحيى أبو قدامة اليشكري السرخسي وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي بنت عم هشام بن عروة وزوجته وأسماء هي بنت أبي بكر جدتهما جميعا لأبويهما قوله أنفقي أمر من الإنفاق قوله ولا تحصى من الإحصاء نهى عنه لأنه إنما يحصى لأجل التبقية والذخر فيحصي الله عليها بقطع البركة ومنع الزيادة وقد يكون مرجع الإحصاء إلى المحاسبة عليه والمناقشة في الآخرة ونسبه الإحصاء إلى الله من باب المشاكلة وقوله فيحصى بالنصب لأنه جواب النهي وهنا أمر بالإنفاق ولم يقل بالمعروف لعلمها بمراده لاحتمال أن يراد بالذي تحت يدها من مال الزبير فإن كان كذلك تنفق بما كان يخفي الزبير إنفاقه من إغاثة ملهوف وإعطاء سائل
2952 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) عن ( الليث ) عن ( يزيد ) عن ( بكير ) عن ( كريب ) مولى ( ابن عباس ) أن ( ميمونة بنت الحارث ) رضي الله تعالى عنها أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال أو فعلت قالت نعم قال أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك
( الحديث 2952 - طرفه في 4952 )
مطابقته للترجمة من حيث إن ميمونة كانت رشيدة وأعتقت وليدتها من غير استئذان من النبي فلو لم يكن تصرف الرشيدة في مالها نافذا لأبطله النبي
ذكر رجاله وهم ستة الأول يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي الثاني الليث بن سعد الثالث يزيد من الزيادة ابن أبي حبيب الرابع بكير بضم الباء الموحدة ابن عبد الله الأشج الخامس كريب مولى ابن عباس أبو رشد بكسر الراء السادس ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن النصف الأول من الإسناد بصريون والنصف الثاني مدنيون وفيه أن شيخه منسوب إلى جده وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم يزيد وبكير وكريب وفيه أن بكيرا وكريبا متحدان في الحروف الأربعة
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الزكاة عن هارون بن سعيد الأيلي وأخرجه النسائي في العتق عن أحمد ابن يحيى بن الوزير
ذكر معناه قوله وليدة أي أمة وفي رواية النسائي من طريق عطاء بن يسار عن ميمونة أنها كانت لها جارية سوداء قوله أشعرت أي أعلمت قوله قال أو فعلت أي قال النبي أو فعلت العتق قوله أما بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهو هنا بمعنى حقا أو أحقا على خلاف فيه وتفتح كلمة أن بعدها وهي قوله أنك وأما أما التي تكون حرف الاستفتاح التي بمعنى ألا فكلمة أن بعدها مكسورة كما تكسر بعد ألا الاستفتاحية قوله أخوالك أخوالها كانوا من بني هلال أيضا واسم أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث ووقع في رواية الأصيلي إخواتك بالتاء قال عياض ولعله أصح من رواية أخوالك بدليل رواية مالك في ( الموطأ ) فلو أعطيتها أختيك

(13/152)


وقال النووي الجميع وصحيح لا تعارض ويكون النبي قال ذلك كله قوله كان أعظم لأجرك
قال ابن بطال فيه أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق ويؤيده ما رواه الترمذي والنسائي وأحمد من حديث سليمان بن عامر الضبي مرفوعا الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة ورواه أيضا ابن خزيمة وابن حبان وصححاه قلت ينبغي أن يكون أفضلية هبة ذي الرحم من العتق إذا كان فقيرا لا مطلقا كيف وقد جاء في العتق أنه يعتق بكل عضو منه عضوا منه من النار وبه تجاز العقبة يوم القيامة ونقل عن مالك أن الصدقة على الأقارب أفضل من العتق والحق أن هذا يختلف باختلاف الأحوال
وقال بكر بن مضر عن عمرو عن بكير عن كريب أن ميمونة أعتقت
هذا صورة تعليق وفي نسخة صاحب ( التلويح ) بخطه بعد قوله كان أعظم لأجرك تابعه بكر بن مضر عن عمرو إلى آخره ثم قال أراد البخاري بهذه المتابعة الليث بن سعد وأن بكرا تابعه وأن عمرا تابع يزيد بن أبي حبيب وهو مروي عند الإسماعيلي عن الحسن حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن كريب فذكره وكذا ذكره صاحب ( التوضيح ) لأنه أخذه عن صاحب ( التلويح ) وذكره المزي في ( الأطراف ) بصورة التعليق كما هو في نسختنا حيث قال أخرجه البخاري في الهبة عن يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن الأشج عن كريب به قال وقال بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن كريب أن ميمونة فذكره انتهى وقيل أراد البخاري بهذا التعليق شيئين أحدهما موافقة عمرو بن الحارث ليزيد بن أبي حبيب على قوله عن كريب وقد خالفهما محمد بن إسحاق فرواه عن بكر فقال عن سليمان بن يسار بدل بكير أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه وقال الدارقطني رواية يزيد وعمرو أصح والآخر أنه عن بكر بن مضر عن عمرو بصورة الإرسال فذكر قصة ما أدركها لكن قد رواه ابن وهب عن عمرو ابن الحارث فقال فيه عن كريب عن ميمونة أخرجه مسلم والنسائي من طريقه
3952 - حدثنا ( حبان بن موسى ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها كان رسول الله إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي تبتغي بذالك رضاء رسول الله
مطابقته للترجمة في قوله وهبت يومها وليلتها لعائشة فإن الترجمة هبة المرأة لغير زوجها فلا توجد المطابقة إلا إذا قلنا إن هذا هبة المرأة لغير زوجها وهو عائشة فلو قلنا إن الهبة كانت لرسول الله لا يطابق الترجمة وللعلماء قولان في هذا هل الهبة للزوج أو للضرة والمطابقة تأتي على قول من يقول للضرة على ما قلناه
وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى المروزي مر في الصلاة وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس هو ابن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وعروة هو ابن الزبير بن العوام
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشهادات عن محمد بن مقاتل وأخرجه أبو داود في النكاح عن أحمد بن عمرو بن السرح وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن ابن السرح وعن محمد بن آدم عن ابن المبارك إلى قوله خرج بها معه
قوله أقرع من أقرعت بينهم من القرعة ومنه يقال تقارعوا واقترعوا والقرعة هي السهام التي توضع على الحظوظ فمن خرجت قرعته وهي سهمه الذي وضع على النصيب فهو له قوله فأيتهن أي أية امرأة خرج منهن خرج سهمها الذي باسمها خرج بها معه أي خرج رسول الله بتلك المرإة التي خرج سهمها معه أي في صحبة رسول الله قوله تبتغي أي

(13/153)


تطلب بذلك أي بالذكور وهو ما وهبت يومها وليلتها لعائشة وأصل القرعة لتطييب النفس
ثم اختلفوا أن القرعة في كل الأسفار أو في سفر مخصوص فقال مالك في ( المدونة ) يخرج من شاء منهن في أي الأسفار شاء وقال ابن الجلاب إن أراد سفر تجارة ففيه روايتان إحداهما كالحج والغزو والأخرى لا أقراع وقال وإن أراد سفر حج أو غزو فأقرع بينهن ثم إذا انقضى سفره قضى لهن وبدأ بها أو بمن شاء غيرها وقال صاحب ( التوضيح ) لم ينقل القضاء والبداءة بغيرها أحب
61 -
( باب بمن يبدأ بالهدية )
أي هذا باب يذكر فيه حكم من يبدأ بالهدية عند التعارض في الاستحقاق
4952 - وقال ( بكر ) عن ( عمرو ) عن ( بكير ) عن ( كريب ) مولى ( ابن عباس ) أن ميمونة زوج النبي أعتقت وليدة لها فقال لها لو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك
( انظر الحديث 2952 )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن فيه شيئين عتق الوليدة وصلة بعض أخوالها فقال عليه السلام ما معناه أن صلتها لبعض أخوالها كانت أولى وأكثر للأجر ويؤيد هذا ما رواه النسائي من حديث عطاء بن السائب عن ميمونة قالت كانت لي جارية سوداء فقلت يا رسول الله إني أردت أعتق هذه فقال رسول الله أفلا تفدين بها بنت أختك أو بنت أخيك من رعاية الغنم فإن قلت الترجمة بلفظ الهدية والحديث بلفظ الصلة فكيف المطابقة قلت الهدية فيها معنى الصلة وملاحظة هذا المقدار في وجه المطابقة تكفي قوله فقال لها أي فقال رسول الله لميمونة وفي بعض النسخ فقال لها رسول الله وقد مر هذا الحديث الذي ذكره معلقا في الباب السابق والكلام فيه أيضا
5952 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي عمران الجوني ) عن ( طلحة بن عبد الله رجل من بني تيم ابن مرة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا
( انظر الحديث 9522 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو عمران الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون اسمه عبد الملك بن حبيب البصري وطلحة بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن معمر التيمي القرشي تقدم في الشفعة والحديث قد مضى في الشفعة في باب أي جوار أقرب وقد مر الكلام فيه هناك
71 -
( باب من لم يقبل الهدية لعلة )
أي هذا باب في بيان حكم من لم يقبل هدية شخص لعلة أي لأجل علة فيها مثل هدية المستقرض إلى المقرض أو هدية شخص لرجل يقضي حاجته عند أحد أو يشفع له في أمر
وقال عمر بن عبد العزيز كانت الهدية في زمن رسول الله هدية واليوم رشوة
هذا التعليق وصله ابن سعيد بقصة فيه فروي من طريق فرات بن مسلم قال اشتهى عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يجد في بيته شيئا يشتري به فركبنا معه فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح فتناول واحدة فشمها ثم رد الأطباق فقلت له في ذلك فقال لا حاجة لي فيه فقلت ألم يكن رسول الله وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يقبلون الهدية فقال إنها لأولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة والرشوة بضم الراء وكسرها وفتحها ما تؤخذ بغير عوض ويذم آخذه

(13/154)


6952 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ) أن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أخبره أنه سمع ( الصعب بن جثامة الليثي ) وكان من أصحاب النبي يخبر أنه أهدي لرسول الله حمار وحش وهو بالأبواء أو بودان وهو محرم فرده قال صعب فلما عرف في وجهي رده هديتي قال ليس بنا رد عليك ولكنا حرم
( انظر الحديث 5281 وطرفه )
مطابقته للترجمة للترجمة في قوله فرده أي رد حمار وحش الذي أهداه صعب ولم يقبله لعلة وهي كونه محرما وأبو اليمان الحكم بن نافع وقد تكرر هذا الإسناد بهؤلاء الرواة غير مرة والحديث مضى في كتاب الحج في باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا فإنه أخرجه هناك عن عبد الله ب يوسف عن مالك عن ابن شهاب وهو الزهري وقد مر الكلام فيه هناك قوله وكان من أصحاب النبي جملة معترضة قوله رده مصدر مفعول عرف أي عرف أثر الرد وهو كراهتي لذلك قوله حرم بضمتين جمع حرام بمعنى محرم نحو قذال وقذل
7952 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( أبي حميد الساعدي ) رضي الله تعالى عنه قال استعمل النبي رجلا من الأزد يقال له ابن الأتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي قال فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدي له أم لا والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع بيده حتى رأينا عفرة إبطيه أللهم هل بلغت أللهم هل بلغت ثلاثا
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن رسول الله أنكر على عامله المذكور على أخذه الهدية لأنها هدية تهدى لأجل علة وهو ظاهر وعبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وسفيان هو ابن عيينة وأبو حميد بضم الحاء المهملة اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر وقيل غير ذلك الساعدي الأنصاري
والحديث أخرجه البخاري في أواخر كتاب الزكاة في باب قول الله تعالى والعاملين عليها ( التوبة 06 ) أخرجه أيضا في الأحكام عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة في النذور عن أبي اليمان وفي ترك الحيل عن عبيد بن إسماعيل وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن جماعة غيره وأخرجه أبو داود في الجراح عن أبي الطاهر بن السرح ومحمد بن أحمد بن أبي خلف عن سفيان
قوله من الأزد بفتح الهمزة وسكون الزاي وفي آخره دال مهملة هو الأزد بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان يقال له الأزد بالزاي و الأسد بالسين وذكر في كتاب الزكاة بالسين قوله ابن الأتبية بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف المشددة ويقال اللتبية بضم اللام وسكون التاء وفتحها وكسر الباء الموحدة وفيه أربعة أقوال وقد ذكرناه في كتاب الزكاة قال الكرماني والأصح أنه باللام وسكون الفوقانية وأنها نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة قلت قال الرشاطي قيده شيخنا أبو علي الغساني بضم اللام وإسكان التاء وقال أبو بكر بن دريد بنو لتب بطن من العرب منهم ابن اللتبية رجل من الأزد له صحبة واللتب الاشتداد وهو اللصوق أيضا قوله منه أي من مال الصدقة قوله يحمله جملة حالية قوله إن كان بعيرا جواب الشرط محذوف تقديره يحمله على رقبته قوله له رغاء جملة وقعت صفة لبعير و الرغاء بضم الراء

(13/155)


صوت ذوات الخف يقال رغا يرغو رغاء وأرغيته أنا قوله لها خوار جملة وقعت صفة لبقرة و الخوار بضم الخاء المعجمة صوت البقر يقال هر الثور يخور خوارا وقال ابن التين هو بالخاء والجيم وفي ( المطالع ) المعنى واحد إلا أنه بالخاء يستعمل في الظباء والشاة وبالجيم للبقر والناس قوله تيعر صفة لشاة يقال يعرت العنز تيعر بالكسر يعار بالضم أي صاحت قال ابن الأثير وأكثر ما يقال لصوت المعز وقال الجوهري تيعر بالكسر وقال غيره بفتحها أيضا قوله عفرة إبطيه بضم العين المهملة وسكون الفاء وهي البياض الذي فيه شيء كلون الأرض وشاة عفراء يعلو بياضها حمرة وقيل هي بياض ليس بناصع ويقال هي بضم المهملة وفتحها والفاء ساكنة وبفتحها قوله هل بلغت أي قد بلغت أو هو استفهام تقريري والتكرير للتأكيد ليسمع من لا يسمع وليبلغ الشاهد الغائب
وفي الحديث أن هدايا العمال يجب أن تجعل في بيت المال وأنه ليس لهم منها شيء إلا أن يستأذنوا الإمام في ذلك كما جاء في قصة معاذ رضي الله تعالى عنه أنه طيب له الهدية فأنفذها له أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعد رسول الله وفيه كراهية قبول هدية طالب العناية ويدخل في معنى ذلك كراهة هدية المديان والمقارض وكل من هديته بسبب علة
81 -
( باب إذا وهب أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وهب الرجل هبة لآخر أو وعد لآخر وفي رواية الكشميهني أو وعد عدة ثم مات أي الذي وهب أو الذي وعد قوله قبل أن تصل أي الهبة أو العدة إليه أي إلى الموهوب له أو الموعود له ويجوز أن يكون الضمير في مات راجعا إلى الذي وهب له أو وعد له أي أو مات الذي وهب له أو مات الذي وعد له قبل أن يصل ما وهب له إليه أو مات قبل أن يصل ما وعد له إليه وجواب إذا محذوف لم يظهره لأجل الخلاف فيه بيان ذلك أن الترجمة مشتملة على شيئين أحدهما الهبة والآخر الوعد
أما الهبة فالشرط فيها القبض عند أكثر الفقهاء والتابعين وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد إلا أن أحمد يقول إن كانت الهبة عينا تصح بدون القبض في الأصح وفي المكيل والموزون لا تصح بدون القبض وعند مالك يثبت الملك فيها قبل القبض اعتبارا بالبيع وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم وهو قول ابن أبي ليلى وفي كتاب ( التفريع ) لأصحاب مالك ومن وهب شيئا من ماله لزمه دفعه إلى الموهوب له إذا طالبه به فإن أبى ذلك حكم به عليه إذا أقر وقامت عليه البينة وإن أنكر حلف عليها وبرىء منها وإن نكل عن اليمين حلف الموهوب له فيأخذها منه وإن مات الواهب قبل دفعها إلى الموهوب له فلا شيء له إذا كان قد أمكنه أخذها ففرط فيها وإن مات الموهوب له قبل قبضها قام ورثته مقامه في مطالبة الواهب بهبته واستدل أصحابنا وأصحاب الشافعي في اشتراط القبض بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه نحلها جداد عشرين وسقا الحديث ذكرناه عن قريب واستدل صاحب ( الهداية ) في ذلك بقوله ولنا قوله لا تجوز الهبة إلا مقبوضة قلت هذا حديث منكر لا أصل له بل هو من قول إبراهيم النخعي رواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) وقال أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال لا تجوز الهبة حتى تقبض والصدقة تجوز قبل أن تقبض
وأما الوعد فاختلف الفقهاء فيه فقال أبو حنيفة والشافعي والأوزاعي لا يلزم من العدة لأنها منافع لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها وقال مالك أما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له هبة فيقول نعم ثم يبدو له أن لا يفعل فلا أرى ذلك يلزمه قال ولو كان في قضاء دين فسأله أن يقضي عنه فقال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان وقال سحنون الذي يلزمه في العدة في السلف والعارية أن يقول لرجل إهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك أو أشتر سلعة كذا أو تزوج وأنا أسلفك كل ذلك مما يدخله فيه ويتشبه به فهذا كله يلزمه وأما أن يقول أنا أسلفك أو أعطيك فليس بشيء وقال أصبغ يلزمه في ذلك ما وعد به
وقال عبيدة إن ماتا وكانت فصلت الهدية والمهداى له حي فهي لورثته وإن لم تكن فصلت فهي فهي لورثة الذي أهداى

(13/156)


عبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة ابن عمرو السلماني بفتح السين المهملة وسكون اللام الحضرمي قوله إن ماتا أي المهدي والمهدى إليه قوله وكانت فصلت الهدية بالصاد المهملة من الفصل والمراد منه القبض ويروى وصلت الهدية من الوصل فالوصول بالنظر إلى المهدى إليه والفصل بالنظر إلى المهدي إذ حقيقة الإقباض لا بد لها من فصل الموهوب عن الواهب ووصله إلى المتهب وتفصيله بين أن يكون انفصلت أم لا مصير منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام المهدى إليه وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه إلا بأن يقبضها أو وكيله
وقال الحسن أيهما مات قبل فهي لورثة المهداى له إذا قبضها الرسول
الحسن هو البصري قوله أيهما أي أي واحد من المهدي والمهدى إليه مات قبل الآخر قوله فهي أي الهدية لورثة المهدى له وقال ابن بطال إن كان بعث بها المهدي مع رسوله فمات الذي أهديت إليه فإنها ترجع إليه وإن كان أرسل بها مع رسول الذي أهديت إليه فمات المهدى إليه فهي لورثته هذا قول الحكم وأحمد وإسحاق
8952 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( ابن المنكدر ) سمعت ( جابرا ) رضي الله تعالى عنه قال قال لي النبي لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا ثلاثا فلم يقدم حتى توفي النبي فأمر أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند النبي عدة أو دين فليأتنا فأتيته فقلت إن النبي وعدني فحثاى لي ثلاثا
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي وعد جابرا بشيء ومات قبل الوفاء به والحكم فيه إن وقع مثل هذا من غير النبي فالهبة لورثة الواهب وكذلك لم يكن في حق النبي لازما ولكن أبا بكر فعل ذلك على سبيل التطوع ولم يكن يلزم في ذلك شيء الشارع ولا أبا بكر رضي الله تعالى عنه وإنما أنفذ الصديق ذلك بعد موته اقتداء بطريقة رسول الله ولفعله فإنه كان أوفى الناس بعده وأصدقهم لوعده فإن قلت الترجمة هدية والذي قاله النبي وعد قلت لما كان وعد النبي لا يجوز أن يخلف نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقا بينه وبين غيره من الأمة ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي وقد تنزل الهبة التي لم تقبض منزلة الوعد بها وقال المهلب إنجاز الوعد مندوب إليه وليس بواجب والدليل على ذلك اتفاق الجميع على أن من وعد بشيء لم يضرب به مع الغرماء ولا خلاف أنه مستحسن ومن مكارم الأخلاق انتهى وقيل لم يرو عن أحد من السلف وجوب لقضاء بالعدة قلت فيه نظر لأن البخاري ذكر أن ابن الأشوع وسمرة قضيا به وفي تاريخ المستملي ) أن عبد الله بن شبرمة قضى على رجل بوعد وحبسه فيه وتلا كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( الصف 03 )
ورجال الحديث أربعة علي بن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان بن عيينة ومحمد بن المنكدر مر في الوضوء وجابر بن عبد الله والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي عن عمرو الناقد قوله البحرين على لفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان والنسبة إليه بحراني قوله ثلاثا أي ثلاث حثيات من حثيت الشيء حثيا وحثوت حثوا إذا قبضته ورميته والحثية الغرف بكف
91 -
( باب كيف يقبض العبد والمتاع )
أي هذا باب يذكر فيه كيف يقبض العبد الموهوب والمتاع الموهوب والترجمة في كيفية القبض لا في أصل القبض على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
وقال ابن عمر كنت على بكر صعب فاشتراه النبي وقال هو لك يا عبد الله
هذا التعليق ذكره البخاري موصولا في كتاب البيوع في باب إذا اشترى شيئا فوهبه من ساعته وقد تقدم الكلام

(13/157)


فيه هناك مشروحا ووجه إيراده هنا لبيان كيفية قبض الموهوب والموهوب هنا متاع فاكتفى فيه بكونه في يد البائع ولم يحتج إلى قبض آخر وقال ابن بطال كيفية القبض عند العلماء بإسلام الواهب لها إلى الموهوب له وحيازة الموهوب لذلك كركوب ابن عمر الجمل
واختلفوا في الحيازة هل هي شرط لصحة الهبة أم لا فقال بعضهم شرط وهو قول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان وابن عباس ومعاذ وشريح ومسروق والشعبي والثوري والشافعي والكوفيين وقالوا ليس للموهوب له مطالبة الواهب بالتسليم إليه لأنها ما لم يقبض عدة فيحسن الوفاء ولا يقضى عليه وقال آخرون تصح بالكلام دون القبض كالبيع روى عن علي وابن مسعود والحسن البصري والنخعي كذلك وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور إلا أن أحمد وأبا ثور قالا للموهوب له المطالبة بها في حياة الواهب وإن مات بطلت الهبة فإن قلت إذا تعين في الهبة حق الموهوب له وجب له مطالبة الواهب في حياته فكذلك بعد مماته كسائر الحقوق قلت هذا هو القياس لولا حكم الصديق بين ظهراني الصحابة وهم متوافرون فيما وهبه لابنته جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة ولم تكن قبضتها وقال لها لو كنت خزنته كان ذلك وإنما هو اليوم مال وإرث ولم يرو عن أحد من الصحابة أنه أنكر قوله ذلك ولا رد عليه
9952 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ابن مليكة ) عن ( المسور بن مخرمة ) رضي الله تعالى عنهما أنه قال قسم رسول الله أقبية ولم يعط مخرمة منها شيئا فقال مخرمة يا بني انطلق بنا إلى رسول الله فانطلقت معه فقال ادخل فادعه لي قال فدعوته له فخرج إليه وعليه قباء منها فقال خبأنا هاذا لك قال فنظر إليه فقال رضي مخرمة
مطابقته للترجمة من حيث إن نقل المتاع إلى الموهوب له قبض وبهذا يجاب عن قول من قال كيف يدل الحديث على الترجمة التي هي قبض العبد لأنه لما علم أن قبض المتاع بالنقل إليه علم منه حكم العبد وغيره من سائر المنقولات
ذكر رجاله وهم خمسة قتيبة بن سعيد والليث بن سعد وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة والمسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وأبوه مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن نوفل الزهري أسلم يوم الفتح بلغ مائة وخمس عشرة سنة ومات سنة أربع وخمسين
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بغلاني وبغلان من بلخ وأن الليث مصري وابن أبي مليكة مكي وفيه رد على من يقول إن المسور لم ير رسول الله ولم يسمع منه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن قتيبة أيضا وفي الشهادات عن زياد بن يحيى وفي الخمس عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي وفي الأدب عن الحجبي أيضا وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وعن زياد بن يحيى وأخرجه أبو داود في اللباس عن قتيبة ويزيد بن خالد كلاهما عن الليث به وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن قتيبة وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة
ذكر معناه قوله أقبية جمع قباء ممدودا وقال الجوهري القباء الذي يلبس وفي ( المغرب ) ما يدل على أنه عربي والدليل عليه ما قاله ابن دريد وهو من قبوت الشيء إذا جمعته قوله فادعه لي أي فادع رسول الله لأجلي وفي رواية تأتي قال المسور فأعظمت ذلك فقال يا بني إنه ليس بجبار فدعوته فخرج قوله فخرج إليه أي فخرج رسول الله إلى مخرمة قوله وعليه قباء جملة حالية قوله منها أي من الأقببة وظاهر هذا استعمال الحرير ولكن قالوا يجوز أن يكون قبل النهي وقيل معناه وأنهه نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله وهذا ليس بلبس ولو كان بعد التحريم قوله فقال خبأنا هذا لك إنما قال هذا للملاطفة لأنه كان في خلقه شيء وذكره في الجهاد ولفظه وكان في خلقه شدة قوله فنظر إليه أي قال المسور فنظر مخرمة إلى القباء قوله فقال رضي مخرمة قال الداودي هو من قوله معناه هل رضيت على وجه الاستفهام وقال ابن التين

(13/158)


يحتمل أن يكون من قول مخرمة
ومن فوائده الاستئلاف للقلوب وأن القبض يحصل بمجرد النقل إلى المهدى إليه
02 -
( باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وهب رجل هبة فقبضها الآخر أي الموهوب له ولم يقل قبلت وجواب إذا محذوف ولم يصرح به لمكان الخلاف فيه والجواب جازت خلافا لمن يشترط القبول قال ابن بطال لا يحتاج القابض أن يقول قبلت وهو قد قبضها قال وعلى هذا جماعة العلماء ومذهب الشافعي لا بد من الإيجاب والقبول كما في البيع وسائر التمليكات فلا يقوم الأخذ والعطاء مقامهما كما في البيع قال ولا شك أن من يصير إلى انعقاد البيع بالمعاطاة تجزيه في الهبة واختار ابن الصباغ من أصحاب الشافعي أن الهبة المطلقة لا تتوقف على إيجاب وقبول وقال الحسن البصري لا يعتبر القبول في الهبة كالعتق وهو قول شاذ خالف فيه الكافة إلا إذا أراد الهدية وعند الحنفية لا تصح الهدية إلا بالإيجاب كقوله وهبت ونحوه هذا بمجرده في حق الواهب وبالقبول كقوله قبلت والقبض فلا يتم في حق الموهوب له إلا بالقبول والقبض لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع ولكن لا يملكه الموهوب له إلا بالقبول والقبض وثمرة ذلك فيمن حلف لا يهب ولم يقبل الموهوب له يحنث وعند زفر لا يحنث إلا بقبول وقبض كما في البيع أو حلف على أن يهب فلانا فوهبه ولم يقبل بر في يمينه عندنا
00 - 6 - 2 - حدثنا ( محمد بن محبوب ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( حميد بن عبد الرحمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فقال هلكت فقال وما ذاك قال وقعت بأهلي في رمضان قال تجد رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال فجاء رجل من الأنصار بعرق والعرق المكتل فيه تمر فقال اذهب بهذا فتصدق به قال على أحوج منا يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا قال اذهب فأطعمه أهلك
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو أنه أعطى الرجل التمر المذكور فيه فقبضه ولم يقل قبلت ثم قال له إذهب فأطعم أهلك واختيار البخاري على هذا وهو أن القبض بالهبة كاف لا يحتاج أن يقول قبلت فلذلك عقد الترجمة المذكورة وذكر لها الحديث المذكور ورد عليه بوجهين أحدهما أنه لم يصرح في الحديث بذكر القبول ولا بنفيه والآخر أن هذه كانت صدقة لا هبة فلهذا لم يحتج إلى القبول
والحديث مضى في كتاب الصوم في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره وهنا أخرجه عن محمد بن محبوب أبي عبد الله البصري وهو من أفراده عن عبد الواحد بن زياد عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى والعرق بفتحتين المكتل بكسر الميم وهو الزنبيل واللابة الحرة وهي الأرض التي فيها حجارة سود ولابتا المدينة حرتان تكتنفانها
12 -
( باب إذا وهب دينا على رجل قال شعبة عن الحكم هو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وهب رجل دينا له على رجل قال شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة هو جائز وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن شعبة عنه في رجل وهب لرجل دينا له عليه قال ليس له أن يرجع فيه وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن من كان عليه دين لرجل فوهبه له ربه وأبرأه منه وقبل البراءة أنه لا يحتاج فيه إلى قبض لأنه مقبوض في ذمته وإنما يحتاج في ذلك إلى قبول الذي عليه الدين
واختلفوا إذا وهب دينا له على رجل لرجل

(13/159)


آخر فقال مالك يجوز إذا سلم إليه الوثيقة بالدين وأحله محل نفسه فإن لم يكن وثيقة وأشهدا على ذلك وأعلنا فهو جائز وقال أبو ثور الهبة جائزة أشهد أو لم يشهد إذا تقاررا على ذلك وقال الشافعي وأبو حنفة الهبة غير جائزة لأنها لا تجوز عندهم إلا مقبوضة انتهى وعند الشافعية في ذلك وجهان جزم الماوردي بالبطلان وصححه الغزالي ومن تبعه وصحح العمراني وغيره الصحة قيل والخلاف مرتب على البيع إن صححنا بيع الدين من غير من عليه فالهبة أولى وإن منعناه ففي الهبة وجهان وقال أصحابنا الحنفية تمليك الدين من غير من هو عليه لا يجوز لأنه لا يقدر على تسليمه ولو ملكه ممن هو عليه يجوز لأنه إسقاط وإبراء
ووهب الحسن بن علي عليهما السلام لرجل دينه
الحسن هو ابن علي بن أبي طالب قوله لرجل دينه أي دينه الذي عليه وهذا لا خلاف فيه لأنه في نفس الأمر إبراء
وقال النبي من كان له عليه حق فليعطه أو ليتحلله منه
هذا التعليق وصله مسدد في ( مسنده ) من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا من كان لأحد عليه حق فليعطه إياه أو ليتحلله منه قوله أو ليتحلله منه أي من صاحبه والتحلل الإستحلال من صاحبه وتحلله أي جعله في حل بإبرائه ذمته
فقال جابر قتل أبي وعليه دين فسأل النبي غرماءه أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي
جابر هو ابن عبد الله الأنصاري وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الخزرجي السلمي نقيب بدري قتل بأحد والحديث مضى موصولا في القرض وفي هذا الباب أيضا بأتم منه على ما يأتي قوله ثمر حائطي بالثاء المثلثة ويروى بالتاء المثناة من فوق والحائط هنا البستان من النخل إذا كان عليه حائط أي جدار
1062 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) وقال ( الليث ) قال حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( ابن كعب بن مالك ) أن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال أخبره أن أباه قتل يوم أحد شهيدا فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتيت رسول الله فكلمته فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم رسول الله حائطي ولم يكسره لهم ولاكن قال سأغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمره بالبركة فجددتها فقضيتهم حقوقهم وبقي لنا من ثمرها بقية ثم جئت رسول الله وهو جالس فأخبرته بذالك فقال رسول الله لعمر اسمع وهو جالس يا عمر فقال عمر ألا يكون قد علمنا أنك رسول الله والله إنك لرسول الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ولكنه بالتكلف وهو أنه سأل غرماء أبي جابر أن يقبضوا ثمر حائطه ويحللوه من بقية دينه ولو قبلوا ذلك كان إبراء ذمة أبي جابر من بقية الدين وهو في الحقيقة لو وقع كان هبة الدين ممن هو عليه وهو معنى الترجمة وهذا يدل على أن هذا الصنيع يجوز في الدين إذ لو لم يكن جائزا لما سأل النبي غرماء أبي جابر به فافهم فإنه دقيق غفل عنه الشراح
والحديث مضى في كتاب الاستقراض في باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز فإنه أخرجه هناك عن عبدان أيضا عن عبد الله هو ابن المبارك عن يونس عن الزهري إلى آخره وهنا أخرجه من طريقين أحدهما نحو الطريق الذي أخرجه في الباب المذكور والآخر معلق عن الليث عن يونس عن ابن شهاب هو الزهري

(13/160)


عن ابن كعب بن مالك قال الكرماني يحتمل أن يكون ابن كعب هذا عبد الرحمن أو عبد الله لأن الزهري يروي عنهما جميعا لكن الظاهر أنه عبد الله لأنه يروي عن جابر وهذا المعلق وصله الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث إلى آخره قوله ثمر حائطي قد مر تفسيره آنفا قوله ويحللوا أبي أي يجعلوه في حل بإبرائهم ذمته قوله فأبوا أي امتنعوا قوله ولم يكسره أي لم يكسر الثمر من النخل لهم أي لم يعين ولم يقسم عليهم قوله حين أصبح ويروى حتى أصبح والأول أوجه قوله فجددتها أي قطعتها قوله بذلك أي بقضاء الحقوق وبقاء الزيادة وظهور بركة دعاء رسول الله حتى كأنه علم من أعلام النبوة معجزة من معجزاته قوله إلا ويكون بتخفيف اللام ويروى بتشديدها ومقصود رسول الله تأكيد علم عمر رضي الله تعالى عنه وتقويته وضم حجة أخرى إلى الحجج السالفة
22 -
( باب هبة الواحد للجماعة )
أي هذا باب في بيان حكم هبة الواحد للجماعة وحكمه أنها تجوز على اختياره وقال ابن بطال غرض المصنف إثبات هبة المشاع وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة قلت إطلاق نسبة عدم جواز هبة المشاع إلى أبي حنيفة غير صحيح فإنهم ينقلون شيئا من مذهبه من غير تحرير ولا وقوف على مدركه ثم ينسبونه إليه فهذه جرأة وعدم إنصاف والمشاع الذي لا يجوز هبته فيما إذا كان مما يقسم وأما فيما لا يقسم فهي جائزة وأيضا العبرة في الشيوع وقت القبض لا وقت العقد حتى لو وهب مشاعا وسلم مقسوما يجوز
وقالت أسماء للقاسم بن محمد وابن عتيق ورثت عن أختي عائشة مالا بالغابة وقد أعطاني به معاوية مائة ألف فهو لكما
أورد البخاري هذا الأثر المعلق في معرض الاحتجاج على رد ما ذهب إليه أبو حنيفة في عدم تجويزه لهبة المشاع كما أشار إليه ابن بطال ولكن لا يساعده هذا فإن المال الذي كان بالغا به يحتمل أن يكون مما يقسم ويحتمل أن يكون مما لا يقسم وعلى كلا التقديرين لا يرد عليه لأنه إن كان مما يقسم فلا نزاع أنه يجوزه وإن كان مما لا يقسم فالعبرة للشيوع المانع وقت القبض لا وقت العقد كما ذكرناه الآن قوله قالت أسماء هي بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة رضي الله تعالى عنها والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق وقال ابن التين في كتابه القاسم بن محمد بن أبي عتيق قال وأظن الواو سقطت من كتابي لأن أبا عتيق هو عبد الرحمن بن أبي بكر وابنه اسمه عبد الله قال وعند أبي ذر وابن أبي عتيق وقال الداودي القاسم بن محمد هو ابن أخي عائشة وابن أبي عتيق ابن أخيهما قلت القاسم بن محمد بن أبي بكر هو ابن أخي أسماء وابن أبي عتيق هو أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن أخي أسماء قوله ورثت عن أختي عائشة ماتت عائشة وورثتها أختاها أسماء وأم كلثوم وأولاد أخيها عبد الرحمن ولم يرثها أولاد محمد أخيها لأنه لم يكن شقيقها فكأن أسماء أرادت جبر خاطر القاسم بذلك وأشركت معه عبد الله لأنه لم يكن وارثا لوجود أبيه قوله بالغابة بالغين المعجمة وهي في الأصل الأجمة ذات الشجر المتكاثف لأنها تغيب ما فيها ولكن المراد بها هنا موضع قريب من المدينة من عواليها وبها أموال أهلها قوله معاوية هو ابن أبي سفيان قوله لكما خطاب للقاسم وعبد الله بن أبي عتيق وهذه صورة هبة الواحد من إثنين فإن قلت الترجمة هبة الواحد للجماعة فلا مطابقة قلت يغتفر هذا المقدار لأن الجمع يطلق على الإثنين كما عرف
2062 - حدثنا ( يحيى بن قزعة ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه أن النبي أتي بشراب فشرب وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام إن أذنت لي أعطيت هؤلاء فقال ما كنت لأوثر بنصيبي منك يا رسول الله أحدا فتله في يده

(13/161)


مطابقته للترجمة ما قاله ابن بطال إنه سأل الغلام أن يهب نصيبه للأشياخ وكان نصيبه منه مشاعا متميز فدل على صحة هبة المشاع قلت فيه نظر لا يخفى وأبو حازم هو سلمة بن دينار الأعرج والحديث مر في كتاب المظالم في باب إذا أذن له أو حلله ولم يبين كم هو وتله بالتاء المثناة من فوق وتشديد اللام أي طرحه وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
32 -
( باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة والمقسومة وغير المقسومة )
أي هذا باب في بيان حكم الهبة المقبوضة إلى آخره ومراده من الترجمة هو قوله وغير المقسومة لأن حكم المقبوضة قد مضى وغير المقبوضة قد علم منه وحكم المقسومة ظاهر فلم يبق إلا بيان حكم غير المقسومة
وقد وهب النبي وأصحابه لهوازن ما غنموا منهم وهو غير مقسوم
ذكر هذا لبيان قوله في الترجمة وغير المقسومة وغرضه من هذا إقامة الدليل على صحة هبة المشاع ولكن لا يتم به الاستدلال لأن المذكور فيه لا يطلق عليه الهبة الشرعية لأن القبض شرط فيها وذكر عبد الرزاق في ( مصنفه ) وقال أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال لا تجوز الهبة حتى يقبض انتهى وقوله غير مقسوم يلزم منه أن يكون غير مقبوض أيضا فإذا لم يكن مقبوضا كيف يطلق عليه الهبة الشرعية وهذا المعلق يأتي في الباب الذي يليه بأتم منه موصولا قوله لهوازن ويروى إلى هوازن وهي قبيلة معروفة وقال الرشاطي الهوازني في قيس غيلان وفي خزاعة ففي قيس غيلان هوازن بن منصور بن عكرمة ببن حفصة بن قيس غيلان وفي خزاعة هوازن بن أسلم بن أقصى وهوازن هذا بطن وقال ابن دريد هوازن ضرب من الطير وقال ابن عبد الوارث هوزن واحد ذلك وهو فوعل وقال أبو محمد في هوازن بطون كثيرة وأفخاذ وقل من ينسب هذه النسبة
3062 - حدثنا وقال ( ثابت ) قال حدثنا ( مسعر ) عن ( محارب ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه أتيت النبي في المسجد فقضاني وزادني
ذكر هذا أيضا في معرض الاستدلال على صحة هبة المشاع ولكن لا يتم به الاستدلال لأن هذه الزيادة لم تكن هبة وإنما هي ليتيقن بها الإيفاء زيادة في الثمن والزيادة لا يؤثر فيها الشيوع فإن قلت يوجب جهالة الثمن قلت الجهالة لا تؤثر في الثمن المعين وحديث جابر هذا قد مضى مطولا في كتاب البيوع في باب شراء الدواب والحمير ومر الكلام فيه مستوفى وثابت بالثاء المثلثة ضد زائل ابن محمد أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي مات سنة عشرين ومائتين وثبت كذلك عند أبي علي ابن السكن وكذا هو في رواية الأكثرين وبه جزم أبو نعيم في ( المستخرج ) وفي رواية أبي زيد المروزي وقال ثابت ذكره بصورة التعليق وهو موصول عند الإسماعيلي وغيره وفي رواية أبي أحمد الجرجاني قال البخاري حدثنا محمد حدثنا ثابت فزاد في الإسناد محمدا وقال الغساني وفي نسخة الأصيلي حدثنا محمد حدثنا ثابت قال وحدث البخاري عن ثابت بدون الواسطة كثيرا قلت ولم يتابع الجرجاني على هذه الزيادة والظاهر أن المراد بمحمد هو البخاري المصنف ويقع مثل ذلك كثيرا فلعل الجرجاني ظنه غير البخاري قوله مسعر بكسر الميم ابن كدام وقد مر في الوضوء وغيره ومحارب بكسر الراء ضد المصالح ابن دثار ضد الشعار
4062 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( محارب ) سمعت ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما يقول بعت من النبي بعيرا في سفر فلما أتينا المدينة قال ائت المسجد فصل ركعتين فوزن قال شعبة أراه فوزن لي فأرجح فما زال منها شيء حتى أصابها أهل الشأم يوم الحرة

(13/162)


هذا طريق آخر في حديث جابر عن محمد بن بشار عن غندر وهو محمد بن جعفر عن شعبة عن محارب إلى آخره ومضى الكلام فيه وسيأتي أيضا في الشروط وإنما أدخله في هذه الترجمة لما ذكرنا في الحديث الماضي والجواب عنه مثل الجواب هناك قوله يوم الحرة أي يوم الوقعة التي كانت حوالي المدينة عند حرتها بين عسكر الشام من جهة يزيد بن معاوية وبين أهل المدينة سنة ثلاث وستين
5062 - حدثنا ( قتيبة ) عن ( مالك ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أتي بشراب وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله في يده
هذا الحديث ذكره في الباب السابق في ترجمة هبة الواحد للجماعة وهنا ذكره في ترجمة الهبة الغير المقسومة ووجه المطابقة من حيث إن فيه هبة غير مقسومة وهذا أيضا لا يقوم به الدليل فيما ذهب إليه لأن غير المقسوم غير متميز ولا يتصور فيه القبض أصلا ومن شرط صحة الهبة الشرعية القبض
6062 - حدثنا ( عبد الله بن عثمان بن جبلة ) قال أخبرني أبي عن ( شعبة ) عن ( سلمة ) قال سمعت ( أبا سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال كان لرجل على رسول الله دين فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا وقال اشتروا له سنا فأعطوها إياه فقالووا إنا لا نجد سنا إلا سنا هي أفضل من سنه قال فاشتروها فأعطوها إياه فإن من خيركم أحسنكم قضاء
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث لأن فيه أنه أمر بإعطاء سن لصاحب الدين أفضل من سنه والزيادة فيه غير مقسومة والجواب عنه مثل الجواب في الحديث الذي قبله وعبد الله بن عثمان هو الملقب بعبدان وسلمة هو ابن كهيل وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف وقد مضى الحديث في كتاب الاستقراض في باب حسن القضاء ومضى الكلام فيه هناك
42 -
( باب إذا وهب جماعة القوم )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وهب جماعة لقوم وزاد الكشميهني في روايته وهب رجل جماعة جاز وهذه الزيادة لا طائل تحتها لأنها تقدمت مفردة قبل باب
8062 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) أن ( مروان ابن الحكم والمسور بن مخرمة ) أخبراه أن النبي قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم معي ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحداى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت وكان النبي انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن النبي غير راد إليهم إلا إحداى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام في المسلمين فأثناى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء جاؤنا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذالك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول

(13/163)


ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس طيبنا يا رسول الله لهم فقال لهم إأا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى النبي فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو أن الغانمين وهم جماعة وهبوا بعض الغنيمة لمن غنموها منهم وهم قوم هوازن وأما وجه المطابقة في زيادة الكشميهني فمن جهة أنه كان للنبي سهم وهو الصفي فوهبه لهم والجواب عنه ما مر عن قريب وهذا الحديث هو المذكور في المرة الرابعة منها في كتاب الوكالة في باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز
قوله هوازن مر الكلام فيه عن قريب قوله مسلمين حال من الوفد قوله من ترون أي من العسكر قوله حتى يرفع قاله الكرماني قالوا هو بالرفع أجود قلت لم يبين وجه أجودية الرف والنصب هو الأصل لأن أن بعد حتى مقدرة فافهم وبقية الكلام قد مرت
وقال صاحب ( التوضيح ) ما ملخصه إنهم طيبوا أنفسهم ووهبوا لهم وفيه رد على قول أبي حنيفة إن هبة المشاع التي تتأتى فيها القسمة لا تجوز قلت لا وجه للرد على قول أبي حنيفة فإنه يقول هذا ليست فيه هبة شرعية وإنما هو رد سبيهم إليهم ورد الشيء لصاحبه لا يسمى هبة
وهذا الذي بلغنا من سبي هوازن هاذا آخر قول الزهري يعني فهذا الذي بلغنا
قوله هذا الذي بلغنا من كلام الزهري بينه البخاري بقوله هذا آخر قول الزهري وفي بعض النسخ قال أبو عبد الله هذا آخر قول الزهري ثم فسره بقوله يعني فهذا الذي بلغنا يعني هو هذا آخر قوله والله أعلم
52 -
( باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق )
أي هذا باب في بيان حكم من أهدي له بضم الهمزة على صيغة المجهول و هدية مرفوعة بإسناد أهدي إليه قوله وعنده أي والحال أن عند هذا الذي أهدى له جماعة وهم جلساؤه وهو جمع جليس قوله فهو أحق جواب من أي الذي أهدى له أحق بالهدية من جلسائه يعني لا يشاركون معه
ويذكر عن ابن عباس أن جلساءه شركاءه ولم يصح
لما كان وضع ترجمة الباب يخالف ما روى عن ابن عباس أن جلساءه وشركاؤه أشار إليه بصيغة التمريض بقوله ويذكر عن ابن عباس أن جلساءه أي جلساء المهدي إليه شركاؤه في الهدية ولم يكتف بذكره هذا عن ابن عباس بصيغة التمريض حتى أكده بقوله ولم يصح أي ولم يصح هذا عن ابن عباس ويحتمل أن يكون المعنى ولم يصح في هذا الباب شيء ولهذا قال العقيلي لا يصح في هذا الباب عن النبي شيء وروى هذا عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح إسنادا من المرفوع أما المرفوع فرواه البيهقي من حديث محمد بن الصلت حدثنا مندل بن علي عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال رسول الله من أهديت له هدية وعنده ناس فهم شركاؤه فيها ومندل بن علي ضعيف ورواه عبد الرزاق أيضا عن محمد بن مسلم عن عمرو عن ابن عباس ورواه أيضا عبد بن حميد من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا نحوه ولفظه وعنده قوم واختلف على عبد الرزاق عنه في وقفه ورفعه والمشهور عنه الوقف وهو أصح الروايتين عنه وله شاهد مرفوع من حديث الحسن بن علي في مسند إسحاق بن راهويه وآخر عن عائشة عند العقيلي وإسنادهما ضعيف أيضا وقال ابن بطال معنى الحديث الندب عند العلماء فيما خف من الهدايا وجرت العادة فيه وأما مثل الدور والمال الكثير فصاحبها أحق بها ثم ذكر حكاية أبي يوسف القاضي أن الرشيد أهدى إليه مالا كثيرا وهو جالس مع أصحابه فقيل له قال رسول الله جلساؤكم شركاؤكم فقال أبو يوسف إنه لم يرد في مثله وإنما ورد فيما خف من الهدايا من المأكل والمشرب ويروى من غير هذا الوجه أنه كان جالسا وعنده أحمد بن جنبل

(13/164)


ويحيى بن معين فحضر من عند الرشيد طبق وعليه أنواع من التحف المثمنة فروى أحمد ويحيى هذا الحديث فقال أبو يوسف ذاك في التمر والعجوة يا خازن إرفعه
9062 - حدثنا ( ابن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( شعبة ) عن ( سلمة بن كهيل ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه أخذ سنا فجاءه صاحبه يتقاضاه فقال إن لصاحب الحق مقالا ثم قضاه أفضل من سنه وقال أفضلكم أحسنكم قضاء
مطابقته للترجمة على ما قاله الكرماني إن الزيادة على حقه كانت هدية وقيل هبته لصاحب السن القدر الزائد على حقه ولم يشاركه غيره وفيه نظر لا يخلو عن تعسف والحديث مر عن قريب في باب الهبة المقبوضة وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي
0162 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) عن ( عمرو ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أنه كان مع النبي في سفر فكان على بكر لعمر صعب فكان يتقدم النبي فيقول أبوه يا عبد الله لا يتقدم النبي أحد فقال له النبي بعنيه فقال عمر هو لك فاشتراه ثم قال هو لك يا عبد الله فاصنع به ما شئت
( انظر الحديث 5112 وطرفه )
قال هذا الحديث لا دخل له في هذا الباب فلا مطابقة بينه وبين الترجمة قلت لأن هذا هبة لشخص معين فلا مشاركة لغيره فيها وقال ابن بطال هبته لابن عمر مع الناس فلم يستحق أحد منهم فيه شركة قلت هذا عجيب لأن الشخص إذا وهب لأحد شيئا وهو بين الناس فهل يتوهم فيه أنهم يشاركونه فيه حتى يقال هذه هبة وهبت لشخص وعنده جلساؤه فهم شركاؤه فيه بل كل منهم يتحقق أن هذا هو الأحق لتعينه من جهة الواهب وقال بعضهم هذا مصير من المصنف إلى اتحاد حكم الهدية والهبة قلت هذا أعجب من ذلك وكيف بينهما اتحاد في الحكم بل بينهما تغاير في الحكم وتباين لأن الهبة عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب وقبول وقبض والهدية ليست كذلك وأيضا قد يشترط العوض في الهبة ولا يشترط في الهدية والحديث قد مر في البيوع في باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته والبكر بفتح الباء الموحدة الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس والأنثى بكرة وصعب صفته أي شديد وقد مر هناك بقية الكلام
62 -
( باب إذا وهب بعيرا لرجل وهو راكبه فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وهب رجل بعير لرجل وهو راكبه أي والحال أن الموهوب له راكب الجمل الموهوب فهو جائز والتخلية بينه وبين البعير تتنزل منزلة القبض
1162 - وقال ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( عمرو ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كنا مع النبي في سفر وكنت على بكر صعب فقال النبي لعمر بعنيه فابتاعه فقال النبي هو لك يا عبد الله
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث مر في الباب الذي قبله وفي غيره كما ذكرناه والحميدي هو عبد الله بن عيسى القرشي الأسدي أبو بكر المكي ونسبته إلى أحد أجداده حميد وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وهما أيضا مكيان وهذا وصله الإسماعيلي فرواه عن أبي صالح عنه به وأبو نعيم عن أبي علي محمد بن أحمد عن بشر بن عيسى عنه به
72 -
( باب هدية ما يكره لبسها )
أي هذا باب في بيان حكم هدية ما يكره لبسها وفي رواية النسفي ما يكره لبسه بتذكير الضمير وكلاهما صحيح لأن كلمة

(13/165)


ما يصلح للمذكر والمؤنث والمراد بالكراهة ما هو أعم من التحريم والتنزيه وهدية ما لا يجوز لبسه جائزة فإن لصاحبها التصرف فيها بالبيع والهبة لمن يجوز لباسه كالنساء
2162 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد قال إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت حلل فأعطى رسول الله عمر منها حلة وقال أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت فقال إني لم أكسكها فكسا عمر أخا له بمكة مشركا
مطابقته للترجمة من حيث إنه أهدى تلك الحلة إلى عمر مع أنه يكره لبسها والحديث قد مر في كتاب الجمعة في باب يلبس أحسن ما يجد والحلة من برود اليمن وأنها لا تكون إلا من ثوبين إزار ورداء والوفد هم القوم يجتمعون ويردون البلاد وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك وهو جمع وافد تقول وفد يفد فهو وافد وأنا أوفدته فوفد قوله عطارد منصرف وهو علم رجل تميمي يبيع الحلل قوله أخا له أي لعمر رضي الله تعالى عنه هو أخوه من أمه وقيل من الرضاعة
3162 - حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال حدثنا ( ابن فضيل ) عن أبيه عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال أتى النبي بيت فاطمة بنته فلم يدخل عليها وجاء علي فذكرت له ذالك فذكره للنبي قال إني رأيت على بابها سترا موشيا فقال ما لي وللدنيا فأتاها علي فذكر ذالك لها فقالت ليأمرني فيه بما شاء قال ترسل به إلى فلان أهل بيت بهم حاجة
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه أمره فاطمة بإرسال ذلك الستر الموشى أي المخطط إلى آل فلان
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن جعفر بن أبي الحسين أبو جعفر الحافظ الكوفي نزل فيد بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة وهو بلد بين بغداد ومكة في نصف الطريق سواء ونسب إليها وقيل له الفيدي ذكره اللالكائي وابن عدي وابن عساكر في شيوخ البخاري الثاني محمد بن فضيل بن غزوان الثالث أبوه فضيل بن غزوان بن جرير أبو الفضل الضبي الكوفي الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن فضيل بن غزوان ليس له عن نافع عن ابن عمر في البخاري سوى هذا الحديث
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في اللباس عن واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل به وعن عثمان بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عنه نحوه
قوله أتى بيت فاطمة ويروى أتى بنته فاطمة فلم يدخل عليها وفي رواية أبي داود وقل ما كان يدخل إلا بإذنها قوله موشيا أصله موشوي فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وكسرت الشين لأجل الياء فصار نحو مرضي ونحوه قوله فذكرت له ذلك هذا قول فاطمة أي ذكرت مجيء رسول الله إلى بيتها وعدم دخوله فيه وفي رواية ابن نمير عن ابن فضيل فجاء علي فرآها مهتمة قوله فذكره للنبي أي فذكر ذلك علي للنبي كذا في رواية الأصيلي وفي رواية ابن نمير عن فضيل فقال يا رسول الله اشتد عليها أنك جئت فلم تدخل عليها قوله فقال مالي وللدنيا وفي رواية ابن نمير عن فضيل ما لي وللرقم أي المرقوم والرقم النقش قوله فقالت أي فاطمة قوله فيه أي في الستر الموشى قوله قال

(13/166)


أي النبي ترسل به أي ترسل فاطمة بذلك الستر إلى آل فلان ويروى إلى فلان بدون ذكر آل وترسل بضم اللام في رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر ترسل به بالباء وبحذف النون من غير علة وهي لغة قوله أهل بيت بالجر على البدل
وفيه كره النبي الحرير لفاطمة رضي الله تعالى عنها لأنها ممن يرغب لها في الآخرة ولا يرضى لها بتعجيل طيباتها في حياتها الدنيا وأن النهي عنه إنما هو من جهة الإسراف قال الكرماني وأقول لأن فيها صورا ونقوشا والله أعلم وفيه كراهية دخول البيت الذي فيه ما يكره وروى ابن حببان من حديث سفينة قال لم يكن رسول الله يدخل بيتا مزوقا
4162 - حدثنا ( حجاج بن منهال ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرني ( عبد الملك بن ميسرة ) قال سمعت ( زيد بن وهب ) عن ( علي ) رضي الله تعالى عنه قال أهدى إلى النبي حلة سيراء فلبستها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فرأيت الغضب في وجهه فإنه كره لبسها لعلي مع أنه أهداها إليه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن حجاج بن منهال وفي اللباس عن سليمان بن حرب وعن بندار عن غندر وأخرجه مسلم في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة عن غندر به وأخرجه النسائي في الزينة عن بندار به
قوله في حلة سيراء بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف ممدود وهو نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور وهو فعلاء من السير وهو القد هكذا يروى على الصفة وقيل على الإضافة واحتج بأن سيبويه قال لم تأت فعلاء صفة لكن إسما وشرح السيراء بالحرير الصافي معناه حلة حرير قوله فرأيت الغضب في وجهه ظاهره التحريم وأما أبو عبد الله أخو المهلب فقال هو دال على أن النهي للكراهة فقط ولو كان تحريما لما عرف الكراهة من وجهه بل نهاه فإن قلت من المهدي هذه الحلة قلت قالوا أكيدر دومة قال ابن الأثير دومة الجندل موضع بضم الدال وتفتح قوله فشققتها بين نسائي والمراد به نساء قومه ولا يريد به زوجاته إذ لم يكن لعلي رضي الله تعالى عنه زوجة في حياة رسول الله سوى فاطمة رضي الله تعالى عنها وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب ( الهدايا ) تأليفه عن علي رضي الله تعالى عنه قال فشققت منها أربعة أخمرة لفاطمة بنت أسد أمي ولفاطمة زوجتي ولفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب قال ونسي الراوي الرابعة قال عياض يشبه أن تكون فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل أخي علي وعند أبي العلاء بن سليمان فاطمة بنت أبي طالب المكناة أم هانىء وقال القرطبي قيل فاطمة بنت الوليد بن عقبة وقيل فاطمة بنت عتبة بن ربيعة
82 -
( باب قبول الهدية من المشركين )
أي هذا باب في بيان جواز قبول الهدية من المشركين وكأنه أشار بهذا إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك وهو ما أخرجه موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله وهو مشرك فأهدى له فقال إني لا أقبل هدية مشرك الحديث رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح وفي الباب عن عياض بن حمار أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال أهديث للنبي ناقة فقال أسلمت قلت لا قال إني نهيت عن زبد المشركين وقال الترمذي هذا حديث صحيح ومعنى قوله إني نهيت عن زبد المشركين يعني هداياهم قلت الزبد بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة وفي آخره دال مهملة وهو الرفد والعطاء يقال منه زبده يزبده بالكسر فأما يزبده بالضم فهو إطعام الزبد وقال الخطابي يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخا لأنه قبل هدية غير واحد من المشركين أهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له أكيدر دومة فقبل منهما وقيل إنما رد هديته ليغيظه بردها فيحمله ذلك على الإسلام وقيل ردها لأن للهدية موضعا من القلب ولا يجوز أن يميل بقلبه

(13/167)


إلى مشرك فردها قطعا لسبب الميل وليس ذلك مناقضا لقبول هدية النجاشي والمقوقس وأكيدر لأنهم أهل كتاب انتهى
قلت روى في هذا الباب عن جماعة من الصحابة عن جابر رضي الله تعالى عنه رواه ابن عدي في ( الكامل ) عنه قال أهدى النجاشي إلى رسول الله قارورة من غالية وكان أول من عمل له الغالية ولم أجد في هدايا الملوك له من حديث جابر إلا هذا الحديث والنجاشي كان قد أسلم ولا مدخل للحديث في الباب إلا أن يكون أهداه له قبل إسلامه وفيه نظر ويحتمل أن يراد بالنجاشي نجاشي آخر من ملوك الحبشة لم يسلم كما في الحديث الصحيح عند مسلم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي كتب قبل موته إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم الحديث وعن أبي حميد الساعدي قال غزونا مع النبي الحديث وفيه وأهدى ملك أيلة إلى رسول الله بغلة بيضاء فكساه رسول الله بردة وكتب له ببحرهم أخرجه الشيخان على ما يجيء إن شاء الله تعالى
وعن أنس أخرجه مسلم والنسائي من رواية قتادة عنه أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله جبة من سندس ولأنس حديث آخر رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) وأحمد والبزار في ( مسنديهما ) قال أهدى الأكيدر لرسول الله جرة من من فجعل يقسمها بيننا وقال البزار فقبلها ولأنس حديث آخر رواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية علي بن يزيد عن أنس أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله ممشقة من سندس فلبسها أورده في ترجمة علي وضعفه قلت الممشقة بضم الميم الأولى وفتح الثاني وتشديد الشين المعجمة وبالقاف هو الثوب المصبوغ بالمشق بكسر الميم وهو المغرة ولأنس حديث آخر رواه أبو داود من رواية عمارة بن زادان عن ثابت عن أنس أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله حلة أخذها بثلاثة وثلاثين ناقة فقبلها
وعن بلال بن رباح أخرجه أبو داود عنه حديثا مطولا وفيه ألم تر إلى الركائب المناخات الأربع فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلى عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك
وعن حكيم بن حزام أخرجه أحمد في ( مسنده ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال كان محمد أحب رجل في الناس إلى في الجاهلية فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد جلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى قال عبد الله حسبته قال إنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن فأعطيته حين أبي علي الهدية
وعن عبد الله بن الزبير أخرجه أحمد والطبراني أيضا من رواية عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة ابنة عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما بهدايا ضبابا وقرظا وسمنا زاد الطبراني وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فسألت عائشة رضي الله تعالى عنها النبي فأنزل الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ( الممتحنة 8 ) الآية فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها
وعن عبد الله بن عباس أخرجه الطبراني في ( الكبير ) من رواية إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن الحجاج بن علاط أهدى لرسول الله سيفه ذو الفقار ودحية الكلبي أهدى له بغلته الشهباء وفي ترجمة أبي شيبة رواه ابن عدي في ( الكامل ) وضعفه ولابن عباس حديث آخر رواه البزار في ( مسنده ) من رواية مندل عن إبن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أهدى المقوقس إلى رسول الله قدح قوارير فكان يشرب فيه
وعن حنظلة الكاتب أخرجه الطبراني في ( الكبير ) عنه أنه قال أهدى المقوقس ملك القبط إلى النبي هدية وبغلة شهباء فقبلها وعن دحية الكلبي أخرجه الطبراني في ( الكبير ) عنه أنه قال أهديت لرسول الله جبة صوف وخفين فلبسهما حتى تخرقا ولم يسأل عنهما أذكيا أم لا انتهى قلت كان ذلك قبل إسلامه وعن بريدة ابن الحصيب أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال أهدى لغير أمير القبط لرسول اللهصلى الله

(13/168)


عليه وسلم جاريتين أختين وبغلة فكان رسول الله يركبها وأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم وأما الأخرى فأعطاها حسان بن ثابت الأنصاري وعن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن عدي في ( الكامل ) عنه قال أهدى ملك الروم إلى رسول الله جرة زنجبيل فقسمها بين أصحابه وعن المغيرة بن شعبة أخرجه الترمذي من رواية الشعبي عنه قال أهدى دحية الكلبي لرسول الله خفين فلبسها وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من رواية عطاء عنها قالت أهدى المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشط وعن داود بن أبي داود عن جده أخرجه ابن قانع عنه أن النبي أهدى له قيصر جبة من سندس فأتى أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يشاورهما فقالا يا رسول الله نرى أن تلبسها يبكت الله تعالى عدوك ويسر المسلمون فلبسا وصعد المنبر الحديث وفي إسناده جهالة
ثم التوفيق بين هذه الأحاديث ما قاله الطبري بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين وقيل الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب والرد على من كان من أهل الأوثان وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء لأن ذلك من خصائصه وقيل نسخ المنع بأحاديث القبول وقيل بالعكس والله أعلم
وقال أبو هريرة عن النبي قال هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة فدخل قرية فيها مالك أو جبار فقال أعطوها آجر
ذكر هذا التعليق مختصرا
وأخرجه موصولا في كتاب البيوع في باب شراء الملوك من الحربي وقد قتدم الكلام فيه هناك وأخرجه أيضا وأخرجه أيضا موصولا في أحاديث الأنبياء عليهم السلام وقصته على ما قال علماء السير أن إبراهيم أقام بالشام مدة فقحط الشام فسار إلى مصر ومعه سارة ولوط عليهم السلام وكان بها فرعون وهو أول الفراعنة عاش دهرا طويلا واختلفوا فيه فقال قوم هو سنان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام وقيل سنان ابن الأهبوب أخو الضحاك وهو الذي بعثه إلى مصر وقام بها وقيل عمرو بن امرىء القيس بن نابليون بن سبأ وقيل طوليس وكانت سارة من أجمل النساء وكانت لا تعصي لإبراهيم عليه الصلاة و السلام شيئا فلذلك أكرمها الله تعالى فأتى الجبار رجل وقال إنه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن الناس وجها ووصف له حسنها وجمالها فأرسل الجبار إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام فقال ما هذه المرأة منك قال هي أختي وخاف إن قال امرأتي أن يقتله فقال له زينها وأرسلها إلي ولا تمتنع حتى أنظر إليها فرجع إبراهيم عليه الصلاة و السلام إلى سارة وقال لها إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله تعالى وأنه ليس في هذه الأرض مسلم غيري وغيرك ولوط ثم أقبلط سارة إلى الجبار وقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام يصلي فلما دخلت عليه ورآها فتناولها بيد فيبست إلى صدره فلما رأى ذلك فرعون أعظم أمرها وقال لها سلي إلهك أن يطلق عني فوالله لا أوذيك فقالت سارة أللهم إن كان صادقا فأطلق له يده فأطلق الله له يده وقيل فعل ذلك ثلاث مرات فلما رأى ذلك ردها إلى إبراهيم ووهب لها هاجر وهي التي ذكرت في حديث الباب آجر وهي لغة في هاجر فأقبلت سارة إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام فلما أحس بها انفتل من صلاته فقال مهيم فقالت كفى الله كيد الفاجر وأخدمني هاجر
واختلفوا في هاجر فقال مقاتل كانت من ولد هود عليه الصلاة و السلام وقال الضحاك كانت بنت ملك مصر وكان الملك ساكنا بمنف وعليه ملك آخر وقيل إنما غلبه فرعون فقتله وسبى ابنته فاسترقها ووهبها لسارة ووهبتها سارة لإبراهيم فواقعها إبراهيم عليه الصلاة و السلام فولدت إسماعيل وسارة بنت هاران أخ إبراهيم عليه الصلاة و السلام قال ابن كثير والمشهور أن سارة ابنة عمه هاران أخت لوط عليه الصلاة و السلام كما حكاه السهيلي ومن ادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذ ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل ولو فرض أنه كان مشروعا وهو منقول عن الربانيين من اليهود كان الأنبياء عليهم السلام لا يتعاطونه وقال السدي وكانت سارة بنت ملك حران وكان

(13/169)


قد بلغها خبر الخليل عليه الصلاة و السلام فآمنت به وعابت على قومها عبادة الأوثان فلما قدم الخليل حران تزوجته على أن لا يغيرها وذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة سارة وأم موسى ومريم عليهن السلام والذي عليه الجمهور أنهن صديقات
وأهديت للنبي شاة فيها سم
يأتي حديث هذه الهدية في هذا الباب موصول ويأتي الكلام فيها هناك
وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة للنبي بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم
أبو حميد الساعدي الأنصاري قيل اسمه عبد الرحمن وقيل غير ذلك والحديث المعلق مضى مطولا في كتاب الزكاة في باب خرص التمر وقد مر الكلام فيه هناك وأيلة بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف بلدة معروفة بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة وهي الآن خراب قوله وكتب له ببحرهم أي ببلدهم وحكومة أرضهم وديارهم له وهذا هو الظاهر لا البحر الذي هو ضد البر كما توهمه بعضهم
5162 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( يونس بن محمد ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( قتادة ) قال حدثنا ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال أهدي للنبي جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه قبول الهدية من المشرك لأن الذي أهداها هو أكيدر دومة على ما يجيء عن قريب وعبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي وهو من أفراده ويونس بن محمد أبو محمد المؤدب البغذذ أي شيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ابن عبد الرحمان النحوي والحديث أخرجه البخاري أيضا في صفة الجنة عن عبد الله بن محمد أيضا وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير بن حرب عن يونس بن محمد عنه به
قوله أهدي على صيغة المجهول والمهدي هو أكيدر كما ذكرناه الآن قوله سندس قال ابن الأثير السندس ما رق من الديباج ورفع وقال الداودي السندس رقيق الديباج والاستبرق غليظه وقال ابن التين الاستبرق أفضل من السندس لأنه غليظ الديباج وكل ما غلظ من الحرير كان أفضل من رقيقه قوله وكان ينهى عن الحرير جملة حالية قوله لمناديل سعد جمع منديل وهو الذي يحمل في اليد مشتق من الندل وهو النقل لأنه ينقل من يد إلى يد وقيل الندل الوسخ وفيه إشارة إلى منزلة سعد في الجنة وأن أدنى ثيابه فيها خير من هذه الجبة لأن المناديل في الثياب أدناها لأنه معد للوسخ والامتهان فغيره أفضل منه وقيل في قوله لمناديل سعد ضرب المثال بالمناديل التي يمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار ويتخذ لفافة لجيد الثياب فكانت كالخادم والثياب كالمخدوم فإذا كانت المناديل أفضل من هذه الثياب أعني جبة السندس دل على عطايا الرب جل جلاله قال فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ( السجدة 71 ) فإن قلت ما وجه تخصيص سعد به قلت لعل منديله كان من جنس ذلك الثوب لونا ونحوه أو كان الوقت يقتضي استمالة سعد أو كان اللامسون المتعجبون من الأنصار فقال منديل سيدكم خير منها أو كان سعد يجب ذلك الجنس من الثياب وقال صاحب ( الاستيعاب ) روي أن جبريل عليه الصلاة و السلام نزل في جنازته معتجرا بعمامة من استبرق
6162 - وقال ( سعيد ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي
سعيد خز تبم أبي عروبة روى عن قتادة إلى آخره وهذا تعليق وصله أحمد عن روح عن سعيد بن أبي عروبة به وقال فيه جبة سندس أو ديباج شك سعيد وأكيدر بضم الهمزة تصغير أكدر وهو ابن عبد الملك بن عبد الجن بالجيم والنون

(13/170)


ابن أعبا بن الحارث بن معاوية ينسب إلى كندة وكان النبي أرسل إليه خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في سرية فأسره وقتل أخاه حسان وقدم به إلى المدينة فصالحه النبي على الجزية وأطلقه وقال الكرماني واختلفوا في إسلامه قال في ( الجامع ) ذكر البلاذري أنه لما قدم على رسول الله أسلم وعاد إلى قومه فلما توفى رسول الله ارتد فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله وكان أكيدر ملك ومة بضم الدال عند اللغوي وفتحها عند الحديثي و الواو ساكنة وهي مدينة بقرب تبوك بها نخل وزرع ولها حصن عادي على عشر مراحل من المدينة وثمان من دمشق ويسمى دومة الجندل والجندل الحجارة والدومة مستدار الشيء ومجتمعه كأنها سميت به لأن مكانها مجتمع الأججار ومستدارها وروى أبو يعلى بإسناد قوي من حديث قيس بن النعمان أنه لما قدم أخرج قباء من ديباج منسوجا بالذهب فرده النبي ثم إنه وجد في نفسه من رد هديته فرجع به فقال له النبي إدفعه إلى عمر رضي الله تعالى عنه الحديث وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه عن مسلم عند مسلم أن أكيدر دومة أهدى للنبي ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم وقد ذكرنا الفواطم في الباب الذي قبل هذا الباب
7162 - حدثنا ( عبد الله بن عبد الوهاب ) قال حدثنا ( خالد بن الحارث ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( هشام بن زيد ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن يهودية أتت النبي مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل ألا نقتلها فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله
مطابقته للترجمة من حيث إنه قبل هدية تلك اليهودية وأكله منها يدل على قبوله إياها وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري مات في سنة ثمان وعشرين ومائتين وهو من أفراده وخالد بن الحارث بن سليم الهجيمي البصري وهشام بن زيد بن أنس بن مالك
والحديث أخرجه مسلم في الطب عن يحيى بن حبيب وعن هارون الجمال وأخرجه أبو داود في الديات عن يحيى بن حبيب
قوله يهودية اسمها زينب واختلف في إسلامها قوله في لهوات جمع لهات بفتح اللام قال الجوهري اللهاة الهنة المطبقة في أقصى سقف الحلق والجمع اللها واللهوات واللهياة وقال عياض هي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم وقال الداودي لهواته ما يبدو من فيه عند التبسم وفي ( المغرب ) اللهاة لحمة مشرفة على الحلق
وفي الحديث دلالة على أكل طعام من يحل أكل طعامه دون أن يسأل عن أصله وفيه حمل الأمور على السلامة حتى يقوم دليل على غيرها وكذلك حكم ما بيع في سوق المسلمين وهو محمول على السلامة حتى يتبين خلافها
8162 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( المعتمر بن سليمان ) عن أبيه عن ( أبي عثمان ) عن ( عبد الرحمان ابن أبي بكر رضي الله ) تعالى عنهما قال كنا مع النبي ثلاثين ومائة فقال النبي هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي بيعا أم عطية أو قال هبة قال لا بل بيع فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي البطن أن يشوى وايم الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز بسواد النبي له حزة من سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاها إياه وإن كان غائبا خبأ له فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال
مطابقته للترجمة في قوله أم عطية والعطية تطلق على الهدية وعلى الهبة ولهذا قال أم هبة وفيه دلالة على جواز قبول هدية المشرك لأنه لو لم يجز لما قال أم عطية وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري والمعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي البصري يروي عن أبيه وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون الكوفي سكن

(13/171)


البصرة أدرك الجاهلية وأسلم على عهد النبي وصدق به ولم يره مات سنة إحدى وثمانين بالبصرة وهو ابن أربعين ومائة سنة والحديث مضى في كتاب البيوع في باب الشراء والبيع مع المشركين
قوله فإذا مع رجل كلمة إذا للمفاجأة قوله أو نحوه بالرفع عطف على الصاع والضمير فيه يرجع إلى الصاع قوله مشعان بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة وفي آخره نون مشددة وقال الكرماني ويروى بكسر الميم وقال هو ثائر الرأس أشعث وقال القزاز هو الحافي الثائر الرأس وفي بعض الرواية وقع بعد قوله مشعان طويل جدا فوق الطول وهو تفسير البخاري وقع في رواية المستملي قوله بيعا أعطيه منصوبان بفعل مقدر تقديره تبيع بيعا أو تعطي عطية قوله أو قال شك من الراوي في أنه قال عطية أم هبة قوله فاشترى منه أي من الرجل وفي رواية الكشميهني فاشترى منها أي من الغنم قوله فصنعت أي ذبحت قوله بسواد البطن هو الكبد قاله النووي وقال الكرماني اللفظ أعم منه يعني يتناول كل ما في البطن من كبد وغيره قلت الذي قاله النووي أقوى في المعجزة قوله وأيم الله قسم يعني من ألفاظ القسم نحو لعمر الله وعهد الله وفيه لغات كثيرة وتفتح همزتها وتكسر وهي همزة وصل وقد تقطع وأهل الكوفة من النحاة يزعمون أنه جمع يمين وغيرهم يقولون هي اسم موضوع للقسم قوله حز بالحاء المهملة والزاي معناه قطع قوله حزة بضم الحاء المهملة وهي القطعة من اللحم وغيره وقال الكرماني ويروى بفتح الجيم قوله أعطاها إياه أي أعطى الحزة إياه أي الشاهد أي الحاضر وقال بعضهم هو من القلب وأصله أعطاه إياها قلت لا حاجة إلى دعوى القلب فيه بل العبارتان سواء في الاستعمال قوله أجمعون بالرفع تأكيد للضمير الذي في أكلوا ثم إنه يحتمل الوجهين أحدهما أنهم اجتمعوا كلهم على القصعتين فأكلوا مجتمعين وفيه معجزة أخرى وهي اتساع القصعتين حتى تمكنت منها أيادي القوم كلهم والوجه الآخر أنهم أكلوا كلهم من القصعتين على أي وجه كان قوله فحملناه أي الطعام ولو أريد القصعتان لقيل حملناهما وفي الأطعمة وفضل في القصعتين وكذا في رواية مسلم فالضمير حينئذ يرجع إلى القدر الذي فضل قوله أو كما قال شك من الراوي
قال الكرماني قالوا فيه معجزتان إحداهما تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد والأخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين ففضلت فضلة حملوها لعدم الحاجة إليها قلت فيه أربع معجزات الأولى تكثير الصاع والثانية تكثير سواد البطن والثالثة اتساع القصعتين لتمكن أيادي هؤلاء العدد والرابعة الفضلة التي فضلت بعد شبعهم واكتفائهم وفيه المواساة بالطعام عند المسبغة وتساوي الناس في ذلك وفيه ظهور البركة عند الاجتماع على الطعام وفيه تأكيد الخبرة بالقسم وإن كان المخبر صادقا وقال بعضهم وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي لأن هذا الأعرابي كان وثنيا قلت ليس فيه شيء يدل على أنه كان وثنيا فإن قال علم ذلك من الخارح فعليه البيان
92 -
( باب الهدية للمشركين )
أي هذا باب في بيان حكم الهدية الواقعة للمشركين وحكمها أنها تجوز للرحم منهم كما سنذكره إن شاء الله تعالى
وقول الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ( الممتحنة 8 )
وقول الله بالجر عطف على قوله الهدية أي وفي بيان قول الله تعالى لا ينهاكم الله ( الممتحنة 8 ) إلى آخر الآية في رواية أبي ذر وأبي الوقت وفي رواية الباقين ذكر إلى قوله وتقسطوا إليهم ( الممتحنة 8 ) والمراد من ذكر الآية بيان من تجوز له الهدية من المشركين ومن لا تجوز وليس حكم الهدية إليهم على الإطلاق ثم الآية الكريمة نزلت في قتيلة امرأة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر فأهدت لها قرظا وأشياء فكرهت قبولها حتى ذكرته لرسول الله فنزلت الآية المذكورة كذا قاله الطبري وقيل نزلت في مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين ولم يخرجوهم من ديارهم وقال مجاهد هو خطاب للمؤمنين الذين بقوا بمكة ولم يهاجروا والذين قاتلهم كفار أهل مكة وقال السدي كان هذا

(13/172)


قبل أن يؤمروا بقتال المشركين كافة فاستشار المسلمون رسول الله في قراباتهم من المشركين أن يبروهم ويصلوهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال قتادة وابن زيد ثم نسخ ذلك ولا يجوز الإهداء للمشركين إلا للأبوين خاصة لأن الهدية فيها تأنيس للمهدى إليه وألطاف له وتثبيت لمودته وقد نهى الله تعالى عن التودد للمشركين بقوله لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوأدون من حاد الله ورسوله ( المجادلة 22 ) الآية وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ( الممتحنة 1 ) قوله أن تبروهم وتقسطوا إليهم أي أن تحسنوا إليهم وتعاملوهم فيما بينكم بالعدل وتقسطوا بضم التاء من الإقساط وهو العدل يقال أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكا إليه فأشكاه أي أزال شكواه
9162 - حدثنا ( خالد بن مخلد ) قال حدثنا ( سليمان بن بلال ) قال حدثني ( عبد الله بن دينار ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال رأى عمر حلة على رجل تباع فقال للنبي ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد فقال إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة فأتي رسول الله منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة فقال عمر كيف ألبسها وقد قلت ما قلت قال إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها فأرسل بها عمر إلى إخ له من أهل مكة قبل أن يسلم
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه وهو أن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل تلك الحلة التي أرسلها إليه رسول الله إلى أخ له بمكة وهو مشرك فدل ذلك على جواز الإهداء للرحم من المشركين وهذا أوضح الحكم في إطلاق الترجمة وأنها ليست على إطلاقها وقد مضى الحديث في كتاب الجمعة في باب يلبس أحسن ما يجد فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر ومضى أيضا عن قريب في باب هدية ما يكره لبسها عن عبيد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهنا أخرجه عن خالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي الكوفي وقد مر الكلام فيه مستقصى
0262 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله تعالى عنهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله فاستفتيت رسول الله قلت وهي راغبة أفأصل أمي قال نعم صلي أمك
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد بضم العين مصغر عبد ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجزية عن قتيبة وفي الأدب عن الحميدي وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي كريب وعن ابن أبي شيبة وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن أبي شعيب
ذكر معناه قوله عن هشام عن أبيه وفي رواية ابن عيينة الآتية في الأدب أخبرني أبي قوله عن أسماء وفي رواية ابن عيينة أخبرتني أسماء كذا قال أكثر أصحاب ابن هشام وقال بعض أصحاب ابن عيينة عنه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قال الدارقطني وهو خطأ وحكى أبو نعيم أن عمر بن علي المقدم ويعقوب القاري روياه عن هشام كذلك وإذا كان كذلك يحتمل أن يكونا محفوظين ورواه أبو معاوية وعبد الحميد بن جعفر عن هشام فقالا عن عروة عن عائشة وكذا أخرجه ابن حبان من طريق الثوري عن هشام قال البرقاني الأول أثبت وأشهر قوله قدمت على أمي وفي رواية الليث عن هشام كما يأتي في الأدب قدمت أمي مع ابنها وذكر الزبير أن اسم ابنها الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمر ابن مخزوم
ثم اختلف في هذه الأم فقيل كانت ظئرا لها وقيل كانت أمها من الرضاعة وقيل كانت أمها من النسب وهو

(13/173)


الأصح والدليل عليه ما رواه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير قال قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في المدينة وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها فأرسلت إلى عائشة سلي رسول الله فقال لتدخلها الحديث وقد ذكرناه في باب قبول الهدية من المشركين واختلفوا في اسمها فقال الأكثرون إنها قتيلة بضم القاف وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وقال الزبير بن بكار أسمها قتلة بفتح القاف وسكون التاء المثناة من فوق وقال الداودي اسمها أم بكر وقال ابن التين لعله كنيتها والصحيح قتيلة بضم القاف على صيغة التصغير بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن نصر بن مالك بن حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين ابن عامر بن لؤي وذكرها المستغفري في جملة الصحابة وقال تأخر إسلامها وقال أبو موسى المديني ليس في شيء من الحديث ذكر إسلامها قوله وهي مشركة جملة حالية قوله في عهد رسول الله أي في زمنه وأيامه وفي رواية حاتم في عهد قريش إذ عاقدوا رسول الله وأراد بذلك ما بين الحديبية والفتح قوله وهي راغبة قال بعضهم أي في الإسلام وقال بعضهم أي في الصلة وفيه نظر لأنها جاءت أسماء ومعها هدايا من زبيب وسمن وغير ذلك قلت وفي النظر نظر لأنها ربما كانت تأمل أن تأخذ أكثر مما أهدت وقال بعضهم راغبة أي عن ديني أي كارهة له وعند أبي داود راغمة بالميم أي كارهة للإسلام وساخطة علي وقال بعضهم هاربة من الإسلام وعند مسلم أو راهبة وكان أبو عمرو بن العلاء يفسر قوله مراغما بالخروج عن العدو على رغم أنفه وقال ابن قرقول راغبة رويناه نصبا على الحال ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ وقال ابن بطال لو أرادت به المضي لقالت مراغمة وهو بالباء أظهر ووقع في كتاب ابن التين داعية ثم فسرها بقوله طالبة ويروي معترضة له
ومما يستفاد منه جواز صلة الرحم الكافرة كالرحم المسلمة وفيه مستدل لمن رأى وجوب النفقة للأب الكافر والأم الكافرة على الولد المسلم وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة وفيه السفر في زيارة القريب وفيه فضيلة أسماء حيث تحرت في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم
03 -
( باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته )
أي هذا باب يذكر فيه لا يحل إلى آخره فإن قلت ليس لفظ لا يحل ولا لفظ يدل عليه في أحاديث الباب وكيف يترجم بهذه الترجمة قلت قيل إنه ترجم بهذه الترجمة لقوة الدليل عنده فيها ولكن يعكر عليه بشيئين الأول أنه يرى للوالد الرجوع فيما وهبه لولده فكيف يقول هنا لا يحل لأحد أن يرجع في هبته والكرة في سياق النفي تقتضي العموم وانتهض بعضهم مساعدة له فقال يمكن أن يرى صحة الرجوع له وإن كان حراما بغير عذر قلت سبحان الله ما أبعد هذا عن منهج الصواب لأنه كيف يرى صحة شيى مع كونه في نفس الأمر حراما وبين كون الشيء صحيحا وبين كونه حراما منافاة فالصحيح لا يقال له حرام ولا الحرام يقال له صحيح والثاني أنه قيل في ترجمته بهذه الترجمة لقوة الدليل عنده فإن كانت هذه القوة لدليله بحديث ابن عباس فذا لا يدل على عدم الحل لأنا قد ذكرنا في أوائل باب هبة الرجل لأمرأته أن جعله العائد في هبته كالعائد في قيئه من باب التشبيه من حيث إنه ظاهر القبح مروءة لا شرعا فلا يثبت بذلك عدم الحل في الرجوع حتى يقال لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وأيضا كيف تثبت القوة لدليله مع ورود قوله الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه الدارقطني في ( سننه ) وابن أبي شيبة في مصنفه وروى عن ابن عباس أيضا قال قال رسول الله من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها رواه الطبراني فإن قال المساعد له هذان الحديثان لا يقاومان حديثه الذي رواه في هذا الباب قلت ولئن سلمنا ذلك فما يقول في حديث ابن عمر أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) عنه أن النبي قال من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ورواه الدارقطني أيضا في سننه فإن قال مساهلة الحاكم في التصحيح مشهورة يقال له حديث ابن عمر صحيح مرفوعا ورواته ثقات كذا قال عبد الحق في الأحكام وصححه ابن حزم أيضا ففيه الكفاية لمن يهتدي إلى مدارك الأشياء ومسالك الدلائل

(13/174)


1262 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام وشعبة ) قالا حدثنا ( قتادة ) عن ( سعيد بن المسيب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي العائد في هبته كالعائد في قيئه
ليس فيه لفظ يدل على لفظ الترجمة ولا يتم به استدلاله على نفي حل الرجوع عن هبته وهشام هو الدستوائي والحديث مر عن قريب وقال ابن بطال جعل رسول الله الرجوع في الهبة كالرجوع في القيء وهو حرام فكذا الرجوع في الهبة قلنا الراجع في القيء هو الكلب لا الرجل والكلب غير متعبد بتحليل وتحريم فلا يثبت منع الواهب من الرجوع فهو يدل على تنزيه أمنه من أمثال الكلب لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم فإن قلت روي لا يحل لواهب أن يرجع في هبته قلت قال الطحاوي قوله لا يحل لا يستلزم التحريم وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا تحل له من حيث تحل لغيره من دون الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة قال وقوله كالعائد في قيئه وإن اقتضى التحريم لكون القيء حراما لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب يدل على عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراما عليه والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب واعترض عليه بعضهم بقوله ما تأوله مستبعد وينافي سياق الأحاديث وأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله من لعب بالنرد شير فكأنما غمس يده في لحم خنزير انتهى قلت لا يستبعد إلا ما قاله هذا المعترض حيث لم يبين وجه الاستبعاد ولا بين وجه منافرة سياق الأحاديث ونحن ما ننفي المبالغة فيه بل نقول المبالغة في التغليظ في الكراهة وقبح هذا الفعل وكل ذلك لا يقتضي منع الرجوع فافهم
2262 - حدثنا ( عبد الرحمان بن المبارك ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن عبد الله بن المبارك العيشي بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة يعني أبا بكر وليس هذا بأخي عبد الله بن المبارك المروزي والرواة كلهم بصريون إلا عكرمة وابن عباس فإنهما سكنا فيها مدة وفي بعض النسخ وحدثني عبد الرحمن بصيغة الإفراد واو العطف قوله ليس لنا مثل السوء يعني لا ينبغي لنا يريد به نفسه والمؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة تشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها وقد يطلق المثل على الصفة الغريبة العجيبة الشأن سواء كان في صفة مدح أو ذم قال الله تعالى والذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى ( النحل 06 ) قالوا هذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضها قلنا هذا المثل يدل على التنزيه وكراهة الرجوع لا على التحريم ويستدل بحديث عمر رضي الله تعالى عنه حين أراد شراء فرس حمل عليه في سبيل الله فسأل عن ذلك رسول الله فقال لا تبتغه وإن أعطاكه بدرهم الحديث يأتي الآن فلما لم يكن من هذا القول موجبا حرمه ابتياع ما تصدق به فكذلك هذا الحديث لم يكن موجبا حرمة الرجوع في الهبة
3262 - حدثنا ( يحيى بخ قزعة ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( زيد بن أسلم ) عن أبيه قال سمعت ( عمر ابن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه يقول حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبي فقال لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه
مطابقته للترجمة تتعين أن يقال في قوله فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه والذي يفهم من صنيع البخاري أنه

(13/175)


لا يفرق بين الهبة والصدقة وليس كذلك فإن الهبة يجوز الرجوع فيها على ما فيه من الخلاف والتفصيل بخلاف الصدقة فإنه لا يجوز الرجوع فيها مطلقا والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب هل يشتري صدقته فإنه أخرجه هناك عن عبد الله ابن يوسف عن مالك إلى آخره وأخرجه هنا عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي وهو من أفراده عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أبي خالد مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد مر الكلام فيه هناك
قوله عن زيد ن أسلم سيأتي في آخر حديث في الهبة عن الحميدي حدثنا سفيان سمعت مالكا يسأل زيد بن أسلم قال سمعت أبي فذكره مختصرا ولمالك فيه إسناد آخر سيأتي في الجهاد عن نافع عن ابن عمر وله فيه إسناد قالت عن عمرو بن دينار عن ثابت الأحنف عن ابن عمر أخرجه أبو عمر قوله سمعت عمر بن الخطاب زاد ابن المديني عن سفيان على المنبر وهي للموطآت للدارقطني قوله حملت على فرس أي تصدقت به ووهبته بأن يقاتل عليه في سبيل الله وفي رواية القعنبي في ( الموطأ ) على فرس عتيق والعتيق الكريم الفائق من كل شيء وهذا الفرس هو الذي أهداه تميم الداري لرسول الله يقال له الورد فأعطاه عمر رضي الله تعالى عنه فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع وهذا رواه الواقدي عن سهل بن سعد في تسمية خيل النبي فإن قلت كيف كيفية الحمل عليه قلت ظاهره يقتضي حمل تمليك ليجاهد به ولو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه قوله فأضاعه الذي كان عنده أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مؤونته وخدمته وقيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته وقيل استعمله في غير ما جعل له قوله لا تشتره نهي للتنزيه لا للتحريم قاله الكرماني قلت هكذا هو عند الجمهور وحمله قوم على التحريم وليس بظاهر والله أعلم ثم إن هذا النهي مخصوص بالصورة المذكورة وما أشبهها لا فيما إذا رده إليه الميراث مثلا
13 -
( باب )
إن قدر شيء معه يكون معربا وإلا فلا لأن الإعراب لا يكون إلا بالعقد والتركيب وهو كالفصل لأن الكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول
4262 - حدثنا حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام بن يوسف ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ) أن بني صهيب مولى ابن جدعان ادعوا بيتين وحجرة أن رسول الله أعطى ذلك صهيبا فقال مروان من يشهد لكما على ذالك قالوا ابن عمر فدعاه فشهد لأعطى رسول الله صهيبا بيتين وحجرة فقضى مروان بشهادته لهم
قال ابن بطال ذكر هذا الحديث في كتاب الهبة لأن فيه أن النبي وهب صهيبا ذلك وقال ابن التين أتى البخاري بهذه القصة هنا لأن العطايا نافذة وقال بعضهم ومناسبته لها أن الصحابة بعد ثبوت عطية النبي ذلك لصهيب لم يستفصلوا هل رجع أو لا فدل على أن لا أثر للرجوع في الهبة انتهى قلت أما ما ذكره ابن بطال وابن التين فله وجه ما وأما القول الثالث فلا وجه له أصلا لأن الموهوب له إذا مات لا رجوع فيه أصلا عند جميع العلماء وأما عند الحنفية فلأن الرجوع امتنع بالموت وأما عند غيرهم فلا رجوع من الأول أصلا لأن الموهوب له إذا مات لا رجوع فيه أصلا عند جميع العلماء وأما عند الحنفية فلأن الرجوع امتنع بالموت وأما عند غيرهم فلا رجوع من الأول أصلا إلا في موضع مخصوص واستفصال الصحابة وعدم استفصالهم في الرجوع وعدمه بعد موت الواهب لا دخل له هنا فلا فائدة في قوله فدل على أن لا أثر في الرجوع في الهبة لأن الرجوع لم يبق أصلا فالرجوع وعدمه غير مبنيين على الاستفصال وعدمه حتى يكون عدم استفصالهم دالا على عدم الرجوع وعدم الرجوع هنا متحقق بدون ذلك أقول لذكر هذا الحديث هنا وجه حسن وهو أنه أشار به إلى أن حكم الهبة عند وقوع الدعوى بين المتواهبين أو بين ورثتهم كحكم سائر الدعاوى في أبواب الفقه فيما يحتاج إليه من الحاكم وإقامة الشهود واليمين وغير ذلك فافهم

(13/176)


ذكر رجاله وهم أربعة الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق المروزي يعرف بالصغير الثاني هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي الرابع عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة المكي قاضي ابن الزبير والحديث تفرد به البخاري
ذكر معناه قوله أن بني صهيب بضم الصاد ابن سنان بن خالد الموصلي ثم الرومي ثم المكي ثم المدني كان من السابقين الأولين والمعذبين في الله أبو يحيى وقيل أبو غسان سبته الروم من نينوى وأمه سلمى من بني مازن بن عمرو بن تميم كان أبوه أو عمه عاملا لكسرى على الأبلة وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صهيبا وهو غلام صغير فنشأ بالروم فصار ألكن فابتاعه كلب منهم فقدموا به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة فأعتقه فأقام معه بمكة إلى أن هلك ابن جدعان ثم هاجر إلى المدينة في النصف من ربيع الأول وأدرك رسول الله بقباء قبل أن يدخل المدينة وشهد بدرا ومات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وأما بنو صهيب فهم حمزة وسعد وصالح وصيفي وعباد وعثمان وحبيب ومحمد وكلهم رووا عنه
قوله فقال مروان هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي وكان يومئذ أمير المدينة لمعاوية بن أبي سفيان قوله بيتين وحجرة بيتين تثنية بيت قال صاحب ( المغرب ) البيت اسم لمسقف واحد وأصله من بيت الشعر أو الصوف سمى به لأنه يبات فيه وقال ابن الأثير بيت الرجل داره وقصره قلت الدار لا تسمى بيتا لأنها مشتملة على بيوت والحجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم هو الموضع المنفرد في الدار وذكر عمر بن شبة في ( أخبار المدينة ) أن بيت صهيب كان لأم سلمة فوهبته لصهيب فلعلها أعطته بإذن النبي والظاهر أن الذي وقع عليه الدعوى غير ذلك قوله من شهد لكما قال الكرماني فإن قلت لفظ بني صهيب جمع وهذا مثنى قلت أقل الجمع اثنان عند بعضهم انتهى قلت لا يحتاج إلى هذا التعسف بل الجواب أن الذي أدعى كان اثنين منهم فخاطبهما مروان بصيغة الإثنين لأن الحاكم لا يخاطب إلا الذي بدعي وفي رواية الإسماعيلي فقال مروان من يشهد من يشهد لكم فهذه الرواية لا إشكال فيها قوله قالوا ابن عمر أي يشهد بذلك عبد الله بن عمر قوله فدعاه أي فدعا مروان عبد الله بن عمر فشهد بذلك وقال ) لأعطي رسول الله واللام فيه مفتوحة لأنها لام القسم والتقدير والله لأعطي رسول الله قوله فقضى مروان بشهادته لهم أي حكم مروان بشهادة ابن عمر لبني صهيب بالبيتين والحجرة
وقال ابن بطال كيف قضى مروان بشهادة ابن عمر وحده ثم قال فالجواب أن مروان إنما حكم بشهادته مع يمين الطالب على ما جاء في السنة من القضاء باليمين مع الشاهد قيل فيه نظر لأنه لم يذكر في الحديث قلت ليس كذلك لأن القاعدة المستمرة تنفي الحكم بشاهد واحد فلا بد من شاهدين أو من شاهد ويمين عند من يراه بذلك فإن قلت قد استدل بعضهم بقول بعض السلف كشريح القاضي أنه قال الشاهد الواحد إذا انضمت إليه قرينة تدل على صدقه ألا ترى أن أبا داود ترجم في ( سننه ) باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم وساق قصة خزيمة بن ثابت وسبب تسميته ذا الشهادتين قلت الجمهور على أن ذلك لا يصح وأن قصة خزيمة مخصوصة به وقال ابن التين قضاء مروان بشهادة ابن عمر يحتمل وجهين أحدهما أنه يجوز له أن يعطي من مال الله من يستحق العطاء فينفذ ما قيل له إن سيدنا رسول الله أعطاه فإن لم يكن كذلك كان قد أمضاه وإن كان غير ذلك كان هو المعطي عطاء صحيحا وقد يكون هذا خاصا في الفيء لأن النبي أعطى أبا قتادة بدعواه وشهادة من كان السلب عنده الوجه الثاني أنه ربما حكم الإمام بشهادة المبرز في العدالة وجده وقد قال بعض فقهاء الكوفة حكم شريح بشهادتي وحدي في شيء قال وأخطأ شريح قال والوجه الأول الصحيح
23 -
( باب ما قيل في العمراى والرقباى )
ثبتت البسملة في رواية الأصيلي وكريمة قبل لفظ باب قوله باب ما قيل أي هذا باب في بيان ما قيل في أحكام

(13/177)


العمري والرقبى العمرى بضم العين المهملة وسكون الميم مقصورا وحكي بضم العين والميم جميعا وبفتح العين وسكون الميم وقال ابن سيده العمرى مصدر كالرجعى وأصل العمرى مأخوذ من العمر والرقبى بوزن العمرى كلاهما على وزن فعلى وأصل الرقبى من المراقبة فإن قلت ذكر في الترجمة العمرى والرقبى ولم يذكر في الباب إلا حديثين في العمرى ولم يذكر شيئا في الرقبى قلت قيل إنهما متحدان في المعنى فلذلك اقتصر على العمرى على أن النسائي روى بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا العمرى والرقبى سواء قلت هذا الجواب غير مقنع لأنا لا نسلم الاتحاد بينهما في المعنى فالعمرى من العمر والرقبى من المراقبة وبينهما فرق في التعريف على ما يجيء بيانه ومعنى قول ابن عباس هما سواء يعني في الحكم وهو الجواز لا أنهما سواء في المعنى
أعمرته الدار فهي عمراى جعلتها له
أشار بهذا إلى تفسير العمرى وهو أن يقول الرجل لغيره أعمرته داري أي جعلتها له مدة عمري وقال أبو عبيد العمرى أن يقول الرجل للرجل داري لك عمرك أو يقول داري هذه لك عمري فإذا قال ذلك وسلمها إليه كانت للمعمر ولم ترجع إليه إن مات وكذا إذا قال أعمرتك هذه الدار أو جعلتها لك حياتك أو ما بقيت أو ما عشت أو ما حييت وما يفيد هذا المعنى
وقال شيخنا رحمه الله العمرى على ثلاثة أقسام
أحدها أن يقول أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لعقبك أو ورثتك فهذه صحيحة عند عامة العلماء وذكر النووي أنه لا خلاف في صحتها وإنما الخلاف هل يملك الرقبة أو المنفعة فقط وسنذكره إن شاء الله تعالى
القسم الثاني أن لا يذكر ورثته ولا عقبه بل يقول أعمرتك هذه الدار أو جعلتها لك أو نحو هذا ويطلق ففيها أربعة أقوال أصحها الصحة كالمسألة الأولى ويكون له ولورثته من بعده وهو قول الشافعي في الجديد وبه قال أبو حنيفة وأحمد وسفيان الثوري وأبو عبيد وآخرون القول الثاني أنها لا تصح لأنه تمليك مؤقت فأشبه ما لو وهبه أو باعه إلى وقت معين وهو قول الشافعي في القديم الثالث أنها تصح ويكون للمعمر في حياته فقط فإذا مات رجعت إلى المعمر أو إلى ورثته إن كان قد مات وحكى هذا أيضا عن القديم الرابع أنها عارية يستردها المعمر متى شاء فإذا مات عادت إلى ورثته
القسم الثالث أن لا يذكر العقب ولا الورثة ولا يقتصر على الإطلاق بل يقول فإذا مت رجعت إلي أو إلى ورثتي إن كنت مت فإن قلنا بالبطلان في حالة الإطلاق فههنا أولى وكذلك في الإطلاق بالصحة وعودها بعد موت المعمر إلى المعمر وإن قلنا إنها تصح في حالة الإطلاق ويتأبد الملك ففيه وجهان لأصحاب الشافعي أحدهما عدم الصحة قال الرافعي وهو أسبق إلى الفهم ورجحه القاضي ابن كج وصاحب التمة وبه جزم الماوردي والثاني يصح ويلغو الشرط وعزاه الرافعي للأكثرين
ثم اختلف العلماء فيما ينتقل إلى المعمر هل ينتقل إليه ملك الرقبة حتى يجوز له البيع والشراء والهبة وغير ذلك من التصرفات أو إنما تنتقل إليه المنفعة فقط كالوقف فذهب الجمهور إلى أن ذلك تمليك للرقبة وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وذهب مالك إلى أنه إنما يملك المنفعة فقط فعلى هذا فإنها ترجع إلى المعمر إذا مات المعمر عن غير وارث أو انقرضت ورثته ولا يرجع إلى بيت المال
ثم ههنا مسائل متعلقة بهذا الباب
الأولى العمرى المذكورة في أحاديث هذا الباب وفي غيره هل هي عامة في كل ما يصح تمليكه من العقار والحيوان والأثاث وغيرها أو يختص ذلك بالعقار الجواب أن أكثر ورود الأحاديث في الدور والأراضي فإما أن يكون خرج مخرج الغالب فلا يكون له مفهوم ويعم الحكم كل ما يصح تمليكه أو يقال هذا الحكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر على مورد النص فلا يتعدى به إلى غيره قال شيخنا لم أر من تعرض لذلك إلا أن الرافعي مثل في أمثلة العمري بغير العقار فقال ولو قال داري لك عمرك فإذا مت فهي لزيد أو عبدي لك عمرك فإذا مت فهو حر تصح العمرى على قولنا الجديد ولغى المذكور بعدها فعلم من هذا جريان الحكم في العبيد وغيرهم
الثانية هل يستوي في العمرى تقييد ذلك بعمر الواهب كما لو قيده بعمر الموهوب فعن أبي عبيد التسوية بينهما لأنه فسر العمري بأن يقول للرجل هذه الدار لك عمرك أو عمري ولكن عند أصحاب الشافعي عدم الصحة في هذه الصورة قال الرافعي ولو قال جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي
الثالثة إذا قيد الواهب العمرى بعمر أجبني بأن قال جعلت هذه الدار لك عمر زيد فهل يصح قال الرافعي أجرى فيه الخلاف فيما إذا قال عمري أو حياتي

(13/178)


فعلى هذا فالأصح عدم الصحة لخروجه عن اللفظ الوارد فيه
الرابعة إذا لم يشترط الواهب الرجوع بعد موت المعمر لنفسه بل شرطه لغيره فقال فإذا مت فهي لزيد قال الرافعي يصح ويلغو الشرط وكذا لو قال أعمرتك عبدي فإذا مت فهو حر يصح ويلغو الشرط على الجديد
الخامسة إذا لم يذكر العمر في العقد بل أورده بصيغة الهبة كما إذا قال وهبتك هذه الدار فإذا مت رجعت إلي فهذا لا يصح قال الرافعي ظاهر المذهب فساد الهبة والوقف بالشروط التي يفسد بها البيع بخلاف العمرى لما فيها من الإخبار
السادسة إذا أتى بما يقتضي العمرى ولكن بصيغة البيع فقال ملكتك هذه الدار بعشرة عمرك فنقل الرافعي عن ابن كج أنه قال لا ينعقد عندي جوازه تفريعا على الجديد وقال أبو علي الطبري لا يجوز قال شيخنا ما قاله أبو علي هو الصحيح نقلا وتوجيها فقد جزم به ابن شريح وأبو إسحاق المروزي والماوردي وما نقله عن ابن كج احتمال وقال به ابن خيران فيما حكاه صاحب التحرير
السابعة هل تجوز الوصية بالعمرى بأن يقول إذا مت فهذه الدار لزيد عمره كما يجوز تنجيزها فقال به الرافعي ولكنها تعتبر من الثلث
الثامنة لا يجوز تعليق العمرى بغير موت المعمر كقوله إذا مات فلان فقد أعمرتك هذه الدار
وأما الرقبى فهو أن يقول الرجل للرجل أرقبتك داري إن مت قبلك فهي لك وإن مت قبلي فهي لي وهو مشتق من الرقوب فكان كل واحد منهما يترقب موت صاحبه وقال الترمذي ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم أن الرقبي جائزة مثل العمري وهو قول أحمد وأسحاق وفرق بعض أهل العلم من أهل الكوفة من أهل الكوفة وغيرهم بين العمرى والرقبى فأجازوا العمرى ولم يجيزوا الرقبى وقال صاحب ( الهداية ) العمرى جائزة للمعمر له في حال حياته ولورثته من بعده قلت وهذا قول جابر بن عبد الله وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وروي عن شريح ومجاهد وطاووس والثوري وقال صاحب ( الهداية ) أيضا والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد ومالك وقال أبو يوسف جائزة به قال الشافعي وأحمد
استعمركم فيها جعلكم عمارا
أشار بهذا إلى أن من العمرى أن يكون استعمر بمعنى أعمر كاستهلك بمعنى أهلك أي أعمركم فيها دياركم ثم هو يرثها منكم بعد انقضاء أعماركم وفي ( التهذيب ) للأزهري أي أذن لكم في عمارتها واستخراج قوتكم منها وقيل استعمركم من العمر نحو استبقاكم من البقاء وقيل استعمركم أي عمركم بالعمارة قوله عمارا بضم العين وتشديد الميم
5262 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال قضاى النبي بالعمرى أنها لمن وهبت له
مطابقته للترجمة في قوله ما قيل في العمرى وهذا الذي رواه جابر هو الذي قيل فيها وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ويحيى هو ابن أبي كثير وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والحديث أخرجه بقية الستة مسلم في الفرائض عن القواريري عن جماعة غيره وأبو داود في البيوع عن موسى بن إسماعيل وغيره والترمذي في الأحكام عن إسحاق بن موسى الأنصاري والنسائي في العمرى عن عبد الأعلى وغيره وابن ماجه في الأحكام عن محمد بن رمح به ومعنى حديثهم واحد
قوله قضى النبي أي حكم بالعمرى أي بصحتها قوله أنها أي بأنها أي بأن الهبة لمن وهبت له ووهبت على صيغة المجهول
وروى مسلم حديث جابر بألفاظ مختلفة وأسانيد متباينة أخرج عن أبي سلمة ولفظه العمرى لمن وهبت له وعن

(13/179)


أبي سلمة أيضا عنه أن رسول الله قال أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فأنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث وعن أبي سلمة عنه أيضا ولفظه قال أيما رجل أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقال قد أعطيتكها وعقبك ما بقي منكم أحد فإنها لمن أعطيها وإنها لا ترجع إلى صاحبها من أجل أنه أعطاها عطاء وقعت فيه المواريث وعن أبي سلمة أيضا عن جابر قال إنما العمرى التي أجاز رسول الله أن تقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها قال معمر وكان الزهري يفتي به وعن أبي سلمة أيضا عنه أن رسول الله قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له بتلة لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا ثنيا قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فقطعت المواريث شرطه وأخرج مسلم أيضا من رواية أبي الزبير عن جابر يرفعه إلى النبي قال أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا أو ميتا ولعقبه وعن أبي الزبير أيضا عنه قال أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفي وتوفيت بعده وترك ولدا بعده وله إخوة بنون للمعمرة فقال ولد المعمرة رجع الحائط إلينا فقال بنو المعمر بل كان لأبينا حياته وموته فاختصموا إلى طارق مولى عثمان فدعا جابرا فشهد على رسول الله بالعمرى لصاحبها فقضى بذلك طارق ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره بذلك وأخبره بشهادة جابر فقال عبد الملك صدق جابر فأمضى ذلك طارق بأن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم وأخرج مسلم أيضا من حديث عطاء عن جابر عن النبي قال العمرى جائزة وأخرج أيضا عن عطاء عنه عن النبي أنه قال المرى ميراث لأهلها وقد مر الكلام فيه مفصلا في أول الباب وبهذه الأحاديث احتج أبو حنيفة والثوري والشافعي والحسن بن صالح وأبو عبيد على أن العمرى له يملكها ملكا تاما يتصرف فيها تصرف الملاك واشترطوا فيها القبض على أصولهم في الهبات وذهب القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط ويحيى بن سعيد الأنصاري والليث بن سعد ومالك إلى أن العمري جائزة ولكنها ترجع إلى الذي أعمرها واحتجواغ في ذلك بقوله المسلمون عند شروطهم أخرجه الطحاوي وأبو داود من حديث أبي هريرة وأجاب عنه الطحاوي بأن هذا على الشروط التي قد أباح الكتاب اشتراطها وجاءت بها السنة وأجمع عليها المسلمون وما نهى عنه الكتاب ونهت عنه السنة فهو غير داخل في ذلك ألا ترى أن رسول الله قال في حديث بريرة كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان مائة شرط
6262 - حدثنا ( حفص بن عمر ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثنا ( قتادة ) قال حدثني ( النضر بن أنس ) عن ( بشير بن نهيك ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال العمراى جائزة
هذا حديث أبي هريرة مثل حديث جابر لكن حديث جابر روى عن فعله وهذا عن قوله وهمام هو ابن يحيى الشيباني البصري والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن أنس بن مالك البخاري الأنصاري وبشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء السلوسي ويقال السدوسي يعد في البصريين وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم قتادة والنضر وبشير
والحديث أخرجه مسلم في الفرائض عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار وعن يحيى ابن حبيب وأخرجه أبو داود في البيوع عن أبي الوليد وأخرجه النسائي في العمرى عن محمد بن المثنى
قوله العمرى جائزة قال الطحاوي أي جائزة للمعمر لا حق فيها للمعمر بعد ذلك أبدا وفي رواية الترمذي من حديث الحسن عن سمرة أن النبي قال العمرى جائزة لأهلها أو ميراث لأهلها وفي رواية الطبراني من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى لمن راقبها سبيلها سبيل الميراث
فإن قلت روى النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال لا عمرى فمن أعمر شيئا فهو له وهذا يعارض هذا الحديث قلت لا معارضة لأن معنى الحديث قوله لا عمرى بالشروط الفاسدة على ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الرجوع أي فليس لهم العمرى المعروفة عندهم المقتضية للرجوع فإن قلت في حديث ابن عمر عند النسائي لا عمرى ولا رقبى وعند أبي داود والنسائي في حديث جابر لا ترقبوا ولا تعمروا وفي رواية لمسلم أمسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها الحديث وقد مضى عن قريب قلت أحاديث النهي محمولة على الإرشاد يعني إن كان لكم غرض في عود أموالكم إليكم فلا تعمروها فإنكم إذا أعمرتموها لم ترجع إليكم فلذلك قال لا تفسدوها أي لا تفسدوا ماليتكم فإنها لن تعود إليكم وفي بعض طرق حديث جابر عند مسلم جعلت الأنصار يعمرون المهاجرين فقال رسول الله أمسكوا عليكم أموالكم انتهى وكأنه

(13/180)


علم حاجة المالك إلى ملكه وأنه لا يصبر فنهاهم عن التبرع بأموالهم وأمرهم بإمساكهم فافهم
وقال عطاء حدثني جابر عن النبي نحوه
عطاء هو ابن أبي رباح قوله نحوه وفي رواية أبي ذر مثله وهذا صورته صورة تعليق ولكنه ليس بمعلق لأنه موصول بالإسناد المذكور عن قتادة وقائل قوله وقال عطاء هو قتادة يعني قال قتادة قال عطاء حدثني جابر عن النبي نحوه أي نحو حديث أبي هريرة يعني العمرى جائزة وقال صاحب ( التلويح ) ورواه أبو نعيم عن أبي إسحاق بن حمزة حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن عطاء عن جابر مثله لا نحوه بلفظ العمرى جائزة ورواه مسلم عن خالد بن الحارث عن شعبة عن قتادة عن عطاء بلفظ العمرى ميراث لأهلها وكأنه الذي أراد البخاري بقوله نحوه لأن نحوه ليس مثله وكأنه لم ير المثل فلهذا لم يذكره قلت قد ذكرنه أنه في رواية أبي ذر مثله وفي رواية غيره نحوه فهذا يشعر بعدم الفرق بينهما
33 -
( باب من استعار من الناس الفرس )
أي هذا باب في بيان من استعار الفرس وهذا شروع في بيان أحكام العارية وفي رواية أبي ذر الفرس والدابة وفي رواية الكشميهني وغيرها وفي رواية ابن شبويه مثله لكن قال وغيرهما بالتثنية وفي كتاب صاحب ( التوضيح ) بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العارية وغالب النسخ هذا ليس بموجود فيه وهذه النسخة أولى لأن العادة أن تنوج الأبواب بالكتاب والعارية بتشديد الياء وتخفيفها وتجمع على عواري وفيها لغة ثالثة عارة حكاها الجوهري وابن سيده وحكاها المنذري فقال عاراة بالألف وقال الأزهري عارة بتخفيف الراء بغير ياء مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء ومنه سمى العيار لكثرة مجيئه وذهابه وقال البطليموسي هي مشتقة من التعاور وهو التناوب وقال الجوهري كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وعيب ورد عليه بوقوعها من الشارع ولا عار في فعله وفي الشرع العارية تمليك المنفعة بلا عوض وهو اختيار أبي بكر الرازي وقال الكرخي والشافعي وهي إباحة المنافع حتى يملك المستعير إجارة ما استعاره ولو ملك المنافع لملك إجارتها والأول أصح لأن المستعير له أن يعير ولو كانت إباحة لما ملك ذلك وإنما لم يجز الإجارة لأنها أقوى وألزم من الإعارة والشيء لا يستتبع مثله فبالأحرى أن لا يستتبع الأقوى
7262 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( قتادة ) قال سمعت ( أنسا ) يقول كان بالمدينة فزع فاستعار النبي فرسا من أبي طلحة يقال له المندوب فركب فلما رجع قال ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا
مطابقته للترجمة ظاهرة وآدم هو ابن أبي إياس والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن بندار عن غندر عن أحمد بن محمد وفي الجهاد وفي الأدب عن مسدد عن يحيى وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن أبي موسى وبندار وعن يحيى بن حبيب عن أبي بكر عن وكيع وأخرجه أبو داود في الأدب عن عمرو بن مرزوق وأخرجه الترمذي في الجهاد عن محمود بن غيلان وعن بندار وابن أبي عدي وأبي داود وأخرجه النسائي في السير عن إسحاق بن إبراهيم
قوله فزع أي خوف من عدو قوله من أبي طلحة هو زيد بن سهل زوج أم أنس قوله المندوب مرادف المسنون وهو اسم فرس أبي طلحة قال ابن الأثير هو من الندب وهو الرهب الذي يجعل في السباق وقيل سمي به لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح قوله من شيء أي من العدو وسائر موجبات الفزع قوله وإن وجدناه لبحرا وفي رواية المستملي إن وجدنا بحذف الضمير قال الخطابي إن هي النافية واللام في لبحرا بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحرا والعرب تقول إن زيدا لعاقل أي ما زيد إلا عاقل وعلى هذا قراءة من قرأ إن هذان لساحران ( طه 36 ) بتخفيف والمعنى إن ما هذان إلا ساحران وقال ابن التين هذا مذهب الكوفيين ومذهب البصريين أن إن هي مخففة من الثقيلة واللام زائدة والبحر هو

(13/181)


الفرس الواسع الجرى وزعم نفطويه أن البحر من أسماء الخيل وهو الكثير الجري الذي لا يفنى جريه كما لا يفنى ماء البحر ويؤيده ما في رواية سعيد عن قتادة فكان بعد ذلك لا يجاري وقال عياض إن في خيل سيدنا رسول الله فرسا يسمى البخر اشتراه من تجار قدموا من اليمن فسبق عليه مرات ثم قال بعد ذلك يحتمل أنه تصير إليه بعد أبي طلحة قيل هذا نقض للأول لكن لو قال إنهما فرسان اتفقا في الاسم لكان أقرب قلت كان للنبي أربعة وعشرون فرسا منها سبعة متفق عليها وهي السكب اشتراه من أعرابي من بني فزارة وهو أول فرس ملكه وأول فرس غزا عليه وكان كميتا والمرتجز اشتراه من أعرابي من بني مرة وكان أبيض ولزاز أهداه له المقوقس واللحيف أهداه له ربيعة بن أبي البراء والظرب أهداه له فروة بن عمرو عامل البلقاء لقيصر الروم والورد أهداه له تميم الداري فأعطاه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فحمل عليه في سبيل الله ثم وجده يباع برخص فقال له لا تشتره وسبحه والبقية مختلف فيها وذكر فيها البخر والمندوب أما البحر فقد ذكر عياض أنه اشتراه من تجار قدموا من اليمن وأما المندوب فهو الذي ركبه أبو طلحة من ندبه فانتدب أي دعاه فأجاب فقوله إن وجدناه لبحرا معناه وجدنا الفرس الذي يسمى مندوبا بحرا فقوله بحرا صفته وليس المراد منه ذاك الفرس الذي اشتراه من التجار المسمى بالبحر وأما ذكر المندوب في خيل النبي فالظاهر أن أبا طلحة وهبه له فمن حسن جريه شبهه النبي ببحر فدل ذلك على أن البحر اسم للفرس الذي اشتراه من التجار والبحر الآخر صفة للمندوب وهذا تحرير الكلام وقد جمع بعضهم أفراس النبي في بيت وهي الأفراس المتفق عليها فقال
والخيل سكب لحيف سبحة ظرب
لزاز مرتجز ورد لها أسرار
وآخر جمع أسيافه
إن شئت أسماء سياف النبي فقد
جاءت بأسمائها السبع أخبار
قل محذم ثم حتف ذو الفقار وقل
غضب رسوب وقلعي وبتار
قلت سيوفه عشرة هذه سبعة والثلاثة الأخرى رسوب ومأثور ورثه من أبيه قدم به المدينة وهو أول سيف ملكه وصمصامة سيف عمرو معدي كرب وهبه لخالد بن سعيد ويقال وله سيف آخر يدعى القضيب وهو أول سيف تقلد به قاله النيسابوري في كتاب ( شرف المصطفى ) ح
وقال ابن بطال اختلف العلماء في عارية الحيوان والعقار مما لا يغاب عنه فروى ابن القاسم عن مالك أن من استعار حيوانا وغيره مما لا يغاب عنه فتلف عنده فهو مصدق في تلفه ولا يضمنه إلا بالتعدي وهو قول الكوفيين والأوزاعي وقال عطاء العارية مضمونة على كل حال كانت مما لا يغاب عنه أم لا تعدى فيها أولا وبه قال الشافعي وأحمد وقالت الشافعية إلا إذا تلف من الوجه المأذون فيه فلا ضمان عندنا وقال أصحابنا الحنفية العارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم تضمن وهو قول علي وابن مسعود والحسن والنخعي والشعبي والثوري وعمر بن عبد العزيز وشريح والأوزاعي وابن شبرمة وإبراهيم وقضى شريح بذلك ثمانين سنة بالكوفة وقال الشافعي تضمن وبه قال أحمد وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وإسحاق وقال قتادة وعبد الله بن الحسين العنبري إن شرط ضمانها ضمن وإلا فلا وقال ربيعة كل العواري مضمونة وفي ( الروضة ) إذا تلفت العين في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أم بفعلة بتقصير أم بلا تقصير هذا هو المشهور وحكى قول آخر أنها لا تضمن إلا بالتعدي وهو قول ضعيف ولو أعار بشرط أن يكون أمانة لغى الشرط وكانت مضمونة وفي حاوي الحنابلة إن شرط نفي ضمانها سقط الضمان وإن تلف جزؤها باستعماله كحمل منشفة لم يضمن في أصح الوجهين انتهى قلت ولو شرط الضمان في العارية هل يصح فالمشايخ فيه مختلفون كذا في التحفة وقال في خلاصة الفتاوي رجل قال لآخر أعرني ثوبك فإن ضاع فأنا له ضامن قال لا يضمن ونقله عن المنتقى
واحتج الشافعي ومن معه بأحاديث منها حديث أبي أمامة أخرجه أبو داود عنه أنه سمع النبي في حجة الوداع يقول العارية مؤداة والزعيم غارم وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان ومنها حديث أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول الله

(13/182)


استعار منه أدرعا يوم حنين فقال أغصبا يا محمد قاللا بل عارية مضمونة رواه أبو داود والنسائي ومنها حديث يعلى بن أمية رواه أبو داود والنسائي عنه قال قال لي رسول الله إذا أتتك رسلي فادفع إليهم ثلاثين درعا فقلت يا رسول الله إعارة مضمونة أم عارية مؤداة ومنها حديث سمرة رواه الأربعة عنه قال قال رسول الله على اليد ما أخذت حتى تؤديه وحسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري وحجة الذين ينفون الضمان إلا بالتعدي ما رواه الدارقطني ثم البيهقي في ( سننيهما ) عن عمرو بن عبد الجبار عن عبيدة بن حسان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ليس على المستودع غير المغل ضمان ولا على المستعير غير المغل ضمان وروى ابن ماجه في ( سننه ) عن المثنى بن صباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال من أودع وديعة فلا ضمان عليه
فإن قلت قال الدارقطني عمرو بن عبد الجبار وعبيدة ضعيفان وإنما يروى هذا من قول شريح غير مرفوع قلت قيل الجرح المبهم لا يقبل ما لم يتبين سببه ورواية من وقفه لا تقدح في رواية من رفعه وقيل عبيدة هذا لم يضعفه أحد من أهل هذا الشأن وذكره البخاري في ( تاريخه ) ولم يذكر فيه جرحا وكذا عمرو بن عبد الجبار لم يضعفه أحد غير أن ابن عدي لما ذكره لم يزد على قوله له مناكير وقد اعترض بعضهم على القائل المذكور بأن عبيدة قال فيه أبو حاتم الرازي إنه منكر الحديث وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات ورد عليهما بأنهما لم يبينا سبب الجرح والجرح المجرد لا يقبل على أن البخاري لما ذكره في ( تاريخه ) لم يتعرض إليه بشيء والجواب عن حديث أبي أمامة أنه ليس فيه دلالة على التضمين لأن الله تعالى قال إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء 85 ) فإذا تلفت الأمانة لم يلزمه ردها
وأما حديث صفوان بن أمية فهو مضطرب سندا ومتنا وجميع وجوهه لا يخلو عن نظر ولهذا قال صاحب ( التمهيد ) الاضطراب فيه كثير ولا حجة فيه عندي في تضمين العارية انتهى ثم على تقدير صحته قوله مضمونة أي مضمونة الرد عليك بدليل قوله حتى يؤديها إليك ويحتمل أن يريد اشتراط الضمان والعارية بشرط الضمان مضمونة في رواية للحنفية وروى عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال العارية بمنزلة الوديعة ولا ضمان فيها إلا أن يتعدى وأخرج عن علي رضي الله تعالى عنه ليس على صاحب العارية ضمان وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه العارية ليست بيعا ولا مضمونة إنما هو معروف إلا أن يخالف فيضمن
وأما حديث سمرة فإن الأداء فيه فرض ولا يلزم منه الضمان ولو لزم من اللفظ الضمان للزم الخصم أن يضمن المرهون والودائع لأنها مما قبضته اليد
43 -
( باب الإستعارة للعروس عند البناء )
هذا باب في بيان حكم الاستعارة لأجل العروس والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما ويقال إسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر وفي غير هذه الحالة الرجل يسمى عريسا والمرأة عروسا قوله عند البناء أي الزفاف يقال بنى على أهله إذا زفها وقال ابن الأثير الابتناء والبناء الدخول بالزوجة والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على أهله وقال الجوهري ولا يقال بنى بأهله ورد عليه بأنه قد جاء في غير موضع وهو أيضا استعمله في كتابه
8262 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( عبد الواحد بن أيمن ) قال حدثني أبي قال دخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها وعليها درع قطر ثمن خمسة دراهم فقالت ارفع بصرك إلى جاريتي انظر إليها فإنها تزهاى أن تلبسه في البيت وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره
مطابقته للترجمة في قوله فما كانت امرأة إلى آخره
ذكر رجاله وهم أربعة أبو نعيم الفضل بن دكين وعبد الواحد بن أيمن

(13/183)


المخزومي مولى أبي عمرو المكي يكنى أبا القاسم وأبوه أيمن ضد الأيسر الحبشي المخزومي المكي وهو من أفراد البخاري وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها والحديث تفرد به البخاري
ذكر معناه قوله وعليها درع قطر جملة حالية ودرع مضاف إلى قطر والدرع قميص المرأة وهو مذكر ودرع الحديد مؤنثة وحكى أبو عبيد أنه يذكر ويؤنث والقطر بكسر القاف وسكون الطاء المهملة وفي آخره راء قال ابن فارس هو جنس من البرود وقال الخطابي ضرب من المروط غليظ وقيل ثياب من غليظ القطن وغيره وقيل من القطن خاصة وفي رواية أبي الحسن القابسي وابن السكن بالفاء كذا قاله ابن قرقول ثم قال وهي ضرب من ثياب اليمن يعرف بالقطرية فيها حمرة وقال البنالسي الصواب بالقاف وقال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية في البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا وفي رواية المستملي والسرخسي درع قطن بضم القاف وفي آخره نون وقيل الأشهر والصواب بالقاف والنون قوله ثمن خمسة دراهم بضم الثاء المثلثة وتشديد الميم المكسورة على صيغة المجهول من الماضي من التثمين وهو التقويم وخمسة بالنصب بنزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم ويروى ثمن بلفظ الإسم منصوبا بنزع الخافض أي بثمن خمسة دراهم فيكون مضافا إلى خمسة دراهم فيكون لفظ خمسة مجرورا بالإضافة ويروى ثمن بالرفع على الابتداء وخمسة بالرفع أيضا خبره ولكن بحذف الضمير تقديره ثمنه خمسة دراهم ووقع في رواية ابن شبويه وحده خمسه الدراهم قوله أنظر بلفظ الأمر قوله إليها أي إلى الجارية قوله فإنها تزهى بضم أوله أي تتكبر أو تأنف وقال ثعلب في باب فعل بضم الفاء وقد زهيت علينا يا رجل وأنت مزهو وعند التدميري مأخوذ من التيه والعجب وأصله من البسر إذا حسن منظره وراقت ألوانه وقال ابن درستويه العامة تقول زهى علينا فيحصل الفعل له وإنما هو مفعول لم يسم فاعله وقال ابن دريد يقال زهى زهوا إذا تكبر ومنه قولهم ما أزهاه وليس هو من زهى لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه ورد عليه بما روي عن ابن عصفور وغيره يجيء التعجب مما لم يسم فاعله في ألفاظ معدودة منها ما أجنه وقال الجوهري قال الشاعر
لنا صاحب مولع بالخلاف
كثير الخطأ قليل الصواب
ألج لجاجا من الخنفساء
وأزهى إذا ما مشى من غراب
قوله منهنأي من الدروع أو من بين النساء قوله على عهد رسول الله أي في زمنه وأيامه قوله تقين بضم التاء المثناة من فوق وفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره نون على صيغة المجهول من التقيين وهو التزيين والمعنى ما كانت امرأة بالمدينة تتزين لزفافها إلا أرسلت تستعير ذلك الدرع وقال ابن الجوزي أرادت عائشة رضي الله تعالى عنها أنهم كانوا أولا في حال ضيق فكان الشيء المحتقر عندهم إذ ذاك عظيم القدر وقال صاحب ( الأفعال ) فإن الشيء يقينه قينا إذا أصلحه يقال قن إناءك وقال الجوهري قنت الشيء أقينه قينا لممته واقتانت الروضة أخذت زخرفها ومنه قيل للماشطة مقينة لأنها تزين النساء وشبهت بالأمة لأنها تصلح البيت وتزينه والقنية المغينة والقينة الأمة مطلقا والقين وكل صانع عند العرب قين وقال المهلب عارية الثياب للعرس من فعل المعروف والعمل الجاري عندهم لأنه مرغب في أجره لأن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تمنع منه أحدا
وفيه أن المرأة قد تلبس في بيتها ما حسن من الثياب وما يلبسه بعض الخدم وفيه تواضع عائشة رضي الله تعالى عنها وأخذها بالبلغة في حال اليسار وقد أعانت المنكدر في كتابته بعشرة آلاف درهم وذكرت ما كانوا عليه ليتذكر ذلك
53 -
( باب فضل المنيحة )
أي هذا باب في بيان فضل المنيحة وليس في رواية أبي ذر لفظ باب والمنيحة بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الحاء المهملة على وزن عظيمة وهي الناقة والشاة ذات الدر يعار لبنها ثم ترد إلى أهلها وقال ابن الأثير ومنيحة اللبن أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها قال القزاز قيل لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة وقال أبو عبيد المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلة

(13/184)


فيكون له والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها قلت المنيحة في الأصل العطية من منح إذا أعطى وكذلك المنحة بالكسر
9262 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة والشاة الصفي تغدو بإناء وتروح بإناء
( الحديث 9262 - طرفه في 8065 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه ذكر المنيحة بالمدح ولا يمدح النبي شيئا إلا في العمل به فضل وأبو الزناد بالزاي والنون وعبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
قوله نعم المنيحة بفتح الميم وكسر النون وقد ذكرناها الآن قوله اللقحة بكسر اللام بمعنى الملقوحة أي الحلوب من الناقة وفي ( التلويح ) اللقحة بكسر اللام الشاة التي لها لبن وبفتحها المرة الواحدة من الحلب وقيل فيها الفتح والكسر واللقحة مرفوع لأنه صفة المنيحة وقوله الصفي صفة بعد صفة ومعناها الكثيرة اللبن قال الكرماني فإن قلت الصفي صفة للقحة فلم مادخل عليها التاء قلت لأنه إما فعيل أو فعول يستوي فيه المذكر والمؤنث فإن قلت فلم دخل على المنيحة قلت لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية أو لأن استواء التذكير والتأنيث إنما هو فيما كان موصوفه مذكورا انتهى قلت روي أيضا الصفية بتاء التأنيث فلا حاجة إلى قوله لأنه إما فعيل أو فعول على أن قوله إما فعيل غير صحيح لأنه من معتل اللام الواوي دون اليائي قوله منحة نصب على التمييز وقال ابن مالك فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرا وقد منعه سيبويه إلا مع الإضمار مثل بئس للظالمين بدلا وجوزه المبرد وهو الصحيح قوله والشاة الصفي صفة وموصوف عطف على ما قبله وقد مضى معنى الصفي قوله تغدو بإناء وتروح بإناء أي من اللبن أي تحلب إناء بالغدو وإناء بالعشي وقيل تغدو بأجر حلبها في الغدو والرواح ووقع هذا الحديث في رواية مسلم من طريق سفيان عن أبي الزناد بلفظ إلا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بإناء وتروح بإناء إن أجرها لعظيم
حدثنا عبد الله بن يوسف واسماعيل عن مالك قال نعم الصدقة
أشار بهذا إلى أن عبد الله بن يوسف التنيسي وإسماعيل بن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس رويا عن مالك قال نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة وهذا هو المشهور عن مالك وكذا رواه شعيب عن أبي الزناد كما سيأتي في الأشربة وقال ابن التين من روى نعم الصدقة روى بالمعنى لأن المنحة العطية والصدقة أيضا عطية وقال بعضهم لا تلازم بينهما فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة وإطلاق الصدقة على المنيحة مجاز ولو كانت المنيحة صدقة لما حلت للنبي بل هي من جنس الهدية والهبة انتهى قلت أراد ابن التين بقوله روى بالمعنى المعنى اللغوي ولا فرق في اللغة بين العطية والمنحة والصدقة والهبة والهدية لأن معنى العطية موجود في الكل بحسب اللغة وإنما الفرق بينهما في الاستعمال ألا ترى أنه لو تصدق على غني تكون هبة ولو وهب لفقير تكون صدقة وقال ابن بطال المنحة تمليك المنافع لا تمليك الرقاب والسنة أن ترد المنيحة إلى أهلها إذا استغنى عنها كما رد رسول الله إلى أم أنس ولما فتح الله على رسوله غنائم خيبر رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم وثمارهم كما سيجيء الآن
0362 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( ابن وهب ) قال حدثنا ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قال لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم يعني شيئا وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة وكانت أمه أم أنس أم سليم كانت أم عبد الله بن أبي طلحة فكانت أعطت أم أنس رسول الله عذاقا فأعطاهن النبي أم أيمن

(13/185)


مولاته أم أسامة بن زيد قال ابن شهاب فأخبرني أنس بن مالك أن النبي لما فرغ من قتل أهل خيبر فانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم فرد النبي إلى أمه عذاقها وأعطى رسول الله أم أيمن مكانهن من حائطه وقال أحمد بن شبيب أخبرنا أبي عن يونس بهاذا وقال مكانهن من خالصه
مطابقته للترجمة ظاهرة تعرف من قوله فقاسمهم الأنصار إلى قوله قال ابن شهاب وابن وهب هو عبد الله بن وهب البصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وأخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن سواد ثلاثتهم عن ابن وهب به
قوله وليس بأيديهم يعني شيئا هذا هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وفي رواية الباقين وليس بأيديهم بدوة يعني شيئا وقال الكرماني يعني وليس بأيديهم مال والتفسير الأول أعم منه قوله فقاسمهم الأنصار جواب لما فإن قلت ظاهر هذا يغاير حديث أبي هريرة الذي مضى في المزارعة قالت الأنصار للنبي إقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا فقال تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا قلت لا مغايرة بينهما لأن المنفي هناك مقاسمة الأصول والمراد هنا مقاسمة الثمار وزعم الداودي رحمها الله أن المراد من قوله فقاسمهم هنا أي خالفهم وجعله من القسم بفتحتين لا من القسم بسكون السين وفيه نظر لا يخفى قوله وكانت أمه أي أم أنس بن مالك وقوله أم أنس بدل منه وقوله أم سليم بضم السين المهملة بدل عن أم أنس وفي رواية مسلم وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم وكانت أم عبد الله ابن أبي طلحة كان أخا أنس لأمه قوله كانت تأكيد لكانت الأولى فهي أم أنس وأم عبد الله واسمها سهلة أو مليكة بنت ملحان الأنصارية وقوله وكانت أمه إلى قوله أبي طلحة من كلام الزهري الراوي عن أنس كذا قال بعضهم ولكن ظاهر السياق أنه يقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيكون من باب التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثل الأمر الأول في تلك الصفة وإنما يفعل ذلك مبالغة في كمال الصفة في الأمر الأول والتجريد على أقسام منها مخاطبة الأنسان نفسه كأنه ينتزع من نفسه شخصا فيخاطبه والتجريد هنا من هذا القسم قوله فكانت أعطت أي كانت أم أنس أعطت رسول الله عذاقا بكسر العين المهملة وبذال معجمة خفيفة جمع عذق بفتح العين وسكون الذال كحبل وحبال والعذق النخلة وقيل إنما يقال لها ذلك إذا كان حملها موجودا والمعنى أنها وهبت للنبي تمرها قوله أم أيمن بالنصب لأنه مفعول ثان لأعطى واسمها بركة بالباء الموحدة والراء والكاف المفتوحات وكنيت به لأنها كانت أولا تحت عبيد مصغر عبد الحبشي فولدت له أيمن وفي ( صحيح مسلم ) أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر فأعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة قوله أم أسامة بن زيد بن شراحيل بن كعب مولى النبي من أبويه وكان أسود أفطس توفي في آخر أيام معاوية سنة ثمان وتسع وخمسين ومات النبي وهو ابن عشرين سنة فأسامة وأيمن أخوان لأم واستشهد أيمن يوم حنين وكان يقول بركة أمي بعد أمي وماتت بعد رسول الله بخمسة أشهر قوله قال ابن شهاب هو الزهري الراوي وهو موصول بالإسناد المذكور وكذا هو عند مسلم قوله منائحهم جمع منيحة قوله وقال أحمد بن شبيب بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ابن سعيد أبو عبد الله الحبطي البصري روى عنه البخاري في ( مناقب عثمان ) وفي الاستقراض مفردا وفي غير موضع مقرونا إسناده بإسناد آخر وهو من أفراده روى عن أبيه شبيب عن يونس بن يزيد قوله بهذا أي بهذا المتن والإسناد وطريق أحمد بن

(13/186)


شبيب وصله البرقاني عنه مثله قوله وقال مكانهن من خالصه أي من خالص ماله وقال ابن التين المعنى واحد لأن حائطه صار له خالصا
1362 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا عيساى بن يونس قال حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي كبشة السلولي قال سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما يقول قال رسول الله أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة قال حسان فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام وتشميت العاطس وإماطة الأذاى عن الطريق ونحوه فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة
مطابقته للترجمة في قوله أعلاهن منيحة العنز
ذكر رجاله وهم ستة الأول مسدد بن مسرهد وقد تكرر ذكره الثاني ( عيسى بن يونس ) بن أبي إسحاق الهمداني الثالث عبد الرحمن بن عمرو ( الأوزاعي ) الرابع ( حسان بن عطية ) الشامي أبي بكر الخامس أبو كبشة بفتح الكاف وسكون الباء الموحدة وبالشين المعجمة اسمه كنيته والسلولي بفتح السين المهملة وضم اللام الأولى نسبة إلى سلول قبيلة من هوازن السادس عبد الله ابن عمرو بن العاص
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه أن شيخه بصري وعيسى كوفي والأوزاعي وحسان شاميان وحسان إما من الحسن فالنون أصلية وإما من الحس فالنون زائدة وليس لحسان هذا ولا لأبي كبشة في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد ذكرنا أن أبا كبشة اسمه وكنيته سواء وزعم الحاكم أن اسمه البراء بن قيس ورد عليه عبد الغني بن سعيد وبين أنه غيره
والحديث أخرجه أبو داود في الزكاة عن إبراهيم بن موسى ومسدد كلاهما عن عيسى بن يونس إلى آخره
ذكر معناه قوله عن حسان بن عطية وفي رواية أحمد عن الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية قوله عن أبي كبشة وفي رواية أحمد حدثني أبو كبشة قوله قال رسول الله وفي رواية أحمد سمعت رسول الله قوله أربعون خصلة مبتدأ وقوله أعلاهن مبتدأ ثان وقوله منيحة العنز خبره والجملة خبر المبتدأ الأول والعنز هي الأنثى من المعز وكذلك العنز من الظباء والأوعال قوله منها أي من الأربعين قوله رجاء نصب على التعليل وكذلك قوله تصديق موعودها فإن قلت من المعلوم قطعا أنه كان عالما بها أجمع لأنه لا ينطق عن الهوى فلم لم يذكرها قلت لمعنى وهو أنفع لنا من ذكرها وذلك والله أعلم خشية أن يكون التعيين لها زهدا عن غيرها من أبواب البر قوله قال حسان إلى آخره قال ابن بطال وليس قول حسان مانعا أن يستطيعها غيره قال وقد بلغني عن بعض أهل عصرنا أنه طلبها فوجد ما يبلغ أزيد من أربعين خصلة فمنها أن رجلا سأل رسول الله عن عمل يدخل الجنة فذكر له أشياء ثم قال والمنيحة والفيء على ذي الرحم القاطع فإن لم تطق فأطعم الجائع واسق الظمآن هذه ثلاث خصال أعلاهن المنيحة وليس الفيء منها لأنه أفضل من المنيحة والسلام وفي الحديث من قال السلام عليك كتب له عشر حسنات ومن زاد ورحمة الله كتب له عشرون ومن زاد وبركاته كتب له ثلاثون وتشميت العاطس الحديث وهو ثلاث تثبت لك الود في صدر أخيك إحداها تشميت العاطس وإماطة الأذى عن الطريق وإعانة الضائع والصنعة للأخرق وإعطاء صلة الرحم الحبل وإعطاء شسع النعل وأن يؤنس الوحشان أي تلقاه بما يؤنسه من القول الجميل أو يبلغ من أرض الفلاة إلى مكان الأنس وكشف الكربة قال من كشف كربة عن أخيه كشف الله عنه كربة يوم القيامة وكون المرء في حاجة أخيه وستر المسلم للحديث والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ومن ستر مسلما ستره الله يوم

(13/187)


القيامة والتفسح في المجالس وإدخال السرور على المسلم ونصر المظلوم والأخذ على يد الظالم قال أنصر أخاك ظالما أو مظلوما والدلالة على الخير قال الدال على الخير كفاعله والآمر بالمعروف والإصلاح بين الناس والقول الطيب يرد به المسكين قال تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ( البقرة 362 ) وفي الحديث اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجد فبكلمة طيبة وإن تفرغ من دلوك في إناء المستقي وغرس المسلم وزرعه قال ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة والهدية إلى الجار قال لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو فرسن شاة والشفاعة للمسلم ورحمة عزيز ل وغني افتقر وعالم بين جهال إرحموا ثلاثة غني قوم افتقر وعزيز قوم ذل وعالما يلعب به الجهال وعيادة المريض للحديث عائد المريض على مخارف الجنة والرد على من يغتاب قال من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله إليه ملكا يوم القيامة يحمي لحمه من النار ومصافحة المسلم قال لا يصافح مسلم مسلما فتزول يده عن يده حتى يغفر لهما والتحاب في الله والتجالس إلى الله والتزاور في الله والتباذل في الله قال الله تعالى وجبت محبتي لأصحاب هذه الأعمال الصالحة وعون الرجل في دابته يحمل عليها متاعه صدقة روي ذلك عن رسول الله انتهى وقال الكرماني أقول هذا الكلام رجم بالغيب لاحتمال أن يكون المراد غير المذكورات من سائر أعمال الخير ثم إنه من أين علم أن هذه أدنى من المنيحة لجواز أن يكون مثلها أو أعلى منها ثم فيه تحكم حيث جعل السلام منه ولم يجعل رد السلام منه مع أنه صرح في هذا الحديث الذي نحن فيه به وكذا جعل الأمر بالمعروف منه بخلاف النهي عن المنكر وفيه أيضا تكرار لدخول الأخير وهو الأربعون تحت بعض ما تقدم فتأمل
2362 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( عطاء ) عن ( جابر ) رضي الله تعالى عنه قال كانت لرجال منا فضول أرضين فقالوا نؤاجرها بالثلث والربع والنصف فقال النبي من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أباى فليمسك أرضه
( انظر الحديث 0432 )
مطابقته للترجمة في قوله أو ليمنحها أخاه وقد مضى الحديث في كتاب المزارعة في باب ما كان من أصحاب النبي يواسي بعضهم بعضا في الزراعة فإنه أخرجه هناك عن عبيد الله بن موسى عن الأوزاعي إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك
3362 - وقال ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( الزهري ) قال حدثني ( عطاء بن يزيد ) قال حدثني ( أبو سعيد ) قال جاء أعرابي إلى النبي فسأله عن الهجرة فقال ويحك إن الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل قال نعم قال فتعطي صدقتها قال نعم قال فهل تمنح منها شيئا قال نعم قال فتحلبها يوم وردها قال نعم قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا
مطابقته للترجمة في قوله فهل تمنح منها شيئا ءلى قوله قال فاعمل من وراء البحار وقد مضى الحديث في كتاب الزكاة في باب زكاة الإبل فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك قوله قال محمد بن يوسف ظاهره التعليق ويحتمل أن يكون معطوفا على الذي قبله فيكون موصولا ووصله الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق محمد بن يوسف المذكور قوله يوم وردها أي يوم نوبة شربها وذلك لأن الحلب يومئذ أوفق للناقة وأرفق للمحتاجين قوله لن يترك أي لن ينقصك من الوتر ويروى لن يترك من الترك من باب الافتعال
4362 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( أيوب ) عن ( عمرو ) عن ( طاووس )

(13/188)


قال حدثني ( أعلمهم ) بذاك يعني ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي خرج إلى أرض تهتز زرعا فقال لمن هذه فقالوا أكتراها فلان فقال أما إنه لو منحها إياه كان خيرا له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما
مطابقته للترجمة في قوله أما أنه لو منحها إياه إلى آخره لأنه يدل على فضل المنيحة وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد البصري وأيوب هو السختياني وعمرو هو ابن دينار المكي وقد مر الحديث في المزارعة قوله يهتز من الهز وهو الحركة والمعنى إلى أرض تتحرك وترتاج لأجل الزرع الذي عليها وكل من خف لأمر وارتاح له فقد اهتز له قوله لو منحها أي لو أعطاها المالك فلانا المكترى على طريق المنحة لكان خيرا له لأنها أكثر ثوابا ولأنهم كانوا يتنازعون في كراء الأرض أو لأنه كره لهم الافتتان بالزراعة لئلا يقعدوا بها عن الجهاد
63 -
( باب إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال رجل لآخر أخدمتك هذه الجارية قوله على ما يتعارف الناس أي على عرفهم في صدور هذا القول منهم أو على عرفهم في كون الأخدام أم هبة أو عارية قوله فهو جائز جواب إذا وحاصله أن عرفهم في قوله أخدمتك هذه الجارية إن كان هبة تكون هبة وإن كان عرفهم أن هذا عارية تكون عارية وقال ابن بطال لا أعلم خلافا بين العلماء أنه إذا قال أخدمتك هذه الجارية أو هذا العبد أنه قد وهب له خدمته لا رقبته وأن الإخدام لا يقتضي تمليك الرقبة عند العرب كما أن الإسكان لا يقتضي تمليك رقبة الدار انتهى وقال أصحابنا إذا قال أخدمتك هذا العبد يكون عارية لأنه أذن في استخدامه وإذا كان عارية فله أن يرجع فيها متى شاء
وقال بعض الناس هذه عارية
قال الكرماني قيل أراد به الحنفية وغرضه أنهم يقولونلا إنه إذا قال أخدمتك هذا العبد فهو عارية وقصة هاجر تدل على أنه هبة انتهى قلت ليس في قصة هاجر ما يدل على الهبة إلا قوله فأعطوها هاجر وقوله وأخدمها هاجر لا يدل على الهبة
وإن قال كسوتك هذا الثوب فهو هبة
قال ابن بطال لم يختلف العلماء أنه إذا قال كسوتك هذا الثوب مدة يسميها فله شرطه وإن لم يذكر أجلا فهو هبة لأن لفظ الكسوة يقتضي الهبة لقوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ( المائدة 98 ) ولم تختلف الأمة أن ذلك تمليك الطعام والثياب
5362 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال هاجر إبراهيم بسارة فأعطوها آجر فرجعت فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة وقال ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي فأخدمها هاجر
هذا قطعة من حديث في قصة إبراهيم وهاجر سلخها من الحديث الذي ذكره بتمامه في كتاب البيوع في باب شراء المملوك من الحربي وذكر أيضا قطعة منه معلقة في باب قبول الهدية من المشركين وذكر هذه القطعة هنا موصولة عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وأراد بها الاستدلال على الحنفية في قولهم إن قول الرجل أخدمتك هذا العبد عارية

(13/189)


ولكن لا يصح استدلاله بهذا لما ذكرنا الآن وكذلك قال ابن بطال واستدلال البخاري بقوله فأخدمها هاجر على الهبة لا يصح وإنما صحت الهبة في هذه القصة من قوله فأعطوها هاجر أي أعطوا سارة الوليدة التي تسمى هاجر وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب شراء المملوك من الحربي
73 -
( باب إذا حمل رجل على فرس فهو كالعمراى والصدقة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا حمل رجل على فرس أي تصدق به ووهبه بأن يقاتل عليه في سبيل الله ونذكر الآن هل المراد من الحمل التمليك أو التحبيس قوله فهو كالعمرى أي فحكمه كحكم العمرى وحكم الصدقة يعني لا رجوع فيه كما لا رجوع في العمرى والصدقة أما العمرى فلقوله من أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته من بعده وأما الصدقة فإنه يراد بها وجه الله تعالى فتقع جميع العين لله تعالى وإنما تصير للفقير نيابة عن الله تعالى بحكم الرزق الموعود فلا يبقى محل للرجوع ولكن إطلاق الترجمة لا يساعد ما ذهب إليه البخاري لأن المراد بالحمل على الفرس إن كان بقوله هو لك يكون تمليكا قال ابن بطال فهو كالصدقة فإذا قبضها لم يجز الرجوع فيها وإن كان مراده التحبيس في سبيل الله قال ابن بطال هو كالوقف لا يجوز الرجوع فيه عند الجمهور وعن أبي حنيفة إن الحبس باطل في كل شيء قال الداودي قول البخاري هو كالعمرى والصدقة تحكم بغير تأمل وقول من ذكر من الناس أصح لأنهم يقولون المسلمون على شروطهم قلت عند الحنفية قول الرجل حملتك على هذا الفرس لا يكون هبة إلا بالنية لأن الحمل هو الإركاب حقيقة فيكون عارية ولكنه يحتمل الهبة يقال حمل الأمير فلانا على الفرس معناه ملكه إياه فيحمل على التمليك عند نيته لأنه نوى ما يحتمله لفظه وفيه تشديد عليه فتعتبر نيته وأما قول أبي حنيفة أن الحبس باطل ليس في شيء معين وإنما هو عام كما قال ابن بطال ناقلا عنه إن الحبس باطل في كل شيء وليس هو منفردا بهذا القول وقد قال شريح القاضي بذلك قبله
وقال بعض الناس له أن يرجع فيها
أراد بهذا البعض أبا حنيفة وإنما قال له أن يرجع فيها لأنا قد ذكرنا أنه إن أراد بالحمل التحبيس يكون وقفا والوقف غير لازم عنده وإطلاق البخاري كلامه ونسبة جواز الرجوع إلى أبي حنيفة في هذه الصورة خاصة ليس واقعا في محله لأنه يرى ببطلان الوقف الغير المحكوم به ويرى جواز رجوع الواهب عن هبته إلا في مواضع معينة كما عرف في كتب الفقه وقال الكرماني خالف فيه أي في حكم حمل الرجل على فرس وجعل الحبس باطلا ولهذا قال البخاري وقال بعض الناس له أن يرجع فيها والحديث يرد عليه قلت لا نسلم أن الحديث يرد عليه لأن معنى الحمل عنده ما ذكرناه عن قريب أنه عارية والخصم أيضا يقول إن للمعير أن يرجع في عاريته
6362 - حدثنا ( الحميدي ) قال أخبرنا ( سفيان ) قال سمعت ( مالكا يسأل زيد بن أسلم ) قال سمعت أبي يقول قال ( عمر ) رضي الله تعالى عنه حملت على فرس في سبيل الله فرأيته يباع فسألت رسول الله فقال لا تشتر ولا تعد في صدقتك
قيل مطابقته للترجمة في قوله حملت على فرس في سبيل الله ورد عليه بأن هذا بعيد والمراد من الحديث عدم عود الرجل إلى صدقته والحديث مضى عن قريب في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته وقد مر الكلام فيه هناك وقال الخطابي يحتمل أن يكون فيه أنه قد أخرجه من ملكه لوجه الله تعالى وكان في نفسه منه شيء فأشفق أن يفسد نيته ويحبط أجره فنهاه عنه وشبهه بالعود في صدقته وإن كان بالثمن وهذا كتحريمه على المهاجرين معاودة دارهم بمكة قال وإما إذا تصدق بالشيء لا على سبيل الإحباس على أصله بل على سبيل البر والصدقة فإنه يجرى مجرى الهبة ولا بأس عليه في ابتياعه من صاحبه والله أعلم

(13/190)


بسم الله الرحمان الرحيم
25 -
( كتاب الشهادات )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الشهادات وهو جمع شهادة وهو مصدر من شهد يشهد قال الجوهري خبر قاطع والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره وقال أصحابنا معنى الشهادة الحضور وقال الغنيمة لمن شهد الواقعة أي حضرها والشاهد أيضا يحضر مجلس القاضي ومجلس الواقعة ومعناها شرعا إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان وفي ( التوضيح ) هذا الكتاب أخره ابن بطال إلى ما بعد النفقات وقدم عليه الأنكحة والذي في الأصول والشروح ( كشرح ابن التين ) وشيوخنا ما فعلناه يعني ذكرهم هذا الكتاب ههنا
1 -
( باب ما جاء في البينة على المدعي )
أي هذا باب في بيان ما جاء من نص القرآن أن البينة تتعين على المدعي وهذه الترجمة هكذا وقع في رواية الأكثرين وسقط لبعضهم لفظ باب وفي رواية النسفي وابن شبويه بسم الله الرحمن الرحيم موجودة قبل لفظ الكتاب وفي بضع النسخ باب ما جاء في البينة على المدعى
لقول تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء
أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخراى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذالكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدناى أن لا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ( البقرة 282 ) وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولاى بهما فلا تتبعوا الهواى أن تعدلوا وأن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( النساء 531 )
لم يذكر في هذا الباب حديثا اكتفاء بذكر الآيتين وقال بعضهم أما إشارة إلى الحديث الماضي قريبا من ذلك في آخر باب الرهن قلت الذي في آخر باب الرهن هو حديث ابن عباس أن النبي قضى أن اليمين على المدعي عليه وحديث عبد الله فيه شاهداك أو يمينه وهذا الوجه فيه بعد لا يخفى ثم وجه الاستدلال بالآية للترجمة أنه لو كان القول قول المدعى من غير بينة لما احتيج إلى الكتابة والإملاء والإشهاد عليه فلما احتيج إليه دل على أن البينة على المدعي وقال ابن بطال الأمر بالإملاء يدل على أن القول قول من عليه الشيء وأيضا أنه يقتضي تصديقه فيما عليه فالبينة على مدعي تكذيبه وأما الآية الأخرى فوجه الدلالة أن الله تعالى قد أخذ عليه أن يقر بالحق على نفسه فالقول قول المدعى عليه

(13/191)


فإذا كذبه المدعي فعليه البينة وآية المداينة أطول آية في القرآن العظيم وهي بتمامها مكتوبة في الكتاب في رواية أبي ذر وفي رواية ابن شبويه إلى قوله إلى أجل مسمى فاكتبوه وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ( البقرة 282 ) قال نزلت في السلم إلى أجل معلوم قوله إذا تداينتم بدين ( البقرة 282 ) أي إذا تبايعتم بدين الدين ما كان مؤجلا والعين ما كانت حاضرة يقال دان فلان يدين دينا استقرض وصار عليه دين ورجل مديون كثر ما عليه من الدين ومديان بكسر الميم إذا كان عادته أن يأخذ بالدين وقال ابن الأثير المديان الكثير الدين الذي عليه الديون وهو مفعال من الدين للمبالغة ويقال للمديون مدين أيضا قوله إلى أجل ( البقرة 282 ) الأجل الوقت المسمى المعلوم قوله فاكتبوه ( البقرة 282 ) أي أثبتوه في كتاب بين فيه قدر الحق والأجل ليرجع إليه وقت التنازع والنسيان ولأنه يحصل منه الحفظ والتوثقة فإن قلت فاكتبوه ( البقرة 282 ) أمر من الله تعالى وثبت في ( الصحيحين ) عن ابن عمر قال قال رسول الله إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب فما الجمع بينهما قلت إن الدين من حيث هو غير مفتقر إلى كتابة أصلا لأن كتاب الله قد سهل الله حفظه على الناس والسنن أيضا محفوظة عن رسول الله والذي أمر بكتابه إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس فأمروا أمر إرشاد لا أمر إيجاب كما ذهب إليه وهو مذهب الجمهور فإن كتب فحسن وإن ترك فلا بأس وقال أبو سعيد والشعبي والربيع بن أنس والحسن وابن جريج وابن زيد وآخرون كان ذلك واجبا ثم نسخ بقوله فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ( البقرة 382 ) وذهب بعضهم إلى أنه محكم قوله وليكتب بينكم كاتب بالعدل ( البقرة 282 ) أي بالحق والإنصاف لا يزيد فيه ولا ينقص ولا يقدم الأجل ولا يؤخره وينبغي أن يكون الكاتب فقيها عالما باختلاف العلماء أدبيا مميزا بين الألفاظ المتشابهة قوله ولا يأب كاتب ( البقرة 282 ) أي لا يمتنع كما أمر الله تعالى من العدل ويقال ولا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب للناس ولا ضرورة عليه في ذلك فكما علمه الله ما لم يكن يعلم فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة كما جاء في الحديث إن الصدقة أن تعين صانعا أو تصنع لأخرق وفي الحديث الآخر من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار وقال مجاهد وعطاء واجب على الكاتب أن يكتب قوله وليملل الذي عليه الحق ( البقرة 282 ) الإملال والإملاء لغتان جاء بهما القرآن قال تعالى فهي تملي عليه ( الفرقان 5 ) وقال وليملل الذي عليه الحق ( البقرة 282 ) يقر على نفسه بما عليه ولا ينقص من الحق شيئا قال القاضي إسماعيل بن إسحاق ظاهر قوله عز و جل وليملل الذي عليه الحق ( البقرة 282 ) يدل على أن القول قول من عليه الشيء وقال غيره لأن الله تعالى حين أمره بالإملاء اقتضى تصديقه فيما عليه فإذا كان مصدقا فالبينة على من يدعي تكذيبه قوله فإن كان الذي عليه الحق سفيها ( البقرة 282 ) أي محجورا عليه بتبذير ونحوه وقيل سفيها أي جاهلا بالإملاء أو طفلا صغيرا قوله أو ضعيفا أي عاجزا عن مصالحه ويقال أي صغيرا أو مجنونا قوله أو لا يستطيع أن يمل هو ( البقرة 282 ) إما بالعي أو الخرس أو العجمة أو الجهل بموضع صواب ذلك من خطائه قوله فليملل وليه ( البقرة 282 ) أي من يقوم مقامه وقيل هو صاحب الدين يملي دينه والأول أصح لأن في الثاني ريبة قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ( البقرة 282 ) أي من أهل ملتكم من الأحرار البالغين وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان وأكثر الفقهاء وأجاز شريح وابن سيرين شهادة العبد وهذا قول أنس بن مالك وأجاز بعضهم شهادته في الشيء التافه وإنما أمر بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة قوله فإن لم يكونا رجلين ( البقرة 282 ) أي فإن لم يكن الشاهدان رجلين قوله فرجل وامرأتان ( البقرة 282 ) أي فالشاهد رجل أو الذي يشهد رجل وامرأتان معه وأقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما جاء ذلك في ( الصحيح ) قوله ممن ترضون من الشهداء ( البقرة 282 ) أي ممن كان مرضيا في دينه وأمانته وكفايته وفيه كلام كثير موضعه غير هذا قوله أن تضل إحداهما ( البقرة 282 ) قال الزمخشري وانتصابه على أنه مفعول له أي إرادة أن تضل وقرأ حمزة أن تضل أحداهما على الشرط ومعنى الضلال هنا عبارة عن النسيان وقابل النسيان بالتذكر لأنه يعادله وقرىء فتذكر بالتخفيف والتشديد وهما لغتان قوله ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ( البقرة 282 ) أي لا يمتنع الشهود إذا ما طلبوا لتحمل الشهادة وإثباتها في الكتاب وقيل لإقامتها وأدائها عند الحاكم وقيل للتحمل والأداء جميعا وهذا أمر ندب وقيل فرض كفاية وقيل فرض عين وهو قول قتادة والربيع

(13/192)


وقال مجاهد وأبو مجلز وغير واحد إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار وإذا شهدت فدعيت فأجب قوله ولا تساموا ( البقرة 282 ) أي ولا تضجروا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا أي قليلا كان المال أو كثيرا قوله إلى أجله أي إلى وقته
قوله ذلكم ( البقرة 282 ) إشارة إلى أن تكتبوه لأنه في معنى المصدر أي ذلكم الكتب قوله أقسط ( البقرة 282 ) أي أعدل وأقوم للشهادة ( البقرة 282 ) أي أعون على إقامة الشهادة قوله وأدنى أن لا ترتابوا ( البقرة 282 ) أي أقرب من انتفاء الريب في مبلغ الحق والأجل قوله إلا أن تكون تجارة ( البقرة 282 ) استثناء من الاستشهاد والكتابة وتجارة حاضرة ( البقرة 282 ) بالرفع على أن كان التامة وقيل هي الناقصة على أن الاسم تجارة حاضرة والخبر تديرونها وقرىء بالنصب على أن تكون التجارة تجارة حاضرة ومعنى حاضرة يدا بيد تديرونها بينكم وليس فيها أجل ولا نسيئة وأباح الله ترك الكتابة فيها لعدم الخوف فيه من التأجيل قوله جناح ( البقرة 282 ) أي حرج قوله وأشهدوا إذا تبايعتم ( البقرة 282 ) إذا كان فيه أجل أو لم يكن فأشهدوا على حقكم على كل حال وروي عن جابر بن زيد ومجاهد وعطاء والضحاك نحو ذلك وقال الشعبي والحسن هذا الأمر منسوخ بقوله فإن أمن بعضكم بعضا ( البقرة 382 ) وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب لا على الوجوب قوله ولا يضار كاتب ( البقرة 282 ) وهو أن يزيد أو ينقص أو يحرف أو يشهد بما لم يستشهد أو يمتنع عن إقامة الشهادة وقيل أن يمتنع الكاتب أن يكتب والشاهد أن يشهد وقيل أن يدعوهما وهما مشغولان وقيل أن يدعى الكاتب أن يكتب الباطل والشاهد أن يشهد بالزور قوله وإن تفعلوا ( البقرة 282 ) يعني ما نهيتم عنه قوله فإنه فسوق بكم ( البقرة 282 ) أي خروج عن الأمر قوله واتقوا الله ( البقرة 282 ) أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زواجره قوله ويعلمكم الله ( البقرة 282 ) أي بشرائع دينه والله بكل شيء عليم ( البقرة 282 ) أي عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها ولا يخفى عليه شيء من الأشياء بل علمه محيط بجميع الكائنات قوله وقول الله عز و جل بالجر عطف على قوله لقول الله تعالى قوله يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ( النساء 531 ) الآية في سورة النساء قوله بالقسط ( النساء 531 ) أي بالعدل فلا تعدلوا عنه يمينا ولا شمالا وأن لا يأخذكم في الحق لومة لائم قوله شهداء لله ( النساء 531 ) تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أمرتم بإقامتها قوله ولو على أنفسكم ( النساء 531 ) أي ولو كانت الشهادة على أنفسكم أي إشهد بالحق ولو عاد ضررك عليك إذا سئلت عن الأمر قل الحق فيه وإن كانت مضرة عليك فإن الله سبحانه سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه وقيل معنى الشهادة على نفسه هي الإقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها قوله أو الوالدين والأقربين ( النساء 531 ) أي وإن كانت الشهادة عليهم فلا تراعوهم بل اشهدوا بالحق وإن عاد ضررها عليهم فالحق حاكم عليهم وعلى كل أحد قوله وإن يكن غنيا أي إن يكن المشهود عليه غنيا لا ترعوه لغناه أو يكن فقيرا لا تشفقوا عليه لفقره فالله أولى بهما منكم وأعلم بما فيه صلاحهما قوله فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ( النساء 531 ) أي كراهة أن تعدلوا أو إرادة أن تعدلوا على اعتبار العدل والعدول قوله وإن تلووا من اللي وهو التحريف وتعمد الكذب أي وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها فإن الله كان بما تعملون خبيرا بمجازاتكم عليه
2 -
( باب إذا عدل رجل أحدا فقال لا نعلم إلا خيرا أو قال ما علمت إلا خيرا )
أي هذا باب يذكر فيه إذا عدل رجل أحدا وقوله أحدا هو الكشميهني رواية وفي رواية غيره إذا عدل رجل رجلا وعدل بتشديد الدال من التعديل قوله فقال أي المعدل لا نعلم إلا خيرا أو ما علمت إلا خيرا ولم يذكر جواب إذا الذي هو حكم المسألة لأجل الخلاف وروى الطحاوي عن أبي يوسف أنه إذا قال ذلك قبلت شهادته ولم يذكر خلافا عن الكوفيين في ذلك واحتجوا بحديث الإفك على ما يأتي حديث الإفك وعن محمد لا بد أن يقول المعدل هو عدل جائز الشهادة والأصح أنه يكتفي بقوله هو عدل وذكر ابن التين عن ابن عمر أنه كان إذا أنعم مدح الرجل قال ما علمنا إلا خيرا وروى ابن القاسم عن مالك أنه أنكر أن يكون قوله لا أعلم إلا خيرا تزكية وقال لا يكون تزكية حتى يقول رضا وأراه عدلا رضا وذكر المزني عن الشافعي قال لا تقبل في التعديل إلا أن يقول عدل علي ولي ثم لا يقبله حتى يسأله عن معرفته فإن كان يعرف حاله الباطنة يقبل وإلا لم يقبل ذلك وفي ( التوضيح ) والأصح عندنا يعني الشافعية أنه يكفي أن يقول هو عدل ولا يشترط علي ولي

(13/193)


7362 - حدثنا ( حجاج ) قال حدثنا ( عبد الله بن عمر النميري ) قال حدثنا ( ثوبان ) وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير وابن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد ) الله بن عبد الله عن حديث ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها وبعض حديثهم يصدق بعضا حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فدعى رسول الله عليا وأسامة حين استليت الوحي يستأمرها في فراق أهله فأما أسامة فقال أهلك ولا نعلم إلا خيرا وقالت بريرة إن رأيت عليها أمرا أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقال رسول الله من يعذرنا في رجل بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا
مطابقته للترجمة في قوله ولا نعلم إلا خيرا ورجاله حجاج بن المنهال وفي بعض النسخ مذكور باسم أبيه وعبد الله ابن عمر بن غانم النميري بضم النون وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالراء قال في ( تهذيب الكمال ) روى عن يونس بن يزيد الأيلي ويزيد الرقاشي وثقه أبو داود وقال ابن منده نزل أفريقية وذكره مصنف ( رجال الصحيحين ) من أفراد البخاري وبقية الرجال مشهورون وعبيد الله بن عبد الله بن ععتبة وفيه رواية التابعة عن أربعة من التابعين على نسق واحد
وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع في الشهادات أيضا عن أبي الربيع سليمان بن داود وفي المغازي وفي التفسير وفي الإيمان والنذور وفي الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الجهاد وفي التوحيد وفي الشهادات وفي المغازي وفي التفسير وفي الإيمان والنذور أيضا عن الحجاج وفي التوحيد أيضا عن يحيى بن بكير وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الربيع الزهراني به وعن حبان بن موسى وعن حسن الحلواني وعبد بن حميد وعن إسحق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن أبي داود سليمان بن سيف الحراني وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه البخاري هنا مختصرا ولم يقع في رواية أبي ذر لا إلى قوله ولا نعلم إلا خيرا وفيه عن الليث معلقا وهو قوله وقال الليث حدثني يونس ووصله في كتاب التفسير عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس إلى آخره على ما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى
قوله وبعض حديثهم مبتدأ وقوله يصدق بعضا خبره والواو فيه للحال قوله أهل الإفك بكسر الهمزة وسكون الفاء والإفك في الأصل الكذب وأرادوا به ههنا ما كذب على عائشة رضي الله تعالى عنها مما رميت به قوله استلبث استفعل من اللبث وهو الإبطاء والتأخر يقال لبث يلبث لبثا بسكون الباء وقد يفتح ويقال اللبث بفتح اللام الإسم وبالضم المصدر قوله يستأمرهما أي يشاورهما قوله فقال أهلك أي فقال أسامة أهلك بالنصب أي إلزم أهلك ويجوز بالرفع أي هي أهلك أو أهلك غير مطعون عليه ونحوه قوله بريرة هي مولاة عائشة قوله إن رأيت عليها أي ما رأيت عليها كلمة إن النافية بمعنى ما للنفي قوله أغمصه بالغين المعجمة والصاد المهملة أي أعيبها به ويطعن به عليها يقال أغمصه فلان إذا استصغره ولم يره شيئا وغمصت عليه قولا أي أعيبه عليه قوله الداجن بالدال المهملة وكسر الجيم هو شاة ألفت البيوت واستأنست ومن العرب من يقولها بالهاء وسيأتي تمام الكلام عن قريب بعد أبو أيوب إن شاء الله تعالى
3 -
( باب شهادة المختبي )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة المختبي بالخاء المعجمة أي المختفي عند التحمل تقديره هل تجوز أم لا ثم ذكره بقوله
وأجازه عمرو بن حريث
أي أجاز الإختباء عند تحمل الشهادة عمرو بن حريث بضم الحاء المهملة وبالمثلثة ابن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولأبيه صحبة وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع وهذا

(13/194)


التعليق رواه البيهقي من حديث سعيد بن منصور حدثنا هشيم أنبأنا الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي أن عمرو بن حريث كان يجيز شهادته يعني المختبيء ويقول كذا يفعل بالخائن والفاجر
قال وكذالك يفعل بالكاذب الفاجر
أي قال عمرو بن حريث كذلك أي بالاختبار عند تحمل الشهادة يفعل بسبب الكاذب الفاجر وأراد به المديون الذي لا يعترف بالدين ظاهرا ثم يختلي به الدائن في موضع وقد كان أخفى فيه من يسمع إقراره بالدين فإذا شهد بذلك بعد ذلك يسمع عند عمر وبه قال الشافعي في الجديد وابن أبي ليلى ومالك وأحمد وإسحاق وروي عن شريح والشعبي والنخعي أنهم كانوا لا يجيزون شهادة المختبيء وقالوا إنه ليس بعدل حين اختفى ممن يشهد عليه وهو قول أبي حنيفة والشافعي في القديم
وقال الشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة السمع شهادة
يعني إذا سمع من أحد شيئا ولم يشهده عليه يسمع شهادته عند عامر الشعبي ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وقتادة ابن دعامة وتعليق الشعبي رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن مطرف عنه به وروي عن الشعبي أنه قال يجوز شهادة السمع إذا قال سمعته يقول وإن لم يشهده وكذا روى عن عبيدة وإبراهيم قالا شهادة السمع جائزة قال الطحاوي في ( مختصره ) يجوز للرجل أن شهد بما سمع إذا كان معاينا لمن سمعه منه وإن لم يشهده على ذلك فإن قلت قد مر أن الشعبي لا يجيز شهادة المختبيء وقوله السمع شهادة يعارضه قلت لاحتمال أن في شهادة المختبيء مخادعة ولا يلزم من ذلك رد شهادة السمع من غير قصد وعن مالك نظيره وهو أنه قال الحرص على تحمل الشهادة قادح فإن اختفى ليشهد فهو حرص
وقال الحسن يقول لم يشهدوني على شيء وإني سمعت كذا وكذا
تعليق الحسن البصري رواه ابن أبي شيبة عن حاتم بن وردان عن يونس عن الحسن قال لو أن رجلا سمع من قوم شيئا فإنه يأتي القاضي فيقول لم يشهدوني ولكني سمعت كذا وكذا
8362 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال ( سالم ) سمعت ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول انطلق رسول الله وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيهاابن صياد حتى إذا دخل رسول الله طفق رسول الله يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد أي صاف هذا محمد فتناهاى ابن صياد قال رسول الله لو تركته بين
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر أخبره إلى آخره بأتم منه وأخرجه هنا عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى ونذكر بعض شيء لبعد العهد منه
قوله يؤمان أي يقصدان قوله طفق رسول الله بكسر الفاء من أفعال المقاربة معناه أخذ في الفعل وجعل يفعل قوله يتقي خبر طفق قوله وهو يختل جملة وقعت حالا وهو بكسر التاء المثناة من فوق

(13/195)


أي يطلب ابن صياد مستغفلا له ليسمع شيئا من كلامه الذي يتكلم به في خلوته حتى يظهر للصحابة أنه كاهن وأصل الختل الخدع يقال ختله يختله إذا خدعه وراوغه وختل الذئب الصيد إذا اختفى له قوله في قطيفة هي كساء مخمل قوله رمرمة بالراءين وهو الصوت الخفي قوله أو زمزمة شك من الراوي وهو بالزايين المعجمتين قوله أي صاف يعني يا صاف وهو بالصاد المهملة والفاء المضمومة أو المكسورة أو الساكنة ابن صياد قوله فتناهى قال ابن الأثير قيل هو تفاعل من النهي العقل أي رجع إليه عقله وتنبه من غفلته وقيل هو من الانتهاء أي انتهى عن زمزمته قوله لو تركته بين أي لو تركته أمه بحيث لا يعرف قدوم رسول الله ولم يندهش عنه بين لكم باختلاف كلامه ما يهون عليكم شأنه
وقال المهلب فيه جواز الاحتيال على المستسرين في جحود الحق حتى يسمع منهم ما يستسرون به ويحكم به عليهم ولكن بعد أن يفهم عنهم فهما حسيا مبينا
9362 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( الزهري ) عن ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فأبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمان بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وأبو بكر جالس عنده وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فقال يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وخالد بن سعيد إلى آخر الحديث بيان ذلك أن خالدا أنكر على امرأة رفاعة ما تلفظت به عند النبي ولم ينكر عليه النبي على ذلك وكان إنكار خالد عليها لاعتماده على سماع صوتها وهذا هو حاصل ما يقع من شهادة السمع لأن خالدا مثل المختفي عنها وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي وقد تكرر ذكره وسفيان هو ابن عيينة
والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد والترمذي فيه عن ابن أبي عمر وإسحاق بن منصور والنسائي فيه ومن الطلاق عن إسحاق بن إبراهيم وابن ماجه في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة ستتهم عن سفيان به
قوله جاءت امرأة رفاعة اسم المرأة تميمة بنت وهب ولم يقع في رواية البخاري ولا في رواية غيره من مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه تسمية امرأة رفاعة وقد سماها مالك في روايته تميمة بنت وهب وقال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) ولا أعلم لها غير قصتها مع رفاعة بن سموأل حديث العسيلة من حديث مالك في ( الموطأ ) وكذا قال الطبراني في ( المعجم الكبير ) لها ذكر في قصة رفاعة ولا حديث لها وأما زوجها الأول فهو رفاعة بن سموأل القرظي من بني قريظة قال ابن عبد البر ويقال رفاعة بن رفاة وهو أحد العشرة الذين فيهم نزلت ولقد وصلنا لهم القول ( القصص 15 ) الآية كما رواه الطبراني في ( معجمه ) وابن مردويه في ( تفسيره ) من حديث رفاعة بإسناد صحيح وأما زوجها الثاني فهو عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة بلا خلاف ابن باطا وقيل باطيا من بني قريظة وأما ما ذكره ابن منده وأبو نعيم في كتابيهما ( معرفة الصحابة ) أنه من الأنصار من الأوس ونسباه إلى عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس فغير جيد وقيل اسم المرأة سهيمة وقيل الغميصاء وقيل الرميصاء
قلت لما أخرج الترمذي حديث امرأة رفاعة القرظي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال وفي الباب عن ابن عمر وأنس والرميصاء أو الغميصاء فهذا يدل على أنهما غير المرأة التي تزوجت بابن الزبير أما حديث ابن عمر فأخرجه النسائي وابن ماجه عنه عن النبي في الرجل يكون له المرأة ثم يطلقها ثم يتزوجها رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها فترجع إلى زوجها الأول قال لا حتى تذوق العسيلة وأما حديث أنس فرواه البيهقي من رواية محمد بن دينار عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن رجل تزوج امرأة

(13/196)


وكان قد طلقها زوجها أحسبه قال ثلاثا فلم يدخل بها الثاني فقال سئل رسول الله فقال لا تحل له حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته وأما حديث الرميصاء أو الغميصاء فهو من حديث عائشة رواه الطبراني في ( الكبير ) بإسناد صحيح من رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال للغميصاءلا حتى يذوق من عسيلتك وتذوقي من عسيلته
وروى النسائي بسند جيد عن عبد الله بن عباس أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي تشتكي زوجها وأنه لا يصل إليها فلم يلبث أن جاء زوجها فقال يا رسول الله إنها كاذبة وهو يصل إليها ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول فقال ليس ذلك لها حتى يذوق عسيلته
قلت وفي الباب روى بكر بن معروف عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ( البقرة 032 ) نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري كانت تحت رفاعة يعني ابن وهب وهو ابن عمها فتزوجها ابن الزبير ثم طلقها فأتت رسول الله فقالت يا رسول الله إن زوجي طلقني قبل أن يمسني أفأرجع إلى ابن عمي فقال لا حتى يكون مس فلبثت ما شاء الله ثم أتت فقالت يا رسول الله إن زوجي الذي كان تزوجني بعد زوجي كان مسني فقال رسول الله كذبت بقولك الأول فلن أصدقك في الآخر فلبثت فلما قبض رسول الله أتت أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقالت أرجع إلى زوجي الأول فإن الآخر قد مسنى فقال لها أبو بكر قد عهدت رسول الله حين قال لك فلا ترجعي إليه فلما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه جاءت عمر رضي الله تعالى عنه فقال إن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك
قوله فبت طلاقي بالباء الموحدة المفتوحة وتشديد التاء المثناة من فوق أي قطع قطعا كليا بتحصيل البينونة الكبرى وهكذا رواية الجمهور بت من الثلاثي المجرد وفي رواية النسائي فأبت طلاقي من المزيد فيه وهي لغة ضعيفة وقال الجوهري حكاية عن الأصمعي لا يقال يبت قال وقال الفراء هما لغتان ويقال بته يبته بضم الباء في المضارع وحكى يبته بالكسر قال الجوهري وهو شاذ وفي رواية أبي نعيم من حديث ابن عباس كانت أمية بنت الحارث عند عبد الرحمن بن الزبير فطلقها ثلاثا الحديث وهنا صرح بالثلاثة وفي رواية للبخاري على ما يأتي أن رفاعة طلقني آخر ثلاث تطليقات فبان منه أن الثلاث كانت متفرقات وأن المراد بقوله هنا فبت طلاقي هي الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى قوله مثل هدبة الثوب بضم الهاء وسكون الدال وهي طرفه الذي لم ينسج شبهوها بهدب العين وهو شعر الجفن وفي رواية لمسلم فأخذت هدبة من جلبابها فتبسم رسول الله فقال خالد ألا تزجر هذه وفيه قالت عائشة وعليها خمار أخضر فشكت ءليها وأرتها خضرة بجلدها وفيه فجاء ابن الزبير ومعه إبنان له من غيرها فقالت والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال كذبت يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة فقال رسول الله فإن كان ذلك لم تحلي له أو لم تصلحي له حتى يذوق من عسيلتك وفي ( تهذيب ) الأزهري قال النبي لامرأة سألت عن زوج تزوجته لترجع إلى زوجها الأول فلم ينتشر ذكره للإيلاج لا حتى تذوقي عسيلته وفي ( المصنف ) عن عامر قال قال علي رضي الله تعالى عنه لا تحل لهب حتى يهزها هزيز البكر وقال أنس رضي الله تعالى عنه لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني ويدخل بها وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه حتى يسفسفها به قلت كأنه من سفسفت الريح التراب إذا أثارته أو من السفسفة وهي انتخال الدقيق ونحوه قوله أن ترجعي ويروى أن ترجعين بالنون وهي على لغة من يرفع الفعل بعد أن قوله عسيلته بضم العين وفتح السين المهملة تصغير عسلة وفي الغسل لغتان التأنيث والتذكير فأنث العسيلة لذلك لأن المؤنث يرد إليها الهاء إذا صغر كقولك سميسة ويدية وقيل إنما أنثه لأنه أراد النطفة وضعفه النووي لأن الإنزال لا يشترط وإنما هي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته وقال الجوهري صغرت العسلة بالهاء لأن الغالب على العسل التأنيث قال ويقال إنما أنث لأنه أريد به العسلة وهي القطعة منه كما يقال للقطعة من

(13/197)


الذهب ذهبة والمراد بالعسيلة هنا الجماع لا الإنزال وقد جاء ذلك مرفوعا من حديث عائشة أن النبي قال العسيلة الجماع ورواه الدارقطني وفي إسناده أبو عبد الملك القمي يرويه عن ابن أبي مليكة عن عائشة وقال ابن التين يريد الوطء وحلاوة مسلك الفرج في الفرج ليس الماء قوله وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عب مناف بن قصي القرشي الأموي يكنى أبا سعيد أسلم قديما يقال إنه أسلم بعد أبي بكر الصديق فكان ثالثا أو رابعا وقيل كان خامسا وقال ضمرة بن ربيعة كان إسلام خالد مع إسلام أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وهاجر إلى الحبشة وقدم على رسول الله في غزوة خيبر وبعثه على صدقات اليمن فتوفي رسول الله وهو باليمن قتل بمرج الصفر في الوقعة به سنة أربع عشرة في صدر خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وقيل بل كان قتله في وقعة أجنادين بالشام قبل وفاة أبي بكر بأربع وعشرين ليلة قوله ألا تسمع إلى هذه إلى آخره كأنه استعظم لفظها بذلك قوله تجهر ورواه الدارقطني تهجر من الهجر يعني تأتي بالكلام القبيح
ومما يستفاد منه أن الرجل إذا أراد أن يعيد مطلقته بالثلاث فلا بد من زوج آخر يتزوج بها ويدخل عليها وأجمعت الأمة على أن الدخول شرط الحل للأول ولم يخالف في ذلك إلا سعيد بن المسيب والخوارج والشيعة وداود الظاهري وبشر المريسي وذلك اختلاف لا خلاف لعدم استنادهم إلى دليل ولهذا لو قضى به القاضي لا ينفذ والشرط الإيلاج دون الإنزال وشد الحسن البصري في اشتراط الإنزال وفيه ما قاله المهلب جواز الشهادة على غير الحاضر من وراء الباب والستر لأن خالدا سمع قول المرأة وهو من وراء الباب ثم أنكره عليها بحضرة النبي وأبي بكر رضي الله تعالى عنه ولم ينكر عليه وفيه إنكار في الأصل والجهر هو المعقول في القول إلا أن يكون في حق لا بد له من البيان عند الحاكم والله أعلم
4 -
( باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء فقال آخرون ما علمنا ذلك يحكم بقول من شهد )
أي هذا باب يذكر فيه إذا شهد بقضية أو شهد شهود بها فقال جماعة آخرون ما علمنا بذلك أراد به أنهم نفوا ما أثبت الشهود الأولون قوله يحكم بقوله من شهد جواب إذا وأراد به أن الإثبات أولى من النفي لأن المثبت أولى وأقدم من النافي قال بعضهم وهو وفاق من أهل العلم قلت فيه خلاف فقال الكرخي المثبت أولى من النافي لأن المثبت معتمد على الحقيقة في خبره فيكون أقرب إلى الصدق من النافي الذي يبنى الأمر على الظاهر ولهذا قيل الشهادة على الإثبات دون النفي ولأن المثبت يثبت أمرا زائدا لم يكن فيفيد التأسيس والنافي مبق للأمر الأول فيفيد التأكيد والتأسيس أولى وقال عيسى بن أبان يتعارض المثبت والنافي فلا يترجح أحدهما على الآخر إلا بدليل مرجح فلأجل هذا الاختلاف ذكر أصحابنا في ذلك أصلا كليا جامعا يرجع إليه في ترجيح أحدهما وهو أن النفي لا يخلو إما أن يكون من جنس ما يعرف بدليله بأن يكون مبناه على دليل أو من جنس ما لا يعرف بدليله بإن يكون مبناه على الاستصحاب دون الدليل أو احتمل الوجهان فالأول مثل الإثبات فيقع التعارض بينهما لتساويهما في القوة فيطلب الترجيح ويعمل بالراجح والثاني ليس فيه تعارض فالأخذ بالمثبت أولى والثاني ينظر في النفي فإن تبين أنه مما يعرف بالدليل يكون كالإثبات فيتعارضان فيطلب الترجيح وأن تبين أنه بناء على الاستصحاب فالإثبات أولى ولهذه الأقسام صور موضعها في الأصول تركناها خوفا من التطويل
وقال الحميدي هذا كما أخبر بلال أن النبي صلى في الكعبة وقال الفضل لم يصل فأخذ الناس بشهادة بلال
هذا من جملة الصور التي ذكرنا أنها ثلاثة أقسام وهو من القسم الذي لا يعرف النفي فيه إلا بظاهر الحال فلا يعارض الإثبات فلهذا أخذوا بشهادة بلال أنه صلى في جوف الكعبة عام الفتح ورجحوا روايته على رواية الفضل بن عباس أنه لم يصل وإطلاق الشهادة على إخبار بلال تجوز فإن قلت الترجمة في قول الآخرين ما علمنا ذلك والذي ذكره عن

(13/198)


الحميدي صورة المنافيين فلا مطابقة قلت معنى قول الفضل لم يصل ما علم أنه صلى ولعله كان مشتغلا بالدعاء ونحوه فلم يره صلى فنفاه عملا بظنه وقد مضى هذا الذي علقه عن الحميدي وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد بأتم منه في كتاب الزكاة في باب العشر فإنه أخرجه هناك عن سعيد بن أبي مريم عن عبد الله بن وهب الحديث وقد مر الكلام فيه هناك
كذلك إن شهد شاهدان أن لفلان على فلان ألف درهم وشهد آخران بألف وخمسمائة يقضى بالزيادة
أي كالحكم المذكور يحكم إن شهد شاهدان أن لفلان على فلان ألف درهم بأن شهدا أن لزيد على عمرو مثلا ألف درهم وشهد شاهدان آخران أن له عليه ألفا وخمسمائة درهم يقضي أي يحكم بالزيادة أيضا وهي خمسمائة يعني يحكم بألف وخمسمائة لأن عدم علم الغير لا يعارض علمه وفي بعض النسخ يعطي بالزيادة فالباء في بالزيادة على هذا زائدة وقيد بقوله وشهد آخران لأنه لو شهد واحد بالزيادة لا تلزم الزيادة إلا بشاهد آخر وفي تمثيل هذه المسألة بما قبله بقوله كذلك نظر لأن ما قبله مشتمل على صورتين إحداهما صورة ما علمنا والثانية صورة المنافيين ولا تطابق هذه المسألة الصورتين المذكورتين ولا واحدة منهما فإن قلت شهادة الآخرين بألف وخمس مائة ينافي شهادة الشاهدين بألف ظاهرا قلت لا نسلم ذلك بل كلهم متفقون في الألف وإنما انفرد الآخران بالخمسمائة الزائدة فثبتت الزيادة لوجود نصاب الشهادة حتى لو كان الذي يشهد بالزيادة واحدا لا يلزم الزيادة إلا بشاهد آخر كما ذكرنا
0462 - حدثنا ( حبان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( عمر بن سعيد بن أبي حسين ) قال أخبرني ( عبد الله بن أبي مليكة ) عن ( عقبة بن الحارث ) أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت قد أرضعت عقبة والتي تزوج فقال لها عقبة ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فأرسل إلى آل أبي إهاب يسألهم فقالوا ما علمنا أرضعت صاحبتنا فركب إلى النبي بالمدينة فسأله فقال رسول الله كيف وقد قيل ففارقها ونكحت زوجا غيره
مطابقته للترجمة غير ظاهرة لأنه ليس فيه شهادة ولا حكم ولكن قال الكرماني أمر النبي بالمفارقة بقوله كيف وقد قيل كالحكم وإخبار المرضعة كالشهادة وقال بعضهم المرضعة أثبتت الرضاع وعقبة نفاه فأعمل النبي قولها فأمره بالمفارقة إما وجوبا عند من يقول به وإما ندبا على طريق الورع قلت في كل منهم نظر أما الأول ففيه التجويز وأما الثاني فلو لاحظ فيه صورة ما علمنا لكان أقرب وأوجه لأن فيه نفي العلم وهو يطابق الترجمة
والحديث قد مضى في كتاب العلم في باب الرحلة في المسألة النازلة فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن عمر بن سعيد بن أبي حسين إلى آخره نحوه ومضى الكلام فيه هناك مستوفى وإهاب بكسر الهمزة وعزيز على وزن ) عظيم بزايين معجمتين ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي والحموي عزيز بضم العين وفتح الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مصغر قيل والأول أصوب
5 -
( باب الشهداء العدول )
أي هذا باب في بيان الشهداء العدول يعني من هم والشهداء جمع شهيد بمعنى الشاهد والعدول جمع عدل والعدل من ظهر منه الخير وقال أبراهيم العدل الذي لم يظهر فيه ريبة قال ابن بطال وهو مذهب أحمد وإسحاق وروى ابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن إبراهيم قال العدل في المسلمين ما لم يطعن في بطن ولا فرج وقال الشعبي يجوز شهادة المسلم ما لم يصب حدا أو يعلم عنه جريمة في دينه وكان الحسن يجيز شهادة من صلى إلا أن يأتي الخصم بما يجرحه وعن حبيب

(13/199)


قال سأل عمر رضي الله تعالى عنه رجلا عن رجل فقال لا نعلم إلا خيرا قال حسبك وقال شريح أدع وأكثر وأطنب وائت على ذلك بشهود عدول فإنا قد أمرنا بالعدل وأنت فسل عنه فإن قالوا الله يعلم يفرقوا أن يقولوا هو مريب ولا تجوز شهادة مريب وإن قالوا علمناه عدلا مسلما فهو إن شاء الله كذلك وتجوز شهادته وقال أبو عبيد في ( كتاب القضاء ) من ضيع شيئا مما أمره الله عز و جل أو ركب شيئا مما نهى الله تعالى عنه فليس يعدل وعن أبي يوسف ومحمد والشافعي من كانت طاعته أكثر من معاصيه وكان الأغلب عليه الخير وزاد الشافعي والمروءة ولم يأت كبيرة يجب الحد بها أو ما يشبه الحد قبلت شهادته لأن أحدا لا يسلم من ذنب ومن أقام على معصية أو كان كثير الكذب غير مستتر به لم تجز شهادته
وقال الطحاوي لا يخلو ذكر المروءة أن يكون مما يحل أو يحرم فإن كان مما يحل أو يحرم فإن كان مما يحل فلا معنى لذكرها وإن كان مما يحرم فهي من المعاصي وقال الداودي العدل أن يكون مستقيم الأمر مؤديا لفروضه غير مخالف لأمر العدول في سيرته وخلائقه وغير كثير الخوض في الباطل ولا يتهم في حديثه ولم يطلع منه على كبيرة أصر عليها ويختبر ذلك في معاملته وصحبته في السفر قال وزعم أهل العراق أن العدالة المطلوبة في إظهار الإسلام مع سلامته من فسق ظاهر أو طعن خصم فيه فيتوقف في شهادته حتى تثبت له العدالة وفي ( الرسالة ) عن الشافعي صفة العدل هو العامل بطاعة الله تعالى فمن رؤي عاملا بها فهو عدل ومن عمل بخلافها كان خلاف العدل وقال أبو ثور من كان أكثر أمره الخير وليس بصاحب جريمة في دين ولا مصر على ذنب وإن صغر قبل وكان مستورا وكل من كان مقيما على ذنب وإن صغر لم تقبل شهادته
وقول الله تعالى وأشهدوا ذوى عدل منكم ( الطلاق 2 ) وممن ترضون من الشهداء ( البقرة 282 )
وقول الله بالجر عطف على قوله الشهداء العدول قوله وممن ترضون ( البقرة 282 ) الواو فيه عاطفة لا من القرآن واحتج بقوله واشهدوا ذوي عدل منكم ( الطلاق 2 ) على أن العدالة في الشهود شرط وبقوله ممن ترضون ( البقرة 282 ) على أن الشهود إذا لم يرض بهم لمانع عن الشهادة لا تقبل شهادتهم
1462 - حدثنا ( الحكم بن نافع ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( حميد بن عبد الرحمان ابن عوف ) أن ( عبد الله بن عتبة ) قال سمعت ( عمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه يقول إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة
مطابقته للترجمة من حيث إنه يؤخذ منه أن العدل من لم يوجد منه الريبة وهذا الحديث من أفراده وعبد الله بن عتبة بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة ابن مسعود وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي مات في زمن عبد الملك بن مروان سمع من كبار الصحابة أدرك زمان النبي وفي ( التهذيب ) أدرك النبي وهو خماسي ذكره ابن حبان في ( الثقات ) والمرفوع من هذا الحديث إخبار عمر رضي الله تعالى عنه عما كان الناس يأخذون به على عهد رسول الله وبقية الخبر بيان لما يستعمله الناس بعد انقطاع الوحي بوفاة رسول الله فبقي كما قال أبو الحسن لكل من سمعه أن يحفظه ويتأدب به
قوله بالوحي يعني كان الوحي يكشف عن سائر الناس في بعض الأوقات قوله أمنا بهمزة بغير مد وكسر الميم وتشديد النون يعني جعلناه آمنا من الشر وهو مشتق من الأمان ويقال معناه صيرناه عندنا أمينا قوله وقربناه أي أعظمناه وكرمناه قوله من سريرته السرير السر ويجمع على سرائر قوله والله يحاسبه وفي رواية أبي ذر عن الحموي يحاسب بحذف الضمير المنصوب وفي

(13/200)


رواية الباقين محاسبة بميم في أوله وهاء في آخره من باب المفاعلة قوله سوءا وفي رواية الكشميهني شرا
وفيه أن من ظهر منه الخير فهو العدل الذي يجب قبول شهادته وفي قول عمر رضي الله تعالى عنه هذا كان الناس في الزمن الأول على العدالة وقد ترك بعض ذلك في زمن عمر فقال له رجل أتيتك بأمر لا رأس له ولا ذنب فقال له وما ذاك قال شهادة الزور ظهرت في أرضنا قال عمر رضي الله تعالى عنه في زماني وسلطاني لا والله لا يوسم رجل بغير العدالة
6 -
( باب تعديل كم يجوز )
أي هذا باب في بيان تعديل كم نفس يجوز حاصله أن العدد المعين هل شرط في التعديل أم لا وفيه خلاف فلذلك لم يصرح بالحكم فقال مالك والشافعي لا يقبل في الجرح والتعديل أقل من رجلين وقال أبو حنيفة يقبل تعديل الواحد وجرحه وقال ابن بطال قلت مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف يقبل في الجرح والتعديل واحدومحمد بن الحسن مع الشافعي
2462 - حدثنا ( سليمان بن حرب ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( ثابت ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال مر على النبي بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت ثم مر بأخرى فأثنوا عليها شرا أو قال غير ذلك فقال وجبت فقيل يا رسول الله قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت قال شهادة القوم المؤمنون شهداء الله في الأرض
( انظر الحديث 7631 )
مطابقته للترجمة تأتي على ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن الواحد يكفي في التعديل لأن قوله المؤمنون جمع محلى بالألف واللام والألف واللام إذا دخل الجمع يبطل الجمعية ويبقى الجنسية وأدناها واحد ويتأيد هذا بقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما مر عليه بثلاث جنائز وجبت في كل واحد منها فقال له أبو الأسود وما وجبت يا أمير المؤمنين قال قلت كما قال النبي أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال

(13/201)


وثلاثة فقلنا وإثنان قال وإثنان ثم لم نسأله عن الواحد
والحديث يأتي الآن في هذا الباب وقد مضى في كتاب الجنائز في باب ثناء الناس على الميت أيضا وإنما لم يسألوا عن الواحد لأنهم كانوا يعتمدون قول الواحد في ذلك لكنهم لم يسألوا عن حكمه ويؤيده أيضا أن البخاري صرح بالاكتفاء في التزكية بواحد على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى وحديث الباب مر في كتاب الجنائز أيضا في الباب المذكور
قوله شهادة القوم كلام إضافي مبتدأ وخبره محذوف تقديره مقبولة قوله المؤمنون مبتدأ وقوله شهداء الله خبره هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي والسرخسي شهادة القوم المؤمنين فيكون المؤمنين صفة القوم ويكون شهادة القوم مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف كما في الصورة الأولى تقديره شهادة القوم المؤمنين مقبولة وقوله شهداء الله في الأرض خبر مبتدأ محذوف أي هم شهداء الله في الأرض وعن السهيلي مع ما فيه من التعسف رواه بعضهم برفع القوم فوجهه أن قوله شهادة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه شهادة وهي جملة مستقلة منقطعة عما بعدها و القوم مرفوع بالابتداء والمؤمنون صفته وقوله شهداء الله في الأرض خبره وتكون هذه الجملة بيانا للجملة الأولى
3462 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( داود بن أبي الفرات ) قال حدثنا ( عبد الله بن بريدة ) عن ( أبي الأسود ) قال أتيت المدينة وقد وقع بها مرض وهم يموتون موتا ذريعا فجلست إلى عمر رضي الله تعالى عنه فمرت جنازة فأثني خيرا فقال عمر وجبت ثم مر بأخرى فأثني خيرا فقال وجبت ثم مر بالثالثة فأثني شرا فقال وجبت فقلت ما وجبت يا أمير المؤمنين قال قلت كما قال النبي أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة قلنا وثلاثة قال وثلاثة قلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد
( انظر الحديث 8631 )
وجه المطابقة هنا مثل المذكور في الحديث السابق وبريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وأبو الأسود اسمه ظالم ضد العادل مر مع الحديث في كتاب الجنائز في باب الثناء على الميت قوله وقد وقع بها مرض جملة حالية وكذلك قوله وهم يموتون أي أهل المدينة قوله ذريعا بالذال المعجمة أي واسعا أو سريعا قوله خيرا بالنصب صفة لمصدر محذوف أي ثناء خيرا أو منصوب بنزع الخافض أي بخير وكذلك في الكلام في شرا بالنصب
7 -
( باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم )
أي هذا باب في بيان حكم الشهادة على الأنساب وهو جمع نسب والرضاع المستفيض أي الشائع الذائع قوله والموت القديم أي العتيق الذي تطاول الزمان عليه وحده بعض المالكية بخمسين سنة وقيل بأربعين والحاصل أن هذه الترجمة معقودة لشهادة الاستفاضة منها النسب والرضاع والموت وقيد الرضاع بالاستفاضة والموت بالقدم ومعنى الباب أن ما صح من الأنساب والرضاع والموت بالاستفاضة وثبت علمه بالنفوس وارتفعت فيه الريب والشك أنه لا يحتاج فيه لمعرفة عدد الذين بهم ثبت علم ذلك ولا يحتاج إلى معرفة الشهود ألا ترى أن الرضاع الذي في هذه الأحاديث المذكورة كلها كان في الجاهلية وكان مستفيضا معلوما عند القوم الذين وقع الرضاع منهم وثبت به الحرية والنسب في الإسلام ويجوز عند مالك والشافعي والكوفيين الشهادة بالسماع المستفيض في النسب والموت القديم والنكاح
وقال الطحاوي أجمعوا على أن شهادة السماع تجوز في النكاح دون الطلاق ويجوز عند مالك والشافعي الشهادة على ملك الدار بالسماع زاد الشافعي والثوب أيضا ولا يجوز ذلك عند الكوفيين وقال مالك لا تجوز الشهادة على ملك الدار بالسماع على خمس سنين ونحوها إلا مما يكثر من السنين وهو بمنزلة سماع الولاء وقال ابن القاسم وشهادة السماع إنما هي ممن أتت عليه أربعون سنة أو خمسون وقال مالك وليس أحد يشهد على أجناس الصحابة إلا على السماع وقال عبد الملك أقل ما يجوز في الشهادة على السماع أربعة شهداء من أهل العدل أنهم لم يزالوا يسمعون أن هذه الدار صدقة على بني فلان محبسة عليهم مما تصدق به فلان ولم يزالوا يسمعون أن فلانا مولى فلان قد تواطأ ذلك عندهم وفشى من كثرة ما سمعوه من العدول ومن غيرهم ومن المرأة والخادم والعبد
واختلف فيما يجوز من شهادة النساء في هذا الباب فقال مالك لا يجوز في الأنساب والولاء شهادة النساء مع الرجال وهو قول الشافعي وإنما يجوز مع الرجال في الأموال وأجاز الكوفيون شهادة رجل وامرأتين في الأنساب وأما الرضاع فقال أصحابنا يثبت الرضاع بما يثبت به المال وهو شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولا تقبل شهادة النساء المنفردات وعند مالك بامرأتين وعند أحمد بمرضعة فقط
وقال النبي أرضعتني وأبا سلمة ثويبة
هذا قطعة من حديث رواه موصولا في الرضاع من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان وإنما ذكر هذه القطعة هنا معلقة لأجل ما في الترجمة من قوله والرضاع قوله أرضعتني فعل ومفعول وأبا سلمة بالنصب عطف على المفعول ثويبة بالرفع فاعله وأبو سلمة بفتح اللام ابن عبد الأسد المخزومي أسلم وهاجر إلى المدينة مع زوجته أم سلمة ومات سنة أربع فتزوجها رسول الله وقال الذهبي أبو سلمة بن عبد الأسد توفي سنة اثنتين وثوبية مصغر الثوبة بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة مولاة أبي لهب أرضعت أولا حمزة رضي الله تعالى عنه وثانيا رسول الله وثالثا أبا سلمة قال الكرماني واختلف في إسلامها وقال الذهبي يقال إنها أسلمت
والتثبت فيه

(13/202)


هذا من بقية الترجمة أي في أمر الإرضاع لأنه أمر فيه بالتثبت احتياطا وسيجيء في آخر حديث من أحاديث الباب قال يا عائشة أنظرن من أخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة والمراد بالنظر هنا التفكر والتأمل على ما يجيء إن شاء الله تعالى
4462 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال أخبرنا ( الحكم ) عن ( عراك بن مالك ) عن ( عروة ابن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت استأذن علي أفلح فلم آذن له فقال أتحتجبين مني وأنا عمك فقلت وكيف ذلك قال أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي فقالت سألت عن ذالك رسول الله فقال صدق أفلح أئذني له
مطابقته لجزء الترجمة التي هي قوله والتثبت فيه وذلك لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قد تثبتت في أمر حكم الرضاع الذي كان بينها وبين أفلح المذكور والدليل على تثبتها أنها ما أذنت له حتى سألت رسول الله عن ذلك والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة مصغر عتبة الباب وقد تكرر ذكره وعراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء
وهذا الحديث أخرجة بقية الستة وأخرجه مسلم والنسائي في النكاح من رواية عراك عن عروة عنها وأخرجه البخاري أيضا ومسلم والنسائي في النكاح من رواية مالك عن الزهري عن عروة عنها وأخرجه مسلم أيضا والنسائي وابن ماجه في النكاح من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عنها وأخرجه مسلم أيضا في النكاح من رواية يونس عن الزهري عن عروة عنها وأخرجه البخاري أيضا في الأدب عن حسان بن موسى ومسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم والنسائي فيه وفي الطلاق عن عمرو بن علي الكل من رواية معمر بن راشد عن الزهري عن عروة عنها وأخرجه مسلم أيضا في النكاح عن ابن أبي شيبة والترمذي في الرضاع عن الحسن بن علي من رواية عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عنها وأخرجه مسلم أيضا والنسائي في النكاح من رواية عطاء بن أبي رباح عن عروة عنها وأخرجه البخاري أيضا في التفسير من حديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عروة عنها وأخرجه أبو داود في النكاح عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عنها
ذكر معناه قوله استأذن أي طلب الإذن وفاعله قوله أفلح وقوله علي بتشديد الياء وقد اختلف في أفلح هذا فقيل ابن أبي القعيس بضم القاف وفتح العي المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وقال أبو عمر قيل أبو القعيس وقيل أخو أبو القعيس وأصحها ما قال مالك ومن تابعه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة جاء أفلح أخو أبي القعيس ويقال إنه من الأشعريين وقيل إن إسم أبي القعيس الجعد ويقال أفلح يكنى أبا الجعيد وقيل إسم أبي القعيس وائل بن أفلح وقيل أفلح بن أبي الجعد روى ذلك عبد الرزاق وقيل أيضا عمي أبو الجعد وفي ( صحيح الإسماعيلي ) أفلح بن قعيس أو ابن أبي القعيس وقال ابن الجوزي قال هشام بن عروة إنما هو أبو القعيس أفلح قال وهذا ليس بصحيح إنما هو أبو الجعد أخو أبي القعيس وقال النووي اختلف العلماء في عم عائشة المذكور فقال أبو الحسن القابسي هما عمان لعائشة من الرضاعة أحدهما أخو أبيها أبي بكر من الرضاعة الذي هو أبو القعيس وأبو القعيس أبوها من الرضاعة وأخوه أفلح عمها وقيل هو عم واحد وهو غلط فإن عمها في الحديث الأول ميت وفي الثاني حي جاء يستأذن قلت المراد من الحديث الأول هو ما قالت عائشة يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي قال رسول الله نعم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ثم قال النووي والصواب ما قاله القاضي فإنه ذكر القولين ثم قال قول القابسي أشبه لأنه لو كان واحدا لفهمت حكمه من المرة الأولى ولم يحتجب منه بعد ذلك فإن قيل فإذا كانا عمين كيف سألت عن الميت وأعلمها النبي أنه عم لها يدخل عليها واحتجبت عن عمها الآخر أخي أبي القعيس حتى أعلمها النبي بأنه عمها يدخل عليها فهلا اكتفت بأحد السؤالين فالجواب أنه يحتمل أن أحدهما كان عما من أحد الأبوين والآخر منهما أو

(13/203)


عما أعلى والآخر أدنى أو نحو ذلك من الاختلاف فخافت أن تكون الإباحة مختصة بصاحب الوصف المسؤول عنه أولا والله أعلم انتهى وقال القرطبي أو يحتمل أنها نسيت القصة الأولى فأنشأت سؤالا آخر أو جوزت تبديل الحكم
ذكر ما يستفاد منه فيه ثبوت المحرمية بينها وبين عمها من الرضاعة وفيه أنه لا يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمحرم لها في الدخول عليها ويجب عليها الاحتجاب منه وهو كذلك إجماعا بعد أن نزلت آية الحجاب وما ورد من بروز النساء فإنما كان قبل نزول الحجاب وكانت قصة أفلح مع عائشة بعد نزول الحجاب كما ثبت في الصحيحين من طريق مالك أن ذلك كان بعد أن نزل الحجاب وفيه مشروعية الاستئذان ولو في حق المحرم لجواز أن تكون المرأة على حال لا يحل للمحرم أن يراها عليه وفيه أن الأمر المتردد فيه بين التحريم والإباحة ليس لمن لم يترجح أحد الطرفين الإقدام عليه وفيه جواز الخلوة والنظر إلى غير العورة للمحرم بالرضاع ولكن إنما يثبت في محرمية الرضاع تحريم النكاح وجواز النظر والخلوة والمسافرة بها ولا تثبت بقية الأحكام من كل وجه من الميراث ووجوب النفقة والعتق بالملك والعقل عنها ورد الشهادة وسقوط القصاص ولو كان أبا أو أما فإنهما كالأجنبي في سائر هذه الأحكام
5462 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( همام ) قال حدثنا ( قتادة ) عن ( جابر بن زيد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي في بنت حمزة لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب هي بنت أخي من الرضاعة
( الحديث 5462 - طرفه في 0015 )
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه حكم الرضاع والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن مسدد عن يحيى القطان وأخرجه مسلم في النكاح عن هدبة بن خالد عن همام به وعن زهير بن حرب وعن محمد بن يحيى القطيعي وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن عبد الله بن الصباح وعن إبراهيم بن محمد التميمي وأخرجه فيه ابن ماجه عن حميد بن مسعدة الشامي وأبي بكر محمد بن خلاد
قوله في بنت حمزة وهو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو يعلى وقيل أبو عمارة وهو عم رسول الله وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب وكان حمزة أسن من رسول الله بسنتين وشهد أحدا وقتل بها يوم السبت النصف من شوال من سنة ثلاث من الهجرة قوله لا تحل لي إنما لم تحل له لأنها كانت بنت أخيه من الرضاع وهو معنى قوله هي بنت أخي من الرضاعة قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قال الخطابي اللفظ عام ومعناه خاص وتفصيله أن الرضاع يجري عمومه في تحريم نكاح المرضعة وذوي أرحامها على الرضيع مجرى النسب ولا يجري في الرضيع وذوي أرحامه مجراه وذلك أنه إذا أرضعته صارت أما له يحرم عليه نكاحها ونكاح محارمها وهي لا تحرم على أبيه ولا على ذوي أنسابه غير أولاده فيجري الأمر في هذا الباب عموما على أحد الشقين وخصوصا في الشق الآخر وفي ( التوضيح ) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لفظ عام لا يتسثنى منه شيء قلت يستثنى منه أشياء منها أنه يجوز أن يتزوج بأم أخيه وأخت ابنه من الرضاع ولا يجوز أن يتزوج بهما من النسب لأن أم أخيه من النسب تكون أمه أو موطوءة أبيه بخلاف الرضاع وأخت ابنه من النسب ربيته أو بنته بخلاف الرضاع ويجوز أن يتزوج بأخت أخيه من الرضاع كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب ذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أخت من الأم جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها وكل ما لا يحرم من النسب لا يحرم من الرضاع وقد يحرم من النسب ما لا يحرم من الرضاع كما ذكرنا من الصورتين ومنها أنه يجوز له أن يتزوج بأم حفيده من الرضاع دون النسب ومنها أنه يجوز أن يتزوج بجدة ولده من الرضاع دون النسب ومنها أنه يجوز لها أن تتزوج بأب أخيها من الرضاع ولا يجوز ذلك من النسب ومنها أنه يجوز له أن يتزوج أم عمه من الرضاع دون النسب ومنها أنه يجوز له أن يتزوج أم خاله من الرضاع دون النسب ومنها أنه يجوز لها أن تتزوج بأخ ابنتها من الرضاع دون النسب
وفيه إثبات التحريمك بلبن الفحل واختلف أهل العلم قديما في لبن الفحل وكان الخلاف قديما منتشرا في زمن الصحابة والتابعين ثم أجمعوا بعد ذلك إلا القليل منهم أن لبن الفحل يحرم فأما من قال من

(13/204)


الصحابة بالتحريم ابن عباس وعائشة على اختلاف عنها ومن التابعين عروة بن الزبير وطاووس وابن شهاب ومجاهد وأبو الشعثاء جابر بن زيد والحسن والشعبي وسالم والقاسم بن محمد وهشام بن عروة على اختلاف فيه ومن الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث وإسحاق وأبو ثور وأما من رخص في لبن الفحل ولم يره محرما فقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وجابر ورافع بن خديج وعبد الله بن الزبير ومن التابعين سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أخوه عطاء بن يسار ومكحول وإبراهيم النخعي وأبو قلابة وإياس بن معاوية ومن الأئمة إبراهيم بن علية وداود الظاهري فيما حكاه عنه ابن عبد البر في ( التمهيد ) والمعروف عن داود خلافه وقال القاضي عياض لم يقل أحد من أئمة الفقهاء وأهل الفتوى بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر وابن علية والمعروف عن داود موافقة مواتفقة الأئمة الأربعة في ذلك حكاه ابن حزم عنه في ( المحلى ) وكذا ذهب إليه ابن حزم فلم يبق ممن خالف فيه إذا إلا ابن علية
واعلم أنهم أجمعوا على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع وأولاد المرضعة ومذهب كافة العلماء ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين زوج المرأة ويصير ولدا له وأولاد الرجل أخوة الرضيع وإخواته ويكون أخوة الرجل وإخواته أعمامه وعماته ويكون أولاد الرضيع أولادا للرجل ولم يخالف في هذا إلا ابن علية كما ذكرنا ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة واحتجوا بقوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ( النساء 32 ) ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرهما في النسب واحتج الجمهور بحديث الباب وغيره من الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة وأجابوا عما احتجوا به من الآية أنه ليس فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه لو لم يعارضه دليل آخر كيف وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في ذلك
6462 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( عبد الله بن أبي بكر ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أخبرتها أن رسول الله كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة قالت عائشة فقلت يا رسول الله أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقالت عائشة يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك قالت فقال رسول الله أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقالت عائشة لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي فقال رسول الله نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه حكم الرضاع وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ورجال إسناده كلهم مدنيون إلا شيخه وقد دخلها
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الخمس عن عبد الله بن يوسف وفي النكاح عن إسماعيل وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وأخرجه النسائي فيه عن هارون بن عبد الله
قوله وأنهاأي وأن عائشة قوله يستأذن جملة في محل الجر لأنها صفة رجل قوله أراه بضم الهمزة أي أظنه القائل بقوله أراه فلانا هو عائشة وفي رواية مسلم فقالت عائشة يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله أراه فلانا لعم حفصة الحديث والقائل هو النبي قوله لعم حفصةاللام فيه وفي قولها لعمها لام التبليغ لسامع بقول أو بما في معناه كاللام في قولك قلت له وأذنت له وفسرت له ومع هذا لا يخلو عن معنى التعليل فافهم وحفصة هي زوج النبي وهي بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله دخل علي بتشديد الياء والاستفهام فيه مقدر تقديره هل كان يجوز له أن يدخل علي فقال في جوابها نعم يعني نعم يجوز دخوله عليك ثم علل جواز دخوله عليها بقوله إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة وفي رواية مسلم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة والرضاعة بفتح الراء وكسرها وفي الرضاع أيضا لغتان فتح الراء وكسرها وقد

(13/205)


رضع الصبي أمه بكسر الضاد يرضعها بفتحها قال الجوهري يقول أهل نجد رضع يرضع بفتح الضاد في الماضي وبكسرها في المضارع رضعا كضرب يضرب ضربا والحكم الذي يعرف منه قد مر في الحديث الماضي
7462 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( أشعث بن أبي الشعثاء ) عن أبيه عن ( مسروق ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي النبي وعندي رجل قال يا عائشة من هاذا قلت أخي من الرضاعة قال يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة
( الحديث 7462 - طرفه في 2015 )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله كلهم كوفيون إلا عائشة ومحمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو الثوري وأشعث بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالثاء المثلثة هو ابن سليم بن الأسود المحاربي وأبوه أبو الشعثاء مثل حروف أشعث واسمه سليم المذكور ومسروق هو ابن الأجدع
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي الوليد عن شعبة عن أشعث به وأخرجه مسلم في النكاح عن هناد وعن ابن المثنى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن زهير بن حرب وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن كثير به وعن حفص بن عمر وأخرجه النسائي فيه عن هناد به وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به
ذكر معناه قوله وعندي رجل الواو فيه للحال وفي رواية وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه قال يا عائشة من هذا فقلت يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة قوله أنظرن من النظر الذي بمعنى التفكير والتأمل قوله من استفهامية قوله إخوانكن وفي رواية مسلم إخوتكن وكلاهما جمع أخ وقال الجوهري الأخ أصله أخو بالتحريك لأنه جمع على آخا مثل آباء والذاهب منه واو ويجمع أيضا على إخوان مثل خرب وخربان وعلى إخوة وأخوة عن الفراء قوله فإنما الرضاعة الفاء فيه للتعليل لقوله أنظرن من إخوانكن يعني ليس كل من أرضع لبن أمها يصير أخا لكن بل شرطه أن يكون من المجاعة أي الجوع أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة ما يكون في الصغر حتى يكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعته وأما ما كان بعد البلوغ فلا يسدها اللبن ولا يشبعه إلا الخبز وقيل معناه أن المصة والمصتين لا تسد الجوع وكذلك الرضاع بعد الحولين وإن بلغ خمس رضعات وإنما يحرم إذا كان في الحولين قدر ما يدفع المجاعة وهو ما قدر به السنة يعني خمسا أي لا بد من اعتبار المقدار والزمان قاله الكرماني قلت فيه خلاف في المقدار والزمان أما المقدار فقد قال الشافعي وأصحابه لا يثبت الرضاع بأقل من خمس رضعات وبه قال أحمد وعنه ثلاث رضعات وقال جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاووس وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم وقال أبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر رحمهم الله يثبت بثلاث رضعات ولا يثبت بأقل وبه قال سليمان بن يسار وسعيد بن جبير وداود الظاهري وحكاه ابن حزم عن إسحاق بن راهويه واحتج الشافعي ومن معه بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله وهي فيما يقرؤ من القرآن رواه مسلم وعنها أنها لا تحرم المصة والمصتان رواه مسلم أيضا واحتج أبو حنيفة ومن معه بإطلاق قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ( النساء 3 ) ولم يذكر عددا والتقييد به زيادة وهو نسخ ولإطلاق الأحاديث منها قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وقد مضى ذكره عن قريب وما رواه منسوخ روي عن ابن عباس أنه قال قوله لا تحرم الرضعة والرضعتان كان فأمااليوم فالرضعة الواحدة تحرم فجعله منسوخا حكاه أبو بكر الرازي وقيل القرآن لا يثبت بخبر الواحد وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبر واحد عن النبي وقال ابن بطال أحاديث عائشة مضطربة فوجب تركها والرجوع إلى كتاب الله تعالى لأنه يرويه ابن زيد مرة عن النبي ومرة عن عائشة ومرة عن أبيه

(13/206)


وبمثله يسقط وأما الزمان فمدته ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة وعندهما سنتان وبه قال مالك والشافعي وأحمد وعند زفر ثلاث سنين وقال بعضهم لا حد له للنصوص المطلقة ولهما قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ( البقرة 332 ) وقوله وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ( الأحقاف 51 ) وأقل مدة الحمل ستة أشهر فبقي للفصال حولان ولأبي حنيفة قوله تعالى فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور ( البقرة 332 ) بعد قوله والوالدات يرضعن ( البقرة 332 ) فثبت أن بعد الحولين رضاع والمعنى فيه أنه لا يمكن قطع الولد عن اللبن دفعة واحدة فلا بد من زيادة مدة يعتاد فيها الصبي مع اللبن الفطام فيكون غذاؤه اللبن تارة وأخرى الطعام إلى أن ينسى اللبن وأقل مدة تنتقل بها العادة ستة أشهر اعتبارا بمدة الحمل
تابعه ابن مهدي عن سفيان
أي تابع محمد بن كثير عبد الرحمن بن مهدي في روايته الحديث عن سفيان الثوري كما رواه ابن كثير عنه وهذه المتابعة رواها مسلم عن زهير بن حرب عن ابن مهدي عن سفيان به
8 -
( باب شهادة القاذف والسارق والزاني )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة القاذف وهو الذي يقذف أحدا بالزنا وأصل القذف الرمي يقال قذف يقذف من باب ضرب يضرب قذفا فهو قاذف ولم يصرح بالجواب لمكان الخلاف فيه
وقول الله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولائك هم الفاسقون إلا الذين تابوا ( النور 4 و5 )
وقول الله مجرور عطفا على قوله شهادة القاذف وأوله قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ( النور 4 و5 ) ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي به رموا المحصنات وذكر الرامي لا يدل على الزنا إذ قد يرميها بسرقة وشرب خمر فلا بد من قرينة دالة على التعيين وقد اتفق العلماء على أن المراد الرمي بالزنا لقرائن دلت عليه وهي تقدم ذكر الزنا وذكر المحصنات التي هي العفائف يدل على أن المراد الرمي بضد العفاف وقوله ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ( النور 4 و5 ) ومعلوم أن الشهود غير مشروط إلا في الزنا والإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا قوله فاجلدوهم ( النور 4 و5 ) الخطاب للأئمة قوله إلا الذين تابوا ( النور 4 و5 ) هذا استثناء منقطع لأن التائبين غير داخلين في صدر الكلام وهو قوله وأولئك هم الفاسقون ( النور 4 و5 ) إذ التوبة تجب ما قبلها من الذنوب فلا يكون التائب فاسقا وأما شهادته فلا تقبل أبدا عند الحنفية لأن رد الشهادة من تتمة الحد لأنه يصلح جزاء فيكون مشاركا للأول في كونه حدا وقوله وأولئك هم الفاسقون ( النور 4 و5 ) لا يصلح جزاء لأنه ليس بخطاب للأئمة بل هو إخبار عن صفة قائمة بالقاذفين فلا يصلح أن يكون من تمام الحد لأنه كلام مبتدأ على سبيل الاستئناف منقطع عما قبله لعدم صحة عطفه على ما سبق لأن قوله وأولئك هم الفاسقون ( النور 4 و5 ) جملة إخبارية ليس بخطاب للأئمة وما قبله جملة إنشائية خطاب للأئمة وكذا قوله ولا تقبلوا ( النور 4 و5 ) جملة إنشائية خطاب للأئمة فيصلح أن يكون عطفا على قوله فاجلدوا ( النور 4 و5 ) والشافعي رحمه الله قطع قوله ولا تقبلوا ( النور 4 و5 ) عن قوله فاجلدوا ( النور 4 و5 ) مع دليل الاتصال وهو كونه جملة إنشائية صالحة للجزاء مفوضة إلى الأئمة مثل الألى وواصل قوله ( وأولئك هم الفاسقون ) مع قيانم دليل الإنفصال وهو كونه جملة إسمية غير صالحة للجزاء ثم إنه إذا تاب قبلت شهادته عند الشافعي وعند أبي حنيفة رد شهادته يتعلق باستيفاء الحد فإذا شهد قبل الحد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادته فإذا استوفى لم تقبل شهادته أبدا وإن تاب وكان من الأبرار الأتقياء وعند الشافعي رد شهادته متعلق بنفس القذف فإذا تاب عن القذف بأن يرجع عنه عاد مقبول الشهادة وكلاهما متمسك بالآية على الوجه الذي ذكرناه وقال الشافعي التوبة من القذف إكذابه نفسه وقال الإصطخري معناه أن يقول كذبت فلا أعود إلى مثله وقال أبو إسحاق لا يقول كذبت لأنه ربما كان صادقا فيكون قوله كذبت كذبا والكذب معصية والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى بل يقول القذف باطل ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه قوله وأصلحوا ( النور 4 و5 ) قال أصحابنا إنه بعد التوبة لا بد

(13/207)


من مضي مدة عليه في حسن الحال حتى قدروا ذلك بسنة لأن الفصول الأربعة يتغير فيها الأحوال والطبائع كما في العنين قوله فإن الله غفور رحيم ( النور 4 و5 ) يقبل التوبة من كرمه
وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة ثم استتابهم وقال من تاب قبلت شهادته
أبو بكرة اسمه نفيع مصغر نفع بالفاء ابن الحارث بن كلدة بالكاف واللام والدال المهملة المفتوحات ابن عمرو بن علاج ابن أبي سلمة واسمه عبد العزى ويقال ابن عبد العزي بن نميرة بن عوف بن قسي وهو ثقيف الثقفي صاحب رسول الله وقيل كان أبوه عبدا للحارث بن كلدة فاستلحقه الحار وهو أخو زياد لأمه وكانت أمهما سمية أمة للحارث بن كلدة وإنما قيل له أبو بكرة لأنه تدلى إلى النبي ببكرة من حصن الطائف فكنى أبا بكرة فأعتقه رسول الله يومئذ روي له عن رسول الله مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث وكان ممن اعتزل يوم الجمل ولم يقاتل مع أحد من الفريقين مات بالبصرة سنة إحدى وخمسين وصلى عليه أبو برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه وشبل بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة ابن معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن عبيد بن الحارث بن عمرو بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار البجلي قاله الطبري وهو أخو أبي بكرة لأمه وهم أربعة أخوة لأم واحدة اسمها سمية وقد ذكرناها الآن وقال بعضهم ليست له صحبة وكذا قال يحيى بن معين روى له الترمذي ونافع بن الحارث أخو أبي بكرة لأمه نزلا من الطائف فأسلما وله رواية قاله الذهبي وقال الكرماني الثلاثة يعني أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا أخوة صحابيون شهدوا مع أخ آخر لأبي بكرة اسمه زياد على المغيرة فجلد الثلاثة وزياد ليست له صحبة ولا رواية وكان من دهاة العرب وفصحائهم مات سنة ثلاث وخمسين وقصتهم رويت من طرق كثيرة ومحصلها أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فاتهمه أبو بكرة وشبل ونافع وزياد الذي يقال له زياد بن أبي سفيان وهم أخوة لأم تسمى سمية وقد ذكرناها فاجتمعوا جميعا فرأوا المغيرة متبطن المرأة وكان يقال لها الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن عوف الجشمي فرحلوا إلى عمر رضي الله تعالى عنه فشكوه فعزله عمر وولى أبا موسى الأشعري وأحضر المغيرة فشهد عليه الثلاثة بالزنا وأما زياد فلم يثبت الشهادة وقال رأيت منظرا قبيحا وما أدري أخالطها أم لا فأمر عمر بجلد الثلاثة حد القذف وروى الحاكم في ( المستدرك ) من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة القصة مطولة وفيها فقال زياد رأيتهما في لحاف وسمعت نفسا عاليا وما أدري ما وراء ذلك والتعليق الذي رواه البخاري وصله الشافعي في ( الأم ) عن سفيان قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لأبي بكرة تب وأقبل شهادتك قال سفيان سمى الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته فقال لي عمر بن قيس هو ابن المسيب وروى سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد أن عمر قال لأبي بكرة وشبل ونافع من تاب منكم قبلت شهادته قلت قال الطحاوي ابن المسيب لم يأخذه عن عمر رضي الله تعالى عنه إلا بلاغا لأنه لم يصح له عنه سماع وروى أبو داود الطيالسي وقال حدثنا قيس بن سالم الأفطس عن قيس بن عاصم قال كان أبو بكرة إذا أتاه رجل ليشهده قال أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني والدليل على أن الحديث لم يكن عند سعيد بالقوي أنه كان يذهب إلى خلافه روى عنه قتادة وعن الحسن أنهما قالا القاذف إذا تاب توبة فيما بينه وبين ربه عز و جل لا تقبل له شهادة ويستحيل أن يسمع من عمر شيئا بحضرة الصحابة ولا ينكرونه عليه ولا يخالفونه ثم يتركه إلى خلافه وذكر الإسماعيلي في كتابه ( المدخل ) إذا لم يثبت هذا كيف رواه البخاري في صحيحه وأجيب بأن الخبر مخالف للشهادة ولهذا لم يتوقف أحد من أهل المصر عن الرواية عنه ولا طعن

(13/208)


أحد على روايته من هذه الجهة مع إجماعهم أن لا شهادة لمحدود في قذف غير ثابت فصار قبول خبره جاريا مجرى الإجماع وفيه ما فيه
وأجازه عبد الله بن عتبة وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وطاووس ومجاهد والشعبي وعكرمة والزهري ومحارب بن دثار وشريح ومعاوية بن قرة
أي وأجاز الحكم المذكورة وهو قبول شهادة المحدود في القذف عبد الله بن عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن مسعود الهذلي ووصله الطبري من طريق عمران بن عمير قال كان عبد الله بن عتبة يجيز شهادة القاذف إذا تاب وعمر بن عبد العزيز الخليفة المشهور ووصله الطبري والخلال من طريق ابن جريج عن عمران بن موسى سمعت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج فزاد مع عمر بن عبد العزيز أبات بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قوله وسعيد بن جبير التابعي المشهور ووصله الطبري من طريقه بلفظ تقبل شهادة القاذف إذا تاب قوله وطاووس هو ابن كيسان اليماني ومجاهد بن جبر المكي وصل ما روى عنهما سعيد بن منصور والشافعي والطبري من طريق ابن أبي نجيح قال القاذف إذا تاب تقبل شهادته قيل له من يقوله قال عطاء وطاووس ومجاهد قوله والشعبي هو عامر بن شراحيل وصل ما روى عنه الطبري من طريق ابن أبي خالد عنه أنه كان يقول إذا تاب قبلت شهادته قوله وعكرمة هو مولى ابن عباس وصل ما روى عنه البغوي في ( الجعديات ) عن شعبة عن يونس هو ابن عبيد عن عكرمة قال إذا تاب القاذف قبلت شهادته قوله والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وصل ما روى عنه ابن جرير عنه أنه قال إذا حد القاذف فإنه ينبغي للإمام أن يستتيبه فإن تاب قبلت شهادته وإلا لم تقبل قوله ومحارب بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء ابن دثار بكسر الدال المهملة وتخفيف الثاء المثلثة الكوفي قاضيها و شريح بضم الشين المعجمة القاضي ومعاوية بن قرة بن إياس البصري أدرك جماعة من الصحابة وقال بعضهم هؤلاء الثلاثة من أهل الكوفة قلت لا نسلم قوله إن معاوية من أهل الكوفة بل هو من أهل البصرة ولم يرو عن أحد منهم التصريح بقبول شهادة القاذف وهؤلاء أحد عشر نفسا ذكرهم البخاري تقوية لمذهب من يرى بقبول شهادة القاذف ورد المذهب من لا يرى بذلك ومن لا يرى بذلك أيضا رووا عن ابن عباس ذكره ابن حزم عنه بسند جيد من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عنه أنه قال شهادة القاذف لا تجوز وإن تاب وهذا واحد يساوي هؤلاء المذكورين بل يفضل عليهم وكفى به حجة وقال ابن حزم أيضا وصح ذلك أيضا عن الشعبي في أحد قوليه والحسن البصري ومجاهد في أحد قوليه وعكرمة في أحد قوليه وشريح وسفيان بن سعيد وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا لا شهادة له وتوبته بينه وبين الله تعالى وهذا سند صحيح على شرط مسلم وروى البيهقي من حديث المثنى بن الصباح وآدم بن فائد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال لا تجوز شهادة خائن ولا محدود في الإسلام فإن قلت قال البيهقي آدم والمثنى لا يحتج بهما قلت في ( مصنف ) ابن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف فقد تابع الحجاج وهو ابن أرطأة آدم والمثنى والحجاج أخرج له مسلم مقرون بآخر ورواه أبو سعيد النقاش في ( كتاب الشهود ) تأليفه من حديث حجاج ومحمد بن عبيد الله العزرمي وسليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب ورواه أحمد بن موسى بن مردويه في مجالسه من حديث المثنى عن عمرو عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
وقال أبو الزناد الأمر عندنا بالمدينة إذا رجع القاذف عن قوله فاستغفر ربه قبلت شهادته
أبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق حصين بن عبد الرحمن قال رأيت رجلا جلد حدا في قذف بالزنا فلما فرغ من ضربه أحدث توبة فلقيت أبا الزناد فقال لي الأمر عندنا فذكره

(13/209)


وقال الشعبي وقتادة إذا أكذب نفسه جلد وقبلت شهادته
الشعبي عامر بن شراحيل وصل ما روى عنه ابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال إذا أكذب القاذف نفسه قبلت شهادته قلت قد صح عن الشعبي في أحد قوليه إنه لا تقبل وقد ذكرناه الآن عن ابن حزم
وقال الثوري إذا جلد العبد ثم أعتق جازت شهادته وإن استقضي المحدود فقضاياه جائزة
أي قال سفيان الثوري رواه عنه في ( جامعه ) عبد الله بن الوليد العدني وروى عبد الرزاق عن الثوري عن واصل عن إبراهيم قال لا تقبل شهادة القاذف توبته فيما بينه وبين الله وقال الثوري ونحن على ذلك
وقال بعض الناس لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب
أراد ببعض الناس أبا حنيفة فيما ذهب إليه ولكن هذا لا يمشي ولا يبرد به قلب المتعصب فإن أبا حنيفة مسبوق بهذا القول وليس هو بمخترع له وقد ذكرنا عن قريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه وعن جماعة من التابعين وقد ذكرناهم وقال بعضهم وهذا منقول عن الحنيفة يعني عدم قبول شهادة المحدود في القذف وقال واحتجوا في ذلك بأحاديث قال الحفاظ لا يصح شيء منها وأشهرها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام أخرجه أبو داود وابن ماجه ورواه الترمذي من حديث عائشة نحوه وقال لا يصح وقال أبو زرعة منكر قلت قد مر عن قريب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه ابن أبي شيبة أيضا في ( مصنفه ) وقد مر الكلام فيه هناك ولما أخرجه أبو داود سكت عنه وهذا دليل الصحة عنده
ثم قال لا يجوز نكاح بغير شاهدين فإن تزوج بشهادة محدودين جاز وإن تزوج بشهادة عبدين لم يجز
أي ثم قال بعض الناس المذكور وأراد به إثبات التناقض فيما ذهب إليه أبو حنيفة ولكن لا يمشي أصلا لأن حالة التحمل لا تشترط فيها العدالة كما ذكر عن بعض الصحابة أنه تحمل في حال كفره ثم أدى بعد إسلامه وذلك لأن الغرض شهرة النكاح وذلك حاصل بالعدل وغيره عند التحمل وأما عند الأداء فلا يقبل إلا العدل قوله فإن تزوجإلى آخره أيضا إثبات التناقض فيه وليس فيه تناقض لأن عدم جواز النكاح بغير شاهدين بالنص وأما التزوج بشهادة محدودين فقد ذكرنا أن المراد من ذلك شهرة النكاح وذلك حاصل بشهادة المحدودين وأما عدم جواز التزوج بشهادة عبدين فلأن الأصل فيه أن كل من ملك القبول بنفسه انعقد العقد بحضوره ومن لا فلا فإذا كان كذلك لا ينعقد بحضور عبدين أو صبيين أو مجنونين فمن أين التناقض يرد ومن أين الاعتراض الصادر من غير تأمل في دقائق الأشياء
وأجاز شهادة المحدود والعبد والأمة لرؤية هلال رمضان
أي أجاز بعض الناس المشار إليه إلى آخره وهذا الاعتراض أيضا ليس بشيء أصلا وذلك لأن أبا حنيفة أجرى ذلك مجرى الخبر والخبر يخالف الشهادة في المعنى لأن المخبر له دخل في حكم ما شهد به وقال بهذا أيضا غير أبي حنيفة وقال صاحب ( التوضيح ) هذا غلط لأن الشاهد على هلال رمضان لا يزول عنه اسم شاهد ولا يسمى مخبرا فحكمه حكم الشاهد في المعنى لاستحقاقه ذلك بالإسم وأيضا فإن الشهادة على هلال رمضان حكم من الأحكام ولا يجوز أن يقبل في الأحكام إلا من تجوز شهادته في كل شيء ومن جازت شهادته في هلال رمضان ولم تجز في القذف فليس بعدل ولا هو ممن يرضى لأن الله تعالى إنما تعبدنا بمن نرضى من الشهداء انتهى قلت هذا تطويل الكلام بلا فائدة وكلام مبني على غير معرفة بدقائق الأشياء وقوله الشاهد على هلال رمضان لا يزول عنه اسم الشاهد ولا يسمى مخبرا تحكم زائد وعدم زوال اسم الشاهد عن الشاهد على هلال رمضان لا عقلي ولا نقلي فمن ادعى ذلك فعليه البيان ونفي الإخبار عن شاهد هلال رمضان غير صحيح على ما لا يخفى وقوله وحكمه حكم الشاهد في المعنى يناقض كلامه الأول لأنه قال لا يسمى مخبرا ثم كيف==

ج26. عمدة القاري شرح صحيح البخاري  بدر الدين العيني 

يقول فحكمه أي فحكم هذا المخبر حكم الشاهد في المعنى ونحن أيضا نقول بذلك ولكنه ليس بشهادة حقيقة إذ لو كانت شهادة حقيقة لما جاز الحكم بشهادة واحد في هلال رمضان مع أنه يكتفي بشهادة واحد عند اعتلال المطلع بشيء وهو قول عند الشافعي أيضا ورواية أحمد والله تعالى تعبدنا بمن نرضى من الشهداء عند الشهادات الحقيقية والإخبار بهلال رمضان ليس من ذلك والله أعلم
وكيف تعرف توبته وقد نفاى النبي الزاني سنة
هذا من كلام البخاري وهو من تمام الترجمة قال الكرماني هذا عطف على أول الترجمة وكثيرا ما يفعل البخاري مثله يردف ترجمة على ترجمة وإن بعد ما بينهما قوله وكيف تعرف توبتهأي كيف تعرف توبة القاذف وأشار بذلك إلى الاختلاف فقال أكثر السلف لا بد أن يكذب نفسه وبه قال الشافعي روي ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه واختاره إسماعيل بن إسحاق وقال توبته أن يزداد خيرا ولم يشترط إكذاب نفسه في توبته لجواز أن يكون صادقا في قذفه وإلى هذا مال البخاري كما نذكره الآن وهو استدلاله على ذلك بقوله وقد نفى النبي الزاني سنة أي قد نفاه عن البلد وهو التغريب ولم ينقل عنه أنه شرط على الزاني تكذيبه لنفسه واعترافه بأنه عصى الله عز و جل في مدة تغريبه وسيأتي نفي الزاني موصولا في آخر الباب
ونهاى النبي عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضاى خمسون ليلة
هذا أيضا من جملة ما يستدل به البخاري على ما ذهب إليه مثل ما ذهب مالك بيانه أنه لما نهى عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه هما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( التوبة 811 ) لم ينقل عنه أنه شرط عليهم ذلك في مدة الخمسين وقصة كعب ستأتي بطولها في آخر تفسير براءة وغزوة تبوك وقال الكرماني فإن قلت ما وجه تعلق قصتهم بالباب قلت تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك والتخلف عنه بدون إذنه معصية كالسرقة ونحوها
8462 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( ابن وهب ) عن ( يونس ) وقال ( الليث ) قال حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن امرأة سرقت في غزوة الفتح فأتى بها رسول الله ثم أمر فقطعت يدها قالت عائشة فحسنت توبتها وتزوجت وكانت تأتي بعد ذالك فأرفع حاجتها إلى رسول الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله فحسنت توبتها لأن فيه دلالة على أن السارق إذا تاب وحسنت حاله تقبل شهادته فالبخاري ألحق القاذف بالسارق لعدم الفارق عنده ونقل الطحاوي الإجماع على قبول شهادة السارق إذا تاب وذهب الأوزاعي والحسن بن صالح إلى أن المحدود في الخمر إذا تاب لا تقبل شهادته وقد خالفا في ذلك جميع فقهاء الأمصار
وإسماعيل هو ابن أبي أويس وابن وهب هو عبد الله بن وهب ويونس هو ابن يزيد الأيلي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الحدود عن إسماعيل أيضا بإسناده وفي غزوة الفتح عن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي الطاهر وحرملة وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن يحيى عن أبي صالح وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث وأخرجه النسائي في القطع عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب وأما التعليق عن الليث فأخرجه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن أبي صالح لكن بغير هذا اللفظ وظهر أن هذا اللفظ لابن وهب
قوله أن امرأة اسمها فاطمة بنت الأسود قوله ثم أمر بها فقطعت فيه حذف يعني بعدما ثبت عند النبي بشروطه أمر بقطع يدها
وفيه أن المرأة كالرجل في حكم السرقة وفيه أن توبة السارق إذا حسنت لا ترد شهادته بعد ذلك

(13/211)


9462 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( زيد بن خالد ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله أنه أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يشترط على الذي زنى وأقيم عليه الحد ذكر التوبة وإنما قال في ماعز حصلت التوبة بالحد وكذا في هذا الزاني
ورجال هذا الحديث قد ذكروا غير مرة بهذا النسق ومفرقين أيضا وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في الحدود عن قتيبة ومحمد بن رمح وعن أبي الطاهر وحرملة
قوله بجلد مائة الباء فيه متعلق بقوله أمر وقوله فيمن زنى في محل النصب على المفعولية بقوله يجلد مائة لأن المصدر يعمل عمل فعله قوله ولم يحصن بفتح الصاد وكسرها والواو فيه للحال والحديث احتج به الشافعي ومالك وأحمد على أن الزاني إذا لم يكن محصنا يجلد مائة جلدة ويغرب سنة وقال أصحابنا لا يجمع بين جلد ونفي لأن النص جعل الجلد مائة والزيادة على مطلق النص نسخ والحديث منسوخ ولأن في التغريب تعريضا للفساد ولهذا قال علي رضي الله تعالى عنه كفى بالنفي فتنة وعمر رضي الله تعالى عنه نفى شخصا فارتد ولحق بدار الحرب فحلف أن لا ينفي بعده أبدا وبهذا عرف أن نفيهم كان بطريق السياسة والتعزير لا بطريق الحد لأن مثل عمر لا يحلف أن لا يقيم الحدود والله أعلم
9 -
( باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد )
أي هذا باب يذكر فيه لا يشهد الرجل على شهادة جور وهو الظلم والحيف والميل عن الحق قوله إذا أشهد على صيغة المجهول
0562 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( أبو حيان التيمي ) عن ( الشعبي ) عن ( النعمان بن بشير ) رضي الله تعالى عنهما قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله ثم بدا له فوهبها لي فقالت لا أرضاى حتى تشهد النبي فأخذ بيدي وأنا غلام فأتاى بي النبي فقال إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهاذا قال ألك ولد سواه قال نعم قال فأراه قال لا تشهدني على جور وقال أبو حريز عن الشعبي لا أشهد على جور
( انظر الحديث 6852 وطرفه )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إذا أشهد لأنه لا يشهد على جور إذا لم يستشهد بطريق الأولى وعبدان هو عبد الله ابن عثمان المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي وأبو حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالنون التيمي بفتح التاء المثناة من فوق واسمه يحيى بن سعيد الكوفي والشعبي هو عامر بن شراحيل والحديث مضى في كتاب الهبة في باب الهبة للولد وفي باب الإشهاد في الهبة
قوله الموهبة بمعنى الهبة مصدر ميمي قوله ثم بدا له أي ندم من المنع كأنه منع أولا ثم ندم على ذلك قوله بنت رواحة بفتح الراء والواو المخففة وبالحاء المهملة وهي عمرة بنت رواحة مرت هناك قوله على جور الجور هنا بمعنى الميل عن الاعتدال والمكروه جور أيضا وذلك لأن الجور بمعنى الظلم مشعر بالحرمة قوله وقال أبو حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي وهو عبد الله بن الحسين الأزدي قاضي سجستان وقد ذكرنا في الهبة من وصله وفي بعض النسخ وقع قوله وقال أبو حريز إلى آخره قبل الحديث المذكور وقال صاحب ( التلويح ) وقع في غير ما نسخه قال أبو حريز إلى آخره ثم ذكر الحديث وفي نسخة ذكره بعد إيراده لحديث النعمان بن بشير وكأنه أولى
1562 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( شعبة ) قال حدثنا ( أبو جمرة ) قال سمعت ( زهدم بن مضرب ) قال سمعت ( عمران بن حصين ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي خيركم قرني ثم الذين يلونهم

(13/212)


ثم الذين يلونهم قال عمران لا أدري أذكر النبي بعد قرنين أو ثلاثة قال النبي إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن
مطابقته للترجمة في قوله ويشهدون ولا يستشهدون لأن الشهادة قبل الاستشهاد فيها معنى الجور
وأبو جمرة بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي وقد مر في أواخر كتاب الإيمان و زهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء الجرمي البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل الصحابة عن إسحاق بن إبراهيم وفي الرقاق عن بندار عن غندر وفي النذور عن مسدد عن يحيى بن سعيد وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر وأبي موسى وبندار ثلاثتهم عن غندر وعن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن بشر وأخرجه النسائي في النذور عن محمد ابن عبد الأعلى سبعتهم عن شعبة عن أبي جمرة
ذكر معناه قوله قرنء قال ابن الأنباري المعنى خير الناس أهل قرني فحذف المضاف وقد يسمى أهل العصر قرنا لاقترانهم في الوجود وقال القرطبي هو بسكون الراء من الناس أهل زمان واحد وقال ابن التين معنى قوله قرني أي أصحابي من رآه أو سمع كلامه فدان به والقران أهل عصر متقاربة أسنانهم وقال الخطابي واشتق لهم هذا الإسم من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم وقيل إنه لا يكون قرنا حتى يكونوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو رأي أو مذهب وقال ابن التين سواء قلت المدة أو كثرت وقيل القرن ثمانون سنة وقيل أربعون وقيل مائة سنة قال القزاز واحتج لهذا بأن النبي مسح بيده على رأس غلام وقال له عش قرنا فعاش مائة سنة قال ابن عديس قال ثعلب هذا هو الاختيار وقال ابن التين وقيل من عشرين إلى مائة وعشرين وقيل ستون وقال الجوهري ثلاثون سنة وقال ابن سيده هو مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم قال وهو الأمة تأتي بعد الأمة قيل مدته عشر سنين وفي ( الموعب ) وقيل عشرون سنة وقيل سبعون وقال ابن الأعرابي القرن الوقت من الزمان وفي ( التهذيب ) لأنه يقرن أمة بأمة وعالما بعالم قوله يلونهم من وليه يليه بالكسر فيهما والولي القرب والدنو قوله قال عمران هو موصول بالإسناد المذكور وهو بقية حديث عمران قوله أذكر الهمزة فيه للاستفهام قوله بعد مبني على الضم منوي الإضافة وفي رواية بعد قرنه قوله إن بعدكم قوما كذا في رواية الأكثرين وفي رواية النسفي وابن شبويه إن بعدكم قوم قال الكرماني فلعله منصوب لكنه كتب بدون الألف على اللغة الربيعية أو ضمير الشأن محذوف على ضعف قوله يخونون بالخاء المعجمة من الخيانة أو في رواية ابن حزم يحربون بالحاء المهملة والراء والباء الموحدة قال فإن كان محفوظا فهو من قولهم حربه يحربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء ورجل محروب أي مسلوب المال قوله ولا يؤتمنون أي لا يثق الناس بهم ولا يعتقدونهم أي يكون لهم خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم قوله ويشهدون يحتمل أن يراد يتحملون الشهادة بدون التحميل أو يؤدون الشهادة بدون طلب الأداء وقال الكرماني فإن قلت بعض الشهادات تجب أو يستحب الأداء قبل الطلب قلت حذف المفعول به يدل على إرادة العموم فالمذموم عدم التخصيص وذلك البعض مثل ما فيه حق مؤكد لله تعالى المسمى بشهادة الحسبة غير مراد بدليل خارجي وقال ابن الجوزي إن قيل كيف الجمع بين قوله يشهدون ولا يستشهدون وبين قوله في حديث زيد ن خالد ألا أخبركم بخير الشهداء الذين يأتون بالشهادة قبل أن يسألوها فالجواب أن الترمذي ذكر عن بعض أهل العلم أن المراد بالذي يشهد ولا يستشهد شاهد الزور واحتج بحديث عمر عن النبي أنه قال ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد والمراد بحديث زيد بن خالد الشاهد على الشيء فيؤدي شهادته ولا يمتنع من إقامتها وقال الخطابي ويحتمل أن يريد الشهادة على المغيب من أمر الخلق فيشهد على قوم أنهم من أهل النار ولآخرين بغير ذلك على مذهب أهل الأهواء وقيل إنما هذا في الرجل تكون عنده الشهادة وقد نسيها صاحب الحق ويترك أطفالا ولهم على الناس حقوق ولا علم للموصي بها فيجيء من عنده الشهادة فيبذل شهادته لهم بذلك فيحيى حقهم فحمل بذل الشهادة قبل المسألة على مثل هذا وقال ابن بطال والشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق إنما أريد بها الشهادة في الإيمان يدل عليه قول النخعي رواية في آخر الحديث وكانوا

(13/213)


يضربوننا على الشهادة فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة المذموم عليها صاحبها هي قول الرجل أشهد بالله ما كان كذا على كذا على معنى الحلف فكره ذلك وهذه الأقوال أقوال الذين جمعوا بين حديث النعمان وزيد وأما ابن عبد البر فإنه رجح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق وبالغ فيه حتى زعم أن حديث النعمان لا أصل له ومنهم من رجح حديث عمران لاتفاق صاحبي ( الصحيح ) عليه وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد قوله وينذرون بفتح أوله وبكسر الذال المعجمة وبضمها قوله ولا يفون من الوفاء يقال وفي يفي وأصله يوفي حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة وأصل يفون يوفيون فلما حذفت الواو ولما ذكرنا استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها قوله ويظهر فيهم السمن بكسر السين المهملة وفتح الميم بعدها نون معناه أنهم يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن وقال ابن التين المراد ذم محبته وتعاطيه لا من يخلق كذلك وقيل المراد يظهر فيهم كثرة المال وقيل المراد أنهم يتسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادا وقد رواه الترمذي من طريق هلال بن يساف عن عمران بن حصين بلفظ ثم يجيء قوم فيتسمنون ويحبون السمن
2562 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( منصور ) عن ( إبراهيم ) عن ( عبيدة ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته قال إبراهيم وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد
مطابقته للترجمة في قوله تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمنه شهادته لأن فيه معنى الجور لأن معناه أنهم لا يتورعون في أقوالهم ويستهينون بالشهادة واليمين ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة هو السلماني وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
ورجال هذا الإسناد كلهم كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين على نسق واحد
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفضائل عن محمد بن كثير عن سفيان وفي النذور عن سعد ابن حفص وفي الرقائق عن عبدان وأخرجه مسلم في الفضائل عن قتيبة وهناد وعن عثمان وإسحاق وعن ابن المثنى وعن محمد ابن بشار وأخرجه الترمذي في المناقب عن هناد وأخرجه النسائي في الشروط عن قتيبة به وفي القضاء عن إسحاق بن إبراهيم به وعن أحمد بن عثمان النوفلي وعن ابن المثنى وابن بشار وعن بشر بن خالد وعن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن عثمان بن أبي شيبة وعمرو بن نافع
ذكر معناه قوله ثم تجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمنه شهادته يعني في حالين لا في حالة واحدة قال الكرماني تقدم الشهادة على اليمين وبالعكس دور فلا يمكن وقوعه فما وجهه قلت هم الذين يحرصون على الشهادة مشغوفون بترويجها يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون ويحتمل أن يكون مثلا في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما حتى لا يدري بأيتهما يبتديء فكأنه يسبق أحدهما الآخر من قلة مبالاته بالدين قوله قال إبراهيمإلى آخره موصول بالإسناد المذكور وقيل معلق وقال بعضهم ووهم من زعم أنه معلق قلت لم يقم الدليل على أنه وهم بل كلام بالاحتمال قوله وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهدوفي رواية البخاري في الفضائل بهذا الإسناد ونحن صغار وكذلك أخرجه مسلم بلفظ كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات وقال أبو عمر معناه عندهم النهي عن مبادرة الرجل بقوله إشهد بالله وعلى عهد الله لقد كان كذا ونحو ذلك وإنما كانوا يضربونهم على ذلك حتى لا يصير لهم به عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما لا يصلح وقيل يحتمل أن يكون المراد بالعهد المنهي الدخول في الوصية لما يترتب على ذلك من المفاسد والوصية تسمى العهد قال الله تعالى لن ينال عهدي الظالمين ( البقرة 421 )
01 -
( باب ما قيل في شهادة الزور )

(13/214)


أي هذا باب في بيان ما قيل في شهادة الزور من التغليظ والوعيد والزور وصف الشيء بخلاف صفته فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق والمراد به هنا الكذب
لقول الله عز و جل والذين لا يشهدون الزور ( الفرقان 27 )
ذكره هذه القطعة من الآية في معرض التعليل لما قيل في شهادة الزور من الوعيد والتهديد لا وجه له لأن الآية سيقت في مدح الذين لا يشهدون الزور وما قبلها أيضا في مدح التائبين العاملين الأعمال الصالحة وتمام الآية أيضا مدح في الذين إذا سمعوا اللغو مروا كراما وما بعدها أيضا من الآيات كذلك وقال بعضهم أشار إلى أن الآية سيقت في ذم متعاطي شهادة الزور وهو اختيار لأحد ما قيل في تفسيرها انتهى قلت ما سيقت الآية إلا في مدح تاركي شهادة الزور كما قلنا وقوله وهو اختيار لأحد ما قيل في تفسيرها لم يقل به أحد من المفسرين وإنما اختلفوا في تفسير الزور فقال أكثرهم الزور والشرك وقيل شهادة الزور قاله ابن طلحة وقيل المشركون وقيل الصنم وقيل مجالس الخناء وقيل مجلس كان يشتم فيه وقيل العهود على المعاصي
وكتمان الشهادة
وكتمان بالجر عطف على قوله في شهادة الزور أي وما قيل في كتمان الشهادة بالحق من الوعيد والتهديد
لقوله تعالى ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ( البقرة 382 )
هذا التعليل في محله أي ولا تخفوا الشهادة إذا دعيتم إلى إقامتها ومن كتمانها ترك التحمل عند الحاجة إليه قوله فإنه آثم قلبه ( البقرة 382 ) أي فاجر قلبه وخصه بالقلب لأن الكتمان يتعلق به لأنه يضمره فيه فأسند إليه والله بما تعملون عليم ( البقرة 382 ) أي يجازي على أداء الشهادة وكتمانها
تلووا ألسنتكم بالشهادة
أشار بقوله تلووا إلى ما في قوله تعالى وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( النساء 531 ) أي وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وروى الطبري عن العوفي في هذه الآية قال وتلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة فلا تقيم الشهادة على وجهها وتلووا من اللي وأصله اللوي قال الجوهري لوى الرجل رأسه وألوى برأسه أقال وأعرض وقوله تعالى وإن تلووا أو تعرضوا ( النساء 531 ) بواوين قال ابن عباس هو القاضي يكون ليه وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر وقد قرىء بواو واحدة مضمومة اللام من وليت وقال مجاهد أي إن تلووا الشهادة فتقيموها أو تعرضوا عنها فتتركوها فإن الله يجازيكم عليه قال الكرماني ولو فصل البخاري بين لفظ تلووا ولفظ ألسنتكم بمثل أي أو يعني ليتميز القران عن كلامه لكان أولى قلت بل كان التمييز بين القرآن وكلامه واجبا لأن من لا يحفظ القرآن أو لا يحسن القراءة يظن أن قوله ألسنتكم من القرآن وكان الذي ينبغي أن يقول وقوله تعالى وإن تلووا ( النساء 531 ) يعني ألسنتكم و إتيان كلمة مفردة من القرآن في معرض الاحتجاج لا يفيد ولا هو بطائل أيضا
3562 - حدثنا ( عبد الله بن منير ) قال سمع ( وهب بن جرير وعبد الملك بن إبراهيم ) قالا حدثنا ( شعبة ) عن ( عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال سئل النبي عن الكبائر قال الأشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور
مطابقته للترجمة في قوله وشهادة الزور
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن منير بضم الميم وكسر النون أبو عبد الرحمن الزاهد مر في الوضوء الثاني وهب بن جرير بن حازم الأزدي أبو العباس الثالث عبد الملك بن إبراهيم أبو عبد الله مولى بني عبد الدار القرشي الرابع شعبة بن الحجاج الخامس عبيد الله بتصغير العبد ابن أبي بكر بن أنس بن مالك السادس أنس بن مالك

(13/215)


ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه السماع في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن شيخه مروزي وهو من أفراده وأن وهب بن جرير بصري وأن عبد الملك بن إبراهيم مكي جدي بضم الجيم وتشديد الدال المهملة وهو من أفراده وأن شعبة واسطي سكن البصرة وأن عبيد الله بصري قوله عن عبد الله بن أبي بكر وفي رواية محمد بن جعفر التي تأتي في الأدب عن محمد بن جعفر عن شعبة حدثني عبيد الله بن أبي بكر سمعت أنس بن مالك وفيه رواية الراوي عن جده
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن محمد بن الوليد وفي الديات عن إسحاق بن منصور وأخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن حبيب وعن محمد بن الوليد وأخرجه الترمذي في البيوع وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه النسائي في القضاء وفي القصاص وفي التفسير عن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله سئل النبي ويروى سئل رسول الله وفي رواية بهز عن شعبة عند أحمد أو ذكرها وفي رواية محمد بن جعفر ذكر الكبائر أو سئل عنها قوله عن الكبائر جمع كبيرة وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعا العظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف وغير ذلك وهي من الصفات الغالبة يعني صار إسما لهذه الفعلة القبيحة وفي الأصل هي صفة والتقدير الفعلة القبيحة أو الخصلة القبيحة قيل الكبيرة كل معصية وقيل كل ذنب قرن بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب قلت الكبيرة أمر نسبي فكل ذنب فوقه ذنب فهو بالنسبة إليه كبيرة وبالنسبة إلى ما تحته صغيرة واختلفوا في الكبائر وههنا ذكر أربعة وليس فيه أنها أربع فقط لأنه ليس فيه شيء مما يدل على الحصر وقيل هي سبع وهي في حديث أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات وهي الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات وقيل الكبائر تسع رواه الحاكم في حديث طويل فذكر السبعة المذكورة وزاد عليها عقوق الوالدين المسلمين واستحلال الحرام وذكر شيخنا عن أبي طالب المكي أنه قال الكبائر سبع عشرة قال جمعتها من جملة الأخبار وجملة ما اجتمع من قول ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم وغيرهم الشرك بالله والإصرار على معصيته والقنوط من رحمته والأمن من مكره وشهادة الزور وقذف المحصن واليمين الغموس والسحر وشرب الخمر والمسكر وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا والزنا واللواطة والقتل والسرقة والفرار من الزحف وعقوق الوالدين انتهى وقال رجل لابن عباس الكبائر سبع فقال هي إلى سبعمائة قوله الإشراك بالله مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف التقدير الكبائر الإشراك بالله وما بعده عطف عليه ووجه تخصيص هذه الأربعة بالذكر لأنها أكبر الكبائر والشرك أعظمها قوله وعقوق الوالدين العقوق من العق وهو القطع وذكر الأزهري أنه يقال عق والده يعقه بضم العين عقا وعقوقا إذا قطعه والعاق اسم فاعل ويجمع على عققة بفتح الحروف كلها و عقق بضم العين والقاف وقال صاحب ( المحكم ) رجل عقق وعقوق وعق وعاق بمعنى واحد والعاق هو الذي شق عصا الطاعة لوالديه وقال النووي هذا قول أهل اللغة وأما حقيقة العقوق المحرم شرعا فقل من ضبطه وقد قال الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السلام لم أقف في عقوق الوالدين وفيما يختصان به من العقوق على ضابط اعتمد عليه فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به ولا ينهيان عنه باتفاق العلماء وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه ولشدة تفجعهما على ذلك وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو عضو من أعضائه وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في ( فتاويه ) العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالدان تأذيا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة قال وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات وليس قول من قال من علمائنا يجوز له السفر في طلب العلم وفي التجارة بغير إذنهما مخالفا لما ذكرته فإن هذا كلام مطلق وفيما ذكرته بيان لتقييد ذلك المطلق قوله وقتل النفس يعني بغير الحق ويكفي فيه وعيدا قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ( النساء 39 ) الآية قوله وشهادة

(13/216)


الزور وقد مر تفسير الزور في أول الباب وقد روي عن ابن مسعود أنه قال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله وقرأ عبد الله فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( الحج 03 ) واختلف في شاهد الزور إذا تاب فقال مالك تقبل توبته وشهادته كشارب الخمر وعن عبد الملك لا تقبل كالزنديق وقال أشهب إن أقر بذلك لم تقبل توبته أبدا وعند أبي حنيفة إذا ظهرت توبته يجب قبول شهادته إذا أتى ذلك مرة أخرى يظهر في مثلها توبته وهو قول الشافعي وأبي ثور وقال ابن المنذر وقول أبي حنيفة ومن تبعه أصح وقال ابن القاسم بلغني عن مالك أنه لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب وحسنت توبته واختلف هل يؤدب إذا أقر فعن شريح أنه كان يبعث بشاهد الزور إلى قومه أو إلى سوقه إن كان مولى إنا قد زيفنا شهادة هذا ويكتب اسمه عنده ويضربه خفقات وينزع عمامته عن رأسه وعن الجعد بن ذكوان أن شريحا ضرب شاهد زور عشرين سوطا وعن عمر بن عبد العزيز أنه اتهم قوما على هلال رمضان فضربهم سبعين سوطا وأبطل شهادتهم وعن الزهري شاهد الزور يعزر وقال الحسن يضرب شيئا ويقال للناس إن هذا شاهد زور وقال الشعبي يضرب ما دون الأربعين خمسة وثلاثين سبعة وثلاثين سوطا وفي ( كتاب القضاء ) لأبي عبيد بن سلام عن معمر أن رسول الله رد شهادة رجل في كذبة كذبها وذكره أبو سعيد النقاش بإسناده إلى عكرمة عن ابن عباس بلفظ كذبة واحدة كذها وفي ( الأشراف ) كان سوار يأمر به يلبب بثوبه ويقول لبعض أعوانه إذهبوا به إلى مسجد الجامع فدوروا به على الخلق وهو ينادي من رآني فلا يشهد بزور وكان النعمان يرى أن يبعث به إلى سوقه إن كان سوقيا أو إلى مسجد قومه ويقول القاضي يقرؤكم السلام ويقول إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس ولا يرى عليه تعزيرا وعن مالك أرى أن يفضح ويعلن به ويوقف وأرى أن يضرب ويسار به وقال أحمد وإسحاق يقام للناس ويعذر ويؤدب وقال أبو ثور يعاقب وقال الشافعي يعزر ولا يبلغ بالتعزير أربعين سوطا ويشهر بأمره وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه حبسه يوما وخلى عنه وعن ابن أبي ليلى يضرب خمسة وسبعين سوطا لاولا يبعث به وعن الأوزاعي إذا كانا اثنين وشهدا على طلاق ففرق بينهما ثم أكذبا نفسهما أنهما يضربان مائة مائة ويغرمان للزوج الصداق وعن القاسم وسالم شاهذ الزور يحبس ويخفق سبع خفقات بعد العصر وينادى عليه وعن عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة أنه أمر بحلق أنصاف رؤوسهم وتسخم وجوههم ويطاف بهم في الأسواق قلت عند أبي حنيفة شاهد الزور يبعث به إلى محلته أو سوقه فيقال لهم إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه فلا يضرب ولا يحبس وعند أبي يوسف ومحمد يضرب ويحبس إن لم يحدث توبة لأنه ارتكب محظورا فيعزر
تابعه غندر وأبو عامر وبهز وعبد الصمد عن شعبة
أي تابع وهب بن جرير في روايته عن شعبة غندر وهو محمد بن جعفر وأبو عامر عبد الملك العقدي وبهز بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وفي آخره زاي ابن أسد العمي وعبد الصمد بن عبد الوارث وهؤلاء بصريون فمتابعة العقدي وصلها أبو سعيد النقاش في ( كتاب الشهود ) وابن منده في ( كتاب الإيمان ) من طريقه عن شعبه بلفظ أكبر الكبائر الإشراك بالله ومتابعة بهز وصلها أحمد عنه ومتابعة عبد الصمد وصلها البخاري في الديات
4562 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( الجريري ) عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال قال النبي ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال ألا وقول الزور قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت
مطابقته للترجمة ظاهرة وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة والجريري بضم الجيم وفتح الراء الأولى سعيد بن إياس الأزدي وسماه في رواية خالد الحذاء عنه في أوائل الأدب وقد أخرج البخاري للعباس بن فرور والجريري

(13/217)


لكنه إذا أخرج عنه سماه و ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) يروي عن أبيه أبي بكرة واسمه نفيع بضم النون الثقفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في استتابة المرتدين عن مسدد أيضا وفي الاستئذان عن علي بن عبد الله ومسدد وفي الأدب عن إسحاق ابن شاهين وفي استتابة المرتدين أيضا عن قيس بن حفص وأخرجه مسلم في الإيمان عن عمرو الناقد وأخرجه الترمذي في البر وفي الشهادات وفي التفسير عن حميد بن مسعدة
ذكر معناه قوله ألا أنبئكم أي ألا أخبركم وألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه هنا ليدل على تحقق ما بعدها قوله ثلاثا أي قال لهم ألا أنبئكم ثلاث مرات وإنما كرره تأكيدا ليتنبه السامع على إحضار فهمه وكانت عادته إعادة حديثه ثلاثا ليفهم عنه قوله الإشراك بالله مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أكبر الكبائر الإشراك بالله لأنه لا ذنب أعظم من الإشراك بالله قوله وعقوق الوالدين إنما ذكر هذا وقول الزور مع الإشراك بالله مع أن الشرك أكبر الكبائر بلا شك لأنهما يشابهانه من حيث إن الأب سبب وجوده ظاهرا وهو يريبه ومن حيث إن المزور يثبت الحق لغير مستحقه فلهذا ذكرهما الله تعالى حيث قال فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( الحج 03 ) قوله وجلس أي للاهتمام بهذا الأمر وهو يفيدنا تأكيد تحريمه وعظم قبحه قوله وكان متكئا جملة حالية وسبب الإهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر لأن الحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحقد والحسد وغير ذلك فاحتيج إلى الإهتمام بتعظيمه والشرك مفسدته قاصرة ومفسدة الزور متعدية قوله ألا وقول الزور وفي رواية خالد عن الجريري ألا وقول الزور وشهادة الزور وفي رواية ابن علية شهادة الزور أو قول الزور وقول الزور أعم من أن يكون شهادة زور أو غير شهادة كالكذب فلأجل ذلك بوب عليه الترمذي بقوله باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه ثم روى حديث أنس المذكور قبل هذا فالكذب في المعاملات داخل في مسمى قول الزور لكن حديث خريم بن فاتك الذي رواه أبو داود وابن ماجه من رواية حبيب بن النعمان الأسدي عن خريم بن فاتك قال صلى رسول الله صلاة الصبح فلما انصرف قام قائما فقال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات ثم قرأ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ( الحج 03 ) يدل على أن المراد بقول الزور في آية الحج شهادة الزور لأنه قال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثم قرأ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( الحج 03 ) فجعل في الحديث قول الزور المعادل للإشراك هو شهادة الزور لا مطلق قول الزور وإذا عرف أن قول الزور هو الكذب فلا شك أن درجات الكذب تتفاوت بحسب المكذوب عليه وبحسب المترتب على الكذب من المفاسد
وقد قسم ابن العربي الكذب على أربعة أقسام أحدها وهو أشدها الكذب على الله تعالى قال الله تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله ( الزمر 93 ) والثاني الكذب على رسول الله قال وهو هو أو نحوه الثالث الكذب على الناس وهي شهادة الزور في إثبات ما ليس بثابت على أحد أو إسقاط ما هو ثابت الرابع الكذب للناس قال ومن أشده الكذب في المعاملات وهو أحد أركان الفساد الثلاثة فيها وهي الكذب والعيب والغش والكذب وإن كان محرما سواء قلنا كبيرة أو صغيرة فقد يباح عند الحاجة إليه ويجب في مواضع ذكرها العلماء قوله حتى قلنا ليته سكت إنما قالوا ذلك شفقة على رسول الله وكراهة لما تزعجه فإن قلت الحديث لا يتعلق بكتمان الشهادة وهو مذكور في الترجمة قلت علم منه حكمه قياسا عليه لأن تحريم شهادة الزور لإبطال الحق والكتمان أيضا فيه إبطال له والله أعلم
وقال إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا الجريري قال حدثنا عبد الرحمان
إسماعيل بن إبراهيم هو المشهور بابن علية وعلية بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهو اسم أمه مولاة لبني أسد والجريري مضى عن قريب وعبد الرحمن هو ابن أبي بكرة المذكور وهذا التعليق وصله البخاري في استتابة المرتدين على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى

(13/218)


11 -
( باب شهادة الأعماى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره وما يعرف بالأصوات )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة الأعمى قوله وأمره أي وفي بيان أمره أي حاله في تصرفاته قوله ونكاحه أي وتزوجه بامرأة قوله وإنكاحه أي وتزويجه غيره قوله ومبايعته يعني بيعه وشراءه قوله وقبوله أي قبول الأعمى في تأذينه وغيره نحو إقامته للصلاة وإمامته أيضا أي إذا توفي النجاسة قوله وما يعرف بالأصوات أي وفي بيان ما يعرف بالأصوات قال ابن القصار الصوت في الشرع قد أقيم مقام الشهادة ألا ترى أنه إذا سمع الأعمى صوت امرأته فإنه يجوز له أن يطأها والإقدام على استباحة الفرج أعظم من الشهادة في الحقوق والإقرارات مفتقرة إلى السماع ولا تفتقر إلى المعاينة بخلاف الأفعال التي تفتقر إلى المعاينة وكأن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى أنه يجيز شهادة الأعمى وفيه خلاف نذكره عن قريب
وأجاز شهادته قاسم والحسن وابن سيرين والزهري وعطاء
أي أجاز شهادة الأعمى قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والحسن البصري ومحمد بن سيرين ومحمد بن مسلم الزهري وعطاء بن أبي رباح وتعليق القاسم وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال سمعت الحكم ابن عتيبة يسأل القاسم بن محمد عن شهادة الأعمى فقال جائزة وتعليق الحسن وابن سيرين وصله ابن أبي شيبة من طريق أشعث عن الحسن وابن سيرين قالا شهادة الأعمى جائزة وتعليق الزهري وصله ابن أبي شيبة حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن ابن أبي ذئب عن الزهري أنه كان يجيز شهادة الأعمى وتعليق عطاء وصله الأثرم من طريق ابن جريج عنه قال تجوز شهادة الأعمى وقال ابن حزم صح عن عطاء أنه أجاز شهادة الأعمى
وقال الشعبي تجوز شهادته إذا كان عاقلا
أي قال عامر الشعبي ووصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن الحسن بن صالح وإسرائيل عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي أنه أجاز شهادة الأعمى ومعنى قوله إذا كان عاقلا إذا كان كيسا فطنا للقرائن دراكا للأمور الدقيقة وليس هو بقيد احترازا عن الجنون لأن العقل لا بد منه في جميع الشهادات
وقال الحكم رب شيء تجوز فيه
أي قال الحكم بن عتيبة ووصله ابن أبي شيبة عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت الحكم عن شهادة الأعمى فقال رب شيء تجوز فيه قوله تجوز على صيغة المجهول أي خفف فيه وغرضه أنه قد يسامح للأعمى شهادته في بعض الأشياء التي تليق بالمسامحة والتخفيف
وقال الزهري أرأيت ابن عباس لو شهد على شهادة أكنت ترده
أي قال محمد بن مسلم الزهري إلى آخره وتعليقه وصله الكرابيسي في ( أدب القضاء ) من طريق ابن أبي ذئب عنه وهذا يؤيد ما قاله الشعبي في الأعمى إذا كان عاقلا وقلنا إن معناه كان فطنا كيسا وهذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان أفطن الناس وأذكاهم وأدركهم بدقائق الأمور في حال بصره وفي حال عماه فلذلك استبعد رد شهادته بعد عماه
وكان ابن عباس يبعث رجلا إذا غابت الشمس أفطر ويسأل عن الفجر فإذا قيل له طلع صلى ركعتين
أي كان عبد الله بن عباس يبعث رجلا يمفحص عن غيبوبة الشمس للإفطار فإذا أخبره بالغيبوبة أفطر ووجه تعلقته بالترجمة كون ابن عباس قبل قول الغير في غروب الشمس أو طلوعها وهو أعمى ولا يرى شخص المخبر وإنما يسمع صوته قيل لعل

(13/219)


البخاري يشير بأثر ابن عباس إلى جواز شهادة الأعمى على التعريف يعني إذا عرف أنه فلان فإذا عرف شهد وشهادة التعريف مختلف فيها عند مالك وكذلك البصير إذا لم يعرف نسب الشخص فعرفه نسبه من يثق به فهل يشهد على فلان ابن فلان بنسبه أو لا مختلف فيه أيضا
وقال سليمان بن يسار إستأذنت على عائشة فعرفت صوتي قالت سليمان ادخل فإنك مملوك ما بقي عليك شيء
سليمان بن يسار ضد اليمين أبو أيوب أخو عطاء وعبد الله وعبد الملك مولى ميمونة بنت الحارث الهلالي قوله قالت سليمانيعني يا سليمان وهو منادى حذف منه حرف النداء قوله ما بقي عليك شيء أي من مال الكتابة ولا بد في هذا من تأويل لأن سليمان مكاتب لميمونة لا لعائشة ووجهه أن يقال إن على في قول عائشة تكون بمعنى من أي استأذنت من عائشة في الدخول على ميمونة فقالت أدخل عليها أو لعل مذهبها أن النظر حلال إلى العبد سواء كان ملكها أو لاد وأنها لا ترى الاحتجاب من العبد مطلقا واستبعده بعضهم بغير دليل فلا يلتفت إليه وقيل يحتمل أنه كان مكاتبا لعائشة وهو غير صحيح لأن الأخبار الصحيحة بأنه مولى ميمونة ترده
وأجاز سمرة بن جندب شهادة امرأة متنقبة
متنقبة بتشديد القاف في رواية أبي ذر وفي رواية غيره منتقبة بسكون النون وتقديمها على التاء المثناة من فوق من الانتقاب والأول من التنقب وهي التي كان على وجهها نقاب وفي ( التلويح ) هذا التعليق يخدش فيه ما رواه أبو عبد الله بن منده في ( كتاب الصحابة ) أن النبي كلمته امرأة وهي متنقبة فقال أسفري فإن الإسفار من الإيمان
5562 - حدثنا ( محمد بن عبيد بن ميمون ) قال أخبرنا عيساى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت سمع النبي رجلا يقرأ في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا
مطابقته للترجمة من حيث إنه اعتمد على صوت ذلك الرجل الذي قرأ في المسجد من غير أن يرى شخصه ومحمد بن عبيد مصغر عبد بن ميمون مر في الصلاة وهو من أفراده و ( عيسى بن يونس ) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو و ( هشام ) هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن ( عائشة ) والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن محمد بن عبيد المذكور أيضا قوله اسقطتهن أي نسيتهن
وزاد عباد بن عبد الله عن عائشة تهجد النبي في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال يا عائشة لصوت عباد هاذا قلت نعم قال أللهم ارحم عبادا
عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ابن عبد الله بن الزبير بن العوام التابعي مر في الزكاة وهذه الزيادة التي هي التعليق وصلها أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها تهجد النبي في بيتي وتهجد عباد بن بشر في المسجد فسمع رسول الله صوته فقال يا عائشة هذا عباد بن بشر فقلت نعم قال أللهم ارحم عبادا
قوله تهجد النبي من الهجود وهو من الأضداد يقال تهجد بالليل إذا صلى وتهجد إذا نام وقال ابن الأثير يقال تهجدت إذا سهرت وإذا نمت فهو من الأضداد قوله فسمع صوت عباد وهو عباد بن بشر الأنصاري الأشهلي شهد بدرا وأضاءت له عصاه لما خرج من عند النبي وقال الزهري استشهد يوم اليمامة وهو ابن خمس وأربعين سنة ولا يظن أن عبادا الذي في قوله فسمع صوت عباد هو عباد بن عبد الله

(13/220)


بن الزبير وقد ميز بينهما في رواية أبي يعلى فعباد بن بشر صحابي جليل وعباد بن عبد الله تابعي من وسط التابعين قال الكرماني وفي بعض النسخ فسمع صوت عباد بن تميم وهو سهو قوله لصوت عباد هذا فقوله هذا مبتدأ و لصوت عباد مقدما خبره واللام فيه للتأكيد
وفيه جواز رفع الصوت في المسجد بالقراءة في الليل وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرا وإن لم يقصده ذلك الإنسان وفيه جواز النسيان على النبي فيما قد بلغه إلى الأمة
6562 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي سلمة ) قال أخبرنا ( ابن شهاب ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن أو قال حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم رجلا أعماى لا يؤذن حتى يقول له الناس أصبحت
مطابقته للترجمة من حيث إنهم كانوا يعتمدون على صوت الأعمى والحديث قد مضى في باب أذان الأعمى وفي باب الأذان بعد الفجر وفي باب الأذان قبل الفجر وقد مضى الكلام فيه هناك
7562 - حدثنا زياد بن يحيى قال حدثنا حاتم بن وردان قال حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما قال قدمت على النبي أقبية فقال لي أبي مخرمة انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا فقام أبي على الباب فتكلم فعرف النبي صوته فخرج النبي ومعه قباء وهو يريه محاسنه وهو يقول خبأت هاذا لك خبأت هاذا لك
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي اعتمد على صوت مخرمة قبل أن يرى شخصه وزياد بكسر الزاي وتحفيف الياء آخر الحروف ابن يحيى بن زياد أبو الخطاب البصري مات سنة أربع وخمسين ومائتين وحاتم بن وردان على وزن فعلان من الورود أبو صالح البصري مات سنة أربع وثمانين ومائة
والحديث مضى في كتاب الهبة في باب كيف يقبض العبد والمتاع ومقصود البخاري من هذه الترجمة ومن الأحاديث التي أوردها فيها بيان جواز شهادة الأعمى وقال الإسماعيلي ليس في جميع ما ذكره دلالة على قبول شهادة الأعمى فيما يحتاج إلى إثبات الأعيان أما نكاح الأعمى فإنه في نفسه لأنه في زوجته وأمته لا لغيره فيه
وأما ما رواه في التأذين فقد أخبر أنه كان لا يؤذن حتى يقال لهأصبحت وكفى بخبر سيدنا رسول الله شاهدا له فإنه لا يؤذن حتى يصبح والاعتماد على الجمع الذي يخبرونه بالوقت وأما ما قاله عن الزهري في ابن عباس فهو تأويل لا احتجاج وأما ما ذكر من سماع النبي قراءة رجل بيان أن كل صائت وإن لم ير مصوته يعرف بصوته وإما ما ذكره من قصة مخرمة فإنما يريه محاسن الثوب مسا لا إبصارا له بالعين
قال صاحب ( التلويح ) وفيه نظر من حيث إن الجماعة الذين ذكرهم البخاري أجازوا شهادة الأعمى فهو دليل البخاري انتهى وقال ابن حزم شهادة الأعمى مقبولة كالصحيح روي ذلك عن ابن عباس وصح عن الزهري وعطاء والقاسم والشعبي وشريح وابن سيرين والحكم بن عتيبة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج وأحد قولي الحسن وأحد قولي إياس بن معاوية وأحد قولي ابن أبي ليلى وهو قول مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبي سليمان وأصحابنا
وقالت طائفة تجوز شهادته فيما عرف قبل العمى ولا تجوز فيما عرف بعد العمى وهو أحد قولي الحسن وأحد قولي ابن أبي ليلى وهو قول أبي يوسف والشافعي وأصحابه وقالت طائفة تجوز في الشيء اليسير روي ذلك عن النخعي وقالت طائفة لا تقبل في شيء أصلا إلا في الأنساب وهو قول زفر وعند أبي حنيفة لا تقبل في شيء أصلا
وفي ( التوضيح ) فحصلنا فيه على ستة مذاهب المنع المطلق

(13/221)


والجواز المطلق والجواز فيما طريقه الصوت دون البصر والفرق بين ما علمه قبل وبين ما عمله بعد والجواز اليسير والجواز في الأنساب خاصة
21 -
( باب شهادة النساء )
أي هذا باب في بيان جواز شهادة النساء
وقول الله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ( البقرة 282 )
ذكر هذه القطعة من الآية لأنها تدل على جواز شهادة النساء مع الرجال وقال ابن بطال أجمع أكثر العلماء على أن شهادتهن لا تجوز في الحدود والقصاص وهو قول ابن المسيب والنخعي والحسن والزهري وربيعة ومالك والليث والكوفيين والشافعي وأحمد وأبي ثور واختلفوا في النكاح والطلاق والعتق والنسب والولاء فذهب ربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور إلى أنه لا تجوز في شيء من ذلك كله مع الرجال وأجاز شهادتهن في ذلك كله مع الرجال الكوفيون واتفقوا أنه تجوز شهادتهن منفردات في الحيض والولادة والاستهلال وعيوب النساء وما لا يطلع عليه الرجال من عوراتهن للضرورة واختلفوا في الرضاع فمنهم من أجاز شهاداتهن منفردات ومنهم من أجازها مع الرجال وقال أصحابنا يثبت الرضاع بما ثبت به المال وهو شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولا تقبل شهادة النساء المنفردات وعند الشافعي يثبت بشهادة أربع نسوة وعند مالك بامرأتين وعند أحمد بمرضعة فقط وفي ( الكافي ) أنه لا فرق بين أن يشهد قبل النكاح أو بعده انتهى واختلفوا في عدد من يجب قبول شهادته من النساء على ما لا يطلع عليه الرجال فقالت طائفة لا تقبل أقل من أربع وهذا قول أهل البيت والنخعي وعطاء بن أبي رباح وهو رأي الشافعي وأبي ثور وقالت طائفة تجوز شهادة امرأتين على ما لا يطلع عليه الرجال وبه قال مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى وعن مالك إذا كانت مع القابلة امرأة أخرى فشهادتها جائزة وروي عن الشعبي أنه أجاز شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال وعن مالك أرى أن تجوز شهادة المرأتين في الدين مع يمين صاحبه وعن الشافعي يستحلف المدعى عليه ولا يحلف المدعي مع شهادة المرأتين وقالت طائفة لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين في المال وحيث لا يرى الرجال من عورات النساء
8562 - حدثنا ( ابن أبي مريم ) قال أخبرنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( زيد ) عن ( عياض بن عبد الله ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلنا بلى قال فذلك من نقصان عقلها
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن أبي مريم الجمحي المصري ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وزيد هو ابن أسلم وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك والحديث مضى بأتم منه في كتاب الحيض في باب ترك الحائض الصوم ومر الكلام فيه هناك
31 -
( باب شهادة الإماء والعبيد )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة الإماء وهو جمع أمة والعبيد جمع عبد وحكمه أن شهادتهم لا تقبل مطلقا عند الجمهور وعند أحمد وإسحاق وأبي ثور تقبل في الشيء اليسير وهو قول شريح والنخعي والحسن
وقال أنس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن المختار بن فلفل قال سألت أنسا عن شهادة العبيد فقال جائزة وفي الإشراف وما علمت أحدا رد شهادة العبد

(13/222)


وأجازه شريح وزرارة بن أوفى
أي أجاز حكم شهادة العبد شريح هو القاضي وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء ابن أوفى بوزن أفعل التفضيل أو أفعل من الماضي الثلاثي المزيد فيه العامري قاضي البصرة وتعليق شريح أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن أشعث عن عامر أن شريحا أجاز شهادة العبد وأما التعليق عن زرارة فذكره ابن حزم محتجا به ولا يحتج إلا بصحيح
وقال ابن سيرين شهادته جائزة إلا العبد لسيده
أي قال محمد بن سيرين شهادة العبد جائزة ووصله عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عنه بلفظ إنه كان لا يرى بشهادة المملوك بأسا إذا كان عدلا
وأجازه الحسن وإبراهيم في الشيء التافه
أي أجاز حكم شهادة العبد الحسن البصري وإبراهيم النخعي في الشيء التافه أي الحقير وهو بالتاء المثناة من فوق وبالفاء المكسورة والهاء وتعليق الحسن وصله ابن أبي شيبة عن معاذ بن معاذ عن أشعث الحمراني عنه من غير ذكر التافه وتعليق إبراهيم رضي الله تعالى عنه أخرجه أيضا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم بلفظ كانوا يجيزونها في الشيء الطفيف
وقال شريح كلكم بنو عبيد وإماء
كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية ابن السكن كلكم عبيد وإماء ووصله ابن أبي شيبة من طريق عمار الذهبي سمعت شريحا شهد عنده عبد فأجاز شهادته فقيل إنه عبد فقال كلنا عبيد وأمنا حواء عليها السلام
وللعلماء في شهادة العبد ثلاثة أقوال أحدها جوازها كالحر وروي عن علي رضي الله تعالى عنه كقول أنس وشريح وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وثانيها جوازها في الشيء التافه روي عن الشعبي كقول الحسن والنخعي وثالثها لا يجوز في شيء أصلا روي عن عمر وابن عباس وهو قول عطاء ومكحول وإليه ذهب الثوري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي فإن قلت كل من جاز قبول خبره جاز قبول شهادته كالحر قلت لا نسلم فإن الخبر قد سومح فيه ما لم يسامح في الشهادة لأن الخبر يقبل من الأمة منفردة ومن العبد منفردا ولا تقبل شهادتهما منفردين والعبد ناقص عن رتبة الحر في أحكام فكذلك في الشهادة ومذهب ابن حزم الجواز فإن شهادة العبد والأمة مقبولة في كل شيء لسيده أو لغيره كشهادة الحر والحرة ولا فرق
9562 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عقبة بن الحارث ) ح وحدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) عن ( ابن جريج ) قال سمعت ( ابن أبي مليكة ) قال حدثني ( عقبة بن الحارث ) أو سمعته منه أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب قال فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذالك للنبي فأعرض عني قال فتنحيت فذكرت ذلك له قال وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما فنهاه عنها
مطابقته للترجمة من حيث إن الأمة المذكورة لو لم تكن شهادتها مقبولة ما عمل بها ولذلك أمر النبي عقبة بفراق امرأته بقول الأمة المذكورة ثم إنه أخرج الحديث المذكور من طريقين الأول عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث والثاني عن علي بن عبد الله المعروف بابن المديني عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج إلى آخره وقد مضى الحديث في

(13/223)


كتاب العلم في باب الرحلة في المسألة النازلة وقد مر الكلام فيه هناك وأجاب الإسماعيلي عن حديث الباب فقال قد جاء في بعض طرقه فجاءت مولاة لأهل مكة قال وهذا اللفظ يطلق على الحرة التي عليها الولاء فلا دلالة فيه على أنها كانت رفيقة ورد عليه بأن رواية حديث الباب فيه التصريح بأنها أمة فتعين أنها ليست بحرة
41 -
( باب شهادة المرضعة )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة المرضعة
0662 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( عمر بن سعيد ) عن ( ابن أبي مليكة ) عن ( عقبة بن الحارث ) قال تزوجت امرأة فجاءت امرأة فقالت إني قد أرضعتكما فأتيت النبي فقال وكيف وقد قيل دعها عنك أو نحوه
هذا الطريق عن أبي عاصم عن عمر بن سعيد بن حسين النوفلي القرشي المكيد وفي الباب الذي قبله أبو عاصم عن ابن جريج كلاهما عن ابن أبي مليكة فكان لأبي عاصم فيه شيخان وفي ( سنن الدارقطني ) له شيخان آخران فيه رواه عن محمد بن يحيى عن أبي عاصم عن أبي عامر الخزاز ومحمد بن سليم كلاهما عن ابن أبي مليكة أيضا فصار لأبي عاصم أربعة من الشيوخ كلهم يروون عن ابن أبي مليكة وأبو عاصم يروي عنهم قوله دعها أي اتركها بعيدة متجاوزة عنك
51 -
( باب تعديل النساء بعضهن بعضا )
أي هذا باب في بيان حكم تعديل النساء بعضهم بعضا في أمر قضية وهذه الترجمة هكذا من غير رواية الأكثرين وفي رواية أبي ذر زاد قبل الباب حديث الإفك ثم قال باب الإفك بكسر الهمزة الكذب
1662 - حدثنا ( أبو الربيع سليمان بن داود فأفهمني بعضه أحمد ) قال حدثنا ( فليح بن سليمان ) عن ( ابن شهاب الزهري ) عن ( عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص ) الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي حين قال لها أهل الأفك ما قالوا فبرأها الله منه قال الزهري وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعاى من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة قالت كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بينن في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودج وأنزل فيهه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم

(13/224)


يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعظل السلمي ثم الذكواتي من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطىء يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أراى من النبي اللطف الذي كنت أراى منه حين أمرض إنما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم لا أشعر بشيء من ذالك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذالك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي فعثرت في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله فسلم فقال كيف تيكم فقلت إئذن لي إلى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله فأتيت أبوي فقلت لأمي ما يتحدث به الناس فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهاذا قالت فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت فدعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله بريرة فقال يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام

(13/225)


سعد بن معاذ قال يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذالك رجلا صالحا ولاكن احتملته الحمية فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذالك فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر الله والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي قالت فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت فتشهد ثم قال يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول الله قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله فيما قال قالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذالك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( يوسف 1 ) ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات فلما سري عن رسول الله وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم الآيات فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا

(13/226)


أبدا بعد ما قال لعائشة فأنزل الله تعالى ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله غفور رحيم ( النور 22 ) فقال أبو بكر الصديق بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح الذي كان يجدي عليه وكان رسول الله يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال يا زينب ما علمت ما رأيت فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرا قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه سؤال النبي بريرة وزينب بنت جحش عن عائشة رضي الله تعالى عنها وثناء كل منهما عليها بخير وهذا تعديل وتزكية عن بعض النساء لبعض
ذكر رجاله وهم تسعة الأول أبو الربيع سليمان بن داود العتكي مات في آخر سنة إحدى وثلاثين ومائتين مر في الإيمان الثاني أحمد وقد اختلف فيه ففي ( أصل ) الدمياطي هو أحمد بن يونس وقال الكرماني وفي بعض النسخ أحمد بن يونس أي أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي المشهور بشيخ الإسلام مر في الوضوءد وكذا قال خلف في ( أطرافه ) إنه أحمد بن عبد الله بن يونس ووهمه المزي ولم يبين سببه وزعم ابن خلفون أن أحمد هذا هو أحمد بن حنبل وقال الذهبي في ( طبقات الفراء ) هو أحمد بن النضر النيسابوري الثالث فليح بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان بن المغيرة وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فغلب على اسمه واشتهر به يكنى أبا يحيى الخزاعي ويقال الأسلمي الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عروة بن الزبير بن العوام السادس سعيد بن المسيب بفتح الياء المشددة وكسرها السابع علقمة بن وقاص الليثي العتواري الثامن عبيد الله بتصغير العبد ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الهذلي أحد الفقهاء السبعة التاسع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه فأفهمني بعضه أحمد إنما قال بهذه العبارة ولم يقل حدثني ولا أخبرني ونحو ذلك إشعارا أنه أفهمه بعض معاني الحديث ومقاصده لا لفظه قوله فأفهمني جملة من الفعل والمفعول وأحمد مرفوع على الفاعلية وبعضه منصوب لأنه مفعول ثان وفيه أن شيخه بصري وبقية الرواة مدنيون وفيه خمسة من التابعين متوالية وفيه أن فليحا روى عن الزهري وأن الزهري روى عن هؤلاء الأربعة وفيه رواية التابعي عن جماعة من التابعين
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي وفي التفسير وفي الأيمان والنذور وفي الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله وفي الجهاد والتوحيد وفي الشهادات وفي المغازي وفي التفسير وفي الأيمان والنذور عن حجاج بن منهال وفي التفسير والتوحيد أيضا عن يحيى بن بكير عن الليث وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الربيع الزهراني وعن حبان بن موسى وعن حسن الحلواني وعبد بن حميد وعن إسحاق بن أبراهيم ومحمد بن رافع ومحمد بن حميد وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن أبي داود سليمان بن سيف الحراني وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله أهل الإفك قال السهيلي في قوله عز و جل إن الذين جاؤا بالإفك ( النور 11 ) هم عبد الله ابن أبي وحمنة بنت جحش وعبد الله أبو أحمد أخوها ومسطح وحسان وقيل حسان لم يكن منهم وقال النسفي في هذه الآية أهل الإفك هم عبد الله ابن أبي رأس المنافقين ويزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وفي ( صحيح مسلم ) وكان الذين تكلموا مسطح وحمنة وحسان وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة قوله يتسوشيه أي يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد وقال النسفي في قوله تعالى والذي تولى كبره ( النور11 ) هو عبد الله بن أبي أي الذي تولى عظمه وبدأ به ومعظم الشركان منه قال الله تعالى والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ( النور 11 ) لإمعانه في عداوة رسول الله وانتهازه الفرص وطلبه سبيلا إلى الغميزة ثم قال

(13/227)


النسفي وقيل الذي تولى كبره هو حسان بن ثابت وعن عامر الشعبي أن عائشة قالت ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لأبي سفيان
هجوت محمدا فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
وهو من قصيدة قالها لأبي سفيان فقيل لعائشة يا أم المؤمنين أليس الله يقول والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ( النور 11 ) فقالت وأي عذاب أشد من العمى فذهب بصره وكيع بسيف وكان يدفع عن رسول الله وأما الإفك فقال النسفي الإفك أبلغ ما يكون من الافتراء والكذب وقيل هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك وأصله الإفك بالفتح مصدر قولك أفكه يأفكه أفكا قلبه وصرفه عن الشيء ومنه قوله تعالى أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ( الأحقاف 22 ) وقيل للكذب إفك لأنه مصروف عن الصدق قوله وقال الزهري وكلهم حدثني طائفة أي بعضا هذا قول جائز سائغ من غير كراهة لأنه قد بين أن بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعضهم والأربعة الذين حدثوه أئمة حفاظ من أجلة التابعين فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث بين كونها عن هذا أو عن ذاك لم يضر وجاز الاحتجاج بها لأنهما ثقتان وقد اتفق العلماء على أنه لو قال حدثني زيد أو عمر وهما ثقتان معروفان بذلك عند المخاطب جاز الاحتجاج بذلك الحديث قوله أوعى من بعض أي أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث قوله اقتصاصا أي حفظا يقال قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئا بعد شيء ومنه نحن نقص عليك أحسن القصص ( يوسف 3 ) قالت لأخته قصية ( القصص 11 ) أي اتبعي أثره ومنه القاص الذي يأتي بالقصة ويجوز بالسين قسست أثره قسا قوله وقد وعيت بفتح العين أي حفظت وقال الكرماني فإن قلت قال أولا كلهم حدثني طائفة وثانيا وعيت عن كل واحد منهم الحديث وهما متنافيان قلت المراد بالحديث البعض الذي حدثه منه إذ الحديث يطلق على الكل وعلى البعض وهذا الذي فعله الزهري من جمعه الحديث عنهم جائز وقد ذكرناه قوله وبعض حديثهم القياس أن يقال بعضهم يصدق بعضا أو حديث بعضهم يصدق بعضا ولكن لا شك أن المراد ذلك لكن قد يستعمل أحدهما مكان الآخر لما بينهما من الملازمة بحسب عرف الاستعمال قوله زعموا أي قالوا والزعم قد يراد به القول المحقق الصريح وقد يراد غير ذلك وإنما قالوا لأن بعضهم صرحوا بالبعض وبعضهم صدق الباقي وإن لم يقل صريحا به قولها كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفرا وفي رواية مسلم ذكروا أن عائشة قالت كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفرا قولها أقرع بين أزواجه أي ساهم بينهن تطييبا لقلوبهن وكيفية القرعة بالخواتيم يؤخذ خاتم هذا وخاتم هذا ويدفعان إلى رجل فيخرج منهما واحدا وعن الشافعي يجعل رقاعا صغارا يكتب في كل واحد اسم ذي السهم ثم يجعل بنادق طين ويغطي عليها ثوب ثم يدخل رجل يده فيخرج بندقة وينظر من صاحبها فيدفعها إليه وقال أبو عبيد بن سلام عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نبينا ويونس وزكرياء عليهم الصلاة والسلام قولها فأيتهن خرج سهمها أخرج بها معه كذا هو أخرج بالألف في رواية النسفي ولأبي ذر عن غير الكشميهني وفي رواية الكشميهني والباقين خرج بلا ألف وهو الصواب قولها في غزاة غزاها هي غزوة بني المصطلق وكانت سنة ست كذا جزم به ابن التين وقال غيره في شعبان سنة خمس وتعرف أيضا بغزوة المريسيع وقال موسى بن عقبة سنة أربع فهذه ثلاثة أقوال قولها فأنا أحمل على صيغة المجهول قولها في هودج بتح الهاء وسكون الواو وبفتح الذال المهملة وفي آخره جيم وهو مركب من مراكب العرب أعد النساء قولها سش
وقفل أي رجع قولها آذن ليلة من الإيذان ومن التأذين قاله الكرماني ويقال آذن بالمد والتخفيف مثل قوله فقل آذنتكم على سواء ( الأنبياء 901 ) وروي بالقصر وبالتشديد أي إعلم قولها بالرحيل بالجر على الأصل ويروى الرحيل بالنصب حكاية عن قولهم الرحيل منصوبا على الإغراء قولها شأني أي ما يتعلق بقضاء الحاجة وهو ما يكنى عنه استقباحا لذكره قولها إلى الرحل قال الكرماني الرحل المتاع قلت الرحل المنزل والمسكن يقال انتيهنا إلى رحالنا أي إلى منازلنا قولها فإذا عقد كلمة إذا للمفاجأة والعقد بكسر العين وسكون القاف القلادة قولها من جزع أظفار الجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمان وزعم أبو العباس أحمد ابن يوسف التيفاشي في كتابه ( الأحجار ) أنه يوجد في اليمن في معادن العقيق ومنه ما يؤتى به من الصين وهو أصناف فمنه

(13/228)


البقراني والغروي والفارسي والحبشي والعسلي والمعرق وليس في الحجارة أصلب من الجزع جسما لا يكاد يجيب من يعالجه سريعا وإنما يحسن إذا طبخ بالزيت وزعمت الفلاسفه أنه يشتق من اسمه الجزع لأنه يولد في القلب جزعا ومن تقلد به كثرت همومه ورأى أحلاما رديئة وكثر الكلام بينه وبين الناس وإن علق على طفل كثر لعابه وسال وإن لف في شعر المطلقة ولدت ويقطع نفث الدم ويختم القروح وعند البكري ومنه جزع يعرف بالنقمي ومعدنه بضمير وسعوان وعذيقة ومخلاف حولان والجزع السماوي وهو العشاري وقال ثعلب في ( الفصيح ) والجزع الخرز وقال ابن درستويه ليس كل الخرز يسمى جزعا وإنما الجزع منها المجزع أي المقطع بالألوان المختلفة قد قطع سواده ببياضه وفي ( المنضد ) لكراع عن الأثرم أهل البصرة يقولون الجزع والجزع بالفتح والكسر الخرز وقال أبو القاسم التميمي في كتابه ( المستطرف ) عن بندار الجزع واحد لا جمع له وقال الحربي وابن سيده الجزع الخرز واحدته جزعة قولها أظفار بالألف في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني ظفار بلا ألف وكذا وقع في ( صحيح مسلم ) بلا ألف وقال القرطبي من قيده بألف أخطأ وصحيح الرواية بفتح الظاء وقال ابن السكيت ظفار قرية باليمن وعن ابن سعد جبل وفي ( الصحاح ) مبني على الكسر كقطام وقال البكري قال بعضهم سبيلها سبيل المؤنث لا ينصرف وقال ابن قرقول ترفع وتنصب وقال أبو عبيد وقصر المملكة بظفار قصر ذي ريدان ويقال إن الجن بنتها وقال الكرماني ظفار بفتح المعجمة وخفة الفاء وبالراء مدينة باليمن ويقال جزع ظفاري وفي بعضها أظفار بزيادة همزة في أولها نحو الأظفار جمع الظفر ولعله سمي به لأن الظفر نوع من العطر أو لأنه ما اطمأن من الأرض أو لأن الأظفار اسم لعود يمكن أن يجعل كالخرز فيتحلى به انتهى وقال ابن التين في بعض الروايات العقد الملتمس مقدار ثمنه اثني عشرة درهما قولها يرحلون لي باللام وقال النووي يرحلون بي بالباء واللام أجود قلت باللام في مسلم و يرحلون بفتح الياء وسكون الراء وفتح الحاء المخففة وهو معنى قولها فرحلوه بتخفيف الحاء أيضا من رحلت البعير أي شددت عليه الرحل ويروى من الرحيل قولها إذ ذاك أي حينئذ لم يثقلن أي من اللحم قولها ولم يغشهن اللحم أي لم يركب عليهن اللحم يعني لم يكن سمينات وعند مسلم وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه قولها وإنما يأكلن العلقة بضم العين المهملة وسكون اللام وبالقاف أي القليل ويقال لها أيضا البلغة كأنه الذي يمسك الرمق وتعلق النفس للإزدياد منه أي تشوقها إليه وقال صاحب ( العين ) العلقة ما فيه بلغة من الطعام إلى وقت الغداة وأصل العلقة شجر يبقى في الشتاء يعلق به الإبل أي تجتزىء به حتى يدرك الربيع وقيل ما يمسك به المرء نفسه من الأكل وقيل هو ما يأكله من الغداة قولها فبعثوا الجمل أي أثاروه قولها ما استمر الجيش أي ذهب ومضى قاله الداودي ومنه قوله تعالى سحر مستمر ( القمر 2 ) أي ذاهب أو معناه دائم أو قوي شديد وليس فيه أحد وفي رواية مسلم وليس بها داع ولا مجيب قولها فأممت أي قصدت من أم ومنه آمين البيت الحرام ( المائدة 2 ) قال ابن التين فعلى هذا يقرأ أممت بالتخفيف وإن شددت في بعض الأمهات وذكره في المغازي بلفظ فتيممت منزلي والمعنى واحد قولها فظننت الظن هنا بمعنى العلم قولها فبينا أنا أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفا وهو مضاف إلى الجملة التي بعده وغلبتني جوابه قولها وكان صفوان بن المعطل السلمي صفوان إما من الصفا أو من صفن ففي الأول النون زائدة و المعطل بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الطاء المهملة ابن وبيصة بن المؤمل بن خزاعي بن محارب بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان ابن ثعلبة بن بهنة بن سليم ذكره الكلبي وغيره ونسبه خليفة رحيضة موضع وبيصة وفي محارب محاربي قولها السلمي بضم السين المهملة وفتح اللام نسبة إلى سليم المذكور في نسبه وهو من شواذ النسب لأن القياس فيه السليمي قولها ثم الذكواني بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ذكوان المذكور في نسبه وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده إليهم وقيل إنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس وقد جاء في ( سنن أبي داود ) شكت امرأته ذلك منه لسيدنا رسول الله فقال إنا أهل بيت نوم عرف لنا ذلك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس

(13/229)


وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أنه كان حصورا لم يكشف كنف أنثى قط وفي ( سير )
لقد سئل عن صفوان فوجدوه لا يأتي النساء وأول مشاهده المريسيع وذكر الواقدي أنه شهد الخندق وما بعدها وكان شجاعا خيرا شاعرا وعن ابن إسحاق قتل في غزوة أرمينية شهيدا سنة تسع عشرة وقيل توفي في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات ولما ضرب حسان بن ثابت بسيفه لما هجاه ولم يقتصه منه سيدنا رسول الله استوهب من حسان جنايته فوهبه لرسول الله فعوضه منها حائطا من نخيل وزعم ابن إسحاق وأبو نعيم أنه بيرحاء وسيرين أخت مارية قيل فيه نظر لأن بيرحاء إنما وصل لحسان من جهة أبي طلحة وفي ( الاكتفاء ) لأبي الربيع سليمان بن سالم روي من وجوه أن إعطاء رسول الله لحسان سيرين إنما كان لذبه عن رسول الله قولها فرأى سواد إنسان أي شخصه قولها وكان يراني قبل الحجاب أي قبل حجاب البيوت وآية الحجاب نزلت في زينب رضي الله تعالى عنها قولها واستيقظت من نومي أي تنبهت من نومي قولها باسترجاعه أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون ( البقرة 651 ) وفي رواية مسمل فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فحمرت وجهي بجلبابي والله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء على يدها فركبتها قولها حين أناخ راحلته هكذا هو في رواية الأكثرين بكلمة حين بمعنى الوقت وفي رواية الكشميهني والنسفي حتى أناخ راحلته قولها فوطىء يدها أي فوطىء صفوان يد الراحلة ليسهل الركوب عليها فلا يكون احتياج إلى مساعدة قولها يقود بي جملة حالية قولها حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين أي حال كونهم معرسين من التعريس وهو النزول قاله ابن بطال والمشهور أن التعريس هو النزول في آخر الليل ولم يجىء المعنى ههنا إلا على قول أبي زيد فإنه قاله التعريس النزول أي وقت كان ومن هذا أخذ ابن بطال حيث أطلق النزول وفي رواية مسلم بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وكذا ذكره البخاري في المغازي والتفسير قال القرطبي الرواية الصحيحة بالغين المعجمة والراء المهملة من الوغرة بسكون الغين وهي شدة الحر ورواه مسلم من رواية يعقوب بن إبراهيم بعين مهملة وزاي ويمكن أن يقال فيه هو من وعزت إليه أي تقدمت يقال وعزت إليه وعزا مخففا ويقال وعزت إليه توعيزا بالتشديد قال وصحفه بعضهم فقال موعرين يعني بعين مهملة وراء قال ولا يلتفت إليه وفي رواية أبي ذر مغورين بغين معجمة مقدمة والتغوير النزول للقائلة قولها في نحر الظهيرة وهو وقت القائلة وشدة الحر والنحر الأول والصدر وأوائل الشهر تسمى النحور وقال الداودي الظهيرة نصف النهار عند أول الفيء قال وقيل الظهر والظهير لما بعد نصف النهار لأن الظهر آخر الإنسان وسمي آخر الشهر بذلك ولا نسلم له لأن أول اشتداد الحر قبل نصف النهار قولها وهلك من هلك أي هلك الذين اشتغلوا بالإفك وفي رواية مسلم وهلك من هلك في شأني قولها وكان الذي تولى الإفك أي تصدر وتصدى وفي رواية مسلم وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول وابن سلول بالرفع صفة لعبد الله لا لأبي ولهذا يكتب بالألف و سلول بفتح السين المهملة وتخفيف اللام الأولى غير منصرف علم لأم عبد الله قولها فاشتكيت أي مرضت قولها بها أي بالمدينة قولها شهرا أي مدة شهر قولها فيفيضون وفي رواية مسلم والناس يفيضون بضم الياء من الإفاضة وهي التكثير والتوسعة يقال أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه يخوضون وهو من قوله لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ( النور 41 ) وقال ابن عرفة حديث مفاض ومستفاض ومستفيض في الناس أي جار فيهم وفي كلامهم قولها ويريبني بفتح الياء وضمها فالأول من رابني والثاني من أرابني يقال رابني الأمر يريبني إذا توهمته وشككت فيه فإذا استيقنته قلت رابني منه كذا يريبني وعن الفراء هما بمعنى واحد في الشك وقال صاحب ( المنتهى ) الاسم الريبة بالكسر وأرابني ورابني إذا تخوفت عاقبته وقيل رابني إذا علمت به الريبة وأرابني إذا ظننت به وقيل رابني إذا رأيت منه ما يريبك وتكرهه ويقول هذيل أرابني وأراب إذا أتى بريبة وراب صار ذا ريبة وقال أبو محمد في ( الواعي ) رابني أفصح قولها اللطف بضم اللام وسكون الطاء وقال النووي ويقال بفتحها لغتان وهو البر والرفق

(13/230)


وفي رواية مسلم إني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي أري منه قولها حين أمرض على صيغة المجهول من التمريض وهو القيام على المريض في مرضه قولها تيكم بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وهو إشارة إلى المؤنث نحو ذاكم إلى المذكر قولها حتى نقهت بفتح القاف ذكره ثعلب وبالكسر ذكره الجوهري هو من نقه فهو ناقه وهو الذي برىء من المرض وهو قريب عهد به لم يتراجع إليه كمال صحته وقال النووي يقال نقه ينقه نقوها فهو ناقه ككلح يكلح كلوحا فهو كالح ونقه ينقه كفرح يفرح فرحا وجمع الناقه نقه بضم النون وتشديد القاف وأنقهه الله قولها قبل المناصع بكسر القاف أي جهة المناصع بفتح الميم وهي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها الواحد منصع وقال الأزهري أراه موضعا بعينه خارج المدينة وهو في الحديث صعيد أفيح خارج المدينة وقال ابن السكيت المناصع في اللغة المجالس قولها متبرزنا بفتح الراء المشددة وبالزاي وهو الموضع الذي يتبرزون فيه أي يقضون فيه حاجتهم والبراز اسم ذلك الموضع أيضا قولها الكنف بضم الكاف والنون جمع كنيف قال أهل اللغة الكنيف الساتر مطلقا وسمي به موضع الغائط لأنهم يستترون به قولها وأمرنا أمر العرب الأول يعني في التبرز خارج المدينة وقال النووي ضبط الأول بوجهين أحدهما ضم الهمزة وتخفيف الواو والآخر بفتح الهمزة وتشديد الواو وكلاهما صحيح قولها أو في التنزه شك من الراوي في طلب النزاهة بالخروج إلى الصحراء وفي رواية مسلم وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا قولها وأم مسطح بنت أبي رهم وفي رواية مسلم فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأما إبنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب انتهى و مسطح بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة واسم أمه سلمى بنت أبي رهم وذكر أبو نعيم فيما نقل من خطه أن اسمها رائطة بنت صخر أخت أم الصديق وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء وهي زوجة أثاثة بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة الأولى وكانت من أشد الناس على ابنها مسطح وقال النووي ومسطح لقب واسمه عامر وقيل عوف وكنيته أبو عباد وقيل أبو عبد الله توفي سنة سبع وثلاثين وقيل أربع وثلاثين وقال الواقدي شهد مع علي رضي الله تعالى عنه صفين ومات في سنة سبع وثلاثين عن ست وخمسين سنة قلت مسطح إسم عود من أعواد الخباء وقال الجوهري أثاثة بضم الهمزة إسم رجل وقال أبو زيد الأثاث المال أجمع الإبل والغنم والعبيد والمتاع الواحدة أثاثة يعني بفتح الهمزة وقال الفراء الأثاث متاع البيت ولا واحد له قولها نمشي حال أي ماشين قولها فعثرت في مرطها وفي رواية مسلم فعثرت أم مسطح في مرطها عثرت بفتح الثاء المثلثة أي زلقت و المرط بكسر الميم كساء من صوف قاله الداودي وقال ابن فارس ملحفة يؤتزر بها وقال الهروي المروط الأكسية وضبطه ابن التين المرط بفتح الميم قولها فقالت تعس مسطح بكسر العين وفتحها لغتان مشهورتان ومعناه عثر وقيل هلك وقيل لزمه الشر وقيل بعد وقيل سقط لوجهه وقيل التعس أن لا ينتعش من عثرته وقيل تعس تعسا وأتعسه الله وقال ابن التبين المحدثون يقرؤونه بكسر العين وهو عند أهل اللغة بفتحها وقيل معناه انكب أي أكبه الله قولها فقالت يا هنتاه وفي رواية أي هنتاه وكذا في رواية البخاري في المغازي وهنتاه بفتح الهاء وسكون النون وفتحها والسكون أشهر وبضم الهاء الأخيرة وتسكن ونونها مخففة وقال القرطبي عن بعضهم تشديد النون وأنكره الأزهري قالوا وهذه اللفظة تختص بالنداء ومعناها يا هذه وقيل يا امرأة وقيل يا بلها كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم وقد تقدم في الحج في باب من قدم ضعفة أهله بالليل ويقال في التثنية هنتان وفي الجمع هنات وهنوات وفي المذكر هن وهنان وهنون ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول ياهنه وأن تشبع الحركة فتصير ألفا فتقول يا هناه ولك ضم الهاء فتقول يا هناه أقبل قولها ألم تسمعي وفي المغازي ولم تسمعي وفي رواية مسلم أو لم تسمعي قولها إئذن لي إلى أبوي أي إئذن لي أن آتي أبوي وفي رواية مسلم رضي الله تعالى عنه أتأذن لي أن آتي أبوي قولها من قبلهما بكسر القاف أي من جهتهما قولها لقلما كانت امرأة قط وضئية اللام في لقلما للتأكيد و قل فعل ماض دخلت عليه كلمة ما لتأكيد معنى القلة وتارة تستعمل هذه الكلمة في نفي

(13/231)


أصل الفعل وتارة في القلة جدا وضيئة على وزن فعيلة أي جميلة حسنة من الوضاءة وهو الحسن وقال النووي في ( شرح مسلم ) وفي نسخة ابن ماهان حظية من الحظوة وهي الوجاهة يقال حظيت المرأة عند زوجها تحظى حظوة وحظوة بالضم والكسر أي سعدت به ودنت من قلبه وأحبها قولها ولها ضرائر بالألف وهو الصواب وهو جمع ضرة وزوجات الرجل ضرائر لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة والقسم وفي بعض النسخ ضرار وأصله من الضر بكسر الضاد وضمها قولها إلا أكثرن عليها بالثاء المثلثة أي أكثرن عليها القول في عيبها ونقصها قولها لا يرقأ لي دمع مهموز أي لا ينقطع من رقأ الدمع إذا انقطع قولها ولا أكتحل بنوم أي لا أنام وهو استعارة قولها حين استلبث الوحي أي حين أبطأ ولبث ولم ينزل قولها يستشيرهما جملة حالية مقدرة من الاستشارة قولها أهلك روي بالنصب أي إلزم أهلك وروي بالرفع أي هي أهلك لا تسمع فيها شيئا قولها وأما علي بن أبي طالب إلى آخره إنما قال علي ذلك مصلحة ونصيحة للرسول في اعتقاده لأنه رأى انزعاج رسول الله بهذا الأمر وقلقه فأراد راحة خاطره لا لعداوة لعائشة رضي الله تعالى عنها قولها يريبك من راب وقد ذكر مرة يعني هل رأيت شيئا فيها ما يريبك وفي رواية مسلم هل رأيت من شيء يريبك من عائشة قولها إن رأيت منها أي ما رأيت منها قولها أغمصه عليها بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر الميم وضم الصاد المهملة أي أعيبها به وأطعن عليها قولها فتأتي الداجن وهي الشاه التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى وقال ابن التين هي الشاة التي تحبس في البيت لدرها لا تخرج إلى المرعى وقيل هو دجاجة أو حمام أو وحش أو طير يألف البيت وقال الطبري الداجن الشاة المعتادة للقيام في المنزل إذا سمنت للذبح واللبن ولم تسرح في السرح وكل معتاد موضعا هو به يقيم فهو كذلك داجن يقال دجن فلان بمكان كذا وأدجن به إذا أقام به قولها فقام رسول الله من يومه وفي رواية مسلم قال رسول الله وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني قولها فاستعذر من عبد الله بن أبي أي طلب من يعذره منه أي من ينصفه منه قولها من يعذرني من رجل وقال الخطابي من يعذرني يؤول على وجهين أي من يقوم بعذره فيما يأتي إلي من المكروه منه والثاني من يقوم بعذري إن عاقبته على سوء فعله وقال النووي معناه من يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعاله ولا يلومني على ذلك وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر وقيل معناه من ينتقم لي منه ويشهد لهذا جواب سعد بن معاذ أنا أعذرك منه قولها رجلا هو صفوان قولها فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه إنما قال ذلك لأن الأوس من قومه وهم بنو النجار ومن آذى رسول الله وجب قتله ثم إن الموجود في الأصول سعد بن معاذ وقع في موضع آخر سعد بن عبادة وقال ابن حزم هذا عندنا وهم لأن سعد بن معاذ مات إثر غزوة بني قريظة بلا شك وبني قريظة كان في إخر ذي القعدة من سنة أربع فبين الغزوتين نحو من سنتين والوهم لم يعر منه أخحد من البشر وقال ابن العربي ذكر سعد بن معاذ وهم اتفق فيه الرواة وقال بن عمر هم وهم وخطأ وتبعه على ذلك جماعة وقال القاضي عياض قال بعض شيوخنا ذكر سعد بن معاذ في هذا وهم والأشبه أنه غيره ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في ( السير ) وإنما قال إن المتكلم أولا وآخرا أسيد بن حضير
وقال القاضي هذا مشكل لأن هذه القصة كانت في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست وسعد بن معاذ مات في إثر غزاة الخندق من الرمية التي أصابته وذلك في سنة أربع ولهذا قيل وهم الأشبه أنه غيره وقال القاضي في الجواب أن موسى بن عقبة ذكر أن اليسيع سنة أرع وهي سنة الخندق فيحتمل أن المريسي وحديث الإفك كانا في سنة أربع قبل الخندق قلت هذا يبين صحة ما ذكره البخاري من أنه سعد بن معاذ وهو الذي في ( الصحيحين ) أما سعد بن معاذ بضم الميم فهو ابن النعمان بن امرىء القيس ابن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن النبيت واسمه عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي أسلم على يد مصعب بن عمير لما أرسله النبي إلى المدينة يعلم المسلمين شهد بدرا لم يختلفوا فيه وشهد أحدا والخندق ورماه يومئذ حبان بن عرفة في أكحله ومر عن قريب تاريخ وفاته وأما سعد بن عبادة بضم العين فهو ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفتح الميم

(13/232)


بعدها هاء ابن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر أخي الأوس بن حارثة بن ثعلبة العنقاء ابن عمرو المزيقياء بن عامر ماء السماء وأم الأوس والخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة وقيل قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وكان نقيب بني ساعدة شهد بدرا عند بعضهم ولم يبايع أبا بكر ولا عمر رضي الله تعالى عنهما وسار إلى الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة ولم يختلفوا أنه وجد ميتا على مغتسله وأما أسيد بضم الهمزة فهو ابن حضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ابن سماك بن عتيك بن امريء القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي أبو يحيى أسلم على يد مصعب بن عمير بالمدينة بعد العقبة الأولى وقيل الثانية واختلف في شهوده بدرا فنفاه ابن إسحاق الكلبي وأثبته غيرهما وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد وشهد مع عمر رضي الله تعالى عنه فتح البيت المقدس مات بالمدينة سنة عشرين وصلى عليه عمر رضي الله تعالى عنه
قولها وكان قبل ذلك رجلا صالحا وفي مسلم وكان رجلا صالحا يعني لم يكن قبل ذلك يحمي لمنافق قولها ولكن احتملته الحمية بحاء مهملة وميم أي أغضبته وعند مسلم أجتهلته بجيم وهاء أي أغضبته وحملته على الجهل فالروايتان صحيحتان قولها كذبت لعمر الله والله أي إن رسول الله لا يجعل حكمه إليك كذا قال الداودي وقال ابن التين معناه أنه قال له كذبت إنك لا تقدر على قتله وهذا هو الظاهر قولها فقام أسيد بن الحضير قد مرت ترجمته الآن فقال كذبت لعمر الله والله لنقتله أي إن أمرنا رسول الله قتلناه وقوم أسيد بنو عبد الأشهل قولها فإنك منافق أي تفعل فعل المنافقين ولم يرد به النفاق الحقيقي قولها فثار الحيان الأوس والخزرج أي تناهضوا للنزاع والعصبية وأصله من ثار الشيء يثور إذا ارتفع وانتشر قولها حتى هموا أي حتى قصدوا المحاربة وتناهضوا للنزاع قولها فخفضهم يعني تلطف بهم حتى سكتوا قولها وقد بكيت ليلتين ويوما هذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره ليلتي ويوما وفي رواية النسفي وأبي الوقت ليلتي ويومي قولها فالق من فلق إذا شق قولها وأنا أبكي جملة حالية قولها إذ استأذنت كلمة إذا للمفاجأة وكذلك إذ في قولها إذ دخل قولها قيل في بكسر الفاء وتشديد الياء قولها وقد مكث شهراف لا يوحى إليه وفي رواية مسلم ولقد لبثت شهرا لا يوحى إليه وذلك ليعلم رسول الله المتكلم من غيره قولها في شأني أي في أمري وحالي قولها ألممت بشيء وفي رواية بذنب وكذا في رواية مسلم وهو من الإلمام وهو النزول النادر غير المتكرر وقال الكرماني أي فعلت ذنبا مع أنه ليس من عادتك قولها فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه قال الداودي دعاها إلى الاعتراف ولم يأمرها بالستر كغيرها لأنه لا ينبغي عند الشارع امرأة أصابت ذنبا قولها قلص دمعي بفتح القاف واللام أي ارتفع وانقبض وقال القرطبي يعني أن الحزن والوجدة قد انتهت نهايتهما وبلغت غايتهما ومهما انتهى الأمر إلى ذلك قلص الدمع لفرط حرارة المصيبة وقال الداودي قلص دمعي أي ذهب وقيل نقص وقال ابن السكيت قلص الماء في البيت إذا ارتفع وماء قليص قولها ما أحس بضم الهمزة من الإحساس قال تعالى هل تحس منهم من أحد ( مريم 89 ) قولها قال والله ما أدري ما أقول معناه إن الأمر الذي سألها رسول الله لا يقف منه على أمر زائد على ما عند رسول الله قبل نزول الوحي من حسن الظن قولها إلا أبا يوسف أي إلا مثل يعقوب عليه الصلاة و السلام وهو الصبر وكأنها من شدة حزنها لم تتذكر اسم يعقوب وإنما قالت أبا يوسف لأنه لما جاء إخوة يوسف أباهم يعقوب ومعهم قميص يوسف بدم كذب قال يعقوب بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( يوسف 81 ) قولها إذ قال أي حين قال قولها فوالله ما رام مجلسه أي ما برح المجلس ولا قام عنه يقال رامه يريمه ريما أي برحه ولازمه قولها من البرحاء بضم الباء الموحدة على وزن فعلاء من البرح وهي شدة الحمى وغيرها من الشدائد وقيل البرح شدة الحر وقال الخطابي شدة الكرب مأخوذ من قولك برحت بالرجل إذا بلغت به غاية الأذى والمشقة قولها ليتحدر اللام فيه للتأكيد أي ينزل ويقطر من حدر يحدر حدرا وحدورا والحدور ضد الصعود ويتعدى ولا يتعدى قولها مثل الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم وهو الدر كذا ذكره ابن التين وغيره وقال ابن سيده الجمان هنوات على أشكال اللؤلؤ من فضة فارسي معرب واحدته جمانة وربما سميت

(13/233)


الدرة جمانة وقيل الجمان الحرز يبيض بماء الفضة وفي ( المغيث ) هو اللؤلؤ الصغير وقال الجواليقي وقد جعل لبيد الدرة جمانة فقال
( كجمانة البحري سل نظامها )
قولها فلما سري وهو مشدد مبني لما لم يسم فاعله ومعناه لما كشف وأزيل عنه قال ابن دحية ونزل عذرها بعد سبع وثلاثين ليلة قولها والله لا أقوم إليه قالت ذلك إدلالا عليهم وعتابا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن طرائفها وجميل أحوالها وتنزهها عن هذا الباطل الذي افتراه الظلمة لا حجة لهم ولا شبهة فيه قولها لقرابته وذلك أن أم مسطح سلمى هي بنت خالة أبي بكر الصديق قولها ولا يأتل ( النور 22 ) أي ولا يحلف أولوا الفضل منكم ( النور 22 ) والآلية اليمين والفضل هنا المال والسعة ( النور 22 ) في العيش والرزق فإن قلت قوله أولوا ( النور 22 ) جمع والمراد هنا الصديق قلت قال الضحاك أبو بكر وغيره من المسلمين قولها إلى قوله غفور رحيم ( النور 22 ) وفي رواية مسلم إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( النور 22 ) قال ابن حبان بن موسى قال عبد الله بن المبارك هذه أرجى آية في كتاب الله فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال لا أنزعها منه أبدا قولها الذي كان يجدى عليه أي يعطى من الجداء وهو العطية وكذلك الجدوي قولها أحمي أي أصون سمعي من أن أقول سمعت ولم أسمع وبصري من أن أقول أبصرت ولم أبصر أي لا أكذب حماية لهما قولها تساميني أي تضاهيني بكمالها ومكانها عند رسول الله وهي مفاعلة من السمو وهو الارتفاع
قال وحدثنا فليح عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة وعبد الله بن الزبير مثله
أي قال أبو الربيع سليمان بن داود وحدثنا فليح بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة وعبد الله بن الزبير مثله أي مثل الحديث المذكور الذي رواه فليح عن الزهري عن عروة
قال وحدثنا فليح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان ويحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر مثله
أي قال أبو الربيع سليمان وحدثنا فليح إلى آخره والحاصل أن فليح بن سليمان روى الحديث المذكور من أربعة مشايخ الأول ابن شهاب الزهري الثاني هشام بن عروة والثالث ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك والرابع يحيى بن سعيد الأنصاري
ذكر ما يستفاد من الحديث المذكور فيه جواز رواية الحديث عن جماعة عن كل واحد قطعة مبهمة منه وإن كان فعل الزهري وحده فقد أجمع المسلمون على قبوله منه والاحتجاج به وفيه صحة القرعة بين النساء وبه استدل مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء في العمل بالقرعة في القسم بين الزوجات وفي العتق والوصايا والقسمة ونحو ذلك وقال أبو عبيد عمل بها ثلاثة من الأنبياء عليهم السلام وقد ذكرناه في أول الباب وقال ابن المنذر استعمالها كالإجماع ولا معنى لقول من يردها والمشهور عن أبي حنيفة إبطالها وحكي عنه إجازتها وقال ابن المنذر وغيره القياس تركها لكن عملنا بها بالآثار انتهى قلت ليس المشهور عن أبي حنيفة إبطال القرعة وأبو حنيفة لم يقل كذلك وإنما قال القياس يأباها لأنه تعليق لا استحقاق بخروج القرعة وذلك قمار ولكن تركنا القياس للآثار وللتعامل الظاهر من لدن رسول الله إلى يومنا هذا من غير نكير منكر وإنما قال ههنا يفعل تطييبا لقلوبهن والحديث محمول عليه والدليل على ذلك أنه لم تكن التسوية واجبة عليه في الحضر وإنما كان يفعله تفضلا وقد قال بعض أصحابنا وعند أبي حنيفة والشافعي إذا أراد الرجل سفرا أقرع بين نسائه لا يجوز أخذ بعضهن بغير ذلك والذي في القدوري عن مذهب أبي حنيفة لا حق لهن في حالة السفر يسافر بمن شاء منهن وقال الأقطع في ( شرحه ) لأن الزوج لا يلزمه استصحاب واحدة منهن ولا يلزمه القسمة في حالة السفر والأولى والمستحب أن يقرع لتطييب قلوبهن وقال النووي وعن مالك يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة لأن القسمة سقطت للضرورة وقال ابن التين قال مالك الشارع يفعل ذلك تطوعا منه لأنه لا يجب عليه أن يعدل بينهن وفيه عدم وجوب قضاء مدة السفر للنسوة المقيمات وهذا مجمع عليه إذا كان السفر طويلا وقال النووي وحكم السفر القصير حكم الطويل على المذهب الصحيح وخالف فيه

(13/234)


بعض أصحابنا وفيه جواز سفر الرجل بزوجته وفيه جواز الغزو بهن وفيه جواز ركوب النساء في الهوادج وفيه جواز خدمة الرجال لهن في ذلك في الأسفار وفيه أن إرتحال العسكر يتوقف على أمر الأمير وفيه جواز خروج المرأة لحاجة الإنسان بغير إذن الزوج وهذا من الأمور المستثناة وفيه جواز لبس النساء القلائد في السفر كالحضر وفيه أن من يركب المرأة على البعير وغيره لا يكلمها إذا لم يكن محرما إلا لحاجة لأنهم حملوا ولم يكلموا من يظنونها فيه وفيه فضيلة الاقتصاد في الأكل للنساء وغيرهن ولا يكثرن منه بحيث يهبلهن اللحم وفيه جواز تأخر بعض الجيش ساعة ونحوها لحاجة تعرض لهم وفيه إغاثة الملهوف وعون المنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام ذوي الأقدار كما فعل صفوان بهذا كله وفيه حسن الأدب مع الأجنبيات لا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها وفيه أنه إذا أركب أجنبية ينبغي أن يمشي قدامها ولا يمشي بجنبها ولا وراءها وفيه استحباب الاسترجاع عند المصائب سواء كانت في الدين أو في الدنيا وسواء كانت في نفسه أو من يعز عليه وفيه تغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي سواء كان صالحا أو غيره وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وفيه أنه يستحب أن يسر عن الإنسان ما يقال فيه إذا لم يكن في ذكره فائدة كما كتموا عن عائشة رضي الله تعالى عنها هذا الأمر شهرا ولم تسمعه بعد ذلك إلا بعارض عرض وهو قول أم مسطح تعس مسطح وفيه استحباب ملاطفة الرجل زوجته ويحسن معاشرتها وفيه أنه إذا عرض عارض بأن سمع عنها شيئا أو نحو ذلك يقلل من اللطف ونحوه لتفطن أن ذلك لعارض فتسأل عن سببه فتزيله وفيه استحباب السؤال عن المريض وفيه أنه يستحب للمرأة إذا أرادت الخروج لحاجة أن يكون معها رفيقة لها لتأنس بها ولا يتعرض لها وفيه كراهة الإنسان صاحبه وقريبه إذا آذى أهل الفضل أو فعل غير ذلك من القبائح كما فعلت أم مسطح في دعائها عليه وفيه فضيلة أهل بدر والذب عنهم كما فعلت عائشة في ذبها عن مسطح وفيه أن المرأة لا تذهب لبيت أبويها إلا بإذن زوجها وفيه جواز التعجب بلفظ التسبيح وفيه استحباب مشاورة الرجل بطانته وأهله وأصدقاء فيما ينويه من الإمور وفيه جواز البحث والسؤال عن الأمور المسموعة لمن له بها تعلق وأما غيره فمنهي عنه وهو تجسس وفضول وفيه خطبة الإمام الناس عند نزول أمر بهم وفيه اشتكاء ولي الأمر إلى المسلمين من تعرض له بأذى في أهله أو في نفسه وفيه فضائل ظاهره لصفوان بشهادة النبي بما شهد وبفعاله الجميلة وفيه المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات وفيه فضيلة سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وفيه قبول التوبة والحث عليها وفيه تفويض الكلام إلى الكبار دون الصغار لأنهم أعرف وفيه جواز الاستشهاد بآيات القران العزيز ولا خلاف أنه جائز وفيه استحباب المبادرة بتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية بارزة وفيه براءة عائشة رضي الله تعالى عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن فلو تشكك فيها إنسان صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين وفيه تجديد شكر الله تعالى تجدد النعمة وفيه فضائل لأبي بكر رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم ( النور 22 ) وفيه استحباب صلة الأرحام وإن كانوا مسيئين وفيه استحباب العفو والصفح عن المسيء وفيه استحباب الصدقة والإنفاق في سبيل الخيرات وفيه استحباب لمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي بالذي هو خير فيكفر عن يمينه وفيه فضيلة زينب أم المؤمنين رضي الله عنها وفيه التثبيت في الشهادة وفيه أن الخطبة مبتداة بالحمد لله والثناء عليهوفيه استحباب القول بأما بعد في الخطبة بعد الحمد لله والصلاة على رسوله وفيه غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم واهتمامهم بدفع ذلك وفيه جواز سب المتعصب لمبطل كما سب أسيد بن حضير سعد بن عبادة لتعصبه للمنافق وقال إنك منافق تجادل عن المنافقين وقد ذكرنا أنه لم يرد به النفاق الحقيقي وفيه جواز تعديل النساء لأنه سأل بريرة وزينب عن عائشة وهما من أخبرتا بفضلها وكمال دينها وبه احتج أبو حنيفة في جواز تعديل النساء بعضهن بعضا وفيه أن من آذى رسول الله في أهله أو عرضه فإنه يقتل لقول أسيد بن حضير إن كان من الأوس قتلناه ولم يرد عليه النبي شيئا قال ابن بطال وكذا من سب عائشة رضي الله تعالى عنها بما برأها الله منه أنه يقتل لتكذيبه الله ورسوله وقال قوم لا يقتل من سبها بغير ما برأها الله تعالى منه وقال المهلب والنظر عندي أن يقتل من سب زوجات سيدنا رسول الله بما رميت به عائشة أو بغير ذلك وفيه

(13/235)


وجوب تعظيم أهل بدر والذب عنهم وفيه أن الصبر الجميل فيه الغبطة والعزة في الدارين وفيه ترك الحد لما يخشى من تفريق الكلمة كما ترك رسول الله حد ابن سلول وفيه أن الاعتراف بما يشاء من الباطل لا يحل وفيه أن الوحي ما كان يأتيه متى أراد لبقائه شهرا لم يوح إليه وفيه جواز تحلي النساء بالذهب والفضة واللؤلؤ والخرز ونحوها وفيه حرمة التشكيك في تبرئة عائشة من الإفك وفيه أن العصبية تنقل عن إسم كما قالت وكان قبل ذلك رجلا صالحا وفيه الكشف والبحث عن الأخبار الواردة إن كان لها نظائر أم لا لسؤاله بريرة وأسامة وزينب وغيرهم من بطانته عن عائشة وعن سائر أفعالها وما يغمص عليها والحكم بما يظهر من الأفعال على الله قيل وذكر ابن مردويه في ( تفسيره ) من حديث يونس بن بكير عن هشام عن أبيه عن عائشة سأل يعني رسول الله جارية لي سوداء فقال أخبرينا بما علمك بعائشة فذكرت العجين ومعه ناس فأداروها حتى فطنت فقالت سبحان الله والله ما أعلم على عائشة إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر وفي لفظ جارية نوبية وهذه الفوائد ما تنيف على ستين فائدة والله هو المستعان
61 -
( باب إذا زكى رجل رجلا كفاه )
أي هذا باب يذكر فيه إذا زكى رجل رجلا كفاه أي كفى رجلا الذي هو المزكى بفتح الكاف يعني لا يحتاج إلى آخر معه وقد ذكر في أوائل الشهادات باب تعديل كم يجوز فتوقف في جوابه وههنا صرح بالأكتفاء بالواحد وفيه خلاف فعند محمد بن الحسن يشترط إثنان كما في الشهادة وهو المرجح عند الشافعية والمالكية واختاره الطحاوي وعند أبي حنيفة وأبي يوسف يكتفى بواحد والاثنان أحب وكذا الخلاف في الرسالة والترجمة
وقال أبو جميلة وجدت منبوذا فلما رآني عمر قال عسى الغوير بؤسا كأنه يتهمني قال عريفي أنه رجل صالح قال كذلك اذهب وعلينا نفقته
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله قال عريفي أنه رجل صالح قال كذلك اذهب فإنه يدل على أن عمر رضي الله تعالى عنه قبل تزكية الواحد واكتفى به وأبو جميلة بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بضم السين المهملة وبنونين أولاهما مفتوحة مخففة بينهما ياء آخر الحروف كذا ضبطه عبد الغني بن سعيد والدارقطني وابن ماكولا وقال بعضهم ووهم من شدد التحتانة كالداودي قلت كيف ينسب الداودي إلى الوهم ولم ينفرد هو بالتشديد فإن البخاري ذكر في ( تاريخه ) كان ابن عيينة وسليمان بن كثير يثقلان سنينا واقتصر عليه ابن التين وهذا التعليق رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر عن الزهري عن سنين أبي جميلة وأنه أدرك النبي وخرج معه عام الفتح وأنه التقط منبوذا فأتى عمر رضي الله تعالى عنه فسأله عنه فأثنى عليه خيرا وأنفق عليه من بيت المال وجعل ولاءه له وقال الكرماني أبو جميلة سنين وقيل ميسرة ضد الميمنة ابن يعقوب الطهوي بضم الطاء وفتح الهاء وقيل بسكونها وقد يفتحون الطاء مع سكون الهاء ففيه ثلاث لغات ورد عليه بأن أبا جميلة الذي ذكره وترجمه ليس بأبي جميلة المذكور في البخاري فإنه تابعي طهوي كوفي وذاك صحابي عند الأكثرين وإن كان العجلي ذكره من التابعين واسمه سنين بن فرقد وقال ابن سعد هو سلمي وقال غيره هو ضمري وقيل سليطي وذكره الذهبي في ( الصحابة ) وقال أبو جميلة سنين السلمي أدرك النبي وحديثه في الترمذي روى عنه الزهري قلت تفرد الزهري بالرواية عنه قوله وجدت منبوذا بفتح الميم وسكون النون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفي آخره ذال معجمة ومعناه اللقيط قوله فلما رأى عمر أي فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال عسى الغوير أبؤسا كذا وقع في رواية الأصيلي وفي رواية أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن الكشميهني وسقط في رواية الباقين وكذا رواه ابن أبي شيبة فقال حدثنا ابن علية عن الزهري رضي الله تعالى عنه أنه سمع سنينا أبا جميلة يقول وجدت منبوذا

(13/236)


فذكره عريفي لعمر رضي الله تعالى عنه فأتيته فقال هو حر وولاؤه لك ورضاعه علينا ومعنى تمثيل عمر بهذا المثل عسى النوير أبؤسا أن عمر اتهمه أن يكون ولده أتى به للفرض له في بيت المال ويحتمل أن يكون ظن أنه يريد أن يفرض ويلي أمره ويأخذ ما يفرض له ويصنع ما شاء فقال عمر هذا المثل فلما قال له عريفه إنه رجل صالح صدقه وقال الميداني في ( مجمع الأمثال ) تأليفه الغوير تصغير غار والأبؤس جمع بؤس وهو الشدة ويقال الأبؤس الداهية وقال الأصمعي إن أصل هذا المثل أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو قال فأتاهم عدو فقتلهم فيه فقيل ذلك لكل من دخل في أمر لا يعرف عاقبته وفي ( علل الخلال ) قال الزهري هذا مثل يضربه أهل المدينة وقال سفيان أصله أن ناسا كان بينهم وبين آخرين حرب فقالت لهم عجوز إحذروا واستعدوا من هؤلاء فإنهم يألونكم شرا فلم يلبثوا أن جاءهم فزع فقالت العجوز عسى الغوير أبؤسا تعني لعله أتاكم الناس من قبل الغوير وهو الشعب وقال الكلبي غوير ماء لكلب معروف في ناحية السماوة وقال ابن الأعرابي الغوير طريق يعبرون فيه وكانوا يتواصون بأن يحسروه لئلا يؤتوا منه وروى الحربي عن عمرو عن أبيه أن الغوير نفق في حصن الرباء ويقال هذا مثل لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر وانتصاب أبؤسا بعامل مقدر تقديره عسى الغوير يصير أبؤسا وقال أبو علي جعل عسى بمعنى كان ونزله منزلته يضرب للرجل يقال له لعل الشر جاء من قبلك ويقال تقديره عسى أن يأتي الغوير بشر قوله كأنه يتهمني أي بأن يكون الولد له كما ذكرنا أن يكون قصده الفرض له من بيت المال قوله قال عريفي العريف النقيب وهو دون الرئيس قال ابن بطال وكان عمر رضي الله تعالى عنه قسم الناس أقساما وجعل على كل ديوان عريفا ينظر عليهم وكان الرجل النابذ من ديوان الذي زكاه عند عمر رضي الله تعالى عنه قوله قال كذلك أي قال عمر لعريفه هو صالح مثل ما يقول وزاد مالك في روايته قال نعم يعني كذلك قوله إذهب وعلينا نفقته وفي رواية مالك إذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته يعني من بيت المال وقال ابن بطال في هذه القضية إن القاضي إذا سأل في مجلس نظره عن أحد فإنه يجتزىء بقول الواحد كما صنع عمر رضي الله تعالى عنه وأما إذا كلف المشهود له أن يعدل شهوده فلا يقبل أقل من اثنين
وفيه جواز الالتقاط وإن لم يشهد وأن نفقته إذا لم يعرف في بيت المال وأن ولاءه لملتقطه وفيه أن اللقيط حر وقال قوم إنه عبد وممن قال إنه حر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم والشعبي
2662 - حدثنا ( ابن سلام ) قال أخبرنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( خالد الحذاء ) عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه قال أثنى رجل على رجل عند النبي فقال ويلك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك مرارا ثم قال من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه
قال الكرماني قال شارح التراجم وجه مطابقة الحديث للترجمة أنه أرشد إلى أن التزكية كيف تكون فلو لم تكن مقيدة لما أرشد إليها لكن للمانع أن يقول إنها مقيدة مع تزكية أخرى لا بمفردها وليس في الحديث ما يدل على أحد الطريقين انتهى قلت قوله إنها مقيدة مع تزكية أخرى غير مسلم والمنع بطريق ما ذكره غير صحيح لأن الحديث يدل على أنه اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد ولا يتغالى ولم يعب عليه إلا الإغراق والغلو في المدح وبهذا يرد قول من قال ليس في الخبر إن تزكية الواحد للواحد كافية حيث يحتاج إلى التزكية البتة وكذا فيه رد لقول من قال استدلال البخاري على الترجمة بحديث أبي بكرة ضعيف لأنه ضعف ما هو صحيح لأنه علل بقوله فإن غايته أنه اعتبر تزكية الرجل أخاه إذا اقتصد ولم يغل وتضعيفة بهذا هو عين تصحيح وجه المطابقة بين الحديث والترجمة لما ذكرناه وكل هذه التعسفات مع الرد على البخاري بما ذكر لأجل الرد على أبي حنيفة حيث احتج بهذا الحديث على اكتفائه في التزكية بواحد فافهم
ثم رجال الحديث المذكور خمسة الأول محمد بن سلام وفي بعض النسخ اسمه واسم أبيه الثاني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري الثالث خالد

(13/237)


ابن مهران الحذاء البصري الرابع ( عبد الرحمن بن أبي بكرة ) الخامس أبوه أبو بكرة بفتح الباء الموحدة واسمه نفيع بن الحارث الثقفي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن آدم وعن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى وعن محمد بن عمر وأبي بكر وعن عمرو الناقد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن يونس وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله أثنى رجل على رجل عند النبي قيل يحتمل أن يكون المثني بكسر النون هو محجن بن الأدرع الأسلمي وأن يكون المثنى عليه ذو البجادين لأن للأول حديثا عند الطبراني لا يبعد أن يكون هو إياه وللثاني حديثا عند ابن إسحاق يشعر أن يكون المثنى عليه ذا البجادين ومحجن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وفي آخره نون ابن الأدرع قال الذهبي قديم الإسلام نزل البصرة واختط مسجدها له أحاديث قلت عند أبي داود والنسائي وذو البجادين بكسر الباء الموحدة بعدها الجيم واسمه عبد الله بن عبد بهم بن عفيف المزني مات في غزوة تبوك قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه دفنه النبي وحطه بيده في قبره وقال اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه قال ابن مسعود فليتني كنت صاحب الحفرة قال الذهبي حديث صحيح قوله ويلك لفظ الويل في الأصل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب ويستعمل بمعنى التفجع والتعجب وههنا كذلك وينتصب عند الإضافة ويرتفع عند القطع ووجه انتصابه بعامل مقدر من غير لفظه قوله قطعت عنق صاحبك وفي رواية قطعتم عنق الرجل وفي رواية أخرى قطعتم ظهر الرجل وهي استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك قوله لا محالة بفتح الميم أي البتة لا بد منه قوله أحسب فلانا أي أظنه من حسب يحسب بكسر عين الفعل في الماضي وفتحها في المستقبل محسبة وحسبانا بالكسر ومعناه الظن وأما حسبته أحسبه بالضم حسبا وحسبانا وحسابة إذا عددته قوله والله حسيبه أي كافيه فعيل بمعنى مفعول من أحسبني الشيء إذا كفاني قوله ولا أزكي على الله أحدا أي لا أقطع له على عاقبة أحد بخير ولا غيره لأن ذلك مغيب عنا ولكن نقول نحسب ونظن لوجود الظاهر المقتضي لذلك قوله أحسبه كذا وكذا أي أظنه على حالة كذا وصفة كذا إن كان يعلم ذلك منه والمراد من قوله يعلم يظن وكثيرا يجيء العلم بمعنى الظن وإنما قلنا معناه يظن حتى لا يقال إذا كان يعلم منه فلم يقول أحسبه فإن قلت قد جاء أحاديث صحيحة بالمدح في الوجه قلت النهي محمول على الإفراط فيه أو على من يخاف عليه وأما من لا يخاف عليه ذلك لكما تقواه ورسوخ عقله فلا نهى إذا لم يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كالإزدياد عليه والاقتداء به كان مستحبا قاله النووي في ( شرح مسلم )
71 -
( باب ما يكره من الإطناب في المدح وليقل ما يعلم )
أي هذا باب في بيان ما يكره من الإطناب في مدح الرجل والإطناب بكسر الهمزة في الكلام المبالغة فيه قوله وليقل أي المادح ما يعلمه في الممدوح ولا يتجاوزه ولا يطنب فيه
3662 - حدثنا ( محمد بن الصباح ) قال حدثنا ( إسماعيل بن زكرياء ) قال حدثنا ( بريد بن عبد الله ) عن ( أبي بردة ) عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال سمع النبي رجلا يثني على رجل ويطريه في مدحه فقال أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل
( الحديث 3662 - طرفه في 0606 )
مطابقته للترجمة في قوله ويطريه في مدحه وهو ظاهر فإن قلت كيف دل الحديث على الجزء الأخير من الترجمة وهو قوله وليقل ما يعلم قلت الذي يطنب لا بد أن يقول بما لا يعلم لأنه لا يطلع على سريرته وخلواته فيستقضي أن لا يطنب وهذا الحديث بمعنى الحديث السابق لأنهما متحدان في المعنى وأشار به إلى أن الثناء على الرجل في وجهه لا يكره وإنما يكره الإطناب فلذلك ذكر هذه الترجمة
ومحمد بن الصباح بتشديد الباء الموحدة مر في الصلاة وإسماعيل بن زكرياء أبو زياد الأسدي مولاهم الخلقاني الكوفي وبريد بضم الباء الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة بضم الباء أيضا يروي عن

(13/238)


أبي بردة وهو جده وجده يروي عن أبيه ( أبي موسى ) الأشعري وهو عبد الله بن قيس واسم أبي بردة الحارث ويقال عامر ويقال اسمه كنيته
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب ومسلم في آخر الكتاب كلاهما عن محمد بن الصباح عن إسماعيل بن زكرياء
قوله رجلا يثني على رجل يحتمل أن يكونا ما ذكرناه في الحديث الماضي قوله ويطريه بضم الياء من الإطراء وهو المبالغة في المدح ويقال أطراه أي مدحه وجاوز الحد فيه وذكره الجوهري في معتل اللام اليائي وإنما قال أهلكتم لئلا يغتر الرجل ويرى أنه عند الناس كذلك بتلك المنزلة ليحصل منه العجب فيجد إليه سبيلا
81 -
( باب بلوغ الصبيان وشهادتهم )
أي هذا باب في بيان حد بلوغ الصبيان وحكم شهادتهم والترجمة مشتملة على حكمين الأول بلوغ الصبيان قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والحيض في النساء هو البلوغ الذي يلزم به العبادات والحدود والاستئذان وغيره واختلفوا فيمن تأخر احتلامه من الرجال أو حيضه من النساء فقال الليث وأحمد وإسحاق ومالك الإنبات أو أن يبلغ من السن ما يعلم أن مثله قد بلغ وقال ابن القاسم وذلك سبع عشرة سنة أو ثمان عشرة سنة وفي النساء هذه الأوصاف أو الجبل إلا أن مالكا لا يقيم الحد بالإنبات إذا زنى أو سرق ما لم يحتلم أو يبلغ من السن ما يعلم أن مثله لا يبلغه حتى يحتلم فيكون عليه الحد وأما أبو حنيفة فلم يعتبر الإنبات وقال حد البلوغ في الجارية سبع عشرة وفي الغلام تسع عشرة وفي رواية ثماني عشرة مثل قول ابن القاسم وهو قول الثوري ومذهب الشافعي أن الإنبات علامة بلوغ الكافر لا المسلم واعتبر خمس عشرة سنة في الذكور والإناث ومذهب أبي يوسف ومحمد كمذهب الشافعي وبه قال الأوزاعي وابن وهب وابن الماجشون الحكم الثاني في شهادة الصبيان واختلفوا فيها فعن النخعي تجوز شهادتهم بعضهم على بعض وعن علي بن أبي طالب وشريح والحسن والشعبي مثله وعن شريح أنه كان يجيز شهادة الصبيان في السن والموضحة ويأباه فيما سوى ذلك وفي رواية أنه أجاز شهادة غلمان في أمة وقضى فيها بأربعة آلاف وكان عروة يجيز شهادتهم وقال عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما هم أحرى إذا سئلوا عم رؤا أن يشهدوا وقال مكحول إذا بلغ خمس عشرة سنة فأجز شهادته وقال القاسم وسالم إذا أنبت وقال عطاء حتى يكبروا وقال ابن المنذر وقالت طائفة لا تجوز شهادتهم روي هذا عن ابن عباس والقاسم وسالم وعطاء والشعبي والحسن وابن أبي ليلى والثوري والكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وقالت طائفة تجوز شهادتهم بعضهم على بعض في الجراح والدم روي ذلك عن علي وابن الزبير وشريح والنخعي وعروة والزهري وربيعة ومالك إذا لم يتفرقوا
وقول الله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ( النور 95 )
وقول الله بالجر عطفا على بلوغ الصبيان أي وفي بيان قوله تعالى وتمامه كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم ( النور 95 ) وإنما ذكر هذا لأن فيه تعليق الحكم ببلوغ الحلم لأن الترجمة في بلوغ الصبيان والأطفال جمع طفل وهو الصبي ويقع على الذكر والأنثى والجماعة ويقال طفلة وأطفال قاله ابن الأثير وقال الجوهري الطفل المولود والجمع أطفال وقد يكون الطفل واحدا وجمعا مثل الجنب قال الله تعالى أو الطفل الذين لم يظهروا ( النور 13 ) وذكر في كتاب ( خلق الإنسان ) لثابت ما دام الولد في بطن أمه فهو جنين وإذا ولدته يسمى صبيا ما دام رضيعا فإذا فطم سمي غلاما إلى سبع سنين ثم يصير يافعا إلى عشر حجج ثم يصير حزورا إلى خمس عشرة سنة ثم يصير قمدا إلى خمس وعشرين سنة ثم يصير عنطنطا إلى ثلاثين سنة ثم يصير صملا إلى أربعين سنة ثم يصير كهلا إلى خمسين سنة ثم يصير شيخا إلى ثمانين سنة ثم يصير هرما بعد ذلك فانيا كبيرا انتهى قلت فعلى هذا لا يقال الصبي إلا للرضيع ما دام رضيعا وعلى قول ابن الأثير الصبي والطفل واحد قوله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم ( النور 95 ) أي الصبيان قال النسفي منكم أي من الأحرار دون المماليك قوله الحلم أي البلوغ ومنه الحالم وهو الذي يبلغ مبلغ الرجال وهو من حلم بفتح اللام والحلم بالكسر الأناءة وهو من حلم بضم اللام قوله فليستأذنوا أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم

(13/239)


قوله كما استأذن الذين من قبلهم ( النور 95 ) أي الأحرار الذين بلغوا الحلم من قبلهم وأكثر العلماء على أن هذه الآية محكمة وحكي عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما آية لا يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن وإني لآمر جارتي أن تستأذن علي وسأله عطاء رضي الله تعالى عنه أأستأذن على أختي قال نعم وإن كانت في حجرك تمونها وتلا هذه الآية
وقال مغيرة احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة
مغيرة بضم الميم وكسرها وبالألف واللام ودونها ابن مقسم الضبي الكوفي الفقيه الأعمى وكان من فقهاء إبراهيم النخعي عن يحيى ثقة مأمون وكان عثمانيا مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة وكان ممن أخذ عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان يفتي بقوله ويحتج به قوله وأنا ابن ثنتي عشرة سنةوجاء مثله عن عمرو بن العاص فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله ابن عمرو في السن سوى ثنتي عشرة سنة
وبلوغ النساء في الحيض لقوله عز و جل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إلى قوله أن يضعن حملهن ( الطلاق 4 )
هو بقية من الترجمة و بلوغ بالجر عطفا على قوله وشهادتهم أي باب في حكم بلوغ الصبيان وشهادتهم وفي حكم بلوغ النساء في الحيض ويجوز رفعه على أن يكون مبتدأ وخبره قوله في الحض ووجه الاستدلال بالآية أن فيها تعليق الحكم في العدة بالأقراء على حصول الحيض فدل على أن الحيض بلوغ في حق النساء وهذا مجمع عليه قوله واللائي ( الطلاق 4 ) أي النساء اللائي يئسن ( الطلاق 4 ) أي لا يرجون أن يحضن وبعده إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( الطلاق 4 ) قوله إن ارتبتم ( الطلاق 4 ) أي إن شككتم أن الدم الذي يظهر منها لكبرها من المحيض أو الاستحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ( الطلاق 4 ) يعني الصغار فعدتهن ثلاثة أشهر ( الطلاق 4 ) فحذف لدلالة المذكور عليه قوله وأولات الأحمال ( الطلاق 4 ) أي الحبالى أجلهن ( الطلاق 4 ) أي عدتهن أن يضعن حملهن ( الطلاق 4 ) من المطلقات والمتوفى عنها زوجها وإن ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة فإن ارتابت أحامل هي أم لا فإن استبان حملها فأجلها أن تضع حملها وإن لم يستبن فاختلف فيه فقال بعضهم يستأنى بها واقصى ذلك سنة وهذا مذهب مالك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ورووا ذلك عن عمر وغيره وأهل العراق يرون عدتها بثلاث حيض بعدما كانت حاضت في باقي عمرها وإن مكثت عشرين سنة إلى أن تبلغ من الكبر مبلغا تيأس من الحيض فتكون عدتها بعد الإياس ثلاثة أشهر وهذا هو الأصح من مذهب الشافعي وعليه أكثر العلماء وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه
وقال الحسن بن صالح أدركت جارة لنا جدة بنت إحدى وعشرين سنة
الحسن بن صالح ابن أخي مسلم بن حبان بن شفي بن هني بن رافع الهمداني الثوري أبو عبد الله الكوفي العابد ولد سنة مائة ومات سنة تسع وتسعين ومائة قوله جدة بالنصب على أنه بدل من جارة وقوله بنت منصوب على أنه صفة لجدة وتصوير ذلك بأن هذه حاضت وعمرها تسع سنين وولدت وعمرها عشر سنين وعرض لبنتها مثلها وأقل ما يمكن مثله في تسع عشرة سنة وقد روي عن الشافعي أيضا أنه رأى باليمن جدة بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت لاستكمال تسع ووضعت بنتا لاستكمال عشر ووقع لبنتها كذلك
4662 - حدثنا ( عبيد الله بن سيد ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثني ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) قال حدثني ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع

(13/240)


فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هاذا الحديث فقال إن هذا لحد بين الصغير والكبير وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة
( الحديث 4662 - طرفه في 7904 )
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضحها بأن بلوغ الصبي في خمس عشرة سنة باعتبار السن وذلك لأنه أجاز لابن عمر وسنه خمس عشرة فدل على أن البلوغ بالسن بخمس عشرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبيد الله بن سعيد كذا وقع في جميع الأصول عبيد الله بتصغير عبد وهو أبو قدامة السرخسي ووقع لبعض الحفاظ عبيد بن إسماعيل وبذلك جزم البيهقي في ( الخلافيات ) فأخرج الحديث من طريق محمد ابن الحسين الخثعمي عن عبيد بن إسماعيل ثم قال أخرجه البخاري عن عبيد بن إسماعيل قلت عبيد بن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من مشايخ البخاري ومن أفراده ويحتمل أن يكون البخاري روى الحديث المذكور عنهما جميعا فوقع هنا في كثير من النسخ عبيد الله بن سعيد ووقع في بعضها عبيد بن إسماعيل على أن عبيد بن إسماعيل أيضا روى عن أبي أسامة الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة وقد تكرر ذكره الثالث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
وفي السند االتحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع
والحديث أخرجه ابن ماجه في الحدود عن علي بن محمد
ذكر معناه قوله عرضه يوم أحدذكر ابن عمر هنا عرضه وبعد ذلك قال عرضني لأن الأصل عرضه وأما التكلم على سبيل الحكاية فهو نقل كلام ابن عمر بعينه فإن كان الكل كلام ابن عمر لا كلام الراوي يكون من باب التجريد فإن ابن عمر جرد من نفسه شخصا وعبر عنه بلفظ الغائب وجاز في أمثالها وجهان تقول أنا الذي ضربت زيدا وأنا الذي ضرب زيدا قوله فلم يجزني يعني في ديوان المقاتلين ولم يقدر لي رزقا مثل أرزاق الأجناد وفي ( صحيح ابن حبان ) فلم يجزني ولم يرني بلغت قوله يوم الخندق ووقع في ( جمع ) الحميدي بدل الخندق يوم الفتح وهو غلط نقله أبو الفضل بن ناصر السلامي عن تعليقة أبي مسعود وخلف قال وتبعهما شيخنا الحميدي وراجعنا الكتابين في هذا فلم نجد فيهما إلا الخندق وهو الصواب وفي رواية ذكرها ابن التين عرضت عام الخندق ولي أربع عشرة فأجازني قال وقيل إنما عرض يوم بدر فرده وأجازه بأحد وقال بعضهم ذكر الخندق وهم وإنما كانت غزوة ذات الرقاع لأن الخندق كانت سنة خمس وهو قال إنه كان في أحد ابن أربع عشرة فعلى هذا يكون غزوة ذات الرقاع هي المرادة لأنها كانت في سنة أربع بينها وبين أحد سنة وقد يجاب بأنه يحتمل أن ابن عمر في أحد دخل في أول سنة أربع من حين مولده وذلك في شوال منها ثم تكملت له سنة أربع عشرة في شوال من الآتية ثم دخل في الخامس عشرة إلى شوالها الذي كانت فيه الخندق فكأنه أراد أنه في أحد في أول الرابعة وفي الخندق في آخر الخامسة وقد روي عن موسى بن عقبة وغيره أن الخندق كانت سنة أربع فلا حاجة إذن لهذه الأمور قوله قال نافع موصول بالإسناد المذكور قوله إن هذا لحد أي إن هذا السن وهو خمس عشرة سنة نهاية الصغر وبداية البلوغ وفي رواية ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر عند الترمذي فقال هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة قوله وكتب إلى عماله بضم العين المهملة وتشديد الميم جمع عامل وهم النواب الذين استنابهم في البلاد وفي رواية مسلم زيادة قوله ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال قوله أن يفرضوا أي يقدروا لهم رزقا في ديوان الجند
ومما يستفاد منه أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويقتل إن كان حربيا وغير ذلك من الأحكام ومن ذلك أن الإمام يستعرض من يخرج معه للقتال قبل أن يقع الحرب فمن وجده أهلا استصحبه ومن لا فيرده وقال بعضهم وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال

(13/241)


على البلوغ بل للإمام أن يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة فرب مراهق أقوى من بالغ وحديث ابن عمر حجة عليهم انتهى قلت ليس بحجة عليهم أصلا لأن حكم المراهق كحكم البالغ حتى إذا قال قد بلغت يصدق
5662 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( صفوان بن سليم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه يبلغ به النبي قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله واجب على كل محتلم إذ لو لم يتصف المحتلم بالبلوغ لما وجب عليه شيء وهذا البلوغ بالإنزال فإن قلت الجزء الأخير من الترجمة الشهادة وليس فيه ولا فيما قبله ذكرها قلت أجيب بأنه ترجم بها ولكنه لم يظفر بشيء من ذلك على شرطه والحديث مضى في كتاب الجمعة في باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل وقد مضى الكلام فيه هناك
91 -
( باب سؤال الحاكم المدعي هل بينة قبل اليمين )
أي هذا باب في بيان سؤال الحاكم المدعي بكسر العين هل لك بينة تشهد بما تدعي قبل عرض اليمين على المدعى عليه
7662 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( أبو معاوية ) عن ( الأعمش ) عن ( شقيق ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرى مسلم لقي الله وهو عليه غضبان قال فقال الأشعث بن قيس في والله كان ذالك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال لي رسول الله ألك بينة قال قلت لا قال فقال لليهودي احلف قال قلت يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بمالي قال فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية
مطابقته للترجمة في قوله ألك بينة قال قلت لا ومحمد شيخ البخاري هو ابن سلام صرح به في ( الأطراف ) قال الجياني وكذا نسبه أبو محمد بن السكن والحديث رواه الإسماعيلي عن القاسم عن أبي كريب محمد بن العلاء عن أبي معاوية فيجوز أن يكون هو أبو معاوية محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين الضرير والأعمش هو سليمان وشقيق أبو وائل وعبد الله هو ابن مسعود والحديث قد مضى بعين هذا الإسناد والمتن في الخصومات في باب كلام الخصوم بعضهم ببعض وقد مضى الكلام فيه هناك
02 -
( باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود )
أي هذا باب في بيان أن اليمين على المدعى عليه دون المدعي قوله في الأموال والحدود يعني سواء كان اليمين الذي على المدعى عليه في الأموال أو الحدود وأراد به أن هذا الحكم عام وقال بعضهم يشير به إلى الرد على الكوفيين في تخصيصهم اليمين على المدعى عليه في الأموال دون الحدود
قلت هذه الترجمة مشتملة على حكمين
الأول أن اليمين على المدعى عليه وهو يستلزم شيئين أحدهما أن لا يجب يمين الاستظهار وفيه اختلاف العلماء وهو أن المدعي إذا أثبت ما يدعيه ببينه فللحاكم أن يستحلفه أن بينته شهدت بحق وإليه ذهب شريح وإبراهيم النخعي والأوزاعي والحسن بن حي وقد روى ابن أبي ليلى عن الحكم عن الحسن أن عليا رضي الله تعالى عنه استحلف عبد الله بن الحر مع بينته وذهب مالك والكوفيون والشافعي وأحمد إلى أنه لا يمين عليه وقال إسحاق إذا استراب الحاكم أوجب ذلك والحجة لهم حديث ابن مسعود الذي مضى في الباب السابق من حيث إنه لم يقل للأشعث تحلف مع البينة فلم

(13/242)


يوجب على المدعي غير البينة وأيضا قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ( النور 4 ) الآية فأبرأه الله تعالى من الجلد بإقامة أربعة شهداء من غير يمين والآخر أن لا يصح القضاء بشاهد واحد ويمين المدعي لأن الشارع جعل اليمين على المدعى عليه وفيه اختلاف أيضا نذكره عن قريب
والحكم الثاني أن اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود وفيه اختلاف أيضا فذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى القول بعموم ذلك في الأموال والحدود والنكاح ونحوه واستثنى مالك النكاح والطلاق والعتاق والفدية فقال لا يجب في شيء منها اليمين حتى يقيم المدعي البينة ولو شاهدا واحدا وقال الكوفيون يختص اليمين بالمدعى عليه في الأموال دون الحدود وفي ( التوضيح ) قام الإجماع على استحلاف المدعى عليه في الأموال واختلفوا في الحدود والطلاق والنكاح والعتق فذهب الشافعي إلى أن اليمين واجبة على كل مدعى عليه إذا لم يكن للمدعي بينة وسواء كانت الدعوى في دم أو جراح أو طلاق أو نكاح أو عتق أو غير ذلك واحتج بحديث الباب شاهداك أو يمينه قال ولم يخص مدعي مال دون مدعي دم أو غيره بل الواجب أن يحمل على العموم ألا يرى أنه جعل القسامة في دعوى الدم وقال للأنصار يبرئكم يهود بخمسين يمينا والدم أعظم حرمة من المال وقال الشافعي وأبو ثور إذا ادعت المرأة على زوجها خلعا أو طلاقا وجحد الزوج الطلاق فعليها البينة وإلا يستحلف الزوج وإن ادعى الخلع على مال فأنكرت فإن أقام البينة لزمها المال وإلا حلفت ولزم الزوج الفراق لأنه أقر به وإن ادعى العبد العتق ولا بينة له يستحلف السيد فإن حلف برىء وإن ادعى السيد أنه أعتقه على مال وأنكر العبد حلف ولزم السيد العتق وكان أبو يوسف ومحمد يريان بأن يستحلف على النكاح فإن أبى ألزم النكاح
قلت مذهب أبي حنيفة أن المدعى عليه لا يستحلف في النكاح بأن يدعي على امرأة نكاحا وهي تجحد أو ادعت هي كذلك وهو يجحد ولا في الرجعة بأن ادعى بعد انقضاء عدتها أنه كان راجعها في العدة وهي تجحد أو ادعت هي كذلك وهو يجحد ولا في فيء الإيلاء بأن ادعى بعد مضي مدة الإيلاء أنه فاء إليها في المدة وهي تجحد أو ادعت المرأة كذلك وهو يجحد ولا في الاستيلاد بأن ادعت الأمة على سيدها أنها ولدت منه وأنكر المولى ولا يتصور العكس من قبله عليها لأن الاستيلاد يثبت بإقراره ولا في الرق بأن ادعى على مجهول النسب أنه عبده أو ادعى مجهول النسب أنه معتقه ولا في النسب بأن ادعى الولد على الوالد أو الوالد على الولد وأنكر الآخر ولا في الولاء بأن ادعى على معروف النسب أنه معتقه أو ادعى معروف النسب أنه معتقه أو كان ذلك في الموالاة وقال أبو يوسف ومحمد يستحلف في الكل وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ولا يستحلف باتفاق أصحابنا في الحد بأن قال رجل لآخر لي عليك حد قذف وهو ينكر لا يستحلف لأنه يندرىء بالشبهات إلا إذا تضمن حقا بأن علق عتق عبده بالزنا وقال إن زنيت فأنت حر فادعى العبد أنه زنى ولا بينة له عليه يستحلف المولى حتى إذا نكل ثبت العتق دون الزنا وقال القاضي الإمام فخر الدين المعروف بقاضيخان الفتوى على أنه يستحلف المنكر في الأشياء الستة المذكورة وذكر ابن المنذر عن الشعبي والثوري وأصحاب الرأي أنه لا يستحلف على شيء من الحدود ولا على القذف وقالوا يستحلف يستحلف على السرقة فإن نكل لزمه المال وعند مالك لا يمين في النكاح والطلاق والعتق والفرقة إلا أن يقيم المدعى شاهدا واحد فإذا أقالمه استحلف المدعى عليه وقال ابن حبيب إذا أقامت المرأة أو العبد شاهدا واحدا على أن الزوج طلقها أو أن السيد أعتقه فاليمين تكون على السيد والزوج فإن حلفا سقط عنهما الطلاق والعتق وهذا قول مالك وابن الماجشون وابن كنانة وقال في المدونة فإن نكل قضى بالطلاق والعتق ثم رجع مالك فقال لا يقضي بالطلاق ويسجن فإن طال سجنه دين وترك وبه قال ابن القاسم وطول السجن عنده سنة
وقال النبي شاهداك أو يمينه
وصل البخاري هذا التعليق في آخر الباب من حديث الأشعث بن قيس وهذا صريح أن الذي على المدعى البينة والذي على المدعى عليه اليمين فيقتضي منع يمين المدعي عند الرد عليه ويمين الاستظهار أيضا كما ذكرنا وارتفاع شاهداك على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره المثبت لدعواك أو الحجة لك شاهداك ويجوز أن يكون مرفوعا على الابتداء وخبره محذوف تقديره شاهداك هو المطلوب في دعواك أو شاهداك هما المثبتان لدعواك ونحو ذلك

(13/243)


وقال قتيبة حدثنا سفيان عن ابن شبرمة كلمني أبو الزناد في شهادة الشاهد ويمين المدعي فقلت قال الله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما الأخراى ( البقرة 282 ) قلت إذا كان يكتفى بشهادة شاهد ويمين المدعي فما يحتاج أن تذكر إحداهما الأخراى ما كان يصنع بذكر هاذه الأخراى
كذا هكذا في كثير من النسخ قال قتيبة معلقا وفي بعضها حدثنا قتيبة وكذا نقل عن الشيخ قطب الدين الحلبي الشارح وقال صاحب ( التلويح ) وكان الأول أظهر لأن البخاري لم يحتج في ( صحيحه ) بابن شبرمة وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة والراء المضمومة ابن الطفيل بن حسان الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي فقيه أهل الكوفة عداده في التابعين وكان عفيفا صارما عاقلا فقيها يشبه النساك ثقة في الحديث شاعرا حسن الخلق استشهد به البخاري في ( الصحيح ) وروى له في الأدب وروى له مسلم وأبو داود وابن ماجه مات سنة أربع وأربعين ومائة وروى عن أبي حنيفة حديثا واحدا وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون واسمه عبد الله بن ذكوان القرشي المدني قاضي المدينة قال العجلي مدني تابعي ثقة سمع من أنس بن مالك مات سنة ثلاثين ومائة قوله إذا كان شرط وقوله فما يحتاج جزاء وكلمة ما نافية بخلاف قوله ما كان فإنها استفهامية والفعلان أعني يحتاج ويصنع بلفظ المجهول أي إذا جاز الكفاية على شاهد ويمين فلا يحتاج إلى تذكير إحداهما الأخرى إذ اليمين تقوم مقامها فما فائدة ذكر التذكير في القرآن وقال الكرماني فائدته تتميم شاهد إذ المرأة الواحدة لا اعتبار لها لأن المرأتين كرجل واحد انتهى قلت هذا كلام عجيب كأنه مخترع من عنده فكيف يكون حاصله أن مذهب أبي الزناد القضاء بشاهد ويمين المدعي كأهل بلده ومذهب ابن شبرمة خلافه كأهل بلده فاحتج عليه أبو الزناد بالخبر الوارد في ذلك واحتج عليه ابن شبرمة بما ذكره من الآية الكريمة وقال بعضهم وإنما يتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخا والسنة لا تنسخ القران أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين ومع قطع النظر عن ذلك لا ينهض حجة ابن شبرمة لأنه يصير معارضة للنص بالرأي انتهى قلت مذهب ابن شبرمة هو مذهب ابن أبي ليلى وعطاء والنخعي والشعبي والأوزاعي والكوفيين والأندلسيين من أصحاب مالك وهم يقولون نص الكتاب العزيز في باب الشهادة رجلان فإذا لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان والحكم بشاهد ويمين مخالف للنص فلا يجوز والأخبار التي وردت بشاهد ويمين أخبار أحاد فلا يعمل بها عند مخالفتها النص لأنه يكون نسخا ونسخ الكتاب بخبر الواحد لا يجوز وقال بعضهم النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا وأيضا الناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النص قلت النسخ رفع الحكم قسم من أقسام النسخ لأنه على أربعة أقسام نسخ الحكم والتلاوة جميعا ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم والرابع نسخ وصف الحكم وهو أيضا مثل الزيادة على النص وهو نسخ عندنا وعند الشافعي هو بمنزلة تخصيص العام حتى جوز ذلك بالقياس وبخبر الواحد وقول هذا القائل النسخ رفع الحكم ليس على إطلاقه لأن النسخ من قبيل بيان التبديل لأن البيان عندنا خمسة أقسام بيان تقرير وبيان تفسير وبيان تغيير وبيان ضرورة وبيان تبديل والنسخ منه ومعناه أن يزول شيء ويخلفه غيره ولا شك أن الحكم بشاهد ويمين رفع حكم الشاهدين أو الشاهد والمرأة وكيف يقول هنا ولا رفع هنا وقوله وأيضا الناسخ والمنسوخ إلى آخره ليس على إطلاقه لأنا نسلم أنه لا بد من توارد الناسخ والمنسوخ في محل واحد ولكن لا نسلم قوله وهذا غير متحقق في الزيادة على النص لأن قائل هذا أي من كان لم يفرق بين نسخ الوصف وبين نسخ الذات والنسخ هنا من قبيل نسخ الوصف لا من قبيل نسخ الذات ونحن نقول إن نسخ الوصف مثل نسخ الذات في الحكم فلهذا منعنا الحكم بشاهد ويمين وقال هذا القائل أيضا وتخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه قلنا لا نسلم أن الزيادة على النص كالتخصيص مطلقا وإنما يكون كالتخصيص إذا كانت

(13/244)


الزيادة حكما مستقلا بنفسها فحينئذ يكون كالتخصيص لأنها لا تغير والتخصيص بيان عدم إرادة بعض ما يتناوله اللفظ فيبقى الباقي بذلك النظم بعينه فإن العام إذا خص منه بعض الأفراد بقي الحكم فيما وراءه بلفظ العام بعينه كلفظ المشركين إذا خص منه أهل الذمة بقي الحكم في غيرهم ثابتا بلفظ المشركين فلم يكن التخصيص نسخا لأن النسخ بيان انتهاء مدة الحكم الثابت وبالتخصيص تبين أن المخصوص لم يكن مرادا بالعام فلا يكون رفعا بعد الثبوت بل منعا عن الدخول في حكم العام ولهذا قلنا إن التخصيص لا يكون إلا مقارنا لأنه بيان محض وشرط النسخ أن يكون متأخرا فيكون تبديلا لا بيانا محضا ثم نظر هذا القائل في كون الزيادة على النص كالتخصيص بقوله كما في قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم ( النساء 42 ) وأجمعوا على تحريم العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية قلنا الجواب عن هذين الحكمين أنهما حكمان مستقلان بأنفسهما ولم يغيرا لحكم فيهما حتى يكون نسخا وقد قلنا إن مثل هذا كالتخصيص ثم قال هذا القائل وقد أخذ من رد أن الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القيء والمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قود إلا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقل الوالد بالوالد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب قلنا هذا كله لا يرد علينا والجواب عن هذا كله ما قلنا إن الزائد على النص إذا كان حكما مستقلا بنفسه لا يضر ذلك فلا يسمى نسخا لأنه لا يغير ولا يبدل والذي فيه التغيير بحسب الظاهر لا من حيث الوصف ولا من حيث الذات يكون كالتخصيص
وقوله وأجابوا بأنها أحاديث كثيرة شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها لا نقول به لأنا لا نلتزم شهرة تلك الأحاديث فالأصل الذي نحن عليه فيه الكفاية وقوله فيقال لهم وحديث القضاء بالشاهد واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة بل ثبت من طرق صحيحية متعددة فنقول إن كان مرادهم بهذه الشهرة الشهرة عندهم فلا يلزمنا ذلك وإن كان المراد الشهرة عند الكل فلا نسلم ذلك لأن شهرتها عند الكل ممنوعة فمن ادعى ذلك فعليه البيان ولئن سلمنا شهرتها فالزيادة بها على القرآن لا تخرج عن كونها نسخا والذي قال هؤلاء وظيفة التواتر فلا تواتر أصلا
قوله فمنها ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله قضى بيمين وشاهد وقال في التمييز إنه حديث صحيح لا يرتاب في صحته وقال ابن عبد البر لا مطعن لأحد في صحته ولا في إسناده
والجواب عنه من وجهين أحدهما بطريق المنع وهو أن مسلما روى هذا الحديث من حديث سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس إلى آخره وذكر الترمذي في ( العلل الكبير ) سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال عمرو بن دينار لم يسمع عندي هذا الحديث من ابن عباس وقال الطحاوي قيس لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء فقد رمي الحديث بالانقطاع في موضعين من البخاري بين عمرو وابن عباس ومن الطحاوي بين قيس وعمرو رد البيهقي في ( الخلافيات ) على الطحاوي وأشار إلى أن قيسا سمع من عمرو واستدل على ذلك برواية وهب بن جرير عن أبيه قال سمعت قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر المحرم الذي وقصته ناقته ثم قال البيهقي ولا يبعد أن يكون له عن عمرو غير هذا
قلت لم يصرح أحد من أهل هذا الشأن فيما علمنا أن قيسا سمع من عمرو لا يلزم من قول جرير سمعت قيسا يحدث عن عمرو أن يكون قيس سمع ذلك من عمرو وذكر الذهبي سيفا في كتابه في ( الضعفاء ) وقال رمي بالقدر وقال في ( الميزان ) ذكره ابن عدي في ( الكامل ) وساق له هذا الحديث وسأل عباس يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال ليس بمحفوظ وضعف أحمد بن حنبل محمد بن مسلم ثم ذكر البيهقي هذا الحديث من وجه آخر من حديث معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس قلت رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن ربيعة ابن عثمان وإبراهيم هو الأسلمي مكشوف الحال مرمي بالكذب وغيره من المصائب وربيعة هذا قال أبو زرعة ليس بذلك وقال أبو حاتم منكر الحديث
والجواب الآخر بطريق التسليم وهو أنه من أخبار الآحاد فلا يجوز الزيادة به على النص
قوله ومنها حديث أبي هريرة أن النبي قضى باليمين مع الشاهد قلت هذا أخرجه أبو داود وقال حدثنا أحمد

(13/245)


ابن أبي بكر أبو مصعب الزهري حدثنا الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه الترمذي أيضا وقالا حديث حسن غريب قلنا هذا حديث معلول لأن عبد العزيز الدراوردي قد سأل سهيلا عنه فلم يعرفه وهذا قدح فيه لأن الخصم يضعف الحديث بما هو أدنى من ذلك فإن قلت يجوز أن يكون رواه ثم نسيه قلت يجوز أن يكون وهم في أول الأمر وروى ما لم يكن سمعه وقد علمنا أن آخر أمره كان جحوده وفقد العلم به فهو أولى وقال صاحب ( الجوهر النقي ) فيه مع نسيان سهيل أنه قد اختلف عليه فرواه زهير بن محمد عنه عن أبيه عن زيد بن ثابت كما ذكره البيهقي
قوله ومنها حديث جابر مثل حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة قلت أخرجه الترمذي وابن ماجة عن عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي قضى باليمين مع الشاهد وأخرجه الترمذي أيضا عن اسماعيل بن جعفر دحدثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي قضى باليمين مع الشاهد الواحد انتهى الأول مرفوع والثاني مرسل وعبد الوهاب اختلط في آخر عمره كذا ذكره ابن معين وغيره وقال محمد بن سعد كان ثقة وفيه ضعف وقال ابن المهدي أربعة كانوا يحدثون من كتب الناس ولا يحفظون ذلك الحفظ فذكر منهم عبد الوهاب وقد خالفه في هذا الحديث من هو أكبر منه وأوثق كمالك وغيره فأرسلوه وقال صاحب ( التمهيد ) إرساله أشهر وقال الترمذي إن المرسل أصح وكذا روى الثوري عن جعفر عن أبيه مرسلا ولهذا ذكر في كتاب المعرفة أن الشافعي لم يحتج بهذا الحديث في هذه المسألة لذهاب بعض الحفاظ إلى كونه غلطا وقال هذا القائل وفي الباب عن نحو من عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف وبدون ذلك تثبت الشهرة ودعوى نسخه مرودودة قلت الجواب ثبوت الشهرة بذلك وقد ذكرناه عن قريب وأما قوله ودعوى نسخه مردودة فمردود لأن قوله اليمين على المدعى عليه وقوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر يرد ما قاله وكذا قوله شاهداك أو يمينه مع ظاهر القرآن لأنه أوجب عند عدم الرجلين قبول رجل وامرأتين وإذا وجد شاهد واحد فالرجلان معدومان ففي قبوله مع اليمين نفي ما اقتضته الآية ويؤيد قول من يدعي النسخ إن الأشعث إنما وفد سنة عشرة وقد قال رسول الله شاهداك أو يمينه وأيضا فإنه تعالى قال ممن ترضون من الشهداء ( البقرة 282 ) وليس المدعي بشاهد واحد ممن يرضى باستحقاق ما يدعيه بقوله ويمينه وزعموا أن يمين المدعي قائمة مقام المرأتين فعلى هذا لو كان المدعي ذميا فأقام شاهدا وجب أن لا يقبل منه كما لو كانت المرإتان ذميتين
وأما الذي روي عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمنهم ابن عباس وأبو هريرة وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وعلي بن أبي طالب وسرق وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو وعمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة وزبيب بن ثعلبة وعمارة بن حزم وعبد الله بن عمر ورجل له صحبة والزبير بن العوام وقد ذكرنا أحاديث ابن عباس وأبي هريرة وجابر رضي الله تعالى عنهم أما حديث زيد ابن ثابت فأخرجه ابن عدي والبيهقي في ( سننه ) من رواية زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت أورده ابن عدي في ترجمة زهير بن محمد قال لم يقل عن سهيل عن أبيه عن زيد غيره وقال أبو عمر في ( التمهيد ) هذا خطأ والصواب عن أبيه عن أبي هريرة وقال ابن حبان زيد بن ثابت وهم من زهير بن محمد وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه ابن عدي أيضا في ترجمة الحارث بن منصور الواسطي عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه قال وهذا لا أعلم رواه عن الثوري غير الحارث وقال الترمذي وهكذا روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي مرسلا وأما حديث سرق فأخرجه ابن ماجه من رواية عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سرق أن رسول الله أجاز شهادة الرجل ويمين الطالب وهذا فيه مجهول وأما حديث سعد بن عبادة فقال الترمذي بعد أن روى حديث أبي هريرة من رواية ربيعة ابن أبي عبد الرحمن قال قال ربيعة وأخبرني ابن سعد بن عبادة قال وجدنا في كتاب سعد أن النبي قضى باليمين مع الشاهذ هكذا رواه غير مسمى وأما حديث عبد الله بن عمرو فرواه ابن عبد البر في ( التمهيد ) وابن عدي أيضا من رواية

(13/246)


محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمر الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ابن عدي ومحمد هذا غير ثقة وأما حديث عمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة فأخرجهما البيهقي في ( سننه ) من رواية سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة أنه وجد كتابا في كتب آبائه هذا ما وقع أو ذكر عمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة قالا بينا نحن عند رسول الله دخل رجلان يختصمان مع أحدهما شاهد له على حقه فجعل رسول الله يمين صاحب الحق مع شاهده فاقتطع بذلك حقه وأما حديث زبيب بضم الزاي وفتح الباء الموحدة ابن ثعلبة العنبري فأخرجه أبو داود من رواية شعيب بن عبد الله بن زبيب العنبري حدثني أبي قال سمعت جدي الزبيب الحديث مطولا فلينظر فيه وأورده ابن عدي في ترجمة شعيب بن عبد الله وقال أرجو أنه يصدق فيه وأما حديث عمارة بن حزم فأخرجه أحمد في ( مسنده ) قال حدثنا يعقوب حدثنا عبد العزيز بن المطلب عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن جده أنه قال كتاب وجدته في كتب سعيد بن سعد بن عبادة أن عمارة بن حزم شهد أن رسول الله قضى باليمين والشاهد وقد اختلف فيه على عبد العزيز بن المطلب وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه ابن عدي من رواية أبي حذافة السهمي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وقال هذا عن مالك بهذا الإسناد باطل وقال أبو عمر حديث أبي حذافة منكر وأما حديث رجل له صحبة فأخرجه البيهقي في ( سننه ) من حديث الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس وآخر له صحبة أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد وقد ذكرنا عن قريب أن إبراهيم بن محمد يرمى بالكذب وربيعة منكر الحديث قاله أبو حاتم وأما حديث عبد الله بن الزبير فذكره الحافظ أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو في كتاب ( الشهود ) أنبأنا أحمد بن محمد بن موسى حدثنا الحسين بن أحمد بن بسطام حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا عباد عن شعيب بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده الزبير بن العوام أن النبي قضى بيمين مع الشاهد
فإن قلت هذه الأحاديث دلت على جواز الحكم باليمين والشاهد وروى النسائي أيضا من حديث أبي الزناد عن ابن أبي صفية الكوفي أنه حضر شريحا في مسجد الكوفة قضى باليمين مع الشاهد وعن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز وشريحا قضيا باليمين مع الشاهد قال أبو الزناد كتب عمر إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن عامله على المدينة أن يقضي به وفي ( المحلى ) روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال قضى باليمين والشاهد الواحد قال وروي عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي الزناد وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري وإياس بن معاوية ويحيى ابن معمر والفقهاء السبعة وغيرهم وقال أبو عمر وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر والقضاء باليمين وإن كان في الأسانيد عنها ضعف قلت أما الأحاديث فقد وقفت على حالها وأما هؤلاء المذكورون فإن كان روى عنهم بأسانيد ضعيفة فقد روى عن غيرهم بأسانيد صحاح أنه لا يجوز منها ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال هي بدعة وأول من قضى بها معاوية وهذا السند على شرط مسلم وقال عطاء بن أبي رباح أول من قضى به عبد الملك بن مروان وقال محمد بن الحسن إن حكم به قاض نقض حكمه وهو بدعة وقد ذكرنا عن جماعة فيما مضى عدم الجواز به
8662 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( نافع بن عمر ) عن ( ابن أبي مليكة ) قال كتب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي قضاى باليمين على المدعاى عليه
( انظر الحديث 4152 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الترجمة باب اليمين على المدعى عليه والحديث فيه أنه قضى باليمين على المدعى عليه وأبو نعيم الفضل بن دكين ونافع بن عمر بن عبد الله بن جميل الجمحي القرشي من أهل مكة مات بمكة سنة تسع وستين ومائة وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم وقد تكرر ذكره والحديث أخرجه البخاري في الرهن عن خلاد بن يحيى عن نافع بن عمر إلى آخره وقد مضى الكلام فيه هناك وفيه حجة للحنفية أن اليمين وظيفة المدعى عليه وأنها لا ترد على المدعي ولا يمين الاستظهار ولا يمين بشاهد واحد
وقد أخرج البيهقي هذا الحديث من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن جريج وعثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة قال كنت قاضيا لابن الزبير على الطائف فكتبت إلى ابن عباس فكتب إلي أن رسول

(13/247)


الله قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه الزيادة ليست في ( الصحيحين ) وإسنادها حسن وقد بين الحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بقوله لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم
وقيل الحكمة في كون البينة على المدعي لأن جانبه ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فيتقوى بها وجانب المدعى عليه قوي لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى منه باليمين لأنها حجة ضعيفة فإن قلت قال الأصيلي حديث ابن عباس هذا لا يصح مرفوعا إنما هو قول ابن عباس كذا رواه أيوب ونافع الجمحي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قلت رواه الشيخان من رواية ابن جريج مرفوعا وهذا يكفي لصحة الرفع ومع هذا فإن كان مراد الأصيلي جميع الحديث الذي رواه البيهقي فلا يصح لأن المقدار الذي أخرجه الشيخان متفق على صحته وإن كان مراده هذه الزيادة وهي قوله لو يعطى الناس إلى آخره فغريب فافهم
( باب )
قد مر غير مرة أن الباب إذا كان مذكورا مجردا يكون كالفصل في الباب الذي قبله وقد ذكرنا أيضا أن لفظ الكتاب يجمع على الأبواب والأبواب تجمع الفصول وباب هنا غير معرب لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب أللهم إلا إذا قلنا التقدير هذا باب فحينئذ يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف وليس هذا بمذكور في كثير من النسخ
0762 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( أبي وائل ) قال قال عبد الله من حلف على يمين يستحق بها مالا لقي الله وهو عليه غضبان ثم أنزل الله عز و جل تصديق ذالك إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم إلى عذاب أليم ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمان فحدثناه بما قال فقال صدق لفي أنزلت كان بيني وبين رجل خصومة في شيء فاختصمنا إلى رسول الله فقال شاهداك أو يمينه فقلت له إنه إذا يحلف ولا يبالي فقال النبي من حلف على يمين يستحق بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذالك ثم اقترأ هذه الآية
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله شاهداك لأنه خاطب بذلك الأشعث وكان هو المدعي فجعل البينة عليه وهذا الحديث مضى في الرهن في باب إذا اختلف الراهن والمرتهن بعين هذا الإسناد والمتن غير أن هناك أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن جرير إلى آخره وههنا عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك وقال بعضهم واستدل بهذا الحصر على رد القضاء باليمين والشاهد وأجيب بأن المراد بقوله شاهداك على رجل ويمين الطالب
أي بينتك سواء كانت رجلين أو رجلا وامرأتين أو رجلا ويمين الطالب انتهى قلت هذا تأويل غير صحيح فسبحان الله كيف يدل قوله شاهداك شاهداك بالبينة والبينة قد عرفت بالنص أنها رجلان أو رجل وامرأتان ليس إلا وتخصيص لفظ الشاهدين لكونهما أكثر وأغلب فافهم والله أعلم
12 -
( باب إذا إدعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا ادعى رجل بشيء على آخر قوله أو قذفأي أو قذف رجل رجلا أو قذف امرأته بأن رماها بالزنا قوله فله أي فلهذا المدعي أو لهذا القاذف والضمير هنا مثل الضمير في قوله اعدلوا هو أقرب للتقوى ( المائدة 8 ) فإن هو يرجع

(13/248)


إلى العدل الذي يدل عليه إعدلوا وكذلك قوله أدعى يدل على المدعي وقوله أو قذف يدل على القاذف قوله وينطلق بالنصب عطفا على قوله أن يلتمس وفيه إشارة إلى أن له حق المهلة في التماس البينة وقال الكرماني يحتمل أن يكون من باب اللف والنشر وخصص هذا بالقسم الثاني أي القذف موافقة للفظ الحديث قلت هو قوله فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ثم قال الكرماني فإن قلت ليس في الحديث إلا هذا فمن أين علم حكم الادعاء قلت بالقياس عليه
35 - ( حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي عن هشام قال حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي بشريك بن سمحاء فقال النبي البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل يقول البينة وإلا حد في ظهرك فذكر حديث اللعان )
مطابقته للترجمة في قوله ينطلق يلتمس البينة فإن قلت الحديث ورد في الزوجين والترجمة أعم من ذلك والانطلاق لالتماس البينة لتمكين القاذف من إقامة البينة حتى يندفع الحد عنه وليس الأجنبي كذلك ( قلت ) كان ذلك قبل نزول آية اللعان حيث كان الزوج والأجنبي سواء ثم كما ثبت للقاذف ذلك ثبت لكل مدع بطريق الأولى ومحمد بن بشار بتشديد الشين المعجمة قد تكرر ذكره وابن أبي عدي بفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم وهشام هو ابن حسان القردوسي البصري والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير وفي الطلاق وأبو داود في الطلاق والترمذي في التفسير والطلاق كلهم عن بندار وهو محمد بن بشار المذكور
( ذكر معناه ) قوله هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسمه مالك بن امرىء القيس بن مالك بن الأوسي الأنصاري الواقفي شهد بدرا وأحدا وكان قديم الإسلام وأمه أنيسة بنت هدم أخت كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه النبي لما قدم المدينة مهاجرا وهو الذي لاعن امرأته على ما نذكره وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقال الطبري والمهلب بن أبي صفرة يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية وإنما القاذف عويمر العجلاني وكانت هذه القضية في شعبان سنة تسع منصرف سيدنا رسول الله من تبوك وقال المهلب وأظنه غلط من هشام بن حسان ومما يدل على أنها قضية واحدة توقف سيدنا رسول الله حتى أنزل الله عز و جل الآية ولو أنهما قضيتان لم يتوقف عن الحكم فيهما والحكم في الثانية بما أنزل الله تعالى قلت لم ينفرد به هشام بل تابعه عباد بن منصور ذكره الترمذي وقال ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس متصلا ورواه أيوب عن عكرمة مرسلا ولم يذكر ابن عباس وروى الطبري في تفسيره قال حدثنا أبو أحمد الحسين بن محمد حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال قذف هلال امرأته قيل له ليجلدنك رسول الله ثمانين جلدة فنزلت له الآية الحديث مطولا ولما رواه الحاكم كذلك من حديث الحسن بن محمد المروزي عن جرير به قال صحيح على شرط البخاري ورواه ابن مردويه في تفسيره عن عباد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس وقال الخطيب حديث هلال وعويمر صحيحان فلعلهما اتفقا معا في مقام واحد أو مقامين ونزلت الآية الكريمة في تلك الحال لا سيما وفي حديث عويمر كره رسول الله السائل يدل على أنه سبق بالمسألة مع ما روينا عن جابر أنه قال ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال وقال الماوردي الأكثرون على أن قضية هلال أسبق من قضية عويمر والنقل فيهما مشتبه مختلف وقال ابن الصباغ في الشامل قصة هلال تبين الآية نزلت فيه أولا وقول النبي لعويمر إن الله أنزل فيك وفي صاحبتك معناه ما نزل في قضية هلال لأن ذلك حكم عام لجميع المسلمين

(13/249)


قال النووي ولعلها نزلت فيهما جميعا لاحتمال سؤالهما في وقتين متقاربين فنزلت وسبق هلال باللعان قوله قذف القذف في اللغة الرمي بقوة ولكن المراد هنا رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه يقال قذف يقذف قذفا فهو قاذف قوله امرأته زعم مقاتل في تفسيره أن المرأة اسمها خولة بنت قيس الأنصارية قوله بشريك بن سمحاء سمحاء أمه وأبو عبدة بفتح العين المهملة وفتح الباء الموحدة ابن معتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق وفي آخره باء موحدة كذا ضبطه الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى وقال الدارقطني مغيث بالغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة ابن الجد بفتح الجيم وتشديد الدال ابن عجلان بن حارثة بن ضبيعة البلوي وهو ابن عم معن وعاصم بن عدي بن الجد وهو حليف الأنصار وهو صاحب اللعان قيل أنه شهد مع أبيه أحدا وهو أخو البراء بن مالك لأمه وهو الذي قذفه هلال بن أمية بامرأته وعن أنس أنه أول من لاعن في الإسلام وإنما سميت أمه سمحاء لسوادها قيل اسمها لبينة وقيل مانية بنت عبد الله قوله البينة بالنصب أي أحضر البينة أو أقمها ويجوز الرفع على معنى الواجب عليك البينة قوله أو حد أي الواجب عند عدم البينة حد في ظهرك ويروي البينة وإلا حد أي وإن لم تحضر البينة أو إن لم تقمها فجزاؤك حد في ظهرك والجزء الأول من الجملة الجزائية والفاء محذوفان وكلمة في بمعنى على أي على ظهرك كما في قوله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها قوله يلتمس البينة جملة حالية من الالتماس وهو الطلب قوله فجعل يقول أي فجعل الرسول يقول المعنى أنه يكرر قوله البينة أو حد في ظهرك قوله فذكر حديث اللعان أي فذكر ابن عباس حديث اللعان وهو الذي ذكره البخاري في التفسير في سورة النور والذي ذكره هنا قطعة منه وذكره بالسند المذكور عن محمد بن بشار المذكور من قوله أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد فنزل جبريل عليه الصلاة و السلام وأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم فقرأ حتى بلغ ان كان من الصادقين فانصرف النبي فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سمحاء فجاءت به كذلك فقال النبي لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن وأبو داود له طريقان في حديث ابن عباس هذا أحدهما عن محمد بن بشار إلى آخره نحو رواية البخاري شيخا وسندا ومتنا والآخر عن الحسن بن علي قال حدثنا يزيد بن هرون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فرأيت عندهم رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله ما جاء به واشتد عليه فنزلت والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا نفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات الآيتين كلتيهما فسرى عن رسول الله فقال أبشر يا هلال قد جعل الله لك فرجا ومخرجا قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربي فقال رسول الله أرسلوا إليها فجاءت فتلا عليها رسول الله وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال والله لقد صدقت عليها فقالت كذب فقال رسول الله لاعنوا بينهما فقيل لهلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فلما كان الخامسة قيل له يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل لها اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فلما كان الخامسة قيل لها اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وأن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا بيت عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان

(13/250)


من غير طلاق ولا متوفي عنها وقال إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابق الأليتين فقال رسول الله لولا الأيمان لكان لي ولها شأن قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب ولنذكر تفسير ما وقع في الأحاديث المذكورة من الألفاظ الغريبة قوله الموجبة أي توجب العذاب قوله فتلكأت أي تبطأت عن إتمام اللعان قوله ونكصت أي رجعت إلى ورائها وهو القهقرى يقال نكص ينكص من باب نصر ينصر قوله لا أفضح بضم الهمزة من الإفضاح قوله سابغ الأليتين أي تامهما وعظيمهما من سبوغ الثوب والنعمة قوله خدلج الساقين أي عظيمهما قوله لولا ما مضى من كتاب الله وهو قوله تعالى ويدرؤ عنها العذاب قوله فلم يهجه أي لم يزعجه ولم ينفره من هاج الشيء يهيج هيجا واهتاج أي ثار وهاجه غيره قوله أصيهب تصغير أصهب وكذا في رواية أصهب بالتكبير وهو الذي تعلو لونه صهبة وهي كالشقرة وقال الخطابي والمعروف أن الصهبة مختصة بالشعر وهي حمرة يعلوها سواد قوله أريصح تصغير الأرصح وهو الناتىء الأليتين ومادته راء وصاد وحاء مهملتان ويجوز بالسين قاله الهروي والمعروف في اللغة أن الأرسخ والأرصح هو الخفيف لحم الأليتين قوله أثيبج تصغير الأثبج وهو الناتىء الثبج أي ما بين الكتفين والكاهل ومادته الثاء المثلثة والباء الموحدة والجيم قوله حمش الساقين أي دقيقهما يقال رجل حمش الساقين وأحمش الساقين ومادته حاء مهملة وميم وشين معجمة قوله أورق أي أسمر والورقة السمرة يقال جمل أورق وناقة ورقاء قوله جعد الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما فالمدح معناه أن يكون شديد الأسر والخلق أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم وأما الذم فهو القصير المتردد الخلق قوله جماليا بضم الجيم وتشديد الياء الضخم الأعضاء التام الأوصال
( ذكر ما يستفاد منه ) أجمع العلماء على صحة اللعان واللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعان قائمة مقام القذف في حقه ولهذا يشترط كونها ممن يحد قاذفها ولا يقبل شهادته بعد اللعان أبدا وقائمة مقام حد الزنا في حقها ولهذا لو قذفها مرارا يكفي لعان واحد كالحد وعند الشافعي ومالك وأحمد هي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة فيشترط أهلية اليمين عندهم فيجري بين المسلم وامرأته الكافرة وبين الكافر وامرأته الكافرة وبين العبد وامرأته وعندنا يشترط أهلية الشهادة فلا يجري إلا بين المسلمين الحرين العاقلين البالغين غير محدودين في قذف لقوله تعالى فشهادة أحدهم ويجري عندنا بين الفاسق وامرأته وبين الأعمى وامرأته لأن هذه الشهادة مشروعة في مواضع التهمة وإن كان لا يقبل شهادة الفاسق والأعمى في سائر المواضع والشرط أيضا كون المرأة ممن يحد قاذفها فلا بد من إحصانها والشرط أيضا أن يكون القذف بالزنا بأن يقول أنت زانية أو زنيت ولو قذفها بغير الزنا لا يجب اللعان وقال القرطبي الأكثر على أنهما بفراغهما من اللعان يقع التحريم المؤبد ولا تحل له أبدا وإن أكذب نفسه متمسكين بقوله لا سبيل لك عليها وربما جاء في حديث ابن شهاب لمضت سنة المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا التعنا بانت بتفريق الحاكم حتى لو مات أحدهما قبل حكم الحاكم ورثه الآخر وقال زفر لا تقع الفرقة إلا إذا تلاعنا جميعا فإذا تلاعنا وقعت بغير قضاء وبه قال مالك وأحمد في رواية وقال أبو حنيفة ومحمد وعبيد الله بن الحسن التفريق تطليقة بائنة حتى إذا أكذب نفسه جاز نكاحها وعند أبي يوسف تحريم مؤبد وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر وقال عثمان البتي لا تأثير للعان في الفرقة وإنما يسقط النسب والحد وهما على الزوجية كما كانا حتى يطلقها وحكاه الطبري أيضا عن جابر بن زيد قال أبو بكر الرازي قال مالك والحسن بن صالح والشافعي والليث أي منهما نكل حد إن كان الزوج فللقذف ولها فللزنا وعن الشعبي والضحاك ومكحول إذا أبت رجمت وأيهما نكل حبس حتى يلاعن وذكر ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه واستدل الشافعي بقوله قذف امرأته بشريك بن سمحاء على أنه لا حد على الرامي زوجته إذا سمى الذي رماها به ثم التعن وعند مالك يحد ولا يكتفى بلعانه واعتذر بعض أصحابه عن حديث شريك بأن شريكا لم يطلب حقه وزعم أبو بكر الرازي أنه كان حد القاذف

(13/251)


الجلد بدلالة قوله البينة وإلا حد في ظهرك وأنه نسخ الجلد إلى اللعان وفيه في قوله لولا ما مضى من كتاب الله أن الحكم إذا وقع بشرطه لا ينقض وإن بين خلافه إذا لم يقع خلل أو تفريط في شيء وفيه في قوله البينة وإلا حد في ظهرك مراجعة الخصم الإمام إذا رجا أن يظهر له خلاف ما قال له لأن قوله هذا كالفتيا وفيه أن الحدود والحقوق يستوي فيه الصالح وغيره قاله الداودي ( فإن قلت ) لم سمي هذا الحكم لعانا ولم اختير لفظ اللعن على لفظ الغضب وما الحكمة في مشروعيته ( قلت ) أما التسمية باللعان فلقول الزوج علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين واللعان والتلاعن والملاعنة واحد يقال تلاعنا والتعنا ولاعن القاضي بينهما وقيل سمي لعانا لأنه من اللعن وهو الطرد والإبعاد ولا شك أن كل واحد منهما يبعد عن صاحبه وأما وجه اختيار لفظ اللعن على لفظ الغضب فلأن لفظ اللعن مقدم في الآية الكريمة وفي صورة اللعان ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانب المرأة لأنه قادر على الابتداء باللعان دونها وأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس وأما مشروعية اللعان فلحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج ( فإن قلت ) فلم جعل اللعن للرجل والغضب للمرأة ( قلت ) لأن الإنسان لا يؤثر أن يهتك زوجه بالمحال -
22 -
( باب اليمين بعد العصر )
أي هذا باب في بيان ما جاء في الخبر من اليمين بعد العصر
2762 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( جرير بن عبد الحميد ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له ورجل ساوم رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى به كذا وكذا فأخذها
مطابقته للترجمة ظاهرة والأعمش هو سليمان وأبو صالح ذكوان السمان والحديث مضى في الشرب في باب الخصومة في البئر بأتم منه قوله بعد العصر قد ذكرنا أن تخصيص هذا الوقت بتعظيم الإثم على من حلف فيه كاذبا لشهود ملائكة الليل والنهار في هذا الوقت والأحسن أن يقال لأن فيه ارتفاع الأعمال لأن هؤلاء الملائكة يشهدون بعد صلاة الصبح أيضا قوله به أي بالمتاع الذي يدل عليه السلعة ويروى بها وهو ظاهر قوله فأخذها فيه حذف أي أخذ الرجل الثاني وهو المشتري السلعة بذلك الثمن اعتمادا على حلفه
32 -
( باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع إلى غيره )
أي هذا باب يذكر فيه أن المدعى عليه إذا توجهت عليه اليمين يحلف حيث ما وجبت عليه ولا يصرف من موضعه ذلك وهذا قول الحنفية والحنابلة وإليه مال البخاري وقال ابن عبد البر جملة مذهب مالك في هذا أن اليمين لا تكون عند المنبر من كل جامع ولا في الجامع حيث كان إلا في ربع دينار فصاعدا وما دون ذلك حلف في مجلس الحاكم أو حيث شاء من المواضع في السوق أو غيرها وليس عليه التوجه إلى القبلة قال ولا يعرف مالك منبرا إلا منبر المدينة فقط قال ومن أبى أن يحلف عنده فهو كالناكل عن اليمين ويحلف في أيمان القسامة عند مالك إلى مكة شرفها الله وعظمها كل من كان من أهلها فيحلف بين الركن والمقام وكذلك المدينة ويحلف عند المنبر وحكى أبو عبيد أن عمر بن عبد العزيز حمل قوما إتهمهم بفلسطين إلى الصخرة فحلفوا عندها وقال أبو عمر وذهب الشافعي إلى نحو قول مالك إلا أن الشافعي لا يرى اليمين عند منبر المدينة ولا بين الركن والمقام بمكة إلا في عشرين دينارا فصاعدا وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجب الاستحلاف عند منبر النبي على أحد ولا بين الركن والمقام على أحد في قليل الأشياء ولا في كثيرها ولا في الدماء ولا

(13/252)


غيرها لكن الحكام يحلفون من وجب عليه اليمين في مجالسهم
قضى مروان باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال أحلف له مكاني فجعل زيد يحلف وأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب منه
مروان هو ابن الحكم الأموي كان والي المدينة من جهة معاوية بن أبي سفيانوهذا التعليق رواه مالك في ( الموطأ ) عن داود ابن الحصين سمع أبا غطفان بن طريف المزي قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع يعني عبد الله إلى مروان في دار فقضى باليمين على زيد على المنبر فقال أحلف له مكاني فقال مروان لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك قال مالك لا أرى أن يحلف على المنبر في أقل من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم قوله على المنبر يتعلق بقوله على المنبر ظاهرا لكن السياق يقتضي أن يتعلق باليمين قوله أحلف بلفظ المتكلم وإن كان المعنى صحيحا بلفظ الأمر أيضا قوله فجعل بمعنى طفق من أفعال المقاربة وروى ابن جريج عن عكرمة قال أبصر عبد الرحمن ابن عوف رضي الله تعالى عنه قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال أعلى دم قيل لا قال أفعلى عظيم من المال قال لا قال لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام قال ومنبر النبي في التعظيم مثل ذلك لما ورد فيه من الوعيد على من حلف عنده بيمين كاذبة
واحتيج أبو حنيفة بما روي عن زيد بن ثابت أنه لم يحلف عند المنبر ومن يرى ذلك مال إلى قول مروان بغير حجة وقال صاحب ( التوضيح ) واحتج عليه الشافعي فقال لو لم يعلم زيد أن اليمين عند المنبر سنة لأنكر ذلك على مروان وقال له لا والله لا عليه أحلف إلا في مجلسك انتهى قلت هذا عجيب كيف يقول هذا فلو علم زيد أنه سنة لما حلف على أنه لا يحلف إلا في مجلسه وعدم سماعه كلام مروان أعظم من الإنكار عليه صريحا والاحتجاج بزيد بن ثابت أولى بالاحتجاج بل أحق من مروان وقد اختلف في الذي يغلظ فيه من الحقوق فعن مالك ربع دينار وعن الشافعي عشرون دينارا فأكثر ونقل القاضي في مغربته
عن بعض المتأخرين أنه يغلظ في القليل والكثير وقال ابن الجلاب يحلف على أقل من ربع دينار في سائر المساجد وقال مالك فيما حكاه ابن القاسم عنه أنه يحلف قائما إلا من به علة وروى عنه ابن كنانة لا يلزمه القيام وقال ابن القاسم لا يستقبل القبلة وخالفه مطرف وابن الماجشون وهل يحلف في دبر صلاة وحين اجتماع الناس إذا كان المال كثيرا قال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وأصبغ ليس ذلك عليه وقال ابن كنانة عن مالك يتحرى به الساعات التي يحضر الناس فيها المساجد ويجتمعون للصلاة
واختلف في صفة ما يحلف به فقال مالك بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم وقال الشافعي يزيد الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية قال سحنون يحلف بالله وبالمصحف ذكره عنه الداودي وعند أصحابنا الحنفية اليمين بالله لا بالطلاق والعتاق إلا إذا ألح الخصم ولا يبالي باليمين بالله فحينئذ يحلف بهما لكن إذا نكل لا يقضي عليه بالنكول لأنه امتنع عما هو منهي عنه شرعا ولو قضى عليه بالنكول لا ينفذ ويغلظ اليمين بأوصاف الله تعالى وقيل لا يغلظ على المعروف بالصلاح ويغلظ على غيره وقيل يغلظ في الخطير من المال دون الحقير ولا يغلظ بزمان ولا بمكان وفي ( التوضيح ) هل يحلف بحضرة المصحف أباه مالك وألزمه ذلك بعض المالكيين في عشرين دينارا فأكثر وعن ابن المنذر أنه حكى عن الشافعي أنه قال رأيت مطرفا يحلف بحضرة المصحف
وقال النبي شاهداك أو يمينه فلم يخص مكانا دون مكان
لما كان مذهب البخاري أن يحلف المدعى عليه حيث ما وجبت عليه اليمين احتج بهذا على ما ذهب إليه وقد مر هذا مسندا في حديث الأشعث وهذا عجيب منه حيث وافق الحنفية في هذا قيل قد اعترض عليه بأنه ترجم لليمين بعد العصر فأثبت التغليظ بالزمان ونفى هنا الغليظ بالمكان وأجيب أنه لا يلزم من ترجمته بذلك أنه يوجب تغليظ اليمين بالزمان ولم يصرح هناك بشيء من النفي والإثبات

(13/253)


3762 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( عبد الواحد ) عن ( الأعمش ) عن ( أبي وائل ) عن ( ابن مسعود ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من حلف على يمين ليقتطع بها مالا لقي الله وهو عليه غضبان
مطابقته للترجمة وإن كان فيها بعد ولكن يمكن أن يوجه بشيء بتعسف وهو أن الترجمة في أن المدعى عليه يحلف حيث ما يجب عليه اليمين والحديث في الوعيد الشديد فيمن يحلف كاذبا فالذي يتعين عليه اليمين يتحرى الصدق سواء كان يحلف في مكان وجبت عليه اليمين فيه أو في غيره من الأمكنة التي تغلظ فيها اليمين احترازا عن الوقوع في هذا الوعيد الشديد والحديث مضى قريبا بأتم منه
42 -
( باب إذا تسارع قوم في اليمين )
أي هذا باب يذكر فيه إذا تسارع قوم يعني قوم وجبت عليهم اليمين فتسارعوا جميعا أيهم يبدأ أولا وجواب إذا محذوف يبينه الحديث يعني يقرع بينهم وهو الجواب
52 -
( باب قول الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( آل عمران 77 ) )
أي هذا باب في بيان الوعيد الشديد الذي تتضمنه هذه الآية الكرمية في حق الذي يرتكبون الأيمان الكاذبة الفاجرة الآثمة وقد ذمهم الله تعالى بقوله إن الذين يشترون ( آل عمران 77 ) أي يعتاضون بعهد الله ( آل عمران 77 ) أي بما عاهد الله عليه وأيمانهم ( آل عمران 77 ) الكاذبة ثمنا قليلا ( آل عمران 77 ) أي عوضا يسيرا قيل نزلت هذه الآية الكريمة في الأشعث بن قيس حين خاصم اليهودي في أرض على ما مر حديثه عن قريب وقيل إن رجلا أقام سلعته في السوق أول النهار فلما كان آخره جاء رجل فساومه عليها فحلف بالله منعتها أول النهار من كذا ولولا المساء لما بعت على ما يجيء الآن وتمام الآية أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر

(13/254)


إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( آل عمران 77 ) قوله لا خلاق لهم ( آل عمران 77 ) أي لا نصيب لهم قوله ولا يكلمهم الله ( آل عمران 77 ) فإن كان ذلك من اليهود فلا يكلمه أصلا وإن كان من العصاة فلا يكلمهم كلاما يسرهم ولا ينفعهم ولا يزكيهم ( آل عمران 77 ) أي ولا يثني عليهم وقيل لا يطهرهم من الذنوب والآثام بل يأمر بهم إلى النار ولهم عذاب أليم ( آل عمران 77 ) أي مؤلم شديد
5762 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( يزيد بن هارون ) قال أخبرنا ( العوام ) قال حدثني ( إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي ) سمع ( عبد الله بن أوفى ) رضي الله تعالى عنهما يقول أقام رجل سلعته فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطها فنزلت إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
( انظر الحديث 8802وطرفه )
مطابقته للترجمة للآية من حيث أنها نزلت في حق الرجل الذي أقام سلعة فحلف يمينا فاجرة فإن قلت قد ذكر فيما مضى أن الأشعث بن قيس قال في نزلت هذه الآية قلت لا معارضة بينهما لأنه يحتمل نزول هذه الآية في كل من القضيتين وإسحاق شيخ البخاري قال الغساني لم أجده منسوبا لأحد من شيوخنا لكن صرح البخاري بنسبته في باب شهود الملائكة بدرا قال حدثنا إسحاق بن منصور وقال أبو نعيم الأصبهاني هو إسحاق بن راهويه والعوام بتشديد الواو ابن حوشب وإبراهيم ابن عبد الرحمن أبو إسماعيل السكسكي الكوفي والسكسكي في كندة ينسب إلى السكاسك بن أشرس بن كندة منهم إبراهيم هذا وابن أبي أوفى هو عبد الله واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي له ولأبيه صحبة والحديث مضى في البيوع في باب ما يكره من الحلف في البيع وقد مر الكلام فيه هناك
وقال ابن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن
هو موصول بالإسناد المذكور إليه وقد مر في البيوع في باب النجش ومر الكلام فيه هناك
7762 - حدثنا ( بشر بن خالد ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) عن ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( أبي وائل ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال من حلف على يمين كاذبا ليقتطع مال رجل أو قال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان وأنزل الله تصديق ذالك في القرآن إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( آل عمران 77 ) الآية فلقيني الأشعث فقال ما حدثكم عبد الله اليوم قلت كذا وكذا قال في أنزلت
مطابقته للباب المتضمن للآية الكريمة ظاهرة لا تخفى والحديث تكرر ذكره عن قريب وبعيد قوله ما حدثكم عبد الله هو عبد الله بن مسعود الراوي وفي الأحاديث الماضية ما حدثكم أبو عبد الرحمن هو كنية عبد الله وسليمان هو الأعمش وأبو وائل شقيق
62 -
( باب كيف يستحلف )
أي هذا باب يذكر فيه كيف يستحلف من يتوجه عليه اليمين ويستحلف بضم الياء على صيغة المجهول
قال الله تعالى يحلفون بالله لكم ( التوبة 26 ) وقوله عز و جل ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( النساء 26 ) وقول الله ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( التوبة 65 ) ويحلفون بالله لكم ليرضوكم ( التوبة 26 ) فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ( المائدة 701 )
ذكر هذه الآيات التي فيها الحلف بالله وهي مناسبة للترجمة وقال بعضهم غرضه بذلك أنه لا يجب تغليظ الحلف بالقول قلت غرضه بذلك الإشارة إلى أن أصل اليمين أن تكون بلفظ الله لما يذكر عن قريب عن عبد الله بن مسعود أن النبي قال من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت
يقال بالله وتالله ووالله
أشار بهذا إلى الإسم الذي يحلف به وإلى حروف القسم أما الاسم الذي يحلف به فهو لفظ الله وهو الأصل فيه وأما حروف

(13/255)


القسم فهي الباء الموحدة نحو بالله والتاء المثناة من فوق نحو تالله والواو نحو والله والكل ورد في القرآن أما الباء فقوله تعالى قالوا تقاسموا بالله ( النمل 94 ) وأما التاء فقوله تعالى تالله لقد آثرك الله علينا ( يوسف 19 ) وأما الواو فقوله والله ربنا ما كنا مشركين ( الأنعام 32 ) وقد ذكرنا كيفية اليمين والخلاف فيه عن قريب في باب يحلف المدعى عليه حيث ما وجبت عليه اليمين
وقال النبي ورجل حلف بالله كاذبا بعد العصر ولا يحلف بغير الله
هذا التعليق قطعة من حديث ذكره موصولا عن أبي هريرة في باب اليمين بعد العصر وذكره هنا بالمعنى وغرضه من ذكره هنا هو قوله ورجل حلف بالله قوله ولا يحلف بغير الله ليس من الحديث بل من كلام البخاري ذكره تكميلا للترجمة
8762 - حدثنا ( إسماعيل بن عبد الله ) قال حدثني ( مالك ) عن ( عمه أبي سهيل ) عن أبيه أنه سمع ( طلحة بن عبيد الله ) يقول جاء رجل إلى رسول الله فإذا هو يسأله عن الإسلام فقال رسول الله خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع فقال رسول الله وصيام رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع قال وذكر له رسول الله الزكاة قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال رسول الله أفلح إن صدق
( انظر الحديث 64 )
مطابقته للترجمة في قوله والله لا أزيد على هذا فهذا هو صورة الحلف بلفظ اسم الله وبالباء الموحدة والحديث بعين هذا الإسناد قد مضى في كتاب الإيمان في باب الزكاة من الإسلام وقد مر الكلام فيه مستوفى
9762 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية ) قال ذكر ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه أن النبي قال من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت
مطابقته للترجمة في قوله فليحلف بالله وجويرية تصغير جارية ابن أسماء على وزن حمراء وهما من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث وقد تكرر ذكره وعبد الله هو ابن عمر بن الخطاب
قوله من كان حالفا إلى آخره أي من أراد أن يحلف فليحلف بالله أو لا يحلف أصلا وهو دال على المنع من الحلف بغير الله ولا شك في انعقاد اليمين باسم الذات والصفات العلية وأما اليمين بغير ذلك فهو ممنوع
واختلفوا هل هو منع تحريم أو تنزيه والخلاف فيه موجود عند المالكية فالأقسام ثلاثة الأول ما يباح اليمين به وهو ما ذكرنا من اسم الذات والصفات الثاني ما يحرم اليمين به بالإنفاق كالأنصاب والأزلام واللات والعزى فإن قصد تعظيمها فهو كفر كذا قال بعض المالكية معلقا للقول فيه حيث يقول فإن قصد تعظيمها يكفر وإلا فحرام والقسم بالشيء تعظيم له والثالث ما يختلف فيه بالتحريم والكراهة وهو مما عدا ذلك مما لا يقتضي تعظيمه وقال ابن بطال وأجمعوا أنه لا ينبغي للحاكم أن يستحلف إلا بالله لا بالعتاق أو الحج أو المصحف وإن اتهمه القاضي غلظ عليه اليمين بزيادة من صفات الله عز و جل وقد مر الكلام فيه في باب كيف يستحلف
72 -
( باب من أقام البينة بعد اليمين )
أي هذا باب في بيان حكم من أقام البينة بعد يمين المدعى عليه وجواب من محذوف تقديره هل تقبل البينة أم لا وإنما لم يصرح به لمكان الخلاف فيه على عادته التي جرت هكذا فالجمهور على أنها تقبل وإليه ذهب الثوري والكوفيون والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وقال مالك في ( المدونة ) إن استحلفه وهو لا يعلم بالبينة ثم علمها قضى له بها وإن استحلفه ورضي بيمينه تاركا لبينته وهي حاضرة أو غائبة فلا حق له إذا شهدت له قاله مطرف وابن الماجشون وقال ابن أبي ليلى لا تقبل بينته بعد استحلاف المدعى عليه وبه قال أبو عبيد وأهل الظاهر

(13/256)


وقال النبي لعل بعضكم ألحن لجته من بعض
هذا قطعة من حديث يذكره عن أم سلمة في هذا الباب موصولا وذكره أيضا في المظالم في باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه وقد مر الكلام فيه هناك فإن قلت ما مناسبة ذكر هذا في هذا الباب قلت إذا اختصم اثنان أو أكثر لا بد أن يكون لكل منهم حجة حتى يكون بعضهم ألحن بحجته من بعض وذلك لا يكون إلا فيما إذا جاز إقامة البينة بعد اليمين
وقال طاووس وإبراهيم وشريح البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة
طاووس هو ابن كيسان وإبراهيم بن يزيد النخعي وشريح القاضي وقد طول الشراح في معنى كلام هؤلاء بحيث إن الناظر فيه لا يرجع بمزيد فائدة وحاصل معنى كلامهم أن المدعى عليه إذا حلف دفع المدعي باليمين ثم إذا أقام المدعي البينة المرضية وهو معنى العادلة على دعواه ظهر أن يمين المدعى عليه كانت فاجرة أي كاذبة فسماع هذه البينة العادلة أولى بالقبول من تلك اليمين الفاجرة فتسمع هذه البينة ويقضى بها والله أعلم وتعليق شريح رواه البغوي عن علي بن الجعد أنبأنا شريك عن عاصم عن محمد بن سيرين عن شريح قال من ادعى قضائي فهو عليه حتى تأتي بينة الحق أحق من قضائي الحق أحق من يمين فاجرة وذكر ابن حبيب في ( الواضحة ) بإسناد له عن عمر رضي الله تعالى عنه قال البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة
0862 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( زينب ) عن أم ( سلمة ) رضي الله تعالى عنها أن رسول الله قال إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها
أنكر بعضهم دخول هذا الحديث في هذا الباب ورد عليه بعضهم بكلام يمل السامع وقد ذكرنا وجه دخوله في هذا الباب اان وقد مضى هذا الحديث في المظالم في باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه من غير هذا الطريق وفيه بعض زيادة على هذا
قوله ألحن أي أفطن يقال لحن بكسر الحاء إذا فطن وقال الخطابي اللحن متحركة الحاء الفطنة وساكنة الحاء الزيغ في الإعراب يعني إزالة الإعراب عن جهته قوله فإنما أقطع له قطعة من النار دال على أن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا وسواء فيه المال وغيره من الحقوق
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك في الأموال وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه حكمه في الطلاق والنكاح والنسب يحتمل الأمور عما عليه في الباب بخلاف الأموال وفيه أن القاضي يحكم بعلمه فيما علمه بعد القضاء من حقوق الآدميين ولا يحكم فيما علمه قبله وقال مالك لا يحكم بعلمه مطلقا وفيه أن الحاكم إنما يحكم بالظاهر وأن على من علم من الحاكم أنه قد أخطأ في الحكم فأعطاه شيئا ليس له أن يأخذه وفيه أن البينة مسموعة بعد اليمين والله هو المعين
82 -
( باب من أمر بإنجاز الوعد )
أي هذا باب في بيان من أمر بإنجاز الوعد أي الوفاء به يقال أنجز الوعد إنجازا أوفى به ونجز الوعد وهو ناجز إذا حصل وتم وقال الكرماني وجه تعلق هذا الباب بأبواب الشهادات هو أن الوعد كالشهادة على نفسه وقال المهلب إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء ولا خلاف في أن ذلك مستحسن وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده وفي بنذره وذلك من مكارم الأخلاق ولما كان الشارع أمر الناس بها وندبهم إليها أدى ذلك عنه خليفته الصديق وقام فيه مقامه ولم يسأل جابرا البينة على ما ادعاه على رسول الله من العدة لأنه لم يكن شيئا ادعاه جابر في ذمة رسول الله وإنما ادعى شيئا في بيت المال والفيء وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام وعن بعض المالكية إن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به وإلا لا فمن قال لآخر تزوج ولك كذا فتزوج لذلك وجب الوفاء به

(13/257)


وفعله الحسن
أي فعل إنجاز الوعد الحسن البصري وقال الكرماني الفعل بلفظ المصدر والحسن صفة مشبهة صفة للفعل وفي بعضها فعل بلفظ الماضي والحسن البصري قلت الوجه الأول أحسن وأوجه على ما لا يخفى ومعناه فعل إنجاز الوعد الحسن فارتفاع الحسن في هذا الوجه مرفوع على الوصفية على الوجه الثاني يكون ارتفاعه بالفاعلية فافهم
وذكر إسماعيل إنه كان صادق الوعد ( مريم 45 )
أي ذكر الله تعالى إسماعيل في كتابه الكريم بقوله واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ( مريم 45 ) وهذا الذي في المتن رواية النسفي وفي رواية غيره واذكر في الكتاب ( مريم 45 ) إلى آخره وروى ابن أبي حاتم من طريق الثوري أنه بلغه أن إسماعيل دخل قرية هو ورجل فأرسله في حاجة وقال له إنه ينتظره فأقام حولا في انتظاره ومن طريق ابن شوذب أنه اتخذ ذلك الموضع مسكنا فسمي من يومئذ صادق الوعد
وقضاى ابن الأشوع بالوعد
ابن الأشوع هو سعيد بن عمرو بن الأشوع الهمداني قاضي الكوفة في زمان إمارة خالد القسري على العراق وذلك بعد المائة مات في ولاية خالد وذكره ابن حبان في ( الثقات ) وقال يحيى بن معين مشهور يعرفه الناس وابن الأشوع بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الواو وفي آخره عين مهملة قوله بالوعد أي بإنجاز الوعد
وذكر ذالك عن سمرة
أي ذكر ابن الأشوع القضاء بإنجازالوعد عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه وقع ذلك في تفسير إسحاق بن راهويه
وقال المسور بن مخرمة سمعت النبي وذكر صهرا له قال وعدني فوفى لي
المسور بكسر الميم ومخرمة بفتحها قوله وذكرأي النبي صهرا له يعني أبا العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي وقيل يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه واعلم أن الأختان من قبل المرإة والأحماء من قبل الرجل والصهر يجمعهما وكان صهر أبي الربيع لأنه كان زوج بنته زينب وصهر أبي بكر الصديق أيضا لأنه كان زوج بنته عائشة الصديقة قوله قال وعدني أي قال ومنها صهري وعدني فوفى لي ويروى فوفاني ويروى فأوفاني
قال أبو عبد الله ورأيت إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن الأشوع
أبو عبد الله البخاري نفسه وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه قوله يحتج بحديث ابن الأشوع هو الحديث الذي ذكره عن سمرة بن جندب وأراد به أنه كان يحتج به في القول بوجوب إنجاز الوعد ووقع في كثير من النسخ ذكر إسماعيل بين التعليق عن ابن الأشوع وبين نقل البخاري عن إسحاق والذي وقع في نسختنا أولى
1862 - حدثنا ( إبراهيم بن حمزة ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أخبره قال أخبرني ( أبو سفيان ) أن ( هرقل ) قال له سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهاذه صفة نبي
مطابقته للترجمة في قوله والوفاء بالعهد يعني كان صادق الوعد وإبراهيم بن حمزة وأبو إسحاق الزبيري المديني وهو من أفراده وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المديني وصالح هو ابن كيسان أبو محمد

(13/258)


مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود وهذا قطعة من حديث قصة هرقل ذكره في أول الكتاب وذكرنا هناك ما فيه الكفاية
2862 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) عن ( أبي سهيل نافع بن مالك ابن أبي عامر ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وإذا وعد أخلف لأن ضده إذا وعد صدق فسلم من طائفة النفاق وصادق الوعد يندب منه إنجاز وعده وقد مضى الحديث في كتاب الإيمان في باب علامة المنافق فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن أبي الربيع عن إسماعيل بن جعفر وهنا عن قتيبة عن إسماعيل
46 - ( حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال لما مات النبي جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر من كان له على النبي دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا قال جابر فقلت وعدني رسول الله أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه ثلاث مرات قال جابر فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله أو كانت له قبله عدة أي وعد وهذا لولا أن إنجاز الوعد أمر مرغوب مندوب إليه لما التزم أبو بكر بذلك بعد وفاة النبي وقيل أن ذلك من خصائص النبي فلذلك دفع أبو بكر إلى جابر ما كان وعده رسول الله له وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير وهشام بن يوسف أبو عبد الرحمن اليماني قاضيها وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وقد مضى مثل هذا الحديث في الكفالة في باب من تكفل عن ميت دينا فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو بن دينار إلى آخره قوله من قبل العلاء بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي من جهته والعلاء بالمد ابن الحضرمي عبد الله كان عاملا لرسول الله على البحرين وأقره الشيخان عليها إلى أن مات سنة أربع عشرة
47 - ( حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال أخبرنا سعيد بن سليمان قال حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى قلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل )
مطابقته للترجمة من قوله إذا قال فعل لأن رسول الله أما موسى أو غيره على ما نذكره من محاسن أخلاقه من إنجاز وعده وكذا أي رسول كان لأن وعدهم صادق ولا خلف عندهم
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له صاعقة الثاني سعيد بن سليمان المشهور بسعدويه البغدادي وقد مر الثالث مروان بن شجاع أبو عمرو مولى مروان بن محمد بن الحكم القرشي الأموي الجزري مات ببغداد سنة أربع وثمانين ومائة الرابع سالم بن عجلان الأفطس قتل صبرا سنة اثنتين وثلاثين ومائة الخامس سعيد بن جبير السادس عبد الله بن عباس

(13/259)


( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه سؤال اليهودي عن سعيد بن جبير وسؤال سعيد عن ابن عباس وفيه أن سالما ليس له رواية في البخاري إلا هذا وآخر في الطب وكذا الراوي عنه مروان وفيه أن سعيد بن سليمان من مشايخ البخاري وكثيرا يروي عنه بدون الواسطة وهنا روى عنه بواسطة وهو محمد بن عبد الرحيم
( ذكر معناه ) قوله من أهل الحيرة بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء مدينة معروفة بالعراق قريب الكوفة وكانت للنعمان بن المنذر قوله أي الأجلين أي المشار إليهما في قوله تعالى ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك قوله حتى أقدم أي على ابن عباس بمكة قوله على حبر العرب بفتح الحاء المهملة وسكون الياء الموحدة ونص أبو العباس في فصيحه على فتح الحاء وفي المخصص عن صاحب العين هو العالم من علماء الديانة مسلما كان أو ذميا بعد أن يكون كتابيا والجمع أحبار وذكر المطرز عن ثعلب يقال للعالم حبر وحبر وقال المبرد سمي حبرا لأنه مما يحبر به الكتب أي تحسن وفي الواعي سمي العالم حبرا لتأثيره في الكتب لأن الحبر والحبار الأثر وقال ابن الأثير وكان يقال لابن عباس الحبر والبحر لعلمه وسعته واختلفوا فيمن سماه بذلك فذكر أبو نعيم الحافظ أن عبد الله انتهى يوما إلى رسول الله وعنده جبريل عليه السلام فقال له إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا وفي المنثور لابن دريد الأزدي أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما أرسل ابن عباس رسولا إلى جرجير ملك المغرب فتكلم معه فقال له جرجير ما ينبغي إلا أن يكون حبر العرب فسمي عبد الله من يومئذ الحبر قوله قضى أكثرهما وأطيبهما كذا رواه سعيد بن جبير موقوفا وهو في حكم المرفوع لأن ابن عباس كان لا يعتمد على أهل الكتاب وقد صرح برفعه عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله سأل جبريل عليه السلام أي الأجلين قضى موسى قال أتمهما وأكملهما وفي حديث جابر أوفاهما وفي حديث أبي سعيد أتمهما وأطيبهما عشر سنين والمراد بالأطيب أي في نفس شعيب عليه السلام قوله أن رسول الله إذا قال فعل قال الكرماني أي موسى عليه السلام أو أراد جنس الرسول فيتناوله تناولا أوليا وقال بعضهم المراد برسول الله من اتصف بذلك ولم يرد شخصا بعينه -
92 -
( باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها )
أي هذا باب يذكر فيه لا يسأل إلى آخره ويسأل على صيغة المجهول وأراد بهذا عدم قبول شهادتهم وقد اختلف العلماء في ذلك فعند الجمهور لا تقبل شهادتهم أصلا ولا شهادة بعضهم على بعض ومنهم من أجار شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض للمسلمين وهو قول إبراهيم ومنهم من أجاز شهادة أهل الشرك بعضهم على بعض وهو قول عمر بن عبد العزيز والشعبي ونافع وحماد ووكيع وبه قال أبو حنيفة ومنهم من قال لا تجوز شهادة أهل ملة إلا على أهل ملتها اليهودي على اليهودي والنصراني على النصراني وهو قول الزهري والضحاك والحكم وابن أبي ليلى وعطاء وأبي سلمة ومالك والشافعي وأحمد وأبي ثور وروى عن شريح والنخعي تجوز شهادتهم على المسلمين في الوصية في السفر للضرورة وبه قال الأوزاعي
وقال الشعبي لا تجوز شهادة أهل الملل بعضهم على بعض لقوله تعالى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ( المائدة 41 )
أي قال عامر بن شراحيل الشعبي قوله أهل الملل أي ملل الكفر وهو بكسر الميم جمع ملة والملة الدين كملة الإسلام ومل اليهودي وملة النصارى هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن وكيع حدثنا سفيان عن داود عن الشعبي قال لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا المسلمين واحتج الشعبي بقوله تعالى فأغرينا ( المائدة ) أي ألصقنا ومنه سمي الغرى الذي يلصث به وقال الربيع يعني به النصارى خاصة لأنهم افترقوا نسطورية ويعقوبية وملكائية وعن ابن أبي نجيح يعني به اليهود والنصارى

(13/260)


واختلف فيه على الشعبي فروى عبد الرزاق عن الثوري عن عيسى وهو الحناط عن الشعبي قال كان يجيز شهادة النصراني على اليهودي واليهودي على النصراني وروى ابن أبي شيبة من طريق أشعث عن الشعبي قال تجوز شهادة أهل الملل للمسلمين بعضهم على بعض
وقال أبو هريرة عن النبي لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل ( البقرة 631 ) الآية
هذا التعليق وصله البخاري في تفسير سورة البقرة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة والغرض منه هنا النهي عن تصديق أهل الكتاب فيما لا يعرف صدقه من قبل غيرهم فيدل على رد شهادتهم وعدم قبولها
5862 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه أحدث الأخبار بالله تقرؤنه لم يشب وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلتهم ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الرد عن مساءلة أهل الكتاب لأن أخبارهم لا تقبل لكونهم بدلوا الكتاب بأيديهم فإذا لم يقبل أخبارهم لا تقبل شهادتهم بالطريق الأولى لأن باب الشهادة أضيق من باب الرواية
ورجاله قد ذكروا غير مرة
والأثر أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن موسى بن إسماعيل وفي التوحيد عن أبي اليمان عن شعيب
قوله كيف تسألون أهل الكتاب إنكار من ابن عباس عن سؤالهم من أهل الكتاب قوله وكتابكم أي القرآن وارتفاعه على أنه مبتدأ وقوله الذي أنزل على نبيه صفته وقوله أحدث الأخبار خبره قوله على نبيه أي محمد قوله الإخبار بكسر الهمزة بمعنى المصدر وبفتحها بمعنى الجمع ومعناه إنه أقرب الكتب نزولا إليكم من عند الله فالحديث بالنسبة إلى المنزول إليهم وهو في نفسه قديم على ما عرف في موضعه قوله لم يشب على صيغة المجهول من الشوب وهو الخلط أي لم يخلط ولم يبدل ولم يغير وفي ( مسند أحمد ) رحمه الله من حديث جابر مرفوعا لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا الحديث قوله بدلوا من التبديل قال الله تعالى في حق اليهود فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ( البقرة 97 ) قوله ولا والله كلمة لا زائدة إما تأكيد لنفي ما قبله أو ما بعده يعني هم لا يسألونكم فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم واحتج بهذا الحديث المانعون عن شهادتهم أصلا
وفيه أن أهل الكتاب بدلوا وغيروا كما أخبر الله تعالى عنهم في القرآن الكريم وسأل محمد بن الوضاح بعض علماء النصارى فقال ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان وكتابنا بخلاف ذلك فقال لأن الله تعالى وكل حفظ كتابكم إليكم فقال استحفظوا من كتاب الله فلما وكله إلى مخلوق دخله الخرم والنقصان وقال في كتابنا إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( الحجر 9 ) فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه ولا النقصان منه
03 -
( باب القرعة في المشكلات )
أي هذا باب في بيان مشروعية القرعة في الأشياء المشكلات التي يقع فيها النزاع بين اثنين أو أكثر ووقع في رواية السرخسي من المشكلات وكلمة في أصوب وأما كلمة من إن كانت محفوظة فتكون للتعليل أي لأجل المشكلات كما في قوله تعالى مما خطاياهم ( العنكبوت 21 ) أي لأجل خطاياهم قيل وجه إدخال هذا الباب في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها

(13/261)


الحقوق قلت الأحسن أن يقال وجه ذلك أنه كما يقطع النزاع والخصومة بالبينة فكذلك يقطع بالقرعة وهذا المقدار كاف لوجه المناسبة
وقوله إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ( آل عمران 44 ) وقال ابن عباس اقترعوا فجرت الأقلام مع الجرية وعال قلم زكرياء الجرية فكفلها زكرياء ( آل عمران 44 )
وقوله بالجر عطفا على القرعة وذكر هذه الآية في معرض الاحتجاج لصحة الحكم بالقرعة بناء على أن شرع من قبلنا هو شرع لنا ما لم يقص الله علينا بالإنكار ولا إنكار في مشروعيتها وما نسب بعضهم إلى أبي حنيفة بأنه أنكرها فغير صحيح وقد بسطنا الكلام فيه عن قريب في تفسير قصة أهل الإفك وأول الآية ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ( آل عمران 44 ) قوله ذلك إشارة إلى ما ذكر من قضية مريم قوله من أبناء الغبيب أي أخبار الغيب نوحيه إليك أي نقصه عليك وما كنت لديهم أي وما كنت يا محمد عندهم إذ يلقون أي حين يلقون الأقلام أيهم يكفل مريم أي يضمها إلى نفسه ويربيها وذلك لرغبتهم في الأجر وما كنت لديهم إذ يختصمون أي حين يختصمون في أخذها وأصل القصة أن امرأة عمران وهي حنة بنت فاقود لا تحمل فرأت يوما طائرا يزق فرخه فاشتهت الولد فدعت الله تعالى أن يهبها ولدا فاستجاب الله دعاءها فواقعها زوجها فحملت منه فلما تحققت الحمل ندرت أن يكون محررا أي خالصا لخدمة بيت المقدس فلما وضعت قالت رب إني وضعتها أنثى ( آل عمران 63 ) ثم خرجت بها في خرقتها إلى بني الكاهن بن هروة أخي موسى بن عمران وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا تدخل الكنيسة حائض وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم في الصلاة وصاحب القربان فقال زكرياء إدفعوها إلي فإن خالتها تحتي فقالوا لا تطيب نفوسنا هي ابنة إمامنا فعند ذلك اقترعوا بأقلامهم عليها وهي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة فقرعهم زكرياء عليه الصلاة و السلام وقد ذكر عكرمة والسدي وقتادة وغير واحد أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فيه فأيهم ثبت في جرية الماء فهو كافلها فألقوا أقلامهم فاحتملها الماء إلا قلم زكرياء فإنه ثبت فأخذها فضمها إلى نفسه وقد ذكر المفسرون أن الأقلام هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة كما ذكرناه ويقال الأقلام السهام وسمي السهم قلما لأنه يقلم أي يبرى قوله أيهم يكفل مريم ( آل عمران 44 ) أي يأخذها بكفالتها قوله اقترعوا يعني عند التنافس في كفالة مريم قوله مع الجرية بكسر الجيم للنوع من الجريان وقال ابن التين صوابه اقرعوا أو قارعوا لأنه رباعي قلت قد جاء اقترعوا كما جاء أقرعوا فلا وجه لدعوى الصواب فيه قوله عال أي غلب الجرية ويروى علا ويروى عدا حاصله ارتفع قلم زكرياء ويقال إنهم اقترعوا ثلاث مرات وعن ابن عباس فلما وضعت مريم في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي
وقوله فساهم أقرع فكان من المدحضين ( الصافات 141 ) من المسهومين
وقوله بالجر عطفا على قوله الأول قوله أقرع تفسير لقوله فساهم والضمير فيه يرجع إلى يونس عليه السلام وفسر البخاري المدحضين بمعنى المسهومين يعني المغلوبين يقال ساهمته فسهمته كما يقال قارعته فقرعته وقوله فساهم اقرع تفسير ابن عباس أخرجه الطبري من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طالحة عن ابن عباس وروى عن السدى قال قوله فساهم أي قارع قال بعضهم هو أوضح قلت كونه أوضح باعتبار أنه من باب المفاعلة التي هي للاشتراك بين اثنين وحقيقة المدحض المزلق عن مقام الظفر والغلبة وقال القرطبي يونس بن متى لما دعا قومه أهل نينوى من بلاد الموصل على شاطىء دجلة للدخول في دينه أبطؤوا عليه فدعا عليهم ووعدهم العذاب بعد ثلاث وخرج عنهم فرأى قومه دخانا ومقدمات العذاب فآمنوا به وصدقوه وتابوا إلى الله عز و جل وردوا المظالم حتى ردوا حجارة مغصوبة كانوا بنوا

(13/262)


بها وخرجوا طالبين يونس فلم يجدوه ولم يزالوا كذلك حتى كشف الله عنهم العذاب ثم إن يونس ركب سفينة فلم تجر فقال أهلها فيكم آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فالتقمه الحوت وقد اختلف في مدة لبثه في بطنه من يوم واحد إلى أربعين يوما فأوحى الله تعالى إلى الحوت أن يلتقمه ولا يكسر له عظما وذكر مقاتل أنهم قارعوه ست مرات خوفا عليه من أن يقذف في البحر وفي كلها خرج عليه وفي يونس ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمزة وتركه والأشهر ضم النون بغير همز
وقال أبو هريرة عرض النبي على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم أيهم يحلف
هذا التعليق قد مر موصولا في باب إذا سارع قوم في اليمين وقد مر عن قريب وهذا أيضا يدل على مشروعية القرعة
6862 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثنا أبي قال حدثنا ( الأعمش ) قال حدثني ( الشعبي ) أنه سمع ( النعمان بن بشير ) رضي الله تعالى عنهما يقول قال النبي مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا مالك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوا أهلكوه وأهلكوا أنفسهم
مطابقته للترجمة في قوله استهموا سفينة وهذا الحديث مضى في الشركة في باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه فإنه أخرجه هناك عن أبي نعيم عن زكرياء قال سمعت عامرا وهو الشعبي يقول سمعت النعمان بن بشير إلى آخره وفي بعض النسخ وقع حديث النعمان هكذا في آخر الباب
قوله مثل المدهن وهناك مثل القائم على حدود الله تعالى والمدهن بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء وفي آخره نون من الإدهان وهو المحاباة في غير حق وهو الذي يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر ووقع عند الإسماعيلي في الشركة مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمدهن فيها وهذه ثلاث فرق وجودها في المثل المضروب هو أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ثم من عداهم إما منكر وهو القائم وإما ساكت وهو المداهن
وقال الكرماني فإن قلت قال ثمة يعني في كتاب الشركة مثل القائم على حدود الله وقال ههنا مثل المدهن وهما نقيضان إذ الآمر هو القائم بالمعروف والمدهن هو التارك له فما وجهه قلت كلاهما صحيح فحيث قال القائم نظر إلى جهة النجاة وحيث قال المدهن نظر إلى جهة الهلاك ولا شك أن التشبيه مستقيم على كل واحد من الجهتين واعترض عليه بعضهم بقوله كيف يستقيم هنا الاقتصار على ذكر المدهن وهو التارك للأمر بالمعروف وعلى ذكر الواقع في الحد وهو العاصي وكلاهما هالك والحاصل أن بعض الرواة ذكر المدهن والقائم وبعضهم ذكر الواقع والقائم وبعضهم جمع الثلاثة وأما الجمع بين المدهن والواقع دون القائم فلا يستقيم انتهى
قلت لا وجه لاعتراضه على الكرماني لأن سؤال الكرماني وجوابه مبنيان على القسمين المذكورين في هذا الحديث وهما المدهن المذكور هنا والقائم المذكور هناك وهو لم يبين كلامه على التارك الأمر بالمعروف والواقع في الحد فلا يرد عليه شيء أصلا تأمل فإنه موضع يحتاج فيه إلى التأمل
قوله استهموا سفينة أي اقترعوها فأخذ كل واحد منهم سهما أي نصيبا من السفينة بالقرعة وقال ابن التين وإنما يقع ذلك في السفينة ونحوها فيما إذا أنزلوا معا أما لو سبق بعضهم بعضا فالسابق أحق بموضعه وقال بعضهم هذا فيما إذا كانت مسبلة أما إذا كانت مملوكة لهم مثلا فالقرعة مشروعة إذا تنازعوا قلت إذا وقعت المنازعة تشرع القرعة سواء كانت مسبلة أو مملوكة ما لم يسبق أحدهم في المسبلة قوله فتأذوا به أي بالمار عليهم أو بالماء الذي مع المار عليهم قوله ينقر بفتح الياء وسكون النون وضم القاف من النقر وهو الحفر سواء كان في الخشب أو الحجر أو نحوهما قوله

(13/263)


فإن أخذوا على يديه أي منعوه من النقر ويروى على يده قوله نجوه أي نجو المار ويروى أنجوه بالهمزة ونجوا أنفسهم بتشديد الجيم وهكذا إقامة الحدود تحصل بها النجاة لمن إقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها
وقال المهلب في هذا الحديث تعذيب العامة بذنب الخاصة واستحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف وتبيين العالم الحكم بضرب المثل
7862 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( خارجة بن زيد الأنصاري ) أن أم العلاء امرأة من نسائهم قد بايعت النبي أخبرته أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكناى حين اقترعت الأنصار سكنى المهاجرين قالت أم العلاء فسكن عندنا عثمان بن مظعون فاشتكى فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال لي النبي وما يدريك أن الله أكرمه فقلت لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقال رسول الله أما عثمان فقد جاءه والله اليقين وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به قالت فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا وأحزنني ذالك قالت فنمت فأريت لعثمان عينا تجري فجئت إلى رسول الله فأخبرته فقال ذلك عمله
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا السند بعينه قد مر غير مرة والحديث مر في كتاب الجنائز في باب الدخول على الميت بعد الموت وتقدم الكلام فيه هناك مستوفى وخارجة بن زيد بن ثابت أبو زيد الأنصاري النجاري المديني أحد الفقهاء السبعة قال العجلي مدني تابعي ثقة وأم العلاء بنت الحارث بن ثابت بن خارجة بن ثعلبة بن الجلاس بن أمية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزر وهي والدة خارجة بن زيد بن ثابت وعثمان بن مظعون بفتح الميم وسكون الظاء المعجمة وضم العين المهملة ابن حبيب بن وهب الجمحي أبو السائب أحد السابقين
قوله اشتكى أي مرض قوله فمرضناه بتشديد الراء من التمريض وهو القيام بأم المريض قوله أبا السائب كنية عثمان قوله بأبي أنت وأمي أي مفدى قوله ذلك عمله إنما عبر الماء بالعمل وجريانه بجريانه لأن كل ميت تمم على عمله إلا الذي مات مرابطا فإن عمله ينمو إلى يوم القيامة
8862 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي تبتغي بذالك رضاء رسول الله
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وعبد الله هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد والحديث مضى في أول حديث الإفك ومر الكلام فيه هناك
9862 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون

(13/264)


ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا
مطابقته للترجمة في قوله إلا أن يستهموا عليه لاستهموا أي لاقترعوا عليه وكل ما ذكر في هذا الباب من الحديث وغيره في مشروعية القرعة والحديث مر في كتاب مواقيت الصلاة في باب الاستهام في الأذان وقد مر الكلام فيه هناك
بسم الله الرحمان الرحيم
35 -
( كتاب الصلح )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الصلح هكذا بالبسملة وبقوله كتاب الصلح وقع عند النسفي والأصيلي وأبي الوقت ووقع لغيرهم باب موضع كتاب ووقع لأبي ذر في الإصلاح بين الناس ووقع للكشميهني الإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا والصلح على أنواع في أشياء كثيرة لا يقتصر على بعض شيء كما قاله بعضهم والصلح في اللغة اسم بمعنى المصالحة وهي المسالمة خلاف المخاصمة وأصله من الصلاح ضد الفساد وفي الشرع الصلح عقد يقطع النزاع من بين المدعي والمدعى عليه ويقطع الخصومة فافهم
1 -
( باب ما جاء في الإصلاح بين الناس )
أي هذا باب في بيان حكم الإصلاح بين الناس وفي بعض النسخ باب ما جاء في الإصلاح بين الناس
وقول الله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلأ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( النساء 411 )
وقول الله بالجر عطفا على قوله في الإصلاح ذكر هذه الآية في بيان فضل الإصلاح بين الناس وأن الصلح أمر مندوب إليه وفيه قطع النزاع والخصومات قوله من نجواهم ( النساء 411 ) يعني كلام الناس ويقال النجوى السر وقال النحاس كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا فهو نجوى قوله إلا من أمر ( النساء 411 ) تقديره إلا نجوى من أمر إلى آخره ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن من أمر بصدقة أو معروف فإن في نجواه خيرا وقال الداودي معناه لا ينبغي أن يكون أكثر نجواهم إلا في هذه الخلال قوله أو معروف ( النساء 411 ) المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله عز و جل والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس إذا رواه لا ينكرونه قوله ابتغاء مرضاة الله ( النساء 411 ) أي طلبا لرضاه مخلصا في ذلك محتسبا ثواب ذلك عند الله تعالى
وخروج الإمام إلى المواضع ليصلح بين الناس بأصحابه
وخروج الإمام بالجر عطفا على قوله وقول الله وهو من بقية الترجمة قال المهلب إنما يخرج الإمام ليصلح بين الناس إذا أشكل عليه أمرهم وتعذر ثبوت الحقيقة عنده فيهم فحينئذ يخرج إلى الطائفتين ويسمع من الفريقين ومن الرجل والمرأة ومن كافة الناس سماعا شافيا يدل على الحقيقة هذا قول عامة العلماء وكذلك ينهض الإمام على العقارات والأرضين التي يتشاح في قسمتها فيعاين ذلك وقال عطاء لا يحل للإمام إذا تبين القضاء أن يصلح بين الخصوم وإنما يسعه ذلك في الأمور المشكلة وأما إذا استبانت الحجة لأحد الخصمين على الآخر وتبين للحاكم موضع الظالم على المظلوم فلا يسعه أن يحملها على الصلح وبه قال أبو عبيد وقال الشافعي يأمرهما بالصلح ويؤخر الحكم بينهما يوما أو يومين وقال الكوفيون إن طمع القاضي أن يصطلح الخصمان فلا بأس أن يرددهما ولا ينفذ الحكم بينهما لعلهما يصطلحان ولا يرددهم أكثر من مرة أو مرتين فإن لم يطمع أنفذ الحكم بينهما واحتجوا بما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال رددوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين الناس الضغائن

(13/265)


962 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه أن ناسا من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج إليهم النبي في أناس من أصحابه يصلح بينهم فحضرت الصلاة ولم يأت النبي فجاء بلال فأذن بالصلاة ولم يأت النبي فجاء إلى أبي بكر فقال إن النبي حبس وقد حضرت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس فقال نعم إن شئت فأقام الصلاة فتقدم أبو بكر ثم جاء النبي يمشي في الصفوف حتى قام في الصف الأول الأول فأخذ الناس بالتصفيح حتى أكثروا وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت في الصلاة فالتفت فإذا هو بالنبي وراءه فأشار إليه بيده فأمره أن يصلي كما هو فرفع أبو بكر يده فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه حتى دخل في الصف وتقدم النبي فصلى بالناس فلما فرغ أقبل على الناس فقال يا أيها الناس إذا نابكم شيء في صلاتكم أخذتم بالتصفيح إنما التصفيح للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه إلا التفت يا أبا بكر ما منعك حين أشرت إليك لم تصل بالناس فقال ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي النبي
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه في الإصلاح بين الناس ولا سيما للجزء الأخير من الترجمة وهو قوله وخروج الإمام ومطابقته له صريح في قوله فخرج إليهم النبي وأبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وفي آخره نون واسمه محمد بن مطرف الليثي المدني نزل عسقلان وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي سلمة بن دينار والحديث مضى في كتاب مواقيت الصلاة في باب من دخل ليؤم الناس فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي حازم وقد تقدم الكلام فيه هناك مستقصى
قوله كان بينهم شيء أي من الخصومة قوله وحبس على صيغة المجهول أي حصل له التوقف بسبب الإصلاح قوله بالتصفيح هو التصفيق وهو ضرب اليد على اليد بحيث يسمع له صوت قوله إذا نابكم كلمة إذا للظرفية المحضة لا للشرط قوله لم تصل قال الكرماني هو مثل ما منعك إلأ لا تسجد وثمة صح أن يقال لا زائدة فما قولك هنا إذ لم لا تكون زائدة ثم أجاب بقوله منعك مجاز عن دعاك حملا للنقيض على النقيض
1962 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( معتمر ) قال سمعت أبي أن ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه قال قيل للنبي لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق إليه النبي وركب حمارا فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة فلما أتاه النبي فقال إليك عني والله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار منهم والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها أنزلت وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ( الحجرات 9 )

(13/266)


مطابقته للترجمة من حيث إنه خرج إلى موضع فيه عبد الله بن أبي بن سلول ليدعوه إلى الإسلام وكان ذلك في أول قدومه المدينة إذ التبليغ فرض عليه وكان يرجو أن يسلم من وراءه بإسلامه لرياسته في قومه وقد كان أهل المدينة عزموا أن يتوجوه بتاج الإمارة لذلك وكان خروجه في نفس الأمر من أعظم الإصلاح فيهم قيل إنما خرج إليهم ولم ينفذ إليهم لكثرتهم وليكون خروجه أعظم في نفوسهم وقيل لقرب عهدهم بالإسلام وقال الداودي كان هذا قبل إسلام عبد الله بن أبي قلت لكن بشكل عليه قوله أنزلت وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( الحجرات 9 ) على ما نذكره عن قريب
ورجاله أربعة الأول مسدد وقد تكرر ذكره الثاني معتمر على وزن اسم فاعل من الاعتمار الثالث أبوه سليمان ابن طرخان الرابع أنس بن مالك وهؤلاء كلهم بصريون
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن عبد الأعلى عن معتمر عن أبيه به
ذكر معناه قوله لو أتيت كلمة لو هنا للتمني فلا يحتاج إلى جواب ويجوز أن تكون على أصلها والجواب محذوف تقديره لكان خيرا ونحو ذلك قوله وركب حمارا جملة حالية وكذلك قوله يمشون جملة حالية قوله سبخة بفتح الباء الموحدة واحدة السباخ وأرض سبخة بكسر الباء ذات سباخ وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر قوله إليك عني يعني تنح عني قوله فقال رجل من الأنصار قال ابن التين قيل إنه عبد الله بن رواحة قوله لحمار اللام فيه للتأكيد وارتفاعه على الابتداء وخبره قوله أطيب ريحا منك قوله فغضب لعبد الله أي لأجل عبد الله وهو ابن أبي بن سلول قوله فشتمه كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فشتما بالتثنية بلا ضمير أي فشتم كل واحد منهما الآخر قوله بالجريد بالجيم والراء كذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني بالحديد بالحاء المهملة والدال قوله فبلغنا القائل هو أنس بن مالك قوله إنها أي إن الآية أنزلت وأوضحها بقوله وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( الحجرات 9 ) وقال ابن بطال ويستحيل أن تكون الآية الكريمة نزلت في قصة ابن أبي وقتال أصحابه مع الصحابة لأن أصحاب عبد الله ليسوا مؤمنين وقد تعصبوا له بعد الإسلام في قصة الإفك وقد جاء هذا المعنى مبينا في هذا الحديث في كتاب الاستئذان من رواية أسامة بن زيد قال مر رسول الله بمجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين وعبدة الأوثان واليهود فيهم عبد الله بن أبي وأن النبي لما عرض عليهم الإيمان قال ابن أبي إجلس في بيتك فمن جاءك يريد الإسلام الحديث فدل أن الآية لم تنزل في قصة ابن أبي وإنما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حد فاقتتلوا بالعصي والنعال قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة ويشبه أن تكون نزلت في بني عمرو بن عوف الذين خرج إليهم النبي ليصلح بينهم الحديث المذكور في الصلاة وفي تفسير مقاتل مر على الأنصار وهو راكب حماره يعفور فبال فأمسك ابن أبي بأنفه وقال للنبي خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار فشق على النبي قوله فانصرف فقال ابن رواحة ألا أراك أمسكت على أنفك من بول حماره والله لهو أطيب من ريح عرضك فكان بينهم ضرب بالأيدي والسعف فرجع النبي فأصلح بينهم فأنزل الله تعالى وإن طائفتان ( الحجرات 9 ) الآية وفي ( تفسير ابن عباس ) وأعان ابن أبي رجال من قومه وهم مؤمنون فاقتتلوا ومن زعم أن قتالهم كان بالسيوف فقد كذب
قلت التحرير في هذا أن حديث أنس هذا مغاير لحديث سهل بن سعد الذي قبله لأن قصة سهل في بني عمرو بن عوف وهم من الأوس وكانت منازلهم بقباء وقصة أنس في رهط عبد الله بن أبي وهم من الخزرج وكانت منازلهم بالعالية فلهذا استشكل ابن بطال ثم قال يشبه أن تكون الآية نزلت في بني عمرو بن عوف فإذا كان نزول الآية فيهم لا إشكال فيه وإذا قلنا نزولها في قضية عبد الله بن أبي يبقى الإشكال ولكن يحتمل أن يزول الإشكال من وجه آخر وهو أن في حديث أنس ذكر أنه كان يمضي بنفسه ليبلغ ما أنزل إليه لقرب عهدهم بالإسلام فبهذا يزول الإشكال إن صح ذلك مع أن الداودي نص على أنه كان قبل إسلام عبد الله كما ذكرناه فإن صح ما ذكره الداودي فالإشكال باق ويحتمل إزالة الإشكال أيضا من وجه آخر وهو أن قول أنس في الحديث المذكور بلغنا أنها أنزلت لا يستلزم النزول في ذلك الوقت

(13/267)


والدليل على ذلك أن الآية في الحجرات ونزولها متأخر جدا
على أن المفسرين اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قتادة نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما للآخر لآخذن حقي منك عنوة لكثرة عشيرته وأن الآخر دعاه إلى النبي فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعا وحتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ولم يكن قتال بالسيوف وقال الكلبي إنها نزلت في حرب سمير وحاطب وكان سمير قتل حاطبا فجعل الأوس والخزرج يقتتلون إلى أن أتاهم رسول الله فأنزل الله هذه الآية وأمر نبيه والمؤمنين أن يصلحوا بينهم وقال السدي كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء قال فرقى بها إلى علية وحبسها فيها فبلغ ذلك قومها فجاؤا وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال فأنزل الله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( الحجرات 9 ) ح
ذكر ما يستفاد منه فيه بيان ما كان للنبي عليه من الصفح والحلم والصبر على الأذى والدعاء إلى الله تعالى وتأليف القلوب على ذلك وفيه أن ركوب الحمار لا نقص فيه على الكبار وكان ركوبه على سبيل التشريع ركب مرة فرسا لأبي طلحة في فزع كان بالمدينة وركب يوم حنين بغلته ليثبت المسلمون إذا رأوه عليها ووقف بعرفة على راحلته وسار منها إلى مزدلفة وهو عليها ومن مزدلفة إلى منى وإلى مكة وفيه ما كان عليه الصحابة من تعظيم رسول الله والأدب معه والمحبة الشديدة وفيه جواز المبالغة في المدح لأن الصحابي أطلق على أن ريح الحمار أطيب من ريح عبد الله بن أبي ولم ينكر عليه النبي في ذلك وفيه إباحة مشي التلامذة والشيخ راكب
2 -
( باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس )
أي هذا باب يذكر فيه ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس لأن فيه دفع المفسدة وقمع الشرور ومعناه أن هذا الكذب لا يعد كذبا بسبب الإصلاح مع أنه ل يخرج من حقيقته فإن قلت الذي في الحديث ليس الكذاب فلفظ الترجمة لا يطابقه قلت في لفظ مسلم من رواية معمر عن ابن شهاب كلفظ الترجمة فلا يضر هذا القدر من الاختلاف وقال بعضهم وكان حق السياق أن يقول ليس من يصلح بن الناس كاذبا لكنه ورد على طريق القلب وهو سائغ انتهى قلت الذي ذكره هو حق السياق لأن الحديث هكذا فراعى المطابقة غير أن الاختلاف في لفظ الكذاب والكاذب وكلاهما لفظ النبي في حديث واحد فلا يعد اختلافا ودعوى القلب لا دليل عليه مع أن معنى قوله في الحديث ليس الكذاب أنه من باب ذي كذا أي ليس بذي كذب كما قيل في قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت 64 ) أي وما ربك بذي ظلم لأن نفي الظلامية لا يستلزم نفي كونه ظالما فلذلك يقدر كذا لأن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة يعني ليس عنده ظلم أصلا
2962 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن ( صالح ) عن ( ابن شهاب ) أن ( حميد بن عبد الرحمان ) أخبره أن ( أمه ) أم ( كلثوم بنت عقبة أخبرته أنها ) سمعت رسول الله يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس الأويسي وفي بعض النسخ لفظ الأويسي مذكور وهو نسبته إلى أحد أجداده الثاني إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الثالث صالح بن كيسان الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس حميد بضم الحاء ابن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف السادس أمه أم كلثوم بنت عقبة بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط كانت تحت زيد بن حارثة ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميدا ثم تزوجها الزبير بن العوام ثم تزوجها عمرو بن العاص وهي أخت الوليد بن

(13/268)


عقبة وأخت عثمان بن عفان لأمه أسلمت وهاجرت وبايعت وكانت هجرتها سنة سبع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه السماع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم صالح وابن شهاب وحميد وفيه رواية الابن عن الأم وفيه رواية التابعي عن الصحابية
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الأدب عن عمرو بن الناقد وعن حرملة وأخرجه أبو داود فيه عن نصر بن علي وعن مسدد وعن أحمد بن محمد وعن الربيع بن سليمان وأخرجه الترمذي في البر عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في السير عن عبيد الله بن سعيد وفي عشرة النساء عن محمد بن زنبور وعن كثير بن عبيد وعن أبي الطاهر بن السرح
ذكر معناه قوله الذي يصلح بين الناس في محل النصب لأنه خبر ليس ويصلح بضم الياء من الإصلاح قوله فينمي من نمى الحديث إذا رفعه وبلغه على وجه الإصلاح وأنماه إذا بلغه على وجه الإفساد وكذلك نماه بالتشديد وقال ابن فارس نميت الحديث إذا أشعته ونميت بالتخفيف أسندته وقال الزجاج في ( فعلت وأفعلت ) نميت الشيء وأنميته بمعنى وفي ( فصيح ثعلب ) نمى ينمي أي زاد وكثر وحكى اللحياني ينمو بالواو قال وهما لغتان فصيحتان وفيه لغة أخرى حكاها ابن القطاع وغيره نمو على وزن شرف وقال الكسائي لم أسمعه بالواو إلا من أخوين من بني سليم قال ثم سألت عنه بني سليم فلم يعرفوه بالواو وفي ( الصحاح ) ربما قالوا بالواو وينمو وفي ( الواعي ) وغيره ينمى أفصح وذكر أبو حاتم في ( تقويم المفسد ) لا يقال ينمو وعن الأصمعي العامة يقولون ينمو ولا أعرف ذلك يثبت وذكر الليلي أن بعض اللغويين فرق بين ينمى وينمو فقال ينمى بالياء للمال وبالواو لغير المال وقال الحربي وأكثر المحدثين يقولون نمى خيرا بتخفيف الميم وهذا لا يجوز في النحو وسيدنا رسول الله أفصح الناس ومن خفف الميم يلزمه أن يقول خير بالرفع انتهى لقائل أن يقول يجوز أن ينتصب خيرا بينمى كما ينتصب بقال وذكر ابن قرقول عن القعنبي ينمي بضم الياء وكسر الميم قال وليس بشيء ووقع في رواية ينهى ذلك بالهاء وهو تصحيف وقد يخرج على معنى أن يبلغ به من أنهيت الأمر إلى كذا أي أوصلته إليه أوصلته إليه وفي ( المحكم ) أنميته أذعته على وجه النميمة قوله أو يقول خيرا شك من الراوي وزاد مسلم في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن الزهري قالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث يعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها وجعل يونس هذه الزيادة عن الزهري فقال لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث وعند الترمذي لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس وقال الطبري اختلف العلماء في هذا الباب فقالت طائفة الكذب المرخص فيه في هذه هو جميع معاني الكذب فحمله قوم على الإطلاق وأجازوا قول ما لم يكن في ذلك لما فيه من المصلحة فإن الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة للمسلمين واحتجوا بما رواه عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال كنا عند عثمان وعنده حذيفة فقال له عثمان بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا فقال حذيفة والله ما قلته قال وقد سمعناه قال ذلك فلما خرج قلنا له أليس قد سمعناك تقوله قال بلى قلنا فلم حلفت فقال إني أستر ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله وقال آخرون لا يجوز الكذب في شيء من الأشياء ولا الخبر عن شيء بخلاف ما هو عليه وما جاء في هذا إنما هو على التورية وطريق المعاريض تقول للظالم فلان يدعو لك وتنوي قوله أللهم اغفر لجميع المسلمين ويعد زوجته وبنته ويريد في ذلك أن قدر الله تعالى أو إلى مدة وكذلك الإصلاح بين الناس وحديث المرأة زوجها يحتمل أنه مما يحدث أحدهما الآخر من وده له واغتباطه به والكذب في الحرب هو أن يظهر من نفسه قوة ويتحدث بما يشحذ به بصيرة أصحابه ويكيد به عدوه وقد قال سيدنا رسول الله الحرب خدعة وقال المهلب ليس لأحد أن يعتقد إباحة الكذب وقد نهى النبي عن الكذب نهيا مطلقا وأخبر أنه مخالف للإيمان فلا يجوز استباحة شيء منه وإنما أطلق النبي للمصلح بين الناس أن يقول ما علم من الخير بين الفريقين ويسكت عما سمع من الشر بينهم ويعد أن يسهل ما صعب ويقرب ما بعد لا أنه يخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه لأن الله قد حرم ذلك ورسوله وكذلك الرجل يعد المرأة

(13/269)


ويمنيها وليس هذا من طريق الكذب لأن حقيقته الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه والوعد لا يكون حقيقة حتى ينجز وإلانجاز مرجو في الاستقيال فلا يصلح أن يكون كذبا وكذلك في الحرب إنما يجوز فيها المعاريض والإبهام بألفاظ تحتمل وجهين فيوري بها عن أحد المعنيين ليغتر السامع بأحدهما عن الآخر وليس حقيقته الإخبار عن الشيء بخلافه وضده ونحو ذلك ما روي عن رسول الله أنه مازح عجوزا فقال إن العجز لا يدخلن الجنة فأوهمها في ظاهر الأمر أنهن لا يدخلن الجنة أصلا وإنما أراد أنهن لا يدخلن الجنة إلا شبابا فهذا وشبهه من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب وأما صريح الكذب فليس بجائز لأحد وأما قول حذيفة رضي الله تعالى عنه فإنه خارج من معاني الكذب الذي روي عن رسول الله أنه أذن فيها وإنما ذلك من جنس إحياء الرجل نفسه عند الخوف كالذي يضطر إلى الميتة ولحم الخنزير فيأكل ليحيى نفسه وكذلك الخائف له أن يخلص نفسه ببعض ما حرم الله تعالى عليه وله أن يحلف على ذلك ولا حرج عليه ولا إثم قال عياض وأما المخادعة في منع حق عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أولها فهو حرام بالإجماع
3 -
( باب قول الإمام لأصحابه اذهبوا بنا نصلح )
أي هذا باب في بيان قول الإمام إلى آخره قوله نصلح مجزوم لأنه جواب الأمر
3962 - حدثنا ( محمد بن عبد الله ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وإسحاق بن محمد ) الفروي قالا حدثنا ( محمد بن جعفر ) عن ( أبي حازم ) عن ( سهل بن سعد ) رضي الله تعالى عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله بذلك فقال اذهبوا بنا نصلح بينهم
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الله هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري روى عنه البخاري في قريب من ثلاثين موضعا ولم يقل حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا ويقول حدثنا محمد ولا يزيد عليه وربما يقول محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده ويقول أيضا محمد بن خالد وينسبه إلى جد أبيه والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه مات بعد البخاري بيسير سنة سبع وخمسين ومائتين وأما عبد العزيز بن عبد الله الأويسي فهو أيضا من مشايخ البخاري وقد روى عنه بلا واسطة في الباب الذي قبله وروى هنا بواسطة محمد بن يحيى وهكذا وقع في رواية الأكثرين ووقع في رواية النسفي وأبي أحمد الجرجاني بإسقاطه وصار الحديث عندهما عن البخاري عن عبد العزيز وإسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة أبو يعقوب الفروي وهو أيضا من مشايخ البخاري روى عنه وعن محمد غير منسوب عنه وهو من أفراده وعبد العزيز وإسحاق كلاهما رويا عن محمد بن جعفر بن أبي كثير عن أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن دينار عن سهل بن سعد الأنصاري وهذا الحديث طرف من حديث سهل بن سعد الذي مضى في أول كتاب الصلح
قوله نصلح يجوز بالجزم وبالرفع أما الجزم فلأنه جواب الأمر وأما الرفع فعلى تقدير نحن نصلح
وفيه خروج الإمام مع أصحابه للإصلاح بين الناس عند تفاقم أمورهم وشدة تنازعهم وفيه ما كان من التواضع والخضوع والحرص على قطع الخلاف وحسم دواعي الفرقة عن أمته كما وصفه الله تعالى
4 -
( باب قول الله تعالى أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير ( النساء 821 ) )
أول الآية قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( النساء 821 ) يقول الله تعالى مخبرا ومشرعا عن حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة وتارة في حال اتفاقه منها وتارة عند فراقه لها فالحالة

(13/270)


الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ولا عليه في قبوله منها ولهذا قال الله تعالى فلا جناح عليهما أن يصالحها بينهما صلحا ( النساء 821 ) ثم قال والصلح خير ( النساء 821 ) أي من الفراق وروى أبو داود الطيالسي حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله فقالت يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية وإن امرأة خافت ( النساء 821 ) الآية ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي وقال حسن غريب وقيل نزلت في رافع بن خديج طلق زوجته واحدة وتزوج شابة فلما قارن انقضاء العدة قالت أصالحك على بعض الأيام ثم لم تسمح فطلقها أخرى ثم سألته ذلك فراجعها فنزلت هذه الآية قوله نشوزا النشوز أصله الإرتفاع فإذا أساء عشرتها ومنعها نفسه والنفقة فهو نشوز وقال ابن فارس نشز بعلها إذا جفاها وضربها وقال الزمخشري النشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها الرحمة التي بين الرجل والمرأة وأن يؤذيها بسب أو ضرب والإعراض أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شيء في خلق أو خلق أو ملال أو نحو ذلك قوله أن يصالحا أصله أن يتصالحا فأبدلت التاء صادا وأدغمت الصاد في الصاد فصار يصالحا وقريء أن يصلحا أي أن يصطلحا وأصله يصتلحا فأبدلت التاء صادا وأدغمت في الأخرى وقرىء أن يصلحا وقوله صلحا ( النساء 821 ) في معنى مصدر كل واحد من الأفعال الثلاثة قوله والصلح خير ( النساء 821 ) أي من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة قال الزمخشري هذه الجملة اعتراض وكذلك قوله وأحضرت الأنفس الشح ( النساء 821 ) ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه يعني أنها مطبوعة عليه والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها والرجل لا يكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها قوله وإن تحسنوا ( النساء 821 ) أي بالإقامة على نسائكم وتتقوا النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة فإن الله كان بما تعملون ( النساء 821 ) من الإحسان والتقوى خبيرا ( النساء 821 ) يثيبكم عليه
4962 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( النساء 821 ) قالت هو الرجل يراى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني واقسم لي ما شئت قالت فلا بأس إذا تراضيا
هذا الحديث تفسير عائشة رضي الله تعالى عنها هذه الآية وسفيان هو ابن عيينة قوله كبرا بالنصب بيان لقوله ما لا يعجبه أي كبر السن أو غيره من سوء خلق أو خلق ويروى وغيره بالواو قوله فتقول أي المرأة تقول لزوجها عائشة فلا بأس بذلك إذا تراضيا أي الرجل وامرأته ودل هذا على أن ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهم على بعض لا يجوز إلا بإذن المفضولة ورضاها ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع بين الرجل والمرأة في مال أو وطء أو غير ذلك وكل ما تراضيا عليه من الصلح فهو حلال للرجل من زوجته للآية المذكورة ونقل الداودي عن مالك أنها إذا رضيت بالبقاء بترك القسم لها أو الإنفاق عليها ثم سألت العدل كان ذلك لها والذي قاله في المدونة ذكره في القسم لها وأما النفقة فيلزمها ذلك إذا تركته والفرق أن الغيرة لا تملك بخلاف النفقة
5 -
( باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اصطلح قوم على صلح جور الجور في الأصل الظلم يقال جار جورا أي ظلما ولفظ جور يجوز أن يكون صفة لصلح ويجوز أن يكون مضافا إليه قوله فالصلح بالفاء جواب إذا المتضمنة معنى الشرط

(13/271)


6962 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ) رضي الله تعالى عنهما قالا جاء أعرابي فقال يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله فقام خصمه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله فقال الأعرابي أن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فقالوا لي على ابنك الرجم ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة ثم سألت أهل العلم فقالوا إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام فقال النبي لأقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وأما أنت يا أنيس لرجل فاغد على امرأة هاذا فارجمها فغدا عليها أنيس فرجمها
مطابقته للترجمة في قوله أما الوليدة والغنم فرد عليك لأنه في معنى الصلح عما وجب على العسيف من الحد ولم يكن ذلك جائزا في الشرع فكان جورا
وآدم هو ابن أبي إياس واسمه عبد الرحمن أصله من خراسان سكن في عسقلان وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب والزهري هو محمد بن مسلم وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
وبعض هذا الحديث مر في الوكالة في باب الوكالة في الحدود وقد مر الكلام فيما يتعلق به وبتعدد موضعه ومن أخرجه غيره ولنتكلم بما يتعلق به هنا
ذكر معناه قوله بكتاب الله أي بحكم كتاب الله تعالى فإن قلت هذا وخصمه كانا يعلمان أنه لا يحكم إلا بكتاب الله فما معنى قولهما إقض بيننا بكتاب الله تعالى قلت ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالصلح إذ للحاكم أن يفعل ذلك لكن برضاهما قوله عسيفا أي أجيرا ويجمع على عسفاء ذكره الأزهري وعسفة على غير قياس ذكره ابن سيده وقيل كل خادم عسيف وقال ابن الأثير وعسيف فعيل بمعنى مفعول كأسير أو بمعنى فاعل كعليم من العسف الجور أو الكفاية قوله على هذا إنما قال على هذا ولم يقل لهذا ليعلم أنه أجير ثابت الأجرة عليه وإنما يكون كذلك إذا لابس العمل وأتمه ولو قال لهذا لم يلزم ذلك قوله ووليدة أي قوله ثم سألت أهل العلم أراد بهم الصحابة الذين كانوا يفتون في عصر النبي وهم الخلفاء الأربعة وثلاثة من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم قوله وتغريب عام التغريب بالغين المعجمة النفي عن البلد الذي وقعت فيه الجناية يقال أغربته وغربته إذا نحيته وأبعدته والغرب البعد قوله لأقضين بينكما بكتاب الله أي بحكمه إذ ليس في الكتاب ذكر الرجم وقد جاء الكتاب بمعنى الفرض قال تعالى كتب عليكم الصيام ( البقرة 381 ) أي فرض ويحتمل أن يكون فرض أولا ثم نسخ لفظه دون حكمه على ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال قرأناها فيما أنزل الله تعالى الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة ( النساء 61 ) ويقال الرجم وإن لم يكن منصوصا عليه في القرآن باسمه الخاص فإنه مذكور فيه على سبيل الإجمال وهو قوله عز و جل فآذوهما ( النساء 61 ) والأذى يتسع في معناه الرجم وغيره من العقوبة قوله فرد عليك رد مصدر ولهذا وقع خبرا والتقدير فهو رد أي مردود عليك ويروى فترد عليك على صيغة المجهول من المضارع قوله يا أنيس تصغير أنس قيل هو ابن الضحاك الأسلمي يعد في الشاميين ومخرج حديثه عليهم وقد حدث عن النبي وقال ابن التين هو تصغير أنس بن مالك خادم رسول الله وذهب ابن عبد البر إلى أنه الضحاك بن مرثد الغنوي والأول أشهر قوله فاغد أي ائتها غدوة قاله ابن التين ثم قال قيل فيه تأخير الحكم إلى الغد وقال غيره ليس معناه أمض إليها بكرة بل معناه إمش إليها وكذا معنى قوله فغدا عليها أي مشى إليها قوله فرجمها أي بعد أن ثبت باعترافها فإن قلت ما الحكمة في تخصيص أنيس بهذا الحكم قلت لأنه ما كان يأمر في القبيلة إلا رجلا منها لنفورهم من حكم غيرهم وأنيسا كان أسلميا والمرأة كانت أسلمية
ذكر ما يستفاد منه من ذلك احتج به الأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن ابن أبي حي والشافعي وأحمد

(13/272)


وإسحاق على أن الرجل إذا لم يكن محصنا وزنى فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عاما وقال أبو عمر لا خلاف بين المسلمين إن البكر إذا زنى يجلد مائة جلدة
واختلفوا في التغريب فقال مالك ينفى الرجل ولا تنفى المرأة ولا العبد وقال الأوزاعي ينفى الرجل ولا تنفى المرأة وقال الثوري والشافعي والحسن بن حي ينفى الزاني إذا جلد امرأة كان أو رجلا واختلف قول الشافعي في العبد فقال مرة استحيى الله في تغريب العبد وقال مرة ينفى العبد نصف سنة وقال مرة ينفى سنة إلى غير بلده وبه وقال الطبري وقال الترمذي وقد صح عن رسول الله النفي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي منهم أبو بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وغيرهم وكذلك روي عن غير واحد من التابعين وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر البكر إذا زنى جلد مائة ولا ينفى إلا أن يرى الإمام أن ينفيه للدعارة التي كانت منه فينفيه إلى حيث أحب كما ينفي الدعار غير الزناة قلت الدعر والدعارة الشر والفساد ومدة نفي الدعار موكولة إلى رأي الإمام وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه غرب في الخمر وكان عمر إذا غضب على رجل نفاه إلى الشام وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قطع يد سارق ونفاه إلى زرارة وهي قرية قريبة من الكوفة وكذا جاء النفي في المخنثين على ما يجيء في الكتاب إن شاء الله تعالى
واحتج أبو حنيفة ومن معه في ذلك بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إذا زنت ولم تحصن فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير الحديث قالوا فلما قال رسول الله في الأمة إذا زنت أن تجلد ولم يأمر مع الجلد نفي وقال الله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( النساء 52 ) فأعلمنا بذلك أن ما يجب على الإماء إذا زنين هو نصف ما يجب على الحرائر إذا زنين ثم ثبت أن لا نفي على الأمة إذا زنت كذلك أيضا لا نفي على الحرة إذا زنت وقال الطحاوي وقال الطحاوي وقد رويناه عن رسول الله أنه نهى عن أن تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع محرم فدل ذلك أن لا تسافر المرأة في حد الزنى ثلاثة أيام بغير محرم وفي ذلك إبطال النفي عن النساء في الزنى وانتفى ذلك عن الرجال أيضا لأن في درئه إياه عن الحرائر دليل على درئه عن الأحرار فإن قلت يلزم الحنفية على ما ذكروا أن لا يمنعوا من تغريب المرأة إلى ما دون ثلاثة أيام قلت لا يلزمهم ذلك لأن النفي ليس من الحد حتى يستعملوه فيما يمكنهم وإنما هو من باب التعزير وقالوا أيضا النص جعل الحد مائة والزيادة على مطلق النص نسخ وما رووه منسوخ بحديث ماعز قلت هذا إذا ثبت تأخر أمر ماعز عنه ولأن في التغريب تعريضا لها للفساد ولهذا قال علي رضي الله تعالى عنه كفى بالنفي فتنة وعمر رضي الله تعالى عنه نفي شخصا فارتد ولحق بدار الحرب فحلف أن لا ينفى بعده أبدا وبهذا عرف أن نفيهم كان بطريق السياسة والتعزيز لا بطريق الحد لأن مثل عمر لا يحلف أن لا يقيم الحدود فافهم
وفيه أن أولى الناس بالقضاء الخليفة إذا كان عالما بوجوه القضاء وفيه أن المدعى أولى بالقول والطالب أحق أن يتقدم بالكلام وإن بدأ المطلوب وفيه أن الباطل من القضاء مردود وما خالف السنة الواضحة من ذلك فباطل وفيه أن قبض من قضى له بما قضى له به إذا كان خطأ وجورا وخلافا للسنة لا يدخله قبضه في ملكه ولا يصح ذلك له وعليه رده وفيه أن للعالم إن يفتي في مصر فيه من هو أعلم منه إذا أفتى بعلم وفيه أنه لم تقع الفرقة بينهما بالزنى وفيه أنه لا يجب على الإمام حضور المرجوم بنفسه وفيه دليل على وجوب قبول خبر الواحد وفيه أدب السائل في طلب الأذن وفيه أن الرجم لا يجب إلا على المحصن وهذا لا خلاف فيه ولا يلتفت إلى ما يحكى عن الخوارج وقد خالفوا السنن وفيه أنه لم يجعل قاذفا بقوله زنى بامرأته وفيه أنه لم يشترط في الاعتراف التكرار وهو حجة على الشافعي وقال ابن أبي ليلى وأحمد لا يجب إلا بالأعتراف أربع مرات وفيه أن للإمام أن يسأل المقذوف فإن اعترف حكم عليه بالواجب وإن لم يعترف وطالب القاذف أخذ له بحقه وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال مالك لا يحد الإمام القاذف حتى يطالبه المقذوف إلا أن يكون الإمام سمعه فيحده إن كان معه شهود غيره عدول وقال أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والشافعي لا يحد القاذف إلا بمطالبة المقذوف وقال ابن أبي ليلى يحده الإمام وإن لم يطلبه المقذوف وفيه أنه لم يسأله عن كيفية الزنى لأنه مبين في قضية ماعز وهذا صحيح إن ثبت تأخير هذا الخبر عن خبر ماعز فيحمل على أن الابن كان بكرا وعلي

(13/273)


أنه اعترف وإلأ فإقرار الأب عليه غير مقبول أو يكون هذا إفتاء أي إن كان كذا فكذا وفيه سقوط الجلد مع الرجم خلافا لمسروق وأهل الظاهر في إيجابهم الجمع بينهما قلنا لو كان واجبا لأمر به وفيه استدلال للظاهرية على أن المقر بالزنى لا يقبل رجوعه عنه وليس في الحديث التعريض للرجوع وقال مالك وأصحابه يقبل منه إن رجع إلى شبهة وإن رجع إلى غيرها فيه خلاف وفيه إقامة الحاكم الحكم بمجرد إقرار المحدود من غير شهادة عليه وهو أحد قولي الشافعي وأبي ثور ولا يجوز ذلك عند مالك إلا بعد الشهادة عليه وقال للقرطبي هذا كله مبنى على أن أنيسا كان حاكما ويحتمل أن يكون رسولا ليستفصلها ويعضد هذا التأويل قوله في آخر الحديث في بعض الروايات فاعترفت فأمر بها رسول الله فرجمت فهذا يدل على أن أنيسا إنما سمع إقرارها وأن تنفيذ الحكم كان من النبي قال وحينئذ يتوجه إشكال آخر وهو أن يقال فكيف اكتفى في ذلك بشاهد واحد وقد اختلف في الشهادة على الإقرار بالزنى هل يكتفي بشهادة شاهدين أو لا بد من أربعة على قولين لعلمائنا ولم يذهب أحد من المسلمين إلى الإكتفاء بشهادة واحد فالجواب أن هذا اللفظ الذي قال فيه فاعترفت فأمر بها فرجمت هو من رواية الليث عن الزهري ورواه عن الزهري مالك بلفظ فاعترفت فرجمها لم يذكر فأمر بها النبي فرجمت وعند التعارض فحديث مالك أولى لما يعلم من حفظ مالك وضبطه وخصوصا في حديث الزهري فإنه من أعرف الناس به والظاهر أن أنيسا كان حاكما فيزول الإشكال ولو سلمنا أنه كان رسولا فليس في الحديث ما ينص على انفراده بالشهادة ويكون غيره قد شهد عليها عند النبي بذلك ويعضد هذا أن القضية اشتهرت وانتشرت فيبعد أن ينفرد بها واحد سلمنا لكنه خبر وليس بشهادة فلا يشترط العدد فيه وحينئذ يستدل بها على قبول أخبار الآحاد والعمل بها في الدماء وغيرها قال القرطبي وفيه أن زنى المرأة لا يفسخ نكاحها من زوجها وفيه أن الحدود التي هي محضة لحق الله لا يصح الصلح فيها
واختلف في حد القذف هل يصح الصلح فيه أم لا ولم يختلف في كراهته لأنه ثمن عرض ولا خلاف في جوازه قبل رفعه وأما حققو الأبدان من الجراح وحقوق الأموال فلا خلاف في جوازه مع الإقرار واختلف في الصلح على الإنكار فأجازه مالك وأبو حنيفة ومنعه الشافعي
7962 - حدثنا ( يعقوب ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) عن أبيه عن ( القاسم بن محمد ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد
مطابقته للترجمة من حيث إن من اصطلح على صلح جور فهو داخل في معنى قوله من أحدث في أمرنا الحديث ويعقوب شيخ البخاري قيل هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي وقيل يعقوب بن إبراهيم بن سعد وقيل يعقوب بن حميد بن كاسب وقيل يعقوب بن محمد بن الزهري كذا ذكره ابن السكن وأنكره الحاكم وزعم أبو نعيم أنه يعقوب بن إبراهيم وذكر الكلاباذي والحاكم أنه يعقوب بن حميد والذي وقع في رواية الأكثرين يعقوب كذا غير منسوب وانفرد ابن السكن بقوله يعقوب بن محمد وكذا وقع في المغازي في باب فضل من شهد بدرا قال البخاري حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد فوقع عند ابن السكن يعقوب بن محمد أي الزهري وعند الأكثرين غير منسوب ولكن قال أبو ذر في روايته في المغازي يعقوب بن إبراهيم أي الدورقي قوله عن أبيه هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ووقع منسوبا كذلك في مسلم وقال في روايته أي والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي المديني
والحديث أخرجه مسلم في الأقضية عن محمد بن الصباح البزار وعبد الله بن عوف الخزاز وعن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وأخرجه أبو داود في السنة عن محمد بن الصباح به وعن محمد بن عيسى وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان
قوله من أحدث في أمرنا هذا الإحداث في أمر النبي هو اختراع شيء في دينه بما ليس فيه مما لا يوجد في الكتاب والسنة قوله فهو رد أي مردود ومن باب إطلاق المصدر على اسم المفعول كما يقال هذا خلق الله أي مخلوقه وهذا نسج فلان أي منسوجه وحاصل معناه أنه باطل غير معتد به
وفيه رد المحدثات وأنها ليست من الدين لأنه ليس عليها أمره والمراد به أمر الدين

(13/274)


رواه عبد الله بن جعفر المخرمي وعبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم
أي روى الحديث المذكور عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ونسبه المخرمي إلى جده الأعلى مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء وعبد الواحد بن أبي عون الدوسي من أنفسهم وثقه ابن معين مات سنة أربع وأربعين ومائة أما رواية عبد الله بن جعفر فوصلها مسلم قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد عن أبي عامر قال عبد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم قال سألت القاسم بن محمد عن رجل له مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله في مسكن واحد ثم قال أخبرتني عائشة أن رسول الله قال من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وأما رواية عبد الواحد بن أبي عون فوصلها الدارقطني من طريق عبد العزيز بن محمد عنه بلفظ من فعل أمرا ليس عليه أمرنا فهو رد وليس لعبد الواحد في البخاري سوى هذا الموضع وكذلك لعبد الله بن جعفر
6 -
( باب كيف يكتب هاذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى نسبه أو قبيلته )
أي هذا باب يذكر فيه كيف يكتب كتاب الصلح يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان فيكتفى بهذا المقدار إذا كان مشهورا معروفا بين الناس ولا يحتاج أن ينسب في الكتاب إلى نسبه أو إلى قبيلته وأما الذي يكتبه أهل الوثائق ويذكرون فيه اسمه واسم جده ويذكرون نسبته إلى شيء من الأشياء فهو احتياط لخوف اللبس والاشتباه فإذا أمن من ذلك تكون الكتابة بذلك على سبيل الاستحباب ألا يرى أن النبي اقتصر في كتاب المقاضاة مع المشركين على أن كتب محمد بن عبد الله ولم يزد عليه لما أمن الالتباس فيه لأنه لم يكن هذا الاسم لأحد غير النبي ولكن الفقهاء استحبوا أن يكتب اسمه واسم أبيه وجده ونسبه لرفع الإشكال وقل ما يقع مع ذكر هذه الأربعة اشتباه في اسمه ولا التباس في أمره
8962 - حدثنا ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) قال سمعت ( البراء ابن عازب ) رضي الله تعالى عنهما قال لما صالح رسول الله أهل الحديبية كتب علي بينهم كتابا فكتب محمد رسول الله فقال المشركون لا تكتب محمد رسول الله لو كنت رسولا لم نقاتلك فقال لعلي امحه فقال علي ما أنا بالذي أمحاه فمحاه رسول الله بيده وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام ولا يدخلوه إلا بجلبان السلاح فسألوه ما جلبان السلاح فقال القراب بما فيه
مطابقته للترجمة في قوله فكتب محمد رسول الله حيث لم يذكر اسم أبيه ولا اسم جده لأنه لم يكن هذا الإسم إلا له كما ذكرناه عن قريب وغندر هو محمد بن جعفر وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وبندار كلاهما وعن غندر وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وأخرجه أبو داود في الحج عن أحمد ابن حنبل عن غندر
قوله إمحه أمر بفتح الحاء وضمها يقال محوت الشيء أمحوه وأمحاه وقول علي رضي الله تعالى عنه ما أنا بالذي أمحاه ليس بمخالفة لأمر رسول الله لأنه علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب قوله إلا بجلبان السلاح بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة كذا ضبطه ابن قتيبة وبعض المحدثين قال وهو أوعية السلاح بما فيها قال وما أراه سمى به إلا بجفائه ولذلك قيل للمرأة الجافية الغليظة جلبانة وقد فسر في الحديث بأنها القراب بكسر القاف وتخفيف الراء وفي آخره باء موحدة وهو شيء يخرز من الجلد يضع فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه ويعلقه في الرحل وقال

(13/275)


الأزهري القراب غمد السيف والجلبان من الجلبة وهي الجلدة التي تجعل على القتب والجلدة التي تغشى التميمة لأنها كالغشاء للقراب قال الخطابي الجلبان يشبه الجراب من الأدم يضع الراكب فيه سيفه بقرابه ويضع فيه سوطه يعلقه الراكب من وسط رحله أو من آخره ويحتمل أن تكون اللام ساكنة وهو جلب بضم الجيم واللام وتشديد الباء ودليله قوله في رواية مؤمل عن سفيان إلا بجلب السلاح قال وجلب نفس السلاح كجلب الرحل نفس عيبته كأنه يراد به نفس السلاح وهو السيف خاصة من غير أن يكون معه من أدوات الحرب من لامة ورمح وجحفة ونحوها ليكون علامة للأمن والعرب لا تضع السلاح إلا في الأمن قال وقد جاء جربان السيف في هذا المعنى وقال الأصمعي الجربان قراب السيف فلا ينكر أن يكون ذلك من باب تعاقب اللام والراء والذي ضبطه في أكثر الكتب بجلب السلاح بضم اللام وتشديد الباء وضبطه الجوهري وابن فارس جربان بضم الراء وتشديد الباء بضم الراء وتشديد الباء وقال ابن فارس جريان السيف قرابه وقيل حده قوله القراب بما فيه تفسير الجلبان وفسر أيضا بالسيف والقوس ونحوه وفي رواية لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب وفي لفظ ولا يحمل سلاحا إلا سيوفا
9962 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( إسرائيل ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( البراء ) رضي الله تعالى عنه قال اعتمر النبي في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هاذا ما قاضاى عليه محمد رسول الله فقالوا لا نقر بها فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك لاكن أنت محمد بن عبد الله قال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي امح رسول الله قال لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله الكتاب فكتب هاذا ما قاضاى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة سلاح إلا في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع أحدا من أصحابه أراد أن يقيم بها فلما دخلها ومضاى الأجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضاى الأجل فخرج النبي فتبعتهم ابنة حمزة يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام دونك ابنة عمك حملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي أنا أحق بها وهي ابنة عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي وقال زيد ابنة أخي فقضاى بها النبي لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا
مطابقته للترجمة ظاهرة ولفظ المقاضاة يدل عليها وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي يروي عن جده والحديث أخرجه الترمذي أيضا
قوله في ذي القعدة بكسر القاف وسكون العين قوله أن يدعوه أي أن يتركوه قوله حتى قاضاهم معنى قاضى فاصل وأمضى أمرهما عليه وهو بمعنى صالح ومنه قضى القاضي إذا فصل الحكم وأمضاه قوله هذا إشارة إلى ما في الذهن مبتدأ وخبره قوله ما قاضى ومقوله لا نقربها قوله أي بالرسالة قوله فلو نعلم إعلم أن لو للماضي وإنما عدل هنا إلى المضارع ليدل على الاستمرار أي استمر عدم علمنا برسالتك كما في قوله تعالى قوله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ( الحجرات 7 ) قوله فأخذ رسول الله الكتاب فكتب أي أمر عليا رضي الله تعالى عنه فكتب كقولك ضرب الأمير أي أمر به وقال الشيخ أبو الحسن ما رأيت هذا اللفظ فكتب إلا في هذا الموضع وقيل إنه مختص بهذا الموضع وقيل إنه كالرسم لأن بعض من لا يكتب يرسم اسمه بيده لتكراره عليه وقيل وكتب وأما قوله وما كنت تتلو

(13/276)


من قبله من كتاب ( العنكبوت 84 ) الآية لأنه تلا بعد وأما قوله إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب لأنه كان فيهم من يكتب لكن عادة العرب يسمون الجملة باسم أكثرها فلذلك كان أكثر أمره أن لا يحسن فكتب مرة وقيل لما أخذ القلم أوحى الله إليه فكتب وقيل ما مات حتى كتب وقيل كتب على الاتفاق من غير قصد ووقع في بعض نسخ أطراف أبي مسعود أنه أخذ الكتاب ولم يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله محمدا وكتب هذا ما قاضى عليه محمد والثابت ما ذكرناه أنه أمر عليا فكتب وفي رواية فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب وأن من معجزاته أنه يحسن من وقته لأنه خرق للعادة وقال به أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي وصنف فيه وأنكر عليه وقال السهيلي وكتب على ذلك اليوم نسختين إحداهما مع رسول الله والأخرى مع سهيل وشهد فيهما أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة ابن الجراح ومحمد بن مسلمة ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك وحويطب بن عبد العزى قوله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة هذا إشارة إلى ما في الذهن مبتدأ وقوله ما قاضى خبره ومفسر له وقوله لا يدخل تفسير للتفسير قوله وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه لا يخرج بضم الياء من الإخراج من أهلها أي من أهل مكة فإن قلت خرجت بنت حمزة ومضت معه قلت النساء لم يدخلن في العهد والشرط إنما وقع في الرجال فقط وقد بينه البخاري في كتاب الشروط بعد هذا وفي بعض طرقه فقال سهيل وعلى أن لا يأتيك منا رجل هو على دينك إلا رددته إلينا ولم يذكر النساء فصح بهذا أن أخذه لابنة حمزة رضي الله تعالى عنهما كان لهذه العلة ألا تراه رد أبا جندل إلى أبيه وهو العاقد لهذه المقاضاة وقال البخاري فيما سيأتي قول الله تعالى إذا جاءك المؤمنات ( الممتحنة 21 ) فيه نسخ السنة بالقرآن وهذا على أحد القولين فإن هذا العهد كان يقتضي أن لا يأتيه مسلم إلا رده فنسخ الله تعالى ذلك في النساء خاصة على أن لفظ المقاضاة لا يأتيك رجل وهو إخراج النساء وقال السهيلي وفي قول سهيل لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته منسوخ عند أبي حنيفة بحديث سرية خالد رضي الله تعالى عنه حين وجهه النبي إلى خثعم وفيهم ناس مسلمون فاعتصموا بالسجود فقتلهم خالد رضي الله تعالى عنه فوداهم النبي نصف الدية وقال أنا بريء من كل مسلم بين مشركين قوله فلما دخلها أي مكة في العام المقبل ومضى الأجل أي قرب انقضاء الأجل كقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن ( البقرة 432 والطلاق 2 ) ولا بد من هذا التأويل لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط قوله فتبعتهم ابنة حمزة وهي أمامة وقيل عمارة وأمها سلمى بنت عميس قوله يا عم مرتين إن قالت لرسول الله فهو عمها من الرضاعة وإن قالته لزيد فكان مصافيا لحمزة ومؤاخيا له قوله دونك يعني خذيها وهو من أسماء الأفعال وفي رواية أن زيدا أتى بها واحتج حين خاصم فيها لأنه تجشم الخروج بها قال ابن التين أما أن يكون في إحدى الروايتين وهم أو يكون خرج مرة فلم يأت بها وسعت إليه في هذه المرة فأتى بها فتناولها علي رضي الله تعالى عنه وقال الداودي وفيه يتناول غير ذات المحرم عند الاضطرار إليه والصحيح أنها الآن ذات محرم لأن فاطمة رضي الله تعالى عنها أختها من الرضاعة وهي تحت علي فهي ذات محرم إلا أنها غير مؤبدة التحريم قوله حملتها بلفظ الماضي ولعل الفاء فيه محذوفة ويروى احمليها وفي رواية احتمليها قوله فقال زيد ابنة أخي أي قال زيد بن حارثة هي ابنة أخي وليست بابنة أخيه فإن أبا زيد هو حارثة وأبا حمزة هو عبد المطلب وأم حمزة هالة وأم زيد سعدى ولا رضاع بينهما لأن زيدا كان ابن ثمان سنين لما دخل مكة وخالط قريشا وإنما آخى رسول الله بين زيد وبين حمزة فقال ذلك باعتبار هذه المؤاخاة قوله فقضى بها أي بابنة حمزة لخالتها وفيها دلالة أن للخالة حقا في الحضانة فقال الخالة بمنزلة الأم قوله وقال لعلي رضي الله تعالى عنه أنت مني أي متصل بي و من هذه تسمى اتصالية فطيب رسول الله قلوب الكل بنوع من التشريف على ما يليق بالحال وفيه منقبة عظيمة جليلة لعلي رضي الله تعالى عنه وأعظم من قوله أنت مني قوله وأنا منك قوله أشبهت خلقي وخلقي الأول بفتح الخاء والثاني بضمها قوله أنت أخونا أي باعتبار أخوة الإسلام والمراد بقوله ومولانا المولى الأسفل لأنه أصابه سباء فاشتري لخديجة رضي الله تعالى عنها فوهبته للنبي وهو صبي فأعتقه وتبناه قال ابن عمر ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت أدعوهم لآبائهم ( الأحزاب 5 ) وآخى بينه وبين حمزة وعن عائشة رضي الله

(13/277)


تعالى عنها ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم ولو بقي لاستخلفه قتل بمؤتة رضي الله تعالى عنه
7 -
( باب الصلح مع المشركين )
أي هذا باب في بيان حكم الصلح مع المشركين
فيه عن أبي سفيان
أي في هذا الباب شيء يروى عن أبي سفيان يعني في باب الصلح مع المشركين مثل الذي مر في شأن هرقل وهو أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش في المدة التي ماد فيها رسول الله كفار قريش الحديث مطولا في أول الكتاب وفيه ونحن في مدة لا ندري ما هو صانع فيها وهي مدة الصلح بينهم
وقال عوف بن مالك عن النبي ثم تكون هدنة بينكم وبين بني الأصفر
هذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري بتمامه في الجزية من طريق أبي إدريس الخولاني وعوف بن مالك ابن أبي عوف الأشجعي الغطفاني أبو عبد الله شهد فتح مكة مع رسول الله ثم نزل الشام وسكن دمشق ومات بحمص سنة اثنين وسبعين قوله ثم تكون هدنة بضم الهاء وهو الصلح وفيه المطابقة للترجمة وبنو الأصفر الروم وقال ابن الأنباري سموا به لأن جيشا من الحبشة غلب على بلادهم في وقت فوطىء نساءهم فولدت أولادا صفرا بين سواد الحبشة وبياض الروم
وفيه عن سهل بن حنيف
أي وفي الباب روي عن سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي أبو ثابت ويروى وفيه سهل بن حنيف بدون كلمة عن وهذا التعليق أيضا طرف من حديث وصله البخاري في آخر الجزية قال حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة قال سمعت الأعمش قال سألت أبو وائل شهدت صفين قال نعم فسمعت سهل بن حنيف يقول أتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل فلو استطيع أن أرد أمر النبي لرددته الحديث وسهل بن حنيف شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكبر ستا ووقع في رواية أبي ذر والأصيلي كذا وفيه عن سهل بن حنيف لقد رأيتنا يوم أبي جندل ولم يقع هذا في رواية غيرهما وأبو جندل اسمه العاص بن سهيل بن عمرو قتل مع أبيه بالشام وقال المدائني ثتل سهيل بن عمرو باليرموك وقيل مات في طاعون عمواس قوله أتهموا رأيكم يخاطب به سهل بن حنيف أبا وائل ومعناه أنتم أفسدتم رأيكم حيث تركم رأي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يوم صفين حتى جرى ما جرى قوله رأيتني أي رأيت نفسي يوم أبي جندل وهو اليوم الذي حضر أبو جندل إلى النبي في يوم كان يكتب هو وسهيل بن عمرو كتاب الصلح وكان قد حضر أبو جندل وهو يرسف في الحديد وكان قد أسلم بمكة وأبوه حبسه وقيده فهرب فجاء إلى النبي فلما رآه أبو سهيل أخذ بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني فقال رسول الله يا أبا جندل إصبر واحتسب فأن الله عز و جل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين بمكة فرجا ومخرجا وإنا قد عقدنا بيننا وبينهم صلحا وعهدا فإنا لا نغدر بهم وقيل إنما رد أبا جندل لأنه كان يأمن عليه القتل لحرمة أبيه سهيل بن عمرو ومعنى قول سهل بن حنيف فلو فلو استطيع إلى آخره يعني ما كنت يومئذ عن قتال المشركين ولكن ما كنت استطيع أن أراد أمر النبي استطعت لرددته وأراد بأمره هذا هو عقده الصلح معهم ولما وقع الصلح تأخر كل من كان في قلبه القتال امتثالا لأمر النبي
وأسماء والمسور عن النبي

(13/278)


أي وفي الباب أيضا عن أسماء بنت أبي بكر الصديق وعن المسور بن مخرمة ويجوز في أسماء والمسور الرفع على أن يكون عطفا على قوله وفيه سهل بن حنيف على رواية سهل بالرفع بدون كلمة عن على ما ذكرناه قوله عن النبي أي في ذكر الصلح أما حديث أسماء فكأنه أشار به إلى حديثها الذي مضى في الهبة في باب هدية المشركين حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت وقدمت على أمي وهي مشركة والحديث فإن فيه معنى الصلح على ما لا يخفى وأما حديث المسور بن مخرمة فسيأتي في أول كتاب الشروط بعد سبعة أبواب
00 - 7 - 2 - وقال موسى بن مسعود قال حدثنا سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال صالح النبي المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء على أن من أتاه من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح السيف والقوس ونحوه فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فرده إليهم
( موسى بن مسعود ) أبو حذيفة النهدي مر في باب العتق وسفيان هو الثوري وأبو إسحاق هو السبيعي وقد مر عن قريب وهذه الطريقة أخرجها البيهقي رضي الله تعالى عنه وغيره قوله من قابل أي من عام قابل قوله يحجل بفتح الياء وسكون الحاء المهملة وضم الجيم أي يمشي مشي الحجلة الطير المعروف وقيل أي يمشي مشية المقيد والأصل فيه أن يرفع رجلا ويقوم على أخرى وذلك أن المقيد لا يمكنه أن ينقل رجليه معا وقيل هو أن يقارب خطوه وهو مشية المقيد وقيل فلان يحجل في مشيته أي يتبختر وروي يجلجل في قيوده قوله فرده إليهم يريد رده إلى أبيه سهيل بن عمرو
قال أبو عبد الله لم يذكر مؤمل عن سفيان أبا جندل وقال إلا بجلب السلاح
أبو عبد الله هو البخاري نفسه أراد أن مؤمل بن إسماعيل تابع موسى بن مسعود في رواية هذا الحديث عن سفيان الثوري لكنه لم يذكر قصة أبي جندل وقال إلا بجلب السلاح بدل قوله إلا بجلبان السلاح والجلب بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة وقد ذكرناه عن قريب وقال الخطابي بتخفيف الياء جمع جلبة وطريق مؤمل هذا أخرجه أحمد في ( مسنده ) موصولا عنه
1072 - حدثنا ( محمد بن رافع ) قال حدثنا ( سريج بن النعمان ) قال حدثنا ( فليح ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم بها إلا ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج
( الحديث 1072 - طراه في 2524 )
مطابقته للترجمة في قوله وقاضاهم لأن في المقاضاة معنى الصلح ومحمد بن رافع بالفاء والعين المهملة ابن أبي زيد القشيري النيسابوري ومات سنة خمس وأربعين ومائتين وسريج بضم السين المهملة وبالجيم أبو الحسين البغدادي الجوهري روى عنه البخاري وروى عن محمد بن رافع عنه هنا وروى عن محمد غير منسوب عنه في الحج وفليح بضم الفاء وفتح اللام وفي آخره حاء مهملة ابن سليمان بن المغيرة وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح فاشتهر به يكنى أبا يحيى الخزاعي

(13/279)


قوله معتمرا حال قوله فحال كفار قريش أي منعوا بينه وبين البيت قوله وقاضاهم أي صالحهم وهذه المصالحة ترتبت عليها المصلحة العظيمة وهي ما ظهر من ثمراتها فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجا وذلك أنهم كانوا قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين ولا يعرفون طريقة الرسول مفصلة فلما حصل الصلح واختلطوا بهم وعرفوا أحواله من المعجزات الباهرة وحسن السيرة وجميل الطريقة تألفت نفوسهم إلى الإسلام فأسلموا قبل الفتح كثيرا ويوم الفتح كلهم وكانت العرب في البوادي ينتظرون إسلام أهل مكة فلما أسلموا أسلم العرب كلهم والحمد لله
2072 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( بشير بن يسار ) عن ( سهل بن أبي حثمة ) قال انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح
مطابقته للترجمة في قوله وهي يومئذ صلح يعني مصالحة أهلها اليهود مع المسلمين وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن المفضل وقد مر في العلم ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وبشير بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغر بشر ابن يسار ضد اليمين المدني مولى الأنصار وسهل بن أبي حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة واسم أبي حثمة عامر ابن ساعدة أبو يحيى الأنصاري الحارثي المدني الصحابي وعبد الله بن سهل الأنصاري الحارثي الذي قتله اليهود بخيبر ابن أخي محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف مكسورة وتخفيفها وبالصاد المهملة ابن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي الحارثي ووقع هنا عند البخاري مسعود بن زيد وعند جميع أصحاب الكتب كابن عبد البر وابن الأثير وغيرهما لم يذكروا إلا مسعود بن كعب
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في الجزية عن مسدد أيضا وفي الأدب عن سليمان بن حرب وفي الديات عن أبي نعيم وفي الأحكام عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس كلاهما عن مالك وأخرجه مسلم في الحدود عن عبد الله بن عمر القواريري عن حماد وعن القواريري عن بشر بن المفضل به وعن عمرو بن الناقد وعن محمد بن المثنى وعن قتيبة عن ليث وعن يحيى بن يحيى وعن القعنبي عن سليمان بن بلال وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن إسحاق بن منصور وأخرجه أبو داود في الديات عن القواريري ومحمد بن عبيد وعن الحسن بن علي وعن أبي الطاهر بن السرح وعن الحسن بن محمد بن الصباح وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وأخرجه النسائي في القضاء وفي القسامة عن قتيبة وعن أبي الطاهر وعن أحمد بن عبدة وعن محمد بن منصور وعن محمد بن بشار وعن إسماعيل بن مسعود وعن عمرو بن علي وعن أحمد بن سليمان وعن محمد بن إسماعيل وعن الحارث بن مسكين وأخرجه ابن ماجه في الديات عن يحيى بن حكيم
قوله وهي يومئذ صلح ويروى وهم يومئذ صلح أي أهل خيبر يومئذ في صلح مع المسلمين
8 -
( باب الصلح في الدية )
أي هذا باب في بيان أحكام الصلح في الدية بأن وجب قصاص ووقع على مال معين والدية أصلها ودية لأنه من ودى يدي يقال وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته واتديت إذا أخذت ديته والهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة
3072 - حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثني ( حميد ) أن ( أنسا ) حدثهم أن ( الربيع ) وهي ابنة النضر كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي فأمرهم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم وعفوا فقال النبي إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره زاد الفزاري عن حميد عن أنس ثم رضي القوم وقبلوا الأرش
مطابقته للترجمة في قوله ثم رضي القوم وقبلوا الأرش لأن قبول الأرش عوض القصاص لم يكن إلا بالصلح فإن قلت قوله

(13/280)


فرضيب القوم وعفوا يدل على أن لا صلح فيه فمن أين المطابقة قلت رواية الفزاري تدل على أن معنى عفوا يعني عن القصاص وفيه الجمع بين الروايتين فافهم والحديث من ثلاثيات البخاري وهي العاشرة منها
ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري ولي قضاء البصرة ثم قصاء بغداد أيام الرشيد وولد سنة ثماني عشرة ومائة ومات سنة خمس عشرة ومائتين وحميد هو الطويل وقد تكرر ذكره
والحديث أخرجه البخاري في التفسير وفي الديات عن الأنصاري تارة مطولا وتارة مختصرا وفي ( صحيح مسلم ) من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا وفيه فقالت أم الربيع والله لا تكسر ثنيتها وكذا هو في ( سنن النسائي ) فرجح جماعة من العلماء رواية البخاري وقرر النووي فجعلهما قضيتين فينظر لأن الأول رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة في آخرين
ذكر معناه قوله أن الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وفي آخره عين مهملة بنت النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن ضمضم بن زيد بن حرام بن حبيب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية وهي عمة أنس بن مالك خادم رسول الله قوله ثنية جارية الثنية مقدم الأسنان والجارية المرأة الشابة لا الأمة هنا ليتصور القصاص بينهما قوله فطلبوا الأرش أي فطلب قوم الربيع من قوم الجارية أخذ الأرش قوله وطلبوا العفو يعني قالوا خذوا الأرش أو اعفوا عن هذه فأبوا يعني قوم الجارية امتنعوا فلا رضوا بأخذ الأرش ولا بالعفو فعند ذلك أتوا النبي وتخاصموا بين يديه فأمرهم النبي بالقصاص قوله فقال أنس بن النضر وهو عم أنس بن مالك قتل يوم أحد شهيدا ووجد به بضعة وثمانون من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم وفيه نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ( الأحزاب 32 ) قوله أتكسر الهمزة فيه للاستفهام وتكسر على صيغة المجهول ولم ينكر أنس حكم الشرع والظاهر أن ذلك كان منه قبل أن يعرف أن كتاب الله القصاص وظن التخيير لهم بين القصاص والدية أو كان مراده الاستشفاع من رسول الله أو قال ذلك توقعا ورجاء من فضل الله تعالى أن يرضي خصمها ويلقي في قلبه أن يعفو عنها وقال الطيبي كلمة لا في قوله لا والله ليس ردا للحكم بل نفي لوقوعه ولفظ لا تكسر إخبار عن عدم الوقوع وذلك بما كان له عند الله من الثقة بفضل الله ولطفه في حقه أنه لا يخيبه بل يلهمهم العفو ولذلك قال رسول الله إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره حيث يعلمه من جملة عباد الله المخلصين قوله كتاب الله القصاص أي حكم كتاب الله القصاص على حذف مضاف وهو إشارة إلى قوله تعالى والجروح قصاص ( المائدة 54 ) أو إلى قوله تعالى والسن بالسن ( المائدة 54 ) أو إلى قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( النحل 621 ) أو الكتاب بمعنى الفرض والإيجاب قوله لأبره أي صدقه يقال بر الله قسمه وأبره قوله زاد الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي والراء وهو مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي سكن مكة شرفها الله والفزاري ينسب إلى فزارة بن ذبيان بن بغيص بن ريث بن غطفان وتعليق الفزاري أسنده البخاري في تفسير سورة المائدة فقال حدثنا محمد بن سلام عن مروان بن معاوية الفزاري فذكره والله أعلم
ذكر ما يستفاد منه فيه وجوب القصاص في السن قال النووي وهو مجمع عليه إذا قلعها كلها وفي كسر بعضها وفي كسر العظام خلاف مشهور بين العلماء والأكثرون على أنه لا قصاص قال القرطبي وذهب مالك إلى أن القصاص في ذلك كله إذا أمكنت المماثلة وما لم يكن مخوفا كعظم الفخذ والصلب أخذا بقوله تعالى فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( البقرة 491 ) وبقوله تعالى والسن بالسن ( البقرة 491 ) وذهب الكوفيون والليث والشافعي إلى أنه لا قود في كسر العظام ما خلا السن لعدم الثقة بالمماثلة وقال أبو داود قيل لأحمد كيف يقتص من السن قال يبرد وذكر ابن رشد في ( القواعد ) أن ابن عباس روى عنه أن لا قصاص في عظم وكذا عن ابن عمر قال وروي عن رسول الله لم يقد من العظم المقطوع في غير المفصل إلا أنه ليس بالقوي وفيه جواز الحلف فيما يظنه الإنسان وفيه جواز الثناء على من لا يخاف عليه الفتنة بذلك وفيه دلالة على كرامات الأولياء وفيه استحباب العفو عن القصاص والشفاعة فيه وفيه إثبات القصاص بين النساء وفي الأسنان وفيه فضيلة أنس وفيه أن الخيرة في القصاص والدية إلى مستحقه لا إلى المستحق عليه

(13/281)


9 -
( باب قول النبي للحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين )
أي هذا باب في ذكر قول االنبي للحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما إلى آخره قوله ابني هذا جملة إسمية لأن قوله ابني خبر عن قوله هذا قوله سيد خبر بعد خبر والسيد الرئيس قال كراع وجمعه سادة قيل سادة جمع سائد وهو من السؤدد وهو الشرف وقال ابن سيده وقد يهمز السؤدد وتضم وقد سادهم سودا وسوددا وسيادة وسيدودة واستادهم كسادهم وسوده هو وذكر الزبيدي في كتابه ( طبقات النحويين ) أن أبا محمد الأعرابي قال لإبراهيم بن الحجاج الثائر بأشبيلية بالله أيها الأمير ما سيدتك العرب إلا بحقك يقولها بالياء فلما أنكر عليه قال السواد السخام وأصر على أن الصواب معه ومالأه على ذلك الأمير لعظم منزلته في العلم وقيل اشتقاق السيد من السواد أي الذي يلي السواد العظيم من الناس قوله ولعل الله استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء قوله فئتين عظيمتين ووصفهما بالعظيمتين لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن رضي الله تعالى عنه وفرقة مع معاوية وهذه معجزة عظيمة من النبي حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر
وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة قاله ابن الجوزي وقال ابن الهيثم ضربه في ليلة سبعة وعشرين من رمضان وقال أبو اليقظان في الليلة السابعة عشر من رمضان وقال الحسن كانت ليلة القدر الليلة التي عرج فيها بعيسى عليه الصلاة و السلام ونبىء فيها رسول الله ومات فيها موسى ويوشع بن نون عليهما السلام مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة فقيل في اليوم الذي استشهد فيه علي قاله الواقدي وقيل في الليلة التي دفن فيها وقيل بعد وفاته بيومين وقال هشام وأقام الحسن أياما مفكرا في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقه سلم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقيل من ربيع الأخر وقيل في غرة جمادي الأولى وكانت خلافته ستة أشهر إلا أياما وسمي هذا العام عام الجماعة وهذا الذي أخبر به النبي لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين
وقوله جل ذكره فأصلحوا بينهما ( الحجرات 9 )
وقوله بالجر عطفا على قوله قول النبي وأشار بذكر هذه القطعة من الآية الكريمة وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ( الحجرات 9 ) إلى أن الصلح أمر مشروع ومندوب إليه
4072 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( أبي موسى ) قال سمعت ( الحسن ) يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إنى لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمان بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن

(13/282)


لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه فقال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول الله على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها مأخوذة من الحديث وعبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي وسفيان هو ابن عيينة وأبو موسى هو إسرائيل بن موسى البصري نزل الهند والحسن هو البصري
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل الحسن رضي الله تعالى عنه عن صدقة بن الفضل وفي الفتن عن علي بن عبد الله وفي علامات النبوة عن عبد الله بن محمد وأخرجه أبو داود في السنة عن مسدد ومسلم بن إبراهيم وعن محمد بن المثنى وأخرجه الترمذي في المناقب عن بندار وأخرجه النسائي فيه عن أبي قدامة السرخسي وفي الصلاة عن محمد بن منصور وفي اليوم والليلة عن قتيبة بن سعيد وعن محمد بن عبد الأعلى وعن أحمد بن سليمان مرسل
ذكر معناه قوله الحسن بن علي فاعل قوله استقبل ولفظة والله معترضة بينهما ومعاوية بالنصب مفعوله قوله بكتائب جمع كتيبة وهي الجيش ويقال الكتبية ما جمع بعضها إلى بعض ومنه قيل للقطعة المجتمعة من الجيش كتيبة قال الداودي سميت بذلك لأنه كتب اسم كل طائفة من كتاب فلزمها هذا الإسم قوله أمثال الجبال أي لا يرى لها طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفيه وكانت ملاقاة الحسن مع معاوية بمنزلة من أرض الكوفة وكان الحسن لما مات علي رضي الله تعالى عنه بايعه أهل الكوفة وبايع أهل الشام معاوية فالتقيا في الموضع المذكور وبعد كلام طويل ومحاورات جرت بينهما سلم الحسن الأمر إلى معاوية وصالحه وبايعه على الأمر والطاعة على إقامة كتاب الله وسنة نبيه ثم رحل الحسن إلى الكوفة فأخذ معاوية البيعة لنفسه على أهل العراقين فكانت تلك السنة سنة الجماعة لاجتماع الناس واتفاقهم وانقطاع الحرب وبايع معاوية كل من كان معتزلا عنه وبايعه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وتباشر الناس بذلك وأجاز معاوية الحسن بن علي بثلاثمائة ألف وألف ثوب وثلاثين عبدا ومائة جمل ثم انصرف الحسن إلى المدينة وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة وولى البصرة عبد الله بن عامر وانصرف إلى دمشق واتخذها دار مملكته قوله فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولي أراد عمرو بهذا الكلام تحريض معاوية على القتال مع الحسن رضي الله تعالى عنه و لا تولي من التولية وهي الإدبار أي إن تولت بغير حملة غلبت لكثرتها قوله أقرانها بفتح الهمزة جمع قرن بكسر القاف وهو الكفؤ والنظير في الشجاعة والحرب قوله فقال له معاوية أي قال لعمرو بن العاص معاوية جوابا عن قوله إنى لأرى كتائب إلى آخره قوله أي عمرو مقول قول معاوية أي يا عمرو وإن قتل هؤلاء هؤلاء إلى آخره قوله وكان والله خير الرجلين من كلام الحسن البصري وقع معترضا بين قوله قال له معاوية وبين قوله أي عمرو وقوله والله أيضا معترض بين كان وخبره وأراد بالرجلين معاوية وعمرا وأراد بخيرهما معاوية وإنما قال ذلك لأنه كان يعلم أن خلاف عمرو على الحسن بن علي كان أشد من خلاف معاوية إياه لأنه كان يحرض معاوية على القتال معه ومعاوية كان يتوقع الصلح ويريد أن يرد الحسن بدون القتال وأنه يبايعه ويأخذ منه ما يريده ويذهب إلى المدينة وهكذا وقع في آخر الأمر وإثبات الحسن البصري الخيرية لمعاوية بالنسبة إلى عمرو لا بالنسبة إلى غيره لأنه لم يشك هو ولا غيره أن الحسن بن علي كان خير الناس كلهم في ذلك الزمان قوله إن قتل هؤلاء هؤلاء أي إن قتل عسكر الحسن عسكرنا أو عسكرنا عسكره فهؤلاء الأول في محل الرفع على الفاعلية والثاني النصب على المفعولية في الموضعين قوله من لي جواب الشرط أعني قوله إن قتل أي من يتكفل لي بأمور الناس يعني على كلا التقديرين أنا المطالب عند الله فإذا وقع الصلح فأكون أنا أول من يسلم في الدنيا والآخرة وهذا يدل على نظر معاوية في العواقب ورغبته في دفع الحرب قوله من لي بضيعتهم هكذا هو في كثير من النسخ والضيعة بفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة والمراد به ههنا العقار ويروى بصبيتهم وعلى هذه الرواية فسرها الكرماني بقوله والصبية المراد بها الأطفال

(13/283)


والضعفاء لأنهم لو تركوا بحالهم لضاعوا لعدم استقلالهم بالمعاش قوله عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ضد العدو ابن عبد شمس القرشي أسلم يوم الفتح وهو الذي فتح سجستان ومات بالبصرة أو بمرو سنة إحدى وخمسين وعبد الله بن عامر ابن كريز بضم الكاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالزاي مات رسول الله وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقد افتتح خراسان وأصبهان وكرمان وقتل كسرى في ولايته وقيل أحرم من نيسابور شكرا الله تعالى ومات سنة تسع وخمسين قوله واطلبا إليه أي يكون مطلوبكما مفوضا إليه وطلبكما منتهيا إليه أي التزما مطالبه قوله إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال معناه إنا بنو عبد المطلب المجبولون على الكرم والتوسع لمن حوالينا من الأهل والموالي وقد أصبنا من هذا المال بالخلافة ما صارت لنا به عادة إنفاق وأفضال على الأهل والحاشية فإن تخليت من هذا الأمر قطعنا العادة وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قتل بعضها بعضا فلا يكفون إلا بالمال فأراد أن يسكن الفتنة ويفرق المال فيما لا يرضيه غير المال فقال عبد الرحمن وعبد الله نفرض لك من المال في كل عام كذا ومن الأقوات والثياب ما تحتاج إليه لكل ما ذكرت فصالحاه على ذلك فقبل منهما لعلمه أن معاوية لا يخالفهما واشترط شروطا وسلم الأمر إلى معاوية قوله قالا فإنه يعرض عليك أي قال عبد الرحمن وعبد الله فإن معاوية يعرض عليك قوله قال فمن لي بهذا أي قال الحسن فمن يكفل لي بالذي تذكر أنه قالا نحن لك به أي نحن نكفل لك بالذي ذكرنا قوله فما سألهما شيئا أي فما سأل الحسن عبد الرحمن وعبد الله شيئا من الأشياء إلا قالا نحن لك به أي نحن نكفل لك به قوله فصالحه أي فلما فرغت هذه المحاورات بينهما وبين الحسن صالح الحسن معاوية قوله فقال الحسن أي الحسن البصري قوله أبا بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي والواو في قوله والحسن وفي قوله وهو يقبل للحال قوله فئتين تثنية فئة الفئة الفرقة مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف وفأيت إذا شققته وجمع الفئة فئات وفئون وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى الفئة الجماعة من الناس في الأصل والطائفة التي تقيم وراء الجيش فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجئوا إليهم ومعنى عظيمتين قد مر في أول الباب
وفيه فضيلة الحسن رضي الله تعالى عنه دعاه ورعه إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله تعالى ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة وقد بايعه على الموت أربعون ألفا فصالحه رعاية لمصلحة دينه ومصلحة الأمة وكفى به شرفا وفضلا فلا أسيد ممن سماه رسول الله سيدا وفيه وفيه أن الرسل يسمع قولهم ولا يتعرض إليه وفيه ولاية المفضول على الفاضل لأن معاوية ولى وسعد وسعيد حيان وهما يدريان أن قتال المسلم المسلم لا يخرجه عن الإسلام إذا كان على تأويل وقوله إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار المراد به تأكيد الوعيد عليهم وقال المهلب الحديث يدل على أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس لأنه علق السيادة بالإصلاح بين الناس
وقال أبو عبد الله قال لي علي بن عبد الله إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث
أبو عبد الله هو البخاري وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني قوله سماع الحسن أي البصري من أبي بكرة نفيع المذكور لأنه صرح بالسماع منه والحديث المذكور روي عن جابر أيضا قال البزار وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا وحديث جابر أعرف وذكر ابن بطال أنه روى أيضا عن المغيرة بن شعبة وزعم الدارقطني أن الحسن رواه أيضا عن أم سلمة قال وهذه الرواية وهم ورواه أبو داود عن ابن أزهر وعوف الأعرابي عن الحسن مرسلا والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل
01 -
( باب هل يشير الإمام بالصلح )
أي هذا باب يذكر فيه هل يشير الإمام لأحد الخصمين أولهما جميعا بالصلح وإن اتجه الحق لأحدهما وفيه خلاف فلذلك لم يذكر جواب الاستفهام فالجمهور استحبوا ذلك ومنعه المالكية وقال ابن التين ليس في حديثي الباب ما ترجم به وإنما فيه الله

(13/284)


الحض على ترك بعض الحق ورد عليه بأن أشارته بحط بعض الحق بمعنى الصلح
5072 - حدثنا ( إسماعيل بن أبي أويس ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان ) أن ( أمه عمرة بنت عبد الرحمان ) قالت سمعت ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها ( تقول ) سمع رسول الله صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله فقال أين المتألى على الله لا يفعل المعروف فقال أنا يا رسول الله وله أي ذالك أحب
مطابقته للترجمة من حيث إن في قوله وله أي ذلك أحب معنى الصلح وأخو إسماعيل هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله بن أبي بكر الأصبحي المدني وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري وكنى بأبي الرجال لما كان له أولاد عشرة كلهم صاروا رجالا كاملين وأمه عمرة بفتح العين المهملة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية ماتت سنة ست ومائة
ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق واحد
والحديث أخرجه مسلم في الشركة وقال حدثنا غير واحد عن إسماعيل بن أبي أويس قال عياض إن قول الراوي حدثنا غير واحد أو حدثنا الثقة أو بعض أصحابنا ليس من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن بل هو من باب الرواية عن المجهول قال ولعل مسلما أراد بقوله غير واحد البخاري وغيره وأبو داود عد هذا النوع مرسلا وعند أبي عمر والخطيب هو منقطع
ذكر معناه قوله صوت خصوم الخصوم بضم الخاء جمع خصم قال الجوهري الخصم يستوي فيه الجمع والمؤنث لأنه في الأصل مصدر ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول خصمان وخصوم والخصم بفتح الخاء وكسر الصاد أيضا الخصم والجمع خصماء ويقال الخصم بكسر الصاد شديد الخصومة والخصومة الإسم قوله عالية أصواتهما ويروى أصواتهم أي أصوات الخصوم وهو ظاهر لأن الخصوم جمع وأما وجه أصواتهما بتثنية الضمير فباعتبار الخصمين المتنازعين وقال الكرماني هذا على قول من قال أقل الجمع اثنان وقال بعضهم وليس فيه حجة لمن يجوز صيغة الجمع بالإثنين كما زعم بعض الشراح قلت إن كان مراده من بعض الشراح الكرماني فليس كذلك لأنه لم يزعم ذلك بل ذكر أنه على قول من قال أقل الجمع إثنان ويروى أصواتها بإفراد الضمير للمؤنث ووجهه أن يكون بالنظر إلى لفظ الخصوم الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث كما قلنا قوله عالية يجوز فيه الجر والنصب أما الجر فعلى أنه صفة وأما النصب فعلى الحال وقوله أصواتهما بالرفع بقوله عالية لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله قوله وإذا أحدهما كلمة إذا للمفاجأة و أحدهما مرفوع بالابتداء ويستوضع خبره وإنما قال أحدهما بتثنية الضمير لما قلنا إنه باعتبار الخصمين ومعنى يستوضع يطلب أن يضع من دينه شيئا قوله ويسترفقه أي يطلب منه أن يرفق به في الاستيفاء والمطالبة قوله في شيء أي من الدين وحاصله في حط شيء منه قوله وهو يقول أي والحال أن الآخر وهو الطالب يقول والله لا أفعل أي لا أحط شيئا قوله فخرج عليهما أي على المتخاصمين اللذين بالباب قوله أين المتألي بضم الميم وفتح التاء المثناة من فوق والهمزة وتشديد اللام المكسورة أي الحالف المبالغ في اليمين مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهي اليمين قوله فله أي ذلك أحب أي فلخصمي أي شيء من الحط أو الرفق أحب وفي روايلاة ابن حبان دخلت امرأة على النبي فقالت إني ابتعت أنا وابني من فلان تمرا فأحصيناه لا والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه إلا ما نأكله في بطوننا أو نطعمه مسكينا وجئنا نستوضعه ما نقصنا فقال إن شئت وضعت ما نقصوا وإن شئت من رأس المال فوضع ما نقصوا وقال بعضهم هذا يشعر بأن المراد بالوضع الحط من رأس المال وبالرفق الاقتصار عليه وترك الزيادة لا كما زعم بعض الشراح أنه يريد بالرفق الإمهال قلت قد فسر الشيخ محي الدين

(13/285)


الرفق بالرفق في المطالبة وهو الإمهال
ذكر ما يستفاد منه فيه الحض على الرفق بالغريم والإحسان إليه بالوضع عنه وفيه الزجر عن الحلف على ترك فعل الخير وقال الداودي إنما كره ذلك لكونه حلف على ترك أمر عسى أن يكون قد قدر الله وقوعه واعترض عليه ابن التين بأنه لو كان كذلك لكره الحلف لمن حلف ليفعلن خيرا وليس كذلك بل الذي يظهر أنه كره له قطع نفسه عن فعل الخير قال ويشكل على هذا قوله للأعرابي الذي قال والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال أفلح إن صدق ولم ينكر عليه حلفه على ترك الزيادة وهي من فعل الخير وأجيب بأن في قصة الأعرابي كان في مقام الدعاء إلى الإسلام والاستمالة إلى الدخول فيه بخلاف من تمكن في الإسلام فيحضه على الازدياد من نوافل الخير وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع وطواعيتهم لما يشير إليه وحرصهم على فعل الخير وفيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغظ ورفع الصوت عند الحاكم وفيه جواز سؤال المديون الحطيطة من صاحب الدين خلافا لمن كرهه من المالكية واعتل بما فيه من تحمل المنة وقال القرطبي لعل من أطلق كراهته أنه أراد أنه خلاف الأولى قلت ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة أيضا هكذا لأنه علل في جواز تيمم المسافر الذي عدم الماء ومع رفيقه ماء بقوله لأن في السؤال ذلا وقال النووي وفيه أنه لا بأس بالسؤال بالوضع والرفق لكن بشرط أن لا ينتهي إلى الإلحاح وإهانة النفس أو الإيذاء ونحو ذلك إلا من ضرورة وفيه الشفاعة إلى أصحاب الحقوق وقبول الشفاعة في الخير فإن قلت هل كانت في يمين المتألي المذكور كفارة أم لا قلت قال صاحب ( التوضيح ) إن كانت يمينه بعد نزول الكفارة ففيها الكفارة وقال النووي ويستحب لمن حلف أن لا يفعل خيرا أن يحنث فيكفر عن يمينه
6072 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( جعفر بن ربيعة ) عن ( الأعرج ) قال حدثني ( عبد الله بن كعب بن مالك ) عن ( كعب بن مالك ) أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال فلقيه فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما فمر بهما النبي فقال يا كعب فأشار بيده كأنه يقول النصف فأخذ نصف ماله عليه وترك نصفا
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق والحديث مضى في كتاب الصلاة في باب التقاضي والملازمة في المسجد عن عبد الله بن محمد إلى آخره والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وروى ابن أبي شيبة أن الدين المذكور كان أوقيتين وقال ابن بطال هذا الحديث أصل لقول الناس خير الصلح على الشطر قوله النصف منصوب بتقدير ارتك النصف أو نحوه
11 -
( باب فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم )
أي هذا باب في بيان فضيلة الإصلاح إلى آخره
7072 - حدثنا ( إسحاق ) قال أخبرنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( همام ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله كل سلاماى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة
مطابقته للترجمة في قوله يعدل بين اثنين صدقة وفيه الإصلاح أيضا على ما لا يخفى وعطف العدل على الإصلاح من عطف العام على الخاص وإسحاق هو ابن منصور وهكذا وقع في رواية أبي ذر ووقع في جميع الروايات غير روايته غير منسوب ومعمر بفتح الميمين ابن راشد وهمام بالتشديد ابن منبه
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن إسحاق بن نصر وفي موضع آخر منه عن إسحاق وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن رافع
قوله كل سلامى بضم السين المهملة وتخفيف

(13/286)


اللام وفتح الميم مقصورا أي كل مفصل وقال ابن الأعرابي هي عظام أصابع اليد والقدم وسلامى البعير عظام فرسنه قال وهي عظام صغار على طول الإصبع أو قريب منها في كل يد ورجل أربع سلاميات أو ثلاث وفي ( الجامع ) هي عظام الأصابع والأشاجع والأكارع كأنها كعاب والجمع السلاميات يقال آخر ما يبقى في المخ في السلامى والعين وقيل السلاميات فصوص على القدمين وهي من الإبل في داخل الأخفاف ومن الخيل في الحوافر وفي ( الصحاح ) واحده وجمعه سواء وقال ابن الجوزي وربما شدده إحداث طلبة الحديث لقلة علمهم ومعنى هذا الحديث أن عظام الإنسان هي من أصل وجوده وبها حصول منافعه إذ لا يتأتى الحركة والسكون إلا بها فهي من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها فيعطي صدقة كما أعطى منفعة لكن الله عز و جل لطف وخفف بأن جعل العدل بين الناس وشبهه صدقة وفي مسلم السلامى مفاصل الإنسان وهي ثلاثمائة وستون مفصلا قال القرطبي ظاهر هذا يقتضي الوجوب ولكن خففه الله تعالى حيث جعل ما خفي من المندوبات مسقطا له قوله كل يوم بالنصب ظرف لما قبله وبالرفع مبتدأ والجملة بعده خبره والعائد يجوز حذفه فافهم قوله يعدل بين اثنين فاعل يعدل الشخص أو المكلف وهو مبتدأ على تقدير أن يعدل أي عدله وخبره صدقة وهذا كقولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه والتقدير أن تسمع أي سماعك
21 -
( باب إذا أشار الإمام بالصلح فأباى حكم عليه بالحكم البين )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أشار الإمام إلى آخره قوله فأبى أي الخصم امتنع من الصلح قوله بالحكم البين أي الظاهر أراد الحكم عليه بما ظهر له من الحق البين
8072 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول الله للزبير اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ثم قال اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر فاستوعاى رسول الله حينئذ حقه للزبير وكان رسول الله قبل ذالك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله استوعى للزبير حقه في صريح الحكم قال عروة قال الزبير والله ما أحسب هاذه الآية نزلت إلا في ذالك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء 56 ) الآية
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهذا الإسناد بهؤلاء الرجال على نسق قد مر غير مرة وأبو اليمان الحكم ابن نافع الحمصي وشعيب بن أبي حمزة الحمصي والحديث قد مضى في الشرب في ثلاثة أبواب متوالية
قوله في شراج بالشين المعجمة وبالجيم وهو مسيل الماء قوله من الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض ذات حجارة سود قوله كلاهما تأكيد ويروى كلاهما بفتح الكاف واللام قوله أن كان بفتح الهمزة وكسرها قوله الجدر بفتح الجيم وسكون الدال أي الجدار قوله فاستوعى أي استوفى قوله سعة له بالنصب أي للسعة يعني مسامحة لهما وتوسيعا عليهما على سبيل الصلح والمجاملة قوله احفظ أي أغضب ومادته حاء مهملة وفاء وظاء معجمة وقال الخطابي يشبه أن يكون قوله فلما أحفظ إلى آخره من كلام الزهري وقد كان من عادته أن يصل بعض كلامه بالحديث إذا رواه فلذلك قال له موسى بن عقبة ميز بين قولك وقول رسول الله

(13/287)


31 -
( باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك )
أي هذا باب في بيان حكم الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث وهم الوارثة وقال الكرماني لفظ بين يقتضي طرفين الغرماء وأصحاب الميراث قلت كلامه يشعر أن الصلح بين الغرماء وبين أصحاب الميراث فقط وليس كذلك بل كلامه أعم من أن يكون بينهم وبينهم ومن أين يكون بين كل من الغرماء وأصحاب الميراث قوله والمجازفة في ذلك يعني عند المعاوضة أراد أن المجازفة في الاعتياض عن الدين جائزة
وقال ابن عباس لا بأس أن يتخارج الشريكان فيأخذ هذا دينا وهذا عينا فإن توي لأحدهما لم يرجع على صاحبه
هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة واختلف العلماء فيه فقال الحسن البصري إذا اقتسم الشريكان الغرماء فأخذ هذا بعضهم وهذا بعضهم فتوى نصيب أحدهما وخرج نصيب آخر قال إذا أبرأه منه فهو جائز وقال النخعي ليس بشيء وما توى أو خرج فهو بينهما نصفان وهو قول مالك والشافعي والكوفيين وقال سحنون إذا قبض أحد الشريكين من دينه عرضا فإن صاحبه بالخيار إن شاء جوز له ما أخذ واتبع الغريم بنصيبه وأن شاء رجع على شريكه بنصف ما قبض واتبعا الغريم جميعا بنصف الدين فاقتسماه بينهما نصفين وهذا قول ابن القاسم قوله فإن توي بفتح التاء المثناة من فوق والواو أي هلك واضمحل وضبطه بعضهم بكسر الواو على وزن علم قال ابن التين وليس هذا ببين واللغة هو الأول
9072 - حدثني ( محمد بن بشار ) قال حدثنا ( عبد الوهاب ) قال حدثنا ( عبيد الله ) عن ( وهب بن كيسان ) عن ( جابر بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنهما قال توفي أبي وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء فأتيت النبي فذكرت ذالك له فقال إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله فجاء ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة ثم قال ادع غرماءك فأوفهم فما تركت أحدا له على أبي دين إلا قضيته وفضل ثلاثة عشر وسقا سبعة عجوة وستة لون أو ستة عجوة وسبعة لون فوافيت مع رسول الله المغرب فذكرت ذالك له فضحك فقال ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما فقالا لقد علمنا أذ صنع رسول الله ما صنع أن سيكون ذلك وقال هشام عن وهب عن جابر صلاة العصر ولم يذكر أبا بكر ولا ضحك وقال وترك أبي عليه ثلاثين وسقا دينا وقال ابن إسحاق عن وهب عن جابر صلاة الظهر
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه صلح الوارث مع الغرماء يشعر بذلك قوله فما تركت أحدا له على أبي دين إلا قضيته لأن فيهم من لا يخلو عن الصلح في قبض دينه
وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وعبيد الله بن عمر وقد مضى الحديث في الاستقراض في باب إذا قاص أو جازفه في الدي وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى ولنتكلم هنا بعض شيء
قوله إذا جددته بالدال المهملة والمعجمة أي إذا قطعته قوله في المربد بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة وهو الموضع الذي يحبس فيه الإبل وغيره وأهل المدينة يسمون الموضع الذي يجفف فيه التمر مربدا والجرين في لغة أهل نجد قوله آذنت أي أعلمت وضع المظهر موضع المضمر لتقوية الداعي وللإشعار بطلب البركة منه أو نحوه قوله وفضل من باب دخل يدخل وجاء من باب حذر يحذر ومن باب فضل بالكسر يفضل بالضم وهو شاذ قوله عجوة وهو ضرب من أجود تمور المدينة قوله لون قال ابن الأثير اللون نوع من النخل وقيل هو الدقل وقيل النخل كله

(13/288)


ما خلا البرني والعجوة يسميه أهل المدينة الألوان واحدته لينة وأصله لونة قلبت الواء ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قوله إذ صنع أي حين صنع قوله أن سيكون بفتح الهمزة لأنه مفعول لقوله علمنا قوله وقال هشام أي ابن عروة ورواية هشام هذه قد تقدمت موصولة في الاستقراض قوله وقال ابن إسحاق أي روى محمد ابن إسحاق عن وهب بن كيسان عن جابر صلاة الظهر
واعلم أن هذا الاختلاف في رواية عبيد الله بن عمر صلاة المغرب وفي رواية هشام صلاة العصر وفي رواية ابن إسحاق صلاة الظهر غير قادح في صحة أصل الحديث لأن تعيين الصلاة بعينها لا يترتب عليه كبير معنى
41 -
( باب الصلح بالدين والعين )
أي هذا باب في بيان حكم الصلح بالدين والعين وقال ابن بطال اتفق العلماء على أنه إن صالح غريمة عن دراهمه بدراهم أقل منها أنه جائز إذا حل الأجل فإذا لم يحل الأجل لم يجز أن يحط عنه شيئا وإذا صالحه بد حلول الأجل عن دراهم بدنانير أو عكسه لم يجز إلا بالقبض لأنه صرف فإن قبض بعضا وبقي بعضا جاز فيما قبض وانتقض فيما لم يقبض
0172 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( عثمان بن عمر ) قال أخبرنا ( يونس ) وقال ( الليث ) حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبد الله بن كعب ) أن ( كعب بن مالك ) أخبره أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله وهو في بيت فخرج رسول الله إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى كعب بن مالك فقال يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر فقال كعب قد فعلت يا رسول الله فقال رسول الله قم فاقضه
قال ابن التين ليس فيه ما ترجم به وأجيب بأن فيه الصلح فيما يتعلق بالدين وقال الكرماني فإن قلت ليس في الحديث ذكر العين فكيف دل على الترجمة قلت بالقياس على الدين وهذا الحديث قد تقدم قبل ثلاثة أبواب وفي كتاب الصلاة كما ذكرناه وأخرجه هنا من طريقين الثاني معلق وهو قوله وقال الليث ووصله الذهلي في الزهريات
بسم الله الرحمان الرحيم
45 -
( كتاب الشروط )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الشروط وهو جمع شرط وهو العلامة وفي الاصطلاح الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ولم يكن داخلا فيه وقيل ما يلزم من انتفائه انتفاء المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط والمراد هنا بيان ما يصح من الشروط وما لا يصح
1 -
( باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة )
أي هذا باب في بيان ما يجوز من الشروط في الإسلام يعني الدخول فيه وهذا كما اشترط النبي على جرير حين بايعه على الإسلام النصح لكل مسلم وفي لفظ على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ولا يجوز أن يشترط من يدخل في الإسلام أن لا يصلي أو لا يزكي عند القدرة ونحو ذلك قوله والأحكام أي العقود والفسوخ والمعاملات قوله والمبايعة من عطف الخاص على العام وهذا الباب وقبله كتاب الشروط رواية أبي ذر وليس في رواية غيره لفظ كتاب الشروط

(13/289)


2172 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أنه سمع ( مروان والمسور بن مخرمة ) رضي الله تعالى عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله قال لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه وأبى سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل ابن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي أن يرجعها أليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ( الممتحنة 01 ) إلى قوله ولا هم يحلون لهن ( الممتحنة 01 ) قال عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله كان يمتحنهن بهذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ( الممتحنة 01 ) إلى غفور رحيم ( الممتحنة 21 ) قال عروة قالت عائشة فمن أقر بهاذا الشرط منهن قال لها رسول الله قد بايعتك كلاما يكلمها به والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله كان فيما اشترط سهيل بن عمرو إلى قوله وجاء المؤمنات ورجاله قد ذكروا غير مرة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق ومروان هو ابن الحكم والمسور بكسر الميم ابن مخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة له ولأبيه صحبة
قوله يخبران عن أصحاب النبي هكذا قال عقيل عن الزهري وهو مرسل عنهما لأنهما لم يحضرا القصة فعلى هذا فالحديث من مسند من لم يسم من الصحابة ولم يصب من أخرجه من أصحاب الأطراف في مسند المسور أو مروان أما مروان فإنه لا يصح له سماع من النبي ولا صحبة لإنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى النبي أباه الحكم وكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان فردهما وقد روى حديث الحديبية بطوله عن النبي وأما المسور فصح سماعه من النبي لكنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين ولا يقال إنه رواية عن المجهول لأن الصحابة كلهم عدول فلا قدح فيه بسبب عدم معرفة أسمائهم قوله لما كاتب سهيل بن عمرو قد ذكرنا ترجمته فيما مضى عن قريب وكان أحد أشراف قريش وخطيبهم أسر يوم بدر فقال عمر رضي الله تعالى عنه انزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا فقال رسول الله دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده أسلم يوم الفتح وكان رقيقا كثير البكاء عند قراءة القرآن فمات رسول الله واختلف الناس بمكة وارتد كثيرون فقام سهيل خطيبا وسكن الناس ومنعهم من الاختلاف وهذا هو المقام الذي أشار إليه رسول الله قوله يومئذ أي يوم صلح الحديبية قوله فامتعضوا منه بعين مهملة وضاد معجمة وقال ابن الأثير معناه شق عليهم وعظم يقال معض من شيء سمعه وامتعض إذا غضب وشق عليه وقال القاضي لا أصل لهذا من كلام العرب وأحسبه فكرهوا ذلك وامتعضوا منه أي شق عليهم وقال ابن قرقول امتعظوا كذا للأصيلي والهمداني وفسروه كرهوه وهو غير صحيح وفي الخط والهجاء وإنما يصح لو كان امتعضوا بضاد غير مشالة كما عند أبي ذر هنا وعبدوس بمعنى كرهوا وانفوا وقد وقع مفسرا كذلك في بعض الروايات في ( الأم ) وعند القابسي أيضا في ( المغازي ) امعظوا بتشديد الميم وبالظاء المعجمة وكذا لعبدوس وعند بعضهم اتغظوا من الغيظ وعند بعضهم عن النسفي واتغضوا بغين

(13/290)


معجمة وضاد معجمة غير مشالة قال وكل هذه الروايات إحالات وتغييرات ولا وجه لشيء من ذلك إلا امتعضوا ومعنى انغضوا في رواية النسفي تفرقوا من الإنغاض قال الله تعالى فسينغضون إليك ( الإسراء 15 ) قوله مهاجراتنصب على الحال من المؤمنات قوله أم كلثوم بضم الكاف وسكون اللام وضم الثاء المثلثة بنت عقبة بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة ابن أبي معيط بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره طاء مهملة أم حميد بن عبد الرحمن قوله وهي عاتق جملة حالية والعاتق بالتاء المثناة من فوق الجارية الشابة أول ما أدركت قوله أن يرجعها بفتح الياء ورجع يتعدى ولا يتعدى قوله إذا جاءكم المؤمنات وأولها قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهم مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوفر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ( الممتحنة 01 - 21 ) قوله إذا جاءكم المؤمنات سماهن مؤمنات لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة ولم يظهر منهن ما ينافي ذلك قوله مهاجرات يعني من دار الكفر إلى دار الإسلام قوله فامتحنوهن أي فاختبروهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن وقال ابن عباس معنى امتحانهن أن يستحلفن ما خرجن من بغض زوج وما خرجن عن أرض إلى أرض وما خرجن التماس دنيا وما خرجن إلا حبا لله ورسوله قوله الله أعلم بإيمانهن أي أعلم منكم لأنكم تكسبون فيه علما يطمئن معه نفوسكم إذا استحلفتموهن وعند الله حقيقة العلم به فإن علمتموهن مؤمنات العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات فلا ترجعوهن إلى الكفار ولا تردوهن مؤمنات العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات فلا ترجعوهن إلى الكفار ولا تردوهن إلى أزواجهن المشركين لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن لأنه لا حل بين المؤمنة والمشرك قوله وآتوهم أي أعطوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا مثل ما دفعوا إليهن من المهر سمي الظن الغالب علما في قوله فإن علمتموهن مؤمنات إيذانا بأن الظن الغالب وما يفضي إليه الاجتهاد والقياس بشرائطها جار مجرى العلم وأن صاحبه غير داخل في قوله ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء 63 ) قوله ولا جناح عليكم يعني أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن وإن كان لهن أزواج كفار لأنه فرق بينهما الإسلام إذا استبرئت أرحامهن بالحيض والمراد من الأجور مهورهن لأن المهر أجر البضع قوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر العصم جمع العصمة وهي ما يعتصم به من عقد وسبب والكوافر جمع كافرة ونهى الله تعالى المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وأمرهن بفراقهن وقال ابن عباس يقول لا نأخذ بعقد الكوافر فمن كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يتقيدن بها فقد انقطعت عصمتها منه قال الزهري فلما نزلت هذه الآية طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة والأخرى أم كلثوم بنت عمرو الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة رجل من قومها وهما على شركهما قوله واسألوا ما أنفقتم أي اسألوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم عليهن من الصداق من تزوجهن منهم وليسألوا يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم من تزوجها منكم ما أنفقوا أي أزواجهن المشركين من المهر قوله ذلكم إشارة إلى جميع ما ذكر في هذه الآية قوله حكم الله يحكم بينكم إشارة إلى جميع ما ذكر في هذه الآية قوله حكم الله يحكم بينكم كلام مستأنف وقيل حال من حكم الله على حذف الضمير أي يحكم الله بينكم والله عليم حكيم قوله وإن فاتكم شيء من أزواجكم أي وإن سبقكم وانفلت منكم من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم يعني فظفرتم وأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة وظفرتم وكانت العاقبة لكم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار منكم مثل ما أنفقوا عليهن من الغنيمة التي صارت في أيديكم من أموال الكفار وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعة عن الإسلام ست نسوة أم الحكيم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري

(13/291)


وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعبدة بنت عبد العزى وزوجها عمرو بن ود وهند بنت أبي جهل بن هشام وكانت تحت هشام بن العاص وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر بن الخطاب فأعطاهم رسول الله مهور نسائهم من الغنيمة قوله يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات ( الممتحنة 01 ) الآية لما فتح رسول الله وفرغ من بيعة الرجال جاءت النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية قوله يفترينه بين أيديهن وأرجلهن يعني لا يأتين بولد ليس من أزواجهن فينسبنه إليهم وقيل بين أيديهن ألسنتهن وبين أرجلهن فروجهن وقيل هو توكيد مثل ما كسبت أيديكم ( الشورى 03 ) قوله ولا يعصينك في معروف قيل هذا في النوح وقيل لا يخلون بغير ذي محرم وقيل في كل حق معروف لله تعالى قوله عروة فأخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها هو متصل بالإسناد المذكور أو لا قوله كلاما هو كلام عائشة وقع حالا قوله والله ما مست يده إلى آخره وكانت عائشة تقول كان يبايع النساء بالكلام بهذه الآية وما مس يد رسول الله يد امرأة قط إلا يد امرأة يملكها وعن الشعبي كان رسول الله يبايع النساء وعلى يده ثوب قطري وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ثم غمس أيديهن فيه
واختلف العلماء في صلح المشركين على أن يرد إليهم من جاء منهم مسلما فقال قوم لا يجوز هذا وهو منسوخ بقوله عليه السلام أنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك في دار الحرب وقد أجمع المسلمون أن هجرة دار الحرب فريضة على الرجال والنساء وذلك الذي بقي من فرض الهجرة هذا قول الكوفيين وقول أصحاب مالك وقال الشافعي هذا الحكم في الرجال غير منسوخ وليس لأحد هذا العقد إلا للخليفة أو لرجل يأمره فمن عقد غير الخليفة فهو مردود وفي ( التوضيح ) وقول الشافعي وهذا الحكم في الرجال غير منسوخ يدل أن مذهبه أنه في النساء منسوخ
4172 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( زياد بن علاقة ) قال سمعت ( جريرا ) رضي الله تعالى عنه يقول بايعت رسول الله فاشترط علي والنصح لكل مسلم
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري والحديث مضى في آخر كتاب الإيمان بأتم منه قوله والنصح لكل مسلم عطف على مقدر يعلم من الحديث الذي بعده
5172 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس بن أبي حازم ) عن ( جرير بن عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي عن قيس ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه عبد عوف وإسماعيل وقيس وجرير ثلاثتهم بجليون كوفيون مكنون بأبي عبد الله قوله على إقام الصلاة أصله إقامة الصلاة وإنما جاز حذف التاء فيها لأن المضاف إليه عوض عنها وقد مر الكلام في الحديثين المذكورين في آخر كتاب الإيمان مستوفى
2 -
( باب إذا باع نخلا قد أبرت )
أي هذا باب يذكر فيه إذا باع شخص نخلا حال كونها قد أبرت على صيغة المجهول من التأبير وهو تلقيح النخل وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني بعد قوله أبرت ولم يشترط الثمر أي والحال أيضا أن المشتري لم يشترط الثمر وجواب إذا محذوف وهو قوله فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المشتري ولم يذكره لدلالة ما في الحديث عليه

(13/292)


6172 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مضى في كتاب البيوع في باب من باع نخلا قد أبرت ومضى الكلام فيه هناك قوله المبتاع أي المشتري
3 -
( باب الشروط في البيع )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في البيع
7172 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أخبرته أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا قالت لها عائشة إرجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت ذلك بريرة إلى أهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله فقال لها ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة من حيث إن هذا الحديث روي بوجوه مختلفة منها ما رواه ابن أبي ليلى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله قال إشترى بريرة واشترطي لهم الولاء فهذا فيه عند البيع وفيه شرط وفيه وجه المطابقة وبهذا استدل ابن أبي ليلى أن من اشترى شيئا وأشترط شرطا فالبيع جائز والشرط باطل وفيه مذهب أبي حنيفة أن البيع والشرط كلاهما باطلان ومذهب ابن شبرمة كلاهما جائزان وقد ذكرنا هذا في كتاب البيوع في باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل ومضى الحديث أيضا فيه وفي كتاب العتق أيضا وغيره والترجمة المذكورة مطلقة يحتمل جواز الاشتراط في البيوع ويحتمل عدم جوازها ولم يوضحه البخاري لمكان الاختلاف فيه ولم أر أحدا من الشراح ذكر هنا شيئا حتى إن منهم من لم يذكر الباب ولا الترجمة ومنهم من ذكر الترجمة وقال فيه حديث عائشة وأحاله إلى ما سبق وهذا مما لا يفيد الناظرين والشارح إن لم يتبع كلام المصنف كلمة كلمة ولم يذكر المقصود فيه فليس بشرح
4 -
( باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اشترط البائع ظهر الدابة التي باعها يعني اشترط ركوبها إلى مكان مسمى معين جاز هذا البيع وإنما أطلقه مع أن فيه الخلاف لأنه يرى بصحة هذا البيع لصحة الدليل وقوته عنده وبه قال أيضا جماعة وهم الأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر فإنهم قالوا إذا باع من رجل دابة بثمن معلوم على أن يركبها البائع أن البيع جائز والشرط جائز واحتجوا في ذلك بحديث جابر هذا وقال فرقة البيع جائز والشرط باطل وهم ابن أبي ليلى وأحمد في رواية وأشهب من المالكية وقال آخرون البيع فاسد وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي وقد بسطنا الكلام فيه في كتاب البيوع
8172 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( زكرياء ) قال سمعت ( عامرا ) يقول حدثني ( جابر ) رضي الله تعالى عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فمر النبي فضربه فدعا له فسار بسير ليس يسير مثله ثم قال بعنيه بوقية قلت لا ثم قال بعنيه بوقية فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل على إثري قال ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذالك فهو مالك

(13/293)


مطابقته للترجمة في قوله فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي فإنه بيع فيه شرط ركوب الدابة إلى مكان مسمى وهو المدينة وكان بينه وبين المدينة ثلاثة أيام ومن هذا قال مالك إن كان الاشتراط في الركوب إلى مكان قريب كاليوم واليومين والثلاثة فالبيع جائز وإن كان أكثر من ذلك فلا يجوز
وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وزكرياء هو ابن أبي زائدة الكوفي وعامر هو الشعبي والحديث مضى في الاستقراض وغيره ومضى الكلام فيه هناك ولنتكلم أيضا لزيادة الفائدة وإن وقع مكررا
قوله قد أعيى أي تعب قوله فضربه فدعا له كذا بالفاء فيهما كأنه عقب الدعاء له بضربه وفي رواية مسلم وأحمد من هذا الوجه فضربه برجله ودعا له وفي رواية يونس بن بكير عن زكرياء عند الإسماعيلي فضربه ودعا له فمشى مشية ما مشى قبل ذلك مثلها وفي رواية مغيرة فزجره ودعا له وفي رواية عطاء وغيره عن جابر التي تقدمت في الوكالة فمر بي النبي فقال من هذا قلت جابر بن عبد الله قال مالك قلت إني على جمل ثقال فقال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فأعطيته فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم وفي رواية النسائي من هذا الوجه فأزحف فزجره النبي فانبسط حتى كان أمام الجيش وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر التي تقدمت في البيوع فتخلف فنزل فحجنه بمحجنه ثم قال لي إركب فركبته فقد رأيته أكفه عن رسول الله وعند أحمد من هذا الوجه قلت يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا قال أنخه وأناخ رسول الله ثم قال أعطني هذه العصا أو إقطع لي عصا من هذه الشجرة فقطعت فأخذها فنخسه بها نخسات ثم قال إركب فركبت وفي رواية الطبراني من حديث زيد ابن أسلم عن جابر فأبطأ علي جملي حتى ذهب الناس فجعلت أرقبه ويهمني شأنه فإذا النبي فقال أجابر قلت نعم قال ما شأنك قلت أبطأ علي جملي فنفث فيها أي في العصا ثم مج من الماء في نحره ثم ضربه بالعصا فانبعث فما كدت أمسكه وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه وله من طريق أبي نضرة عن جابر فنخسه ثم قال إركب بسم الله زاد في رواية مغيرة فقال كيف ترى بعيرك قلت بخير قد أصابته بركتك قوله فسار بسير سار ماض وبسير جار ومجرور ومصدر ليس يسير بلفظ فعل المضارع قوله بعنيه بوقية بفتح الواو وحذف الألف فيه لغة قال الجوهري وهي أربعون درهما قلت كان هذا في عرفهم في ذلك الزمان وفي عرف الناس بعد ذلك عشرة دراهم وفي عرف أهل مصر اليوم اثني عشر درهما وفي عرف أهل الشام خمسون درهما وفي عرف أهل حلب ستون درهما وفي عرف أهل عينتاب مائة درهم وفي عرض بعض أهل الروم مائة وخمسون درهما وفي مواضع أكثر من ذلك حتى إن موضعا فيه الوقية ألف درهم قوله قلت لا أي لا أبيعه قال ابن التين قوله لا ليس بمحفوظ إلا أن يريد لا أبيعكه هو لك بغير ثمن قلت كأن ابن التين نزه جابرا عن قوله لا لسؤال النبي ولكنه ثبت قوله لا ولكن معناه لا أبيع بل أهبه لك والنفي يوتوجه لترك البيع لا الكلام رسول الله والدليل عليه رواية وهب بن كيسان عن جابر عند أحمد أتبيعني جملك هذا يا جابر قلت بل أهبه لك فإن قلت جاء في رواية أحمد فكرهت أن أبيعه قلت كراهته لوقوع صورة البيع بينه وبين رسول الله لأن قصده كان صورة الهبة فالكراهة لا ترجع إلى سؤال الرسول عليه الصلاة و السلام ولكنه لما سأله ثانيا أجاب بالبيع امتثالا لكلامه ومع هذا أخذ الثمن والجمل على ما دل عليه الحديث قوله فاستثنيت حملانه بضم الحاء أي حمله أي اشترطت أن يكون لي حق الحمل عليه إلى المدينة كأنه استثنى هذا الحق من حقوق البيع وفي رواية الإسماعيلي بلفظ واستثنيت ظهره إلى أن تقدم قوله فلما قدمنا أي المدينة وفي رواية مغيرة عن الشعبي المتقدمة في الاستقراض فلما دنونا من المدينة استأذنته فقال تزوجت بكرا أم ثيبا وسيأتي في النكاح فقدمت المدينة فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني وفي رواية أحمد من رواية نبيح أتيت عمتي بالمدينة فقلت لها ألم تري أني بعت ناضحنا فما رأيتها أعجبها قلت نبيح بضم النون وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسم خال جابر جد بفتح الجيم وتشديد الدال ابن قيس واسم عمته هند بنت عمر وقوله على إثري بكسر الهمزة أي ورائي قوله ما كنت لآخذ

(13/294)


جملك ووقع في رواية أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ أتراني إنما ماكستك لآخذ جملك ودراهمك همالك قوله ماكستك من المماكسة أي المناقصة في الثمن ووقع في رواي البزار من طريق أبي المتوكل عن جابر أن الجمل كان أحمر
قال شعبة عن مغيرة عن عامر عن جابر أفقرني رسول الله ظهره إلى المدينة
أشار البخاري بهذا وبما بعده إلى اختلاف ألفاظ جابر رضي الله تعالى عنه مغيرة هو ابن مقسم الكوفي وعامر هو الشعبي وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق يحيى بن كثير عنه قوله أفقرني بتقديم الفاء على القاف أي حملني على فقاره وهو عظام الظهر
وقال إسحاق عن جرير عن مغيرة فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة
أسحاق هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه وجرير هو ابن عبد الحميد وهو التعليق يأتي موصولا في الجهاد
وقال عطاء وغيره لك ظهره إلى المدينة
عطاء هو ابن أبي رباح يعني روى عطاء عن جابر وغيره أيضا بهذا اللفظ وهذا التعليق تقدم موصولا في الوكالة
وقال محمد بن المنكدر عن جابر شرط ظهره إلى المدينة
هذا التعليق وصله البيهقي من طريق المنكدر عن أبيه به ووصله الطبراني من طريق عثمان بن محمد الأخنسي عن محمد بن المنكدر بن محمد بن المنكدر بلفظ فبعته إياه وشرطت إلى ركوبه إلى المدينة
وقال زيد بن أسلم عن جابر ولك ظهره حتى ترجع
هذا التعليق وصله الطبراني والبيهقي من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه بتمامه
وقال أبو الزبير عن جابر أفقرناك ظهره إلى المدينة
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير به وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ فبعته منه بخمس أواق قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال ولك ظهره إلى المدينة وللنسائي من طريق ابن عيينة عن أيوب قال أخذته بكذا وكذا وقد أعرتك ظهره إلى المدينة
وقال الأعمش عن سالم عن جابر تبلغ عليه إلى أهلك
الأعمش هو سليمان وسالم هو ابن أبي الجعد وهذا التعليق وصله أحمد ومسلم وعبد بن حميد من طريق الأعمش فلفظ أحمد قد أخذته بوقية أركبه فإذا قدمت فأتنا به ولفظ مسلم فتبلغ عليه إلى المدينة ولفظ عبد بن حميد تبلغ عليه إلى إهلك وكذا لفظ ابن سعد والبيهقي
قال أبو عبيد الله الاشتراط أكثر وأصح عندي
أبو عبد الله هو البخاري نفسه أشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا في قضية جابر هذه هل وقع الشرط في العقد عند البيع أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي بعد شرائه على طريق العارية وقال وقوع الإشتراط فيه أكثر طرقا وأصح عندي مخرجا وهذا وجه من وجوه الترجيح ومن جملة من صحح الاشتراط الإمام الحافظ الطحاوي رحمه الله ولكنه تأول بأن البيع المذكور لم يكن على الحقيقة لقوله في آخره أتراني ماكستك إلى آخره قال إنه يشعر بأن القول المتقدم لم يكن على التبايع حقيقة قيل رده القرطبي بأنه دعوى مجردة وتغيير وتجريف لا تأويل وكيف يصنع قائله في قوله بعته منك بأوقية بعد المساومة وقوله قد أخذته وغير ذلك من الألفاظ المنصوصة في ذلك انتهى قلت لا تسلم أنه دعوى مجردة بل أثبت ما قاله بقوله أتراني ماكستك وبقوله أيضا لجابر ترى إني إنما حبستك لأذهب ببعيرك يا بلال أعطه أوقية وخذ بعيرك فهما لك فهذا صريح أنه لم يكن ثمة عقد حقيقةفضلا عن أن يكون فيه شرط وقال ابن حزم أخبر

(13/295)


عليه الصلاة و السلام أنه لم يماكسه ليأخذ جمله فصح أن البيع لم يتم فيه فقط فإنما اشترط جابر ركوب جمل نفسه فقط وقول القرطبي وكيف يصنع قائله في قوله بعته منك لا يرد على الطحاوي لأنه لا ينكر صورة البيع وإنما ينكر حقيقة البيع لما ذكرنا والقرطبي كيف يصنع بقوله ترى أني حبستك لأذهب ببعيرك فإذا تأمل من له قريحة حادة يعلم أن التغيير والتحريف منه لا من الطحاوي وقد ذكر الإسماعيلي أيضا أن النكتة في ذكر البيع أنه عليه الصلاة و السلام أراد أن يبر جابر على وجه لا يحصل لغيره طمع في مثله فبايعه في جمله على اسم البيع ليتوفر عليه بره ويبقى الجمل قائما على ملك فيكون ذلك أهنأ لمعروفه وقيل حاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقا ولاحقا فتبرع بمنفعته أولا كما تبرع برقبته آخرا فإن قلت وقع في كلام القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية إن في بعض طرق هذا الخبر فلما نقدني الثمن شرطت حملاني إلى المدينة واستدل بها على أن الشرط تأخر عن العقد قلت هذه مجرد دعوى تحتاج إلى بيان ذلك على أنا وإن سلمنا ثبوت ذلك يحتاج إلى أن يؤول على أن معنى نقدني الثمن أي قرره لي واتفقنا على تعيينه لأن الروايات الصحيحة صريحة في أن قبضه الثمن إنما كان بالمدينة
وقال عبيد الله وابن إسحاق عن وهب عن جابر اشتراه النبي بوقية
عبيد الله هو ابن عمر العمري وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق ووهب هو ابن كيسان أما تعليق عبيد الله فوصله البخاري في البيوع ولفظه قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية وأما تعليق ابن إسحاق فوصله أحمد وأبو يعلى والبزار بطوله وفي حديثهم قال قد أخذته بدرهم قلت إذا تغبنني يا رسول الله قال فبدرهمين قلت لا فلم يزل يرفع لي حتى بلغ أوقية الحديث
وتابعه زيد بن أسلم عن جابر
أي تابع وهبا زيد بن أسلم عن جابر في ذكر الأوقية ووصل البيهقي هذه المتابعة
وقال ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر أخذته بأربعة دنانير وهاذا يكون وقية على حساب الدينار بعشرة دراهم
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح وهذا التعليق وصله البخاري في الوكالة قوله وهذا يكون إلى آخره قيل إنه من كلام البخاري وقال صاحب ( التوضيح ) هذا من كلام عطاء قلت يحتمل هذا وهذا والأقرب أن يكون من كلام عطاء وقل بعضهم الدينار مبتدأ وقوله بعشرة خبره أي دينار ذهب بعشر دراهم فضة قلت هذا تصرف عجيب ليس له وجه أصلا لأن لفظ الدينار وقع مضافا إليه وهو مجرور بالإضافة ولا وجه لقطع لفظ حساب عن الإضافة ولا ضرورة إليه والمعنى أصبح ما يكون لأن معنى قوله وهذا يكون وقية يعني أربعة دنانير يكون وقية على حساب الدينار أي الدينار الواحد بعشرة دراهم ولقد تعسف في تفسير الدينار بالذهب والدراهم بالفضة لأن الدينار لا يكون إلا من الذهب والدراهم لا تكون إلا من الفضة ولا خفاء في ذلك
ولم يبين الثمن مغيرة عن الشعبي عن جابر وابن المنكدر وأبو الزبير عن جابر
أشار بهذا إلى أن هؤلاء الثلاثة الشعبي ومحمد بن المنكدر وأبو الزبير محمد بن مسلم لم يذكروا كمية الثمن في روايتهم عن جابر قوله وابن المنكدر بالرفع معطوف على المغيرة الذي هو مرفوع بقوله لم يبين والثمن بالنصب مفعوله أما رواية المغيرة عن الشعبي فتقدمت موصولة في الاستقراض وستأتي مطولة في الجهاد وليس فيها ذكر تعيين الثمن وكذا أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما بلا ذكر الثمن وأما رواية ابن المنكدر فوصلها الطبراني وليس فيها التعيين أيضا وأما رواية أبي الزبير فوصلها النسائي ولم يعين الثمن ولكن مسلما أخرجه من طريقه وعين فيه الثمن ولفظه فبعته منه بخمس أواق على أن لي ظهره إلى المدينة

(13/296)


وقال الأعمش عن سالم عن جابر وقية ذهب
أي قال سليمان الأعمش في رواية عن سالم ابن أبي الجعد عن جابر وقية ذهب وهذا التعليق وصله مسلم وأحمد وغيرهما هكذا
وقال أبو إسحاق عن سالم عن جابر بمائتي درهم
أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وسالم مر الآن ولم تختلف نسخ البخاري أنه قال بمائتي درهم وقال النووي في بعض الروايات للبخاري ثمان مائة درهم والظاهر أنه تصحيف
وقال داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال بأربع أواق
داود بن قيس الفراء الدباغ المديني أبو سليمان وعبيد الله بن مقسم بكسر الميم وسكون القاف القرشي المدني وهذه الروايات تصرح بأن قصة جابر وقعت في طريق تبوك فوافقه على ذلك علي بن زيد بن جدعان عن أبي المتوكل عن جابر أن رسول الله مر بجابر في غزوة تبوك فذكر الحديث وقد أخرجه البخاري من وجه آخر عن أبي المتوكل عن جابر فقال في بعض أسفاره ولم يعينه وكذا أبهمه أكثر الرواة عن جابر ومنهم من قال كنت في سفر ومنهم من قال كنت في غزوة ولا منافاة بين هاتين الروايتين وجزم ابن إسحاق عن وهب بن كيسان في روايته أن ذلك كان في غزوة ذات الرقاع وكذلك أخرجه الواقدي من طريق عطية بن عبد الله بن أنيس عن جابر ويؤيد هذه رواية الطحاوي أن ذلك وقع في رجوعهم من طريق مكة إلى المدينة وليست طريق تبوك ملاقية لطريق مكة بخلاف غزوة ذات الرقاع وجزم السهيلي أيضا بما قاله ابن إسحاق قوله بأربع أواق بالتنوين ويروى بأربع أواقي بالياء المشددة على الأصل فخفف بحذف أحدهما ثم أعل إعلال قاض
وقال أبو نضرة عن جابر اشتراه بعشرين دينارا
أبو نضرة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه المنذر بن مالك العبدي مات سنة ثمان ومائة وهذا التعليق وصله ابن ماجه من طريق الجريري عنه بلفظ فما زال يزيدني دينارا دينارا حتى بلغ عشرين دينارا وأخرجه مسلم والنسائي من طريق أبي نضرة ولم يعين الثمن
وقول الشعبي بوقية أكثر الإشتراط أكثر وأصح عندي قاله أبو عبد الله
هذا كلام البخاري أي قول عامر الشعبي بوقية أكثر من غيره في الروايات ووقع في بعض النسخ بعد هذا الاشتراط أكثر وأصح عندي قاله أبو عبد الله وقد مر هذا فيما مضى عن قريب وأبو عبد الله هو البخاري واعلم أنك رأيت في قصة جابر هذا الاختلاف في ثمن الجمل المذكور فيها فروى أوقية وروي أربعة دنانير وروي أوقية ذهب وروي أربع أواق وروي خمس أواق وروي مائتا درهم وروى عشرون دينارا هذا كله في رواية البخاري وروى أحمد والبزار من حديث أبي المتوكل عن جابر ثلاثة عشر دينارا وهذا اختلاف عظيم والثمن في نفس الأمر واحد منها والرواة كلهم عدول فقال الإسماعيلي ليس اختلافهم في قدر الثمن بضائر لأن الغرض الذي سيق الحديث لأجله بيان كرمه وتواضعه وحنوه على أصحابه وبركة دعائه وغير ذلك ولا يلزم من وهم بعضهم في قدر الثمن توهين لأصل الحديث
وقال القرطبي اختلفوا في ثمن الجمل اختلافا لا يقبل التلفيق وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر لم يصح نقله ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم وإنما يحصل من مجموع الروايات أنه باعه البعير بثمن معلوم بينهما وزاد عند الوفاء زيادة معلومة ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك وقال الكرماني في وجه التوفيق وقية الذهب قد تساوي مائتي درهم المساوية لعشرين دينارا على حساب الدينار بعشرة وأما وقية الفضة فهي أربعون درهما المساوية لأربعة دنانير وأما أربعة أواق فلعله اعتبر اصطلاح أن كل وقية عشرة دراهم فهي أيضا وقية بالاصطلاح الأول والكل راجع

(13/297)


إلى وقية ووقع الاختلاف في اعتبارها كما وكيفا وقال عياض قال أبو جعفر الداودي ليس لوقية الذهب وزن معلوم وأوقية الفضة أربعون درهما قال وسبب اختلاف هذه الروايات أنهم رووا بالمعنى وهو جائز والمراد أوقية الذهب كما وقع به العقد وعنى أواقي الفضة كما حصل به إنفاذه ويحتمل هذا كله زيادة على الأوقية كما ثبت في الروايات أنه قال وزادني وأما رواية أربعة دنانير فموافقة أيضا لأنه يحتمل أن يكون أوقية الذهب حينئذ وزن أربعة دنانير ورواية عشرين دينارا محمولة على دنانير صغار كانت لهم وأما رواية أربع أواق شك فيه الراوي فلا اعتبار بها وفوائد الحديث مر ذكرها في الاستقراض
5 -
( باب الشروط في المعاملة )
أي هذا باب في بيان أحكام الشروط في المعاملة أي المزارعة وغيرها
9172 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قالت الأنصار للنبي اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا فقال الأنصار تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة لأن فيه شرطا على ما لا يخفى ورجال هذا الحديث قد تكرر ذكرهم وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان الزيات والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث مضى في المزارعة في باب إذا قال إكفني مؤونة النخل بعين هذا الإسناد والمتن وإنما أعاده هنا لأجل الترجمة المذكورة
قوله إخواننا أراد بهم المهاجرين قوله قال لاأي قال للأنصار لا وأفرد نظرا إلى أنه صار علما لهم ويروى قالوا قوله تكفونا ويروى وتكفوننا والمؤونة تهمز ولا تهمز وهي التعب والشدة والمراد به ههنا السقي والجداد ونحو ذلك قوله ونشرككم بفتح الراء وهذا يسمي بعقد المساقاة قال الكرماني فإن قلت أين الشرط وإن كان فأي شرط هو من الأقسام الثلاثة قلت تقديره إن تكفوننا المؤونة نقسم أو نشرككم وهذا شرط لغوي اعتبره الشارع
0272 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( جويرية بن أسماء ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله ) رضي الله تعالى عنه قال أعطى رسول الله خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه ما أعطى خيبر اليهود إلا بشرط أن يعملوها ويزرعوها وهذا هو عقد المزارعة وموسى هو ابن إسماعيل أبو سلمة البصري المعروف بالتبوذكي والحديث مضى في المزارعة في باب المزارعة مع اليهود والله أعلم
6 -
( باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في المهر عند عقدة النكاح بضم العين أي عند عقد النكاح
وقال عمر إن مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت
عمر هو ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهذا التعليق ذكره ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم عن عمر رضي الله تعالى عنه قال لها شرطها قال رجل إذا يطلقنا فقال عمر إن مقاطع الحقوق عند الشروط قوله مقاطع الحقوق المقاطع جمع مقطع وهو موضع القطع في الأصل وأراد بمقاطع الحقوق مواقفه التي ينتهي إليها

(13/298)


وقال المسور سمعت النبي ذكر صهرا له فأثناى عليه في مصاهرته فأحسن قال حدثني وصدقني ووعدني فوفاى لي
المسور بكسر الميم ابن مخرمة وهذا التعليق مضى عن قريب في باب من أمر بإنجاز الوعد وأراد بصهره أبا العاص ابن الربيع زوج بنته زينب رضي الله تعالى عنها أسر يوم بدر فمن عليه بلا فداء كرامة لرسول الله وكان قد أبى أن يطلق بنته إذ مشى إليه المشركون في ذلك فشكر له رسول الله مصاهرته وأثنى عليه ورد زينب إلى رسول الله بعد بدر بقريب حين طلبها منه وأسلم قبل الفتح
9 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث وهو أن أحق الشروط بالوفاء ما يستحل به الرجل فرج المرأة وهو المهر والترجمة الشروط في المهر عند عقد النكاح من تعيينه وبيان كميته وكونه حالا أو منجما كله أو بعضه وغير ذلك وأبو الخير ضد الشر واسمه مرثد بن عبد الله اليزني والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي الوليد وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن أيوب وعن ابن نمير وعن ابن أبي شيبة وعن أبي موسى وأخرجه أبو داود فيه عن عيسى بن حماد عن الليث به وأخرجه الترمذي فيه عن أبي موسى محمد بن المثنى به وعن يوسف بن عيسى وأخرجه النسائي فيه عن عيسى بن حماد به وعن عبد الله بن محمد وفي الشروط عن عبيد الله بن سعيد وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن عمرو بن عبد الله ومحمد بن إسماعيل
( ذكر معناه ) قوله أحق الشروط وفي رواية الترمذي أن أحق الشروط هل المراد بقوله أحق الحقوق اللازمة أو هو من باب الأولوية قال صاحب الأكمال أحق هنا بمعنى أولى لا بمعنى الإلزام عند كافة العلماء قال وحمله بعضهم على الوجوب والمراد بالشروط التي هي أحق بالوفاء هل هو عام في الشروط كلها أو الشروط المباحة أو ما يتعلق بالنكاح من المهر والنحلة والعدة أو المراد به وجوب المهر فقط ولا شك في أن الشروط التي لا تجوز خارجة عن هذا وأنها لا يوفي بها وكذلك الشروط التي تنافي موجب العقد كاشتراط أن يطلقها أو أن لا ينفق عليها أو نحو ذلك ثم اختلفوا هل تلزم الشروط الجائزة كلها أو ما يتعلق بالنكاح من المهر ونحوه فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي الشعثاء عن الشعبي قال إذا شرط لها دارها فهو بما استحل من فرجها وقال النووي قال الشافعي وأكثر العلماء هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضاه ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف وأنه لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا ينفق عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل يلغو الشرط ويصح النكاح بمهر المثل واستدل بعضهم على أنه إذا اشترط الولي لنفسه شيئا غير الصداق أنه يجب على الزوج القيام به لأنه من الشروط التي استحل به فرج المرأة فذهب عطاء وطاوس والزهري أنه للمرأة وبه قضى عمر بن عبد العزيز وهو قول الثوري وأبي عبيد وذهب علي بن الحسين ومسروق إلى أنه للولي وقال عكرمة إن كان هو الذي ينكح فهو له وخص بعضهم ذلك بالأب خاصة لتبسطه في مال الولد وذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير إلى التفرقة بين أن يشترط ذلك قبل عصمة النكاح أو بعده فقالا أيما امرأة أنكحت على صداق أو عدة لأهلها فإن كان قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان من حباء لأهلها فهو لهم فقال مالك إن كان هذا الاشتراط في حال العقد فهو للمرأة وإن كان بعده فهو لمن وهب له واحتج لذلك بما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال

(13/299)


أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته وبقول مالك أجاب الشافعي في القديم ونص عليه في الإملاء رواه البيهقي في المعرفة ثم قال في آخر الباب وقد قال الشافعي في كتاب الصداق الصداق فاسد ولها مهر مثلها وقال شيخنا هذا ما صححه أصحاب الشافعي قال الرافعي والظاهر من الخلاف القول بالفساد ووجوب مهر المثل وقال النووي أنه المذهب وقال الترمذي العمل على حديث عقبة عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي منهم عمر بن الخطاب قال إذا تزوج رجل امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها وهو قول بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال شرط الله قبل شرطها كأنه رأى للزوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها وذهب بعض أهل العلم إلى هذا وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة -
7 -
( باب الشروط في المزارعة )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في المزارعة والباب الذي قبل هذا الباب أعني باب الشروط في المعاملة أعم من هذا الباب لأن ذلك يشمل المزارعة والمساقاة وهذا مخصوص بالمزارعة
2272 - حدثنا ( مالك بن إسماعيل ) قال حدثنا ( ابن عيينة ) قال حدثنا ( يحيى بن سعيد ) قال سمعت ( حنظلة الزرقي ) قال سمعت ( رافع بن خديج ) رضي الله تعالى عنه يقول كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض فربما أخرجت هذه ولم تخرج ذه فنهينا عن ذالك ولم ننه عن الورق
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه شرطا بين ذلك رافع في حديثه الذي مضى في المزارعة في باب ما يكره من الشروط في المزارعة ولفظه وكان أحدنا يكري أرضه فيقول هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه فنهاهم النبي
وأخرجه البخاري هناك عن صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن يحيى سمع حنظلة الزرقي عن رافع إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله حقلا نصب على التمييز والحقل الزرع والقراح وغير ذلك قوله ولم ننه على صيغة المجهول قوله عن الورق أي لم ينهنا النبي عن الاكتراء بالورق بكسر الراء أي بالدراهم
8 -
( باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح )
أي هذا باب في بيان ما لا يجوز فعله من الشروط في عقد النكاح
3272 - حدثنا حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال لا يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يزيدن على بيع أخيه ولا يخطبن على خطبته ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستكفيء إناءها
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله ولا تسأل المرأة إلى آخره ولكن بتعسف يجيء على قول من يقول إن معنى قوله ولا تسأل المرأة إلى آخره وهو أن تسأل الأجنبية طلاق زوجة الرجل على أن ينكحها ويصير إليها ما كان من نفقته ومعروفه كأن فيه شرطا وهو طلاق الأولى بنكاح الثانية ومعمر هو ابن راشد وسعيد هو ابن المسيب والحديث مضى في كتاب البيوع في باب لا يبيع على بيع أخيه فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب إلى آخره وقد مر الكلام فيه هناك
قوله اختها أي ضرتها وقيل أختها في الإسلام ويدخل في هذا الحكم الكافرة قوله لتستكفيء من الاستكفاء يقال كفأت الإناء أي كببته وقلبته وأكفأته أي أملته والإناء الظرف

(13/300)


9 -
( باب الشروط التي لا تحل في الحدود )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط التي لا تحل في الحدود
5272 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ل ( يث ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود ) عن ( أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ) رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا أن رجلا من الأعراب أتاى رسول الله فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الآخر وهو أفقر منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال رسول الله قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزناى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هاذا الرجم فقال رسول الله والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام اغد يا انيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله فرجمت
مطابقته للترجمة في قوله فافتديت منه بمائة شاة ووليدة لأن ابن هذا كان عليه جلد مائة وتغريب عام وعلى المرأة الرجم فجعلوا في الحد الفداء بمائة شاة ووليدة كأنهما وقعا شرطا لسقوط الحد عنهما فلا يحل هذا في الحدود وفيه تعسف لا يخفى لأن الذي وقع فيه صلح ولهذا ذكر الحديث المذكور في باب إذا اصطلحوا على صلح جوز وهنا بين الترجمة والحديث بعد لا يخفى ومضى الكلام فيه هناك مستوفى
قوله أنشدك الله إلا قضيت أي ما أطلب منك إلا قضاءك بكتاب الله قوله وائذن لي عطف على قوله إقض إذ المستأذن هو الرجل الأعرابي لا خصمه
01 -
( باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق )
أي هذا باب في بيان ما يجوز شروط المكاتب إلى آخره وكلمة على هنا للتعليل والتقدير إذا رضي بالبيع لأجل عتقه كما في قوله تعالى ولتكبروا الله على ما هداكم ( البقرة 581 والحج 73 ) أي لهدايته إياكم
6272 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) قال حدثنا ( عبد الواحد بن أيمن المكي ) عن أبيه قال ( دخلت على عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت دخلت علي بريرة وهي مكاتبة فقالت يا أم المؤمنين اشتريني فإن أهلي يبيعوني فأعتقيني قالت نعم قالت إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي قالت لا حاجة لي فيك فسمع ذالك النبي أو بلغه فقال ما شأن بريرة فقال اشتريها فأعتقيها وليشترطوا ما شاؤا قالت فاشتريتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها فقال النبي الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث لأن بريرة قالت لعائشة إشتريني فأعتقيني والحال أنها كانت مكاتبة فكأنها شرطت عليها أن تعتقها إذا اشترتها والحديث قد مر فيما مضى في مواضع وهذا هو الثالث عشر منها ومضى الكلام فيه مستوفى وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام أيمن ضد الأيسر الحبشي مولى ابن أبي عمرو المخزومي القرشي المكي وهو من أفراد البخاري ودخول أيمن على عائشة إما أنه كان قبل آية الحجاب أو من وراء الحجاب قوله فإن أهلي يبيعوني ويروى يبيعونني على الأصل وكذا في قوله لا يبيعوني

(13/301)


11 -
( باب الشروط في الطلاق )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في تعليق الطلاق
وقال ابن المسيب والحسن وعطاء إن بدأ بالطلاق أو أخر فهو أحق بشرطه
ابن المسيب هو سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح قوله إن بدأ بالطلاق يعني في التعليق أو أخر أي أواخر لفظ الطلاق بأن قال أنت طالق إن دخلت الدار أو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فلا تفاوت بينهما في الحكم وروى ابن أبي شيبة حدثنا عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في الرجل يحلف بالطلاق فيبدأ به قالا له ثنياه قدم الطلاق أو أخره قوله ثنياه أي له ما شرطه في ذلك شرطا أو علقه على شيء فله ما شرط منه أو استثنى منه ومذهب شريح وإبراهيم النخعي إذا بدأ بالطلاق قبل يمينه وقع الطلاق بخلاف ما إذا أخره وقد خالفهما الجمهور في ذلك
7272 - حدثنا ( محمد بن عرعرة ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( عدي بن ثابت ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال نهاى رسول الله عن التلقي وأن يبتاع المهاجر للأعرابي وأن تشترط المرأة طلاق أختها وأن يستام الرجل على سوم أخيه ونهى عن النجش وعن التصرية
مطابقته للترجمة في قوله وأن تشترط المرأة طلاق أختها لأن مفهومه أنه إذا اشترطت ذلك فطلق أختها لأنه لو لم يقع لم يكن للنهي عنه معنى قاله ابن بطال ومحمد بن عرعرة بفتح العينين المهملتين وسكون الراء الأولى الناجي السامي البصري وأبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي اسمه سليمان الأشجعي
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن عبيد الله بن معاذ وعن أبي بكر بن نافع وعن ابن المثنى وعن عبد الوارث بن عبد الصمد وأخرجه النسائي فيه عن عبد الله بن محمد بن تميم
ذكر معناه قوله عن التلقي أي تلقي الركبان بشراء متاعهم قبل معرفة سعر البلد قوله وأن يبتاع أي يشتري المهاجر أي المقيم للأعرابي الذي يسكن البادية وفيه بيان أن النهي في بيع الحاضر للبادي يتناول الشراء قوله وعن التصرية أي تصرية ضرع الحيوان ليخدع المشتري بكثرة اللبن وقد مر الكلام في الأحكام التي في هذا الحديث مفرقا في مواضعه
تابعه معاذ وعبد الصمد عن شعبة
أي تابع محمد بن عرعرة معاذ بن معاذ بن نصر العنبري التميمي قاضي البصرة وعبد الصمد بن عبد الوارث كلاهما تابعا محمد بن عرعرة في تصريحه برفع الحديث إلى النبي وإسناد النهي إليه صريحا فرواية معاذ وصلها مسلم ولفظه أن رسول الله نهى عن التلقي الحديث ورواية عبد الصمد وصلها مسلم أيضا بمثل حديث معاذ
وقال غندر وعبد الرحمان نهي
غندر محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي يعني كلاهما روياه أيضا عن شعبة وقالا نهي بضم النون وكسر الهاء على صيغة المجهول من الماضي المفرد ورواية غندر وصلها مسلم عن أبي بكر بن نافع عن غندر
وقال آدم نهينا
أي قال آدم بن أبي إياس عن شعبة نهينا على صيغة المجهول للمتكلم مع الغير

(13/302)


وقال النضر وحجاج بن منهال نهى
النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وحجاج كلاهما أيضا رويا عن شعبة نهى بفتح النون على المعلوم من الماضي المفرد ولم يعينا الفاعل ورواية النضر وصلها إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) عنه ورواية حجاج وصلها البيهقي من طريق إسماعيل القاضي
21 -
( باب الشروط مع الناس بالقول )
أي هذا باب في بيان الشروط مع الناس بالقول دون الإشهاد والكتابة
8272 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبره قال أخبرني يعلاى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال إنا لعند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال حدثني أبي بن كعب قال قال رسول الله موسى رسول الله فذكر الحديث قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ( الكهف 27 و57 ) كانت الأولى نسيانا والوسطاى شرطا والثالثة عمدا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ( الكهف 37 ) لقيا غلاما فقتله فانطلقا فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه ( الكهف 77 ) قرأها ابن عباس أمامهم ملك
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله والوسطى شرطا لأن المراد به هو قوله إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ( الكهف 67 ) والتزم موسى عليه الصلاة و السلام بذلك ولم يقع بينه وبين الخضر عليه الصلاة و السلام في ذلك لا إشهاد ولا كتابة وإنما وقع ذلك شرطا بالقول والترجمة الشرط مع الناس بالقول و ( إبراهيم بن موسى ) بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي وقد مر غير مرة و ( هشام ) هو ابن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها و ( ابن جريج ) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ويعلى على وزن يرضى ابن مسلم بن هرمز
قوله وغيرهما بالرفع عطفا على فاعل أخبرني قوله سمعته الضمير المرفوع الذي فيه هو جريج والمنصوب يرجع إلى الغير قوله إنا لعند ابن عباس اللام فيه مفتوحة لام التوكيد قوله قال موسى رسول الله مبتدأ وخبر أي صاحب الخضر هو موسى بن عمران كليم الله ورسوله عليه السلام لا موسى آخر كما زعم نوف البكالي قوله كانت الأولى أي المسألة الأولى اعتذر ههنا بقوله لا تؤاخذني بما نسيت قوله والوسطى شرطا أي كانت المسؤلة الوسطى شرطا يعني كانت بالشرط بالقول كما ذكرناه وهو قوله ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قوله والثالثة عمدا أي وكانت المسألة الثالثة عمدا أي قصدا وهو قولهلو شئت لاتخذت عليه أجرا ( الكهف 77 ) قوله ولا ترهقني من أمر عسرا ( الكهف 37 ) أي لا تلحق بي عسرا وقال الفراء لا تعجلني وقيل لا تضيق علي قوله لقيا غلاما إلى آخره إشارة إلى ما ذكر من كل من القصص بحديث يحصل المقصود وإن لم يكن على ترتيب القرآن أي لقي موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام غلاما يسمى حيسونا وقيل حيسورا قال ابن وهب كن اسم أبيه ملاس واسم أمه رحمى قوله فقتله اختلفوا في كيفية قتله فقال ( سعيد بن جبير ) أضجعه ثم ذبحه بالسكين وقال الكلبي صرعه ثم نزع رأسه من جسده وقيل رفصه برجله فقتله وقيل ضرب رأسه بالجدار فقتله وقيل أدخل إصبعه في سرته فاقتلعها فمات قوله أن ينقض وقرىء ينقاص بصاد مهملة قوله قرأ ابن عباس أمامهم ملك أي قدامهم
واختلف فيه هل هو من الأضداد فزعم أبو عبيدة وقطرب والأزهري في آخرين أنه منها وقال الفراء وثعلب أمام ضد وراء وإنما يصلح أن يكون من الأضداد في الأماكن والأوقات يقول الرجل إذا وعد وعدا في رجب لرمضان ثم قال من ورائك شعبان يجوز وإن كان أمامه لأنه يخلفه إلى وقت وعده وكذلك وراءهم

(13/303)


ملك يجوز لأنه يكون أمامهم وطلبتهم خلفه فهو من وراء طلبتهم وكان اسم الملك جلندي وكان كافرا وقال محمد بن إسحاق منوه بن حلندي الأزدي وقال شعيب هدد بن بدد وقال مقاتل كان من ثقيف وهو جد الحجاج ابن يوسف الثقفي
وقال المهلب وفيه النسيان عذر لا مؤاخذة فيه وفيه أن الرفق بالعلماء أولى من الهجوم عليهم بالسؤال عن معاني أقوالهم في كل وقت إلا عند انبساط نفوسهم لا سيما إذا اشترط ذلك العالم على المتعلم وفيه جواز سؤال العالم عن معاني أقواله وأفعاله
31 -
( باب الشروط في الولاء )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في الولاء
9272 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( هشام بن عروة ) عن أبيه عن ( عائشة ) قالت ( جاءتني بريرة ) فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت إن أحبوا أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله جالس فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي فأخبرت عائشة النبي فقال خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق
مطابقته للترجمة فيه من حيث اشتراط أهل بريرة الولاء لهم وأمره عليه الصلاة و السلام عائشة بأن تشترط الولاء لهم مع قوله وإنما الولاء لمن أعتق وقد مضى هذا في مواضع متعددة وهذا هو الموضع الرابع عشر الذي يذكر فيه خبر بريرة
41 -
( باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك )
أي هذا باب يذكر فيه إذا اشترط رب الأرض في عقد المزارعة إذا شئت أخرجتك وترجم لحديث هذا الباب بهذه الترجمة وقد ترجم لهذا الحديث أيضا في كتاب المزارعة بقوله إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أحلا معلوما فهما على تراضيهما وقال هناك في قصة يهود خيبر بلفظ نقركم على ذلك ما شئنا وفي حديث الباب نقركم ما أقركم الله والأحاديث يفسر بعضها بعضا فعلم أن المراد بقوله ما أقركم الله ما قدر الله أنا نترككم فإذا شئنا أخرجناكم
0372 - حدثنا ( أبو أحمد ) قال حدثنا ( محمد بن يحيى أبو غسان الكناني ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا فقال إن رسول الله كان عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلي ماله هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه

(13/304)


ورجلاه وليس هناك عدو غيرهم هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا فقال عمر أظننت أني نسيت قول رسول الله كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقال كانت هذه هزيلة من أبي القاسم قال كذبت يا عدو الله فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك
مطابقته للترجمة في قوله نقركم ما أقركم الله وقد قلنا إن معناه ما قدر الله أنا نترككم فإذا شئنا أخرجناكم وأبو أحمد اختلفوا فيه فذكر البيهقي في ( كتاب الدلائل ) وأبو مسعود وأبو نعيم الأصفهاني أنه المرار بفتح الميم وتشديد الراء ابن حمويه بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم الهمداني بفتح الميم وهو ثقة مشهور وكذا سماه ابن السكن في روايته وأبو ذر الهروي وقال الحاكم أهل بخارى يزعمون أن أبا أحمد هذا هو محمد بن يوسف البيكندي ووقع في البخاري للأكثرين كذا أبو أحمد غير مسمى ولا منسوب ولابن السكن في روايته عن الفربري حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه ووافقه أبو ذر وليس له في البخاري غير هذا الحديث وكذا شيخه وهو ومن فوقه مدنيون
ذكر معناه قوله لما فدع أهل خيبر عبد الله فدع بالفاء والدال والعين المهملتين فعل ماض وأهل خيبر بالرفع فاعله وعبد الله بالنصب مفعوله وزعم الهروي وعبد الغافر في ( معجمه ) أن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل عبد الله ابنه إلى أهل خيبر ليقاسمهم التمر ففدع الفدع ميل في المفاصل كلها كأن المفاصل قد زالت عن مواضعها وأكثر ما يكون في الأرساغ قال وكل ظليم أفدع لأن في أصابعه اعوجاجا قاله الأزهري في ( التهذيب ) وقال النضر بن شميل الفدع في اليد أن تراه يعني البعير يطأ على أم قرانه فأشخص شخص خفه ولا يكون إلا في الرسغ وقال غيره أن يصطك كعباه ويتباعد قدماه يمينا وشمالا وقال ابن الأعرابي الأفدع الذي يمشي على ظهر قدمه وعن الأصمعي هو الذي ارتفع أخمص رجله ارتفاعا لو وطىء صاحبها على عصفور ما آذاه وفي ( خلق الإنسان ) لثابت إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرف الساق فذاك الفدع رجل أفدع وامرأة فدعاء وقد فدع فدعا وفي ( المخصص ) هو عوج في المفاصل أو داء وأكثر ما يكون في الرسغ فلا يستطاع بسطه وعن ابن السكيت الفدعة موضع الفدع وقال ابن قرقول في بعض تعاليق البخاري فدع يعني كسر والمعروف ما قاله أهل اللغة وقال الكرماني فدع بالفاء والمهملة المشددة ثم المعجمة المفتوحات من الفدغ وهو كسر الشيء المجوف وقال بعضهم ووقع في رواية ابن السكن بالغين المعجمة أي شدخ وجزم به الكرماني وهو وهم قلت ليس الكرماني بأول قائل به حتى ينسب الوهم إليه مع أنه جنح في أثناء كلامه إلى أنه بالعين المهملة قوله كان عامل يهود خيبر على أموالهم يعني التي كانت لهم قبل أن يفيئها الله على المسلمين قوله نقركم ما أقركم الله أي إذا أمرنا في حقكم بغير ذلك فعلناه قاله ابن الجوزي قوله فعدي عليه من الليل بضم العين وكسر الدال أي أظلم عليه وقال الخطابي كان اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه قيل يحتمل أن يكونوا ضربوه ويؤيده تقييده بالليل ووقع في رواية حماد بن سلمة التي علق البخاري إسنادها آخر الباب بلفظ فلما كان زمان عمر رضي الله تعالى عنه غشوا المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه الحديث قوله وتهمتنا بضم التاء المثناة من فوق وفتح الهاء وقد تسكن أي الذين نتهمهم بذلك وأصله وهمتنا قلبت الواو تاء كما في التكلان أصله وكلان قوله وقد رأيت إجلاءهم أي إخراجهم من أوطانهم يقال جلا القوم عن مواضعهم جلاء وأجليتهم أنا إجلاء وجلوتهم قاله ابن فارس وقال الهروي جلا وأجلى بمعنى والإجلاء الإخراج من الوطن على وجه الإزعاج والكراهة قوله فلما أجمع عمر على ذلك أي عزم يقال أجمع على الأمر إجماعا إذا عزم قاله ابن عرفة وابن فارس وقال أبو الهيثم أجمع أمره أي جعله جميعا بعدما كان متفرقا قوله أحد بني الحقيق بضم

(13/305)


الحاء المهملة وبقافين بينهما ياء آخر الحروف ساكنة وبنو الحقيق رؤساء اليهود قوله أتخرجنا من الإخراج والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار والواو في وقد أقرنا للحال قوله وقد عاملنا بفتح اللام قوله وشرط ذلك أي إقرارنا في أوطاننا قوله أظننت الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار والخطاب فيه لأحد بني حقيق قوله إذا أخرجت على صيغة المجهول قوله تعدو بك قلوصك أي تجري بك قلوصك والقلوض بفتح القاف وبالصاد الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقيل أول ما يركب من إناث الإبل وقيل الطويل القوائم قوله كانت هذه هذا هكذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره كان ذلك قوله هزيلة بضم الهاء تصغير هزلة والهزل ضد الجد قوله وأعطاهم قيمة ما كان لهم أي بعد أن أجلاهم وأعطاهم قوله مالا تمييز للقيمة فإن قلت الإبل والعروض أيضا مال قلت قد يراد بالمال النقد خاصة والمزروعات خاصة
ذكر ما يستفاد منه فيه أن عمر رضي الله تعالى عنه أجلى يهود خيبر عنها لقوله لا يبقين دينان بأرض العرب وإنما كان أقرهم على أن سالمهم في أنفسهم ولا حق لهم في الأرض واستأجرهم على المساقاة ولهم شطر الثمر فلذلك أعطاهم عمر رضي الله تعالى عنه قيمة شطر الثمر من إبل وأقتاب وحبال يستقلون بها إذا لم يكن لهم في رقبة الأرض شيء وفيه دلالة أن العداوة توجب المطالبة بالجنايات كما طالبهم عمر بفدعهم ابنه ورشح ذلك بأن قال ليس لنا عدو غيرهم فعلق المطالبة بشاهد العداوة وإنما ترك مطالبتهم بالقصاص لأنه فدع ليلا وهو نائم فلم يعرف عبد الله أشخاص من فدعه فأشكل الأمر كما أشكلت قضية عبد الله بن سهل حين وداه النبي من عند نفسه وفيه من استدل أن المزارع إذا كرهه رب الأرض لجناية بدت منه أن له أن يخرجه بعد أن يبتديء في العمل ويعطيه فيما عمله ونصيبه كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه وقال آخرون ليس له إخراجه إلا عند رأس العام وتمام الحصاد والجداد وفيه جواز العقد مشاهرة ومسانهة ومياومة خلافا للشافعي واختلف أصحاب مالك هل يلزمه واحد مما سمى أولا يلزمه شيء ويكون كل واحد منهما بالخيار كذا في ( المدونة ) والأول قول عبد الملك وفيه أن أفعال النبي وأقواله محمولة على الحقيقة على وجهها من غير عدول حتى يقوم دليل المجاز والتعريض
رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله أحسبه عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي اختصره
أي روى الحديث المذكور حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر بن حفص العمري قوله أحسبه كلام حماد أراد أنه يشكه في وصله وذكره الحميدي بلفظ قال حماد وأحسبه عن نافع عن ابن عمر قال أتى رسول الله أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجاهم إلى قصورهم وعليهم على الأرض الحديث ورواه الوليد بن صالح عن حماد بغير شك قوله اختصره أي اختصر حماد الحديث المذكور وقال الإسماعيلي إن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا

(13/306)


بسم الله الرحمن الرحيم
51 -
( باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في الجهاد وفي بيان المصالحة مع أهل الحرب وفي بيان كتابة الشروط هكذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي زيادة وهي قوله بعد كتابة الشروط مع الناس بالقول
2372 - حدثني ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( معمر ) قال أخبرني ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) عن ( المسور بن مخرمة ومروان ) يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا خرج رسول الله زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا خلأت القصواء خلأت القصواء فقال النبي ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولاكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصاى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله العطش فانتزع سهما من كنانته ثم إمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله إنا لم نجيء لقتال أحد ولاكنا جئنا

(14/2)


معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هاذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول قال فانطلق حتى أتاى قريشا قال إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألستم بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخراى فإني والله لأراى وجوها وإني لأراى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه امصص ببظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي فكلما تكلم أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهواى عروة بيده إلى لحية النبي ضرب يده بنعل السيف وقال له أخر يدك عن لحية رسول الله فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي بعينيه قال فوالله ما تنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده

(14/3)


وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسراى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فأقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آتيه فقالوا ائته فلما أشرف على النبي وأصحابه قال رسول الله هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذالك قال سبحان الله ما ينبغي لهاؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أراى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آتيه فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي لقد سهل لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي الكاتب فقال النبي اكتب بسم الله الرحمان الرحيم قال سهيل أما الرحمان فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمان الرحيم فقال النبي اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضاى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولاكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها فقال له النبي على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا اخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا قال النبي فأجزه لي قال ما أنا بمجيزه لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت نعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت

(14/4)


أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام قال قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق قال بلى وعدونا على الباطل قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ( الممتحنة 01 ) حتى بلغ بعصم الكوافر ( الممتحنة 01 ) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية ابن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول لله حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم قال النبي ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي إليهم فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن

(14/5)


أظفركم عليهم ( الفتح 42 62 ) حتى بلغ الحمية حمية الجاهلية ( الفتح 42 62 ) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمان الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت
مطابقته للترجمة من حيث أن فيه المصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط وذلك أن النبي صالح مع أهل مكة في هذه السفرة وهم أهل الحرب لأن مكة كانت دار الحرب حينئذ وكتب بينه وبينهم شروطا
وعبد الله بن محمد هو أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي وعبد الرزاق بن همام اليماني ومعمر بن راشد والزهري هو محمد بن مسلم قد مر ذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في أول كتاب الشروط فإنه أخرج عنهما قطعة من هذا الحديث هناك وههنا ذكره مطولا وهذا الحديث بالنسبة إلى مروان مرسل لأنه لا صحبة له وكذلك بالنسبة إلى المسور لأنه وإن كانت له صحبة ولكنه لم يحضر القصة ولكنهما سمعا جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة كعمر وعثمان وعلي والمغيرة بن شعبة وسهل بن حنيف وأم سلمة وآخرين وقد روى مروان والمسور عن أصحاب رسول الله هذا الحديث وقال محمد بن طاهر الحديث المروي هنا معلول
ذكر معناه قوله يصدق كل واحد منهما أي من المسور ومروان والجملة محلها النصب على الحال قوله زمن الحديبية قد مر ضبطها في كتاب الحج وهي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكن بها وقال المحب الطبري الحديبية قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم وكان خروجه من المدينة يوم الإثنين لهلال ذي القعدة سنة ست بلا خلاف وممن نص على ذلك الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وقال يعقوب بن سفيان حدثنا إسماعيل بن الخليل عن علي بن مسهر أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال خرج رسول الله إلى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال وهذا غريب جدا عن عروة وقال ابن إسحاق خرج في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا قال ابن هشام واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي وقال إبن إسحاق واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يعرضوا له بحرب ويصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الأعراب وخرج رسول الله بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليعلموا أنه إنما خرج زائرا للبيت ومعظما له قال وكان الهدي سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة أنفس وقال ابن عقبة عن جابر عن كل سبعة بدنة وكان جابر يقول فيما بلغني كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة وعن الزهري في رواية ابن أبي شيبة خرج في ألف وثمانمائة وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي نص عليه ابن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان وقال الزهري خرج رسول الله حتى إذا كان بعسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا وقد نزلوا بذي طوى وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموها إلى كراع الغميم وهذا معنى قوله إن خالد بن الوليد بالغميم والغميم بفتح الغين المعجمة وكسر الميم وبضم الغين وفتح الميم أيضا قاله ابن قرقول ورد ذلك الحميري في كتابه ( تثقيف اللسان ) بقوله يقولون لموضع بقرب مكة الغميم على التصغير والصواب الغميم يعني بالفتح وهو واد بينه وبين مكة مرحلتان وذكر الحازمي في ( كتاب البلدان ) أن الذي بالضم واد في ديار حنظلة من بني تميم قوله طليعة نصب على الحال من قوله في خيل لقريش وهي مقدمة الجيش قوله فخذوا ذات اليمين وهي بين ظهري الحمض في طريق تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة قال ابن هشام فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش وهو معنى قوله فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش القترة بفتح القاف والتاء المثناة من فوق الغبار الأسود قوله فانطلق أي خالد قوله يركض جملة حالية من خالد من الركض وهو الضرب بالرجل على الدابة لأجل استعجاله في السير قوله نذيرا نصب على الحال من

(14/6)


الأحوال المترادفة أو المتداخلة أي منذرا لقريش بمجيء رسول الله على ثنية المرار الثنية بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وهي في الجبل كالعقبة فيه وقيل هو الطريق التالي فيه وقيل أعلى المسيل في رأسه والمرار بضم الميم وتخفيف الراء وقال ابن الأثير هو موضع بين مكة والمدينة من طريق الحديبية وبعضهم يقوله بفتح الميم ويقال هو طريق في الجبل تشرف على الحديبية وقال الداودي هي الثنية التي أسفل مكة ورد عليه ذلك وقال ابن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي قوله بركت راحلته الراحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيها للمبالغة وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت قوله حل حل بفتح الحاء المهملة وسكون اللام فيهما وهو زجر للناقة إذا حملها على السير وقال الخطابي فإن قلت حل واحدة فبالسكون وإن أعدتها نونت في الأولى وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كقولهم بخ بخ وصه صه وقال ابن سيده هو زجر لإناث الإبل خاصة ويقال حلا وحلى لا حليت وقد اشتق منه اسم فقيل الحلحال وقال الجوهري جوب زجر للبعير قوله فألحت بحاء مهملة مشددة أي لزمت مكانها ولم تنبعث من الإلحاح قوله خلأت بالخاء المعجمة فهو كالحران في الخيل يقال خلأت خلاء بالمد وقال ابن قتيبة لا يكون الخلاء إلا للنوق خاصة وقال ابن فارس لا يقال للجمل خلاء لكن ألح والقصواء بفتح القاف وسكون الصاد المهملة وبالمد اسم ناقة رسول الله قيل سميت بذلك لأنه كان طرف أذنها مقطوعا من القصو وهو قطع طرف الأذن يقال بعير أقصى وناقة قصواء وقال الأصمعي ولا يقال بعير أقصى وقيل وكان القياس أن يكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر وفي ( أدب الكاتب ) القصوى بالضم والقصر شذ من بين نظائره وحقه أن يكون بالياء مثل الدنيا والعليا لأن الدنيا من دنوت والعليا من علوت وقال الداودي سميت بذلك لأنها كانت لا تكاد أن تسبق فقيل لها القصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه وهي التي ابتاعها أبو بكر وأخرى معها من بني قشير بثمانمائة درهم وهي التي هاجر عليها رسول الله وكانت إذ ذاك رباعية وكان لا يحمله غيرها إذا نزل عليه الوحي وهي التي تسمى العضباء والجدعاء وهي التي سبقت فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله من قدر الله أن لا يرفع شيئا في هذه الدنيا إلا وضعه وقيل المسبوقة هي العضباء وهي غير القصواء قوله وماذاك لها بخلق أي ليس الخلاء لها بعادة وكانوا ظنوا أن ذلك من خلقها فقال وما ذاك لها بخلق بضم الخاء قوله ولكن حبسها حابس الفيل عن دخولها وفي رواية إبن إسحاق حابس الفيل عن مكة أي حبسها الله عز و جل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها حين جيء به لهدم الكعبة قال الخطابي المعنى في ذلك والله أعلم أنهم لو استباحوا مكة لأبي الفيل على قوم سبق في علم الله أنهم سيسلمون ويخرج من أصلابهم ذرية مؤمنون فهذا موضع التشبيه لحبسها وقال الداودي لما رأى النبي بروك القصواء علم أن الله عز و جل أراد صرفهم عن القتال ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( الأنفال 24 و44 ) قوله خطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء أي حالة وقال الداودي خصلة وقال ابن قرقول قضية وأمرا قوله يعظمون فيها حرمات الله قال ابن التين أي يكفون عن القتال تعظيما للحرم وقال ابن بطال يريد بذلك موافقة الله عز و جل في تعظيم الحرمات لأنه فهم عن الله عز و جل وإبلاغ الأعذار إلى أهل مكة فأبقى عليهم لما سبق في علمه من دخولهم في دين الله أفواجا قوله إلا أعطيتهم إياها أي أجبتهم إليها قال السهيلي لم يقع في شيء من طرق الحديث إلا أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بها في كل حالة وأجيب بأنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء واعترض فيه بأن الله تعالى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ( الفتح 82 ) فقال إن شاء الله مع تحقق وقوع ذلك تعليما وإرشادا فالأولى أن يحمل على أن الاستثناء من الراوي وقيل يحتمل أن تكون القصةهو ما يظهر من الماء زمن الشتاء ويذهب في الصيف وقيل لا يكون إلا فيما غلظ من الأرض قوله قليل الماء تأكيد له قال بعضهم تأكيد لدفع توهم أن تراد لغة من يقول إن الثمد الماء الكثير قلت إنما يتوجه هذا الكلام أن لو ثبت في اللغة أن الثمد الماء الكثير أيضا فإذا ثبت يكون من الأضداد فيحتاج إلى ثبوت هذا وقال الكرماني الثمد ذكر معناه فيما بعده على سبيل التفسير قوله يتبرضه الناس أي يأخذونه قليلا قليلا ومادته باء موحدة وراء وضاد معجمة والبرض هو اليسير من العطاء قوله تبرضا مصدر من باب التفعل الذي يجيء للتكلف وانتصابه على أنه مفعول مطلق قوله فلم يلبثه بضم الياء وسكون اللام من الإثبات وقال ابن التين بفتح اللام وكسر الباء الموحدة المثقلة من التلبيث أي لم يتركوه يثبت أي يقيم قوله وشكى على صيغة المجهول قوله فانتزع سهما من كنانته أي أخرج نشابة من جعبته قوله ثم أمرهم أن يجعلوه فيه أي ثم أمرهم رسول الله أن يجعلوا السهم في الثمد المذكور وفي رواية الزهري فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل قليبا من تلك القلب فغرزه من جوفه فجاش بالرواء وقال إبن إسحاق إن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله ناجية بن جندب سائق بدن رسول الله قال وقد زعم بعض أهل العلم كان البراء بن عازب يقول أنا الذي نزلت بسهم رسول الله وروى الواقدي من طريق خالد بن عبادة الغفاري قال أنا الذي نزلت بالسهم والتوفيق بين هذه الروايات أن يقال إن هؤلاء تعاونوا في النزول في القليب قوله يجيش لهم بالري أي يفور ومادته جيم وياء آخر الحروف وشين معجمة قال ابن سيده جاشت تجيش جيشا وجيوشا وجيشانا وكان الأصمعي يقول جاشت بغير همزة فارت وبهمزة ارتفعت والري بكسر الراء وفتحها ما يرويهم فإن قلت سيأتي في المغازي من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية أنه عليه الصلاة و السلام جلس على البئر ثم دعا بإناء فتمضمض ودعا وصبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم إنهم ارتووا وبعد ذلك قلت لا مانع من كون وقوع الأمرين معا وقد روى الواقدي من طريق أوس بن خولي أنه توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها وهكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن عروة أنه تمضمض في دلو وصبه في البئر ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت وهذه القصة غير القصة الآتية في المغازي أيضا من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال عطش الناس بالحديبية وبين يدي رسول الله ركوة فتوضأ منها فوضع يده فيها فجعل الماء يفور من بين أصابعه الحديث وكأن ذلك كان قبل قصة البئر قوله فبينما هم كذلك وفي رواية الكشميهني فبينا هم كذلك بدون الميم قوله بديل بن ورقاء بديل بضم الباء وفتح الدال المهملة وورقاء بالقاف مؤنث الأورق الخزاعي قال أبو عمر أسلم يوم الفتح بمر الظهران وشهد حنينا والطائف وتبوك وكان من كبار مسلمة الفتح وقيل أسلم قبل ذلك وتوفي في حياة سيدنا رسول الله وقال ابن حبان وكان سيد قومه وكان من دهاة العرب قوله في نفر من قومه ذكر الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية في رواية الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية قوله وكانوا عيبة نصح رسول الله العيبة بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة وهي في الأصل ما يوضع فيه الثياب لحفظها والمراد بها هنا موضع سره وأمانته شبه الإنسان الذي هو مستودع سره بالعيبة التي هي مستودع الثياب أي محل نصحه وموضع أسراره والنصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها على أنه مصدر من نصخ ينصح نصحا بالفتح قلت هو بالضم اسم وأصله في اللغة الخلوص يقال نصحته ونصحت له ونصح رسول الله عبارة عن التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه قوله من أهل تهامة لبيان الجنس لأن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر التاء المثناة من فوق وهي مكة وما حولها من البلدان وحدها من جهة المدينة العرج ومنتهاها إلى أقصى اليمن ويقال تهامة إسم لكل ما نزل من نجد واشتقاقه من التهم وهو شدة الحر وركود الريح يقال أتهم إذا أتى تهامة كما يقال أنجد إذا أتى نجدا قوله كعب بن لؤي وعامر بن لؤي بضم اللام وفتح الهمزة وشدة الياء إنما اقتصر على ذكر هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع يرجع أنسابهم إليهما ولم يكن بمكة منهم أحد وكذلك قريش

(14/8)


الظواهر الذين منهم بنو تميم بن غالب ومحارب بن فهر قوله على أعداد مياه الحديبية الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له يقال ماء عد ومياه أعداد قال ابن قرقول مثل ند وأنداد وقال الداودي هو موضع بمكة وليس كذلك وهو ذهول منه قوله ومعهم العوذ المطافيل العوذ بضم العين المهملة وسكون الواو وفي آخره ذال معجمة جمع عائذ وهي الناقة التي معها ولدها والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها قال السهيلي يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان ويتزودون بألبانها ولا يرجعون حتى يناجزوا رسول الله في زعمهم وإنما قيل للناقة عائذ وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها عاطف عليه كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها لأنها في معنى نامية زاكية وقال الخطابي العوذ الحديثات النتاج وقال ابن التين يجمع أيضا على عيذان مثل راع ورعيان قلت هذا التمثيل غير صحيح لأن عائذا أجوف واوي و الراعي ناقص يائي وقال الداودي العوذ سراة الرجال قال ابن التين وهو ذهول وقيل هي الناقة التي لها سبع ليال منذ ولدت وقيل عشرة وقيل خمس عشرة ثم هي مطفل بعد ذلك وقيل النساء مع الأولاد وقيل النوق مع فصلائها وهذا هو أصلها وقال ابن الأثير جاؤا بالعوذ المطافيل أي الإبل مع أولادها المطفل الناقة القريبة العهد بالنتاج معها طفلها يقال أطفلت فهي مطفل ومطفلة والجمع مطافل ومطافيل بالإشباع يريد أنهم جاؤا بأجمعهم كبارهم وصغارهم ووقع في رواية ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان قوله وصادوك أي مانعوك أصله صادون فلما أضيف إلى كاف الخطاب حذفت النون وأصله صاد دون فأدغمت الدال في الدال قوله قد نهكتهم الحرب بفتح النون وكسر الهاء وفتحها أي بلغت فيهم الحرب وأضرت بهم وهزلتهم قوله ماددتهم أي ضربت معهم مدة للصلح قوله ويخلوا بيني وبين الناس أي من كفار العرب وغيرهم قوله فإن أظهر قال ابن التين وقع في بعض الكتب بالواو وهو بالجزم أي إن غلبت عليهم قوله فإن شاؤا شرط معطوف على الشرط الأول وجواب الشرطين قوله فعلوا قوله وإلا أي وإن لم أظهر أي وإن لم أغلب عليهم فقد جموا بالجيم المفتوحة وضم الميم المشددة أي استراحوا من جهد الحرب وقد فسر بعضهم هذا الكلام بقوله إن ظهر غيرهم علي كفاهم المؤونة وإن أظهر أنا فإن شاؤا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جموا انتهى قلت من له إدراك في حل التراكيب ينظر فيه هل هذا التفسير الذي فسره يطابق هذا الكلام أم لا فإن قلت ما معنى ترديده في هذا مع أنه جازم بأن الله تعالى سينصره ويظهره عليهم قلت هذا على طريق التنزل مع الخصم وعلى سبيل الفرض ولمجاراة معهم بزعمهم وقال بعضهم ولهذه النكتة حذف القسيم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه قلت وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا قوله حتى تنفرد سالفتي بالسين المهملة وكسر اللام أي حتى ينفصل مقدم عنقي أي حتى أقتل وقال الخطابي أي حتى يبين عنقي والسالفة مقدم العنق وقيل صفحة العنق وفي ( المحكم ) السالفة أعلى العنق وقال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري قوله ولينفذن الله بضم الياء وكسر الفاء أي ليمضين الله أمره في نصر دينه ويظهره وإن كرهوا قوله فقال سفهاؤهم سمى الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل والحكم بن أبي العاص قوله فقام عروة بن مسعود أي ابن معتب بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق وفي آخره باء موحدة الثقفي أسلم بعد ذلك ورجع إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام فقتلوه فقال ومنها مثله كمثل صاحب يس في قومه وفي رواية ابن إسحاق إن مجيء عروة قبل قصة مجيء سهيل بن عمرو والله أعلم قوله أي قوم أي يا قومي قوله ألستم بالوالد أي بمثل الوالد في الشفقة والمحبة قوله أو لستم بالولد أي مثل الولد في النصح لوالده ووقع في رواية أبي ذر ألستم بالولد وألست بالوالد قالوا بلى والصواب هو الأول وكذا في رواية ابن إسحاق وأحمد وغيرهما وزاد إبن إسحاق عن الزهري إن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف قوله فهل تتهموني أي قال عروة تنسبوني إلى التهمة قالوا لا لأنه كان سيدا مطاعا ليس بمتهم قوله إني استنفرت أهل عكاظ أي دعوتهم إلى نصركم وعكاظ بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة وهو اسم سوق بناحية مكة كانت العرب تجتمع بها في كل سنة مرة قوله فلما بلحوا علي بفتح الباء الموحدة وتشديد اللام وبالحاء المهملة أي عجزوا يقال بلح الفرس إذا أعيى ووقف وقال ابن قرقول وتخفيف اللام قال لغة الأغشى واشتكى الأوصال منه وبلح وقال الخطابي

(14/9)


بلحوا امتنعوا يقال بلح الغريم إذا قام عليك فلم يؤد حقك وبلحت البركة إذا انقطع ماؤها قوله قد عرض لكم كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره قد عرض عليكم قوله خطة رشد بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة والرشد بضم الراء وسكون الشين المعجمة وبفتحها أي خصلة خير وصلاح وإنصاف ويقال خذ خطة الإنصاف أي انتصف قوله آتيه بالياء على الاستئناف أي أنا آتيه ويجوز أته بالجزم جوابا للأمر قوله قالوا ائته هذا أمر من أتى يأتي والأمر منه يأتي بهمزتين أحداهما همزة الكلمة والأخرى همزة الوصل فحذفت همزة الكلمة للتخفيف وقال بعضهم قالوا ائته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة مكسورة ثم هاء ساكنة ويجوز كسرها قلت ليس كذلك لأنه لا يقال ألف الوصل وإنما يقال همزة الوصل لأن الألف لا تقبل الحركة ولا يجوز تسكين الهاء إلا عند الوقف لأنها هاء الضمير وليست بهاء السكت حتى تكون ساكنة وكيف يقول ويجوز كسرها بل كسرها متعين في الأصل قوله نحوا من قوله لبديل وزاد ابن إسحاق وأخبره أنه لم يأت يريد حربا قوله فقال عروة عند ذلك أي عند قوله لأقاتلنهم قوله أي محمد أي يا محمد قوله أرأيت أي أخبرني قوله إن استأصلت أمر قومك من الاستئصال وهو الاستهلاك بالكلية قوله اجتاح بجيم وفي آخره حاء مهملة ومعناه استأصل قوله وإن تكن الأخرى جزاؤه محذوف تقديره وإن تكن الدولة لقومك فلا يخفى ما يفعلون بكم وفيه رعاية الأدب مع رسول الله حيث لم يصرح إلا بشق غالبيته ولفظ فأني كالتعليل لظهور شق المغلوبية قوله وجوها أي أعيان الناس قوله أشوابا بتقديم الشين المعجمة على الواو قال الخطابي يريد الأخلاط من الناس قال والشوب الخلط ويروى أوشابا بتقديم الواو على الشين وهو مثله يقال هم أوشاب وأشابات إذا كانوا من قبائل شتى مختلفين ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني أوباشا وهم الأخلاط من السفلة وقال الداودي رحمه الله تعالى الأوشاب أرذل الناس وعن القزاز مثل الأوباش قوله خليقا بالخاء المعجمة والقاف أي حقيقا وزنا ومعنى يقال خليق للواحد والجمع فلذلك وقع صفة لأشواب ويروى خلقاء بالجمع قوله أن يفروا أي بأن يفروا ويدعوك أي يتركوك بفتح الدال وهو من الأفعال التي أمات العرب ماضيها وإنما قال ذلك لأن العادة جرت أن الجيوش المجتمعة من أخلاط الناس لا يؤمن عليهم الفرار بخلاف من كان من قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في العادة وفات عروة العلم بأن مودة الإسلام أعظم من مودة القرابة قوله فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه وفي رواية ابن إسحاق وأبو بكر الصديق خلف رسول الله قاعد فقال له أي لعروة امصص بظر اللات ويروى عن الزهري وهي طاغيته أي اللات طاغية عروة التي تعبد وامصص بفتح الصاد الأولى أمر من مصص يمصص من باب علم يعلم كذا قيده الأصيلي وقال ابن قرقول هو الصواب من مص يمص وهو أصل مطرد في المضاعف مفتوح الثاني وفي رواية القابسي ضم الصاد الأولى حكى عنه ابن التين وخطأها والبظر بفتح الباء الموحدة وسكون الظاء المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة وقال الكرماني هي عنة عند شفري الفرج لم تخفض وقال ابن الأثير هي الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان قلت قول الكرماني عند شفري الفرج ليس كذلك بل البظر بين شفريها وكذا قال في ( المغرب ) بظر المرأة هنة بين شفري رحمها وقال أبو عبيد البظارة ما بين الأسكتين وهما جانبا الحياء وقال أبو زيد هو البظر وقال ابن مالك هو البنظر وقال ابن دريد البيظرة ما تقطعه الخاتنة من الجارية ذكره في ( المخصص ) وفي ( المحكم ) البظر ما بين الأسكتين والجمع بظور وهو البيظر والبيظارة وامرأة بظراء طويلة البظر والاسم البظر ولا فعل له والبظر الخاتن كأنه على السلب ورجل أبظر لم يختتن وقال ابن التين هي كلمة تقولها العرب عند الذم والمشاتمة لكن تقول بظر أمه واستعار أبو بكر رضي الله تعالى عنه ذلك في اللات لتعظيمهم إياها وحمل أبا بكر على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار قوله أنحن نفر الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله من ذا قالوا أبو بكر وفي رواية ابن إسحاق فقال من هذا يا محمد قال ابن أبي قحافة قوله إما هو حرف استفتاح قوله والذي نفسي بيده يدل على أن القسم بذاك كان عادة العرب قوله لولا يد أي نعمة ومنة قوله لم أجزك بها أي لم أكافك وفي رواية ابن إسحاق ولكن هذه بها أي جازاه بعدم

(14/10)


إجابته عن شتمه بيده التي كان أحسن إليه بها وجاء عن الزهري بيان اليد المذكورة وهو أن عروة كان تحمل بدية فأعانه فيها أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعون حسن وفي رواية الواقدي عشر قلائص قوله فكلما تكلم وفي رواية السرخسي والكشميهني فكلما كلمه أخذ بلحيته وفي رواية ابن إسحاق فجعل يتناول لحية النبي وهو يكلمه قوله والمغيرة بن شعبة قائم وفي رواية أبي الأسود عن عروة أن المغيرة لما رأى عروة بن مسعود مقبلا لبس لأمته وجعل على رأسه المغفر ليستخفي من عروة عمه قوله بنعل السيف وهو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها قوله أخر أمر من التأخير وزاد ابن إسحاق في روايته قبل أن لا تصل إليك وفي رواية عروة بن الزبير فإنه لا ينبغي لمشرك أن يمسه وفي رواية إبن إسحاق فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة ويقال عادة العرب أنهم يستعملونه كثيرا يريدون بذلك التحبب والتواصل وحكي عن بعض العجم فعل ذلك أيضا وأكثر العرب فعلا لذلك أهل اليمن وإنما كان المغيرة يمنعه من ذلك إعظاما لسيدنا رسول الله وإكبارا لقدره إذ كان إنما يفعل ذلك الرجل بنظيره دون الرؤساء وكان النبي لم يمنعه من ذلك تألفا له واستمالة لقلبه وقلب أصحابه قوله فقال من هذا قالوا المغيرة وفي رواية أبي الأسود عن عروة بن الزبير فلما أكثر المغيرة مما يقرع يده غضب وقال ليت شعري من هذا الذي قد آذاني من بين أصحابك والله لا أحسب فيكم ألأم منه ولا أشر منزلة وفي رواية ابن إسحاق فتبسم رسول الله فقال له عروة من هذا يا محمد قال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قوله فقال أي غدر أي فقال عروة مخاطبا للمغيرة يا غدر بضم الغين المعجمة على وزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر قوله ألست أسعى في غدرتك أي ألست أسعى في دفع شر جنايتك ببذل المال ونحوه وقال الكرماني وكان بينهما قرابة قلت قد ذكرنا أنه كان ابن أخي عروة وكأن الكرماني لم يطلع على هذا فلهذا أبهمه وفي المغازي عروة والله ما غسلت يدي من غدرتك ولقد أورثتنا العداوة في ثقيف وفي رواية ابن إسحاق وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس قوله وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وبيانه ما ذكره ابن هشام وهو أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم فقتلهم وأخذ أموالهم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا واصطلحوا وذكر الواقدي القصة وحاصلها أنهم كانوا خرجوا زائرين المقوقس بمصر فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم قوله أما الإسلام فأقبل بلفظ المتكلم أي أقبله قوله وأما المال فلست منه في شيء أي لا أتعرض إليه لكونه أخذه غدرا ولما قدم المغيرة على رسول الله وأسلم قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه ما فعل المالكيون الذين كانوا معك قال قتلتهم وجئت بأسلابهم إلى رسول الله ليخمس أو ليرى فيها رأيه فقال رسول الله أما المال فلست منه في شيء يريد في حل لأنه علم أن أصله غصب وأموال المشركين وإن كانت مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن فإذا كان الإنسان مصاحبا لهم فقد أمن كل واحد منهم صاحبه فسفك الدماء وأخذ الأموال عند ذلك غدر والغدر بالكفار وغيرهم محظور قوله فجعل يرمق بضم الميم أي يلحظ قوله ما تنخم رسول الله نخامة ويروى إن تنخم رسول الله نخامة وهي أن النافية مثل ما و النخامة بضم النون التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة قوله فدلك بها أي بالنخامة وجهه وجلده وفي رواية ابن إسحاق أيضا ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه قوله ابتدروا أمر من الإبتدار في الأمر وهو الإسراع فيه قوله وضوءه بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضؤ به قوله وما يحدون إليه النظر بضم الياء وكسر الحاء المهملة من الإحداد وهو شدة النظر قوله ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي هذا من باب عطف الخاص على العام مثل قوله وفدت على الملوك يتناول هؤلاء فقيصر غير منصرف للعجمة والعلمية وهو لقب لكل من ملك الروم وكسرى بكسر الكاف وفتحها اسم لكل من ملك الفرس والنجاشي بتخفيف الجيم وتشديد الياء وتخفيفها

(14/11)


اسم لكل من ملك الحبشة قوله إن رأيت ملكا أي ما رأيت ملكا وكلمة إن نافية قوله فقال رجل من بني كنانة وهو الحليس بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة ابن علقمة الحارثي قال ابن ماكولا رئيس الأحابيش يوم أحد وقال الزبير بن بكار سيد الأحابيش قوله وهو من قوم يعظمون البدن أي ليسوا ممن يستحلها ومنه قوله تعالى لا تحلوا شعائر الله ( المائدة 5 ) وكانوا يعظمون شأنها ولا يصدون من أم البيت الحرام فأمر رسول الله بإقامتها له من أجل علمه بتعظيمه لها ليخبر بذلك قومه فيخلوا بينه وبين البيت والبدن بضم الباء جمع بدنة وهي من الإبل والبقر قوله فابعثوها له أي للرجل الذي من كنانة قوله فبعثت على صيغة المجهول قوله فاستقبله الناس أي استقبل الرجل الكناني قوله يلبون جملة حالية أي يقولون لبيك اللهم لبيك إلى آخره قوله فلما رأى ذلك أي المذكور من البدن واستقبال الناس بالتلبية قال تعجبا سبحان الله وفي رواية ابن إسحاق فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس عن محله رجع ولم يصل إلى رسول الله وفي رواية الحاكم فصالح الحليس فقال هلكت قريش ورب الكعبة إن القوم إنما أتوا عمارا فقال النبي أجل يا أخا بني كنانة فأعلمهم بذلك فإن قلت بين هذا وبين ما رواه ابن إسحاق منافاة قلت قيل يحتمل أن يكون خاطبه على بعد والله أعلم قوله أن يصدوا على صيغة المجهول أي يمنعوا قال ابن إسحاق وغضب وقال يا معشر قريش ما على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاء معظما له فقالوا كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى قوله فقام رجل منهم يقال له مكرز بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي ابن حفص وحفص بن الأخيف بالخاء المعجمة والياء آخر الحروف ثم الفاء وهو من بني عامر بن لؤي قوله وهو رجل فاجر وفي رواية ابن إسحاق غادر وهذا أرجح لأنه كان مشهورا بالغدر ولم يصدر منه في قصة الحديبية فجور ظاهر بل الذي صدر منه خلاف ذلك يظهر ذلك في قصة أبي جندل وقال الواقدي أراد أن يبيت المسلميين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس فانقلب منهم مكرز قوله فبينما هو يكلمه أي بينما يكلم مكرز النبي إذ جاء سهيل بن عمرو وكلمة إذ للمفاجأة وفي رواية إبن إسحاق دعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا إذهب إلى هذا الرجل فصالحه قال فقال النبي قد أرادت قريش الصلح حين بعثت هذا قوله قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة إلى آخره هذا موصول إلى معمر بن راشد بالإسناد المذكور أولا وهو مرسل وأيوب هو السختياني وعكرمة مولى ابن عباس قوله لقد سهل لكم من أمركمتفاءل النبي باسم سهيل بن عمرو على أن أمرهم قد سهل لهم قوله قال معمر قال الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وهو أيضا موصول بالإسناد الأول إلى معمر وهو بقية الحديث وإنما اعترض حديث عكرمة في أثنائه قوله هات أمر للمفرد المذكر تقول هات يا رجل بكسر التاء أي أعطني وللأثنين هاتيا مثل إتيا وللجمع هاتوا وللمرأة هاتي بالياء وللمرأتين هاتيا وللنساء هاتين مثل عاطين قال الخليل أصل هات من أتى يؤتي فقلبت الألف هاء قوله أكتب بيننا وبينكم كتابا وفي رواية إبن إسحاق فلما انتهى أي سهيل إلى النبي جرى بينهما القول حتى وقع بينهما الصلح على أن توضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم بعضا وأن يرجع عنهم عامهم هذا وهذا القدر من مدة الصلح التي ذكرها ابن إسحاق هو المتعمد عليها وكذا جزم به ابن سعد وأخرجه الحاكم فإن قلت وقع عند موسى بن عقبة وغيره أن المدة كانت سنتين قلت قد وفق بينهما بأن الذي قاله ابن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح علهيا والذي ذكره موسى وغيره هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيان ذلك في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى فإن قلت وقع عند ابن عدي في ( الكامل ) و ( الأوسط ) للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين قلت هذا ضعيف ومنكر ومخالف للصحيح والله أعلم قوله فدعا النبي الكاتب وفي رواية ابن إسحاق ثم دعا رسول الله علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال أكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو وفي رواية إبن إسحاق قال سهيل لا أعرف هذا ولكن أكتب باسمك أللهم وإنما أنكر سهيل البسملة

(14/12)


لأنهم كانوا يكتبون في الجاهلية باسمك أللهم وكان النبي في بدء الإسلام يكتب كذلك وهو معنى قوله ولكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فلما نزلت بسم الله مجريها ( هود 11 ) كتب بسم الله ولما نزل ادعوا الرحمن ( الإسراء 71 ) كتب بسم الله الرحمن الرحيم ( النمل 03 ) ولما نزل إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ( النمل 03 ) كتب كذلك فأدركتهم حمية الجاهلية قوله هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله وقد مر الكلام فيه في أوائل الصلح في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان وكذلك مضى الكلام هناك في سهيل بن عمرو وابنه أبي جندل قوله نطوف به بتشديد الطاء والواو وأصله نتطوف به قوله فقال سهيل والله لاأي لا يخلى بينك وبين البيت وقوله تتحدث العرب جملة استثنافية وليست مدخولة لا ومدخولة لا محذوفة وهي التي قدرناها وبعضهم ظن أن لا دخلت على قوله تتحدث العرب حتى قال عند شرح هذا قوله لا تتحدث العرب وهذا ظن فاسد فافهم فإنه موضع قليل من يدرك ذلك قوله إنا أخذنا ضغطة أي قهرا وقال الداودي مفاجأة وهو منصوب على التمييز وقال ابن الأثير يقال ضغطه يضغطه ضغطا إذا عصره وضيق عليه وقهره ومنه حديث الحديبية إنا أخذنا ضغطة أي قهرا يقال أخذت فلانا ضغضة بالضم إذا ضيقت عليه لتكرهه على الشيء قوله فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل وفي رواية ابن إسحاق فإن الصحيفة تكتب إذ طلع أبو جندل بالجيم والنون على وزن جعفر وقد مر الكلام فيه في الصلح وله أخ اسمه عبد الله أسلم قديما وحضر مع المشركين بدرا ففر منهم إلى المسلمين ثم كان معهم بالحديبية وقد استشهد باليمامة قبل أبي جندل بمدة ووهم من جعلهما واحدا قوله يرسف في قيوده أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد ومادته راء وسين مهملة وفاء قوله إنا لم نقض الكتاب بعد أي لم نفرغ من كتابته بعد وهو من القضاء بمعنى الفراغ ويروى لم نفض بالفاء والضاد من فض ختم الكتاب وهو كسره وفتحه قوله فأجزه لي بصيغة الأمر من الإجازة أي أمض فعلي فيه ولا أرده إليك وفي ( الجمع ) للحميدي فأجزه بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي قوله ما أنا بمجيزه لك من الإجازة أيضا ويروى بمجيز ذلك قوله قال مكرز بلى قد أجزنا ذلك هكذا رواية الكشميهني بلفظ بلى وفي رواية غيره قال مكرز بل بحرف الإضراب وقال بعضهم ولا يخفى ما فيه من النظر ولم يذكر هنا ما أجاب به سهيل مكرزا في ذلك قيل لأن مكرزا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل ورد على قائل هذا بما رواه الواقدي أن مكرزا ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب بن عبد العزى وذكر أيضا أن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطا وكفاه أباه عنه قوله فقال أبو جندل أي معشر المسلمين أي يا معشر المسلمين قوله وقد جئت مسلما أي حال كوني مسلما وفي رواية ابن إسحاق فقال رسول الله يا أبا جندل إصبر واحتسب فأنا لا نغدر وإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا قال فوثب عمر رضي الله تعالى عنه مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول اصبر فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم كدم كلب قال ويدني قائم السيف منه يقول عمر رجوت أن يأخذه مني فيضرب به أباه فضن الرجل أي بخل بأبيه ونفذت القضية وقال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية والوجه الثاني أنه إنما رده إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به للهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين وقالت طائفة إنما جاز رد المسلمين إليهم في الصلح لقوله لا تدعوني قريش إلى خطة يعظمون بها الحرم إلا أجبتهم وفي رد المسلم إلى مكة عمارة للبيت وزيادة خير من صلاته بالمسجد الحرام وطوافه بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات الله تعالى فعلى هذا يكون حكما مخصوصا بمكة وبسيدنا رسول الله وغير جائز لمن بعده كما قال العراقيون قوله فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله إلى آخر الكلام وفي رواية الواقدي من حديث أبي سعيد قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي مراجعة ما راجعته مثلها قط وفي سورة الفتح فقال عمر ألسنا على الحق وهم على الباطل أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار فعلى ما نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا فقال يا ابن الخطاب

(14/13)


إني رسول الله ولن يضيعني الله فرجع متغيظا ولم يصبر جتى جاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأخرجه البزار من حديث عمر نفسه مختصرا ولفظه قال عمر اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله برأيي وما آلوت عن الحق وفيه قال فرضي رسول الله وأبيت حتى قال يا عمر تراني رضيت وتأبى قوله فلم نعطي الدنية بفتح الدال المهملة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف وهي النقيصة والخصلة الخسيسة قوله إذا أي حينئذ قوله قال إني رسول الله ولست أعصيه تنبيه لعمر رضي الله تعالى عنه أي إنما أفعل هذا من أجل ما اطلعني الله عليه من حبس الناقة وإني لست أفعل ذلك برأيي وإنما هو بوحي قوله قال أيها الرجل يخاطب به أبا بكر عمر رضي الله تعالى عنهما قوله إنه لرسول الله أي إن محمدا لرسول الله ويروى إنه رسول الله بلا لام قوله فاستمسك بغرزه بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالزاي وهو في الأصل للإبل بمنزلة الركاب للسرج أي صاحبه ولا تخالفه قوله قال الزهري هو محمد بن مسلم الراوي وهو موصول إلى الزهري بالسند المذكور وهو منقطع بين الزهري وعمر قوله فعملت لذلك أعمالا قال الكرماني أي من المجيء والذهاب والسؤال والجواب ورد عليه هذا التفسير بل المراد منه الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء والدليل على صحة هذا ما روي عنه التصريح بمراده بقوله أعمالا ففي رواية ابن إسحاق فكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به وروي الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر رضي الله تعالى عنه لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا قوله فوالله ما قام منهم رجل هذا لم يكن منهم مخالفة لأمره وإنما كانوا ينتظرون إحداث الله تعالى لرسوله خلاف ذلك فيتم لهم قضاء نسكهم فلما رأوه جازما قد فعل النحر والحلق علموا أنه ليس وراء ذلك غاية تنتظر فبادروا إلى الإيتمار بقوله والإيتساء بفعله وظنوا أن أمره عليه الصلاة و السلام بذلك للندب قوله فقالت أم سلمة يا نبي الله أخرج فلا تكلم أحدا منهم وفي رواية ابن إسحاق قالت أم سلمة يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر على الإحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال وعرف النبي صواب ما أشارت به ففعله فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر قوله نحر بدنه وفي رواية الكشميهني هديه وفي رواية ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان سبعين بدنة كان فيها جمل لأبي جهل في رأسه برة من فضة وليغيظ به المشركين وكان غنمه في غزوة بدر قوله ودعا حالقه قال إبن إسحاق بلغني أن الذي حلقه في ذلك اليوم هو خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي وخراش بكسر الخاء المعجمة وفي آخره شين معجمة قوله غما أي ازدحاما قوله ثم جاءه نسوة مؤمنات قيل ظاهره أنهن جئن إليه وهو بالحديبية وليس كذلك وإنما جئن إليه بعد في أثناء مدة الصلح فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات ( الممتحنة 01 ) قال ابن كثير وفي سياق البخاري ثم جاء نسوة مؤمنات يعني بعد أن حلق رسول الله فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر ( الممتحنة 01 ) وقد مر الكلام فيه في الصلح في باب ما يجوز من الشروط في الإسلام قوله فجاءه أبو بصير بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة قوله رجل من قريش يعني هو رجل من قريش أي بالحلف واسمه عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وقيل فيه عبيد مصغر عبد وهو وهم ابن أسيد بفتح الهمزة على الصحيح ابن جارية بالجيم الثقفي قوله وهو مسلم جملة حالية قوله فأرسلوا في طلبه رجلين هما خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة ابن جابرومولى له يقال له كوثر وسيأتي في آخر الباب أن الأخنس بن شريق هو الذي أرسل في طلبه وفي رواية ابن إسحاق كتب

(14/14)


الأحنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله كتابا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه ببكرين قوله فاستله الآخر أي صاحب السيف أخرجه من غمده قوله فأمكنه منه هذه رواية الكشميهني وفي رواية غيره فأمكنه به أي بيده قوله حتى برد بفتح الباء الموحدة وفتح الراء أي مات وهو كناية لأن البرودة لازم الموت وفي رواية ابن إسحاق فعلاه حتى قتله قوله وفر الآخر وفي رواية ابن إسحاق وخرج المولى يشتد هربا قوله ذعرا بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة أي فزعا وخوفا قوله قتل والله صاحبي على صيغة المجهول وفي رواية إبن إسحاق قتل صاحبكم صاحبي قوله وإني لمقتول يعني إن لم تردوه عني ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة فرده رسول الله إليهما فأوثقاه حتى إذا كانا ببعض الطريق ناما فتناول السيف بفيه فأمره على الإسار فقطعه وضرب أحدهما بالسيف وطلب الآخر فهرب وفي رواية الأوزاعي عن الزهري عند ابن عائذ في ( المغازي ) وجمز الآخر واتبعه أبو بصير حتى دفع إلى رسول الله في أصحابه وهو عاض على أسفل ثوبه وقد بدا طرف ذكره والحصى يطن من تحت قدميه من شدة عدوه وأبو بصير يتبعه قوله قد والله أوفى الله ذمتك أي ليس عليك عتاب منهم فيما صنعت أنا وكان القياس أن يقال والله قد أوفى الله ولكن القسم محذوف والمذكور مؤكد له قوله ويل أمه بضم اللام وقطع الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة أصلها دعاء عليه واستعمل هنا للتعجب من إقدامه في الحرب والإيقاد لنارها وسرعة النهوض لها يروى ويلمه بحذف الهمزة تخفيفا وهو منصوب على أنه مفعول مطلق أو هو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ويل لأمه وقال الجوهري إذا أضفته فليس فيه إلا النصب والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقال الفراء وأصل قولهم ويل فلان وي لفلان أي حزن له فكثر الإستعمال فألحقوا بها اللام فصارت كأنها منها وأعربوها وقال الخليل إن وي كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللام بعدها مكسورة ويجوز ضمها اتباعا للهمزة وحذفت الهمزة تخفيفا قوله مسعر حرب بكسر الميم على لفظ الآلة من الإسعار وانتصابه على التمييز وأصله من مسعر حرب ووقع في رواية ابن إسحاق محش حرب بحاء مهملة وشين معجمة وهو بمعنى مسعر وهو العود الذي تحرك به النار قوله لو كان له أحد جواب لو محذوف أي لو فرض له أحد ينصره ويعاضده قوله سيف البحر بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها فاء أي ساحله وعين ابن إسحاق المكان فقال حتى نزل العيص بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف بعدها صاد مهملة وكان طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام قوله وينفلت منهم أبو جندل أي من أبيه وأهله وهو من الإنفلات بالفاء والتاء المثناة من فوق وهو التخلص فإن قلت ما النكتة في تعبيره المستقبل قلت إرادة مشاهدة الحال كما في قوله تعالى الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا ( فاطر 9 ) وفي رواية أبي الأسود عن عروة وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا مسلمين فلحقوا بأبي بصير فنزلوا قريبا من ذي المروة على طريق عير قريش فقطعوا مارتهم قوله حتى اجتمعت منهم عصابة أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على أربعين فما دونها وفي رواية ابن إسحاق أنهم بلغوا نحوا من سبعين نفسا وجزم عروة في ( المغازي ) بأنهم بلغوا سبعين وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلاثمائة رجل وزاد عروة فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يعادوا إلى المشركين وسمى الواقدي منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة وهذا كله يدل على أن العصابة تطلق على أكثر من أربعين قوله لا يسمعون بعير أي بخبر عير بكسر العين المهملة وهي القافلة قوله فأرسلت قريش وفي رواية أبي الأسود عن عروة فأرسلوا أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي جندل ومن معه قالوا ومن خرج منا إليك فهو لك قوله يناشده أي يناشد رسول الله بالله والرحم أي يسألونه بالله وبحق القرابة قوله لما أرسل كلمة لما بتشديد الميم هنا بمعنى إلا أي إلا أرسل كقوله تعالى إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق 4 ) أي إلا عليها حافظ والمعنى هنا لم تسأل قريش من رسول الله إلا إرساله إلى أبي بصير وأصحابه بالامتناع عن إيذاء قريش قوله فمن

(14/15)


أتاه أي من أتى الكفار مسلما إلى رسول الله فهو آمن من الرد إلى قريش فكتب رسول الله إلى أبي بصير أن يقدم عليه فقدم الكتاب وأبو بصير في النزع فمات وكتاب رسول الله في يده يقرؤه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا قوله فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة بعد أن أظفركم عليهم ( الفتح 42 ) حتى بلغ الحمية حمية الجاهلية ( الفتح 62 ) وتمام الآية المذكورة وكان الله بما تعملون بصيرا ( الفتح 42 ) وبعد هذه الآية هو قوله هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ( الفتح 52 ) وبعد هذه الآية هو قوله إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ( الفتح 62 ) وهو معنى قوله حتى بلغ الحمية حمية الجاهلية ( الفتح 62 ) وتمام هذه الآية هو قوله فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما ( الفتح 62 ) قوله وهو الذي كف أيديهم أي أيدي أهل مكة أي قضى بينهم وبينكم المكافأة والمحاجزة بعد ما خولكم الظفر عليهم والغلبة وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر لأن نزولها في غيرها وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي وأصحابه فأخذهم واستحباهم فأنزل الله هذه الآية وعن عبد الله بن مغفل المزني كنا مع رسول الله في الحديبية في أصل الشجرة التي ذكر الله تعالى في القرآن فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا رسول الله فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله هل كنتم في عهد أحد أو جعل لكم أحد أمانا فقالوا أللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله هذه الآية وقيل كف أيديكم بأن أمركم أن لا تحاربوا المشركين وكف أيديهم عنكم بإلقاء الرعب في قلوبهم وقيل بالصلح من الجانبين وعن ابن عباس أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ( الفتح 42 ) أي كف أيديكم عن القتال ببطن مكة فهو ظرف للقتال وبطن مكة هو الحديبية لأنها من أرض الحرم وقيل إظفاره دخوله بلادهم بغير إذنهم به وقيل أظفركم عليهم بفتح مكة وقيل بقضاء العمرة وقيل نزلت هذه الآية بعد فتح مكة قوله هم الذين كفروا ( الفتح 52 ) يعني قريشا وصدوكم عام الحديبية عن المسجد الحرام أن تطوفوا به للعمرة قوله والهدي ( الفتح 52 ) أي وصدوا الهدي قوله معكوفا ( الفتح 52 ) حال أي ممنوعا وقيل موقوفا أن يبلغ محله ( الفتح 52 ) أي منحره وهذا دليل لأبي حنيفة على أن المحصر محل هديه الحرم فإن قلت كيف حل لرسول الله ومن معه أن ينحروا هديهم بالحديبية قلت بعض الحديبية من الحرم وروي أن مضارب رسول الله كانت في الحل ومصلاه في الحرم فإن قلت قد نحر في الحرم فلم قيل معكوفا أن يبلغ محله ( الفتح 52 ) قلت المراد المحل المعهود وهو منى قوله لم تعلموهم صفة للرجال والنساء جميعا أي لم تعرفوهم بأعيانهم أنهم مؤمنون قوله أن تطؤهم بدل اشتمال من الرجال والنساء وقيل من الضمير المنصوب في تعلموهم أي أن توقعوا بهم وتقتلوهم والوطء والدوس عبارة عن الإيقاع والإبادة قوله معرة ( الفتح 52 ) أي عيب مفعلة من عره إذا دهاه ما يكرهه ويشق عليه وعن ابن زيد إثم وعن ابن إسحاق غرم الدية وقيل الكفارة قوله ليدخل الله ( الفتح 52 ) تعليل لما دلت عليه الآية من كف الأيدي عن أهل مكة والمنع من قتلهم صونا لمن بين أظهرهم من المؤمنين قوله لو تزيلوا ( الفتح 52 ) تميزوا أي تميز بعضهم من بعض من زاله يزيله وقيل تفرقوا لعذبنا الذين كفروا ( الفتح 52 ) من أهل مكة فيكون من للتبعيض وقيل هم الصادقون فيكون من زائدة قوله عذابا أليما ( الفتح 52 ) أي بالقتل والسيف ويجوز أن يكون لوتزيلوا ( الفتح 52 ) كالتكرير للولا رجال مؤمنون لمرجعهما إلى معنى واحد ويكون لعذبنا جوابا لهما قوله إذ جعل الذين كفروا أي أذكر حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ( الفتح 62 ) أي الأنفة حمية الجاهلية حين صدوا رسول الله وأصحابه عن البيت ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ولا برسالة النبي والحمية على وزن فعيلة من قول القائل فلان أنفة يحمي حمية ومحمية أي يمتنع قوله فأنزل الله سكينته ( الفتح 62 ) أي وقاره على رسوله وعلى

(14/16)


المؤمنين ( الفتح 52 ) فتوقروا وصبروا قوله وألزمهم كلمة التقوى ( الفتح 52 ) أي الإخلاص وقيل كلمة التقوى بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله وقيل لا إله إلا الله وقيل لا إله إلا الله محمد رسول الله وعن الحسن الوفاء بالعهد ومعنى لزمهم أوجب عليهم وقيل ألزمهم الثبات عليها وكانوا أحق بها وأهلها من غيرهم
قال أبو عبد الله معرة العر الجرب تزيلوا إنمازوا الحمية حميت أنفي حمية ومحمية وحميت المريض حمية وحميت القوم منعتهم حماية وأحميت الحمى جعلته حمى لا يدخل وأحميت الحديد وأحميت الرجل إذا أغضبته إحماء
أبو عبد الله هو البخاري هذا في رواية المستملي وحده وقد فسر هنا ثلاثة ألفاظ التي وقعت في الآيات المذكورة أحدها هو قوله العر أشار بهذا إلى أن لفظ المعرة التي في الآية الكريمة مشتقة من العر بفتح العين المهملة وتشديد الراء ثم فسر العر بالجرب بالجيم وقال ابن الأثير المعرة الأمر القبيح المكروه والأذى وهي مفعلة من العر وقال الجوهري العر بالفتح الجرب تقول منه عرت الإبل تعر فهي عارة والعر بالضم قروح مثل القوباء تخرج بالإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها مثل الماء الأصفر فتكوى الصحاح لئلا تعديها المراض تقول منه عرت الإبل فهي معرورة الثاني هو قوله تزيلوا وفسره بقوله إنمازوا وهو من الميز يقال مزت الشيء من الشيء إذا فرقت بينهما فانماز وامتاز وميزته فتميز الثالث هو قوله الحمية إلى آخره وقد ذكر فيه ستة معاني الأول حميت أنفي حمية وهذا يستعمل في شيء تأنف منه وداخلك عار ومصدره حمية ومحمية فالأول بتشديد الياء آخر الحروف يقال حمى من ذلك أنفا أي أخذته الحمية وهي الأنفة والغيرة الثاني حميت المريض أي الطعام ومصدره حمية بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء وجاء حموه أيضا والثالث حميت القوم منعتهم من حصول الشر والأذى إليهم ومصدره حماية على وزن فعالة بالكسر والرابع أحميت الحمى بكسر الحاء وفتح الميم مقصور لا يدخل فيه ولا يقرب منه وهذا حمى على وزن فعل بكسر الفاء وفتح العين أي محظور لا يقرب والخامس أحميت الحديد في النار فهو محمي ولا يقال حميته والسادس أحميت الرجل إذا أغضبته وحميت عليه غضبت ومصدر الأول إحماء بكسر الهمزة وله معنى سابع حمى النهار بالكسر وحمى التنور حميا فيهما أي اشتد حره وحكى الكسائي اشتد حمى الشمس وحموها بمعنى ومعنى ثامن حاميت على ضيفي إذا احتفلت له ومعنى تاسع احتميت من الطعام احتماء
3372 - وقال ( عقيل ) عن ( الزهري ) قال ( عروة فأخبرتني عائشة ) أن رسول الله كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل الله تعالى أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر أن عمر طلق امرأتين قريبة بنت أبي أمية وابنة جرول الخزاعي فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم ( الممتحنة 11 ) والعقب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار فأمر أن يعطى من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن وما نعلم أحدا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على النبي مؤمنا مهاجرا في المدة فكتب الأخنس بن شريق إلى النبي يسأله أبا بصير فذكر الحديث
قوله قال عقيل بضم العين عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره تقدم موصولا بتمامه في أول الشروط ومضى

(14/17)


الكلام فيه مستوفى وإنما أورده هنا لبيان ما وقع في رواية معمر بن راشد من الإدراج قوله كان يمتحنهن أي يختبرهن بالحلف والنظر في الأمارات قوله وبلغنا هو مقول الزهري وكذا قوله وبلغنا أن أبا بصير إلى آخره والمراد به أن قصة أبي بصير في رواية عقيل من مرسل الزهري وفي رواية معمر موصولة إلى المسور لكن قد تابع معمرا على وصلها ابن إسحاق وتابع عقيلا الأوزاعي على إرسالها والظاهر أن الزهري كان يرسلها تارة ويوصلها أخرى قوله من أزواجهم ويروى من أزواجهن وتأويله أن الإضافة بيانية أي أزواج هي هن وفيه تعسف وضبط قريبة قد تقدم في الشروط وابنة جرول بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو وباللام الخزاعي أم عبد الله بن عمر قيل إسمها كلثوم وأبو جهم بفتح الجيم وسكون الهاء عامر بن حذيفة الأموي وقد تقدم أن ابنة جرول تزوجها صفوان بن أمية وهنا يقول تزوجها أبو جهم ووجهه أن الأول رواية عقيل عن الزهري والثاني رواية معمر عنه قوله وإن فاتكم أي سبقكم قوله فعاقبتم قال الزمخشري من العقبة وهي النوبة شبه ما حكم به على المسلمين والمشركين من أداء المهور بأمر يتعاقبون فيه ومعناه فجاءت عقبتكم من أداء المهور قوله أن يعطى على صيغة المجهول وقوله من صداق يتعلق به وقوله ومن ذهب هو مفعول ما لم يسم فاعله وقوله وما أنفق هو المفعول قوله مؤمنا حال ووقع في رواية السرخسي والمستملي قدم من منى وهو تصحيف قوله مهاجرا حال إما من الأحوال المترادفة أو من المتداخلة قوله في المدة أي في مدة المصالحة قوله يسأله جملة وقعت حالا
ذكر ما يستفاد من هذا الحديث الذي ما وقع في البخاري حديث أطول منه فيه المصالحة مع أهل الحرب على مدة معينة واختلفوا في المدة فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في الحديث المذكور وبه قال الشافعي والجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاث سنين وقيل سنتين وقال أصحابنا يجوز الصلح مع الكفار بمال يؤخذ منهم أو يدفع إليهم إذا كان الصلح خيرا في حق المسلمين والذي يؤخذ منهم بالصلح يصرف مصارف الجزية وفيه كتابة الشروط التي تنعقد بين المسلمين والمشركين والإشهاد عليها ليكون ذلك شاهدا على من رام نقض ذلك والرجوع منه وفيه الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش وطلب غرتهم إذا بلغتهم الدعوة وفيه جواز التنكب عن الطريق بالجيوش وإن كان في ذلك مشقة وفيه بركة التيامن في الأمور كلها وفيه أن ما عرض للسلطان وقواد الجيوش وجميع الناس مما هو خارج عن العادة يجب عليهم أن يتأملوه وينظروا السنة في قضاء الله تعالى في الأمم الخالية ويمتثلوا ويعلموا أن ذلك مثل ضرب لهم ونبهوا عليه كما امتثله الشارع في أمر ناقته وبروكها في قصة الفيل لأنها كانت إذا وجهت إلى مكة بركت وإذا صرفت عنها مشت كما كان دأب الفيل وهذا خارج عن العادة فعلم أن الله صرفها عن مكة كالفيل وفيه علامات النبوة وبركته وفيه بركة السلاح المحمولة في سبيل الله وفيه التفاؤل من الاسم كما سلف وفيه أن أصحاب السلطان يجب عليهم مراعاة أمره وعونه وفيه أن من صالح أو عاقد على شيء بالكلام ثم لم يوف له به أنه بالخيار في النقض وفيه جواز المعارضة في العلم حتى تتبين المعاني وفيه أن الكلام محمول على العموم حتى يقوم عليه دليل الخصوص ألا يرى أن عمر رضي الله تعالى عنه جمل كلامه على الخصوص لأنه طالبه بدخول البيت في ذلك العام فأخبره أنه لم يعده بذلك في ذلك العام بل وعده وعدا مطلقا في الدهر حتى وقع ذلك فدل على أن الكلام محمول على العموم حتى يأتي دليل الخصوص وفيه أن من حلف على فعل ولم يوقت وقتا أن وقته أيام حياته وقال ابن المنذر فإن حلف بالطلاق على فعل ولم يوقت وقتا أن وقته أيام حياته وإن حلف بالطلاق ليفعلن كذا إلى وقت غير معلوم فقالت طائفة لا يطأها حتى يفعل الذي حلف عليه فأيهما مات لم يرثه صاحبه هذا قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي وأبي عبيد وقالت طائفة إن مات ورثته وله وطؤها روي هذا عن عطاء وقال يحيى بن سعيد ترثه إن مات وقال مالك إن ماتت امرأته يرثها وقال الثوري إنما يقع الحنث بعد الموت وبه قال أبو ثور وقال أبو ثور أيضا إذا حلف ولم يوقت فهو على يمينه حتى يموت ولا يقع حنث بعد الموت فإذا مات لم يكن عليه شيء وقالت طائفة يضرب لهما أجل المولى أربعة أشهر روي هذا عن القاسم وسالم وهو قول ربيعة والأوزاعي وقال أبو حنيفة إن قال أنت طالق إن لم آت البصرة فماتت امرأته قبل أن يأتي البصرة فله الميراث ولا يضره أن لا يأتي البصرة بعد لأن

(14/18)


امرأته ماتت قبل أن يحنث ولو مات قبلها حنث وكان لها الميراث لأنه فار ولو قال لها أنت طالق إن لم تأت البصرة فمات فليس لها ميراث وإن مات قبلها حنث وكان لها الميراث لأنه فار وفيه قول سادس حكاه أبو عبيد عن بعض أهل النظر قال إن أخذ الحالف في التأهب لما خلف عليه والسعي فيه حين تكلم باليمين حتى يكون متصلا بالبر وإلا فهو حانث عند ترك ذلك وقال ابن المنذر في هذا الحديث دليل على أن من لم يحد ليمينه أجلا أنه على يمينه ولا يحنث إن وقف عن الفعل الذي حلف بفعله وفيه جواز مشاورة النساء ذوات الفضل والرأي وفيه أن من جاء إلى غير بلد الإمام ليس على الإمام رده وفيه جواز قيام الناس على رأس الإمام بالسيف مخافة العدو وأن الإمام إذا جفا عليه أحد لزم ذلك القائم تغييره بما أمكنه وفيه فضل أبي بكر على عمر رضي الله تعالى عنهما في جوابه له بما أجاب به سيدنا رسول الله سواء وفيه جواز السفر وحده للحاجة وفيه جواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يدل على الرضا بذلك وفيه تأكيد القول باليمين ليكون أدعى إلى القبول وقال ابن القيم في ( الهدي ) وقد حفظ عن النبي الحلف في أكثر من ثمانين موضعا وفيه استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم ولو كانوا من أهل دينهم وفيه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهارا على غيرهم ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا من موادة أعداء الله تعالى بل من قبيل استخدامهم وتقليل شوكة جمعهم وإنكار بعضهم ببعض ولا يلزم من ذلك جواز الاستعانة بالمشركين على الإطلاق وفيه أن الحربي إذا أتلف مال الحربي لم يكن عليه ضمانه وهو وجه للشافعية وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل والشافعية يحكمون بنجاسة الشعر المنفصل ومنهم من بالغ حتى كاد أن يخرج من الإسلام فقال وفي شعر النبي وجهان نعوذ بالله تعالى من هذا الضلال وفيه التبرك بآثار الصالحين من الأشياء الطاهرة وفيه جواز المخادعة في الحرب وإظهار إرادة الشيء والمقصود غيره وفيه أن كثيرا من المشركين كانوا يعظمون حرمات الإحرام والحرم وينكرون من يصد عن ذلك تمسكا منهم ببقايا من دين إبراهيم وفيه فضل المشورة وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول وفيه أن للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك لأن النبي لم ينكر على أبي بصير قتله العامري ولا أمر فيه بقود ولا دية
61 -
( باب الشروط في القرض )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في القروض
4372 - وقال ( الليث ) حدثني ( جعفر بن ربيعة ) عن ( عبد الرحمان بن هرمز ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن رسول الله أنه ذكر رجلا سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فدفعها إليه إلى أجل مسمى
مضى هذا الحديث بتمامه في باب الكفالة في القرض ومضى الكلام فيه هناك وذكر هنا طرفا منه لأجل الترجمة المذكورة وسقط جميع ذلك في رواية النسفي ولكن زاد في الترجمة التي تليه باب الشروط في القرض والمكاتب إلى آخره
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وعطاء إذا أجله في القرض جاز
مضى هذا الحديث أيضا في القرض في باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى ومضى الكلام فيه مع بيان الخلاف فيه

(14/19)


71 -
( باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله تعالى )
أي هذا باب في بيان حكم المكاتب وقد تقدم في كتاب الشروط باب ما يجوز من شروط المكاتب وقوله هنا باب المكاتب أعم من ذلك وقد تقدم أيضا في كتاب العتق باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله وحديث الأبواب الثلاثة واحد وتكرار التراجم لا يدل على زيادة فائدة إلا في شيء واحد وهو أنه فسر قوله ليس في كتاب الله بقوله التي تخالف كتاب الله لأن المراد بكتاب الله حكمه وحكمه تارة يكون بطريق النص وتارة يكون بطريق الإستنباط منه وكل ما لم يكن من ذلك فهو مخالف لما في كتاب الله
وقال جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما في المكاتب شروطهم بينهم
هذا التعليق وصله سفيان الثوري في كتاب الفرائض له من طريق مجاهد عن جابر والمعنى شروط المكاتبين وساداتهم معتبرة بينهم
وقال ابن عمر أو عمر رضي الله تعالى عنهما كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مائة شرط
هكذا وقع لأكثر الرواة وفي رواية النسفي وقال ابن عمر فقط ولم يقل أو عمر ووقع في رواية كريمة
وقال أبو عبد الله يقال عن كليهما عن عمر وابن عمر
أبو عبد الله هو البخاري قوله عن كليهما أي عن عمر وعن ابنه عبد الله وقد تقدم فيما مضى في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة بريرة عن النبي أنه قال كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ويأتي الآن أيضا في حديث الباب والمعنى كل شرط ليس في حكم الله وقضائه في كتابه أو سنة رسوله فهو باطل
5372 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( يحيى ) عن ( عمرة ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي فلما جاء رسول الله ذكرته ذلك قال النبي ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله على المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط
قد تقدم هذا الحديث غير مرة وعلي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وآخر ما ذكر في أواخر كتاب العتق
81 -
( باب ما يجوز من الإشتراط والثنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم وإذا قال مائة إلا واحدة أو ثنتين )
أي هذا باب في بيان ما يجوز من الاشتراط وقال ابن بطال وقع في بعض النسخ باب ما لا يجوز في الاشتراط والثنيا قال وهو خطأ والصواب باب ما يجوز والحديث الذي ذكره البخاري بعد يدل على صحته قوله والثنيا بضم الثاء المثلثة وسكون النون بعدها ياء آخر الحروف مقصور أي الاستثناء في الإقرار سواء كان استثناء قليل من كثير أو بالعكس فالأول لا خلاف فيه أنه يجوز والثاني مختلف فيه وحديث الباب يدل على جواز استثناء القليل من الكثير وهذا جائز عند أهل اللغة والفقه والحديث قال الداودي أجمعوا على من استثنى في إقراره ما بقي بعده بقية ما أقر به أن له ثنياه فإذا

(14/20)


قال له علي ألف إلا تسعمائة وتسعة وتسعية صح ولزمه واحد قال وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثة إلا ثنتين لقوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ( العنكبوت 41 ) قال ابن التين وهذا الذي ذكره الداودي أنه إجماع ليس كذلك ولكن هو مشهور مذهب مالك وذكر الشيخ أبو الحسن قولا ثالثا في قوله أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين أنه يلزمه ثلاث وذكر القاضي في معونته عن عبد الملك وغيره أنه يقول لا يصح استثناء الأكثر واحتجاج الداودي بهذه الآية غير بين وإنما الحجة في ذلك قوله تعالى إلا من اتبعك من الغاوين ( الحجر 24 ) وقوله إلا عبادك منهم المخلصين ( الحجر 51 وص 38 ) فإن جعلت المخلصين الأكثر فقد استثناهم وإن جعلت الغاوين الأكثر فقد استثناهم أيضا ولأن الاستثناء إخراج فإذا جاز إخراج الأقل جاز إخراج الأكثر ومذهب البصريين من أهل اللغة وابن الماجشون المنع وإليه ذهب البخاري حيث أدخل هذا الحديث هنا باستثناء القليل من الكثير قوله والشروطأي وفي بيان الشروط التي يتعارفها الناس بينهم نحو أن يشتري نعلا أو شراكا بشرط أن يحذوه البائع أو اشترى أديما بشرط أن يخرز له خفا أو اشترى قلنسوة بشرط أن يبطنه البائع فإن هذه الشروط كلها جائزة لأنه متعارف متعامل بين الناس وفيه خلاف زفر وكذا لو اشترى شيئا وشرط أن يرهنه بالثمن رهنا وسماه أو يعطيه كفيلا وسماه والكفيل حاضر وقبله وكذلك الحوالة جاز استحسانا خلافا لزفر وأما الشروط التي لا يتعارفها الناس فباطلة نحو ما إذا اشترى حنطة وشرط على البائع طحنها أو حملانها إلى منزله أو اشترى دارا على أن يسكنها شهرا فإن ذلك كله لا يصح لعدم التعارف والتعامل قوله وإذا قال مائة إلا واحدة أو اثنتين أشار بهذا إلى أن اختياره جواز استثناء القليل من الكثير وعدم جواز عكسه وذكر بهذا صورة استثناء القليل من الكثير نحو ما إذا قال لفلان علي مائة درهم مثلا إلا واحدة أو الإثنتين فإنه يصح ويلزمه في قوله إلا واحدة تسعة وتسعون درهما وفي قوله إلا اثنتين يلزمه ثمانية وتسعون درهما
وقال ابن عون عن ابن سيرين قال قال رجل لكريه أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه
ابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري وابن سيرين هو محمد بن سيرين وشريح هو القاضي قوله لكريه بفتح الكاف وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف على وزن فعيل هو المكاري قوله ادخل من الإدخال وركابك منصوب به والركاب بكسر الراء الإبل التي يسار عليها والواحدة راحلة ولا واحد لها من لفظها قوله فلم يخرج أي لم يرحل معه يلزمه مائة درهم عند شريح وهو معنى قوله قال شريح من شرط على نفسه طائعا أي حال كونه طائعا مختارا غير مكره عليه فهو أي الشرط الذي شرط عليه أي يلزمه وفي هذا خالف الناس شريحا يعني لا يلزمه شيء لأنه عدة وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن ابن عون إلى آخره
وقال أيوب عن ابن سيرين إن رجلا باع طعاما وقال إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع فلم يجيء فقال شريح للمشتري أنت أخلفت فقضى عليه
أيوب هو السختياني قوله الأربعاء أي يوم الأربعاء وهذا الشرط جائز أيضا عند شريح لأنه قال للمشتري عند التحاكم إليه أنت أخلفت الميعاد فقضي عليه برفع البيع وهذا أيضا مذهب أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وقال مالك والشافعي وآخرون يصح البيع ويبطل الشرط وهذا التعليق أيضا وصله سعيد بن منصور عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين فذكره
6372 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) قال حدثنا ( أبو الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال إن لله تسعة وتسعين إسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة

(14/21)


مطابقته للترجمة في موضعين أحدهما في قوله والثنيا من غير قيد بالإقرار لأن الثنيا في نفسه أعم من أن يكون في الإقرار أو في غيره كما في الحديث المذكور والآخر في قوله مائة إلا واحدة
ورجاله قد تكرر ذكرهم وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن أبي اليمان أيضا وقال المزني وأخرجه الترمذي في الدعوات عن إبراهيم بن يعقوب وأخرجه النسائي في النعوت عن عمران بن بكار قلت أخرجه ابن ماجه من حديث موسى بن عقبة حدثني الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال إن لله تسعة وتسعين إسما مائة إلا واحدا إنه وتر يحب الوتر من حفظها دخل الجنة فذكرها مفصلة إسما بعد إسم وقال في آخره قال زهير فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم أن أولها يفتتح بقوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى وقال الترمذي وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي ولا يعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) وقال هذا حديث صحيح قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه والعلة فيه عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقه بطوله وذكر الأسامي فيه ولم يطكر غيره وليس هذا بعلة فإني لا أعلم خلافا بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان وبشر بن شعيب وعلي بن عياش وأقرانهم من أصحاب شعيب وأخرجه ابن حبان أيضا في ( صحيحه )
ذكر معناه قوله إن لله تسعة وتسعين إسما ليس فيه نفي غيرها والدليل عليه حديث ابن مسعود يرفعه أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتبك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك الحديث وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أللهم إني أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وأسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر من دعاك به أجبته قالت فقال رسول الله أصبتيه أصبتيه وأما وجه التخصيص بذكرها فلأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني قوله مائة إلا واحدا أي إلا إسما واحدا ويروى واحدة أنثها ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة فإن قلت ما فائدة هذا التأكيد قلت قيل إن معرفة أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية تعلم من طريق الوحي والسنة ولم يكن لنا أن نتصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا وقد منعنا عن إطلاق ما لم يرد به التوقيف في ذلك وإن جوزه العقل وحكم به القياس كان الخطأ في ذلك غير هين والمخطيء فيه غير معذور والنقصان عنه كالزيادة فيه غير مرضي وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو سبعة وسبعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور فأكده به حسما لمادة الخلاف وإرشادا إلى الاحتياط في هذا الباب قال الكرمانيفإن قلت ما الحكمة في الاستثناء قلت قيل الفرد أفضل من الزوج ولذلك جاء أن الله وتر يحب الوتر ومنتهى الإفراد من المراتب من غير تكرار تسعة وتسعون لأن مائة وواحدة يتكرر فيه الواحد وقيل الكمال في العدد من المائة لأن الأعداد كلها ثلاثة أجناس آحاد وعشران ومآت لأن الألوف ابتداء آحاد آخر بدل عشرات الألوف وآحادها فأسماء الله تعالى مائة وقد استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم لم يطلع عليه غيره فكأنه قال مائة لكن واحد منها عند الله قوله من أحصاها قال الخطابي الإحصاء يحتمل وجوها أظهرها العد لها حتى يستوفيها أي لا يقتصر على بعضها بل يثني على الله تعالى بجميعها وثانيها الإطاقة أي من أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها وهو أن يعتبر معانيها ويلزم نفسه بواجبها فإذا قال الرزاق ألزم ووثق بالرزق وهلم جرا وثالثها العقل أي من عقلها وأحاط علما بمعانيها من قولهم فلان ذو حصاة أي ذو عقل وقيل أحصاها أي عرفها لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنا والمؤمن يدخل الجنة لا محالة وقال ابن الجوزي لعله يكون المراد بقوله من أحصاها من قرأ القرآن حتى يختمه فيستوفي أي من حفظ القرآن العزيز دخل الجنة لأن جميع الأسماء فيه وقيل من أحصاها أي حفظها هكذا فسره البخاري

(14/22)


والأكثرون ويؤيده أنه ورد في رواية في ( الصحيح ) من حفظها دخل الجنة وقال الطيبي أراد بالحفظ القراءة بظهر القلب فيكون كناية لأن الحفظ يستلزم التكرار فالمراد بالإحصاء تكرار مجموعها فإن قلت لم ذكر الجزاء بلفظ الماضي قلت تحقيقا لوقوعه كأنه قد وجد
فوائد أسماء الله تعالى ما يصح أن يطلق عليه سبحانه وتعالى بالنظر إلى ذاته كالله أو باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والأول أو الحقيقية كالعليم والقادر أو الإضافية كالحميد والملك أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرزاق وقالت المعتزلة الاسم هو التسمية دون المسمى وقال الغزالي الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع لغة والمسمى هو المعنى الموضوع له الاسم والتسمية وضع اللفظ له أو إطلاقه عليه وقال الطيبي قال مشايخنا التسمية هو اللفظ الدال على المسمى والاسم هو المعنى المسمى به كما أن الوصف هو لفظ الواصف والصفة مدلوله وهو المعنى القائم بالموصوف وقد يطلق ويراد به اللفظ كما تطلق الصفة ويراد الوصف إطلاقا لاسم المدلول على الدال وعليه اصطلحت النحاة وقيل الفرق بين الاسم والمسمى إنما يظهر من قولك رأيت زيدا فإن المراد بالاسم المسمى لأن المرئي ليس ( ز ي د ) فإذا قلت سميته زيدا فالمراد غير المسمى لأن معناه سميته بما يتركب من هذه الحروف وفي قولك زيد حسن لفظ مشترك أن تعني به هذا اللفظ حسن وأن تعني به المسمى حسن وأما قول من قال لو كان الاسم هو المسمى لكان من قال نار احترق فمه فهو بعيد لأن العاقل لا يقول إن زيدا الذي هو زاي وياء ودال هو الشخص وقال محيي السنة في ( معالم التنزيل ) الإلحاد في أسمائه تسميته بما لا ينطق به كتاب ولا سنة وقال أبو القاسم القشيري في كتابه ( مفاتيح الحجج ) أسماء الله تؤخذ توقيفا ويراعى فيها الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول وجب إطلاقه في وصفه تعالى وما لم يرد فيه لا يجوز إطلاقه في وصفه وإن صح معناه وقال الراغب ذهبت المعتزلة إلى أنه يصح أن يطلق على الله تعالى كل اسم يصح معناه فيه والأفهام الصحيحة البشرية لها سعة ومجال في اختيار الصفات قال وما ذهب إليه أهل الحديث هو الصحيح ولو ترك الإنسان وعقله لما جسر أن يطلق عليه عامة هذه الأسماء التي ورد الشرع بها إذ كان أكثرها على حسب تعارفنا يقتضي أعراضا إما كمية نحو العظيم والكبير وإما كيفية نحو الحي والقادر أو زمانا نحو القديم والباقي أو مكانا نحو العلي والمتعالي أو أنفعالا نحو الرحيم والودود وهذه معان لا تصح عليه سبحانه وتعالى على حسب ما هو متعارف بيننا وإن كان لها معان معقولة عند أهل الحقائق من أجلها صح إطلاقها عليه عز و جل وقال الزجاج لا ينبغي لأحد أن يدعوه لما لم يصف به نفسه فيقول يا رحيم لا يا رقيق ويقول يا قوي لا يا خليل وذكر الحاكم أبو عبد الله الحسن ابن الحسن الحليمي أن أسماء الله التي ورد بها الكتاب والسنة وإجماع العلماء على تسميته بها منقسمة بين عقائد خمس الأول إثبات الباري لتقع به مفارقة التعطيل الثاني إثبات وحدانيته لتقع به البراءة من الشرك الثالث إثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض لتقع به البراءة من التشبيه الرابع إثبات إن وجود كل ما سواه كان من قبل إبداعه واختراعه إياه لتقع البراءة من قول من يقول بالعلة والمعلول الخامس إثبات أنه مدبر ما أبدع ومصرفه على ما يشاء لتقع به البراءة من قول القائلين بالطبائع أو بتدبير الكواكب أو بتدبير الملائكة عليهم السلام وزعم ابن حزم أن من زاد شيئا في الأسماء على التسعة والتسعين من عند نفسه فقد ألحد في أسمائه لأنه عليه الصلاة و السلام قال مائة إلا واحدا فلو جاز أن يكون له إسم زائد لكانت مائة
91 -
( باب الشروط في الوقف )
أي هذا باب في بيان حكم الشروط في الوقف
7372 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( محمد بن عبد الله الأنصاري ) قال حدثنا ( ابن عون ) قال ( أنبأني نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي صلى

(14/23)


الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول قال فحدثت به ابن سيرين فقال غير متأثل مالا
مطابقته للترجمة في قول عمر رضي الله تعالى عنه أنه لا يباع إلى آخره ومحمد بن عبد الله وابن عون هو عبد الله بن عون البصري قوله أنبأني نافع أي أخبرني وقيل الإنباء يطلق على الإجازة أيضا
والحديث أخرجه البخاري في الوصايا أيضا عن قتيبة عن حماد وأخرجه مسلم في الوصايا عن إسحاق بن إبراهيم به وأخرجه النسائي في الأحباس عن إسحاق بن إبراهيم به وعن هارون بن عبد الله وعن محمد بن المصفى بن بهلول
قوله يستأمره أي يستشيره قوله أصبت أرضا بخيبر واسم تلك الأرض ثمغ بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم وبالغين المعجمة قوله أنفس عندي منه أي أجود وأعجب منه قوله وفي القربى القرابة في الرحم وهو في الأصل مصدر تقول بيني وبينه قرابة وقرب وقربى ومقربة وقربة وقربة بضم الراء وسكونها قوله وفي الرقاب أي في فك الرقاب وهم المكاتبون يدفع إليهم شيء من الوقف تفك به رقابهم وكذلك لهم نصيب في الزكاة قوله وفي سبيل الله هو منقطع الحاج ومنقطع الغزاة قوله وابن السبيل وهو الذي له مال في بلد لا يصل إليها وهو فقير قوله والضيف من عطف الخاص على العام قوله لا جناح أي لا إثم على من وليها أي من ولي التحدث على تلك الأرض أن يأكل منها أي من ريعها بالمعروف أي بحسب ما يحتمل ريع الوقف على الوجه المعتاد قوله ويطعمبالنصب عطف على أن يأكل قوله غير متمول حال من قوله من وليها أي أكله وإطعامه لا يكون على وجه التمول بل لا يتجاوز المعتاد قوله فحدثت به ابن سيرين
أي قال ابن عون فحدثت بهذا الحديث محمد بن سيرين فقال غير متأثل مالا أي غير جامع مالا يقال مال مؤثل بالثاء المثلثة المشددة أي مجموع ذو أصل وأثلة الشيء أصله
ذكر ما يستفاد منه احتج به الجمهور وأبو يوسف ومحمد على جواز الوقف ولا خلاف بينهم في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بما يحصل من الوقف ما دام الواقف حيا حتى أن من وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار والأرض ويكون ذلك بمنزلة النذر بالغلة ولا خلاف أيضا في جوازه في حق زوال ملك الرقبة إذا إتصل به قضاء القاضي أو أضافه إلى ما بعد الموت بأن قال إذا مت فقد جعلت داري أو أرضي وفقا على كذا أو قال هو وقف في حياتي صدقة بعد وفاتي واختلفوا في جوازه مزيلا لملك الرقبة إذا لم توجد الإضافة إلى ما بعد الموت ولا اتصل به حكم حاكم فقال أبو حنيفة لا يجوز حتى كان للواقف بيع الموقوف وهبته وإذا مات يصير ميراثا لورثته وقال أبو يوسف ومحمد والجمهور يجوز حتى لا يباع ولا يوهب ولا يورث وفيه أن الوقف مشروع خلافا للقاضي شريح وفيه أن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته ولا يصير ميراثا لأنه صار لله تعالى وخرج عن ملك الواقف واختلفوا هل يدخل في ملك الموقوف عليه أم لا فقال أصحابنا لا يدخل لكنه ينتقع بغلته بالتصدق عليه لأن الوقف حبس الأصل وتصدق بالفرع والحبس لا يوجب ملك المحبوس وعن الشافعي ومالك وأحمد ينتقل إلى ملك الموقوف عليه لو كان أهلا له وعن الشافعي في قول ينتقل إلى الله تعالى وهو رواية عن أصحابنا وعن الشافعي أن الملك في رقبة الوقف لله تعالى وذكر صاحب ( التحرير ) أنه إذا كان الوقف على شخص وقلنا الملك للموقوف عليه افتقر إلى قبضه كالهبة وقال النووي في ( الروضة ) هذا غلط ظاهر وفيه أن الوقف بلفظ حبست بل الأصل هذه اللفظة لأن الوقف في اللغة الحبس وفي ( الروضة ) لا يصح الوقف إلا بلفظ

(14/24)


فلو بني على هيئة المساجد أو على غير هيئتها وأذن في الصلاة فيه لم يصر مسجدا وألفاظه على مراتب إحداها قوله وقفت كذا أو حبست أو سبلت أو أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة فكل لفظ من هذا صريح هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي وجه هذا كله كناية وفي وجه الوقف صريح والباقي كناية الثانية قوله حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها أو داري محرمة أو مؤبدة كناية على المذهب الثالثة تصدقت بهذه البقعة ليس بصريح فإن زاد معه صدقة محرمة أو محبسة أو موقوفة التحق بالصريح وقيل لا بد من التقييد بأنه لا يباع ولا يوهب وقالت الحنابلة يصح الوقف بالقول وفي الفعل الدال عليه روايتان وإن كان الوقف على آدمي معين افتقر إلى قبوله كالوصية والهبة وقال القاضي منهم لا يفتقر إلى قبوله كالعتق وفيه أن قيم الوقف له أن يتناول من غلة الوقف بالمعروف ولا يأخذ أكثر من حاجته هذا إذا لم يعين الواقف له شيئا معينا فإذا عينه له أن يأخذ ذلك قليلا أو كثيرا وفيه صحة شروط الوقف وفيه فضيلة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير وفيه أن خيبر فتحت عنوة وأن الغانمين ملكوها واقتسموها واستقرت أملاكهم على حصصهم ونفذت تصرفاتهم فيها وفيه فضيلة صلة الأرحام والوقف عليهم وفيه أن الواقف إذا أخرجه من يده إلى متولي النظر فيه يجعله في صنف أو أصناف مختلفة إلا إذا عين الواقف الأصناف وفيه ما كان نظير الأرض التي حبسها عمر رضي الله تعالى عنه كالدور والعقارات يجوز وقفها واحتج أبو حنيفة فيما ذهب إليه بقول شريح لا حبس عن فرائض الله تعالى أخرجه الطحاوي عن سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف عن عطاء ابن السائب عنه ورجاله ثقات وأخرجه البيهقي في ( سننه ) بأتم منه ومعناه لا يوقف مال ولا يزوى عن ورثته ولا يمنع عن القسمة بينهم ويؤيد هذا ما رواه الطحاوي أيضا من حديث عكرمة عن ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس وأخرجه البيهقي أيضا وقال وفي سنده ابن لهيعة وأخوه عيسى وهما ضعيفان قلت ما لابن لهيعة وقد قال ابن وهب كان ابن لهيعة صادقا وقال في موضع آخر وحدثني الصادق البار والله ابن لهيعة وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة وعنه من مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه ولهذا حدث عنه أحمد في ( مسنده ) بحديث كثير وأما أخوه عيسى فإن ابن حبان ذكره في ( الثقات ) وقال الطحاوي هذا شريح وهو قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم قد روى عنه هذا ووافق أبا حنيفة في هذا عطاء بن السائب وأبو بكر بن محمد وزفر بن الهذيل فإن قلت ما تقول في وقف رسول الله وفي أوقاف الصحابة بعد موت رسول الله قلت أما وقف رسول الله فإنما جاز لأن المانع وقوعه حبسا عن فرائض الله ووقفه عليه الصلاة و السلام لم يقع حبسا عن فرائض الله تعالى لقوله إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وأما أوقاف الصحابة بعد موته فاحتمل أن ورثتهم أمضوها بالإجازة هذا هو الظاهر فإن قلت قال البيهقي ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا قلت النسخ لا يثبت إلا بدليل ولم يبين دليله في ذلك فمجرد الدعوى غير صحيح والجواب عن حديث الباب أن قوله إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها لا يستلزم إخراجها عن ملكه ولكنها تكون جارية على ما أجراها عليه من ذلك ما تركها ويكون له فسخ ذلك متى شاء ويؤيد هذا ما رواه الطحاوي وقال حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال إني لولا ذكرت صدقتي لرسول الله أو نحو هذا لرددتها فلما قال عمر هذا دل أن نفس الإيقاف للأرض لم يكن يمنعه من الرجوع فيها وإنما منعه من الرجوع فيها أن رسول الله أمره فيها بشيء وفارقه على الوفاء به فكره أن يرجع عن ذلك كما كره عبد الله بن عمرو أن يرجع بعد موت رسول الله عن الصوم الذي كان فارقه عليه أنه يفعله وقد كان له أن لا يصوم فإن قلت قال ابن حزم هذا الخبر منكر وبلية من البلايا وكذب بلا شك قلت قوله هذا بلية وكذب وتهافت عظيم وكيف يقول هذا القول السخيف والحال أن رجاله علماء ثقات فيونس من رجال مسلم والبقية من رجال ( الصحيح ) على ما لا يخفى والله أعلم بحقيقة الحال
بسم الله الرحمان الرحيم

(14/25)


55 -
( كتاب الوصايا )
أي هذا كتاب في بيان أحكام الوصايا وهو جمع وصية من أوصى يوصي إيصاء ووصية ووصى يوصي توصية وذلك موصى إليه وأوصى لفلان بكذا أي جعل له من ماله وذلك موصى له والوصاية بفتح الواو بمعنى الوصية وبكسرها مصدر وأوصى إلى فلان بكذا أي جعله وصيا وذلك موصى إليه قال الجوهري أوصيت له بشيء وأوصيت إليه إذا جعلته وصيك والاسم الوصاية بفتح الواو وكسرها وإوصيته ووصيته إيصاء ووصية وتوصية بمعنى والإسم الوصاءة قلت الوصية في الشرع تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وقال الأزهري الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أصيه إذا وصلته وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بما بعد مماته ويقال وصاه ووصاه بالتخفيف بغير همز ويطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات
1 -
( باب الوصايا وقول النبي وصية الرجل مكتوبة عنده )
أي هذا باب في بيان ما ورد من قول النبي وصية الرجل مكتوبة عنده ووقع في بعض النسخ هكذا كتاب الوصايا بسم الله الرحمن الرحيم باب الوصايا وقول النبي وصية الرجل مكتوبة عنده ووقع للنسفي بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا ولم يقع في بعض النسخ لفظ باب ووقع كذا كتاب الوصايا وقول النبي وصية الرجل مكتوبة عنده وهذا تعليق أسنده بعد وهو قوله ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده فكأنه نقله معلقا بالمعنى وقوله وصية الرجل مبتدأ وقوله مكتوبة عنده خبره والمعنى وصية الرجل ينبغي أن تكون مكتوبة عنده وإنما ذكره بهذه الصورة قصدا للمبالغة وحثا على كتابة الوصية
وقول الله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( البقرة 081 281 )
وقول الله بالجر عطف على قوله قول النبي وفي بعض النسخ وقال الله تعالى كتب عليكم ( البقرة 081 281 ) إلى آخره وهذه الآيات الثلاث مذكورة هكذا عند الأكثرين وعند النسفي الآية الأولى فقط وقوله كتب عليكم ( البقرة 081 281 ) الآية اشتملت على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين وقد كان ذلك واجبا على أصح القولين قبل نزول آية المواريث فلما نزلت آية المواريث نسخت هذه وصارت المواريث المقررة فريضة من الله تعالى يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل أمانة الوصي ولهذا جاء في الحديث في ( السنن ) وغيرها عن عمرو بن خارجة قال سمعت رسول الله يخطب وهو يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج بن محمد أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله الوصية للوالدين والأقربين نسختها هذه الآية للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ( النساء 7 ) ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن ابن عمرو وأبي موسى وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وعكرمة وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وطاووس وإبراهيم النخعي وشريح والضحاك والزهري أن هذه الآية منسوخة نسختها آية المواريث والعجب من الرازي كيف حكى في ( تفسيره الكبير ) عن أبي مسلم الأصفهاني أن هذه الآية غير منسوخة وإنما هي مفسرة بآية المواريث ومعناه كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين من قوله يوصيكم الله في أولادكم ( النساء 11 ) قال

(14/26)


وهو قول أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء قال ومنهم من قال إنها منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث وهو مذهب ابن عباس والحسن ومسروق والضحاك ومسلم بن يسار والعلاء بن زياد قال ابن كثير وبه قال أيضا سعيد بن جبير والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان ولكن على قول هؤلاء لا يسمى نسخا في اصطلاحنا المتأخر لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصية لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لا يرث فرفع حكم من يرث بما عين له وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت فأما من قال إنها كانت واجبة وهو الظاهر من سياق الآية فتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرون من الفقهاء فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع بل منهي عنه للحديث المتقدم إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث فآية المواريث حكم مستقل ووجوب من عند الله لأهل الفروض والعصبات رفع بها حكم هذه بالكلية بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية وشمولها والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم كثيرة جدا قوله إن ترك خيرا ( البقرة 081 ) أي مالا قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبو العالية وعطية العوفي والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم ثم منهم من قال الوصية مشروعة سواء قل المال أو كثر كالوراثة ومنهم من قال إنما يوصي إذا ترك مالا جزيلا ثم اختلفوا في مقداره فقال ابن أبي حاتم بإسناده إلى عروة قال قيل لعلي رضي الله تعالى عنه إن رجلا من قريش قد مات وترك ثلاثمائة دينارا أو أربعمائة دينار ولم يوص قال ليس بشيء إنما قال الله إن ترك خيرا ( البقرة 081 ) وقال الحاكم بن أبان حدثني عكرمة عن ابن عباس إن ترك خيرا قال ابن عباس من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا وقال الحكم قال طاووس لم يترك خيرا من لم يترك ثمانين دينارا وقال قتادة كان يقال ألفا فما فوقها قوله بالمعروف ( البقرة 081 ) أي بالرفق والإحسان وقال الحسن المعروف أن يوصي لأقربائه وصية لا يجحف ورثته من غير إسراف ولا تقتير قوله حقا ( البقرة 081 ) أي واجبا على المتقين الذي يتقون الشرك قوله فمن بدله ( البقرة 181 ) أي فمن بدل ما ذكر من الوصية بعدما سمعه والتبديل يكون بالتحريف وتغيير الحكم وبالزيادة وبالنقصان أو بالكتمان وقال ابن عباس وغير واحد قد وقع أجر الميت على الله وتعلق الإثم بالذين بدلوا إن الله سميع عليم ( البقرة 181 ) أي قد اطلع على ما أوصى به الميت وهو عليم بذلك ومما بدله الموصى إليهم قوله فمن خاف من موص ( البقرة 281 ) أي فمن خشي وقيل علم لأن الخوف يستعمل بمعنى العلم كما في قوله تعالى وانذر به الذين يخافون ( الأنعام 15 ) إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ( البقرة 922 ) وإن خفتم شقاق بينهما ( النساء 53 ) قرىء بالتشديد والتخفيف والجنف الميل على ما نذكره عن قريب وقرأ علي رضي الله تعالى عنه حيفا بالحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف قوله فأصلح بينهم ( البقرة 281 ) أي بين الورثة والمختلفين في الوصية فلا إثم عليه ( البقرة 281 ) لأنه متوسط وليس بمبدل إن الله غفور رحيم ( البقرة 281 ) حيث لم يجعل على عباده حرجا في الدين
جنفا ميلا متجانف مائل
هذا من تفسير البخاري وهو منقول عن عطاء رواه الطبري عنه كذا بإسناد صحيح قوله متجانف مائل كذا هو في رواية أبي ذر وفي رواية غيره متمايل وقال أبو عبيد غير متجانف لإثم أي غير متعوج مائل للإثم ونقل الطبري عن ابن عباس وغيره أن معناه غير متعمد لإثم
8372 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده
مطابقته للترجمة باب قول النبي ظاهرة والحديث رواه عبد الله بن نمير وعبيدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر

(14/27)


عن نافع كما رواه مالك ورواه يونس بن يزيد عن نافع أيضا كذلك وكذا رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سالم ابن عبد الله عن أبيه ورواه مسلم من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال ما حق امرىء مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ورواه من حديث ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله قال ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة
وأخرجه الترمذي من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي ما حق امرىء مسلم يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه إلا ووصيته عنده مكتوبة وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة عن أبي القاسم عن مالك به وأخرجه ابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر نحو رواية مسلم
ذكر معناه قوله ما حق امرىء مسلم كلمة ما بمعنى ليس هكذا وقع في أكثر الروايات بلفظ مسلم وليست هذه اللفظة في رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك والوصف بالمسلم هنا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك وعن قريب نحرر ذلك قوله له شيء جملة وقعت صفة لامرىء قوله يوصي فيه جملة فعلية وقعت صفة لقوله شيء قوله يبيت ليلتين جملة فعلية وقعت صفة أخرى لامرىء وقال بعضهم يبيت كان فيه حذفا تقديره أن يبيت وهو كقوله ومن آياته يريكم البرق ( الروم 42 ) انتهى قلت وهذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى أيضا وإنما قدر أن في قوله يريكم لأنه في موضع الابتداء لأن قوله ومن آياته في موضع الخبر والفعل لا يقع مبتدأ فيقدر أن فيه حتى يكون في معنى المصدر فيصح حينئذ وقوعه مبتدأ فمن له ذوق من العربية يفهم هذا ويعلم تغيير المعنى فيما قال قوله إلا ووصيته مستثنى وهو خبر ليس والواو فيه للحال وقال صاحب ( المظهر ) قيد ليلتين تأكيد وليس بتحديد يعني لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة وقال الطيبي في تخصيص ليلتين تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت ليلة وقد سامحناه في هذا المقدار فلا ينبغي أن يتجاوز عنه وقال النووي في ( شرح مسلم ) وفي رواية ثلاث ليال قلت هو رواية مسلم والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه يبيت ثلاث ليال والحاصل أن ذكر الليلتين أو الثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا المقدار ليتذكر ما يحتاج إليه واعلم أن لفظ مالك في هذا الحديث لم تختلف الرواة فيه عنه وفي رواية أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ حق على كل مسلم أن لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه الحديث ورواه الشافعي رحمه الله عن سفيان بلفظ ما حق امرىء يؤمن بالوصية الحديث قال ابن عبد البر فسره ابن عيينة أي يؤمن بأنها حق وأخرجه أبو عوانة من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين الحديث وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن مالك وابن عون جميعا عن نافع بلفظ ما حق امرىء مسلم له مال يريد أن يوصي فيه وذكره ابن عبد البر من طريق ابن عوف بلفظ لا يحل لامرىء مسلم له مال وأخرجه الطحاوي أيضا والله أعلم
ذكر ما يستفاد منه فيه حث على الوصية واحتجت به الظاهرية أنها واجبة وقال الزهري جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر قيل لأبي مجلز على كل مثر وصية قال كل من ترك خيرا وقال ابن حزم وروينا من طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عبد الله قال كان طلحة بن عبيد الله والزبير يشددان في الوصية وهو قول عبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن مصرف والشعبي وطاووس وغيرهم قال وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا وقالت طائفة ليست الوصية بواجبة كان الموصى موسرا أو فقيرا وهو قول النخعي والشعبي والثوري ومالك والشافعي وقال ابن العربي أما السلف الأول فلا نعلم أحدا قال بوجوبها وقال النخعي والشعبي الوصية للوالدين والأقربين على الندب وقال الضحاك وطاووس الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص القرآن إذا كانوا لا يرثون وقال طاووس من أوصى لأجانب وله أقرباء انتزعت الوصية فردت للأقرباء وقال الضحاك من مات وله شيء ولم يوص لأقربائه فقد مات عن معصية لله عز و جل وقال الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى فيما ذكره الطبري إذا أوصى رجل لقوم غرباء بثلثه وله أقرباء أعطي الغرباء ثلث المال

(14/28)


ورد الباقي على الأقرباء وقال الطبري وحكي عن طاووس أن جميع ذلك ينتزع من الموصى لهم ويدفع لقرابته لأن آية البقرة عندهم محكمة وقال أصحابنا الحنفية الوصية مستحبة لأنها إثبات حق في ماله فلم تكن واجبة كالهبة والعارية وليس الاستدلال على وجوب الوصية بحديث الباب بصحيح لأن ابن عمر راوي الحديث لم يوص ومحال أن يخالف ما رواه لو كان واجبا ورد ذلك بأنه إن ثبت فالعبرة لما روي لا بما رأى وأجيب عنه بأن في ذلك نسبته إلى مخالفة النبي وحاشاه من ذلك فإذا روي عنه أنه لم يوص على أن الحديث لم يدل على الوجوب لمانع عن ذلك ظهر عنده لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح والسداد ولا سيما مثل هذا الصحابي الجليل المقدار فإن قلت ثبت في ( صحيح مسلم ) أنه قال لم أبت ليلة إلا ووصيتي مكتوبة عندي قلت يعارضه ما أخرجه ابن المنذر وغيره عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي قال أما ما لي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه وأما رباعي فلا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد فإذا جمعنا بينهما بالحمل على أنه كان يكتب وصيبته ويتعاهدها ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقا وإليه الإشارة بقوله الله يعلم ما كنت أصنع في مالي ولعل الحامل له على ذلك حديث إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح الحديث سيأتي في الرقاق فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى تعليق ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أن المراد بوجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمي قال ويدل على ذلك تقييده بقوله له شيء يريد أن يوصي فيه لأن فيه إشارة إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجلا فإنه إذا أراد ذلك ساغ له وإن أراد أن يوصي به ساغ له وفيه جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم تقترن ذلك بالشهادة وبه قال أحمد ومحمد بن نصر من الشافعية وقال الشافعي معنى هذا الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده فيستحب تعجيلها وأن يكتبها في صحته ويشهد على ما فيها ويكتب فيها ما يحتاج إليه فإن تجدد أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه با وقال النووي قالوا لا يكلف أن يكتب كل يوم محقرات المعاملات وجريان الأمور المتكررة ولا يقتصر على الكتابة بل لا يعمل بها ولا ينتفع إلا إذا كان أشهد عليه بها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور فإن قلت من أين اشتراط الإشهاد وإضمار الإشهاد فيه بعد قلت استدل على اشتراط الإشهاد بأمر خارج لقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية ( المائدة 601 ) فإنه يدل على اشتراط الإشهاد في الوصية وقال القرطبي الكتابة مبالغة في زيادة التوثيق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة وفيه الندب إلى التأهب للموت والإحتراز قبل الفوت لأن الإنسان لا يدري متى يفجأه الموت وفيه يستدل بقوله له شيء أو له مال على صحة الوصية بالمنافع وهو قول الجمهور ومنعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود الظاهري وأتباعه واختاره ابن عبد البر والله أعلم
تابعه محمد بن مسلم عن عمرو عن ابن عمر عن النبي
أي تابع مالكا في أصل الحديث محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وروى هذه المتابعة الدارقطني في ( الأفراد ) من طريقه وقال تفرد بن عمران بن أبان الواسطي عن محمد بن مسلم وعمران أخرج له النسائي وضعفه وقال ابن عدي له غرائب عن محمد بن مسلم ولا أعلم به بأسا ولفظه عند الدارقطني لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ومحمد بن مسلم بن سوسن ويقال ابن سوسن ويقال ابن سس ويقال ابن سنين ويقال ابن شونيز الطائفي يعد في المكيين وعن أحمد ما أضعف حديثه وعن يحيى ثقة وعنه لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات استشهد به البخاري في ( الصحيح ) وروى له في الأدب وروى له الباقون مات سنة سبع وسبعين ومائة بمكة
9372 - حدثنا ( إبراهيم بن الحارث ) قال حدثنا ( يحيى بن أبي بكير ) قال حدثنا ( زهير بن معاوية الجعفي ) قال حدثنا ( أبو إسحاق ) عن ( عمرو بن الحارث ) ختن رسول الله أخو جويرية بنت الحارث قال ما ترك رسول الله عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا

(14/29)


إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة
مطابقته للترجمة لا تتأتى من حيث الوصية لأنه لا ذكر لها فيه ولكن من حيث إن فيه التصدق بمنفعة الأرض وحكمها حكم الوقف وهو في معنى الوصية لبقائها بعد الموت وقال الكرماني فإن قلت ما وجه تعلقه بباب الوصية قلت حيث لا مال لا وصية به انتهى قلت إذا لم تكن وصيته لعدم المال فكيف يطابق الترجمة والوجه ما ذكرناه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إبراهيم بن الحارث البغدادي سكن نيسابور ومات سنة خمس وستين ومائتين الثاني يحيى بن أبي بكير بضم الباء الموحدة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف العبدي الكوفي قاضي كرمان بفتح الكاف وكسرها وسكون الراء مات سنة ثمان ومائتين الثالث زهير مصغر الزهر ابن معاوية وقد مر في الوضوء الرابع أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي الخامس عمرو بن الحارث بن أبي ضرار بن عائذ بن مالك بن خزيمة وهو المصطلق بن سعد بن كعب بن عمرو وهو خزاعة المصطلقي الخزاعي أخو جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج النبي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد أن شيخه من أفراده وقال بعضهم ليس له في البخاري غير هذا الحديث وذكر في ( رجال الصحيحين ) المشتمل على كتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر الأصبهاني أن البخاري روى عن إبراهيم هذا حديثين في تفسير سورة الحج حديثا وفي الوصايا حديثا وفيه أبو إسحاق روى عن عمرو بن الحارث بالعنعنة ووقع التصريح بسماعه منه في الخمس من هذا الكتاب وفيه يحيى بن أبي بكير ربما يلتبس بيحيى بن بكير فيرتفع الالتباس بأن يحيى بن بكير مصري صاحب الليث وأبوه بكير غير مكني ويحيى بن أبي بكير أبوه مكني وهو كرماني كما ذكرنا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الخمس عن مسدد وفي الجهاد عن عمرو بن علي وفيه عن عمرو بن العباس وفي المغازي عن قتيبة وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي في الأجناس عن قتيبة به وعن عمرو بن علي
ذكر معناه قوله ختن رسول الله هذا أي كونه ختن رسول الله على قول ابن الأعرابي وابن فارس والأصمعي لأن الختن عندهم من قبل المرأة مثل الأخ والأب وكل من كان من قبلها وأما عند العامة فختن الرجل زوج ابنته والصهر من قبل الزوج وقيل الختن الزوج ومن كان ذوي رحمه والصهر من قبل المرأة وقال ابن الأثير الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الرجل والصهر يجمعهما قوله أخو جويريةويروى أخي جويرية وجه الأول أنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أخو جويرية ووجه الثاني أنه عطف بيان لأن لفظ ختن مجرور على أنه وصف عمرو بن الحارث أو عطف بيان أو بدل قوله ولا عبدا ولا أمة أي في الرقية لأنه كان له عبيد وإماء وقد ذكرنا في ( تاريخنا الكبير ) أنه كان له عبيد ما ينيف على ستين وكانت له عشرون أمة فهذا يدل على أن منهم من مات في حياة النبي ومنهم من أعتقهم ولم يبق بعده عبد ولا أمة وهو في الرقية قوله ولا شيئا من عطف العام على الخاص هذا هكذا في رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني ولا شاة وهي رواية الإسماعيلي أيضا وفي رواية مسلم وأبي داود والنسائي وآخرين من رواية مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء قوله إلا بغلته البيضاء إعلم أنه كانت له ست بغال بغلة شهباء يقال لها الدلدل أهداها له المقوقس وبغلة يقال لها فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي فوهبها لأبي بكر رضي الله تعالى عنه وبغلة بعثها صاحب دومة الجندل وبغلة أهداها له ابن العلماء ملك أيلة ويقال لها إيلية وقال مسلم كانت بيضاء وبغلة أهداها له النجاشي وبغلة أهداها له كسرى ولا يثبت ذلك ولم يكن فيها بيضاء إلا الأيلية ولم يذكر أهل السير بغلة بقيت بعده عليه الصلاة و السلام إلا الدلدل قالوا إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي رضي الله تعالى عنه عند عبد الله بن جعفر وكان يحش لها الشعير لتأكله لضعفها وفي ( المرآة ) وبقيت إلى أيام معاوية فماتت بينبع والظاهر أن التي في الحديث هي إياها لأن الشهبة غلبة البياض على السواد ومنه تسمى الشهباء بيضاء قوله وسلاحه

(14/30)


وقال ابن الأثير السلاح ما أعددته للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به والسيف وحده يسمى سلاحا قلت فعلى هذا المراد من قوله وسلاحه هو سيوفه وأرماحه وكانت له عشرة أسياف والمشهور منها ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر وهو الذي تأخر بعده وفي ( المرآة ) لم يزل ذو الفقار عنده حتى وهبه لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قبل موته ثم انتقل إلى محمد بن الحنفية ثم إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين رضي الله تعالى عنهم وكانت له خمسة من الأرماح قوله وأرضا جعلها صدقة وفي المغازي من رواية أبي إسحاق وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة وقال ابن التين وهي فدك والتي بخيبر إنما تصدق بها في صحته وأخبر بالحكم بعد وفاته وإليه أشارت عائشة رضي الله تعالى عنها في حديثها الذي رواه مسلم وغيره ولا أوصى بشيء
0472 - حدثنا ( خلاد بن يحيى ) قال حدثنا ( مالك ) قال حدثنا ( طلحة بن مصرف ) قال سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما هل كان النبي أوصاى فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية قال أوصى بكتاب الله
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله كيف كتب على الناس إلى آخره وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن يحيى بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي وهو من أفراد البخاري ومالك هو ابن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو وباللام البجلي الكوفي مات سنة تسع وخمسين ومائة وفي بعض النسخ حدثنا مالك هو ابن مغول فالظاهر على هذه النسخة أن شيخ البخاري لم ينسبه فلذلك قال هو ابن مغول وهذا من جملة احتياط البخاري ومغول هو ابن عاصم البجلي الكوفي مات سنة تسع وخمسين ومائة في أولها وطلحة بن مصرف بلفظ اسم الفاعل من التصريف ابن عمرو بن كعب اليامي من بني يام من همدان مات سنة ثنتي عشرة ومائة وعبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة بن خالد الأسلمي له ولأبيه صحبة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي نعيم وفي فضائل القرآن عن محمد بن يوسف وأخرجه مسلم في الوصايا عن يحيى بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد ابن منيع وأخرجه النسائي فيه عن إسماعيل بن مسعود وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد
قوله فقال لاأي ما أوصى أراد به ما أوصى بالمال لأنه لم يترك مالا ثم إن ابن أبي أوفى لما فهم أن النفي عام بحسب الظاهر عاد وسأل فقال كيف كتب على الناس الوصية فقال رسول الله في جوابه بكتاب الله أي أوصى بكتاب الله أي بالعمل به ويقال أراد بالنفي أولا الوصية التي زعم بعض الشيعة أنه أوصى بالأمر إلى علي رضي الله تعالى عنه وقد تبرأ علي رضي الله تعالى عنه من ذلك حين قيل أعهد إليك رسول الله بشيء لم يعهده إلى الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة وهو يرد لما أكثره الشيعة من الكذب على أنه أوصى له بالخلافة وأما أرضه وسلاحه وبغلته فلم يوص فيها على جهة ما يوصي الناس في
أموالهم لأنه قال لا نورث ما تركنا صدقة فكان جميع ما خلفه صدقة فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية قوله أو أمروا بالوصية شك من الراوي وهو على صيغة المجهول وروى ابن حبان هذا الحديث بلفظ يوضح ما في رواية البخاري من المنافاة الظاهرة أخرجه من طريق ابن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ سئل ابن أبي أوفى هل أوصى رسول الله قال ما ترك شيئا يوصي فيه فقيل فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص قال أوصى بكتاب الله
1472 - حدثنا ( عمرو بن زرارة ) قال أخبرنا ( إسماعيل ) عن ( ابن عون ) عن ( إبراهيم ) عن ( الأسود ) قال ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله تعالى عنهما كان وصيا فقالت متاى أوصاى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتاى أوصاى إليه
( الحديث 1472 - طرفه في 9544 )

(14/31)


مطابقته للترجمة من حيث إن فيه أمر الوصية وإنكار عائشة إياها وعمرو بفتح العين ابن زرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن واقد الكلابي النيسابوري روى عنه مسلم أيضا وإسماعيل هو المعروف بابن علية وقد مر غير مرة وابن عون هو عبد الله بن عون وقد مر عن قريب وإبراهيم هو النخعي والأوسود هو ابن يزيد خال إبراهيم
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في الوصايا عن يحيى بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن إسماعيل وأخرجه الترمذي في الشمائل عن حميد بن مسعدة وأخرجه النسائي في الطهارة وفي الوصايا عن عمرو ابن علي وفي الوصايا أيضا عن أحمد بن سليمان وأخرجه ابن ماجه في الجنائز عن أبي بكر بن أبي شيبة
قوله ذكروا عند عائشة قال القرطبي الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي أوصى بالخلافة لعلي رضي الله تعالى عنه فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك وكذا من بعدهم فمن ذلك ما قالته عائشة من إنكار ذلك حيث قالت قد كنت مسندته إلى آخره وقيل الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها إنكار ذلك وأسندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها فلم يقع شيء من ذلك فلذلك أنكرتها فإن قلت هذا لا ينفي وقوع ذلك قبل مرض موته قلت حديث علي الذي مضى عن قريب يرد وقوعه أصلا قوله مسندته بلفظ اسم الفاعل من الإسناد قوله حجري بفتح الحاء وكسرها وقال ابن الأثير الحجر بالفتح والكسر الثوب والحضن والمصدر بالفتح لا غير قوله انخنث أي انثنى ومال إلى السقوط ومادته خاء معجمة ونون وثاء مثلثة وقال ابن الأثير انخنث أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت وقال صاحب ( العين ) انحنث السقاء وخنث إذا مال ومنه المخنث للينه وتكسر أعضائه
2 -
( باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس )
أي هذا باب يذكر فيه أن يترك إلى آخره وأخذ هذه الترجمة من لفظ الحديث مع بعض تغير في اللفظ فإن لفظ الحديث إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وكلمة أن يجوز فيها فتح الهمزة وكسرها ففي الفتح يكون أن مصدرية تقديره بأن يترك أي تركه ورثته أغنياء فقوله أن يترك في محل الرفع على الابتداء بالتقدير المذكور وقوله خير خبره وفي الكسر تكون إن شرطية وجزاؤها محذوف تقديره إن يترك ورثته أغنياء فهو خير وقال ابن مالك من خص هذا الحكم بالشعر فقد ضيق الواسع والتكفف بسط الكف للسؤال أو يسأل الناس كفافا من الطعام أو ما يكف الجوعة أو بمعنى يسألون بالكف
2472 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( سعد بن إبراهيم ) عن ( عامر بن سعد ) عن ( سعد ابن أبي وقاص ) رضي الله تعالى عنه قال جاء النبي يعودني وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال يرحم الله ابن عفراء قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله قال لا قلت فالشطر قال لا قلت الثلث قال فالثلث والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك وعساى الله أن يرفعك فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون ولم يكن له يومئذ إلا ابنة
مطابقته للترجمة من حيث إنها منه كما ذكرناه عن قريب وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو ابن عيينة وسعد ابن إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن سعد يروي عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب رثاء النبي سعد بن خولة وقد مضى بعض الكلام فيه ولنتكلم أيضا زيادة للفائدة
قوله يعودني جملة وقعت حالا وكذلك قوله وأنا بمكة حال وزاد الزهري في روايته في حجة الوداع من

(14/32)


وجع اشتد بي وله في الهجرة من وجع أشفيت منه على الموت واتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع إلا ابن عيينة قال في فتح مكة أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحفاظ على أنه وهم فيه وقد أخرجه البخاري في الفرائض من طريقه فقال بمكة ولم يذكر الفتح ويؤيد كلام ابن عيينة ما رواه أحمد والبزار والطبراني والبخاري في ( التاريخ ) وابن سعد من حديث عمرو بن القاري أن رسول الله قدم فخلف سعدا مريضا حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة معتمرا دخل عليه وهو مغلوب فقال يا رسول الله إن لي مالا وإني أورث كلالة أفأوصي بما لي الحديث وفيه قلت يا رسول الله أميت أنا بالدار التي خرجت منها مهاجرا قال إني لأرجو أن يرفعك الله حتى ينتفع بك أقوام الحديث فإن قلت بين الروايتين فيهما ما فيه قلت يمكن التوفيق بينهما بأن يكون ذلك وقع مرتين مرة عام الفتح ومرة عام حجة الوداع ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلا وفي الثانية كانت له بنت فقط قوله وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال الكرماني وهو يكره أي رسول الله وهو كلام سعد يحكي كلام رسول الله أو هو كلام عام يحكي حال ولده وقال بعضهم قوله وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها يحتمل أن تكون الجملة حالا من المفعول وهو سعد ففيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول وأنا أكره انتهى قلت هذا لا يخلو من التعسف والظاهر من التركيب أن الجملة حال من النبي والضمير في يكره يرجع إليه والذي في يموت يرجع إلى سعد ولا يلزم من ذلك أن لا يكون سعد كارها أيضا لأن النبي إذا كان كارها لذلك فكراهة سعد بالطريق الأولى ودل على كراهته ما رواه مسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن عن ثلاثة من ولد سعد عن سعد بلفظ فقال يا رسول الله خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة قوله قال يرحم الله ابن عفراء كذا وقع في هذه الرواية وفي رواية أحمد والنسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان فقال النبي يرحم الله سعد بن عفراء ثلاث مرات قال الداودي قوله ابن عفراء غير محفوظ وقال الحافظ الدمياطي هو وهم والمعروف ابن خولة قال ولعل الوهم من سعد بن إبراهيم فإن الزهري أحفظ منه وقال فيه سعد ابن خولة يشير بذلك إلى ما وقع في رواية النسائي من طريق جرير بن يزيد عن عامر بن سعد لكن البائس سعد بن خولة مات في الأرض التي هاجر منها قلت البائس اسم من بئس يبأس بؤسا وبأسا إذا خضع وافتقر واشتدت حاجته وقال التيمي يحتمل أن يكون لأمه إسمان خولة وعفراء وقال غيره ويحتمل أن يكون أحدهما إسما والآخر لقبا أو أحدهما اسم أمه والآخر اسم أبيه أو اسم جدة له وقيل في خولة خولي بكسر اللام وتشديد الياء والواو ساكنة بلا خلاف وأغرب ابن التين فحكى عن القابسي فتحها ووقع في رواية ابن عيينة في الفرائض قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي وذكر ابن إسحاق أنه كان حليفا لهم وقيل كان من الفرس الذين نزلوا اليمن قوله قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله وفي رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الطب أفأتصدق بثلثي مالي وكذا وقع في رواية الزهري فإن قلت لفظ أتصدق يحتمل التنجيز والتعليق بخلاف لفظ أوصي قلت لما كان متحدا حمل لفظ أتصدق على التعليق جمعا بين الروايتين فإن قلت ما وجه الاختلاف في السؤال قلت كأنه سأل أولا عن الكل ثم سأل عن الثلثين ثم سأل عن النصف ثم سأل عن الثلث وقد وقع مجموع ذلك في رواية الطبراني في ( الكبير ) من حديث عبيد الله بن عياض عن أبيه عن جده عمرو ابن عبد القاري أن رسول الله دخل على سعد بن مالك يوم الفتح الحديث وفيه فقال سعد يا رسول الله إن مالي كثير وإنني أورث كلالة أفأتصدق بمالي كله قال لا قال أفأتصدق بثلثيه قال لا قال أفأتصدق بشطره قال لا قال أفأتصدق بثلثه قال نعم وذلك كثير قوله قلت فالشطر أي النصف قال الكرماني هو بالجر أو الرفع قلت وجه الجر أن يكون معطوفا على قوله بمالي كله ووجه الرفع على تقدير حذف الرافع تقديره أفيجوز الشطر ونسب إلى الزمخشري جواز النصب على تقدير أعين الشطر أو أسمي أو نحو ذلك قوله قلت الثلث يجوز فيه الرفع والنصب وفي بعض النسخ فالثلث

(14/33)


بالفاء فإن صحت هذه فيجوز فيه الجر أيضا ولا يخفى ذلك على من يتأمل فيه قوله قال فالثلث نصب على الإغراء ويجوز الرفع على الفاعل أي يكفيك الثلث أو على تقدير الابتداء والخبر محذوف أو على العكس قوله والثلث كثير بالثاء المثلثة أو بالباء الموحدة وقوله قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير كذا هو في أكثر الروايات وفي رواية الزهري في الهجرة قال الثلث يا سعد والثلث كثير وفي رواية مسلم عن مصعب بن سعد عن أبيه قلت فالثلث قال نعم والثلث كثير وفي رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الباب الذي يليه قال الثلث والثلث كثير أو كبير وفي رواية النسائي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بلفظ فقال أوصيت قلت نعم قال بكم قلت بمالي كله قال فما تركت لولدك وفيه أوص بالعشر قال فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير يعني بالمثلثة أو بالموحدة وهو شك من الراوي والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه قوله إنك إن تدع قد مر الكلام فيه في أول الباب وقال النووي فتح إن وكسرها صحيحان يعني بالفتح تكون للتعليل وبالكسر تكون للشرط وقال القرطبي لا معنى للشرط هنا لأنه يصير لا جواب له ويبقى خير لا رافع له وقال ابن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره شيخنا عبد الله بن أحمد يعني ابن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير من الفاء انتهى قلت هذا كلام ساقط من رجل ضابط وقد قلنا إن الفاء حذفت وتقديره فهو خير وحذف الفاء من الجزاء سائغ شائع غير مختص بالضرورة قوله ورثتك قيل إنما عبر بلفظ الورثة ولم يقل أن تدع بنتك مع أنه لم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لأن سعدا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه فأجابه بكلام كلي مطابق لكل حاله وهو قوله ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها وقيل إنما عبر بالورثة لأنه اطلع على أن سعدا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة فكان ذلك وولد له بعد ذلك أربعة بنين ولا أعرف أسماءهم ولعل الله أن يفتح بذلك وهذا ذهول شديد منه فإن ثلاثة من أولاده مذكورون في رواية هذا الحديث عند مسلم من طريق عامر ومصعب ومحمد ثلاثتهم عن سعد والرابع وهو عمر ابن سعد في موضع آخر وله غير هؤلاء من الذكور إبراهيم ويحيى وإسحاق وعبد الله وعبد الرحمن وعمرو وعمران وصالح وعثمان وإسحاق الأصغر وعمر الأصغر وعمير مصغرا وغيرهم ومن البنات ثنتا عشرة بنتا وقيل لأن ميراثه لم يكن منحصرا في بنته وقد كان لأخيه عتبة بن أبي وقاص أولاد إذ ذاك منهم هاشم بن عتبة الصحابي الذي قتل بصفين قوله عالة أي فقراء وهو جمع عائل وهو الفقير من عال يعيل إذا افتقر ومر تفسيره يتكففون في أول الباب قوله في أيديهم أي بأيديهم أو المعنى يسألون بالكف اللقاء في أيديهم قوله وإنك عطف على قوله إن تدع وهذا كأنه علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث فينحل التركيب إلى قوله لا تفعل لأنك إن مت تركت ورثتك أغنياء وإن عشت تصدقت وانفقت فالأجر حاصل لك حيا وميتا قوله فإنها صدقة أي فإن النفقة صدقة وأطلق الصدقة في هذه الرواية وفي رواية الزهري فإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها وفيه ذكرها مقيدة بابتغاء وجه الله وعلق حصول الأجر بذلك وهو المعتبر وفيه دلالة على أن أجر الواجب يزداد بالنية لأن الأعمال بالنيات قوله حتى اللقمة حتى هذه ابتدائية يعني حرف ابتداء ابتدأ بعده إما جملة إسمية كما في قوله حتى ماء دجلة أشكل أو فعلية كما في قوله حتى عفوا وهنا الجملة إسمية من المبتدأ والخبر وقال بعضهم حتى اللقمة بالنصب عطفا على نفقة وفيه نظر قوله إلى في امرأتك أي إلى فم امرأتك فإن قلت ما وجه تعلق النفقة بقصة الوصية قلت لما كان سؤال سعد مشعرا برغبته في تكثير الأجر ومنعه من الزيادة على الثلث قال له مسليا إن جميع ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة ومن نفقة ولو كانت واجبة توجر بها إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى فإن قلت ما وجه تخصيص المرأة بالذكر قلت لأن نفقتها مستمرة بخلاف غيرها قوله عسى الله أن يرفعك أي يطيل عمرك وكذلك اتفق فإنه عاش بعد ذلك أزيد من أربعين سنة لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة وقيل سنة ثمان وخمسين فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسا وأربعين أو ثمانيا وأربعين سنة قوله فينتفع بك ناس أي ينتفع بك المسلمون بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك ويضر بك المشركون الذين يهلكون على يديك وزعم ابن التين أن المراد بالنفع به ما وقع من الفتوح على يديه كالقادسية وغيرها وبالضرر ما وقع من تأمير

(14/34)


ولده عمر بن سعد على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي ومن معه وقال بعضهم هو مردود لتكلفه بغير ضرورة تحمل على إرادة الضرر الصادر من ولده قلت لا ينظر فيه من هذا الوجه بل فيه معجزة من معجزات النبي حيث أخبر بذلك بالإشارة قبل وقوعه وعن الطحاوي في ذلك وجه آخر وهو أنه روى من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه أنه سأل عامر بن سعد عن معنى قول النبي هذا فقال لما أمر سعد على العراق أتى بقوم ارتدوا فاستتابهم فتاب بعضهم وامتنع بعضهم فانتفع به من تاب وحصل الضرر للآخرين قوله ولم يكن له يومئذ إلا ابنة وفي رواية عائشة بنت سعد أن سعدا قال ولا يرثني إلا ابنة واحدة قال النووي معناه لا يرثني من الولد أو من خواص الورثة أو من النساء وإلا فقد كان لسعد عصبات لأنه من بني زهرة وكانوا كثيرين وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض وقيل خصها بالذكر على تقدير لا يرثني ممن أخاف عليه الضياع والعجز إلا هي وقيل ظن أنها ترث جميع المال وقيل استكثر لها نصف التركة فإن قلت هل ذكر أحد من الشراح اسم هذه البنت قلت ذكر بعضهم عن بعض المتأخرين أن اسمها عائشة ثم قال فإن كان هذا محفوظا فهي غير عائشة بنت سعد التي روت هذا الحديث عند البخاري في الباب الذي يليه وفي الطب وهي تابعية عمرت حتى أدركها مالك وروى عنها وماتت سنة سبع عشرة ومائة لكن لم يذكر أحد من النسابين لسعد بنتا تسمى عائشة غير هذه وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم الكبرى وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وذكروا له بنات أخرى أمهاتهن متأخرات الإسلام بعد الوفاة النبوية فالظاهر أن البنت المذكورة هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزويج سعد بأمها انتهى وهذا أيضا تخمين والله أعلم
ذكر ما يستفاد منه قد ذكرنا أكثر ذلك في كتاب الجنائز في باب رثاء النبي سعد بن خولة ولنذكر بعض شيء وفيه زيارة المريض للإمام فمن دونه وفيه دعاء الزائر للمريض بطول العمر وفيه الحث على صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الأبعد وفيه الإنفاق في وجوه الخير لأن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة وقد نبه على ذلك بأقل الحظوظ الدنيوية العادية وهو وضع اللقمة في فم الزوجة إذ لا يكون ذلك غالبا إلا عند الملاعبة والممازحة ومع ذلك فهو يؤجر عليه إذا قصد به قصدا صحيحا فكيف بما هو فوق ذلك وفيه أن من لا وارث له يجوز له الوصية بأكثر من الثلث لقوله أن تذر ورثتك أغنياء فمفهومه أن من لا وارث له لا يبالي بالوصية بما زاد على الثلث وفيه استدلال من يرى بالرد بقوله ولا يرثني إلا ابنة لي للحصر واعترض عليه بعضهم بأن المراد من ذوي الفروض ومن قال بالرد لا يقول بظاهره لأنهم يعطونها فرضها ثم يردون عليها الباقي وظاهر الحديث أنها ترث الجميع ابتداء انتهى قلت هذا عند ظنه أنها ترث الجميع والبنت الواحدة ليس لها إلا النصف والباقي يكون بالرد بنص آخر وهو قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ( الأنفال 57 ) يعني بعضهم أولى بالميراث بسبب الرحم والله أعلم
3 -
( باب الوصية بالثلث )
أي هذا باب في بيان جواز الوصية بالثلث
وقال الحسن لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث
الحسن هو البصري أراد أن الذمي إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله لا يجوز وأما المسلم إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله فإن لم يكن له ورثة جاز وإن كانت له ورثة فإن جازوا جازت الوصية وإن ردوا بطلت الوصية وقال مالك والشافعي وأحمد لا يجوز إلا في الثلث ويوضع الثلثان لبيت المال وقال ابن بطال أراد البخاري بهذا الرد على من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له ولذلك احتج بقوله تعالى وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ( المائدة 94 ) والذي حكم به النبي من الثلث هو الحكم بما أنزل الله فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهى عنه ورد عليه بأن البخاري لم يرد هذا وإنما أراد الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا تنفذ من وصيته إلا الثلث لأنا لا نحكم فيهم إلا بحكم

(14/35)


الإسلام لقوله تعالى وإن أحكم بينهم بما أنزل الله ( المائدة 94 ) الآية قلت العجب من البخاري أنه ذكر عن الحسن أنه لا يرى للذمي بالوصية بأكثر من الثلث فليت شعري ما وجه ذكر هذا والحال أن حكم المسلم كذلك عنده وعند غير الحنفية وأعجب منه كلام ابن بطال الذي تمحل في كلامه بالمحال واستحق الرد على كل حال وأبعد من هذا وأكثر استحقاقا بالرد هو صاحب ( التوضيح ) حيث يقول وعلى قول ابن حنيفة رد البخاري في هذا الباب ولذلك صدر بقول الحسن ثم بالآية فسبحان الله كيف يرد على أبي حنيفة بقول الحسن فما وجه ذلك لا يدرى
وقال الله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( المائدة 94 )
4472 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال حدثنا ( زكرياء بن عدي ) قال حدثنا ( مروان ) عن ( هاشم بن هاشم ) عن ( عامر بن سعد ) عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال مرضت فعادني النبي فقلت يا رسول الله ادع الله أن لا يردني على عقبي قال لعل الله أن يرفعك وينفع بك ناسا قلت أريد أن أوصي وإنما لي ابنة قلت أوصي بالنصف قال النصف كثير قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أو كبير قال فأوصاى الناس بالثلث وجاز ذالك لهم

(14/36)


مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقه وهو من أقران البخاري وأكبر منه قليلا مات في سنة خمس وخمسين ومائتين وهو من أفراد البخاري وسمي صاعقة لأنه كان جيدا لحفظ وزكرياء بن عدي أبو يحيى الكوفي مات سنة اثنتي عشرة ومائتين ومروان هو ابن معاوية الفزاري وهاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري يعد في أهل المدينة والحديث مر عن قريب
قوله أن لا يردني على عقبي بتشديد الياء أي لا يميتني في الدار التي هاجرت منها وهي مكة قوله لعل الله أن يرفعك أي يقيمك من مرضك وكلمة لعل للإيجاب في حق الله تعالى قوله قال وأوصى الناس إلى آخره من كلام سعد ظاهرا ويحتمل أن يكون من قول من دونه
4 -
( باب قول الموصي لوصيه تعاهد ولدي وما يجوز للوصي من الدعواى )
أي هذا باب في بيان قول الموصي بضم الميم وكسر الصاد لوصيه الذي أوصى إليه تعاهد ولدي يعني أنظر في أمره وافتقد حاله قوله وما يجوز أي وفي بيان ما يجوز للوصي من الدعوى إذا ادعى
5472 - ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها زوج النبي أنها قالت كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي قد كان عهد إلي فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن أمة أبى ولد على فراشه فتساوقا إلى رسول الله فقال سعد يا رسول الله ابن أخي كان عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي وقال رسول الله هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله تعالى
الترجمة مركبة من شيئين أحدهما هو قوله قول الموصي لوصيه تعاهد ولدي وبينه وبين قوله في الحديث كان عتبة عهد إلى أخيه سعد مطابقة ظاهرة والثاني هو قوله وما يجوز للوصي من الدعوى بينه وبين قوله فقام عبد بن زمعة مطابقة لأنه ادعى وصحت دعواه حتى حكم له رسول الله
والحديث قد مر في كتاب العتق وغيره قوله فتساوقا أي تماشيا
5 -
( باب إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت )
أي هذا باب يذكر فيه إذا أومأ إلى آخره قوله جازت جواب إذا وليس في بعض النسخ قوله جازت ويقدر بعد قوله بينة هل يحكم بها ونحو ذلك قوله بينة أي ظاهرة
6472 - حدثنا ( حسان بن أبي عباد ) قال حدثنا ( همام ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك أفلان أو فلان حتى سمي اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فلم يزل حتى اعترف فأمر النبي فرض رأسه بالحجارة
مطابقته للترجمة في قوله فأومأت برأسها حين سمى اليهودي إشارة ظاهرة وحسان بتشديد السين وعباد بتشديد الباء الموحدة مر في العمرة وهمام بن يحيى العودي بفتح العين والحديث مر في الأشخاص ومر الكلام فيه
6 -
( باب لا وصية لوارث )
أي هذا باب ترجمته لا وصية لوارث وهذه الترجمة لفظ حديث مرفوع أخرجه جماعة وليس في الباب ذلك لأنه

(14/37)


كأنه لما لم يكن على شرطه لم يذكره هنا منهم أبو داود قال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال حدثنا ابن عياش من شرحبيل ابن مسلم قال سمعت أبا أمامة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وقال الترمذي حدثنا هناد وعلي بن حجر قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله يقول في خطبته عام حجة الوداع إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث الحديث وقال الترمذي هذا حديث حسن ثم قال ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل العراق وأهل الحجاز ليس بذاك فيما ينفرد به لأنه روى عنهم مناكير وروايته عن أهل الشام أصح وهكذا قال محمد ابن إسماعيل انتهى قلت هذا روايته عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث في رواية الترمذي ومنهم عمرو بن خارجة روى حديثه الترمذي حدثنا قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة أن النبي خطب على ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها وأن لعابها يسيل بين كتفي فسمعته يقول إن الله عز و جل أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر هذا حديث حسن صحيح ومنهم جابر أخرج حديثه الدارقطني عنه مثله قال والصواب أنه مرسل ومنهم ابن عباس أخرج حديثه الدارقطني أيضا من حديث حجاج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ومنهم عبد الله بن عمر وأخرج حديثه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن جده يرفعه إن الله قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث فلا يجوز لوارث إلا من الثلث وذلك بمنى ومنهم أنس بن مالك أخرج حديثه ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا محمد بن شعيب بن شابور قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبي سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك قال إني لتحت ناقة رسول الله يسيل علي لعابها فسمعته يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث ومنهم علي بن أبي طالب أخرج حديثه ابن أبي شيبة من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه ليس للوارث وصية وروى الدارقطني من حديث أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عن أبيه قال رسول الله لا وصية لوارث ولا إقرار بدين
7472 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) عن ( ورقاء ) عن ( ابن أبي نجيح ) عن ( عطاء ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذالك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع
مطابقته للترجمة من حيث إن الوصية للوالدين لما نسخت وأثبت الميراث لهما بدلا من الوصية علم أنه لا يجمع لهما بين الوصية والميراث وإذا كان لهما كذلك فمن دونهما أولى بأن لا يجمع له بينهما فيؤول حاصل المعنى لا وصية للوارث
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن يوسف الفريابي بينه أبو نعيم الحافظ الثاني ورقاء مؤنث الأورق ابن عمر بن كليب أبو بشر اليشكري ويقال الشيباني أصله من خوارزم ويقال من الكوفة سكن المدائن الثالث عبد الله بن أبي نجيح بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة وقد مر غير مرة الرابع عطاء بن أبي رباح الخامس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع
وهو موقوف على ابن عباس وهذا أخرجه البخاري أيضا في التفسير وفي الوصايا عن محمد بن يوسف
ذكر معناه قوله كان المال للولد أي كان مال الشخص إذا مات للولد قوله وكانت الوصية للوالدين أي كانت الوصية في الإسلام لوالدي الميت دون الأولاد على ما يراه من المساواة والتفضيل قوله نسخ الله في ذلك ما أحب

(14/38)


أي ما أراد يعني كانت الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ منها من كان وارثا بآية الفرائض وبقوله لا وصية لوارث وأبقى حق من لا يرث من الأقربين بالوصية على حاله قاله طاووس وغيره قوله وجعل للمرأة الثمن يعني عند وجود الولد وجعل الربع عند عدمه قوله والشطر أي وجعل للزوج الشطر أي النصف أي نصف المال عند عدم الولد وجعل الربع عند وجود الولد ثم الحديث دل على أن لا وصية للوارث
واختلفوا إذا أوصى لبعض ورثته فأجازه بعضهم في حياته ثم بدا لهم بعد وفاته فقالت طائفة ذلك جائز عليهم وليس لهم الرجوع فيه هذا قول عطاء والحسن وابن أبي ليلى والزهري وربيعة والأوزاعي وقالت طائفة لهم الرجوع في ذلك إن أحبوا هذا قول ابن مسعود وشريح والحكم وطاووس وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور وقال مالك إذا أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا وإن أذنوا في مرضه وحين يحجب عن ماله فذلك جائز عليهم وهو قول إسحاق وعن مالك أيضا لا رجوع لهم إلا أن يكونوا في كفالته فيرجعوا وقال المنذري إنما يبطل الوصية للوارث في قول أكثر أهل العلم من أجل حقوق سائر الورثة فإذا أجازوها جازت كما إذا أجازوا الزيادة على الثلث وذهب بعضهم إلى أنها لا تجوز وإن أجازوها لأن المنع لحق الشرع فلو جوزناها كنا قد استعملنا الحكم المنسوخ وذلك غير جائز وهذا قول أهل الظاهر وقال أبو عمر وهو قول عبد الرحمن بن كيسان والمزني وقال ابن المنذر واتفق مالك والثوري والكوفيون والشافعي وأبو ثور أنه إذا أجازوا ذلك بعد وفاته لزمهم وهل هو ابتداء عطية منهم أم لا فيه خلاف واتفقوا على اعتبار كون الموصي له وارثا بيوم الموت حتى لو أوصى لأخيه الوارث حيث لا يكون له ابن يحجب الأخ المذكور فولد له ابن قبل موته يحجب الأخ فالوصية للأخ المذكور صحيحة ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات الإبن قبل موت الموصي فهي وصية لوارثه
7 -
( باب الصدقة عند الموت )
أي هذا باب في بيان جواز الصدقة عند الموت وإن كان في حال الصحة أفضل
8472 - حدثنا ( محمد بن العلاء ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( سفيان ) عن ( عمارة ) عن ( أبي زرعة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رجل للنبي يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح حريص تأمل الغناى وتخشاى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله حتى إذا بلغت الحلقوم إلى آخره ومحمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي وأبو أسامة حماد بن أسامة وسفيان هو الثوري وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي وأبو زرعة ابن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي قيل اسمه هرم وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل جرير وقيل عمرو
والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب أي الصدقة أفضل فإنه أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد عن عمارة ولكن الإسناد هناك كله بالتحديث وهنا بالتحديث في موضعين والباقي بالعنعنة قوله قال رجل للنبي فقال يا رسول الله وهناك جاء رجل إلى النبي فقال قوله أي الصدقة أفضل وهناك أي الصدقة أعظم أجرا قوله وأنت صحيح حريص وهناك وأنت صحيح شحيح وقد مر الكلام فيه هناك قوله ولا تمهل بالجزم لأنه نهي ويروى بالرفع على أنه نفي ويجوز النصب على تقدير وأن لا تمهل قوله قلت لفلان كذا إلى آخره قال الخطابي فلان الأول والثاني الموصى له وفلان الأخير الوارث لأنه إن شاء أبطله وإن شاء أجازه وقال الكرماني قد كان لفلان أي للوارث والثاني للمورث والثالث للموصى له
8 -
( باب قول الله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين )
أي هذا باب في بيان المراد من قول الله تعالى من بعد وصية ( النساء 22 ) وكأن غرض البخاري بهذه الترجمة الاحتجاج إلى جواز

(14/39)


إقرار المريض بالدين مطلقا سواء كان المقر له وارثا أو جنبيا وقال بعضهم وجه الدلالة أنه سبحانه وتعالى سوى بين الوصية والدين في تقديمهما على الميراث ولم يفصل فخرجت الوصية للوارث بالدليل وبقي الإقرار بالدين على حاله انتهى قلت كما خرجت الوصية للوارث للدليل وهو قوله لا وصية لوارث فكذلك خرج الإقرار بالدين للوارث بقوله ولا إقرار له بدين وقد تقدم وقوله من بعد وصية يوصي بها أو دين ( النساء 22 ) قطعة من قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم إلى قوله إن الله كان عليما حكيما ( النساء 22 ) هذه الآية والتي بعدها وهو قوله ولكم نصف ما ترك أزواجكم إلى قوله والله عليم حكيم ( النساء 62 ) والآية التي هي خاتمة هذه السورة أعني سورة النساء وهو قوله يستفتونك قل الله يفتيكم ( النساء 671 ) إلى آخر الآية آيات علم الفرائض وهو مستنبط من هذه الآيات ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هي كالتفسير لذلك
ويذكر أن شريحا وعمر بن عبد العزيز وطاووسا وعطاء وابن أذينة أجازوا إقرار المريض بدين
ذكر عنهم ما ذكره بصيغة التمريض لأنه لم يجزم بصحة النقل عنهم لضعف الإسناد إلى بعضهم بيانه أن أثر شريح ذكره ابن أبي شيبة عنه بلفظ إذا أقر في مرض لوارث بدين لم يجز إلا ببينة وإذا أقر لوارث جاز وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف وكذلك أخرج أثر طاووس بلفظ إذا أقر لوارث جاز وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وكذلك أثر عطاء أخرجه ابن أبي شيبة بمثله وكذلك أثر ابن أذينة أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه بلفظ في الرجل يقر لوارث بدين قال يجوز وابن أذينة بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون واسمه عبد الرحمن قاضي البصرة من التابعين الثقات مات سنة خمس وتسعين من الهجرة
وقال الحسن أحق ما يصدق به الرجل آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة
الحسن هو البصري وأثره رواه الدارمي في ( مسنده ) من طريق قتادة قال قال ابن سيرين لا يجوز إقرار لوارث قال وقال الحسن أحق ما جاز عليه عند موته أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا قوله ما يصدق على صيغة المجهول من التصديق ويروى ما تصدق على وزن تفعل على صيغة الماضي من التصدق وقال الكرماني آخر بالنصب وبالرفع أي أحق زمان يصدق فيه الرجل في أحواله آخر عمره والمقصود أن إقرار المريض في مرض موته حقيق بأن يصدق به ويحكم بإنفاذه قلت وجه النصب بتقدير في آخر يوم ووجه الرفع على أنه خبر لقوله أحق
وقال إبراهيم والحكم إذا أبرأ الوارث من الدين برىء
إبراهيم هو النخعي والحكم بفتحتين ابن عيينة وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم في المريض إذا أبرأ الوارث من الدين برىء وعن مطرف عن الحكم قال مثله قوله إذا أبرأ أي المريض مرض الموت وارثه من الدين الذي عليه برىء الوارث
وأوصاى رافع بن خديج أن لا تكشف أمرأته الفزارية عما أغلق عليه بابها
رافع ابن خديج بن رافع الأوسي الأنصاري الحارثي أبو عبد الله شهد أحدا والخندق وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وفي آخره جيم قوله الفزارية بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء قوله عما أغلق عليه بابها وفي رواية المستملي والسرخسي عن مال أغلق عليه بابها ويروى أغلق عليها ويروى أغلقت عليه بابها و أغلقت على صيغة المبني للفاعل ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع ولا ذكر ما المقصود منه والظاهر أن المراد منه أن المرأة بعد موت زوجها لا يتعرض لها فإن جميع ما في بيته لها وإن لم يشهد لها زوجها بذلك وإنما احتاج إلى الإشهاد والإقرار إذا علم أنه تزوجها فقيرة وأن ما في بيتها من متاع الرجال وبه قال مالك

(14/40)


وقال الحسن إذا قال لمملوكه عند الموت قد كنت أعتقتك جاز
الحسن هو البصري وهذا على أصله أن إقرار المريض نافذ مطلقا فهذا على إطلاقه يتناول أن يكون من جميع ماله ويخالفه غيره فلا يعتق إلا من الثلث
وقال الشعبي إذا قالت المرأة عند موتها إن زوجي قضاني وقبضت منه جاز
الشعبي هو عامر قوله قضاني يعني أداني حقي جاز إقرارها قال ابن التين لأنها لا تتهم بالميل إلى زوجها في تلك الحالة ولا سيما إذا كان لها ولد من غيره
وقال بعض الناس لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة ثم استحسن فقال يجوز إقراره بالوديعة والبضاعة والمضاربة
قال صاحب ( التوضيح ) المراد ببعض الناس أبو حنيفة وقال الكرماني قوله وقال بعض الناس أي كالحنفية قلت هذا كله تشنيع على أبي حنيفة أو على الحنفية مطلقا مع أن فيه سوء الأدب على ما لا يخفى قوله لا يجوز إقراره أي إقرار المريض لبعض الورثة قوله لسوء الظن به أي بهذا الإقرار أي مظنة أن يريد الإساءة بالبعض الآخر منهم وهذا لا يطلق عليه سوء الظن ولم يعلل الحنفية عدم جواز إقرار المريض لبعض الورثة بهذه العبارة بل قالوا لا يجوز ذلك لأنه ضرر لبقية الورثة مع ورود قوله لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين ومذهب مالك كمذهب أبي حنيفة إذا اتهم وهو اختيار الروياني من الشافعية وعن شريح والحسن بن صالح لا يجوز إقرار المريض لوارث إلا لزوجته بصداقها وعن القاسم وسالم والثوري لا يجوز إقرار المريض لوارثه مطلقا وزعم ابن المنذر أن الشافعي رجع إلى قول هؤلاء وبه قال أحمد والعجب من البخاري أنه خصص الحنفية بالتشنيع عليهم وهم ما هم منفردون فيما ذهبوا إليه ولكن ليس هذا إلا بسبب أمر سبق فيما بينهم والله أعلم قوله ثم استحسن أي بعض الناس هذا أي رأى بالاستحسان فقال إلى آخره والفرق بين الإقرار بالدين وبين الإقرار بالوديعة والبضاعة والمضاربة ظاهر لأن مبنى الإقرار بالدين على اللزوم ومبنى الإقرار بهذه الأشياء المذكورة على الأمانة وبين اللزوم والأمانة فرق عظيم
وقد قال النبي إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث
احتج البخاري بهذا القول نقلا عن الحنفية لسوء الظن به للورثة وذلك لأن الظن محذر عنه لقوله إياكم والظن وإنما يصح هذا الاحتجاج إذا ثبت أن الحنفية عللوا بسوء الظن به للورثة وقد منعنا هذا عن قريب ولئن سلمنا أن هذا ظن فلا نسلم أنه ظن فاسد والمحذر عنه الظن الفاسد ثم هذا الحديث الذي ذكره معلقا طرف من حديث سيأتي في الأدب موصولا من وجهين عن أبي هريرة وقال الكرماني فإن قلت الصدق والكذب صفتان للقول لا للظن ثم إنهما لا يقبلان الزيادة والنقص فكيف يبنى منه أفعل التفضيل قلت جعل الظن للمتكلم فوصف بهما كما وصف المتكلم فيقال متكلم صادق وكاذب والمتكلم يقبل الزيادة والنقصان في الصدق والكذب فيقال زيد أصدق من عمرو فمعناه الظن أكذب في الحديث من غيره
ولا يحل مال المسلمين لقول النبي آية المنافق إذا ائتمن خان
هذا احتجاج آخر لما ادعاه البخاري ولكن لا يستقيم لأن فيه تعسفا شديدا لأن الكرماني وجهه بالجر الثقيل على ما لا يخفى وهو أنه إذا وجب ترك الخيانة وجب الإقرار بما عليه وإذا أقر لا بد من اعتبار إقراره وإلا لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة انتهى قلت سلمنا وجوب ترك الخيانة ولكن لا نسلم وجوب الإقرار بما عليه إلا في موضع ليس فيه تهمة ولا أذى للغير كما في الإقرار للأجنبي وأما الإقرار لوارثه ففيه تهمة ظاهرة وأذى ظاهر لبقية الورثة وهذا ظاهر لا يدفع فإن قلت هذا

(14/41)


المقر في حالة يرد فيها على الله فهي الحالة التي يجتنب فيها المعصية والظلم قلت هذا أمر مبطن ونحن لا نحكم إلا بالظاهر وأما الحديث الذي علقه فهو طرف من حديث مضى في كتاب الإيمان
وقال الله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء 85 ) فلم يخص وارثا ولا غيره
هذا احتجاج آخر فيما ذهب إليه وهو بعيد جدا وجهه الكرماني بقوله فلم يخص أي لم يفرق بين الوارث وغيره في ترك الخيانة ووجوب أداء الأمانة إليه فيصح الإقرار سواء كان للوارث أو لغيره أما وجه البعد فهو أن يقال من أين علم أن ذمة المقر للوارث كانت مشغولة حتى إذا لم يقر كان خائنا فإن قيل إقراره عند توجهه إلى الآخرة يدل على ذلك يقال مع هذا يحتمل تخصيصه بذلك بعض الورثة أنه فعل ذلك قصدا لنفعه وفي ذلك ضرر لغيره والضرر مدفوع شرعا ولئن سلمنا اشتغال ذمته في نفس الأمر بما أقر به فهذا لا يكون إلا دينا مضمونا فلا يطلق عليه الأمانة فلا يصح الاستدلال بالآية الكريمة على ذلك على أن كون الدين في ذمته مظنون بحسب الظاهر والضرر لباقي الورثة عند ذلك محقق فكيف يترك العمل بالمحقق ويعمل بالمظنون
فيه عبد الله بن عمرو عن النبي
أي في قوله آية المنافق إذا اؤتمن خان روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي وقد ذكره في كتاب الإيمان في باب علامة المنافق أخرجه عن قبيصة عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عمرو بن العاص
9472 - حدثنا ( سليمان بن داود أبو الربيع ) قال حدثنا ( إسماعيل بن جعفر ) قال حدثنا ( نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف
ذكر هذا الحديث بطريق التبعية والبيان لقوله آية المنافق إذا اؤتمن خان ولقوله فيه عبد الله بن عمرو وإلا ليس لذكره وجه في هذا الباب وهذا الحديث بعينه إسنادا ومتنا قد مر في كتاب الإيمان في باب علامة المنافق
9 -
( باب تأويل قول الله تعالى من بعد وصية توصون بها أو دين ( النساء 21 ) )
أي هذا باب في بيان تأويل قول الله عز و جل في أنه قدم الوصية في الذكر على الدين مع أن الدين مقدم على الوصية وغيرها هكذا قالوا حتى قال بعضهم وبهذا يظهر السر في تكرار هذه الترجمة قلت قدم الله تعالى الوصية على الدين في قوله ولكم نصف ما ترك أزواجكم ( النساء 21 ) الآية في موضعين وقدمها أيضا في الآية التي قبلها وهو قوله يوصيكم الله في أولادكم ( النساء 11 ) وينبغي أن يسأل عن وجه تقديم الوصية على الدين في هذه المواضع ولا يتجه هذا إلا بترجمة غير هذا ولا وجه لذكر التأويل هنا لأن حد التأويل لا يصدق عليه لأن التأويل ما يستخرج بحسب القواعد العربية وبعض الآية التي هي ترجمة مفسرة وهذا ظاهر لا يحتاج إلى تأويل غاية ما في الباب أنه يسأل عما ذكرناه الآن وذكروا فيه وجوها فقال السهيلي قدمت الوصية على الدين في الذكر لأنها إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين لأنه يقع قهرا فكانت الوصية أفضل فاستحقت البداية وقيل الوصية تؤخذ بغير عوض بخلاف الدين فكانت أشق على الورثة من الدين وفيها مظنة التفريط فكانت أهم فقدمت وقيل هي إنشاء الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها وقيل هي حظ فقير ومسكين غالبا والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال
ويذكر أن النبي قضى بالدين قبل الوصية
هذا الذي ذكره بصيغة التمريض طرف من حديث أخرجه الترمذي حدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن

(14/42)


أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي قضى بالدين قبل الوصية وأنتم تقرأون الوصية قبل الدين وأخرجه أحمد أيضا ولفظه عن علي بن أبي طالب قال قضى محمد أن الدين قبل الوصية الحديث وهذا إسناده ضعيف لأن الحارث هو ابن عبد الله الأعور قال ابن أبي خيثمة سمعت أبي يقول الحارث الأعور كذاب وقال أبو زرعة لا يحتج بحديثه وقال ابن المديني الحارث كذاب فإن قلت ليست من عادة البخاري أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به قلت بلى ولكن لما رأى أن العلماء عملوا به كما قال الترمذي عقيب الحديث المذكور والعمل عليه عند أهل العلم اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه
وقوله إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( النساء 85 ) فأداء الأمانة أحق من تطوع الوصية
وقوله بالجر عطفا على قول الله تعالى المجرور بإضافة التأويل إليه وذكر هذه الآية في معرض الاحتجاج في جواز إقرار المريض للوارث وهذا بمعزل عن ذلك على ما لا يخفى على أحد والآية نزلت في عثمان بن طلحة قبض النبي مفتاح الكعبة فدخل الكعبة يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدفع إليه المفتاح ذكره الواحدي في ( أسباب النزول ) عن مجاهد
وقال النبي لا صدقة إلا عن ظهر غنى
أورد هذا أيضا في معرض الاحتجاج في جواز الإقرار للوارث قال الكرماني والمديون ليس بغني فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين وأراد بتأويل الآية مثله انتهى قلت قوله المديون ليس بغني على إطلاقه لا يصح والمديون الذي ليس بغني هو المديون المستغرق وجعل مطلق المديون أصلا ثم بناء الحكم عليه فيما ذهب إليه غير صحيح وهذا التعليق مضى مسندا في كتاب الزكاة في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى ومضى الكلام فيه
وقال ابن عباس لا يوصي العبد إلأ بإذن أهله
ذكر هذا أيضا في معرض الاحتجاج وفيه نظر قال الكرماني قوله بإذن أهله وأداء الدين الواجب عليه قلت ينبغي أن تكون هذه المسألة على التفصيل وهو أن العبد لا يخلو إما أن يكون مأذونا له في التصرفات أو لا فإن لم يكن فلا تصح وصيته بلا خلاف لأنه لا يملك شيئا فبماذا يوصي وإن كان مأذونا له تصح وصيته بإذن الولي إذا لم يكن مستغرقا بالدين وعلى كل حال الاستدلال بأثر ابن عباس فيما ذهب إليه لا يتم وفيه نظر لا يخفى ورواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن شبيب بن فرقد عن جندب قال سأل طهمان ابن عباس أيوصي العبد قال لا إلا بإذن أهله
وقال النبي العبد راع في مال سيده
قيل لما تعارض في مال العبد حقه وحق سيده قدم الأقوى وهو حق السيد وجعل العبد مولى عنه وهو أحد الحفظة فيه فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية والدين واجب والوصية تطوع وجب تقديم الدين فهذا وجه مناسبة هذا الأثر والحديث للترجمة انتهى قلت العبد لا يملك شيئا أصلا فكيف يثبت له المال ثم كيف تثبت المعارضة بين حقه وحق سيده ولا ثمة حق للعبد وقوله فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية إلى آخره ممنوع لأنه هو يمنع كلامه بقوله والدين واجب والوصية تطوع فكيف تتوجه المعارضة بين الواجب والتطوع ومع هذا فإن كان مراد البخاري بهذا وجوب تقديم الدين على الوصية فهذا لا نزاع فيه وإن كان مراده جواز إقرار المريض للوارث فلا يساعده شيء مما ذكره في هذا الباب والحديث الذي علقه ذكره مسندا في كتاب العتق في باب كراهية التطاول على الرقيق
0572 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( الأوزاعي ) عن ( الزهري ) عن ( سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ) أن ( حكيم بن حزام ) رضي الله تعالى عنه قال سألت رسول الله فأعطاني

(14/43)


ثم سألته فأعطاني ثم قال لي يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله فقال يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي حتى توفي رحمه الله
قيل وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب من جهة أنه زهده في قبول العطية وجعل يد الآخذ سفلى تنفيرا عن قبولها ولم يقع مثل ذلك في تقاضي الدين لأن يد آخذ الدين ليست سفلى لاستحقاق أخذه جبرا فالدين أقوى فيجب تقديمه وقال الكرماني ووجه آخر وهو أن عمر رضي الله تعالى عنه ألا تهد في توفيته حقه من بيت المال وخلاصه منه وشبهه بالدين لكونه حقا بالجملة فكيف إذا كان دينا متعينا فإنه يجب تقديمه على التبرعات قلت ولو تكلفوا غاية ما يكون بإن يذكروا وجه المطابقة بين أحاديث هذا الباب وبين الترجمة فإن فيه تعسفا شديدا يظهر ذلك لمن يتأمله كما ينبغي والحديث تقدم في كتاب الزكاة في باب الاستعفاف في المسألة
قوله لا أرزأ بتقديم الراء على الزاي أي لا أخذ من أحد شيئا بعدك
1572 - حدثنا ( بشر بن محمد السختياني ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سالم ) عن ( ابن عمر ) عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول كلكم راع ومسئول عن رعيته والإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه
لم يذكر أحد من الشراح وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب ويمكن أن يكون الوجه في ذلك مثل الذي ذكر في قوله وقال عليه الصلاة و السلام العبد راع في مال سيده يتناولا العبد وبشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي وهو من أفراده وعبد الله هو ابن المبارك المروزي والحديث مضى في كتاب الجمعة في باب الجمعة في القرى بعين هذا الإسناد ومضى الكلام فيه
01 -
( باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وقف شخص وفي بعض النسخ إذا أوقف بزيادة ألف في أوله وهي لغة قليلة ويقال لغة رديئة قوله ومن الأقارب كلمة من استفهامية ولم يذكر جواب إذا لمكان الخلاف فيه وقال الطحاوي رحمه الله تعالى اختلف الناس في الرجل يوصي بثلث ماله لقرابة فلان من القرابة الذين يستحقون تلك الوصية فقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه هم كل ذي رحم محرم من فلان من قبل أبيه أو من قبل أمه قلت ولا يدخل الوالدان والولد قال الطحاوي غير أنه يبدؤ في ذلك من كانت قرابته منه من قبل أبيه على من كانت قرابته من قبل أمه أما اعتبار الأقرب فلأن الوصية أخت الميراث وفيه يعتبر الأقرب فالأقرب حتى لو كان لفلان عمان وخالان فالوصية للعمين ولو كان له عم وخالان فللعم النصف وللخالين النصف وأما اعتبار عدم دخول الوالدين والولد فلأن الله تعالى عطف الأقربين على الوالدين والمعطوف

(14/44)


يغاير المعطوف عليه فإن قلت إذا لم يدخل الوالد والولد فهل يدخل الجد وولد الولد قلت ذكر في الزيادات أنهما يدخلان ولم يذكر فيه خلافا وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنهما لا يدخلان وهكذا روي عن أبي يوسف وهو الصحيح وقال زفر الوصية لكل من قرب منه من قبل أبيه أو من قبل أمه دون من كان أبعد منهم وسواء في هذا بين من كان منهم ذا رحم محرم وبين من كان ذا رحم غير محرم وقال أبو يوسف ومحمد الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد منذ كانت الهجرة من قبل أبيه أو من قبل أمه وقال قوم من أهل الحديث وجماعة من الظاهرية الوصية لكل من جمعه وفلانا أبوه الرابع إلى ما هو أسفل من ذلك وقال مالك والشافعي وأحمد الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد في الإسلام أو في الجاهلية وتحقيق مذهب الشافعي ما ذكره النووي في ( الروضة ) أوصى لأقارب زيد دخل فيه الذكر والأنثى والفقير والغني والوارث وغيره والمحرم وغيره والقريب والبعيد والمسلم والكافر لشمول الاسم ولو أوصى لأقارب نفسه ففي دخول ورثته وجهان أحدهما المنع لأن الوارث لا يوصى له فعلى هذا يختص بالباقين وبهذا قطع المتولي ورجحه الغزالي وهو محكي عن الصيدلاني والثاني الدخول لوقوع الاسم ثم يبطل نصيبهم ويصح الباقي لغير الورثة وهل يدخل في الوصية لأقارب زيد أصوله وفروعه فيه أوجه أصحها عند الأكثرين لا يدخل الوالدان والأولاد ويدخل الأجداد والاحفاد والثاني لا يدخل أحد من الأصول والفروع والثالث يدخل الجميع وبه قطع المتولي قلت أمر الوقف في هذا كأمر الوصية وقال الماوردي تجوز الوصية لكل من جاز الوقف عليه من صغير وكبير وعاقل ومجنون وموجود ومعدوم إذا لم يكن وارثا ولا قاتلا
وقال ثابت عن أنس قال النبي لأبي طلحة اجعلها لفقراء أقاربك فجعلها لحسان وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو طرف من حديث أخرجه مسلم حدثني محمد بن حاتم قال حدثنا بهز قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران 29 ) قال أبو طلحة أرى ربنا يسألنا من أموالنا فأشهدك يا رسول الله أني جعلت أرضي بيرحاء لله قال فقال رسول الله إجعلها في قرابتك قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما قوله إجعلها الضمير المنصوب فيه يرجع إلى أرضي بيرحاء وقد بينه كذلك مسلم في ( صحيحه ) لأن المعلق المذكور قطعة من حديث مسلم كما ذكرنا وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو الى النجار واسم النجار تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الخزرجي الأنصاري وأبي بن كعب بن المنذر ويقال كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن

(14/45)


مالك بن النجار فيجتمع أبو طلحة وحسان وأبي بن كعب في عمرو بن مالك بن النجار ويجتمع أبو طلحة وحسان في حرام بن عمرو وجد أبيهما على ما يجيء الآن إن شاء الله تعالى
وقال الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس مثل حديث ثابت قال اجعلها لفقراء قرابتك قال أنس فجعلها لحسان وأبي بن كعب وكانا أقرب إليه مني وكان قرابة حسان وأبي من أبي طلحة واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام فيجتمعان إلى حرام وهو الأب الثالث وحرام بن عمرو بن زيد بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار فهو يجامع حسان وأبا طلحة وأبيا إلى ستة آباء إلى عمرو بن مالك وهو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا
الأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى بضم الميم وفتح الثاء المثلثة وفتح النون المشددة ابن عبد الله بن أنس ابن مالك هو يروي عن أبيه عبد الله المذكور وعبد الله يروي عن عمه ثمامة بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله ابن أنس وهو يروي عن جده أنس بن مالك وهذا الإسناد كله بصريون وأنسيون والبخاري روى عن الأنصاري كثيرا
قوله مثل حديث ثابت وهو المذكور الآن اختصره البخاري هنا ووصله في تفسير آل عمران مختصرا أيضا عقيب رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة قال حدثنا الأنصاري فذكر هذا الإسناد قال فجعلها لحسان وأبي وكانا أقرب إليه ولم يجعل لي منها شيئا وسقط هذا القدر من رواية أبي ذر وقد أخرجه الطحاوي حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا حميد عن أنس قال لما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران 29 ) قال أو قال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( البقرة 542 والحديد 11 ) جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله حائطي الذي بمكان كذا وكذا لله تعالى ولو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال إجعله في فقراء قرابتك أو فقراء أهلك حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني أبي عن ثمامة قال قال أنس رضي الله تعالى عنه كانت لأبي طلحة أرض فجعلها لله عز و جل فأتى النبي فقال له اجعلها في فقراء قرابتك فجعلها لحسان وأبي قال أبي عن ثمامة عن أنس قال وكانا أقرب إليه مني انتهى أي كان حسان وأبي بن كعب إقرب إلى أبي طلحة من أنس بن مالك لأنهما يبلغان إلى عمرو بواسطة ستة أنفس وأنس يبلغ إليه بواسطة اثني عشر نفسا لأن أنس بن مالك بن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن ضمضم بفتح الضادين المعجمتين ابن زيد بن حرام ضد حلال ابن جندب بن عامر بن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون ابن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار قوله وكان قرابة حسان إلى آخره من كلام البخاري أو من كلام شيخه وليس من الحديث قوله واسمه أي اسم أبي طلحة قوله حرام ضد حلال كما ذكرنا قوله زيد مناة بالإضافة قال الكرماني ليس بين زيد وبين مناة ابن لأنه اسم مركب منهما قوله ابن النجاروقد ذكرنا أن اسمه تيم اللات وإنما سمي النجار لأنه اختتن بالقدوم وقيل ضرب وجه رجل بقدوم فنجره فقيل له النجار قوله إلى حرام وهو الأب الثالث يعني لأبي طلحة ووقع هنا وفي رواية أبي ذر وحرام بن عمرو وساق النسب ثانيا إلى النجار وهو زيادة لا معنى لها قوله فهو يجامع حسان أي الشأن أن حسان وأبيا يجامع أبا طلحة قاله الكرماني وليس بشيء والصواب أن لفظ هو يرجع إلى عمرو بن مالك والمعنى أن عمرو بن مالك يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا هكذا وقع في رواية المستملي وكذا وقع في رواية أبي داود في ( السنن ) وقال بلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري أنه قال أبو طلحة هو زيد بن سهل فساق نسبه ونسب حسان بن ثابت وأبي بن كعب كما تقدم ثم قال قال الأنصاري فبين أبي طلحة وأبي بن كعب ستة أباء قال وعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبيا وأبا طلحة والله أعلم وكذا قال البخاري فعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا رضي الله تعالى عنهم
وقال بعضهم إذا أوصاى لقرابته فهو إلى آبائه في الإسلام
أراد به أبا يوسف صاحب أبي حنيفة قوله إلى آبائه في الإسلام أي إلى آبائه الذين كانوا في الإسلام وقد مر في أول الباب اختلاف العلماء فيه ومحمد بن الحسن مع أبي يوسف
2572 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) أنه سمع ( أنسا ) رضي الله تعالى عنه قال قال النبي لأبي طلحة أراى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
هذا الحديث قد مضى مطولا في كتاب الزكاة في باب الزكاة على الأقارب ومضى الكلام فيه مستوفى والضمير في أن

(14/46)


تجعلها يرجع إلى بيرحاء ومضى تفسيره هناك
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ( الشعراء 412 ) وقال النبي يا معشر قريش
ذكر هذا مختصرا معلقا ووصله في مناقب قريش وتفسير سورة الشعراء بتمامه من طريق عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأورد في آخر الجنائز طرفا منه في قصة أبي لهب موصولة وسيأتي تفسيره إن شاء الله تعالى
11 -
( باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب )
أي هذا باب يذكر فيه هل يدخل إلى آخره وإنما ذكره بكلمة الاستفهام لمكان الاختلاف فيه قوله في الأقارب أي في وصيته للأقارب
3572 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قام رسول الله حين أنزل الله عز و جل وأنذر عشيرتك الأقربين ( الشعراء 412 ) قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا
قيل لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة لأن الآية في إنذار العشيرة وقد أنذرهم النبي ولا تعلق له في دخول النساء والولد في الأقارب وقال بعضهم موضع الشاهد منه يعني مطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من قوله يا صفية ويا فاطمة فإنه سوى في ذلك بين عشيرته فعمهم أولا ثم خص بعض البطون ثم ذكر عمه العباس وعمته صفية وبنته فاطمة فدل على دخول النساء في الأقارب وعلى دخول الفروع أيضا وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمه للعشيرة والمراد بعشيرته قومه وهم قريش وفيه نظر لا يخفى لأن الدلالة التي ذكرها في الموضعين أي لا دلالة من أنواع الدلالات وكذلك قوله وعلى عدم التخصيص وكيف وجه هذه الدلالة فلا دلالة هنا أصلا على ما ذكره يعرف ذلك بالتأمل
وأخرج البخاري هذا الحديث في موضعين من التفسير بعين هذا الإسناد وأخرجه النسائي في الوصايا عن محمد بن خالد بن خلي عن بشر بن شعيب بن أبي حمزة عن أبيه به كذلك وأخرجه الطحاوي حدثنا يونس قال حدثنا سلامة بن روح قال حدثنا عقيل حدثني الزهري قال قال سعيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال قال رسول الله حين أنزل عليه وأنذر عشيرتك الأقربين ( الشعراء 412 ) يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا الحديث قال الطحاوي في هذا الحديث أن رسول الله لما أمره الله عز و جل أن ينذر عشيرته الأقربين دعا عشائر قريش وفيهم من يلقاه عند أبيه الثاني وفيهم من يلقاه عند أبيه الثالث وفيهم من يلقاه عند أبيه الرابع وفيهم من يلقاه عند أبيه الخامس وفيهم من يلقاه عند أبيه السادس وفيهم من يلقاه عند آبائه الذين فوق ذلك إلا أنه ممن جمعته وإياه قريش وقد ذكرنا عن الطحاوي في أول الباب أنه ذكر في هذا الباب خمسة أقوال وساق دليل كل واحد منهم ثم ذكر أن الصحيح من ذلك كله القول الذي ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهم وأبطل بقية الأقوال وصرح ببطلان ما ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد فهذا الذي سلكه هو طريق المجتهدين المستنبطين للأحكام من الكتاب والسنة فلذلك ترك تقليده لأبي حنيفة وصاحبيه في هذه المسألة

(14/47)


ونقل صاحب ( التلويح ) عن الإسماعيلي أنه قال حديث أبي هريرة هذا وابن عباس أيضا مرسلان لأن الآية نزلت بمكة وابن عباس كان صغيرا وأبو هريرة أسلم بالمدينة وأجيب عنه بأنه يمكن أن يكونا سمعا ذلك من النبي أو من صحابي آخر
ثم إن الإجماع قام على أن اسم الولد يقع على البنين والبنات وأن النساء التي من صلبه وعصبته كالابنة والأخت والعمة يدخلن في الأقارب إذا وقف على أقاربه ألا ترى أنه خص عمته بالنذارة كما خص ابنته وكذلك من كان في معناهما ممن يجمعه معه أب واحد وروى أشهب عن مالك أن الأم لا تدخل وقال ابن القاسم تدخل الأم في ذلك ولا تدخل الأخوات لأم
واختلفوا في ولد البنات وولد العمات ممن لا يجتمع مع الموصى والمحبس في أب واحد هل يدخلون بالقرابة أم لا فقال أبو حنيفة والشافعي إذا وقف وقف على ولده دخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات والقرابة عند أبي حنيفة كل ذي رحم فسقط عنده ابن العم والعمة وابن الخال والخالة لأنهم ليسوا بمحرمين والقرابة عند الشافعي كل ذي رحم محرم وغيره ولم يسقط عنده ابن العم ولا غيره وقال صاحب ( التوضيح ) صحح أصحابه أنه لا يدخل في القرابة الأصول والفروع ويدخل كل قرابة وإن بعد وقال مالك لا يدخل في ذلك ولد البنات وقوله لقرابتي وعقبي كقوله لولدي وقوله ولدي يدخل فيه ولد البنين ومن يرجع إلى عصبة الأب وصلبه ولا يدخل ولد البنات وحجة من أدخل ولد البنت قوله إن ابني هذا سيد في الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وقال تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( الحجرات 31 ) والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب وقد دل القرآن على ذلك قال تعالى ومن ذريته داود إلى أن قال وعيسى ( الأنعام 48 ) فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته ولم يفرق في الاسم بين ابنه وبين بنته وأجيب بأنه إنما سمى الحسن ابنا على وجه التخنن وأبوه في الحقيقة علي رضي الله تعالى عنه وإليه نسبه وقد قال في العباس أتركوا لي أبي وهو عمه وإن كان الأب حقيقة خلافه وعيسى عليه الصلاة و السلام جرى عليه اسم الذرية على طريق الاتساع
قوله سليني ما شئت فيه أن الائتلاف للمسلمين وغيرهم بالمال جائز وفي الكافر آكد
تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب
هذه المتابعة أخرجها مسلم عن حرملة عن عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله حين أنزل الله عليه وأنذر عشيرتك الأقربين ( الشعراء 412 ) الحديث
21 -
( باب هل ينتفع الواقف بوقفه )
أي هذا باب يذكر فيه هل ينتفع الواقف بوقفه الذي وقفه وإنما ذكره بكلمة هل الاستفهامية لمكان الخلاف فيه وانتفاع الواقف بوقفه أعم من أن يكون الوقف على نفسه أو أن يجعل جزءا كم ريعه على نفسه أو أن يجعل النظر عليه لنفسه
وقد اشترط عمر رضي الله تعالى عنه لا جناح على من وليه أن يأكل
هذه قطعة من قصة وقف عمر رضي الله تعالى عنه وقد مضى موصولا في آخر الشروط قيل ذكره لاشتراط عمر لا حجة فيه لأن عمر أخرجها عن يده ووليها غيره فجعل لمن وليها أن يأكل على شرطه قوله أن يأكل ويروى أن يأكل منها وقال ابن بطال لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنه أخرجه لله تعالى وقطعه عن ملكه فانتفاعه بشيء منه رجوع في صدقته وقد نهى الشارع عن ذلك وإنما يجوز له الانتفاع به إن شرط ذلك في الوقف أو إن يفتقر المحبس أو ورثته فيجوز لهم الأكل منه وقال ابن القصار من حبس دارا أو سلاحا أو عبدا في سبيل الله فأنفذ ذلك في وجوهه زمانا ثم أراد أن ينتفع به مع الناس فإن كان من حاجة فلا بأس وذكر ابن حبيب عن مالك قال من حبس أصلا يجري

(14/48)


غلته على المساكين فإن ولده يعطون منه إذا افتقروا كانوا يوم مات أو حبس فقراء أو أغنياء غير أنهم لا يعطون جميع الغلة مخافة أن يندرس الحبس ويكتب على الولد كتاب أنهم إنما يعطون منه ما أعطوا على المسكنة وليس لهم على حق فيه دون المساكين واختلفوا إذا أوصى بشيء للمساكين فغفل عن قسمته حتى افتقر بعض ورثته وكانوا يوم أوصى أغنياء أو مساكين فقال مطرف أرى أن يعطوا من ذلك على المسكنة وهم أولى من الأباعد وقال ابن الماجشون إن كانوا يوم أوصى أغنياء ثم افتقروا أعطوا منه وإن كانوا مساكين لم يعطوا منه لأنه أوصى وهو يعرف حاجتهم فكأنه أزاحهم عنه وقال ابن القاسم لا يعطوا منه شيئا مساكين كانوا أو أغنياء يوم أوصى
وقد يلي الواقف أو غيره
هذا من تفقه البخاري يعني قد يلي الواقف أمر وقفه أو يلي غيره وكلامه هذا يشعر أن الواقف إذا شرط ولاية النظر له جاز وقال ابن بطال ذكر ابن المواز عن مالك أنه إن اشترط في حبسه أن يليه هو لم يجز وعن ابن عبد الحكم قال مالك إن جعل الواقف الوقف بيد غيره يجوزه ويجمع غلته ويدفعها إلى الذي حبسه يلي تفرقته وعلى ذلك حبس أن ذلك جائز وقال ابن كنانة من حبس ناقة في سبيل الله فلا ينتفع بشيء منها وله أن ينتفع بلبنها لقيامه عليها فمن أجاز للواقف أن يليه فإنما يجوز له الأكل منه بسبب ولايته عليه كما يأكل الوصي من مال يتيمه بالمعروف من أجل ولايته وعمله وإلى هذا المعنى أشار البخاري في هذا الباب ولم يجز مالك للواقف أن يلي وقفه قطعا للذريعة إلى الإنفراد بغلته فيكون ذلك رجوعا فيه
وكذلك من جعل بدنة أو شيئا لله فله أن ينتفع بها كما ينتفع غيره وإن لم يشترط
أشار بهذا أيضا إلى جواز انتفاع الواقف بوقفه ما لم يضره وإن لم يشترط ذلك في أصل الوقف وقال الداودي ليس فيه حجة لما بوب له لأن مهديها إنما جعلها لله عز و جل إذا بلغت محلها وأبقى ملكه عليها مع ما عليه من الخدمة من السوق والعلف ألا ترى أنها إن كانت واجبة أن عليه بدلها إن عطبت قبل محلها وإنما أمره بركوبها لمشقة السفر ولأنه لم ير له مركبا غيرها وإذا كان ركوبها مهلكا لها لم يجز له ذلك كما لا يجوز له أكل شيء من لحمها
4572 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( قتادة ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه أن النبي رأى رجلا يسوق بدنة فقال له اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال في الثالثة أو الرابعة اركبها ويلك أو ويحك
( انظر الحديث 0971 وطرفه )
أبو عوانة بفتح العين المهملة اسمه الوضاح اليشكري والحديث مضى في كتاب الحج في باب ركوب البدن فإنه رواه هناك عن أبي هريرة وعن أنس مضى الكلام فيه هناك
5572 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها قال يا رسول الله إنها بدنة قال اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة
إسماعيل بن أبي أويس وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث مضى في الحج كما ذكرناه الآن
31 -
( باب إذا وقف شيئا فلم يدفعه إلى غيره فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وقف شخص وقفا فلم يدفعه إلى غيره بأن لم يخرجه من يده فهو جائز يعني صحيح

(14/49)


لا يحتاج إلى قبض الغير وهو قول الجمهور منهم الشافعي وأبو يوسف وقالت طائفة لا يصح الوقف حتى يخرجه عن يده ويقبضه غيره وبه قال ابن أبي ليلى ومحمد بن الحسن وحجة الجمهور أن عمر وعليا وفاطمة رضي الله تعالى عنهم أوقفوا أوقافا وأمسكوها بأيديهم وكانوا يصرفون الانتفاع منها في وجوه الصدقة فلم تبطل واحتج الطحاوي أيضا بأن الوقف شبيه بالعتق لإشتراكهما في أنهما تمليك لله تعالى فينفذ بالقول المجرد عن القبض ويفارق الهبة فإنها تمليك لآدمي فلا يتم إلا بالقبض
لأن عمر رضي الله تعالى عنه أوقف وقال لا جناح على من وليه أن يأكل ولم يخص إن وليه عمر أو غيره
هذا تعليل لقوله فهو جائز قيل فيه نظر لأن غاية ما ذكر عن عمر هو أن كل من ولي الوقف أبيح له التناول ولا يلزم من ذلك أن كل أحد يسوغ له أن يتولى الوقف المذكور بل الوقف لا بد له من متول وأجيب بأن عمر لما وقف ثم شرط لم يأمره النبي أن يخرجه من يده فكان سكوته عن ذلك دالا على صحة الوقف وإن لم يقبضه الموقوف عليه
قال النبي لأبي طلحة أراى أن تجعلها في الأقربين فقال أفعل فقسمها في أقاربه وبني عمه
أراد بهذا أيضا الاحتجاج على عدم اشتراط القبض في جواز الوقف وهذا قد تقدم موصولا قريبا قال الداودي ما استدل به البخاري على صحة الوقف قبل القبض من قصة عمر وأبي طلحة حمل للشيء على ضده وتمثيله بغير جنسه ودفع للظاهر عن وجهه لأنه هو روى أن عمر دفع الوقف لابنته وأن أبا طلحة دفع صدقته إلى أبي بن كعب وحسان وأجيب بأن البخاري إنما أراد أنه عليه الصلاة و السلام أخرج عن أبي طلحة ملكه بمجرد قوله هي لله صدقة وبهذا يقول مالك إن الصدقة تلزم بالقول وإن كان يقول إنها لا تتم إلا بالقبض ونوزع في ذلك باحتمال أنها خرجت من يد أبي طلحة واحتمال أنها استمرت فلا دلالة فيها ودفع بأن أبا طلحة أطلق صدقة أرضه وفوض إلى النبي مصرفها فلما قال له أرى أن تجعلها في الأقربين ففوض له قسمتها بينهم صار كأنه أقرها في يده بعد أن مضت الصدقة قلت وفي نفس الحديث أن الذي تولى قسمتها هو أبو طلحة بنفسه والنبي عين له جهة المصرف لكنه أجمل لأنه قال في الأقربين وهذا مجمل ولما لم يمكن له أن يقسمها على الأقربين كلهم لكثرتهم وانتشارهم فقسمها على بعضهم ممن اختار منهم
41 -
( باب إذا قال داري صدقة لله ولم يبين للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويضعها في الأقربين أو حيث أراد )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال شخص داري هذه صدقة لله والحال أنه لم يبين يعني هل هي على الفقراء أو غيرهم فهو جائز يعني يتم وقفه فإن شاء يضعها في أقاربه أو حيث شاء من الجهات وقال أبو حنيفة إذا قال الرجل أرضي هذه صدقة ولم يزد على هذا شيئا أنه ينبغي له أن يتصدق بأصلها على الفقراء والمساكين أو يبيعها ويتصدق بثمنها على المساكين ولا يكون وقفا ولو مات كان جميع ذلك ميراثا بين ورثته على كتاب الله تعالى وكل صدقة لا تضاف إلى أحد فهي للمساكين
قال النبي لأبي طلحة حين قال أحب أموالي إلي بيرحاء وأنها صدقة لله فأجاز النبي ذالك
أشار بهذا إلى الاحتجاج فيما ذهب إليه من جواز وقف من قال داري هذه صدقة وسكت عليه ولم يبين مصرفا

(14/50)


من الجهات وقد مر هذا الحديث غير مرة ومر أيضا تفسير بيرحاء في كتاب الزكاة في باب الزكاة على الأقارب قوله فأجاز النبي ذلك من كلام البخاري أي أجاز النبي قول أبي طلحة حيث قال في الحديث المذكور إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله الحديث
وقال بعضهم لا يجوز حتى يبين لمن والأول أصح
أي قال بعض العلماء لا يجوز ما ذكر من الصدقة على الوجه المذكور حتى يبين أي حتى يعين لمن هي وأراد بذلك الإمام الشافعي فإنه قال في قول إن الوقف لا يصح حتى يعين جهة مصرفه وإلا فهو باق على ملكه وقال في قول آخر يصح الوقف وإن لم يعين مصرفه وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله قيل إن المراد بقوله قال بعضهم الحنفية وهو غير صحيح لأن مذهب أبي حنيفة قد ذكرناه الآن ومذهب أبي يوسف ومحمد الجواز مطلقا قوله والأول أي الذي ذكره أولا وهو الجواز هو الأصح
51 -
( باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز وإن لم يبين لمن ذالك )
أي هذا باب يذكر فيه إذا قال إلى آخره قوله وإن لم يبين لمن ذلك يفيد زيادة فائدة لأنه بين بقوله عن أمي أن الصدقة عنها جائزة ولكنه لم يبين لمن تلك الصدقة فلا يضره ذلك وقد ذكرنا الخلاف فيه في الباب السابق
6572 - حدثنا ( محمد بن سلام ) قال أخبرنا ( مخلد بن يزيد ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني يعلاى أنه سمع عكرمة يقول أنبأنا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها قال نعم قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد كذا وقع في رواية الأكثرين بغير نسبة وفي رواية أبي ذر وابن شبويه حدثنا محمد بن سلام وقال الجياني نسبه شيوخنا إلى سلام الثاني مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد من الزيادة مر في الجمعة الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع ( يعلى ) على وزن يرضى ابن حكيم قاله الكرماني أخذا من قول الطرقي قيل إنه وهم فيه وهو يعلى بن مسلم بن هرمز الخامس ( عكرمة ) مولى ابن عباس السادس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضعين وفيه الإنباء في موضع واحد وفيه السماع في موضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بخاري بيكندي وهو من أفراده وأن شيخ شيخه حراني جزري وأن ابن جريج مكي وأن يعلى أيضا يعد في المكيين وأصله من البصرة وليس له عن عكرمة في البخاري سوى هذا الموضع وأن عكرمة مدني
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن إبراهيم بن موسى عن هشام
ذكر معناه قوله أن سعد بن عبادة هو الأنصاري الخزرجي سيد الخزرج قوله أمه هي عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن قيس بن عمر وأنصارية خزرجية وذكر ابن سعد أنها أسلمت وبايعت وماتت سنة خمس والنبي في غزوة دومة الجندل وابنها سعد بن عبادة معه قال فلما رجعوا جاء النبي فصلى على قبرها قيل فعلى هذا يكون هذا الحديث مرسل صحابي لان ابن عباس كان حينئذ مع أبويه بمكة قوله وهو غائب جملة إسمية وقعت حالا قوله عنها أي عن أمه في الموضعين قوله أينفعها الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله به يرجع إلى قوله بشيء قوله نعم أي قال النبي ينفعها عند الله قوله إن حائطي الحائط البستان من النخل إذا كان عليه حائط أي جدار ويجمع على حوائط قوله المخراف بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفي آخره فاء وهو اسم للحائط فلذلك انتصب على أنه عطف بيان ووقع في

(14/51)


رواية عبد الرزاق مخرف بدون ألف قال القزاز المخراف جماعة النخل بفتح الميم وبكسرها الزنبيل الذي يخترف فيه الثمار وقال ابن الأثير المخرف بالفتح يقع على النخل وعلى الرطب وقال الخطابي المخراف الثمرة سميت مخرافا لما يجتني من ثمارها كما يقال امرأة مذكار قال وقد يستوي هذا في نعت الذكور والإناث ويقال المخراف الشجرة وهو الصواب وتكلموا فيه كثيرا والحاصل أن المخراف هنا اسم حائط سعد ابن عبادة كما ذكرنا قوله صدقة عليها ويروى عنها وهذه هي الأصح لا ما قاله صاحب ( التوضيح ) إن كليهما بمعنى واحد فافهم
ذكر ما يستفاد منه أن ثواب الصدقة عن الميت يصل إلى الميت وينفعه قال الكرماني وهو مخصص لعموم قوله تعالى وأن ليس للانسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) قلت يلزمه أن يقول أيضا بوصول ثواب القراءة إلى الميت
61 -
( باب إذا تصدق أو وقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا تصدق شخص ماله ووقف إلى آخره أما إذا تصدق ببعض ماله فلا خلاف فيه أنه يجوز وكذا إذا تصدق بكل ماله فإنه يجوز وقال ابن بطال واتفق مالك والكوفيون والشافعي وأكثر العلماء على أنه يجوز للصحيح أن يتصدق بكل ماله في صحته إلا أنهم استحبوا أن يبقي لنفسه منه ما يعيش به خوف الحاجة وما يتقي من الآفات مثل الفقر وغيره فإن آفات الدنيا كثيرة وربما يطول عمره ويحصل له العمى أو الزمانة مع الفقر لقوله أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ويروى أمسك عليك ثلث مالك فحض على الأفضل وقال ابن التين ومذهب مالك أنه يجوز إذا كان له صناعة أو حرفة يعود بها على نفسه وعياله وإلا فلا ينبغي له ذلك وأما إذا وقف بعض ماله فهو وقف المشاع فإنه يجوز عند أبي يوسف والشافعي ومالك لأن القبض ليس بشرط عندهم عند محمد لا يجوز وقف المشاع فيما يقبل القسمة لأن القبض شرط عنده وأما وقف بعض رقيقه فإن فيه حكمين أحدهما أنه مشاع والحكم فيه ما ذكرنا والآخر أنه وقف المنقول فإنه يجوز عند مالك والشافعي وأحمد وبه قال محمد بن الحسن فيما يتعارف وقفه للتعامل بها قوله أو بعض رقيقه إلى آخره من باب عطف الخاص على العام وقال بعضهم هذه الترجمة معقودة لجواز وقف المنقول والمخالف فيه أبو حنيفة انتهى قلت المذهب فيه تفصيل فلا يقال المخالف فيه أبو حنيفة كذا جزافا أما مذهب أبي حنيفة فإنه لا يرى بالوقف أصلا فضلا عن صحة وقف المنقول وأما مذهب أبي يوسف ومحمد فإنهما يريان وقف المنقول بطريق التبعية كآلات الحرث والثيران وعبيد الأكرة تبعا للضيعة كالبناء يصح وقفه تبعا للأرض لا وحده وأما المنقول بغير التبعية كوقف القدر والفأس والطست ونحو ذلك فإنه يجوز عند محمد للتعارف كما ذكرنا
7572 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب ) أن ( عبد الله بن كعب ) قال سمعت ( كعب بن مالك ) رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله قال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر
مطابقته للترجمة في قوله أمسك عليك بعض مالك فإن فيه دلالة على جواز إخراج بعض ماله والمال أعم من أن يكون من النقود ومن العقار
ورجال هذا الحديث قد ذكروا غير مرة وعقيل بضم العين وهذا قطعة من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وسيأتي الحديث بطوله في كتاب المغازي وهذا المقدار قد مضى في كتاب الزكاة في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى ومضى الكلام فيه هناك
71 -
( باب من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه )
أي هذا باب في بيان حكم من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل الصدقة إليه قيل هذه الترجمة وحديثها

(14/52)


غير موجودين في أكثر الأصول ولهذا لم يشرحه ابن بطال وثبتا في رواية أبي ذر عن الكشميهني خاصة لكن وقع في روايته على وكيله وثبتت الترجمة وبعض الحديث في رواية الحموي وقد اعترض بعضهم على البخاري في انتزاع هذه الترجمة من قصة أبي طلحة وأجيب بأن مراد البخاري أن أبا طلحة لما أطلق أنه تصدق وفوض إلى النبي تعيين المصرف فصار كأنه وكله ثم رد عليه الصلاة و السلام عليه بأن قال له دعها في الأقربين فبهذا المقتضى صدق وضع هذه الترجمة بهذه الصورة

(14/53)


81 -
( باب قول الله تعالى وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ( النساء 8 ) )
أي هذا باب في بيان حكم قول الله تعالى وإذا حضر القسمة ( النساء 8 ) الآية وتمامها وقولوا لهم قولا معروفا ( النساء 8 ) قوله القسمة ( النساء 8 ) أي القسمة الميراث قوله أولوا القربى ( النساء 8 ) أي ذوو القربى ممن ليس بوارث واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ( النساء 8 ) أي فارضخوا لهم من التركة نصيبا وكان ذلك واجبا في ابتداء الإسلام وقيل كان مستحبا قال الزمخشري والضمير في منه لما ترك الوالدان والأقربون
ثم اختلفوا هل هو منسوخ أم لا على قولين فقالت طائفة وليست بمنسوخة منهم مجاهد وأبو العالية والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري ويحيى بن يعمر قالوا إنها واجبة وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي موسى وعبد الرحمن بن أبي بكر وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا عباد بن العوام عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال هي قائمة يعمل بها قال الزهري وهي محكمة وقالت طائفة هي منسوخة وبه قال سعيد بن المسيب وروى ابن مردويه وقال حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا سعيد بن عامر عن همام حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال إنها منسوخة كانت قبل الفرائض كل ما ترك الرجل من مال أعطي منه اليتيم والفقير والمسكين وذوو القربى إذا حضروا القسمة ثم نسخ بعد ذلك نسختها المواريث فألحق الله بكل ذي حق حقه وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء وهكذا روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسم بن محمد وأبي صالح وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وربيعة بن أبي عبد الرحمن وهذا مذهب جمهور الفقهاء الأئمة الأربعة وأصحابهم قوله وقولوا لهم قولا معروفا ( النساء 8 ) المراد بالمعروف هنا أن يقول خذ بارك الله لك هذا عند من يقول إنها محكمة وأما عند من يقول إنها منسوخة فهو أن يقول إنه مال يتيم ومالي فيه شيء أو لست أملكه إنما هو للصغار
9572 - حدثنا ( محمد بن الفضل أبو النعمان ) قال حدثنا ( أبو عوانة ) عن ( أبي بشر ) عن ( سعيد ابن جبير ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ولا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس هما واليان وال يرث وذاك الذي يرزق ووال لا يرث فذاك الذي يقول بالمعروف يقول لا أملك لك أن أعطيك
مطابقته للترجمة من حيث إن حديث الباب لابن عباس والآية التي هي الترجمة غير منسوخة عنده وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري وأبو بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري
وهذا الحديث من أفراده وذكره في التفسير من حديث عكرمة ثم قال تابعه سعيد عن ابن عباس يعني هذا بزيادة قال هي محكمة وليست بمنسوخة وادعى أبو مسعود في أطرافه إرساله يريد مرسل صحابي وليس كذلك وإنما هو موقوف على صحابي لا مرسل لأن الإرسال لا بد فيه من ذكر سيدنا رسول الله قوله والله ما نسخت يقتضي إعطاء شيء من التركة للحاضرين في قوله وإذا حضر القسمة أولو القربى
قوله ولكنها أي ولكن قضية الآية مما تهاون الناس فيها ولم يعملوا بما فيها قوله هما أي المتصرفان في التركة والمتوليان أمرها قسمان أحدهما وال متصرف يرث المال كالعصبة مثلا والآخر وال يتصرف لا يرث كولي اليتيم
قوله وذاك الذي يرزق إشارة إلى الوالي الذي يتصرف ويرث هو الذي يرزق الحاضرين القسمة من أولي القربى واليتامى والمساكين ومعنى يرزق يرضخ لهم ما طابت أنفسهم ولم يعين فيه شيئا مقدرا قوله فذاك الذي يقولإلى آخره إشارة إلى الوالي الذي يتصرف ولا يرث فإنه يقول لا أملك لك أن أعطيك شيئا وهو الذي خوطب بقوله وقولوا لهم قولا معروفا ( النساء 8 ) قال الزمخشري الخطاب للورثة

(14/54)


وحدهم بأن يجمعوا بين الأمرين الإعطاء والاعتذار عنهم عن القلة ونحوها وروى قتادة عن يحيى بن يعمر قال ثلاث آيات في كتاب الله تعالى محكمات مبينات قد ضيعهن الناس فذكر هذه الآية وآية الاستئذان والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( النور 85 ) في العورات الثلاث وهذه الآية يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( الحجرات 31 )
91 -
( باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت )
أي هذا باب في بيان ما يستحب لمن يموت فجاءة أي بغتة وهو بضم الفاء وتخفيف الجيم ممدودة ويجوز فتح الفاء وسكون الجيم بغير مد قوله أن يتصدقوا كلمة أن مصدرية والضمير في أن يتصدقوا لأهل الميت أو لأصحابه بقرينة الحال قوله وقضاء النذور بالجر عطف على قوله لمن يتوفى والتقدير وفي بيان استحباب قضاء النذور عن الميت الذي مات وعليه نذر
0672 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها أن رجلا قال للنبي أن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها قال نعم تصدق عنها
( انظر الحديث 8831 )
مطابقته للجزء الأول للترجمة ظاهرة وإسماعيل هو ابن أبي أويس وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الوصايا عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عن مالك به
قوله أفتلتت بلفظ المجهول من الافتلات أي ماتت بغتة وكل شيء عوجل مبادرة فهو فلتة قوله نفسها بالنصب على أنه مفعول ثان وبالرفع على أنه مفعول أقيم مقام الفاعل والنفس مؤنثة وهي هنا الروح وقد تكون النفس بمعنى الذات وقال بعضهم كأن البخاري رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو سعد بن عبادة الذي تقدم في حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة بلفظ آخر ولا تنافي بين قوله إن أمي ماتت وعليها نذر وبين قوله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها لاحتمال أن يكون سأل عن النذر وعن الصدقة عنها انتهى قلت المنافاة بين حديث عائشة وبين حديث ابن عباس ظاهرة بلا شك إن قرىء قوله أراها بفتح الهمزة وإن قرىء بضمها فكذلك لأن الرجل يخبر عن حال أمه مشاهدة فإن قلت يحتمل أن الرجل سأل عن النذر وعن الصدقة جميعا قلت هذا هنا احتمال ومثل هذا الاحتمال لا يقطع به فالمنافاة حاصلة فإن قلت الحديث قد مضى في كتاب الجنائز في باب موت الفجاءة ولفظه إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت الحديث فهذا يدل قطعا على أن الهمزة في أراها مضمومة وأنه بمعنى وأظنها لو تكلمت فهذا بوجه دعوى عدم المنافاة قلت في رواية النسائي عن ابن القاسم عن مالك بلفظ وأنها لو تكلمت تصدقت فهذا صريح في أن هذا الرجل في حديث عائشة غير سعد بن عبادة وأنه سأل عن الصدقة عن أمه وأن سعدا سأل عن الصدقة في رواية ابن عباس وفي رواية أخرى عنه أنه سأل عن النذر وعدم المنافاة يتأتى في رواية سعد فقط وأما المنافاة بين حديث عائشة هنا وبين حديث ابن عباس فظاهره برواية النسائي والله أعلم قوله أفأتصدق عنها قال وفي الرواية التي مرت في الجنائز فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم قوله نعم يدل على أن الصدقة تنفع الميت وكذلك قوله إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية الحديث يدل على ذلك وحديث سعد بن عبادة لما أمره ومنها بالتصدق عن أمه قال أي الصدقة أفضل قال سقي الماء فهذه الأحاديث عن رسول الله دلت على أن تأويل قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( النجم 93 ) على الخصوص وقال ابن المنذر أما العتق عن الميت فلا أعلم فيه خبرا ثبت عن رسول الله وقد ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أعتقت عبدا عن أخيها عبد الرحمن وكان مات ولم يوص وأجاز ذلك الشافعي قال بعض أصحابه لما جاز أن يتطوع

(14/55)


بالنفقة وهي مال فكذا العتق وفرق غيره بينهما فقال إنما أجزناها للأخبار الثابتة والعتق لا خير فيه بل في قوله الولاء لمن أعتق دلالة على منعه لأن الحي هو المعتق بغير أمر الميت فله الولاء إذا ثبت له الولاء فليس للميت منه شيء وهذا ليس بصحيح لأنه قد روي في حديث سعد بن عبادة أنه قال للنبي إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها قال نعم فدل على أن العتق ينفع الميت ويشهد لذلك فعل عائشة الذي سبق
1672 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه استفتى رسول الله فقال إن أمي ماتت وعليها نذر فقال اقضه عنها
مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة وعبيد الله بن عبد الله العمري قوله عن ابن عباس ان سعد بن عبادةكذا هو في رواية مالك وتابعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما عن الزهري وقال سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة أنه استفتى فجعله من مسند سعد أخرجه النسائي قيل هذا أرجح لأن ابن عباس لم يدرك القصة كما ذكرا عن قريب ويكون ابن عباس قد أخذه عنه قلت يحتمل أن يكون أخذه عن غيره كما هو عادته في أحاديث كثيرة قوله وعليها نذر قد اختلفت الآثار في النذر الذي على أم سعد فقيل كان العتق وقد مر الآن وقيل كان الصيام فروى في ذلك عن ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم وقيل كان النذر بالصدقة والله أعلم
02 -
( باب الإشهاد في الوقف والصدقة )
أي هذا باب في بيان حكم شهادة الإشهاد في الوقف والصدقة
2672 - حدثنا ( إبراهيم بن موسى ) قال أخبرنا ( هشام بن يوسف ) أن ( ابن جريج أخبرهم ) قال أخبرني ( يعلى ) أنه سمع ( عكرمة ) مولى ( ابن عباس ) يقول ( أنبأنا ابن عباس ) أن ( سعد بن عبادة ) رضي الله تعالى ( عنهم ) أخا بني ساعدة توفيت أمه وهو غائب فأتى النبي فقال يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت به عنها قال نعم قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها
( انظر الحديث 6572 وطرفه )
مطابقته للترجمة التي هي قوله والصدقة ظاهرة صورة وكذلك يطابق قوله في الوقف معنى لأن الصدقة عليها تكون بطريق الوقف وقد تكلم الشراح فيه بالتعسف ما لا يفيد
والحديث مضى قبله بثلاثة أبواب ومضى الكلام فيه
قوله أخابني ساعدة أي واحدا منهم والغرض أنه أيضا أنصاري ساعدي
وفيه مطلوبية الإشهاد وإذا أمر بالإشهاد في البيع وهو خروج ملك من ملك بعوض فالوقف أولى بذلك لأن الخروج عنه بغير عوض وقال ابن بطال الإشهاد واجب في الوقف ولا يتم إلا به وقال المهلب إذا لم يبين الحدود في الوقف إنما يجوز إذا كانت الأرض معلومة يقع عليها ويتعين به كما كان بيرحاء وكالمخراف معينا عند من أشهده وعلى هذا الوجه تصح الترجمة وأما إذا لم يكن الوقف معينا وكانت له مخاريف وأموال كثيرة فلا يجوز الوقف إلا بالتحديد والتعيين ولا خلاف في هذا

(14/56)


12 -
( باب قول الله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانككوا ما طاب لكم من النساء ( النساء 2131 )
هذا الباب وثلاثة أبواب بعده مترجمة بآيات من القرآن أدخلها بين أبواب الوقف المذكورة في كتاب الوصايا وليس لذكرها فيها وجه كما ينبغي ولكن من حيث إن الأمر في الأوقاف والنظر فيها جعل إلى من يليها كما جعل أموال اليتامى إلى من يلي أمرهم وينظر فيهم فالنظر في الأوقاف كالنظر لليتامى في رعاية المصالح والمباشرة بالأمانات وإباحة تناول الجعالة للنظار بالمعروف كإباحتها للأوصياء بالمعروف وهذا مما فتح لي من القبض الإلهي زادنا الله بصيرة في الأمور الدينية والدنيوية قوله عز و جل وآتوا اليتامى ( النساء 21 - 31 ) أي أعطوا أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة قوله ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ( النساء 21 - 31 ) أي الحرام بالحلال ولا تجعلوا الزيف بدل الجيد والمهزول بدل السمين وقال سعيد بن جبير والزهري لا تعط مهزولا ولا تأخذ سمينا وقال السدي كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل فيها مكانها الشاة المهزولة يقول شاة بشاة ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم وقال سفيان الثوري عن أبي صالح لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال وقال سعيد بن جبير لا تبدل الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم قوله ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( النساء 21 - 31 ) قال سعيد بن جبير ومجاهد ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا وقيل إلى بمعنى مع والأجود أن يكون موضعها ويكون المعنى ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم قوله إنه كان حوبا كبيرا ( النساء 21 - 31 ) قال ابن عباس أي إثما كبيرا عظيما وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة والضحاك وآخرين وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى ابن عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوبا وقال ابن سيرين الحوب الإثم قوله وإن خفتم أن لا تقسطوا ( النساء 21 - 31 ) أي إن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى فحذف لفظ النكاح وقال ابن عباس كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فخافوا مثل ذلك في سائر النساء وانكحوا ما طاب لكم منهن وقيل معناه إذا كانت تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه وقيل كانت قريش في الجاهلية يكثرون التزويج بلا حصر فإذا كثرت عليهم المؤن وقل ما بأيديهم أكلوا ما عندهم من أموال اليتامى فقيل لهم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا إلى الأربع قوله ما طاب لكم أي من طاب لكم
3672 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال كان ( عروة بن الزبير ) يحدث أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء 21 - 31 ) قال هي لليتيمة في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن من النساء قالت عائشة ثم استفتى الناس رسول الله بعد فأنزل الله عز و جل ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ( النساء 721 ) قالت فبين الله في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها

(14/57)


هذا السند بعين هؤلاء الرجال قد مر غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث مضى في باب شركة اليتيم وأهل الميراث بأتم منه ومضى الكلام فيه
قوله بأدنى من سنة نسائها أي بأقل من مهر مثلها من قراباتها قوله ثم استفتى الناس رسول الله بعد أي بعد نزول قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء 31 ) وقال ابن أبي حاتم قرأت على محمد بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب اخبرني عروة بن الزبير قالت عائشة ثم إن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ( النساء 721 ) الآية قالت والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي هي قول الله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ( النساء 721 ) قوله بإكمال الصداق بيان للإلحاق بسنتها
22 -
( باب قول الله تعالى وابتلوا اليتاماى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفاى بالله حسيبا للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا حسيبا يعني كافيا ( النساء 6 - 7 )
في رواية الأصيلي وكريمة سبق من قوله وابتلوا اليتامى إلى قوله نصيبا مفروضا ( النساء 6 - 7 ) وفي رواية أبي ذر من قوله فإن آنستم منهم رشدا إلى آخرها أعني إلى قوله نصيبا مفروضا ( النساء 6 - 7 ) قوله وابتلوا اليتامى ( النساء 6 - 7 ) أي اختبروهم قاله ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان قوله حتى إذا بلغوا النكاح ( النساء 31 ) قال مجاهد يعني الحلم وقال الجمهور من العلماء البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد وقد روى أبو داود في ( سننه ) عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال حفظت من رسول الله لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل أو يستكمل خمس عشرة سنة وأخذوا ذلك من حديث عبد الله بن عمر عرضت على النبي يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قوله رشداأي صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد من الأئمة قوله ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ( النساء 6 - 7 ) يعني من غير حاجة ضرورية إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم والخطاب للأولياء والأوصياء فانتصاب إسرافا وبدارا على الحال أي مسرفين ومبادرين قوله أن يكبروا ( النساء 21 - 31 ) أي حذرا من أن يكبروا أي يبلغوا ويلزموكم بالتسليم إليهم قوله فليستعفف ( النساء 21 - 31 ) أي بماله عن مال اليتيم يقال استعفف وعف إذا امتنع ويقال معناه من كان في غنية عن مال اليتيم فليتعفف عنه وقال الشعبي هو عليه كالميتة والدم قوله ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( النساء 21 - 31 ) وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد ابن سعيد الأصبهاني حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية في والي اليتيم من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( النساء 21 - 31 ) بقدر قيامه عليه وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الوهاب حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل رسول الله فقال ليس لي مال ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ومن غير أن تقي مالك أو قال تفدي مالك وفي كيفية الأكل بالمعروف أن يأكل بأطراف أصابعه ولا يسرف ولا يلبس من ذلك قاله السدي وقال النخعي لا يلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما يستر العورة ويأكل ما يسد الجوعة وقيل هو أن يأكل من ثمر نخله ولبن مواشيه ولا قضاء عليه فأما الذهب والفضة فلا فإن أخذ منه شيئا فلا بد أن يرده عليه قاله الحسن وجماعة وقال القرطبي إن كان غنيا فأجره على الله وإن كان فقيرا فليأكل بالمعروف وينزل نفسه منزلة الأجير فيما لا بد له منه وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نزلت نفسي من مال الله تعالى بمنزلة

(14/58)


مال اليتيم فإن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وإذا إيسرت قضيت وقال الفقهاء له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته واختلفوا هل يرد إذا أيسر على قولين عند الشافعية أحدهما لا لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا وهذا هو الصحيح عندهم لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل وقال ابن وهب حدثني نافع بن أبي نعيم القاري قال سألت يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة عن قول الله تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( النساء 6 ) قالا ذلك في اليتيم إن كان فقيرا أنفق عليه بقدر فقره ولم يكن للولي منه شيء وذكر ابن الجوزي أن هذه الآية محكمة وقيل منسوخة بقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( البقرة 881 ) ولا يصح ذلك قلت القائل بأنها منسوخة زيد بن أسلم قوله فأشهدوا عليهم ( النساء 6 ) يعني بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد والإشهاد من باب الندب خوف الإنكار منهم وقيل إن الإشهاد من باب الندب خوف الإنكار منهم وقيل إن الإشهاد منسوخ بقوله وكفى بالله حسيبا ( النساء 6 ) أي شهيدا أو كافيا من الشهود وهذا قول أبي حنيفة إن القول قول الوصي في الدفع وقيل معناه عالما وقيل محاسبا وقيل مجازيا والباء في كفى بالله صلة و حسيبا منصوب على الحال وقيل على التمييز قوله للرجال نصيب ( النساء 7 ) قال سعيد بن جبير وقتادة كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا فأنزل الله للرجال نصيب ( النساء 7 ) وفي ( خلاصة البيان ) مات أوس بن ثابت الأنصاري وترك ثلاث بنات وامرأة فقام رجلان من بني عمه فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا فجاءت امرأته إلى النبي فذكرت له ذلك فنزلت هذه الآية وكانوا يورثون الرجال ممن طاعن بالرمح وحاز الغنيمة فأبطل الله ذلك فأرسل النبي إليهما وقال لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن الله جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل فيهن فأنزل الله تعالى يوصيكم الله ( النساء 11 ) الآية قال الذهبي أم كجة زوجة أوس بن ثابت فيها نزلت آية المواريث وقال أيضا قتل أوس يوم أحد رضي الله تعالى عنه قوله مما قل منه أو كثر ( النساء 6 ) أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى يستوون في أصل الوراثة إن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل واحد منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة أو زوجة أو ولاء فإنه لحمة كلحمة النسب قوله مفروضا أي مقدرا قوله حسيبا يعني كافيا كذا وقع في الأكثرين وسقط لفظ يعني في رواية أبي ذر
( باب وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته )
في بعض النسخ باب ما للوصي إلى آخره وفي رواية الأكثرين وما للوصي وفي رواية أبي ذر وللوصي أن يعمل إلى آخره بدون كلمة ما ورواية أبي ذر تدل على أن ما غير نافية لأن الوصي له البيع والشراء في مال اليتيم بمال يتغابن الناس في مثله ولا يجوز بما لا يتغابن الناس لأن الولاية نظرية ولا نظر فيه ولا يتجر في مال اليتيم لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة قوله بقدر عمالته بضم العين المهملة وتخفيف الميم وهي رزق العامل أي بقدر حق سعيه وأجر مثله
4672 - حدثنا ( هارون ) قال حدثنا ( أبو سعيد ) مولى ( بني هاشم ) قال حدثنا ( صخر بن جويرية ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله وكان يقال له ثمغ وكان نخلا فقال عمر يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولاكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته ذالك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القرباى ولا جناح علي من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به
قيل وجه مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن البخاري شبه الوصي بناظر الوقف ووجه الشبه أن النظر للموقوف عليهم من الفقراء وغيرهم كالنظر لليتامى ورد عليه بأن حديث ابن عمر هذا غير مطابق للترجمة لأن عمر

(14/59)


رضي الله تعالى عنه هو المالك لمنافع وقفه ولا كذلك الوصي على أولاده فإنهم إنما يملكون المال بقسمة الله عز و جل وتمليكه ولا حق لمالكه فيه بعد موته فلذلك كان المختار أن وصي اليتيم ليس له الأكل من ماله إلا أن يكون فقيرا فيأكل واختلف في قضائه إذا أيسر انتهى وقال الكرماني وجه مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المقصود جواز أخذ الأجر من مال اليتيم لقول عمر لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف انتهى قلت هذا أوجه من غيره والحديث قد مضى عن قريب في باب الشروط في الوقف وهنا ذكره بأتم من ذاك
وهارون هو ابن الأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة أبو عمر الهمداني بسكون الميم أصله من الكوفة ثم سكن بخارى ولم يخرج عنه البخاري في هذا الكتاب سوى هذا الموضع ووقع في رواية النسفي حدثنا هارون كذا بغير نسبة ووقع عند أبي ذر وغيره حدثنا هارون ابن الأشعث وزعم ابن عدي أنه هارون بن يحيى المكي الزبيري ولم يعرف من حاله بشيء قيل العمدة على رواية أبي ذر وغيره منسوبا وأبو سعيد هو عبد الرحمن بن عبد الله الحافظ مات سنة سبع وسبعين ومائة وصخر بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة ابن جويرية مصغر جارية بالجيم وهو من الأعلام المشتركة البصري
قوله ثمغ بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم وبالغين المعجمة وحكى المنذري فتح الميم وقال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر رضي الله تعالى عنه قوله فصدقته ذلك وفي رواية الكشميهني فصدقته تلك فوجه التأنيث ظاهر ووجه التذكير باعتبار المذكور قوله أو يوكل صديقه بضم الياء وكسر الكاف وصديقه منصوب به قوله غير متمول به حال والضمير في به يرجع إلى المال الذي تصدق به عمر ذكر المال وأراد به الأرض التي تسمى ثمغ
5672 - حدثنا ( عبيد بن إسماعيل ) قال حدثنا ( أبو أسامة ) عن ( هشام ) عن أبيه عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قالت أنزلت في والي اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان محتاجا بقدر ماله بالمعروف
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبيد مصغر عبد ابن إسماعيل واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي وهو من أفراد البخاري وأبو أسامة حماد بن أسامة وقد مر غير مرة يروي عن هشام بن عروة وهشام يروي عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
والحديث أخرجه مسلم أيضا في آخر الكتاب
قوله في والي اليتيم وفي رواية المستملي في والي مال اليتيم إلى آخره قوله بقدر ماله أي إذا كان وليا لليتامى يأخذ من كل واحد منهم بالقسط وقال الكرماني ويروى ماله بفتح اللام أي بقدر الذي له من العمالة قوله بالمعروف بيان له
32 -
( باب قول الله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ( النساء 01 ) )
أي هذا باب في بيان حال أكلة أموال اليتامى في قوله تعالى إن الذين يأكلون ( النساء 01 ) الآية وهذا تهديد في أكل أموال اليتامى ظلما والمعنى الذين يأكلون أموال اليتامى من حيث الظلم إنما يأكلون في بطونهم نارا تتأجج فيها يوم القيامة وتملأ بها بطونها عيانا قال الداودي وهذه الآية أشد ما في القرآن على المؤمنين لأنها خبرا لا أن يريد مستحلين بها قوله وسيصلون سعيرا ( النساء 01 ) مأخوذ من الصلا والصلا والاصطلاء بالنار وذلك التسخن بها ثم استعمل في كل من باشر شدة أمر من الأمور من حرب أو قتال أو غير ذلك وقراءة عامة أهل المدينة والعراق سيصلون على بناء المعلوم وقرأ بعض الكوفيين وبعض المكيين على بناء المجهول يعني يحرقون من قولهم شاة مصلية يعني مشوية والسعير شدة حر جهنم وتقدير الكلام وسيصلون نارا مسعورة أي موقدة مشعلة شديدا حرها وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدة أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز ابن عبد الصمد العمي حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة أسرى بك قال

(14/60)


انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير رجال كل رجل له مشفران كمشفر البعير وهو موكل بهم رجال يفكون لحي أحدهم ثم يجاء بصخرة من نار فيقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسفله وله جؤار وصراخ قلت يا جبرائيل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ( النساء 01 ) الآية وقال السدي يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه يعرفه من رأه يأكل مال اليتيم وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال هذه لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ويأكلون أموالهم
6672 - حدثنا ( عبد العزيز بن عبد الله ) قال حدثني ( سليمان بن بلال ) عن ( ثور بن زيد المدني ) عن ( أبي الغيث ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي قال اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات
مطابقته للترجمة في قوله وأكل مال اليتيم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأوسي الثاني سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي الثالث ثور بلفظ الحيوان المشهور ابن زيد الديلي الرابع أبو الغيث مرادف المطر واسمه سالم مولى أبي مطيع القرشي الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رجاله كلهم مدنيون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الطب وفي المحاربين عن عبد العزيز المذكور وأخرجه مسلم في الإيمان عن هارون ابن سعيد الأيلي وأخرجه أبو داود في الوصايا عن أحمد بن سعيد الهمداني وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن الربيع بن سليمان
ذكر معناه قوله اجتنبوا أي ابتعدوا من الإجتناب من باب الافتعال من الجنب وهو أبلغ من أبعدوا واحذروا ونحو ذلك قوله تعالى ولا تقربوا الزنا ( الإسراء 23 ) لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة قوله الموبقات أي المهلكات وهو جمع موبقة من أوبق وثلاثيه وبق يبق وبوقا إذا هلك من باب ضرب يضرب وجاء أيضا وبق يوبق وبقا من باب علم يعلم وجاء من باب فعل يفعل بالكسر فيهما قوله الشرك بالله أي أحدها الشرك بالله الشرك جعل أحد شريكا لآخر والمراد هنا اتخاذ إله غير الله قوله والسحر أي الثاني السحر وهو في اللغة صرف الشيء عن وجهه وقال الجوهري السحر الأخذة وكل ما لطف مأخذه ورق فهو سحر وقد سحره سحرا والساحر العالم وسحره أيضا بمعنى خدعة وذكر أبو عبد الله الرازي أنواع السحر ثمانية الأول سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة وكانوا يعتقدون أنها مدبرة للعالم وأنها تأتي بالخير والشر وهم الذين بعث الله إبراهيم الخليل مبطلا لمقالتهم وردا لمذاهبهم الثاني سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية الثالث الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن خلافا للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين مؤمنون وكفار وهم الشياطين وهذا النوع يحصل بأعمال من الرقي والدخن وهذا النوع المسمى بالعزائم وعمل تسخير الرابع التخيلات والأخذ بالعيون والشعبذة وقد قال بعض المفسرين إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة الخامس الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة السادس الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات السابع تعلق القلب وهو أن يدعى الساحر أنه عرف الإسم الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور الثامن من السحر السعي بالنميمة بالتصريف من وجوه خفية لطيفة وذلك شائع في الناس وإنما أدخل كثير من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه ولهذا جاء في الحديث إن من البيان لسحرا وسمي السحور لكونه يقع خفيا آخر الليل والسحر الرية وهي محل الغداء وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء

(14/61)


البدن وغصونه قوله وقتل النفسأي الثالث من السبع الموبقات قتل النفس قوله وأكل الربا أي الرابع أكل الربا وهو فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال كما عرف في الفقه قوله وأكل مال اليتيم أي الخامس أكل مال اليتيم وهو المنفرد في اللغة وهو من مات أبوه وهو ما دون البلوغ وفي البهائم ما ماتت أمه قوله والتولي يوم الزحف أي السادس الفرار عن القتال يوم ازدحام الطائفتين ويقال التولي الإعراض عن الحرب والفرار من الكفار إذا كان بإزاء كل مسلم كافران وإن كان بإزاء كل مسلم أكثر من كافرين يجوز الفرار والزحف الجماعة الذين يزحفون إلى العدو أي يمسون إليهم بمشقة من زحف الصبي إذا دب على أسته قوله وقذف المحصنات أي السابع قذف المحصنات القذف الرمي البعيد استعير للشتم والعيب والبهتان كما استعير للرمي والمحصنات جمع محصنة بفتح الصاد اسم مفعول أي التي أحصنها الله تعالى وحفظها من الزنا وبكسرها اسم فاعل أي التي حفظت فرجها من الزنا قوله المؤمنات احترز به عن قذف الكافرات فإن قذفهن ليس من الكبائر وإن كانت ذمية فقذفها من الصغائر لا يوجب الحد وفي قذفه الأمة المسلمة التعزير دون الحد قوله الغافلات كناية عن البريئات لأن البرىء غافل عما بهت به من الزنا
ذكر ما يستفاد منه فيه ذكر السبع ولا ينافي أن لا تكون كبيرة إلا هذه فقد ذكر في غير هذا الموضع قول الزور وزنا الرجل بحليلة جاره وعقوق الوالدين واليمين الغموس واستحلال بيت الله ومسك امرأة محصنة لمن يزني بها ومسك مسلم لمن يقتله ودل الكفار على عورات المسلمين مع علمه أنهم يستأصلون بدلالته ويسبون ويغنمون والحكم بغير حق والإصرار على الصغيرة وقال الشافعي وأكبرها بعد الإشراك القتل وادعى بعضهم أن الكبائر سبع كأنه أخذ ذلك من هذا الحديث وقال بعضهم إحدى عشرة وقال ابن عباس إلى السبعين أقرب وروى عنه أن سبعمائة والتحقيق هنا أن التنصيص على عدد لا ينافي أكثر من ذلك وأما تعيين السبع هنا فلاحتمال أن يكون أعلم الشارع بها في ذلك الوقت ثم أوحى إليه بعد ذلك غيرها أو يكون السبع هي التي دعت إليها الحاجة في ذلك الوقت ثم أوحى إليه بعد ذلك غيرها أو يكون السبع هي التي دعت إليها الحاجة في ذلك الوقت وكذلك القول في كل حديث خص عددا من الكبائر وفيه أن الموبقات التي هي الكبائر لا بد في مقابلتها الصغائر فلا بد من الفرق بينهما فقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام إذا أردت معرفة الفرق بين الصغيرة والكبيرة فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإذا نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليه فهي من الكبائر فمن شتم الرب عز و جل أو رسوله أو استهان بالرسل أو كذب واحدا منهم أو ضمح الكعبة المشرفة بالعذرة أو ألقى المصحف في القاذورات فهي من أكبر الكبائر ولم يصرح الشرع بذكرها وقال بعضهم كل ذنب قرن به وبه لأعيد أو حد أو لعن فهو كبيرة وروي هذا عن الحسن أيضا وقيل الكبيرة ما يشعر بتهاون مرتكبها في دينه وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الكبائر جميع ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قولهإن تجتنبوا كباشر ما تنهون عنه ( النساء ) وعن ابن عباس كل ما نهى الله عنه فهي كبيرة وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني وغيره وعن عياض هذا مذهب المحققين لأن كل مخالفة فهي بالنسبة إلى جلال الله تعالى كبيرة قال القرطبي وما أظنه صحيحا عنه أي عن ابن عباس يعني عدم التفرقة بين الصغيرة والكبيرة فإنه قد فرق بينهما في قوله أن تجتنبوا كبائر ( النساء 13 ) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ( النجم 23 ) فجعل من المنهيات كبائر وصغائر وفرق بينهما في الحكم لما جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش فكيف يخفي مثل هذا الفرق على حبر القرآن فالرواية عنه لا تصح أو هي ضعيفة والمشهور انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر وادعى بعضهم أنها كلها كبائر وفيه السحر والكلام فيه على أنواع
الأول إن السحر له حقيقة وذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة في كتابه ( الأشراف على مذاهب الأشراف ) أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال لا حقيقة له وقال القرطبي وعندنا أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله تعالى عنده ما شاء خلافا للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث قالوا إنه تمويه وتخيل قال ومن السحر

(14/62)


ما يكون بخفة اليد كالشعوذة والشعوذي البريد لخفة سيره وقال ابن فارس وليست هذه الكلمة من كلام أهل البادية قال القرطبي ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى وقد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك وقال الرازي في ( تفسيره ) عن المعتزلة إنهم أنكروا وجود السحر قال وربما كفروا من اعتقد وجوده قال وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء وأن يقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا إلا أنهم قالوا إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا خلافا للفلاسفة والمنجمين والصابئة ثم استدل على وقوع السحر وأنه بخلق الله بقوله تعالى وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ( البقرة 201 ) ومن الأخبار أن رسول الله سحر وأن السحر عمل فيه
النوع الثاني هل يجوز تعلم السحر أم لا فقال الرازي إن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور اتفق المحققون على ذلك فإن العلم لذاته شريف ولأنه لو لم يعلم ما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة والعلم بكون المعجز معجزا واجب وما يتوقف عليه الواجب فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا كيف يكون حراما وقبيحا هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة وفيه نظر من وجوه الأول قوله العلم بالسحر ليس بقبيح إن عنى به ليس بقبيح عقلا فمخالفوه من المعتزلة يمنعون ذلك وإن عنى ليس بقبيح شرعا ففي قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين ( البقرة 201 ) الآية تبشيع لتعلم السحر وفي ( الصحيح ) من أتى عرافا أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد وفي السنن من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر الثاني قوله ولا محظورا اتفق المحققون على ذلك وكيف لا يكون محظورا مع ما ذكرنا من الآية والحديث والمحققون هم علماء الشريعة وأين نصوصهم على ذلك الثالث قوله ولأنه لو لم يعلم إلى آخره كلام فاسد لأن أعظم معجزات رسولنا القران العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ( فصلت 24 ) الرابع قوله والعلم بكونه معجزا وهذا العلم لا يتوقف على علم السحر أصلا ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون المعجز ويفرقون بينه وبين غيره ولم يكونوا يعلمون السحر ولا تعلموه ولا علموه والذي نص عليه العلماء والفقهاء أن تعلم السحر وتعليمه من الكبائر وفي ( التلويح ) وقال بعض أصحاب الشافعي تعلمه ليس بحرام بل يجوز ليعرف ويرد على فاعله ويميز عن الكرامة للأولياء قلت الظاهر أن مراده من بعض أصحاب الشافعي الرازي وقد ردينا عليه ومنهم الغزالي
النوع الثالث اختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك وعن بعض الحنفية إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر ومن تعلمه معتقدا جوازه أو أن ينفعه كفر وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وقال الشافعي إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر
النوع الرابع في قتل الساحر قال ابن هبيرة هل يقتل بمجرد فعله واستعماله فقال مالك وأحمد نعم وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يقتل حتى يتكرر منه الفعل أو يقر بذلك في شخص معين فإذا قتل فإنه يقتل حدا عندهم إلا الشافعي فإنه قال والحالة هذه قصاصا وأما ساحر أهل الكتاب فإنه يقتل عند أبي حنيفة كما يقتل الساحر المسلم وقال الشافعي ومالك وأحمد لا يقتل لقصة لبيد بن أعصم واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس وقالت الثلاثة حكمها حكم الرجل وقال أبو بكر الخلال أخبرنا أبو بكر المروزي قال قرىء على أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل حدثنا عمر بن هارون حدثنا يونس عن الزهري قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لأن رسول الله سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر أحدهما يستتاب فإن أسلم وإلاقتل والثانية أنه يقتل وإن أسلم
النوع الخامس هل تقبل توبة الساحر فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهما لا تقبل وقال الشافعي وأحمد

(14/63)


في الرواية الأخرى تقبل وعن مالك إذا ظهر عليه لم تقبل توبته كالزنديق فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاء تائبا قبلناه ولم نقتله فإن قتل بسحره قتل وقال الشافعي فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطىء تجب عليه الدية
النوع السادس هل يسأل الساحر حل سحره فأجازه سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري وقال عامر الشعبي لا بأس بالنشرة وكره ذلك الحسن البصري وفي ( الصحيح ) عن عائشة قالت يا رسول الله هلا تنشرت فقال الله فقد شفاني وخشيت أن أفتح على الناس شرا وحكى القرطبي عن وهب قال يؤخذ سبع ورقات من سدر فتدق بين حجرين ثم يضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات ثم يغتسل بباقيه فإنه يذهب ما به وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته قلت النشرة بضم النون ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مساس الجن سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يكشف ويزال
وفيه التولي يوم الزحف وهو حجة على الحسن البصري في قوله كان الفرار كبيرة يوم بدر لقوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ( الأنفال 61 ) وفيه قذف المحصنات وقد ورد الإحصان في الشرع على خمسة أقسام الإسلام والعفة والتزويج والحرية والنكاح وقال أصحابنا إحصان المقذوف بكونه مكلفا أي عاقلا بالغا حرا مسلما عفيفا عن زنا فهذه خمس شرائط يدخل تحت قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ( النور 4 ) فإذا فقد واحد منها لا يكون محصنا
42 -
( باب قول الله تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم ( البقرة 022 ) )
أي هذا باب في ذكر قول الله تعالى ويسألونك ( البقرة 022 ) وقال ابن جرير حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا جرير عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ( النساء 01 ) الآية انطلق من كان عنده يتيم يعزل طعامة من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله فأنزل الله ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ( البقرة 022 ) فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في ( مستدركه ) من طرق عن عطاء بن السائب به وكذا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وكذا رواه السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود بمثله وكذا رواه غير واحد في سبب نزول هذه الآية كمجاهد وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى وقتادة وغير واحد من السلف والخلف قوله قل إصلاح لهم خير ( البقرة 022 ) أي على حدة وإن تخالطوهم فإخوانكم ( البقرة 022 ) أي وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم فلا بأس عليكم لأنهم إخوانكم في الدين ولهذا قال والله يعلم المفسد من المصلح ( البقرة 022 ) أي يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح ويقال وإن تخالطوهم أي في الطعام والشراب والسكنى واستخدام العبيد فإخوانكم وقالوا لرسول الله بقيت الغنم لا راعي لها والطعام ليس له صانع فنزلت ونسخ ذلك قوله ولو شاء الله لأعنتكم ( البقرة 022 ) أي لو شاء لضيق عليكم وأحرجكم ولكنه وسع عليكم وخفف عنكم وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن وفي ( تفسير النسفي ) وعلى هذا اجتماع الرفقة في السفر على خلط المال ثم اتخاذ الأطعمة به وتناول الكل منها مع وهم التفاوت فرخص لهم استدلالا بهذه الآية
لأعنتكم لأحرجكم وضيق عليكم وعنت خضعت
هذا تفسير ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه وزاد بعد قوله ضيق عليكم ولكنه وسع ويسر قوله لأعنتكم من الإعنات واشتقاقه من العنت بفتح العين المهملة والنون وفي آخره تاء مثناة من فوق والهمزة فيه للتعدية أي لأوقعكم في العنت وهو المشقة ويجيء بمعنى الفساد والهلاك والإثم والغلط والخطأ والزنا كل ذلك قد جاء ويستعمل كل واحد بحسب ما يقتضيه الكلام قوله وعنت خضعت ليس له دخل هنا لأن التاء فيه للتأنيث ومذكره

(14/64)


عنا إذا خضع وكل من ذل وخضع واستكان فقد عنا يعنو وهو عان والمرأة عانية وجمعها عوان وكأنه ظن أن التاء في عنت أصلية فلذلك ذكره هنا عقيب قوله لأعنتكم وليس كذلك لأن التاء في لأعنتكم أصلية وقيل لعله ذكره استطرادا ولا يخلو عن تعسف
7672 - وقال لنا ( سليمان ) حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) قال ما رد ابن عمر علي على أحد وصية
سليمان هو ابن حرب أبو أيوب الواشجي قاضي مكة وهو من شيوخ البخاري قال الكرماني وإنما قال بلفظ قال لأنه لم يذكره على سبيل النقل والتحميل وقال بعضهم هو موصول وجرت عادته الإتيان بهذه الصيغة في الموقوفات غالبا وفي المتابعات نادرا ولم يصب من قال إنه لا يأتي بها إلا في المذاكرة وأبعد من قال إنها للإجازة انتهى قلت كيف يقول هو موصول وليس فيه لفظ من الألفاظ التي تدل على الاتصال نحو التحديث والإخبار والسماع والعنعنة والذي قاله الكرماني هو الأظهر قوله ما رد ابن عمر على أحد وصية يعني أنه كان يقبل وصية من يوصي إليه وقال ابن التين كأنه كان يبتغي الأجر بذلك لحديث أنا وكافل اليتيم كهاتين الحديث
وكان ابن سيرين أحب الأشياء إليه في مال اليتيم أن يجتمع إليه نصحاؤه وأولياؤه فينظروا الذي هو خير له
ابن سيرين هو محمد قوله أحب الأشياء بالرفع على أنه مبتدأ وخبره هو قوله أن يجتمع و كان بمعنى وجد قوله أن يجتمع إليه ويروى أن يخرج إليه قوله نصحاؤه بضم النون جمع نصيح بمعنى ناصح قوله فينظروا ويروى فينظرون على الأصل
وكان طاووس إذا سئل عن شيء من أمر اليتامى قرأ والله يعلم المفسد من المصلح ( البقرة 022 )
طاووس بن كيسان اليماني وهذا وصله سفيان بن عيينة في ( تفسيره ) عن هشام بن حجير بحاء مهملة ثم جيم مصغر عن طاووس أنه كان إذا سئل عن مال اليتيم يقرأ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لم خير والله يعلم المفسد من المصلح ( البقرة 022 )
وقال عطاء في يتامى الصغير والكبير ينفق الولي على كل إنسان بقدره من حصته
عطاء هو ابن أبي رباح وهذا وصله ابن أبي شيبة من رواية عبد الملك بن سليمان عنه أنه سئل عن الرجل يلي أموال أيتام وفيهم الصغير والكبير وما لهم جميع لم يقسم قال ينفق على كل إنسان منهم من ماله على قدره وهذا يفسر ما ذكره من قول عطاء قوله في يتامى وفي بعض النسخ في اليتامى قوله الصغير والكبير أي الوضيع والشريف منهم قوله بقدره أي بقدر الإنسان أي اللائق حاله ويروى بقدر حصته
52 -
( باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له ونظر الأم أو زوجها لليتيم )
أي هذا باب في بيان حكم استخدام اليتيم قوله إذا كان صلاحا له أي إذا كان خيرا ونفعا لليتيم في السفر قيل هذا قيد للسفر لأن السفر مشقة وقطعة من العذاب وربما يتضرر اليتيم فيه والظاهر أن هذا قيد للحضر والسفر جميعا لأن اليتيم محل الرحمة وفي خدمة الناس ما لا يصلح للكبير فضلا عن اليتيم قوله ونظر الأم بالجر عطفا على قوله استخدام اليتيم وقال ابن التين أكثر أصحاب مالك على أن الأم وغيرها لهم التصرف في مصالح من هم في كفالتهم ويعقدون له وعليه وإن لم يكونوا أوصياء ويكون حكمهم حكم الأوصياء وقيل حتى يكون بينه وبين الطفل قرابة وقال ابن القاسم لا يفعل ذلك إلا إن يكون وصيا ووافقهم ابن القاسم في اللقيط قوله أو زوجها أي أو نظر زوج الأم يعني له النظر في ربيبه إذا كان عنده

(14/65)


8672 - حدثنا ( يعقوب بن إبراهيم بن كثير ) قال حدثنا ( ابن علية ) قال حدثنا ( عبد العزيز ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال قدم رسول الله المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا
مطابقته لجميع أجزاء الترجمة ظاهرة أما الجزء الأول وهو قوله في السفر والحضر ففي قوله فخدمته في السفر والحضر وأما الجزء الثاني وهو قوله ونظر الأم فلا شك أن أبا طلحة ما ودى أنسا إلى النبي إلا بمشاورة أمه وأما الجزء الثالث وهو قوله أو زوجها ففي قوله فأخذ أبو طلحة بيدي إلى آخره ويعقوب بن إبراهيم بن كثير ضد القليل الدورقي مر في الإيمان وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم وأمه علية مولاة لبني أسد وقد تكرر ذكره وعبد العزيز هو ابن صهيب أبو حمزة وقال بعضهم والإسناد كله بصريون قلت شهرة شيخه بالدورقي وهو شيخ الجماعة
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن عمرو بن زرارة وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن أحمد بن حنبل وزهير بن حرب
قوله أبو طلحة هو زوج أم سليم والدة أنس واسمه زيد بن سهل الأنصاري قوله غلام قال أنس فخدمته وأنا ابن عشرة وتوفي وأنا ابن عشرين ومات أنس سنة ثلاث وتسعين أو اثنتين وقد زاد على المائة وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة وكان في كبره ضعف عن الصوم وكان يفطر ويطعم قوله كيس بفتح الكاف وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة وفي آخره سين مهملة وهو ضد الأحمق وقال ابن الأثير الكيس العاقل وقد كاس يكيس كيسا والكيس العقل
وفيه السفر باليتيم إذا كان ذلك من الصلاح وفيه الثناء على المرء بحضرته إذا أمن عليه الفتنة وفيه جواز استخدام الحر الصغير الذي لا يجوز أمره وفيه أن خدمة الإمام والعالم واجبة على المسلمين وأن ذلك شرف لمن خدمهم لما يرجى من بركة ذلك
62 -
( باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز وكذلك الصدقة )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وقف شخص أرضا والحال أنه لم يبين حدود تلك الأرض فهو جائز وهذا غير مطلق بل المراد منه أن الأرض إذا كانت مشهورة لا يحتاج إلى ذكر حدودها وإلا فلا بد من التحديد لئلا يلتبس بحدود الغير فيحصل الضرر قوله وكذلك الصدقة أي وكذلك الوقف بلفظ الصدقة بأن جعل أرضها صدقة لله تعالى وتعظم كما جعل أبو طلحة حائطه صدقة لله تعالى ولم يذكر شيئا غير ذلك
9672 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب ماله إليه بيرحاء مستقبلة المسجد وكان النبي يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة فقال يا رسول الله أن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله فقال بخ ذلك مال رابح أو رايح شك ابن مسلمة وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل ذلك يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه

(14/66)


مطابقته للترجمة في قوله وكذلك الصدقة ظاهرة ومطابقته للجزء الأول من الترجمة من حيث إن لفظ الوقف ولفظ الصدقة في المعنى متقاربان حكمهما واحد
والحديث مضى في كتاب الزكاة في باب الزكاة على الأقارب ومضى الكلام فيه قوله أكثر أنصاري رواية الكشميهني وقال الكرماني إذا أريد التفضيل أضيف إلى المفرد النكرة أي أكثر كل واحد واحد من الأنصار وفي رواية غيره أكثر الأنصار قوله مالا نصب على التمييز وكلمة من في قوله من نخل للبيان وتقدم الكلام في تفسير بيرحاء بوجوه قوله وكان النبي يدخلها وزاد في رواية عبد العزيز ويستظل فيها قوله شك ابن مسلمة هو القعنبي شيخ البخاري وراوي الحديث عن مالك والشك فيه بين الباء الموحدة والياء آخر الحروف قوله أفعل على صيغة المتكلم من المضارع والضمير فيه يرجع إلى أبي طلحة قوله في أقاربه وهم أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخوه وابن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم وقد مر فيما مضى
وقال إسماعيل وعبد الله بن يوسف ويحيى بن يحيى عن مالك رايح
هؤلاء الرواة عن مالك وإسماعيل هو ابن أبي أويس وعبد الله بن يوسف التينسي أصله من دمشق ويحيى بن يحيى بن بكير أبو زكرياء التميمي الحنظلي روى عنه البخاري في عمرة الحديبية يعني روى هؤلاء الحديث المذكور بالإسناد المذكور عن مالك بلفظ رايح بالياء آخر الحروف
0772 - حدثنا ( محمد بن عبد الرحيم ) قال أخبرنا ( روح بن عبادة ) قال ( زكرياء بن إسحاق ) قال حدثني ( عمرو بن دينار ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أن رجلا قال لرسول الله إن أمه توفيت أينفعها إن تصدقت عنها قال نعم قال فإن لي مخرافا وأشهدك أني قد تصدقت عنها
( انظر الحديث 6572 وطرفه )
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى الذي يقال له صاعقة وهو من مشايخ البخاري وأفراده وروح بفتح الراء وعبادة بضم العين والحديث قد مر في باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة وفي باب الإشهاد في الوقف
72 -
( باب إذا أوقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وقف جماعة أرضا مشتركة مشاعا فهو جائز قيل احترز بقوله جماعة عما إذا وقف واحد مشاعا فإن مالكا لا يجيزه لئلا يدخل الضرر على شريكه ورد عليه بأنه أراد أن وقف المشاع جائز مطلقا وقد سبق بيان الخلاف فيه في باب إذا تصدق أو وقف بعض ماله فهو جائز
1772 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( أبي التياح ) عن ( أنس ) رضي الله تعالى عنه قال أمر النبي ببناء المسجد فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله
مطابقته للترجمة من حيث إن ظاهره أنهم تصدقوا بحائطهم لله عز و جل فقبلها النبي منهم وهذا وقف المشاع من جماعة فإن قلت ذكر الواقدي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دفع ثمن الأرض لمالكها منهم وقدره عشرة دنانير فصار ملكا لأبي بكر وتصدق به أبو بكر فلا يكون وقف مشاع قلت قال بعضهم فإن ثبت ذلك كانت الحجة للترجمة من جهة تقرير النبي على ذلك ولم ينكر قولهم ذلك فلو كان وقف المشاع لا يجوز لأنكر عليهم وفيه نظر لأن معنى قوله ثامنوني بحائطكم قرروا ثمنه معي وبيعونيه بالثمن فهذا يكون بيعا عند دفع الثمن وقد دفعه أبو بكر فصار بينه وبينهم

(14/67)


بيع الثمن الذي دفعه إليهم ثم إن الظاهر أن أبا بكر هو الذي تصدق به إلى الله تعالى وليس فيه صورة وقف مشاع وعبد الوارث هو ابن سعيد وأبو التياح بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد الضبيعي ورجال الحديث كلهم بصريون وقد مضى بهذا الإسناد مطولا في أوائل كتاب الصلاة في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية قوله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله أي لا نطلب ثمنه من أحد لكنه مصروف إلى الله فالاستثناء منقطع أو معناه لا نطلب ثمنه مصروفا إلا إلى الله فالاستثناء متصل
82 -
( باب الوقف كيف يكتب )
أي هذا باب يذكر فيه الوقف كيف يكتب فعلى هذا التقدير الوقف مرفوع بالابتداء مقطوع عما قبله وخبره قوله كيف يكتب ويجوز بإضافة لفظ الباب إليه فحينئذ يكون لفظ الوقف مجرورا بالإضافة
2772 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يزيد بن زريع ) قال حدثنا ( ابن عون ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال أصاب عمر بخيبر أرضا فأتى النبي فقال أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله إن شئت حبست أصلها إلى آخر الحديث ويؤخذ من هذه الألفاظ شروط وهي تكتب كلها في كتاب الوقف وقد كتب عمر رضي الله تعالى عنه كتاب وقفه كتبه معيقيب وكان كاتبه وشهد عبد الله بن الأرقم وكان هذا في زمن خلافته لأن معيقيبا كان يكتب له في خلافته وقد وصفه بأمير المؤمنين وكان وقفه في أيام النبي على ما يشهد له حديث الباب وقد روى أبو داود حدثنا سليمان بن داود المهري قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب عبد الله بن عمر في ثمغ فقص من خبره نحو حديث نافع قال غير متأثل مالا فما عفى عنه من ثمره فهو للسائل والمحروم وساق القصة قال فإن شاء ولي ثمغ اشتري من ثمره رقيقا يعمله وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم
وابن عون في السند هو عبد الله ابن عون وقد تقدم في آخر الشروط عن ابن عون أنبأني نافع والإنباء بمعنى الإخبار عند المتقدمين جزما ووقع عند الطحاوي من وجه آخر عن ابن عون أخبرني نافع قوله عن ابن عمر قال أصاب عمر كذا لأكثر الرواة عن نافع ثم عن ابن عون جعلوه من مسند ابن عمر لكن أخرجه مسلم والنسائي من رواية سفيان الثوري والنسائي من رواية أبي إسحاق الفزاري كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن عمر جعلوه من مسند عمر رضي الله تعالى عنه والمشهور الأول
والحديث مضى في باب الشروط في الوقف في آخر كتاب الشروط ومضى أيضا في باب قول الله تعالى وابتلوا اليتامى ( النساء 6 ) ومضى قطعة منه في باب إذا وقف شيئا فلم يدفعه إلى غيره ومضى الكلام فيه مستوفى
قوله أصاب عمر بخيبر أرضا هي التي تدعى ثمغ وقد مر بيانه قوله وتصدق بها عمرأي تصدق بغلتها وفي رواية الدارقطني بعد قوله ولا يورث من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع حبيس ما دامت السموات والأرض وهذا يدل على أن التأبيد شرط قوله أو يطعم وقد مر في الرواية الماضية أن يوكل بضم الياء
ومما يستفاد منه ما رواه الطحاوي من طريق مالك عن ابن شهاب قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لولا أني ذكرت صدقني لرسول الله لرددتها واستدل به لأبي حنيفة وزفر في أن إيقاف الأرض لا يمنع من الرجوع فيها وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره وقال بعضهم لا حجة فيما ذكره من وجهين أحدهما أنه منقطع لأن ابن شهاب لم يدرك عمر رضي

(14/68)


الله تعالى عنه ثانيهما أنه يحتمل أن يكون عمر كان يرى بصحة الوقف ولزومه إلا أن شرط الواقف الرجوع فله أن يرجع انتهى قلت الجواب عن الأول أن المنقطع في مثل رواية الزهري لا يضر لأن الانقطاع إنما يمنع لنقصان في الراوي بفوات شرط من شرائطه المذكورة في موضعها والزهري إمام جليل القدر لا يتهم في روايته وقد روى عنه مثل الإمام مالك في هذه ولولا اعتماده عليه لما رواه عنه وعن الثاني بأن الاحتمال الناشيء عن غير دليل لا يعمل به ولا يلتفت إليه
92 -
( باب الوقف للغني والفقير والضيف )
أي هذا باب في بيان جواز الوقف للغني والغقير والضيف
3772 - حدثنا ( أبو عاصم ) قال حدثنا ( ابن عون ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) أن ( عمر ) رضي الله تعالى عنه وجد مالا بخيبر فأتى النبي فأخبره قال إن شئت تصدقت بها فتصدق بها في الفقراء والمساكين وذي القربى والضيف
مطابقته للترجمة ظاهرة ففي قوله للفقراء والمساكين صريح وكذا في قوله والضيف وأما المطابقة في الغني فتؤخذ من قوله وذوي القربى لأنهم أعم من أن يكونوا أغنياء أو فقراء أو بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء والحديث مضى عن قريب وأبو عاصم الضحاك بن مخلد المعروف بالنبيل
03 -
( باب وقف الأرض للمسجد )
أي هذا باب في بيان جواز وقف الأرض لأجل أن يبنى عليه مسجد
4772 - حدثنا ( إسحاق ) قال حدثنا ( عبد الصمد ) قال سمعت أبي قال حدثنا ( أبو التياح ) قال حدثني ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه لما قدم رسول الله المدينة أمر بالمسجد وقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث قد مر عن قريب وإسحاق هكذا وقع غير منسوب في رواية الأكثرين إلا في رواية الأصيلي وقع منسوبا فقال حدثنا إسحاق بن منصور وقال الكرماني قال الكلاباذي إسحاق إما الحنظلي وإما الكوسج قلت الحنظلي هو إسحاق بن راهويه والكوسج هو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وقد مر غير مرة
قوله أمر بالمسجد ويروى أمر ببناء المسجد قيل هو رواية الكشميهني
13 -
( باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت )
أي هذا باب في بيان وقف الدواب إلى آخره وأشار بهذه الترجمة إلى جواز وقف المنقولات والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء اسم للخيل وعطفه على الدواب من عطف الخاص على العام والعروض بضم العين جمع عرض بسكون الراء وهو المتاع لا نقد فيه والصامت ضد الناطق وأريد به النقد من المال
قال الزهري فيمن جعل ألف دينار في سبيل الله ودفعها إلى غلام له تاجر يتجر بها وجعل ربحه صدقة للمساكين والأقربين هل للرجل أن يأكل من ربح ذلك الألف شيئا وإن لم يكن جعل ربحها صدقة في المساكين قال ليس له أن يأكل منها
مطابقة هذا في الترجمة لقوله والصامت وهذا التعليق عن الزهري أخرجه ابن وهب في ( موطئه )

(14/69)


عن يونس عن الزهري قوله ذلك الألف ويروى تلك الألف وجه التأنيث ظاهر ووجه التذكير باعتبار اللفظ قوله وإن لم يكن شرط على سبيل المبالغة أي هل له أن يأكل وإن لم يجعل ربحها صدقة فقال الزهري ليس له وإن لم يجعل ويقال إنما لا يأكل منها إذا كان في غنى عنها وإما إن احتاج وافتقر فمباح له الأكل منها ويكون كأحد المساكين وقال ابن حبيب وهذا مذهب مالك وجميع أصحابنا يقولون إنه ينفق على ولد الرجل وولد ولده من حبسه إذا احتاجوا وإن لم يكن لهم في ذلك أسماء فإذا استغنوا فلا حق لهم واستحسن مالك أن لا يوعبوها إذا احتاجوا وأن يكون سهم منها جاريا على الفقراء لئلا يدرس قاله ربيعة ويحيى بن سعيد
5772 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( عبيد الله ) قال حدثني ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر حمل على فرس له في سبيل الله أعطاها رسول الله ليحمل عليها رجلا فأخبر عمر أنه قد وقفها يبيعها فسأل رسول الله أن يبتاعها فقال لا تبتعها ولا ترجعن في صدقتك
مطابقته للترجمة في قوله حمل على فرس له في سبيل الله ويحيى هو ابن سعيد القطان وعبيد الله هو ابن عمر العمري وقد مر الحديث في كتاب الهبة في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته قوله فأخبر عمر على صيغة المجهول قوله أن يبتاعها أي يشتريها قوله ولا ترجعن بنون التأكيد الثقيلة
23 -
( باب نفقة القيم للوقف )
أي هذا باب في بيان نفقة القيم أي العامل على الوقف ويدخل فيه الأجير والناظر والوكيل
6772 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة
مطابقته للترجمة في قوله ومؤونة عاملي والعامل هو القيم وقال ابن بطال أراد البخاري بتبويبه أن يبين أن المراد بقوله مؤونة عاملي أنه عامل أرضه التي أفاءها الله عليه من بني النضير وفدك وسهمه من خيبر وفي ( التلويح ) وفي حواشي ( السنن ) قيل أراد حافر قبره واستبعد لأنهم لم يكونوا يحفرون بأجرة فكيف له وقيل أراد الخليفة بعده قال الكرماني عاملي أي خليفتي وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفرائض عن إسماعيل وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى وأخرجه أبو داود في الخراج عن القعنبي كلهم عن مالك
ذكر معناه قوله ولا تقتسم قال ابن عبد البر لا تقتسم برفع الميم على الخبر أي ليس تقتسم وقال الطبري في ( التهذيب ) لا تقتسم ورثتي بمعنى النهي لأنه لم يترك دينارا ولا درهما فلا يجوز النهي عما لا سبيل إلى فعله ومعنى الخبر ليس تقتسم ورثتي وقيل يجوز بإسكان الميم على النهي قلت الضم أشهر وبه يستقيم المعنى حتى لا عارض ما روي عن عائشة وغيرها أنه لم يترك مالا يورث عنه فإن قلت ما وجه النهي قلت هو أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئا بل كان ذلك محتملا فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق أنه خلف قوله ورثني سماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة ولكن منعهم من الميراث الدليل الشرعي وهو قوله ولا نورث ما تركناه صدقة قوله دينارا وفي رواية يحيى بن يحيى الأندلسي دنانير وتابعه ابن كنانة وسائر الرواة يقولون دينارا قال أبو عمر هو الصواب لأن الواحد هنا أعم عند أهل اللغة قوله بعد نفقة نسائي قال الخطابي بلغني عن ابن عيينة أنه كان يقول أزواج سيدنا رسول الله في معنى المعتدات لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدا فجرت لهن النفقة تركت حجرهن لهن يسكنها

(14/70)


7772 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( حماد ) عن ( أيوب ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر اشترط في وقفه أن يأكل من وليه ويوكل صديقه غير متمول مالا
مطابقته للترجمة في قوله اشترط إلى آخره والحديث مر عن قريب بأتم منه وقد اعترض الإسماعيلي عليه بأن المحفوظ عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر رضي الله تعالى عنه وليس فيه ابن عمر ثم أورده كذلك من طريق سليمان بن حرب وغير واحد عن حماد عن أيوب عن نافع وروي أيضا عن أبي يعلى عن أبي الربيع عن حماد عن أيوب أن عمر لم يذكر نافعا ولا ابن عمر ثم قال وصله يزيد بن زريع وابن علية حدثنا ابن صاعد حدثنا الحسين بن الحسن المروزي حدثنا ابن زريع حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال أصاب عمر أرضا الحديث وقول الحميدي لم أقف على طريق قتيبة في ( صحيح البخاري ) ذهول شديد منه فإنه ثابت في جميع النسخ والله أعلم
33 -
( باب إذا وقف أرضا أو بئرا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين )
أي هذا باب يذكر فيه إذا وقف شخص أرضا أو بئرا قال الكرماني وكلمة أو للإشعار بأن كل واحد منهما يصلح للترجمة وإن كان بالواو فمعناه إذا وقف بئرا واشترط ومقصوده من هذه الترجمة الإشارة إلى جواز شرط الواقف لنفسه منفعة من وقفه وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن من شرط لنفسه ولورثته نصيبا في وقفه أن ذلك جائز وقد مضى هذا المعنى في باب هل ينتفع الواقف بوقفه
وأوقف أنس دارا فكان إذا قدمها نزلها
أنس هو ابن مالك قوله دارا أي بالمدينة قوله إذا قدمها أي المدينة نزلها وهذا التعليق وصله البيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود المروزي حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أنه وقف دارا بالمدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره
وتصدق الزبير بدوره وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فليس لها حق
الزبير هو ابن العوام رضي الله تعالى عنه قوله للمردودة أي المطلقة من بناته ووقع في بعض النسخ من نسائه قيل صوبه بعض المتأخرين فوهم فإن الواقع خلافها قلت من أين علم أن الواقع خلافها فلم لا يجوز أن يكون الواقع خلاف البنات وهذا التعليق وصله الدارمي في ( مسنده ) من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وللمردودة من بناته فذكر نحوه ووصله البيهقي أيضا قوله أن تسكن بفتح الهمزة والتقدير لأن تسكن قوله غير مضرة بضم الميم وكسر الضاد اسم فاعل للمؤنث من الضرر قوله ولا مضر بها بضم الميم وفتح الضاد على صيغة اسم المفعول بالصلة
وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله
أي جعل عبد الله بن عمر الذي خصه من دار عمر رضي الله تعالى عنه سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله بن عمر يعني من كان محتاجا إلى السكنى من أهله يسكن فيما خصه من دار عمر التي تصدق بها وقال لا تباع ولا توهب كذا ذكره ابن سعد
8772 - وقال ( عبدان ) أخبرني عن ( شعبة ) عن ( أبي إسحاق ) عن ( أبي عبد الرحمان ) أن ( عثمان ) رضي الله تعالى عنه حيث حوصر أشرف عليهم وقال أنشدكم ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله

(14/71)


عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله قال من حفر رومة فله الجنة فحفرتها ألستم تعلمون أنه قال من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم قال فصدقوه بما قال
مطابقته للترجمة في قوله فحفرتها أي حفرت رومة قال ابن بطال ذكر الحفر وهم من بعض الرواة والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها قلت حفرها أو اشتراها وهي صدقة عنه فتطابق قوله أو بئرا وتمام دلالته على الترجمة من جهة تمام القصة وهو أنه قال دلوي فيها كدلاء المسلمين قوله عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي وعبدان لقبه يروي عن أبيه عثمان بن جبلة بن أبي رواد واسمه ميمون وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي وأبو عبد الرحمن اسمه عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي القاري له ولأبيه صحبة
وهذا التعليق وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما من طريق القاسم بن محمد المروزي عن عبدان بتمامه وروى الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن وعباس بن محمد الدوري وغير واحد المعنى واحد قالوا حدثنا سعيد بن عامر قال عبد الله أخبرنا سعيد بن عامر عن يحيى بن أبي الحجاج المنقري عن أبي مسعود الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري قال شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي قال فجيء بهما كأنهما جملان أو كأنهما حماران قال فأشرف عليهم عثمان فقال أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر فقالوا أللهم نعم فقال أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين قالوا أللهم نعم قال أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي قالوا أللهم نعم أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض فركضه برجله فقال إسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان قالوا أللهم نعم قال الله أكبر شهدوا ورب الكعبة إني شهيد ثلاثة هذا حديث حسن ورواه النسائي أيضا وزاد من رواية الأحنف عن عثمان فقال لأجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وعن النسائي أيضا من رواية الأحنف أن عثمان اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا وزاد في جيش العسرة فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما وللترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أنه جهزهم بثلاثمائة بعير وفي رواية أحمد من حديث عبد الرحمن بن سمرة أنه جاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي حين جهز جيش العسرة فقال ما على عثمان ما عمل بعد اليوم وروى الدارقطني من طريق ثمامة بن حزن عن عثمان قال هل تعلمون أن رسول الله زوجني إحدى ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي ورضي عني قالوا أللهم نعم
قوله حيث حوصر وفي رواية الكشميهني حين حوصر وذلك حين حاصره المصريون الذين أنكروا عليه تولية عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقصته مشهورة قوله أنشدكم يقال نشدت فلانا أنشده إذا قلت له نشدتك الله أي سألتك بالله كأنك ذكرته إياه قوله من حفر رومة قد ذكرنا عن ابن بطال أنه قال ذكر الحفر وهم والذي يعلم في الأخبار والسير أنه اشتراها ولا يوجد أن عثمان حفرها إلا في حديث شعبة وروى البغوي في ( معجم الصحابة ) من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله تعالى عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي فقال أتجعل لي ما جعلته له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين انتهى وإذا كانت عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا ويحتمل أن العين المذكورة كانت تجري إلى بئر فوسعها عثمان أو طواها فنسب حفرها إليه وقال الكرماني رومة بضم الراء وسكون الواو كان ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها فاشتراها منه عثمان بعشرين ألف درهم وذكر الكلبي أنه كان يشتري منها قربة بدرهم قبل أن يشتريها عثمان رضي الله تعالى عنه قوله فصدقوه بما قال أي بالذي قال عثمان رضي الله تعالى عنه وفي رواية 

{التالي بمشيئة الله ج27.وج28.}

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آيات ورد فيها "العرش" ويسبحون واشتقاقاتهم

  العرش آيات ورد فيها "العرش " ويسبحون واشتقاقاتهم   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِ...